27-01 مکارم الابرار المجلد السابع والعشرون ـ رسالة مرآة الحكمة ـ مقابله

رسالة مرآة الحکمة

 

من مصنفات العالم الرباني و الحکيم الصمداني

مولانا المرحوم الحاج محمد کريم الکرماني اعلي‌الله مقامه

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 27 صفحه 9 *»

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمدلله رب العالمين و صلي الله علي محمد و آله الطيبين الطاهرين و رهطه المخلصين و لعنة الله علي اعدائهم اجمعين.

و بعد يقول العبد الاثيم كريم بن ابراهيم ان هذه رسالة شريفة و كلمات منيفة في العلم الالهي و الحكم النبوي و السر الولوي صنعة الانسان الوسيط و انموزج العالم المحيط الكشف الاصغر و مرآت العالم الاكبر حلال المعضلات و كشاف المشكلات مجلي السر المنمنم و مظهر حق الايجاد المبهم الذي لايعد من الحكماء من جهله و لايدخل في العلماء من اهمله لايطلع علي الحقايق من لم‌يهتد اليه و لايقدر علي فهم الدقايق من لم‌يشاهد ما هو عليه لم‌يتبصر في شيء من الحكمة من غفل عنه و لم‌يخرج من عماء الجهل الي ضياء العلم و اليقين و المعرفة من ضل عنه لايرزق تأويل الكتاب و السنة من حرمه و لم‌يعط فهم اسرار الشريعة من منع منه ظهور الابداع و تجلي الاختراع و كفي في فضله ما قال فيه سر الله المطلق و الولي الحق صلي الله عليه و آله حين سئل عنه فقيل ما تقول فيما يخوض فيه الناس من علم الحكمة التي تسمي الكيميا أ كان ذلك غابراً او هو كائن ام انتظمته الحكماء ام جري عليه معاني الدهر فاطرق رأسه ملياً ثم صوب رأسه فقال انما سألتموني عن اخت النبوة و عصمة المروة و الله لقد كان و هو لكائن الي يومنا هذا و ما في الارض من شجرة و لا مدرة و لا شيء الا و فيه منه اصل و فصل قيل الناس يعرفونها قال الناس يعرفون ظاهرها و نحن نعرف ظاهرها و باطنها قيل فعلمنا يا اميرالمؤمنين قال و الله لا اعلم به احدا من العالمين قيل و لم يا اميرالمؤمنين قال و الله لولا ان النفس امارة بالسوء لفعلت ذلك قيل فاذكره يا اميرالمؤمنين بشيء نأخذ معناه قال هو نار حائلة و ارض سائلة و هواء راكد و ماء جامد فقالوا لم‌نفهم ما قلت يا اميرالمؤمنين قال ان في الاسرب و الزاج

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 27 صفحه 10 *»

و الملح الاجاج و الزيبق الرجراج و الحديد المزعفر و زنجار النحاس الاخضر لكنزا لايدرك له آخر تلقح بعضها ببعض فتشرق ناره عن نور شمس كائن و صبغ غير مباين فقيل اشرحه لنا يا اميرالمؤمنين قال اجعلوا البعض ارضاً و البعض ماء و البعض ناراً و البعض هواء و اصلحوا بين الطبايع تفصح عن دهن سائل و اكسير جابل فقالوا قد فهمنا يا اميرالمؤمنين نريد منك التمام فقال لم‌يوجد للماضين من قبلي ممن الهم الحكمة ان‌يخبروا به اكثر من هذا لتعلموه الصبيان في المكاتب و النساء في المراتب ولكن لايحل لهم ان‌يتكلموا بها الا هكذا لانه علم لاهوتي نبوي علوي حقيقي خصوصية من الله تعالي لمن يشاء من عباده انتهي و عنه عليه السلام كما رواه صاحب مفايتح اسرار الحروف قال الكيميا اخت النبوة و ام الفتوة و عصمة المروة و روي ان بعض اليهود اجتاز بعلي عليه السلام و هو يتكلم مع جماعة فقال يا بن ابي‌طالب لو انك تعلمت الفلسفة لكان يكون منك شأن من الشأن فقال عليه السلام و ما تعني بالفلسفة أليس من اعتدل طباعه صفا مزاجه و من صفا مزاجه قوي اثر النفس فيه و من قوي اثر النفس فيه سما الي ما يرتقيه و من سما الي ما يرتقيه فقد تخلق بالاخلاق النفسانية و من تخلق بالاخلاق النفسانية فقد صار موجوداً بما هو انسان دون ان‌يكون موجوداً بما هو حيوان فقد دخل في الباب الملكي الصوري و ليس له عن هذه الغاية مغير فقال اليهودي الله اكبر يا بن ابي‌طالب فقد نطقت بالفلسفة جميعها في هذه الكلمات رضي الله عنك انتهي. فهذا الخبر من جملة الاخبار التي حوت علم الفلسفة بحذافيره و عبر عن المولود بالعاقل لانه انسان الفلاسفة و مولود الحكمة و هو الذي اعتدل مزاجه فصارت ناره حايلة و ارضه سائلة و ماءه جامداً و هواءه راكداً فصفا مزاجه لما زال عنه الغرايب فقوي اثر النفس الحارة و الباردة فيه فسما الي ما يرتقيه و ما يرتقيه النفوس فتخلق بالاخلاق النفسانية فصار موجوداً بما هو انسان و كان قبل موجوداً بما هو حيوان بالحيوة المعدنية فقد دخل في الباب الملکي الصوري بالصورة العارية عن المواد

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 27 صفحه 11 *»

الخالية عن القوة و الاستعداد و ليس له عن هذه الغاية مغير فانه كامل ممسك بظله فافهم و قد رويت فيه روايات كثيرة و ان لم‌ترو في كتب اصحابنا الفقهاء فان الائمة عليهم السلام هم معادن علم الله و خزنة حكمه و عيبة سره و مهابط وحيه و مظاهر امره قد صدر عنهم الحق في جميع العلوم و تمام الرسوم و اخذ عنهم كل نوع منها اهله و حمل كل فن منها طلابه و رووه لاقرانهم و اودعوه اخوانهم و لقد تصفحت في العلوم و رأيت كل من ينتحل علماً ينتسب فيه اليهم و يفتخر باتصاله بهم و يرويه عنهم سلام الله عليهم و ان علم الفقه فن من العلوم التي برزت عنهم و تداوله الناس و ضبطوه لاحتياج كلهم اليه و بقي ساير العلوم في كسر الخفاء و عند اهله يتداوله بينهم كتداول الفقهاء فقههم بينهم و لساير العلوم ايضاً علماء و حكماء مجتهدون و رواة حاملون يروونها عن سادة العالمين و امناء الله علي جميع احكامه في خلقه اجمعين و قد ملأ جابر بن حيان ازيد من خمسمائة كتاب له من رواياته عن الصادق عليه السلام و هي عند اهلها معروفة مشهورة و كذلك ساير العلماء كالشيخ محمد القمري و الشيخ ابي‌المعالي احمد العجمي و غيرهم من حكماء الاسلام كيف لا و قد قال الباقر عليه السلام كل‌ما لم‌يخرج من هذا البيت فهو باطل و قال عليه السلام ليس عند احد من الناس حق و لا صواب و لا احد من الناس يقضي بقضاء حق الا ما خرج منا اهل‌البيت و اذا تشعبت بهم الامور كان الخطاء منهم و الصواب من علي و قال عليه السلام ليس احد عنده علم شيء الا خرج من عند اميرالمؤمنين عليه السلام الي غير ذلك من الروايات هذا مع انه قد روي في كتب اصحابنا ما يدل علي ذلك كما رواه الشيخ الحر في الهداية انه سئل الصادق عليه السلام عن النحاس ايش اصله فقال فضة الا ان الارض افسدتها فمن قدر علي ان‌يخرج الفساد منها انتفع بها.

بالجملة هو علم شريف لاهوتي نبوي علوي حقيقي يعرف به جميع حقايق الخلق و سيرة الله فيه من المبدء الي المعاد و لا علم ابداً لمن لا علم له به و لو تأملت

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 27 صفحه 12 *»

في قوله عليه السلام اخت النبوة لعرفت مقداره فان النبوة هي مقام مشاهدة الخلق و الاطلاع علي الوصل و الفصل و اللم و الكيف و حقايق الاشياء و تحمل الاوامر الكونية و الشرعية و ادائها الي ساير العوالم و مقام يد الله البارز منها جميع افاعيل الله سبحانه و آياته و علاماته و هذا العلم اخت النبوة فانه به يقتدي الانسان علي الاحياء و الاماتة و التكميل و التعديل و العقد و التحليل و التغيير و التبديل و التركيب و التحويل و اظهار خوارق العادات و عجايب المخلوقات و مشاهدة اسرار المبروءات و المذروءات و يقتدر علي الوصل و الفصل و التكليس و السبك و القلب و التصريف و غير ذلك من التصريفات التي لاتجري الا من يد الله الباسطة و قدرته النافذة فلاجل ذلك صار اخت النبوة و عصمة المروة فشرف هذا العلم كثير و بحره غزير لايفني عجائبه و لاينفد غرائبه هذا مع انه خزانة الله التي لاتفني و كنزه الذي لايستقصي و جوده الذي لاينفد و سخاؤه الذي لايبدد و فيه غناء عن اللئام و اعتصام عن التذلل عند الطغام و صيانة الوجه باليسار و كفاية عن الاقتار و منع عن الشح و البخل و حفظ عن الطمع و الحرص و فيه وصول الي الدرجات العلي و بلوغ الي مآرب الاولي و الاخري و انفاق في سبيل الله و كفاية لعيال الله و اعانة للمؤمنين و اغاثة للملهوفين و اغناء للمعدمين و مساعدة لفقراء المسلمين و صلة للارحام و استغناء عن الانام و اداء حق الاخوان و تفريج كرب اهل الايمان فلمثل هذا فليعمل العاملون أ ذلك خير ام شجرة الزقوم التملق لابناء الدنيا اللئام و التبصبص عند السلاطين و الحكام و التراود الي الفسقة الظلام و انتظار العطايا الزهيدة من الطعام جعلنا الله و اياكم من المستغنين الكرام ببركات آل الله الفخام عليهم صلوات الله الملك العلام و مع‌ذلك كله معالمه في هذه الايام مندرسة و آثاره منطمسة و اطلاله عافية و انواره خافية قل طلابه و نزر خطابه و ذهب اثره و انقطع خبره بل صار عيباً في اعين الناس لمزاوله و انقلب شيناً علي مداوله و انما ذلك لطلب بعض الجهال له في افساد المال و اضاعة العيال لا لمعني الحكمة يعقلون و لا الي العلماء به يرجعون و لا للتعليم اذا رجعوا يستأهلون و لا لطلب الحكمة و دار رضاء الله

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 27 صفحه 13 *»

يطلبون فلاجرم يخبطون خبط عشواء يعثرون في الظلماء و معاذ الله ان‌يستنير بنور ظاهر هذه العلوم و باطنها الا قلوب صافية و صدور نقية و بواطن زكية قال الله سبحانه تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لايريدون علواً في الارض و لا فساداً و العاقبة للمتقين فالحكمة الهرمسية هي الدار الآخرة فانها انموذج جميع الملك و شرح جميع الخلق فهي الدار الآخرة يجعلها الله للذين لايريدون في الارض ارض العلم و الارض الظاهرة علواً و فساداً فاحببت ان‌اكتب في هذا العلم رسالة تنطوي علي شرح هذه الحكمة ظاهرها و باطنها علي قدر ما رزقنا الله سبحانه ببركات آله صلواته عليهم ثم تفكرت في عوايق الايام و الزمان و موانع الدهر الخوان و كثرة الاشغال و تزاحم الاعلال و قلة الطالبين و عدم الممارسين فعزمت علي ان‌اكتب رسالة في ظاهرها لكن علي نهج الحقيقة و التنبيه علي كل دقيقة بحيث يمكن للطالب الممارس الحكيم استنباط الباطن منها هذا و اذا ضم رسالتنا هذه الي سائر رسائلنا عرف منها الباطن و باطن الباطن بحول الله و قوته فان سائر كتبنا مملوة بسر التطبيق بطور انيق و طرز رشيق ثم ترددت في خاطري بين ان اضع لرسم طرايق علمه خطوطاً موضوعة او اضع لعقاقيره اسماءاً غريبة غير مأنوسة بلغة جديدة او اسلك مسلك الحكماء و اتبع طريقة العلماء فرأيت ان الخط الغريب ان ابح برسمه و انكشف العلم بلاحجاب و اطلع عليه كل احد و رآه بلا نقاب و ان لم‌ابح بخطه و اعدم حروف اباجاده ففيه حرمان لاهله و تسوية بين الاجنبي و مستحقه و هو ظلم كما روي عن ابي‌عبدالله عليه السلام قال قام عيسي بن مريم خطيباً في بني‌اسرائيل فقال لاتحدثوا الجهال بالحكمة فتظلموها و لاتمنعوها اهلها فتظلموهم و كذلك ان اضع لعقاقيره و تدابيره لغات جديدة و الفاظ مستحدثة فرأيت ان الاصوب هو طريقة العلماء الربانيين و الحكماء الالهيين و قد اختار طريقتهم اميرالمؤمنين عليه صلوات المصلين و عبر مثل تعبيرهم فاخترت طريقه صلوات الله عليه و آله و اقتفيت اثره فكنيت عن العقاقير و اومأت الي التدابير و ذكرت ما ذكرت علي سبيل التلويح و اشرت الي ما اردت من غير تصريح حتي يكون ذلك سترة

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 27 صفحه 14 *»

بين العلم و الاجانب و يمكن استخراج الصواب منه للطالب الراغب حتي لا اظلم الحكمة و لا اهلها و لا‌يلمني احد علي ستري له جهلاً كما يلومون الحكماء فان هذا العلم ابي الله اظهاره و لم‌يرض بنشره فلذلك كتمه الانبياء المرسلون و الاوصياء المقربون و العلماء الربانيون و اختار جميعهم طريقة واحدة و سلك كلهم مسلكاً واحدا فاذاً صار ذلك بالمجازات و عبر عنه بالكنايات امكنك اذا ادمنت النظر ان‌تعرف المعني اما من مطابقة اللفظ او تضمنه او التزامه او من طبع مصداقه او لونه او طعمه او رايحته او وزنه او مكانه او وقته او اقتراناته او فحويه او لحنه او غير ذلك و لو كان بغير ذلك لم‌يمكن عادة الوصول اليه و الاطلاع عليه و مع‌ذلك كله ليس لاحد ممن له علم بهذا الشأن و اراد البيان ان‌يبينه في فصل واحد او باب واحد علي الولاء فان في ذلك احتمال الهتك فلاتجد ابداً في كتبنا قاعدة حاوية لجميع ما يحتاج في صحة ذلك العمل اليه و انما الاعمال مبددة و ماينبغي في كل قاعدة متفرقة مع انها محجوبة بالكنايات مستورة بالاشارات.

و اني اوصيك ايها الناظر في كتابي هذا ان لاتعمل بشيء منه الا بعد اتقان جميع ما له و به و فيه و منه و تفكر في جميع ذلك اولاً في عقلك و اعمله في خيالك و تدبر في كل تدبير كيف ينبغي ان‌يعمل باي عقار و باي آلة و في اي زمان و في اي مكان و باي وزن و هكذا و تدبر في عقلك ان هذا التركيب يمكن او لايمكن فان كان من الممكنات فباي تدبير يمكن ان‌يخرج من الامكان الي الكون و اية آلة يحتاج اليها و اي عقار ينبغي ان‌يتخذ له أيكون ذلك بداخل غريب او مناسب قريب او من غير داخل اصلاً و هكذا اذا علمت خواص الاشياء و ما يحصل من اقتراناتها بعقلك و عملت مرة في ذهنك و استنتجت في ذهنك نتيجة صالحة فاخرجه الي الظاهر و اعمل به يتهيأ لك البتة و ان لم‌يتهيأ لك في الاولي ففي الثانية او الثالثة او الرابعة او ازيد فانك اهله و لاتحرمه البتة و ان‌لم‌تقدر علي العمل في ذهنك فاسأل الله ان‌يصلح وجدانك اولاً و لاتخض في العمل قبل العلم فتلوم العلماء و تنسبهم الي الكذب و الافتراء اذا لم‌ينتج لك و كن سيء الظن بجميع الكتب و ليكن المرجوح في ذهنك ان‌يكون المراد من لفظ ظاهره فانه قل ما يراد

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 27 صفحه 15 *»

من لفظ ظاهره المعروف بين اهل اللغة و اعتقد ان اكثر التدابير واحدة و ان كانت التعبيرات عنه مختلفة و يبان انها قواعد متعددة و انما ذلك تدهيشات و تضليلات منهم للاجانب الذين لايصغون الي جميع اقوالهم و غطي عيونهم كثرة الطمع حتي انهم يسارعون الي العمل قبل العلم فيتلفون الاموال و ينهكون الابدان و ينفون الاعمار و لن‌يجدوه ابداً مع ان القوم ينادون علي انفسهم ان جميع كلماتهم علي غير الظاهر و انهم لايكتبون قاعدة تامة في موضع واحد ابداً فمع‌ذلك يتوجهون الي العمل بظواهر ما سمعوا و يحرقون الاموال مرة بعد اخري و اصمهم الطمع عن نداء هؤلاء و اعميهم الحرص عن كتبهم و ذلك حكمة بالغة فماتغن النذر و ذلك انتقام من الله سبحانه للطماعين حيث انهم يطلبون الاستقلال و كثرة المال فينتقم الله منهم بالاذلال و اضاعة المال و الفقر المدقع في المال و فساد الاحوال و ذلك لانهم لم‌يطلبوه لله المتعال نعوذ بالله في كل حال و اياك يا ايها المطلع علي كتابي هذا ان‌تكون مثلهم و لاتنظر الي كتابي هذا و وصيتي هذه او تخالف ما ذكرت لك فاني من الناصحين و سميت كتابي هذا بـ«مرآت الحكمة».

و ارجو من الله سبحانه ان‌يلهمني الصواب و ان‌يجعله ذخيرة لي في يوم المآب و ان‌يخرج كتابي هذا علي نحو يفهم منه الظاهر و الباطن علي ما احببت و يكون بذلك فائقاً علي كتب العلماء و ان كثرت فانها مشتملة علي الظاهر البحت و ليس فيها ذكر الله سبحانه و انما تكلموا علي الطبيعة الصرفة علي نحو طريقة الحكماء الطبيعيين و ذلك غير محمود عند العلماء الربانيين لانه يورث الغفلة عن اله العالمين و يؤدي الي القسوة الجاهلين و ارجو من الله سبحانه ان لايخرج كتابي هذا كذلك و يكون كساير كتبي مملوا بذكر الله و ذكر رسوله و آله عليهم السلام و يكون عليه نور ان‌شاءالله قال الله سبحانه لاتأكلوا مما لم‌يذكر اسم الله عليه و قال عليه السلام في معني قوله تعالي فلينظر الانسان الي طعامه اي الي علمه عمن يأخذه فاذا صار الطعام هو العلم و نهينا عن اكل ما لم‌يذكر اسم الله عليه فلاينبغي بث العلم و تعليمه و تعلمه الا اذا كان مذكوراً عليه ذكر الله عزوجل حتي يكون عليه نور من الله سبحانه و يزيد في الايمان و يكون منسوباً الي الله المنان و لا حول

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 27 صفحه 16 *»

و لا قوة الا بالله العلي العظيم و صلي الله علي محمد و آله الطاهرين و لعنة الله علي اعدائهم اجمعين و هو مشتمل علي ستة ابواب و كل باب يذكر فيه ما اراد الله سبحانه من انواع الحكم و التدابير علي قدر ما فتحه الله لي بمنه و جوده و كرمه.

الباب الاول

في كليات علمية يجب تقديمها و هذا باب يفتح منه الف باب و ان فيه الذكري لاولي الالباب و فيه عدة فصول:

فصل: قد ذكرت في بعض رسائلي جواباً لبعض الاخوان عبارة بليغة و لم‌اجد انسب منه في هذا المقام فاذكرها مع ما يقتضي من التغيير لتغير المحل قلت اعلم ان المؤثر الموجد من حيث الذات هو المتعالي عن صفة الآثار و المتنزه عن حدود الاغيار و هو الذات الاحدية و الواحد المتفرد بالسبحانية و الفرد المتقدس بالوحدانية قد قصر عن ادراكه ثواقب الفطن و كَلّ عن بيان مائيته السن اللسن لايجري عليه ما هو اجراه و لا يعود فيه ما هو ابداه و هو غير فاقد لكمال و ليس بعادم لجمال و لصفاته في مراتبها مقامات اربعة مما يلي ذلك المؤثر الي غاية الغايات فاعليٰها اشد تشاكلاً بمؤثرها و ادنيٰها اشد تنافراً عنه فلاجل ذلك صار اعليٰها اشد لطافة و اكثر قوة و بساطة و رقة و ادنيٰها اشد كثافة و اكثر ضعفاً و غلظة فحكي الاعلي عن المؤثر و ظهر فيه ما لم‌يحك الادني و لم‌يظهر فيه فصار الاعلي حاراً و الادني بارداً و الحرارة هي سبحة المؤثر المقتضية تفرق اوصال الاثر و تشتت جمعه و تهبية صلده و ترقيق غلظه و تلطيف كثيفه و تحريك ساكنه و تصعيد هابطه و اذابة جموده و بطلان تركيبه و تلاشي وجوده و ليست الحرارة الا ما هذا شأنه فاذا غلبت هذه السبحة في نفس الاثر فعلت فيها ما ذكرنا و ظهرت منها و اعطتها اسمها و حدها قال الله سبحانه قال انفخوا حتي اذا جعله نارا فاذا غلبت عليها و افنتها من نفسها و اوجدتها بنفسها فعلت مثل ما فعل بها كما قال علي عليه السلام تجلي لها فاشرقت و طالعها فتلألأت فالقي في هويتها مثاله فاظهر

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 27 صفحه 17 *»

عنها افعاله ففرق و شتّت و هبأ و رقق و لطف و حرك و صعد و اذاب و ابطل و هذه الآثار هي الملموسة من النار و ما تفعل في اليد غاية الامر انها متدرجة من اول التأثير الي غايته فاوله التسخين و آخره التحريق و التكليس و اما البرودة فهي ضد الحرارة و هي صفة نفس الاثر و اصله و منشأه قد ظهرت فيه علي الوصفية قال سبحانه هن لباس لكم و انتم لباس لهن فالبرودة ضد تلك السبحة الكائنة في نفس الاثر تقتضي تقلص الشيء و انقباضه و هدئه و سكونه و تكاثفه و تغلظه و تراكمه و اتصاله و عقده و استمساكه و هذه الصفات هي الكيفية الملموسة من البرودة غاية الامر انها متدرجة من الضعف الي القوة و هذه الصفات موجودة في نفس الاثر من مبدئه الي منتهاه كما ان السبحة موجودة فيها لان قوامه بهما في كل رتبة و مقام فلولا السبحة لم‌يكن و لولا نفسه لم‌يتعين فهما كمثلثين متداخلين او كرتين حادتين الا ان كل ما يدنو من اعليٰه تكون السبحة اغلب و صفة النفس اضعف حتي كادت ان‌تفني و كلما ينزل الي الاسفل تكون صفة نفسه اغلب حتي كادت السبحة ان‌تفني فسمي الاعلي و الاسفل باسم الغالب و كل ما فيه من الحرارة فمن السبحة و كل ما فيه من البرودة فمن نفسه قال سبحانه ما اصابك من حسنة فمن الله و ما اصابك من سيئة فمن نفسك و صارت نفس الاثر من جهة غلبة البرودة فعالة فيما لاقتها مثل ما ذكرنا في الحرارة فلاجل ذلك صارت الحرارة و البرودة فعالتين في جميع ما لاقتاه و صارتا يدي الفاعل العالي فالحرارة يمناه و البرودة يسراه فالفاعل الذي منه الحرارة لا البرودة هو الفاعل الشرعي لا الكوني فافهم فانه سر منمنم و رمز مبهم لايحل كشفه اكثر من ذلك و جميع الافعال المتضادة صدرت من الفاعل الكوني بهاتين اليدين قال الله سبحانه كل من عند الله و قال انا الله لا اله الا انا خلقت الخير و الشر طوبي لمن اجريت علي يديه الخير و ويل لمن اجريت علي يديه الشر نقلته بالمعني و لعل فيه اختلافاً لفظياً فبالحرارة اضاء و انار و لطف و صعد و جذب و انعم و اعطي و بالبرودة اظلم و كثف و اهبط و دفع و عذب و منع فجميع الافاعيل راجعة الي هذين الاصلين صادرة عن هاتين اليدين

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 27 صفحه 18 *»

فلاجل ذلك قلنا هما فعالتان في الوجود بل لا فعل الا عنهما و بهما و ما قبل ذلك ليس بفعل فانه لا فعل الا بحركة و لا حركة الا في متحرك و اول المتحركات هاتان اليدان فافهم ان‌شاءالله ان تفهم و اما الرطوبة فهي سبب الانفعال و اصله و ما قيل من ان اليبوسة ايضاً سبب الانفعال فهي يبوسة خاصة اصطلاحية كما يأتي ان‌شاءالله فاليبوسة الحقيقية ليست بقابلة فاذا هي من الفاعلة فهي صفة الحرارة و اليبوسة و الاثر من حيث الاثرية رطب فمن اجل ذلك كله ظهر في كل اثر موجود طبايع اربع حرارة و برودة و رطوبة و يبوسة و صارت اسطقس كل موجود و تلك الرطوبة التي هي في نفس الاثر صارت واسطة بين نفس الفاعل و نفس الاثر و صارت ذات جهتين جهة الي فاعل الحرارة فهي رطوبة حارة و جهة الي فاعل البرودة فهي رطوبة باردة و ظهر سر هذا الترتيب في العناصر الفلكية التي هي علي الوضع الحقيقي فالحمل حار يابس و الثور بارد يابس و هما فاعلان ثم الجوزا رطب حار و السرطان رطب بارد و علي هذا الترتيب ساير البروج و انعكس هذا الترتيب في العناصر الغيبية فكان العقل الذي هو اول ما خلق رطباً بارداً و الروح التي تليه رطبة حارة و النفس بعدها باردة يابسة و الطبع بعدها حار يابس و ذلك لشدة اضمحلال كلما يقرب الي المبدأ و قوة استقلال ما بعد في الغيب فافهم و اما في العناصر السفلية فظهرت علي ما هو المشهور لان المدار هيهنا علي الرقة الجسمانية و لطافتها و سيلان ظاهرها فان في السفليات كلما هو اشد ذوباناً و سيلاناً اشد مطاوعة لفعل الفاعل و سر العبودية فيه اظهر و خالف جميع ذلك عناصر الانسان الصغير فقد يصعد فيه الصفراء و تطفو فوق جميع الاخلاط و هي حارة يابسة ثم يليها البلغم و هو بارد رطب ثم يليه الدم و هو حار رطب ثم يليه السوداء الراسبة لانها باردة يابسة و انما ذلك لشدة نضج الدم و غلظه الذي جعله الله فيه لاجل حفظ الروح و ضبطها فانه مركبها فلاجل شدة نضجه صار اثقل من البلغم كما ان الذهب اثقل من الفضة مع ان الفضة باردة و الذهب حار و خالف جميع ذلك عناصر عالمنا هذا فان فيه يظهر الماء اول وهلة ثم يظهر الهواء ثم يظهر النار ثم يتخلص الارض و

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 27 صفحه 19 *»

السر في ذلك ان الماء بارد رطب و ضد النار و اشد عناصره تنافراً منها فيفر اولاً بخلاف الهواء فانه من جهة الحرارة يناسب النار فهو اقوم عليها الي ان‌تغلب نار يصير الهواء بالنسبة اليها بارداً فان الكيف الاقل اقل بممازجة الضد فهنالك يفر و اما النار فلشدة المشاكلة تلبث مع التراب الغير القادر علي الفرار ليبسه فيصبران علي النار ثم يستخرج النار من الارض بادخال الماء عليها حتي تميع و تنبسط في الماء فتؤخذ شيئاً بعد شيء حتي لايبقي فيه شيء منها فيبقي الارض هامدة لا روح لها و لا حراك فلاجل ذلك صار ترتيب عناصر عالمنا علي ما عرفت فافهم راشداً موفقاً.

فصل: اعلم ان کل اثر له جهتان جهة الاحدية و جهة الواحدية و هما المشاراليهما في قول اميرالمومنين7 جذب الاحدية لصفة التوحيد و يعبر عنهما بالنور و الظلمة و جهة الي الرب و جهة الي النفس اما الجهة الاولي فهي جهة الفاعلية و النور و الخير و الحرکة و البساطة و اللطافة و الدوام و الاستقلال و اما الجهة الثانية فهي جهة المفعولية و الظلمة و الشر و السکون و الترکيب و الکثافة و الدثور و الاضمحلال و الجهة الاولي هي المبدء و الثانية هي المنتهي و هاتان الجهتان متداخلتان ممتزجتان حادتان و اشبه شيء بهما نور السراج المنتشر في الفضاء مع الظلمة المنتشرة فانهما متداخلتان ممتزجتان و هما في التصوير کالکرتين المتداخلتين او کالمخروطين المتداخلين رأس کل واحد عند قاعدة الاخر و هما في المزاج کالماء و الدبس مثلاً فلاجزء من الماء الا و معه الدبس ولکن من البين ان کل ما يکون منهما اغلظ راسب و کل ما يکون منهما الطف طاف فهنا مقامان مقام بساطة و مقام ترکيب اما الاول فهو مقام الماء الصرف و الدبس الصرف و اما الثاني فهو مقام طافي المرکب و راسبه و مقام الوجود و الماهية هو الاول و مقام المادة و الصورة هو المقام الثاني و قد قال الرضا7 ان الله سبحانه لم‌يخلق شيئاً فرداً قائماً بذاته و قد قال الله سبحانه و من کل شيء خلقنا

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 27 صفحه 20 *»

زوجين و قد اتفق الحکماء ان کل ممکن زوج ترکيبي فالوجود الصرف و الماهية الصرفة غير موجودين البتة و هما مهما وجدا وجدا معا و هما کالکسر و الانکسار حادان ممتزجان و هذه المقامات الاربعة في کل شيء و الغالب علي الطافي سر الوجود و لذا قد يسمي به و الغالب علي الراسب سر الماهية و لذا قد يسمي بها و جميع ما يضاف الي الوجود يضاف الي المادة لانها جهة اضافته و تعينه و اسمه و حده و جميع ما يضاف الي الماهية يضاف الي الصورة لانها جهة اضافتها و تعينها و حدها فالمادة هي جهة الشيء الي مبدئه و مظهر آثاره و مجلي انواره و يده في افعاله و لسانه في اقواله و وجهه الظاهر في آثاره بها يقبض و يبسط و يعطي و يمنع و يفعل و يترک و الصورة هي جهته الي المنتهي و جهة انفعاله و مفعوليته و سکونه و انيته فالجهة الاولي مقام سماوات وجود الشيء و الثانية جهة ارضيه فالاولي تنقسم الي مقامات تسعة الاولي جهة اعليها و توجهها متمحضة الي مبدئها فهي صرف مقام بساطتها و الثانية جهة مبدء اقترانها و هو الميل النفساني لا الظاهري و الثالثة جهة الاقتران الظاهري التفصيلي فظهر الکثرة في هذه الجهة دائرة علي قطب واحد هي جهتها الي الجهتين الاوليين و ظهرت تلک الکثرة في ست مراتب لظهور بواطن الثلث و ظواهرها فيها فلاجل ذلک صار مراتب سموات وجود کل شيء تسعة و هي نهاية الاحاد التي هي مبادي الاعداد و ظهرت فيها صفات المبدء و حيوته و افعاله و تأثيراته و صارت اراضي وجوده في نهاية شهوده و لما کانت هذه الجهة جهة غلبة مفعوليته و اثريته ظهرت فيه الطبايع الاربع علي ما بينا آنفاً و شرحنا و هاتان الرتبتان اي رتبة السموات و الارضين متداخلتان تداخل الروح و الجسد و الماء و الدبس فالسماء مترامية من العرش الي الفرش ولکن تتدرج في اللطافة و الکثافة و الارض مترامية من الفرش الي العرش ولکن بتدرج من الکثافة الي اللطافة ففي السماء قد کمن آثار المنتهي و خفيت ظلمته و کثافته و برودته و رطوبته و غلبت لطافته و رقته و حرارته و ذلک قوله تعالي و هي دخان و في الارض قد کمن آثار المبدء و خفي انواره و غلبت الکثافة و الغلظة الحاجبة و البرودة و الرطوبة و ذلک قوله تعالي و کان عرشه علي الماء فکانت السموات

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 27 صفحه 21 *»

من طبيعتين و الارض من جسدين و شاهد ذلک سماء وجودک المرکبة من الاجزاء الهبائية الجسدانية و القوي النفسانية و ارض وجودک المرکبة من غلائظ الروح و کثائف الجسد فيجري جميع احکام الافلاک في الارض باعتبار کثائفها و جميع احکام الارض علي السماء باعتبار لطايفها فسم ما شئت بما شئت و لا حرج ان کنت تفهم ما تقول و لمن تقول.

ثم اعلم ان الارض لما کانت مختلفة المراتب فکانت اعاليها ارق و الفلکية الکامنة فيها اظهر و اسافلها اغلظ و سر الفلکية فيها اخفي فصار في عالمها النار و الهواء افلاکها و الماء و التراب ارضها و ظهر في النار سر الفلک التاسع و الثامن و في الهواء سر ساير الافلاک السبعة و في الماء و التراب سر الطبايع و يختلف مراتب کل واحد ايضاً کذلک من اعلاه الي اسفله فتجد،

کل شيء فيه معني کل شيء       فتفطن و اصرف الذهن اليّ

و لما کان لطائف الارض في السماء و کثايف السماء في الارض قلنا ان السموات سبعة و الارضين ايضاً سبعة و اردنا بالارضين لطائف الارضية التي في کل سماء فکل سماء ارض بالنسبة الي ما فيها من الارضية و سماء بالنسبة الي ما فيها من السمائية و غاية رقة الارض و لطافتها بحيث يصدق عليها الاسم الکرسي و هو طرف الارض و حدها لما قال سبحانه او لم‌يروا انا نأتي الارض ننقصها من اطرافها قال عليه السلام يعني بموت العلماء و هو ارض جنة عدن و العرش سقفها و فيه رأس مخروط الارض و قد تلاشي فيه حتي لم يبق له اثر في العين فمحدب کل سماء ارض جنة و اما النيران ففي الارضين و هي غلائظ کل سماء فافهم ان کنت تفهم فليس هيهنا موضع بيانه اکثر من ذلک.

فصل: اعلم ان هذا الحکم الذي ذکرناه و مثلناه له بالسماء و الارض جار في جميع مراتب الوجود من الدرة الي الذرة فان جميعها اثر المشية الکاملة الواحدة فالجميع واحد و انما اختلافه و تعدده بحسب اختلاف المحال فجميع ما في العقل في التراب و بالعکس و جميع ما في کل واحد من تلک المراتب في کل

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 27 صفحه 22 *»

واحد منها بلاتفاوت و انما الاختلاف ناشيء من محال المراتب فالنور الظاهر في نهاية القرب کان جبروتياً معنوياً و النور الظاهر في الوسط کان ملکوتياً صورياً و النور الظاهر في الملک اي غاية البعد کان ملکياً جسدانياً و صار ذلک النور في نهاية القرب اوحد و الطف و احر و ابسط و کان في غاية البعد اشد تکثراً و اکثف و ابرد و اکثر اجزاء و في الوسط بين بين و کان نظر اجزاء الاقرب و ميلها الي شيء واحد فتضامت غاية التضام و تراکمت لوحدة حيزها فمالت جميعها اليه و دارت عليه دوران الکرة علي القطب و انما ذلک کله لشدة تشاکل اجزائه لبساطتها فلم تقبل علي نفسها اعراضاً و بقيت علي حالها و اما غاية البعد فکان نظر اجزائها الي اشياء عديدة وجدتها و قومها يسجدون للشمس من دون الله فتخلخلت اجزاؤها و تعددت اميازها و قل ظهور الاحدية الممتنعة عليها الفناء و التفکک و الفساد فيها فضعفت بنيتها لضعف سر الاحدية الممتنعة فيها فقبلت الاعراض و طرأت عليها الاعراض و کثرت التراکيب و ظهرت الاعاجيب و تکثرت الاجزاء و تعددت الاعضاء علي ما تري و اما الوسط فکان متوسطاً في جميع ذلک فکان اعالي الملکوت مشاکلة للجبروت مرتبطة به بالرقايق و اسفله مشاکلاً للملک مرتبطاً به بالاظلة و من ذلک اختلفت الحالات و تمايزت الصفات و لما کان کل واحدة من المراتب الثلث سايرة الي المبدء في قوس الصعود صار طريق کل واحد مختلفاً فکان في طريق الملک جبال و تلال و قفار و حيات و حيتان و عقارب و ظلمات و رعد و برق و مروره في هذه المنازل الموحشة زماني و کان في طريقه في الملکوت من حيث الاسفل کما مر و من حيث الاعلي في صحراء سهلة مونسة قاع صفصف لايري فيه عوج و لا امت و هي بارزة و کان سيره في تلک المنازل ملکوتياً دهرياً و اما في الجبروت فهو منزل واحد يسير من ادناه الي اعلاه و سيره فيه جبروتي و باعتبار سرمدي فلاجل ذلک نقول ان الزمان نسبة حالة الي حالة و الدهر نسبة الحالات الي الذات و السرمد هو الذات.

بالجملة جميع ما في الجبروت في الملکوت و الملک و جميع ما في الملکوت في الجبروت و الملک و جميع ما في الملک في الجبروت و الملکوت

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 27 صفحه 23 *»

و الفرق في الرقة و الغلظة و الصفاء و الکدورة و يمکن استحالة کل واحد الي کل واحد بالکسر و الصوغ و الحل و العقد علي حسب ارادة المدبر کما يأتيک من ان الزيبق و الکبريت و الجسد ثلثتها من بخار و دخان الا انهما في الزيبق الطف منهما في الکبريت و في الکبريت الطف منهما في الجسد فيمکن احالة کل واحد الي کل واحد و يمکن اتحادهما و امتزاجهما حتي تصير ثلثتها جوهراً واحداً متشاکل الاجزاء بالهدم و التلطيف و التغليظ و ذلک ان الزيبق جبروتي في عالم المعادن لانه روح طيار لطيف و الکبريت ملکوتي في عالم المعادن لانه نفس متوسطة بين الطيران و الثبات و الجسد مرکب منهما بالکسر و الصوغ مقام الملک و ثلثتها مرکبة من البخار و الدخان کما سنبرهن عليه ان‌شاءالله و يمکن تلطيف الجسد حتي يصير طياراً صاعداً کالزيبق و يمازجه علي المشاکلة و يمکن ايضاً تلطيف الکبريت حتي يصير روحانياً ممازجاً لهما مؤلفاً بينهما فيکون جميعها جبروتية يفعل الجسد ما يفعل الروح و يفعل الروح ما يفعله الجسد و يفعل النفس ما يفعلان بلاتمانع و لم‌يخرج مع‌ذلک عن الجسمانية و عن حالة الترکيب عن البخار و الدخان و هذا هو سر المعاد المخفي علي اهل العناد الذين هو حشو البلاد فان الجسد الانساني و نفسه و عقله کلها من بخار الوجود و دخان الماهية مرکبة منهما علي نهج واحد الا ان العقل من البخار و الدخان و الطف و النفس منهما و اوسط و الجسد منهما و اکثف و هو قابل للتفکک لوجود الاعراض المانعة عن شدة التمازج و التضام فاذا کسر و ازيلت الاعراض و دفعت الامراض المانعة عن التراض و صيغ ثانياً بعد التشاکل التام تعانقت تعانقاً لا تحلل بعده ابدا و لم‌يخرج عن الترکيب عن المادة و الصورة و البخار و الدخان بوجه فدار الدنيا دار اعراض متخللة مانعة عن التراکم و التلزز و دار الآخرة دار صوغ جديد خالية عن الاعراض صافية عن الامراض فتکسر الابدان بين النفختين حتي تصاغ صيغة اخري و يلقي رمادها خارج العالم و يؤخذ الاجزاء الصافية اللطيفة الاصلية کما صدرت عن خالقها خالية عما لحقها من محالها في النزول و انما العود علي البدء.

بالجملة غرضنا من هذا الفصل ان‌تعلم ان حقيقة العقل و النفس و الجسد

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 27 صفحه 24 *»

واحدة و الاختلاف من خصوصيات المحال قد عرضها حال النزول و ستزول حالة الصعود الي الاوطان واهبة الانسان في السفر اهبة يقي عن نفسه بها الحر و البرد و الغبار و الصدمات و اللصوص و القواطع فاذا وصل الي الوطن الاصلي المألوف لم‌يحتج الي اهبة السفر فانه دار انس و منزل قدس فافهم ان کنت تفهم و لو عرفت ما ذکرنا عرفت سر التدبير في الارکان و ان لم‌تعرف فاصغ لما اقول علي نحو الاشارة و تفصيله بعد ذلک مأمول.

اعلم ان الله سبحانه خلق الاشياء للبقاء و الدوام و لاجل العبادة و الامتثال و المطاوعة و لاجل ان‌يکونوا مثله قال في القدسي يابن آدم انا رب اقول للشيء کن فيکون اطعني فيما امرتک اجعلک مثلي تقول للشيء کن فيکون لعله منقول بالمعني فخلق الخلق لان‌يکونوا صفة ربوبيته و آية فعاليته و حملة قدرته و مجالي قهاريته و مظاهر رحمانيته و اوکار مشيته و ارادته و مهابط قدره و مصادر نهيه و امره الي غير ذلک و لا مانع لحکمه و لا راد لقضائه و الخلق بمشيته دون قوله مؤتمر و بارادته دون نهيه منزجر فخلق ما خلق کمااراد و شاء بلامانع و انما منع الخلق عن ظهور هذه الصفات منهم لحوق اعراض لحقتهم عند نزولهم بامره سبحانه ادبر فادبروا الي ان وصلوا الي هذه الدار دار البلي و الاختبار و جعل في قوتهم تلک الکمالات و الصفات و امرهم و نهاهم حتي يعلم المفسد من المصلح و الکافر من المؤمن و ليهلک من هلک عن بينة و ليحيي من حي عن بينة و حجة فالکمال المطلوب من المولود کامن في الارکان و الحجر البتة و انما منعه عن التصرف و الفعالية الاعراض اللاحقة فان اردت تحصيل مولود فعال فرق الارکان عن حضيض الکثافة و البعد الي اوج اللطافة و القرب حتي تعيدها حالتها الاولي التي جبل الخلق عليها التي کانت کامنة في جوف الارکان بالقوة فاخرجها بترقيق الحجب و رفع الموانع الي الفعلية و اعدها الي ما کان عليه قبل النزول فقد تم فدبر الارواح بقطع علايقها عن الاوساخ اللاحقة بها و ابقها حياً و زد في حيوتها بدفع الاوساخ الميتة و جردها عن الکثافات الملکوتية و الملکية و صعدها عن مراتب نزولها و ارسل اليها المياه المحيية و اياک ثم اياک باتلاف بلتها الغروية و تثبيتها

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 27 صفحه 25 *»

باجساد و نفوس غريبة فانا نريد العود الي ما کنا فيه لا النزول الي ما نحن فيه و کذلک يجب عليک ان‌تلطف النفوس و تقدسها عن الارجاس و تنظفها عن کثافات الطبايع و الاجساد بل تصعدها عن مراتب نزولها حتي تجعلها اخت الروح او بنتها حتي تکون جزء منها او يکونا جزئين لبخار و دخان واحد ثم تلطف الاجساد و تهبيها و ترققها حتي تعيدها الي عرصة الارواح و حيزها بالحل و العقد و التلطيف و التهبية حتي يصير جسمها مشاکلاً لسماوات الارواح و يصير فلکياً بمنزلة التراب الذي في الافلاک فعند ذلک يمکن تمازجها و تضامها و اتحادها و تعانقها و تترکب ترکيب الخلود و تظهر الغاية المخلوق لاجلها فيکون جوهراً بلورياً يري ظاهره من باطنه و باطنه من ظاهره مخلداً باقياً باعتداله فعالاً قاهراً غالباً و کذلک تقدير العزيز العليم و بعد ما عرفت سر العمل فلا اراک تصغي الي الکلمات السخيفة و العبارات الواهية و التدبيرات الکاذبة و التدهيشات الموهمة التي ملأوا بها الکتب و الدفاتر و اتعبوا الخلق و اتلفوا اموالهم و اضلوا کل غايب و حاضر و انما الکتب اذا کانت صحيحة عصي العميان واما اذا ابصرت الامر فلاتحتاج اليها و الله المستعان.

فصل: اذا عرفت ان سرّ کل شيء في کل شيء و عرفت ان جميع ما خلق من وجود و ماهية متمازجين متداخلين تداخل الماء و الخل و عرفت انهما بعد التداخل و صيرورتهما شيئاً واحداً يقف علي ما ذکرنا من الغيب و الشهادة و يقف في الشهادة علي هذه الهيئة المشاهدة من السماء و الارض في عناصرها فاعلم ان لهذا العالم الکلي صوغ اولي و صوغ ثانوي فالصوغ الاولي هو الصوغ النوعي النسبي و اما الصوغ الثاني فهو بعد الکسر و العقد ثانياً و هو الصوغ الشخصي و يلحقه الصوغ العرضي و هو صوغ عرضي و عقد باير کماتري من امر المولود الکامل البالغ فانه مصوغ بالصوغ الاولي الاصلي الخالد و کان قبل ذلک محلولاً في ارکانه منعقداً في الحجر محلولاً في ارکانه منعقداً جامداً في المادة بالعرض و کذلک وجودک الآن مادة معقودة عقداً عرضياً و تحل في الطبايع و تعقد في

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 27 صفحه 26 *»

عالم الاظلة و تحل ثانياً في عالم الطبايع و تعقد في عالم النفوس ثانياً علي العقد و الصوغ الاولي و کذلک هذا العالم هو حجر معقود عقداً عرضياً يحل في طبايعه و يعقد في الظلال و يحل في الطبايع و يعقد في النفوس حرفاً بحرف و انما هو من شيء واحد مثلث الکيان عرش و افلاک و عناصر مربع الکيفية نار و هواء و ماء و تراب فافهم ان کنت تفهم و الا فاسلم تسلم.

و هذان المثلان کانا علي المقلوب للاستدلال و الا فالامر علي العکس فالمولود هو جسم مرکب بترکيب خالد و اجزاؤه من لطائف الحجر و صوافيه قد کسر و صيغ و کسر و صيغ الي ان صفي و رق و لطف و تفلک و تروح و سر تکون هذا العالم في کسرين و صوغين اي حلين و عقدين حل و عقد اولي و حل و عقد ثانوي ان الصوغ الالهي هو الصوغ الاول الذي جبل الخلق عليه علي حسب مقتضي التدبير و اتقان القضاء بالتقدير في عالم الغيب صوغاً نوعياً مادياً و کان في صوغه ذلک مرکباً من بخار و دخان ترکيباً دهرياً نوعياً و لايتم الشيء الا بشخصيته بالصوغ الشخصي فکسره الله ثانياً و عقده عقداً شخصياً کماتري ان السرير يوجد في صوغين الصوغ الاول صوغ الخشب المحلول في الطبايع المعقود في الخشبية و هي الصورة النوعية و اما الصوغ الثاني فبأخذ حصة من الخشب المرکب من مادة الطبايع و صورة الخشبية النوعية و عقد تلک الحصة في الصورة السريرية و کذلک هذا العالم قد خلقه الله اولاً في الصوغ النوعي النفساني و کان محلولاً في الکون الجوهري و انعقد في الصور النفسية و نوعيتها دهريتها الشاملة لجميع الحالات الزمانية المحيطة بکلها الصادقة علي جميعها و الصوغ الشخصي له الصوغ الزماني فاخذ حصة من طبايع ذلک النوع في عالم الهباء و البسها صورة مثالية و اخرجها جسماً معقوداً و لما کان الصوغ الثاني بعيداً عن الوحدة النوعية و عن جوار المبدأ الاحد الواحد ضعفت بنيته کما مر و قبل الاعراض علي نفسه في مقام الحصص المادية و الاظلة المثالية و المصوغ الجسمي فجاء علي ما تري و کذلک مرکبنا احتاج الي حلين و عقدين لاجل ذلک فننکث الفتل بحل المعقود اولاً لاخراج الارمدة الخارجية اي الاعراض الثانية ثم نعقده حجراً و هو الهيولي القابل للتدبير الآن المتمکن للعمل کالنطفة فالتدابير

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 27 صفحه 27 *»

قبل النطفة في الکيلوس و الکيموس مقدمات اخراج الارمدة و ايصالها الي الحالة الاولي اي العرضية الاولي فاذا کان حجراً حللناه ثانياً و نخلناه بالمناخل لاخراج الاعراض الاولية ثم فصلناه ارکاناً و طبايع ثم عقدناه ابيض و احمر فقد تمّ و کذلک الانسان هنا هو المادة فيموت فيأکل التراب ارمدته فيکون حجراً في البرزخ و الاظلة فيحله الله سبحانه و ينخله في الطبايع و يفصله طاهراً ثم يعقده فقد تمّ.

فتبين ان الوجود الشخصي و النوعي معاً يعودان الا ان الشخصي يطهر حتي يشاکل النوعي و تضمحل الشخصية في النوعية و ذلک بحر ضل فيه السوابح الا من عرف سر الفسلفي بعرفان الله سبحانه و توفيقه فليس تبطل الشخصية في المولود الکريم و الشيخ الفخيم و انما هو جسد سماوي و جسم روحاني يري ظاهره من باطنه و باطنه من ظاهره اي نوعه من شخصه و شخصه من نوعه لسر المشاکلة التامة و المعانقة المتضامة و اللطافة الکاملة تعالي الله عما يقول الظالمون علوا فلاجل ذلک نقول ان الدنيا بما فيها من مکان و زمان و سماء و ارض تحضر الآخرة الا انها مکسورة مصوغة لا غير و قد ينکر علينا من ينکر بجهالته بمعني ما نقول ففرطوا و افرطوا حيث ظن قوم ان العمل يحصل من العبايط و ظن آخرون ان العمل يأتي من ارواح بلااجساد المداد من غير صورة مداد لا الف و الصورة بلامداد غير مستقرة فاين يذهبون و اني يتيهون.

فصل: اعلم ان کل شيء يوجد في کونين کون وجودي و کون شرعي او نسميهما وجوداً کونياً و وجوداً شرعياً و معرفتهما عسير لمن لم‌يعرف هذا الفن الشريف.

اعلم ان لکل شيء وجوداً شرعياً و هو بمنزلة الروح و وجوداً کونياً و هو بمنزلة الجسد و الروح مقدم علي الجسد نزولاً و مؤخر عنه ظهوراً ففي عالم الظهور الکون الشرعي مؤخر عن الکون الوجودي و يظهر عليه کالصفة اذ يتصف به الکون الوجودي في عالم الظهور کما تري ان الوجود مقدم علي الماهية و يقال للماهية موجودة و کذلک الامکان مقدم عليها و تقول لها مکونة و ممکنة و کذلک الروح مقدم علي الجسد و تقول للجسد حي و هکذا الامر في العقل و العلم و

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 27 صفحه 28 *»

القدرة و الخيال و الفکر و امثالها و کذلک الشرع مقدم وجوداً و يتصف به الکون فتقول زيد مؤمن و عمرو کافر و فلان مصل و صائم و عاص او سعيد و شقي و امثال ذلک فلما رأينا اتصاف الکون بها و تأخر ظهورها عرفنا تقدم وجودها و کذلک کان لان الشرع هو العلة الغائية من خلق الاکوان و العلة الغائية مقدمة وجوداً و مؤخرة ظهوراً کما هو مسلم معروف و کما تشاهد في هذه الدنيا ان لزيد کونين کوناً وجودياً يوجد علي الفطرة قبل تعلق الدعوة به ثم يدعي الي الله سبحانه فيؤمن او يکفر فيکون بکون الايمان او بکون الکفر فهذا الکون کان قبل وجوده في عالم الارواح و نزل الي بسايط کونه الوجودي فصار فيها بالقوة فاذا رکب زيد منها و کلف خرج ما کان بالقوة الي الفعل فکان مؤمناً او کافراً فان آمن طاب جسده و ان کفر قذر و کما رأيت في هذه الدنيا يکون الامر في جميع العوالم ما تري في خلق الرحمن من تفاوت ففي عالم الذر ايضاً خلق الله الخلق اولاً حصصاً مادية ممتازة کما کان زيد هنا ممتازاً عن عمرو و عمرو عن بکر فهناک کانت الحصص المادية ايضاً ممتازاً لکن غير مصورة بصورة ايمان او کفر فکلفوا و البسوا بقبولهم و انکارهم اظلة عليين و اظلة سجين فمنهم کافر و منهم مؤمن فمن کفر ملح ماؤه و خبثت مادته و من آمن حلي ماؤه و طابت مادته و کذلک کانوا في الذر الاول حصصاً معنوية ممتازة غير مصورة فکلفوا فمنهم من آمن و منهم من کفر فمن آمن کانت مادته العقل و صورة ايمانه النفس القدسية و من کفر کانت مادته الجهل و صورة کفره الامارة يهديهم ربهم بايمانهم و بکفرهم لعناهم و جعلنا قلوبهم قاسية ماتري في خلق الرحمن من تفاوت و في جميع هذه العوالم يکون الصورة الشرعية مؤخرة في الظهور کمارأيت لکنها مقدمة في الوجود فان وجود الصورة الطيبة وجهها في الامر المتعلق بالکون و وجود الصورة الخبيثة وجهها في خذلان الله سبحانه و هيئة حرکة يد الکاتب مقدمة علي الالف المکتوب فان طابق الالف في الاستقامة حرکة اليد سعدت و ان خالفت شقيت و انما خلقت الالف لاجل ظهور حرکة يد الکاتب و استقامة يده فالعلة الغائية هيئة حرکة اليد مقدمة وجوداً مؤخرة ظهوراً فافهم المثل و هيئة حرکة يد الکاتب روح في جسد الالف فانها

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 27 صفحه 29 *»

تستجن في المداد ثم تصير فيه بالقوة ثم تظهر و تحيي بالفعل فتکون الفاً حياً عليها وشمة حرکة يد الکاتب فالالف توجد في کونين کون المداد اي حصة المداد التي في الصورة النوعية فان الالف يمکن ان‌تکون مستقيمة و يمکن ان‌تکون منحرفة عن الاعتدال فالحصة الظاهرة في الالف النوعية هي حصة معينة ممتازة غير مصورة بالصورة الخاصة من السعادة و الشقاوة و کون الالف الشخصية السعيدة او الشقية اي الموافقة لحرکة اليد او المخالفة فافهم المثل فان الحق يبين بالمثل و الباطل يبين بالجدل فالشرع روح الکون نزولاً و صفته صعوداً و کذلک مولودنا يوجد في کونين کون وجودي و کون شرعي اما کونه الوجودي ففي ارکان العمل المصورة بصورة مولود نوعي و هو المرکب مطلقاً و اما کونه الشرعي فمطابقة صورته لارادة الصانع من الصبغ و الغوص و الجلاء و الصبر فان تصور المرکب علي هذه الصورة التي هي هيئة ارادة الصانع و العلة الغائية المقدمة في النظر و المشية فهو سعيد و الا فهو شقي فان سعد ينقلب الارکان فيه نوراً و خيراً تستحق الاکرام او الاعظام و ان شقي تنقلب ارکانه ظلمة و شراً و کثافة تستحق الاهانة و تجديد العمل ان کان عاصياً بالتعذيب بالنار و التصفية و الحل و العقد ثانياً و ان کان کافراً فهو من النار و الي النار و سر انقلاب المادة و تغيير حکمها ظاهر في الفلسفي کل الظهور الا تري ان الطبايع اذا تصورت بصورة الکلب تنجست مادة و صورة و اذا وقع في المملحة و تملح طابت مادته و صورته و ليعلم ان مادة الکلب حينئذ غير مادة الملح و ليس مادتهما واحدة و الاختلاف في الصورة فان مادة الکلب نجسة و مادة الملح طاهرة و انما الطبايع واحدة فان تصورت بصورة النجاسة کانت مادة کلب و ان تصورت بصورة الطهارة کانت مادة ملح نعم مادة الکلاب واحدة نوعاً و مادة الاملاح واحدة نوعاً و لذلک يکون مادة الناطق غير مادة الصاهل فالحيوان الذي هو الناطق غير الحيوان الذي هو الصاهل نعم الهيولي بحسب الظاهر واحدة و اما المادة المقترنة بالصورة مختلفة الا تري ان البخار و الدخان الهيولاني في الزيبق و الکبريت و الجسد واحد ولکنهما في الزيبق الطف منهما و انعم و ارق و اروح منهما في الکبريت و لذا

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 27 صفحه 30 *»

يطير الزيبق بمادته و صورته و اما في الکبريت فهما بين بين يطير بعضهما و يبقي بعضهما فمادة الکبريت اغلظ من مادة الزيبق البتة و کذلک هما في الجسد اغلظ و اکثف و لذا تريهما يثبتان علي نار السبک و لايفران فاذا تدبرنا في ذلک عرفنا ان المادة تنقلب و تستحيل في بطن الصورة

کقطر الماء في الاصداف در   و في فم الافاعي صار سما

فلاجل ذلک المدرکة للمعاني ان ادرکت علي حسب محبة الله سبحانه و توجهت الي محابه فهي عقل و ان ادرکت علي حسب غضبه و توجهت الي مکارهه کانت جهلاً فمادة العقل نور و صورته رحمة و مادة الجهل ظلمة و صورته نقمة فمبدء العقل من النور و الرحمة و اليهما يعود و مبدء الجهل من الظلمة و النقمة و اليهما يعود لا الي الهيولي الاولي فانها ليست بمبدأ للعقل و لا للجهل و انما هي عامة فافهم ان کنت تفهم و نحن نريد في تحصيل المولود رد الحجر الي مبدئه الذي بدء منه اول مرة و رد ارکانه الي مباديها لا الي الهيولي الاولي و لانريد ردّ کل رکن الي مبدء رکن آخر و ما لم‌تعرف هذا السر الذي اذکره لک لم‌تصل الي المراد.

فالزيبق اولاً خلقه الله من مادة طاهرة روحانية و صورة طاهرة معنوية و انما لحقه في معدن تکونه او بعد خروجه عن المعدن بسبب دس الداسين و دک الداکين اوساخ و اعراض فلابد و ان‌تحله اولاً حلاً ظاهرياً لتنظفه عن الاوساخ المدسوسة الظاهرية فاذا طهر من هذه الاوساخ تحله حلاً ثانياً لتطهره عن الاوساخ التي لحقته في معدن تکونه في ارکانه فتطهره و تنخله حتي توصله الي مبدء ما خلق عليه و تجعله روحاً محضاً لايشوبه شيء مما سويٰه فاذا صار روحاً محضاً فقد بلغ الي منتهي مبدء سيره و عاد الي بدئه ثم تعمد الي الکبريت فتحله حلاً ظاهرياً اولاً فتخرج اوساخه المدسوسة ثم تحله حلاً ثانياً لتخرج اوساخه الاصلية و اعلم انه لايزول ما يتخلل في الشيء الا بالکسر و الحل حتي يتفکک اجزاؤه الهبائية و لايمسک بعضها بعضاً ثم تدبر في تميزها و تزيلها و ذلک هو التطهير البالغ فمن يريد ان‌يطهر الاشياء بالنيران اليابسة فقد اخطأ فان النيران اليابسة مزيلة لبلة الحيوة مفسدة للروح مانعة عن التضام ثانياً و لاجل ذلک لايعذب الله مؤمناً في نار جهنم

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 27 صفحه 31 *»

فانها نار يابسة مفسدة لبلة الجنة مانعة عن التألف و التضام ثانياً و لايقبل الشيء المحرق الحيوة ثانياً اموات غير احياء قل موتوا بغيظکم فافهم فلاجل ذلک يطهر المؤمنون القذرون في الضحضاح و هو نار بالقوة فيها بلة حافظة للبلة الغروية غير مميتة للشيء و لا مفتتة للجوهر تفتتاً لايقبل الحيوة فهي نار في باطنها ماء في ظاهرها تحرق بباطنها و ترطب بظاهرها و تعين علي الانحلال فافهم ما اذکره لک فاياک ثم اياک ان تعذب روحاً مؤمنة او نفساً مؤمنة او جسداً مؤمناً عليهم بعض الاوساخ بالنيران الاصلية اليابسة بالفعل ولکن تعذبهم بنار بالقوة ذات وجهين بالجملة فتعيد الکبريت بعد التعذيب البرزخي و الاخروي الي مبدئه الذي منه بدء اول مرة فيکون حينئذ کبريتاً خالصاً لايشوبه شيء من روح او جسد ثم تعذب الجسد الي ان‌يطهر من جميع الوسخين کما مر حتي يصير جسداً خالصاً لايشوبه شيء فحينئذ يطهر لک الارکان و تعاد علي البدء طاهرة نقية روح ماحضة و نفس ماحضة و جسد ماحض و بقي عليک حينئذ التشکيل ان‌تنزل الروح الي مقام النفس و الجسد و تصعد النفس مرة و تنزله اخري و تصعد الجسد الي مقام الروح و النفس فانک ما لم‌تشکل بينها لم‌تأتلف البتة و لذا قال اميرالمؤمنين عليه السلام نار حائلة و ارض سائلة و هواء راکد و ماء جامد و لعلک اذا تدبرت في خلال کتابنا تعرف سر التشکيل و اتوا البيوت من ابوابها و ليس البر ان‌تأتوا البيوت من ظهورها فافهم و انما غرضنا في هذا الفصل ان‌تعرف ان للزيبق وجودين وجوداً کونياً و هو وجوده النوعي في البخار و الدخان الروحاني و وجوداً شرعياً و هو کونه زيبقاً و کذلک للکبريت وجود کوني و هو کونه نفساً و وجود شرعي و هو کونه کبريتاً و کذلک للجسد وجود کوني و هو المعدني المنطرق الممتد و وجود شرعي و هو الذهبية و يجب ان‌ترد الاشياء في التدبير الي مبادي اکوانها الشرعية و تعاد اليها لا الي الوجودات الکونية فترد الثلثة الي البخار و الدخان الجنسي و النوعي فان الآثار تتعين و تتخصص بصور الاشياء و ان کانت من المواد اصلاً فاذا رددت الاشياء في التدبير و اعدتها الي الجنس او النوع لم‌يکن حينئذ للشيء خصوصية

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 27 صفحه 32 *»

دون غيره و ان کسوته ثانياً صورة شخصية فما الطائل في السلب و الکسا و ان لم‌تکسه اياها لم‌يکن لشيء خصوصية دون غيره البتة فافهم ما اذکره لک تفز مع الفائزين.

فصل: اعلم ان الاثر في اول صدوره و غاية القرب من مؤثره اشد وحدانية و اکثر قوة و اعظم نوراً و اقوي مشاکلة بمبدئه في الجامعية و الوحدانية و کلما يتأخر يتنزل و يتفصل و يتکسر فجميع المراتب البعيدة کسور حال قربه و آئيته لمبدئه فهو في حال القرب واحد مثلاً و في المنزل الثاني اثنان و هذا الاثنان ليس واحداً و واحداً و انما هو نصف و نصف فهما نصفان تفصيل واحد و المنزل الثاني ثلثة و ليس هو واحداً و واحداً و واحداً و انما هو ثلث و ثلث و ثلث فالثلثة ثلثة اثلاث لا ثلثة اعداد تامات و هکذا الي الالف الف و مادونه و تسميتنا هذه المراتب بالکسور من حيث القوة نظراً الي ان الواحد اقرب الي المبدأ و اقوي لا من حيث الکمية الظاهرة فجميع الثلثة اثلاث موجود في الواحد بالفعل بل جميع الاجزاء الالف الف موجود في الواحد بالفعل و کذلک الشيء في بدو تکونه جامع لجميع اطواره و شئونه بالفعل فلايفقد شيئاً و انما المراتب الدانية کلها اطواره و شئونه المتفصلة في مراتب القوابل و ليست الکسور في عرض الصحيح و انما وجوهها في الصحيح فوجوه جميع الکمالات موجودة في حقايق الاشياء بالفعل و اعيانها موجودة لها في اماکنها و حدودها فالواحد ليس له تدرج و تنقل من حال الي حال و اما الاثنان فله تنقل من حال الي حال و الثلثة له تنقل من حال الي حال و هکذا الي ما لا نهاية له فلاجل ذلک صار لاتنقل في السرمد و في الجبروت تنقل جبروتي من حال الي حال و في الملکوت تنقلات ملکوتية و في الملک تنقلات ملکية فصار تنقلات الملک زمانية و الملکوت و الجبروت دهرية و لاتنقل للسرمد فلما اشرق الواحد في الکسور کمن الواحد الحايز لجميع الحالات في رتبة الکسر فلم‌يحکه بتمام حالاته کل حالة من الکسر فکمن فيها و صار بالقوة الي ان‌يتنقل الکسر في تمام حالاته و يجيء سکرة الموت بالحق و يستوفي ايامه

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 27 صفحه 33 *»

فيظهر فيه جميع ما لواحده من الکمالات و الکسور کل بحسبه و لولا ان الکسور متدرجة لکان الواحد ظاهراً فيها بالفعل اول مرة ولکن لتدرجها کمن الواحد فيها و يظهر ثلثاً بعد ثلث الي ان‌يظهر جميع اثلاثه فيظهر جميعه بالفعل فالصحيح حبة تزرع في ارض الکسور و الکسور نباتها و سوقها الاتري ان الاغصان و الفروع و الافنان کلها کسور الحبة و شئونها المستجنة فيها فاذا کسرت جميعها و صغتها و ازلت اعراضها اللاحقة صيغة واحدة کانت حبة فالکسور بمنزلة الاغصان فاذا تم الکسور ظهر عليها نور الصحيح من تحت حجاب الواحد فکان جميعها واحداً و هو الثمرة و کان العود علي البدء فافهم هذه الامثال.

فکذلک ان الله سبحانه خلق کل مخلوق في غاية القرب منه حقيقة ذات فعلية لايفقد حالة و لا کمالاً بوجه من الوجوه و انما له هناک جميع ما له و منه و به و فيه حاضرة بالفعل و انما ذلک في الصوغ الاول فهو في الصوغ الاول کالواحد الصحيح الشخصي في کسوره او الکلي في افراده جامع لجميع الحالات الدانية کلها علي ابسط ما يمکن و اقويها و اشرفها و اعظمها تأصلاً فلما نزل الي عالم الاعراض و الکسور نزل الي الطبايع الذائبة الغير المتعينة فان مبدء کل صوغ طبايعه و عالم الطبايع له عرش و کرسي و سموات و عناصر غير مرکبة بعضها ببعض ثم نزل الي عالم الهباء و هو عالم قد ترکب فيه القبضات الطبيعية بعضها ببعض و تولد الولد متميزاً متعينا لکن غير مصور فالفرق بين عالم الهباء و الطبايع الترکيب و عدمه ثم نزل الي عالم المثال و لبس الصورة المثالية علينية و سجينية و الفرق بين الصورة المثالية و التعين الهبائي ان التعين الهبائي تعين نوعي صالح للنورانية و الظلمانية و النظافة و الخباثة و السعادة و الشقاوة و اما في الصور المثالية فتتعين ذلک لکن رقيقاً ثم نزل الي عالم الاجسام و استقرت تلک الصور و ثبتت حتي جمدت و تعينت فعالم الطبايع عالم الحل الاول النوعي و الهباء عالم العقد الاول النوعي و اما المثال فهو الحل الثاني الشخصي فانه شخص محلول و له صورة رقيقة و اما العقد الشخصي الاستقراري ففي عالم الاجسام و جميع هذه المراتب الاربع عالم الشهادة و عالم الصوغ الشخصي للصوغ الاول و کذلک

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 27 صفحه 34 *»

الصوغ الاول له حلان و عقدان الحل الاول في الماء الاول و الوجود و العقد الاول في الجوهر المعنوي و الحل الثاني في الرقائق و العقد الثاني في النفس و قد تمّ و الي هذه المراتب قد اشار الله سبحانه يرسل الرياح بشراً بين يدي رحمته و قال يزجي سحاباً ثم يؤلف بينه ثم يجعله رکاماً فالرياح مقام الحل و هو المشاراليه بقوله يرسل الرياح فتثير سحاباً و السحاب المثار و المزجي هو العقد الاول و التأليف هو الحل الثاني و الرکام هو العقد الثاني فلکل شيء في صوغيه اربعة حلول و اربعة عقود اربعة في صوغه الغيبي الاولي و اربعة في صوغه الشهادي الثانوي و انما يتم الشيء بما هو شيء بالصوغين الغيبي و الشهادي اذ «ما لم‌يکن کليات الحکمة تامة في ظهورها تامة في بطونها کانت الحکمة ناقصة من الحکيم» و الشمس شمس بضيائها و نورها و الجدار جدار بکثافته و ظله فالصوغ الاول ذاتي و الصوغ الثانی وصفی و الصوغ الاول من مقتضيات جهة غلبة المقبول و الصوغ الثاني من مقتضيات جهة غلبة القابل لان القابل و المقبول کالمثلثين المتداخلين فالوسط الملتقي محل تساويها و في جانب المقبول المقبول اغلب و في جانب القابل القابل اغلب فالصوغ الاول نوعي نسبي بالنسبة الي حالاته و الصوغ الثاني شخصي نسبی بالنسبة الي جوهره و ان الله سبحانه لم يکتف في الحکمة بالصوغ الاول حتي خلق الصوغ الثاني فان الصوغ الثاني قابلية و انية لتحقق الصوغ الاول و الله سبحانه هو الغني و انما يخلق الخلق علي حسب قابليته و استعداده اجابة لدعوة السائلين و اعطاءاً لطلبة الطالبين فالصوغ الثاني هو قابلية الصوغ الاول و شجرته و الصوغ الاول هو الثمرة لتلک الشجرة و من ذلک علم ان الصوغ الاول في محله لم‌يکن قبل ان‌يکون الصوغ الثاني في محله و انهما معا مقترنان کالروح في الجسد فلم‌يترکب جسد لغير روح و لم‌يخلق روح لغير جسد و قد يتدرج الروح في مراتبه علي حسب تدرج الجسد في مراتبه فروح النطفة نطفة الروح و روح العلقة علقتها و روح المضغة مضغتها و هکذا الي ان‌يتم الجسد فيتم الروح و لولا الروح ما خلق الجسد و لولا الجسد ما خلق الروح فاذا خلقا معاً فالروح مقدم رتبة و الجسد مؤخر و لم‌يصل الفيض الي الجسد الا بالروح.

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 27 صفحه 35 *»

فاذا عرفت ذلک فاعلم ان الروح عالم الفعلية و قد نزل الي عالم الجسد فللطافة الروح و کثافة الجسد استجن الروح في الجسد و کمن و استتر في طبعه منحلاً و في هبائه فترکبت اجزاؤه ترکباً نوعياً ثم في عالم المثال فتصورت بصورة رقيقة و في الجسد تم خلقه و ظهر امره تام المقبول کامل القابل فعالم الجسد عالم المواد و القوة و الاستعداد الزماني و عالم الارواح عالم الصور المجردة عن المواد الزمانية و القوة الجسدانية و الا فهي من لطايف البخار و الدخان اللذين خلق منهما الجسد بعينها فلما خلق الله الارواح و هو اربعة آلاف عام قبل خلق الاجساد خلقها ذات فعلية واجدة لما لها وجداناً حاضراً فاستجنت في الاجساد الطبيعية و کمنت و صارت بالقوة فکانت تلک الطبيعة هي الحجر المکرم للمولود الکريم و الشيخ الفخيم فاخذ من ارض هذا الحجر يد التقدير جزءاً و جزءاً و نصفاً من مائة و ادخله عليه في ست تساق حتي کمل انحلاله و طاف به حول بيت مشيته سبعة اشواط لنخل ما فيه من الارمدة الفاسدة ثم عقده مادة غذاء صالحة للاقتضاء فصلي رکعتين خلف مقام الارادة و الظهور و انما ذلک في الارکان الاربعة قيام و رکوع و قعود و سجود و نية سارية في الکل و هي الماء الالهي و الماء ذو الوجهين ثم کسر الارکان و حلها بين صفاء القدر و مروة القضاء و سعي بينهما سبعة اشواط ثم عقدها بالاحلال و التقصير و لبس الثياب ثياب القضاء مشروح العلل مبين الاسباب تام الظاهر و الباطن ثم زاوج بينه و بين تسع زوجات في ثلث و ست و قد تم جاذباً للروح الفعالة الکلية الالهية و هذا معني قولنا الحکمة اظهار ما قد کمن لا ايجاد ما لم‌يکن فالوجود وجودان وجود حکمي و هو ابراز ما قد کمن و ذلک عمل في الشيء خلق الانسان من صلصال کالفخار و وجود خلقي و هو ايجاد ما لم‌يکن انا خلقنا الانسان من قبل و لم‌يک شيئا فالخلق في اصل الماء الاول و الهيولي الاولي ثم بعد ذلک تدبير و حکمة فاذا تم الظاهر في حلين و عقدين ظهر الروح التي کانت کامنة فيه مستجنة فعالة مؤثرة بقدر صفاء القابل و لطافته و لما عرفت ان هذه الدار دار القوة و الاستعداد و لا غاية لترقيها و لا نهاية فکلما بولغ في تلطيف الصورة و ترقيقها و تصفيتها تترقي مادتها و کلما ترقي القابل بمادته و صورته اشتد ظهور

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 27 صفحه 36 *»

المقبول المفاض من الجواد المطلق فيه و لا غاية لجوده و لا نهاية لطلب القابل و ذلک قوله في الدعاء تدلج بين يدی المدلج من خلقک و في القدسي کلما وضعت لهم علما رفعت لهم حلما ليس لمحبتي غاية و نهاية فلاجل ذلک کلما زيد في حل المرکب المصفي و عقده ازداد نعامة و رقة و مشاکلة بالارواح و اشتد اثر النفس فيه فاشتد نوره و تقوي ظهوره فاثر في اکثر ما کان يؤثر فيه و هکذا و احب ان اعنون فصلاً آخر في سر التضعيف.

فصل: في سر التضعيف و معني التلطيف و هو مسألة معضلة و مطلبة مشکلة. اعلم ان کل ما سوي الله سبحانه مخلوق لله عزوجل و کل مخلوق مفتقر الي ربه ابداً لايستغني عنه بوجه من الوجوه و لابد في کرم الله سبحانه ان‌يسد فقره و حاجته مادام هو فقيراً سائلاً بلسان فقره و فاقته و هو ابداً فقير سائل و انما ذلک کذلک لان الغني للذات هو الاحد البحت البات و المخلوق مرکب مثني فاذ لم‌يستحل الي الاحد لم‌ينتقل الي الغني ابداً فهو ابداً فقير و ذلک ان الحادث مرکب من جزئين اقلاً من وجود و ماهية و الا فکل حادث فهو مثلث الکيان مربع الکيفية فالوجود محتاج فقير الي الماهية لانها انوجاده و قبوله لما هو به هو فلولا الماهية لم‌يکن وجود و الماهية محتاجة الي الوجود لتحققها به و لولاه لم‌يکن شيء ينوجد فتکون ماهية و قبول و لولاهما لم‌يکن الشيء شيئاً فان الشيء قائم بهما قيام رکن و هو مرکب منهما فهو بکله و بکل جزء منه ابداً محتاج فقير و جميعها محتاج الي مصدر يصدر عنه فان الوجود و الماهية و النسبة و الترکيب و التقاوم و الارتباط بينهما کلها من اثر فعل الفاعل و تأکيد فعله نسبة کل واحد الي الفعل المتعلق به نسبة الضرب الي ضرب فالضرب موجود مادام ضرب واقفاً عليه قائماً بقيوميته فلو قطع النظر عن طرفة عين انتفي و عدم مثال ذلک شبح الشمس في المرآة فهو موجود مادامت الشمس قيومة عليه فلو ولت وجهها عنها لعدم من ساعته بلامهلة فهو ابداً محتاج بقيومية الفاعل فوقه و لابد و ان‌يدوم قيوميته عليه فلاالحادث ابداً يفيق من سؤاله و ينفک من فقره و فاقته فلاالفاعل يمنع قيوميته

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 27 صفحه 37 *»

ابداً عنه فالحادث جوعان الي طعام القيومية عطشان الي مائها لايشبع و يرتوي ابدا بل کل ما يأکل و يشرب منه يشتد ولعه فيه و هلعه عليه و يسقيهم ربهم ابداً شراباً طهوراً و لنعم ما قال الشيخ اعلي الله مقامه:

فراحتا الدهر من فضفاض رحمته   مملوؤتان و ما للفيض تعطيل

قال الله سبحانه کلاً نمد هؤلاء و هؤلاء من عطاء ربک و ما کان عطاء ربک محظورا فهم ابداً عطاشاً مستسقون و هو ابداً الساقي يسقيهم ابداً من شراب رحمته الطهور فهذا الفقر ابداً في الحادث من مبدء وجوده الي منتهي شهوده في جميع اطواره و اوطاره و اکواره و ادواره و کذلک الفيض نازل اليه ابداً في کل مقام علي حسب سؤاله و حاجته فيختلف مراتب الفيض و المدد کما يختلف مراتب حاجته و لسان دعوته و ما يحتاج اليه و ما يسأله و اين ما يسأله و کيف ما يسأله و متي ما يسأله و لما کان مراتب الحادث تختلف من مبدئه الي منتهاه فالاول مقام حقيقته المبراة وجداناً عن المعني و الصورة و الکم و الکيف و الجهة و الرتبة و الوقت و المکان و الاوضاع و الاجل و النسب و الارتباطات و الاضافات و غيرها بحيث لايلاحظ فيه شيء من ذلک و هو حقيقتک المعبر عنها بانا فهنالک يجد لنفسه فقراً ذاتياً الي ربه و فقراً حقيقياً مجموعياً فعلياً يحتاج الي جميع ما له و به و فيه و منه و اليه و عليه و ما يمکن له ان‌يخرج في عرصة الکون في آن واحد و لا آن فهو يفتقر في ذلک اللمح بقدر فقر جميع اهل الدهر و الزمان في جميع اوقاتهما و يسد فقره ربه بقيوميته عليه في لمحة و لا لمح و لاتقضي و لاتحول ثم بعد ذلک مقام المعاني الکلية المبراة عن الصور المقدارية الدهرية و المواد الزمانية و مددها فهيهنا تلک المعاني فقيرة الي ربها بکلها الا ان کل معني فقير الي ما ينبغي له و يحتاج اليه مما هو به هو و لما کان لها حالات و تقضيات کان کل معني منها يحتاج في کل حال الي ما له فيها بخلاف مقام الحقيقة فانه مقام الفعلية الجامعة الحقيقية الدفعية ثم بعد ذلک مقام الصور المجردة و هنالک تقضيات ملکوتية و حالات من اوسط الدهر فکل صورة في کل حالة تفتقر الي ما لها فيها و يفيض الله سبحانه فيها بما لها فيها ثم بعد ذلک مقام الجسم فله حالات زمانية و تنقلات فلکل جسم في کل

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 27 صفحه 38 *»

حالة ما يفتقر اليه فيها و لتعلم ان هذه الحالات التي ذکرناها في المعاني و الصور المجردة و الاجسام و ما لم‌نذکره مما بينهما بعضها فوق بعض لا مع بعض في جنبه و هذا ما لايتنبه اليه الا قليل فاجزاء الزمان مثلاً بعضها فوق بعض يعني ان الخميس فوق الاربعاء و الاربعاء فوق الثلثا و هو فوق الاثنين و هو فوق الاحد و هکذا و ليس ان هذه الايام احدها في جنب الآخر مساو له في البعد عن المبدء فالخميس اقرب الي المبدء من الاربعاء و الاربعاء اقرب من الثلثا و هکذا و ذلک ان الزمان من يوم خلق صاعد الي ربه کما ان الانسان من يوم هو نطفة في الترقي الي ما شاء الله و هو ابداً في التلطف و التصفي فانه کلما يقرب الي مبدئه لابد و ان‌يصير اعلي و الطف و ارق و اشرف کما تري من تدرج مراتب نور السراج و کذلک الحال في الحالات الدهرية في الصور المجردة فان حالاتها ايضاً بعضها فوق بعض و کل ثان منها اقدم في الوجود و اقرب الي مبدئه البتة و کذلک الحال في الحالات المعنوية فهنالک ايضاً کل حالة ثانية اقدم في الوجود و اقرب الي مبدء الجود بخلاف الحقيقة فانه لا نزول هناک و لا صعود و لا تقضي و لا تنقل و لا حالات فهي ابداً غضة طرية واقفة في اول صدورها لاتتجاوزه مادام ملک الله فهي احتياجها الي المدد مجموعي فعلي بقدر حاجة جميع ما دونه و اقوي بما لانهاية و يمده الله ايضاً مدداً مجموعياً فعلياً لاغاية له و لانهاية فهي من شدة احتياجها و کثرتها و خلوصها و شدة سد الله حاجتها و قضائه لها و اقترانها به اشبه شيء بالغني الذي لاحاجة فيه و المستقل الذي لا اضمحلال فيه لان الله سبحانه مافقدها حيث احبها و هي ايضاً مافقدت ربها حيث طلبت فقامت به و استقلت و استغنت بکرمه عما سواه فظهور نزول الامداد تتري في المعاني و مادونها فهنالک يظهر فقدان کل حالة ماسويها من الحالات و مجيء کل حالة بعد حالة الي ان‌يبلغ کل کتاب اجله فهذه هي الامداد النازلة علي الشيء و انما جميع حالات المعاني و الصور و الاجسام تفاصيل اجمال تلک الحقيقة و کمالاتها و فعلياتها و صفاتها و هي السارية في جميعها النافذة في کلها التي بها قوام الکل في الکل فهل تري فيما ذکرت

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 27 صفحه 39 *»

اشکالاً ان المدد النازل هل هو غير الذاهب او عينه و تلک الابحاث هي التي تجري في جهلهم الاجهل فهذه الامداد هي التي سمعت بعضها فوق بعض و بعضها اقرب الي المبدء من بعض فکل مدد ثان اقرب الي المبدء و الطف و اشرف و احکي لماوراءه فسر الحقيقة و المبدء في کل ثان اظهر منه في الاول و کل حالة مرکبة من اثر المبدء و قبوله اي قبول الشيء فالله سبحانه ابداً باثر فعله جاذب له و هو منجذب اليه و يصعد في حبل ذلک الاثر و لاغاية لهذا الصعود و لانهاية و هو في کل خطوة في منزل الطف و اشرف و الحقيقة ذکرها منه ابين و اظهر و نحن قد بينا ان الحقيقة فعلية صرفة و لاغاية لها و لانهاية لکمالها ففي کل منزل ثان يظهر بقدر صفائه من فعلية الحقيقة ما لم‌يکن ظاهراً في المنزل الاول و هکذا و هکذا في کل منزل ثان ما لم‌يکن في سابقه بحسب صفائه و کدورته و تلک الترقيات و الصعودات باقدام الانجذابات فان افعال العباد حقيقة انفعالات طوبي لمن اجريت علي يديه الخير ما اصابک من حسنة فمن الله فباقدام الانجذابات و تأييد الجاذب و دعوته و هدايته يصعد الانسان خطوة بعد خطوة و منزلاً بعد منزل و يشرق علي وجناته في کل خطوة انوار لم‌تکن ظاهرة قبلها و يجد في کل خطوة من آثار القيومية و القدرة و الغلبة و القهر و البسط و السعة و النفوذ ما لم‌يکن يجده قبل ذلک فکل ما ينجذب خطوة يستأهل للخطوة اللاحقة و هکذا فهو ابداً متدل بحبل جذب الله سبحانه و لاغاية لذلک الجذب و لانهاية و انما سرعة الصعود و بطئه يختلف بحسب اختلاف الانجذاب و خفة المنجذب و ثقله و الا فلا ضعف في الجذب و لاقصور ما ادري ما اقول و ما ذا تفهم

ان ابکم رائي الرؤي و اخلتي   صم فمن يقصص و من ذا يسمع

في القدسي کلما وضعت لهم علما رفعت لهم حلما ليس لمحبتي غاية و لانهاية فان عرفت سر ما ذکرناه لاتکاد تشک في ان الحرکة الجوهرية التي يزعمون من غير جذب و لاانجذاب غلط باطل و مجتث زايل لانه لايغير الشيء من جوهريته الي جوهر اخر الا الله قل الله خالق کل شيء قل کل من عند الله.

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 27 صفحه 40 *»

فاذا عرفت سر ذلک و تبينت ما هنالک فاعلم ان للشيء انجذاباً طبيعياً في الحرکة العامة و انجذاباً تأييدياً في الحرکة الخاصة فبالانجذاب التأييدي يصل الشيء الي الدرجات العالية قبل ان‌تصل الاشياء بالحرکة العامة اليها و انما ذلک بالتأييد الخاص لخصوصيات القوابل و المصالح الملکية العامة و لولا هذا التأييد الخاص لترقي الکل معا و ساوي الترقي بينها فمن التأييدات الخاصة ترقيتنا الحجر من حضيض الهيولي الي اوج الانسانية الکاملة البالغة اربعين سنة فان ذلک بالتأييدات الخاصة فانه يصل تلک الهيولي الغاسقة في زمان قليل معدناً و نباتاً و حيواناً و انساناً فعالاً فتحسب انه يقول الصانع لها يابن آدم انا رب اقول للشيء کن فيکون اطعني فيما امرتک اجعلک مثلي تقول للشيء کن فيکون فالهيولي اخذة في الترقي باقدام انفعالاتها في مدارج القرب و الزلفي الي مبدئها فتنفعل بکل فعل و تترقي في کل مدرجة مدرجة الي ان‌تصل الي سنامها الاعلي و عروتها الوثقي و کمالها الاجل الاسني فهي ابداً في الترقي في معارج الدق (لتحصيل الحل) ثم السحق ثم التشوية (هي التقطير الاول) ثم الغسل ثم التنقية (الغسل و التنقية للمادة بالسم الناري)  ثم الهدم ثم الحرق ثم التکليس (هذه الثلثة بمعني واحد) ثم التبييض (هما بمعني واحد) ثم التصويل (الغسل) و هذه الجملة هي التهذيب و بعد التهذيب التمييز و التفصيل (بين الرطوبة و اليبوسة) و الخلط (هذا هو الاول لحصول الحبل و النکاح) و الترکيب و التعفين و التصدية (التصدية الي التمشية بمعني واحد) و الترطيب و التموية و التمشية  و التسويد (هو السواد الاول) و الطبخ (هو التعفين) و الاحراق (هو الثاني بخروج النفس) و الحل (بالجويريات) و التبييض (الثاني) و النخل (اي التقطير) و الغسل (غسل الغذاء) و الطهارة و القصارة و الاصعاد (الطهارة و القصارة و الاصعاد بمعني لحصول النوشادر الجنسی) و التبييض الثاني و التشبيب (للماء بالنوشادر) و التهبية (التهبية الي التشحيم للجسد الجديد) و التصدية الثانية و التشحيم و الخلط (من هنا الي التبييض الثالث لاکسير البياض) و الترکيب الثاني و التسويد الثاني و التبييض الثالث و الترخيم (من هنا الي الاخر لاکسير الحمرة) و التسقية و الاجماد و العقد و التجفيف و التنقير و تعويد

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 27 صفحه 41 *»

النار و الاذابة و السبک ثم النقض و الحل و التسقية و التضعيف و العقد و التجفيف و التنقير و تعويد النار و الاذابة و السبک و ان شئت اعدت هذه العبارة الاخيرة الي ما لانهاية له و هذا الذي ذکرت هو تمام العمل من البدائة الي النهاية علي الترتيب فالهيولي هي الصاعدة باقدام الانفعالات تحت هذه الافعال خطوة خطوة و يظهر فيها في کل خطوة من انوار الحقيقة الغيبية الفعلية ما لم‌يکن ظاهراً في المنزل الاول و الخطوة الاولي و لذلک قنع بعض العاملين بالمباقل التي في عرض الطريق و لم‌يتعدها لما رأي فيها الکفاية و منهم من اراد مشاهدة ملکوت الحجر فسافر القفار و ارتکب الاخطار الي ان وصل الي الديار و رأي قدرة الديار تعالي الملک الجبار حيث جعل في الانسان قوة مشاهدة هذه الاسرار ليستغني عن الاغيار فاين الحرکة الجوهرية و متي يتحرک الشيء بجوهره من غير محرک و الحال انه في الحال التي کان عليها کان يقتضي تلک الحال ان‌يکون علي ما هو عليه و تلک الحالة حالته الجوهرية الذاتية فما الباعث علي انقلاب حقيقته عما هو عليه حتي يقتضي غير ما هو عليه هذا و ان الحرکة الجوهرية علي ما يقولون حرکة قاضية فاعلة لا مقتضية فان کانت حرکة فاعلة فکيف اثرت في نفس الجوهر و ان کانت حرکة انفعالية فالانفعال لايکون من غير فعل فاعل فاين الحرکة الجوهرية نعم اذا کان مدبر فاعل و يکون في الشيء قابل و يکون له مقتض و لسان سائل فالله يقضي بما هو اهله و ما طلبه کيف ما شاء و اراد فالله سبحانه هو المحرک و الجوهر هو المتحرک و التحرک هو فعله و عمله فالجوهر باقدام اعماله صاعد الي مبدئه و لو کان للشيء حرکة جوهرية لکان الهيولي تنقلب انساناً من غير تدبير و انما مثل هؤلاء القائلين انهم رأوا خشبة مثلاً بيد جني غيبي يديرها و هم يرون الخشبة و لايرون الجني فزعموا ان الخشبة بنفسها هي الدائرة لها حرکة و سموها جوهرية و هم عن المحرک غافلون فکذلک رأوا الجواهر تتحرک الي مباديها و غفلوا عن المحرک فزعموها متحرکة بنفسها لنفسها و کان من شأنهم ان‌ينظروا الي ان الحالة الجوهرية ابداً لاتقتضي غير ما هي عليه و الا لما کانت في الحالة الاولي علي ما هي عليه فاذا کانت جوهرية فهي ابداً تبقي علي ما هي عليه من دون مغير.

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 27 صفحه 42 *»

بالجملة کان الغرض ذکر مراتب ترقيات الهيولي من کونها جماداً الي کونها انساناً ناطقاً بالتأثير عاملاً بالفاعلية و سر ترقياتها في مراتب التضعيف کما اشرنا اليه من النقض و الحل و التسقية و التضعيف و العقد و التجفيف و التنقير و تعويد النار و الاذابة و السبک ثم النقض و الحل و التسقية و هکذا الي السبک ثم النقض و الحل و التسقية الی السبک و هکذا الي ما لانهاية له ففي کل ترقية ينعم جسد المولود و يرق و يتلطف و يشتد مشاکلته و مشابهته السبع الشداد و الارواح فيصير انسب و اقرب الي المبدأ و ليس لهذا السير غاية و لانهاية و ليس يخرج عن حد الصورة و الجسمانية ابداً غاية الامر انه يرق و يلطف و لذا قلنا ان الجسد لو تلطف مدي الدهر ما صار مثالاً و لو ان المثال تلطف مدي الدهر ما صار مادة و لو ان المادة تلطفت مدي الدهر ما صارت طبعاً و لو ان الطبع تلطف مدي الدهر ما صار نفساً و لو ان النفس تلطفت مدي الدهر ما صار روحاً و لو ان الروح تلطف مدي الدهر ما صار عقلاً و لو ان العقل تلطف مدي الدهر ما صار وجوداً و لو ان الوجود تلطف مدي الدهر ما صار امراً و الامر محال ان‌يتجاوز عن رتبة الحدوث الي القدم ابداً ابداً غاية الامر ان کل شيء يتلطف في حده و رتبته الي ما لانهاية له و سر عدم التناهي ان الحقيقة فوق الشيء بما لانهاية له فان النهايات في حدود الشيء و الحقيقة فوق النهايات فاذا صار الحقيقة فوق عالم المادة و الصورة و الحدود ليس يرق الحد و يتلطف حتي يخرج عما هو عليه و يصير عدم نفسه فهو ابداً موجود موضوع للعمل و للتدبير و لايعدم و هو ساير الي حقيقة لانهاية لها اولاً و آخراً فيسير بلانهاية و لايصل اليها فافهم فانه دقيق فالداني لايصل الي العالي ابداً و ان مشي کالبرق الخاطف مدي ملک الله سبحانه الابدي فان النهاية لاتصل الي ما هي قائمة به محفوظة به و هو لانهاية له و لا غاية و مبدأ ذکرها دونه و ليس له قدم فوق ذکره يخطو بها الي ما لانهاية له و ليس له وجود فوقه حتي ينفعل و لايجتمع مع ما لانهاية له غيره فتدبر.

فعلم مما ذکرنا ان التضعيف له مراتب لانهاية لها و لا غاية و ليس يخرج المولود بالتضعيف عن حده و رتبته اي لايخرج به عن حيز الاجسام نعم يصعد

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 27 صفحه 43 *»

من ادني مراتبه الي اعلي مراتبه فاذا طهر الارض اي ارض عالم الفلاسفة و خرج عنها تسعة رهط يفسدون في الارض و لايصلحون و هم القوم الجبارون و صارت الارضية نقية بارزة و ذهب عنها کدوراتها و بست جبالها و سيرت و دکت و صارت قاعاً صفصفاً لاتري فيها عوجاً و لا امتاً صارت روحانية من ارض عالم الذر و القيمة و سکن فيها الارواح التي لانهاية لها من غير تصادم و لا تدافع کما تسکن انوار الف سراج في بيت واحد ممتازة معينة من غير تصادم فاذا صارت الارض روحانية سکن فيها الارواح و لاتصادم بينها فاذا حل في الارض روح ثم حل اخري سکنت في الارض في تلک الروح ثم اذا حل اخري سکنت في الارض و فيهما و ايتهما ذهبت ذهبت و لم‌تخرق اختها و لم‌تفسدها و لم‌تحتج في خروجها عن بطن اختها الي شقها فان التناکر من جهة اختلاف الجهات و هي الذنوب المروية في قوله عليه السلام ما تناکرتم الا لما بينکم من الذنوب فاذا لم‌يکن اختلاف جهات موجب للکثافة و الغلظة و التمانع و التصادم سکنت الارواح بعضها في بعض کما تسکن الف الف ملک في فضاء واحد و کل واحد منهم مالئ فکذلک اذا طهرت الارض و صارت مجانسة للارواح و مسکناً لها سکنتها ارواح کثيرة و هي السقيات من الماء الالهي الذي هو الروح روح القدس الذي هو اعظم من جبرئيل الصبغ و ميکائيل الزيبق الغربي و اسرافيل الزيبق الشرقي و عزرائيل اکليل الغلبة فاذا سقيت تلک الارض بذلک الروح و الحقت به و افلحت و عمرت حييت و هکذا تقبل من الحيوة ما شاء الله و کلما اسقيت من الماء الالهي جمد معها و ليس يذهب بخاراً و يجف بل يجمد معها و يزيد في روحانيتها للمشاکلة فتکون بطيناً من العلم انزع من الشرک فافهم و تبصر فانه لايکاد يمتلي حياضها ابداً ابدا و السلام علي ابناء الحکمة.

فصل: اعلم ان عالم الاجساد لما صدر عن ذي الجلال و الاکرام فوقف کل جسم في حيزه و محله ارتفعت السموات و انحطت الارضون علي هيئة ما تري فوقف روح العرش فوق الجميع و نفس السموات في الوسط و جسد العناصر

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 27 صفحه 44 *»

تحتها فکان حجرها اي حجر الاجسام مثلث الکيان و لها کيفيات اربع الحرارة و البرودة و الرطوبة و اليبوسة فکان مربع الکيفية فکانت ارکان العمل هذه طاهرة نقية قابلة للترکيب و اراد الله سبحانه التزويج بين ذکر العرش و انثي الفرش و هما في غاية البينونة للطافة العرش و غلظة الفرش و جساوتها بالنسبة فقدر بينهما حکماً من اهل العرش و هو الافلاک و حکماً من اهل الفرش و هو الماء و الهواء و النار او الحکم من اهله الکرسي و الحکم من اهلها الافلاک و لکل وجه فارادا اصلاحاً فوفق الله بينهما فخطب الحکمان بينهما و تراضيا فعقدا بينهما علي کتاب الله و سنة نبيه بصداق خمسمأة درهم و هو ان‌يدفع العرش الانوار الخمسة التوحيدية الظاهرة في مراتبه العشرة و هي فيه دنانير خمسون ديناراً و تتصارف في الارض فضة جيدة خمسمائة درهم فدفع الصداق و سرح اليها علي عصبة اشعتها اي اشعة الافلاک ما ان مفاتحه تنوؤ بالعصبة اولي القوة ثم زف الله سبحانه بينهما في ليلةالقدر فتحرک العرش بعد صيرورته زوجاً في الکرسي و الافلاک علي الارض حرکة النکاح و الفعل و انفعلت الارض في عناصرها منه فنزل من الافلاک ماء شعلات الکواکب في رحم الارض فاستجن فيها و اختلط بمائها و هو لطايفها المتبخرة فامتزجا نطفة امشاج و هذا هو نطفة الانسان و ولدهما هو الانسان فان ولد الانسان انسان و هما انسانان کبيران[1] کليان و الانسان لايلد الا الانسان لکن في رحمه مخلقة و غير مخلقة فان تم الخلق و لم‌يعرض عارض فيلد انسان و الا فعلي ما اسقط نطفة او علقة او مضغة او عظاماً او مکسياً او بعد انشاء خلق اخر لکن قبل الاستکمال.

بالجملة فامتزج الماءان ماء شعلات الکواکب و هي نطفة الرجل الکامنة فيها النفوس الغيبية الناطقة و الحيوانية الصايرة فيها بالقوة و نطفة المرأة التي فيها ايضاً من تلک القوي و النفوس الا انها اغلظ و اکثف فجاء الملک بقبضة من الارض المقدسة الهورقلياوية فماثه بينهما بقدر الثلث الذي هو الميزان العدل و کان من ماء الرجل جزء و من ماء المرأة جزءان و التراب بقدر ماء الرجل فالف

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 27 صفحه 45 *»

التراب بينهما بجهتي طبعه فامتزجا و صارا نطفة امشاج فان عرضه عارض و زاد احدهما او نقص و کان هناک عرض او مرض و اسقط کان جماداً علي حسب ما رکب و ان کانت الارکان اي روح ماء المرأة و نفس ماء الرجل و جسد التراب المموث بينهما اکثر تناسباً و اعتدالاً في الجملة و سقطت بعد صيرورتها علقة کانت معدناً علي حسب ما رکبت و ان کانت الارکان اشد اعتدالاً في الجملة و سقطت بعد کونها مضغة کانت نباتاً و ان کانت اکثر اعتدالاً و  لم‌يعرض عارض الا بعد کونها عظاماً و اسقطت کانت برزخاً کامثال البورايخ و النساء النابتات في جزيرة واقواق و النخل و امثالها و ان کانت اشد اعتدالاً و لم‌يعرض عارض الا بعد اکتسائها ثم اسقطت کانت حيواناً من الحشرات الي الحيتان و الدواب و الطيور و ان کانت اکثر اعتدالاً و اشد انتساباً و لم‌يعرضه عارض الا بعد ان نفخ فيها الروح و لم‌تستکمل ثم اسقطت کانت برازخ کالقردة و الدب و امثالهما و ان کانت معتدلة صافية متشاکلة و بقيت في البطن الي ان استکملت ثم تولدت علي الطبيعة تولدت انساناً فالانسان هو ولدهما فمن اولادهما من يموت في درجات الاسنان قبل ان‌يصل الي اربعين و منهم من يصل الي بعض درجات السن و لايحصل علماً و منهم من يحصل و يستکمل العقل و يصل الي اعلي درجات الانسانية و لکل درجات مما عملوا و هذا جملة القول الصادق في الاناسي الثلثة.

و التفصيل في الجملة اعلم ان الافلاک اذا دارت علي الارضين و القت شعلاتها عليها حتي مازجتها و اختلطت بها تحرکت اجزاؤها حتي اختلطت و ترکبت فمهما ترکبت ترکيباً تجاورياً عرضياً حدث عنه الجماد فان ترکبت ترکيباً مزجياً بسبب نعامة الاجزاء و لطافتها لکن مع غلظة و جساوة ما في اصل الجوهر حدث عنه المعدن کمايأتي و ان کانت لطيفة ناعمة اکثر من ذلک و اختلطت بتلک الشعلات الفلکية و کانت جزءاً من النار و جزءاً من الهواء و جزءاً من التراب و جزئين من الماء من خمسة اجزاء و هي لطيفة ناعمة حصل منها النبات اما في الخارج فهو الذي يحصل في بقاع الارض بان‌تجتمع فيها الاجزاء و تتلطف و تترکب بالتصعيد و التنزيل حتي تتعود الارضية الصعود و النارية النزول و الهوائية

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 27 صفحه 46 *»

والمائية الصعود مع الصاعد و النزول مع النازل فاذا صارت الاجزاء صالحة للممازجة و الصعود و النزول بالحل و العقد و التصعيد و التنکيس و ائتلفت تحرکت بمشايعة شعلات الافلاک من جميع جهاتها الي الافلاک التي هي حيزها فنمت و ربت من جميع جهاتها و لو کانت الاجزاء کثير اللطافة و المشاکلة لکان النبات علي هيئة کرة مستديرة استدارة حقيقية الا ان اجزائها کانت مختلفة فاختلفت في مطاوعة الشعلات في الصعود فتضرست علي حسب طبايعها و تفرقت و تشعبت علي ما تري فيجب ان‌يکون النبات في عرصة الخلوص و عدم الاعراض مستديراً البتة و اما في الانسان فبعد ما صار الغذاء کيلوساً ثم کيموساً مرکباً من خمسة اجزاء ترکبت فصارت جسداً صالحاً لان يتعلق به النفس النباتية و هي الروح البخاري المتولد في القلب الذي يظهر شعاعه في الکبد علي الاخلاط فتنمو و تربو فنباتيتها عرضية و انما هي جمادية و اما نباتية البخار فحقيقية و هو يحصل اذا دخلت العلقة الصفراء القلب فبخرت بحرارة الشعلات فاختلطت بها و دارت و تواردت عليها حتي مکنتها و جعلتها بخاراً فهذا الروح البخاري هو حقيقة النبات الذي في الانسان و نفسه النباتية المتعلقة بالکبد الظاهرة فيها بفعلها فزاد و نما بمشايعة تلک الشعلات مستديراً في نفسه الا ان اختلاف اشکاله بحسب الوعاء کالماء لو رميته في الهواء يتفلک مستديراً ولکنه في الاناء علي هيئة الاناء و کذلک الروح البخاري مستدير في نفسه و علي هيئة العروق و التجاويف في ظاهره فهذا الروح البخاري من حيث اسفله متعلق بالعلقة مستمد منها و من حيث اعلاه لطيف فمن حيث تعلقه بالدم و نفوذه في اجزاء الدم صار يجذب بحرارة و يبوسة ما فيه و يمسک ببرودة و يبوسة ما فيه و يهضم بحرارة و رطوبة ما فيه و يدفع ببرودة و رطوبة ما فيه فالروح البخاري في جميع البدن هو الانسان النباتي المستدير و ساير الاعضاء الکثيفة حملته و حفظته و اسباب غذائه و امداده و هو من حيث نفسه و ذاته ليس بحي حيوة حيوانية و انما حيوته حيوة نباتية فعله الجاذبة و الماسکة و الهاضمة و الدافعة بطبايعه الاربعة الغاذية بجميعها المربية بروحه المولده بنفسه الحافظة بجسده و هي ارکانه الثلثة و النامية بجميعها و يظهر هذه الافعال في الکبد

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 27 صفحه 47 *»

لان هناک محل ظهور الطبايع و الارکان و البخار المتعلق بها هو النفس النباتية و انما ذلک لاجل ان ذلک البخار صار بلطافة الطبايع الخالصة عن شوب هذه العناصر السفلية فهذا هو النبات الاصلي و ساير البدن مغرسه و هو معني بدن الانسان الذي کان في العناصر کامناً ثم ظهر بالتدبير و صار بالفعل فاذا ساوي الافلاک في النعامة و اللطافة و الاستدارة اشرق عليه النفس الحيوانية و اشراق النفس الحيوانية فعلها و اثر فعلها هو مادة ذلک البخار الفلکي الحرارة المتعلقة به فاشتعل البخار بدوام اشراقها عليه اشتعال الدخان المکلس بالنار الغيبية يعني ادامت الاشراق عليه حتي ظهر سر مادته التي هي اثر اشراقه في صورته لما رققت و نعمت حتي لم‌تحجب الحرارة التي هي اشراق الروح الحيوانية فحييت و هذه الروح الحيوانية منبعثها من القلب لان العلقة الصفراء اذا وردت القلب و بخرت هناک و صفت و لطفت حتي صارت بلطافة الافلاک اشتعلت هناک باشراق النفس الحيوانية الذي هو الحرارة الغريزية فهذه الروح البخارية هي نباتية حييت بالعرض باشراق الحيوان فاذا انطفي ذلک البخار کالشعلة المنطفية بقي البخار و لاحيوة کما ان مبدء تکون ذلک البخار عند مسقط النطفة و لا حيوة فيه الي ان‌ينتضج و يعتدل کالافلاک ولکن لما کانت الآثار تظهر علي حسب القوابل ظهرت افعال الحيوانية علي حسب الروح البخارية المتهيئة بالطبايع لاجل التعلق فاختلفت طبايع الحيوانات علي حسب الطبايع العنصرية لانها تصبغ النباتية و هي تصبغ الحيوانية فهذه الحيوانية هي الحيوانية العارضية و اما حقيقة الحيوانية فهي افلاک عالم هورقليا و هي في باطن هذه الافلاک فالعارضية هي شعاع الحقيقية الا تري ان هذه الحيوانات تموت و انما ذلک لاجل ان حيوتها الظاهرية عارضية فاذا تفکک النبات عاد ارکانه الي حيزاتها و اتصل نفسه بالطبايع و اضمحل ترکيبها و اذا تفکک الحيوان اتصلت الحيوة العرضية بالافلاک و اتصل طبايعه بحيزاتها و اما حقايق الحيوانية ففي عالم هورقليا تبقي جامدة في ابدانها الاصلية الهورقلياوية التي هي حقايق النباتية لانهماکها في الطبايع فالنباتية و الحيوانية العرضية عودهما الي بدئهما و هو کما عرفت هذه الدنيا لاتتجاوزها و اما حقيقة الحيوانية و هي التي في الانسان ففي

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 27 صفحه 48 *»

عالم هورقليا في افلاکها فهذه الحيوانات من شعاع حيوانية الانسان الهورقلياوية و لاذکر لها في هورقليا و الي هذين المقامين اشار اميرالمؤمنين عليه السلام في حديث الاعرابي قال يا مولاي ما النباتية قال قوة اصلها الطبايع الاربع بدؤ ايجادها عند مسقط النطفة مقرها الکبد مادتها من لطايف الاغذية فعلها النمو و الزيادة و سبب فراقها اختلاف المتولدات فاذا فارقت عادت الي ما منه بدئت عود ممازجة لا عود مجاورة فقال يا مولاي و ما النفس الحيوانية قال قوة فلکية و حرارة غريزية اصلها الافلاک بدؤ ايجادها عند الولادة الجسمانية فعلها الحيوة و الحرکة و الظلم و الغشم و الغلبة و اکتساب الاموال و الشهوات الدنيوية مقرها القلب سبب فراقها اختلاف المتولدات فاذا عادت عادت الي ما منه بدئت عود ممازجة لاعود مجاورة فتنعدم صورتها و يبطل فعلها و وجودها و يضمحل ترکيبها الخبر تدبر في هذا الخبر الشريف کيف قال ان النفس النباتية اصلها الطبايع و المراد بها الروح البخاري المرکب من الطبايع و کيف قال مادة النبات لطايف الاغذية فصورتها خصوصيات کثايف الاغذية اي کثايف الکيموس و هي الاخلاط و لطايفها هي صوافي الاخلاط التي تکون منها النفس کما بينا و هي تعود عود ممازجة و يبقي حقيقة النباتية التي في الانسان في ارض هورقليا الي نفخ الصور و قال في الحيوانية اصلها الافلاک اي مادتها مادة الافلاک فانها قوة فلکية و اما صورتها فمن افعالها الظاهرة في النفس النباتية التي هي حاملها و مرآة تجليها و مقرها القلب فان البخار هنالک يتلطف حتي يصير بلطافة جوزهر القمر و يمکنه شعلاتها اي شعلات الافلاک حتي يصير مثلها فيظهر منه ما ظهر منها فاذا صار بلطافة الافلاک کان مادته اشراق حقيقة الحيوانية و هو الحرارة الغريزية و صورته تلک الافعال الظاهرة في البخارية المتولدة من الطبايع فاذا عادت عادت عود ممازجة فتتفرق الطبايع الي حيزاتها و يعود تلک الحرارة التي هي القوة الحيوانية الي الافلاک افلاک هورقليا فيضمحل ترکيبها و تمازج اصلها ممازجة الماء الماء و تبقي حقيقة الحيوانية التي هي الجسم

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 27 صفحه 49 *»

الاول في الجسد الثاني الذي هو حقيقة النباتية الهورالقلياوية جامدة فالبرزخ له سماء و ارض و سماؤه في سماء هذه الدنيا و ارضه في ارضها فالنباتات المتکونة في ارض هذه الدنيا اعراضها من هذه الدنيا و حقايقها من البرزخ و الحيوانات المتکونة في هذه الدنيا من الاصول الفلکية اعراضها في هذه الدنيا و اصولها في افلاک البرزخ فاذا فارق الروح الجسد سکن الجسد الارض و الروح السماء و هذا هو المشاراليه في قول الصادق عليه السلام الانسان خلق من شأن الدنيا و شأن الآخرة فاذا جمع الله بينهما صار حيوته في الارض لانه نزل من شأن السماء الي الدنيا فاذا فرق الله بينهما صارت تلک الفرقة الموت ترد شأن الاخري الي السماء فالحيوة في الارض و الموت في السماء و ذلک انه يفرق بين الارواح و الجسد فردت الروح و النور الي القدرة الاولي و ترک الجسد لانه من شأن الدنيا و انما فسد الجسد في الدنيا لان الريح تنشف الماء فييبس فيبقي الطين فيصير رفاتاً و يبلي و يرجع کل الي جوهره الاول و تحرکت الروح بالنفس حرکتها من الريح فما کان من نفس المؤمن فهو نور مؤيد بالعقل و ما کان من نفس الکافر فهو نار مؤيد بالنکراء فهذه صورة نار و هذه صورة نور الخبر.

و اذا صعد ذلک البخار من القلب في العرقين الضاربين الي الشبکة التي تحت قاعدة الدماغ تنعم فيها و کثر نضجه و قل اعراضه و اشتد ترکيبه حتي اذا صعد عنها من عرقين الي اعلي الدماغ في التجاويف صار بلطافة الافلاک و نعامتها فظهر فيه في الانسان الصغير ما ظهر فيها في الانسان الکبير من اشعة افلاک بنطاسيا التي في البرزخ بواسطة فلک الحيوة يعني انطبعت تلک الاشعة في فلک الحيوة و کمنت فيه و استجنت و اشرق فلک الحيوة في هذه الافلاک الطبيعية فکان القمر فيهن نوراً تنورن به و شعرن به فالبخار الذي في الرأس صار متفکراً بما القي فيه من شعاع فلک عطارد البرزخي و صار متخيلاً بما القي فيه من شعاع فلک الزهرة و متوهماً بشعاع المريخ و عالماً بشعاع المشتري و عاقلاً بشعاع زحل و کانت تلک الاشعة في ذلک البخار کالنار في الدخان فاشتعل ذلک البخار بالشعور و الاحساس

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 27 صفحه 50 *»

فصار شاعراً کما ان الشعلة نار فمن زعم ان الحواس الظاهرة و الباطنة غير شاعرة فقد اخطأ السبيل فالبخار المشتعل بالشعور حساس متحرک و هذا هو اعلي درجات الروح البخاري و ليس يصير حيواناً و لا انساناً و انما هو نبات طبيعي فهو في هذه الدرجات يدرک ما يدرکه الجن فان الجن حقيقتهم من اشراق النفس القدسية في افلاک هورقليا و اجسامهم الظاهرة من عالم المثال و عالمهم عالم بنطاسيا و هو حقيقة عالم الطبايع و ليسوا هم في ظاهر عالم الطبايع فاذا صفي البخار کالافلاک تعلق به اشراق افلاک هورقليا و کما ان افلاک هذه الدنيا مشتعلة باشراق افلاک هورقليا و اشراقها فعلها و صفتها و هي غيرها کذلک افلاک عالم هورقليا مشتعلة باشراق افلاک النفوس الغيبية الملکوتية و اشراقها غيرها و انما هو فعلها و صفتها و اثرها و ذلک الاشراق هو حظاير افلاک النفوس القدسية و شعاعها فلاجل هذه المناسبة سمي ما في الدماغ بالروح النفساني و اذا تلطف البخار مرة اخري حتي ساوي فلک البروج اشرق عليه النفس الکلية البرزخية من فلک بروج البرزخ و قد اشرق علي ذلک الفلک فلک بروج عالم النفوس الملکوتية فصار موجوداً بما هو انسان دون ان‌يکون موجوداً بما هو جن او حيوان و اذا صفي و لطف حتي صار بلطافة الکرسي تعلق به نفس النبوة و اذا صفي و لطف حتي صار بلطافة اسفل العرش تعلق به نفس الفاتح الخاتم و لولا ان نفسه و روحه من هناک لماوصل اليه ليلة المعراج کما روي ففي درجات الآخرة مقام جنة عدن مقام محمد صلي الله عليه و آله و مقام اهل‌بيته عليهم السلام و هي بابها العقل و لاحظيرة لها للطافتها و مقام الکرسي اي الجنة السابعة التي بابها الروح و هي التي فوق فلک زحل و في خلال الکرسي مقام الانبياء و الاوصياء و الجنة السادسة الي الثانية مقام المؤمنين و الاولي مقام الموحدين الغير العارفين و حظاير هذه الجنان اي اشعتها و اشراقها التي کانت هي المواد البرزخية هي جنان الجن و کذلک رتب المولدات في هذه الدنيا و نفوسهم فمعاد الطبايع الي هذه الدنيا و معاد الحيوانات الي الحس المشترک و عالم البرزخ و معاد الجن الي النفوس القدسية اي ظواهرها و معاد الاناسي الي ما فوق تلک الافلاک من حقيقة النفس القدسية التي بها حيوتها و هي افلاک في غيب

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 27 صفحه 51 *»

تلک الافلاک و لها طبايع في غيب طبايعها و معاد الانبياء الي حقيقة عالم الاناسي التي بها يشرق عالم الاناسي و يشتعل علماً و حلماً و ذکراً و فکراً و نباهة و هو عالم الکروبيين و معاد محمد و آل‌محمد عليهم السلام الي حقايق عالم الکروبيين و سمائهم في سماء عالم الکروبيين و ارضهم في ارضهم و جميع هذه السماوات في هذه السماوات و جميع تلک الارضين في هذه الارضين و يحکي افلاک العالين هنا العرش و يحکي افلاک الکروبيين هنا الکرسي و يحکي افلاک الاناسي هنا فلک البروج و يحکي افلاک الجن هنا هذه الافلاک و يحکي افلاک الحيوانات هنا اشراق جوزهر القمر و شعلاته الملقاة في الارض و يحکي الطبايع هذه العناصر فافهم و تبصر فان ذلک تحقيق دقيق و بيان انيق بالحفظ و الاعتداد حقيق و بالکتمان يليق ان فهمته فانت انت.

و جميع هذه المراتب اي مراتب هذا العالم محقق محسوس في الانسان الطبيعي المصنوع فان في ذلک العالم الهيولي بمنزلة الغذاء الذي يتناوله الانسان و کما انه يتولد النطفة من کل غذاء کذلک يتولد الحجر الذي هو بمنزلة نطفة الولد من کل هيولي و کذلک کما في العالم الحليب اقرب شيء الي النطفة لانه دم ابيض کما ان النطفة دم يبيض فی وعائه کذلک فی عالم الفلاسفة اقرب شیء الی نطفة مولودهم و هي الحجر شجرة الزيتون او المثلث المکنون و کما انه يؤخذ الغذاء و يمضغ کذلک ينبغي ان يمضغ الهيولي بذات سنين حديدين و کما انه يجعل الطبع الغذاء مع الماء في المعدة کيلوسا و يخرج طراطيره الفاسدة من طريق الامعاء کذلک يجب هيهنا بعد تحصيل شراب و طعام ان‌يصب الشراب علي الطعام حتي ينحل الهيولي في الماء و يصير کشکياً کيلوسياً متشاکل الاجزاء و يخرج طرطيره الفاسد و هو رماده الغير الصالح للاغتذاء خارج العالم ثم يبعث الطبع بصفوه الي الکبد فيطبخه کيموسا و يخرج طراطيره من طريق الکليتين و المرارة و الطحال و کذلک يجب هيهنا ان‌يطهر هذه الارض المنحلة المعقودة کالعسل و يزيد ثانياً طراطيرها و سوادها حتي يبيض الارض و يحمر الماء من غير سواد و يخرج نفس الارض و صبغها في الماء ثم يرد النفس الي الارض في

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 27 صفحه 52 *»

اربع تساق و هي الزوجة الکبيرة و البنات الثلث ففي الاولي يسود حالکا و هو دليل اللقاح و مبدء الفلاح و في الثانية ينتقل الي الزرقة العميقة و في الثالثة الی الآسمانجوني و في الرابعة يبيض و هذه الانتقالات کانتقالات الدم في الخصيين و في وعاء المني و تجاويفهما الي البياض فيکون منياً صالحاً للترقي فيه روح و نفس و جسد و الجسد منه ظاهر و الروح و النفس فيه کامنتان يمکن اظهارهما بالتدبير و هو الحکمة کماقيل الحکمة اظهار ما قد کمن لا ايجاد ما لم‌يکن فهذا الحجر يکون ذائباً غليظاً لزجاً صافياً خالصاً لطيفاً کالمني و هذا هو حجر القوم الحاصل من کل هيولي و للقوم فيه تدابير شتي علي حسب اختلاف الهيولي کما ان الاغذيه منها صالح الکيلوس و الکيموس و منها رديهما و منها سريعهما و منها بطيئهما و اما بعد حصول الحجر فالتدبير للجميع واحد فان الاحجار کلها خالصة صافية من جنس واحد کالمني فان جميعها بعد التکون من نوع واحد و مبدؤها من انواع مختلفة فاذا تحقق الحجر و هو في مثالنا بمنزلة الدم الصالح الان الکامن فيه الروح و النفس انتقل الي القلب و بخر فکان روحاً بخارياً و کذلک الامر اذا حل الحجر في الجويريات و حصل ماء ذو روح و نفس و جسد ماء غليظ دهني صمغي صابغ فهو بمنزلة العلقة الصفراء في القلب و کما انها تبخر روحاً بخارياً کذلک هذه العلقة في هذا العالم تبخر بالمناخل و تدع رمادها في الاسفل و تصير جوهراً لطيفاً صافياً فيه رقاق الجسد و نواعمه و جميع الروح و النفس کالروح البخاري فانه من لطايف الاغذية و صفوها و جميع الروح و النفس اللتين للانسان کامن فيه لايغادر شيئاً منها و هذا المقام هو مقام الروح البخاري الناشئ في القلب من العلقة الصفراء فاذا قطر هذا الماء بنار الحضان قطر الماء الالهي و هو بمنزلة العقل و النفس و العرش و الکرسي باطنه عقل ظاهره کرسي و لذلک سمي بذي الوجهين و هو الذي يمد منه المولود و يترقي في درجاته الي ما لانهاية له و لاغاية ثم يشدد النار لترقية ما يکون اثقل و فيه الجسمانية اکثر فيصعد الزيبق الغربی المستمد من ظاهر الماء‌ الالهی فان ظاهر الماء الالهی ابيض علی طبع الکرسی و باطنه احمر علی طبع العرش فالزيبق الغربی مستمد من ظاهر الماء الالهی ثم

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 27 صفحه 53 *»

يشدد النار و يصعد الماء الاصفر الشرقي ثم الاحمر الشرقي و هو الذي يشبه البرق المذکور فيما ينسب الي علي عليه السلام:

خذ الفرار و الطلقا   و شيئاً يشبه البرقا
اذا مزجته سحقا   ملکت الغرب و الشرقا

و الزيبق الغربي هو الفرار و الطلق هو الارض المقدسة فالاحمر يستمد من باطن الماء الالهي و الجامع للمقامين هو الاصفر لانه صاحب البياض و الحمرة الواقف علي الطتنجين فهو الذي يستمد من ظاهر الماء الالهي فيمد الابيض الغربي و يستمد من باطن الماء الالهي فيمد الاحمر الشرقي فالاصفر بمنزلة فلک الشمس فتستمد من باطن صفتي الماء الالهي فتمد مريخ الاحمر الشرقي و تستمد من ظاهر صفتي الماء و تمد زهرة الابيض الغربي و اما زحل فهو باطن اکليل الغلبة النفس اليابسة و المشتري ظاهره و اما عطارد و القمر فهما ايضاً من مراتب الزيبق الغربي فالاصفر يستمد من باطن باطن الماء الالهي و نفسانيته الباطنة فتمد الاکليل فانه نفس يابس و يستمد من باطن بياضه و تمد الاکليل بعد صعوده و بياضه و هما علويان مقترنان و للزيبق الغربي ثلث مراتب الزيبق الخالص و الزيبق المشبب و الزيبق المستنبط من الارض فالزيبق الخالص هو مقام القمر و المشبب بالاكليل هو الزهرة و المستنبط هو عطارد فشمس الاصفر تستمد من صفتي الماء‌الالهي الظاهرتين و تمد الزيبق المشبب و تستمد من ظاهر ظاهر الماء فتمد عطارد الزيبق المستنبط و تستمد من باطن ظاهر الماء فتمد الزيبق الخالص فتلك افلاك هذا العالم و هي هي الروح البخاري الذي تنعم و تلطف علي حسب الافلاك و طبايعها و من تركيب هذه الافلاك مع الجسد الجديد النقي يركب المولود و يحل بعد المزج و يعقد تسع مرات و هذه التسع ايام حمل الولد فان في كل شهر يربيه فلك من الافلاك ففي الشهر الاول قالوا يربيه زحل و في الثاني المشتري و هكذا الي ان في السابع يربيه قمر ثم قالوا يربيه في الثامن ايضاً زحل و هو كوكب الموت و لذا لايعيش و في التاسع المشتري كذا قالوا و لما كان الانسان مركباً من تسع قبضات من الافلاك و قبضة من الارض صار المولود ايضاً مركباً من قبضة طبايعه

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 27 صفحه 54 *»

و تسع قبضات من الماء الالهي ففي كل سقية يتحقق فيه روح فلك من الافلاك و انما ذلك لان الماء ‌الالهي حامل جميع الارواح و مفيضها ثم بعد ما عقد المولود و تولد ذكراً سوياً صالحاً ليس يمتنع عن التربية و الترقي فيسقي مرة بعد مرة من كأسات العلوم و الاخلاق و اليقين و المعرفة و المحبة كلما وضعت لهم علماً رفعت لهم حلماً ليس لمحبتي غاية و لا نهاية فيترقي و يربو و يزيد الي ما شاء ‌الله و ليس يرتوي ارضه عن تلك السقيات لانها ليس تقبل الروح علي جهة الحيازة و الحواية و الظرفية فيزيد عن ظرفيتها و انما يقبلها علي جهة المشاكلة و المجانسة و الاتحاد في الصفة فلاتمل من التكثر من الاحبة المجانسين لانها تتقوي بها و لنعم ما قال الشاعر:

و ليس كثيراً الف خل و صاحب   و ان عدواً واحداً لكثير

فتدبر في مراتب الهيولي الجمادي كيف ترقي درجة بعد درجة و تروح شيئاً بعد شيء‌ و تفلك و ترقي و عرج الي الافلاك حتي ساوي في عالمه العرش و الكرسي علانية بلاغبار و كيف عاد الي ما منه بدء و كيف مات عن الدنيا و حيي في الآخرة فانه بعد ما اسقي الجويريات و اخذت منه خرج جميع ما فيه من الروح و النفس كما عرفت و مات و قد كان قبله حياً بحيوة دنياوية تقبل الفناء و الدثور و الخروج فانما الروح و الجسد لتخلل الاعراض لم يتلازما تلازم خلود فخرجت الروح مع الجويرات و هي كانت له كلاليب عزرائيل عليه السلام و سفوده ادخل في جوف الحجر و اخرج جميع ما فيه من روح و نفس و تعلقتا بالسفود الداخل فبقي الجسد ميتاً لاحراك له فكان هذه الحال حال البرزخ خرج روحه الي سماوات قباب هورقليا و بقي جسده في ارض عالم هورقليا ميتاً لاحراك له فرأي الحكيم ان‌يعذب الروح في البرزخ حتي يطهر عن الاعراض فاصعدها الي عين الشمس في سماء‌ القباب في كل نهار فانزلها في بئر برهوت في كل ليل بئر القراع الي ان طهرت و صارت اخروية و عذب الجسد بالنار حتي صار حمماً اسود ثم غسله بماء الحيوان حتي ابيض و دخل الجنة ابواب السماء‌ فصار ارض حيوة و تفلكت ثم نفخ في الصور فاخرج من ذلك الروح المثالي من عالم المثال و البرزخ الي الآخرة فاخرج من

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 27 صفحه 55 *»

مثاله مادته و طبعه و نفسه و روحه و عقله فعقله باطن اكليل الغلبة و روحه الابيض الغربي و نفسه ظاهر الاكليل و طبعه الاحمر الشرقي و مادته الاصفر الشرقي ثم نفخ فيه اخري فركب الاجزاء‌ بعد ان كان الكل ميتاً اربع مائة سنة ثم اخذ الارض و سقيها بالماء النازل من بحر صاد من تحت عرش فركب اجزاء‌ الاجساد ثم دفع اليها ارواحها فاذا هم قيام ينظرون مركبون تركيب خلود لا فناء‌ لها و لا دثور مطهرون من اهل عليين و جنان الخلد قد تجلي لها ربها فاشرقت و طالعها فتلألأت فالقي في هويتها مثاله فاظهر عنها افعاله يابن آدم انا رب اقول للشيء‌ كن فيكون اطعني فيما امرتك اجعلك مثلي تقول للشيء‌ كن فيكون فتكون فعالة باذن الله سبحانه تهزم الصفوف و لاتكترث بالالوف تقاتل الابطال و لايؤثر فيها سيف و لا نصال تدبر في حدود ما ذكرت لك تعرف سر المبدأ و المعاد و تزود منه ليوم التناد هل تجد مما ذكرنا انكاراً للحشر الجسماني او اقراراً بالحشر النفساني وحده و هل هذان الا قول من لم‌يعرف الحقايق و لم‌يطلع علي الدقايق بل المعاد هو معاد نفس الهيولي الاولي بمادتها و انما كسرت و صيغت و كسرت و صيغت الي ان نعمت و لطفت و رقت حتي ناسب جسدها روحها و روحها جسدها حتي ايتلفا ائتلاف خلود و تعانقا تعانقاً ابدياً فافهم و تدبر تفز بالحق و تكن من اهله و اعلم ان المركب لايبلغ تركيب الخلود الا ان‌يكون بحيث اذا طار طار كله و اذا وقع وقع كله و لايمكن الوصول الي هذا المقام الا ان‌يصير الجسد بحيث يشايع الروح في طيرانه و صعوده و ذلك لايحصل الا ان‌يطهر الجسد اولاً عن الاوساخ اوساخ دنيا المعدن ثم البرزخ برزخ الاركان بتكرار الحل و اجراء ‌المياه و استنباطها و تكرار التصعيد و الانزال حتي يتعود الصعود و يصير ملكة له و ينعم و يرق حتي يشاكل الارواح كالروح البخاري المشاكل للنفس الحيوانية و اشد تشاكلاً فحينئذ يألف الروح و يأخذه الروح اخاً له او زوجة يسكن اليه او نفساً يتخذها بطانة و وليجة دون غيره و اخاً و خليلاً فيكون الجسد محباً له و مطيعاً في جميع محابه فحينئذ يكون الجسد مشاكلاً للروح فيأتلفان ائتلاف الروح بالروح و لذا نقول ان في الجنة يدرك الجسد الاجساد و الارواح و يدرك الروح الارواح و

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 27 صفحه 56 *»

الاجساد و انما ذلك لشدة المشاكلة ولكن ليس ادراك الجسد للروح بقوة ادراك الروح للروح و لا ادراك الروح للجسد كادراك الجسد للجسد فان غاية الامر انهما تشاكلا ولكن لم‌ينقلب الجسد روحاً و لا الروح جسداً و كذلك غاية الامر انا نعمنا الجسد بالتصعيد و التنزيل حتي جعلناه مشاكلاً للروح و لم‌نجعله روحاً و ان قلت ان الذي ذكرت من امر نعامة الجسد و صعوده كالارواح خلاف الغرض من وضع الاجساد في المركب فان وضع الاجساد في المركب لضبطها فاذا صار الجسد طياراً لايضبط الطيار و نحتاج الي ضابط اخر قلت انا نقول بان الجسد لضبط الروح و نقول انه لابد و ان‌يصيرا بحيث يأتلفا فمادام الجسد ذاجساوة و غلظة و كثافة ليس يمكن ان‌يألفه الروح اللطيف الغيبي البتة لعدم المشاكلة و انا لسنا نقول بان الجسد لابد و ان‌يصير طياراً في نفسه ثم يألف بينه و بين الروح حتي يلزم المحذور بل نقول ان ندبر الجسد بالروح و نلطفه بالروح و نبيضه و ننعمه بالروح و نصعده بواسطة التزويج بينه و بين الروح و ليس الجسد بنفسه يصعد من دون روح فان الميت من دون روح ليس يصعد و يتروح فندبره تحت ظل الروح و بالعمل بمقتضي الارواح حتي لايستمد الجسد بالامداد الذاتية له فيقوي في جساوته بل ليستمد بالامداد العرضية الروحانية فينهدم شيئاً بعد شيء‌ و يتهبأ شيئاً بعد شيء‌ و يشاكل الروح في استمداده العرضي الي ان‌ينسي تلك الامداد الجاسية و يرضي بالامداد اللطيفة و يدخل في زمرة الارواح و يصعد الي اعلي عليين فاذا بلغ هذا المبلغ ينفذ في جميعه الروح في ظاهره و باطنه و يتخذه اخاً و خليلاً لنفسه و لم‌يخرج بذلك من جسدانيته الا انه جسد لطيف مشاكل للارواح و ليس استقرار المولود و صبره من غلبة الجسد علي الروح فلو كان الجسد غالباً علي الروح بحيث يمنع عن طيرانه لكان المولود جسداً كساير الاجساد هذا و ليس للجسد فضل صبر حتي يصبر الروح و انما كل جسد صابر علي قدر كفاية نفسه كما هو معلوم فسبب صبر المولود حقيقة عند اولي الابصار خروجه بالنعامة و الروحانية عن حد استيلاء‌ النار عليه حتي انها لاتقدر علي تفريق اجزائه و تفكيكها لشدة تعانقهما و تلززهما و ان كان يذيبه فان جموده ببرد

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 27 صفحه 57 *»

عارض فذوبه بحر عارض و اما تفتيته و تفكيكه فليس تقدر عليه لشدة التركيب كما ان الذهب ليس يتفتت بالنار وحدها و ان يذوب و ليس تطيره بجميع اجزائه لصعوده عن رتبة النار الكثيفة الظاهرة و لذا قلنا ان الجسد جسد الانسان لو القي في النار نار الدنيا ملأها لما احرقت الجسد الاصلي لانه فوقها و انما تحرق الاعراض فصبر الجسد الاصلي علي النار ليس لكثافته و قلة روحانيته بل لشدة روحانيته و مشاكلته للارواح و مفارقته هذه النيران فهو صابر علي نار الدنيا و ليس بصابر علي نار البرزخ فانها تذيبه و تنهكه و كذلك الجسد الاخروي ليس يذوب بنار البرزخ صابر عليها لانه فوقها ولكنه يذوب بنار الآخرة ذوب الرصاص و كذلك اذا اكل جسد الانسان انسان ليس يستولي حرارة الهاضمة العرضية التي من هواء‌ هذه الدنيا علي جسد البرزخ و الآخرة ابداً و لاتغتذي الابدان العرضية بها فصبر المولود علي النار لصعودها عن حد كثافة هذه النار فلأجل ذلك يصبر مع ان جسده بلطافة روحه فاذا ذاب و صبر نفذ و غاص بروحانيته في جميع اقطار المطرح و اثر فيه بروحانيته و ان قلت فما خاصية الجسد قلت انما خاصية الجسد اللطيف تحصيل الوسيلة و البرزخ بين الروح و بين المطرح فان الجسد و ان نعم و تروح لم‌يکن روحا و انما هوجسد لطيف و تغليظ الروح فی الجملة و تثبيته فان الجسد كلما تروح لايكون روحاً علي الحقيقة فيجسد الروح في الجملة و يونسه بالمطارح البتة و لان المولود في نفسه لايكون تاماً الا بروح و نفس و جسد فانا نريد من المولود آثاراً لاتتأتي الا بهذه الثلثة فان المولود ما لم‌يكن معتدلاً بين الاركان و الطبايع لايكون ظاهراً بالرحمانية الفعالة فاذا كان الغالب عليه احد الجهات يكون الغالب عليه ذلك الطبع و يكون في عرض الطبايع فاذا وجب ان‌يكون معتدلاً حتي يظهر فيه الرحمان المستوي علي عرشها وجب ان‌يكون فيه روح جبروتي و نفس ملكوتية و جسد ملكي حتي يكون جامعاً كاملاً بالغاً و لما وجب ان‌يكون هذه الثلثة مركبة تركيب امتزاج حقيقي وجب تشكيلها و لما علمنا ان شدة الممازجة تحصل من شدة الميعان لا الغلظة و الجساوة فعلمنا ان ترويح الجسد

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 27 صفحه 58 *»

اولي من تجسيد الروح بل تلطيف الروح ايضاً اولي من تركها لان الممازجة في المايعات اسهل من الجاسيات الجامدات بل لايمكن في الجاسيات اصلاً فكل ما يكون الاركان اشد ميعاناً يكون اشد امتزاجاً و لذا يترقي المركب بالنقض و الحل و السقي فروحنا الاجساد و لطفنا الارواح ما قدرنا حتي اشتد ممازجتهما و لم‌نبال بان الجسد اذا تروح لم‌يصبر المركب اذا اعتقدنا ان صبر المركب بخروجه عن حيز الكثافة فكلما يكون ابعد عن الكثافات يكون اصبر و يكون تاثير نيران الدنيا عليه اقل فوجب في الحكمة تصعيد الملك الي الملكوت و تصعيدهما الي الجبروت لا تجسيد الجبروت و الملكوت فانه خلاف الغرض هذا مع علمنا ان التأثير للرحمانية و كلما كان العرش ارق و الطف يكون احكي لانوار الرحمان فافهم و تبصر فانك لاتجد اكثرها في كتاب و لاتسمعها من خطاب و لاتتعجب من كتابي هذا انه ليس علي نهج كتب الفلاسفة و لا علي نهج كتب الالهيين فان غرضي غير غرض الفريقين و مطلبي بيان اسرار المطابقة في البين و هذا لايعلم الا من كتابي فان كل واحد من القومين غافلون عما يقول الآخرون و انا الواقف علي الطتنجين الكاشف للنشأتين و مبين الروابط في البين و صلي الله علي محمد و آله الطاهرين في العالمين فما لم‌يطلع الالهيون علي كتابي هذا لم‌يعرفوا حقيقة ما هم عليه و ما لم‌يطلع الفلاسفة علي مثل ما اقول لم‌يطلعوا علي ثمرات ما هم عليه و ليس ثمرة علمهم الا الوصول الي حقايق اخبار الانبياء و المرسلين و آثار الاوصياء‌ المكرمين و ذلك لايحصل الا بكتابي هذا و السلام.

فصل: اعلم ان الفاعل المؤثر الحقيقي هو الذي يوجد الشيء‌ لاعن شيء‌ بمادته و صورته و اما الذي يصنع الشيء‌ من شيء‌ فهو صانع اضافي كالنجار الذي يصنع السرير من الخشب هذا و ان كان بعض الصنايع تصل آلات البشر اليها و بعضها لاتصل و تصل آلات الجن اليه او الحيوان او الملائكة او غير ذلك من ساير جنود الله سبحانه بالجملة من لم‌يوجد لامن شيء‌ هو صانع اضافي فالفعل و التاثير لله سبحانه حقيقة و القوة و القدرة و الحول كلها له و كل من هو دونه من الفعالين

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 27 صفحه 59 *»

فعال بحوله و قوته فيختلف مراتب الفعالين بحسب الحكاية و اللطافة فكلما ينعم الشيء‌ و يتلطف يصير احكي لما وراءه من قدرة الله و قوته ففي كل رتبة يكون انعم مراتبه و الطفها يد الله الظاهرة بحوله و قوته في تلك الرتبة الفاعلة فيها فالفاعل في كل رتبة مادة تلك الرتبة لانها حقيقتها و اشرف و اقوي و اعظم اركانها و لما كانت المادة هي الفاعلة كانت المراتب الحاكية هي الاولي بالفاعلية في المركبات فالارواح هي الفاعلة و لافاعلية الا للارواح ولكن الارواح من حيث انفسها بالنسبة بسيطة معراة عن الصور المجردة و الصور المادية الجسدانية فلاتعين لها و لاخصوصية و انما ينصبغ افعالها في مرايا الاجساد المعينة لتلك الافعال المخصصة لها و اما الصور المجردة فهي اطراف الاجساد قال الله سبحانه او لم‌يروا انا نأتي الارض ننقصها من اطرافها فتعين افعال الروح في الجسد الا تري ان الروح في المولود الحيواني و الانساني واحد و هو الزيبق و انما يختلف الفعل بسبب اختلاف النفس و الجسد ففي الانساني كبريت و ذهب و في الحيواني زرنيخ و فضة فمن رام غير ذلك فقد اخطأ فالفعل كله للروح لانه آية الله في المولود الظاهرة بحوله و قوته ولكن يتعين علي حسب المراد بالجسد فلذلك احتجنا الي الجسد و النفس للرابطة و الاتصال فيظهر الافعال من بطون الاجساد منصبغة بصبغ الاجساد كما يظهر نور الشمس البسيط الوحداني من وراء‌ زجاجات مختلفة بالوان مختلفة فالاشراق من الشمس و الخصوصية و التعين للزجاجة فان قلنا ان الآثار تترتب علي الصور نريد ان ظهور الآثار بالصور و خصوصياتها و ان قلنا من المادة نريد ان اصل الفعل من المادة فاذا عرفت ذلك فاعلم ان الاكسير عامل بروحانيته لا بجسدانيته و انما الجسد معين الفعل و لذا وجب ان‌يكون في المولود ارض مقدسة و جسد جديد فان كان للبياض فارض بيضاء ساهرة حصلت بعد نفخ الصور بالجويريات و التطهير بالزيبق الغربي و هو ماء‌ الصاد النازل من تحت العرش الي بحر الحيوان الي الارض و ان كان للحمرة فارض حمراء‌ بادخال ما اخذ عنها من الصبغ اليها فانا اخذنا عنها الصبغ للتمكن من البياض و زيادة التطهير فالمعين لفعل الزيبق الغربي و الزيبق الشرقي و الماء‌ الالهي هو الجسد الابيض و الاحمر و لذا اذا احتجنا الي

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 27 صفحه 60 *»

زيادة الفعالية زدنا في الروح و لم‌نزد في الجسد و الصبغ فكلما زدنا في الروح اي الماء الالهي و نعمنا الجسد صار انفذ و اكثر فعلاً من جنس الجسد فانه ينصبغ في ذلك الجسد كما تري انك اذا احتجت الي زيادة اشراق ينبغي ان‌تسعي في زيادة نور الشمس لازيادة الزجاجة نعم ينبغي تنعيم الزجاجة و تلطيفها و لايحتاج الي زيادة كمها فعرف مما ذكرنا ان فعل الاكسير بالروحانية لا بالجسدانية و الزيادة الكمية فكلما كان اشد روحانية و اقويها و انعم جسداً يكون انفذ فعلاً و اكثره تكميلاً و هذا باب يفتح منه الف باب خذها قاعدة كلية تحيي بها موات القلوب فاسع ابداً في نقض المركب و حله و تسقيته و تضعيفه و عقده الي آخر العمل و كرر ثم كرر فان فيه الفلاح و الوصول الي اعلي درجات الايمان ولكن ذلك سير الواصلين و اما سير الناقصين فهم يمشون في بوادي التهذيب و التمييز الي السبك الاول فافهم هذه الاصول التي بها و فيها الوصول.

فصل: اعلم ان الدور ثلث الدنيا و البرزخ و الآخرة فالآخرة في البرزخ كالدهن في اللبن و البرزخ في الدنيا كالدهن في اللبن او الثلث كالماس في البلور و البلور في الزجاجة و يتولد الآخرة و البرزخ بتولد الدنيا و ينموان بنمائه و يتكملان بتكمله كما يتولد الروح بتولد الولد و ينمو بنمائه و يتكمل بتكمله حرفاً بحرف و لايظهر البرزخ الا بتصفية الدنيا و لا الآخرة الا بتصفية البرزخ فلاتخلص للآخرة قبل كسر البرزخ و صوغه و لا للبرزخ قبل كسر الدنيا و صوغها كما لاتخلص لما مثلنا قبل كسر الهيولي و صوغها الكل قبل الكل و البعض قبل البعض و ان كان البعض في عرصة الكل فالآخرة كالبرزخ و البرزخ كالدنيا حرفاً بحرف أفرأيتم النشاءة الاولي فلولاتذكرون سنريهم آياتنا في الآفاق و في انفسهم حتي يتبين لهم انه الحق قد علم اولوا الالباب ان الاستدلال علي ما هنالك لايعلم الا بما هيهنا و ما خلقكم و لا بعثكم الا كنفس واحدة و ما امرنا الا واحدة فان من شيء‌ الا و فيه شيء‌ من البرزخ و فيه شيء من الآخرة ففي البرزخ عرش و كرسي و سموات و عناصر و مواليد و اعراض و احوال و كذلك في الآخرة عرش و كرسي

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 27 صفحه 61 *»

و سموات و عناصر و مواليد و اعراض و احوال كما انك لو صغت الزجاجة علي هيئة انسان له رأس و صدر و يدان و بطن و رجلان يكون البلور المنتشر فيها ايضاً علي هيئة انسان و يكون كذلك الماس فيها علي هيئة انسان فيتحرك الانسان بحركتها و يسكنان بسكونها تبصر من هذا امرك و ان من شيء‌ الا عندنا خزائنه و ماننزله الا بقدر معلوم ما ذا افصل لك لاتظنن شيئاً في هذه الدنيا من الموصوفات و الصفات و ما يشار اليه و يحس الا و له برزخ في البرزخ و اخروية في الآخرة العبودية جوهرة كنهها الربوبية فما خفي في الربوبية اصيب في العبودية و ما فقد في العبودية وجد في الربوبية الخبر. فاذا فني هذا العالم بالكسر و صيغ ثانياً تفتح عينك الي عالم كأنه هذا العالم الا انه الطف منه سبعين مرة و ليس فيه ما يخص هذا العالم من الكثافة و لوازمها و اذا فني البرزخ بالكسر و صيغ ثانياً تفتح عينك الي عالم كأنه البرزخ و الدنيا الا انه الطف من البرزخ سبعين مرة و ليس فيه ما يخص البرزخ من الكثافة و لوازمها و ليس هذا الكسر و الصوغ الا ككسر لبنة و صوغها ثانياً في ملبنها فهي هي بمادتها و ليس هي هي بصورتها الاولي فكلما تجهل من امر الآخرة فصعد الدنيا و لطفها حتي تصل الي البرزخ و تنال مرادك منه ثم صعدها الي الآخرة تعرف ما قصدت معرفته و كلما جهلت من امر الحقايق الدنيوية فتدبر في الامور الاخروية المعلومة و نزلها الي الدنيا كما مر في الحديث في امر العبودية و الربوبية و ليس مقصودنا بيان هذه الامور بالذات و انما نذكرها بالعرض و كما ان الله سبحانه خلق اولا بسائط هذه الدنيا الطبيعية و هي الحرارة و البرودة و الرطوبة و اليبوسة ثم ركب منها الافلاك و العناصر ثم ادار الافلاك علي الارضين و احدث فيها المعادن ثم النباتات ثم الحيوانات ثم الاناسي في الاكوان و خلق الاناسي كلهم امة واحدة علي الفطرة ثم ارسل اليهم الرسل و انزل اليهم الكتب فتفرقوا مؤمنين و كافرين و تلبس المؤمنون باخلاق رضية و صفات شهية و تلبس الكافرون باخلاق ردية و صفات موذية كذلك البرزخ خلق حالاتها تلك في حالات الدنيا و تم تامتها في تامة الدنيا و بقي غير تامتها في غير تامة الدنيا الي ان‌يتم فقد خلق في البرزخ ايضاً طبايع اولاً ثم خلق منها افلاكه و عناصره ثانياً ثم

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 27 صفحه 62 *»

دارت افلاكه علي ارضه و احدث المواليد ثالثاً و كان الناس امة واحدة فارسل اليهم الرسل لاخذ الميثاق فآمن من آمن و تلبس بالحسنات و كفر من كفر و تلبس بالسيئات و كذلك الامر في الآخرة خلق طبايعها اولاً ثم كلياتها ثم مواليدها ثم تميز الاناسي الي عليين و سجين كما عرفت حرفاً بحرف كما قال الشاعر:

فعينك عيناها و جيدك جيدها   سوي ان عظم الساق منك دقيق

فانظر الي هذا العالم و اقرأ حروفه و عبر عن البرزخ و الآخرة لاتخطي الا ما تخطي في القراءة و الا فالخبر صحيح و الاثر مطابق.

فاذا عرفت هذه المقدمة السديدة فاعرف ان في ملك الهرامسة ايضاً ثلثة عوالم دنيا و برزخ و آخرة فالتدبير التدبير و الحكاية الحكاية و لم‌يخنك من بين تدبير عالم و لم‌يبين في عالم آخر و انما ستر عن الجهال لا العقال و انما حفظ عليك و لك فتنبه و ارض عن الاستادين فقد بينوا و اوضحوا و شرحوا و كشفوا الا انهم بينوا بعض حالات الدنيا و بعض حالات البرزخ و بعض حالات الآخرة و العبودية جوهرة كنهها الربوبية الخبر ففي ملك الهرامسة ثلثة عوالم من بدء كونه هيولي الي آخر التزويج بالجويريات و المراجعات دنيا و حالة تفصيل الاركان و تطهيرها حالة البرزخ و حالة التركيب و رد الارواح الي الاجساد حالة البعث و النشور فلابد و ان‌يكون نوع التدبير في هذه المراتب الثلث واحداً و ان كان فيه تغيير ما لخصوص الدنيا و البرزخ و الاخري و كذلك ينبغي ان‌يكون نوع ترقية الدنيا الي البرزخ كنوع ترقية البرزخ الي الاخري حرفاً بحرف فاقول لابد في الهيولي الدنياوية من النقض و الحل و اخراج الاعراض حتي ينعقد جسداً برزخياً كذلك ينبغي في المادة البرزخية من النقض و الحل و اخراج الاعراض حتي ينعقد جسدا اخروياً فهما في نوع العمل واحد و انما يختلف الآلات و خصوصيات التدابير بحسب خصوصية القابلة فان النقض و الحل في الدنيا لايمكن الا بالدق و السحق ثم التقطير ثم الغسل و التنقية للمادة ثم الحرق و الهدم و التكليس ثم التبييض و التصويل ثم تحصيل الماء‌ الحلال فاذا حصل ذلك امكن الحل و التمييز و التفصيل و اخراج الاعراض الثلثة بالخلط و التركيب ثم التعفين

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 27 صفحه 63 *»

ثم التصدية و الترطيب و التموية و التمشية و التسويد و الطبخ و الاحراق و الحل و التبييض فاذا بيض في هذه المرتبة فقد بلغ غاية الطهارة الممكنة في الدنيا فاذا قبض روحه بالجويريات سفود عزرائيل مات و دخل في عرصة البرزخ فعند ذلك يحتاج اخراج الاعراض البرزخية و ذلك يحصل بالنخل و الغسل ثم الطهارة و القصارة و الاصعاد و التبييض الثاني ثم التشبيب ثم التهبية و التصدية الثانية بالزيبق و التشحيم فاذا بلغ هذا المقام بلغ في كمال الطهارة الممكنة في عالم البرزخ و دخل في عالم الآخرة و امكن ان‌يركب تركيباً خالداً لا فناء‌ له بعد ذلك انظر وفقك الله الي التوافق بين العالمين و لاتغتر باختلاف الاسماء‌ فان غالب التدابير متحدة فكما انك تأخذ في الاول هيولي تأخذ هنا مادة و كما انك كنت تأخذ هناك ماءاً قراحاً تأخذه هنا الماء الحاصل من بعد الجويريات الذي به مات الجسد بلاحراك فكما انك تكرر تقطير القراح حتي يصفو تكرر تقطير ذلك الماء بالمناخل حتي يصفو و كما انك کنت تحرق الارض حتي تبيض فهيهنا تحرق الارض حتي تبيض و يصعد النوشادر الجنسي و كما انك كنت تشبب الماء ‌القراح بالملح تشبب هنا الماء‌ الالهي بالنوشادر و كما انك تفصل في الاول زيبقاً و كبريتاً تفصل في الثاني الزيبق الغربي و الاصفر الشرقي الذي هو الكبريت و كما كنت هناك ترسل الماء ‌القراح الي الكبريت فتطهره به فكان يحمر الماء‌ و يبيض الارض كذلك هنا تبيض الارض و تأخذ حمرته بالماء‌ الالهي حرفاً بحرف ثم تبيض الارض و هناك كان اعادة الروح و النفس الي الارض البيضاء و تسويد بعد تعفين ثم تبييض بتساقي ثلث يكون هنا ايضاً اعادة روح و نفس الي الارض البيضاء و تسويد و تعفين تم تبييض بتساقي ثلث ثم ست فاذا تم المركب و دخل روحه في جسده قام ينفض التراب من رأسه و هو شخص اخروي خالد فافهم.

فصل: اعلم انك بعد ما عرفت ان كل شيء‌ فيه معني كل شيء و ان لكل شيء سموات و ارضاً و ان سموات وجود الشيء دائرة علي ارضه و مكملة لها علي ما عرفت ينبغي ان‌تعلم ان العلة الغائية من وجودهما في كل شيء ظهور سر

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 27 صفحه 64 *»

الواحدية علي اكمل وجه يمكن في تلك الرتبة و في ذلك الشيء و هو انسانيته الخاصة به و ساير المراتب المتقدمة من الجمادية و النباتية و الحيوانية كسور وجود ذلك الواحد فالجماد مثلاً بمنزلة الربع و النبات بمنزلة النصف و الحيوان بمنزلة ثلثة ارباع و الانسان هو الواحد التام و لما كان كل شيء من بدو تكونه الي غاية كماله ذا مراتب اربع علي ما عرفت و ان كل عدد بالنسبة الي مادونه واحد و له كسور و بالنسبة الي ما فوقه كسر صار لكل شيء‌ هذه الدورات الاربع بحسب مقامه و حده فان اعلي كل شيء‌ الطف من اسفله لامحالة فاعلاه مقام انسانيته و ادناه الذي هو غاية كثافته مقام جماديته و ما بين ذلك مقام نباتيته و حيوانيته و ذلك انه تختلف حالات الشيء‌ من بدو تكونه الي منتهي كماله اللايق به فهو في اول تكونه اقل نضجاً و اقل امتزاجاً من حيث الاجزاء و اكثر اعراضاً و يكثر نضجه و امتزاجه و يقل اعراضه شيئاً بعد شيء‌ الي ان‌يبلغ منتهي الكمال المقصود منه و معلوم انه يختلف حكاية الشيء لما وراءه بحسب كثرة الكثافة و قلتها و كثرة النضج و قلته و كثرة العرض و قلته فكل شيء في مبدء تكونه يكون احجب لما وراءه من النفس و الحيوة و الطبع و اكثر اظهاراً للانية البتة فهو حال جماديته فاذا انتضج قليلاً و صفي مزاجه و اعتدل قليلاً صار احكي للطبع من حالة الاولي فاذا اعتدل مزاجه اكثر و ترقي صار احكي للحيوة من حاله الاولي و الثانية و اذا صفي مزاجه اكثر و صح منهاجه صار احكي للنفس من حاله الاولي و الثانية و الثالثة و ان كان هذه الحالة بالنسبة الي ما فوقها حكاية انية النفس الا تري ان الماء الفاتر ساخن بالنسبة الي ما دونه و بارد بالنسبة الي ما فوقه و قد حققنا سابقاً ان كل شيء‌ فيه معني كل شيء الا ان كل شيء يظهر بصفة خاصة لغلبتها عليه و يكمن فيه الباقي و يمكن اخراج كل واحدة من الصفات الكامنة فيه بالتدبير اللايق به و اخفاء الصفة الظاهرة و لنمثل لك مثالاً ان البسايط العنصرية مثلاً حاوية لجميع الصفات الجمادية و النباتية و الفلكية الحيوانية و النفسية الانسانية الا ان الظاهر عليها الان الجمادية و انما يتركب منها جميع المكونات الاربعة و يظهر كل بصفة خاصة و لولا انها كانت فيها لم‌تظهر منها و فيها الا تري ان الغذاء الذي

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 27 صفحه 65 *»

يرد المعدة جماد ليس يظهر منه شيء من الصفات الغيبية فاذا انطبخ و انتضج و صفي و ورد الكبد ظهر منه النباتية و حكيها و ظهر منه صفة الجذب و الهضم و الدفع و الامساك و التربية و النما و اذا صفت الاخلاط و خلصت و دخلت القلب و لطفت هناك علي نحو التبخير و التفكيك ظهرت عليها الحيوانية الفلكية الكامنة فيها و حكتها فلما صعدت الي الدماغ و تركت في كل منزل اعراضه و غرايبه و لطفت و رقت ظهرت عليها النفسانية الكامنة فيها و ليس البخار اللطيف الذي في الدماغ الا صفو ذلك الغذاء الذي كان في المعدة و كان ظاهراً بالجمادية و انما ظهر منه في كل منزل احد الصفات الكامنة علي حسب صفائه و كدورته و قلة اعراضه و كثرتها و لاجل ذلك نقول ان هذا الانسان الظاهري الذي غايته الروح البخارية انسان طبيعي نباتي و عودته الي الطبايع عود ممازجة و مقام الحيوان غيبه هذا و ان كان النبات الذي في الكبد انما هو نبات بالنسبة الي الحيوان الذي في القلب و له مع‌ذلك مراتب اربع فهو في اول مراتبه جماد و ان كانت جماديته نباتاً بالنسبة الي ما في المعدة الا انه جماد رتبته ثم يترقي شيئاً بعد شيء الي ان‌يصير انسان رتبته و ان كان نبات ما في القلب من الحيوان و ذلك ان لكل مرتبة اعلي و اسفل و اعلاه اقرب ما فيه الي مبدئه و اسفله ابعده فاعلاه ارق و الطف و احكي للمبدء و اسفله اغلظ و اكثف و احجب فاعلاه سماواته و اسفله ارضوه فسر الحيوة و النفس في اعلاه اظهر و سر الطبع و الانية في اسفله اظهر و هو مركب من ذلك الاعلي و الاسفل و في قوس الصعود و الترقي انيته اسبق من طبعه و طبعه اسبق من حيوته و حيوته اسبق من نفسه لانه يتلطف شيئاً بعد شيء فله تلك المراتب الاربع علي حسبه كما عرفت و هذه حكمة دقيقة شريفة و باب يفتح منه الف باب و هذا هو سر ما نقول في مباحثاتنا و نكتب في كتبنا ان كل شيء مركب من عشر قبضات تسع من افلاك عالمه و واحدة من ارضه و يحار الجاهل انه كيف يكون لكل شيء سماء و ارض فكل شيء لابد و ان‌يدور اربع دورات من بدو تكونه الي غاية بلوغه كماله الممكن فيه دورة جمادية و دورة نباتية و دورة حيوانية و دورة انسانية و ان الثلثة الاول دورات القوابل لانها من مراتب الانية و لها انبعاث

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 27 صفحه 66 *»

من الظواهر المحسوسة و الدورة الانسانية دورة المقبول اذ ليس لها انبعاث من الظواهر و انما هي من تأييدات عقلية غيبية كما عرفت فافهم.

فصل: اعلم ان الطفرة ممتنعة في الوجود فليس يمكن ان‌يبلغ المركب درجة الكمال حتي يدور الدورات الثلث فليس يمكن ان‌يبلغ الشيء الدورة النباتية ما لم‌يصل الي الجمادية و يتجاوز عنها و لا ان‌يبلغ الدورة الحيوانية ما لم‌يصل الي الجمادية ثم النباتية و يتجاوز عنها و لا ان‌يبلغ الدورة الانسانية ما لم‌يصل الی الجمادية ثم النباتية ثم الحيوانية و يتجاوز عنها فالتدبير للجماد في البسائط و للنبات في الجماد و للحيوان في النبات و للانسان في الحيوان فيجب تدبير البسائط بما يليق بها لان‌تصير جماداً و تدبير الجماد بما يليق به لان‌يصير نباتاً و تدبير النبات بما يليق به لان‌يصير حيواناً و تدبير الحيوان بما يليق به لان‌يصير انساناً و التدبير الذي يتحمله الجماد لايتحمله النبات لانه الطف و التدبير الذی يتحمله النبات لايتحمله الحيوان لانه الطف و التدبير الذی يتحمله الحيوان لايتحمله الانسان لانه الطف و من رام غير ذلك فقد اخطأ الطريق فلايمكن ان‌يتصرف في البسائط بتدبير واحد حتي يبلغ الي الانسانية أرأيت ان المضغ هل يمكن ان‌يجعل الغذاء‌ كيلوساً و لو بقي في الفم اياماً ما لم‌ينهضم في المعدة بحرارتها المناسبة به و كذلك هل يمكن ان‌يستحيل الكيلوس الذي في المعدة دماً ما لم‌يصف و يجر الي الكبد من العروق الماساريقا و لو بقي دهوراً حاشا الا ان‌يتصرف فيه طبع الكبد و حرارتها المناسبة بتدبير الاخلاط و هل يمكن ان‌يصير الدم في الكبد حيواناً ما لم‌يدخل القلب و يتصرف فيه الحرارة الغريزية القلبية المناسبة لاحالة الدم حيواناً و هل يمكن ان‌يصير البخار الصاعد في القلب دراكاً مريداً ما لم‌يصعد الي الدماغ و يتصرف فيه التأييدات الغيبية حاشا فان لكل واحد تدبيراً خاصاً مناسباً به و وعاء‌ لايقاً و كيفية خاصة و كمية متناسبة فلايحصل اي شيء من اي شيء و لا من اي تدبير و لاتصغ الي الجهال الذين يزعمون انه يمكن ان‌يعمل الجسم او الجسد عمل النفس و لما يبلغ مرتبة النفس او يمكن ان‌يعمل

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 27 صفحه 67 *»

النفس عمل الروح و لماتبلغ مقام الروح ولكن الناس يخبطون في الامور خبط عشواء لا الي حصن حصين يلجئون و لا الي ناصح امين يرجعون حكمة بالغة فما تغن النذر و لست اريد مما اكتب في هذا الكتاب صرف ظاهره و انما خطابي باهل جميع العلوم و جميع طالبي الرسوم فلاتطلبوا ايها الناس وصول العليا قبل قطع الدنيا و لاتدبروا الدنيا بتدبير العليا و لا العكس فانكم تحرمون عن مرامكم بل تسقطون عن مقامكم و ان في ذلك لذكري لمن كان له قلب او القي السمع و هو شهيد و ان جميع ما اكتب في هذا الكتاب امثال لقوم يتذكرون.

فصل: اعلم ان البسائط ما لم‌تتحد في الرتبة و تتشاكل في الصفة الظاهرة لم‌تتركب تركيباً وحدانياً فان كل واحد منها بعباطته يميل الي حيز خاص به مفارق عن غيره فيحصل منه الفرقة كما تري ان النار صاعدة مجاوزة حد التراب و الماء و الهواء،‌ و الهواء صاعد مجاوز عن التراب و الماء و هابط نازل عن النار فلو صعد بقطعة منه الي رتبة النار و خلي نزل الي رتبة الهواء‌ نزول الحجر الي الارض و لو خليت زقاً منفوخاً فيه تحت الماء صعد الي رتبة الهواء‌ و الماء يقتضي النزول عن رتبة النار و الهواء الي حيزه كالمطر و الصعود عن التراب كما تري انه لايبقي شيء منه تحت ارضي ثقيل بطبعه الا ان‌يعلو عليه و التراب يقتضي النزول عن الثلثة كما تري من نزول الارضيات عن رتبة النار و الهواء و الماء فاذا كانت هذه البسائط بعباطتها هكذا امتنع عليها التركيب و الامتزاج ما لم‌تتشاكل و لم‌يناسب بعضها بعضاً فلابد من التدبير فيها بتلطيف الكثيف و تكثيف اللطيف و تجميد السايل و تسييل الجامد و ترقيق الغليظ و تغليظ الرقيق حتي يتشاكل الاجزاء بعضها لبعض و يصير حيزها واحداً و ميلها الي رتبة واحدة و كلما صار حيز الاشياء اشد اتحاداً صارت اشد انضماماً و كلما كان اكثر تباعداً صارت اكثر انفصالاً الا تري ان جماعة لو راموا القيام في محل واحد تضاموا لامحالة و لو كان هويٰ كل واحد مقاماً منفرداً تفرقوا و بذلك اتحد المؤمنون و تفرق الكافرون و بذلك يختلف مدد كون الاشياء فكلما كان اجزاء الشيء اشد تشاكلاً كان مدة بقائها اطول و

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 27 صفحه 68 *»

كلما كانت اقل تشاكلاً كانت مدة بقائها اقصر فانه يوشك ان‌يميل كل جزء الي حيزه الخاص به و يتفكك الاجزاء و انت تعرف ان اختلاف الحيزات باختلاف المقتضيات و اختلاف المقتضيات باختلاف الطبايع فكلما كانت الاشياء اكثر تشاكلاً من حيث الطبايع صارت حيزاتها اقرب و كلما كانت ابعد شبهاً صارت ابعد و كلما كانت اقرب صار دوام المركب اطول و كلما كانت ابعد صار دوامه اقصر فلاجل ذلك صار المشية لا اول لمدتها و لا آخر فان اجزائها متحدة الكيفية و الحيز و جميع اجزائها تميل الي نقطة واحدة احدية المعني لا تكثر فيها بوجه فامتنع عليها التفكك لدوام تضامها و ميلها الي نقطة واحدة ثم مكونات عالم الجبروت صارت اقل بقاء منها لانها و ان كانت متشاكلة الاجزاء الا ان فيها كثرات معنوية و حيزات اجزائها مختلفة اختلافاً معنوياً و لنا ان‌نقول لها حيز واحدی لا احدي فلاجل ذلك عبرنا عنها في بيان شكلها بالالف القائمة المركبة من نقطتين و اما موجودات عالم الملكوت و ان كانت متشاكلة الاجزاء الا انها مختلفة الحيز يميل كل جزء الي حيزه و اختلاف حيزاتها اختلاف غيبي فصارت تتحرك علي القطبين قطب الوجود و قطب الماهية و صار مدة بقائها اقصر من مكونات عالم الجبروت و اما مكونات عالم الملك فكانت اجزاؤها اكثر تبايناً و حيزاتها ابعد بعضها عن بعض فظهرت بذي طول و عرض و ثخن و صارت تتحرك علي المحور في ظاهرها فصار مددها اقصر و في مكونات عالم الملك صارت سمواتها ابعد عن التفطر لمشاكلة اجزائها و وقوع حيزاتها في وضع واحد و ان كانت مختلفة فصارت تتحرك في وضعها و صارت اطول بقاء و ابعد عن التفكك و التفطر بالنسبة و اما سفلياتها فصارت اجزاؤها اكثر اختلافاً و حيزاتهاً غير متحدة الجهة و الوضع فصار كل جزء مائلاً الي حيزه فصار اقصر مدة و اسرع تفككاً و ذلك سر اختلاف اوقات الملك و لما كان الاحد الحق جل‌شأنه لا اجزاء فيه و لا حيز له غير ذاته المقدسة و لا وضع صار يمتنع عليه الزوال و صار قديماً ازلياً لا اول له و لا آخر و لا مبدء له و لا غاية فافهم ذلك و كن من الشاكرين فلابد في كل مركب يدوم حيناً ما ان‌يكون اجزاؤه متشاكلة تشاكلاً ما حتي يدوم الي اجله المضروب له و حتي

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 27 صفحه 69 *»

يكون كل جزء منه مائلاً الي حيز واحد او حيزات قريبة و لولا ذلك لم‌يدم شيئاً.

فصل: اعلم ان اجزاء المركب اذا دبرت حتي تشاكلت تشاكلاً تاماً في المادة و الصورة و الكم و الكيف و الوقت و المكان و الجهة و الرتبة صارت كلها بسيطاً واحداً و ليس المجتمع منها مكوناً مركباً من بسائط كما انا اذا احلنا التراب و الماء و الهواء الي طبع النار و كيانها حتي صارت ناراً صارت الاجزاء كلها ناراً و لم‌يكن المجتمع منها مركباً من العناصر و كذا لو احلنا كل واحد الي طبع الباقي و انما مرادنا من التشكيل تشكيل الظاهر لا الخواص الكامنة كما تري ان الله سبحانه شكل في البدن الاخلاط فجعل كلها ماء في قوام واحد و لكل واحد طبعه فالصفراء مع انها ماء سيال نار حارة يابسة تفعل فعل النار و الدم مع انه ماء‌ سيال هواء‌ حار رطب يفعل فعله و البلغم مع انه ماء سيال غليظ كالبواقي ماء بارد رطب يفعل فعله و السوداء مع انها ماء‌ سيال كالبواقي بارد يابس يفعل فعل التراب و مع بقاء طباعها يمكن امتزاج بعضها ببعض لان نارها حايلة و ارضها سائلة و هواؤها راكد و ماؤها جامد و من ذلك يعلم ان من يدبر الروح و النفس حتي يجعلهما كالجسد الميت او يدبر الجسد حتي يجعله كالروح الطائرة فتدبيره خطاء و جهالة و انما الواجب ان‌يكون كل واحد منها علي طبعه و مع‌ذلك يدبرها بحيث يمكن امتزاجها و يتحد حيزاتها الظاهرية حتي يؤثر كل واحد منها تاثيره الخاص به فافهم و اعتبر من قوله سبحانه حيث بين في التركيب الخالد يوم نبدل الارض غير الارض و السموات فالارض ارض ولكن طاهرة و السماء سماء ولكن لطيفة و قد قال في حد تبديلها اي الارض و بست الجبال بساً فكانت هباءاً منبثاً و في حد تبديل السماء اذا انشقت السماء فكانت وردة كالدهان و قال فهي يومئذ واهية و قال تمور السماء موراً و تسير الجبال سيراً و قال سبحانه يوم تكون السماء كالمهل و هو الرصاص الذائب و النحاس و تكون الجبال كالعهن و هو الصوف المصبوغ فافهم الاشارات بتلويح العبارات فاذا صارت السماء كالدهان و الجبال كالهباء صار تركيب العالم تركيباً

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 27 صفحه 70 *»

خالداً و مع‌ذلك السماء سماء و الارض ارض و لكل واحدة طبعها الخاص بها و اثرها الا انها قابلة للتركيب الم‌تسمع اميرالمؤمنين عليه السلام قال نار حائلة و ارض سائلة و هواء‌ راكد و ماء‌ جامد فسمي كل واحد باسمه الا انه امر بتغيير صفاته الظاهرة و هذا معني التشكيل الذي خفي علي من ليس له دليل و هو ابداً في جهل ذليل فدبروا ايها الجاهلون الارواح و هي حية باقية الروح لتحيي ما تلقونها عليه و لاتجعلوها ميتة كالاجساد فان الميت لايحيي شيئاً و دبروا النفوس و هي حية باقية الصبغ و النفسانية فانها اذا صارت مدبرة لاتصبغ و لاتمسك الارواح في الاجساد و دبروا الاجساد و هي حية باقية الرطوبات و الارواح الكامنة فيها لتتعلق بها الارواح الداخلة عليها و تمسكها حتي يصير المجموع فعالة في ما يلقي عليها و هذا هو التدبير الحق و العمل المطلق و هذا سر العمل اولاً و آخراً و خذوا عني فاني لكم ناصح امين و السلام علي من اتبع الهدي فلابد في التدبير الحق ان‌تكون النار ناراً الا انها حائلة كالصفراء يمكن امتزاجها مع ساير الاخلاط و التراب تراباً الا انه سائل كالسوداء يمكن امتزاجها مع ساير الاخلاط و الهواء هواء ولكن راكداً كالدم يمكن امتزاجه مع ساير الاخلاط و الماء ماء ولكن جامداً كالبلغم يمكن امتزاجه مع ساير الاخلاط فحينئذ يمكن بينها التركيب و التفاعل و التمازج حتي تتحد بعد التركيب و يظهر عليها سر الواحدية من تحت حجابها و سر الرحمن فيستوي علي عرشه يدبر الامر من السماء الي الارض و يجري عنه جميع الافعال فيصبغ بناره و يمازج بهوائه و يذوب بمائه و يصبر بترابه و هذه الاربعة اركان عرشه فاذا اعتدلت هذه الاركان يستوي عليه الرحمن المكمل فيتم نقصان الناقصين و يكمل التامين بقي شيء و هو انه لابد في سر التشكيل جمع الاركان في الحيز الذي يراد كون المركب فيه مثلاً اذا اريد كون المركب واقفاً في كرة النار لابد و ان‌يلطف الثلثة بلطافة النار مع بقاء خواصها حتي يمكن امتزاجها معها ثم تركيبها جميعاً حتي يقف المركب في حيز النار و يصدر عنه جميع الافعال و ان كان الافعال النارية فيه اغلب كالجن مثلاً فانه مركب من العناصر الاربعة ولكن النار فيه اغلب و قد

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 27 صفحه 71 *»

لطف ترابه و ماؤه و هوائه الا تري انك لاتري منه شيئاً و اذا اريد كون المركب في حيز الهواء لابد و ان‌يكثف النار و يلطف التراب و الماء حتي تصير علي حد الهواء مع بقاء خواصها ثم تركب و هكذا اذا اريد كون المركب في الماء او التراب ففيهما ايضاً كما سمعت علي حسبهما و هكذا الامر اذا اريد كون المركب في السموات فلابد من جعل عناصره سماوية بلطافة السماء حتي يقف المركب موقف الافلاك و اما المعتدل في بين جميع ذلك ان‌يجعل كل جزء فيما بين اللطافة و الكثافة و قد علم من ذلك ان مولودنا الكريم الذي غرضنا منه الفعالية و التأثير لابد و ان‌يصير بلطافة الافلاك السفلية و يقف المركب في حيز الافلاك و هذا الذي سميناه بالتفليك فلولا ان‌تكون الاجزاء فلكية لم‌تكن فعالة مؤثرة مكملة لمادونها من الاجساد فلابد و ان‌يلطف الاجساد فيه بلطافة الارواح الفلكية حتي يمكن ممازجتها معها و كذلك يلطف الانفاس بلطافة الارواح حتي تجتمع كلها في حيز الارواح فتتركب هناك و يصير المركب روحانياً فعالاً فيما دونه و هذا هو سر التكميل و التأثير من المركب في الاجساد فلايؤثر المركب في الاشياء من حيث الجسدانية و انما تأثيره من حيث الروحانية و الذي يراد من ذوبه و ممازجته ايصال التأثير الي كل جزء و الذي يراد من صبره قيوميته علي الناقص حتي يبلغه الي رتبة الكمال و لولا ان المركب يؤثر بالروحانية لما كمل قطرة منه قنطاراً من الناقص و من اين لتلك القطرة كل هذه الرزانة التي تحصل للناقص و من اين كل هذا الصبغ و من يزعم ان ترزينه لثقله سفه من رأيه و قد شرحنا في ما مرّ ما يكفيك في معرفة اثر المركب و انه ليس ذلك الا بحكايته فعالية العالي بسبب اعتداله و صفائه كالافلاك المؤثرة فيما دونها و ليعلم انه ليس غرضي من تفليكه ان‌يجعل اجزاءه كجسم الفلك المرئي في الرقة و الخفاء عن الابصار و انما نريد ان‌تقلل اعراضها الظاهرة و تصفيها حتي يظهر منها ما فيها من الفلكية السفلية و الروحانية الخفية نظراً الي ما قررنا اصلاً في ذلك ان الارض مركبة من جسدين و السماء من طبيعتين فافهم راشداً موفقاً ان كنت تفهم و الا فاسلم تسلم.

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 27 صفحه 72 *»

فصل: ان هيهنا خلافاً بيننا و بين الاطباء و قد ضلت فيه احلامهم و كلت عن دركه افهامهم فاشتبه عليهم الامر فزعموا ان المعتدل الحقيقي مما لايمكن وجوده نظراً الي ان الطبايع اضداد فاذا تساوت في الكم و الكيف منع كل طبع ضده عن فعله فلم‌يحصل بينها التفاعل و ان لم‌يكن تفاعل فلا انفعال و اما اذا كان احدها قاهراً سخر الباقي و فعل فيها فانفعلت الطبايع الباقية تحتها و لذلك قالوا الاعتدال الاضافي موجود دون الحقيقي فهو اما جنسي او نوعي او صنفي او شخصي و كل واحد اما يقاس بالنسبة الي الخارج او الداخل فهو ثمانية و الحق انه اشتبه الامر عليهم و الاعتدال الحقيقي ممكن في المركب فانا نري بداهة ان الماء الحار في غاية الحرارة يمكن ان‌يبرد و انما يبرد شيئاً بعد شيء و لاطفرة في الوجود فبين غاية حرارته و غاية برودته حالة متوسطة لامحالة و كذلك الشيء اليابس في غاية اليبس يمكن ان‌يحل حتي يصير ماءاً رائقاً و انما يحل شيئاً بعد شيء و لا طفرة في الوجود فبينها حالة متوسطة بين الرطوبة التامة و اليبوسة التامة لامحالة فاذا يوجد المعتدل بين الحرارة و البرودة و الرطوبة و اليبوسة و لا مانع من التفاعل.

و شرح هذا المقام ان الله سبحانه جعل في كل شيء‌ كل شيء الا ان كل شيء ظاهر بصفة خاصة و ساير الصفات فيه كامنة خفية فاذا قويت الصفة الكامنة فيه بقوي مشاكل يظهر الكامنة شيئاً بعد شيء و يخفي الظاهرة حتي تتساويا في الخفاء و الظهور فيظهر الشيء بالاعتدال التام بينهما الا تري ان ماء ‌العنب مثلاً ظاهر بالحلاوة و كامنة فيه الحموضة فاذا قويت جهة الحموضة بحرارة معتدلة ظهرت الحموضة شيئاً بعد شيء و كمنت الحلاوة شيئاً بعد شيء حتي تتساويا في الخفاء و الظهور فاذا ادمت تقوية جهة الحموضة تخفي الحلاوة كلية و ظهرت الحموضة كلية و هكذا الامر في جميع الطبايع مثلاً الماء ظاهر بالبرودة و الرطوبة و كامنة فيه الحرارة و اليبوسة فاذا سلطت عليه النار الحارة اليابسة قوت ما فيه من جنس طبعها و اخرجته من مكمن الخفاء‌ الي عرصة الظهور الي ان‌تجعله ناراً و من البين ان بين الحالتين هي الحالة الاعتدالية و كذلك الامر في الكثيف و اللطيف و العالي و الداني و الروحاني و الجسماني و غيرها من الاضداد.

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 27 صفحه 73 *»

و ان قلت كيف يقدر الطبع القوي علي تقوية المشاكل الكامن و لايغير الشيء‌ من جوهره الا الله سبحانه قلت كل قوي في صفة هو باب افاضة الله سبحانه تلك الصفة علي غيره من الضعفاء و هو يد الله سبحانه في ذلك الامداد و هو في تلك الصفة وجه الله و لسانه و امره و حكمه و بابه لانه من تلك الحيثية احكي لتلك الخاصية من غيره فهو من ذلك الحيث سماء و العادمون له ارض و لم‌يجعل الله سبحانه في عادة حكمته وصول العادمين الي ذلك الفيض من غير ذلك الباب اذ هو الوسيلة اليه سبحانه التي اشار الله سبحانه اليها بقوله و ابتغوا اليه الوسيلة و هو السبب الذي ابي الله ان‌يجري ذلك الشيء‌ الا به فمن اراد طلب تلك الخاصية من الله سبحانه يجب ان‌يأتيه من بابه فهو يتوجه منه الي الله سبحانه و الله سبحانه يتوجه به اليه فالمعرض عنه معرض عن الله سبحانه الظاهر من ذلك الباب بذلك الفيض و اذا اقبل ذلك الباب الي احد فقد اقبل الله المفيض بذلك الفيض اليه و هذا سر من اسرار آل‌محمد عليهم السلام و لايجوز هتكه اكثر من ذلك فلابد من المناسبة بين المستمد و الممد ابداً فاذا سلطت باب الحرارة و اليبوسة و هو النار الكاشفة عن حرارة اسم الله سبحانه المسخن و يبوسة اسم الله المجفف علي الماء و هو مستعد للاستفاضة المستمد منها الحرارة و اليبوسة افاض الله سبحانه عليه الحرارة و اليبوسة فقوي ما فيه من جنسهما حتي جعله ناراً و لامسخن الا الله سبحانه و لا مجفف الا هو بما يشاء‌ كيف يشاء و كذلك تقدير العزيز العليم في كل شيء‌ يمد ما يشاء بما يشاء كيف يشاء فمن الابواب ابواب كلية يفيض منها كل شيء و منها ابواب جزئية يفيض منها اشياء مخصوصة او شيئاً مخصوصاً و من هذه الابواب ابواب طيبة و ابواب خبيثة بالعرض او بالذات قال عليه السلام ان لنا اوعية من العلم نملأها علماً فخذوها و صفوها و اياكم و الاوعية فتنكبوها و قال الحكمة ضالة المؤمن اين ما وجدها اخذها و قال رب حامل فقه الي من هو افقه منه و قال سبحانه أهم يقسمون رحمة ربك نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحيوة الدنيا و رفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضاً سخرياً و رحمة ربك خير مما

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 27 صفحه 74 *»

يجمعون فالله سبحانه هو الضار النافع فمن ذهب يزعم ان السم ضار و الدرياق نافع فهو مشرك بالله العلي العظيم فالله سبحانه هو المسخن المبرد المجفف المرطب لا اله الا هو و ابي ان‌يجري الاشياء الا باسبابها فافهم و كن به ضنينا فلكل كلام ظهر و بطن و لا ظاهر الا بالباطن.

فصل: في تكون نوع المكون علي سبيل الكلية اعلم ان كل مكون لابد و ان‌يكون له مادة و صورة فمادة كل شيء هي اثر فعل الفاعل المتصل به و صورة كل شيء من نفس تلك المادة قال الله سبحانه و ما خلقكم و لا بعثكم الا كنفس واحدة و قال سبحانه خلقكم من نفس واحدة و جعل منها زوجها و كيفية تكون الاثر من فعل الفاعل ان الله سبحانه يقبض من رطوبة رحمته الظاهرة في كل مرتبة و هي الرطوبة الهوائية الموجودة في كل رتبة اربعة اجزاء و هي المادة النوعية و من يبوسة هباء تلك الرحمة و هي اليبوسة الترابية جزءاً و هي الصورة النوعية فعفنهما بحرارة اسمه البديع الظاهر في تلك الرتبة حتي انحلت اليبوسة في الرطوبة و انعقدت الرطوبة في اليبوسة فصارتا بخاراً متوسطاً بين الرقة و الغلظة فجذبه اليه باسمه القابض الحار اليابس فارتفع في الهواء الي ان وصل الي غاية ما يمكن في حقه الصعود فسلط عليه اسمه الباعث البارد اليابس فكثفه و جمعه حتي عقده ماءاً و ثقله حتي نزل الي الارض ماء و هو المادة الشخصية فقبض منه ثانياً جزئين و من يبوسة الارض جزءاً و هي الصورة الشخصية فعفنهما و حلهما و عقدهما حتي جعل الحاصل نطفة امشاجاً ابوه الماء و امه التراب فجعله علقة ثم مضغة ثم عظماً ثم كسي العظم لحماً ثم انشأه خلقاً آخر فتبارك الله احسن الخالقين فهي في حالة النطفية جماد و في العلقية معدن و في المضغية نبات و في العظم برزخ بين النبات و الحيوان و في اللحم حيوان لان اللحم تنزل الدم الذي هو تنزل الروح و في الخلق الآخر انسان تلك الرتبة و كماله او نقول ان النطفة بسيطة و العلقة جماد و المضغة معدن و العظم برزخ و اللحم نبات و الروح حيوان و اذا تعلق به النفس الناطقة و هي كمال تلك الرتبة صار انساناً و لكل وجه و ذلك

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 27 صفحه 75 *»

الماء و التراب في كل شيء بحسبه و هما اللذان نسميها بالذكر و الانثي و البخار و الدخان و الزيبق و الكبريت و غير ذلك ولكن هيهنا دقيقة اخري و هي ان المركب لايحصل من الماء و التراب بعباطتهما بل لابد و ان‌يكونا مدبرين حتي يمتزجا و يتشاكلا كما بينا سابقاً و كيفية تدبيرهما انه اذا حصل الرطوبة في عماء مناسب و كمن الحرارة الفاعلة في ذلك العماء حين ما تمكن صعدت تلك الرطوبة علي سبيل التبخير و التلطيف و حملت حين تصعيدها من اهبية اسفل العماء فانحلت فيها بالتعفين الحاصل من تلك الحرارة و الرطوبة و انعقدت تلك الرطوبة في تلك الاهبية فاذا كمنت البرودة الفاعلة نزلتها الي اسفل العماء ثم اذا وردت عليها الحرارة ثانياً صعدتها و حملت معها ايضاً من الاهبية و في هذه المرة يكون تعلقها بالاهبية اكثر لقوة المشاكلة و صار صعودها اقل لثقل الاهبية و هكذا تصعد و تنزل بتوارد الحر و البرد الي ان‌تصير لزجة غليظة فحينئذ تمسك الحرارة اكثر لزيادة الماسكة الحاصلة من اليبوسة و يصير اثر الحرارة فيه اكثر لنقصان الرطوبة المقاتلة فتشتد الحرارة فيها فتشتعل فيها و تحترق و تتكلس حتي تصير دخاناً فالدخان مخلوق من نفس البخار و هو قوله سبحانه خلقكم من نفس واحدة و هي البخار و جعل منها زوجها و هي الدخان فالغالب في البخار البرودة و الرطوبة و الغالب في الدخان البرودة و اليبوسة و الحرارة فيهما من فعل الفاعل المدبر فهذه الرطوبة و اليبوسة منفعلتان مدبرتان بالفتح و الحرارة و البرودة المتواردتان فاعلتان مدبرتان بالكسر و مرادنا من الماء هذا البخار و مرادنا من التراب هذا الدخان و قد شاهدت انهما خرجا من العباطة و صارا مدبرين متشاكلين يمكن تركيبهما و امتزاجهما امتزاج الاتحاد و العبيطة تمتزج امتزاج المجاورة و لايحصل منهما سر الوحدة فلم‌يكن قولنا ان الشيء‌ مركب من جزئين من الماء و جزء من التراب علي ظاهره و كان تفصيله هذا الذي عرفت فكل مكون مركب من بخار و دخان و هذان في كل شيء‌ بحسبه و يختلف مراتبهما في الرقة و الغلظة و الكثافة و اللطافة حتي ان نطفة المرأة بخار و نطفة الرجل دخان او بالعكس من حيث باطنهما و هما علي ما تري

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 27 صفحه 76 *»

من الغلظة و القوام و الزيبق بخار و الكبريت دخان و هما علي ما تري من الغلظة و الكثافة و ذلك ان كل مركب رخو بسائطه ارخي من المركب الغليظ الشديد البتة فالبخار و الدخان اللذين يتكون منهما الملح مثلاً ارخي من البخار و الدخان اللذين يتكون منهما الجسد البتة.

ثم اعلم ان البخار بارد رطب لمكان الماء‌ و هو ضد طبع النار بكلا طرفيه الا انه من حيث اللطافة يناسبها و لذا يصعد و ملمسه حار فلايمسك النار و لاتظهر منه و اما الدخان فهو بارد يابس فهو ينافي النار بطرف منه الا انه يناسبها باليبوسة فهو اولي بان‌يظهر منه النار فالبخار حار رطب في ظاهره بارد رطب في باطنه و الدخان حار يابس في ظاهره بارد يابس في باطنه فقد اجتمع فيهما الطبايع الاربع و لاجل ذلك قد نسمي البخار بالماء و قد نسميه بالهواء و قد نسمي الدخان بالنار و قد نسميه بالتراب اذ لكل واحد وجه و لاتجتمع الطبايع الاربع في شيء الا هكذا و هذا هو التشكيل بين البسائط فالدخان نار حائلة لانها تغلظت و ارض سائلة لانها سالت و البخار هواء راكد لانه تغلظ و ماء جامد لانه انعقد في الهباء و كذلك تقدير العزيز العليم في كل مركب في الغيب و الشهادة و في كل مركب حتي ان المادة بخار و المثال دخان و العقل بخار و النفس دخان و نور النبي بخار و نور الولي دخان و النور بخار و الرحمة دخان و هكذا الامر في كل شيء ما تري في خلق الرحمن من تفاوت فارجع البصر هل تري من فطور ثم ارجع البصر كرتين ينقلب اليك البصر خاسئاً و هو حسير قال الله سبحانه و ما امرنا الا واحدة فافهم ان كنت من ابناء الحكمة.

فصل: اعلم انك بعد ما عرفت ان اصل كل مركب من بخار مائي و دخان ترابي فلابد ان‌تعلم كيفية تكون كل مولود من هذين الاصلين فنقول ان البخار ابوجميع المولدات و الدخان امها و جميع المولدات ابناؤهما و اولادهما فالبخار هو المبدؤ و حامل الحيوة و الماء الذي منه كل شيء‌ حي و كان عرش مشية الله سبحانه عليه فهو آدم المولدات و الدخان هو جهة الانية و اليبوسة و البرد اللذين

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 27 صفحه 77 *»

هما علي طبع الانثي و جهة النفس و الصورة فهو الحواء و هما ابوا كل مكون و يظهران في كل رتبة بحسبها كما ذكرنا فمن اولادهما المعادن و كيفية تولدها منهما انه اذا وجد بخار و دخان في بقعة من بقاع الارض بان حصل فيها رطوبة و عمل فيها النار في الليل و الشتاء حتي جعلتها بخاراً ثم اشتدت عليها حتي جعلت بعضها دخاناً و تركت بعضها نياً علي ما كان او جعلت كلها دخاناً و حصل بخار آخر فيها صعدتهما الحرارة بالليل و الشتا و نزلهما البرد بالنهار و الصيف فيختلطان في الصعود و النزول حتي يتزاوجا و يتناكحا علي كتاب الله سبحانه و سنة نبيه فيصيران واحداً فان عرضهما الاختلاط و الجمود ببرد غالب قبل نضجهما و استحكامهما و الغلبة للبخار حصل منه نوع الاملاح و الشبوب و ان كانت الغلبة للدخان حينئذ تولد منهما الزاجات و البوارق و امثالها و ان عرضهما اليبس قبل النضج و الاستحكام و الغلبة للبخار تولد منهما امثال الدر و الاحجار الرخوة الشفافة و ان کانت الغلبة للدخان حصل منهما امثال الزمرد و الياقوت و ساير الاحجار الصلبة الشفافة و ان لم‌يعرضهما الاختلاط حتي يحصل فيهما نضج و استحكام قليل ثم عرضهما الاختلاط و المدبر البرد المجمد و الغلبة للبخار حصل منهما الزيبق و ان كان المدبر معه الحر الميبس حصل منه الاحجار التي يستنبط منها الزيبق و ان كان الغلبة للدخان و عرضهما الجمود حصل منه الرهيج و ان عرضهما اليبس حصل منهما الكباريت و الزرانيخ ولكن الكباريت دخانيتها اكثر و ارضيتها اقل و الزرانيخ بعكس ذلك و ان اشتد اليبس و غلب الدخان حصل منهما الاجسام المنسحقة كالمرقشيشا و المغنيسا و اللازورد و امثالها و قد يكون فيها اجزاء صالحة و ينزل منها اجساد منطرقة او زيابق و كباريت صالحة و ان لم‌يعرضهما الاختلاط حتي استحكما و انتضجا علي نحو الكمال و خلصا عن الاعراض المانعة عن المزاوجة التامة و كملا علي الاكسيرية ثم عرضهما الاختلاط و كان الغالب مع‌ذلك برد مجمد كثير و الغلبة للبخار حصل منهما القصدير و ان كان برد متوسط حصل منهما الآنك و ان كان برد قليل حصل منهما الفضة الا ان البخار في القصدير اكثر من الآنك و في الآنك اكثر من الفضة و ان كان الغلبة للدخان و عرضهما حر

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 27 صفحه 78 *»

غالب كثير فيتولد منهما الحديد او حر متوسط حصل منهما النحاس و الصفر او حر قليل حصل منهما الذهب الا ان الدخان في الحديد اكثر منه في النحاس و فيه اكثر منه في الصفر و فيه اكثر منه في الذهب و اما الشبه فهو يحصل اذا غلب البخار فيه و عرضه الجمود ولكنه غير ثابت البخار و الدخان غير كامل الامتزاج فهو جسد ناقص فصار نوع ما يحدث في المعدن سبعة اقسام بخار و دخان و ملح و حجر و زيبق و كبريت و جسد فالمربي للبخار القمر و المربي للدخان الشمس و المربي للملح المريخ و المربي للحجر المشتري و المربي للزيبق عطارد و المربي للكبريت الزهرة و المربي للجسد زحل.

فصل: اذا عرفت ان اصل تكون المعدن من البخار و الدخان و هما النطفة الامشاج للمولود المعدني او هما النواة للشجرة المعدنية و عرفت مما بينا سابقاً ان كل شيء‌ فيه معني كل شيء لعلك تتنبه بان سر جميع اصناف المعادن كامن في هذه النطفة و النواة ففيهما سر الملحية و الحجرية و الزيبقية و الكبريتية و الجسدية و انما يتكون منهما احد المعادن الخمسة علي حسب ظهور احدي الكيفيات فيهما و اختلاف العلة الفاعلية التي هي الحر و البرد و اختلاف الفواعل و هي التي ذلك الحر و البرد منها و هي الكواكب و بروجها و الطوالع و الاوضاع الفلكية فبحسب اختلاف الفواعل و القوابل يظهر المعادن ففي كل معدن يكون خواص باقي المعادن علي نهج الصلوح و الاستجنان و تظهر منه اذا دبر بتدبير خاص مناسب بلاشك كما يشهد به المشاهدة التي لا شك فيها و لاستجنان خواص كل معدن في كل معدن اختلف اقسام كل معدن و اصنافها الا تري ان من الملح حجري مشتروي كالاندراني و التنكار و منه زيبقي عطاردي كالنوشادر و منه كبريتي زهروي كالزاج و منه بخاري قمري كالاملاح البيض الرقيق الجوهر القليل الملوحة و الشب و منه دخاني شمسي كالبارود و منه مريخي كالملح المعروف و الملح الاحمر و منه زحلي كالملح الهندي و الزاج الاسود و كذلك يختلف الحال في كل واحد من هذه الانواع و يصير ايضاً كل واحد سبعة اصناف لانه اذا تكون

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 27 صفحه 79 *»

المعدن في دورة المريخ مثلاً يتكون ملحاً و في دورة المريخ يختلف الطوالع البتة فاذا كان كوكب الطالع طالع تولده زحل تكون ملحاً زحلياً كالزاج الاسود و ان كان الطالع المشتري يكون تنكاراً مثلاً و هكذا ففي طالع كل كوكب يختلف البروج الطالعة فان كان الطالع مثلاً المشتري و البرج الطالع من بروج زحل صار تنكاراً اسود زحلياً و ان كان من بروج المشتري صار تنكاراً صلباً شفافاً مائلاً الي الصفرة و ان كان من بروج المريخ صار تنكاراً صلباً مائلاً الي الحمرة و هكذا و علي هذه فقس ماسويها.

و كذا الحال في كل جسد جسد فلكل واحد سبعة انواع و كل نوع منها سبعة اصناف و لايعرفها الا الخصيصون و في كل صنف يكون الظاهر صفة و المستجن ساير الصفات و الحكمة اظهار المستجنات لا ايجاد المعدومات و الاشياء تتقوي باشكالها و تتضعف باضدادها و كل ظاهر بصفة كاملة فيها اقوي في تكميل تلك الصفة في غيره البتة و ما سوي ذلك اكل من القفا فانظر ماذا تريد و ما بابه و في اي شيء‌ هو كامل فتوجه الي ذلك الباب و استعن من ذلك الجناب حتي تصل الي مطلوبك في اسرع وقت فأتوا البيوت من ابوابها و ليس البر بأن‌تاتوا البيوت من ظهورها و الله ولي التوفيق ولكن لابد من تعيين الحاجة و العلم بها اولاً ثم طلب صالح قريب لتلك الحاجة ثانياً ثم تمكينه ثالثاً ثم طلب الباب رابعاً ثم استعطافه خامساً ثم اجراء اثره في القابل و التزويج بينهما سادساً ثم توليد الولد الصالح السوي سابعاً ثم تقريب الناقص الملقي عليه ثامناً ثم معرفة الالقاء تاسعاً ثم تقوي الله و شكره و الانفاق في مراضيه و الكتمان عن اهل الدنيا عاشراً و لا قوة الا بالله فتدبر في هذه الشروط العشرة فقد جمعت لك فيها كل شيء تريد فسبحان من ابي ان‌يجري الاشياء الا باسبابها و الحمدلله الذي جعل لكل شيء سبباً و باباً و لا اله الا الله الذي جعل لكل شيء حداً و الله اكبر الذي منع الوصول الي كل شيء من كل شيء في الطريق الاقرب و ان اطلق في الامكان و سهل لنا طرقاً قريبة الي كل شيء في الاكوان و نصب عليها اعلاماً و اوقف فيها دعاة و هداة و جعل للسالكين فيها بدرقة و رعاة.

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 27 صفحه 80 *»

فصل: اعلم ان الكامل الفعال لو كان موجوداً بكماله في العبائط المعروفة لامكن لغالب الناس الوصول اليه فان الظنون ما تراجمت علي شيء موجود الا اخرجته كما اخرجت خواص اكثر العقاقير بكثرة التجارب و المداولة ولكن الحكيم المدبر جل‌شأنه لم‌يجعله كذلك و انما احوج الناس الي التدبير و المهنة و المعاناة لئلايصل اليه الجهال و لايفوت عن الحكماء الذين هم اهل كل خير فتحصيله محتاج الي التدبير و سأذكر لك معني كلياً في التدبير لم‌تره في كتاب و لم‌تسمعه من خطاب.

اعلم ان التدبير هو نقل الشيء‌ القريب من حالة الفساد الي حالة الصلاح و من حالة النقصان الي حالة الكمال و من غير ذلك لاتدبير في شيء و يبقي علي عباطته فاذا اردت تدبير الشيء كائناً ما كان فاعرف اولاً حالة فساده و اسبابه و علله و حالة صلاحه الذي تريد نقله اليه و حالة نقصانه و حالة كماله و تدبر انه لايمكن نقل شيء من حالة الي حالة علي سبيل الطفرة فلابد لنا من ان‌نسلك به في الوسائط الواصلة بين الحالتين التي هي طريق انتقاله من الحال الاولي الي الثانية و تعرف الواسطة و اسبابها و عللها فامله الي الواسطة اولاً ثم امله منها الي الحالة المطلوبة و تدبر انه هل يحتاج الي واسطة واحدة لقرب الحالين او الي وسائط عديدة لبعدهما و حصل تلك الوسائط فلايصيب مصيب الا باستعمال الوسائط بعد عرفانها و لايخطي مخطئ الا بتركه و هذا سر التدبير من الدرة الي الذرة و سر تدابير الحق و الخلق من جميع اصنافهم خذه كلاماً بليغاً ينبغي ان‌يكتب بالنور علي وجنات الحور لايشقي من فهمه و عمل به و لايسعد من جهله او تركه في التشريع و التكوين و الشرايع و الصنايع فاحفظه و كن من الشاكرين و الحمدلله رب العالمين و صلي الله علي محمد و آله الطاهرين.

لامثلن لك امثلة حتي تعرف مطلبي مثلاً اذا اردنا تدبير ازالة الاوساخ عن الثياب فتدبرنا في ذلك فرأينا ان الدخانية الفاضلة في بدن الانسان بعد ما اغتذي بلطايفها الاعضاء تدفعها الطبيعة من مسامات البدن الي الخارج و الدخان اذا وصل تحت الجلد يستحيل دهناً لبرد ظاهر البدن و صلابة الجلد كما ان الابخرة

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 27 صفحه 81 *»

تستحيل ماء و عرقاً فيخرج ذلك الدهن من طريق المسامات بالقوة الدافعة و تدافعه الادخنة التي تليه فيخرج و هو الكبريتية الفاضلة من بدن الانسان كما ان العرق زيبقيته الخارجة فيتلطخ بذلك الدهن الثياب ثم يتعلق بها الاهبية التي في الهواء او يصيبها غيرها فتتوسخ مجملاً عرفنا ان اوساخ الثياب متدهنة و اردنا ازالتها عنها فدبرنا لذلك عقاراً يكون له دهانة فتناسب دهانة الاوساخ و تميل اليها و تخالطها بالمشاكلة و لاتمتنع عن ممازجتها و الاتحاد بها ثم يكون له حدة غاسولة تقطع الاوساخ بحدته و تقطع لزوجة الادهان بحدته و يكون له مناسبة مع الماء فنسري دهانة الاوساخ في دهانة ذلك العقار و دهانة العقار قابلة لممازجة الماء فانها برزخية فنسلط عليها الماء فترق لزوجته شيئاً بعد شيء بالحدة القطاعة و الماء فينتقل الوسخ شيئاً بعد شيء الي الدهانة اولاً ثم الي الحدة ثانياً ثم الي الماء ثالثاً فيخرج عن جسم الثوب بهذه الحيلة و هذا العقار بهذه الصفة هو الصابون فان له دهانة برزخية و حدة ملحية و صلوحاً لممازجة الدهن و الماء فاخترنا له هذا العقار حتي نقل الاوساخ عن الثياب و ان في ذلك لعبرة لاولي الالباب بل و كذلك دبرنا في امر الصابون نفسه حيث اردنا ان نجعل الدهن اللزج برزخياً و علمنا انه لايجعله صالحاً لممازجة الماء الا بحدة ملحية قطاعة و بين الحدة و اللزوجة مخالفة لان الحدة الملحية تعلك الدهن بنفسها فعمدنا الي ملح برزخي يكون فيه لزوجة يصلح معها لممازجة الدهن و يكون فيه حدة ملحية يصلح بها لترقيقه و تمكينه لممازجة الماء فلم‌نجد ملحاً كذلك اولي من ملح القلي و ملح النورة فانهما ملحان لزجان صالحان لممازجة الدهن بلزوجتهما و لممازجة الماء بحدتهما و ملوحتهما فاملنا الدهن الي لزوجة الملحين ثم منها الي صلوح ممازجة الماء فخرج الصابون بذلك تركيباً صالحاً كاملاً هذا و ان الدهن يقاتل الملحين عن اليد و الثوب فيمنعهما عن الضرر بالثوب و ذلك ايضاً لان اليد لين و الثوب لين و الملح حاد فوجدنا بينهما برزخاً و هو الدهن يجعل الملح ليناً مناسباً للثوب و اليد في الجملة و كذلك اذا اردنا ازالة الدهن عن الثوب اخترنا له المرارة في العقاقير المفردة فان فيها دهانة مشاكلة و حدة مرققة و صلوحاً لممازجة الماء فهي ايضاً

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 27 صفحه 82 *»

مزيلة للادهان كما هو المجرب و كذلك اذا تلطخ الثوب بالشمع اخترنا لغسله العسل فان العسل صالح لممازجة الشمع و لممازجة الماء فنميل الشمع الي العسل بالمناسبة و نغسل العسل بالماء و هكذا الامر في تدبير كل شيء فمن تخلف عن هذا التدبير علي ما بينا تاه ضل ضلالاً بعيداً في الدنيا و الآخرة فابتغوا في كل شيء وسيلة و ادخلوا البيوت من بابها حتي تصلوا الي المراد.

فاذا كنت انت حادثاً فانياً ذليلاً و الله سبحانه قديماً ازلياً عزيزاً فاتت المناسبة بينكم من كل وجه فلايمكن لكم الاستمداد منه و لاقصده و لاطلبه فابتغوا بينكم و بينه طريقاً و وسيلة و باباً و سبباً حتي يمكن لكم الوصول اليه و قصده بالمناسبة فينقلكم ذلك السبب الي اعلي منه ثم ينقلكم ذلك الاعلي الي اعلي منه ثم ينقلكم ذلك الاعلي الي اعلي منه فمن رام غير ذلك فقد ترك الطريق المسلوك و الباب المفتوح و السبب المضروب و ضل ضلالا بعيداً قال الله سبحانه الذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا و قال و جعلناهم ائمة يهدون بامرنا و قال للآخرين الي النار و يوم القيمة لاينصرون و قال و من يتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولي و قال و ابتغوا اليه الوسيلة و قال انما وليكم الله و رسوله و الذين امنوا فافهم ان كنت تفهم و الا فاسلم تسلم.

و احذروا ايها الاخوان من الوسايط البرزخية بينكم و بين المخالفين و قد نهي السيد السند اصحابه عن معاشرة المخالفين و قال لاتزالون في عزة ما لم‌تخالطوهم و انا انهيكم عن معاشرة المنافقين فانكم لاتبرحون مؤمنين و علي ما انتم ثابتين ما لم‌تميلوا اليهم فاذا ملتم اليهم يميلون بكم الي مخالفيكم و اما مخالفوكم من غير الوسايط لايقدرون علي الميل بكم نحوهم للمضادة التامة بينكم و المنافرة الحاصلة في طبايعكم فاياكم اياكم عن الوسائط الممكنين المايلين بكم اليهم و هم الذين يصفون وصفكم و يهوون هويهم و هم الواصلة الملعونة و الموصول بها ايضاً ملعون و لاجل ذلك قال الله سبحانه و ان كادوا ليفتنونك عن الذي اوحينا اليك لتفتري علينا غيره و اذا لاتخذوك خليلاً و لولا ان

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 27 صفحه 83 *»

ثبتناك لقد كدت تركن اليهم شيئاً قليلاً الي غير ذلك من الآيات و الاخبار و ليس هيهنا الا موضع الاشارة فنقتصر علي ذلك.

و نمثل لك مثالاً آخر ان اركان العمل الحق الذي لاغش فيه هي الروح و النفس و الجسد و ليس لنا روح عبيطة كاملة و لا نفس عبيطة صالحة صابغة و لا جسد متمكن صالح و انا نحتاج الي تدبيرها فرأينا علة الروح التنافر و الغاية المقصودة منها الاستقرار مع بقاء حيوتها و رطوبتها الغروية و رأينا الكامل في الثبات هو الجسد الظاهر به و لا كل ثابت ينفعنا اذ لايتيسر كل شيء من كل شيء و الجسد بعيد النسبة مع الروح لان الروح مايلة الي العلياء و الجسد مايل الي السفلي و الروح ذائبة و الجسد منعقد فاحتجنا في التدبير الي برزخ له جهة روحانية و جهة جسدانية يتعلق من حيث الروحانية بالروح و من حيث الجسدانية بالجسد و يميل بها اليه و رأينا ان ذلك قد يمكن في عقار واحد و يمكن ان‌يحصل من عقاقير متعددة فاحتلنا لها ذلك و ادخلناه عليها بالرفق و التدبير و التقليب و النقل و الامالة حتي انتقلت الي طبع البرزخ و منها الي طبع الجسد في الجملة حتي استقرت كالاجساد ولكن هذه الوسائط لكونها من الغرائب بين الاركان المانعة من المزاج التام نحتاج اليها للنقل و التحويل ثم يجب مفارقتها و انما مثلهم كالحمال الذي ينقل المتاع من مكان الي مكان و لولاه لم‌ينتقل ولكن بعد النقل تفارقه و يدع متاعك و يذهب في الدعاء الهي قد امرتني بالرجوع الي الآثار فارجعني اليك بكسوة الانوار و هداية الاستبصار حتي ارجع اليك مصون السر عن النظر اليها مرفوع الهمة عن الاتكال عليها الدعاء و كذلك رأينا علة النفس احتراقها و احراقها و عدم استقرار روحانيتها و تدبرنا في علة الاحتراق و الاحراق فرأينا انها غلبة الدهانة فتتكلس بالنار فتتحول دخاناً لزجاً غليظاً ماسكاً لحرارة النار و تتقوي النار التي فيها بالملاقية فتشتعل في ذلك الدخان ثم اذا القيت علي جسد تتصل بكباريت الاجساد فتحرقها و تسودها و تجفف رطوباتها الغروية فتكلسها و تفتت اجزاؤها فاردنا تقليل دهانتها و ذلك ليس يمكن الا بصابون مناسب يكون له دهانة مناسبة و حدة مرققة قطاعة حتي تنتقل عنها الدهانة الفاسدة المحترقة فبذلك قللنا دهانتها و بقي نفورها

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 27 صفحه 84 *»

لرقة روحانيتها فاحتلنا لها برزخاً بينها و بين الاجساد المستقرة فادخلناها عليها شيئاً بعد شيء حتي مالت الي الجسدانية و الاستقرار ثم تدبرنا في الجسد و رأينا علته عدم طهارته و صلابته و عدم تناسبه للارواح اللطيفة و النفوس الشريفة فاحتلنا لذلك ايضاً عقاراً له رطوبة مرققة لتعلك ارواح الاجساد و كباريتها و حدة و حرارة مفتتة لاجزائها حتي جعلها متمكنة لدخول الارواح و الانفس صالحة للتركيب و التمازج و الاتحاد معها و احتلنا لجميع هذه الوسائط ان‌تكون داخلة خارجة تحيل الاركان و تنقلها الي الغاية المقصودة ثم تفارقها لانها لمخالفتها مانعة عن المزاج و الامتزاج و هذا تمام التدبير من البداية الي النهاية فمن رام غير ذلك فقد اخطأ و ضل و اضل و لاقوة الا بالله العلي العظيم فالله خير حافظاً و هو ارحم الراحمين فافهم و اما التصريح بانحاء الحيل و العقاقير فمما لايجوز بيانه لحكيم و سنشير اليها ازيد في التدابير الجزئية ان‌شاء‌الله تعالي فترقب.

فصل: في التركيب و الضم و الاستنتاج و التوليد و ذلك ايضاً فصل مهم يجب تحقيقه و اجمع قلبك في فهم معناه لتفهم ظاهره و باطنه.

اعلم ان التركيب هو ضم شيء الي شيء مصاقع له في حده يمكن اقترانهما ليحصل بينهما حالة برزخية تكون مرآة يتجلي فيها من تحت حجاب الواحدية جل و علا نور التوحيد و سر التفريد فيستولي علي عرش الاجزاء و يستوي في ملكها و يجري فيه امره و يستخدمها في اجراء اوامره و يجعلها اكمام مشيته و ايدي ارادته فيفعل بها ما يشاء و ذلك تقدير العزيز العليم فذلك السر و النور مقدم عليها وجوداً و لذلك يتأخر عنها ظهوراً فذلك السر هو مبدء الاجزاء و حقيقتها قد تنزل و تفصل في رتبتها بها فهي كمالاته و تنزلاته و صفاته و قد ملأ اصقاعها بتجلياته و نفذ في اقطارها باحديته فلايري فيها نور الا نوره و لايسمع فيها صوت الا صوته و لذلك سماها اميرالمؤمنين7 بالتوحيد في قوله جذب الاحدية لصفة التوحيد فذلك السر جهتها الي ربها و آية توحيده سبحانه فيها قد تجلي بها لها و بها امتنع منها و اليها حاكمها و تلك الكثرات كمالات ذلك السر و تنزلاته و صفاته و حدوده و

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 27 صفحه 85 *»

انيته فلذلك يشترط فيها التصاقع و التشاكل حتي يمكن بينهما الاقتران و لولا ان هذا الكتاب بني علي العلم الطبيعي لبسطنا القول في هذه المسألة علي نهج العلم الالهي و لكن ساير كتبنا متكفل ببيان العلم الالهي فيها و هيهنا نريد بيانها علي نهج العلم الطبيعي ولكن نرجو من الله سبحانه ان‌نبينها بحيث يستنبط منه الباطن و باطن الباطن و لاقوة الا بالله.

فاعلم ان مراتب التركيب تختلف علي حسب اختلاف انحائه لان اجزاء المركب اما تتركب تركيب مجاورة او تتركب ترکيب ممازجة اما تركيب المجاورة فاما ان‌يكون بين اجزائها روابط او لايكون اما الذي بينها روابط فاما ان‌تكون الروابط ملاطية او طبيعية اما الطبيعية فاما ان‌تكون روابطها متشاكلة الاجزاء او مختلفة الاجزاء فاول مراتب التركيب قران شيء بشيء مصاقع قران مجاورة لا رابطة بينها و ذلك نحو اقتران حجر بحجر او احجار من غير رابط فذلك تركيب تجاور و يظهر في هذا المركب سر الواحدية ظهوراً في غاية الضعف فيسمي ذلك المركب باسم واحد و ضعف سر الواحدية من جهة تكثرها فوحدانيتها اضافية و ذلك كاللابة و الحرار مثلاً فانها سميت بها لاقتران الحصيات و الجمار فيها و لايتنقل كل جزء بتنقل كل جزء فذلك السر لتكثره ربما يقبل القسمة و ربما لايقبل التبعيض و التجزية اما ما يقبل القسمة فكالحرار مثلاً و اما ما يقبل القسمة فكالعشرة فان كل جزء منه لايكون عشرة اذا قسم و ذلك ادني مراتب التركيب و اثر هذا السر ضعيف غاية الضعف و بقاء هذا التركيب قليل و فناؤه سريع في الغاية و النهاية و ثاني مراتب التركيب تركيب تجاور مع روابط ملاطية بين الاجزاء فظهور سر التوحيد في ذلك اكثر و يظهر آثاره اشد و اقوي و يكون بقاؤه اكثر و اجله ابعد و ذلك كتركيب السرير فان اجزاءه مجاور بعضها لبعض و بينها روابط ظاهرة جسمانية من المسامير و الزوايد و النقر و الحفر او الملاط و امثال ذلك فان زوايد كل جزء تدخل في حفر كل جزء و تربطه به ثم تشد بالمسامير و هي الروابط بين كل جزئين ولكن ربطها ربط ظاهري ليس بطبيعي ثم يصدق علي ذلك ايضاً اسم واحد و يتنقل كل جزء بتنقل كل جزء

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 27 صفحه 86 *»

لمكان الروابط ولكن مع‌ذلك ربما يقبل السر الظاهر فيه التجزية و التقسيم لتكثره فوحدته ايضاً اضافية كالاول ولكنه اوحد من الاول و لربما لايقبل القسمة كما ان السرير لو قسم ليس كل جزء منه بسرير و ثالث مراتب التركيب تركيب التجاور ولكن بين اجزائه روابط طبيعية فظهور سر التوحيد في ذلك اكثر و يظهر آثاره منه اكثر لقوة التركيب و قرب الاتحاد و هي اما متشاكلة الروابط كالروابط بين اجزاء المعدنيات مثلاً او مختلفة الروابط و ذلك كتركيب بدن الانسان فان بين اجزائه رباطات و اعصاباً و عروقاً و غضاريف و عضلات مختلفة كلها تربط بين كل جزء و جزء بالربط الطبيعي فيدخل بها طبايع كل جزء في كل جزء و ما يحدث من كل جزء في كل جزء فهيهنا يكون التشكيل اكثر مما لارابط فيه و التركيب اشد و الاتحاد اقوي و ظهور سر التوحيد فيه اكثر و ذلك ايضاً تختلف مراتبه في النبات و الحيوان و في كل واحد منهما ففي النباتات منها ما يقبل سر التوحيد فيها التجزية كعروق الذهب و امثاله فانه يجز منه جزات و اصوله باقية الحيوة و كالاشجار التي يقطع منها قطع و هي باقية الحيوة يصدق علي الباقي الاسم كما كان يصدق علي الكل بل ربما يصدق الاسم و يظهر الاثر و لو قطع حصصاً صغاراً فكلها نامية تنمو و تربو كالاصل المسمي بتفاح الافرنجي و اصل آخر المسمي بتفاح الارض و غيرها فانك لو قطعتها قطعاً كالحمصة تنمو كل حصة منها و هي باقية الحيوة يظهر في كل حصة منها سر الواحد الظاهر في الكل و منها ما لايقبل كثيراً كالنخل فانه اذا قطع رأسه مات ولكن اذا قطع شماريخه و سعفه و قشر بعض لحاه لايكاد يموت و كذلك الحيوان فمنها ما يظهر سر الواحد فيه و لو قطع ارباً ارباً كالخنافس و الديدان و الحشرات و الحيات امثالها و منها ما لايقبل التجزية كالبهائم بل و قد يوجد في الانسان ايضاً من يجزي كاشخاص تريهم اذا ناموا ينطقون و يمشون و يتحركون فارواحهم متوفية البعض متعلقة البعض و قد يوجد في بعض الرؤس التي يضرب اعناقها و حيّاً بعض الاصوات و الحركات كما يوجد في ابدانهم بالجملة فتركيب هذه الاجسام و الاجساد تركيب مجاورة و بين اجزائها روابط طبيعية تربط طبايع بعضها ببعض فاتحاد هذه الاجزاء اكثر و تعلق

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 27 صفحه 87 *»

السر الواحد بها اشد فذلك تقسيم المركب بالمجاورة فهو ثلثة اقسام كما عرفت و كل قسم اما يتجزي سره او لايتجزي فذلك ستة اقسام في تركيب التجاور.

و اعلم ان كل تركيب يلاحظ بالنسبة الي سره و كل سر يلاحظ بالنسبة الي المركب فلربما يكون للشيء الواحد اسرار و تركيبات و لكل تركيب حكمه الخاص به نظراً الي سره الخاص به كماتري في بدنك فمرة تلاحظ تركيب الاعضاء فهو بهذا التركيب مظهر سر الانسان و مرة تلاحظه من حيث تركيب العناصر و لايظهر في هذا الحيث سر الانسان بل يظهر فيه سر المركب من العناصر مطلقاً و مرة تلاحظه من حيث تركيب العناصر و لايظهر في هذا الحيث سر الانسان بل يظهر فيه سر المركب من العناصر مطلقاً و مرة تلاحظه من حيث تركيب المادة و الصورة فمن هذا الحيث لايلاحظ فيه السران الاولان و انما يلاحظ فيه الجسمانية مطلقاً و مرة تلاحظ تركيبه من الوجود و الماهية فلاتلاحظ فيه الاسرار المتقدمة و انما تلاحظ سر الوجود المقيد و المكونية و مرة تلاحظ تركيبه من جهة الرب و النفس فتلاحظ فيه سر الاطلاق دون الاسرار المتقدمة فالشيء الواحد مركب من اجزاء عديدة و يظهر في كل حيث منه سر خاص به و تختلف حالات كل قسم في قبول القسمة و عدمها و لو تدبرت في معاني كلامي لوجدت بحراً غزيراً لا ساحل له و لا نهاية و قد بينا ان قبول القسمة من تكثر السر و عدمه من توحده و لما كان الشيء ذا تركيبات عديدة فلربما يقبل القسمة في تركيب بحسب سره الخاص به و لا يقبل في تركيب آخر من حيث سره الخاص به و ما يري من عدم قبول القسمة في الكلي و قبولها في الاطلاق في بادي الرأي فمن هذا الباب و في الحقيقة المركب المظهر للاطلاق غير المركب المظهر للكلي و الاطلاق ابسط من الكلي و اوحد فكيف يمكن ان‌يقبل الاطلاق القسمة و لايقبل الكلي و انما ذلك من جهة الاشتباه في مركبهما بالجملة كل مركب يقبل القسمة في بعض الحالات و لايقبله في بعض الا المطلق فانه لايقبل القسمة ابداً فانه آية الحق الاحد جل شأنه و الاطلاق حقيقي و اضافي و في كل عالم اطلاق بالنسبة الي ما دونه و هو مقيد بالنسبة الي ما فوقه و اما حقيقة الاطلاق ففي مشية الله سبحانه و عالم الكون الراجح و اما التقييد فهو اضافي ابداً في كل عالم فان الفيض غير منقطع و الخلق غير متناه و تركيب المركبات المادية

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 27 صفحه 88 *»

اي اجزائها الظاهرة تركيب مجاورة و تركيب جواهرها تركيب ممازجة و سأ‌ذكر لك تركيب الممازجة و اسراره ان‌شاء‌الله تعالی فترقب فتركيب المجاورة يحصل في اجزاء مختلفة الحيز جامدة في كيانها غير قابلة للانفعال.

و اما تركيب الممازجة فيحصل في اجزاء متشاكلة متقاربة الحيز منحلة الكيان القابلة للانفعال و لما كان الغالب علي اجزاء جواهر المكونات جهة المبدء و كانت متشاكلة متقاربة الحيز مايلة الي جهة واحدة و حيث واحد و كانت سيالة منحلة الكيان قابلة للانفعال صار تراكيبها تراكيب ممازجة لا مجاورة فلكل واحد من هذه المكونات تركيبان تركيب اجزائها الظاهرة كتركيب الرأس و الصدر و اليد و البطن و الرجل مثلاً او تركيب الجلد و اللحم و العظم و المخ و العصب و العرق و غير ذلك او تركيب الاغصان و الاوراق و الازهار و الثمار مثلاً او تركيب قطع المعادن المتجاورة و غير ذلك و تركيب اجزائها الجوهرية كتركيب بسايط هذه المولدات التامة فالتركيب الاول مجاورة و التركيب الثاني ممازجة و التركيب الاول تركيب ظاهري و الثاني تركيب حقيقي و لذلك قلنا في تطهير الحجر انه لابد فيه من حلين و عقدين ففي الحل الاول نفكك اجزائها الظاهرة و نغسلها عن الاعراض المتخللة بين تلك الاجزاء ثم نعقده فيكون جوهراً طاهراً عن الارمدة الفاسدة و الغرايب المتخللة ثم نحله حلاً ثانياً نفكك به بسايطه فنفصل ناره عن هوائه و هوائه عن مائه و مائه عن ترابه فيحصل لنا بسائطه منفصلاً بعضها عن بعض ثم يطهر كل واحد منها عن الغرايب و الاعراض الحاصلة فيها حتي تعود الي صرافتها ثم نركبها ثانياً و نعقدها و ما لم‌يحل هذا الجوهر بهذين الحلين و يعقد بهذين العقدين ليس يركب تركيباً خالداً ابداً.

و امثل لك مثالاً في الكبريت فانه له تركيبين الاول تركيب اجزائه الملتئمة الظاهرة ففيها اجزاء غريبة من تراب المعدن و ساير الغرايب المتخللة بين اجزائه فلابد من حله اولاً حلاً بليغاً ينفصل عنه الاجزاء الغريبة و الاتربة المعدنية حتي يصير روحاً علي الحقيقة و لذلك قالت الحكماء انه لابد من تصعيد الكبريت اول مرة حتي يخلص عن التراب المختلط به و اجمعوا علي ذلك و انما ارادوا

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 27 صفحه 89 *»

تصعيدهم الخاص لا تصعيد العامة لانهم صرحوا في موضع آخر ان المصعدات بعيدة عن الحق البعد الاقرب و قد صدقوا فان نار التصعيد تقل روحانيتها و ان كرر افسدتها و انهكت جسمها البتة فهو بعيد عن الحق البعد الاقرب و انما الحق حله اولاً فان الماء يقاتل النار عن الكبريت و يحفظ البلة الروحانية فاذا حل لم‌ينحل معه تلك الاتربة لانها جاسية فترمي خارج العالم و يخلص الكبريت الماحض في الكبريتية الحقيقية فاذا محض الكبريت محفوظة الروح و النفس و الجسم عقدناه خالصاً بحيث لايبقي معه غيره فيعود المحذور الاول ثم نفصل اركانه اي ماءه و دهنه و صبغه و جسمه ثم نطهر الماء بمناخلة عن الارمدة المخلوطة به حتي يعود صافياً كقطر الدمع ثم نطهر دهنه عن الاجزاء الفاسدة المحرقة المحترقة ثم نطهر صبغه عن السواد المختلط به من ارضيته ثم نطهر جسمه عن الارمدة الفاسدة القابلة للاحتراق الخفيفة التي بها يكون طافياً فوق الاجساد ثم نركبها فيخرج الكبريت الخالص الغير المحترق الغير المحرق المتلزز الاجزاء مشاكلتها قابلاً للذوب و الطرق علي حد الاجساد المنطرقة القابلة لممازجتها و الغوص فيها فتدبر فيما ذكرت لك فقد كشفت لك والله عن سر الحكماء الربانيين و ما رمزوه في كتبهم في البراني و الجواني و هذا هو العمل الحق الذي لا مرية فيه و لا ريب يعتريه و كل تدبير ذكروه فانما هو رمز عن هذا السر المنمنم و الامر المبهم و هذا مرادهم و كنوا عن ذلك بالتصعيدات و الغسلات و الطبخات و التشويات و التنقيعات فكل ذلك منهم كنايات او تدهيشات و تضليلات كما ستعلم فدونك دونك احفظ نفسك و مالك فقد نصحت لك والله علي ما اقول كفيل فان ظفرت بهذا التدبير الذي ذكرت و الا فانت من الخاسرين.

بالجملة قد تبين مما ذكرت ان تركيب المولدات تركيبان تركيب ظاهري و هو تركيب اجزائه بالمجاورة و تركيب جوهري و هو تركيب اجزائه بالممازجة و هو التركيب الحقيقي و يختلف اجل الشيء‌ بحسب اختلاف تشاكل اجزاء الشيء و اقتراب حيزاتها و قلة تشاكلها و مباعدة حيزاتها و بذلك اختلف مدد آجال المركبات السفلية و العلوية الزمانية و المركبات الدهرية و السرمدية فكانت

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 27 صفحه 90 *»

آجال السفليات الزمانية اقصر و آجال علوياتها اطول و آجال الدهريات اطول منها و اجل السرمد اطول من الكل و لا اجل لله سبحانه لانه الاحد الذي لا اجزاء له و لا غريب فيه فافهم ذلك فانه من حق التحقيق و بالحفظ حقيق.

و اما كيفية التركيب الذي هو المطلوب من هذا الفصل فاعلم انه لا ممازجة بين الجوامد البتة لعدم الرطوبة الرابطة فتركيب الجوامد و الجواسي تركيب مجاورة مجازية فلابد في اجزاء المركب من رطوبة فهي ان كانت رطوبة عرضية اورثت التركيب اللصاقي الملاطي لا الحقيقي فان ذوات الاجزاء يابسة و الرطوبة العارضة ملاط بينها كتركيب الالبان بملاط الطين في البناء و هو تركيب مجاورة لا ممازجة فلابد فيها من رطوبة ذاتية و هي تحصل بكونها محلولة ذائبة فاذا صارت الاجزاء محلولة ذائبة امكن مداخلتها فاذا تداخلت امكن احالة القوي الغالب منها الضعيف المغلوب و من البين ان كل جزء قوي فيما هو عليه ضعيف في غير ذلك فكل جزء يحيل غيره الي جنسه بقوته و غلبته و يستحيل كل جزء الي شكل الغالب لمكان القوة المنفعلة فيه التي هي الرطوبة فيبرد البارد الحار و يسخن الحار البارد و يجفف اليابس بالطبع الرطب به و يرطب الرطب بالطبع اليابس به فتصير النار حائلة الی البرودة و الارض سائلة بالرطوبة و الهواء‌ راكداً بالماء و التراب و الماء جامداً بالتراب و النار حتي تصير متشاكلة فاعتدلت كلها و تشاكلت فتمازجت مزجاً حقيقياً امتزاج الماء و الخل فاذا استقرت استقرت كلها و اذا طارت طارت كلها و ان فعلت فعلت كلها و ان انفعلت انفعلت كلها فكانت واحدة قابلة للانطباع فيها سر الواحد النوعي فاستوي علي عرشه و نفذ سره في اركانه فالقي في هويتها مثاله فاظهر عنها افعاله و هنالك يكون الذي اعتدل طباعه و صفا مزاجه فقوي اثر النفس اي سر الواحدية فيه فسما الي ما يرتقيه و تخلق بالاخلاق النفسانية الفعالة و صار موجوداً بما هو انسان كاملة القوابل و المقبول دون ان‌يكون موجوداً بما هو حيوان و دخل في الباب الملكي الصوري الحامل للامداد الالهية و الفيوض السبحانية الواسطة بين المبدأ و المنتهي و ليس له عن هذه الغاية مغير لان تركيبه خالد مخلد فلايفنيه شيء و لايبيده مبيد و لابد في هذا التركيب من حلين و

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 27 صفحه 91 *»

عقدين الاول حل الاجزاء منفردة بعد الحل للتطهير و عقدها علي الطهارة ثم حلها مركبة ثم عقدها علي الجملة فهذا هو التركيب الموافق لتدبير الله سبحانه المحكم و تقديره المبهم و بغير ذلك لايكاد يصل طالب الي تدبير الحق ابدا و ما سوي ذلك كلها تلويحات و تمويهات و اصباغ زائلة و تكوينات غير حقيقية البتة فامثل لك في ذلك ان‌شاء‌الله تعالي مثالاً بينا حتي تعرف منه المقصود.

اعلم ان اركان العمل روح و نفس و صبغ و جسد فلابد اولاً من حل كل واحد و تدبيره حتي يصير كل واحد متمحضاً في ما هو عليه خالية عن الغرائب صافية عن الاكدار خالصة عن الاغيار بريئة عن الامراض باينة عن الاعراض و انما ذلك كما عرفت بالحل لا غيره و كلما سوي ذلك كنايات و تدهيشات و تضليلات و صرف غير الاهل عن الحق فحل الروح اولاً لتفكيك اجزائه الظاهرة لاخراج الغرايب المجاورة ثم اعقدها خالصة عنها ثم حلها لتطهير اركانها الاصلية كما عرفت ثم ركبها فاذا حصل لك الروح الطاهرة حلها ماء رايقاً طاهراً ثم دبر النفس كما ذكرت لك من الحلين و العقدين ثم حلها ماء ‌رايقاً طاهراً و ان شئت حل الصبغ علي حدته و اعقده طاهراً ثم حله ماء رايقاً ثم حل الجسد و اعقده كما عرفت ثم حله ماء رايقاً طاهراً ثم اعقدها في حلها ثم اجمع بينها بالميزان الحق و حلها جميعها في محل واحد لتتفاعل بعضها في بعض و يحيل بعضها بعضاً الي شكله ثم اعقده جوهراً متلززاً ثقيلاً منطرقاً ذائباً جسدانياً قابلاً للصبغ و الممازجة صابراً تفز بالعمل الحق و اعرف بطلان طريقة من عمل بغير ذلك فان بغير ذلك لايحصل الممازجة التامة بين الاجزاء‌ فاذ لم‌يحصل الممازجة كانت المجاورة و اذا كانت المجاورة كانت المباينة و اذا كانت المباينة فعل كل جزء فعله الخاص به فكانت افعال متباينة و لم‌يحصل المزاج الخامس و الفعالية الخاصة به و كل جزء بانفراده غير فاعل ما يراد من الطبع الخامس و غير الطبع الخامس لايفعل الاكسيرية و لايكون اكسيراً فمنزلة ذلك منزلة من يشرب عقاقير المركب منفردة فلايفعل في مزاجه ما يراد من المجموع المركب لان لكل عقار هضماً خاصاً به و كيلوساً و كيموساً خاصاً به فمنها سريع الانهضام و منها بطيئه و منها سريع الكيموس و منها بطيئه و لكل عقار

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 27 صفحه 92 *»

حيز في البدن فينتقل الي حيزه بانفراده فلايجتمع افعالها في البدن في وقت واحد و محل واحد فلايحصل بينها المزاج الخامس المراد منها و من اجتماعها و لعلك قد عرفت مما ذكرنا ان ابعد مركبات الاطباء‌ عن الحق السفوفات فانها اجزاء ‌يابسة متجاورة بلارابط ثم بعدها المعاجين فانها ايضاً اجزاء متجاورة و مركبات ملاطية ثم بعد ذلك النقوعات فانها مجاورة اجزاء الا انها اقرب الي الحق مما سبق ثم بعد ذلك المطبوخات فانها بالطبخ تتمازج في الجملة الا انها لاتبلغ الممازجة الحقة و لذلك تكون مركباتهم قليل التأثير في الابدان بخلاف مركبات الحكماء فانها تعمل في الابدان في يوم ما لايفعل تلك المركبات في سنة و انما لجأت الاطباء الي هذه التراكيب لما عجزوا عن التركيب الحق و الا لم‌يكونوا يعدلون عنه الي غيره ابدا.

و يعجبني ان‌اشرح هنا علي نهج الاختصار سر عدم تاثير العقاقير المتجاورة كتأثير المتمازجة و هو مطلب شريف قد غفل عنه كثير من الحكماء ولكن نشرحه علي سبيل الاشارة و انما تمام التفصيل في كليات الطب علي طريقتنا و ان مد الله لنا في العمر و قدر نكتب رسالة فيها ايضا.

فاعلم ان لكل واحد من بسايط هذا العالم حيزاً لو خلي و طبعه مال الي ذلك الحيز البتة فلذلك ترتب البسايط من الافلاك و العناصر علي ما تري بل اقول ان كل كرة لها طبقات و لكل طبقة حيزها فلو نزل اعلي الهواء الي الاسفل بالقاسر ثم خلي و طبعه صعد الي طبقته و حيزه البتة و لو صعد اسفل الهواء قسراً الي اعلاه ثم خلي نزل كالحجر الي اسفل مراتبه و كذلك الامر في اوساط الهواء و كذلك الامر في جميع الكرات و لذا يكون محدب كل كرة البتة الطف من وسطها و وسطها الطف من اسفلها و كل جزء اعلي منها الطف من كل جزء اسفل فاعلي كل كرة روحها و اوسط كل كرة نفسها و اسفل كل كرة جسدها.

فاذا عرفت ذلك نقول انه كما يمكن احالة الماء هواء علي ما تري يمكن تلطيف اسفل كل كرة حتي يصير بلطافة وسطها و تلطيف وسطها حتي يصير بلطافة اعليها بل يمكن احداث اي طبقة من اي كرة بالصناعة الفلسفية مثلاً

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 27 صفحه 93 *»

يمكن احداث هواء‌ لطيف بتبخير بعض العقاقير حتي يصير بخاره بلطافة اعلي الهواء او وسطه و كذا يمكن استخراج ماء من بعض العقاقير يرسب في هذه المياه او يطفو فوقها او تركيب جسد اثقل من التراب او اخف منه و هكذا يمكن احداث مشاكلات جميع طبقات جميع الكرات فاذا عرفت ذلك ايضاً فاعلم ان النطفة اذا خليت في الرحم و طبعها لم‌يقف كل جزء منها في موضع الا بطبع خاص فلم‌يصعد منها الا الالطف و لم‌ينزل منها الا الاكثف فوقف ما فيه الروح اغلب اعلي و ما فيه النفس اغلب في الوسط و ما فيه الجسد اغلب في الاسفل و هكذا وقفت علي حسب طبايعها فاذا عرفت ذلك ايضاً فاعلم ان العقاقير اذا  تكون نطفها في العماء و دبرتها الافلاك و اشعة الكواكب و طبع المواد اختلفت طبايعها بحسب الرقة و الغلظة و بحسب غلبة روحها او نفسها او جسدها علي ما عرفت فبغلبة الروح صارت مائلة الي الاعلي و بغلبة النفس صارت مائلة الي الوسط و بغلبة الجسد صارت مائلة الي الاسفل و انما يغلب الغالب لاجل التدابير الخلقية و دوران الافلاك و ليس هيهنا موضع بيانها فاذا ورد العقار في البدن و عمل فيه الهاضمة و حلته بالكيلوس و الكيموس و خلي و طبعه بلاقاسر صعد او نزل الي حيزه فصعد ما فيه الروح اغلب الي اعالي البدن التي فيها الروح اغلب و اثر في الدماغ و اعالي البدن و صعد ما فيه النفس اغلب الي اوساط البدن التي فيها النفس اغلب و اثر في القلب و اوساط البدن و نزل ما فيه الجسد اغلب الي اسافل البدن التي فيها الجسد اغلب و لاعلي و اوسط و اسفل البدن اعتبارات ليس هيهنا موضع بيانها فلاجل ذلك اختلف خاصيات  العقاقير فلم‌يعمل كل حار عمل كل حار و لا كل بارد عمل كل بارد و لا كل رطب عمل كل رطب و لا كل يابس عمل كل يابس و تحير عقول الحكماء في خواص العقاقير و عجزوا عن معرفتها الا بالتجارب والاستعمال و عجزوا عن سر معرفة تأثير العقاقير بالخاصية انها اي شيء هي و من اين هي فقد كشفت لك سره و لو سمعت تفصيله لتحيرت فيما رزقنا الله سبحانه و له المن من سر طبايع الاشياء و حقايقها.

بالجملة هذا هو المجمل من تأثير العقاقير بالخاصية فاذا استعمل الانسان

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 27 صفحه 94 *»

العقاقير غير مركبة بتركيب الامتزاج و التركيب الحق فاذا وردت البدن انتقل كل عقار الي حيزه و لم‌يحصل عنها اثر واحد و لم‌يتحقق لها حيز واحد البتة فتفرقت في البدن بخلاف ان‌يركب العقاقير بعد التدبير علي حسب التقدير تركيباً امتزاجياً و يحصل للكل حيز واحد اما حيز روحاني او نفساني او جسداني فاذا استعملها الانسان و وردت في معدته و عمل فيها الهاضمة و تصرفت فيها فانه يكون الكل كعقار واحد له حيز واحد فينتقل الي حيزه و يحدث فيه ما يحدث فامثل لك في ذلك مثالاً تعرف به الحق و تشاهده ان الغالب في الزيبق هو الروحانية و في الكبريت النفسانية و في الفضة مثلاً الجسدانية فاذا تركبت تركيب مجاورة و سلط عليه النار فر زيبقه علي نحو التبخير و فسد كبريته علي نحو الاحتراق و الاشتعال و بقي الجسد محترقاً مكلساً فاسداً بالجملة ينتقل كل جزء الي حيزه و اما اذا كانت مركبة تركيب امتزاج كان زيبقه نفسانياً جسدانياً و كبريته روحانياً جسدانياً و فضته روحانية نفسانية فان ركب للطيران طار جميعه و ان ركب للتوسط توسط جميعه و ان ركب للتجسد صبر جميعه لان المركب حينئذ في حكم عقار واحد فلو علم الاطباء سر التركيب لصار مركبهم في حكم عقار واحد ذي حيز واحد و عمل في خصوص حيزه بما اريد منه بل اقول انهم صرحوا ان كل عقار له ضرر بعضو كما ان فيه نفعاً بعضو و لذلك احتاجوا في تركيباتهم الي ادخال المصلحات و لما كان تركيب المصلح معه تركيب مجاورة لم‌يمنع ذلك العقار عن ضرره بل كان لكل واحد ضرره الخاص به و حصل لمركبهم ضرران بخلاف ان لو ركب المركب بتركيب الامتزاج فان باستحالة كل جزء الي الآخر يستحيل المضر الي طبع المصلح فلايبقي فيه ضرر البتة كما ان الزيبق من طبعه الطيران و هو فساده فاذا استحال الي طبع الجسد و تجسد صلح فلم‌يطر ابدا و كذلك اذا كان الافيون مورثاً للهم و ركب مع الزعفران المورث للفرح تركيب صلاح و استحال الافيون الي طبع الزعفران صار افيوناً زعفرانياً فعمل عمل الافيون من غير ايراث للهم كما ان الزيبق المتجسد يعمل عمل الزيبق من غير طيران فمركبات الاطباء مع قلة تاثيرها ذات ضرر كثير بخلاف التركيب الحق و من علم سر الضم و الاستنتاج

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 27 صفحه 95 *»

قدر علي احداث اكسير لكل مرض بحيث اذا ورد البدن و عمل فيه الطبع و خلي و طبعه ذهب الي موضع المرض الخاص من غير تأثير في غيره من الاعضاء حتي يصلح ذلك العضو بخصوصه مثلاً يمكن تركيب عقاقير يكون الغالب فيه الروحانية فيصعد الي الدماغ فلايتوجه الي عضو آخر ابداً لعدم غلبة الجسدانية النازلة و النفسانية المتوسطة ثم يكون في تلك العقاقير غلبة طبع زحل فيؤثر في عاقلة الانسان من غير توجه الي احد المدارك الآخر فيفسد العاقلة او يقويها و يصلحها من غير تأثير آخر كما ان غذاء كل جزء يصير اليه بخصوصه و لايصير الي غيره و لو شاء ‌الله بسطنا القول في ذلك في كتاب مخصوص و لعلك قد عرفت مما بينا ان الاطباء محرومون من هذا العلم الشريف و هم يخبطون خبط عشواء لاسيما و هم يعملون بالطبع و القياس و لايجري القياس في هذا العلم و لا في غيره من العلوم و ذلك فساد كل علم نعوذ بالله و ذلك سر حرمة القياس في الشرع ايضاً فان القياس من عالم الطبع و الخواص فوقه و لايجري فيه ابدا فاياك اياك و القياس في العلوم فان من خاض في العلوم بالقياس لم‌يزل دهره في ارتماس مبتلياً بالوسواس الخناس.

فقد تبين و ظهر لمن نظر و ابصر ان التركيب الحق لايمكن الا بحل الاجزاء اولاً ثم تركيبها ثانياً ثم حلها ثالثاً ليتفاعل بعضها في بعض و يحيل بعضها بعضاً الي طبعه حتي يصير الكل امراً واحداً متشاكل الاجزاء و كذلك لعلك عرفت مما بينا ان جميع التراكيب المسطورة في كتب اهل الصناعة و التدابير المرموزة و المصرح بها التي ليس فيها حل و عقد و انما اقتصروا فيها بالتصعيدات او التشويات او التشميعات او السحق او الطبخ او غير ذلك كلها باطلة فاسدة و جميعها من باب تركيب المجاورة و تتصرف النار في كل جزء منه علي حسبه فكما ان كل جزء من اجزائه بانفراده ليس باكسير فعال كذلك المركب منه فانه ليس الا اجزاء صغار قد تجاورت و تقاربت و تفرقها النار المفرقة للجماعات الجامعة للشتات و انما تركيب هذه العقاقير كخلط الحمص و القمح و الشعير ليس فيه تأثير بنقير و قطمير و انما ذلك تدهيشات من العلماء و تضليلات من الحكماء عن عمد منهم

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 27 صفحه 96 *»

ليصرفوا الجهال عن الحق و قد نادي القوم علي انفسهم بذلك و اقول لهم

لقد اسمعت لو ناديت حيا   ولكن لاحيوة لمن تنادي

و انما اصمهم طلب حطام الدنيا و اعميهم حب الرياسة و اذهلهم طلب الاموال و اغفلهم الحرص صم بكم عمي فهم لايعقلون و انی والله قد نبهتكم يا قوم عن رقدة الغفلة فتنبهوا ان كنتم تشعرون و السلام علي قوم يعقلون.

فصل: اعلم ان المركبات تختلف احوالها علي ثلثة انحاء فان المركب اما ان‌يكون الجهة المنظورة فيه ضعيفة و ضدها قوي بحيث يخفيها و يخفي آثارها بالكلية و اما ان‌تكون فيه مساوية لضدها فلايغلب احدهما الآخر فيظهر بينهما لتركيبهما اثر متوسط و اما ان‌تكون غالبة علي ضدها بحيث اخفتها و اخفت آثارها و نمثل للاولي اذا كانت الجهة المنظورة الضوء بالاجر فان جهة الضوء فيه ضعيفة  و ضدها التي هي جهة الكدورة و الكثافة المورثة للظلمة فيه غالبة فالضوء و آثاره فيه خفيان و الكدورة و آثارها فيه ظاهرتان غالبتان و نمثل للثاني بالجمرة فانها في الظلمة ظاهرة بنفسها و لها كثافة تمنعها عن نشر نورها الي غيرها و نمثل للثالث بالسراج فان الضوء فيه غالب و الظلمة مقهورة فالقسم الاول يحتاج فيه في ابراز الجهة المغلوبة فيه الي مكمل خارجي و المكمل ما يكون الجهة المنظورة فيه غالبة و له فضل كمال حتي يتم نقصان الناقص بفضل كماله و يقويه في الجهة المنظورة و يضعف ضدها حتي يكون الظهور للجهة المنظورة و القسم الثاني ايضاً يحتاج الي مكمل اذا اريد ترقيه الي مرتبة الكمال و الكامل ما له فضل كمال و له غلبة في الجهة المنظورة.

و مثال آخر لهذه الاقسام الحديد و الذهب و الاكسير فان الحديد ناقص قد نقص عن رتبة الاعتدال المنظور و الذهب هو المعتدل و الاكسير هو الكامل المعدل للناقص و المكمل للتام فان الاكسير لو القي علي الحديد صيره بعد تصييره فضة ذهباً و اذا القي علي الذهب صيره اكسيراً و الغرض في هذا الفصل شرح معني الكمال و التكميل و الفرق بينه و بين التاثير و كم من امر يتعاطيه الانسان مع الغفلة ظناً منه انه من البديهيات و المسلمات و

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 27 صفحه 97 *»

ادراك كنهه من المعضلات.

فنقول ان مراتب الشيء ثلثة نقصان و تمام و كمال فالنقصان صفة لموصوف و هو الناقص كما ان التمام صفة للتام و الكمال صفة للكامل و الصفة غير الذات بالبداهة لانها تتغير و الذات ذات في الحالات لايعتريها التغير فالصفة دون رتبة الذات بمادتها و صورتها اذ هي وجود تابع للذات قائم بها موجود بوجودها معدوم بعدمها و لو كانا مشتركين في المادة لم‌يكن احدهما اولي بالموصوفية من الآخر و كانا كزيد و عمرو و شجر و شجر فالصفة نازلة عن رتبة الذات بمرتبة بمادتها و صورتها و الذات هي فوقها فليست محدودة بحدودها متناهية بغاياتها متجهة بجهاتها محوية بامكنتها مأجلة بازمنتها مرتبة برتبها مكيفة بكيفياتها فاذا هي في جميع امكنتها الوجودية نافذة و لجميع ما لها و بها و منها و فيها واسعة فاذا الصفات ليس فيها ذات و الذات ليس فيها صفات فهي اذ ذاك ذات ممتنعة عن الصفات و هي اذ ذاك صفات ممتنعة عن الذات اذ هي خلو من الذات و الذات خلو منه و هذه البينونة الوصفية التي ضلت فيها الاحلام و زل عليها الاقدام فالصفات آثار الذات و هذا معني الاثر و المؤثر و علي ذلك يكون النسبة بين الاثر و المؤثر فالاثر موجود بايجاد المؤثر معدوم بعدمه واقف تحت مشيته و ارادته بخلاف ما سواهما فانه لاترتب بين شيئين غيرهما علي هذا النحو الا في السلسلة العرضية المرتبة التي هي برزخ بين الاثرية و المؤثرية و بين عدمهما فهو بين فالعرضية المرتبة برزخ بين الطولية و العرضية الغير المرتبة و ليس هيهنا موضع بيانه فالصفة اما نقصان و اما تمام و اما كمال و هذه الثلثة اضافية لان الناقص الحقيقي ليس في ملك الله سبحانه الغير المتناهي و جميع ما فيه كامل الا ان الانظار تختلف فعند قياس شيء بشيء من جهة منظورة يوصف الشيء بالنقصان و التمام و الكمال فالناقص حينئذ ان‌يكون اقصر مما يراد و التام ان‌يكون بالغاً ما يراد منه و الكامل ان‌يكون متجاوزاً عما يراد في نوع ما يراد و لاتكميل للغير الا من الكامل فان الكامل له ما يزيد عن حاجة نفسه و يقدر ان‌يرقي غيره بقدر قوة تكميله و صلاح انفعال المتكمل و الغرض بيان كيفية تكميل الكامل حتي يكون كالعيان و ان كان في خلل

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 27 صفحه 98 *»

البيان.

اعلم ان الكامل و الناقص هما من مادة واحدة و انما الاختلاف في الصورة المميزة فالكامل مصور بصورة الكمال و الناقص مصور بصورة النقصان و ذاتهما ليست بكاملة و لا ناقصة فان الذات معراة عن الصفات فالكامل ما له آثار كاملة و الناقص ما له آثار ناقصة و تلك الآثار صفات الذوات في رتبتها فلذلك توصف بها فيقال ذات كاملة و ذات ناقصة و ان كانت الكاملية في رتبة الكمال و الناقصية في رتبة النقصان كما هو معلوم في محله فالناقص و الكامل في الذات اي المادة المطلقة متحدان و في الصفات مختلفان و اما صورة تلك المادة المطلقة في الناقص و الكامل فالمعروض الكلي للصفات و لسنا الآن بصدد شرحها و ذلك بحر ضل فيه السوابح فالناقص ذات لها آثار ناقصة و الكامل ذات لها آثار كاملة فهما في صقع واحد من حيث الذات مختلفان من حيث الصفات فاذا اراد الكامل تكميل الناقص القي فضل كماله الذي هو اثره و فعله علي آثار الناقص فان ذات الناقص فوق آثار الكامل مع انها ليست بناقصة و لا كاملة فالقي آثاره علي آثار الناقص و بمشاكلتها مع آثار الناقص مازجتها لانهما آثار ذات واحدة و ان كان كل اثر من حصة و بقوتها و دوامها فرقتها و كلستها او حلتها او عقدتها او لطفتها او كثفتها او سخنتها او بردتها او رطبتها او يبستها او حركتها او سكنتها الي غير ذلك من جهات التكميل المراد فبلغ بتلك الآثار مبلغاً اقتضيه قوة الكامل و صلاح المنفعل فكمله نحو ما يريد فلربما يديم عليه قليلاً فيغيره قليلاً فاذا رفع اليد عنه و عاقبه ضده رده علي ما كان دفعة و لربما دام عليه شيئاً حتي اثر فيه اكثر فاذا رفع اليد عنه بقي بعده علي تلك الصفة زماناًمّا و لربما دام عليه حتي جعله مثله فاذا رفع اليد عنه بقي مثله خلفاً بعده قائماً مقامه.

و لنمثل لك في ذلك مثالاً تتبصر به امرك كله النار جسم طبيعي حار يابس فالجسم ذاتها التي تشاركها فيه ما سويها و الفحم ايضاً جسم طبيعي بارد يابس فالفحم يشارك النار في الجسمانية و يفارقها في الصفة الا تري انه يقع علي كل من الفحم و النار الجسم بقول مطلق و يدل عليهما الجسم علي الحقيقة فان الجسم جوهر ذو ابعاد ثلثة و كلاهما كذلك فهما مشتركان في الجسم مفترقان في الصفة

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 27 صفحه 99 *»

و الجهة المنظورة الحرارة و اليبوسة فالفحم ناقص و النار كاملة فان الفحم في الجهة المنظورة ضعيف جداً يعني ان تلك القبضة من الجسم قد بدي منه آثار الحرارة و اليبوسة اقل و آثار ضدهما اكثر و الحرارة و اليبوسة الضعيفتان اثران للفحم كالبرودة و اليبوسة الا انهما غالبتان و النار بعكس ذلك فالحرارة و اليبوسة اثران منها ظاهرتان غالبتان و البرودة و اليبوسة الترابية فانهما ضعيفتان و لما كان الجهة المنظورة الحرارة و اليبوسة فالنار فيهما كاملة فندني من الفحم و هما جسمان متصاقعان لاتمايز بينهما في الجسمانية فيقع شعاع النار علي شعاع الفحم فيمازجه بالمشاكلة لان لكل واحد ما لكل واحد من الطبايع الا ان طبع واحد اغلب فاذا مازجته و النار غالبة جعلت تكلسه فان النار اذا مازجت التراب و هي غالبة و تقتضي بنفسها الانبساط و الصعود و اللطافة و الرقة و ساير صفات النار فاذا مازجته و هي غالبة شايعها التراب في الصفات يعني ترقق و تلطف و صعد و انبسط لان مادتهما واحدة و كان تراباً لانه كان غليظاً فاذا مازجه مرقق له و رق فليس بتراب و كان تراباً لانه هابط فاذا صعد فليس بتراب و كان تراباً لانه منقبض فاذا انبسط فليس بتراب الي غير ذلك فاذا مازج صفاته صفات النار و احالتها احالة الماء الملح ماء و احالة الخل الخمر خلاً صار الفحم جمرة حمراء فلربما يخالط الشعاع الشعاع و لايدوم عليه حتي يحيله و يؤثر في ظاهره كما اذا قاربت الفحم من النار و ربما يدوم حتي يؤثر في اعماقه قليلاً كما اذا سخنت الفحم و ربما يؤثر فيه الي ان‌يحيله كما اذا جعلته جمرة تدوم بعد النار و تبقي ناراً ثم تختلف الاحوال بحسب اختلاف قابلية الناقص فان كان الناقص قليل المنافرة مع النار بان كان بنفسه رقيقاً ازداد كمالاً كالدهن فان الدهن ايضاً جسم كالنار و صفاته الظاهرة منها الرطوبة اللزجة فاذا وقع عليها شعاع النار و مازجها فرق اجزاءها و جفف رطوباتها حتي كلسها دخاناً و هو لقربه من النار و كثرة شباهته بها يشتعل و يصير كاملاً في الجملة و ان كان الناقص كثير المنافرة بقي في صفاته منافرة من الكثافة و الغلظة فتبين ان الامر يختلف بحسب قوة الفاعل و صلاح المنفعل و كذلك الامر في حال الاكسير فانه كامل في الاعتدال كثيره و زايده فاذا القي علي الجسد الناقص و هو

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 27 صفحه 100 *»

جسم كالاكسير الا انه ظاهر بالنقصان مازجته اشعة الاكسير فاحالته معتدلاً بالقوة الفلكية التي فيه فاثرت فيه بقدر قوة الاكسير و صلاح المنفعل فاحالته الي الجسد المطلوب.

بقي هنا شيء و ان كان خارجاً عن رسم الكتاب و هو ان الجسم الواحد المتشاكل الاجزاء كيف يكون قبضة منه ناراً كاملة في الحرارة و اليبوسة و قبضة منه ماء كاملاً في البرودة و الرطوبة و الجسم في نفسه متشاكل الاجزاء فاعلم ان الجسم المطلق في عالم الدهر جوهر متشاكل الاجزاء ليس يتحصص ابداً و ليس يتقطع قطعة قطعة حتي يصير قطعة منه ناراً و قطعة هواء و انما القطع قطع من الكلي لا المطلق و الكلي ليس بمتشاكل الاجزاء و انما المتشاكل الاجزاء هو المطلق و لذا يصدق المطلق علي كل فرد و يعطيه اسمه و حده بخلاف الكلي فان الجزئي ليس بكلي و هذا الذي قد اشتبه علي القوم فخلطوا بين المقامين فالمطلق هو المتشاكل الاجزاء و ليس في عالم الافراد المقيدة و الافراد المقيدة اشعته و انواره و صفاته تحته و هي بالنسبة اليه كشعاع الشمس بالنسبة الي الشمس و لما كان هو فوق الافراد كان نافذاً فيها علي ما قدمنا في صدر الفصل و كانت من كمالات المطلق بها كان كاملاً و بكماله كان مطلقاً و لولا هذا الكمال كان محدوداً كالافراد و كان مقيداً فهذه الافراد كمالاته و صفاته دونه قائمة به و هذه الافراد كانت مختلفة في الحدود لاختلاف مراتبها فمنها قريبة من المبدء و منها بعيدة و منها لطيفة و منها كثيفة و منها روحانية و منها نفسانية و منها جسدانية فاذا صارت مختلفة المراتب لتدل علي وحدة مؤثرها و احديتها النسبية اختلفت اشعة كل واحد مع اشعة الآخر فكان لكل واحد اشعة مشاكلة له لان الاثر علي طبق صفة المؤثر و صار لكل واحد اشعة علي حسب حكايته المطلق العالي و قد انصبغ مثال المطلق العالي في بطن الفرد فنفذ عنه نوره منصبغاً بصبغه و انتشر الي منتهي كماله كما تري من الشمس و اطلاقها في مقامها فيقع نورها علي المرايا المختلفة فتحكي المرايا نورها علي حسب اختلافها في صفائها و كدورتها و ينصبغ النور في بطن كل مرآة علي حسبها و ينفذ منها او ينعكس منها منصبغاً بصبغها فالنور المنصبغ المنتشر هو كمال المرآة

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 27 صفحه 101 *»

المستكملة و شبحها و صفتها فلكل فرد من الافراد مادة و هي حيث صدورها من المطلق و صورة من نفس حده و رتبته و تلك الصورة هي الشبح المتصل بها و له اشباح منفصلة و هي كمالات ذلك الشبح المتصل و صفاته و انواره التي هو فيها نافذ في جميع امكنتها الوجودية فهو اذ ذاك شبح متصل و لا اشباح منفصلة و هي اذ ذاك اشباح منفصلة و لا شبح متصل ففي المرآة المستنيرة النور المنصبغ له مادة و هي النور الواقع فيها من الشمس و شبح متصل و هو الصبغ الذي من المرآة فالنور المنصبغ هو الفرد المركب من مادة و صورة و لما كان هذا الصبغ مستكملاً بالنور حصل له اشباح منفصلة اي اصباغ منتشرة و هي كمالات الصبغ المتصل و الصبغ المتصل احد بالنسبة اليها نافذ في امكنة وجودها يعطيها اسمه و حده.

و نمثل لك مثالاً واضحاً في السراج و انواره حتي يتبين لك الحال اعلم ان الدهن هو جسم رطب لزج فيه من الاجزاء الترابية اجزاء لطيفة منحلة و هي قليلة و الاجزاء الرطبة السيالة اكثر فاذا قارنها النار و هي ايضاً جسم الا انها حارة يابسة القت شعاعها و هي الحرارة و اليبوسة العرضية لها الغيبية و هي بمنزلة نار المشية التي اشار الله سبحانه اليها بقوله يكاد زيتها يضيء و لو لم‌تمسسه نار فالحرارة العرضية هي النار الماسة و هي آية المشية و النار الذاتية هي آية الذات تعالي قدرها و لها المثل الاعلي فاذا وقعت الحرارة و اليبوسة العرضيتان علي الدهن و لاتقعان الا علي برودته و رطوبته العرضيتين مازجتاهما و غلبتا عليهما فحلتا منعقدهما و عقدتا منحلهما و اذابتا جامدهما و جمدتا ذائبهما بالمشاكلة و الممازجة و الغلبة و الدوام حتي كلستاه دخاناً حاراً يابساً الا ان بعد فيه من الاجزاء الهبائية الارضية و الاجزاء الرطبة الدهنية و الحرارة و اليبوسة فيه اغلب فقام يصعد بمشايعة النار الصاعدة الي ان‌يبلغ فيه الجفاف و الحرارة غاية يمكن ظهور النار عليه فيها و احتمائه بها فيحتمي بها يعني يصير جسم الدهن الظاهر بالدهنية ظاهراً بالاحتماء بناره التي كانت كامنة فيه و تقوت بتمكين النار الخارجية قابلية الدخان و ازالة الموانع عنه لذهاب الصفات الدهنية باستحالتها الي الدخانية القابلة للاحتماء فاذا دام عليها النار احتمي فصار كالحديدة المحماة و لما كان الدخان سيالاً رقيقاً

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 27 صفحه 102 *»

صيقلياً ظهرت حمرة النار الداخلة ذات بريق و لمعان فكانت شعلة فتكثفت النار الكامنة في الدهن سبب الاجزاء الدخانية فكانت ناراً كثيفة او دخاناً مشتعلاً محمي فللشعلة مادة و صورة مادتها النار الداخلة و صورتها صبغ الدخان و هيئته و لذا تختلف هيئات الشعلة و الوانها بسبب اختلاف الدخان و لما كانت نارها ذات كمال منتشر لقوتها الذاتية و كمالها الاصلي و لم‌يكن كمالها ظاهراً لغلبة ضدها فاذا زالت الاضداد ظهر كمالها و انتشر ولكن انصبغ كمالها بصبغ الدخان يعني ان نفس نارها كانت صالحة لان‌تكون علي هيئات و انوار لانها ايضاً جسم فاذا قارنت الدخان استكملت في الكثافة الخاصة كما استكملت الكثافة الخاصة بالضوء الخاص و لما كان ذلك الضوء المنصبغ كاملاً ظهر و انتشر علي حسب قوتها فهنا ثلثة مقامات نار غيبية حقة و هي النار الخارجة و هي آية الذات و نار ممكنة و هي النار الماسة المطلقة و هي آية المشية و هي تذهب بذهاب النار الخارجة و نار متقوية مستكملة في الدخان و هي الباقية و لها كمالات و اشباح منتشرة و هي الاشباح الظاهرة فتلك النار المتقوية مقامها مقام الاطلاق بالنسبة الي الاشباح فهي نافذة في جميع امكنة الاشباح فاذا نار متقوية و لا اشباح او اشباح و لا نار متقوية فالنار المتقوية تعطی الاشباح اسمها و حدها الا تری ان کل شبح سراج ثم تلک الاشباح تقع فی مرايا امکنة الهواء و الجدران و الارض فمنها ما يصير قريباً و منها ما يصير بعيداً فلو اخذت عنها خصوصيات الامکنة لبقي نفس الشبح و نسبة کله الی النار المتقوية المنصبغة علی حد سواء فالشعلة بمنزلة الينبوع و الامکنة بمنزلة الانهار فالنار المتقوية و ان كان منشأ حدوثها من الشعلة الموجودة في الجزء اللاحق من الدهن الا انه اذ ظهر فيه و ارتفع الموانع ظهرت بكمالها المنتشر و انتشار النار كماله ثم قد يقع هذا الكمال المنتشر و الاشباح المنفصلة عن النار الغيبية علي دخان خارج فتمكنه كما مر الي ان‌تظهر عليه النار الكامنة فيه التي لولا الموانع كانت كاملة منتشرة فاذا رفعت موانعها و مكنت الدخان بالتجفيف و التسخين ظهرت النار الكامنة فيه كاملة و صارت شعلة كالاولي و هي باقية و ان خمدت الاولي فافهم فانه دقيق دقيق.

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 27 صفحه 103 *»

و هل هذا الشبح الذي يري في المرآة من السراج و السراج من صقع واحد و لذا يريان بعين واحدة او هما في صقعين يعني الذي في المرآة شبح منفصل و اثر للسراج تابع له و لذا يعدم بعدمه اقول هذه الشعلة مركبة من الدخان و من النار المشتعلة فيه و ليست الآثار للدخان و انما الدخان بمنزلة المرآة الموضوعة تحت الشمس و اللحك من النور الواقع فيها لا منها فالآثار والاشباح للنار الظاهرة في مرآة الدخان المنصبغة بصبغها و النار الظاهرة فيها ليست حقيقة النار الغيبية فانها لاتري و هي المؤثر الحقيقي للانوار فالنار الظاهرة في الدخان هي النار الظاهرة في الجدار و المرآة الا ان المحل في الدخان قابل فيظهر فيه اقوي و الدهن متصل به فيمده فيبقي مستمراً و في الجدار غير قابل فتكون النار الظاهرة فيه ضعيفة الا تري انك لو اخذت دخاناً بقرب من السراج اشتعل كالسراج فالمؤثر هو النار الغيبية و النار الظاهرة كمالها المنتشر تظهر في كل شيء علي حسب قابليته و هذا الكمال المنتشر هي النار الماسة التي انتشرت من تحت حجاب الدخان الحافظ لها الصابغ اياها فالشعلة كالقلب لساير الانوار و قطبها تصل امداد النار اليها و تنتشر منها في الامكنة التي هي الاعضاء و الكرة الدايرة عليها فهي جميعها سراج الا ان الشعلة قلب و الباقي اعضاء و لهذا السراج حقيقة و هي النار الغيبية و مس تلك النار و هي الحرارة العرضية و هما غيبيتان و ظهور و هو ما يري في الشعلة و الجدران و الشعلة تستمد من النار الغيبية و ينبث منها المدد في الفضاء فالمرئي في الشعلة و الجدران كلها شبح منفصل عن النار الغيبية و قد وقع في مرآة الدخان اولاً و سال منه الي الفضاء منصبغاً مستكملاً بصبغه و لذا يريان بعين واحدة و ينطبع في مرآتين بينهما سراج سرج عديدة غير متناهية فقد تبين الفرق بين التكميل و التأثير فالمتكمل مستقل بوجوده بعد فناء المكمل و اما الاثر فلايمكن فرض بقائه بعد فناء المؤثر لانه كماله و صفته و هو هو ظهوراً و ادراكاً و معرفة و ان لم‌يكن هو هو كلاً و لا جمعاً و لا احاطة ففعل الاكسير في الاجساد فعل تكميل لا فعل تأثير لبقاء الجسد المتكمل بعد الاكسير و قد ذكرنا سابقاً ان فعل المكمل كم لفعل الله سبحانه و يده و هو المؤثر سبحانه فالمتكمل بالنسبة الي فعله سبحانه

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 27 صفحه 104 *»

اثر قائم به و بالنسبة الي المكمل متكمل فالمكمل سنة في خلقه سبحانه يجري فعله به فيما شاء كيف شاء و المكمل بابه سبحانه في افاضة ذلك الفيض الي ما يشاء كيف يشاء فابتغوا اليه الوسيلة و جاهدوا في الله حق جهاده و أتوا البيوت من ابوابها لتفوزوا مع الفائزين.

الباب الثاني

في الارواح و فيه مطلبان

المطلب الاول

في مجمل القول في الارواح

اعلم انا قد حققنا في الكليات كيفية تكون المعادن و ان كل معدني مركب من مادة و صورة و ان مادته البخار و صورته الدخان و انهما اذا امتزجا في المعدن علي تناسب في الكمية و الكيفية و ساعدهما التدبير الفاعلي تكون منهما المعدني و ان اول مراتب المعدن تكون البخار و الدخان فاذا امتزجا قبل استحكامهما و عرضهما الجمود و ذلك يكون بالبرد و اليبس تكون منهما الملح بجميع اصنافه و انما يكون ذلك بتصرف الكواكب و تربيتها كما مر و ان عرضهما اليبس و ذلك يكون بالحرارة و اليبوسة تكون منهما الاحجار الشفافة و ان لم‌يعرضهما شيء من ذلك حتي استحكما قليلاً و انتضجا ثم عرضهما الجمود تكون منهما الزيبق و ان عرضهما اليبس تكون منهما الكبريت و ان لم‌يعرضهما شيء ‌حتي استحكما و انتضجا كما ينبغي و امتزجا و اتحدا تكون منهما الجسد علي ما مر فالبخار يربيه من الكواكب القمر و الدخان يربيه المريخ و الحجر النوراني يربيه المشتري و الزيبق يربيه عطارد و الكبريت يربيه الزهرة و الجسد يربيه زحل و انواع المكونات في المعدن خمسة فاذا كان المربي لنوع المعدن عطارد تكون فيه الزيبق او الزهرة تكون فيه الكبريت او المريخ تكون فيه الملح او المشتري تكون فيه الحجر او زحل تكون فيه الجسد و لما كانت هذه الكواكب تسير في البروج و تختلف الطوالع

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 27 صفحه 105 *»

بها اختلف انواع هذه الجواهر بحسب اختلاف الطوالع و برج الكوكب فصار كل صنف منها سبعة اصناف و مجموع اصول اصناف المعادن خمسة و ثلثون صنفاً و كل صنف منها علي سبعة انحاء لاختلاف صواحب البروج الطالعة و يختلف الوانها و طعومها و خواصها بحسب اختلاف الكواكب و البروج و لسنا بصدد شرح الانواع و الاصناف لوضوحها عند اهلها و عند من تدبر فيها و من المعلوم ان زحل يقتضي الكدرة و السواد و اليبس و المشتري يقتضي البياض و الشفافية و المريخ يقتضي الحمرة و الحدة و الشمس تقتضي الصفرة و الحرارة و الزهرة تقتضي الدهنية و الصفرة و اللين و عطارد يقتضي اختلاف الالوان و الطيران و القمر يقتضي البياض و البرودة و من تلك المعادن الاصل البارد الذي نحن بصدد شرحه و هو الروح الباردة.

اعلم ان الفلاسفة اجروا تدبيراتهم علي حذو تدبيرات الله سبحانه فانها هي الحكمة الحقيقية و ماسويها خلاف الحكمة بتاً و كل ما هو خلاف الحكمة لايكون منها شيء‌ فلماتدبروا في المعادن التي هي اشبه شيء‌ في العالم لمولودهم المطلوب فانه من سنخ المعادن ذائب منطرق وجدوها تتكون من البخار و الدخان فقالوا لابد و ان‌نكون مولودنا من البخار و الدخان و سموا البخار بالزيبق و الدخان بالكبريت فقالوا كما يتولد المعدن من زيبق و كبريت کذلک انما يتولد مولودنا من اب و هو الزيبق و من ام و هي الكبريت ولكن لابد من التدبير فيهما حتي يطهرا من الاعراض الموجبة لتنافر احدهما من الآخر الذي هو الشقاق فاذا زال عرضهما ينبغي التزويج بينهما علي كتاب الله و سنة نبيه حتي يتولد منهما الولد الصالح المبارك لرشد لا لغي فتوهم الجاهل ان المعدن يتولد حقيقة من زيبق العامة و كبريتهم فجذبته الغرة بتركيب الزيبق و الكبريت حتي يتولد منهما الولد الصالح و ما فطن ان المعدن الالهي ليس يتولد من الزيبق و الكبريت بعد انعقادهما و اذا انعقدا صارا معدنين مستقلين و ما عرف مراد القوم و حاشا الحكماء الآخذين عن الانبياء عليهم السلام ان‌يريدوا ذلك و انما ارادوا الزيبق و الكبريت قبل الجمود و اليبس و بعد الاستحكام و الانتضاج فان انت يا هذا قدرت علي زيبق غير منجمد

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 27 صفحه 106 *»

وكبريت غير منعقد عساك تقدر علي تركيبهما حتي تولد لك مولوداً صالحاً و الا فدونك دونك قال الشاعر:

يا باري السهم بريا لست تحسنه   لاتفسدنه و اعط السهم باريه

و تدبروا ايضاً انه كما يتولد منهما الولد بعد الامتزاج التام بالتعفين الكامل المورث للانحلال و الانعقاد و الامتزاج و الاتحاد لابد و ان‌نزوج هذين الاصلين تزويجاً تاماً بالانحلال و الانعقاد و الامتزاج و الاتحاد حتي يتولد ايضاً في معدننا ولد صالح علي وفق ولد المعدن الالهي فتوهم الجاهل انهم ارادوا من الحل و العقد و التعفين و المزاج هذه التدبيرات العامية الغير المطابقة للتدبيرات الالهية فقام يسارع مغتراً الي هذه التدبيرات الفاسدة مع ان القوم ينادون علي انفسهم ان مرادنا امور مخصوصة بنا لايعلم رطننا الا ولد بطننا و لم‌يتفكر انه لو كانت هذه التدابير موافقة للواقع اين هذه التدابير في التدابير الالهية و اين هذه النيرانات المهولة في المعادن الخلقية و اين هذه الآلات و الادوات الكثيرة الغير اللازمة في بقاع الارض و تجاويفها فقام يعاني ما فيه خطر النفس و تلف الاموال خابطاً في العشواء فانفد عمره في التكليسات و التصعيدات و الطبخ و الحل و العقد و التعفين و التشوية فاخرج ارواحاً قشفة و اجساداً مرمدة ميتة فركب بعضها مع بعض و اظهر اصباغاً زايلة تغر الجاهل بيوم او يومين و ليست الا كصبغ الثياب او دونها و هيهات هيهات ان الله سبحانه يقول لاتؤتوا السفهاء اموالكم التي جعل الله لكم قياماً فكيف يعطي نفسه خزائن ملكه بيد السفهاء فمن اعطاه الله مفاتيح خزائن العلم يعطيه مفاتيح خزائن المال و من بصره الله في كيفية خلقة الخلق يبصره في كيفية العمل و توليده المولود علي حذو خلق الله سبحانه و نحن بحمد الله و شكره اردنا ان‌نذكر في هذا الكتاب تدابير توافق خلق الله سبحانه حتي تنتج نحو خلقه ولكن نسلك مسالك الاسلاف و نذكر منها نحو ما ذكروا لئلايهجم عليها الجاهل و لايحرم منها العاقل فاذا عرفت ذلك فاعلم انك اذا قدرت علي تحصيل زيبق غير منجمد صالح لان‌ينجمد زيبقاً رجراجاً و كبريت غير منعقد صالح لان‌ينعقد كبريتاً امكنك

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 27 صفحه 107 *»

تركيبهما حتي يتولد منه الجسد بتعفين علي نحو تعفين الله و حل نحو حله و عقد نحو عقده و مزاج نحو مزاجه و الا فلا ولكن يجب ان‌تعلم ان الزيبق العبيط و الكبريت العبيط ليس يمكن امتزاجهما امتزاج الاتحاد ابدا فاصحاب الملاغم بالعبايط في خطاء عظيم فانا اذا قلنا ان المعدن مركب من الزيبق و الكبريت ليس نريد منه العبايط و كذا البخار و الدخان ليس يمكن تكون الجسد منهما الا بعد تدبير فان جوهرهما رخوان و ليس يمكن تكون الجسد الصلب من جوهرين رخوين فاذا سمع الجاهل منا ان المعدن يتكون من البخار و الدخان يحسب انه يحصل من جوهريهما علي ما هما عليه فلابد من التدبير بان‌يجعل البخار غليظاً غلظ الماء و يجعل الدخان غليظاً غلظ الدهن فيؤلف بينهما و هو الماء الالهي الذي ليس يقوم مقامه شيء و هو الماء ذو الوجهين و الماء الخالد و الماء الورقي و الشمس و لصاق الذهب و لعاب الافاعي و الكبريت الذي لايحترق و الماء الذي من طبيعتين و خلاصة الزيبق و الكبريت و لبن الطيور و ماء الحيوة و الدم و امثال ذلك من الاسماء فالماء هو الزيبق الخاص و الدهن هو الكبريت الخاص و هما اذا تركبا و انعقدا في الجسد الجديد و الارض المقدسة و الارض السائلة تولد منها مولودنا الكريم و الشيخ الفخيم و هي ما اشار اليها الولي العظيم ماء جامد و هواء راكد و ارض سائلة و نار حائلة و النار الحائلة محمولة الهواء الراكد فتولد مولودنا من اربع طبايع فان شئت فقل انه مربع الكيفية و من اربع و ان شئت فقل انه مثلث الكيان و من ثلثة و ان شئت فقل انه مسبع الجوهر و من سبعة و ان شئت فقل انه من اثني‌عشر جوهراً نظراً الي ان كيانه ثلثة و كل كون منه مركب من طبايع اربع و ان شئت فقل من جوهرين نظراً الي انه من بخار و دخان و ان شئت فقل انه من واحد نظراً الي ان الدخان من البخار و لعلك عرفت مما تقدم انه لابد و ان‌تكون الارض ايضاً سائلة فان اليوابس متجاورة لامتحدة و كذا اليابس و الرطب فمعني قول مولاي عليه السلام ماء جامد يعني به بخاراً جامداً علي المائية و هو الماء ثم جامداً علي اليبس الغير النافر به عن النار و اما الهواء الراكد فهو الدخان المنعقد علي الدهنية و اما النار الحائلة هي النار المتغيرة عن كيانها المنعقدة علي

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 27 صفحه 108 *»

نحو المائية و الارض السائلة هي الارض المتروحة السماوية السائلة فاذا خلص لك هذه الاركان علي المشاكلة و المماثلة في الرقة و الغلظة و اللطافة و الكثافة امكن ممازجتها علي نحو الاتحاد فاحفظ عني هذه الاصول و كن بها ضنيناً فانك لاتجد هذه المطالب بهذه التهذيب في كتاب و لاتسمعها من خطاب.

المطلب الثاني

و فيه فصول

فصل: اعلم ان الروح الباردة هي الاصل البارد و قد يطلق عليه الروح كما يطلق علي الاصل الحار النفس نظراً الي ان الروح هي الماء الاول و اول كائن في معدن الايجاد في جميع العوالم كما قد حققنا ان اول ما خلق الله سبحانه في العالم الكبير الماء و منه حيوة كل شيء كماقال سبحانه و من الماء كل شيء حي و قال و كان عرشه علي الماء و روي ان اول ما خلق الله روحي و هي العقل كما روي اول ما خلق الله العقل و هو الروح من امر الله و الروح القدس و كذلك اول ما خلق الله من العالم الصغير الماء و هو النطفة و هو نطفة الرجل و هي البخار و نطفة المراة هي الدخان و هي من نطفة الرجل لان المرأة خلقت من نفس الرجل كما قال خلقكم من نفس واحدة و جعل منها زوجها فان شئت فقل ان الخلق من نفس واحدة و ان شئت فقل انه من نفسين و التربة التي يموثها الملك بين النطفتين هي الارض المقدسة و الجسد الجديد و اكليل الغلبة و كذلك اول ما خلق الله في العالم الوسيط الماء و منه حيوة كل مولود و هو الروح من امر الله و مادة السريان و روح القدس و منه خلق الدهن و هو نفسه و زوجته و هما والدا مولودنا الكريم و ان شئت فقل ان المولود من نفس واحدة و هي الماء و ان شئت فقل من نفسين و هما الماء و الدهن و الجسد الجديد هو التراب الذي يموث الملك بينهما فكما ان التراب الهبائي في المعدن ينحل في البخار كذلك تراب المولود ينحل في الماء و بغيره ليس يصح و لابد من حل الاصل البارد و تدبيره علي نهج الحكمة.

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 27 صفحه 109 *»

فصل: اختلف الفلاسفة في الروح علي قولين فعن ارسطوطاليس الاول و سقراط و طبقتهما انها اذا استعملت لابد و ان‌تكون حية طاهرة و عن فيثاغورس و طبقته انها لاتستعمل دون ان‌تكون ميتة و كلا القولين عندی صحيح لا اختلاف فيهما فان من قال انه لابد و ان‌تكون حية يريد ان يكون فيها بلة المزاج قابلة للحيوة فان الميت ليس يحيي شيئاً و ما لم‌يكن المولود حياً ليس يقبل الذوب و الغوص و النفوذ فانه يكون مع عدم الحيوة كالرماد الغير القابل للذوب و من قال انه لابد و ان‌تكون ميتة اراد ان‌تكون متغيرة الحال عن عباطتها فانها اذا كانت حية في عباطتها فاذا تغيرت عن حالها صارت ميتة لان الموت ضد الحيوة ولكن الكلام الحق و القول الفصل في ذلك المقام انه لابد و ان‌ترجع الروح الي الحالة البخارية الاولية علي حذو خلق الله سبحانه كما عرفت في خلق الله سبحانه ثم تعقدها علي المائية حتي تكون ماءاً جامداً و في جموده اشارة اخري ان‌يكون جامداً غير نافر من النار فان الروح بنفسها تطير من النار و لاتعمل فيها النار لانها باردة رطبة تخالف طبع النار الحارة اليابسة فلاتقوم عليها و لاتتعلق بها النار لعدم المشاكلة و عدم نارية غالبة فيها بخلاف النفس فانها حاملة للنار و تتعلق بها النار بالمشاكلة فتشتعل في الدهن فجمود الماء بتجفيف رطوبته حتي يصير علي طبع الارض الغير النافرة من النار و هذا معني قول فيثاغورس انه لابد و ان‌تكون الروح ميتة فان طبع الموت بارد يابس فاذا ماتت الروح قامت علي النار و لم‌تفر و ما لم‌تقم الروح علي النار ليس يحصل منه عمل البتة فلابد و ان‌يرجع الي البخارية ثم الي المائية ثم الي الجمود الغير النافر من النار.

فصل: اعلم ان الروح اذا انحلت بالانحلال العامي وحدها ازدادت نفوراً فان نفور الروح من جهة برودتها و رطوبتها فاذا انحلت ازدادت رطوبة فاذا ازدادت رطوبة ازدادت نفوراً البتة فان قدرت علي حلها مع ماسك لها ثم تدبيرها حتي لاتنفر عن النار هو العمل الحق الذي لامرية فيه و لاتغتر بزخارف الكتب فتدبرها بالعقاب المحلول العبيط فان العقاب يزيد في نفورها لانه بنفسه نافر و

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 27 صفحه 110 *»

النافر لايقيم النافر و كذا لاتدبرها بالادهان العبيطة فان الادهان تزيد في نفورها لنفورها و اشتعالها و انما ذكر القوم ذلك في كتبهم تكنية عن عقاقيرهم و تدهيشاً للجاهلين و دفعاً لهم عن الحق فلابد ان‌تدبرها بالاشياء المجففة لرطوبتها تجفيفا لايبلغ بها حد الموت بل يبلغها حد الاجساد الحية القائمة علي النار الا تري ان الاجساد حية ذائبة قائمة علي النار فمنتهي تجفيفك لها ابلاغك اياها الي حد الاجساد المنطرقة و لهذا التدبير مقامان فاما ان‌تقيمها قبل تركيبها فتكون رأساً من الرؤس و يحصل منها اعمال اخر و اما ان‌تدبرها بعد التركيب بالتدبير الصالح لها و للنفس معاً و كلاهما جايزان ممكنان.

و اعلم انا احتجنا الي حل الارواح لشيئين احدهما ان‌نحل به الاجساد و ساير الانفس مفردة او مركبة فانها اذا انحلت كانت مياه حادة تحل كل شيء يجاورها و تفرق اجزائه تفريقاً بليغاً و ثانيهما ان لاتدخل جامدة فيكون عنها ما كان عنها اولاً و في الحل شيء‌ آخر و هو اظهار باطن المحلول و ابداء لطيفته الغيبية التي كانت كامنة تحت الحجب الكثيفة الظاهرة فاذا انحل الشيء رقت حجب ظواهره و ابدي اللطائف الكامنة فيه ففعلت تلك اللطائف آثارها و اجرت افعالها و لما كان باطن الاصل البارد حاراً يابساً ظهرت تلك الحرارة و اليبوسة بعد لطافة الظاهر فلاجل ذلك صارت ماء حاداً حلالاً يحل كل شيء و كذلك اذا انحلت بالزيابق المجانسة اكتسبت رطوبة لم‌تكن لها فتسري بها اجزاؤها فيما تلقي عليه فيكون عنها الحل ولكن اياك ان‌تحلها قبل التغامها فانها تزداد نفوراً فقص جناحها اولاً قليلاً بذلك ثم حلها فانهما يأتيان كما تريد.

فصل: اعلم ان الروح بنفسها نافرة و بعد الحل تزداد نفوراً الا ان‌تلتغم اولاً فيمسكها ما التغم بها قليلاً و يمنعها عن الصعود ولكنها مع ذلك نافرة و لابد من تنفيرها و تقريرها فذلك لايخلو اما ان‌يحصل بمجانس او مماثل او مخالف اما المجانس فلاشك ان الروح من جنس الاجساد الا ان البخار فيها اغلب و الاجساد مركبة من بخار و دخان علي ميزان في الكم و اكسيرية فيهما فان البخار من غير

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 27 صفحه 111 *»

اكسير طيار نافر من النار و الدخان من غير اكسير مشتعل محترق و نحن نري الاجساد ثابتة علي نار السبوك فعرفنا انهما منعقدان فيه علي الاكسيرية الا انها ناقصة او تامة او متجاوزة لكن علي نهج الفساد العارض فاذا نحن دبرنا الاجساد حتي ارتفعت منها ادخنة اكسيرية عقدت الروح البتة و قررتها اذ كانت كباريتها متقوية بكباريت خارجية صالحة فان ادخنتها ترتفع من كباريتها الصالحة و الكباريت لها جهتان روحانية و جسدانية و تتعلق من جهة الروحانية بالارواح و من جهة الجسدانية بالاجساد فاذا كانت صالحة ثابتة عقدت الروح بالجسد كالكلاب البتة فاذا ارتفعت عن الاجساد ادخنة كباريتها المنعقدة علي الاكسيرية الالهية التي هي كالخميرة للكباريت الخارجية عقدت الروح البتة و قررتها و ان كانت في ذلك ضعيفة لضعف كمالها المؤثر في غيرها الا بالتدبير و هذا هو سر الملاغم البرانية و لكل جسد مقدار قوة في الالغام لايحصل منه بعباطته ازيد من ذلك الا ان‌تقوي نفوسها بمشاكل فان الاشياء تتقوي بمماثلاتها و الطبيعة تتقوي بالمماثل و تضعف بالمخالف و من البين ان الاجساد منعقدة علي الجسدانية المانعة عن الغوص و الانبساط فلاتغوص في الروح علي ما ينبغي الا ان‌تكون مكلسة بتكليس الحكماء فان تكليس العامة ينهك اجسامها و يبطل ارواحها بخلاف تكليسنا فانه يبقي فيها البلة الغروية و ارواحها الفعالة و يشمعها و يجريها و يصير سبب ذوبها و غوصها و نفوذها فاذا صارت الاجساد مكلسة مشمعة ذائبة غايصة متقوية نفوسها بالادهان الصابغة القوية فاذا التغمت مع الارواح ارتفعت منها لطائف كباريتها بحرارة نار التشوية فعقدت الروح علي مزاج الجسد المرتفع عنه ذلك الدخان و لما سمع الجهال هذا القول من الحكماء دبروا لبن العذرا المبيض و المحمر و مياه الاجساد و سقوا بها الارواح و شووها حتي انعقدت انعقاداً فاسداً و زعموا انهم اصابوا غفلة منهم ان المركب لاينبغي ان‌يبقي فيه غريب البتة و الكلس و النوشادر غريبان بل نفس تلك الاجساد غريبة و الغريب يمنع من التركيب الحقيقي البتة فافهم و اما المماثل فذلك مما يزيد نفورها و طيرانها و لايجوز استعمالها في اثباتها و تقريرها بداهة و اما المخالف فذلك ايضاً جايز فان من الحكمة ان‌يحفظ صحة الشيء

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 27 صفحه 112 *»

بمثله و يدفع مرضه بضده فنحن اذا تدبرنا في الروح عرفنا ان سبب نفورها غلبة رطوبتها المنافية لطبع النار و لطافة جسمانيتها فتفر من النار علي نحو التبخير حتي لايبقي منها شيء فاذا اذا عالجناها بتقليل الرطوبة و تكثيف جسمانيته ثبتت علي النار فانا نري ان الاجسام الغليظة الكثيفة و ما لارطوبة فيه غالبة ليس يفر من النار فلابد لنا و ان‌ندخل فيها مخالفاً فعالاً شيئاً بعد شيء حتي يغلظ رطوباتها و مرادي بتقليل رطوباتها تغليظها لا اخراجها عنها الا تري ان اميرالمؤمنين عليه السلام اشار الي هذا المعني بقوله ماء جامد فالماء اذا جمد قلت رطوباته لا علي نحو الاخراج بل علي نحو التغليظ و ذلك لان حيوتها بتلك الرطوبات و احياؤها بغلبة رطوبتها فان نقصت قل كمالها و ضعفت قوتها و انتقصت لطيفتها و ذلك خلاف ما يراد من تدبيرها و لعلك قد عرفت من ذلك ان النار اليابسة مفسدة لها و منقصة لرطوباتها بل منفية (مفنية) لها فمعالجتها بتكرار التصعيد خطاء محض اذ لايبقي منها الا جسد يابس قشف ميت لاحراك له و من البين ان ذلك المخالف الذي يكون منه التغليظ و التجميد هو الاجسام التي طبايعها علي ضد طبع الروح و الروح باردة رطبة و ضدها حار يابس فندبر لها الاجسام الحارة اليابسة و انت تعلم ان الاجسام المعدنية انسب الي المعادن من غيرها و اسرع امتزاجاً و اشد مناسبة و مشابهة بها فالاجسام المعدنية الحارة اليابسة اولي بتدبيرها و الاجسام الحارة اليابسة الاملاح و البوارق و الشبوب و الزاجات و الكباريت و الزرانيخ ولكن ينبغي ان‌تدبر بتدبيرها الخاص من الحل و العقد و التكليس الي ان تنهدم و تنسبك ولكن لابد من معرفة ادخال ما سوي الانفس و اخراجها بحيث لاتبقي منها بقية اذ لو انعقد منها شيء مع الاركان كان مانعاً للمزاج فانها غرايب و الشأن في معرفة ذلك و لعلك قد عرفت و حصل لك ميزان من ذلك ان كل قاعدة في الكتب حاصلها عقد الغرايب مع ركن من الاركان هو الي الخطاء اقرب منها الي الصواب و ليس منها عمل ذوطائل البتة.

و قيل من باب النفوس العقد بالادهان الغير المحترقة فان الادهان كباريت ما اخذت منه فاذا طهرت صارت بمنزلة النفس الطاهرة و تعمل عملها البتة و

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 27 صفحه 113 *»

تطهر الكباريت والزرانيخ و تعقد الابق و ان كانت قليل الطائل فانها كباريت ضعيفة ولكني اقول انها ادهان و الارواح ايضاً ادهان و الدهن يتقوي بالدهن البتة فهي للارواح في حكم المماثلات الممنوعة عنها كما عرفت و اما الاملاح فان كانت كما ذكرنا الا انك قد عرفت ان الروح في حكم الجسد و الاملاح ما لم‌تنسبك انسباك الاجساد لم‌تؤثر فيها فلابد من احالتها الي الجسدانية و هو عمل بعيد فان الحكيم لايسلك الطريق الابعد مع وجود الاقرب و انما مثل ذلك كمن يحتاج الي استعمال السقمونيا فيترك ذلك و يعمل الي الافتيمون فيحيله الي طبع السقمونيا ثم يستعمله و هكذا نحن نحتاج الي جسد يمكن ممازجته للروح والاجساد موجودة فاذا تركناها و عمدنا الي الاجسام و احلناها الي الجسدانية فقد سلكنا الطريق الابعد البتة و لذلك قلنا انه ينبغي ان‌تدبر تدبيرها الخاص من الحل و العقد و التكليس الي ان‌تنهدم و تنسبك فتدخل في باب الاجساد المنسبكة و لعلك قد عرفت من ذلك ان تنقيرها بالاجساد احسن و اولي من الاملاح و الادهان و اما الكباريت و الزرانيخ فهما اولي من الكل في تقرير الارواح و هي الاصل فان لها جهتين جهة روحانية تتصل بها مع الارواح و جهة جسدانية تتصل بها مع الاجساد فهي كالكلاب المتعلق بهما من الجانبين فيربطهما و يمنع تفرقهما بل هما جسدان حقيقة اي فيهما اجزاء صالحة قابلة للجسدانية بل هما ما لم‌يتجسدا لم‌يجز استعمالهما و هذا هو معني كلام القوم التنقير و الترصيص و لعلك قد عرفت ايضاً مما قدمنا ان الكباريت و الزرانيخ ما لم‌تطهر و تثبت و تنقر و تدخل في باب الاجساد حتي تنسبك معها لايكون فيها عمل حق البتة كما سيأتي تفصيلها و مر في الكليات و يعرف من ذلك ايضاً ان العقاب اذا ثبت و استقر و قص جناحه ثم تشمع و انسبك حتي دخل في باب الاجساد الذائبة الثابتة ناب عن الكباريت و الزرانيخ فان له ايضاً جهتين جهة روحانية و جهة جسدانية فيحصل منه ايضاً اعمال صحيحة ولكن لابد من معرفة ادخاله و اخراجه فانه مؤلف داخل خارج لسر النفسية فيه و يعرف من ذلك ايضاً ان الشك ايضاً ينوب عن النفس لسر الجهتين الموجودتين فيه كالزرانيخ فهو ينوب عن الزرانيخ و الكباريت اذا طهر و تكلس حتي انسبك و

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 27 صفحه 114 *»

دخل في الباب الاجساد و السلام.

الباب الثالث

في احوال النفسين الشريفين و فيهما علوم جمة و اسرار كثيرة قل من عرفها و نزر من اطلع عليها و  نحن نذكر بعون الله سبحانه ما اطلعنا الله عليه بقدر ما يمكن تسطيره في الكتب.

اعلم انا قد بينا في كيفية تكون المعادن ان الاصل فيها البخار و الدخان و هما المادة والصورة و الوجود و الماهية لجميع المكونات من روح و نفس و جسد فاذا تنزل البخار و تغلظ صار ماء و اذا تغلظ الدخان و تنزل صار دهناً و هما مادة الروح و صورتها ثم اذا تغلظ الماء و تنزل صار زيبقاً رجراجاً و اذا تنزل الدهن و تغلظ صار كبريتاً و هما مادة الجسد و صورته و ما لم‌ينزل البخار و الدخان لم‌يتكون منهما الماء و الدهن و ما لم‌ينزلا لم‌يتكون منهما الجسد فالبخار بمنزلة الوجود الاول الذي خلق من نفسه دخان الماهية فاذا تنزلا و تغلظا و تركبا صار المركب الغالب عليه البخار النازل الذي هو الماء العقل الذي هو الروح الطايرة و الاصل البارد و المركب الغالب عليه الدخان النازل الذي هو الدهن النفس التي هي بمنزلة الكبريت ثم اذا تنزلا و تغلظا و تركبا صار المركب الجسد و ان كان يختلف الاجساد بحسب غلبة احدهما علي الآخر و من هنا يظهر للحكيم ان مادة الارواح و صورتها غير مادة الاجساد و صورتها البتة بل نقول ان مادة الروح غير مادة النفس فانا قد ذكرنا ان مادتهما الماء و صورتهما الدهن و من البين انه اذا غلب الماء و ضعف الدهن كان الماء الطف مما اذا ضعف الماء و غلب الدهن فان الماء اذا غلب يكون اشد سيلاناً و لطافة و اذا غلب الدهن اكسبه لزوجة و غلظة زائدة فالماء الذي في الروح الطف و ارق من الماء الذي في النفس البتة و كذلك يختلف مواد الاجساد ايضاً فان الزيبق اذا كان غالباً علي الكبريت في الجسد كان الجسد الحاصل من الاجساد الفلكية الغالبة عليها الروحانية كالقصدير و الرصاص الاسود الم‌تسمع القوم انهم يقولون انها غير ثابتة و لابد من تثبتها و اذا كان الكبريت غالباً علي الجسد صارت زيبقيتها اغلظ و اكثف و

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 27 صفحه 115 *»

اولي بالاحتراق من الجسد الغالب عليه الزيبق و الجسد الغالب عليه الزيبق اولی بالنفور من الجسد الغالب عليه الكبريت فبذلك يعرف ان مواد العقول و الانفس و الاجساد مختلفة و كذلك صورها و سبب غلظ المواد و الصور مخالطة الاجزاء الترابية الهبائية المؤلفة بين المادة و الصورة فان التراب ببرده يناسب المادة و بيبسه يناسب الصورة فيكون كالكلاب بينهما يربط المادة بالصورة و منزلة ذلك التراب الواسطة البرزخية بين الروح و النفس و هو العقاب المسمي بالاكليل فانه بروحانيته و طيرانه يناسب الروح و بدهانته يناسب النفس فيربط بينهما ربطاً خالداً و من ذلك علم انه لابد منه في التركيبات الخالدة و كذلك ساير الاملاح و الشبوب فان لها بخارية و دخانية ترتبط من حيث البخارية بالروح  و من حيث الدخانية بالنفس فتبلغ كل واحد في قعر الآخر و يمزج بينها و بالروح و النفس و الرابطة يكمل المولود كما ان في المعدن يكمل المولود بالروح و النفس و الرابطة و انما احتجنا في العمل الي الاجساد من باب الخميرة و سرعة تجسيده كما احتجنا في العجين الي الخميرة لسرعة تخميره و ان كان العجين بنفسه يختمر ايضاً ولكن في زمان بعيد و لذلك سمي القوم الجسد بالخميرة و منزلة الواسطة في الملك اهبية الرحمة الرابطة بين بخارها و دخانها و ذلك انه لما اشرق شمس اسم القابض علي ارض الرحمة لطف رطوباتها علي سبيل التبخير فصارت بخاراً فحصل منه الوجود ثم ادامت عليه حتي جففته قليلاً فجعلته دخاناً و حصل منه الماهية ثم خلط بينهما و مزج بواسطة تراب الرحمة و هو الاجزاء الهبائية فنفذ كل واحد به في الآخر حتي غاص الوجود في جميع اجزاء الماهية و غاص الماهية في جميع اجزاء الوجود و صار كل واحد حاداً للآخر فحصل منهما العقل الذي هو الماء الاول و النفس التي هي الدهن الاول المشار اليه بقوله تعالي يكاد زيتها يضيء و لو لم‌تمسسه نار و الزيت هو الدهن الاول ثم ركب الماء و الدهن و خلق منهما الجسد بواسطة اجزاء هبائية اغلظ و اكثف من الهباء الاول فالهباء الاول هباء دهري و الهباء الثاني هباء زماني و من المعلوم ان الجسد مركب من زيبق ثابت و كبريت ثابت بخلاف الزيبق و الكبريت الدهريين فانهما عبيطان نافران طايران

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 27 صفحه 116 *»

فليس مادة الجسد و صورته من نفس العقل و النفس و الا لكان الجسد ايضاً دهرياً نافراً فافهم هذه البراهين الالهية النبوية العلوية فانك لاتجدها في كتاب و لاتسمعها من خطاب الا ان‌تسمع من احد بعد ما اخذ منا و فهم من كلامنا فان الله سبحانه و له الحمد قد خصنا بظاهر هذا العلم و باطنه ما لم‌يخص به احداً من العالمين اللهم اجعلنا لك من الشاكرين و لآلائك من الذاكرين و نحن نقدر بحول الله و قوته ان‌نذكر الاسرار مرتبة الا ان الله يحب تفريقها لئلاتقع في ايدي الجهال و لايحرم منها الابدال و في هذا الباب ايضا فصول.

فصل: اعلم انه قد يسمي النفس بالروح نظراً الي ان الروح هي ماوراء الجسد في بعض الاطلاقات فسميت النفس مرة بالروح للطافتها و طيرانها و فلكيتها كالارواح و مرة بالجسم لان الجسم برزخ بين الروح و الجسد و فيه لطافة روحانية و كثافة جسدانية و لانا نريد بالجسم ذا الصورة المجردة عن مواد الاجساد و مددها فهي من حيث تجردها تشاكل الارواح و من حيث صوريتها و حدودها تشاكل الاجساد و لاجل ذلك يكون مقام الكباريت و الزرانيخ مقام النفوس البرزخية بين الارواح و الاجساد ففيها قوي نافرة كالارواح و فيها اجزاء ثقيلة دهنية تحترق و تموغ في النار و تمكث شيئاً فليس علي نحو فرار الارواح و لا خلود الاجساد فلاجل ذلك صارت الزرانيخ و الكباريت برازخ بين الارواح و الاجساد و اذا اصلحت بالتطهير و التقرير و التحليل و التخليص صارت رابطة بين الارواح و الاجساد لانها بمنزلة الكلاب يتعلق من جهة الاعلي بالارواح بسر المشاكلة و من جهة الاسفل بالاجساد بسر المشاكلة فمنعت الارواح عن الطيران و اثبتتها في الاجساد و خلدتها ولكن في اصلاحها عسر عظيم و تدبيرها اصعب من تدبير الارواح و الاجساد بمرات و قد حارت فيه الاحلام و عجزت عنه الاعلام و اختلفت فيه البيانات و الاعمال و تشتتت فيه الاقوال من الرجال و تفرقوا تحت كل كوكب و لم‌يعلم اكثرهم مدخله فيه و مخرجه منه و نحن نذكر بحول الله و قوته في هذا المقام ما ينتفع به الاعلام.

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 27 صفحه 117 *»

فصل: اعلم انا قد اسلفنا هنا و قررنا في مباحثاتنا ان جميع المعادن متولدة من البخار و الدخان الا ان لهما درجات في اللطافة و الكثافة و الرقة و الغلظة و يتولد منهما في كل مرتبة من المراتب معدن مشاكل لهما فيها بحسب رخاوة التركيب و شدته فيتولد منهما في مبدء تكونهما الاملاح و الاحجار الشفافة الرخوة و في رتبتهما الثانية الزيبق و الكبريت و في رتبتهما الثالثة الاجساد المنطرقة و في رتبتهما الرابعة الاجساد المنسحقة فالزيبق و الكبريت هما جسدان رخوان و فيهما ما في الاجساد من اصول الكينونة و لذلك يمكن تجسيدهما و تقريرهما و تنقيرهما حتي يصيرا جسدين ذائبين منطرقين او منسحقين لما فيهما من اصول التجسد و لابد للمدبر ان‌يدبرهما حتی يصيرا جسدين ليمكن مداخلتهما الاجساد بالمشاكلة و الا امتنع مداخلتهما فيها و يبقيا طافيان علي الاجساد لخفتهما كالدهن علي الماء ان قررا و الا يطيران عنهما فلايكفي فيهما محض التقرير و اخراجهما الی هذا الحد مما يعسر علي المدبرين جداً و قل من يفهم غاية التدبير و سر الامر من التنقير و يقنع اكثرهم بمحض التقرير و لا طائل في ذلك البتة لانا قد قررنا ان الاشياء تماثل اشكالها و تخالف اضدادها و ان الممازجة و الاتحاد لاتحصل الا بين المايعين الذائبين الرقيقين المتساويين في الرقة و القوام فمتي يمكن ممازجة الارواح و النفوس اللطيفة الخفيفة الاجساد الثقيلة و كل ثقيل حيزه ادون من حيز الخفيف البتة فلابد من انزال الروح و النفس الخفيفتين الي حيز الاجساد الثقيلة المنسبكة حتي تنسبكا معها او تصعيد الاجساد الكثيفة الي حيز الارواح فتمازجها فلاتعدل عما اقول لك و خذ عني اخذ مستنصح طالب للحق المبين عن الناصح الرايد الامين و الرايد لايغش قومه ان شاء‌الله تعالي.

فصل: اعلم ان في النفوس اعراضاً غريبة مانعة عن مزاجها بالاركان اللطيفة و ذلك لان الغرايب تتخلل بين الاجزاء الاصلية و تمنع عن ممازجتها و تعانقها و اتحادها فتبقي متخلخلة يسرع اليها الدثور و الفناء و الاضمحلال و الفساد بكل صادم فلابد من تطهيرها اولاً و ازالة جميع ما فيها من الرماد و الغرائب المانعة من

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 27 صفحه 118 *»

المزاج التام و تخليصها حتي تصير نفساً خالصة النفسانية عائدة الي الفطرة الاولية صالحة للممازجة و الا تجاورت الاجزاء و صارت في حد روح مفردة و نفس مفردة و جسد مفرد و هذه الاركان بانفرادها لايكاد يصدر عنها الاثر البتة فلابد فيها من الممازجة التامة المورثة للاتحاد الشخصي حتي اذا فعل واحد منها شيئاً شاركه الكل في فعله فحينئذ يفعل كل واحد ما يفعل الكل و اني يحصل ذلك ما لم‌يصر النار حائلة و الارض سائلة و الهواء راكداً و الماء جامداً بل اقول انه لابد و ان‌تصير اركان العمل كلها سماوية لطيفة علي حد لطافة السموات و نقائها و خلوصها عن الاعراض حتي تصير خالدة بعد التركيب و تصير علي حد القمر او الشمس و ذلك ان السموات هي دار خلود و بقاء بالنسبة فانها لاتكاد تفني و تتلاشي الي نفخة الصور و الارض دار تقلب و فناء و ما كانت الاركان ارضية كانت متقلبة فانية البتة محتاجة الي مكمل خارجي و ان الله سبحانه جعل السموات ايدي مشيته و اكمام ارادته و مصادر افعاله و مبادي تكميلاته فما لم‌تصر الاركان كالافلاك الفعالة اني تصير فعالة في الناقصين مكملة لها هب فرضت انك جعلت الاركان مياهاً رائقة و مزجتها مزج اتحاد و سبكتها يصير كاحد الاجساد الارضية فمن اين يجيء التأثير في الكثير حتي يقلب القنطار النقير اللهم الا ان‌تجعلها فلكية خالصة لطيفة حتي يظهر فيها انوار المبادي الغيبية الصالحة للظهور في المظاهر العديدة و تقليب المحال القابلة و ذلك ان المجردات الغيبية من حيث انفسها لايوجد فيها التقديرات الشهادية و لايتقدر فيها القلة و الكثرة لغلبة الاحدية فيها و انما ذلك في المحال الشهادية و نسبتها الي المحال الشهادية علي السواء و تظهر في المحال علي حسب استعدادها و قابليتها فان قلت القابلية تظهر في القليل و ان كثرت تظهر في الكثير مثال ذلك ان الشمس واحدة و نسبتها الي سطح الارض علي السواء فان وجدت مرآة واحدة يظهر منها شبح واحد و ان كانت اثنتين يظهر منها شبحان و ان كانت الفاً يظهر منها الف شبح و هي في نفسها واحدة كذلك المجردات الغيبية تظهر في الاشياء الشهادية علي حسب استعدادها الا تري ان الانسان حقيقة كلية واحدة فان استعدت في الشهادة قابلية شخص واحد ظهر فيه وحده و ان استعد

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 27 صفحه 119 *»

قابلية الف شخص ظهر في جميعها و صار كل واحد منها انساناً ثم المظهر للمجرد الغيبي كلما اشتد مشاكلته له اشتد انبساطه و كليته و ظهر منه الآثار الانبساطية علي حسب مشاكلته و صار اقوي في فعاله و كلما قلت قلت و ذلك ان المجرد يتجلي للمظهر فيشرق و يطالعه فيتلألأ فيلقي في هويته مثاله و يظهر منها افعاله و لما كانت في عالم الشهادة الافلاك قوية المشاكلة للنفوس المجردة تجلت لها فاشرقت و طالعها فتلألأت فالقت في هويتها مثالها و اظهرت منها افعالها كل ذلك علي حسب استعدادها فصارت في العرش اظهر منها في الكرسي و في الكرسي اظهر منها في الافلاك فبذلك صارت الافلاك ايديها في تحريك عالم الشهادة و تقليبها و تتميمها و تكميلها فاذا صارت اركان العمل سماوية روحانية صارت محلاً للنفوس المجردة الغيبية الفعالة في الاجساد الناقصة الارضية و صارت تظهر منها آثارها و افعالها علي حسب صفائها و قابليتها و بذلك يعرف سر التضعيف بالتلطيف بالحل و العقد فكلما صارت الطف و اخلص صارت اشد ممازجة و كلما اشتد امتزاجها صارت اوحد و كلما صارت اوحد صارت اشبه بالنفوس المجردة و كلما صارت اشبه بها ظهرت منها افعالها و آثارها اكثر و كما كانت نسبة المجردات الي الماديات جميعها علي السواء و انما تظهر آثارها فيها علي حسب استعدادها كذلك صار نسبة المركب الي الاجساد علي السواء و ظهر اثره في كل ما القي عليه و ان قصر عن مقدار و انحصر اثره في مقدار فانما ذلك اما لضعف المركب و نقصان وحدانيته و اما لنقص في القابل و ايهما عولج حصل المطلوب من زيادة التأثير حتي انه يمكن بحسب الحكمة و البرهان تركيب مركب يكمل ذرة منه جميع ما في الارض من الاجساد بل يكمل جسداً ناقصاً و لو كان بكبر الارض جميعها فانه كلما ازداد لطافة ازداد حكاية للنفوس المجردة الفعالة و ان كان لايتأتي باليد عادة الا تري انه يمكن ان‌يترقي انسان في الكمال حتي يصير فعالاً في جميع العالم الم‌تعلم ان هذه الحكمة اخت النبوة و الاتري ان من الانبياء من كان مبعوثاً علي اناس و منهم من كان مبعوثاً علي قوم و منهم من كان مبعوثاً علي جميع العالم الظاهر و منهم من كان مبعوثاً علي جميع ما سوي الله فافهم

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 27 صفحه 120 *»

العبارة بسر الاشارة فانك لاتجد هذه الدقايق في كتاب و لاتسمعها من خطاب و ان الله سبحانه و له الحمد عرفنا من باطن هذا العلم ما لا عين رات و لا اذن سمعت و لا خطر علي قلب احد الحمدلله علي آلائه و له الشكر علي نعمائه.

فصل: فاذ قد عرفت ما ذكرنا و تبينت ما بينا عرفت ان العمل الحق لايكون بمحض التطهير فانها لاتخرج بذلك عن مقام المفعولات و لابد من تفليكها و تعليتها حتي تبلغ مبلغ الفواعل كماقال اميرالمؤمنين عليه السلام حين سئل عن العالم العلوي صور عارية عن المواد خالية عن القوة و الاستعداد تجلي لها فاشرقت و طالعها فتلألأت فالقي في هويتها مثاله فاظهر عنها افعاله خلق الانسان ذا نفس ناطقة ان زكيها بالعلم و العمل فقد شابه اوائل جواهر عللها فاذا اعتدل مزاجها و صح منهاجها و فارقت الاضداد فقد شارك بها السبع الشداد و لعلك عرفت مما ذكرنا ان تأثير الاكسير من باب غلبة الروحانية لا اعتدال التركيب و كمال التقريب فان اعتدال التركيب في السفلي لايخرج المركب عن حد الذهب و هو تام غير كامل فليس بمكمل لان لطيفته ليس ازيد من نفسه فلابد من زيادة اللطيفة الفلكية في المركب حتي يصير فعالاً بفلكية ولكن هنا سر آخر و هو ان المراد بتفليكه جعله فلكاً سفلياً لا علوياً فلو لطفنا الاجزاء حتي ساوت الافلاك العلوية خرجت عن تحت تصرفنا و تدبيرنا ولكنا قد اسلفنا سابقاً ان للارض افلاكاً ارضية ثقيلة كما ان للافلاك اراضي فلكية لطيفة فاللازم اخراج الاركان عن الارضية الكثيفة الي الفلكية الارضية حتي يمكن لنا فيه التدبير و يمكن الالقاء و التصريف بسر المشاكلة كما ان هذه الافلاك العلوية ليست تؤثر في الارض بلطافتها العلوية و انما تؤثر في الافلاك الارضية بسر المشاكلة و البرزخية و تؤثر الافلاك الارضية في الاراضي الكثيفة بسر المشاكلة فاعرف الحكمة بنفاذ البصيرة و قد علم من ذلك ان الاركان بالنسبة الي الاجساد الارضية بمنزلة الافلاك الكثيفة الارضية و هي برزخية بين الافلاك العلوية و الاراضي السفلية و تظهر فيها النفوس الغيبية بواسطة الافلاك العلوية و تؤثر بها في الاجساد الارضية تأثير العلة

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 27 صفحه 121 *»

في المعلول و السبب في المسبب و ذلك سر سار في ظهور جميع الآثار الغيبية في الشهادة و من هذا الباب تأثير الانبياء فيما دونهم و معجزاتهم و كراماتهم فانهم اجسادهم الظاهرية اجساد فلكية سفلية و تظهر فيها الغيبية و بذلك خاطبوا قومهم بقولهم ان نحن الا بشر مثلكم و من جهة انطباع الاشباح الغيبية قالوا يوحي الينا انما الهكم اله واحد فافهم فعلم من ذلك ان تأثير الاكسير بسر الروحانية لا الجسمانية و تكميله النواقص بسر حكاية اوائل العلل و ليس ترزينه النواقص الخفاف بثقل جسدانيته الاتري انه ربما لايكون ازيد من قطمير و يرزن قنطاراً و ذلك من باب الروحانية كما ان الله سبحانه يرزن في المعدن البخار و الدخان اللطيفين بسر التقدير و اسباب التدبير و بذلك صارت الحكمة اخت النبوة لمشاكلة تأثير الاكسير معجزاتهم و حكاية الحكمة علومهم بحقايق الاشياء و كيفها و كمها و وصلها و فصلها.

فصل: قد علم مما قد حققنا و عرف مما بينا و اوضحنا انه لابد من تفليك الاركان و معلوم بداهة ان ذلك لايمكن الا بتطهيرها عن الاعراض و الغرايب و الارمدة الفاسدة التي خالطتها في المعادن و غيرها اما الروح الباردة فاذا خلصت من ادرانها و اوساخها فهي فلكية بنفسها و اما النفس الحارة فكذلك اذا خلصت من ارمدتها و اوساخها و ظلها صارت روحاً علي الحقيقة فلكية الا انها ادني رتبة من الروح الباردة لان الروح الباردة مقامها في الجبروت و النفس الحارة مقامها الملكوت و اما الجسد الملكي فهو ليس بفلكي بعباطته البتة و لابد من تطهيره و ترقيقه و تلغيمه بالارواح و تغليب الارواح عليه حتي يصير فلكياً كما سيأتي و انما الكلام في هذا الفصل سر تفليك النفس الحارة فاعلم ان الكباريت اقل ارضية و اكثر فلكية و ان الزرانيخ اكثر ارضية و اقل فلكية فلو اخذت عنهما ارضيتهما بالكلية خرجتا عن حد البرزخية الي حد الروحية الصرف و ذلك غير مقصود من التدبير فانه يحتاج حينئذ الي برزخي آخر فلابد من ابقائهما علي حالة البرزخية ليبقي لهما طبعهما و فعلهما و مقتضيهما حتي يتأتي

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 27 صفحه 122 *»

عنهما فعلهما و لعلك تبينت من كتابنا و حكمتنا ان الشيء اذا اخرج بالتدبير عن خاصته و ادخل في العموم لم‌يكن حينئذ فرق بينه و بين غيره و لم‌يبق له خصوصية فساوي فعله فعل غيره و هذا مخالف لفعل الحكيم و تدبيره الا تري انك اذا كلست اللؤلؤ مثلاً حتي هدمته و فرقت اجزائه و هبيته حتي انهكته و ابطلت قويه و نفرت ارواحه حتي بقيت رماديته و ارضيته الخالصة الميتة و فعلت بالمرجان مثل ذلك صار كل واحد منهما تراباً و تشاكلا في الترابية و لم‌يبق لللؤلؤ خصوصية دون المرجان الا تري جميع المولدات مركبة من العناصر فاذا فرقت اجزاءها و سلبت عنها خصوصياتها رجعت الي العناصر العبيطة و هي كما تري متشاكلة الاجزاء بعضها ككلها في الذات و الصفات فالجهال يدبرون الاركان تدبيراً يخرجونها الي التراب الهامد الذي لاحراك له و يبطلون قويها و خصوصياتها فلم‌تفعل الروح فعلها الخاص و النفس فعلها الخاص بها و الجسد فعله الخاص به و صار الكل متشاكلاً في عدم التأثير فالواجب ان‌يدبر الروح تدبيراً لايخرجها عن روحيته و يصير الروح روحاً علی الحقيقة و يصير بمنزلة العرش و يدبر النفس تدبيراً لايخرجها عن النفسية و تصير نفساً فلكية علي الحقيقة و تصير بمنزلة الكرسي و الافلاك الا تري ان الافلاك كلها ارواح لطيفة و مع‌ذلك لكل فلك طبع خاص و فعل خاص و كذلك يجب ان‌يدبر الجسد تدبيراً لايخرجه عن خصوصيته فيكون اللؤلؤ مع‌ذلك لؤلؤاً و الياقوت ياقوتاً فالواجب في تدبير الزرانيخ ان‌تدبر و مع‌ذلك تكون زرنيخاً فيه روحه و نفسه الخاصة به و فعله الخاص به ممتازاً عن الكبريت المدبر و كذا الكبريت يجب ان‌يدبر و يكون فيه روحه و نفسه و فعله و يكون ممتازاً عن الزرنيخ و من اجل ذلك نقول ان تدبير الكبريت حتي يصير مبيضاً كالزرنيخ خطاء فان فعل الزرنيخ الطبيعي التبييض و فعل الكبريت الطبيعي التصفير و لايجوز استعمال الكبريت في التبييض و الكبريت في التصفير فان الكبريت بالطبع مصلح للياقوت مفسد لللؤلؤ و الزرنيخ بالعكس فكل تدبير رأيت في الكبريت لاجل عمل البياض خطاء و العاقل لايتحمل ثقل تدبير السقمونيا حتي يصير علي طبع الخروع و الخروع موجود مخلوق حاضر و ان كان

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 27 صفحه 123 *»

يمكن ذلك في الحكمة فانه بمنزلة الاكل من القفاء و انما ذكر الحكماء لبسط العلم و بيان القدرة علي التدبير و الطريق الشارع استعمال كل واحد فيما خلق لاجله لانه قد خص الله سبحانه كل شيء بكل شيء فافهم ما اقول لك و لاتعدل عنه و لاتغتر بزخارف الكتب فتندم.

فصل: اعلم انك اذا اردت تدبير النفس فلابد و ان‌تتدبر فيها و تعرف علتها و صلاحها و فسادها فتعالج مرضها بالضد و انت تعلم ان فسادها احراقها و احتراقها فمن تدبر عرف ان علة الاحتراق غلبة الدهانة و الحرارة الكامنة فاذا لاقت النار تقوي ناريتها بالنار الملاقية و اذابت الدهن المنعقد فيها بالبرودة فكلستها حتي تدخن فاشتعل فيه النار الكامنة فاحترقت و اذا لاقت الاجساد قوت ما فيها من الكبريت و تعلقت به فاحرقت الجسد و بددت رطوبته الغروية ففرقت اجزاءها و سودتها و فيها ايضاً ارمدة فاسدة و اعراض غريبة مانعة من انسباكها و تنقرها و تجسدها فذلك علة مرضها و نحن نريد الان ازالة مرضها و تلك لاتمكن الا بالضد فان حفظ الشيء بالمثل و دفع المرض بالضد فلما رأينا فيها الارمدة الفاسدة و الدهنية المتعلكة المانعة عن الانحلال في المياه و عرفنا ان الدهن رطوبة لزجة احتجنا الي عقار حاد قطاع لزج يناسب الدهن بلزوجته و يضاده بحدته حتي يمكن ان‌يميع ذلك التعلك فيه و ينحل جسمه فيه و لايكفي في ذلك العقار الحدة من غير لزوجة فان دهانتها تمنع من ممازجة ذلك العقار البتة و كذلك لايكفي اللزوجة من غير حدة فانها تعين لزوجة الدهن و انما المعالجة بالضد كما عرفت ولكن لابد من معرفة ادخال ذلك العقار و اخراجه حتي تبقي متكلسة حقيقة فاذا وجدنا مثل ذلك العقار امكن لنا حلها فاذا انحلت امكن لنا اخراج ارمدتها الفاسدة المورثة لتخلخلها المانعة عن تجسدها فاذا حللناها و اخرجنا ارمدتها صارت خالصة فلكية روحانية قابلة للتدبير و هذا هو التصعيد الحق الذي لامرية فيه و تأثير العقاقير في حقيقتها و لاترج تدبيراً من غير حل فان تكليسها العامي يبدد اجزائها الظاهرية و لايبلغ تأثير التدبير في كينونته الا في ظواهر الاجزاء و تبقي العلة في بواطنها

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 27 صفحه 124 *»

فاول تدبيرها الحل المقرب للقابلية من الانفعال و قد ثبت في الحكمة ان الفاعل و ان كان كاملاً ما لم‌يكن القابل صالحاً لايؤثر فيه كمال التأثير فاول ذلك اصلاح القابلية كما قال الشاعر:

اول هذا العلم تكليس الحجر   بحرّ نار دونه حرّ السقر

و المراد بالتكليس تكليس الحكماء و التكليس الطبيعي لا العامي و ذلك سر مخزون عند اهله مستور عن الناس و غير ابناء الحكمة فاذا اصلحت القابلية و استعدت للانفعال عمدنا الي ازالة الاحتراق عنها و قد عرفت ان سبب الاحتراق غلبة الدهانة و النارية فيها فتحتاج الي تقليل دهانتها و تبريد ناريتها.

ولكن هيهنا سر يجب التنبيه عليه و هو ان الاشياء تكون فعالة بغلبة لطايفها و لو كانت لطايفها مساوية لنفسها تكون تامة في نفسها غير فعالة في غيرها و انما المطلوب من الروح و النفس غلبة لطافتهما فلاينبغي في التدبير ابطال لطايفها و انما التدبيرات المهلكة للطائفها المنهكة لاجسامها فاسدة بتة فالمراد بتقليل دهانتها و تبريد ناريتها تقليلها و تدبيرها في الكيفية لا الكمية فان المطلوب منها الدهانة و النارية الا ان المطلوب منها الدهانة الغير المحترقة و النارية الغير المحرقة فاذا تدبرنا في الدهن عرفنا انه رطوبة لزجة فيجب نقص لزوجته و ترقيقه و ذلك لايمكن الا بعقار حاد قابل للمازجة معها مرقق للزوجتها محلل لها لا مفنية مقللة لكميتها و ذلك هو السر في تدبيرها فاذا وجدنا ذلك العقار امكننا سحقه به و تشويته بحكمة و تعريق في الاقداح الي ان‌يجف و يعاد عليه العمل الي ان‌يلين و يلتزم و يتشمع ثم بعد ذلك يغمر بالماء الحاد و يعفن الي ان‌ينحل و علامة الانحلال التام ان‌يصعد اذا صعد و ينزل اذا نزل فاذا بلغ الانحلال التام استخرج ماؤه ثم دهنه فما بقي من ارضيته اما يصعد بالنار القوية و هو الطريق الاقرب الادني و اما يعاد الي الحل الي ان لايبقي من جوهره شيء سوي الرماد الذي لاينحل و لايذوب و هو الجزء الفاسد فيرمي خارج العالم فاذا حصل لك الارضية الظاهرة و هي المسمي باكليل الغلبة و النار و الشب و النوشادر الجنسي و ملح القلي و ملح الشعر و النجم العالي و الكوكب البراق و المريخ و السيف و الانفحة و الجسد الروحاني و ذهب

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 27 صفحه 125 *»

القوم و يسمي الماء‌ الخارج منه بالماء الخالد و الماء ‌الورقي و النفس و اللصاق و لصاق الذهب و لعاب الافاعي و كبريت لايحترق و دهن لايحترق و الماء‌ الالهي فان وجد في الماء كدورة ينخله بالمناخل الي ان‌يصفي ثم يسقي بهذا الماء الالهي تلك الارض المقدسة و يكرر الي ان‌تعود اليها روحها و تقوم من قبرها بعد ما عذبت اشد تعذيب الي ان طهرت من الارمدة الدنياوية التي كانت سبب تخلخلها و رخاوة جوهرها و عدم صبرها علي النار و اما الآن فتحيي بسبب عود الروح اليها و تسمي حينئذ بالكبريت الاحمر و النور الانور و الضياء الازهر و يكون حينئذ ثقيلاً متلززاً متداخلاً و متلازماً سريع الذوب سيالاً منسبكاً جسداً ذائباً منطرقاً و لو بالقوة و هذا هو التنقير الحق و لايمكن ان‌يبلغ الكباريت و الزرانيخ هذا المقام الا بهذا التدبير و كلما عبرت الفلاسفة غير هذا فانما يعنون هذا و تحمله الجهال علي التصعيدات المفسدة و التنقيرات الفاسدة و الترصيعات الكاسدة فانهم لما سمعوا ان التصعيد يخرج به جوهر النفوس ظنوا ان تصعيدهم علي ظاهره و القوم نادوا علي انفسهم ان تصعيدهم غير تصعيد العامة و تصعيد القوم تصعيد في الرطوبة الملأ و تصعيد العامة في اليبوسة و الخلأ نعم اذا جاوزت التدبير الحق و لم‌تظفر به فلاتجاوزن التصعيد فانها لاتكاد تفارق ارمدتها الا بالتصعيد و لكن اياك و اياه لاتسلط عليه نارا تفسدها و تحرقها و تنهك كثيراً جسمها و تبدد كثيراً ارواحها بل قصبة قصبة و لاتضجر من طول المدة و ان طال يوماً او اكثر فلاتزال تشويه مع عقاقيره و تصعده باللينة الطويلة الي ان لاتري علي الارض سواداً و تجده خارجاً كالمها فعند ذلك قد طهر و خلص ولكنه بعيد عن الحق البعد الاقرب و ما سوي ذلك من الطبخ و الغسل و التشويه و النقع و السحق و التدبير بالادهان ما ليس فيه تصعيد فكلها نفخ في غير ضرام و انما هو كالقاء الجوز عند الاطفال حتي يشتغلوا بها و يستأمن الانسان من اذاهم و لايرتكبها الا الجهال المبتدئون العاميون فان الاجزاء الفاسدة الكامنة في كينونة الشيء لاتكاد تفارقه بالسحق و الغسل و النقع و لو هبئ اشد تهبية فان كل هباءة منه مركبة من اصولها البتة فكما ان كل هباءة مركبة من العناصر الاربعة و بالسحق و الغسل لاتتفكك تلك الاسطقسات كذلك

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 27 صفحه 126 *»

ما كان فيه من اجزاء فاسدة ليست تخرج منه ابداً الا ان‌ينحل الشيء الانحلال الطبيعي و يمكن تفصيل اسطقساته فعند ذلك يمكن اخراج تلك الاجزاء فلو طبخ الكبريت المهبا الف سنة في الخلول و الاملاح و الشبوب و امثالها لايكاد يخرج منه ذرة من اجزائه الفاسدة و كذلك اذا سحق الف سنة او شوي في النورة و غيرها فان هذه التدابير ليست تبلغ عمق كل جزء و لو كان كالهباء و الذين ذكروا ذلك ارادوا بالغسل تطهيرها و بالسحق السحق الطبيعي المفصل للاجزاء و بالتشوية التشوية بالنار بالقوة و بالطبخ الطبخ في المحل و جميع ذلك تبعيد و تدهيش و تضليل للاجنبي و في الحقيقة هذه الاجزاء كلاب خيام تدبير الحق تذود عنها الاجنبي و تطرده ولكن الاهلي لايكاد يلتفت اليها و يدخل الخيام في راحة و امن فاما جوف الخيمة فما ذكرنا من التدبير الحق من تقليل الدهانة اولاً و اخراج التراب و الحصي التي فيها من المعدن و الغش ثم حلها ثم تفصيلها ثم تركيبها و اما حظيرة الخيمة فالتصعيد باللينة الطويلة عن العقاقير الخاصة بعد التشوية بنار الحضان او مثلها الي ان لايبقي في الارض سواد بعد التصعيد و تلقاها علي حالها الاولي فحينئذ قد طهرت النفس و ان كانت ضعيفة الروح و النفس قليلتهما و لكنه اقرب الي الحق من غيره فانه لاعمل الا بالتفكيك و لا تفكيك الا بالتصعيد الي حيز الافلاك اما بتصعيد العامة او الخاصة و السلام.

الباب الرابع

في احوال الاجساد و ما يتعلق بها و فيه فصول

فصل: اعلم ان جميع ما في عالم الاكوان مركب من مادة و صورة و المادة هي اصل تلك الصورة و امكانها و يمكن فيها ان‌تتصور بتلك الصورة و بغيرها لما فيها من امكان صلوح التصور بكل صورة كالمداد الذي يمكن فيه ان‌يتصور بصورة الالف و الباء و غيرهما و كل واحدة منهما مركبة من قطعة مداد و هيئة حرفية خاصة و هذه المادة و الصورة في كل شيء بحسبه من نهاية القرب

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 27 صفحه 127 *»

الاقرب الي البعد الابعد فان المادة لاتظهر في عالم الاكوان بغير صورة و الصورة لاتقوم بنفسها من غير مادة تحملها و تحل فيها فهاتان في الجبروت جبروتيتان و في الملكوت ملكوتيتان و في الملك ملكيتان ففي الافلاك فلكيتان و في السفليات سفليتان ففي البسائط بسيطتان و في المركب مركبتان و مرادنا بالبسايط البسايط الاضافية و لما كان كلامنا في الاجساد نخصها بالذكر و عليها فقس ما سويها فانه قد علم اولواالالباب ان الاستدلال علي ما هنالك لايعلم الا بما هيهنا فاجر ما تسمعه في كل عالم من دون تفاوت الا في اللطافة و الكثافة ما تري في خلق الرحمن من تفاوت و ما خلقكم و لابعثكم الا كنفس واحدة.

فاذا عرفت ذلك و تبينت ما هنالك فاعلم انه اذا نزل الماء من السماء و احتقن في الارض و دارت عليه الافلاك بكواكبها و شعلاتها و القت عليها شعلاتها المستجنة فيها الارواح الفلكية و القوي العلوية لطفت حراراتها ذلك الماء علي نحو التبخير فان البخار ليس الا اجزاء ‌رطبة قد عملت فيها الحرارة من النار و مازجتها بالمشاكلة الجسمانية و رققتها حتي حلتها و اسالتها فعادت تصعد الي حيز النار لغلبة النارية عليها فصارت بخاراً فاذا مازجت تلك الحرارات المحمولة للشعلات تلك الرطوبات المحتقنة لطفتها و رققتها و اسالتها علي نحو التبخير و صعدتها فصارت تصعد في تلك البقعة التي احتقنت فيها فاذا علا النهار و صعدت الشمس و اسخنت ظاهر الارض انهزمت البرودة منها الي باطن الارض حتي اصابت تلك الابخرة الصاعدة فكثفتها و نكستها الي الارض الي ان جن الليل و برد ظاهر الارض و انهزمت منها الحرارة الي جوف الارض فاصابت تلك الابخرة المنكسة فصعدتها ثانياً و لما جاورت الارض زماناً و عملت فيها بل تفاعلتا غلظتها الارض قليلاً بالتجميد و العقد و حلتها الرطوبة قليلاً و لما صارت غليظة باجماد الارض و عقدها صارت اشد التزاقاً بالارض و صارت ابطأ صعوداً بالثقل الذي اصابها بالعقد و بالتزاقها بالتراب بسر المشاكلة فاحتاجت الي حرارة اقوي فاذا اصابتها حرارة اقوي صعدت بها و شايعتها بعض الاجزاء الهبائية الارضية فصعدت الي ان طلعت الشمس و سخنت النهار و برد باطن الارض فنكستها الي مستقرها

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 27 صفحه 128 *»

ثانية فنزلت و التزقت بالارض فحلتها و عقدتها علي نحو التفاعل فصارت اثقل و اشد لزوباً بالارض و ابطأ صعوداً حتي اذا جن الليل و اصابها الحر صعدها و كذلك تقدير العزيز العليم و لربما زاد الحر و عمل في الرطوبة عملاً كثيراً الي ان قلل الرطوبة و احرقها و احالها الي الطبيعة الدخانية لان الدخان بخار يابس كما ان البخار دخان رطب قال الله سبحانه ثم استوي الي السماء و هي دخان فافهم فالدخان فرع البخار و نفسه مع انهما من حقيقة واحدة و ما لم‌يتولد البخار لم‌يتولد الدخان و صار هذان الجوهران اصل كل مكون من جماد و نبات و حيوان و انسان كما مر ففي عالم المعادن ذلك البخار هو الاصل و المادة للمعدن و ذلك الدخان هو الفرع و الصورة و الصبغ و الهيئة و انما جميع اختلافات المعدن في الدخان و ليس في البخار اختلاف فالبخار ابوالمعادن و الدخان امها و جميع الاختلافات في بطن الام و البخار بارد رطب و الحرارة التي فيه من حرارة الفاعل لا من نفسه و بها يصعد اليه و لولاها ماصعد ابداً و نفس الدخان باردة يابسة لغلبة الارضية عليها و الحرارة التي فيها من اثر الفعل اي فعل الفاعل لا من نفسها فان شئت سمهما ماءاً و ارضاً و ان شئت سمهما بخاراً و دخاناً و ان شئت سمهما رطوبة و يبوسة و ان شئت سمهما زيبقاً و كبريتاً و ان شئت سمهما مادة و صورة و ان شئت سمهما روحاً و نفساً فان جميع ذلك صادق عليهما واقع عليهما منطبق عليهما حق في حقهما فجميع المعادن متولدة من هذين الوالدين فانهما اذا صعدا و هبطا ازدوجا و نكح البخار الدخان علي كتاب الله و سنة نبيه و تولد منهما الاولاد و هي جميع المعادن من الاجساد و الاجسام فالكل من مادة واحدة و صورة واحدة الا ان الاختلاف في الكميات و الكيفيات في الفاعل و المنفعل فباختلاف هذه الامور يتكون المعادن علي اختلافها و قد مر في باب احوال الارواح بعض ما ينبغي ان‌يلاحظ فاذا اتفق تكون البخار و الدخان في بقعة تزاوجا في اثناء الهبوط و الصعود حتي يتحدا و يصيرا حقيقة واحدة و هذا الخلق استاد عظيم لاهل الصنعة لو شعروا و تأسوا به و اقتفوا اثره فان من ذلك يعلم انه ما لم‌ينحل الاركان و تتشاكل البخار و الدخان لم‌يمكن التزويج الحقيقي فان البخار هنا بمنزلة الزيبق

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 27 صفحه 129 *»

بل هو الزيبق و الدخان بمنزلة الكبريت و النفس بل هو النفس حقيقة الا انه غير مستحكم و الاتربة الهبائية التي تتعلق بها في المعدن بمنزلة الخميرة و الجسد فما لم‌يتهبأ الجسد و ينحل بالروح و ما لم‌تتسائل الروح و النفس يستمحل امتزاجها امتزاجاً اتحادياً فكل شيء‌ غير مخالطة المحلولات مجاورة و الممازجة الاتحادية في المحلولات فاذا انحلت الاركان و صارت مياهاً رايقة امكن امتزاج كل جزء مع كل جزء فاذا امكن الامتزاج امكن الاتحاد فاذا امكن الاتحاد عسر المفارقة و صارت النار كلما تعمل في الروح عمل في النفس و كل ما عمل في الروح و النفس عمل في الجسد و صار الجسد روحانياً و الروح جسدانياً و النفس روحانية جسدانية و كل يعمل بمقتضي الكل و يصدر من الكل ما يصدر من الكل فصار فعالاً مكملاً فما لم‌يحصل الانحلال التام مع الطهارة كان العمل ناقصاً بتاً.

بالجملة اذا امتزج البخار و الدخان في المعدن و اصابهما الجمود قبل استحكامهما يحصل منهما انواع الاملاح من الزاجات و الشبوب و البوارق و الاملاح و امثالها و اذا عرضهما التحجر انعقدا علي الحجرية فحصل منهما الاحجار الشفافة علي اختلافها ثم ان استحكما في الجملة و لم‌يصبهما في اثناء استكمالهما جمود و لا تحجر تدرج البخار الي المائية و الدخان الي الدهنية فاذا امتزجا قبل استكمالهما و اصابهما الجمود انعقدا علي الزيبقية و ان اصابهما التيبس انعقدا علي الكبريتية و ذلك مع اختلاف الكم و الكيف في الفاعل و المنفعل و ان لم‌يصبهما عارض في الاثناء حتي استكملا و امتزجا مزاجاً تاماً مع كمالهما بالحرارة الطابخة حصل منهما الجسد فان اعتدلا في الكمية فانعقدا بالبرد القليل حصل منه اللؤلؤ و ان انعقدا بالحر القليل حصل منه الياقوت و هما قطبا الاجساد ثم ان غلب عليهما البرد مع غلبة البخار حصل منه الآنك و مع غلبة الدخان في الجملة حصل منه القصدير و الخار و ان غلب عليهما الحر مع غلبة البخار حصل منه النحاس و الصفر و ان اشتد الحر مع غلبة الدخان حصل منه الحديد و ان تجاوز الحر حصل منه الاجساد المنسحقة كالاقليميا و المرقشيشا و المغنيسا و امثالها فافهم راشداً موفقاً.

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 27 صفحه 130 *»

فصل: اعلم ان من الاجساد طاهرة الروح و النفس و منها غير طاهرة فالقطبان طاهران الا ان القطب الشمالي فيه سواد قليل من جهة العقد بالبرودة و اليبوسة الموجبتين للسواد و قلة الدافعة معها و يحتاج الي ازالة سواد فقط و اما القطب الجنوبي فهو طاهر خالص لعدم موجب للسواد فلايحتاج الي تطهير الا ان‌يكون سوء مزاج بواسطة الاتخاذ او مما داخلها بعد فيحتاج حينئذ الي الازالة و التطهير و اما ساير الاجساد فتحتاج الي التطهير التام لعدم طهارة ارواحها و انفسها و لو كانت طاهرة الروح و النفس في الاول لم‌يغيرها الحر و البرد عن الاعتدال ابدا بل زادها جودة و صفاء و انما العلة في انحرافها عن القطبين كثافة اركانها فما لم‌تطهر لم‌يكن منها شيء البتة و ليست بقابلة للتكميل فان الشيء ما لم‌يتم لم‌يكمل و لتطهيرها وجوه نذكرها ان‌شاء‌الله في العمليات و تطهيرها نوعان احدهما لاتخاذ الخميرة منهما فيحتاج ذلك الي تفريق اجزائها و تهبيتها ثم اخذ الطاهر الخالص منها و القاء ارمدتها الفاسدة ثم جعلها خميرة للروح و النفس الطاهرتين حتي يمكن الامتزاج و الاتحاد و اما قبل تطهيرها علي ما ذكرنا و بقاء الغرايب فيها لاتتحد الاركان بها و تبقي متخلخلة كحالها الاول و لم‌تتحد مع الاركان فاذا القيت في النار اخذ النار اولاً ارواحها و انفسها ثم تعلقت بها و اهلكتها لتخلخل اجزائها كما تري انها لاتقوم علي الروباص و الخلاص فهي غير خالدة ما لم‌تتطهر التطهير التام البالغ حتي تعود الي الاركان الصالحة لتركيب القطبين ثم تمتزج مع الاركان و يتصرف فيها العامل العالم حتي تستحيل في التدبير الي احد القطبين و تصير تاماً ثم كاملاً ثم مكملاً و ثانيهما لالقاء الاكاسير عليها و ذلك يختلف باختلافها في القوة و الضعف فمهما كانت الاكاسير ضعيفة تحتاج الي التطهير و التهذيب و التقريب الكثير ليكمل عمل الفاعل فيها و ان كانت قوية فليست تحتاج الي تطهير كثير ولكن في كلا النوعين ليست تحتاج الي تفريق اجزائها و تهبيتها و اخراج العوارض بالكلية فان نفس الاكسير تقوي الدافعة فيها و تخرج الاعراض الفاسدة عنها علي سبيل اخراج الاوساخ و الاخباث فيؤخذ عن وجهها و في البرانية يحتاج الي التطهير اكثر لقلة الدافعة في البرانية فان الجوانية الحيوانية فيها القوة الدافعة

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 27 صفحه 131 *»

اكثر من الجوانية الجمادية فافهم راشداً موفقاً.

فصل: اختلفت الفلاسفة في الاجساد اختلافاً عظيماً ظاهراً ولكن لا اختلاف فيها عند الحكيم البالغ حقيقة فمنهم من قال بحل الاجساد عند اتخاذها خميرة للعمل نظراً الي انه ما ‌لم‌ينحل لم‌يمكن الامتزاج التام و الاتحاد الواقعي و منهم من قال بتكليسها فان المطلوب من الاجساد حبس الارواح و قيدها فاذا انحلت و صارت روحانية ضعفت قوتها عن الحبس و بقيت الارواح طائرة و منهم من قال بتصعيدها حتي يمكن لها الامتزاج مع الارواح الطائرة و يجانسها و يمكن اتحادها معها فانها ان لم‌تصعد و بقيت علي ارضيتها لم‌تألف الارواح الطائرة اللطيفة فلم‌تمازجها و رد اصحاب التكليس ذلك نظراً الي ان الجسد اذا صار طائراً كالروح فهو ايضاً روح و نحتاج في ضبطه الي شيء آخر يحبسهما معا و ذلك خطاء و الوجه فيه تهبيته و تكليسه و الذي اراه انا انه لا خلاف بين الاقوال الا في بادي النظر و ان كل فرقة منهم رد ما يفهمه منها اصحاب الظواهر لا الحقايق فان من قال بالتكليس ليس يريد ابقاء الجسد علي كثافته و غلظته بل يريد رده الي الهبائية الاولية و هو حق و اما انكاره علي القائلين بالتصعيد فمن باب ان الجسد اذا سلط عليه النيران المصعدة انهكته و افسدته و ابطلت قويه و رطوبته و جعلته رماداً ميتاً لا منفعة فيه البتة فان الميت يقبل الحيوة اذا بقيت فيه ما تتشبث به الحيوة الملقاة عليه بالمشاكلة و اما ان لم‌يبق فيه شيء فليس يقبل الحيوة ابداً للضدية و ان غير الجسد عن كيانه حتي يصير روحاً علي حد الارواح يصعد كما تصعد و يفر من النار كما تفر فلاحاصل فيه فانه قد صار روحاً بعينه و يحتاج الي حابس آخر فالقول بالتصعيد خطاء لكن علي نحو تصعيد العامة و انما تخطأتهم لتصعيد العامة لا لتصعيد القوم و اما انكارهم علي اهل الحل فذلك ايضاً علي حل العامة فان حل العامة لايحصل الا بعد تكليسه و تكليسه علي ما هو المعروف يهدمه هدماً و يبطل قويه البتة فان ادخل فيه رطوبة غير محيية له فلافائدة فيه فانه رماد سائل و ان ادخل فيه رطوبة محيية فلايقبل الحيوة لانه ليس فيه بلة يتشبث بها الماء و يحييه

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 27 صفحه 132 *»

بل هو بمنزلة الارمدة الفاسدة و اما انكار اهل الحل علي اهل التكليس فانهم يريدون التكليس الظاهري المنهك للجسد المبطل لقويه الموجب لعدم المزاج و اما انكار اهل التصعيد للفريقين فكذلك ففي الحقيقة كل واحد منهم منكر علي اهل الظاهر لا علي الحق فالمراد حل القوم لا حل العامة و تكليس القوم لا تكليس العامة و تصعيد القوم لا تصعيد العامة

و لكل رأيت منهم مقاما   شرحه في الكلام مما يطول

و اعلم انك ما لم‌تصحح العلم لم‌تصحح العمل فكم من ماش في الظلمات و خابط في العشوات قدم العمل علي العلم فضل و اضل و ان كنت تريد ان‌تكون من اهل مدينتنا فتعلم اولاً رطانتنا ثم ادخل مدينتنا و اجلس علي مائدتنا و كل من زادنا و مع‌ذلك كله العلم في العمل ناقص و العمل في العلم تام فاجمع بين المقامين حتي تفوز بالحسنيين و استمع لما اقول حتي تبلغ المأمول.

اعلم ان الروح من شأنها الفرار من غير احتراق فتصعد الي حيزها و هي افلاكها بمحض ما اصابها ما يذكرها عالمها و مستقرها و هو حر النار النازلة من دار القرار فمهما اصابها ذكرها دارها و اثارت نيران اشتياقها فقامت تصعد الي عالمها و اما الانفس فهي برزخية ففيها روحانية و فيها جسدانية فاذا اصابها ما يذكرها عالمها صعدت باعلاها قاصدة مستقرها و مأويها و بقيت ما فيها من الجسدانية اللطيفة فاحترقت بسبب النار و ما فيها من الحرارة و الدهانة الدخانية و اما الجسد فهو من عالم الملك و السفليات و فيه روح و نفس بقدر تكونهما و حفظ بنيته فاذا سلط عليه النار ابطلت قويها و بددت ارواحها حتي ابقت صرف ترابيتها و رماديتها و ردتها الي البساطة الثانية و ان لم‌تردها الي البساطة الاولية فلم‌تبق فيه بلة روحانية تتلقي بها الارواح الداخلة عليها و اعلم ان الحكيم و ان كان ماهراً لايقدر علي التركيب من البسائط الصرف فانه من شأن ذي الايدي الطبيعية و اما ذو الايدي الخارجية فيقدر علي التركيبات الثانية الا تري ان الحكيم يقدر ان‌يركب معجوناً من القرنفل و الدارصيني و الفلفل و الزعفران و العسل حتي يصدر من المجموع المركب اثر خاص ولكن لايقدر علي ايجاد هذه الاخلاط

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 27 صفحه 133 *»

من بسايطها الاولية فنحن اذا رددنا الجسد الي البسائط الاولية فبددنا روحه و نفسه و ابقينا رماده لم‌نقدر علي احيائه و تركيبه جسداً ثانياً و انما الواجب ان‌نبدد اجزاءه و نهبيه بحيث يكون كل هباء منه صاحب روح و نفس و جسد فهذا هو العمل الحق الذي ضل فيه الاكثرون فاذا فرقناه هكذا ثم سلطنا عليه النار جمعتها و اذابتها و ارجعتها الي ما كان عليه اولاً فافهم ما اقول لك فاني بحت بما ضن به ساير العلماء و سمحت باصول هذا العلم.

فاذا عرفت ذلك فاعلم انه ما لم‌يكن مناسبة بين الروح و النفس و الجسد لم‌يكن امتزاجها فان امتنع امتزاجها امتنع اتحادها و ان امتنع اتحادها اثر كل جزء منها اثره الخاص به فصارت في حكم المفردات المجاورة لا المركبات المتحدة الا تري انه لو اكل رجل البنفسج وحده و عنب الثعلب وحده و اكليل الملك وحده لم‌تؤثر فيه ما يؤثر المركب منها فان الطبيعة الحاصلة التي هي المزاج لها اثر آخر غير اثر كل جزء جزء فلابد من اتحاد الاركان و هو لايحصل الا بالامتزاج و هو لايحصل الا بالمشاكلة و هي لاتحصل الا باخراج ما في قوة كل واحد من نوع فعلية الآخر و هو لايحصل الا بالحل لكن حلنا لا حل العامة فتدبر فان جل تدابير العامة اشباه و امثال لا حقايق و انما يضيعون بها اعمارهم و يتلفون بها اموالهم و نفوسهم و انما ذكرتها الفلاسفة تعمية و دفعاً عن الحقايق و ارادوا ذودهم عن مشارعهم ذود الراعي الابل الغريبة فلاتغتر بكلماتهم فقد تبين و ظهر انه لابد من حل جميع الاركان و استخراج ما في قوة كل واحد من نوع فعلية الآخر فافهم ترشد.

فصل: اعلم ان الارواح فلكية و الاجساد ارضية و انما الاجساد المتخذة للخميرة لاتزيد علي الاجساد الملقي عليها الا في الطهارة و هي لاتفيد لها غوصاً و نفوذاً فان ذلك من شأن الارواح الاتري انك لو صببت الطين علي الارض نفذت رطوبته في الارض و بقيت ترابيته علي وجه الارض لاتغوص فيها فالاجساد ما لاتصير علي حد الارواح لاتصير نافذة ابداً و اما قول الفلاسفة انها اذا صارت علي

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 27 صفحه 134 *»

حد الارواح احتاجت الي ماسك حق ان ابقيت علي حالها اما اذا صارت الي حد الارواح فمازجها ثم اخرج ما في قوة كل واحد من الاستقرار و الثبات فلايضر بحالها و الاكسير لابد فيه من الروحانية الغايصة و مقام المؤثرية الفاعلية و مقام المؤثرية الفاعلية فوق الآثار و المنفعلات فلابد و ان‌يكون جميع اركانه من سنخ المؤثر الفاعل و انت تعلم ان مؤثرات هذا العالم افلاكه و الجسد اذا لم‌يخرج الي حد الارواح لم‌يكتسب هذه الحالة ابداً فوجب ان‌يصعد الجسد حتي يصير كجسد الافلاك و ارضيتها لطيفاً نقياً صافياً سيالاً ثم يفاض عليه من الارواح مقدار ما يحتملها فيكون الاكسير الحاصل كالفلك بالنسبة الي ساير الاجساد و ساير الاجساد بالنسبة اليه كالارض فيقدر علي التأثير فيها و اخراج ما فيها بالقوة الي الفعلية الا تري انهم سموا اكسيرهم شمساً و قمراً و انما ارادوا بذلك فلكيته و كمال نورانيته و تأثيره فيما دونه فلابد من تصعيد الجسد حتي يصير علي حد جسد الافلاك و جسد الافلاك غير ارواحها فصح قول الفلاسفة انه لايجوز صيرورة الاجساد كالروح فانا جعلناها جسداً لكن جسد الافلاك لا جسد العناصر فما لم‌يصعد الجسد لم‌يكن روحانياً و ما لم‌يكن روحانياً لم‌يأتلف الارواح و لم‌ينفذ في الاجساد اذ ليس نفوذه في الجسد الملقي عليه باولي من نفوذ الملقي عليه فيه و مصاحبة الروح ما لم‌تأتلف به غير مؤثرة و الفتها به مع عدم فلكيته مستحيلة فلابد من تصعيده لكن تصعيدنا لا تصعيد العامة و لابد من حله لا حل العامة و المراد بتصعيدنا التصعيد في الملأ لا التصعيد في الفضاء الفارغ الخلاء فاذا صعد الجسد بتصعيدنا صار بحيث اذا سلط عليه النار صعد بكله الي اعلي الاناء و لم‌يبق منه ذرة لكن لانسلطها عليه فانه اذا بلغ هذا المبلغ لاحاجة الي تسليط النار عليه فانه بنفسه مصعد حاضر فاي حاجة الي انهاكه بالنار و ابطال قويه فافهم.

فصل: اعلم ان الروح و الجسد متخالفان طبع الجسد النزول و طبع الروح الصعود فكما ينزل النازل الصاعد اذا غلب يصعد الصاعد النازل اذا غلب و اي سبب في التنزيل اقوي من النازل الكامل في نزوله و اي سبب في التصعيد اقوي

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 27 صفحه 135 *»

من الصاعد الكامل في صعوده فلاينبغي للعاقل العدول عن الاسباب التي جعل الله لكل شيء و السبب ما كان طبع المقتضي الخاص فيه غالباً فما كان فيه الطبع الخاص غالباً بحيث زادت علي كينونته فهو السبب الاقرب فمن اخذ بهذه القاعدة السديدة لم‌يضل ابدا فليطلب الطالب لكل حاجة من حاجاته السبب القريب و ليخالطه و ليقترن به ليذهب حيث يذهب فلو احب رجل حجراً حشره الله معه فان القوي يحتمل من المخالف ما لايحتمله غيره و اذا صارت الاسباب مختلفة لطيفة و كثيفة فلاينفعك اللطيف الشديد اللطافة فانه سريع الدعة لك لعدم المناسبة و سريع النفرة عنك لشدة المخالفة فلتبتغ لنفسك الصقها بك و انسبها اليك حتي يصبر معك و يؤديك معه الي حيث يذهب فافهم ذلك فانك و الله لاتجده بهذا الشرح و البيان في غير كتابي هذا

تعرضت في قولي بليلي و تارة بهند   فما ليلي عنيت و لاهندا

ب

 

و علي من يفهم السلام فقل

قد يطرب القمري اسماعنا   و نحن لانعرف الحانه

و انت لو تدبرت في نفسك و في حاجتك و انك هل تقدر ان‌تستفيدها من مبدءك ام لا من غير واسطة فاذا كنت لاتقدر فمن الواسطة بينك و بينه و من باب هذه الحاجة الي ربك هل هو البالغ الكامل في مطلوبك الذي استنار به و ينير ام من لايهدي الا ان يهدي فاذا عرفت ذلك انه الهادي لا المستهدي هل يجوز العدول عنه الي غيره ام لا فاذا كان لايجوز فابتغه لحاجتك وسيلة كما قال الله سبحانه و ابتغوا اليه الوسيلة حتي تنال به مرادك و السلام علي من اتبع الهدي.

الباب الخامس

اعلم ان جميع اعمال هذا الفن لايخلو من قسمين تفريق و جمع اما التفريق فيحصل بالحل و السحق و الحرق و التكليس و التقطير و التخمير و التعفين و النقع و الطبخ و التصعيد و الغسل و التصويل و اما الجمع فيحصل بالعقد و الطبخ الطبيعي و التركيب و المزج و الخلط و التنقير و الترصيص و التجفيف و التشوية و التقلية و

«* مكارم الابرار عربي جلد 27 صفحه 136 *»

التحميص و امثال ذلك و معرفة هذه الامور و مقدماتها لازمة علي من يتعاطي هذا الفن فسنذكرها علي سبيل الاختصار في تلو فصول.

فصل: في الحل؛ اعلم ان الحل تسييل المنعقد الجامد من المعادن و النباتات و اجزاء‌ الحيوان و هو يحصل بالحرارة و الرطوبة اللتين هما بالفعل او بالقوة و لاجل ذلك يحصل بامور فمنه ما يكون بالنار كاذابة المعدنيات في البواطق و الكيران و الشحوم و العلوك و امثالها مما قد جمد بالبرودة و اليبوسة فاذا وضعت في النار ازالت العلة الفاعلية فيها للجمود التي هي البرد فتنحل بالرطوبة الغروية التي فيها و النار الخارجية و تميع و ذلك ان الحل كلية لايحصل الا بحرارة و رطوبة فان الحرارة تورث التهبية و التفريق في اجزاء الشيء و الرطوبة توجب اتصال تلك الاجزاء الهبائية و ذلك معني الانحلال الحقيقي فالنار وحدها لاتوجب حلاً ما لم‌يكن في الشيء رطوبة اصلية و منه ما يحصل بالمياه الباردة او الحارة و ذلك كالصموغ التي تنحل في الماء و الخل و امثالهما و كما يموث الملح في الماء و ذلك ايضاً ليس بنفس رطوبة الماء و برودته بل يشاركها الحرارة الكامنة في نفس ذلك الشيء فتتركب مع الرطوبة الخارجة فيذوب جموده و يميع بواسطتهما و كالمعدنيات التي تنحل بالمياه الحارة فانها حارة بطبعها رطبة بظاهرها فاذا القي فيها المعدني نفذت فيه بحدته و اثارت ما فيه من الحرارة الكبريتية و اشعلها فاذابت ما انعقد منه بسبب البرودات الخارجية و ميعه و ميعت رطوبته الغروية المتعلكة الغليظة التي فيه برطوبته الظاهرة التي تمازجها كما يميع الدبس الغليظ في الماء و انما ذلك بسر المشاكلة التي بين ذلك الماء الخارج من المعدنيات و الرطوبة الغروية التي فيه و ذلك لان الرطوبات الصاعدة من المعدنيات زيابقها و ارواحها و الرطوبات الغروية التي في المعدنيات ايضاً زيابقها و بينهما مشاكلة فاذا اماعت حرارة تلك المياه تلك الرطوبات المتعلكة الغروية شاكلت تلك الزيابق السيالة فاتحدت معها و ماعت الكل فلاجل ذلك صارت الزيابق المنحلة الحادة اسرع حلاً للاجساد المعدنية و لعلك تعرف من هذا البيان ان ماء الكلب و

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 27 صفحه 137 *»

الكلبة اشرف المياه و اسرعها حلاً و من هذا الباب حل الخلول الصاعدة للاجساد و غيرها من الاجسام و اللئالي و غيرها و منه الحل بالابخرة كالحل في الحمامات المتعارفة او الصناعية و في ابار الحل علي ما هو المعروف بينهم و بذلك ينحل كثير من الاكاسير و الاجسام و الاجساد و لو بعد حين و منه الحل بالاندية و ذلك لما يكون جموده ببرودة يسيرة كالاملاح و الشبوب و الزاجات و امثالها و ذلك ايضاً بسر المشاكلة التي بين الاندية و تلك الرطوبات المائية التي في تلك الاجسام و اعانة تلك الحرارات الكامنة فيها فاذا اصابت الاندية تلك النيران الكامنة فيها اثارتها علي نحو التبخير كما تشاهد في النورة عند وصول الماء اليها و كما تشاهد في الزبل حين يصل الماء اليه فان النار اذا اصابها الماء بخرت الماء و خرجت الي الظاهر فصار سبب حل ما كان فيه و كل ما كان الشيء اشد حرارة في باطنه كان اشد تبخيراً و اسرع انحلالاً بالندي و لذلك تدابير كثيرة تأتي في محالها ان‌شاء‌الله.

فصل: في السحق و المراد منه تصغير الاجزاء و تهبيتها ليظهر قوي المسحوق الكامنة فيه ليسهل امتزاجه بغيره و يفعل فيه بمقتضي قويه و ينفعل منه علي حسب قوي ذلك الغير و ذلك علي قسمين قسم بالآلات كالفهر و الصلاية و قسم بالطبيعة اما القسم الاول فاغلب ما يستعمل في الادوية الطبية و ذلك يختلف بحسب صلابة ما يراد سحقه كالمعادن و رخاوته كالشبوب مثلاً و بحسب عدم فساد قوي المسحوق بالسحق كالياقوت مثلاً او فسادها كالسقمونيا و الراوند مثلاً فانهما بالسحق تنقص قويهما و بحسب ارادة نفوذه في البدن و فعل الطبيعة فيه سريعاً كاخلاط المراهم و الضمادات و امثالها او عدم ارادة سرعة فعل الطبيعة فيه كاخلاط الحبوب فانه يراد منها طول لبثها في المعدة و بحسب ما يخاف من ضرره و عدم ضرره كالادوية التي فيها سمية و غيرها و قد يستعمل السحق بالآلات في الاعمال البرانية كامثال الملاغم و غيرها من اخلاط المياه و سحق النفوس و غيرها و ينبغي فيها المبالغة ولكن منها ما يسحق وحدها كاخلاط المياه و منها ما

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 27 صفحه 138 *»

يسحق مع غيره كسحق الزرانيخ و الكباريت فانه ينبغي ان‌تسحق مع الماء القراح لئلاتسود و تشتد حرارتها المطلوب تقليلها و هو علي اقسام فمنها بالهاون فما كان من الاخلاط لاطعم حامض لها يجوز سحقها في المتخذ من النحاس و كذا ما ليس فيه دهانة و ما كان فيه دهانة او حموضة فيجب ان‌يسحق في الهاون المتخذ من الاحجار و ما كان فيه حدة و حرارة يخاف فيه من تكليس الحجر او خلطه معه ففي هاون زجاج و ما يراد فيه غاية السحق لصلابته او لمحل استعماله كالاحجار و الجواهر و الاكحال فبفهر و صلاية و ما كان من جنس الاجساد المنطرقة الغير المنسحقة فربما يبرد بالمبارد اولاً ثم يدبر ولتكن في غاية النعامة و اما السحق الطبيعي فذلك في الاعمال الجوانية و بعض الاعمال البرانية و المراد منه السحق بالحرارة و اليبوسة المفككة لاجزاء الشيء و مفرقها او بالحرارة و الرطوبة المهبية لاجزاء الشيء مع وجود رابط بينها و السحق الطبيعي هو السحق الحقيقي الذي يهبي اجزاء‌ الشيء و يردها الي بدء خلقتها و يمكن معه المزاج الحقيقي و التركيب الحق و التفاعل بين الاخلاط و ذلك من الاسرار المحجوبة عن الاغيار فافهم.

فصل: في الحرق و المراد منه تحليل رطوبات المحروق الرابطة بين اجزائه ليبقي ارضيته و ذلك يحتاج اليه في الطب و في الصنعة معاً اما في الطب فكما يفعل بقرن الاَيِّل و الطرطير و غير ذلك و ربما يريدون منه تحليل الرطوبة المسهلة و بقاء الارضية القابضة كما يفعلون بالراوند و يسمونه بالقلي و الحمص و التشوية ايضا الا ان الثلثة اول مرتبة الاحراق و يشترط فيها ان لايبلغ حد تفريق الاجزاء كالحرق و ربما يريدون منه انتقال طبعه الي البرودة او الحرارة لانه اذا كان الجسم لايفارق اعراضه المدركة الحسية يستمر طبعه و ان فارقها فان كان متخلخل الجسم ضعيف التركيب يميل بالحرق الي البرودة لمفارقة ناريته بسبب المعادن الخارجي و هو النار فان ناريته اذا قويت فارقت ساير الاجزاء و عادت الي حيزها و بقيت ارضيتها الباردة اليابسة و ذهبت رطوباتها ايضاً بالتبخير و ان

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 27 صفحه 139 *»

كان شديد التركيب مال الي الحرارة لتقوي ما فيه منها بجنسها و عدم مفارقتها و لربما يريدون بالاحراق كسر الحدة كالزاج مثلاً او التلطيف و النفوذ كالملح او لرفع السمية كاحراق الافعي او لرفع الغرايب كالنورة و يشترط ان لايحرق جنسان معا كالملح و البورة معاً لاختلاف كيفيات حرقهما و ينبغي المبالغة في احراق الصلاب كالاحجار و لايبالغ في النباتي و الحيواني فيبقي ارمدة لامنفعة فيها و كذا الصموغ و ان كان المراد التبريد فينبغي الغسل و التصويل بعد الاحراق في التكليس و هو عند الاطباء جعل الشيء قابلاً للسحق و هو للمعدنيات و يراد منها سهولة الحل و الامتزاج بالغير و اما عند اهل الصناعة هو جعل الشيء مستعداً لتدبير المزاج فالذي يحتاج اليه في الصناعة علي قسمين قسم يكون بالنار الظاهرة و النار التي بالفعل و هو ظاهر و قسم منهما يكون بالنار التي بالقوة كالمياه الحادة و الارواح اللطيفة فالحرق بالنار التي بالفعل فهو ينهك جسم الشيء و يبطل ارواحها و بلة مزاجها و يفسدها فهو بعيد عن الحق البعد الاقرب و لايأتي منها عمل جزم حق خالد دائم و هو تكليس العامة و اما الحرق بالنار التي بالقوة فهو العمل الحق الذي يحفظ بلة الجسد و يقوي ارواحه و سيعود حياً لانها برطوبتها التي هي الروح لاتبطل روحه بل ينقيها و يخلصها و يصفيها من اعراضها و يلطفها و يكثر نفوذها و يسهل مزاجها و يعين علي فعلها و انفعالها و هو تكليس الحكماء و هو سر لايهتدي اليه الا من فتح الله عين قلبه و بصره بالكم و الكيف و اللم فلاتغتر باكثر زخارف الكتب و تحبيرها بالتدابير فانها ان كانت عن عالم فاما هي لدفع الجهال عن العمل الحق و طردهم و اما هي رمز علي ما ذكرناه و ان كانت عن جاهل فلاعبرة بقوله فكم من مباشر للنيران المهولة و عفونات الكباريت و الزرانيخ المهلكة و لايحصل في آخر عمره الا بطلان القوي و خسران المال فكم من مؤلف للكتب لايعرف الهرة من البرة و يجمع بعض الاعمال المتفرقة في الكتب و لايعلم اي من اي فتقع في ايدي الناس و يحسبونها معتبرة فيعانون اعمالها و يقعون في تضييع العرض و الاهل و المال و اني لكم ناصح امين لا اكشف ما ينبغي ستره و لااستر ما يجوز كشفه.

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 27 صفحه 140 *»

فصل: في التقطير و هذا الباب اوسع ابواب هذه الصناعة و اكثرها اعمالاً و استعمالاً حتي قيل ان الكيميا هو التقطير و هو صعود بخار او دخان عن الرطوبة الكامنة في الاجساد فان كان بخاراً فيصعد الي اعلي الاناء الذي هو بمنزلة جو السماء فاذا صادفته البرودة الملائمة استحال ماء و انعكس هابطاً سائلاً قاطراً و لايستحيل ماءاً اذا كان اعلي الاناء شديد البرودة فان برده يردع البخار الي الاسفل فاذا صار دافئاً لم‌يردعه و احاله ماء و ان كان دخاناً فيصعد الي الاعلي فاذا صادفته برودة استحال دهناً اذا كان في ذلك الدخان رطوبة لزجة و اما اذا لم‌يكن فيه رطوبة لايقبل الاستحالة و قيل التقطير تصعيد جسم رطب هوائي فارق الجسم بفعل الحرارة النارية و قال بعضهم التقطير تصعيد ما يقبل الصعود و في الحقيقة لافرق بين التقطير و التصعيد الا ان التقطير اصطلح في الرطب و التصعيد اصطلح في اليابس و هو علي مراتب فمنه ما يسرع اليه التفريق لكثرة رطوبته و هوائيته و منه ما يبطئ لقلتها او لثقلها فلايصعد الا بنار قوية كالملح فانه يحتاج الي نار السبك و منه ما يحتاج الي قصر عنق الاناء و قرب المسافة و منه ما لايضر به طوله ثم منه ما يصعد الي الفوق و اصطلح فيه التقطير و هو الطف و انفذ و منه ما ينزل الي الاسفل و يصطلح فيه التنكيس و ذلك اغلظ و اكثف و انما ذلك لادهان غليظة لاتصعد لثقلها و قلتها و ذلك كدهن الحبوب و البيض في بعض الاوقات و قد يكون التقطير الي جانب كالتقطير في مائل الرقبة و الافلاطوني و ذلك لتقطير الاشياء اليابسة الثقيلة فينبغي ان‌يكون ذلك بمباشرة نفس النار و من باب التقطير التعريق المستعمل في مبدء التحليل فانه ايضاً تقطير الي الداخل و يحتاج في كل مرة الي تجديد الرطوبة و كلما كثر التعريق سهل الحل و قرب و يحتاج في ناره الي نار ضعيفة في رمل او رماد من الاسفل ثم نار التقطير علي اربعة اقسام الاول مباشرة نفس النار بوضع الاناء علي الجمار او في لهيب النار و الثاني هواء‌ حار بتبعيد اللهب او الجمار عن اسفل الاناء و الاكتفاء بحرارة فضاء الاتون و الثالث الماء الحار و يطلق عليه التقطير بالرطوبة و الرابع الرماد الحار و الرمل الحار و برادة الحديد و يطلق عليه التقطير باليبوسة و من البين للناظر الخبير ان النار الرطبة الين من النار اليابسة

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 27 صفحه 141 *»

فان رطوبة الماء تقاتل جفاف النار و يلينها و ان تخلفت عنها في ظهر الاناء و الحرارة مع الرطوبة اقل انهاكاً للشيء و اقل تأثيراً من الحرارة مع اليبوسة فالتقطير بالرطوبة انسب للاشياء اليابسة القليل الماء اللطيفة الروح و التقطير باليبوسة جايز للاشياء الرطبة و انسب لما يراد تقليل رطوبته و تحديد مائيته فانها تكتسب من النار اليابسة حدة و حرافة و يحصل لها تشبب فمباشرة اصل النار لذلك اشد تشبيباً من التقطير في الرمل و الرماد و قوة النار في المقطرات و ضعفها علي حسب لطافة الارواح و غلظتها و يحتاج في تقطير المائل و التنكيس بمباشرة نفس النار او الرماد الحار او غيره ثم من الاشياء ما يكرر تقطيره ليتخلف عنه الاجزاء الغريبة او ليفارق الدهن و في مثل ذلك يحتاج الي ضعف النار فان شدة النار تصعد الغرائب ايضاً و تصعد الدهن مع الماء و ذلك لان الدهن يحتاج في تصعيده الي نار اقوي و قد يكرر رد المقطر علي الارضية لتنحل ولكن اذا كرر الرد علي الارضية مرات تغلظت الروح و ثبتت في الارضية فلاتصعد فعلم من ذلك ان في كل مرتبة يحتاج الي نار اقوي فافهم هذه الاصول فانها مفتاح الوصول.

فصل: في التخمير و التعفين و هو الطبخ الطبيعي بالحرارة و الرطوبة و التخمير مبدؤ التعفين و التخمير لاجل جعل الشيء صالحاً للتقطير و جعل الرطوبات الطبيعية سهل الخروج بسبب انهاك يبوسته بالحرارة و الرطوبة و التعفين لاجل انحلال يبوسات الشيء و تهبية اجزائه و قد يحتاج في التقطير الي التعفين التام و ذلك اذا كانت الرطوبات الكامنة غليظة لزجة ثقيلة متعلكة فيعفن حتي يرق قوامها و تغلب روحانيتها الباعثة لنفورها عن النار و ربما يحتاج مثل ذلك الي رطوبة خارجية حادة حتي ترقق قوامها و تجعلها قابلة للتقطير و قد منع بعضهم عن التخمير و التعفين زعماً منهم ان بهما تبطل قوي الشيء او تضعف و هو صحيح اذا تجاوز عن الحد الواجب فان رطوبتهما تبطل حرارة الشيء الطبيعية و كذلك اذا كان المقصود حدة المقطر فان التخمير و التعفين لرطوبتهما يبطلان حدة الشيء اما اذا لم‌يتجاوز الحد الواجب او لم‌يكن المقصود الحدة فلابأس بهما

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 27 صفحه 142 *»

لانهما يعينان علي اخراج الرطوبات الكامنة فمبلغ التغيير فيهما كمالهما لشيء فاذا بلغ ما يراد منه من الحل و التفريق و استعد للعمل اخرج فلايبطل قواه اذا كان علي نحو ما ذكرنا و اما مدة التعفين فتختلف بحسب ضعف تركيب المتعفن و شدته فاذا كان رطباً فيكتفي فيه ثلثة ايام او اربعة او خمسة و تختلف في الصيف و الشتاء و جودة التدبير و رداءته و ان كانت يابسة فيحتاج الي اسبوعين و ثلثة و اربعة و خمسة و ذلك علي حسب نظر الناظر و كمال التعفين في الحل ان‌يصير ماءً رائقاً لا ثفل فيه البتة.

فصل: في النقع و الطبخ و هما ايضاً لتفريق اجزاء الشيء و استخراج القوي الكامنة فيه و تفصيل دهن الشيء عن ارضيته فيشترط في النقع ان‌يغمر بالماء الحار بالفعل او بالفعل و بالقوة كالنقع في المياه الحادة و هو في الاغلب كاف للاشياء اللطيفة و الضعيف التركيب و اما الطبخ فللاشياء الكثيفة او قوي التركيب و منها ما يحتاج الي طبخ كثير اذا كانت كثيفة و منها ما يحتاج الي طبخ قليل اذا كانت لطيفة الروحانية شديدة النفور و قد يكون الطبخ في المياه الحادة علي النار لترقيق رطوبات الشيء اللزجة و المتعلكة و قد يكون لتفصيل الادهان عن الاجسام فتصعد علي الماء و تؤخذ و قد يكون لترقيق دهانة الشيء و تقليلها حتي يزول احتراقها و ذلك يحتاج الي المياه الحادة اللزجة و تكرار الطبخ و هنا سر يشترك في هذا الباب و باب الغسل و ذلك يجب النظر فيما يراد تفصيله او تقليله فيدبر له ماء برزخياً بين ذلك الشيء و بين الماء حتي يمازجه بالمشاكلة و ينقله الي المائية بالمشاكلة مع الماء و ذلك سر لايطلع عليه الا الحكيم الماهر فافهم و يأتي تفصيل ذلك في الغسل فترقب.

فصل: في التشميع و التنقير و الذوب و الترخيم و هذه الاعمال متقاربة يشتبه بعضها ببعض اما التشميع فهو جعل الشيء الغير الذائب قابلاً للذوب كالشمع الذائب علي النار او يصير بحيث يذوب علي اللسان و القسم الاخير هو تشميع

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 27 صفحه 143 *»

الخواص والاول هو تشميع العامة فتشميع الخاصة لاجل تلطيف الاجزاء حتي يسرع انحلاله و غوصه في الجسد و يحصل ذلك بالسقي بالمياه الحادة و التشوية دائماً حتي يصير كما قلنا و لابد في اناء التشميع الاعلي من ثقبة حتي يرتفع البخار اذ لايمكن التشميع حتي يرتفع الرطوبة عن الدواء و الفرق بين التشوية و التشميع ان التشوية بعد جفاف الدواء و التشميع قبله و قد يكون التشميع بالارواح و ذلك للاجساد الصلبة و اما التنقير و هو الاذابة و جعل الشيء كالنقرة يذوب بالنار و هو قبل التشميع و انما يحتاج الي التنقير في اكسير فيه روح و جسد لتقر الارواح و تسكن الي الاجساد و يزول طيرانها فاذا ائتلفت بها صار حكم البعض حكم الكل و يحصل ذلك بطول التسقية بالمياه الموافقة و لاتجعل ما نقرته كالاحجار الصلبة لاتقبل الذوب و بعد التنقير الذوب و بعد الذوب التشميع و بعد التشميع الترخيم و هو الصلوح التام للانحلال و بعد الترخيم الحل فالمياه المنقرة هي المذيبة و المذيبة هي المشمعة و المشمعة هي المرخمة و المرخمة هي المحللة و ذلك انك اذا جعلت الاكسير في الاناء بعد التسقية و السحق الواجب و شويته تبلغ النار تلك الرطوبة الي اعماق الدواء و يخلط قوة كل واحد في كل واحد و يدخل كل واحد في كل واحد حتي يقع بينها المزاج و هي طاهرة فيتركب بهذا التدبير تركب الجسد المعدني فيصير كالنقرة ثم اذا ادمت عليه التدبير يتلطف الاجزاء و يزيد رطوبته الغروية حتی يذوب کالجسد و ينعقد ثم اذا ادمت عليه التدبير يتلطف اجزاؤه حتي يصير بحيث يذوب علي اللسان فان تلك المياه تحيل الدواء الي شكلها و هي املاح او ادهان قابلة للذوب علي اللسان ثم اذا ادمت عليه التدبير يترخم و يصير مشرفاً علي الانحلال فاذا ادمت عليه التدبير يميع و ينحل و يمكن للحكيم جميع ذلك في يوم او بعض يوم و يصعب علي الجاهل حتي لايصل اليه بعد ايام او شهور بل اعوام فمن دخل المدينة من بابها قدر علي ما يشاء فاذا انحلت الاجزاء صارت شيئاً واحداً ممازجة حق الامتزاج يجري علي البعض ما يجري علي الكل فافهم.

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 27 صفحه 144 *»

فصل: في التصعيد و هو تقطير يابس كما ان التقطير تصعيد رطب قال جابر التصعيد تقطير شيء يابس قابل للصعود و غايته تفريق اللطيف عن الكثيف او تغيير صورة المصعد و اكتسابه حدة و حرافة و حرارة كما يكون في الزيبق و اما آلته فتختلف في الطول و القصر بحسب قبول المصعد للصعود فكلما كان قوي الروحانية كثير النفور يصعد في الآلة الطويلة كالزيبق مثلاً و كلما كان قليل الروحانية فيحتاج الي آلة قصيرة كالنوشادر فانه ليس يصعد في الآلة الطويلة و اما مثل النفوس فتصعد في المتوسط و كذلك تختلف مراتب النار فمن الاشياء‌ ما يصعد بنار ضعيفة كالزيبق و منها ما يصعد بنار متوسطة كالكباريت و منها ما يصعد بنار قوية كالزرانيخ و منها ما يحتاج الي نار هوجاء كالاجساد فانها لاتصعد الا بها و اذا صار نار التصعيد قوية لايصبر عليها الزجاج فلتكن فخاراً او حديداً او نحاساً و من الاشياء ما تصعد بجملتها لغلبة الارواح علي اجزائها الارضية و منها ما يصعد بعضها لكثرة ارضيتها فاذا فهمت هذا السر فقد يخلط مع الاجزاء‌ الثقيلة المقصود تصعيدها ارواح و تغلب عليها و يبالغ في امتزاجها و تغليب الروح عليها و يوقد تحتها نار هوجاء حتي تصعد تلك الاجزاء بقوة الروح و النار و لعلك علمت من ذلك انه ينبغي ان‌يخلط بها روح قابلة للامتزاج التام و لذلك قال بعضهم ان الاجساد لاتصعد الا بالزيابق فانها شديد الامتزاج و من المعلوم انه كما ينزل الجسد الروح اذا غلب عليها يصعد الروح الجسد اذا غلبت عليه البتة فابتغ لكل ثقيل روحاً يمازجه و يشتد تعلقه به و قد يستعان في تقوية النار بالاملاح و الاكلاس فتفرش تحت المصعد حتي تقوي فعل النار بحرارتها التي بالقوة فترمي المصعد الي الفوق و تطيره و فائدة التصعيد التطهير عن الاجزاء الغريبة و الارمدة الفاسدة و تخليص الروح و تشبيه الجسد بها و في حكمه التنزيل و كأنه تصعيد الي اسفل و هو ان‌تحل الشيء‌ بالمياه الحادة حتي يمتزج بها و يصير ماءً رائقاً او بالارواح المحلولة اللطيفة و بعد الحل يقطر عليه ما يبطل قوة الماء الحاد حتي يفارق المحلول الماء راسباً في اسفل الاناء مكلساً مروحاً و ذلك كماء الملح الطيب و ماء‌ ملح القلي و امثالهما و قيل يفعل هذا الفعل ايضاً دهن الطرطير و ملحه.

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 27 صفحه 145 *»

ثم اعلم ان التصعيد تصعيدان تصعيد عامي و هو ما يكون بين المصعد و المصعداليه خلاء و تصعيد الحكماء و هو ما يكون بينهما ملاء و متي ما استعمل الحكماء التصعيد يريدون تصعيدهم لا تصعيد العامة فان تصعيد العامة يبطل قوي المصعد و ينهك جسمه و يميته و يضعف ارواحه و يبددها و هي بعيدة عن الحق البعد الاقرب فلايجوز استعمالها في العمل الحق البتة و انما ذكروا بعض التدابير لضبط خواص الاشياء و ما يظهر منها بهذه التدابير فاذا ذكروا لفظ التصعيد في الاعمال حمله الجهال الي المعاني العامية و كذلك يكون جل تدابيرهم و الناس عنها غافلون و في بوادي الضلالة تائهون فاحذر عن تضليلات القوم و تدهيشاتهم حتي تنجو من بلوٰيهم.

فصل: في الغسل و التصويل و هو تنقية الاوساخ و الادران و الادناس عن الشيء و ربما يكون لتقليل بعض الاعراض الغالبة عليه كتقليل الدهانة و الحرارة و الجفاف او غيرها و هو يكون بالماء القراح او بمياه مدبرة او بمياه حادة او غيرها و السر الحقيقي في ذلك ان‌تنظر في نوع الوسخ ثم تدبر له ماء برزخياً يناسب ذلك الوسخ من جهة و يناسب الماء من جهة اخري فتغسله به او تطبخه فيه او تنقعه او تعفنه فيه حتي يمازج ذلك الماء الوسخ بسر المشاكلة البرزخية ثم تنقله الي الماء فتزيله عنه بالماء شيئاً بعد شيء حتي يطهر مثلاً لما كان اكثر اوساخ الثياب و الابدان لزجة بلزوجة دهنية متعلكة احتاجوا في تطهيرها الي ماء حاد قطاع للزوجته برزخي بين الدهن و الماء فلم‌يكن ذلك الا ملح القلي و ملح النورة و خلطوهما بشيء من الدهن حتي اتحد الجميع فحصل بينهما طبيعة رابعة برزخية بين الدهن و الماء فيمازج الاوساخ بدهنيته و ينقلها و يحيلها الي الماء بملحيته التي تموث في الماء فاذا غسلوها به نقاها و الشمع مثلاً لما كان متعلكاً غليظ الدهنية لم‌ينجع فيه التدبير الاول لرقة دهنه فاحتالوا لذلك العسل فانه اذا ذاب مازج العسل و العسل يمازج الماء فغسلوها مع العسل الحار و كذلك اذا لطخ الفرش بالادهان اللزجة الغليظة كدهن الخروع و الشيرج يغسل بمطبوخ النخالة و الدقيق

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 27 صفحه 146 *»

مع الدبس فان ذلك الدهن يمازج هذا المطبوخ بواسطة دهنية الدقيق و لزوجة الدبس ثم ينتقل الي الماء بالمناسبة من الجهة الاخري و كذلك تزال الادهان عن الثياب بالمرارة فانها بدهنيتها تمازج الادهان و بحدتها تقطعها و بمائيتها تنتقل الي الماء و كذلك تزال دهنية اليد بمدقوق الحبوب كالباقلي و العدس و الحمص لما فيها من الدهانة الممازجة و صلاحية الممازجة مع الماء فينقل الدهن الي الماء و قد يحتاج في الغسل الي المياه الحادة القطاعة و الحامضة و ذلك اذا لم‌يكن الوسخ ذا دسومة كغسل الزيبق و تطهيره و قد يغسل بالماء القراح كتصويل الاجساد المسحولة فان سوادها اذا سحلت يخالط الماء و يزول عنها و للاملاح في الغسل خصوصية اذا دبرت تدبيرها الخاص ثم ان الغسل قد يكون للتلطيف و قد يكون للتطهير و قد يكون للتبريد و لكل منها مقام يعرفه البصير.

فصل: في العقد و هو تجميد السائل و منعه عن السيلان و يكون ذلك بافناء باقي رطوباته المسيلة له كما يعقد الملح المحلول علي النار مثلاً و هو بالحرارة و اليبوسة او البرودة و اليبوسة اما الذي بالحرارة و اليبوسة فهو العقد بالنار و للعقد بالنار آلات و مقادير لنيرانه فان منها ما يعقد بنار كنار الحضان و ذلك اذا كان الشيء لطيفاً جداً و فيه ارواح نافرة غير معتادة علي النار فيخفف النار الي ان‌يبخر الرطوبات شيئاً بعد شيء حتي يبقي اصل ذلك العقار المطلوب او اصل ذلك الجوهر و ان كان الشيء لايخاف عليه من النفور من النار فلابأس بقوة النار فيغلي علي النار حتي يجف ثم العقد بالحرارة قد يكون علي نفس النار و قد يكون في الهواء الحار كجوف اتون او تنور و قد يكون في الرماد و الرمل الحار و برادة الحديد و امثالها و اما العقد بالماء فلايكون من هذا الباب و قد يكون العقد بالبرودة و اليبوسة و هو التجميد كعقد الدهن بالبرودة و اليبوسة و عقد الماء في الهواء البارد و عقد الاجساد المذابة بالبرد و لما كان العقد ضد الحل فليستعمل الحكيم نظره فما انعقد بالحرارة يكون الطريق الاقرب في حله بالبرودة و ما انعقد بالبرودة يكون الطريق الاقرب في حله بالحرارة و اما العقد بالرطوبة فلايكون

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 27 صفحه 147 *»

فالحل باليبوسة ايضاً لايكون و قد يكون العقد بالبرودات التي بالقوة و الحرارات التي بالقوة اما العقد بالحرارة بالقوة فكالعقد بالاملاح و الشبوب و الزاجات كما يعقد الزيبق مثلاً بالتوتيا و الملح او الكبريت و امثالها و اما العقد بالبرودة بالقوة فكالعقد بالعقاقير الباردة بالطبع كبزرالبنج و جوز ماثل و افيون و امثالها و هذا النحو من العقد افضل العقودات.

ثم العقد علي انحاء شتي و كل نحو منها نافع في عمل من الاعمال:

فالاول العقد بالتشوية و هو للعقاقير البرانية فتسقي اركان عملك بالمياه العقادة في السحق و تتركها حتي تجف ثم تجعلها في قارورة مطينة و تتركها علي نار خفيفة و تأخذ رطوبتها ثم تستحكم رأسها و تكبس عليه النار الضعيفة حتي تنعقد و تأتي علي ما تحب.

و الثاني ان‌تجعل القارورة في القدر المملو رماداً او رملاً ثم تأخذ رطوبتها ثم تسد رأسها بالملح و الدقيق و امثالهما و تدعها حتي تجف فتكبس عليها الرماد ثم تكبس عليه دقاق الفحم واسع في تساوي النار من الطرفين فتنعقد الاجزاء في جوفها متنقرة.

و الثالث ان‌تضع القارورة المطينة علي النار و تأخذ رطوبة الاجزاء بالصوف ثم تجعلها في القدر المكبس بالرماد و تسد فم القارورة و تكبس عليه الرماد و تهندم علي القدر طبقاً و توقد علي الطبق و ليكن النار من الجانبين علي السواء حتي يتنقر ما فيها و لايدخن و ربما يحتاج الي تكرار العمل.

و الرابع ان‌تحفر في الارض بقدر ان‌تسع القارورة و تكبسها بالتراب و ترش علي ذلك التراب الماء ثم تكبسها بالزبل و توقد عليه حتي يتنقر ما فيها و لايدخن و هذا النحو للمحلولات.

و الخامس ان‌تجعل الدواء في قارورة طويل العنق يكون طولها ثلثة اشبار و تنصب عليها انبيقاً اعمي يكون طوله شبراً و تنصبها علي مستوقد و هي مطينة و توقد تحتها سراجاً حتي يرتفع منه العرق و ينزل فيه الي ان لايرتفع منه عرق البتة فتكسر القارورة و تخرج الدواء و تجعله في جام زجاج و هو كرب غليظ و تغطيه

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 27 صفحه 148 *»

بحرير و تضعه في الشمس فينعقد لك.

و السادس ان‌تجعل الدواء في قرعة طويلة رفيعة و تنصب عليها انبيقاً اعمي و تشد الوصل بأشد ما تقدر عليه ثم تجعلها قي قدر برام او خزف و تكبسها بالرماد المنخول بحيث يكون نصفها في الرماد و نصفها خارجاً ثم تضعها علي مستوقد مدور قطر اسفله ذراع و نصف و اعلاه بقدر سعة القدر ثم اوقد تحته ناراً قوية حتي تشاهد صعود العرق و يتسخن القرع قليلاً ثم قلل النار و كلما رأيت عدم صعود العرق تزيد في النار فاذا صعد تخفف الي ان لايصعد عرق ابداً فترفع القدر و تبرده و تكسر القارورة و تخرجه و تبسطه علي صلاية او جام زجاج و تضعه في الشمس و لاتضعه حتي يصلب شديداً و لاينسحق ثم ارفعه و اسحقه و اجعله في البلور و هذان القسمان للمحلولات و انما احتيج الي طول الاناء حفظاً له و لئلايرجع العرق الي الدواء فيسوده و يكون للبخار فسحة و بين العرق و الدواء مسافة.

و اعلم انه قد ذكر بعضهم ان العقد ليس من شروط الاكسير فانه اذا صار محلولاً طاهر الاجزاء متحداً ثابتاً هو الاكسير الا انه يعقد لسهولة حفظه و عندي ان العقد من شروط كمال الاكسير فان تلك الرطوبات غريبة البتة فانه اما داخلها من الهواء او الابخرة او المياه الداخلة عليها اذ لم‌يكن للاجزاء رطوبة بالفعل و وجود الغريب فيه دليل نقصه و اخراجه دليل الكمال و لان المعقود متجسد يلقي علي الاجساد فيعمل فيه النار و تنفذه في الجسد الملقي عليه و اما الماء فلايمكن القاؤه علي الجسد المذاب الا ان‌يحمي الجسد فيطفي فيه و لا شك ان نفوذ الاكسير في الجسد الذائب اكثر من نفوذه في المحمي و لان تلك الرطوبة طيارة بلاشك لانها تجف بالنار و الهواء و هي غير الثابتة و وجود الغير في الشيء الذي يراد منه الاتحاد نقص البتة و لان بالعقد يكتسب الاكسير صورة شخصية وحدانية و تماسكاً و مجاورة و ممازجة ليس في المحلول مثله لتخلل الرطوبة فلايشك الحكيم في ان العقد من تمام العمل فافهم ثم غير ذلك من المهن و الاعمال كثيرة لايمكن ضبطها و انما يحتاج الي ان‌يبصر الانسان بعينه و يعمل بيده بل هذا الذي

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 27 صفحه 149 *»

ذكرنا ليس يتم لاحد العمل به الا بعد المهنة و الخدمة فان العلم في باب العمل ناقص و العلم علمان علم غير مقرون بالعمل و هو مثل ما ذكرنا و علم مقرون بالعمل فلايحصل الا بالعمل فتنبه.

الباب السادس

في معرفة آلات هذه الصناعة و هي علي قسمين آلات الذوب و آلات التدبير.

اما آلات الذوب فهي التي معروفة عند الصائغين من الكور و المنفخ و البوطقة و الماشق و الماسك و المقطع و المكسر و البوطبربوط و هي كلها معروفة عندهم الا الاخير و هو بوطقة موضوعة علي بوطقة في اسفل الاعلي ثقب صغار و ذلك للاستنزال فيعجن ما يراد استنزاله بالزيت و النطرون و يجعل في العليا و يجعل في الكور و يكبس بالفحم و ينفخ حتي يذوب و ينزل الي السفلي و ليكن زق المنفخ واسعاً ليناً بلاثقبة له عنق علي قدر قفيزة الكور و الخشبة التي في مؤخر الزق مستديرة متصلة بالجلد من اعلاه الي اسفله و ليكن للكور غطاء يهندم عليه ليرجع الشعلة علي البوطقة فيسرع الذوب و ليكن حفرة الكور عميقة مستديرة و يكبس البوطقة بالفحم من جميع جوانبها و ليكن من تحتها دائماً من الفحم قطعاً كباراً و احسن الفحم فحم اللوز لانه قليل الشرارة كثير الشعلة.

و اما آلات التدبير فكثيرة و هي جارية علي النظم الطبيعي و هو القرع و الانبيق و القابلة و هذه آلات التقطير و القدح و الانبيق الاعمي و الآثال و المستوقد و الاقدار و القناني و القوارير و الصلاية و الفهر و الاتون و الطابشدان و نافخ نفسه و الدرج و احسن القراع كبارها و اغلظها و لتكن مستدير الاسفل لابولين لها و قد يحتاج الي المراجل اذا كان التقطير بالرطوبة و ليكن لها غطاء في وسطه ثقبة يخرج عنها عنق القرع و يشد وصله و ثقبة اخري لصب الماء متي نقص في ناحية منه و قد يوضع القرع في قدر مكبس بالرماد او الرمل او البرادة و امثالها.

و اما الانابيق فاربعة احدها واسع الخرطوم لتقطير النفوس و الادهان و

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 27 صفحه 150 *»

الاصباغ و ثانيها ضيق الخرطوم لتقطير المياه و ثالثها الانبيق الاعمي للحل و هو له خندق و لاخرطوم له و رابعها الانيبق الذي لاخرطوم له و لاخندق و هو للعقد و اما الاثال فهو قدر من الزجاج او البرام او الخزف متساوي الاعلي و الاسفل و يختلف طوله و قصره و سعته و ضيقه باختلاف الاعمال و العقاقير و التدابير و له غطاء يهندم عليه علي هيئة المخروط و من داخله رف ليمنع المصعدات عن النزول و هو آلة التصعيد و له اجنحة من الخارج ليقع علي فم الكور و لاينزل و يكون اكثر الآثال في النار و قد يصعد العقاقير في القدحين المنطبقين زجاجيين او خزفيين او مزججين في الاعلي منهما ثقبة و اما المستوقد فهو تنور صغير علي قدر القرع او الاثال و القدحين و يختلف ارتفاعه و سعته بحسب اختلاف التدابير و له ثقبتان يخرج من احديهما الدخان و يدخل من احديهما الهواء و اسفله اوسع من اعلاه و اما القناني فلتخنيق ما هو قابل للتصعيد فيتخنق المصعد في صدره كالرصاص و اما اقداح التشميع فتكون من الزجاج و في الاعلي منهما ثقبة صغيرة لخروج الابخرة و الرطوبات و قد يؤخذ الاقداح للتشوية فليس في الاعلي ثقبة فيكبسان بالنار الخفيفة و اما الصلاية و الفهر فهما آلة السحق و كذا الهاون و هو آلة الدق و هو اما من الزجاج او حجر او مفرغ و اما الاتون فهو كورة صغيرة تتخذ للتكليس و اما الطابشدان فهو علي نحو كورة الزجاجين للتكليس و اتخاذ الاسفيداج و غيره و اما نافخ نفسه فهو كورة علي نحو السماور الافرنجي المعروف في هذه الاعصار يدخل من شباك اسفله الهواء و يخرج منها الرماد و يشتعل بنفسه و ذلك للتكليس الي غير ذلك.

و السر في الآلات ان‌تلاحظ اقتضاء الطبع و ما يتأتي ما تريد منه به فتعده و ليس ذلك امراً تعليمياً و ينبغي ان‌يستعمل الحكيم عقله قبل العمل فيتدبر في مقتضيات طبايع ما يريد من قوة النار و ضعفها و قوة العقار و ضعفه و روحانيته و نفسانيته و جسدانيته و في الغرض هل هو حل او عقد او تصعيد او تنكيس او احراق او تصويل باي شيء يتأتي و باي شيء يسهل و كيف ينبغي ان‌يستعمل و لايحصل ذلك الا بالرؤية.

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 27 صفحه 151 *»

                                          خاتمــه

و اذ قد بلغ الكلام هذا المقام قد لحقني الملال لطول المقال و كثرة الاشغال فاحببت الختم ببعض النصايح نصيحة ناصح مشفق عليك يخبرك عن علم و يقين.

فاعلم يا حبيب قلبي ان بين الحق و الباطل اربعة اصابع و ليس السمع كالعيان و انك ما سمعته من الحكمة و تفكرت فيه لاتأمن الخطاء فانك لست بمعصوم و انت كنت جاهلاً اولاً و تعلمت شيئاً بعد شيء فما تجهله اكثر مما تعلمه و لربما يكون ما علمت شيئاً منه متوقفاً علي مسائل كثيرة مما لاتعلمه فلذلك لايمكن الركون الي ما فهمه الانسان مما سمع و مما تفكر الا ان‌يزنه بالميزان و الموازين عديدة منها الكتاب و السنة اللذان لايأتيهما الباطل من بين ايديهما و لا من خلفهما الا ان كل شيء ليس فيهما ظاهراً كما هو باهر و كل ما هو فيه الفاظ و لنا منها مفاهيم و عالم الالفاظ كثير الاحتمالات و لايمكن الوصول الي كنه كثير من المسائل منها علي البت و اليقين مع كون ما فيهما من المحكم و المتشابه و المجمل و المفصل و الظاهر و المأول و غير ذلك فليس العرض عليهما و الموازنة بهما شغل كل مدع اللهم الا من انشرح صدره بنور آل‌محمد:و شاؤا بالعناية الخاصة ان‌يعرفهما و علامة ذلك ان لايري فيهما اختلافاً اصلاً و يضع كل شيء منهما موضعه بلاتعارض و لايحتاج الي عصي العميان في سلوكه في فجاجهما و اين الثريا من يد المتناول فذلك مقام رفيع يناله الخصيصون لا الخواص فان لم‌تنل هذا المقام فاسهل الموازين لك الانسان الكامل الذي عرفته بالكمال و بلوغ ذلك المقام فزن ما عرفته بفهمه و كلامه و نصوصه فانه الميزان العدل في الدنيا و الآخرة فاذا خالفه سمعك و بصرك فكذبهما و صدقه فانه يحتمل في سمعك و بصرك من الاعوجاج ما يحتمل و لايحتمل في ذلك الشخص شيء مما يحتمل فيك و في حواسك من الانحرافات و الاعوجاجات ولكن ذلك ايضاً ميزان لفظي فانك تعرض عليه و تسمع منه او تراجع كتابه و تأخذ عنه فيحتمل فيه ايضاً ما كان يحتمل في الكتاب و السنة و ان كان اقل فانهما مجملان و كلام ذلك الرجل تفصيلهما و انسب الي مقامك ولكن الميزان الخارجي الذي تراه بعينك و تعمل بيدك و تري صواب

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 27 صفحه 152 *»

الامر و خطاءه بعينك عيناً و عياناً فهو هذا العلم الالهي النبوي العلوي الهرمسي فان فيه شهادة ما قد غاب و انكشاف ما في الحجاب و تجسم الحقايق بلاارتياب و فيه تبلي السرائر و تظهر الضماير فانه مرآة الحكماء و مجلات العلماء يشاهدون فيها القريب و البعيد و المألوف و الغريب و يرجعون اليه في كل مسألة اشكلت عليهم و يؤبون اليه في كل معتضل عليهم ففيه حل المشاكل و عيان المسائل و مشاهدة الدلايل و احوال الاواخر و الاوائل من لم‌يعانق هذه الحسناء لم‌ينل لذة في جميع الدنيا بل من لم‌يرشف ثناياها لم يذق حلاوة الاولي و الاخري فعليك بهذه العتيقة الجليلة و الكريمة النبيلة و العزيزة الجليلة و اعرف قدرها و اغل مهرها و كد كيدك و اجهد جهدك حتي تعانقها اياماً و تتخذها لنفسك مراماً و باشرها بنفسك و اكشف لثامها بيدك و ارمق الي جمالها و محاسنها بعينك حتي تفوز مع الفائزين و لاتخف ان‌يقال فيك ان فلاناً طالب حطام الدنيا و حريص في جمع الاوايل و لذلك يباشر هذا الامر فان نفع عملك فيه اياماً اعظم من صدمة لومهم

هو العسل المأذي يشتاره امرؤ   بغاه و اطراف الرماح يعاسيب

فلاتبال باللوم و لاتخف من وشي القوم اذا اردت به وجه الله و الدار الآخرة و مشاهدة ما كلفت به من العلوم و ان فقهاءنا اختلفوا في حلية هذا العلم و حرمته و انا اقول لك انه واجب بالكتاب و السنة و الاجماع و دليل العقل فان طلب العلم واجب بالاربعة و هذا عمدة العلم و روحه و ما لايعرف شيء منه الا به و ما لايوصل الي حقيقة شيء منه الا به فقد والله لاينحل شيء من الكتاب و السنة و آيات الآفاق و الانفس و المبدأ و المعاد الا به ماذا فقد من وجده و ماذا وجد من فقده فقد والله لايعتني بكلام عالم لايعرف هذا العلم و لم‌يداوله و لم‌يستعمله فانه من ماش في الظلماء و خابط خبط عشواء و عاثر في العمياء و لايكاد يأتلف كلماته و يرتبط عباراته فجميع الناس مقلدون الا الكاشفون و هذا العلم اسفل مراتب الكشف و هو ممكن لمن يمكنه الوصول الي اعاليه و لقد تجسم في هذا العلم جميع المسائل العلمية الغيبية و الشهادية ولكن لا كل احد يقدر علي معرفتها منها فلرب ذو مهنة يمتهن في هذا العلم ثلثين سنة و لايعرف الهرة من البرة و لكن بالحكمة

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 27 صفحه 153 *»

يستخرج غور العقل و بالعقل يستخرج غور الحكمة فما لم‌يكن الانسان فطناً نبيهاً لايكاد يدرك الشيء و ان راه بعينه الا تري ان كل احد يري الساعة الافرنجية ولكن لا كل احد يتفطن الحكم المودعة فيها فلابد من فضل تفطن حتي يعرف فيه الآثار و يشاهد فيه الانوار و يستنبط منه الاخبار و يطلع علي خفايا الديار و ذلك ايضاً لايمكن الا بتوقيف خبير و ارشاد بصير و اني اوصيك ايها الناظر المطلع علي كتابي هذا و احذرك ان‌ترتكب هذا الامر من غير موقف او تلج هذه البحار من دون سفينة و اذا وصلت الي من يسلك بك قدماً فاسلك معه و لاتترك سلوك القدم بعدم امكان سلوك اكثر منه فان الميسور لايترك بالمعسور و لاتأخذك الانفة ان‌تطيع من هو مطلع علي قدم لست بمطلع عليها فان الحكمة ضالة المؤمن يأخذها حيث وجدها و كن لها كالعاشق المتيم الهائم لاتكتف منه بقليل و لاكثير و اغتنم من كل احد ما ينيلك منه و ليكن نظرك اليه لا الي المنيل و اغتنم كل ما تقرب اليه و تنال منه و ما لم‌تعشق الحكمة بحيث تغلب ليلك و نهارك و نومك و يقظتك لاتكاد تنالها و اشرف الحكمة و اعليها و سنامها و امامها هذا العلم العلوي و افصح لك في آخر كتابي و لاقوة الا بالله انه لايعرف الهر من البر من لايعرف هذا العلم و لايطلع عليه

هذا اعتقادي فيه قد ابديته   فليقبل الواشون او فليمنعوا

فاسع في طلبه فان قدرت علي تمام العمل فهو و ان لم‌تقدر فتنتفع بمقدماته ايضاً و يمكنك مشاهدة كثير من الامور و تتيقن مما شاهدت ما لم‌تشاهد و لاتظنن ان ما صرفت في هذا العلم اسراف كما زعمه الجهال و انما هو صرف مال في طريق الله و انفاق في سبيله مع ما فيه من مشاهدة العلوم و الاطلاع علي الرسوم.

و اختم كتابي هذا بوصية اخري و هي ان لاتغتر بقول كثير من الطلبة و تضييعهم الاموال و النفوس فان اكثرهم لايشعرون و اكثرهم لايعقلون و اعلم ان لأل محمد: اوعية من العلم يملأونها علماً فخذه فصفه و اياك و الاوعية فتنكبه فان رأيت في يدهم ما ينفعك و رأيته يطابق ما القيت اليك و القاه

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 27 صفحه 154 *»

اليك الحكماء فخذ عنهم و الا فلاتقربهم فانهم اعداء الاموال و الانفس يتجوعون عمراً حتي يذبحوا للاكاف حمراً و يدورون الاسواق حتي يصيدوا لكعاً يؤكفوه و يركبوه و يعيشوا من فضل ماله اياماً نعوذ بالله من شرهم.

و اعلم ان حقيقة هذا العلم عند احد رجلين اما رجل زهد في الدنيا و رغب في الآخرة و استوي عنده السلطنة و الفقر و لايخاف منه فساد في الحرث و النسل و هو حكيم ماهر فيمنحه الله ذلك لان مثله خزانة علم الله و علم رسوله و علم وليه و مثله لايشقي و لايخيب و اما رجل بخيل كثير الضبط و الحفظ لايترشح من يده قطرة و ان كان كافراً فاسقاً فيمكن ان‌يمنح الله ذلك هذا العلم ايضاً ليوصله الي اهل الحكمة فهو الوعاء الذي يجب الاخذ عنه و التنكب عنه مثل جابر بن حيان الصوفي الذي منحه الصادق عليه السلام و قد علم انه لايظهره بحيث يلزم منه فساد و يوصله الي ابناء الحكمة و اما طلاب الرياسة و الفساد في الحرث و النسل و طلاب حطام الدنيا فلامعاذ الله ان الله يقول لاتؤتوا السفهاء اموالكم التي جعل الله لكم قياماً فهو بنفسه اولي بالعمل بما يقول فانه ذمنا و قال لم‌تقولون ما لاتفعلون فلايعطي هذه الموهبة احداً من اهل الفساد و اما البرامكة و امثالهم فانهم لم‌يفشوا العلم و لم‌يضيعوه هذا مع ما عرف الله المصلحة في تلك الايام من بذل الاموال و اغناء الناس لقوة الاسلام و نشره في اطراف العالم و الا فالمضيع الغير الحافظ او المفسد الطالب لحطام الدنيا فلايكاد يصل الي هذا العلم و ان عاش عمر الدنيا و صرف مالها و انه و الله في الافرنج لعبرة لمن اعتبر انهم مع كثرة اموالهم و كثرة تمكنهم من الآلات و الادوات و مع كثرة مهارتهم في العلم الطبيعي و كون اصل كتب الفلاسفة عندهم و كونها بلغتهم و كثرة تتبعهم فيها و كثرة مهنتهم في هذا العلم فقد حرموا ذلك لانهم لو علموا هذا العلم لفتحوا البلاد و سخروا العباد و لم‌يقم بازائهم احد من ساير الامم و انهم لو ظفروا بهذا العلم لاتخذوا له حوانيت و مصانع و عملة و اكرة حتي ملاؤا الدنيا ذهباً و فضة ولكن جعل الله علي قلوبهم اكنة ان‌يفقهوه فلايطلعون اليه فلاتظنن انك تناله بهذه الاموال القليلة و الآلات الضئيلة و من غير معاون و لا ناصر و افزع الي الله سبحانه و اطلب منه و عليك

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 27 صفحه 155 *»

بالتقوي و الاستكانة و التضرع و كن طالباً للعلم و اغتنم اي مقدار حصل منه و كن طالباً باحثاً للميسور و لاتتركه للمعسور و توكل علي الله في جميع الامور.

و قد فرغ من سويد هذه الاوراق العبد الاثيم كريم بن ابرهيم مصنف هذا الكتاب في اصيل يوم الاربعاء سادس‌عشر شهر رمضان‌المبارك من شهور سنة اربع و ستين بعد المأتين و الالف حامداً مصلياً مستغفراً تمت.

[1] يريد اع ان مراد الحکيم خلق الانسان و الوالدان انسان ولکن النطفة لا‌تبلغ حد التمام فيسقط و قليلا ما يبلغ و ساير المواليد جميعا اناسي ساقطات قبل التمام فافهم ان شاء الله. منه (المحشی غير معلوم)