24-01 مکارم الابرار المجلد الرابع والعشرون ـ رسالة حقائق الطب ـ مقابله

 

 

رسالة حقائق الطب

 

 

من مصنفات العالم الربانی و الحکیم الصمدانی

مولانا المرحوم الحاج محمد کریم الکرمانی اعلی الله مقامه

 

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 24 صفحه 5 *»

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الذي خلق الانسان و علمه البيان و الصلوة علي اعدل الكون و الامكان محمد المبعوث علي الانس و الجان و آله الذين بهم ازاح الله علل الكفر و الطغيان في جميع الازمان و لعنة الله علي اعدائهم سلالة الشيطان اهل الشرك و العدوان .  و بعد فيقول العبد الاثيم كريم بن ابرهيم ان هذه كلمات شريفة و مطالب منيفة في الحكم الالهية النبوية العلوية المتعلقة بكليات الطب النظرية و قد كان يتلجلج في صدري ان اكتب في الانسان الصغير ايضاً رسالة بعد ان كتبت في الانسان الوسيط رسالة و سميتها بمرآة الحكمة ليظهر التطابق بينهما مع الانسان الكبير و سر قوله سبحانه و ما خلقكم و لا بعثكم الا كنفس واحدة و سر قوله تعالي ماتري في خلق الرحمن من تفاوت فارجع البصر هل تري من فطور ثم ارجع البصر كرتين ينقلب اليك البصر خاسئاً و هو حسير و كان يتلجلج في صدري ذلك برهة من الزمان الي ان استشرت الله سبحانه بكتابه فخرج قوله عز من قائل و كذلك يجتبيك ربك و يعلمك من تأويل الاحاديث و يتم نعمته عليك و علي آل يعقوب كما اتمها علي ابويك من قبل ابرهيم و اسحق ان ربك حكيم عليم فعلمت ان في تصنيفي في هذا الفن يحصل اجتباء للنفس بحول الله و قوته و يظهر تأويل احاديث آل‌محمد عليهم السلام و يتم نعمته سبحانه علي بمعرفتي باحوال الانسان الكبير و الوسيط و الصغير و علي ساير اخواني المؤمنين الراجعين الي كما اتمها علي ابوي ابرهيم و اسحق و هما استاداي و سناداي اعلي الله مقامهما و رفع في الخلد اعلامهما مجملاً ان في هذا الكتاب علماً غزيرا و خيراً كثيراً و تحقيقاً لتأويل الكتاب و السنة و ارائة طريق صرف الآيات و الاخبار الي الانسانين الوسيط و الصغير و ارجو من الله سبحانه توفيق التمام و حسن الختام و لا حول و لا قوة الا

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 24 صفحه 6 *»

بالله العلي العظيم .

و اعلم ان غرضنا من تأليفاتنا في العلوم المتفرقة غير غرض الحكماء و العلماء فان نظرهم كان في الاشياء من حيث انفسها حتي انهم قالوا الحكمة هي العلم بحقايق الاشياء علي ما هي عليه في نفس الامر بقدر الطاقة البشرية و نظرنا في الاشياء من حيث الامثلة الالهية الملقاة في هويات الاشياء و لذلك قلنا علمنا علم يبحث فيه عن المعارف الالهية و الحقايق اللاهوتية و الامثلة الملقاة في هويات الاشياء علي ما هي عليه في نفس الامر بقدر الطاقة البشرية علي النهج المقرر من مبادينا و اوائل جواهر عللنا و بين علمنا و علمهم فرق من حيث نفسه و من حيث اثره في النفس اما من حيث نفسه فانهم ينظرون الي الاشياء من الاسفل فتحجب حقايقها بينهم و بين الرب فلايرون الا اياها و لايرونها الا بصورها العرضية المكتسبة و لذلك يكثر التخليط و الاشتباه و الاعتراض و الرد و اللبس في علومهم و نحن ننظر فيها من حيث الاعلي بعين الله سبحانه فنراها من حيث ذواتها علي ما هي عليه قبل اكتساباتها الاعراض بالقرانات المورثة لللطخ و الخلط فلايحصل بيننا اختلاف اذ هي بهذا اللحاظ اثر امر الله سبحانه و امره واحدة و من عند الله و ليس فيما هو من عند الله اختلاف و شتان ما بين المقامين و علمهم اذا حصل لهم بهذا النظر يورث لهم قسوة و غفلة عن الله سبحانه لانها تكون حاجبة بينهم و بين الله سبحانه و هم قاصروا النظر فيها فيغفلون عن باريها البتة و اذا اداموا الغفلة عن الله سبحانه ربما ظنوا للاشياء استقلالاً كما تري ان كثيراً منهم انهمك في الطبايع و بعد عن الله سبحانه و انتهك المحارم و تخلي عن الورع و اورث لهم شكوكاً و شبهات حتي تركوا نواميس الله سبحانه و خلعوا عن اعناقهم طوق العبودية التي هي شرف كل شريف فبقوا يخبطون خبط عشواء يتيهون في البراري و يعيشون في الصحاري لايأوون عمران هداية و لايسكنون قرية رشادة و علمنا هذا يدعو الي الخوف عن الله سبحانه و مشاهدة انواره و مراقبة فيوضاته و امداده و يورث الانزجار عن المعاصي و السيئات المهلكة للنفوس فان بعلمنا هذا يعرف المضار من المصالح و يشاهد ضرر الضار و نفع النافع بعينه فاذا عرف

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 24 صفحه 7 *»

الانسان السم و الدرياق فيوشك ان يجانب السم و يقارن الدرياق و لا قوة الا بالله فانصفوا ربكم اذلك خير نزلا ام شجرة الزقوم و لذلك لاتكاد تجد حكيماً طبيعياً ذا تقوي و عفة الا قليلاً و لاتجد ملازماً لاخبار آل‌محمد عليهم السلام سالكاً مسلكهم في العلوم ناظراً بنظرهم الا ذو تقوي و عفاف و زهد و انصاف الا قليلاً و انما ذلك من اثر العلوم و الانظار و خاصية الطرايق و الاختيار هذا و قد كتبوا في العلم الطبيعي علي حسب نظرهم بما لا مزيد عليه و حلوا و عقدوا و اعترضوا و ردوا بما ليس فوقه غاية و لا نهاية حتي انه لايمكن ان يكتب عالم في تلك العلوم شيئا غير ما كتبوا فانهم حازوا اطراف الكلام بالنقض و الابرام فلم‌يبقوا احتمالاً الا و قد كتبوا و لا دليلاً من نحو ادلتهم الا اوردوا فكل من كتب في هذه الاعصار في تلك العلوم فانما يحذو حذوهم و يجمع اقوالهم و يختار احدها و لا حاجة تدعو الي ذلك و حسب الدنيا ما اتعبوا فيه انفسهم و اما الداعي الي اقبالنا في رسم رسالة في هذا العلم غرض غير غرضهم و نظر غير نظرهم و سلوك في غير مسلكهم و انما غرضنا اظهار حِكَم آل‌محمد عليهم السلام في هذا العلم و ابداء انهم عليهم السلام لم‌يتركوا شيئا يحتاج اليه هذا الخلق المنكوس الا و قد بينوا و شرحوا و كشفوا عنه و اوضحوا و لكن الناس لا خير فيهم لا لامر الله يعقلون و لا من اوليائه يقبلون حكمة بالغة فماتغن النذر و لازالة ظن من كان يظن و لعله اكثر الناس ان آل‌محمد عليهم السلام لم‌يبينوا الا امر فقه المسائل و انه لا بد في ساير العلوم ان يؤخذ عن غيرهم من اليهود و النصاري و المجوس و العامة العمياء بل لايزعمون في الاخبار علماً اصلاً الا في بعض امر الدين و لو كانوا يظنون انهم عليهم السلام قد كفوا كل امر الدين لماكانوا يؤلون الي العمل بالظن المطلق و لمازعموا ان اكثر المسائل غير منصوصة و يحتاج الي التحري و الاجتهاد فاسقطوا آل‌محمد عليهم السلام عن جميع العلوم و اثبتوا لهم فقهاً ناقصاً يحتاج الي تكميل المجتهدين فاوجب هذه العلل و امثالها رسم رسالة في العلم الطبيعي كما رسمنا في ساير العلوم علي طريقة آل‌محمد عليهم السلام متمسكاً بعروة ولايتهم مستهدياً بنور مشايعتهم ان شاء الله فقد فصّلنا رسالتنا هذه بمقدمة و عشرة ابواب و خاتمة و سميناها بحقايق الطب .

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 24 صفحه 8 *»

اما المقدمة ففي بيان امور يجب تقديمها قبل الشروع في الابواب ،
اعلم ان الله سبحانه قديم كامل لايستفيد كمالاً بعد تمام و لايترقب زيادة بعد نقصان و لايحتمل فيه شئ من ذلك و لا غاية لذلك و لا نهاية و كماله سبحانه صفته و صفته غيره و نوره و غيره و نوره خلقه و ليس شئ الا الله و نوره و صفته اذ هو حق و خلق لا ثالث بينهما و لا ثالث غيرهما و هذا النور مترامي من مبدء القرب الي نهاية البعد الا انه مختلفة المراتب في القوة و الضعف و انما اختلافها لانه لا تعطيل له في كل مكان و لايخلو منه مكان لانه ملأ الدهر قدسه و احاط بكل شئ سعته و ذلك النور من حيث الوصفية لله سبحانه نور و من حيث هو خلق و ظلمة فظهر مختلفة المراتب فمنها ما هو فيها في غاية القوة و منها ما هو فيها في غاية الضعف و قوته من حيث غلبة الوصفية عليه و ضعفه من حيث غلبة الخلقية عليه و هو حيث غلبة الظلمة فظهر هذان الحيثان كالمثلثين المتداخلين او كالكرتين المتساويي السطحين الا ان في جانب كان الوصف اغلب و في جانب كان حيث الخلق اغلب و ما بين ذين بين بين و لكل واحد من هذين مقتضي كما يأتي و نسمي حيث الوصفية بالنور و حيث الخلقية بالظلمة فللنور مقتضيات و هي اللطافة و الرقة و الانبساط و الاحاطة و السعة و للظلمة مقتضيات و هي الكثافة و الغلظة و الانقباض و المحاطية و الضيق لما حققناه في محله في ساير كتبنا و بيناه في ساير مباحثاتنا فبذلك قد تشاكلت مراتب الخلق و تماثلت في نوع الخلقة فما خفي في جانب النور الذي هو جانب الربوبية اصيب في العبودية و ما فقد في جانب العبودية الذي هو جانب الظلمة وجد في الربوبية لان العبودية غليظ الربوبية و الربوبية لطيف العبودية فمن عرف اسرار العبودية عرف اسرار مقامات الربوبية كما روي عن الرضا عليه السلام قد علم اولوا الالباب ان الاستدلال علي ما هنالك لايعلم الا بما هيٰهنا ، و من عرف اسرار مقامات الربوبية امكنه معرفة حقايق العبودية الا ان الاولين يعرفون الاشياء من طريق الاستدلال و ؟اللم و الآخرين يعرفونها بطريق المشاهدة و ؟الأن فالظاهر هو عصي العميان في

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 24 صفحه 9 *»

المشي الي الباطن و الباطن هو عين البصير في مشاهدة الظاهر و بينهما بون بعيد و سبيل هذين الي النجاة و انما الخيبة و الخسران لجماعة يعلمون ظاهراً من الحيوة الدنيا و هم عن الآخرة هم غافلون فانهمكوا في بحر الطبايع و عموا عن حقايق البدايع و انوار الخالق البارئ الصانع فزعموا ان المدبر لهذا العالم هو الطبع فيا ويلهم من شدة جهالتهم فانهم بفطرتهم الاولية عرفوا انه لا بد لهذا الخلق المتقن و الامر المحكم من مدبر و لكن من جهة فطرتهم المبدلة المغيرة زعموا انه الطبع مع انا نقول لهم انكم اقررتم بالصانع و سميتموه الطبع و لم‌ينزل عليه من سلطان و نحن سميناه بما انزل به من سلطان مع انا نقول لهم ان هذا الصانع الذي اقررتم به لا بد و ان يكون فوق مصنوعه حتي يقدر علي صنعه فاذا كان فوق مصنوعه يجب ان يكون معري من صفات مصنوعه فان صفات مصنوعه لازمة لرتبة مصنوعه فاذا يلزمكم ان تقولوا انه سبوح قدوس احدي المعني لا تركيب فيه و لا نقص يعتريه اذ كان جميع ذلك صفات مصنوعه و يجب ان يكون حكيماً عالماً قديراً خبيراً لما رأينا من آثار صنعه و ينبغي ان يكون مباينا لصفات خلقه بالكلية فان اقررتم يلزمكم الاقرار بالتوحيد و ان انكرتم ادحضتم حجتكم حيث اقررتم بصانع و ان انكرتم الصانع مطلقا ردكم وجود المصنوع الحادث المتغير المدبر الذي لاينكر فقد تبين و ظهر ان الصانع الحكيم هو الواحد الاحد الفرد الازلي الذي اليه مرد كل شئ و بامره قوام كل شئ الذي ارسل الرسل و انزل الكتب و هدي خلقه اليه و وعدهم بما لديه الذي لا نور الا نوره و لا ظهور الا ظهوره و خفي من شدة ظهوره و استتر لعظم نوره و الا فليس لغيره من الظهور ما ليس له حتي يكون هو المظهر له لم‌يغب فيحتاج الي دليل يدل عليه و لم‌يبعد حتي يكون الآثار هي التي توصل عباده اليه بل هو اقرب اليهم منهم فدل علي ذاته بذاته و تنزه عن مجانسة مخلوقاته و ما سواه بمشيته دون قوله مؤتمرة و بارادته دون نهيه منزجرة و لما كان بينه و بين خلقه بون بعيد و لخلقه مراتب مختلفة و مقامات متشتتة و استعدادات متباينة و قوي متفاوتة جعل بينه و بين خلقه وسايط و اسباباً علي حسب استعداد كل واحد منهم رأفة بهم و رحمة عليهم و استجابة لدعوتهم و ابقاء

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 24 صفحه 10 *»

لكينونتهم و حفظا لهم عن التلف و الفساد فانه لو اشرق بوجهه عز و جل علي شئ من غير حجاب لاحرق سبحات وجهه ما انتهي اليه بصره منه و اعدمه عن رأسه فجعل بينه و بين خلقه اسبابا هي حجب انوار وجهه و ايدي قدرته و اكمام مشيته و آلات ارادته بها يفعل ما يشاء و يحكم ما يريد فلاجل ذلك روي ابي الله ان يجري الاشياء الا باسبابها و روي عن الصادق عليه السلام انه لم‌يجعل شئ الا لشئ انتهي ، فاجري الله سبحانه افعاله باسباب و ادوات علي حسب استعداد القوابل و تحملهم و من تلك الاسباب الطبيعة فهي سنة في خلقه و آلة من حكمه في اجراء اموره بها يفعل الله ما يشاء و يحكم ما يريد و لتلك الطبيعة جهتان جهة الي ربها و من تلك الجهة هي اسمه سبحانه و صفته مثل ساير خلقه و جهة الي نفسها فمن نظر اليها و استدل بها من حيث الآلية لله سبحانه و الاسمية و الوصفية فهو بسبيل خير و من نظر اليها من حيث نفسها و استند الافعال اليها فهو كاذب مخبط خبط عشواء الاتري ان النجار هو الذي ينحت السرير و يصنعه فاذا نظرت الي منشاره من حيث الآلية و نسبت القطع اليه لم‌تخط فانها راجعة الي النجار و ان نظرت اليه من حيث نفسه و نسبت القطع اليه مستقلا اخطأت اذ المنشار ليس بحي و لا عاقل و لا حكيم فكيف يقدر ان يقطع الخشب اوّلا ثم علي نهج الحكمة و الصواب ثانياً فاذا نسبت القطع و الافعال البديعة الي المنشار اخطأت الصواب فالذي يزعم ان الطبيعة هي التي تفعل هذه الافعال العظيمة الموافقة للحكمة فقد ضل و غوي فان الطبيعة خلق حدث تحدث بوجود المحدث و تقوي مع المحدث و انما هي مركبة من الكيفيات التي لا علم لها و لا شعور و لا حكمة فكيف تقدر علي ايجاد العالم علي وفق الحكمة و النظام و ان اريد بها الطبع الملكوتي الذي فوق عالم الهباء فذلك خلق ليس له فعلية في عالم القوة و الاستعداد فما لا فعلية له كيف يقدر ان يوجد الاشياء بالفعل فالذي سمعت و ما لم‌تسمعه هو الفرق بين نظرنا و نظر ساير الاطباء فنحن ننظر الي الامثلة الملقاة في هويات الاشياء و هم ينظرون الي نفس الاشياء فحكمتنا تؤدي الي المعرفة و المحبة و الرجاء و الخوف و الاخبات و علومهم تؤدي الي الشقاوة و الادبار عن الله سبحانه و النزول الي

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 24 صفحه 11 *»

مهابط السجين و لايكادون يصيبون الحق في جميع المسائل اذ الاشياء من حيث انفسها قد لحقتها اعراض غيرت الاحكام الاولية و غلبت عليها حتي اظهرت الاختلاف و ابطنت الايتلاف فمنعت ظهور الاحكام الكلية الالهية في الاشياء فلذلك احوجتهم الي المهنة في كل امر امر و تجربة كل شئ شئ و يأتيهم من هذه الجهة اختلاف شتي في معرفة الاشياء فلايزالون مختلفين الا من رحم ربك و فتح عين بصيرته و اعاره طرفا منه ينظر الي الاشياء من حيث المثال الملقي في هوياتها و من حيث الاعلي فانه يضع كل شئ موضعه و يري كل شئ علي حقيقته الاولية و يعلم سبب اختلاف احكامه الظاهرة و وجهه مثلاً اذا علم ان كل شئ هو اقرب الي المبدء يكون الطف و احر لانه اثر حركته الايجادية و الحركة تقتضي حرارة في الاثر كما بيناه مفصلاً في كتابنا مرآة‌الحكمة و يأتي في هذا الكتاب الاشارة اليه ثم علم ان الاثر في اول صدوره يابس و علم ان الحرارة و اليبس اذا ظهرتا في جسم كثيف اقتضتا الحمرة فيه لاحتراق الكثيف بهما و اجتماع اجزائه بسبب اليبس و ظهور نور النار اللطيفة في الكثيف يقتضي الحمرة في اللون و ظهور حرقتها في الجسم تقتضي الحرافة في الطعم و علم ان الاثر اذا بعد عن قرب مؤثره قل اثر الحركة فيه و ظهر فيه السكون و علم انه يقتضي البرودة و علم ان البرودة اذا كانت مع يبوسة اقتضت الكدرة لتكاثف الاجزاء و اذا كانت مع رطوبة اقتضت الانتشار و البياض في اللون ثم اذا نظر الي الملح مثلاً و عرف انه يحصل من احتراق وجه الارض بالشمس عرف انه لا بد و ان يكون لونه الاصلي احمر و طعمه حريفاً فاذا رأي فيه البياض عرف انه من مخالطة الماء اذ البياض من مقتضاه ثم اذا فصله في القرع و الانبيق و اخذ عنه مائيته زال عنه البياض ثم اذا اخذ عنه دهنه رأي فيه الحمرة التي عرفها بالحكمة و لما رأي في طعمه حموضة عرف ان الحموضة فيه من مخالطة المائية و الا فطبعه في نفسه حاد حريف و اما الناظرون الي الاشياء من حيث الاعراض فيقولون ان الاشياء الحارة اليابسة منها ابيض و منها احمر غافلون عن سر الحكم الاولي و الثانوي و اذا قال حكيم ان كل حار يابس

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 24 صفحه 12 *»

احمر نقضوا عليه بان الملح ابيض و الفلفل اسود غافلون عن سر الخلقة و قد نشب عرق هذا العيب في جميع اصحاب العلوم و لذلك وقع فيهم الاختلافات الشديدة و جعلوا امرهم بينهم زبراً كل حزب بما لديهم فرحون بالجملة لما كان نظرنا و لا قوة الا بالله من حيث الاعلي لم‌يكن اختلاف في احكامنا الا و يحدث و العياذ بالله غفلة في الانظار و قلة في الاعتبار و ذلك منا و الينا و الا فاصل الطريقة طريقة الحق الذي لا مرية فيه و لا ريب يعتريه و كما وفقنا الله سبحانه لرفع الغطاء عن اعين العلماء في اغلب العلوم اردنا ان نكتب بحول الله و قوته بعض الكليات في علم الطب بحيث يعلم منها اسرار طب النفوس و الابدان و اسرار اغلب الشرايع التي وضعتها الاطباء اطباء النفوس و هم الانبياء سلام الله عليهم و لم‌نذكر جزئيات علم الطب لان الاطباء استقصوا القول في الجزئيات بتجاربهم و مهنتهم و كتبهم متكفلة بعلمها و قصدنا الكليات لانهم كانوا عنها غافلين .

البٰاب الاول في حقيقة الجسم و تقسيم مراتبه و في معرفته علوم جمة و انما قدمناها مع علمنا بان اول ما ينظر فيه الطبيب الاسطقسات لان غرضنا في هذا الكتاب تحقيق حقايق الاشياء و لايمكن ذلك الا بمعرفة اصل الشئ و مبدء وجوده فرأينا ان نقدم شطراً من معرفة الجسم علي نهج الاختصار ثم نبين كيفية تجزيه و تقسمه الي الافراد ثم نتبعه ببيان خواص الاسطقسات ،
اعلم ان الجسم المطلق نور ملكوتي قد تصور بالصور المثالية و الحدود الزمانية فله صورتان صورة مقومة و هي الصورة الاطلاقية التي بها امتاز عن ساير الجواهر الملكوتية و صورة متممة و هي الحدود المثالية الزمانية الافرادية اما صورته المقومة التي بها يكون الجسم جسماً فكم و كيف و وقت و مكان و جهة و رتبة علي حسبه من الاطلاق و الابهام فكمه التبري عن المقادير الخاصة فليس فيه طول خاص او عرض خاص او عمق خاص فهو بري‌ء عن جميع

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 24 صفحه 13 *»

هذه المقادير لانه يظهر بجميع الاطوال و العروض و الاعماق فلو كان له مقدار خاص لامتنع عن التصور بغيره من ( التصور باحد خ‌ل ) المقادير الخاصة فاذا كان الطول و العرض و العمق ما يشاهد في الافراد فهو لا طول له و لا عرض و لا عمق فما كان يقال انه جوهر له طول و عرض و عمق فانما هي مقادير اطلاقية ابهامية بالنسبة الي الافراد و اما كيفه فالتجرد عن جميع الطعوم و الروايح و الالوان و الملموسات و المسموعات و ساير الكيفيات المبصرة و غيرها فليس فيه احدي هذه الكيفيات فانه يتجلي بكلها فلو كان فيه احدي هذه الكيفيات الخاصة لامتنع عن التكيف بضدها البتة فلما رأينا تجليه بالاضداد عرفنا تجرده عنها و اما وقته فقد سبق الازمان وقته فليس له احد الاوقات الماضية و لا المُستقبَلة و لا الحال فانه قد تعالي عن جميعها و تجلي في جميعها فلو كان له احدها لامتنع عن ضده البتة و هو في كل وقت مع انه لايحويه وقت و اما مكانه فتعالي عن الامكنة الخاصة فهو في كل مكان لايخلو منه مكان من هذه الامكنة المعروفة و مع ذلك لايحويه مكان فانه لايخلو منه مكان و اما جهته فهو مبعد عنه الجهات فانه المتجلي في كل جهة فكيف يكون في جهة خاصة اذ لو كان في جهة خاصة لخلي عنه جهة خاصة البتة لانه شأن كل متجه و اما رتبته فقد تقدس عن الرتبة الجارية في هذا العالم فان كل فرد من افراده له رتبة خاصة منها يبتدي و اليها ينتهي و هو الظاهر في جميع المبادي و المنتهيات فلايختص بواحد منها فاذاً الجسم نور مبرؤ عن المقادير مجرد عن الكيفيات سابق علي الاوقات متعال عن الامكنة مبعد عنه الجهات متقدس عن الرتب اذ هو فوق هذه الحدود متجل في الضدود لايجري عليه ما هو اجراه و لايعود فيه ما هو ابداه فهو بمنزلة الاحد الظاهر في الاعداد او المداد الظاهر بالحروف و هذا هو الجسم المطلق الذي اعطي تحته حده و رسمه و اسمه فيصدق علي كل فرد انه جسم فكل ما

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 24 صفحه 14 *»

ينسب الي احد الافراد ينسب اليه و كل ما يضاف اليه يظهر في جميع الافراد فانه المتعالي عن جميعها الظاهر بكل فرد فرد منها و هذا غير الجسم الكلي فان الجسم الكلي ليس يصدق علي كل فرد الاتري ان كل فرد ليس بجسم كلي و لكنه جسم بقول مطلق فالكلي ليس الا الجسم المطلق الظاهر في كل الاجسام جملة من حيث ظهوره في الكل فكما ان كل فرد جسم الكل ايضاً جسم فمن حيث ظهوره في الكل كلي منسوب الي الكل ظاهر في الكل فما قيل من ان الكلي ما لايمتنع فرض صدقه علي كثيرين خطاء محض فان هذا صفة المطلق و الكلي لايصدق علي الافراد الكثيرة علي نحو البدلية نعم يصدق عليها جملة فالكلي موجود بوجود جميع الافراد اجمع و المطلق له وجود مستقل لايتوقف وجوده بوجود فرد ابداً فليس المطلق موجوداً بوجود الافراد فان وجود الافراد منه و اليه و لا في ضمنها لانه لايتجزي و لايتبعض و انما يتجزي الكل لا المطلق هذا مع انه لو كان غيرها و في ضمنها لمااعطاها اسمه و انما له وجود مستقل فوق عالم الافراد فلايلزم من استقلاله صيرورته فرداً فافهم فانه دقيق فهذا الجسم علي ما سمعت فوق عالم الزمان باطلاقه و انما افراده زمانية و هو بنفسه ملكوتي و الزمانية هي نسبة فرد زماني الي فرد زماني و اما الملكوتية فهي نسبة مطلق ثابت الي افراد زمانية فنسبة فرد الي فرد زمان و نسبة المطلق الي الافراد ملكوت فافهم و اما كيفية تقسمه فاعلم انه لما استولي علي هذا الجسم المطلق برد البعد عن المبدء جمد و يبس فتجزي علي نهج الاختلاف و الكثرة اللازمين لبرد البعد و يبسه و جموده فتفرقت اوصاله و تكثرت بساطته و اختلف تشاكله و تميز ابهامه لا من حيث ذاته بل من حيث صفاته و تنزله فانه بذاته واقف في رتبته و رتبته لاتقتضي غير ما هو عليه من الابهام و الاطلاق و البعد دونه بمرتبة فلو صعدت رتبة البعد عن مقامها كانت رتبة قرب لا بعد و لو نزل الجسم عن حده و رتبته الي البعد للزم القسر و لا قاسر و انما تجليه و ظهوره يقع في الرتبة الدنيا و لما كانت الرتبة الدنيا ابرد صار تجليه فيها ابرد و اجف فجمد فتفتت علي حسب اقتضاء البرد الاتري ان الماء لو جمد فكسرته لايقع الكسر علي الماء و انما يقع علي

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 24 صفحه 15 *»

الجمد و الجمد وصف الماء و دونه بمرتبة الاتري انك لو كسرت الجمد يصدق علي كل قطعة انه ماء فتبين ان الكسر لايقع علي الماء و الا لكان كل قطعة جزء ماء فبهذا تبصر امرك فلما تجلي الجسم في الرتبة الدنيا جمد فتمايزت اجزاؤه و حصل لكل جزء حد خاص به مميز له فوقفت الاجزاء علي نهج الحكمة و الصواب كما تمايزت علي نهج الحكمة و الصواب فانها تمايز الاحد الثابت و الاحد الثابت اذا تمايز تمايز مرتبطة الاجزاء متناسبة الافراد متصلة الابعاض حتي تكون مظهر الاحد و لو تمايز اجزاء علي خلاف ذلك دل علي انها ليست تنزل الاحد الاتري انك لو كسرت كأساً ثم وضعت كل جزء في مكانه تصور كأساً بلا فطور و لا نقص فيه و اما اذا جمعت قطعاً من كؤس مختلفة لم‌تلتئم علي هيئة كأس واحد فعدم تناسب القطع يدل علي عدم كونها تفاصيل الواحد الاحد و تناسبها يدل علي انها تجليات الاحد و ظهوراته و من ذلك قال سبحانه لو كان فيهما آلهة الا الله لفسدتا لعدم تناسب الاجزاء و ارتباطها و قال اذا لذهب كل اله بما خلق فافهم ترشد فلما كان الجسم المطلق احداً بالنسبة الي اجزائه و جميع اجزائه تفاصيله و ظهوراته فلما تفصلت تفصلت متشاكلة متناسبة مرتبطة متصلة قال سبحانه ماتري في خلق الرحمن من تفاوت اي فساد فارجع البصر هل تري من فطور ثم ارجع البصر كرتين ينقلب اليك البصر خاسئا و هو حسير فكان ذلك الجسم بمنزلة النطفة فلما اوقفها ربها في رحم مكانها مخلاة بالطبع الذي جبل عليه من سر الوحدة وقف الاجزاء المناسبة للرأس في موضع الرأس و الصدر في موضعه و البطن في موضعه و الاطراف في موضعها مرتبطة متصلة دالة علي الاحد فكذلك الجسم لما اوقفه ربه في رتبته و خُلّي و طبعه المجبول عليه من سر الوحدة وقفت الاجزاء كل في حيزه و رتبته اللايقة به و تباعد الجزء الثقيل عن الجزء الخفيف و توسط المتوسط و لما كان الشكل الكري ابسط الاشكال و اشبهها بالاحد الذي هو خارج عن الحدود و التمايز تفصلت علي هيئة الكرات لانه التفصل الاول و لمايوجد قاسر و مانع يصرفها عن الكرية و لذلك يقف كل جوهر سيال اذا خلي و طبعه علي هيئة الكرة فان المعري عن الحدود اذا تحدد لايتحدد في اول امره

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 24 صفحه 16 *»

الا علي هيئة الكرة فصارت اجزاء الجسم كرات فاذا صارت كرات متعددة اختلفت الكرات في السعة و الضيق بحسب اختلاف لطافتها و كثافتها فكل ما كان منها الطف صار اوسع و احوي للباقي و كلما صار اكثف صار اضيق و انما حصل الاختلاف في اللطافة و الكثافة فان البعد لشدة برده تمايزت مراتبه فكان منها اقل بعداً و منها اكثر بعداً فاي ظهور ظهر فيما هو اقل بعداً صار اكثر حرارة و اشد لطافة و اشبه بالمبدء الاول فاقتضي ان يكون الطف و اوسع و اي ظهور ظهر فيما هو اكثر بعداً صار اكثر برداً و اكثر كثافة و اقل شبهاً بالمبدء فاقتضي ان يكون اكثف و اضيق فلاجل ذلك صارت الاجزاء كرات بعضها محيطا بالبعض و اختلف مراتب حدودها علي حسب اختلاف مراتبها فاعالي هذه الكرات تكون الطف كماً و كيفاً و وقتا و مكانا و جهة و رتبة لانها اشد قرباً بالاطلاق و اسافل هذه الكرات تكون اكثفها في تلك الحدود البتة و كذلك تكون اعاليها ادوم بقاء و ابعدها عن الفطور و ادانيها اقل بقاء و اقربها الي الفطور البتة و اما خصوص اعداد هذه الكرات و بعض خواصها فاعلم ان كل اثر له جهتان جهة الي مبدئه و جهة الي نفسه التي هي منتهاه فجهته الي مبدئه احكي له البتة و جهته الي نفسه احجب و ليستا هما جهتين ممتازتين علي القطع و انما هما جهتان متداخلتان متدرجتان يعني كل ما كان من الاثر اقرب الي المبدء يكون احكي له و كل ما كان ابعد كان احجب علي حذو نور السراج فانه متدرج من نهاية القرب الي نهاية البعد و تختلف مراتبه في القوة و الضعف كما ان الظلمة البعيدة متدرجة من نهاية البعد الي نهاية القرب و تختلف مراتبها في القوة و الضعف ففي كل مرتبة نور و ظلمة الا انهما مختلفتان في المقدار فكذلك جهتا الاثر متدرجتان فحيث المبدء في المبدء اقوي و يتدرج في الضعف الي غاية البعد و حيث النفس في المنتهي اقوي و يتدرج في الضعف الي نهاية القرب فجميع مراتب الاثر مركبة من هاتين الجهتين و لكن من البين ان الاثر تنقسم مراتبه نصفين ففي النصف الاعلي يكون جهة المبدء اغلب و في النصف الادني يكون جهة المنتهي اغلب ففي النصف الاعلي يكون آثار المبدء و صفاته و انواره اقوي

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 24 صفحه 17 *»

و في النصف الاسفل يكون آثار نفس الاثر اقوي الا انهما علي تدرج ففي النصف الاعلي ينبغي ان يكون تسع مراتب تجمعها ثلث و في النصف الاسفل ينبغي ان يكون اربع مراتب و لاجل ذلك صارت الثلث اول الافراد و الاربع اول الازواج اما المراتب الثلث فهي جهة الاجمال البحت و جهة مبدء التعلق بالتفصيل و جهة التعلق لا غير و ذلك ان النصف الاعلي من الاثر لغلبة جهة المبدء عليه و ظهوره فيه صارت وجهه و يده و لسانه و امره و حكمه و فعله فلاجل ذلك ظهر متحركاً فعالاً و غلب جهة الفاعل المؤثر فيه فكان يد الفاعل في ايجاد نفس الاثر و فعلُهُ و مشيتُه و اختراعُه في هذه الرتبة يظهر منه البتة فلاجل ذلك قلنا ان له ثلث مراتب رتبة الاجمال الصرف المشاكل للمبدء المتعالي عن التعلقات و رتبة مبدء التعلق و رتبة منتهي التعلق فالرتبة الوسطي هي ذات هذه الجهة من حيث هي و اعلاها جهة آئيتها للمبدء و اسفلها جهة صفتها و فعلها فلاجل ذلك ظهر في ثلث مراتب رتبة اجمال بحت و هو عرشه الاطلس الذي ليس فيه كثرة و رتبة مبدء التفصيل التعلقي و هي الكرسي ففيه مبادي التعلقات و هي الكواكب و البروج و المنازل و رتبة منتهي التفصيل التعلقي و هي رتبة الافلاك فلاجل انها في منتهي التفصيل الفعلي التعلقي ظهرت متعددة و انتهي تعددها الي السبعة فانها مقام التعلق و الارتباط و انت تعلم ان المتعلق مرتبط بالطرفين و فيه ذكر الطرفين كما تري ان هيئة الالف توجد في حركة يدك المتعلقة بها فلما كانت الافلاك رتبة التعلق ظهر فيها سر اربعية المنتهي و ثلثية المبدء فظهرت سبعة ثلثة منها من جهة المبادي و اربعة منها اذكار المنتهيات اما الثلثة التي فيها من جهة المبادي فالشمس و زحل و قمر و اما الاربعة التي فيها من اذكار المنتهيات فالمشتري و المريخ و الزهرة و عطارد و اما الشمس فهي آية الجسم المطلق و لذا صارت قطبا و مركزاً لها و زحل آية العرش و القمر آية الكرسي و اما المريخ فهو ذكر النار و المشتري ذكر الهواء و الزهرة ذكر الماء و عطارد ذكر التراب و لنا في اسرار هذه المراتب بيانات عديدة ذكرنا بعضها في كتابنا مرآة‌الحكمة و بعضها في غيرها و خصصنا هذا الكتاب بهذا البيان لانا لم‌نذكرها في غير هذا الكتاب فافهمه ان كنت تفهم

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 24 صفحه 18 *»

و اما سر اربعية المنتهي فان المنتهي هي نفس الاثر كما ان المبدء آية المؤثر بل هو اسم المؤثر و الاثر لايتحقق صدوره الا في اربع كيفيات فان الاثر اذا وقع عن المؤثر يكون اعلاه الذي هو حيث اثريته حارا لانه اثر فعل الفاعل و حركته و الحركة تحدث الحرارة و اسفله الذي يكون في غاية البعد عن مبدء الحرارة يكون بارداً البتة و ما بين ذلك يكون من حيث الاعلي مشاكلاً بالاعلي و من حيث الاسفل مشاكلاً بالاسفل فكان الهواء حاراً و الماء بارداً و كان الاعلي و الاسفل يابسين لان اليبس و عدم خروج الشئ عن حيزه هو الاصل و كان الوسط رطبا لانه الرابط بين الجهتين و لكن يبس النار لتمحضها في مبدئها و عدم توجهها الي غيرها و يبس التراب لتمحضه في نفسه و عدم توجهه الي غيره و رطوبة الوسط لميل احدهما الي الآخر و صار الهواء ارطب لان الرب الطف بعبده في القدسي تقدم الي شبراً اتقدم اليك ذراعاً لعلي نقلته بالمعني و لما كان الهواء جهة ميل النار صار ميله ذراعاً و الماء جهة ميل التراب صار ميله شبرا فبذلك تفصلت الاجزاء و قام العالم علي ما تري و قد برهنا علي جميع ذلك في كتبنا الموضوعة في الفلسفة خصوصاً مرآة‌الحكمة و لانطيل الكلام هيهنا مجملاً اذا خلي الجسم و طبعه يقوم هكذا بعينه كلما يكون الطف يكون اعلي و كلما يكون اكثف و اثقل يكون اسفل و يظهر سر الحركة من الاعلي الي الاسفل الا انه في الاعالي اشد و يهدؤ شيئا بعد شئ الي ان يصل رتبة يغلب عليها السكون فيظهر في الرأي ساكناً و تري الجبال تحسبها جامدة و هي تمر مر السحاب الا انه في غاية الخفاء و السكون فيه اظهر كما ان السكون في العرش خفي و الغلبة للحركة و ما من شئ في هذا العالم الا و فيه حركة و سكون فان جهة الرب سارية في الكل و منها الحركة و جهة النفس سارية في الكل و منها السكون فكلاهما في الكل فاذا عرفت ان الجهتين ساريتان في جميع اجزاء هذا العالم فاعلم ان جميع مقتضيات هاتين الجهتين ايضاً سارية في جميع الاجزاء الا ان كل مقتضي في جزء اغلب و ظهر بذلك الاغلب و سمي به و خفي فيه باقي المقتضيات فالغالب في العرش سر جهة الاجمال و المبدئية و العقل و باقي الجهات فيه خفي و في

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 24 صفحه 19 *»

الكرسي سر مبدء التفصيل و النفس اغلب و باقي الجهات فيه خفي و في الشمس سر المادة اغلب و باقي الجهات فيها خفي و فلك زحل فيه سر العاقلة و نور باطن العرش اغلب و باقي الجهات خفي و في القمر سر الروح و نور باطن الكرسي اغلب و باقي الجهات خفي و في المشتري سر ظاهر العرش و العالمة اغلب و باقي الجهات خفية و في عطارد سر ظاهر الكرسي و سر المتفكرة اغلب و باقي الجهات خفية و في المريخ سر باطن العرش و الكرسي مركباً و سر الواهمة اغلب و ساير الجهات خفي و في الزهرة سر ظاهرهما معاً و سر المتخيلة اغلب و باقي الجهات خفي و في النار سر الحرارة و اليبوسة و مبدء الاثرية اغلب و باقي الجهات خفي و في الهواء سر الحرارة و الرطوبة و ميل المبدء اغلب و باقي الجهات خفي و في الماء سر البرودة و الرطوبة و ميل المنتهي اغلب و باقي الجهات خفي و في التراب سر البرودة و اليبوسة و سر المنتهي اغلب و باقي الجهات خفي فكل شئ فيه معني كل شئ الا ان في المبادي رقاق المنتهيات خفية و في المنتهي غلاظ المبادي فلا روح الا و فيها جسد رقيق و لا جسد الا و فيه روح غليظ فبذلك امكن استحالة الكل الي الكل كما تري من ان التراب يستحيل ماء بالانحلال و بالعكس بالعقد و الماء يستحيل هواء بالانحلال و بالعكس بالعقد و الهواء يستحيل نارا بالانحلال و بالعكس بالعقد و العناصر تستحيل فلكاً بالانحلال كما تري من تولد الروح البخاري من الاغذية و هي روح بلطافة الافلاك و بالعكس بالعقد و هكذا يستحيل الروح البخارية التي في اول تكونها بلطافة فلك القمر الي الطف منها حتي تصير بلطافة فلك عطارد فيحدث منها المتفكرة في الانسان و هكذا يتلطف كل دان حتي يوازي الاعلي في اللطافة و انما ذلك لان الكل من مادة واحدة و انما اختلافها في الصورة و يمكن لكل جزء خلع صورته بالتدبير و لبس اخري فاذا عرفت ان خاصية كل جزء في كل جزء و انما الاختلاف في الخفاء و الظهور فاقول في الجزء الواحد لما كان له مراتب من اعلاه الي اسفله كالهواء مثلاً فان له مراتب من اعلي كرته الي اسفل و اعاليه الطف من اسافله و ارق البتة فكل جزء منه اعلي احكي لسر اعلي و كل جزء اسفل احكي لسر اسفل البتة فاعلي

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 24 صفحه 20 *»

الهواء فيه سر العرش اقرب الي الظهور ثم فيما يليه سر الكرسي اقرب الي الظهور ثم فيما يليه سر الافلاك بترتيبها اقرب الي الظهور ثم فيما يليه سر العناصر بترتيبها اقرب الي الظهور فالهواء بنفسه كأنه عالم اذا خلي و طبعه قام علي ترتيب العالم و كذلك كل جزء فاذا اخذ جزء من اعلي الهواء و نزل الي اسفله و خلي بينه و بين طبعه صعد الي حيزه البتة و اذا اخذ جزء من اسفل الهواء و صعد الي الاعلي ثم خلي و طبعه نزل الي الاسفل لا محالة فلكل منا مقام معلوم احفظ عني هذه المقدمات التي لاتسمعها الا عني و لاتريها الا في كتابي حتي تنفعك في الدنيا و الآخرة فعلي ذلك كل شئ في هذا العالم عالم برأسه فيه جميع الافلاك و العناصر و هذا معني قولنا كل شئ مركب من تسع قبضات افلاكه و قبضة من ارضه و اذا سمع منا السامع ذلك ازدراه فقال اين لكل شئ افلاك و عناصر و كيف يكون كل شئ عالماً برأسه و هذا معني قول اميرالمؤمنين عليه السلام علي ما نسب اليه ، اتزعم انّك جرم صغير       ** * **      و فيك انطوي العالم الاكبر و لولا انا نخرج من وضع هذا الكتاب لشرحنا لك كون كل شئ في ملك الله سبحانه في كل ذرة ذرة من الملك حتي تشاهد ان كل شئ فيه معني كل شئ و لكن ليس هيهنا موضع بيانه و لعلك لو كنت فطنا امكنك استخراجه مما ذكرنا و قد بسطنا القول في ذلك في ساير كتبنا المرسومة في الفلسفة فان شئت فراجع و يكفيك في هذا الباب ما سمعت من امر الجسم و تقسيمه و تجزيته .

البٰاب الثاني في بيان احوال اسطقسات المركبات في هذا العالم ،
اعلم ان الاسطقس هو اصل الشئ الذي به يقوم قيام ركن و اسطقسات ظاهر المركبات السفلية كلها العناصر الاربعة المعروفة و هي النار و الهواء و الماء و التراب لانها مراتب ظاهر الاثر و كيفياته و قد حققنا ان الولد ظاهره من نطفة المرأة دون نطفة الرجل و كذلك هيهنا تكون العناصر هي الامهات السفلية كما ان السموات هي الآباء العلوية و ذلك لان الغالب علي السموات جهة المؤثر الفاعل

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 24 صفحه 21 *»

و الغالب علي العناصر جهة النفس المنفعلة فالسموات ذكر بغلبة الحرارة و قرب المبدء و ظهور آثار العقل فيها اكثر فلها سهمان من العقل و سهم من النفس و العناصر انثي فان فيها غلبة البرودة و بعد المبدء و فيها ظهور آثار النفس اكثر فلها سهم من العقل و سهمان من النفس فصارت السموات اباً و العناصر اماً و المركبات الحاصلة اولاد بينهما تحصل من نكاحهما علي كتاب الله و سنة نبيّه صلي الله عليه و آله و خطب بينهما الولي صلوات الله عليه و آله و عقد بينهما عقداً دائماً علي مهر السنة خمس‌مائة درهم و هي ان يدفع اليها عوض بضعها مقامات التوحيد الخمس في عشرة انوار في عشرة اطوار و كيفية نكاحهما و تولد الاولاد من بينهما انهما بعد النكاح اجتمعتا و كانتا قبل اي قبل النكاح رتقاً اي عزباً لاتلقي السماء شيئا الي الارض و لايخرج من الارض شئ فانكح الولي السماء الارض علي مهر السنة كما مر فزف الله سبحانه كل واحد منهما الي الآخر بالفتق فتحرك السماء علي الفاعلية علي الارض فاندفق منها نطفة شعلات كواكبها و قويها الي الارض فوقعت في رحم بطون العناصر و مكنتها و حركتها حتي خرجت منها نطفة لطايفها في جوفها فان نطفة المرأة تقذف في رحمها فتحركت نطفة لطايفها الي ان وقعت في رحمها فعقدها حرارة تلك الشعلات فجعلها علقة ثم مضغة ثم عظاما ثم كسيت لحماً ثم نفخ فيه الروح و تولد في فضاء العالم فصار ولداً علي حسب قابليته و الولد المتولد بينهما هو الانسان و انما الجماد و النبات و الحيوان هي مقدمات وجود الانسان فالنطفة هي الجماد و العلقة هي المعدن و المضغة هي البرزخ بين المعدن و النبات كالمرجان و الصدف و امثالهما و العظام هي النبات و اللحم هو البرزخ بين النبات و الحيوان كالنخل و النساء النابتات و النبات المسمي ببورايخ و هو حيوان علي هيئة الخروف تنبت و اصله من سرته يرعي ما حوله و الروح هي الحيوان و الولد هو الانسان فجميع هذه المراتب مقدمات وجود الانسان فتسقط قبل استكمالها كما قال سبحانه مخلقة و غير مخلقة و نقرّ في الارحام ما نشاء الي اجل مسمي فالجماد و النبات و الحيوان و برازخها اولاد ناقصة لاينتهي بها فعل الفاعل الي الغاية المقصودة من فعله و العلة الغائية وجود الانسان و الباقية

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 24 صفحه 22 *»

مقدماتها كما شاهدت و لما كان المقصود في هذا الباب بيان حقيقة الاسطقسات لانطيل الكلام في كيفية تولد المتولدات و تبين مما بينا و اوضحنا من سر التطبيق و عدم الاختلاف في الخلق ان اسطقس ظواهر المتولدات هو هذه العناصر الظاهرة و لكن اسطقس مواد المتولدات هي الشعلات الفلكية فان الولد يتولد من عشر قبضات تسعٌ من الافلاك و واحدة من الارض اما التسع التي من الافلاك فقبضة من العرش و منها يخلق مادة قلبه و قبضة من الكرسي و منها يخلق مادة صدره و قبضة من فلك زحل و منها يخلق مادة عاقلته و قبضة من فلك المشتري و منها يخلق مادة عالمته و قبضة من فلك المريخ و منها يخلق مادة واهمته و قبضة من فلك الشمس و منها يخلق مادة مادته الثانية و قبضة من فلك الزهرة و منها يخلق مادة متخيلته و قبضة من فلك عطارد و منها يخلق مادة متفكرته و قبضة من فلك القمر و منها يخلق مادة روحه فهذه تسع قبضات خلق منها مواد قواه و مما منها في غيب العناصر خلق مادة جسده الظاهر فهذه عشر قبضات خلق منها مواده و قال ابوعبدالله عليه السلام في حديث الانسان خلق من شأن الدنيا و شأن الآخرة فاذا جمع الله بينهما صارت حيوته في الارض لانه نزل من شأن السماء الي الدنيا فاذا فرق الله بينهما صارت تلك الفرقة الموت ترد شأن الاخري الي السماء فالحيوة في الارض و الموت في السماء و ذلك انه يفرق بين الارواح و الجسد فردت الروح و النور الي القدرة الاولي و ترك الجسد لانه من شأن الدنيا و انما فسد الجسد في الدنيا لان الريح تنشف الماء فييبس فيبقي الطين فيصير رفاتا و يبلي و يرجع كل الي جوهره الخبر ، و اما صورها فاعلم ان هذه العناصر هي ارض القابلية و هي كما بينا و شرحنا سارية في جميع المراتب الا ان غاية ظهورها في هذه العناصر الظاهرة فلها ايضاً مراتب عشرة فمما منها في العرش خلق صورة قلبه و مما منها في الكرسي خلق صورة صدره و مما منها في فلك زحل خلق صورة عاقلته و مما منها في فلك المشتري خلق صورة عالمته و مما منها في فلك المريخ خلق صورة واهمته و مما

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 24 صفحه 23 *»

منها في فلك الشمس خلق صورة مادته الثانية و مما منها في فلك زهرة خلق صورة متخيلته و مما منها في فلك عطارد خلق صورة متفكرته و مما منها في فلك قمر خلق صورة حيوته و من ظواهر العناصر خلق بدنه الظاهر فتبين ان اسطقس مواد المولود من الافلاك و اسطقس صورته العناصر كما ان مادة الولد من ابيه و صورته من امه و لكن هذه العناصر التي هي محط انظار الاطباء هي الاسطقسات الاولية للانسان و ساير المركبات و هي ليست بعباطتها تتركب فتتولد منها الاولاد يعني ليس يمكن ان يؤخذ حصة من النار و حصة من الهواء و حصة من الماء و حصة من التراب فيجمع بينها فيحصل منها المركب فان هذه الاجزاء بعباطتها لكل واحد حيز ليس يستقر في غيره اذا خلي و طبعه فان النار و الهواء صاعدان و النار اعلي و الماء و التراب نازلان و التراب اسفل و هي مختلفة في الرقة و الغلظة فليس يمكن تركيبها بعباطتها كما تشاهد من عدم امكان مزج التراب بالهواء و مزج الهواء بالماء و مزج النار بها فانا قد حققنا في الفلسفي انه لا بد في اجزاء المركب من المشاكلة في السيلان حتي يتحقق الامتزاج و لذا وصف اميرالمؤمنين عليه السلام انه نار حائلة و ارض سائلة و هواء راكد و ماء جامد فتبين انها بعباطتها اسطقسات اولية و ليست بالمقارنة القريبة و قد حققنا فيها انها لايتركب بعضها مع بعض الا بالتدبير و كيفية التدبير ان تجتمع في ثلث كيان يعبر عنها بالروح و النفس و الجسد و مرة بالزيبق و الكبريت و الملح فما لم‌تتركب العناصر اولا في هذه الكيان لم‌يتولد عنها الولد البتة فالاسطقسات القريبة هي هذه الثلثة و قد نعبر عنها بالماء و الدهن و الارض و الطبيب ما لم‌يفرق بين الاسطقسات البعيدة و القريبة لم‌يتمكن من العلاج الحقيقي الوحي و نحن ان شاء الله تعالي نفصل القول في ذلك حتي ينفع الله به اخواننا الاطباء و ساير ابناء الحكمة .
اعلم ان الانسان كما تري و تشاهد يتولد من نطفة امه و ابيه و ان كان كل واحدة منهما مركبة من العناصر لكن كيان العناصر استحالت و تغيرت اليهما فالعناصر كانت اسطقسات النطفتين و النطفتان هما الاسطقسان القريبان فنطفة الام هي ذلك الماء و الزيبق الذي اشرنا اليه و نطفة الاب هي ذلك الدهن و

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 24 صفحه 24 *»

الكبريت الذي اشرنا اليه و ذلك لان نطفة الام باردة رطبة رقيقة مائية و نطفة الاب غليظة دهنية حارة يابسة فنطفة الام علي مزاج الروح و نطفة الرجل علي مزاج النفس و التراب الذي يموثه الملك بينهما هو علي مزاج الجسد و ذلك ان طبع النطفتين مضاد احدهما مع الآخر و لايأتلفان ابداً فيأمر الله سبحانه ملكاً يأخذ قبضة من التراب فيموثه بينهما فيصير رابطاً بينهما فببرودته يناسب نطفة الانثي و بيبوسته يناسب نطفة الذكر فيؤلف بينهما و هذا التراب مصاحب معهما من حيث كانتا خارج العالم نباتا او حيوانا و كان معهما في بطن الذكر و الانثي الي ان تولدتا و اندفقت نطفة الرجل في رحم المرأة فكان التراب ابداً معهما و الملك يموثه بينهما فيؤلف به بينهما فتبين ان العناصر الاولية استحالت الي ماء الذكر و الانثي و التراب و ذلك التراب ايضاً ليس بعبيط كما يؤخذ من الارض و انما هو ايضاً مركب من العناصر مدبر الا ان الغالب عليه طبع التراب و لولا تركيبه لم‌يشاكل المائين و كذلك الماءان مركبان هو الذي خلق من الماء بشراً انا خلقنا الانسان من نطفة امشاج و النطفة في لغة العرب الماء القليل فكما ان الماء مركب التراب ايضاً مركب فتبين ان الاسطقسات القريبة الماء و الدهن و الارض و ان كل واحد منها مركب من العناصر فلاجل ان الاسطقسات القريبة ثلثة تولد منها ثلثة اعضاء رئيسة فان من الامشاج خلق الولد لكن ما كان فيه التراب اغلب خلق منه الكبد و ما كان فيه الدهن اغلب خلق منه القلب و ما كان فيه الماء اغلب خلق منه الدماغ و ان كان الكل في الكل و لما كان الاسطقسات الاولية اربعة تنفصل الاخلاط الي اربعة و كل واحد منها له طبايع اربع و مراتب ثلث فروحانيات هذه الاربع تصعد الي الدماغ و تصير غذاء له و ما يشاكله من الاعضاء و نفسانياتها تصعد الي القلب و تصير غذاء له و ما يشاكله من الاعضاء و عكرها و ارضيتها تكون غذاء للكبد و ما يشاكلها من الاعضاء فالاخلاط من حيث الطبايع اسطقسات اولية للبدن و من حيث المراتب اسطقسات ثانية فالصحة الخاصة للاعضاء من صلاح مراتب الاخلاط و المرض الخاص من فساد مراتب الاخلاط و الصحة العامة للاعضاء من صلاح طبايع الاخلاط و المرض العام فساد طبايع الاخلاط و لايكاد يقع الا بتفسخ الجسد

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 24 صفحه 25 *»

كله و هو الفساد الكلي لا المرض القابل للعلاج الذي هو محل نظر الطبيب فلربما تكون الاخلاط من حيث الطبايع صالحة و انما يحدث الفساد في روحانيتها خاصة فيفسد الدماغ و ما يشاكله من الاعضاء خاصة و لا فساد في نفسانيتها او عكرها و ربما يكون الفساد في نفسانيتها خاصة فيفسد القلب و ما يشاكله من الاعضاء خاصة و ربما يكون الفساد في عكرها بخصوصه فيفسد الكبد و ما يشاكلها خاصة و ما لم‌يفهم الطبيب هذه المراتب فلربما يكون الفساد في الروحانيات وحدها او النفسانيات وحدها او العكر وحده فيستفرغ الخلط فيخرج الصالح و الفاسد و يحدث امراضاً اخر باخراج الصالح في الاعضاء الصالحة فان باخراج خلط صالح يغلب ضده علي العضو الصالح فيحدث مرضاً و من هنا يأتي الفساد في كثير من المعالجات و انما الواجب عليه اصلاح احد الاسطقسات القريبة و هو امر عسير لايتأتي الا بمعرفة خواص العقاقير التي هي من خاصتها لا الطبايع العامة و سيأتي الكلام في ذلك انشاء الله و لما عجز القوم عن معرفة الخصوصيات عمدوا الي الطبايع العامة فالامراض الخاصة علي ما بينا و شرحنا و اوضحنا ثلثة انواع : امراض مائية و امراض دهنية و امراض عكرية و قد يسمي هذه الثلث اذا فسدت بالطرطير فان الطرطير هو العكر المسمي بالفارسية بالدردي فالاخلاط هي الاصول الاولية و هي ما لم‌تتركب ثلثة انواع ليست تتركب منها الاعضاء في بدن الانسان و اما الاسطقسات المادية فليست محل نظر هذه الاطباء الظاهريين و ان كانت محل نظر الاطباء المحققين فانهم يلاحظون صلاح كل كوكب و فساده في معالجاتهم و يلاحظون نسبة العقاقير الي الكواكب و يلاحظون نسبة كل عضو الي كوكب و يعلمون ان بفساد كل كوكب يفسد العضو المنسوب اليه و بصلاحه يصلح كما ان بفساد كل اسطقس من الاسطقسات السفلية يفسد العضو المنسوب اليه و بصلاحه يصلح فتبين و ظهر ان جميع مراتب هذا العالم اسطقسات المركبات الا ان بعضها اسطقسات مادية و بعضها اسطقسات صورية و هي كلها اولية و ليس تتركب منها الاعضاء ما لم‌تتكون اولا ثلثة كيان كون روحاني و كون نفساني و كون جسماني

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 24 صفحه 26 *»

و كذلك هذا العالم له ثلثة كيان كون روحاني و هو كون العرش و كون نفساني و هو كون الكرسي و الافلاك فروعه و كون جسداني و هو كون العناصر فالعرش دماغ العالم و الكرسي قلبه و العناصر جسده فافهم ما ذكرت لك ما لاتجده في كتاب و لاتسمعه من خطاب و هذا القدر في بيان الاسطقسات كاف للحكيم ان شاء الله .

البٰاب الثالث في المزاج و انت لعمري لو تدبرت في كلمات القوم لكن بعد ما فهمت كلامي لرأيت ان القوم يعلمون ظاهراً من الحيوة الدنيا العرضية و هم عن الآخرة آخرة حقايق الاشياء غافلون و لولا ان من شأني في تصانيفي ان لااذكر اقوال اهل كل علم و لااتعرض لتزييفها لرأيت خطأهم في غالب ما بنوا عليه امرهم و لكني علي مقتضي قوله سبحانه و لايلتفت منكم احد و امضوا حيث تؤمرون و لاجل ان العمر اقصر من ان يشتغل الانسان بتزييف الاباطيل اقتصر علي امر الحق علي نهج حكمة آل‌محمد عليهم السلام قل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن و من شاء فليكفر بالجملة بعد ما عرفت ان الاسطقسات الاوليّة مراتب هذا العالم فلنبين اولاً كيفية حصول المزاج علي قول مطلق ثم نتبعه بذكر الامزجة الخاصة و كيفية تركبها و حصولها اعلم ان ظاهر المزاج هو الكيفية الوحدانية الحاصلة ظاهراً من امتزاج كيفيات مختلفة علي نسبة معلومة و في الحقيقة المزاج نور يصدر من تحت حجاب الواحدية و يظهر في مرآة تلك الكيفية الوحدانية لما صارت قابلة لتجليه و هو المشار اليه بقوله عليه السلام القي في هويتها مثاله فاظهر عنها افعاله و ما لم‌يتعلق به ذلك النور لم‌يصدر عنه الافعال الخاصة به فان الفعل من الفاعل و الفاعل هو الله سبحانه و يظهر فعله علي يد امثلته و اسمائه و صفاته الم‌تسمع في الدعاء سبحان الضار النافع فالضار هو الله سبحانه و يده في الضرر هو حقيقة المزاج ففعل الضرر يصدر من الله سبحانه بيده المقارنة التي هي ذلك النور المنطبع في

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 24 صفحه 27 *»

تلك الكيفية البرزخية الحاصلة بين الكيفيات الذي هو مثاله الملقي في هويته و يظهر فعله علي يد تلك الكيفية فان تلك الكيفية بمنزلة الجسد و ذلك النور روحه و تلك الكيفية هي جهة نفس المزاج و ذلك النور هو جهته من ربه فلا ضار و لا نافع الا الله سبحانه فمن ذهب يزعم ان عقاراً من العقاقير يضر او ينفع فهو مشرك بالله العلي العظيم فان الضرر و النفع حادثان مخلوقان و لا محدث الا الله سبحانه و قد روي عن ابي‌عبدالله عليه السلام في الربوبية العظمي و الالهية الكبري لايكون الشئ لا من شئ الا الله و لاينقل الشئ من جوهريته الي جوهر آخر الا الله و لاينقل الشئ من العدم الي الوجود الا الله انتهي ، فالله سبحانه هو المؤثر و ذلك النور اسمه المؤثر بذلك التأثير الخاص و مثاله الملقي في هوية المركب و يظهر الفعل من ذلك الاسم علي يد الجسد كما بينا و شرحنا فهذا هو حقيقة المزاج لا غير و اما كيفية تكون ظاهره و باطنه اعلم انه لما اراد الصانع الجليل احداث مزاج في مركب اخذ من رطوبة ذلك المقام اربعة اجزأ و من يبوسة ذلك المقام جزء فيدبرهما بيديه الفاعلتين الحرارة و البرودة علي نحو التعاقب فيحل اليبوسة في الرطوبة و يعقد الرطوبة في اليبوسة حتي يجعله ماء و تلك الرطوبة مع تلك اليبوسة متشاكلة فان تلك اليبوسة هبائية صالحة للتمازج مع الرطوبة الهوائية و هذا الماء بارد رطب قد تكون من طبيعتين الرطوبة و اليبوسة ثم ان الله سبحانه يسلط النار علي الماء حتي تغلظه و تلزجه و يختلط معه من الاجزاء اليابسة الهبائية جزء في جزئين يعني جزئين من الماء مع جزء من الهباء و يصير دهناً فالدهن يتولد من الماء كما تولّد المرأة من المرء فالدهن نفس الماء و زوجته المخلوقة من ضلعه الايسر فلاجل ذلك صار الماء مقام الروح و مرآتها و صار الدهن مقام النفس و مرآتها و هذا الدهن مركب من جسدين جسد الماء و جسد الاجزاء الهبائية التي بها تلزج و تغلظ و يكون حاراً يابساً فحصل الطبايع الاربع فيها علي نحو التشاكل و التماثل فيجعل الله سبحانه هذا الدهن زوجة الماء لانه مشاكل له قابل للممازجة معه و النكاح منه فيجمع الله سبحانه بينهما بكمية مناسبة لذلك المركب الذي

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 24 صفحه 28 *»

شاء و اراد و وضع بينهما من الاجزاء الهبائية بكمية مناسبة فالف بينهما بالحل و العقد تأليفاً حقيقياً لانه قد ثبت في الحكمة ان التأليف لايتحقق الا بين المحلولات المتشاكلات و ان اليوابس لا الفة بينها لعدم الرطوبة الرابطة المنفعلة و هذا الذي ذكرنا هو النار الحائلة اي المتغيرة عن كيانها المتغلظة في الدهن و الارض السائلة برطوبة الماء المنحلة فيه و الماء الجامد بيبوسة الاجزاء الهبائية و الهواء الراكد بتلك الاجزاء فتشاكلت الاسطقسات و تماثلت و صارت صالحة للتركيب فاخذ الله سبحانه من كل واحد من هذه الكيان الثلثة الصاحبة للكيفيات الاربعة علي حسب ارادته و مشيته مقداراً معلوماً فدبرها بيديه الحرارة و البرودة الي ان ركبها و حلها و عقدها حتي تولد منها المولود المعين ذو مزاج واحد متشاكل الاجزاء فاشرق علي هذا المركب نور من تحت حجاب الواحدية و انطبع في مرآت هذا الحاصل المركب فصار مؤثراً بالله سبحانه فيما شاء كيف شاء و بغير ذلك لم‌يتحقق مولود ابداً فالماء ابوه و الدهن امه و الاجزاء الهبائية هي الرابطة بينهما ببرودتها تناسب الماء و بيبوستها تناسب الدهن فهذه الثلثة هي اسطقس جميع المولدات و قد خفي علي الاطباء ذلك حتي زعموا ان الاسطقسات القريبة هي العناصر الاربعة و اني لها بصلاحية التركيب مع شدة تناكرها و اختلاف حيزاتها و رقتها و غلظتها و اني يمكن للنار ان تمازج التراب و اني يمكن للهواء ان يمازج الماء ما لم‌تتغير عن كيانها و تصير مشاكلة صالحة للممازجة و اما الماء فقد يشاكل الدهن في السيلان و لما في الماء من الاجزاء الهبائية المشاكلة لهبائيات الدهن و يشاكلهما الهباء لما فيهما من الاجزاء الهبائية فالدهن بين الماء و التراب كالكلاب يرتبط بالماء من حيث السيلان و بالتراب من حيث الغلظة فتربط الثلثة ربطاً صادقاً حقيقياً و يتحقق المركب بعد الفعل و الانفعال بينهما فالتراب يغلظ الدهن بيبسه و الدهن يغلظ الماء بغلظته و الماء يرقق الدهن برقته و الدهن يرقق التراب برقته فيخرج من بينها شئ وحداني متشاكل الاجزاء قابل لان يتعلق به نور الواحد جل شأنه و هذا هو المزاج الحق و من اراد ان يعرف تفصيل ذلك فعليه بكتابنا مرآة‌الحكمة فانه متكفل بتفصيل الواقع و لولا انا فصلناه في ذلك الكتاب و لم‌يكن لنا اقبال بالتكرار

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 24 صفحه 29 *»

لبسطنا القول هنا ايضا و لكن علومنا شتي و يلزمنا العناية بكلها و الوقت اضيق من ان نفصل مطلباً واحداً في كتابين فهذا هو تفصيل حصول المزاج من بين الاركان فلكل مولود طبايع اربع و كيان ثلثة و الشئ قائم بكيانه و الكيان قائمة بطبايعها و لاجل ذلك تري الانسان الصغير متولداً من نطفة ابيه البيضاء و نطفة امه الصفراء و التراب الذي يموثه الملك بينهما فاركان وجوده هذه الثلثة و طبايعه اربعة الحرارة و البرودة و الرطوبة و اليبوسة فظهر كيانه في دماغه و قلبه و كبده و طبايعه في اخلاطه و اخلاطه لاتصل الي اعضائه ما لم‌تستحل الي الكيان فالصفراء العبيط و الدم العبيط و البلغم العبيط و السوداء العبيط لايصير مدد عضو و غذاءه ابداً ما لم‌تستحل الي ماء و دهن و عكر ثم يؤخذ من الماء و الدهن و العكر لكل عضو علي حسب ما يليق به فيؤخذ للعظام مثلاً منها و العكر ازيد و لللحم منها و الدهن ازيد و للسمين منها و الماء ازيد و هكذا للاعضاء فيؤخذ منها للدماغ مثلاً و الماء ازيد و للقلب و الدهن ازيد و للكبد و العكر ازيد و لذلك تري الاثفال الخارجة من الانسان ماءا و دهنا و عكراً لا غير فاما ما تخرج من الاثفال في الكيلوس ففيها رطوبة مائية و دهانة صابغة و عكر كما يفصلها منها اصحاب الصناعة و اما ما تخرج من الاثفال من الكيموس فكذلك رطوبة مائية تخرج من طريق الكلية و المثانة و دهانة صابغة تنجذب الي المرارة و عكر ينجذب الي الطحال و امّا ما تخرج منها ممّا يفضل عن غذاء الاعضاء من الاعضاء فهي ايضاً ثلثة رطوبة مائية و هي العرق و دهانة لزجة و هي الشعر الذي تراه يخرج من الاعضاء و عكر و هو الوسخ و لو لم‌يكن الاخلاط تستحيل الي هذه الكيان اولاً لماتفصل اثفالها الي هذه الثلثة فاذا كان الاعضاء منقسمةً الي الاقسام الثلثة و غذاؤها ايضاً منقسماً الي الاقسام الثلثة و اثفالها ايضا منقسمةً الي الاقسام الثلثة استبصر الحكيم منها ما ذكرنا ان الاخلاط لاتتركب منها الاعضاء و انما تتركب من الكيان الثلثة و كذلك الامر في الانسان الفلسفي و قد بيناه في كتابنا مرآة‌الحكمة مفصلاً و كذلك يكون الامر في الانسان الكبير فهو مركب من عرش و هو الماء و

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 24 صفحه 30 *»

لذا روي ان اول ما خلق الله الماء و هو في جميع العوالم كذلك كما سمعت في امر المزاج ان اول ما يتكون الماء و من كرسي و هو الدهن و هو مخلوق من نفس العرش و الافلاك تفاصيله و اجزاؤه و من عناصر و هي العكر فالعالم مركب من هذه الكيان ثم هذه الكيان تحدث علي ما شرحنا من الكيفيات الطبيعية و لذا يوجد الطبايع في كلها و كل ركن منها مركب من الطبايع و لكن قوام العالم بهذه الاركان كما تري بالجملة المزاج في الظاهر كيفية متشاكلة الاجزاء تحدث من امتزاج الاركان الثلثة امتزاجاً انحلالياً بعد الفعل و الانفعال و تلك الكيفية مرآة ينطبع فيها نور الواحد جل شأنه و هو المثال الملقي في هويتها فيجري سبحانه افعاله علي يده التي هي ذلك النور و المزاج الظاهر لتلك اليد كالكم ليدك فيفعل الله ما يشاء بقدرته و يحكم ما يريد بعزته و تفصيل القول في المزاج يقتضي رسم فصول .

فصل اعلم ان المزاج معتدل و غير معتدل فالمعتدل ما يكون نسبته الي جميع الطبايع علي حد سواء كالمركز في وسط الدائرة او القطب في وسط الكرة و غير المعتدل ما يكون منحرفاً الي جهة فزعم الاطباء ان المزاج المعتدل الحقيقي غير ممكن و قد بينا بطلانه في كتابنا مرآة‌الحكمة و صورنا امكانه بحيث يعرفه من له عين و ربما نشير هنا ايضاً الي امكانه و وقوعه و اما غير المعتدل و هو المنحرف الي جهة فينحرف اما الي الحرارة او البرودة او الرطوبة او اليبوسة فانواعه اربعة و مراتب كل نوع لا نهاية له البتة و ساير ما يقال له معتدل معتدل اضافي و تفاصيل ادلتهم معروفة و قد اشتبه علي القوم فان المعتدل الحقيقي ممكن و لايمنع من التركيب بل يشدد تركيب الشئ و يجعله بحيث لاينفك و اما عدم المنع من التركيب فانا نري ان الحديدة المحماة مثلاً تكون في غاية الحرارة و لو تركتها تبردت شيئا بعد شئ الي ان يصيبها برد شديد فتبرد في غاية البرودة و لا محالة تكون بين هاتين الحالتين حالة متوسطة بين الحرارة و البرودة و قد وجدت و لم‌يمنع تفاعل الحر و البرد من الوجود الخارجي فان الطفرة باطلة و تبردها تدريجي فلها حالة اعتدالية حقيقية لا محالة و كذلك الامر بين اليبوسة

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 24 صفحه 31 *»

و الرطوبة فان تلك الحديدة مثلاً في غاية الجمودة و اليبس و يمكن اذابتها حتي تصير زيبقا رجراجاً و بين هاتين الحالتين تكون حالة متوسطة البتة لما مر و قد وجد في الخارج فتبين انه الاعتدال الحقيقي و لايمنع من الفعل و الانفعال و يمكن وجوده في الخارج و ليس امر التركيب بحيث زعموا ان يؤخذ قبضة من النار و قبضة من الماء و قبضة من التراب و قبضة من الهواء فيؤلف بينها و انما المركِب بالكسر يركب كل شئ و في بدو امره فيه رطوبة فاضلة ليطاوع الفعل فيتصرف فيه و يربيه الي ان يقف في حد الاعتدال بين الرطوبة و اليبوسة و كذلك فيه برودة زايدة فيتصرف فيه و يربيه الي ان يقف بين الطرفين الحرارة و البرودة فيمكن جعل المركب معتدلاً حقيقياً و لايمكن الاعتدال الحقيقي الا ان يتحقق التشاكل الحقيقي بين الاجزاء مع الانحلال البالغ و بقاء الانحلال الي ان يبلغ فعل الفاعل بكل واحد في كل واحد منتهاه ثم العقد شيئا فشيئا الي ان يقف في حد الاعتدال فحصول الاعتدال تدريجي في المركب و الفاعل بكل واحد هو الله سبحانه لانه لايغير الشئ من جوهريته الي جوهر آخر الا الّله و الطبيعة سنة منه في خلقه و سبب من الاسباب فاذا حصل الاعتدال الحقيقي في المركب امتنع عادة تفككه لشدة تعانق الاجزاء و اتحادها و ظهور الواحد الفرد الاعظم الدائم القائم فيها فيمتنع في سنة الملك تفككه الا ان يشاء الله و اما وقوعه ففي ذات محمد صلي الله عليه و آله فانه عدل لا جور فيه و حكم بين جميع الملك و لذا وصفه الله سبحانه فقال لا شرقية و لا غربية ، و قال علي عليه السلام نحن ناشئة القطب و المعصوم الحقيقي يكون معصوماً عن الانحراف عن الحق الذي هو الوسط و هو آية الله العدل في بلاده فمن زعم غير ذلك فقد كذب الله سبحانه في عرشه و ضل عن السبيل و كذلك عترته عليهم السلام فانهم من نوره و روحه و طينته و اولهم محمد و اوسطهم محمد و آخرهم محمد و كلهم محمد فافهم و ان اردت ازيد من ذلك فراجع كتابنا مرآة‌الحكمة و الرسالة الشيرازية و سائر رسائلنا في الفلسفة فان فيها هذا المطلب مفصل

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 24 صفحه 32 *»

و اما المنحرفة فهي ما تميل الي جهة و قد ذكرنا ان انواعها اربعة و اشخاصها لا نهاية لها لان درجات القرب و البعد لا نهاية لها البتة و لكن قد يوصف المنحرفة بالمعتدلة و المراد منه الاضافي و هي علي ثمانية اقسام فانه قد يعتبر الاعتدال في النوع و قد يعتبر في الصنف و قد يعتبر في الشخص و قد يعتبر في العضو و كل واحد منها قد يعتبر بالنسبة الي ما هو خارج عن ذلك الوصف او داخل في ذلك الوصف فالمعتدل النوعي باللحاظ الاول كاعتدال نوع الانسان بالنسبة الي ساير الانواع و باللحاظ الثاني كاعتدال الانبياء في اللباس البشرية بالنسبة الي الرعية و اما المعتدل الصنفي باللحاظ الاول فكاعتدال الاقليم الثاني بالنسبة الي ساير الاقاليم مثلاً و باللحاظ الثاني فكاعتدال اهل بلد منه بالنسبة الي ساير البلاد و اما الاعتدال الشخصي باللحاظ الاول فكاعتدال شخص بالنسبة الي غيره و باللحاظ الثاني فكاعتداله في حال بالنسبة الي ساير حالاته و اما الاعتدال العضوي باللحاظ الاول فكاعتدال عضو بالنسبة الي ساير الاعضاء و باللحاظ الثاني فكاعتدال حالة منه بالنسبة الي ساير احواله فهذه اقسام الاعتدال الاضافي و اعلم ايضاً ان الاعتدال اعتدالان اعتدال بحسب الطبع و هو الاعتدال الطبعي و اعتدال بحسب الوضع و اما الاعتدال الطبعي فكما مر و هو ما يكون وسطاً بين الطبايع و اما الاعتدال الوضعي فهو ان يكون الشئ في جملة ذلك المركب من ذلك الشئ و غيره علي حسب ما يقتضي كمال ذلك المركب و قوامه و ثباته مثلاً الانسان مركب من اعضاء و يقتضي كماله و قوامه ان يكون له آلات و ادوات يقضي بكل واحدة حاجة فاعتدال هيئة الانسان ان يكون رأسه مدوراً و اعلي و حاجباه مقوستين و عيناه لوزيتين و انفه مستقيماً و عنقه كذا و صدره كذا و بطنه كذا و اطرافه كذا علي ما تري في الانسان المعتدل و اختلاف هذه الهيئات لايحصل الا بان يكون بعضها حاراً و بعضها بارداً و بعضها رطباً و بعضها يابساً علي ما تري و مع ذلك يكون هذا الاختلاف من اعتدال الانسان و لو تخلف عن هذا النحو يكون غير معتدل البتة و من ذلك اختلاف اجزاء الملك فهو كله علي نهج الاعتدال الوضعي بحيث لايستقيم الملك الا هكذا و لذا قال سبحانه

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 24 صفحه 33 *»

ماتري في خلق الرحمن من تفاوت اي فساد فالعالم علي نهج الاعتدال و دليل اعتدال كل مركب ان يتأتي منه الحاجة التي اريدت منه من غير تكلف فلما رأينا العالم ثابتا مستقراً يأتي كل شئ منه في وقته و محله عرفنا انه معتدل وضعي البتة فبهذا اللحاظ جميع المنحرفات معتدلة في الوضع لايصدر عن العدل الحكيم غير معتدل البتة فما يري من الانحراف في شئ فانما هو نسبي كما عرفت فعند قياس شئ بشئ يقال انه منحرف يعني عما ذلك الشئ عليه او يقاس حالة بحالة كما عرفت فالانحراف بهذا اللحاظ يكون علي ثمانية اقسام فان الشئ اما يكون احر مما ينبغي او ابرد مما ينبغي او ارطب مما ينبغي او ايبس مما ينبغي او احر و ارطب مما ينبغي او احر و ايبس مما ينبغي او ابرد و ارطب مما ينبغي او ابرد و ايبس مما ينبغي و هذه الامزجة اما تكون بالقوة دون المحسوس الظاهر فكالامزجة التي في العقاقير فانها في الحس الظاهر ليس لها الصفة المذكورة لها و انما هي فيها بالقوة يعني اذا وردت البدن و عمل فيها الطبع ظهرت آثارها في البدن فتسخن او تبرد او ترطب او تجفف او تكون بالفعل و هي محسوسة و هي علي قسمين عارضية و ذاتية اما العارضية فكالحرارة و البرودة و الرطوبة و اليبوسة العارضة الظاهرة كالماء المسخن او المبرد مثلاً و اما الذاتية فاما هي في الغاية و النهاية فكما يوجد في الاسطقسات الاولة و اما هي دون الغاية فكالامزجة التي توجد في بدن الانسان و غيره من الحيوان و هذا النحو من الاعتدال و الانحراف اعتدال طبعي بملاحظة الطبايع الاربعة و هو ما نظر اليه الاطباء و اما الاعتدال و الانحراف بحسب الاركان فهو الذي نذهب اليه لما ذكرنا ان الاسطقسات القريبة هي الاركان دون الطبايع و ان الطبايع استحالت في الاركان و انقلبت اليها فليست بملحوظة في الاعضاء فالمعتدل و المنحرف الذي يجب ان يلاحظ الطبيب في عمله الذي هو حفظ الصحة علي الاصحاء و دفع المرض عن المرضي هو الاعتدال و الانحراف الاركاني و هو الذي قد خفي عليهم فبذلك بعدوا عن اصابة الحق في معالجاتهم و ابتلوا بالقياس و ظلوا في الالتباس فان لا كل حار يسخن البارد و لا العكس و لا كل

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 24 صفحه 34 *»

رطب يرطب اليابس و لا العكس و هذا الذي اشتبه عليهم و نشير الي ذلك في الجملة ان البرودة لو غلبت علي الدماغ الروحاني فالحار العكري الذي من شأنه النزول الي اسفل البدن ليس ينفع منه البتة و كذلك اذا غلبت الرطوبة علي القلب النفساني فاليبوسة العكرية النازلة او الروحانية الصاعدة ليس ينفع منه و علي هذه فقس ما سويها فنقول ان من الاعضاء في الوضع الالهي ينبغي ان تكون روحانية و منها ما ينبغي ان تكون نفسانية و منها ما ينبغي ان تكون جسدانية و منها برازخ بين ذلك فاذا كان كل عضو منها علي الوضع الالهي فهو معتدل في وضعه و في الحاجة التي اريدت منه فاذا انحرف شئ من ذلك عن ذلك الوضع الالهي فهو المنحرف و لايكون انحراف ذلك الا بان يغلب الطرطير الذي هو العكر او الدهن علي العضو المائي او الماء او العكر علي العضو الدهني او الماء او الدهن علي العضو العكري فاذا انحرف شئ من ذلك عما وضع عليه يجب في دفع المرض رده الي ما ينبغي و لايرد الي ما ينبغي الا بالمشاكل للعضو المخالف للمرض و لايتمشي المعالجة بالطبايع في الانحرافات ابداً الا بعد ملاحظة روحانية العقار و نفسانيته و جسدانيته الاتري ان من العقاقير الباردة ما ينفع في الرجل و لاينفع في الدماغ ابداً و منها ما هو بالعكس و من العقاقير الحارة مثلا ما ينفع من القلب و لاينفع من الرجل و الدماغ ابداً و منها ما هو بالعكس بل نجد من العقاقير ما ينفع الجنب الايسر و لاينفع للايمن ابداً و ليس ذلك الا انه استحالت الطبايع الي الاكوان و انقلبت الي الاكوان فلم‌يعمل بعد عمل الطبيعة علي نحو الاطلاق و انما يظهر الخواص من الاكوان كما كررنا و شرحنا و انما كررنا القول لانها اي هذه المطالب غير معروفة عند اهل القياس بل ربما اذا ظفروا بقولي بادروا بالانكار لعدم علمهم بحقايق الامور و لما كان عملهم بالقياس اشتهر في الناس راجع المجربين لا الاطباء و ظني اني رأيت هذا القول مأثوراً عن اهل العصمة عليهم السلام و بعد ما رأيت عرفت ان الشهرة وقعت بعد ما صدر عنهم هذا القول مجملاً ارجو من الله سبحانه ان اكشف في هذا الكتاب خطاء العمل بالطبايع و وجوب العمل بالاركان و لا قوة الا باللّه العلي العظيم فينبغي

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 24 صفحه 35 *»

ان نشرح نسبة كل عضو الي ركن لانه ليس يوجد في غير كتابنا هذا .

فصل اعلم ان جميع اعضاء الانسان بل جميع ما في العالم مركب من الماء و الدهن و الملح و المراد بالماء الرطوبة السائلة و المراد بالدهن الرطوبة اللزجة البرزخية بين الرقة و الغلظة و المراد بالملح الجساوة و اليبس الثقيلة فلا شئ من الاعضاء و الاخلاط الا و هو مركب من هذه الثلثة فالماء لرقته صار مرآة الروح و حكيها حتي غلب عليه اسمها فسمي بالروح و الدهن لبرزخيته صار مرآة النفس و حكيها حتي غلب عليه اسم النفس فسمي بالنفس و الملح لجساوته و غلظته حجب الروح و النفس فلم‌يحكهما فسمي بالجسد و لاجل ذلك قلنا كل جسم مركب من روح و نفس و جسد فكل عضو مركب من هذه الثلثة و ذلك لان الغذاء اذا ورد المعدة و تصرف فيه الطبيعة ميزت بين طرطيره و بين ما هو صالح للكيموس فاخرج الطبع الطرطير من طريق المصارين و بعث الصالح الي الكبد فتصرف فيه حرارة الكبد و ميزت بين طرطيره و بين الصالح للغذاء فاخرج طرطيره من طريق الكلي و المثانة و الي المرارة و الطحال و بعث الصافي الخالص الياقوتي الي الاعضاء فما يفضل عن الاعضاء من الغذاء يفصل الي ماء و دهن و عكر فالماء يخرج من المسامات كالرشح و هو العرق و الدهن يخرج علي نحو السراية و العكر يخرج علي نحو التعقد و الاندفاع الي الخارج و هو الشعر فلاجل ذلك قلنا ان الشعر خلاصة جميع الاغذية لانه فضل ما يغتذي به الاعضاء بالجملة الغذاء المبعوث من الكبد ليس بمتشاكل الاجزاء فان فيه مائية و دهنية و عكرية و يغذي الطبع كل عضو من الثلثة الا ان في بعض الاعضاء الماء اغلب و هي الاعضاء الباردة الرطبة الروحانية و ذلك الدماغ و النخاع و السمين و ان كان السمين ادني ذلك و في بعضها الدهن اغلب و هي اللحميات كاللحم المفرد و الكبد و الطحال و الكلي و العضلات و الثدي و الانثيين و الشحم و امثال ذلك و في بعضها العكر اغلب و هي الاعضاء الصلبة التي بها قوام البدن و ارتباطه كالعظم و الغضروف و الرباط و الوتر و الغشاء و العصب و الشريانات و الاوردة

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 24 صفحه 36 *»

فجميع ذلك من العكريات و ما لم‌يفرق الطبيب بين هذه الاعضاء لم‌يعرف الصحة و حفظها و المرض و دفعه البتة .

فصل الاعتدال في كل عضو ان يكون علي الوضع الالهي و يتأتي منه الحاجة التي وضع لاجلها فمهما لم‌تصدر منه المنفعة المرادة منه علم انه خارج عن الاعتدال فنقول علي سبيل المثل ان اعتدال الرأس يعرف من ان يكون متوسطاً بين الصغر و الكبر له نتو من قدام و نتو من خلف بمنزلة كرة شمع غمزت في الجملة باصبعين و اعتدال العين يعرف من ان تكون معتدلة متوسطة بين الصغر و الكبر و الجحوظ و الغور و يكون لونها بين الكحلة و الزّرقة و هو الاشهل و اعتدال ساير الحواس ايضاً التوسط في الهيئات و قوة الاحساس و ذلك لان قوة الاحساس في كل حاسة تدل علي صفاء المادة و لطافتها و خلوصها من الطرطير و اما اعتدال القلب فيعرف من ان يكون التنفس معتدلا و النبض معتدلاً قوياً و الصدر معتدلاً بين الصغر و الكبر و امّا اعتدال الكبد فيعرف من اعتدال العروق في السعة و الضيق و الصلابة و اللين و اعتدال الاخلاط و حمرة لون البدن في صفاء و حسن و اما اعتدال الانثيين فيعرف من اعتدال المني في الكثرة و القلة و القوام و من شدة ميله الي الجماع و قلته و شدة انعاظه و ضعفه و اما اعتدال المعدة فيعرف بجودة الهضم و اعتدال الشهوة للغذاء و الماء و تسوية استلذاذه من الحارة و الباردة و الرطبة و اليابسة و نظافة اللسان عن الاخلاط و اما اعتدال الرية فيعرف من تسوية ميلها الي الهواء الحار و البارد و من اعتدال الصوت و صفائه و علي هذا القياس ساير الاعضاء فان كان يتأتي منه الحاجة التي خلق لاجلها بسهولة دائماً فهو معتدل و الا فلا و اعتدال كلية البدن ان يكون معتدلا بين الهزال و السمن و اللون منه مختلط من بياض و حمرة و شعره في الصغر اشقر و في الشباب اسود ارجل و ملمسه معتدلا في الحرارة و البرودة و الصلابة و اللين بمنزلة جلدة بطن الراحة و يكون في اخلاقه النفسانية فهماً فطناً ذكياً عاقلا و اما اعتداله في الحيوانية ان يكون شجاعاً متوسطا فيما بين العجلة و البطؤ و التثبت و التهور و الرحم و القسوة مقتصداً

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 24 صفحه 37 *»

في الشهوات عفيفاً و الصفات المعتدلة مجملاً ما امر به في الشرع و المنحرفة ما نهي عنه فانهم ارادوا ان يخرجوا الناس من حدود الانحراف الي الاعتدال و كذا يكون في افعاله الطبيعية معتدلاً فيكون معتدل النشو و النما معتدل الادراك و الاحتلام معتدل الشهوة جيد الهضم معتدل الباه و هذا الذي ذكرنا يحصل في البلاد المعتدلة و اما ساير البلاد فينبغي ان يلاحظ بالنسبة الي اهل تلك البلاد .

فصل اعلم ان الصانع الحكيم جعل بدو كل شئ من الماء لان يكون قابلا للتصوير منفعلاً للتقدير و يتصرف فيه الي ان يبلغ منتهي كمال الصورة المراد منه فلا بد و ان تكون الرطوبة بقدر ان يبلغ المصور منها حاجته و تبقي منفعلةً ما دامت تحت تصرفه لا ازيد من ذلك و لا اقل فمن اتحاد تدبيره جعل مادة الانسان الماء و هو النطفة و هي باردة رطبة فيغذيها بالدم الحار الرطب و يتصرف فيها بحرارة الرحم حتي يجعلها غليظة ثخينةً حتي اذا جعلت في صورة وقفت علي تلك الحال فاذا بلغت غلظتها تلك الحال صورها لكن صور الاعضاء الرقاق قبل الصلاب لقبولها صورة الرقاق قبل الصلاب و هي حارة رطبة ثم غذيها و انماها و هي بتلك الرطوبة التي فيها كانت قابلة للامتداد الي ان اتم صورتها و نفخ فيها الروح و اخرجه صبياً و فيه رطوبة و لين لان يمتد و ينمو و ينشو و لولا هذه الرطوبة لماقبلت اعضاؤه الامتداد و هكذا يمتد شيئا بعد شئ و يجف اعضاؤه شيئا بعد شئ و يقل رطوباته الي ان يصل الي حد لايقبل الامتداد فيقف عند ذلك و يبطل نماه و في الاعضاء رطوبة يتأتي منها الافعال النفسانية و الحيوانية دون النباتية فيذعر شعره و لايطول اظفاره كثيرا و لكن يكون افعاله النفسانية و الحيوانية قوية و هكذا يجف شيئا بعد شئ الي ان يصل الجفاف حداً لاتبلغ منه النفس الحيوانية حاجته فيذبل و يموت ففي حال النما يكون مزاجه حاراً رطباً لوجود الامتداد الدال علي الرطوبة ثم اذا وقف دل علي الجفاف بالنسبة فهو حينئذ حار يابس بالنسبة البتة ثم اذا بدء في النزول يصير بارداً رطباً بالنسبة الي الهرم الذي يلحقه فانه ارطب بالنسبة الي الهرم البتة لما عرفت و ابرد بالنسبة الي الشباب البتة لضعف القوي و

«* مكارم الابرار عربي جلد 24 صفحه 38 *»

افعال نفوسه و اذا بلغ الهرم بلغ اليبس غايته و البرد غايته لنهاية الضعف و نهاية الذبول و ما يري من سيلان الرطوبات منه فانما هو من رطوبات عارضة مع ضعف القوة المحللة فتسيل منه نياً و اعلم ان امزجة الاسنان نسبية و انما النظر الي الغلبة فلما رأينا فيه اليبوسة في حال الهرم غالبة حتي انه يجف عروقه و لحومه و عظامه و جلده و رأينا ضعف قويه بكليتها قلنا بارد يابس و معلوم انه ما دام حياً فيه حرارة و رطوبة لان الحيوة حارة رطبة و لاتتعلق الا بالحارة الرطبة فالشيخ الهرم مزاجه في الواقع حار رطب الا انه بارد يابس بالنسبة الي الكهل لا في الواقع و اما الكهل فقلنا انه رطب يعني بالنسبة الي الهرم و الا فبالنسبة الي الشاب يابس البتة و لما رأينا رطوبته ازيد من الهرم قلنا انه رطب و قلنا انه بارد لضعف قواه الذي لايحصل الا من ضعف الحرارة فمبدؤ البرودة سن الكهولة و منتهاه آخر العمر و يزداد برودة شيئا بعد شئ الا انه في الكهولة ارطب منه في الهرم و قلنا ان الشاب حار يابس مزاجه فهو يابس بالنسبة الي الصبي لا الكهل بل هو رطب بالنسبة اليه و حار في منتهي درجة الحرارة لان مبدء الحرارة الصبي و تزداد شيئا بعد شئ الي منتهي الشباب فهذه الطبايع في العمر كالمثلثين المتداخلين مثلث الحرارة و الرطوبة و مثلث البرودة و اليبوسة فقاعدة مثلث الحرارة و الرطوبة اللتين هما صفتا الحيوة عند اول التولد و رأسه عند آخر العمر و قاعدة مثلث البرودة و اليبوسة اللتين هما من صفات الموت عند آخر العمر و رأسه عند اول التولد فبهذا تبصر امرك و سبب ان حرارة الشباب اشد في الظاهر لان اثر الحرارة في اليبوسة اقوي منها في الرطوبة و لان الحرارة الغريزية الفلكية في حال الشباب اظهر لمناسبة المحل فغلبة حرارة الشباب في الظاهر لاجل غلبة الحرارة الغريزية لا الجثة فافهم بل هي اضعف من حرارة الصبي و اعتبر بسرعة حركات الصبي و كثرة هاضمته و استدل به علي قوة حرارته و اما ظهور الاركان في الاسنان فما دام ناشيا ناميا ففيه الروح اغلب و ما دام واقفا فالنفس فيه اغلب و ما دام هابطا فالجسد فيه اغلب و هذا هو التقسيم الذي يكون منشأ الآثار و هو حقيقي و التقسيم الاول اضافي نسبي فافهم

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 24 صفحه 39 *»

هذا ما يؤدي النظر و ان خالف بعض الاطباء و لكن عليّ ان اذكر ما يوافق البرهان لا الرجال فان الرجال تعرف بالمقال لا المقال بالرجال فذكروا ان الولد هو صبي الي خمسة‌عشر سنة ثم هو فتي الي نحو ثلثين ثم شاب الي خمسة و ثلثين ثم هو كهل الي ستين ثم هو شيخ الي آخر العمر و النما الي ثلثين تقريبا و الي خمسة و ثلثين الوقوف ثم الي الستين الانحطاط ثم الي آخر العمر الذبول ثم كل نفس ذائقة الموت ثم كل ذكر احر و ايبس من الانثي و كل انثي ابرد و ارطب و لذلك تريهن ينشون سريعاً و يقفن سريعاً اما سرعة نشوهن لرطوبتهن القابلة للامتداد و اما سرعة وقوفهن لضعف الحرارة فيهن و الدليل علي ذلك انك تريهن عديمات الشعر في البدن و اضعف نفساً و اقل شجاعة و اكثر جبنا و جزعاً ضيقة الصدور صغيرة الرؤس مايلات الي الدعة ناقصات العزم و العقل كثيرات الحيا و كل هذه صفات البرودة و الرطوبة و تري الرجال بخلاف ذلك و لاجل ذلك تري في الرجال اثر العقل اغلب و في النساء اثر النفس اغلب ثم انه قد يتغير المزاج بحسب العادات و المهن حتي تصير طبيعة ثانية و ينبغي ملاحظة جميع ذلك للطبيب المحتاج الي معرفة هذه الامور المعاني بها فهذه جملة كافية في امر المزاج ان شاء الله .

البٰاب الرابع في جملة القول في الاخلاط و قد عرفت مما تقدم ان الاسطقسات الاولة لبدن الانسان العناصر الاربعة و الاسطقسات الثانية له الاخلاط الاربعة و الاسطقسات الثالثة الماء و الدهن و العكر و الاسطقسات الرابعة الاعضاء المتشاكلة التي عليها مدار بدن الانسان و الغرض في هذا الباب بيان احوال الاخلاط .
اعلم ان الاخلاط في بدن الانسان بمنزلة العناصر في هذا العالم و كما ان العناصر في اسفل العالم كذلك يكون الاخلاط في الكبد اسفل الاعضاء الرئيسة و اعلم ان الاخلاط مولدة من العناصر بعد انقلابها الي المولدات الخارجية التي منها

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 24 صفحه 40 *»

غذاء الانسان و تلك المولدات قد تولدت من الماء و الدهن و العكر المتولد من العناصر علي ما هو مذكور في كتابنا مرآة‌الحكمة فالعناصر انقلبت الي الاركان و الاركان انقلبت الي النبات و الحيوان فاذا اغتذي بهما الانسان و وردا البدن انحل الغذاء في البدن بواسطة الماء و تصرف فيهما الهاضمة حتي تنحل الاجزاء اليابسة في الرطبة و تنعقد الرطبة في اليابسة و يصير المجموع شيئا واحداً غليظاً بمنزلة ماء الاقط الغليظ و هو المسمي بالكيلوس و هذا الكيلوس المتشاكل الاجزاء في المنظر يكون مركباً من ثلث جواهر في المخبر و هي الماء و الدهن و العكر كاللبن الذي تراه في المنظر واحداً و هو في المخبر مركب من مائية و دهنية و جبنية و هي عكره و في هذه الجواهر الثلث اجزاء صالحة تشاكل بدن الانسان و اجزاء غريبة فاسدة بالنسبة الي بدن الانسان ففيه مائية فاسدة و دهنية فاسدة و عكرية فاسدة فيميز الطبيعة بقوة ربها بين الصالحة و الفاسدة فترسل الصالحة من طريق الماساريقا الي الكبد و تدفع الفاسدة من طريق الامعاء فالمدفوع مركب من فواسد الجواهر الثلثة كما يفصل في القرع و الانبيق الي ماء و دهن و عكر ارضية مشاهدة ثم ما ذهب الي الكبد هو جوهر متشاكل الاجزاء و هو المسمي بالكيموس فيعمل فيه حرارة الكبد و تنضجه و هو ايضاً فيه اجزاء صالحة مشاكلة لبدن الانسان و اجزاء فاسدة فتفرق القوة المميزة التي جعل الله فيه فتدفع المائية الفاسدة منه من طريق الكليتين الي المثانة الي الخارج و تدفع الدهانة الغير الصالحة للتغذية الي المرارة و تدفع العكر الغير الصالح للتغذية الي الطحال و لما كان للطبع فيهما حاجة و كانا قليلين لم‌يدفعهما الي الخارج فاما حاجته في البحار انه سأل الرشيد موسي بن جعفر عليه السلام عن الطبايع الاربع فقال عليه السلام اما الريح فانه ملك يداري و اما الدم فانه عبد عارم و ربما قتل العبد مولاه و اما البلغم فانه خصم جدل ان سددته من جانب انفتح من آخر و اما المرة فانها ارض اذا اهتزت رجفت بما فوقها فقال له هرون يا بن رسول الله تنفق علي الناس من كنوز الله و رسوله ، منه – و يأتي بعض الاخبار في تشريح الاعضاء في الهامشة ، منه ( اعلي الله مقامه )
الي الطرطير الدهني فانه يرسل بعضه الي الامعاء ليغسلها و يجلوها من الرطوبات اللزجة و يرسل بعضها الي المعدة لتسخينها للهضم و اما حاجته الي الطرطير العكري فانه يرسل بعضه الي فم المعدة للتنبيه لشهوة الطعام و منه يصير غذاء الطحال نفسه فيبقي الجوهر الصالح

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 24 صفحه 41 *»

للتغذية في الكبد و هو الدم و هو مركب من جواهر ثلثة كما تشاهد حين ينصب الي الثديين و يخرج لبنا انه من ثلثة جواهر كما ذكرنا و اذا وضعت الدم في القرع و الانبيق و فصلته يخرج منه ماء ثم دهن و يبقي عكر في اسفل القرع فهذا الدم ذو الجواهر الثلثة الخالصة الصافية يكون غذاء البدن و هو جوهر صاف ياقوتي معتدل بين الرقة و القوام فيجري في العروق و ينبث في البدن فما صعد الي اعالي البدن فهو اشرفه و الطفه لانه ينبغي ان يصير غذاء آلات الحس و يجب ان يكون في غاية اللطافة ففيه المائية اغلب و ما توسط في البدن فوجب ان يكون متوسطا بين الرقة و الغلظة ففيه الدهنية اغلب و حتي يشتعل فيها الحرارة الغريزية في القلب و تحيي و ما نزل منه الي الاسافل فوجب ان يكون عكرياً غليظا لانه ينبغي ان يصير غذاء الاعضاء الحاملة للبدن المتينة فافهم ذلك راشداً موفقا فانك لاتجده بهذا الانطباق و التنقيح في كتاب و لاتسمعه من خطاب ثم ما وصل الي الاعضاء من هذا الجوهر الياقوتي الصافي فلربما يفضل منه شئ من غذاء العضو فان كان الطبع قوياً فصّله قوي الاعضاء فاخرج المائية الفاضلة بطريق الترشح من المسامات و الدهنية الفاضلة منها دهناً و العكرية الفاضلة شعراً و لعلك من ذلك تبين لك ان الشعر اعدل شئ في العالم لانه فاضل غذاء صالح لبدن الانسان و هو اخ الانسان لابيه و امه ابوه الماء و امه الدهن فاي حجر افضل منه و اي جوهر اعظم و اشرف منه و قد طهره الجليل و نقاه يد القدرة و رباه الله سبحانه بحكمته حتي جعله صالحاً لان يكون انسانا كاملاً ولياً لله سبحانه قابلاً لجميع العلوم و الكمالات و الحكم الالهية و العلم بحقايق الاشياء و لعمري قد اخطأ من اتخذ وراءه حجراً و قد سلك الطريق الابعد و قد حققنا ذلك في شرحنا علي رسالة الشيخ الاوحد اعلي الله مقامه المسمي بكشف الاسرار مجملاً فان كانت الاعضاء ضعيفة لم‌تقدر علي دفع هذه الفضول بقيت في خلل الاعضاء و لربما كان في الكبد ايضاً ضعف و لم‌يصف الغذاء من الفضول الثلثة و بقيت فيه الي ان وصل الي الاعضاء و فيها ضعف فلم‌تدفع الفاضل عن نفسها فبقيت في الخلل و زادت شيئا بعد شئ حتي احدثت امراضاً في البدن و هذا

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 24 صفحه 42 *»

الباقي في الخلل هو الطرطير الذي هو امّ الامراض و اصلها و منشأها و لايضعف عضو و لايحدث فيه مرض الا من جهة هذا الطرطير فهو العلة المادية لكل مرض يحدث في بدن الانسان و هذا الطرطير يختلف في الرقة و الغلظة بحسب مكان تولده فان كان هذا الطرطير من بقايا غذاء الاعضاء المائية كان الطف و ان كان من بقايا غذاء الاعضاء الدهنية كان اغلظ و ان كان من بقايا غذاء الاعضاء العكرية كان اشد تحجراً و هو اردؤها و اصعبها تنقية و كل واحد من هذه الطراطير له ثلثة اقسام فاما يكون الطرطير مائياً او دهنياً او عكرياً بالنسبة الي موضع تولده فهو تسعة اقسام و قد يتولد الطرطير في المعدة اذا كان قوتها المميزة او الدافعة ضعيفة فيبقي من الاجزاء الغير الصالحة في المعدة فيتولد هناك طرطير و هو ايضاً اما مائي او دهني او عكريّ و هو ما يشاهد حين الدفع فاما ان يندفع الطرطير المائي و هو المسمي بالبلغم او الطرطير الدهني و هو المسمي بالماء الاصفر و الصفراء او الطرطير العكري و هو المسمي بالسوداء و لكل واحد منها حالات و صفات و الوان و قد يتولد الطرطير في الكبد لضعف القوة الدافعة منه او المميزة فيبقي فيه الطرطير و هو ايضا اما مائي او دهني او عكري و قد يصحب ذلك الطرطير الدم لاجل رداءة التصفية و ضعف المميزة فيجري في العروق فهذان ايضاً ستة اقسام فذلك خمسة‌عشر قسماً من الطرطير هي ام جميع الامراض و اصلها و منشأها و لعلنا فصلنا الامراض علي سبيل الاجمال حتي تعلم و ما لم‌يعلم الطبيب العلة المادية لكل مرض لم‌يقدر علي علاجه البتة و سنفصل لك نوع المعالجة ايضاً ان شاء الله تعالي فما ورد في الخبر عن الرضا عليه السلام في رسالته الي المأمون ان الله سبحانه بني الاجسام علي اربع طبايع و هي المرتان و الدم و البلغم و بالجملة حاران و باردان قد خولف ما بينهما فجعل الحارين لينا و يابساً و كذلك الباردين رطباً و يابساً ثم فرق ذلك علي اربعة اجزاء من الجسد علي الرأس و الصدر و الشراسيف و اسفل البطن و اعلم يا امير المؤمنين ان الرأس و الاذنين و العينين و

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 24 صفحه 43 *»

المنخرين و الفم و الانف من الدم و ان الصدر من البلغم و الريح و ان الشراسيف من المرة الصفراء و ان اسفل القدم من المرة السوداء الخبر ، فليس ينافي ما ذكرنا فانا لاننكر ان الاسطقسات الاولة هذه الاربعة و ان الغالب في كل عضو طبع الا انا نقول ان هذه الاربع تستحيل الي الاركان الثلثة اولا ثم تتركب الاعضاء من هذه الثلثة كما بينا سابقاً و اتينا له بشواهد ظهر بها لذي عينين فلا شك ان اخلاط البدن اربعة كما ان عناصر العالم اربعة لكن لاتتركب منها شئ الا ان يتكون منها الكيان الثلثة اولا ثم من تركيب الكيان تتركب الاعضاء ثم اعلم ان الطرطير المائي تختلف احواله و هو اربعة اقسام فمنه حامض و هو ابردها و ايبسها و منه مالح و هو اسخن اصناف البلغم و اجفها و منه حلو و هو اسخنها و ارطبها و منه زجاجي يميل الي الحموضة و هو ارطبها و ابردها و اعلم ان الجوهر اللطيف اذا عمل فيه حرارة ضعيفة حتي غلي و كان حرارته الغريزية فاسدة حمض و اذا اشتدت عليه الحرارة و كان فيه غلظة و عكرية ملح و ان كان غليظا و لم‌تفسد حرارته الغريزية و عمل فيه الحرارة حلي و ان كان مع ذلك حرارته الغريزية اضعف و الغريبة ايضاً ضعيفة حمض قليلاً و اما الطرطير الدهني فهو ايضاً اربعة اصناف اصفر رقيق و هو اقل حرارة لما فيه من مخالطة الرطوبة المائية و لولا ذلك لكان بطبعه احمر ناصعاً و منها غليظ اصفر كمح البيض و هو اقل حرارة من الاول لما فيه من الرطوبة الغليظة و منها كراثي و تولد هذا القسم في الاكثر في المعدة كما ان الاولين في الاكثر في الكبد و ربما يكون سبب الكراثي التغذي بالبقول و منها ما هو زنجاري و هو اردؤها و اكثر تولده في المعدة من شدة الاحتراق و هو له كيفية سمية و اما الطرطير العكري و هو ايضا اربعة اقسام فمنها ما يتولد من احتراق العكر الصالح و هو حار حاد و طعمه حامض و اذا وقع علي الارض احدث فيها غليانا كالخل و منها ما يحدث من احتراق الدهن الصالح و هو احرها و هو ردي مهلك و لونه اسود كالقار و له بريق و في رايحته حموضة و يحدث الغليان في الارض و منها ما هو كمد بسبب بقاء الرطوبة فيه قليلاً و منها باذنجاني و بنفسجي بسبب مخالطة

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 24 صفحه 44 *»

الدهن و اردؤها الاسود البراق و في كلها حموضة للبرودة الاصلية او اللطافة و غلبة الحرارة عليها فاكتسب حدة و حرارة من الاحتراق فهذه جملة وافية في صفة الاخلاط و الاركان .

البٰاب الخامس في جملة القول في الاعضاء ،
اعلم ان القول في الاعضاء نوعان نوع منهما بيان صفة كل عضو و هيئته و خواصه و تشريحه فقد تكفل بذلك الاطباء و ابلغوا فيه لاسيما علي بن العباس المجوسي تلميذ ابي‌ماهر موسي بن سيار في كتاب كامل‌الصناعة الملكي فانه فصل و ابلغ فلا حاجة لنا في بيان ما بينوا و ابلغوا و انما غرضنا في هذه الرسالة بيان ما لم‌يبينوا و شرح ما لم‌يصلوا اليه فلنبين في هذه الرسالة كليات لم‌يعرفوها و لم‌يصلوا اليها من اسرار الخلقة و تنويع الاعضاء و هو المطلوب منا في هذه الرسالة فنقول اعلم ان الفيض من الله سبحانه كما بينا واحد و هو نور ساطع من لدن مشية الله سبحانه الي منتهي الخلق و هو فيض واحد و نور واحد لانه من عند الواحد و قد بينا ان من نفس ذلك النور حدثت ظلمة فانبسطت ايضاً من منتهي الخلق الي لدن مشية الله سبحانه فكانا كالمثلثين المتداخلين او كالكرتين الحادتين فصارت الظلمة المنبسطة منازل و مقامات للنور مختلفة لاختلاف مراتب الظلمة فحدثت منها للنور صفات مختلفة في كل منزل علي حسب مقتضي ذلك المنزل فحصل من ذلك اختلاف مراتب الخلق الا ان في كل جزء نوع معني كل جزء فصار من لدن المشية الي وسط المثلثين عالم الغيب لغلبة النور و اللطافة و صار من عند الوسط الي المنتهي عالم الشهادة لغلبة الظلمة و الكثافة ثم صار عالم الغيب له اربع مراتب رتبة قرب المشية المتصلة بها و رتبة غاية البعد عنها في الغيب و هي مايلي الوسط ثم بين ذلك رتبتان رتبة تلي العليا و رتبة تلي السفلي فحصل لعالم الغيب اربع مراتب و صار الاولي منها لنهاية قربها من المشية في شدة المشاكلة معها و اضمحل و تلاشي فيها انية الظلمة فصارت معراة عن الحدود الكلية و الجزئية

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 24 صفحه 45 *»

فاختصت بعالم الحقايق ثم بعدها كان البعد اكثر بدرجة و انية الظلمة فيها اقوي فصار لها حد و لكن علي نهج المعنوية و الكلية ثم بعدها كان البعد اكثر بدرجة و انية الظلمة فيها اقوي و المشاكلة مع المشية اقل فاختصت بصور رقيقة لطيفة ثم بعد ذلك كان البعد اكثر و المشاكلة اقل و الظلمة اقوي صارت فيها حدود غليظة جزئية الا انها غيبية لطيفة عالية عن المواد خالية عن القوة و الاستعداد تجلي الله سبحانه لها فاشرقت و طالعها فتلألأت فالقي في هويتها مثاله فاظهر منها افعاله و كذلك من لدن الوسط الي غاية البعد اربع مراتب فاعلاها حقايق عالم الشهادة ثم بعدها معاني عالم الشهادة ثم بعدها الصور الرقيقة ثم بعدها الصور الغليظة فسميت المراتب الغيبية بالفؤاد و العقل و الروح و النفس علي الترتيب و هي لغلبة نورانيتها صار منها الشعورات و الادراكات الحقيقية و المعنوية و الصورية و سميت المراتب الشهادية بالطبع و المادة و المثال و الجسم و صارت هذه الاربع قوالب و مظاهر للاربع الاول فعالم الغيب بكليته روح و عالم الشهادة بكليته جسم لها الا ان الروح تنفصل الي اربع مراتب و الجسم ايضاً ينفصل الي اربع مراتب فالجسم تنزل الروح بل هو روح غليظة مجسمة لما عرفت من اتحاد جوهرهما و كون الاختلاف في الرقة و الغلظة و الروح لطيفة الجسم بل هي جسم رقيق لطيف مروح لما عرفت و الروح لغلبة النورانية فيها مقام الربوبية للجسم لانها التي تربيه و الجسم لغلبة الظلمانية عليه مقام العبودية للروح لانه مطيع لها متحرك بها فالعبودية جوهرة كنهها الربوبية فما خفي في الربوبية من الصفات للطافتها و غيبيتها اصيب في العبودية مشروحاً مفصلاً و ما فقد في العبودية لغلبة الظلمة و قلة النورانية وجد في الربوبية ، فتبين سر قول الرضا عليه السلام قد علم اولوا الالباب ان الاستدلال علي ما هنالك لايعلم الا بما هيهنا و سر قوله تعالي سنريهم آياتنا في الآفاق و في انفسهم حتي يتبين لهم انه الحق فظهر معني قوله سبحانه و ان من شئ الا عندنا خزائنه و ماننزله الا بقدر معلوم فجميع ما في عالم الشهادة نازل من عالم الغيب فلكل صفة و موصوف و حاد و محدود و جوهر و عرض حقيقة في

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 24 صفحه 46 *»

عالم الشهادة و البصير من تبصر ذلك و الحكيم من عرف حقايق الاشياء و عرف ان كل شئ من اين نزل و اين مبدؤه و مقامه فنقول ان الهيئة الانسانية التي في هذا العالم قد حصلت و تلبست بها المادة بعد ما صفت و لطفت و بلغ بها الفاعل جل شأنه منتهي ارادته منها و خليت و طبعها كما بينا فوقفت علي هيئة الفطرة الالهية و هذه الهيئة هي هيئة ذلك النور بعد ما نزل في عالم الشهادة و امتزج مع الظلمة ظلمة الانية و تلك الظلمة كانت علي الوضع الالهي لانه من صنع الحكيم و قد بينا ان كل قبضة من ذلك النور اذا خلي و طبعه الذي جبله الله عليه وقف علي هيئة الانسان و مهما رأيت من شئ علي هيئة المعدن او النبات او الحيوان فهو مما لم‌يبلغ به فعل الفاعل غايته او كانت المادة غير قابلة للانفعال علي حسب ارادة الفاعل و ان رأيت انساناً زايداً و ناقصاً او مشوهاً فانما هو من جهة رداءة المادة و زيادتها و نقصانها علي ما سنبينه ان شاء الله تعالي في محله مجملاً كل قطعة من ذلك الفيض اخذت و عمل فيها يد الفاعل حتي بلغ بالفعل منتهاه و لا قاسر ظهرت علي هيئة كينونته المشاكلة لارادة الفاعل و مشيته فان الاثر يطابق صفة مؤثره و لذلك قال الله سبحانه و لقد خلقنا الانسان في احسن تقويم ، و عن اميرالمؤمنين عليه السلام الصورة الانسانية هي اكبر حجة الله علي خلقه و هي الكتاب الذي كتبه بيده و هي الهيكل الذي بناه بحكمته و هي مجموع صور العالمين و هي المختصر من اللوح المحفوظ و هي الشاهد علي كل غائب و هي الحجة علي كل جاحد و هي الصراط المستقيم الي كل خير و هي الصراط الممدود بين الجنة و النار انتهي ، فالصورة الانسانية هي هيئة المشية و صورة الارادة ظهرت في نورها و شعاعها اذ هناك لكثرة لطافتها و رقتها ليس يظهر فيها الصورة و كذلك ليست تظهر في اعالي ذلك الفيض و انما تظهر بعد غلظته في الجملة بواسطة برد الظلمة و كثافتها حتي يصير قابلاً للتصور الاتري ان الدهن الرقيق ليس يقبل التصور و لكن اذا طبخته حتي غلظ في الجملة و صار ناضجاً متينا ثخينا كالشمع مثلاً قبل التصوير كيفما شئت و وقف علي ما صورته فكذلك مبادي

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 24 صفحه 47 *»

الفيض لرقتها و لطافتها ليست تقبل الصورة الا ان تنتضج و تستثخن بسبب كثافة الظلمة و بردها و يظهر فيها التصوير و تلك الصورة كانت من طبيعة ذلك الفيض من اوله الي آخره الا انه ليس تظهر في مباديه و تظهر في منتهاه ففي غاية رقته ليس يظهر فيه صورة لا كلية و لا جزئية كما في الفؤاد فاذا غلظ قليلاً بسبب برد الظلمة المقتضي للتكاثف و التراكم قبل صورة معنوية كلية كما في العقل فاذا غلظ بعد ذلك مرة اخري قبل صورة رقيقة غيبية برزخيةً بين المعنوية و الصورية و الكلية و الجزئية كما في الروح الملكوتية و اذا غلظ مرتبة اخري ظهرت فيه صورة غليظة جزئية لكن غيبية فاذا غلظ مرتبة اخري ظهرت فيه صورة غليظة شهادية طبيعية و هي بالنسبة الي عالم الشهادة ليس يطلق عليها صورة بل هي بالنسبة اليها كالتجرد عن المعني و الصورة لكن بالنسبة الي الغيب صورة فاذا غلظ مرة اخري ظهرت فيه صورة كلية معنوية مادية فاذا غلظ مرة اخري ظهرت فيه صورة برزخية شهادية مثالية فاذا غلظ مرة اخري ظهرت فيه صورة غليظة جسمانية شهادية و لكن في عالم الاجسام له ايضاً مراتب فانه في عالم الجسم المطلق له صورة اطلاقية بالنسبة الي ما دونه و في عالم العرش له صورة كلية معنوية بالنسبة و في عالم الافلاك له صورة رقيقة بالنسبة و في عالم العناصر له صورة غليظة كما بينا و له ايضاً في عالم الاجسام صورتان صورة لجسمه الاصلي الذي هو علي فطرته الاولية الالهية الهورقلياوية و صورة عرضية علي حسب اعراض هذا العالم المحسوس مجملاً الصورة التي في هذا العالم هي ما كان في مبدء الفيض الي منتهاه الا انها ظهرت في هذا العالم لغلظة الفيض و تكاثفه و تراكمه حتي قبلت الصورة و بقيت علي ما صورت بسبب جمودها و هذا قوله سبحانه و ان من شئ الا عندنا خزائنه و ماننزله الا بقدر معلوم فافهم ما ذكرت لك فانه من عين حكمة آل‌محمد عليهم السلام فاذا عرفت ذلك نقول ان الفيض في هذا العالم العرضي الذي هو النطفة و ان كانت في المنظر واحدة الا انها مركبة من جواهر ثلثة لانها دم صاف لطيف انصب في الانثيين و اندفقت الي الرحم و قد عرفت ان الدم له ثلث جواهر كما يظهر في

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 24 صفحه 48 *»

اللبن ففي النطفة اجزاء لطيفة مائية و اجزاء غليظة دهنية و اجزاء كثيفة عكرية فالاجزاء اللطيفة المائية روحانية كما ثبت في العلم الهرمسي و حققنا ذلك في كتابنا مرآة الحكمة و حيزها اعلي لو خليت و طبعها و الاجزاء الدهنية نفسانية و حيزها اسفل من الروح لان لها جهتين جهة العكرية و منها غلظتها و جهة روحانية و منها سيلانها و الاجزاء العكرية جسدانية و حيزها في الاسفل فاذا خليت هذه الاجزاء و طبعها وقف كل واحد منها في حيزها و ان شايع كل واحد كل واحد فاذا وقعت في الرحم و عمل فيها قويه ميزها و وقف كل واحدة منها في حيزها البتة لعدم القاسر في الاغلب فاذا عرفت ذلك فلنمثل لك مثالاً في الاعلي و الاوسط و الاسفل فانها تختلف من حيث الجهات و لنمثل ذلك في ورق الشجر فلاحظ المثال الذي في الهامش فنقول ان الورق ايضاً مركب من ثلث جواهر كما انك تري تتفصل في القرع و الانبيق الي ماء و دهن و ارضية فاذا جري المدد في جوف الساق و الغصن و وصل الي القطرات و اندفع منها الي الخارج و فصله النفس النباتية فمن جهة كان اعلي الورق رأس الورق الحاد الدقيق و اسفله الجهة الغليظة منه و وسطه بين ذلك فصعدت الاجزاء الروحانية الي رأسه الدقيق و لذا دق و لطف و لذا يكون ارق و انعم و الطف و مايلا الي السماء الا ان يكبر فيثقل علي رجله فينزل و الارضية منه نزلت الي اسفل الورق الغليظ و لذا غلظ و انبسط اكثر و صار اثخن و يكون نازلا الي الاسفل و توسط الدهن فلاجل ذلك صار في

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 24 صفحه 49 *»

الانبساط و الدقة بين الطرفين و من جهة يكون السطح الاعلي من الورق و بطنه اعلي و السطح الاسفل منه الذي هو ظهره اسفل و وسط ثخنه يكون بين بين فالاجزاء الروحانية تصعد الي السطح الاعلي و لذا يكون انعم و اصفي و متوجهاً الي السماء لخفته و العكرية تنزل الي الظهر فلذا يكون اخشن و اكثف و متوجهاً الي الارض لثقله و الدهنية تكون بينهما في ثخنه و هذا ايضاً اعتبار و من جهة يكون الاعلي منه اطرافه و الاسفل عند قطره و الوسط بينهما فتصعد الروح الي الاطراف و لذا تري عروقه مما يلي الاطراف ارق و جسمه انعم و الطف و مايلاً الي السماء و العروق مما يلي القطر و نفس العرق القطري منه اغلظ و جسمه ايضاً مما يلي القطر اغلظ و لذا يكون مايلاً الي الارض فيكون الورق ذا حني و من جهة مطلق الاعلي من جميع الاطراف اعلاه فيصعد اليه الروح و لذا يكون الطف و وسط ثخنه يكون اسفله و لذا يكون اغلظ و فيه عروقه التي اغلظ اجزائه فينزل اليه العكر و بينهما محل الدهن فذلك اربعة انظار طولا و عرضاً و عمقاً و ثخنا و في كل نظر اعلي و اسفل و اوسط و لا بد و ان يصعد الروح من كل جهة الي الاعلي و ينزل العكر الي الاسفل و يتوسط النفس البتة فاذا عرفت ذلك فنقول ان للانسان ايضاً اعلي و اسفل و اوسط من هذه الاربع جهات من الطول و العرض و العمق و الثخن فمن حيث الطول تصعد الاجزاء الروحانية الي الرأس و العكرية الي الرجل و الدهنية تقف في الوسط و من حيث العرض يكون ما يلي الجنبين اعلي و ما يلي الفقار اسفل فيصعد الروحانية الي الجنبين و ينزل العكرية الي الاسفل مما يلي الفقار و يتوسط الدهن و لذا يكون الجنبان ارق و انعم و رؤس الاضلاع ارق و ادق و يكون الفقار و ما يليها اثخن و اغلظ و اكثف و ما بينهما بين بين و من حيث العمق يكون وجهه اعلاه و ظهره اسفل و بينهما بين بين فتصعد الاجزاء الروحانية الي الوجه اي ما يتوجه به من مقاديم البدن و تنزل العكرية الي الظهر و تتوسط الدهنية و من حيث الثخن يكون سطح بشرته الاعلي و عظامه الاسفل و بينهما بين بين فالروحانية تصعد

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 24 صفحه 50 *»

الي سطح البشرة الاعلي و العكرية تنزل الي العظام و الدهنية تتوسط و ما تري من غلظة الجلد فانما هو بالعرض من جهة حرارة مقعر الرحم فجففه و من جهة مباشرة الهواء و الحر و البرد في الخارج و لولا ذلك لكان كما ذكرنا الاتري ان العظم اغلظ الاجزاء و هو عكري و اللحم دهني و السمين الذي علي اللحم مائي و للانسان اعتباران آخران فالاول ان يمين الانسان اعلي و يساره اسفل فيمينه روحانية و يساره عكرية و لذا تكون ابرد و اجف و كل جزء يساري يكون اصغر من مقابله اليميني و بينهما بين بين و الثاني ان الاعضاء الرئيسة هي الاعلي و الخادمة هي الاسفل و المرؤسة هي الاوسط فمن ذلك اعتبر امرك و افهم ما اقول فاذا وردت النطفة الرحم و خليت و طبعها وقفت اجزاؤها علي ما ذكرت فلاجل ذلك يكون دماغه و نخاعه مائياً و قلبه و اجزاؤه اللحمانية و الوسطانية دهنية و يده و رجله عكرية فان اليد ايضاً من الاطراف الخادمة و حكمها حكم الرجل و هي ايضاً اسفل الا انها الطف من الرجل و باقي الجهات علي ما ذكرت فلانعيدها و لما كان وقوف الفيض هكذا من جهة الطبع فلا اختصاص له بعالم دون عالم كان صورة الانسان في كل عالم علي نهج واحد نوعاً الا ان في كل عالم بحسبه من الغلظة و الرقة فصورة الانسان في عالم الاجسام هي صورته في عالم العقول الا ان في عالم العقول ارق و الطف و في عالم الاجسام اغلظ و اكثف و فيما بين ذلك بين بين و لما كان للانسان رتبتان رتبة غيب و رتبة شهادة و غيبه نوعا الطف من الشهادة و لكن باطن الغيب مما يلي المبدء و الطف و ظاهره مما يلي الشهادة و اكثف و اما الشهادة فنوعاً اكثف من الغيب الا انه مما يلي ظهر الغيب انعم و ارق و مما يلي المنتهي اغلظ و كانت الارواح و المشاعر و القدرة في النصف الغيبي ظهرت هذه المراتب في بدن الانسان بعينه فنصفه الاعلي غيبه و مقاديمه اعليه و انعم و ظهره اسفله و اغلظ و نصفه الاسفل شهادته فباطن الاسفل مما يلي ظهر الاعلي و ظاهره وراءه و جميع مشاعره و ارواحه و قدرته في النصف الاعلي و كما ان للانسان قوابل و مقبولاً و قوابله الجمادية و النباتية و الحيوانية و مقبوله الانسانية و هي غايته و المقبول اعلي من القوابل ثم يليه القوابل و الحيوان

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 24 صفحه 51 *»

اعلي من النبات و النبات اعلي من الجماد كذلك ظهر في الانسان فجماديته رجله و نباتيته كبده و حيوانيته قلبه و انسانيته في رأسه و كما ان مقبوله جهته الي ربه فهو وجه ربه و يده المتحركة المفيضة و القوابل جهة مفعوليته و هي ساكنة كذلك كان مبدء حسه و حركته من رأسه الاعلي و جهة سكونه القابلي باقي بدنه فسبحان من هو امره محكم و خلقه متقن كيف جعل الانسان انموذج جميع ما في العالم و لما قلنا ان جميع اجزاء هذا الفيض متشاكل و لذا يجب ان يكون كل شئ فيه معني كل شئ فجميع ما في هذا العالم الكبير موجود في هذا الانسان الصغير كما هو في الابيات المنسوبة الي علي اميرالمؤمنين عليه السلام :
دواؤك فيك و ماتبصر       ** * **      و داؤك منك و ماتشعر
و انت الكتاب المبين الذي       ** * **      باحرفه يظهر المضمر
اتزعم انك جرم صغير       ** * **      و فيك انطوي العالم الاكبر
فنقول كما ان للعالم عرشاً للانسان عقل و العالم له كرسي و للانسان نفس و للعالم فلك زحل و للانسان عاقلة و للعالم فلك المشتري و للانسان عالمة و للعالم فلك المريخ و للانسان واهمة و للعالم فلك الشمس و للانسان مادة و للعالم فلك الزهرة و للانسان متخيلة و للعالم فلك عطارد و للانسان متفكرة و للعالم فلك القمر و للانسان روح و للعالم نار و للانسان الصفراء و للعالم هواء و للانسان دم و للعالم ماء و للانسان بلغم و للعالم تراب و للانسان السوداء و للعالم جماد و للانسان جماد و هو ظاهر بدنه و للعالم نبات و للانسان النامية و منبعثها من الكبد و للعالم حيوان و للانسان حيوانية و منبعثها من القلب و للعالم انسان و للانسان انسانية و منبعثها من باطن الدماغ و للعالم انبياء و للانسان مشاعره المثاليّة و للعالم ائمة و للانسان مشاعره النفسانية العليا و للعالم نبي فاتح خاتم و للانسان عقل ملكوتي و العالم يوجد في سبعة اطوار جمادية و برزخية بينها و بين النباتية و النباتية و برزخية بينها و بين الحيوانية و الحيوانية و برزخية بينها و بين الانسانية و الانسانية كذلك الانسان يوجد في سبعة اطوار نطفة و علقة و مضغة و عظام و اكساء اللحم و انشاء

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 24 صفحه 52 *»

خلق آخر و تولده و للعالم ربيع و للانسان صبي و للعالم صيف و للانسان شباب و للعالم خريف و للانسان كهولة و للعالم شتاء و للانسان هرم و للعالم امطار و للانسان ما يسيل من انفه و عينه و فمه و للعالم ثلوج و للانسان حين يجمد تلك الامطار في مجاريه من جهة برد يصيبه و برقه ما يلمع في العين و رعوده الدوي و القراقر و بره اعضاؤه اليابسة و بحره اوعيته كالمثانة و المرارة و الطحال و الكبد و جباله عظامه و اشجاره شعوره و انهاره عروقه و آباره الاذن و عيونه العين و الفم و اوديته الاحليل و قبوله الارياح البلغمية و جنوبه الارياح الدموية و دبوره الارياح الصفراوية و شماله الارياح السوداوية و زلزلته النوافض و القشعريرة و خسوفه ضعف الحرارة الغريزية و السكتة و كسوفه ضعف الروح و الفالج و للعالم سخونة في غير اوانه و للانسان الحمي و للعالم برودة في غير محله و للانسان النافضة و للعالم جدب و قلة الامطار يعرض للانسان يبوسة شديدة و ضيق النفس و للعالم خصب و كثرة الامطار و للانسان الاستسقاء و للعالم سواد و ظلمة و للانسان سواد بالسدر و الدوار و كذلك للانسان اصناف الحيوان كما ان في العالم اصناف الحيوان فمن الانسان جري شجاع كالاسد و النمر و منه جبان كالارنب و الضان و منه رؤف كالدلفين حتي قيل انه ينقذ الغرقي و منه منافق يظهر الصداقة و يخفي العداوة كالتمساح و منه من يظهر المحبة في وقت الحاجة كالطيور المهاجرة و منه سارق كالفأر و منه شديد الحقد كالجمل و منه كثير الاكل كالغراب و منه المايل الي الزنا كالقرد و منه نظيف كالحمام و منه سريع الغضب كاللبوة و منه عام الغضب كثير الوفاء القنوع كالكلب و منه بارع في الموسيقي كالبلبل و منه كثير الاولاد كالارنب و منه قليل النسل كالصقر و منه وسخ الهيئة رث كالخنزير و منه بخيل كالكلب و منه حريص كالنمل و منه قوي الادراك كالحية و منه كثير الشامة كالنمل و منه كثير النوم كالبوم و الصقر و منه غبي كالحمام و منه متعظم كالفرس و الطاوس و منه حيال كالثعلب و منه بناء كالخطاف و الزنبور و منه المايل الي الماء كالاوز و منه المايل الي الامكنة المظلمة كالخراطين و منه الماهر في

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 24 صفحه 53 *»

النقوب كالفأر و امثال ذلك في البحار من الخصال عن ابي‌عبدالله عليه السلام قال بني الجسد علي اربعة اشياء الروح و العقل و الدم و النفس فاذا خرج الروح تبعه العقل فاذا رأي الروح شيئا حفظه عليه العقل و بقي الدم و النفس و عن ابي‌جعفر عليه السلام ان الغلظة في الكبد و الحياء في الريح و العقل مسكنه القلب و عن ابي‌عبدالله عليه السلام الحزم في القلب و الرحمة و الغلظة في الكبد و الحياء في الرية انتهي ، و الظاهر ان الريح في الخبر الاول تصحيف الرية و عنه عليه السلام العقل من القلب الحزن من الكبد و النفس من الرية و الضحك من الطحال و يحتمل عندي الاشتباه من الراوي و كان الحديث الحزن من الطحال و الضحك من الكبد و عن ابي‌الحسن عليه السلام طبايع الجسم علي اربعة فمنها الهواء الذي لاتجي‌ء النفس الا به و بنسمه و يخرج ما في الجسم من داء و عفونة و الارض التي قد تولد اليبس و الحرارة و الطعام و منه يتولد الدم الاتري انه يصير الي المعدة فيغذيه حتي يلين ثم يصفو فيأخذ الطبيعة صفوه دما ثم ينحدر الثفل و الماء و هو يولد البلغم و عن العلل لمحمد بن علي بن ابرهيم رفعه قال سألته عن الموت مما هو و من اي شئ هو فقال هو من الطبايع الاربع التي هي مركبة في الانسان و هي المرتان و الدم و الريح فاذا كان يوم القيمة نزعن هذه الطبايع من الانسان فيخلق منها الموت فيؤتي به في صورة كبش املح اي اغبر فيذبح بين الجنة و النار فلايكون في الانسان هذه الطبايع الاربع فلايموت ابدا و عن النبي صلي الله عليه و آله في ابن آدم ثلثمائة و ستون عرقا منها مائة و ثمانون متحركة و مائة و ثمانون ساكنة فلو سكن المتحرك لم‌يبق الانسان و لو تحرك الساكن لهلك الانسان و عن الصادق عليه السلام ان الله خلق الانسان علي اثني‌عشر فصلا و علي مأتين و ثمانية و اربعين عظما و علي ثلثمائة و ستين عرقا فالعروق هي التي تسقي الجسد كله و العظام تمسكها و اللحم يمسك العظام و العصب يمسك اللحم و جعل في يديه اثنين و ثمانين عظما في كل يد احد و اربعون عظما منها في كفه خمسة و ثلاثون عظما و في ساعده اثنان و في عضده واحد و في كتفه ثلثة فذلك احد و اربعون و كذلك في الاخري و في رجله ثلثة و اربعون عظما منها في قدمه خمسة و ثلثون عظما و في ساقه اثنان و في ركبته ثلثة و في فخذه واحد و في وركه اثنان و كذلك في الاخري و في صلبه ثماني‌عشرة فقارة و في كل واحد من جنبيه تسعة اضلاع و في وقصته ثمانية و في رأسه ستة و ثلثون عظما و في فيه ثماني و عشرون او اثنان و ثلثون عظما ، منه ( اعلي الله مقامه )
و جميع هذه الطبايع موجود في كل احد الا ان بعضه في بعض خفي و في غيره ظاهر فطبايع جميع الحيوانات في الانسان موجودة الا ان كل طبع ظاهر من واحد بل و كذلك خواص جميع النباتات مجملاً يكون الانسان انموذج جميع ما في هذا العالم بحيث لم‌يترك فيه قليل و لا كثير مافرطنا في الكتاب من شئ فقل ما لهذا الكتاب لايغادر صغيرة و لا كبيرة الا احصيها ثم في اعضائه ما هو علي طبع القمر كدماغه و منها ما هو علي طبع زحل كطحاله و منها ما هو علي طبع المشتري كالكبد و منها ما هو علي طبع المريخ كالمرارة و منها ما هو علي طبع الشمس كالقلب و منها ما هو علي طبع الزهرة كآلات التناسل و منها ما هو علي طبع عطارد كالرية علي وجه و لما كنا في بيان خلقة الاعضاء اردنا ان نتبرك بذكر ما يتعلق من حديث مفضل بخلقة الانسان فان فيه عبرة لمن اعتبر و تذكرة لمن تذكر قال عليه السلام نبتدي يا مفضل بذكر خلق الانسان فاعتبر به فاول ذلك ما يدبر به الجنين في الرحم و هو محجوب في ظلمات ثلث ظلمة البطن و ظلمة الرحم و ظلمة المشيمة

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 24 صفحه 54 *»

حيث لا حيلة عنده في طلب غذاء و لا دفع اذي و لا استجلاب منفعة و لا دفع مضرة فانه يجري اليه من دم الحيض ما يغذوه كما يغذو الماء النبات فلايزال ذلك غذاؤه حتي اذا اكمل خلقه و استحكم بدنه و قوي اديمه علي مباشرة الهواء و بصره علي ملاقات الضياء هاج الطلق بامه فازعجه اشد ازعاج و اعنفه حتي يولد و اذا ولد صرف ذلك الدم الذي كان يغذوه من دم امه الي ثدييها فانقلب الطعم و اللون الي ضرب آخر من الغذاء و هو اشد موافقة للمولود من الدم فيوافيه في وقت حاجته اليه فحين يولد قد تلمظ و حرك شفتيه طلباً للرضاع فهو يجد ثديي امه كالاداوتين المعلقتين لحاجته فلايزال يغتذي باللبن ما دام رطب البدن دقيق الامعاء لين الاعضاء حتي اذا تحرك و احتاج الي غذاء فيه صلابة ليشتد و يقوي بدنه طلعت له الطواحن من الاسنان و الاضراس ليمضغ به الطعام فيلين عليه و يسهل له اصاغته فلايزال كذلك حتي يدرك فاذا ادرك و كان ذكراً طلع الشعر في وجهه فكان ذلك علامة الذكر و عز الرجل الذي يخرج به من حد الصبي و شبه النساء و ان كانت انثي يبقي وجهها نقياً من الشعر لتبقي لها البهجة و النضارة التي تحرك الرجال لما فيه دوام النسل و بقاؤه الي ان قال عليه السلام و لو كان المولود يولد فهماً عاقلاً لانكر العالم عند ولادته و لبقي حيران تايه العقل اذا رأي ما لم‌يعرف و ورد عليه ما لم‌ير مثله من اختلاف صور العالم من البهايم و الطير الي غير ذلك مما يشاهد ساعة بعد ساعة و يوماً بعد يوم الي ان قال عليه السلام ثم لو ولد عاقلا كان يجد غضاضة اذا رأي نفسه محمولاً مرضعاً معصباً بالخرق مسجي في المهد لانه لايستغني عن هذا كله لرقة بدنه و رطوبته حين يولد ثم كان لايوجد له من الحلاوة و الوقع من القلوب ما يوجد للطفل فصار يخرج الي الدنيا غبياً غافلا عما فيه اهله فيلقي الاشياء بذهن ضعيف و معرفة ناقصة ثم لايزال يتزيد في المعرفة قليلا قليلا و شيئا بعد شئ و حالا بعد حال حتي يألف الاشياء و يتمرن و يستمر اليها فيخرج من حد التأمل لها و الحيرة فيها الي التصرف و الاضطراب الي المعاش بعقله و حيلته و الي

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 24 صفحه 55 *»

الاعتبار و الطاعة و السهو و الغفلة و المعصية و في هذا ايضا وجوه اخر فانه لو كان يولد تام العقل مستقلا بنفسه لذهب موضع حلاوة تربية الاولاد و ما قدر ان يكون للوالدين في الاشتغال بالولد من المصلحة و ما يوجب التربية للآباء علي الابناء من المكافاة بالبر و العطف عليهم عند حاجتهم الي ذلك منهم ثم كان الاولاد لايألفون آباءهم و لايألف الآباء ابناءهم الي ان قال اعرف يا مفضل ما للاطفال في البكاء من المنفعة و اعلم ان في ادمغة الاطفال رطوبة ان بقيت فيها احدثت عليهم احداثا جليلة و عللاً عظيمة من ذهاب البصر و غيره فالبكاء يسيل تلك الرطوبة من رؤسهم فيعقبهم ذلك الصحة في ابدانهم و السلامة في ابصارهم افليس قد جاز ان يكون الطفل ينتفع بالبكاء و والداه لايعرفان ذلك الي ان قال فاما ما يسيل من افواه الاطفال من الريق ففي ذلك خروج الرطوبة التي لو بقيت في ابدانهم لاحدثت عليهم الامور العظيمة كمن تراه قد غلبت عليه الرطوبة فاخرجته الي حد البله و الجنون و التخليط الي غير ذلك من الامراض المتلفة كالفالج و اللقوة و ما اشبههما فجعل الله تلك الرطوبة تسيل من افواههم في صغرهم لما لهم في ذلك من الصحة في كبرهم الي ان قال انظر الآن يا مفضل كيف جعلت آلات الجماع في الذكر و الانثي جميعا علي ما يشاكل ذلك فجعل للذكر آلة ناشرة تمتد حتي تصل النطفة الي الرحم اذ كان محتاجاً الي ان يقذف ماءه في غيره و خلق للانثي وعاء قعراً ليشتمل علي المائين جميعاً و يحتمل الولد و يتسع له و يصونه حتي يستحكم الي ان قال فكر يا مفضل في اعضاء البدن اجمع و تدبير كل منها للارب فاليدان للعلاج و الرجلان للسعي و العينان للاهتداء و الفم للاغتذاء و المعدة للهضم و الكبد للتخليص و المنافذ لتنفيذ الفضول و الاوعية لحملها و الفرج لاقامة النسل و كذلك جميع الاعضاء اذا تأملتها و اعملت فكرك فيها و نظرت وجدت كل شئ منها قد قدر لشئ علي صواب و حكمة الي ان قال فكر يا مفضل في وصول الغذاء الي البدن و ما فيه من التدبير فان الطعام يصير الي المعدة فتطبخه و تبعث بصفوه

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 24 صفحه 56 *»

الي الكبد في عروق رقاق واشجة بينهما ( بينها خ‌ل ) قد جعلت كالمصفا للغذاء لكيلايصل الي الكبد منه شئ فينكاها و ذلك ان الكبد رقيقة لاتحتمل العنف ثم ان الكبد تقبله فيستحيل بلطف التدبير دماً و ينفذ الي البدن كله في مجاري مهياة لذلك بمنزلة المجاري التي تهيأ للماء حتي يطرد في الارض كلها و ينفذ ما يخرج منه من الخبث و الفضول الي مفايض ( مغايض خ‌ل ) قد اعدت لذلك فما كان منه من جنس المرة الصفراء جري الي المرارة و ما كان من جنس السوداء جري الي الطحال و ما كان من البلة و الرطوبة جري الي المثانة فتأمل حكمة التدبير في تركيب البدن و وضع هذه الاعضاء منه مواضعها و اعداد هذه الاوعية فيه لتحمل تلك الفضول لئلاتنتشر في البدن فتسقمه و تنهكه فتبارك من احسن التقدير و احكم التدبير و له الحمد كما هو اهله و مستحقه قال المفضل فقلت يا مولاي صف لي نشو بدن الانسان و نموها حالا بعد حال حتي يبلغ التمام و الكمال فقال عليه السلام اول ذلك تصوير الجنين في الرحم حيث لاتراه عين و لاتناله يد و يدبره حتي يخرج سوياً مستوفياً جميع ما فيه قوامه و صلاحه من الاحشاء و الجوارح و العوامل الي ما في تركيب اعضائه من العظام و اللحم و الشحم و المخ و العصب و العروق و الغضاريف فاذا خرج الي العالم تراه كيف ينمي بجميع اعضائه و هو ثابت علي شكل و هيئة و لاتتزايد و لاتنقص الي ان يبلغ اشده ان مد في عمره او يستوفي مدته قبل ذلك الي ان قال انظر الآن يا مفضل الي هذه الحواس التي خص بها الانسان في خلقه و شرف بها علي غيره كيف جعلت العينان في الرأس كالمصابيح فوق المنارة ليتمكن من مطالعة الاشياء و لم‌تجعلا في الاعضاء التي تحته كاليدين و الرجلين فتعرضها الآفات و تصيبها من مباشرة العمل و الحركة ما يعللها و يؤثر فيها و ينقص منها و لا في الاعضاء التي وسط البدن كالبطن و الظهر فيعسر تقلبها و اطلاعها نحو الاشياء فلما لم‌يكن لها في شئ من هذه الاعضاء موضع كان الرأس اسني المواضع للحواس و

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 24 صفحه 57 *»

هو بمنزلة الصومعة لها فجعل الحواس خمساً تلقي خمساً لكيلا يفوتها شئ من المحسوسات فخلق البصر ليدرك الالوان فلو كانت الالوان و لم‌يكن بصر يدركها لم‌يكن فيها منفعة و خلق السمع ليدرك الاصوات فلو كانت الاصوات و لم‌يكن سمع يدركها لم‌يكن فيها ارب و كذلك ساير الحواس ثم هذا يرجع متكافياً فلو كان بصر و لم‌يكن الوان لماكان للبصر معني و لو كان سمع و لم‌يكن اصوات لم‌يكن للسمع موضع فانظر كيف قدر بعضها يلقي بعضاً فجعل لكل حاسة محسوساً يعمل فيه و لكل محسوس حاسة تدركه و مع هذا فقد جعلت اشياء متوسطة بين الحواس و المحسوسات لايتم الحواس الا بها كمثل الضياء و الهواء فانه لو لم‌يكن ضياء يظهر اللون للبصر لم‌يكن المبصر يدرك اللون و لو لم‌يكن هواء يؤدي الصوت الي السمع لم‌يكن السمع يدرك الصوت الي ان قال اطل الفكر يا مفضل في الصوت و الكلام و تهيئة آلاته في الانسان فالحنجرة كالانبوبة لخروج الصوت و اللسان و الشفتان و الاسنان لصياغة الحروف و النغم الاتري ان من سقطت اسنانه لم‌يقه السين و من سقطت شفته لم‌يصحح الفاء و من ثقل لسانه لم‌يفصح الراء الي ان قال و فيها مع الذي ذكرت لك مآرب اخري فالحنجرة ليسلك فيها هذا النسيم الي الرية فتروح عن الفؤاد بالنفس الدائم المتتابع الذي لو احبس شيئا يسيرا لهلك الانسان و باللسان تذاق الطعوم فيميز بينها و يعرف كل واحد منها حلوها من مرها و حامضها من مزها و مالحها من عذبها و طيبها من خبيثها و فيه مع ذلك معونة علي اساغة الطعام و الشراب و الاسنان تمضغ الطعام حتي يلين و يسهل اساغته و هي مع ذلك كالسند للشفتين تمسكهما و تدعمهما من داخل الفم و اعتبر ذلك بانك تري من سقطت اسنانه مسترخي الشفة و مضطربها و بالشفتين يترشف الشراب حتي يكون الذي يصل الي الجوف منه بقصد و قدر لايثجّ ثجّا فيغص به الشارب او ينكأ في الجوف ثم هما بعد ذلك كالباب المطبق علي الفم يفتحهما الانسان اذا شاء و يطبقهما اذا شاء الي ان قال لو رأيت الدماغ اذا كشف عنه لرأيته قد لف

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 24 صفحه 58 *»

بحجب بعضها فوق بعض لتصونه من الاعراض و تمسكه فلايضطرب و لرأيت عليه الجمجمة بمنزلة البيضة كيمايفته هد الصدمة و الصكة التي ربما وقعت في الرأس ثم قد جللت الجمجمة بالشعر حتي صار بمنزلة الفرو للرأس يستره من شدة الحر و البرد الي ان قال تأمل يا مفضل الجفن علي العين كيف جعل كالغشاء و الاشفار كالاشراج و اولجها في هذا الغار و اظلها بالحجاب و ما عليه من الشعر يا مفضل من غيب الفؤاد في جوف الصدر و كساه المدرعة التي هي غشاؤه و حصنه بالجوانح و ما عليها من اللحم و العصب لئلايصل اليه ما ينكاؤه من جعل في الحلق منفذين احدهما لمخرج الصوت و هو الحلقوم المتصل بالرية و الآخر منفذ للغذاء و هو المري المتصل بالمعدة الموصل الغذاء اليها و جعل علي الحلقوم طبقاً يمنع الطعام ان يصل الي الرية فيقتل من جعل الرية مروحة الفؤاد لاتفترق و لاتخل لكيلاتتحيز الحرارة في الفؤاد فتؤدّي الي التلف من جعل لمنافذ البول و الغائط اشراجاً تضبطهما لئلايجريا جريانا دائماً فيفسد علي الانسان عيشه الي ان قال من جعل المعدة عصبانية شديدة و قدرها لهضم الطعام الغليظ و من جعل الكبد رقيقة ناعمة لقبول الصفو اللطيف من الغذاء و لتهضم و تعمل ما هو الطف من عمل المعدة الا الله القادر الي ان قال فكر يا مفضل لم صار المخ الرقيق محصنا في انابيب العظام هل ذلك الا ليحفظه و يصونه لم صار الدم السايل محصوراً في العروق بمنزلة الماء في الظروف الا لتضبطه فلايفيض لم صارت الاظفار علي اطراف الاصابع الا وقاية لها و معونة علي العمل لم صار داخل الاذن ملتويا كهيئة الكوكب الا ليطرد فيه الصوت حتي ينتهي الي السمع و ليتكسر حمة الريح فلاينكأ في السمع لم حمل الانسان علي فخذيه و اليتيه هذا اللحم الا ليقيه من الارض فلايتألم من الجلوس عليهما كما يألم من نحل جسمه و قل لحمه اذا لم‌يكن بينه و بين الارض حائل يقيه صلابتها من جعل الانسان ذكراً و انثي الا من خلقه متناسلاً و من خلقه متناسلاً الا من خلقه مؤملاً و من اعطاه آلات العمل الا من خلقه عاملاً

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 24 صفحه 59 *»

و من خلقه عاملاً الا من جعله محتاجاً الي ان قال اصف لك الآن يا مفضل الفؤاد اعلم ان فيه ثقباً موجهة نحو الثقب التي في الرية تروح عن الفؤاد حتي لو اختلفت تلك الثقب و تزايل بعضها عن بعض لماوصل الروح الي الفؤاد و لهلك الانسان الي آخر الحديث المبارك و لولا خوف الخروج عن وضع الكتاب لذكرته بطوله لكثرة محصوله و عن الصادق عليه السلام في احتجاجه علي الهندي كان في الرأس شؤن لان المجوف اذا كان بلا فصل اسرع اليه الصداع فاذا جعل ذا فصول كان الصداع منه ابعد و جعل الشعر من فوقه لتوصل بوصوله الادهان الي الدماغ و يخرج باطرافه البخار منه و يرد الحر و البرد الواردين عليه و خلت الجبهة من الشعر لانها مصب النور الي العينين و جعل فيها التخطيط و الاسارير لتحبس العرق الوارد من الرأس علي العينين قدر ما يميطه الانسان عن نفسه كالانهار في الارض التي تحبس المياه و جعل الحاجبان من فوق العينين ليردا عليهما من النور قدر الكفاية الاتري يا هندي ان من غلبه النور جعل يده علي عينيه ليرد عليهما قدر الكفاية و جعل الانف فيما بينهما ليقسم النور قسمين الي كل عين سواء و كانت العين كاللوزة ليجري فيها الميل بالدواء و يخرج منها الداء و لو كانت مربعة او مدورة ماجري فيها الميل و ماوصل اليها دواء و لاخرج منها داء و جعل ثقب الانف في اسفله لتنزل منه الادواء المنحدرة من الدماغ و يصعد فيها الاراييح الي المشام و لو كان في اعلاه لماانزل داء و لاوجد رايحة و جعل الشارب و الشفة فوق الفم لحبس ما ينزل من الدماغ عن الفم لئلايتنغص علي الانسان طعامه و شرابه فيميطه عن نفسه و جعلت اللحية للرجال ليستغني بها عن الكشف في المنظر و يعلم بها الذكر من الانثي و جعل السن حادا لان به يقع العض و جعل الضرس عريضا لان به يقع الطحن و المضغ و كان الناب طويلا ليسند الاضراس و الاسنان كالاسطوانة في البناء و خلا الكفان من الشعر لان بهما يقع اللمس فلو كان فيهما شعر مادري

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 24 صفحه 60 *»

الانسان ما يقابله و يلمسه و خلا الشعر و الظفر من الحيوة لان طولهما سمج و قصهما حسن فلو كان فيهما حيوة لالم الانسان لقصهما و كان القلب كحب الصنوبر لانه منكس فجعل رأسه دقيقا ليدخل في الرية فتروح عنه ببردها لئلايشيط الدماغ بحره و جعلت الرية قطعتين ليدخل بين مضاعضها ( مضاغطها خ‌ل ) فيتروح عنه بحركتها و كانت الكبد حدباء لتثقل المعدة و يقع جميعها عليها فيعصرها ليخرج ما فيها من البخار و جعلت الكلية كحب اللوبيا لان عليها مصب المني نقطة بعد نقطة فلو كانت مربعة او مدورة احتبست النقطة الاولي الي الثانية فلايلتذ بخروجها الحي اذ المني ينزل من فقار الظهر الي الكلية فهي كالدودة تنقبض و تنبسط ترميه اولا فاولا الي المثانة كالبندقة من القوس و جعل طي الركبة الي خلف لان الانسان يمشي الي ما بين يديه فتعتدل الحركتان و لولا ذلك لسقط في المشي و جعلت القدم مخصرة لان الشئ اذا وقع علي الارض جميعه ثقل ثقل حجر الرحا فاذا كان علي حرفه رفعه الصبي و اذا وقع علي وجهه صعب نقله علي الرجل فقال الهندي من اين لك هذا العلم قال اخذته عن آبائي عليهم السلام عن رسول الله صلي الله عليه و آله عن جبرئيل عليه السلام عن رب العالمين جل جلاله الذي خلق الاجسام و الارواح فقال الهندي صدقت و انا اشهد ان لا اله الا الله و ان محمدا رسول الله و عبده و انك اعلم اهل زمانك ، انتهي الخبر الشريف و اريد ان اذكر هيهنا شيئا من اسرار الطبيعة علي ما جبلها الله سبحانه ( يحتمل علي ما يظهر من النسخة الاصلية ان العبارة الاخيرة مكانها آخر هذا الفصل )
و عن ابي‌عبدالله عليه السلام ان الله جل و عز جعل الاذنين مرتين لئلايدخلهما شئ الا مات لولا ذلك لقتل ابن‌آدم الهوام و جعل الشفتين عذبتين ليجد ابن‌آدم طعم الحلو و المر و جعل العينين مالحتين لانهما شحمتان و لولا ملوحتهما لذابتا و جعل الانف باردا سائلا لئلايدع في الرأس داء الا اخرجه و لولا ذلك لثقل الدماغ و تدود و سئل ابوعبدالله عليه السلام عن العلة في ان بطن

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 24 صفحه 61 *»

الراحة لاينبت فيها الشعر و ينبت في ظاهرها فقال لعلتين اما احديهما فلان الناس يعلمون الارض التي تداس و يكثر عليها المشي لاينبت فيها شئ و العلة الاخري لانها جعلت من الابواب التي تلاقي الاشياء فتركت لاينبت عليها الشعر لتجد مس اللين و الخشن و لايحجبها الشعر عن وجود الاشياء و لايكون بقاء الخلق الا علي ذلك و عن اميرالمؤمنين عليه السلام في حديث طويل بعد ذكره ان الله جمد الماء العذب و الماء المالح قال ثم القاهما قدام عرشه و هما سلالة من طين ثم امر الملائكة الاربعة الشمال و الدبور و الصبا و الجنوب ان حولوا هذه السلالة الطين فابرؤها و انسموها ثم جزؤها و فصلوها و اجروا فيها الطبايع الاربعة الريح و المرة و الدم و البلغم قال فجالت الملائكة عليها و هي الشمال و الصبا و الجنوب و الدبور فاجروا فيها قال و الريح في الطبايع الاربعة في البدن من ناحية الشمال قال و البلغم في الطبايع الاربعة في البدن من ناحية الصبا قال و المرة في الطبايع الاربعة في البدن من ناحية الدبور قال و الدم في الطبايع الاربعة في البدن من ناحية الجنوب قال فاستقلت النسمة و كمل البدن قال فلزمه من ناحية الريح حب الحيوة و طول الامل و الحرص و لزمه من ناحية البلغم حب الطعام و الشراب و اللين و الرفق و لزمه من ناحية المرة الغضب و السفه و الشيطنة و التجبر و التمرد و العجلة و لزمه من ناحية الدم حب النساء و اللذات و ركوب المحارم و الشهوات و عن ابي‌عبدالله عليه السلام انما صار الانسان يأكل و يشرب بالنار و يبصر و يعمل بالنور و يسمع و يشم بالريح و يجد الطعام و الشراب بالماء و يتحرك بالروح و لولا ان النار في معدته ماهضمت او قال حطمت الطعام و الشراب في جوفه و لولا الريح ماالتهب نار المعدة و لاخرج الثفل من بطنه و لولا الروح ماتحرك و لاجاء و لاذهب و لولا برد الماء لاحرقته نار المعدة و لولا النور ماابصر و لاعقل فالطين صورته و العظم في جسده بمنزلة الشجر في الارض و الدم في جسده بمنزلة الماء في الارض و لا قوام للارض الا بالماء و لا قوام لجسد الانسان الا بالدم و المخ دسم الدم و

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 24 صفحه 62 *»

زبده الخبر .

فصل اعلم ان الولد مركب من مادة و صورة اما مادته فمن نطفة ابيه و اما صورته الظاهرة فمن نطفة امه و نطفة الرجل في نطفة المرأة بمنزلة الانفحة في اللبن فتعقدها بالقوة العاقدة التي جعلها الله فيها بمقتضي حرارتها و يبوستها و ذلك لان نطفة الرجل حارة يابسة غليظة بيضاء بسبب القوة المغيرة التي في انثييه و وعاء المني فيه و اما نطفة المرأة فباردة رطبة رقيقة صفراء بسبب ضعف المغيرة التي في خصييها فلم‌تغير لون الدم النازل اليها كل التغيير و بسبب قلة نضجها تكون رقيقة بالنسبة الي نطفة الرجل و قد روي عن النبي صلي الله عليه و آله ان ماء الرجل ابيض و ماء المرأة اصفر ، و لما كان ماء المرأة باردا رطبا صار اصل صورة الولد فان الرطوبة مطاوعة للتصوير دون اليبوسة فنطفة الرجل بحرارتها و يبوستها عاقدة لماء المرأة فقط و شاهد ذلك ما تولد النسوة اللاتي في شهرزنان من غير فحولة باستعمالهن غصن شجرة في بلادهن رايحته كرايحة مني الرجل و من هذا الباب ما تبيض الدجاج من غير ديك بل و من هذا الباب تولد عيسي علي نبينا و آله و عليه السلام من غير اب فان جبرئيل نفخ فيها بريح رايحتها كرايحة مني الرجل بعد ما اجري نطفتها في رحمها فعقدها بها و اما ما روي ان في الولد اربعة اشياء من ماء ابيه و هي العظم و المخ و العصب و العروق و اربعة من ماء امه و هي اللحم و الدم و الجلد و الشعر و ستة من الله و هي الحواس الخمس و النفس الحيوانية فالمراد ان العظم و المخ و العصب و العروق حاكية للمادة التي كان ماء الرجل حاملها اذ بناء البدن عليها و ما من الام حاكية لماء المرأة فان مقامها في البدن مقام الصورة كما تري ان صورة البدن منها و اما الروح و قويها من الله سبحانه فانها فلكية فافهم و قد فصلنا القول في ذلك في رسالتنا الي محمدعلي الرشتي التاجر فاذا علمت ذلك فاعلم ان رحم الام بحرارتها و يبوستها و مشاكلتها للماء جذابة له مشتاقة اليه بكل جزء منها فاذا اندفق الماء فيها بالقوة الدافعة من وعاء مني الرجل و بمص الرحم و انصب ماء المرأة فيها بقوة دافعة وعاء منيها و جذابية

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 24 صفحه 63 *»

الرحم له امتزجا كما قال الله سبحانه انا خلقنا الانسان من نطفة امشاج فعقد نطفة المرأة ماء الرجل حتي اذا التطخ بمقعر الرحم بقي زمانا فاذا انبسط في مقعر الرحم انتضج بحرارة الرحم فانعقدت كغشاء رقيق كما ينعقد سطح العجين علي الطاجن ثم ينفصل عنه ككيس فيه ماء و هذا الكيس ملتزق بالمواضع الخشنة منها الشديدة الحرارة و هي المواضع المعروفة بالنقر التي فيها افواه العروق التي يجري منها الدم الي الرحم و شرايين يجري منها الروح اليه فينفذ الدم الوريدي و الشرياني في جرم ذلك الغشاء و ينشعب فيه بسبب جذابية الماء و ذلك قبل ان يصلب و ينفتح تلك المجاري بمرور الدم شيئا بعد شئ و يدوم الجريان بسبب قوة الدافعة من طبع المرأة و جاذبة النطفة و الرحم فيثقب الدم موضعا من ذلك الغشاء فيجري الدم في جوف الكيس في الماء الذي في جوفه فيحدث في الغشاء افواه عروق الي المني من الاوردة الحادثة و الشرائين الحادثة فتجري في النطفة الدمان و هذا الغشاء هو المسمي بالمشيمة فيحدث في المني الذي في جوف الكيس نفاخات من حرارته و الابخرة الساطعة من الدمين الواصلين اليه و يغلظ ظاهر المني بواسطة حرارة الرحم فيحبس فيه تلك الابخرة فيغوص في اعماقه ثم القوة المميزة التي في ذلك الدم و ذلك المني تميز اجزاءها الثلثة علي ما ذكرنا سابقا من جميع الجهات فيصعد المائية الروحانية من جميع جوانب الصعود كما بينا لانها حيزها و ينزل العكرية الجسدانية من جميع جوانب النزول كما بينا لانها حيزها و يتوسط الدهنية النفسانية في جميع الاوساط لانها حيزها فاذا خلي جميع هذه الاجزاء و طبعها وقفت علي حسب طبعها الذي جبلها الله عليه و يحدث من كل واحد من الثلثة اي الماء ماء المرأة و الدم الشرياني و الدم الوريدي عضو يناسبه و نوع ماء المرأة روحاني و نوع الدم الشرياني نفساني لانها من القلب و نوع الدم الوريدي جسدي فمن هذه الجهة ايضا يحدث من كل واحد ما يناسبه و الثلثة تنبسط في جميع الاجزاء فما صعد من الثلثة الي موضع الرأس و فيها النطفة اغلب يحدث منها الدماغ و لما كانت الاجزاء الصاعدة من الثلثة هنا في غاية اللطافة وقفت علي الشكل الكري لرقتها بالنسبة و صارت مظهرا للنفس الغيبية بالمشاكلة و مص كل

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 24 صفحه 64 *»

جزء من النطفة بالمشاكلة من الدماغ ما يناسب الدماغ من عكريته فانبسط منه الاعصاب في البدن في كل جزء جزء منه علي حسبه و تلك الاعصاب لتشبكها في جميع البدن اتصلت في بعض المواضع و افترقت فظهرت كالشجرة اصلها الدماغ و فروعها منبثة في البدن و وقف الثلثة متوسطاتها مع غلبة الدم الشرياني في الوسط علي هيئة ثمرة الصنوبر لانها طبع الشرياني الغالب عليه الروحانية فيكون اعاليه ادق من اسافله فيقف علي شكل ثمرة الصنوبر لاجل ذلك و صار بالمشاكلة قابلا لان يكون محل النفس الحيوانية و لما كان جانب اليسار اضعف و ابرد من جانب اليمين مال رأس القلب الذي هو جهة روحانيته و شدة حرارته اليه ليدفع عنه البرد و الضعف لان ذلك من شأن الروح ان تميل الي موضع الاذي ليدفعه عنه فلاجل ذلك صار القلب مايل الرأس الي جانب اليسار فجذب كل عضو من النطفة ما يشاكله من القلب الدم الشرياني فانتشر منه الدم في الاطراف و حدث من تلك المنتشرة الشريانات فاتسعت شيئا بعد شئ و جري فيها الدم فصار القلب ايضا كشجرة لها غصن في كل عضو كالدماغ و وقف الدم الوريدي في الوسط الا انه اسفل من القلب لانه عكري و تولد منه الكبد و لما كان هذا الدم الي العكرية اميل ظهر في هيئات مختلفة و زوايا و زوايد متعددة مايلا الي التقوس في الجملة و جذب منه جميع الاعضاء ذلك الدم فانتشر منه في جميع الاعضاء في كل عضو علي حسب استعداده فصار ذلك ايضا كشجرة اصلها الكبد و فروعها في جميع الاعضاء منتشرة علي حسب استعداد كل عضو فتحقق في المني هذه الاعضاء الرئيسة الاصلية و انما وجد الدماغ من روحانية الكل و ما في الوسط من نفسانية الكل و نزل العكرية من الكل الي الاسفل فلاجل كونها عكرية باردة يابسة انشق الاسفل بنصفين و لما كان كل ما ينزل كان عكريته اكثر فانشق اطراف القدم كما هو شأن كل يابس و انشق اليدان من الطرفين ايضا لان من جهة يكون الدماغ اعلي و العنق اوسط و الايدي الاسفل فالايدي للدماغ بمنزلة الارجل للقلب فالدماغ و العنق و الايدي هو الانسان و هو راكب علي الحيوان الذي هو القلب و البطن و الارجل و لاجل ذلك صارت الايدي من ادوات الانسانية و الارجل من ادوات

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 24 صفحه 65 *»

الحيوانية و الايدي الطف من الارجل فالايدي عكر مادة الدماغ كما ان الارجل عكر مادة القلب فانشق و لما كان عند الاكف منها ايبس انشق اكثر كما عرفت في الرجل و لما كان يجري دم الحيض من السرة و كذا دم الشريان دائما شرع الاوردة و الشريانات في الاتصال و الاتساع و الاعصاب في الغلظة و قد ذكرنا ان الاعضاء الرئيسة كلية باعتبار هي الاعلي و الخادمة التي هي مؤدية قويها الي ساير الاعضاء هي الاسفل لانها عكرية صلبة الا ان هذا العكر ايضا له ثلث مراتب فان عكر الدماغ روحاني و عكر القلب نفساني و عكر الكبد جسدي كما مر فالوسط في هذا الاعتبار ايضا له ثلث مراتب اوسط روحاني و اوسط نفساني و اوسط جسدي فيحدث من الاوسط الروحاني الرية و من الاوسط النفساني الكليتان و الطحال و من الاوسط الجسداني المرارة و يحصل بين هذه المراتب برازخ فيها روحانية و نفسانية و جسدانية فيحدث منها الاعضاء المركبة كالحجاب و المعدة و الثرب الثرب : الشحم الرقيق الذي علي الكرش و الامعاء خ‌ل .
و الامعاء و امثال ذلك لان فيها لحمانية و اوردة و شريانات و لما كان الدماغ و الرأس من الاجزاء الروحانية و كانت الطف و اصفي حدثت الحواس في الرأس لانه احكي لشؤن الروح النفسانية ثم لما جمد سطح اعلي المني كما ذكرنا حدث منه العظام في جميع الاعضاء علي حسب كل محل فجمد حول الدماغ فكان منه الرأس و حول النخاع و حدث منه الفقار و حول القلب و حدث منه اضلاع الصدر و حول الكبد و حدث منه اضلاع الخلف من اليمين و حول الطحال و حدث منه الاضلاع في اليسار و في الايدي و الارجل و حدث منه عظامها و هو قوله سبحانه خلقنا المضغة عظاما ثم لما كان ذلك الغشاء ايضا عكره اسفل و لطيفه اعلي و متوسطه اوسط كسيت العظام بالاوسط و الاعلي فكسيت باللحم و السمين علي ما تري ثم صلب جلده في الجملة لحرارة ما فوقه و رطوبة ما تحته فخرج منجمدا لينا علي ما تري ثم لما كان ما يصل اليه من الغذاء علي ما بينا له طرطيرية خرج مائية الطرطير منه علي نحو العرق و كذا خرج دهنيته علي سطح جسده و خرج عكره شعرا من المواضع التي ليست برخوة كثيرا و لا بصلب كثيرا و لو تدبرت

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 24 صفحه 66 *»

فيما ذكرنا تبين لك ساير الجزئيات علي وجه كلي ان شاء الله و روي عن اميرالمؤمنين عليه السلام تعتلج النطفتان في الرحم فايتهما كانت اكثر جاءت يشبهها فان كانت نطفة المرأة اكثر جاءت يشبه اخواله و ان كانت نطفة الرجل اكثر جاءت يشبه اعمامه و قال تجول النطفة في الرحم اربعين يوما فمن اراد ان يدعو الله ففي تلك الاربعين قبل ان تخلق ثم يبعث الله عز و جل ملك الارحام فيأخذها فيصعد بها الي الله عز و جل فيقف منه حيث يشاء الله فيقول يا الهي اذكر ام انثي فيوحي الله عز و جل ما يشاء و يكتب الملك ثم يقول يا الهي اشقي ام سعيد فيوحي الله عز و جل من ذلك ما يشاء و يكتب الملك الخبر ، و عن الحسن بن علي عليهما السلام ان الرجل اذا اتي اهله بقلب ساكن و عروق هادية و بدن غير مضطرب اسكنت تلك النطفة في تلك الرحم فخرج الرجل يشبه اباه و امه و ان هو اتاها بقلب غير ساكن و عروق غير هادية و بدن مضطرب اضطربت تلك النطفة في جوف تلك الرحم فوقعت علي عرق من عروق الاعمام اشبه الولد اعمامه و ان وقعت علي عرق من عروق الاخوال اشبه الولد اخواله و روي عن الصادق عليه السلام ان نطفة الرجل بيضاء غليظة و نطفة المرأة صفراء رقيقة فان غلبت نطفة الرجل نطفة المرأة اشبه آبائه و عمومته و ان غلبت نطفة المرأة نطفة الرجل اشبه الرجل اخواله و روي هذا الحكم في ايهما سبق و روي اذا علا ماء الرجل ماء المرأة كان الولد ذكرا باذن الله عز و جل و من قبل ذلك يكون الشبه و اذا علا ماء المرأة ماء الرجل خرج الولد انثي باذن الله عز و جل و من قبل ذلك يكون الشبه و عن ابي‌عبدالله عليه السلام ان الله تبارك و تعالي اذا اراد ان يخلق خلقا جمع كل صورة بينه و بين ابيه الي آدم ثم خلقهم علي صورة احدهم فلايقولن احد هذا لايشبهني و لايشبه شيئا من آبائي و قيل له عليه السلام ما بالنا نجد باولادنا و لايجدون بنا قال لانهم منكم و لستم منهم و فيما ذكرنا من اسرار الخلقة كفاية و اعلم ان لكل عضو جهتين جهة من ربه و هي يد الفاعل في تصويره و جهة من

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 24 صفحه 67 *»

نفسه و هي جهة تصوره يفعل الله ما يشاء بقدرته و يحكم ما يريد بعزته و فيما ذكرنا من امر الاعضاء من جهة قصدنا و ارادتنا بلاغ ان شاء الله و من اراد اعدادها و هيئاتها فقد تكفل بها كتب القوم و اما ساير علل جزئياتها فيعلمه من اشهده الله خلق السموات و الارض و ليس حظ كل احد و السلام علي المسلمين .
البٰاب السادس في جملة القول في ذكر القوي و الافعال و الارواح و تحقيقها يقتضي ان نعنون فصلين :

فصل في القوة و فعلها و معرفتها امر عسير قد ضل فيها الاحلام و زل فيها الاقدام و حارت الالباب ان القوة ما هي و ما حقيقتها نعم يدرك آثارها كل احد مثلا القوة الجاذبة يري منها الجذب و لكن لايعلم معناها و كنهها انها اي شئ هي و اين تكون و ما حدها و رتبتها و نريد بحول الله و قوته ان نشرح حقيقة ذلك و لا قوة الا بالله ،
اعلم ان الله سبحانه احد ليس فيه جزء و جزء و لا حيث و حيث و لا اعتبار و اعتبار و لم‌يكن فيه ذكر غيره لا بوجود و لا عدم و لا اثبات و لا نفي فخلق ما خلق لا من شئ و لا بشئ و لا لشئ و لا في شئ و لا علي شئ بل خلقه به و اقامه في ظله فلايخرج منه الي غيره و لما كان ذلك الخلق كماله سبحانه كان كاملا متحصلا للكمالات الغير المتناهية فلاينتظر حدوث كمال و لا حصول جمال فجميع الكمالات حاصلة له علي نحو الفعلية فاذا لا قوة فيه سبحانه و جميع ما له له بالفعل فانه فوق اللانهاية بلا نهاية و ليس بقابل للزيادة و النقصان فجميع ما ينبغي له حاضر لديه موجود عنده و كذلك يكون كماله بالنسبة الي كمالاته و هكذا كان كل كمال و صفة له سبحانه متحصلا لجميع ما له و به و منه و اليه من دون ترقب و ذاته بالنسبة اليه احدية لاستيلائها عليها و استوائها علي عرشها اما ذاته فلا معني فيها غيرها لا بنفي و لا باثبات و اما ما له من الكمالات فكل في محالها مذكورة

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 24 صفحه 68 *»

بتلك الذوات و تلك الذوات ايضا مذكورة بتلك الكمالات فكأنه كلها في عالم السرمد سرمديا علي ما ذكرنا علي نحو التفصيل السرمدي الرجحاني و تفصلت في عالم الجبروت و الملكوت علي نحو التفصيل المعنوي الكلي و الصوري الجوهري ففيها حقيقة الفعلية و معناها و صورتها فانه لا باطن الا بالظاهر و لا ظاهر الا بالباطن و ما لم‌يكن كليات الحكمة تامة في ظهورها كاملة في بطونها كانت الحكمة ناقصة من الحكيم و تعالي الله عن ذلك علوا كبيرا ثم بدا لله سبحانه اظهار ما في الغيب في الشهادة و تنزيل الانوار الي منتهي الاقدار فانزلها الي عالم الشهادة مبتديا باول مراتبها فانزلها الي عالم الطبايع ثم الهباء ثم المثال المطلق ثم الجسم المطلق ثم العرش و الكرسي و الافلاك و العناصر حتي التراب و لما كانت هذه المراتب من عالم الشهادة و كانت بسبب برد البعد عن المبدء كثيفة غليظة استجن فيها تلك الكمالات الفعلية و كمنت حتي خفيت آثارها و بطنت انوارها فكانت هيهنا بالقوة يعني كانت تلك الكمالات و الانوار فيها بالقوة و انما ذلك لبرد البعد و يشير علي اميرالمؤمنين عليه السلام الي هذين المقامين لما سئل عن العالم العلوي اي عالم الفعلية فقال عليه السلام صور عارية عن المواد اي المواد الشهادية فهي صور نفسانية مجردة عن المواد عالية عن القوة و الاستعداد فانها بالفعل و انما القوة و الاستعداد في عالم الشهادة ذي المادة و المدة تجلي لها اي لتلك الصور بها فاشرقت بفضل تجليه سبحانه و انما تجليه لها في عالم الافئدة فاشرقت بالعقول و طالعها في عالم الرقائق فتلألأت بالنفوس و القي في هويتها مثاله فانها كماله سبحانه و جماله فاظهر منها افعاله لان لكماله كمالا و لجماله جمالا بالفعل لاينتظر حدوث كمال و لا عروض جمال في حال الخبر ، فلما تنزل الي التراب و ادبر الي غاية البعد عن رب الارباب دعاه فاجاب فقام ملبيا للخطاب متوجها الي ذلك الجناب فترقي الي عالم النطفة ثم الي العلقة ثم الي المضغة ثم الي العظام ثم الي التخلق ثم الي الروح ثم الي النفس ثم الي

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 24 صفحه 69 *»

رتبة بعد رتبة قال الله سبحانه كما بدأنا اول خلق نعيده وعدا علينا انا كنا فاعلين فقام يظهر منه شيئا بعد شئ تلك الفعليات الكامنة فيه الصائرة بالقوة علي حسب ترقيقه تلك الحجب الغلاظ الشهادية بالسلوك الكوني النسبي او الشرعي الا انه بالسلوك الكوني يطول الي منتهي التدبير العام الي يوم القيام و اما بالسلوك الشرعي يسهل له العسير و يقرب له البعيد بقدر سرعة سيره و هذا الذي اشار اليه اميرالمؤمنين عليه السلام في آخر الحديث المذكور فقال خلق الانسان ذا نفس ناطقة اي ذا صورة عارية عن المواد عالية عن القوة و الاستعداد ان زكاها بالعلم و العمل فقد شابهت جواهر اوايل عللها اي صار كمالاته بالفعل في قوس الصعود و دورة الشهود و اذا اعتدل مزاجها و فارقت الاضداد حتي يستوي علي عرش الانداد فقد شارك الانسان بها السبع الشداد ( و هي الافلاك السبعة و هذه الافلاك شؤن الكرسي و هو النفس خ‌ل ) شؤن الصور العارية عن المواد العالية عن القوة و الاستعداد بالجملة القوة صلوح المواد لان يظهر عنها الفعليات النفسانية المستجنة فيها ثم يختلف ذلك الصلوح بالقرب و البعد فتلك المواد مستعدات لان تربي و ترقق حتي يظهر منها تلك الفعليات فكلما بولغ في ترقيق حجبها ظهر منها من تلك الفعليات ما لم‌يظهر و لما كان كل واحدة من تلك النفوس من كمالات القدوس و لا غاية لكماله و لا نهاية و نزلت في الطبيعة المطلقة و منها الي الهباء المطلق و منها الي المثال المطلق و منها الي الجسم المطلق و نزلت الي التراب صار كل شئ فيه معني كل شئ فكل فعل كامن في مادة كل شئ الا ان منها ما قد ظهر و منها لمايظهر اما الجمادات و النباتات و الحيوانات فعلي ما رباها يد التقدير و سلك بها مدبر التدبير فهي واقفات حيث اوقفها لقلة اختيارها و ضعف شعورها و كثرة اعراضها فكل واحدة منها يظهر منه من تلك الافعال بقدر ما رقق الله سبحانه حجابه و فتح بابه علي حسب صلاح الملك و التقدير و كمال الخلق و التدبير و اما الانسان فقد جعله الله اشد اختيارا من اولئك فكلفه بتكاليف و خلي له السرب و اصحبه القدر فهو محفوظ مختار باختيار محفوظ قادر بقدرة محفوظة علي الفعل

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 24 صفحه 70 *»

المحفوظ فيثاب علي احسانه فضلا و علي اساءته عدلا فيظهر منه تلك الكمالات الفعلية علي حسب سلوكه و عمله لترقيق الحجاب و فتحه الباب فاذا عرفت ذلك فاعلم ان الحجب اذا ترققت و الابواب اذا فتحت و تلك الفعليات علي حسبها اذا بدت و المواد بنارها اذا اشتعلت تكون في كل شئ علي حسب الشمس الذات الانوار و الاشعة فليست تظهر منها في هذا العالم عالم الاعراض آثار الا بقابل كما تري ان الشمس مع كونها مضيئة في الغاية و النهاية ليس يظهر منها نور الا بكثيف و الاشباح من الشواخص لاتظهر الا في مرآة فكذلك تلك القوي ليس تظهر انوارها في عالم الاعراض الا بالقوابل فاذا حصل القوابل و المظاهر و لم‌تكن موانع خارجية ظهرت و الا فهي مشرقة في نفسها و اشراقاتها موجودة الا انها غير ظاهرة بسبب الموانع الخارجية فلاجل ذلك خلد الكفار باستعدادهم و المؤمنون باستعدادهم فان الكفار مظللون بالسيئات و ان لم‌تظهر منهم بسبب منع الاعراض الخارجة كالخصي الذي نفسه نفس قادمة علي الزنا الا انه لايقدر عليه و المؤمنون مشرقون بانوار جميع الطاعات الظاهرة فيهم و ان لم‌تظهر بسبب منع الاعراض الخارجة فالمؤمن دائما مرابط متجهز للجهاد متشحط في دمه في سبيل الله و ان كان متقلبا في فراشه فافهم هذه الدقايق من اهل الحقايق فانها درر عزيزة و جواهر يتيمة ثم ان من الاشياء ما يكون قويها قريبة الي ان تظهر و منها بعيدة و انما كمال الاشياء في ظهور القوي و الا فكل شئ فيه معني كل شئ و انما القرب الي الله و الفوز بثواب الله سبحانه و جواره يحصل بتقريب القوي الالهية و اظهارها و انما العمل في هذه العرصة لاجل الاظهار و اما الجنة و النار فتظهران في حقيقة هذه العرصة فان الفعليات النفسانية ليست تستقر و تثبت لاحد خاصة به الا بعد ضبطها في الفعليات التكليفية التي هي مظاهرها المخصصة و ليس هيهنا موضع بيانها اكثر من هذا و الغرض في هذا الكتاب بيان قوي العقاقير من حيث ظهورها في بدن الانسان فالعقاقير اذا وردت بدن الانسان و عمل فيها الطبع فجعلها كيلوسا و حلها ظهر فيها تلك القوي الكامنة فيها علي حسب استعدادها فان الحل لترقيق الحجاب

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 24 صفحه 71 *»

حتي يظهر ما وراء الباب فالحجاب باق الا انه يرق فينصبغ ما وراءه فيه و ذلك قولي علي حسب استعدادها فلاجل ذلك يكون لكل عقار قوة خاصة به دون غيره فاذا عمل فيه الطبع و حله و رققه طلع شمس القوة منه من افق الفعلية و يحتاج ظهور فعله الي كثيف قابل و هو بدن الانسان فيظهر فيه علي حسب استعداده و استقامته و اعوجاجه و صفائه و كدورته فلاجل ذلك لا كل عقار يعمل في كل انسان فلرب عقار مسهل لواحد عاقد لآخر مفرغ في رجل حاقن لآخر و انما ذلك لاجل ان ظهور الفعل يشترط فيه الفاعل و القابل هذا و لاسيما اذا كان القابل من حيث هو المكمل للفاعل من حيث آخر فان تكميله يكون علي حسب قوته البتة فاذا عرفت ان الفعليات ليست الا للنفوس و اما اجسادها فلا فعل لها من حيث انها اجساد الا بما تشتعل من اشراق نار النفوس الظاهر عليها كما ان الدخان ليس فيه قوة الاحراق الا بما تشتعل فيه من اشراق النار فاذا اشرق بنورها حصل له قوة الاحراق فان حصل قابل ظهر فعله و الا فهو في قوته و لا فعل الا للنار اذ لا قوة الا لله سبحانه و الا به فاهل الفعليات ايدي الرب و مظاهر تجلياته و هي النفوس و النفوس عديدة و لكل واحدة افعال و نتبرك اولا بحديث اميرالمؤمنين عليه السلام فروي عن كميل انه قال سألت مولينا اميرالمؤمنين عليه السلام فقلت يا اميرالمؤمنين اريد ان تعرفني نفسي قال يا كميل و اي النفس تريد ان اعرفك قلت يا مولاي هل هي الا نفس واحدة قال يا كميل انما هي اربعة النامية النباتية و الحسية الحيوانية و الناطقة القدسية و الكلية الالهية و لكل واحد من هذه خمس قوي و خاصيتان فالنامية النباتية لها خمس قوي و خاصيتان ماسكة و جاذبة و هاضمة و دافعة و مربية و لها خاصيتان الزيادة و النقصان و انبعاثها من الكبد و الحسية الحيوانية لها خمس قوي سمع و بصر و شم و ذوق و لمس و لها خاصيتان الرضا و الغضب و انبعاثها من القلب و الناطقة القدسية لها خمس قوي فكر و ذكر و علم و حلم و نباهة و ليس لها انبعاث و هي اشبه الاشياء بالنفوس الملكية و لها خاصيتان النزاهة و الحكمة

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 24 صفحه 72 *»

و الكلية الالهية لها خمس قوي بقاء في فناء و نعيم في شقاء و عز في ذل و فقر في غناء و صبر في بلاء و لها خاصيتان الرضا و التسليم و هذه التي مبدؤها من الله و اليه تعود قال الله تعالي و نفخت فيه من روحي و قال تعالي يا ايتها النفس المطمئنة ارجعي الي ربك راضية مرضية و العقل وسط الكل انتهي ، تدبر في هذا الحديث الشريف تفز بحقيقة المطالب و قد سمينا هذه القوي بالفعليات و سماها الامام بالقوي نظرا الي ان هذه الآثار لاتظهر منها قبل القابل فقبل الظهور هي في قوة الظهور لا فعليته و ان كانت في الوجود ذات فعلية و نحن اردنا الوجود و ذكر الامام عليه السلام الظهور فلا خلاف و الحمد لله فنحن نبدؤ بذكر قوة قوة مما به مناط الطب و هو المقصود في وضع الكتاب .
اما النفس النباتية فقويها كما سمعت ماسكة و جاذبة و هاضمة و دافعة و مربية اعلم ان الله سبحانه خلق النبات من العناصر الاربعة بعد ما رقيها الي مرتبة الجمادات و المعادن ثم رقاها الي اركان النبات الثلثة و هي الماء و الدهن و الارض فركبها كيف ما شاء بعد ما صفي اركانه و لطفت و رقت فوقف المركب من تلك الجواهر بعد الحل و العقد و المزاج و الاتحاد في العماء مخلي بطبعه و استولي عليه المزاج النور الوهاج كما ذكرنا فجذب كل جزء من المركب نحوه و تحرك كرة المركب عليه و لما كان حيزه في غير الجهات صار يتحرك المركب اليه من كل جهة لانه في لاجهة فظهر فيه النما في جميع الاقطار باجمال اجزائه و اربي بروحانيته و ولد بنفسانيته و حفظ الصورة بجسدانيته و غذا بطبايعه فجذب ذلك المزاج الغاذي ما يشاكله بنارية اجزائه و امسك بترابيتها و هضم بهوائيتها و دفع الفضول بمائيتها و المربي اي الزايد في اقطار المركب هو المزاج فالمربي اسمه و صفته و لذا صار من قواه فافهم فالمزاج اي المربي آية الرحمن المستوي علي العرش ذي الاركان فالجاذبة من ركنه الاحمر و الهاضمة من ركنه الاصفر و الدافعة من ركنه الابيض و الماسكة من ركنه الاسود و رحمن المزاج مستوي علي تلك الاركان و هو المثال الملقي في هوية عرش النبات من شعلات الافلاك

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 24 صفحه 73 *»

و فعله من حيث الصدور منه واحد و هو الحركة المطلقة فتظهر في مرايا الاركان علي حسب استعدادها كما ان قوة الروح هي الادراك الصرف و الشعور البحت و انما يظهر من العين بالبصر و من الاذن بالسمع و هكذا فحركة المزاج ايضا واحدة و هي النقل فاذا ظهر من النار ظهر بالنقل من البعيد الي القريب و هو الجذب و اذا ظهر بالماء ظهر بالدفع و هو النقل من القريب الي البعيد و اذا ظهر بالتراب ظهر بنقل الاجزاء المتباينة الي التقارب و اذا ظهر من الهواء ظهر بنقل الاجزاء المتقاربة الي التباين و كلها نقل و حركة ظهر من كل يد علي حسبه و قد شرح الصادق عليه السلام هذه القوي في حديث فقال اعلم ان في الانسان قوي اربعا قوة جاذبة تقبل الغذاء و تورده علي المعدة و قوة ممسكة تحبس الطعام حتي تفعل فيه الطبيعة فعلها و قوة هاضمة و هي التي تطحنه و تستخرج صفوه و تبثه في البدن و قوة دافعة تدفعه و تحدر الثفل الفاضل بعد اخذ الهاضمة حاجتها الخبر ، فهذه القوي خدم للنامية التي هي وجه الله و يده فوقها يجري الله بها افعاله في بدن الانسان فانه ابي ان يجري الاشياء الا باسبابها و هذه اسباب هذه المرادات و قد ذكر الاطباء قوي اخر فقالوا ان اصول القوي ثلثة المولدة و المربية و الغاذية ثم قالوا ان المولدة مخدومة غير خادمة يخدمها المغيرة و المصورة و اما المربية فهي خادمة و مخدومة تخدم المولدة و يخدمها الغاذية و اما الغاذية فتخدم المربية و يخدمها الجاذبة و الماسكة و الهاضمة و الدافعة و ما سوي الهاضمة كالخادمة لها فذلك مجمل اقوالهم في القوي و ليس بتقسيم صادر عن الحكمة فان الغاذية علي ما فسروا ليست بشئ غير الجاذبة و المغيرة مبدؤ فعل المصورة و لو شاء الحكيم ان يعد القوي البرزخية لعد كثيرا و نحن بحول الله و قوته نقسم القوي تقسيما ينبئ عن الواقع فنقول قد بينا سابقا ان للحقايق الاولية كانت صفات موجودة فعلية حاضرة بجميع ما منها ( فيها خ‌ل ) و لها و بها و منها و عالم الفعلية من عالم النفوس الجزئية فما فوقها فلما نزلت الي عالم الطبايع كمنت تلك الفعليات فصارت قوي و كانت كامنة الي التراب فلما تركبت الاسطقسات الاولية بسبب دوران الافلاك عليها

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 24 صفحه 74 *»

في الدورة الثانية تركب منها ثلثة اركان اولا ماء و دهن و ارضية فصارت فعليات العناصر في الاركان قوي و كل ركن فيه من الطبايع الاربع جميعها علي حسبه من اللطافة و التوسط و الغلظة فصار يظهر من كل ركن فعل علي حسب طبايعه و علي حسب هيئته التركيبية ثم من المجموع المركب من الاركان فعل آخر علي حسب هيئته فالكامنة في المجموع المركب النفس النباتية و هي آية الرحمن المستوي علي عرش الاركان و العناصر اذا لوحظ جهة اجمالها و اذا لوحظ تفصيلها و اقترانها بالافعال الصادرة عنها فالاركان و الطبايع مقامها مقام الكرسي فاذا لوحظ الطبايع في الاركان حصل منها البروج الاثني‌عشر فالاجمال مقام العرش و التفصيل مقام الكرسي و النفس المهيمنة علي الاجمال آية الرحمن صاحبة الصفات الكلية الفعلية في مقام كمالها فتلك النفس في مقامها صاحبة جميع الافعال و كل اليها راجعة ثم يظهر من عرش اجمال قويها القوة النامية و هي القوة الكلية التي ليس فوقها قوة اخري و لذا خصها علي عليه السلام بالذكر في المقام الخامس فلو كان لها قوة اعظم منها لذكرها هذا مع ما نري من كلية فعلها و هذه النامية اول ما تتفصل تتفصل في الاركان الثلثة و هي في مقام النبات روح و نفس و جسد خاصة به ففعل النامية بالروح الحركة و بالنفس الانبساط و الانقباض و بالجسد حفظ الصورة فبالروح يتحرك النبات الي الطول و العرض و العمق و لولا روحانيته لماقدر علي الحركة الي النفس النباتية الخارجة عن الجهات و لماربي و زاد و لولا النفس لماانبسط و امتد الي حيث تميل الروح و لماانقبض حيث ما تميل الي الانقباض و لولا الجسد لمابقيت الصورة علي ما صورت و ماع و سال و تغير عما كون عليه فالنامية لها ثلثة خدام رؤساء المحركة و هي المربية بتخفيف الباء و الباسطة و هي المولدة و الحافظة ثم تتفصل الاركان في الاربعة و هي الجاذبة و الماسكة و الهاضمة و الدافعة علي ما بينا و هذه الاربع اتباع لاولئك الرؤساء فالنامية بالروح تحرك المادة علي نفسها من جميع الاقطار تحريكا بسيطا لا تعين فيه و النفس تنبسط و تتحرك و تمتد للينتها البرزخية و لانها جهة انفعال الجسد فهي لاختلاف اجزائها تنفعل علي حسب الاختلاف فمن هنا يأتي اختلاف الصور فالروح مقام

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 24 صفحه 75 *»

الاب و النفس مقام الام و النامية آية الرحمن الم‌تسمع قول النبي صلي الله عليه و آله ليس الاختلاف في الله و لا في و انما الاختلاف فيك يا علي و قال انا و علي ابوا هذه الامة ، و علي نفس الرسول و الشقي من شقي في بطن امه و السعيد من سعد في بطن امه فالروح تحرك تحريكا بسيطا و النفس تتحرك تحركا مختلفا فتحدث هيهنا صورا مختلفة بحسب انبساطها و انقباضها و مطاوعة اجزائها فمن هنا تحدث اختلاف الصورة و من هنا يحدث اسم المغيرة و المصورة للنفس النباتية و للنفس اعلي و اسفل فمن اعليها تحدث الصور المطلقة كصورة اللحم و الشحم و العظم و امثالها لسيلانها بالنسبة و من اسفلها تحدث الصور العضوية كالرأس و القلب و الكبد و امثالها لجمودها و لما كان في النفس طبايع اربع فتتصور من حيث البرودة و الرطوبة الدماغ مثلا و من حيث الرطوبة و اليبوسة مثلا العظم و من حيث الحرارة و الرطوبة اللحم مثلا و من حيث الحرارة و اليبوسة لحم القلب مثلا فمن اعلاها يحدث اسم المغيرة للنفس النباتية و من اسفلها اسم المصورة و منهما اسم المولدة فان التوليد من صفة الام التي هي النفس لا غير و اما الجسد فمنه بقاء الصورة علي ما صور فمنه يحدث اسم الحافظة للنفس النباتية و لم‌يعدوها من القوي مع كونها اصلا عظيما كليا فالحافظة فرع المولدة و المولدة فرع المربية و القوي الاربع الجاذبة و الماسكة و الهاضمة و الدافعة خدامها و تفاصيلها فهذه صفة القوي الكلية علي ما يوافق الحكمة و الترتيب الالهي فالنفس النباتية هي آية الرحمن المستوي علي عرش الاكوان و يحدث له في العرش اسم النامية و في الروح اسم المربية و في النفس اسم المولدة و في الجسد اسم الحافظة و في النار اسم الجاذبة و في الهواء اسم الهاضمة و في الماء اسم الدافعة و في التراب اسم الماسكة و من المجموع اسم الغاذية و بها يقوم النبات فان كانت القوي في نهاية القوة بحسب استعداد المادة فيزيد يوما فيوما و الا فينقص و هما خاصيتاها علي ما تقدم خذها تقسيما الهيا نبويا علويا حكميا و اعرف الرجال بالمقال لا المقال بالرجال ثم ما فضل من غذاء بدن الانسان و دفعه الطبع الي وعاء المني و امني يكون في المني ايضا هذه القوي فيتحرك في الرحم فيربو و ينبسط فيتولد و يحفظ

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 24 صفحه 76 *»

الصورة و يجذب و يمسك و يهضم و يدفع فيغذي الي ان يكون جنينا و يتولد كما رأيت فهذه قوي النفس النباتية و مستقرها الكبد و مبدؤ وجودها تركيب الاخلاط و الاركان و يسقط و يضعف شئ منها بعد شئ الي ان يموت الانسان .
و اما النفس الحيوانية فقويها كما سمعت سمع و بصر و ذوق و شم و لمس و لها خاصيتان الرضا و الغضب فهذه القوي هي فعليات الحيوانية الفلكية الكلية الكامنة في عالم المادة بالنسبة اليها فصارت قوي فيها فلما لطفت و رقت و صفت ظهرت منها آثارها و عادت القوة الي الفعلية كما قال سبحانه كما بدأنا اول خلق نعيده و جميع الفعليات في الكليات لا نهاية لها علي حسب رتبتها و تختص الجزئيات ببعضها علي حسب استعدادها فلا فوز بشئ من تلك الكمالات الا بحسب العمل في عالم العمل فكان الاعمال اثمانا يشتري بها من سوق الكلي الغير المتخصص باحد علي حسب مقدار الثمن فيتخصص حينئذ بصاحب الثمن و لكل درجات مما عملوا و ماتجزون الا ما كنتم تعملون فالنفس الحيوانية الفلكية الكلية الناشئة من جوزهر فلك القمر لها فعليات بحسب رتبتها فكمنت في عالم طبايع العناصر و موادها و صورها الي ان صارت قوي كامنة فلما تركب منها المركب و لطف و رق الي ان صار بلطافة فلك القمر ظهر فعليته فيها علي حسب استعداد المركب و كيفيته الخاصة به و هو ايضا له طبايع اربع و اركان ثلثة و عرش اجمال و رحمن ذو الجلال فآية الرحمن فيه النفس الحيوانية الفلكية و يشتق لها في عرش الاجمال من القدرة المطلقة الاضافية الظاهرة فيه اسم القديرة و في مقام الروح اسم الحساسة و في مقام النفس اسم المريدة و في مقام الجسد اسم المتحركة فتفصلت في الطبايع الاربع المخصوص بها بصيرة سميعة شامة ذائقة و من المركب منها لامسة فبذلك بدت الحيوة قادرة مريدة متحركة حساسة و تفصلت قويها في الخمس كما سمعت و ليس يشترك فيها الانسان و انما هي من خواص الحيوانية المحضة و لما ظهر الانسان بلباس الحيوان كما ظهر بلباس النبات ظهر في بدنه قويهما و قوي الانسان فوق ذلك و اعظم و اعظم كما ستسمع

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 24 صفحه 77 *»

ان شاء الله تعالي و ان قلت انكم خصصتم الكبد بالنفس النباتية و القلب بالحيوانية و هذه القوي التي عددتها من الدماغ و هو فيه الروح الانساني و الحيوان يحس بدماغه لا بقلبه قلنا ان فلك القمر الذي فيه كلية الروح الحيوانية له ثلث مراتب جسدانية و نفسانية و روحانية و الحيوان ايضا من حيث الحيوانية يجب ان يكون فيه هذه المراتب الثلث و دماغ الحيوان من مراتب حيوانيته و من متمماتها و ليس فيه من الانسانية من شئ فكرسي دماغ الحيوان له ثلث مراتب اسفل و اوسط و اعلي فباسفله يتحرك و باوسطه يريد و باعلاه يحس و لذا يحس بمقدم دماغه و يريد باوسطه و يتحرك بمؤخر دماغه كما هو المعروف و دماغه خلاصة حيوانيته فلو كان للنبات ايضا دماغ لكان اصول قويه في دماغه البتة فانا قلنا ان الفعليات الكامنة ليست تظهر الا بعد التصفية التامة و التصفية للروح الحيوانية يكون في دماغه البتة و اما قلبه فهو موضع نفسانية دماغه كما ان كبده موضع طبيعة دماغه فتتم حيوانيته و تكمل و تظهر في دماغه و لو كانت مادته قابلة للتصفية اكثر من ذلك لظهر فيه قوي ساير الافلاك ايضا و مع ذلك كان حيوانا فان القوي الفلكية لاتزيد علي الحيوانية كما ستسمع ان شاء الله و ما قالته الاطباء ان النفس الحيوانية قويها الانبساط و الانقباض في القلب و الشرائين فلاجل انهم يعلمون ظاهرا من الحيوة الدنيا فان الارواح الفلكية حساسة متحركة بالارادة لانها وجه الله في هذا العالم كما برهنا عليه في محله بل النفس الحيوانية قويها ما ذكرنا و بعد ما اوردنا حديث اميرالمؤمنين عليه السلام فلاتكاد تشك فيها ففي الحيوان النفس الحيوانية كامنة في اول تكونه و لاتظهر الا بالتصفية فمبدء تصفية اركانه في المعدة و هي تصفية جمادية ثم في الكبد و هي تصفية طبيعية و يظهر فيه حركة طبيعية و هي شعاع الحركة الحيوانية ثم اذا صفي في الكبد و دخل القلب يظهر فيه الحركة التي هي ادني مراتب الحيوان فاذا صفي في الدماغ ظهر فيه فعليات الحيوان بكليتها فيكون حيوانا فالكبد و القلب كانا مقدمات وجوده و وجد في الدماغ و كان خصايصه في الكبد و القلب بالقوة و ظهر في الدماغ بالفعل بالنسبة اليهما و ليست هذه

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 24 صفحه 78 *»

القوي من القوي الانسانية بل من شعاعها كما ان الحركة الطبيعية كانت من شعاع الحيوانية فالدماغ في الحيوان محل الروح النفساني لكن نفساني الحيوان و لما كان جميع الافلاك كامنة في هذه العناصر كما شرحنا فربما اعتدل في الجملة مادة الحيوان و صفت و رقت حتي ظهر فيها خواص ساير الافلاك ايضا و ليس ذلك بمخصوص بالانسان فيكون فيه قويها موجودة لكن ضعيفة لعدم صفاء مادتها كل التصفية فانها لو كانت صافية في الغاية لكانت تتصور كالانسان و اذ ليس فليس فاعدلها اقربها شبها بالانسان و لذلك يوجد في بعض الحيوانات آثار قوي الانسانية كالفكر و الذكر و التدبير و امثالها بقدر ما يحتاج اليه في وجوده و لكنه ضعيف جدا كما يشاهد في بعض الحيوانات من التدبيرات العجيبات و ان كانت قريبة من الطبعيات و لو شئنا ان نشرح تدابيرهم لطال بنا المقال و في حديث المفضل مذكور كثير منها فان شئت فراجع ثم للنفس الحيوانية خاصيتان الرضا و الغضب و ذلك انها حساسة متحركة فان احست ما يلايمها تحركت نحوها و مالت و ان احست بما ينافرها تحركت و نفرت و انزوت عنها فلها بعد احساسها اربع حركات حركة الي الخارج و حركة الي الداخل و كل منهما تدريجي و دفعي فالسرور و الغضب يحدثان من حركته الي الخارج و الهم و الخوف يحدثان من حركته الي الداخل فان كان اسبابها متدرجة تحدث متدرجة و الا فدفعية فالمراد بالرضا في الخبر مطلق المحبة و بالغضب مطلق الكراهة فيجمعان صفاتها و خصائصها و جميع الصفات التي نهي عنها في الشرع فانما هي من خصائص النفس و فروع هاتين الصفتين و هذه الحيوانية في الحيوانات المحضة قريبة من الطبيعية قليلة الاختيار فلايقدر الحيوان علي العدول عما جبل عليه و في كل حيوان صفته الخاصة به و اختلاف صفاتها بسبب انصباغ الحس و الحركة في الطبايع و الاركان و غلبتها علي الحيوة مثلا اذا غلب عليها الصفراء و انصبغت فيها صارت غضوبة عقورة و اذا غلب عليها الدم صارت رؤفة نبيهة و اذا غلب عليها البلغم صارت بليدة كسلة و اذا غلب عليها التراب صارت جبانة خائفة فالحس و الحركة الكلية تحصصت بالطبايع فجمدت

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 24 صفحه 79 *»

و اما الحيوانية التي في الانسان فهي اضل و ادهي فان التدبير الكلي الانساني يتحصص في الحيوانية المتحصصة في الطبيعة فيحصل له تدبير في تحصيلها و لذلك قال الله سبحانه ان هم الا كالانعام بل هم اضل فتدبر .
و اما النفس الناطقة القدسية فقويها العلم و الحلم و الذكر و الفكر و النباهة و لها خاصيتان النزاهة و الحكمة و ليس لها انبعاث و هي اشبه الاشياء بالنفوس الملكية اعلم ان العلة الغائية من حركة الفاعل في تركيب هذه المركبات ظهور النفس الناطقة القدسية الكاملة و فعلياتها الملكوتية في الملك الا ان المواد الملكية منها قابلة صالحة يبلغ بها تدبير المدبر غايته و منها ناقصة فيها فضول و عوائق تمنعها عن وصول الغاية فلايبلغ فعل الفاعل الغني بها منتهاها و اشبه شئ بذلك ان مراد الفاعل من خلق الرحم و المني و الدم ظهور الولد و حصوله فمنها ما يعرضه السقط قبل كماله و منها ما يبقي الي ان يصير جنينا و ولدا فمنها ما يخرج معتدلا تامّ الخلقة كامل القوي و منها ما يكون ناقصها علي حسب استعداد المادة فاذا صارت المادة صالحة قابلة كاملة فالفاعل الجواد الكريم يدبرها حالا بعد حال الي ان يبلغها منتهي الغاية المرادة من الخلق و نحن قد ذكرنا ان اسطقسات هذا العالم الكلية الاولية الافلاك و العناصر و لما كان نظر الاطباء في عالم الطبايع زعموها منحصرة في العناصر و ليس الامر كذلك بل جميع هذه الجواهر الثلثة‌عشر اسطقسات المركبات كما اشرنا اليه هنا و فصلنا في كتابنا مرآة‌الحكمة و قد ذكرنا ان كل عال هو اقرب الي المبدء فعلية بالنسبة الي ما دونه ففعلية الافلاك قد كمنت في العناصر و صارت قوي فيها بحيث اذا لطفت العناصر و رقت ظهرت الفلكيات الكامنة فيها و صارت فعلية بعد ما كانت بالقوة كما تري ان الغذاء اذا ورد المعدة و صفي و دخل في الكبد و تصفي ثانيا و دخل القلب و بخر ساوي لطافة ذلك البخار اسفل فلك القمر و ظهر فيه سر الحيوة كالفلك و تحرك و احس مثله كذلك اذا صفي ثانيا و رق و لطف حتي ساوي ساير الافلاك ظهر فيه قويها البتة و صار بمنزلتها البتة و كذلك اذا صفي و رق ثالثا حتي ساوي الكرسي و العرش ظهر فيه

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 24 صفحه 80 *»

النفس الناطقة القدسية و لكن تصفية ذلك في هذه المرة ليست من شأن الطبيعة الموضوعة في الابدان اذ التصفية الطبيعية لاتزيد علي الحيوانية بل تصفيته و ترقيقه ثالثا تكون بحرارة الشرايع و النواميس الالهية و امتثال اوامره و نواهيه و لايمكن ذلك بالامور الطبيعية ابدا فقد خبط الاطباء و الفلاسفة في ذلك خبط عشواء حيث زعموا ان منبعث هذه النفس من الدماغ و ذلك لانهم يعلمون ظاهرا من الحيوة الدنيا و زعموا الانسان هذا الانسان الظاهري و انما هو صرف اشتباه و ليس للدماغ في النفس القدسية مدخل الم‌تسمعنا نقول ان الدماغ من متممات الحيوانية و من اسباب التصفية و انما هو مقام الروح من باب ان لكل شئ روحا و نفسا و جسدا فمحل روح كل شئ دماغه و محل نفسه قلبه و محل جسده و مبدؤه كبده فماسمت الاطباء الروح التي في الدماغ بالنفسانية الا من جهة انهم زعموها محل روح الانسان و النفس الناطقة و زعموا الناطقة النطق باللسان و لذا جعلوه فصل الانسان و زعموا اشتراك الانسان مع الحمار في جنس الحيوان و انما ذلك كله لاجل انهم نظرهم من الاسفل و زعموا الانسان هذه الجثة فرأوها مشتركة مع الحيوان و قد اصابوا في مقامهم بالجملة يأتي تحقيق الارواح في محله ان شاء الله فنقول ان جثة الانسان هي جثة حيوانية الا ان لاعتدال مادتها و صفائها بلغ بها فعل الحكيم الي احسن تقويم فظهرت في هذه الصورة و هي حيوان من الحيوانات قد ظهر فيه فعلية جميع الافلاك من المشاعر و القوي لانه لما لطف مادته و صفي مزاجه ساوي لطافة الافلاك فظهر فيها ما ظهر في الافلاك من المشاعر فانها لما لطفت حتي ساوت فلك القمر ظهر فيها الحيوة ثم لما لطفت ثانيا ظهر فيها نفس فلك عطارد المتفكرة و اذا لطفت مرة اخري ظهر فيها نفس فلك الزهرة المتخيلة ثم اذا لطفت اخري ظهر فيها نفس المريخ المتوهمة ثم اذا لطفت اخري ظهر فيها نفس المشتري العالمة فاذا لطفت اخري ظهر فيها نفس زحل العاقلة فبهذه القوي الخمس وقع عليه التكليف فانه بها صار شاعرا لما يقال له و يؤمر به و ينهي عنه و هذه المشاعر من اشعة مشاعر النفس القدسية الانسانية لا نفسها فانها بنفسها دهرية لا زمانية

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 24 صفحه 81 *»

فهذه الجثة حيوان كساير الحيوانات تشاركها في الحيوانية و تشاركها الحيوانات في بعض تلك المشاعر بل ربما يصدر عنها تدبيرات و صنايع يعجز عنها الانسان لصلوح ادواتها لها دون ادوات الانسان و لذلك قلنا ان من الانسان اي هذه الجثة المسمي بالانسان من يكون علي طبع الاسد او النمر او الدفلي او الهر او الفأر او غيرها و لذلك يصدر عنه ما يصدر عنها و ربما يشاكلها في بعض الشباهات الصورية و لذا قال الصادق عليه السلام الناس كلهم بهائم الا المؤمن ، فالمؤمن هو الذي له نفس قدسية ناطقة عليّينية و له علامات كما سنذكره ان شاء الله فهذه الجثة تشارك الحيوان في القوي و للحيوان كلية ثلثة اركان و طبايع اربع فمن كونه الروحاني يحس و من كونه النفساني يريد و من كونه الجسداني يتحرك ثم في الظاهر له اربع قوي و خامسة كما مر و في الباطن اي روحانيته ايضا اربع قوي و خامسة فمن نار طبايعه بحسبه له الواهمة و من هواء طبايعه له العالمة و من ماء طبايعه له المتخيلة و من تراب طبايعه له المتفكرة و الخامسة عاقلته المهيمنة علي الكل و بين الظاهر و الباطن برزخ و هو البنطاسيا فاسفله جسداني و اعلاه روحاني فهو مشعره النفساني و له ايضا اربع طبايع و خامسة فانه يدرك ما يدركه العين و الاذن و الانف و اللسان و البشرة فيأخذ عنها و يؤدي الي المشاعر الباطنية كما هو المعروف و في جميع ذلك جميع الحيوانات مشاركة و الاختلاف بالقوة و الضعف و التدرج الا ان الحيوان المستقيم لكثرة نضجه و اعتداله صالح لان يركبه النفس الناطقة القدسية الانسانية و هي من عالم الغيب اي من الدهر و هي في عالمها ايضا جسم له طول و عرض و عمق كما روي عن الصادق عليه السلام ان الروح جسم لطيف البس قالبا كثيفا فهي ايضا جسم له مادة و صورة و مكانه فوق عالم الطبايع و هو الانسان الاصلي و قد لحقه اعراض في البرزخ و الدنيا و ستزول عنها بالدفن في تراب الدنيا و بالدفن في ارض الطبايع بين النفختين في مدة اربعمائة سنة فيخرج يوم القيمة طاهرا ليس فيه عرض متخلل يمنع تلززه و يورث تفككه فيبقي مخلدا و لسنا الآن بصدد بيان ذلك و لما كان مناط نظر الاطباء هذا البدن العرضي و هو موضوع طبهم و ان كان موضوع طب الشرع ذلك البدن

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 24 صفحه 82 *»

الاصلي الاخروي و ان الله سبحانه لما خلق الرتبتين و جعل في كل واحد منهما ادواء فجعل لكل داء من ادوائهما دواء خاصا به و العلم بتلك الادواء و الادوية هو علم الطب فان كان موضوعه البدن العرضي فهو علم الطب الاصطلاحي و ان كان موضوعه البدن الاصلي فهو علم الطب الشرعي الالهي فالعلم علمان علم الابدان و علم الاديان فلسنا في هذا الكتاب بصدد شرح قوي الانسان الاصلي فلنكتف بما ذكرنا من ذكر قوي النبات و الحيوان و الانسان المعروف و هو الحيوان الناطق بالنطق المعروف و لما بلغ الكلام الي هذا المقام رأينا ان نبين احوال كل واحد من القوي و مدركاتها و لو علي سبيل الاجمال لكن علي وجه يكشف عن حقيقة الحال فيبتغي ذلك رسم ختام لهذا الفصل .

ختام اعلم ان كل شئ في حد ذاته هو هو و ليس معه شئ غيره مأخوذ في معني هويته فهو من هذا الحيث هو نفسه و نفسه هو ليس يحتاج الي معلمة لعدم الخلاف فلايقال انه يدرك نفسه اذ لا فعل هناك و لا اختلاف حيوث اذ هو آية الاحد و الفرد الصمد في رتبته ثم ما دون ذلك تجلياته و صفاته و انواره و كمالاته و دونيتها بالنسبة اليه دونية افتقار لا دونية مكانية اذ تلك الذات محيطة بها نافذة في اقطارها و امكنتها حتي اذا نظرت الي الذات فذات و لا صفات لعدم التعينات و امتناع ذكرها هناك بما يليق بها و اذا نظرت الي الصفات فلا ذات لوجود التعينات و تراكم الصفات و ذلك من المعميات فالذات الظاهرة بالصفات مدركة للصفات و التجليات بعين تلك الصفات لا بعين الذات لاحديتها و امتناع ذكر ما سويها هناك و لما كانت الصفات ذوات جهات قلنا انها مدركة لها بها و لاحدية الذات قلنا انه لا ادراك هناك و لا مدرك بوجه فالذات تدرك الصفات بعين تلك الصفات فهي عينها في ادراكها و هي مدركاتها كما قال علي عليه السلام انما تحد الادوات انفسها و تشير الآلات الي نظائرها و تذكرت هنا ان هذا الحديث طال ما يستدل به و لم‌يكشف عنه لثامه و لم‌يفض ختامه فلو بسطنا القول هنا فيه قليلا لماكان بعيدا من الصواب فتدبر

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 24 صفحه 83 *»

و ترقب انا نشير اليه في خلال البيان فالذات تدرك الصفات بنفس تلك الصفات فهي عين الذات في ادراكها و اداتها لتحديدها و لذلك قلنا باتحاد المعلوم و آلة العلم و العلم ايضا و اما العالم فهو اسم للذات مشتق من العلم الذي هو المعلوم فان المصدر هو المفعول المطلق الحقيقي فتصاقع الجميع و تقاطر و هذا صفة ادراك الشئ لتجلياته و انواره و هذا الادراك يسمي عندنا بالادراك الاحاطي و اما ادراك الشئ لغيره مما هو في رتبته فاعلم ان قول الامام عليه السلام اصل كلي لايتخصص بمقام دون مقام فلاتحد الادوات الا انفسها و لاتشير الا الي نظائرها فالاشياء التي تدركها باحد حواسك فانما تدرك تلك الاشياء من حيث ظهورها لك لا من حيث خفائها عنك و حيث ظهورها لك صفاتها و تجلياتها فلايعلم منها الا تجلياتها البتة و لصفاتها مقامان اتصال و انفصال اما صفاتها المتصلة فهي متصلة بها لاتتحد انت معها و لاتنفصل عنها و لاتدخل فيك و لاتدخل فيها فهي هي و انت انت و اما صفاتها المنفصلة التي هي اشباحها المنفصلة فتنطبع في مداركك انطباع الشبح في المرآة فينصبغ مدركك بتلك الاصباغ انصباغ المرآة بالاشباح فتدركها بالادراك الحسي الظاهري فان حواسك الظاهرة قد اشرقت بتجلي النفس و تلألأت بمطالعتها فالقت في هويتها مثالها و اظهرت عنها افعالها فهي دراكة بفضل ادراكها فتدركها و يسري الصبغ منها الي البنطاسيا فيدركه كما عرفت فينصبغ علي شكلها فيسري منه الي حاستك الباطنة التي هي الخيال فينصبغ خيالك ايضا بصبغها و يتشكل بشكلها فيتكمل مداركك بتكميل ذلك الشبح المنفصل حتي تصير صفة مشاعرك و هيئاتها علي صفة ذلك و هيئته فتدركها و تدرك النفس صورتها العلمية الملكوتية حينئذ بها علي حذو ما بينا فصح انما تحد الادوات انفسها اي تميز الادوات انفسها عند تهيئتها بالهيئات الخاصة بتلك الهيئات الخاصة فان تميزها بها و تحديدها بهيئاتها فالادوات قد حدت انفسها الا ان الادوات لما كانت لطيفة منطبقة بعضها علي بعض كانت اشباحها منطبقة و كل اداة منها حاكية لما ورائها للطافتها و الاشياء الخارجة هي الكثيفة الخارجة تحتها الحافظة للاشباح المنطبعة فيها فاذا كانت النفس ملتفتة الي الخارج و لم‌تحجبها المدارك لصفائها كالهواء

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 24 صفحه 84 *»

رأت هيئة الشئ الخارجي في تلك الادوات و لاتراها البتة الا فيها و بها و لكن لعدم كثافة لها و توجه النفس الي صرف الشبح تغفل عنها و لاتريها من حيث امكنتها و تري نفس الشبح و الفاصلة معا فتحسب انها رأت الشئ الخارجي و رؤية الشئ رؤية شبحه كما يستفاد من كلام مولينا اميرالمؤمنين عليه السلام في حديث معرفة الخنثي و ذلك كما انك تنظر من المنظرة الي الكتاب و تري الكتاب و انت لاتري الا ما في المنظرة و في المنظرة شبح الكتاب و الفاصلة و هو منطبق علي ذي الشبح حاد له و المنظرة للطافتها غائبة عن العين فتزعم انك رأيت الكتاب و هو رؤية الكتاب و رؤية الكتاب هكذا و الا لست تصير بكتاب و لايصير الكتاب انت انت انت و هو هو فكذلك المدارك منطبق بعضها علي البعض الي الحاسة الآخرة و هي منطبقة علي الشبح الخارجي المنفصل المنبث في الهواء و هو منطبق علي الشبح المتصل بالشئ و كل هذه الوسائط لطيفة شفافة حاكية و بنفسها غائبة عن درك النفس اياها بالصورة و النفس قاعدة من ورائها ناظرة منها بها مدركة لما في تجلياتها من التكمل بها و لعدم رؤيتها اياها علي نحو تلك الصورة و ادراكها للصورة المحفوظة بالشئ الخارجي المنطبقة عليه القابلة للرؤية لانطباقها عليه و هو كثيف تري النفس تلك الصورة المحفوظة و هي من تكملات مشاعرها و تكملاتها من كمالاتها و صفاتها فهي تدرك صفاتها بها فافهم فانه عجيب غريب و اما اذا قطعت الالتفات عن الشئ الخارجي الحاضر و التفت الي امثلته في عالم المثال انطبع الشبح المنفصل من مثاله في خيالك علي حذو ما ذكرنا و يكمله فتدرك نفسك كمالها الحاصل لها من تكميل ذلك المثال فلاتحد الادوات الا انفسها و لاتشير الا الي نظائرها الجسماني الي الجسماني و النفساني الي النفساني و العقلاني الي العقلاني فان الاشارة تخصيص المشير المشار بتوجهه اليه و لايتوجه الشئ الا الي ما يصاقعه و يكون نظيره في حده و قطره و صقعه فهذه الكلية في نوع الادراك ، اما البصر فهو مدرك للالوان بواسطة الهواء و الضياء اذ الالوان الناقصة لا اشباح لها منفصلة الا بضياء كامل فالضياء ينصبغ بصبغ الالوان الكثيفة و ينفصل

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 24 صفحه 85 *»

الشبح عنه و يقع في الهواء فينصبغ بصبغه و يؤدي الهواء الي الرطوبة الجليدية التي هي قطب العين فتنصبغ بصبغه و تدرك ذلك الشبح القوة الباصرة التي من ورائها في وسط العصب الصليبي بما فيه من فعل النفس المتجسد فتؤديه الباصرة بالترجمة البرزخية الي البنطاسيا فيدرك ما ترجم له بما فيه من فعل النفس البرزخي فيترجمه للخيال باللغة الملكوتية فيدركه و هي الصورة العلمية لها اي للنفس فتسعد بها ان كانت طاعة و الا شقيت بها و النفس حين توجهها الي الظاهر غافلة عما انطبع في حسها المشترك و خيالها فتدرك الظاهر بفعلها فاذا اعرضت عن الظاهر و توجهت الي البنطاسيا تدركها بفعلها البرزخي و هي غافلة عن الظاهر و الباطن فاذا اعرضت عنهما ادركت الصورة الملكوتية العلمية التي هي صورتها و فعليتها و هكذا الامر في تأدية جميع المحسوسات الي البنطاسيا و الي الخيال و الحواس الظاهرة متعددة علي ما تري و البنطاسيا من حيث الاسفل جسمانية و من حيث الاعلي ملكوتية و الخيال هو ادراك النفس للصور الملكوتية الذي هو نفس حضور تلك الصور عندها فافهم ، و اما السمع فهو مدرك للاصوات علي حذو ما سبق و الصوت علي ما حده الصادق عليه السلام اثر يؤثره اصطكاك الاجسام في الهواء و الهواء يؤديه الي المسامع الخبر ، فالاجسام اذا تصاكت اثرت في الهواء كما يؤثر اليد في الماء فينضغط الهواء بينها و يخرج بدفع متهيئا بهيئة ذلك الاثر فيدفع الذي يليه علي هيئة ما اندفع و هكذا يفعل كل جزء منه بالذي يليه الي ان يقرع العصبة المفروشة تحت الاذن كالطبل فتدرك ذلك الاثر الواصل السامعة و هي فعل النفس المشتعل في دهن تلك العصبة فتؤديه الي البنطاسيا كما عرفت و تؤدي البنطاسيا ما وصل اليه بالترجمة الي الخيال كما عرفت و قد حققنا ذلك في رسالتنا في الموسيقي و ليس هيهنا موضع بيانه اكثر من ذلك ، و اما الشم فهو مدرك للروايح و الرايحة كيفية تحدثها ذو الرايحة في الهواء بكماله فيها فيتكيف الهواء فيحملها و يكيف ما يليها و هكذا الي ان تصل تلك الكيفية الي الشامة و هي قوة من فعل النفس المجسم في زايدتين كحلمتي الثدي

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 24 صفحه 86 *»

في مؤخر الانف تنقبضان و تنبسطان و هما متخلخلتان فيدخلهما الهواء بكيفيته المستفادة فتكيف الشامة بكيفية مثلها فتدركها ثم يقع شبحها في بنطاسيا فيدرك مثاله الملقي فيه فيترجمه للخيال فيدركها بصورتها العلمية الملكوتية و قد يستحيل ذو الرايحة الي الهواء فيمازج الهواء فيدخل الشامة فتدركها ، و اما الذوق فهو ادراك للطعوم و ذلك ان الرطوبة التي في الفم تخالل الجسم فينحل الجسم فيها فيكيف الرطوبة بكيفيتها او تمازجه و يسيل فيها و يرق فتدخل في مسامات اللسان فتدركه الذائقة و هي فعل النفس المجسم في اللسان فتتكيف بكيفية الطعم فتدركه بفضل ادراك النفس فتترجمه للبنطاسيا و يدركه فيترجمه للخيال فيدركه كما مر ، و اما اللمس فهو ادراك لاكثر حالات الطبايع و كيفياتها و انما ذلك بمقارنة الاجسام للبدن و تكيف ظاهر الجلد بكيفياتها فتدركها اللامسة التي في الروح البخاري الساري في كل البدن و هي فعل النفس المتجسد فيها فتدركها بفضل ادراك النفس و تترجمها للبنطاسيا فيدركها و يترجمها للنفس فتدركها علي ما مر فتبين و ظهر ان كيفية الادراك في الجميع واحدة ماتري في خلق الرحمن من تفاوت و ان في جميعها انطباع اشباح المدركات في الحوامل الوسائط و تكيفها حتي تصير ذوي اشباح لتكملها فتلقيها الي الحواس من ابوابها فتصير الحواس ذوات كيفيات و اشباح فتدركها بفضل ادراك النفس الذي فيها و باشراقها المشتعل في زيتها فان الحواس بمنزلة السراج المركب من زيت قابلية الاجسام و اشراق النار الغيبية المشتعلة فيه و كذلك الحواس مشتعلة بادراك النفس فالادراك و ان كان من النفس الا انه بتعلقه بها تجسم كما ان الحركة اصلها للنفس و لكن حركة البدن جسمانية و كذا البنطاسيا زيت شبحي مثالي برزخي قد اشتعل فيه ادراك النفس فصار دراكا و اما الخيال فهو ادراك النفس و فعلها في عالم الملكوت و هو نفس تلك الصور الملكوتية التي تتلبسها النفس و كذلك ساير مداركها من الفكر و الوهم و العلم و التعقل فان جميع ذلك في الملكوت شئون صور النفس و فعلها و هي جوهر دراك لجميع تلك المدركات الا ان لتلك المدركات من نفسها

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 24 صفحه 87 *»

تعينات فهي شئون صور النفس و صفاتها تحكيها قوابل السموات ففلك زحل يحكي تعقلها و فلك المشتري يحكي علمها و فلك المريخ يحكي وهمها و فلك زهرة يحكي خيالها و فلك عطارد يحكي فكرها فتشتعل افاعيلها في زيت قابلية كل فلك فتلك الافاعيل المقترنة هي المدارك المثالية الثابتة في افلاك البنطاسيا اسفلها مرتبط بالجسمانيات و اعلاها بالملكوت و هذه الافلاك مشتعلة بافلاك بنطاسيا فهي الواسطة الآخذة من الحواس الظاهرة المؤدية الي البنطاسيا و اكتفينا بالاجمال في تحقيق القوي الباطنة لانه خارج عن موضوع الكتاب و قد ذكرنا قوي الحيوان الناطق و بقي هنا شئ ناسب المقام ذكره و هو انا قد نشاهد بعض القوي يوجد في بعض افراد الانسان الظاهري و لايوجد في بعض مع تساويهما في الشكل و الآلات و الاعضاء مثلا نري معاينة ان بعض الناس لهم قوة وزن الشعر و ليس لبعضهم تلك القوة حتي انه ربما لايقدر ان ينشد شعر غيره موزونا و يعوره لا محالة و ربما يوجد بعض افراد الناس ليس لهم قوة درك العلوم الذهنية و لهم قوة الصنايع اليدية و بالعكس و ربما يوجد من لايقدر علي جودة الخط و لو مشق فيه اربعين سنة و ربما يوجد من لايقدر علي فهم العبارة و لو تأدب خمسين سنة و لعله اعلم الناس في القواعد الادبية و لايقدر علي فهم العبارة و لو جهد جهده و هكذا ساير الصنايع و العلوم بل و كذلك نري اناسا لهم قوة الجود و لايكادون يطيقون العيش مع البخل و بالعكس و نري اناسا لهم قوة الغضب و لايكادون يدركون حسن الحلم و لايقدرون عليه و هكذا و لربما يوجد من ليس له قوة المحبة و ادراكها فلايدرك سر المحبة و لايتحابب مع الناس و الاخوان بل و مثل ذلك لايدرك لذة ولاية آل‌محمد عليهم السلام و اوليائهم و ليس لهم ذوق ذلك و منهم من له ذلك و لذلك امر الله سبحانه نبيه ان يقول لقوم لهم هذه القوة لااسألكم عليه اجرا الا المودة في القربي و قال قل ما سألتكم من اجر فهو لكم و قال لقوم ليس لهم تلك القوة لااسئلكم عليه من اجر و ما انا من المتكلفين لانه ليس فيكم تلك القوة و

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 24 صفحه 88 *»

ماحصلتموه باختياركم الي غير ذلك من القوي النفسانية الاخلاقية فالناس معادن كمعادن الذهب و الفضة و النحاس و الحديد و الآنك و القصدير لكل واحد منهم قوة خاصة حتي انا وجدنا كثيرا من الناس ليس لهم قوة ان يدركوا ان الفراش القي مستقيما او منحرفا و لو نبهته عليه الي غير ذلك و انما ذلك كله قوي في الناس و ما ليست فيهم لايكادون يقدرون عليها فلايمكن حمل كل شئ علي كل احد و قد تكلف من حمل الناس علي ما ليس فيهم و بيان سر ذلك علي سبيل الاشارة و الاختصار انا ذكرنا ان جميع الكمالات التي لا نهاية لها موجودة بالفعل للحقايق الكلية الالهية صلوات الله عليهم و ان ساير الناس قوابل و مرايا تحت شموس تلك الحقايق و انوار تلك الحقايق قد كمنت في الطبايع الكلية و المواد الكلية و الامثلة الكلية و الاجسام الكلية الي التراب فكما انه لا اختصاص لتلك الحقايق الكلية باحد دون احد و كمالاتها الفعلية ايضا مخصوصة بها علي سبيل الكلية كذلك لما كمنت تلك الكمالات التي لا نهاية لها في الطبع الكلي و المادة الكلية و المثال الكلي و الجسم الكلي و العرش و الكرسي و الافلاك و العناصر الي التراب و صارت بالقوة لم‌يكن لتلك القوي ايضا اختصاص باحد دون احد لا في الدنيا و لا في الآخرة الي ان تركب المركب و ولد المولود في هذه الدنيا فلما ولد المولود الجزئي و بدا في الصعود و الترقي في قوس الظهور يختص بكل مولود من تلك القوي الكلية بقدر ما جاهد و سعي فليس للانسان الا ما سعي و ان سعيه سوف يري و بقدر ما يجاهد و يحصل في هذه الدنيا يختص به و يكتب له و لولا مجاهدته في هذه الدنيا لم‌يكتب له شئ و بقدر ما سعي و حصل له فعلية نفسانية يكتب له من تلك الكمالات و تلك الكمالات هي نفسه و بها تذكر عند الله سبحانه و مع ذلك نفسه و ما به مذكورة عند ربه في عالم الذر فما لم‌يسع هيهنا لم‌يكتب له هناك فاذا سعي و كتب فقد كتب له ذلك و قدر في اربعة‌آلاف سنة قبل هذا العالم و علم من ذلك من فهم ان سحرة آل فرعون اصبحوا عند الله في عالم الذر اربعة‌آلاف سنة قبل ذلك كافرين و امسوا عند الله في عالم الذر اربعة‌آلاف سنة قبل ذلك مؤمنين و ذلك رمز مبهم

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 24 صفحه 89 *»

و سر منمنم فافهم ان كنت تفهم و الا فاسلم تسلم فهذه الدنيا دار اختبار و استقرار فما لم‌يعمل الانسان هيهنا عملا ماكان له في عالم الذر ذلك العمل و لايكون له في عالم المحشر الذي هو عالم الذر بعينه فلاجل ذلك حرضنا علي العمل هيهنا حتي نكون من السعداء اللهم ان كتبت اسمي في ديوان الاشقياء فامح اسمي بحق محمد و آل‌محمد من ذلك الديوان و اثبتني في ديوان السعداء انك بالاجابة جدير آمين يا رب العالمين فلاتقنطوا من فضل الله سبحانه و بادروا العمل فان باب التوبة مفتوح و العمل مقبول و النجاة مأمول و اعملوا انما يقبل التوبة عن عباده و يعفو عن السيئات و يعلم ما تفعلون قالت اليهود يد الله مغلولة غلت ايديهم و لعنوا بما قالوا بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء بالجملة فلما بدا المركب في الصعود الي المدارج و صار يتلطف شيئا فشيئا و يلطف شيئا فشيئا طفق يظهر فيه من تلك القوي شيئا بعد شئ بحسب طبايع مرآة قوابله و الوانه و صفائه و كدورته و ساير كيفياته و ينصبغ تلك القوة الكلية علي حسب انصباغ القوابل و صار يظهر منها علي حسبها و من البين ان اصول الاسطقسات و سنخ المقتضيات العناصر و الكينونات و جميع ما في هذه الدار من الكميات و الكيفيات و الافعال و الصفات كلها من مقتضيات الاصول السبعة و لذلك تري ان اصل اشكال الرمل اربع نقاط لاربع طبايع و انما يتركب اشكالها الستة‌عشر من تلك النقاط الاربعة ثم من تكسير تلك الاشكال علي النهج المعروف يحصل رملات كثيرة و العالم به يحكم من الرمل علي الرجل و لونه و شكله و اخلاقه و صفاته و اعماره و احواله و جميع ما له و به و منه و فيه و ليس اصول علمه الا النقاط الاربع الموضوعة بازاء العناصر الاربعة لكن من تكررها و تركيبها و نتايجها و قراناتها و شواهدها و نواظرها و طوالبها و مطلوباتها يحكم علي جميع ذلك بحسب مقتضي كل شئ فكذلك اذا تركبت العناصر في نطفة الانسان مثلا فكان كالطريق مثلا في علم الرمل لكن من حيث وقوعه في بيت الرحم الخاص مثلا يكتسب طبعا و من حيث اغتذائه مثلا بغذاء خاص و وقوعه في ارض خاصة و قرانه مع اقران خاصة و عاداته و اخلاقه و مربيه و امثال ذلك من كل

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 24 صفحه 90 *»

واحد يحصل له طبع خاص و له مقتضي خاص يقتضي صفة خاصة و يظهر فيه تلك القوي الكلية ظهورا خاصا فصار يظهر من كل احد صفات خاصة و ليس لهذا العلم نهاية و لا غاية حتي اقول لك كيف هو و كم هو و انما يجب التدبر في كل فرد فرد و الحكم عليه بما هو عليه و هذا هو العلم و ان في ذلك لآيات للمتوسمين و هذا هو علم التوسم به يعرف كل احد كما يعرف العارف بعلم الرمل حال كل شكل مما له و ما عليه و ما به و ما فيه بعد ما علم غريزياته و اكتسابياته و الاكتسابيات غرايز ثانية و ربما تظهر علي الغريزة الاولية و تقهرها و الانسان من بدو كونه نطفة في الاكتساب الي ان يموت و لذلك يدل كل هيئة علي صفة و فعل و خلق و حال و لربما يخلي و طبعه و يكون كذا او يقهره الاكتساب فيتخلف عن ذلك و ان الله سبحانه جعل دعاة الحق و اسبابها و دعاة الشر و اسبابها لان يكتسب من كل واحد من شاء الاكتساب و ان الله سبحانه يخلق كل احد من العناصر و هي اذا كانت علي ما هي عليه تكون هي الفطرة و لاتذهب علي غير الاستقامة كما انك كلما ركبت شكلا من اربع نقاط تولد الطريق لا غير ذلك و حكمه حكم واحد و هو فطرة الله التي فطر الناس عليها و لكن الاكتسابات تغير الحقايق عن كيانها و دعاة الحق دعاة الي الفطرة الاصلية اذ فيها الاتحاد و عدم التعاد و التوجه الي رب العباد فكل مولود يولد علي الفطرة و ان ابواه يهودانه و يمجسانه و ينصرانه من باب الاكتساب بالجملة هذه القوي تختلف في الناس بحسب اختلاف قوابلها الاكتسابية و الغريزية فيتغير الاكوان في الطبايع و الارواح في الاكوان و ان الله لايغير ما بقوم حتي يغيروا ما بانفسهم و قد بينا في الجملة كيفية تغير الاخلاق و الاحوال في بعض كتبنا و لا بأس بالاشارة الي نوعه هنا الا ان تفصيل ذلك يذكر في علم القيافة لانه اليق به .
فاعلم ان للانسان طبايع اربعة كما عرفت و كيانا ثلثة و يتغير احوال الكيان بحسب اختلاف الطبايع فنقول علي سبيل الاختصار و الاشارة ان بغلبة السوداء علي رجل في كونه الجسدي يميل الانسان الي الصنايع و الي اربابها و لكن يطلب الصنايع الدقيقة و الخفية و اسرارها و في كونه النفساني يورث له الفكر الطويل و

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 24 صفحه 91 *»

الهم و الغم و الحيرة و العزلة و الفسق و الحيلة و الغربة الطويلة و البخل و الخيانة و المنكرات و الحقد و خبث النفس و طلب الشر و امثال ذلك و في كونه الروحاني يورث له المحبة علي العلوم الرياضية و العلوم الخفية و الاذكار و الاوراد القلبية الباطنية و التسخيرات و العزايم و الهيميا و الليميا و السيميا و الريميا و الكيميا و الجفر و الطب و اليهودية و امثال ذلك و اذا غلب البلغم علي الانسان في كونه الجسدي يورث له حب الملاحة و السفانة و الزراعة و البطؤ في الحركات و الكسالة و في كونه النفساني اللينة و الحلم و المداراة و المداهنة و الاغضاء و الصبر و المكر و الحسد و الشهوة و الميل الي المعاصي و الملاهي و الذمايم و الرحم و الصلح و العطف و حب النساء و الاولاد و النكاح و امثال ذلك و في كونه الروحاني يورث له الاستعداد للعلوم الظاهرة و الفقه و المجادلة و العلوم الادبية من النحو و الصرف و اللغة و الفصاحة و البلاغة و امثال ذلك و اذا غلب الدم علي الانسان في كونه الجسداني يورث له كثرة الميل و الشهوة و حب النساء و النكاح و الطبخ و الصباغة و امثال ذلك و في كونه النفساني يورث له حب الملك و الوزارة و حسن الخلق و السخاوة و علو الهمة و المعونة للناس و اصلاح ذات البين و تعزز النفس و امثال ذلك و في كونه الروحاني يورث له صدق الفهم و علم المحبة و علوم الروحانيات و علم سياسة المدن و تدبير المنازل و علم الاخلاق و الاحوال و يحب ما يورث اليقين و علم الموعظة الحسنة و يحب النصرانية و امثال ذلك و اذا غلب الصفراء علي الرجل في كونه الجسدي يورث له حب الجلادة و سفك الدماء و ايذاء الناس و يكون عقورا و يحب من الصنايع القيانة و الصياغة و الصفارة و تدبير المعادن و امثال ذلك و في كونه النفساني يورث له كثرة الغضب و الحرص علي القتل و حب الاباق و اليمين الغموص و الغربة و السفر و الخصومة و اعمال الشر و الافساد و اضطراب الرأي و قلة الثبات و العجلة في جميع الامور و قلة الحياء و افراط الجهل و الجفا و الحماقة و اللجاج و امثال ذلك و في كونه الروحاني يحب علوم عبدة الاصنام و المجوسية و علم السياسة و الحدود و التعزيرات و العلوم الدقيقة الخفية و الشبهات و التأويلات البعيدة و تسخير

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 24 صفحه 92 *»

الاجنة و لعله يحب السحر و الكهانة و امثال ذلك ثم ربما يتركب هذه الاخلاط و تعتدل و تنحرف و تتزايد و تتناقص و تختلف بحسب الكمية و الكيفية و الصفاء و الكدورة و التجرد و الاعراض و الاسنان و الغريزية و الغريبية فلاجل ذلك تنتسب الي الكواكب و البروج و المنازل و البلاد و الجهات و يحصل لكل واحد مناسبات و مقتضيات لا نهاية لها و لا غاية و لايدرك جزئيات ذلك الا شخص كلي يحيط بالكل و اما كلياتها فيمكن ان يدرك فتبين من نوع ما ذكرنا ان لكل احد قوة يتيسر منه ظهور فعليتها و يعسر عنه حصول ضدها و تبين نوع مناسبة كل شخص بكل فعل و هذه الطبايع بهذا الاختلاف الذي سمعت مرايا يظهر من ورائها الحس المطلق و الحركة المطلقة فينصبغ فيها و ينفصل عنها اشعة علي حسبها فما ظهر منه من الفعليات النفسانية تكون هي نفسه التي بها ذكرت في عالم الذر و بها تذكر في عالم المحشر فعالم الذر حب و هذه الدنيا مزرعة و عالم الآخرة حصاد و الله ولي التوفيق و قيل لابي‌عبدالله عليه السلام الرجل آتيه اكلمه ببعض كلامي فيعرف كله و منهم من آتيه فاكلمه بالكلام فيستوفي كلامي كله ثم يرده علي كما كلمته و منهم من آتيه فاكلمه فيقول اعد علي فقال يا اسحق اوماتدري لم ذاك قال لا قال الذي تكلمه ببعض كلامك فيعرف كله فذاك من عجنت نطفته بعقله و اما الذي تكلمه فيستوفي كلامك ثم يجيبك علي كلامك فذاك الذي ركب عقله في بطن امه و اما الذي تكلمه بالكلام فيقول اعد علي فذاك الذي ركب عقله فيه بعد ما كبر فهو يقول اعد علي و عنه عليه السلام عرفان المرء نفسه ان يعرفها باربع طبايع و اربع دعائم و اربعة اركان و طبايعه الدم و المرة و الريح و البلغم و دعائمه العقل و من العقل الفطنة و الفهم و الحفظ و العلم و اركانه النور و النار و الروح و الماء فابصر و سمع و عقل بالنور و اكل و شرب بالنار و جامع و تحرك بالروح و وجد طعم الذوق و الطعم بالماء فهذا تأسيس صورته فاذا كان عالما حافظا ذكيا فطنا فهما عرف فيما هو و من اين تأتيه الاشياء و لاي شئ هو هيهنا و لما صاير باخلاص

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 24 صفحه 93 *»

الوحدانية و الاقرار بالطاعة و قد جري فيه النفس و هي حارة و تجري فيه و هي باردة فاذا حلت به الحرارة اشر و بطر و ارتاج و قتل و سرق و بهج و استبشر و فجر و زنا و اهتز و بدح و اذا كانت باردة اهتم و حزن و استكان و ذبل و نسي و آيس فهي العوارض التي تكون منها الاسقام فانه سبيلها و لايكون اول ذلك الا الخطيئة عملها فيوافق ذلك مأكل و مشرب في حد ساعات لاتكون تلك الساعة موافقة لذلك المأكل و المشرب لحال الخطيئة فيستوجب الالم من الوان الاسقام و قال جوارح الانسان و عروقه و اعضاؤه جنود لله مجندة عليه فاذا اراد الله به سقما سلطها عليه فاسقمه من حيث يريد ذلك السقم .

فصل في الارواح و قد اختلف افهام الحكماء في ذلك ان الارواح الثلثة اي الروح الطبيعية و الحيوانية و النفسانية باصطلاحهم هل هي روح واحدة تختلف صفاتها و قويها بالنسبة الي المحل او هي ثلثة ارواح مختلفة بالذات و هل التي في الدماغ هي لطائف الروح الحيوانية او هي النفس الملكوتية و لم‌يحققوا هذه المعاني حق تحقيقها كساير المعاني لانهم يعلمون ظاهرا من الحيوة الدنيا و هم عن الآخرة هم غافلون ،
اعلم ان حقيقة هذه الارواح واحدة فان هذه الارواح التي هي محل نظر الاطباء هي الارواح المتعلقة بهذه الابدان المربية لها الفعالة فيها المقترنة بها و قد اثبتنا في الحكمة ان العلل لا بد و ان تكون في عرض المعلولات و الاسباب في عرض المسببات و ان كانت اعلاها و الطف منها الا انه تجمعهما مادة واحدة بها تكونان مصاقعتين يمكن اقترانهما و فعل العلة في المعلول و انفعال المعلول من العلة كما تري من ان المحرك ما لم‌يكن في عرض المتحرك لم‌يطلع المتحرك علي ارادة المحرك و لم‌تقترن به مشيته و لم‌ينفعل عنها ابدا و ذلك محقق في محله فهذه الارواح المربية للابدان لا بد و ان تكون في صقع الابدان فانا نري فعل الروح الطبيعية في الابدان من الجذب و الامساك و الهضم و الدفع و غيرها و فعل الروح

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 24 صفحه 94 *»

الحيوانية من الانبساط و الانقباض و الميولات و الشهوات و الغضب و امثالها و فعل الروح النفسانية في الابدان من الحس و الحركة بفروعها فاذا رأينا انها تفعل في الابدان افعالها و تنفعل الابدان منها عرفنا انها في صقع الابدان و الا لم‌تنفعل عنها و لم‌تتطلع علي ارادتها فاذا عرفنا و رأينا مشاهدة انها في صقع الابدان عرفنا انها جسمانية الا انها الطفها و اصفاها و ارقها فعرفنا ان مادتها واحدة و انما اختلافها في الرقة و الغلظة كاختلاف مراتب الجسم من الافلاك و العناصر حرفا بحرف فكما ان جميع هذا العالم جسم مركب من مادة و صورة و انما الاختلاف في الرقة و الغلظة و الصفاء و الكدورة فهي ايضا واحدة مادتها النور الغليظ الجسماني و صورتها تختلف في الرقة و الغلظة و يختلف بروز القوي الكامنة فيها بحسب لطافتها و كثافتها فيحجب الكثافة من تلك القوي ما لايحجبه اللطافة و تظهر اللطافة من تلك القوي ما لايظهره الكثافة بل حقيقتها مع حقيقة ساير اجزاء البدن متحدة و قد اشرنا سابقا الي كيفية تكون البدن و ارواحها ان الغذاء اذا ورد البدن و دخل المعدة و عملت فيه جعلته كيلوسا ثم يجذب الكبد لطائفه اليها و فصلت اجزاءه و ميزت بين صافيه و عكره بعد ان عملت فيه و جعلته كيموسا و اخرجت طراطيره الثلثة من طريق الكلية و المثانة و المرارة و الطحال علي ما شرحنا و يبقي لطائفه و صوافيه جسما ياقوتيا سيالا في قوام لايق به و اعتدال مناسب فيظهر فيه الحركات الطبيعية من الجذب و الامساك و الهضم و الدفع و هذه الافعال هي ادني مرتبة افعال النفس الملكوتية فان فعلها الحس و الحركة و الافعال الطبيعية هي احساسات طبيعية و حركات طبيعية لا غير الاتري ان الطبع يجذب المشاكل فلو لم‌يحس بالمشاكل كيف يجذبه و يختاره دون غيره و جذبه حركته فلو لم‌يتحرك لايجذب البتة فتبين ان له حسا و حركة الا انهما في غاية الضعف و قلة الاختيار و كذلك الامساك و الهضم و الدفع فلو لم‌يكن للطبع حس لماميز بين فعل و فعل و شئ و شئ و اصلاح و افساد الا انهما فيه في غاية الضعف لغلظة المادة في اول الامر و وجود الاعراض و الغرايب فاذا جذب القلب صوافي ذلك الغذاء الصالح الكيموسي اليه و بخره صعد منه ابخرة لطيفة ساوت في لطافتها جسم فلك القمر و

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 24 صفحه 95 *»

هذا البخار بعينه هي لطايف الكيموس الذي هو لطايف الكيلوس فاذا صار بخارا لطيفا معتدلا ظهر فيه آثار النفس الملكوتية الكامنة في الجسم الصائرة بالقوة اكثر فظهر فيه حسها و حركتها اكثر و اشتد فيه اختيارها و ارادتها فصار حساسا متحركا بالارادة علي ما تري و لكنه لايدرك الا المحسوسات الظاهرة فاذا صعد ذلك البخار بعينه من العرقين الي الدماغ و تخلل شعب العروق الشبيهة بالشبكة و اشتد نضجه هناك و وضع عنه اوساخه و اعراضه كالدخان الصاعد في قصبة الغرشة يتلطف في كل منزل الي ان يصير في غاية اللطافة و صعد منها الي بطون الدماغ و صار بلطافة الافلاك ظهر فيها ( فيه خ‌ل ) الحس و الحركة اكثر حتي يصير دراكا للامثلة الرقيقة البرزخية المكتسبة مما انطبع في الحواس الظاهرة متحركا بالحركات الارادية التدبيرية و البخار هو هو الا انه الطف و ارق و انما مثل هذه الآثار في هذه المنازل مثل نور السراج فانه كلما قرب من السراج يكون انور و احر و كلما يكون ابعد يكون اظلم و ابرد الي ان يصير كأنه لا نور فيه و لا حرارة فكذلك النفس هنا بمنزلة السراج و آثارها و افعالها تختلف في المنازل فتكون في الدماغ في غاية القرب من النفس و في غاية القوة و الاختيار و تكون في القلب متوسطة بين بين و في الكبد في غاية البعد و الضعف الي ان شابهت عدم الاحساس و عدم الحركة و لكنها حساسة متحركة في الحقيقة كما سمعت و حقيقة ذلك البخار مركب من مادة و صورة نعبر عنهما بالزيبق و الكبريت في العلم الفلسفي و مثل ذلك الصخرة و القلي فانه ليس فيهما شفافية و صفاء كالكيلوس فاذا اذيبا و صفيا صارا زجاجا و هو بمنزلة الكيموس فاذا صفي مرة اخري صار بلورا صافيا شفافا يجمع اشعة الشمس في نفسه و يحرق ما وراءه فاذا صفي مرة اخري صار الماسا صافيا اذا وضع علي العلاة و ضرب بالمطرقة غاص فيهما و لم‌ينكسر و لكن اذا ضرب بالآنك انكسر مثلثا مكعبا و ذلك علامة صحته و هذا الالماس مركب من زيبق و كبريت و ليس الا صافي الصخر المركب من الزيبق و الكبريت فالالماس هو الصوافي التي كانت منتشرة سارية في الصخر و كان عليه اعراض خارجية فاذا ازلتها عنه ظهر منها ما كان كامنا و الالماس هو الصخر لا غير فبهذا تبصر امرك فالروح النفسانية

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 24 صفحه 96 *»

التي هي محط نظر الاطباء في طبهم هي بعينها ذلك الغذاء الذي اكلته الا ان في الغذاء كانت اعراض فدفعها الطبع مرة في المعدة و مرة في الكبد و مرة في القلب و مرة في الدماغ حتي صار دخانا اصفي ما يكون ثم استوي نفسك علي السماء و هي دخان ثم قال لها و لارض ساير بدنك بها ائتيا طوعا او كرها و انفعلا بفعلي و تحركا بتحريكي قالتا اتينا طائعين فذلك الدخان هو خلاصة جميع عالم الاجسام فاذا رق و لطف الي ان يصير بلطافة العرش يكون هو القلب الحقيقي لبدن الانسان و هو اول ما خلق منه وجودا و آخر ما يظهر منه ظهورا و ليس ذلك القلب في جوف كل احد الا اولي الالباب و ان في ذلك لذكري لمن كان له قلب او القي السمع و هو شهيد فلايصل صفاء البدن ذلك المقام الا ان يكون البدن بدن نقيب كما انه لايصل بخار بدنه لطافة الكرسي الا اذا كان بدن نجيب ، و لا كل من حاز الجمال بيوسف ، و لا كل من له صورة الانسان الظاهرة يصل الي ذلك المكان فتبين و ظهر لمن نظر و ابصر ان هذه الارواح اجسام و مرادنا مما نكرره ان الانسان مركب مخلوق من عشر قبضات تسع من الافلاك و واحدة من الارض هذا الذي سمعت ان في الانسان تسع قبضات بخارية لطافتها لطافة الافلاك التسعة و قبضة كثيفة ارضية و لايبقي في ذلك اشكال بعد ذلك البيان المشهود الواضح و لكن هذا البخار من مبدئه الي منتهاه هو النفس النباتية و حيوتها الحيوانية عرضية الاتري انه اذا مات لايكون حيا و اذا تفرق ذلك البخار لاينمو و لايزيد فذلك البخار هو النفس النباتية و يظهر افعالها في الكبد و ما في الكبد جماد و نماؤه عرضي كما ان البخار نبات و حيوته عرضية و اما حقيقة النفس الحيوانية فمن عالم البرزخ و اشراقها و فعلها الذي هو الحرارة الغريزية في البخار فالبخار كالدخان المشتعل بحرارة النار مشتعل باشراق النفس الحيوانية البرزخية كما ان الجوهر الكيموسي مشتعل باشراق البخار الذي هو النفس النباتية فالنفس النباتية كما قال اميرالمؤمنين عليه السلام للاعرابي قوة اصلها الطبايع الاربع بدو ايجادها عند مسقط النطفة مقرها الكبد مادتها من لطايف الاغذية فعلها النمو و الزيادة و سبب

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 24 صفحه 97 *»

فراقها اختلاف المتولدات و النفس الحيوانية قوة فلكية و حرارة غريزية اصلها الافلاك بدو ايجادها عند الولادة الجسمانية الخبر ، فلما كان ظهور الحيوانية في العالم في الافلاك قال اصلها الافلاك و لما كان النباتي في العالم ظهوره في الطبايع قال اصلها الطبايع الاتري ان البخار هو صوافي الاغذية و لطايفها و قال هي مادتها فهذا الحيوان المعروف حيوان عرضي و الحقيقي برزخي و هذا النبات المعروف عرضي و الحقيقي هو البخار و اما الروح النفساني الظاهر فهو ايضا جسماني بخاري و قد ظهر فيه اشراق افلاك عالم البرزخ بواسطة فلك الحيوة اي اشرقت تلك الافلاك في فلك حيوة البرزخ ثم اشرق فلك الحيوة في البخار و ذلك قوله و جعل القمر فيهن نورا فالروح النفساني الذي في الدماغ هو ايضا من مراتب النباتية الا انه صفي و لطف و رق فان قيل الذي في الدماغ نفس النباتي و الذي في القلب حيوته و الذي في الكبد نباته او باصطلاح الفلاسفة الذي في الدماغ روح النفس النباتية و الذي في القلب نفسه و الذي في الكبد جسده لكان صوابا فان البخار هو صوافي الغذاء كما اشار اليه اميرالمؤمنين عليه السلام فالبدن الظاهر انسان جمادي و البخار انسان نباتي و اما الانسان الحيواني فهو برزخي في هورقليا و اما الانسان الانساني فهو في عالم النفوس القدسية و كل عال منها مشرق علي الداني و الداني مشتعل بحرارة اثر العالي فلذا اجتمعت المراتب في هذا الانسان النباتي فالانسان النباتي يمازج طبايع هذا العالم و الانسان الحيواني يمازج افلاك البرزخ و الانسان الانساني يجاور النفوس الملكوتية و لكل من النبات و الحيوان حقايق في الملكوت هما دورات الانسان فيه و للنبات ايضا حقيقة برزخية في هورقليا و هي طبايعه فطبايعه حقيقة النبات و افلاكه حقيقة الحيوان فافهم و تبصر كما ان افلاك النفوس الملكوتية حقيقة حقيقة الحيوانية فالانسانية في كرسي النفوس فاذا عرفت ذلك فلا بأس بان نشير في غاية الاختصار الي البدن الاصلي من الانسان فان مقدمات معرفته قد ذكرت و يسهل الامر هيهنا اذا ذكر فنقول كما شاهدت ان الغذاء يلقي الطبع اعراضه في المعدة و يخرجه من طريق الامعاء و لا حاجة للطبع اليها فانها فاسدة ثم يلقي مرة اخري اعراضه في الكبد و هي اعراضه

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 24 صفحه 98 *»

التي تركبت معه و يخرجها الطبع من طريق الكلية و المثانة و المرارة و الطحال ثم يلقي اعراضه مرة اخري في القلب فيخرجها الطبع من طريق الرية و التنفس فان هذه الدخانية التي تخرج من طريق الرية هي عكر بخار الروح فاذا كانت الروح بخارا كان طرطيرها ايضا بخارا فيخرجه الطبع بطور التنفس و لذا قد يكون شديد الدخانية كثيرة الحرارة و اليبوسة و هو عكره الجسدي و قد يكون بخاريا كثير الرطوبة و هو عكره الروحاني و قد يكون بينهما ذو رايحة اما نتنة كريهة او طيبة و هو عكره النفساني و يزداد و يقل بحسب اختلاف الحالات بالجملة ثم يلقي اعراضه في الشبكة التي تحت الدماغ و في البطون الي ان يصير فلكيا و الافلاك ايضا ادخنة جسمانية لا غير و لما وصل ذلك البخار الي الدماغ خلص من اعراضه و قل رطوباته و غلب فيه الحرارة و اليبوسة فصار دخانا كما قال سبحانه ثم استوي الي السماء و هي دخان فخلق الله سبحانه الدماغ مائيا لان لايحترق بدوام صعود شعلات تلك الادخنة التي هي احر من النار سبعين مرة فانها صارت فلكية و الافلاك فوق كرة النار و احر منها فخلق الدماغ مائيا لان ينطفي فيه نارها في الجملة و لان لايحترق نفس العضو من شدة الحر بالجملة فكما سمعت من امر لطافة هذه الروح و هي جوهر واحد فكذلك اقول ان جوهر جسم الانسان الاصلي ايضا واحد الا انه لحقه اعراض في هذه الدنيا فيلقي اعراضه في هذه الدنيا اول مرة حتي يصير انسانا ثم يلقي اعراضه للدنيا كالكبد و يصعد الي البرزخ و البرزخ له كالقلب ثم ينفخ في الصور و يموت في البرزخ و يدفن في الطبع فيلقي اعراضه للبرزخ و يصعد الي عالم المحشر بجسمه الاصلي لاينكر من نفسه شيئا و ذلك الجسم الاصلي هو من الزيبق و الكبريت كما سمعت فهذا الجسم الدنياوي هو بعينه الجسم البرزخي و ذلك الجسم البرزخي هو بعينه الجسم الاصلي الاخروي و لا فرق بينهما الا بالتصفية و مخالطة الاعراض و كما ان انسانيتك الدنيوية بالروح الدماغية و الحيوانية القلبية و الطبيعية الكبدية و الجمادية المعدية اعراضك كذلك انسانيتك الاصلية بجسمك الاخروي و هو الطف من جسمك هذا باربعة‌آلاف و تسعمائة مرة و الجسم البرزخي و الدنياوي اعراضك تزول و تفني

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 24 صفحه 99 *»

ليس لها مدخلية فيك و لاتحس بالانسانية و لاتعمل عملها و لاتدرك مدركاتها و لاتشاركها في افعالها و لا صفاتها فلاتثاب و لاتعاقب بما هو فوقها و لاتحشر معها في رتبتها فافهم ذلك فانه دقيق دقيق لايؤمن به الا الخصيصون و لايدركه الا الاقلون و ليس هيهنا موضع بيانه اكثر من ذلك فهذه الطبيعية الكبدية و الحيوانية القلبية و النفسانية الدماغية كلها من الاعراض الدنياوية و مما يلقي للدنيا و يصعد الانسان ببدنه البرزخي الي البرزخ فطبيعي ذلك العالم و برزخيه و نفسانيه ايضا من اعراض ذلك العالم فيلقيها فيها و يصعد لطائف جسده البرزخي الي الآخرة و هي جسد بعينه لانه مركب من مادة و صورة و له طول و عرض و عمق و صبغ و هو مركب من عقل و روح و نفس و طبع و مادة و مثال و هو جسم الا انه في غاية اللطافة و الرقة كما سمعت و هذا الجسد هو الذي قلنا ان قويه علم و حلم و ذكر و فكر و نباهة و هو فوق هذا العالم فان شئت ازيد من ذلك فراجع غير هذا الكتاب من كتبنا و نكتفي بهذا المقدار من البيان عن بيان الارواح و لاتجد تحقيقها بهذا التنقيح في كتاب و اما الستة الضرورية فقد ذكرها القوم و حققوها و فصلوها و لسنا نحن بصدد بيان الامور الجزئية في هذا الكتاب و انما غرضنا بيان الامور الكلية التي تورث معرفتها معرفة الله سبحانه و يحتاج اليها في كليات الحكمة و اما الجزئيات فكتب القوم متكفلة بها و لا خفاء عليها و لكن نذكر بعض الاخبار الواردة فيها تيمنا بعد ذلك .

البٰاب السابع في معني الصحة و المرض و اسبابهما و عللهما ،
اعلم ان الصحة هي كون البدن علي الوضع الالهي الذي يجري معه افعاله علي ما خلق له و المرض انحرافه عن ذلك الوضع و قد خفي عن القوم حقايق اسباب انحرافه فانهم يعلمون ظاهرا من الحيوة الدنيا و هم عن الآخرة هم غافلون و نحن لما كان غرضنا من وضع هذا الكتاب بيان حقايق الطب اردنا ان نبين في هذا الباب الاسباب الحقيقية للامراض علي ما عرفنا الله سبحانه في كتابه و سنة

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 24 صفحه 100 *»

نبيه لكي ينفع الله به ابناء الحكمة ان شاء اعلم ان الله سبحانه كامل لا نقص فيه و حكيم لا لغو في امره و لا عبث في صنايعه و قاهر لا راد عن قضائه و لا مانع من حكمه و جميل ليس في صفاته وشمة عيب و خلق خلقه علي احسن النظام و اكمل القوام بحيث لايمكن احسن منه و لا اتم و لا اكمل و لو كان لفعل فانه جميل كامل لايترك الاولي و هو اولي فخلق ما خلق علي اكمل وجه فكل شئ صحته و قوامه و حسنه و بهاؤه و كماله ان يكون علي ذلك الوضع الالهي الذي هو تابع لمشيته التابعة لصفاته الكاملة بل جميع ما خلق تجلياته و صفاته و اسماؤه و لذا قيل ليس الا الله و صفاته و اسماؤه و لما كان من كمال خلقه سبحانه ان يكونوا مختارين فان العجز و الاضطرار نقص في حقه و عيب ، خلق خلقه علي احسن وجه في فطرته ثم جعله مختارا قادرا به سبحانه و هداه الي ما به بقاؤه علي ذلك الوضع الالهي و ما به عنه انحرافه و انحرافه عن ذلك الوضع نسبي بالنسبة الي حالته الاولي و اما بالنسبة الي ملكه سبحانه في كلية الامر فلا انحراف فان خلقه سبحانه الذي هو صفاته و اسماؤه لاينقلب عن الكمال الي النقصان و عن الاعتدال الي الانحراف فكل ما يقع اعتدال في الملك و عدمه انحراف عن نهج الاستقامة فانحراف كل شئ نسبي بالنسبة الي حاله الاولي فالله سبحانه لما خلقه مختارا يقدر ان يبقي علي ذلك الوضع الالهي و يقدر ان ينقلب و هداه الي اسبابهما تفضلا قال سبحانه هديناه السبيل اما شاكرا و اما كفورا و قال و هديناه النجدين و قال الذي احسن كل شئ خلقه ثم هدي فاحسن خلق كل شئ حيث خلقه علي الوضع المحبوب له سبحانه و هداه الي اسباب بقاء ذلك الوضع و اسباب انحرافه عنه و تلك الاسباب ما ارسل به الرسل و انزل به الكتب فامر بما فيه بقاء ذلك الوضع و نهي عما به بواره و هو قوله سبحانه فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم و قال حكاية عن قول الشيطان لآمرنهم فليغيرن خلق الله فتغيير ذلك الخلق الذي هو الفطرة هو خلاف الوضع الالهي الذي هو المرض و البقاء علي ذلك الوضع هو الصحة لانه كامل تام يأتي منه ما اراد الله منه فاسباب جميع الامراض هي ارتكاب مناهي الله

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 24 صفحه 101 *»

سبحانه و اسباب حفظ الصحة هي امتثال اوامر الله سبحانه لانه سبحانه لم‌يأمر الا بما يقرب الانسان منه و لم‌ينه الا عما يبعده عنه فان الطاعات هي صور مشية الله سبحانه و المعاصي هي صور النفس الامارة فمن اقرب الي الله سبحانه من الصاعد اليه في مدارج الطاعات و من ابعد عنه سبحانه من الهابط في دركات المعاصي فكلما يقرب الانسان من الله سبحانه يتقوي فيه نور الواحد الفرد و يقل فيه الاعراض المتخللة في وجوده و يشتد تراكمه و ائتلافه و يقل فيه اختلاف الاجزاء فيشتد تركيبه و تضام اجزائه فيقوي بنيته و لايتأثر من الاغيار و كلما يبعد عن الله سبحانه يضعف فيه نور الواحد الفرد و يكثر اعراضه المتخللة في وجوده بسبب الميل الي غير الله سبحانه فيتخلخل تركيبه و يضعف بنيته و يتأثر من كل وارد ضرب الله مثلا رجلا فيه شركاء متشاكسون و رجلا سلما لرجل هل يستويان مثلا فاذا كان الانسان بكله متوجها الي الواحد لايذهب به المذاهب و لايتبع كل ناعق يأتي رزقه من عند الواحد الذي ليس فيه اختلاف فيصير متشاكل الاجزاء متراكمها متعانقها متضامها و يبعد عليه التفكك فيطول دوامه و بقاؤه و عمره و يؤتي اكله كل حين باذن ربه و اكله افعاله المرادة منه فاذا توجه الي الاغيار و مال الي كل شئ و استمد من كل شئ خذله الله سبحانه و امده من الجهات التي يستمد منها فتختلف الامداد الواصلة اليه من كل جانب فتختلف اجزاؤه و تتضاد فلاتكاد تتألف و تصير متخلخلة غير متراكمة فيسرع اليه التفرق بل هو التفرق و الفناء فيقصر عمره و يتوارد عليه الاعراض الاتري انك لو اقتصرت علي غذاء صالح واحد و عودت نفسك به تشاكل الامداد الواصلة الي اعضائك و بقي بدنك علي حال واحدة و اذا خلطت اغذية مختلفة الكيلوس و الكيموس و المزاج فسد كيلوسها و كيموسها و فسد الغذاء و كثر الطراطير في بدنك فاورث فيك امراضا مختلفة و لذا قال الصادق عليه السلام في حفظ الصحة و اعود البدن ما اعتاد و انما ذلك لان الجري علي النمط الواحد يورث اتحاد الاحوال و اتحاد الاحوال في الصحة هو الصحة الدائمة فامر الله سبحانه الخلق بالتوجه الدائم اليه و الانقطاع عن الخلق فانه واحد و الخلق متكثر و الاستمداد من الواحد يجذب المدد الواحد

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 24 صفحه 102 *»

الدائم و هو الصحة و نظام الخلق و قوامه و الخلق متكثر و الاستمداد من المتكثر يجذب امدادا متكثرة مختلفة و فيه تخلخل الخلق و فساده و بوار تركيبه الذي فيه فناؤه و كأني بمن لايعرف لحني يزعم ان ما اذكره خارج عن الطب و هو علم الله و شهد انه عين الطب و حقيقته و ان كان القوم عنه غافلين فلايدوم الحال علي دوام الكون و التركيب الا بالتوجه الدائم الي الله سبحانه و هو الطاعة و لايفسد الكون و التركيب الا بالتوجه الي الاغيار المورث للتخلخل و هو المعصية و لذلك قال الله سبحانه ما اصابكم من مصيبة فبما كسبت ايديكم فلايصيب الانسان مصيبة في بدنه الا بما كسبت ايديه من المعاصي و الله سبحانه اصدق القائلين فاذا ارتكب الانسان المعاصي بعد عن المبدء و تخلخل اجزاء وجوده و ضعف حرارته الغريزية التي هي من فوق الطبايع عند محققي الاطباء ايضا و الحرارة الغريزية من الامداد السماوية الالهية فتزداد بالتوجه اليه سبحانه و القرب نار مشيته كما قال سبحانه يكاد زيتها يضي‌ء و لو لم‌تمسسه نار و لان مشيته حركته في الايجاد و الحركة توجد الحرارة فالحرارة الغريزية تتقوي بالطاعات و رفع الايدي و الانظار الي السموات و تضعف بالمعاصي الموجبة للتوجه الي غيره سبحانه و كل مرض يحدث في البدن فمن ضعف الحرارة الغريزية الالهية و كل صحة بقوته الاتري ان البنية اذا كانت قوية لاتكاد تتأثر من حر و برد و رطوبة و جفاف و فساد في الغذاء و الاخلاط و غيرها و تدفع عن نفسها آثار جميع ما يرد اليها و اذا كانت ضعيفة تنفعل عن جميع ما يرد اليها حتي انا نري رجالا اقوياء يدخلون الماء البارد تحت الجمد في الشتاء ليلا في غاية البرد و لايكاد ابدانهم ترتعش و نري رجالا ضعفاء يرعد ابدانهم النسيم و يحدث فيهم المرض و هل ذلك الا من جهة قوة الحرارة الغريزية التي عليها اساس البدن و قد عرف الاطباء المحققون ان الحرارة الغريزية فوق الطبايع و انها حرارة فلكية و ورد تصديقه عن علي عليه السلام فالحرارة الفلكية لاتزداد في بدن الانسان الا بالعمل بمقتضي الافلاك و مقتضاها خلاف مقتضي الطبايع العنصرية و الميل اليها و العمل بطبايعها

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 24 صفحه 103 *»

و مقتضي الافلاك الاصلي هو مقتضي الروحانيات فان الافلاك روحانية و مقتضي الروحانيات الاصلي هي الاحكام الشرعية كما روي تخلقوا باخلاق الروحانيين و ان قلت انا نري رجالا اقوياء في الحرارة الغريزية كفارا فكيف تقول انها تتقوي بالطاعات و تضعف بالمعاصي قلت ان الافلاك هي منبع الحرارة الغريزية و ان العمل بمقتضي الافلاك يقوي الحرارة الغريزية لكن العمل عملان عمل علي مقتضي محبة الله فهو يقوي الحرارة تقوية الهية تكون سبب دوامها و طيبها و ان عمل بمقتضي سخط الله فهو و ان قوي الحرارة الحيوانية لكنها حرارة مسخوطة لاتدوم و يعقبها الهلاك و البوار عن قريب فلذا قلنا ان الحرارة تتقوي بالطاعات قال الله سبحانه مما خطيئاتهم اغرقوا فافهم ان كنت تفهم و ذلك لان مقتضي الروحانيات و الفلكيات الاصلي هو البر و العطف و السماحة و الكرم و العلم و الحلم و الذكر و الفكر و النباهة و الاحسان و العدل و ساير الخيرات ، و جميع الشرور من الطبايع فانها لا شعور لها قويا فتعمل بطبعها في كل مكان سواء كان مستحقا لذلك ام لا و هو الظلم و الروحانيات فوق الطبايع و لها شعور و تضع كل شئ في محله و هو العدل و ان الله يأمر بالعدل و الاحسان و ايتاء ذي القربي و ينهي عن الفحشاء و المنكر و البغي الاتري ان المغلوب للصفراء يسي‌ء العشرة مع كل بر و فاجر لانه يعامل بمقتضي طبع الصفراء العديم الشعور بالنسبة التي لاتحسن بولي و لا عدو و هو الظلم و لو كان روحانيا و احسن بالولي و العدو و لم‌يكن الغالب عليه الطبع لاحسن الي الولي و اساء الي العدو و هو العدل فمن عدل في افعاله غلب روحانيته علي طبايعه و تقوي حرارته الغريزية و من ظلم في افعاله غلب جسدانيته و ضعفت روحانيته فضعفت حرارته الغريزية و تقوي حرارته الغريبية و هي المرض بعينه فتبين لذي عينين ان العمل بالعدل الذي تفصيل جزئياته اوامر الشرع يقوي الحرارة الغريزية و تقوي البنية و تدفع عن نفسها كل مرض طبعاني و ان العمل بالظلم الذي تفصيل جزئياته المناهي الشرعية يضعف الحرارة الغريزية و يضعف البنية و يستولي عليه الامراض و قد غفل الاطباء عن ذلك و لم‌ينظروا الا الي الطبايع التي هي بنفسها و بكلها امراض فكيف يتأتي منها

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 24 صفحه 104 *»

الصحة فلذلك اقتصر الشارع الحكيم علي بيان اسباب الصحة و الامر بها و اسباب المرض و النهي عنها و هو سبحانه غني لاتنفعه طاعة من اطاعه و لاتضره معصية من عصاه فامر و نهي لقوام الخلق و نظام معاشهم و صلاح معادهم فهذه عمدة اسباب الصحة و المرض و اصلها و منشأها عرفها من عرفها و انكرها من انكرها .

فصل اذا عرفت ان اسباب الصحة الاولية هي الامتثال بالاوامر الشرعية فاحفظ الصحة بالمثل اي بالمداومة علي العدل المقوي للحرارة الغريزية المقوية للبنية الحافظة لها كل خير الدافعة عنها كل شر الجاذبة لها كل مدد خير الهاضمة لتلك الامداد الموصلة الي الاعضاء و اذا عرفت ان اسباب المرض ارتكاب المناهي فادفع المرض بالضد فتوجه الي الله سبحانه بالتوبة و الانابة و الصدقات و افعال البر و الدعاء و الاستغفار حتي يتوجه قلبك الي الواحد الفرد و يتقوي فيه الحرارة الغريزية و تدفع عنك الامراض و لذلك ورد في الشرع ادعية لكل مرض و الآن عرفت ان الانبياء سلكوا الناس في الطريق الاقرب في حفظ الصحة و دفع المرض و لكن الناس لا خير فيهم و ازيدك بيانا ان دفع الامراض بسبب تقوية الحرارة الغريزية اقرب الطرق حتي لاتشك في ذلك اعلم انا نشاهد عيانا ان الادمان لاكل الطين مرض و يسمونه القطا و ذكروا له معالجات فاذا اردنا ان نعالج القطا بالادوية فلربما نحتاج الي المعالجة شهورا فاذا نصحته بنصيحة بالغة و وعظته وعظا بالغا و حذرته عنه بانه حرام ينزعج عنه في طرفة عين و لايكاد يقربه ابدا و كذلك المدمن للخمر فانه يمكن معالجته بادوية يشمئز طبعه من الخمر و لكن في شهور و سنين و اذا وعظته وعظا بالغا و خوفته يتركه من وقته و لايعود اليها ابدا و ربما عالجنا الفواق بالتخويف فتتهيج حرارته الغريزية فيذهب عنه و لرب فالج مقعد صح و قام من دهشة عظيمة عرضت عليه و لرب من ليس في طبعه خلط فاسد ابدا و لكن بسبب الخوف من الامراض العامة تضعف حرارته الغريزية فيمرض و لرب مريض بسبب ظنه البرء يبرء فورا و كذلك ذكروا ان رجلا عضه الكلب فكان يري في الماء جروا و لايقدر ان يشربه و يدخل فيه و كان بصيرا

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 24 صفحه 105 *»

بالطب فتفكر في نفسه ان الماء يشربه كل احد و يدخله كل احد و انا قد عضني الكلب و قد رأيت في الكتب انه رؤية الجرو في الماء من اثره فعزم علي دخول الماء فدخل و ذهب عنه المرض و كذا ربما يعالج النافضة بدهشة دفعية فورا و كثيرا يدفع المرض بسبب حسن ظن المريض بالمعزم او المعالج او الراقي فيبرء و من ذكر له الطبيب ان مرضك قتال لايكاد يبرء و من ذكر له انك لست بمريض و ليس فيك سوء مزاج كثيرا يبرء و هكذا نشاهد ان كثيرا من الامراض تحدث بسبب ضعف الحرارة و العزيمة و يندفع كثير منها بسبب قوة العزيمة و لذا روي عن اميرالمؤمنين عليه السلام ماضعف البدن عما قويت عليه العزيمة ، فتبين ان تدبير النفس في البدن اقوي من تدبير الطبايع بما لايحصي فتقوية النفس و العزيمات اقرب الطرق الي حفظ الصحة و دفع المرض و الطريق الاقرب في ذلك امتثال الاوامر و اجتناب النواهي و التوكل علي الله و تفويض الامر اليه و التسليم لامره و التوجه اليه و مهما رأيت ان بعض ذلك مشكل فانما هو بترك مقدماته و عزم الناس علي مخالفة الشرع و عدم المواظبة عليه فلو اتوا البيوت من ابوابها لرأوا العجب و ان لو استقاموا علي الطريقة لاسقيناهم ماءا غدقا و لو ان اهل القري آمنوا و اتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء و قال و لو انهم اقاموا التورية و الانجيل و ما انزل اليهم من ربهم لاكلوا من فوقهم و من تحت ارجلهم منهم امة مقتصدة و كثير منهم ساء ما يعملون الي غير ذلك من الآيات فاحفظوا الصحة مهما قدرتم بالطاعات فان الله سبحانه لايغير ما بقوم حتي يغيروا ما بانفسهم و ادفعوا الامراض بالتوجه الي الله سبحانه و الصدقات و الدعوات و العبادات فان ذلك اقرب الطرق الي الله سبحانه و الي ما تريدون .

فصل اذا اعرض الانسان عن ربه في عالم الذر او هنا و بعد عن دار قربه فضعفت حرارته الغريزية و توجه الي غيره سبحانه و استمد منه فاختلف امداد بدنه فتخلخل و ضعفت بنيته لم‌تقدر علي دفع الامراض و الاعراض عن نفسه فاورث في بدنه امراضا و هي علي اقسام نعد هنا كلياتها

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 24 صفحه 106 *»

فاعلم ان المرض اولا قسمان خلقي و حادث فالخلقي ما حدث له من اول تولده من النطفة في بطن امه و اسبابه الظاهرة خمسة فذلك اما يحصل من قبل الساعات و الاوضاع الفلكية التي يقتضي كل وضع منها حدوث انحراف او اعتدال في الولد و اما يحصل من قبل الحالات في الوالدين فان منها اسبابا توجب تغير الولد كما يأتي و اما يحصل من قبل النطفة نفسها فانها ربما تكون منحرفة عن الوضع الالهي بخروجها كلية عن الاعتدال او زيادة اجزاء صالحة لعضو او نقصانها او فسادها و اما يحصل بانحراف الدم الجاري اليها كلية او بفساد اجزاء صالحة لعضو او زيادتها او نقيصتها فان في الغذاء ايضا اجزاء خاصة بكل عضو كما مر و اما يحصل بانحراف في مزاج الرحم فيتغير صورة الولد عن الوضع الالهي الي ما شاء الله كيف ما شاء الله و اما الحادث فاما موروث او مستفاد اما الموروث فهو من قبل الطراطير الكامنة في النطفة من جهة دوام تولده في بدن الوالدين لوجود الخميرة الدائمة فيبقي ذلك الطرطير فان كان روحانيا يحدث في ايام الصبي و ان كان نفسانيا ففي ايام الشباب و هو يبقي في البدن و يمنع عن بروزه رطوبة الشباب الي ان تجف رطوبته في سن الشباب فيظهر كالحب الذي يبقي في الارض و لاينبت في الشتاء لغلبة البرد فاذا جاء الربيع نبت فكذلك يبقي الطرطير الي ان يزول المانع و ان كان جسدانيا فيبقي الي سن الكهولة و الشيخوخية فيظهر لزوال رطوبة الصبي و الشباب و حرارتهما فيحدث هنالك و هذا النوع من المرض بعد القسم الخلقي اصعبها برءا و اما المستفاد فهو ما يحدث في البدن بالاستفادة فهو اما بالاستفادة من الخارج او من الداخل اما ما يستفاد من الخارج فاما يستفاد من الامور النائبة او من المتممات اما الذي يحدث من النائبات فكالسقطة و الضربة و القطع و امثال ذلك و اما الذي من قبل المتممات فكالامراض التي تأتي من قبل الهواء المحيط بالابدان و من قبل الاكل و الشرب و النوم و اليقظة و الحركة و السكون و الاستفراغ و الاحتباس و الاعراض الواصلة و ذلك لان هذه الامور الستة من متممات قابلية بقاء الانسان في هذا العالم و ان كان قوامه و بقاؤه بفعله سبحانه الا ان هذه الامور

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 24 صفحه 107 *»

متممات بقاء الانسان و دوامه في الدنيا لاتقوم عادة الا بها و اما ما يستفاد من الداخل فمن قبل الطراطير التي تتولد في البدن و لايقدر الطبع ان يدفعها عن نفسه فهي اما تتولد في المعدة فيحدث منها امراض المعدة و الامعاء و ما يتصل بها و يتفرع عليها و اما تحدث في الكبد فتحدث امراضا في الكبد و تجري في العروق و تنبث في ساير البدن و اما تحدث في القلب فتحدث امراضا في القلب و تجري في الشرائين و تنبث في البدن و اما تحدث في الدماغ فتحدث امراضا في الدماغ و تجري في الاعصاب و تنبث في البدن و اما تحدث في عضو خاص فتحدث امراضا في ذلك العضو بعينه فذلك خمسة اقسام و قد ذكرنا ان بسائط الطراطير ثلثة فبسايط الامراض خمسة‌عشر و قد يتركب فيكون اصول تراكيبها اربعة فانه قد يتركب الروح مع النفس و قد يتركب مع الجسد و قد يتركب الجسد مع النفس و قد يتركب من الثلثة فيكون اصول المركبات عشرين قسما و لكل واحد من الطراطير خواص فانا قد بينا ان الطرطير ثلثة روحانية و نفسانية و جسدانية و هي التي قد نسميها بالزيبق و الكبريت و الملح فالزيبق الطرطيري الذي في البدن من شأنه ان يصعد اذا اصابه حرارة فانه روح و قد تسفلت بسبب البرد العارض فاذا اصابها الحرارة المفنية لرطوباتها او المبخرة لها صعدت و لذا يكون الزيبق المصعد حارا و ليس انه من جهة مائيته يفر من النار بل النار تفرق مائيته العارضة علي سبيل التبخير و تتقوي حرارته الكامنة فيصعد الي حيزه فالزيبق الذي في البدن اذا اصابه الحرارة يصعد علي حسب مقتضي طبعه فان كان تولده في المعدة صعد الي اللهوات و سال منها و الي فم المعدة و احدث امراضا فيها و ربما كانت الحرارة ضعيفة و الزيبق غليظا لزجا فنزل و احدث امراضا في اسفل المعدة و الامعاء كالزحير و المغص و القولنج و الغثي و امثالها او كان مع الحرارة الضعيفة لطيفة رقيقة فاحدث رياحا و قراقر و امثال ذلك و ان كان الزيبق في الكبد و صعد بالحرارة الي الاوردة و انتشر في البدن احدث اللثغة و ان كان في القلب احدث الخفقان و ان كان في الدماغ احدث له الصداع و الماليخوليا و الصرع و السكتة و ربما نزل منعكسا فاحدث الفالج و اللقوة و

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 24 صفحه 108 *»

الرعشة و الزكام و الرمد و ساير امراض العين و الاذن و الانف و الخوانيق و غير ذلك و ان كان في الاعضاء اورث فيها اوراما و المواظبة و امثال ذلك مما يليق بكل عضو و اما الكبريت الطرطيري اذا كان في المعدة و استولي عليه حرارة و بخر و انتشر حدث منه الهيضة و الزحير و ان كان في الكبد و انتشر في العروق احدث منه المطبقة و ان كان شديد الحرارة احدث المحرقة و ان كان في القلب احدث الخفقان و ان كان في الدماغ احدث الصداع و السرسام و الماليخوليا و الزكام و امراض العين و الانف و الحلق ما كان منها حارا و ان كان في الاعضاء احدث الغب و اليرقان و الاورام الحارة و ساير امراض الاعضاء الحارة و اما الملح فان كان في المعدة فيحدث منه سوء مزاج المعدة و سوء الهضم و الزحير و امثال ذلك و ان كان في الكبد و انتشر في العروق احدث الربع و ان كان في القلب احدث الهم و الغم و الكرب و ان كان في الدماغ احدث الجنون و الماليخوليا و التشنج و امثال ذلك و يورث امراض العين و الانف و الحلق و امثال ذلك و ان كان في ساير الاعضاء فيحدث الربع و الامراض السوداوية في الاعضاء من الاورام و الحكة و الجرب و امثال ذلك فتبين و ظهر لمن انصف و اعتبر ان اصول جميع الامراض من هذه الطراطير الثلثة و ربما تتركب كما مر و ما لم‌يعرف الطبيب معني هذه الطراطير و موضع تولدها و كيفية اخراجها لم‌يقدر علي العلاج البتة و مما ذكرنا يعرف النبيه وجه العلاج فان العاقل ما كان له طريق اقرب لايسلك الطريق الابعد و الطبيب يجب ان يكون خادما للطبيعة فكما ان الطبيعة لاتسلك الطريق الابعد في دفع الطراطير يجب ان لايسلكه الطبيب فالطريق الاقرب في دفع طراطير المعدة القي و الاسهال لا غير و الطريق الاقرب في دفع طراطير الكبد المدرات و الفصد و الحجامة لا غير و الطريق الاقرب في دفع طراطير القلب الاستنشاقات بالروايح و المشمومات و اللخالخ لا غير و الطريق الاقرب في دفع طراطير الدماغ السعوطات و العطوسات و الغراغر لا غير و الطريق الاقرب في دفع الطراطير المنصبة تحت الجلد و خللها التعريق و الضمادات و التكميدات و بعض المعالجات اليدية لا غير فمن رام غير

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 24 صفحه 109 *»

ذلك فقد حمل الطبيعة علي ما لاتقتضي و سلك الطرق الخارجة عن الطبيعة و هو الي اهلاك البدن و افساده اقرب منه الي اصلاحه البتة كما روي عن الباقر عليه السلام خير ما تداويتم به الحقنة و السعوط و الحجامة و الحمام انتهي ، فالحقنة لطراطير المعدة و الامعاء و السعوط لطراطير الدماغ و الحجامة لطراطير الكبد و الحمام للتعريق و طراطير الاعضاء و سيأتي باب في كليات معالجات الائمة عليهم السلام و لكن العمدة في الامراض التي اسبابها داخل البدن المعدة فانه اذا اتخمت المعدة و حصل فيها ضعف اساءت الكيلوس و لم‌تميز بين الصافي و الطرطير فيدخل العروق المسماة بماساريقا و دخل الكبد و فيه اجزاء غير صالحة للكيموس فيضعف الكبد به لان الاجزاء الغير الصالحة تنكأها و لايقدر علي الكيموس الصالح فيتولد فيه طراطير فينفذ الي القلب و الدماغ و الاعضاء فيتولد فيها الامراض كما روي عن ابي‌عبدالله عليه السلام كل داء من التخمة الا الحمي فانها ترد ورودا انتهي ، و هذا هو الغالب و قد يكون المرض لضعف العضو الخاص و اعلم ان اعسر الطراطير دفعا بعد الطرطير الملحي الطراطير التي تتولد في الاعضاء الداخلة كالطحال و الكلية و المثانة و الرية و امثال ذلك فان طرق وصول الدواء اليها بعيدة و اخراجها عسير جدا ثم اعلم ان العلاج علاجان دفع مرض و دفع سبب فما لم‌يدفع السبب لاينقطع المرض انقطاعا فان يبرء يخلفه مكانه فلا بد اولا من قطع السبب حتي لايخلف المرض مكانه فان عولج المرض و الا فيدفعه الطبع بنفسه بسبب قطع المرض و انتشاط الطبع و دفعه اياه و قوته عليه و اعلم ان المرض المبرم القوي يحتاج الي دواء قوي و المرض الضعيف يندفع بعلاج ضعيف و العلاج متي ما امكن بدواء مفرد اولي ان يكون بالمركب فان لكل دواء طبعا و نفعا من عضو و ضررا لعضو فالدواء المفرد اولي مهما امكن و الدواء القليل القوي اولي من الكثير الضعيف فان الكثير الضعيف كثير الفضول قليل المحصول و يكون كلا علي الطبع الضعيف و يزيد في الفضول التي في البدن فان الطبع لو كان قويا علي دفع الفضول لدفع عن نفسه الفضول الممرضة و اذا كان ضعيفا يضعف عن دفع فضول

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 24 صفحه 110 *»

الدواء ايضا فيكون له كلا علي كل البتة و الدواء القليل القوي يستولي عليه الطبع و يتفاعلان و لايكون كلا علي الطبع البتة و يخف مؤنته عليه و ينشط به علي دفع الفضول الممرضة فهذه كليات اسباب الامراض الظاهرة و جميع ذلك يحدث من ضعف الحرارة الغريزية و ضعفها من ارتكاب المحارم الشرعية لا غيرها ثم نريد ان نذكر هيهنا بعض ما ورد عن الشرع في باب المتممات الخارجية و ما يتعلق بها و ما يستنبط من الكتاب و السنة فان الحق احق ان يتبع .
فصل في الهواء ففي طب‌الرضا عليه السلام اعلم يا امير المؤمنين ان قوة النفس تابعة لامزجة الابدان و ان امزجة الابدان تابعة للهواء و تتغير بحسب تغير الهواء في الامكنة فاذا برد الهواء مرة و سخن اخري تغيرت بسببه امزجة الابدان و اثر ذلك تغييرا في الصوت فاذا كان الهواء معتدلا اعتدل امزجة الابدان و صلحت تصرفات الامزجة في الحركات الطبيعية كالهضم و الجماع و النوم و الحركة و ساير الحركات الخبر ، و تأثير الهواء في الابدان ظاهر بين لانه اقرب الاشياء وصولا الي الروح بواسطة التنفس و مؤثر في الابدان بالتجميد و التليين و التبريد و التسخين و غير ذلك و ينبغي ملاحظة ذلك في صحة الابدان حتي لاينتقل من هواء الي هواء ضده دفعة و ليحترز من شدة الحر فانه من فوح جهنم و من شدة البرد فانه من زمهرير جهنم كما روي و هما مضران بالابدان غاية الضرر فليدفعهما باضدادهما حتي يعتدلا و عن اميرالمؤمنين عليه السلام توقوا البرد في اوله و تلقوه في آخره فانه يفعل بالابدان كما يفعل بالاشجار اوله يحرق و آخره يورق و عن الرضا عليه السلام من اراد ان لايصيبه اليرقان فلايدخل بيتا في الصيف اول ما يفتح بابه و لايخرج منه اول ما يفتح بابه في الشتاء غدوة ، و اما تدبير الابدان في الفصول فعنه عليه السلام اما فصل الربيع فانه روح الزمان و اوله آذار ان في سنتنا هذه و هي سنة اربع و ستين بعد المأتين و الالف يكون النيروز في عاشر آذار .
و عدة ايامه احد و ثلثون يوما و فيه يطيب الليل و النهار و تلين

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 24 صفحه 111 *»

الارض و يذهب سلطان البلغم و يهيج الدم و يستعمل فيه من الغذاء اللطيف و اللحوم و البيض النيمبرشت و يشرب الشراب بعد تعديله بالماء و يتقي فيه اكل البصل و الثوم و الحامض و يحمد فيه شرب المسهل و يستعمل فيه الفصد و الحجامة نيسان ثلثون يوما فيه يطول النهار و يقوي مزاج الفصل و يتحرك الدم و تهب فيه الرياح المشرقية و يستعمل فيه من المأكول المشوية و ما يعمل بالخل و لحوم الصيد و يعالج الجماع و التمريخ بالدهن في الحمام و لايشرب الماء علي الريق و يشم الرياحين و الطيب ايار احد و ثلثون يوما تصفو فيه الرياح و هو آخر فصل الربيع و قد نهي فيه اكل المملوحات و اللحوم الغليظة كالرؤس و لحوم البقر و اللبن و ينفع فيه دخول الحمام اول النهار و تكره فيه الرياضة قبل الغذاء حزيران ثلثون يوما يذهب فيه سلطان الدم و يقبل زمان المرة الصفراوية و ينهي فيه من التعب و اكل اللحوم دسما و الاكثار منه و شم المسك و العنبر و ينفع فيه اكل البقول الباردة كالهندبا و بقلة الحمقاء و اكل الخضر كالخيار و القثاء و الشيرخسك و الفاكهة الرطبة و استعمال المحمضات و من اللحوم لحم المعز الثني و الجداء و من الطيور الدجاج و الطيهوج و الدراج و الالبان و السمك الطري تموز احد و ثلثون يوما فيه شدة الحرارة و تغور المياه و يستعمل فيه شرب الماء البارد علي الريق و تؤكل فيه الاشياء الباردة الرطبة و يكسر فيه مزاج الشراب و تؤكل فيه الاغذية اللطيفة السريعة الهضم كما ذكر في حزيران و يستعمل فيه من الشموم النور و الرياحين الباردة و الرطبة الطيبة الرايحة آب احد و ثلثون يوما فيه يشتمل السموم و يهيج الزكام بالليل و يهب الشمال و يصلح المزاج بالتبريد و الترطيب و ينفع فيه شرب اللبن الرائب و يجتنب فيه الجماع و المسهل و يقل من الرياضة و تشم الرياحين الباردة ايلول ثلثون يوما فيه يطيب الهواء و يقوي سلطان المرة السوداء و يصلح شرب المسهل و ينفع فيه اكل الحلوات و اصناف اللحوم المعتدلة كالجدي و الحولي من الضان و يجتنب لحم البقر و الاكثار من

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 24 صفحه 112 *»

الشواء و دخول الحمام و يستعمل فيه الطيب المعتدل المزاج و يجتنب فيه اكل البطيخ و القثاء تشرين‌الاول احد و ثلثون يوما تهب فيه الرياح المختلفة و تتنفس فيه ريح الصبا و يجتنب فيه الفصد و شرب الدواء و يحمد فيه الجماع و ينفع فيه اكل اللحم السمين و الرمان المز و الفاكهة بعد الطعام و يستعمل فيه اكل اللحوم بالتوابل و يقلل فيه من شرب الماء و تحمد فيه الرياضة تشرين‌الآخر ثلثون يوما فيه يقع المطر و ينهي فيه من شرب الماء بالليل و يقلل من دخول الحمام و الجماع و يشرب بكرة كل يوم جرعة ماء حار و يجتنب اكل البقول كالكرفس و النعنع و الجرجير كانون‌الاول احد و ثلثون يوما تقوي فيه العواصف و يشتد فيه البرد و ينفع فيه كل ما ذكرناه في تشرين‌الثاني و يحذر فيه من اكل الطعام البارد و يتقي فيه الحجامة و الفصد و يستعمل فيه الاغذية الحارة بالقوة و الفعل كانون‌الثاني احد و ثلثون يوما يقوي فيه غلبة البلغم و ينبغي ان يتجرع فيه الماء الحار علي الريق و يحمد فيه الجماع و تنفع الاحساء و البقول الحارة كالكرفس و الجرجير و الكراث و ينفع دخول الحمام اول النهار و التمريخ بدهن الخيري و ما ناسبه و يحذر الحلق و اكل السمك الطري و اللبن شباط ثمانية و عشرون يوما تختلف فيه الرياح و تكثر الامطار و يظهر العشبة و يجري فيه الماء في العين و ينفع فيه اكل الثوم و لحم الطير و الصيود و الفاكهة اليابسة و يقلل من اكل الحلوات و يحمد فيه كثرة الحركة و الرياضة و عنه عليه السلام فيه كل البارد في الصيف و الحار في الشتاء و المعتدل في الفصلين انتهي ، فهذا جمل ما اردنا ايراده مما يتعلق بامر الهواء و الفصول من الاخبار ثم اعلم ان للهواء في الابدان تأثيرا بينا من جهتين من جهة تأثيره في ظاهر الابدان من الترخية و التقشيف و التسخين و التبريد فان بتسخينه اياها يرخي البدن اولا و يفتح مساماته فيعرق و يخرج الابخرة من داخله فيبرد الجوف و لذا يجد الانسان راحة عند العرق فاذا اشتد السخونة اخصفته و يبسته و اذا برد الهواء سد المسامات

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 24 صفحه 113 *»

و حبس الحرارة في الجوف و جفف ظاهره و ذلك بين و من جهة دخوله في الابدان و مخالطته مع الروح البخاري فانه ان كان طيبا طيب الروح و الاخلاط و ان كان نتنا انتن الروح و الاخلاط و ان كان فيه سمية اثر في الروح و الاخلاط و منه الامراض العامة و قد ذكر القوم تفاصيل حالاته بحسب الامكنة و الاوقات و الاحوال فان شئت فراجع كتبهم و انما غرضنا في هذا الكتاب بيان ما قد خفي عليهم و بيان اسرار الآثار .

فصل في الاكل و الشرب فعن الرضا عليه السلام في طبه اعلم يا امير المؤمنين ان الجسد بمنزلة الارض الطيبة متي تعومدت بالعمارة و السقي من حيث لايزاد في الماء فتغرق و لاينقص منه فتعطش دامت عمارتها و كثر ريعها و زكي زرعها و ان تغوفل عنها فسدت و لم‌ينبت فيه العشب فالجسد بهذه المنزلة و بالتدبير في الاغذية يصلح و يصح و تزكو العافية فيه فانظر يا امير المؤمنين ما يوافقك و يوافق معدتك و يقوي عليه بدنك و يستمريه من الطعام فقدره لنفسك و اجعله غذاءك و اعلم يا امير المؤمنين ان كل واحد من هذه الطبايع تحب ما يشاكله فاغتذ ما يشاكل جسدك و من اخذ من الطعام زيادة لم‌يغذه و من اخذ بقدر لا زيادة عليه و لا نقص في غذائه نفعه و كذلك سبيلك ان تأخذ من الطعام كفايتك في ابانه و ارفع يديك عنه و عندك اليه ميل فانه اصلح لمعدتك و لبدنك و ازكي لعقلك و اخف علي جسمك يا امير المؤمنين الي ان قال و ابدء في اول الطعام باخف الاغذية التي يغتذي بها بدنك بقدر عادتك و بحسب طاقتك و نشاطك و زمانك الذي يجب ان يكون اكلك في كل يوم عند ما يمضي من النهار ثمان ساعات اكلة واحدة او ثلث اكلات في يومين تتغذي باكرا في اول يوم ثم تتعشي فاذا كان اليوم الثاني فعند مضي ثمان ساعات من النهار اكلت اكلة واحدة و لم‌تحتج الي العشاء و كذا امر جدي محمد صلي الله عليه و آله عليا عليه السلام في كل يوم وجبة و

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 24 صفحه 114 *»

في غده وجبتين و ليكن ذلك بقدر لايزيد و لاينقص و ارفع يديك من الطعام و انت تشتهيه انتهي ، و عن ابي‌عبدالله عليه السلام ليس بد لابن‌آدم من اكلة تقيم بها صلبه فاذا اكل طعاما فليجعل ثلث بطنه للشراب و ثلث بطنه للنفس و لاتسمنوا تسمن الخنازير للذبح و عن ابي‌الحسن عليه السلام لو ان الناس قصدوا في الطعم لاعتدلت ابدانهم و عن ابي‌عبدالله عليه السلام الاكل علي الشبع يورث البرص و عن علي عليه السلام انه قال للحسن الااعلمك اربع خصال تستغني بها عن الطب قال بلي قال لاتجلس علي الطعام الا و انت جايع و لاتقم عن الطعام الا و انت تشتهيه و جود المضغ و اذا نمت فاعرض نفسك علي الخلاء فاذا استعملت هذا استغنيت عن الطب شكي رجل الي ابي‌عبدالله عليه السلام ما يلقي من الاوجاع و التخم فقال له تغد و تعش و لاتأكل بينهما شيئا فان فيه فساد البدن اماسمعت الله تبارك و تعالي يقول يأتيهم رزقهم فيها بكرة و عشيا و عنه عليه السلام اول خراب البدن ترك العشاء و عنه ترك العشاء مهرمة و كان ابوالحسن عليه السلام لايدع العشاء و لو بكعكة و قال عليه السلام من ترك العشاء ليلة السبت و يوم الاحد متواليين ذهب منه قوة لايرجع اليه اربعين يوما و قال صلي الله عليه و آله لاتدعوا العشاء و لو علي حشفة اني اخشي علي امتي من ترك العشاء الهرم فان العشاء قوة الشيخ و الشاب و قال عليه السلام لايدعن احدكم العشاء و لو لقمة من خبز و لو شربة من ماء و قال من ترك العشاء نقصت منه قوة لاتعود اليه و قال طعام الليل انفع من طعام النهار و قال عشاء النبيين بعد العتمة و قال اذا اكتهل الرجل فلايدع ان يأكل بالليل شيئا فانه اهدء للنوم و اطيب للنكهة و قال لا خير لمن دخل في السن ان يبيت خفيفا يبيت ممتليا خير له و قال يستحب للرجل اذا اكتهل ان لايبيت الا و في جوفه طعام حديث اقول الوجه في ذلك ان الحرارة في الليل تدخل الجوف فان لم‌تجد غذاء تتصرف فيه تعمد علي الرطوبة الغريزية او تجذب الرطوبات الي المعدة فتنهك البدن و قال اذا زاد الرجل علي الثلثين فهو كهل و اذا زاد علي

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 24 صفحه 115 *»

الاربعين فهو شيخ و روي في منافع غسل اليد قبل الطعام و بعده يذيبان الفقر و يزيدان في الرزق و يكثر خير البيت اوله ينفي الفقر و آخره ينفي الهم و بهما عاش في سعة و عوفي من بلوي في جسده و زيادة في العمر و يجلو البصر و شفاء في الجسد و يمن في الرزق اقول و ذلك لان بعدم غسله يبقي الاوساخ في اليد و يتعلق بها الشياطين و يبعد عنها الملائكة كما سنذكره ان شاء الله فيبعد عنه الخير و بغسله اياها يكون عكس ذلك و الدليل عليه عاجلا قول رسول الله صلي الله عليه و آله لاتؤوا منديل الغمر في البيت فانه مربض الشيطان و قال اغسلوا صبيانكم من الغمر فان الشيطان ليشم الغمر فيفزع الصبي في رقاده و يتأذي به الملكان و روي مسح الوجه بعد الوضوء يذهب بالكلف و يزيد في الرزق و روي في علاج الرمد اذا اغتسلت يدك بعد الطعام فامسح حاجبيك و قل ثلث مرات الحمد لله المحسن المجمل المنعم المفضل ففعل السامع فلم‌ترمد عينه بعده و روي مسح الرأس و الوجه باليد بعد الغسل و قبل المسح بالمنديل و يستحب التسمية قبل الطعام لئلايقرب طعامه الشيطان و التحميد في آخره و قال عليه السلام اذا اكلت فاستلق علي قفاك و ضع رجلك اليمني علي اليسري اقول و ذلك لان يستقر الغذاء في قعر المعدة و هو في جانب اليسري و روي اكل ما يسقط من الخوان لوجع الخاصرة و انه شفاء من كل داء لمن يستشفي به و انه ينفي الفقر و يكثر الولد و انه ينفي الفقر عنه و عن ولده و ولد ولده الي السابع و قال اذا اتيتم بالخبز و اللحم فابدؤا بالخبز فسدوا خلال الجوع ثم كلوا اللحم و قال اللحم ينبت اللحم و من تركه اربعين يوما ساء خلقه و من ساء خلقه فاذنوا في اذنه و نهي عن اكل اللحم الني و روي في الغذاء الحار انه غير ذي بركة و للشيطان فيه نصيب و روي من افتتح طعامه بالملح و ختم به عوفي عن اثنين و سبعين نوعا من انواع البلاء منه الجنون و الجذام و البرص و روي من ذر علي اول لقمة من طعامه الملح ذهب عنه بنمش الوجه و في رواية استقبل الغني و روي انه يدفع وجع الحلق و الاضراس و وجع البطن و روي

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 24 صفحه 116 *»

الختم بالخل و روي ايضا الافتتاح بالخل و روي الافتتاح به بعد الملح و روي انه يشد الذهن و يزيد في العقل اقول و السر فيه ان الافتتاح بالملح يدغدغ المعدة و ينبهها للغذاء و يقلل رطوباتها و هو غاسول لها و ينقيها فتقبل الغذاء قبولا حسنا و كذا الختم به فانه مهري هاضم و كذا الامر في الخل و لذا روي هذا مثله اي الخل مثل الملح و روي اذا اكلت فاستلق علي قفاك و ضع رجلك اليمني علي اليسري و روي ان الخلال منقي الفم مصلحة للثة مجلبة للرزق و اذا بقي الطعام في الفم و تغير آذي الملك ريحه و يكره التخلل بالقصب و الريحان و الخوص و التخلل بالرمان و الآس و القصب يحرك عرق الآكلة و التخلل بالريحان و الرمان يهيجان عرق الجذام و التخلل بالطرفا يورث الفقر هذا جمل ما روي في الاكل مما يتعلق بالطب و اما ما يتعلق بالشرب فعن رسول الله صلي الله عليه و آله مصوا الماء مصا و لاتعبوه عبا و عنه صلي الله عليه و آله لا بأس بكثرة شرب الماء علي الطعام و لاتكثره منه علي غيره و روي انه نهي طبيب اباالحسن الماضي عليه السلام عن شرب الماء فقال و ما بأس الماء و هو يدبر الطعام في المعدة و يسكن الغضب و يزيد في اللب و يطفي المرار و عنه عليه السلام اقل شرب الماء فانه يمد كل داء و اجتنب الدواء ما احتمل بدنك الداء و عنه عليه السلام لو ان الناس اقلوا شرب الماء لاستقامت ابدانهم و عنه عليه السلام من اقل شرب الماء صح بدنه و روي انه كان عليه السلام اذا اكل الدسم اقل من شرب الماء و روي شرب الماء من قيام بالنهار اقوي و اصح للبدن و يمري الطعام و شرب الماء بالليل من قيام يورث الماء الاصفر و روي النهي عن العبة الواحدة و فضل الثلث و الاثنتين ، و الوجه فيه ان العبة الواحدة تطفي حرارة الجوف و مع ذلك يخاف منها الغصة و لايحس الانسان بالكفاية حتي يمتلي و يستحب التسمية في الابتداء و التحميد في الانتهاء و روي ان جميع غذاء الانسان اكله و شربه يبقي في مشاشه اربعين يوما هذه جملة كافية فيما يتعلق بامر الاكل و الشرب من الاخبار من باب الطب و لما كان الاخبار الواردة عنهم سلام الله عليهم في باب الادوية المفردة اكثرها

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 24 صفحه 117 *»

مجملات لعدم كون الحملة من اهل الفن و عدم تفطنهم مواضع فتاويهم في المعالجات لم‌ينقلوها حق النقل بحدودها و مواضعها و انما ذلك لعدم علم الروات بالطب لا من جهة نقص في علمهم سلام الله عليهم الاتري ان العامي لو لقي الطبيب الحاذق فقال ان بي صداعا فنظر الطبيب الي لونه و عيونه و عروقه و فمه عرف انه من الصفراء فعالجه بالبارد الرطب كالقثاء مثلا ثم يذهب ذلك العامي فيروي ان سألت فلانا عن علاج الصداع فامرني باكل القثاء و لم‌يفته الطبيب به لكل صداع و انما عرف منه نوع الصداع و امره بعلاجه الخاص بذلك النوع و هو لجهله يرويه لمطلق الصداع و يفتي به و ينسبه اليهم و حاشا ان يتخلف فتاويهم الحق فاذا رأي احدكم اختلافا لبعض الاخبار مع القواعد الكلية فليحمله علي عدم تفطن الراوي فلاجل ان كل راو ينبغي ان يصدق فيما هو من اهله و له فطنة فيه و لم‌يكن لاكثر الروات خبرة بالطب لم‌نذكر في هذا الكتاب الروايات المنسوبة اليهم في الجزئيات و اقتصرنا منها بالكليات الموافقة للقواعد الكلية و مع ذلك ان ارادها امرؤ فهي مذكورة في كتب اصحابنا مع ان غرضنا في هذا الكتاب بيان الحكم الخفية لا التي هي مذكورة في محالها .

فصل في النوم و اليقظة الطبيعتين و هما من عجائب الخلقة و غرائبها في الانسان و نحن نذكر ان شاء الله سرهما في هذا الكتاب ما لم‌يصل الي فهمه اولوا الالباب و فيهما اسرار جمة و علوم عجيبة اعلم ان للانسان نفوسا اربع نفس نامية نباتية و هي التي في الكبد و فعلها الجاذبة و الماسكة و الهاضمة و الدافعة و المربية و لها خاصيتان الزيادة و النقصان و منبعثها من الكبد و اصلها الطبايع الاربع بدؤ ايجادها عند مسقط النطفة مادتها من لطائف الاغذية و سبب فراقها اختلاف المتولدات فاذا فارقت عادت الي ما منه بدئت عود ممازجة لا عود مجاورة و نفس حيوانية فلكية لها خمس قوي و خاصيتان فقويها سمع و بصر و شم و ذوق و لمس و خاصيتاه الرضا و الغضب و انبعاثها من القلب و هي قوة فلكية و حرارة غريزية اصلها الافلاك بدؤ ايجادها

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 24 صفحه 118 *»

عند الولادة الجسمانية فعلها الحيوة و الحركة و الظلم و الغشم و الغلبة و اكتساب الاموال و الشهوات الدنيوية مقرها القلب سبب فراقها اختلاف المتولدات فاذا فارقت عادت الي ما منه بدئت عود ممازجة لا عود مجاورة فتنعدم صورتها و يبطل فعلها و وجودها و يضمحل تركيبها و نفس ناطقة قدسية و لها خمس قوي فكر و ذكر و علم و حلم و نباهة و ليس لها انبعاث و هي اشبه الاشياء بالنفوس الملكوتية و لها خاصيتان النزاهة و الحكمة و هي قوة لاهوتية بدؤ ايجادها عند الولادة الدنياوية مقرها العلوم الحقيقية الدينية موادها التأييدات العقلية فعلها المعارف الربانية سبب فراقها تحلل الآلات الجسمانية فاذا فارقت عادت الي ما منه بدئت عود مجاورة لا عود ممازجة و نفس لاهوتية ملكوتية كلية الهية و لها خمس قوي بقاء في فناء و نعيم في شقاء و عز في ذل و فقر في غناء و صبر في بلاء و لها خاصيتان الرضا و التسليم و هذه التي مبدؤها من الله و اليه تعود و هي قوة لاهوتية جوهرة بسيطة حية بالذات اصلها العقل منه بدءت و عنه وعت و اليه دلت فاشارت و عودتها اليه اذا كملت و شابهت و منها بدأت الموجودات و اليها تعود بالكمال فهي ذات الله العليا و شجرة طوبي و سدرة المنتهي و جنة المأوي من عرفها لم‌يشق و من جهلها ضل و غوي قال الله تعالي و نفخت فيه من روحي و قال تعالي يا ايتها النفس المطمئنة ارجعي الي ربك راضية مرضية و اما العقل فهو وسط الكل و هو جوهر دراك محيط بالاشياء من جميع جهاتها عارف بالشئ قبل كونه فهو علة الموجودات و نهاية المطالب فالنفس الناطقة القدسية التي هي اشبه الاشياء بالنفوس الملكوتية هي ما به الانسان انسان و هي النفس الاخروية التي بها يحشر الانسان و يمتاز كل انسان بخصوصياتها عن غيره و هي التي بها وجد و امتاز في عالم الذر الاول و بها يحشر و هي التي فوق عالم الطبايع و هي المشار اليها في قول اميرالمؤمنين عليه السلام صور عالية ( عارية خ‌ل ) عن المواد خالية عن القوة و الاستعداد تجلي لها فاشرقت

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 24 صفحه 119 *»

و طالعها فتلألأت فالقي في هويتها مثاله فاظهر عنها افعاله خلق الانسان ذا نفس ناطقة ان زكيها بالعلم و العمل فقد شابهت جواهر اوائل عللها فاذا اعتدل مزاجها و فارقت الاضداد فقد شارك بها السبع الشداد و ذلك المثال الملقي فيها هو نور النفس الملكوتية الكلية الالهية التي من عرفها عرف ربه و من عرفها لم‌يشق و من جهلها ضل و غوي فالنفس الناطقة ليس لها انبعاث في بدن الانسان و انما مقرها العلوم الحقيقية التي هي صورها و حدودها و لكن يشرق شعاعها في الدماغ دماغ الانسان فيظهر فيه افعالها بحسب لطافة البخار الصاعد من القلب الي الدماغ و كثافته فكلما يكون ذلك البخار اعدل و اصفي و ارق يظهر آثارها اكثر فلاجل ذلك لم‌يظهر آثارها في دماغ الحيوان لانه ليس له نفس ناطقة قدسية اخروية و ليس للابخرة الصاعدة الي دماغه تلك اللطافة الا انه يظهر في دماغه اشعة بعض ما يظهر في الانسان فيكون له بعض فكر و ذكر و ادني درجة الارواح الفلكية التي هي الحس و الحركة و هي تحصل اذا ساوي ذلك البخار فلك قمر في اللطافة و اما ما يخص النفس الناطقة من هذه القوي فانما هي امور ليس هيهنا موضع بيانها و شرحها و هي امور خارجة عن وضع هذا الكتاب و لكن اشعتها التي تظهر في دماغ الانسان و يدرك بها ما ادت اليها الحواس الظاهرة من الاشباح بواسطة بنطاسيا فهي الفكر المعروف التي يتفكر الانسان في النسب الحكمية بين التصورات الخيالية و الربط بينها فيظهر في الروح البخارية التي في الدماغ اذا ساوت في لطافتها فلك عطارد و اما الذكر فهو الذكر المعروف بالحفظ فيتذكر به ما احس به قبل فيظهر في ذلك البخار اذا ساوي فلك زهرة و اما العلم الظاهر فهو ما يظهر في ذلك البخار اذا ساوي فلك مريخ و المشتري فادناه الوهم و اعلاه العلم فيعرف به الدلالة و الاشارة و اللم و الكيف و امثال ذلك و اذا ساوي ذلك البخار فلك زحل يكون نبيها عاقلا بالمعاني الجزئية و الكليات الظاهرة النسبية الاضافية فهذه القوي ظواهر النفس الناطقة القدسية لا حقايقها فلاجل ذلك صارت هذه القوي مناط التكاليف الظاهرة و تجمع السعيد و الشقي بخلاف حقايقها الذاتية العليينية فلاتكون الا في السعداء لان مقرها العلوم الحقيقية الدينية فاذا استعملت

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 24 صفحه 120 *»

هذه القوي الظاهرة في مرضات الله صارت اشعة باطن تلك النفس الناطقة الذي هو في عليين و هي النفس المطمئنة اخت العقل و اذا استعملت في مساخط الله كانت اشعة ظاهر النفس القدسية التي هي في السجين و هي الامارة بالسوء ضد المطمئنة و عدو العقل فان النفوس الاخروية عليينية و سجينية و ليس هيهنا موضع بيانهما فلاجل ذلك القوي الظاهرة اما ابواب الجنان و اما ابواب النيران فان كان المشرق عليها النفس العليينية تكون ابواب الجنان و الا فتكون ابواب النيران و لما كان نظر الاطباء الي الظاهر سموا الدماغ محل النفس و الروح النفسانية و قد عرفت ان النفس الناطقة ليس لها انبعاث في بدن الانسان الظاهر و جميع هذا الظاهر بروحه و نفسه و جسده يعود عود ممازجة بالجملة هذا الدماغ محل الروح النفسانية الظاهرة و هي لطايف ما في القلب و هي الروح الحيوانية بل هي مراتب النباتية الظاهرة لا غير و منها الحس و الحركة الظاهرة كما روي عن اميرالمؤمنين عليه السلام الايعلم من خلق و هو اللطيف الخبير فادناها في القلب و اعلاها في الدماغ و ادني ادناها في الطبع فهي في الحقيقة ثلثها واحدة و اصلها من لطائف الاغذية و لها ثلث مراتب في الغلظة و الرقة فاسفلها الطبيعية و اوسطها الحيوانية و اعلاها النفسانية الظاهرة فاذا عرفت ذلك فاعلم ان الاغذية اذا وردت المعدة صعد منها ابخرة لطيفة الي الدماغ بارتباطها مع الدماغ كما تصعد الابخرة من الارض بسبب تحليل حرارة اشعة الكواكب رطوباتها فتصعد في الجو و تحجب ما بين الافلاك و اشعة كواكبها و الارض فلاتشرق عليها فكذلك اذا صعدت الابخرة من ارض المعدة الي الدماغ ملأت اطباقها و حجبت ما بين افلاك البدن و ارض الجسد و منعت آثارها ان تظهر في البدن فلم‌تظهر آثارها التي هي الحس و الحركة في البدن فخر صريعا عديم الحس و الحركة الارادية الي منتهي تحلل تلك الابخرة و صحو الدماغ فتشرق افلاكه علي ارض جسده فيقوم حاسا متحركا فغيم العالم نومه و صحوه يقظته و الابخرة الصاعدة من المعدة احد اسباب النوم فيمكن ان تصعد ابخرة من ساير الرطوبات التي فيها او في نفس الدماغ فتحجب بين الروح و بين

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 24 صفحه 121 *»

ساير البدن و سبب وضع الحكيم العليم القدير اياه ان الروح في حال اليقظة ملتفتة الي ظاهر البدن للحس و المهنة و نيل طلباتها من الامدادات و الاستمدادات فاذا اصابها تعب من كثرة الاحساس و الحركة و اصاب آلاتها ضعف لا بد و ان ترجع الي القلب اي مبدئها فتستقر فيه حتي تستريح فيه و ليس ترجع الي مبدئها مع مواجهة القوابل و صفائها كما لايرجع نور الشمس عن المرآة من غير حاجب ابدا فقدر ان تصعد تلك الابخرة فتحول بينها و بين ساير البدن فينقطع اشراقها عنه حتي تستريح عن التعب شيئا و لذلك من ليس في بدنه ابخرة تصعد لايكاد ينام و لو اتعب جهده و كذلك من غلبه الحرارة فجففت الابخرة و سخن الدماغ حتي تحللت الابخرة بسخونة فضائه كما ان الهواء في الصيف الهجير يكون غالبا صاحيا فلايكاد ينقطع اشعة افلاكه عن ارضه فكذلك يعرض الانسان سهر بسبب كثرة الحرارة و قلة الرطوبات و يعرض له السبات و كثرة النوم اذا كثرت فيه الرطوبة و الابخرة بمقتضي السن او الفصل او التدبير او ضعف الآلات فمع جميع ذلك تحدث الابخرة و تحجب غالبا بين افلاك وجوده و ارضه فاذا حصل المانع من الاشراق لم‌تنفذ الروح في الاعصاب فعدم الانسان الحس و الحركة و انما ذلك اذا كان الروح لطيفة جدا كلطافة الافلاك المفارقة المباينة للطبايع و اما اذا كان الروح شديد التعلق بالامور الظاهرة و ظاهر البدن او كثيفة لغلبة الارضية فيها بحيث شاكلت الاجسام و مازجتها و اختلطت بها و تشبثت يعسر مفارقتها للاجسام و ان جللها الابخرة فتنكدر حواسها فتضعف حركاتها و لاتبطل و لاتفارق الجسد فلاجل ذلك تري قوما يتكلمون في المنام و يقومون و يمشون و يصعدون السطح و ينزلون عنه و هم نائمون و لما كان مراتب الروح مختلفة في اللطافة و الكثافة و التشبث بالجسد اختلف مراتب نوم الحيوانات و الانسان فكان الاستغراق في النوم للانسان اكثر من الحيوان حتي ان من الحيوان ما لاينام الا علي نحو الغفلة الضعيفة و انما ذلك من شدة تشبث ارواحها باجسادها و كثافتها انها ربما تتجزي كتجزي المولدات فتقطعها قطعا كثيرة و تمشي و تتحرك كل قطعة منها كالحية و الخنفساء و الدود و امثالها و انما ذلك لتجسد ارواحها و عدم تلطفها و اما روح الانسان فاذا

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 24 صفحه 122 *»

كانت لطيفة فلاتقبل التجزية فاذا اعرضت اعرضت بكلها و اذا ادبرت ادبرت بكلها و لذلك يكون الانسان احدي التوجه لايقدر علي ان يتوجه الي شيئين في حال واحد و قال الله سبحانه ماجعل الله لرجل من قلبين في جوفه و اما اذا كان خارجا عن الاعتدال و غلبت الارضية علي روحه لم‌تفارق جسدها كل المفارقة و لم‌تتوجه الي الغيب كل التوجه و ذلك ان الاعتدال في الروح الحيواني ان يكون فيها جزء من الحرارة و جزء من البرودة و جزء من اليبوسة و جزءان من الرطوبة فاذا زادت اليبوسة علي الجزء غلظت حتي تشبثت بالاجساد علي اختلاف مراتب الزيادة فاذا فارقت روح الانسان الجسد بسبب الحيلولة و انقطعت عن تدبير البدن لم‌ينقطع اسفل مراتبها التي في الكبد فجرت الروح الطبيعي في افعالها لممازجتها الجسد و غلظتها و لم‌تنقطع الروح الحيواني الذي في القلب و تجري في افعالها في الشرائين بالقبض و البسط و بقي البدن حارا حيا باسفل الحيوة و انقطع اعلاها و هو الحساسة المتحركة بالارادة لفلكيتها و لطافتها فاجتمعت في الدماغ معرضة عن التدبير في البدن و ان كانت باسفلها الذي في القلب و الكبد مدبرة له بالتدبير الطبيعي و الحيواني فاذا اجتمعت في الدماغ متدثرة بتدثر الابخرة توجهت الي عالمها الذي هو المثال فتصورت لها الامثلة و شاهدتها و انما ذلك لما ينطبع الامثلة فيها و هي كمرآة حساسة دراكة فيكون ما انطبع فيها له مادة و صورة مادته الشبح المنفصل عما واجهته من الامثلة و صورته من نفسها من استقامتها و اعوجاجها و صبغها من الاعراض المثالية او مما انطبع فيها من الطبايع الدنياوية و لذلك تري السوداوي اغلب ما يراه اسود و البلغمي ابيض و الدموي احمر و الصفراوي اصفر بل اذا كان لروحه صبغ من كثرة التوجه الي شئ رأي علي حسب ذلك الشئ فيري العطشان الماء و الخائف عدوه و طالب كل شئ بالجزم ما يطلبه و انما ذلك لاجل تصور روحه بالعادات و الطبايع و الشهوات و الغضب و الالحاد و الشقاوة او اضدادها من الامور الحقة فتنصبغ مادة ما يأخذه من المثال في صبغ مرآة روحه فيري علي ما هي عليه فيخالف الواقع كالمرآة المصنوعة التي اذا نظر اليها الانسان رأي شكله فيها كلبا و كالعين الحولاء التي تري الواحد اثنين او المؤفة التي تري

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 24 صفحه 123 *»

الصغير كبيرا و الكبير صغيرا و تري الاشياء علي اصباغ مخالفة و كذلك يري الانسان كل احد في المنام علي حسب ظنه به نبيا كان ذلك الذي رآه او مؤمنا او كافرا او غير ذلك فليس ما رآه الا ما في مرآة خياله و اما اذا كان مرآة روحه صافية غير مائلة الي شئ مما يخالف رضا الله سبحانه و تكون معتدلة طالبة للحق الواقع في كل شئ غير ملونة و لا مشكلة الا طلب الحق او تكون متلونة بلون الواقع الحق او مشكلة بشكل الواقع الحق فيكون كل ما رآه هو الواقع الحق بلا تفاوت فهذا الذي اذا رأي النبي فقد رآه او رأي اماما او مؤمنا او شيئا فقد رآها بلا شك و اما ما روي ان من رآهم فقد رآهم لان الشيطان لايتصور بصورهم فمعناه انك اذا توجهت الي المؤمن مثلا من حيث انه مؤمن فانك حينئذ معرض عن الارض ملتفت الي السماء و لايكون حينئذ الشيطان في السماء لانه مطرود عنها و بذكر المؤمن يخنس الشيطان لان ذكره ذكر الله و استنارة بنوره و استعاذة به و توحيد لله سبحانه و انما سلطانه علي الذين يتولونه و الذين هم به مشركون و ليس له سلطان علي الذين آمنوا و علي ربهم يتوكلون و اذا ذكرت ربك في القرآن وحده ولوا علي ادبارهم نفورا و من يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين فاذا رأي المؤمن في منامه معتقدا ايمانه عارفا بمعني الايمان قاصدا له فقد رأي المؤمن و ليس هناك شيطان ابدا الا ان يعتقد فيه اعتقاد سوء بعد العلم بانه لاينبغي لمؤمن و لا لمن هو منسوب الي الله سبحانه ان يكون كذا فانه حينئذ متوجه الي السجين و هناك شياطين مصورون بتلك الصورة التي اعتقدها مدعون للايمان فيريهم هناك فيتخلف رؤياه فمن رأي النبي عارفا بمعني النبي قاصدا اياه فقد رآه و صورتهم حينئذ لايختص بصورة فانه جميع صور الخير منهم و لهم و بهم و اليهم يتقلبون في الصور كيف شاؤا و ارادوا فصورة روح الرائي العارف احدي صورهم الطيبة الحقة الم‌تسمع الخبر نحن اصل كل خير و من فروعنا كل بر و اعداؤنا اصل كل شر و من فروعهم كل فاحشة و من تلك الصور الطيبة صورة خيال المؤمن العارف فلايتطرق في ذلك الخيال شيطان اذا

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 24 صفحه 124 *»

توجه الي الله سبحانه و الي عليين و الي السموات و ان اتفق توجهه الي شئ من السجين و الارض او غير الله سبحانه دخل الشيطان في خياله و القي في روعه ما يخالف الحق و لولا ان هذا الكتاب في الطب لقضينا حق البيان في ذلك حتي تشاهد منه ما شاهدنا بالجملة لا فرق في ذلك بين اليقظة و المنام فان الامر واحد و انما التفاوت في شدة التوجه و قلته فمن راض نفسه حتي قدر علي التوجه التام الاختياري انكشف له الامر كما ينكشف للنائم فيري ما يحب و يقصد و يعزم لانه يتوجه عن اختيار فيقدر علي رؤية من يحب كيف ما يحب و يقدر علي سؤال من يشاء كيف يشاء و يسمع عنه ما يشاء فان كان و لا لون لروحه و لا هيئة يسمع الواقع علي حسب ارادة المسؤل و ان كان لها لون و هيئة يسمع علي حسب ارادته اذ لا فرق بين النوم و اليقظة الا في حجب الابخرة اشراق الروح علي الاعضاء و الا فادراكها واحد في الحالين فكما ان من رأي النبي و الائمة عليهم السلام و المؤمنين فقد رآهم و من سمعهم فقد سمعهم في المنام كذلك يكون الامر في اليقظة فالمتصور هو النبي و هو الامام و هو المؤمن بلا تفاوت و يترتب علي المتصور الآثار العجيبة في النفس و الاخلاق و الافعال و البدن الاتري انك تري في المنام ما تحب فيؤثر في بدنك و تري ما تكره فيؤثر في بدنك و بتصور محبة رجل يميل قلبك اليه و يلين جانبك له و تشتاق اليه و تبذل له و كذلك بتصور بغض احد تكون علي ضد ذلك فللتصورات النفسية آثار وحية اسرع من آثار المؤثرات الشهادية سبعين مرة الاتري ان الرجل كان يري النبي صلي الله عليه و آله و لايؤثر فيه وجوده و اما اذا صدق نبوته و احبه اثر في نفسه و روحه و اخلاقه و احواله و اعتدال بدنه فتبين ان الظنون اشد تأثيرا من العيون بمرات و لايتوقف الظنون علي مشاهدة العيون و لاتختص صورهم بصورة خاصة فلايضر الغائبين عن الحجج غيبتهم ان كانوا محبين لهم و لاينفع المشاهدين مشاهدتهم ان لم‌يكونوا محبين و لاتنفع المعاينة المشاهدين المحبين منفعة زائدة لاتحصل للغائبين بواسطة الظنون فيترتب علي الظنون آثار لاتحصل بمشاهدة العيون ان الله عند ظن عبده ان خيرا

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 24 صفحه 125 *»

فخير و ان شرا فشر هذا و ان المشاهدة مخصوصة بالدنياوية و الظنون تعم المثالية فلايضرك خروج الشئ الي عالم المثال و يحصل لك الانتفاع منه اعظم و اشهي من الشهادية و اعلم ان الآثار تترتب علي الظنون و ان كان الظن مخالفا للواقع فان الآثار ناشئة عن الصور و ان كانت بالمواد لا المواد المحضة و الصورة منك و المادة من الخارج فيترتب الآثار علي ظنك و تنال منه حاجتك و الشاهد علي ذلك ما روي عن الكافي باسناده عن ابي‌جعفر عليه السلام قال لو ان رجلا احب رجلا لله لاثابه الله علي حبه اياه و ان كان المحبوب في علم الله من اهل النار و لو ان رجلا ابغض رجلا لله لاثابه الله علي بغضه اياه و ان كان المبغض في علم الله من اهل الجنة ، و انما ذلك لان روحك توجه الي عليين و تصور بصورة المؤمنين فاخذ المادة من عكس الشخص الخارجي من حيث امكان كونه مؤمنا فاحبه لله سبحانه و علي الله ثوابه و كذلك العكس و يترتب الآثار علي تلك الصورة و لذلك روي ما معناه احسن الظن و لو بحجر يلقي الله مطلوبك فيه و لذلك اذا ظننت باحد انه ذاكر الله تذكر الله و ان لم‌يكن هو كذلك و اذا ظننت باحد انه ذاكر للشيطان تذكر الشيطان و ان لم‌يكن هو كذلك و يترتب علي كل واحد اثر خاص به وحي اقوي من وجوده الخارجي سبعين مرة و لولا خروج المطلب عن وضع الكتاب لشرحنا ذلك شرحا بينا و لكنه خارج فنتركه و نكتفي بما ذكرنا ثم ان الذي تراه الروح فلايخلو اما ان تلتفت الي الاسفل او الاعلي فلربما تلتفت الي الاسفل فتري تلك الابخرة الصاعدة الي دماغه علي هيئات مختلفة علي حسب صور نفسها فذلك مما لايعبؤ به و هو اضغاث احلام و لذا روي ان الرؤيا في اول الليل كاذبة و في آخر الليل صادقة ، و انما ذلك لانقطاع الابخرة و تحلل الرطوبات فيصحو دماغه عنها كما تري من صحو الهواء في السحر غالبا و كثرة الابخرة في اول الليل و لذلك تكون الشياطين في اول الليل منبثين في الاطراف دون آخر الليل و يستوحش الانسان من اول الليل و يستأنس بآخره و ربما يلتفت

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 24 صفحه 126 *»

الروح الي امثلة الارض و الفضاء فمهما كان فيها ابخرة منتشرة او كانت اوضاع فلكية تقتضي انقلابا في المولدات و الاوضاع السفلية فتراها علي حالها و هي ايضا اضغاث احلام لاينتفع بها لان ما في الارض صور عرضية تخالطها الصور السجينية الباطلة المجتثة لا حقيقة لها فهو ايضا اضغاث احلام لا تأصل لها و لا واقعية و اما ما تراه الروح في السماء سماء هورقليا لاتخالطها شئ من القاء الشياطين لانهم لايصعدون اليها ممنوعون عنها فلها واقعية و تأصل و لذا روي ان ما يراه في الارض فهو اضغاث احلام و ما يراه في السماء فهو حق ، و لكن ينبغي ان يعلم ان السماء الظاهرة صارت ممنوعة عن صعود الشياطين لظهور نور النبي صلي الله عليه و آله في العالم و تصفيته الافلاك عن الاعراض و تصفيها به لسرعة انفعالها اللازمة للطافتها و اما الارض فلكثافتها لم‌تنفعل و لاتنفعل الا في زمان الرجعة و اما الانسان فاذا كان نور النبي و هو العقل ظاهرا فيه يكون سموات وجوده ممنوعة عن صعود شياطين الارض فما رآه في سمواته كان حقا و ان كان نور العقل فيه ظاهرا قاهرا غالبا حتي اشرق اراضي وجوده ايضا بنور ربها لم‌يكن فيها ايضا شياطين و تكون مساوية للسماء و تظهر فيها الجنتان المدهامتان فكل ما يراه في ارض وجوده او سمائه يكون حقا و ارضه حينئذ بلطافة هذا السماء بل الطف من محدب العرش ايضا و اما اذا لم‌يظهر نور العقل فيه يتطرق الشياطين الي سماواته و ارضه فلا عبرة بشئ منه لان ما يسترق تلك الشياطين منها ينطبع في قوابلها علي حسبها و هي سجينية باطلة غير موافقة للحق فالمراد بالسماء سماء هورقليا و المراد بالارض نفس هذا العالم من سمائه و ارضه من حيث انفسها لانها من هذا الحيث بواطن الارض السبعة فنفس فلك القمر ارض الموت و نفس فلك عطارد ارض العادات و نفس فلك الزهرة ارض الطبايع و نفس فلك الشمس ارض الشهوة و نفس فلك المريخ ارض الغضب و نفس فلك المشتري ارض الالحاد و نفس فلك زحل ارض الشقاوة فما رآه في هذه الاراضي يكون اضغاث احلام و هي مأوي الشياطين و ما يراه في السموات من حيث ظهور نور المبدء فيها يكون حقا فافهم و ربما تختلف الرؤيا بحسب الليالي و الايام من حيث نسبتها الي الكواكب

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 24 صفحه 127 *»

او القرانات و الاوضاع الفلكية الواقعة فيها او الاعمال الصادرة منه فيها او الحوادث الواقعة فيها فتكون الرؤيا حقا اذا كانت سعيدة مطابقة للفطرة و الوضع الالهي و تكون كاذبة اذا اقتضت الاسباب مخالفتها للوضع الالهي الاولي و تشاكل الليالي بحسب تشاكل الاسباب في الحكم و تخالف بحسب تخالفها و لذلك روي انها في بعض الليالي صادقة و في بعضها كاذبة و كذلك تحدث حالات للنفوس و تختلف بحسب اختلافها فاذا اجتمعت الاسباب المقتضية للصحة من الغيب و الشهادة و رآها الرائي في السماء وقعت علي ما رأي بلا مهلة و ان كان مانع في الاسباب الشهادية دون الغيبية ظهر تأويلها لان الرائي رآها خارجا في ملك القضاء فان لم‌يكن لها مغير من الاسباب الشهادية ظهرت بعينها و الا ظهرت متغيرة متبدلة و هي تأويلها و ان كان نقص في الاسباب الغيبية من الرائي يري الواقع علي حسب صبغه و ضعفه و نقصه فحينئذ يكون علي ما عبر فان المعبر اذا عبر انقلب صورة نفس الرائي الي ما عبر و يتقوي ضعفها بسبب وثاقة المعبر و سكون نفسه اليه فتجذب تلك الصورة المدد المشاكل من باب القدر فيقع الامر علي ما عبر قريبا او بعيدا كيفما عبر كما روي عن ابي‌الحسن عليه السلام الرؤيا علي ما تعبر و عنه عليه السلام ربما رأيت الرويا فاعبرها و الرؤيا علي ما تعبر ، و من اجل ذلك يكون نقل الرؤيا سببا لوقوعها فانها تنطبع في النفس مرة اخري و تكون اجذب للمدد كما عرفت و الاعراض عنها ينسي اثرها و لذا قيل و اظنه مرويا عن علي عليه السلام الرؤيا طاير فاذا قص وقع و ان توجهت نفسه الي الارضين و لم‌تجتمع الشروط التي ذكرنا تكون كذبا لانها انما نظرت بعين الشيطان و تكون علي خلاف الحق موافقة للباطل فيكون ما تراه باطلا و هذه جملة كافية في امر الرؤيا قد جرت علي قلمي استطرادا بالجملة اذا اعرضت الروح النفسانية عن البدن بسبب الابخرة الصاعدة و الرطوبات الحاجبة بطل الحس و الحركة اللذان هما من شأنها و لم‌تبطل افعال النفس النباتية و الحيوانية لعدم اعراضهما و تشبثهما بالبدن بسبب التجسد و النوم منه طبيعي و منه علي خلاف الطبيعي فما كان منه علي النهج الطبيعي يجم الحرارة

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 24 صفحه 128 *»

الغريزية و يحسن عمل الروح الطبيعية في هضم الطعام و تغذيتها البدن و تربيتها له لانها تفرغ لعملها و في اليقظة كانت تشايع الروح النفسانية في الجملة في التوجه الي الظاهر فيعوقها ذلك عن عملها التام و كذلك تفرغ الروح الحيوانية لعملها من تقوية الحرارة الغريزية و راحتها عن التعب و الضعف لها الحاصل بسبب مشايعة النفس حين توجهها الي الظاهر و ما كان منه علي خلاف الطبيعة و زايدا عن قدر الحاجة تغلب الرطوبات علي ظاهر البدن و في الاعصاب و تتقلص بها الاعضاء و تسترخي بسبب غلبة الرطوبة و تثقل الرأس و البدن لامتلائها من الرطوبات فتستولي علي الحرارة الغريزية و تضعفها فيصير كسلانا ثقيلا بطي‌ء الحركات كدر الحواس لغلبة الرطوبات المانعة عن الحس و الحركة و امتلاء المجاري بها و تفسد فعل الروح الطبيعية ايضا لغلبة الرطوبات عليها و اطفائها لحرارتها فتبقي الاخلاط نيا و تصل الي الاعضاء نيا فتحدث بذلك امراض كانتفاخ البدن و تغير اللون و رخاوة الاعضاء و امثالها و قد يختلف فعل النوم في البدن بحسب ما في البدن من مواد الاخلاط فان كانت المواد كثيرة تغلب الطبيعة و نام الانسان و رجعت الحرارة الغريزية الي الداخل استولت عليها تلك المواد و اضعفتها و لذلك يحسن اذا كان الامر كذلك ان لاينام الانسان حتي تحدر تلك المواد حدرا فتصير بحيث تغلب الطبيعة عليها فلاينبغي النوم لمن يكثر الاكل الا بعد الانحدار في الجملة و كذلك حين هيجان الاخلاط الغالبة في البدن حتي تهدء و كذلك ان كان البدن خاليا عن مواد الاخلاط و نام الانسان ترجع الحرارة الي باطنه فاذ لم‌تجد رطوبات تعمل فيها تأخذ في تجفيف الرطوبات الغريزية التي في البدن فتضعف و تجف فيلحق البدن من ذلك جفاف و قصافة فلاجل ذلك روي لا خير لمن دخل في السن ان يبيت خفيفا يبيت ممتليا خير له ، و ذلك ان الكهل قليل الرطوبة فاذا بات خاويا جففت الحرارة الغريزية ما وجدت فيه من الرطوبة فافسدت بدنه و قشفته و اما اليقظة فان كانت علي نهج الطبيعة و الحاجة نشطت البدن و قوت حسه و حركته و احسنت لون البدن و جمته و قوته و عدلت باطنه فان زادت عن قدر الحاجة قشفت الظاهر و نشفت رطوباته و افسدت لونه و اقعرت عينه و قلصت

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 24 صفحه 129 *»

جلده و ابردت باطنه و افسدت الهاضمة و غلبت الرطوبة علي الباطن و قد تكون مرضا اذا غلبت الحرارة في البدن و عدمت الرطوبات و الابخرة الموجبة للنوم فاحدثت له سهرا دائما كما قد يكون النوم مرضا اذا كثرت الرطوبات حتي ملأت المجاري و زادت الابخرة حتي احدثت له سباتا و اما الاوقات الصالحة للمنام فتقتضي هنا رسم مقدمة و هي ان اوقات الليل و النهار بنيت علي نهج الفصول الاربعة فاول ما تطلع الشمس تحدث في العالم حرارة و فيه الرطوبات الحادثة بالليل فيكون مزاج الوقت حارا رطبا كفصل الربيع فتزداد الحرارة شيئا بعد شئ كلما ترتفع الشمس و تقل الرطوبات و ترتفع ابخرة الي الزوال و هو اول سلطان الحرارة و يصير مزاج الوقت حارا يابسا كفصل الصيف ثم تأخذ الشمس في الانحدار و تقل عملها في العالم شيئا بعد شئ الي ان تغرب الشمس و يكون بعد الزوال احر مما قبله من جهتين احديهما بقاء الحرارة في العالم مما قبل الزوال و اجتماعها مع ما بعده كما يكون الصيف احر من الربيع مع ان غاية ارتفاع الشمس في آخر الربيع و اول الصيف و يكون طرفاها متساويين في الانحدار و ثانيتهما ان الحرارة مع اليبوسة اكثر تأثيرا من الحرارة مع الرطوبة و لما ارتفعت الابخرة من اول النهار الي الزوال احدثت بعد الزوال رياحا و لذا تهب الرياح من اول الزوال و بعده غالبا كما تحدث الرياح البوارح في اول الصيف و بعده فقد روي عن الصادق عليه السلام اذا زالت الشمس تفتح ابواب السماء و تهب الرياح و تقضي الحوايج العظام ، ثم اذا غابت الشمس تحدث برودة في الهواء مع اليبس الذي كان في الظاهر فيكون بمنزلة فصل الخريف باردا يابسا في الظاهر و يكون ذلك الي نصف الليل فيكون اول غلبة البرودة في الهواء و تحدث الرطوبة في العالم من اثر انوار النجوم الطالعة بالليل و من فخت القمر فانه بارد رطب فيكون الوقت بمنزلة الشتاء و يزداد برودة و رطوبة الي طلوع الشمس ثم من البين انه اذا سخن ظاهر البدن كمن البرودة فيه و اذا برد ظاهر البدن كمنت الحرارة و دخلت الجوف و كذلك اذا رطب الظاهر جف الباطن و اذا جف الظاهر رطب الباطن فمن طلوع الشمس الي الزوال يكون ظاهر البدن حارا رطبا و باطنه

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 24 صفحه 130 *»

باردا يابسا و بعد الزوال الي الغروب ( المغرب خ‌ل ) يكون الظاهر حارا يابسا و الباطن باردا رطبا و من غروب الشمس الي نصف الليل يكون الظاهر باردا يابسا فيكون الباطن حارا رطبا و من نصف الليل الي الطلوع اي طلوع الفجر باردا رطبا و سلطانهما فيما بين الطلوعين و يكون الباطن حارا يابسا و ذلك لان باطن السفليات و حقيقتها باردة و انما حرارتها عارضية كما تشاهد في ظواهر الارض و بواطنها ففي النهار لاسيما في الصيف يكون بواطن الارض و الآبار باردة و في الليل لاسيما الشتاء يكون اجواف الارض حارة و لذا تري الابخرة تصعد من الآبار و تصير مياهها حارة و ليس ذلك امرا اضافيا و القول باضافيته خلاف الحس و المشاهدة و قد اختلف الحكماء في سر ذلك و لسنا بصدد بيان اقوالهم و آرائهم و لكنا نذكر هنا ما عرفنا الله سبحانه من حقيقة الامر و هو ان الارض بنفسها باردة لبعدها عن المبدء و لذا برزت كثيفة ساكنة و ان ما تصيبها من الحرارة هي بالعرض من اشراق الكواكب و غيرها فاذا اشرقت عليها الشمس سخن ظاهرها و هي في نفسها باردة و اجوافها التي لم‌تصبها حرارة الشمس باردة علي حسب طبعها فاذا دامت عليها الشمس نفذت حرارتها في قشورها فتتسخن و تبخر الرطوبات التي كانت قريبة الي ظاهرها شيئا بعد شئ و يفتح مساماتها فتخرج الابخرة شيئا بعد شئ و جوفها بارد علي طبعها و كلما طال استيلاء الشمس عليها ازداد نفوذ الحرارة فيها فتزداد في النهار و في طول الصيف شيئا بعد شئ الي ان يجي‌ء الليل او الشتاء فيبرد الظاهر و تنسد المسامات و تبقي تلك الحرارة محتقنة فيها فتعمل في الرطوبات و تبخرها في الجوف و لايخرج لانسداد المسامات فيسخن الجوف و ينتشر ذلك البخار في الاجواف طلبا للمفر لانسداد المسامات الفوقية فسخن الاجواف و المياه فاذا دام البرد علي ظاهرها في الليل او الشتاء بدأت الحرارة و تلك الابخرة المحتقنة في التحلل لبرودة الارض الطبيعية فتستحيل الي البرودة شيئا بعد شئ الي ان تبرد بالكلية الي النهار و لذلك يكون برودة الجوف و حرارته تدريجية لا دفعية و كذلك حرارة الظاهر و برودته تدريجية و اما اختلاف الرطوبة و اليبوسة فان الارض في نفسها يابسة فاذا اصاب ظاهرها رطوبة

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 24 صفحه 131 *»

كانت اليبوسة كامنة فاذا يبس الظاهر و انسد المسامات بقيت الرطوبات محقونة في الباطن الي ان ينجمد او يجف و الرطوبات المحقونة هي التي نفذت فيها من الخارج فاعلم ذلك و هذا هو سر الامر فيما اطالوا فيه القول و لم‌يأتوا فيه بطائل و ما ثم الا ما ذكرت لك و القول بان الضد ينهزم عن ضده قول صدر عن غير تحقيق و ليس له برهان بل الضد يتحلل الي طبع ضده اذا غلب عليه و الكيفية لاتنهزم عن جوهرها الذي هي وصفه قائمة به بالجملة و قد حققنا سابقا ان الحرارة الطبيعية و الحيوانية تشايعان النفسانية عند توجهها الي الظاهر فيصير الظاهر حارا و لذا لايحتاج الانسان في يقظته الي كثرة تدثر و لايصيبه البرد غالبا فاذا نام و توجهت النفسانية الي الباطن شايعتاها الي الباطن فيصير الظاهر باردا و يحتاج الي التدثر الزايد و يخاف عليه البرد و انما ذلك ان الحرارة الغريزية سبب حفظ الله البدن عن الآفات فاذا استجنت خيف علي الظاهر البتة و اذا انتشرت الي الظاهر و دام انتشارها و طال خيف علي الباطن البتة فاذا عرفت ذلك فاعلم ان افضل اوقات النوم سويعة قبل الزوال فان فيها سلطان الحرارة علي الظاهر فاذا نام الانسان في ذلك الوقت و توجهت الحرارة الي الباطن لم‌يبرد الظاهر لمكان حرارة الهواء المتخلفة عنها و لاسيما الباطن في ذلك الوقت بارد فاذا استجنت الحرارة الغريزية اصلحت الباطن هذا و في ذلك الوقت يكون الظاهر ساخنا بسخونة الهواء فاذا كانت الحرارة الغريزية ايضا متوجهة الي الظاهر جف الظاهر و ذبل لاجتماع الحرارتين و برد الباطن كل البرد فاحدث ضعفا قويا و كثر رطوبة الباطن مع البرودة فاورث امراضا باردة رطبة كالنسيان و ضعف القلب و زيادة البلغم و ما يتفرع عليه الاتري ان اهل البلاد الحارة ابرد شئ باطنا و ارطبه و لذا يحتاجون الي التسخين الشديد و اكثار التمر و الابازير و الافاويه و امثالها و غالب امراضهم امراض باردة رطبة فقد روي انه سأل اعرابي رسول الله صلي الله عليه و آله عن سبب نسيانه العارض عليه فقال صلي الله عليه و آله لعلك اعتدت القائلة فتركتها قال نعم فقال صلي الله عليه و آله فعد يرجع اليك حفظك ان شاء الله ، فاذا نام الانسان في ذلك الوقت اعتدل الظاهر بذهاب

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 24 صفحه 132 *»

احدي الحرارتين و الباطن لاستجنان الحرارة الغريزية و دفع البرودة و الرطوبة و لذا استحب النوم فيه فتدبر و هذا النوم يسمي بالقيلولة يعني زيادة العقل كما روي عن النبي صلي الله عليه و آله فعلي ذلك اردء اوقات النوم آخر الليل اي بين الطلوعين فان فيه سلطان البرودة في الظاهر و كمون الحرارة و اليبوسة في الباطن فاذا نام الانسان في ذلك الوقت يضعف ظاهر البدن باجتماع البرودتين و باطن البدن باجتماع الحرارتين و لذا وجب القيام للصلوة و استحب ترك النوم بينهما و هذا النوم يسمي بالعيلولة و هو نوم العلة فيحدث في نفسه امراضا في الظاهر و الباطن فيرخي البدن و يغير البدن ( الوجه خ‌ل ) و يفسد طعم الفم و يتقيح العين و ينتفخ الوجه و يصفر و يزيد حرارة الجوف و الخفقان و يتهبّج الاماق و عن الصادق عليه السلام نوم الغداة شوم يحرم الرزق و يصفر اللون و عنه عليه السلام نومة الغداة شؤم تطرد الرزق و تصفر اللون و تقبحه و تغيره و هو نوم كل مشوم و اما النوم في صدر النهار فلايحسن لبرد الهواء و عدم استيلاء الشمس بعد و رطوبة الهواء فاذا نام الانسان فيه ضعف ظاهره لاجتماع البردين و باطنه لاجتماع الحرين الا انه اقل غائلة من النوم بين الطلوعين و هو المسمي بالفيلولة اي الضعف و الفتور و اما النوم في آخر النهار فهو ايضا ردي جدا لضعف سلطان الشمس و غلبة الارياح و الابخرة في الدنيا فيرخي البدن و يضعفه لان الروح اذا اعرضت عن الظاهر ضعف فاستولي عليه اثر تلك الارياح و الابخرة كثيرا فلاجل ذلك يثقل البدن و يجتمع في ظاهره الرطوبات فلاجل ذلك سمي بالغيلولة اي الهلاك فيهلك النفس و لاسيما ان الشمس هي مربية الحرارة الغريزية فاذا انحدرت و قربت الغروب ضعفت الحرارة الغريزية من الانسان و من الدنيا و لذا تري انه يكسل الانسان غاية الكسل و اما النوم بعد الزوال فلولا انه كان يحيل بين الانسان و بين الصلوة كان حسنا بحسب الوقت الا ان ضرر ترك الصلوة اعظم و لذا يسمي بالحيلولة فانه يحول بين المرء و الصلوة فبعيد صلوة العصر الي آخر الربع الثالث من النهار ليس بذلك البعيد لما عرفت و اما النوم بالليل فلايحسن مطلقا لمن يريد التوجه الي المبدء و غلبة الحرارة الداعية الي الاعراض عن الدنيا و لذلك استحب

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 24 صفحه 133 *»

عدم النوم فيه و يستحب احياء الليالي فان كان و لا بد فاول الليل فان حرارة النهار باقية قليلا فاذا اعرضت الروح عن الظاهر ليس يضعف الظاهر كل الضعف لمكان قليل حرارة في الهواء و اما بحسب تعديل البدن و اصلاحه لا بد من النوم بالليل فان حرارة النهار مطلقا و كثرة توجه الروح الي الظاهر تقشفه و تذبله و لا بد من ترطيب ظاهر البدن و ترطيبه يكون بالنوم في الليل فان الليل بارد و اعراض الروح عن الظاهر يورث البرودة فيخصب البدن و ينعم و يلين و لذا روي عن الرضا عليه السلام ان النوم سلطان الدماغ و هو قوام الجسد و قوته فاذا اردت النوم فليكن اضطجاعك اولا علي اليمني ثم انقلب علي الايسر و كذلك فقم من مضطجعك علي شقك كما بدأت به عند نومك و عود نفسك القعود من الليل ساعتين الخبر ، بالجملة و لذا جعل الليل سكنا و جبل في فطرة كل انسان و حيوان الهدوء فيه و السكون و تعرض الروح عن الظاهر بالطبع اذا كانت لاتحس شيئا و لاتقدر علي عمل فالليل وقت النوم الطبيعي و سر وضعه راحة الاعضاء عن التعب و عن المهنة و الحركة و راحة الاعصاب فاذا كان تعبها عن الحرارة فيكون راحتها بالبرودة فاحتيج الي برودة الليل و رطوبته و برودة و رطوبة اعراض الروح حتي تهدء الاعضاء و تسكن و يخصب البدن و لكن في آخر الليل تغلب البرودة و الرطوبة في الهواء و تفسد البدن فالاحسن النوم في اول الليل حتي يقوم في آخره و يتوجه روحه الي ظاهره فلاجل ذلك يورث القيام آخر الليل الصحة في البدن كما روي عن ابي‌عبدالله عليه السلام عليكم بصلوة الليل فانها سنة نبيكم و دأب الصالحين قبلكم و مطردة الداء عن اجسادكم و عن اميرالمؤمنين عليه السلام قيام الليل مصحة البدن و رضاء الرب الخبر ، و عن ابي‌عبدالله عليه السلام صلوة الليل تحسن الوجه و تذهب بالهم و تجلي البصر و في رواية تطيب الريح انتهي ، و انما ذلك ان برودة و رطوبة الليل اذا غلبتا و الروح معرضة تغير ظاهر الجسد و تغير الوجه و تقيح العين و تهبج اماقها و تميل الرطوبات اليها و الي الفم و يمتلي الدماغ ايضا من الرطوبات و انما ذلك ان البخار كلما صعد صار الطف و في بدو

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 24 صفحه 134 *»

الصعود يكون اغلظ و ارطب و اشد لزوجة البتة و لذا تقوم الابخرة اللطيفة القوية الحرارة فوق الغليظة البتة فاذا كان الانسان جالسا او قاعدا تصعد الابخرة و تصل الي الدماغ بعد لطافتها و غلبة الحرارة فيها فاذا وضع الانسان رأسه علي الارض لم‌تحتج الابخرة الي الصعود و انما تسيل بكثافتها الي الدماغ كالماء الجاري فيمتلي الدماغ من الرطوبات و لذلك تجد بمحض استلقائك ثقلا في الرأس و كسلا في الاعضاء لاسترخاء الاعصاب بتلك الرطوبات فاذا طال الاستلقاء طال سيلان الابخرة الي الدماغ فامتلي و اورث كسلا و جرت تلك الرطوبات الي الفم و غيره و الي اللحاء و الي العين و الوجه و هذا الذي اشار اليه ابوعبدالله عليه السلام ليس من عبد الا يوقظ في كل ليلة مرة او مرتين او مرارا فان قام و الا فجاء (ظ) الشيطان فبال في اذنه اولايري احدكم انه اذا قام و لم‌يكن ذلك منه قام و هو متحير ثقيل كسلان انتهي ، و ذلك الشيطان هو شيطان الليل يسمي بالرها كما روي عن ابي‌جعفر عليه السلام و هو الذي يخدع الانسان كلما يتنبه و يقول لم‌يأن لك حتي يطلع الفجر ثم يبول في اذنه و يمصع بذنبه فخرا و يصيح و هو الذي يناجي الانسان في نومه بما يكره ليحزن الذين آمنوا و ليس بضارهم شيئا الا باذن الله و عدم قيام الليل يصير من جهة المعاصي الموجبة للرطوبة فاذا قيدت الانسان ذنوبه كثرت عليه الرطوبات و ضعفت الحرارة الغريزية فلم‌يقم آخر الليل كما شكي رجل الي اميرالمؤمنين عليه السلام فقال عليه السلام انت رجل قد قيدتك ذنوبك و روي كثرة النوم بالليل تدع الرجل فقيرا يوم القيمة و روي لا سهر بعد العشاء الآخرة الا لاحد رجلين مصلي او مسافر و عن الباقر عليه السلام النوم اول النهار خرق و القائلة نعمة و النوم بعد العصر حمق و النوم بين العشائين يحرم الرزق و روي اياك و النوم بين صلوة الليل و الفجر و لكن ضجعة بلا نوم بالجملة يحمد النوم في اول الليل لاصلاح البدن و يذم في آخر الليل كما عرفت و اما اقسام النوم فاربعة الاستلقاء علي القفا و الاضطجاع علي اليمين و اليسار و الانبطاح علي الوجه اما في الاستلقاء فيميل الحرارة الي القلب و الوجه

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 24 صفحه 135 *»

و البرودة و الرطوبة الي الظهر فهو نوم الانبياء الذين ينتظرون الوحي من السماء الي قلوبهم و اما الانبطاح فهو نوم الشياطين يميل المواد و الرطوبات الي الوجه و القلب فيورث تغير الوجه و العين و فساد القلب و يفسد الحواس لميل الرطوبات الي مقدم الدماغ فينتفخ الوجه و العين و يفسدهما و اما الاضطجاع الي اليمين فهو نوم المؤمنين و يستقبلون بوجههم القبلة فيكون قلبهم اعلي و معدتهم اسفل و يميل الحرارة الي القلب و ينزل اليهم الملائكة بالبشارات و الالهامات و نوم الملوك و ابنائهم و الكفار و المنافقين علي يسارهم لكثرة اكلهم و طلبهم استمراء الطعام فان الغذاء يميل الي قعر المعدة و يكون حرارة القلب و الكبد من تحتها كالنار تحت القدر فيستمرؤن به طعامهم و لكن المواد الفاسدة و البرودات و الرطوبات تميل الي القلب و يصير بذلك محجوبا عن الرؤي الصالحة و البشارات الواردة و قد روي هذه الجملة عن النبي صلي الله عليه و آله يا علي النوم اربعة نوم الانبياء علي اقفيتهم و نوم المؤمنين علي ايمانهم و نوم الكفار و المنافقين علي يسارهم و نوم الشياطين علي وجوههم و عن اميرالمؤمنين عليه السلام النوم علي اربعة اوجه الانبياء تنام علي اقفيتهم مستلقين و اعينها لاتنام متوقعة لوحي الله عز و جل و المؤمن ينام علي يمينه مستقبل القبلة و الملوك و ابناؤهم تنام علي شمائلها ليستمروا ما يأكلون و ابليس مع اخوانه و كل مجنون و ذو عاهة ينام علي وجهه منبطحا .

فصل في الحركة و السكون اعلم ان مطمح نظر الاطباء منهما تقسيمهما بحسب الظاهر و ما يتفرع علي كل قسم و مطرح انظار الحكماء بيان حقيقتهما لا من حيث الاعلي و المثال الملقي فيهما فليس في بياناتهما ذكر لله سبحانه و اذ قد كان علمنا بالاشياء من حيث الاعلي و من حيث دلالتها علي الله سبحانه فلنذكر هيهنا ما لم‌يذكرا و لم‌يعرفا كما هو شأننا في جميع المسائل فاعلم ان الله سبحانه كما عرفت منّا احد ليس فيه ذكر غيره علي معني

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 24 صفحه 136 *»

الامتناع لا النفي فان النفي شئ كما روي عن الصادق عليه السلام فلا شئ سواه معه و جميع ما سواه خلقه في رتبة الخلق و اول ما يكون في رتبة الخلق هو مشيته سبحانه فخلقها بنفسها ثم خلق الاشياء بها فهي فعله بنفسه لنفسه و لغيره به و الفعل هو حركة المسمي كما روي عن اميرالمؤمنين عليه السلام فهو حركة بنفسه لنفسه و لغيره و الحركة من حيث هي توجه الشئ نحو الغير فهي تختلف في اللطافة و الكثافة بحسب ذلك الشئ و ذلك الغير فان توجه كل شئ علي حسبه فلا بد في التوجه من متوجه و في الحركة من متحرك فان التوجه فعل المتوجه و الحركة فعل المتحرك فلا حركة الا و هي صفة للمتحرك بها فالمتحرك ابدا موصوف بالحركة و هي صفته فهما مقترنان و الاقتران آية الحدث و تركيب المقترنين فليس لله سبحانه حركة اذ لا صفة له بوجه من الوجوه و كمال توحيده نفي الصفات عنه و فعله سبحانه ليس حركته لذاته و انما هو حركته التي احدثها بلا كيف بنفسها ثم احدث ما سويها بها فاذ قد فعل الله سبحانه لم‌يكن متحركا بفعله منتقلا عما هو عليه بوجه من الوجوه فالمتحرك بالحركة الاولي هو حقيقة تلك الحركة اذ هي المقترنة بها المسماة بسمتها التي هي كينونة الله الحق سبحانه من حيث الاقتران و تلك الكينونة بكليتها غير الازل جل سبحانه الم‌تسمع اميرالمؤمنين عليه السلام يقول في خطبته كنا بكينونته كائنين غير مكونين موجودين ازليين ، و ليس المراد كنا بذاته الازلية موجودين فان الاحد لايقترن بغيره و المراد بقوله ازليين الازلية الاولي لا ازل الآزال لما قد تقرر في محله و بني الاسلام عليه فتلك الكينونة هي الكينونة المتحركة بالحركة الاولي كحركة يدك حرفا بحرف الا ان هناك الطف للطافة الكينونة و هيهنا اكثف لكثافة اليد فهذان السران اي سر المتحرك و الحركة ساريان من مبدء الوجود الي منتهي الشهود اذ لا شئ الا و هو مفعول لما هو فوقه و فعل له سبحانه في خلق ما هو دونه لا نور فيها الا نوره و لا صوت فيها الا صوته قل الله خالق كل شئ فلا شئ الا و هو متحرك بحركة الله سبحانه حيث ما يريد الله سبحانه فجميع ملكه متحرك و حركة الا ان الاشياء لما كانت تختلف من حيث

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 24 صفحه 137 *»

اللطافة و الكثافة من جهة القرب الي المبدء و البعد عنه اختلفت المتحركات في حكاية المبدء و عدم حكايتها فما كان منها ارق و الطف و اكثر تلاشيا و اضمحلالا عنده سبحانه و اكثر اراءة لنوره و دلالة عليه صارت حركاته مضافة اليه سبحانه في التشريع و ما كان منها اغلظ و اكثف و اكثر استقلالا و اراءة لنفسه حتي حجب المبدء صارت حركاته و توجهاته مضافة الي نفسه في التشريع و ما كان في ما بين ذين كان حكمه بين بين فتضاف حركاته الي الله سبحانه بلحاظ و تنفي عنه بلحاظ و كذلك تقدير العزيز العليم و ليست الحركة في جميع هذه المراتب الا توجه الشئ نحو غيره فان اعتبر توجه العالي نحو الداني فهو الامداد و ان اعتبر توجه الداني نحو العالي فهو الاستمداد و حركة الشئ الي ما يصاقعه ايضا لايخلو من امداد تكميلي و من استمداد تكملي كما ستعرف و تختلف هذه الحركة في الرقة و الغلظة فهي في العقل توجه عقلاني معنوي و في النفس توجه نفساني صوري ملكوتي و في الجسم توجه جسماني ملكي و معلوم ان التوجه المعنوي ارق من اخويه و التوجه الملكوتي ارق من الملكي و الملكي اغلظ من اخويه ثم ان الحركة علي قسمين مستديرة و غير مستديرة فالمستديرة هي الحركة في الوضع و غير المستديرة هي الحركة عن الوضع فالمستديرة ان كانت علي محور احدثت الدواير و ان كانت علي قطب احدثت الكرة و غير المستديرة علي اقسام شتي و لا فائدة لذكر اقسامها فالحركة علي القطب توجد في عالم الحقايق حيث يتحد الانظار و يرتفع الاكدار و يصفي عن الاغيار و الحركة علي المحور حيث يختلف الآراء و يتشتت الاهواء و يغلب الامراض و يستولي الاعراض فهنالك تحدث الليل و النهار و الشرق و الغرب و تختلف الحالات و تتغير الحقايق و ادراك الحركة علي القطب امر عسير علي العوام غير يسير فانهم من عرصة المحور ثم لما كان حركة العرش علي الافلاك علي خلاف توالي البروج و حركة الكواكب علي العرش علي تواليها اصطلحنا للحركة الامدادية الحركة علي خلاف التوالي و للحركة الاستمدادية الحركة علي التوالي و لما كان نسبة كل عال الي اجزاء الداني علي السواء عبرنا عنه بالقطب فكان حركة الداني عليه حركة علي

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 24 صفحه 138 *»

القطب استمدادية و حركة العالي علي الداني حركة علي القطب امدادية نظرا الي ان جميع الداني عند العالي كنقطة واحدة و هو يتحرك عليه من جميع جهاته هذا في عالم الحقايق و اما في عالم الاعراض و غلبة الامراض فحركة العالي علي الداني حركة علي المحور علي خلاف التوالي كما تري في عالم الاجسام و المثال و حركة الداني علي العالي حركة علي المحور علي التوالي و حركة في الوضع كما تري فيهما و لذا يكون فيهما ليل و نهار و اختلاف اوضاع كما تري فافهم و اما الغير المستديرة فهي علي اقسام لاتكاد تحصي و لا طائل تحت احصائها ايضا و قد عرفت مطلقا ان الحركة هي التوجه الا انه يختلف بحسب الرقة و الغلظة و اللطافة و الكثافة ففي عالم العقول توجهات معنوية جبروتية و في عالم النفوس توجهات صورية ملكوتية و في عالم الاجسام توجهات جسمانية ملكية و في عالم الجواهر و الحقايق حركات قطبية و في عالم الاعراض حركات محورية و الغير المستديرة كما في السفليات ثم تختلف حالات هذا التوجه في السرعة و البطؤ و الاستمرار و التقضي و التجانس و التضاد و التخالف و كذلك تختلف بقوة الارادة من المريد و ضعفها فالحركة الناشئة عن قوة الارادة كما في الحيوان و الناشئة عن ضعفها كما في النبات ثم الجماد و ذلك لانهما عندنا اثران للمريد الحق سبحانه و الاثر تابع لصفة مؤثره فلا شئ الا و هو مريد الا انه يختلف الامر في الشدة و الضعف و كذلك لا شئ عندنا الا و هو مختار لانه اثر الحق المختار و لان كل شئ ممكن و الممكن ما يمكن فيه خلاف ما هو عليه و قد ظهر باحد الممكنات فيه للمرجحات الخارجية بقبوله القوي او الضعيف فلا اضطرار في الملك و الفاعل المضطر غير معقول عندنا و لا متمش في اصولنا و كذلك لا حركة قسرية لم‌تكن ممكنة في طباع المتحرك بل الحركتان ممكنتان فيه الا انه ظهر باحديهما بالمرجحات الخارجية فاذا غيرها يرجح لغيرها بقدر ما رجح ثم اذا عادت المرجحات الاولي عاد الشئ الي حركته الاولي و كل ذلك بقبوله القوي او الضعيف الذي لولاه لم‌يكن الشئ موجودا فلا قاسر في الوجود و لا جابر و لا مضطر و كل ذلك علي خلاف الاصول الملقاة عن آل الرسول صلي الله عليهم

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 24 صفحه 139 *»

اجمعين حيث قالوا علينا ان نلقي اليكم الاصول و عليكم ان تفرعوا و كذلك لا حركة في شئ متحرك الا بمحرك و الشئ لايحرك نفسه ابدا فان نفسه هي هي و هي لايجري عليها فعل نفسها في ذاتها فلو بقي شئ بلا مغير لماتغير عن كيانه و ما عليه ابد الدهر فان ما هو عليه في ان لايقتضي الا ما هو عليه فلولا المغيرات الخارجة عما هي عليه لم‌تقتض الا ما هي عليه فهي باقية ابدا علي ما هي عليه فلايتحرك في تمام الملك شئ الا بمحرك فالحركة الطبيعية غير معقولة و الشئ لايتحرك بنفسه ابدا لولا محرك لان الحركة انتقال من حال الي حال و حدوث حال بعد زوال حال فالشئ لايتحرك بنفسه ابدا لانه ابدا يقتضي ما هو عليه في الآن الاول فلكل متحرك محرك فوقه مؤثر فيه فحركة الجسم الي حيزه علي ما يري في الظاهر ليس الا بمحرك فاعل فيه فان الشئ بنفسه لايتحرك و الكلي في المسئلة ان كل شئ حدث فيه صفة و انفعل بتلك الصفة علم ان لها محدثا فان ذات الشئ احدية لاتقتضي الا ما هي عليه فاذا حدث فيها شئ و انفعل بها علمنا ان فوقها فاعلا قد فعل فيها فان الانفعال مطاوعة فعل الغير و ليس الفعل من نفسها فان فعلها دون رتبتها و لايجري في ذاتها فافهم ان كنت تفهم و الا فاسلم تسلم بل اقول لايحتاج الي حدوث حادث زماني و يكفي في ذلك انفعال الشئ بفعل و اتصافه بصفة فمهما رأينا الشئ متصفا منفعلا بصفة علمنا ان له فاعلا قد هيأه بتلك الهيئة حتي تهيأ و انفعل اذ الانفعال نفسه قبول فعل فاذ لم‌يكن الفعل من نفسه و من هو دونه اذ لايجري عليه ما هو اجراه كان الفعل من فاعل فوقه البتة فالمنفعل غير الفاعل و المقتضي غير القاضي الله يقضي بالحق و الذين تدعون من دون الله لايقضون بشئ فنزول الحجر الي حيزه و صعود الهواء من قعر الماء و نزوله من كرة النار و كذلك ما يتحرك الي حيزه فلايتحرك شئ منها الا بمحرك و المحرك هو قاهر المتحرك و القادر عليه الفاعل له فليس هو بطبع الاشياء فانه يحدث بحدوث الاشياء و ليس بموجد لها ما يساوقها في الحدوث و طبع غير الشئ لايقتضي الا ما ذيه عليه لا غير ذيه و ذلك اشتباه محض فالطبع مقتض لا قاض مع انه لفظ لم‌يعرفوا معناه و اكثروا في جدواه و ليس الطبع بشئ الا مادة

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 24 صفحه 140 *»

الشئ الذائبة و هو هو لا غيره و لايفعل الشئ في نفسه بوجه فلاينزل الحجر بالطبع و لا معني له الا ان يراد منه باقتضاء الطبع فحينئذ ليس الاقتضاء بمنزل النازل و انما هو لسان داع فان اجاب المجيب و الا فلاينفع بوجه و لايظهر منه شئ فالمحرك للمتحركات الي حيزاتها هو الفاعل الحق فيجذب بفعله الذي هو المبدء كل مشاكل اليه و ينجذب الاشياء اليه علي حسب شدة تشاكلها و قلتها علي حذو ما قال الشاعر في وصف النبي صلي الله عليه و آله :
و واقفون لديه عند حدهم       ** * **      من نقطة العلم او من شكلة الحكم
فالمبدء هو الجذاب للمشاكل فينجذب الاشياء اليه علي حسب قوة المشاكلة و ضعفها فيسبق السباقون لكثرتها و يتأخر المتأخرون لقلتها و سببها مخالطة الاعراض المثقلة لها المانعة عن تقربها المتلاصقة اليها و كذلك هو الدفاع للمنافر فيدفع كل منافر عن نفسه بقدر تنافره فلاجل ذلك تدرج الاشياء في مراتبها فكل شئ مندفع من جهة منجذب من جهة فوقف كل شئ في حده لاسيما و المبدء ماسك كل شئ بظله في حده و مقامه فلايتخلف عن موضعه من دون ازالة المبدء اياه بما شاء كيف شاء و منكر هذه الصفات من المبدء منكر للبديهة بعد ذلك و هذه الصفات هي التي ظهرت في الشرع من الدعوة الي الله سبحانه و تقريب المجيبين و تبعيد المنافقين و اثبات حق لكل ذي حق و قد قال الله سبحانه و ما امرنا الا واحدة فكذلك في الكون جاذبة و دافعة و ماسكة لما قدمنا و لكن اهل الظاهر عما ذكرناه غافلون فليتأمل متأمل في الحيز ما هو و ما المراد منه فان كان المراد بالحيز الكل بالنسبة الي الجزء فذلك مخالف الطبع السليم انه لاينزل الحجر الي الاسفل لولا كل التراب الموجود هنا و لو كان التراب هو الحيز لماكان الحجر ينزل الي قعر البئر و لماكان جزء من الارض اولي بالحجر النازل من جزء و لو كان الفراغ الذي يكون الكل شاغلا له هو الحيز فكذلك فان ذلك الفراغ لا خصوصية له بالكل فقد يكون الغير شاغلا له الاتري ان التراب شاغل لذلك الفراغ ثم تحفر بئرا فيصير الهواء شاغلا لذلك المكان فكيف يكون ذلك الفراغ حيزا و حيز الشئ لايتخلف عنه البتة و لايكون حيز غيره و لو كان الجهة الحيز لماكان

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 24 صفحه 141 *»

ينزل الهواء المصعد به الي النار و يصعد الهواء المحقون تحت الماء فالحيز حقيقة هو منزلة الشئ عند المبدء و مرتبته لديه من القرب و البعد و تلك المرتبة هي جزء ذاتية الشئ و من حدوده و هي مبدء نزول الشئ و منتهي صعوده الا انه بسبب تلك القابلية و انجذابه بها و اندفاعه بها و لزوم مكان عرضي للشئ ما دامت دار الاعراض يقف في مكان عرضي و ليس ذلك المكان حيزه الذاتي و الا لمازال عنه و لماقام غيره فيه و لسنا بصدد بيان هذه الامور الا انها تجري استطرادا و انما كلامنا في الحركة فنرجع اليها و نقول ان الحركة سبب ظهور الحرارة في المتحرك لا انها محدثة لها لا من شئ بل لما كانت الحرارة كامنة في المتحرك قبل التحرك نظرا الي تركيبه من الطبايع الاربع فاذا استولي الحركة عليه ازالت السكون و الاعراض التي بها كان البرد بردا فظهرت الحرارة بعد تمكن المحل و صلاح القابل فمن ذلك صارت الحركة سبب ظهور الحرارة و اليبوسة في المتحرك و ضدها الذي هو السكون سبب ظهور البرودة و اليبوسة بالذات و البرودة و الرطوبة بالعرض اذا كان ما يقتضيها و لما كان و لا بد للجسم في عالم الاعراض من ان يكون ساكنا او متحركا فانه اما لازم لمكانه و هو السكون او منتقل عنه و هو الحركة فان من جسم الا و هو اما متحرك و اما ساكن و يتبع كل واحد منهما مسببه لا محالة فمن اجل ذلك يتبعهما في بدن الانسان آثار فالحركة تسخنه و تجففه و السكون يبرده و يرطبه فانه لايخلو من ترطيب من مآكله و مشاربه فاذ لم‌تكن حرارة و يبوسة غلبت البرودة و الرطوبة عليه لا محالة و ضعفت حرارته الغريزية بسبب غلبة الضد و احدثت امراضا باردة رطبة في بدنه و ان كان السكون قليلا و الحركة كثيرة قلت البرودة و الرطوبة و زادت الحرارة و اليبوسة حتي احدثت فيه امراضا حارة يابسة و استحصافا في جسده فاذا كان الامر بهما كذلك فلا بد من مراعات الاعتدال في الحركات و السكنات بان لايكثر من احديهما حتي يحدث له امراضا و يستعملهما علي نحو التعاقب ليعتدل البدن و الا فيتبع اي واحد منهما غلب مسببه لا محالة و لكن الحركة و السكون علي قسمين و قد غفل عن هذا الاطباء و هو ان

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 24 صفحه 142 *»

الحركة اما تكون علي حسب مقتضي المبدء و محبته و ارادته الظاهرة في السموات التي هي مبدء الحرارة الغريزية كما قال اميرالمؤمنين عليه السلام في النفس الحيوانية هي قوة فلكية و حرارة غريزية اصلها الافلاك ، فتلك تحدث الحرارة و اليبوسة الغريزيتين و تجم القوي و الفؤاد و اما تكون علي حسب مقتضي الاهواء و الآراء و العادات و الطبايع و الشهوات و غير ذلك الظاهرة في اراضي المنتهي فهي تحدث الحرارة و لكن الحرارة الغريبية لا الغريزية و ذلك ان الحكماء البالغين قد اجمعوا علي ان الحرارة الغريزية حرارة فلكية لا عنصرية و منتهي الطبايع العناصر فالحركات العنصرية لاتكون سببا لحرارة فلكية و لا بد لها من حركات فلكية حتي تزداد الحرارة الفلكية فان كانت بمقتضي الطبايع لازدادت في الانسان حرارة نارية صفراوية و هي غريبية البتة و لكن الاطباء قد غفلوا عن ذلك و لم‌يفرقوا بين المقامين و زعموا ان جميع الرياضات تجم الحرارة الغريزية حتي ضرب العيدان و البرابط نعوذ بالله و هو والله اشتباه محض فان هذه الحركات تزيد نار جهنم و تتبعها حرارة جهنم و هي نار طبيعية غريبية و اما الحرارات الفلكية فهي حرارة تنطبخ بها ثمار الجنة و يعتدل بها هواؤها و الحركات الفلكية هي المحاب الشرعية و الحركات المأمور بها في الشرع فهي تقوي الحرارة الغريزية الفلكية تقوية ظاهرة بينة فهي تورث الصحة و تجم الفؤاد و تدفع الامراض و ليس فيها غائلة ابدا و اما الحركات المنهي عنها في الشرع فتزيد في الصفراء و الحرارة الغريبية و تطفي الغريزية الذين يأكلون اموال اليتامي ظلما انما يأكلون في بطونهم نارا و ان جهنم لمحيطة بالكافرين لو تعلمون علم اليقين لترون الجحيم الحمي من فوح جهنم و انت ان شاء الله تعلم ان حدوث كل مرض في الانسان من معصية يعصيها و منهي عنه يأتي به فتحدث الامراض ان عمت فعامة و ان خصت فخاصة فما كان من الامراض حارة فمن جهة الحرارة التابعة للحركة و ما كان باردة فلاجل انطفاء الحرارة الغريزية و غاية ضعفها و عجزها عن تربية البدن حتي بقيت رطوبات المآكل و المشارب غير مستحالة فاطفئت الغريبة ايضا و احدثت امراضا باردة رطبة و هي اردؤها مما خطيئاتهم اغرقوا فادخلوا نارا فافهم ان كنت تفهم

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 24 صفحه 143 *»

و احب ان ابسط شيئا من المقال في هذا المجال فان غرضنا الاصلي اظهار طب الله لا طب الناس و اعلم ان لكل مركب حافظا يحفظ صورته التركيبية و لولاه لتبدد و تفرق كل جزء من اجزائه و بددته ايدي المنون في قرون بعد قرون و لكن الله سبحانه جعل لكل مركب حافظا من امره يحفظه الي منتهي اجله له معقبات من بين يديه و من خلفه يحفظونه من امر الله و ان الله يمسك الاشياء باظلتها ان الله يمسك السموات و الارض ان تزولا و لئن زالتا ان‌امسكهما من احد من بعده و ذلك الحافظ هو مثاله الملقي في هوية الشئ فانه نوره واحد فاذا القي في الشئ و نفذ في جميع اقطاره و غاص فيها و انجذب اليه جميعها و تشبث به كلها و صار فيها القطب الذي يدور عليه كلها و ينظر اليه جميع اجزائها بقيت مركبة ملتئمة و لايخلي بعضها بعضا لذلك السر الواحد الجامع للكل و هذه هي سنة الله السارية في كل شئ و ذلك المثال هو ظله سبحانه في الاشياء الذي القاه فيها فهو ظلها و نورها و ان الله سبحانه يمسكها به فذلك الظل في كل رتبة بحسبها الي ان حدث عالم الاجسام و حدث المولدات فذلك الظل فيها هو الحرارة الغريزية التي ببقائها المركب باق و بفنائها فاسد فهي يده سبحانه في حفظ الاشياء و هي التي سمتها الحكماء بالبلسان الطبيعي و المومياء الحيواني و الكبريت الحيواني و نقل عن جمهور اهل الصنعة و المشاهير الاتفاق علي انها حرارة سماوية بسيطة ليست من العنصريات و هذا هو الحق الذي لا مرية فيه فذلك البلسان له مقتضيات في عالم الاجسام من الحركة علي مبدئه و الاستمداد منه ابدا و التوجه اليه دائما فمهما عمل بمقتضاه تقوي و تشدد و ازداد امداده و تقويته من مبدئه فان الامداد علي حسب الاستمداد و حركته علي مبدئه في ذاته و جوهره حركة الكرة علي قطبها و لكن تظهر في الاعضاء علي نحو الحركة عن الوضع فاذا تحركت الاعضاء علي مقتضاه اشتد و تقوي علي حسب العمل و اما اذا تحركت معكوسا راجعا لا علي مبدئه انتقض فتله انكاثا و ضعف فانه حينئذ يمد علي خلاف ما به كماله و نشاطه و يكون ذلك اذا جري و تحرك علي حسب الطبايع السفلية و كان الاصل في الحركة الحرارة العنصرية النارية و هي دائرة حول قطب الطبع فاذا شايعها البلسان

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 24 صفحه 144 *»

و دار مدارها انحط عن مقامه و ضعف اذا امد من الطبيعة حتي اذا
علقت بها ثاء الثقيل فاهبطت       ** * **      من ميم مركزها بذات الاجرع
فاذا امد البلسان اللطيف بالمدد الكثيف حجب آثار المبدء و نوره الذي به كان قوامه و بهاؤه و سناؤه و ضعف فضعف حافظيته بضعف واحديته للمركب فجري عليه سر الخذلان و تحرك المركب علي المحور فاختلفت الاجزاء بعد ما كانت متحدة الاهواء دائرة علي قطب واحد فاسرع اليه التفكك و التفتت و الفناء و الدثور و عمل كل عارض فيه بمقتضاه و جذب منه مشاكله اليه و مال بتقويه الي حيزه فيتضعضع اركانه و يهيل بنيانه و يتفرق اجزاؤه او يحدث فيه الانحرافات عما كان به قوامه فمبدء جميع ذلك ضعف البلسان و لو كان قويا لدفع عنه كل عارض كما تشاهد في الابدان القوية كيف تدفع عن نفسها الحر و البرد و لاتتأثر باحد منهما فلربما يكسر الجمد في الشتاء و يغتسل بالماء البارد و لايرتعد و لايستحصف جلده ابدا و كذلك نشاهد من السن القوي لايصير اقلحا ابدا و لايلتزق به درن ابدا و اذا ما صار ضعيفا يتدرن و يصفر و هكذا الامر في ساير الاعضاء فجميع الامراض تعرض الانسان بسبب ضعف البلسان و مع قوته لايصيب الانسان آفة و لا عاهة و يدفع عن نفسه كل عارض و لايضعف البلسان كما عرفت الا ان يعمل الانسان بمقتضي الارضين و يترك العمل بمقتضي السموات و قد عرفت ان الاعمال السماوية هي الاعمال التي ورد الامر بها عن الشارع و هي العدل الخارج عن الطبايع ان الله يأمركم بالعدل و الاحسان و ايتاء ذي القربي و الاعمال الارضية هي الاعمال التي ورد النهي عنها عن الشارع و هي العمل بمقتضي الطبايع الموجبة للانحراف عن الاعتدال و هي الفحشاء و المنكر و البغي فاذا عمل الانسان بمقتضي الطبايع استمد تلك الطبيعة المأمول بها و امدت بمقتضي قوله سبحانه كلا نمد هؤلاء و هؤلاء فاذا تقوت تلك الطبيعة غلبت اخواتها فضعف البلسان لدورانه بالتبع علي تلك الطبيعة و وصول المدد المنافي اليه بالتبع ففسد البدن فان قلت فما بالنا نري كثيرا من الكفار و المنافقين قوية الابدان قوية الحرارة الغريزية و هم لايعملون بالشرايع قلت انما يمسك الله سبحانه كثيرا من

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 24 صفحه 145 *»

الناس بالعرض و يحفظهم لغيرهم و لولا سببية الغير لاخذوا بلا مهلة و انما هم محفوظون لاجل منافع المؤمنين و ليس فيهم الحرارة الغريزية الا ضعيفة نعم حرارتهم الغريبية الطبيعية قوية و سبب دفع الاعراض عنهم بالبرهان الطبيعي قوة الحرارة الغريزية الظاهرة و هي من ظاهر الافلاك الاتعلم ان الافلاك سواء كانت بابا من ابواب الجنان او النيران ادوم و اقوي من الطبيعيات العنصرية فسبب دوام بعض الكفار قوة ظاهر الحرارة الغريزية التي من قبل نار جهنم و ستحرقهم باشد احراق بالجملة اذا ضعفت الحرارة الغريزية الفلكية لم‌تقدر علي دفع الامراض عن البدن فمن ذلك يحدث في الانسان من الامراض بسبب المأكل و المشرب و ساير الامور الخارجة و الداخلة بل ضرر هذه الامور بسبب ضعف البلسان بمخالفة الشرع و من ذلك يعلم ان عمدة العلاج و اوحاها و اقويها تقوية البلسان و البلسان لايتقوي ابدا بالاغذية و الادوية و انما قوته بالتوجه الي بارئ السموات و ذارئ المدحوات و خالق البريات بالدعاء و الصدقات و التوكل عليه و التفويض اليه و التسليم لامره و الرضا بقضائه و صرف الوجه الي طاعته و الاجتناب عن نواهيه و التوبة اليه و الانابة اليه و التضرع اليه فان هذه الامور من التدابير السماوية فيه جمام البلسان و قوته و نشاطه و زيادته و هي الرياضة الالهية التي تشترط في بقاء الانسان فهذه المعالجة معالجة كلية يعالج بها المرض الكاين و الحادث و يمتنع به عما لم‌يحدث و من ذلك علم ان آل الله تعالي قدره قد سلكوا بالناس الطريق الاقرب الاقرب الاهنأ الارشد و لكن اكثر الناس لايشكرون و قالوا نريد ان نأكل من بقلها و قثائها و فومها و عدسها و بصلها قال اتستبدلون الذي هو ادني بالذي هو خير اهبطوا مصرا مصر الطبايع فان لكم ما سألتم فذلوا و اذلوا و ضلوا و اضلوا و عمدوا الي العقاقير و الادوية التي لاتؤثر الا اثرا واحدا و التكلان عليها بنفسها مضعف للبلسان فاستعملوها لدفع الامراض فلم‌تدفع الا ذلك المرض و المادة لذلك باقية و هي ضعف البلسان فصار كما قال الشاعر : كلما داويت جرحا سال جرح ، و ان لو استقاموا علي الطريقة لاسقيناهم ماء غدقا و لو ان اهل الكتاب

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 24 صفحه 146 *»

آمنوا و اتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء و الارض فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات احلت لهم ما اصابك من سيئة فمن نفسك و لاجل ذلك نري رأي العين ان كل قوم طغوا و كثر المعاصي فيهم ابتلوا بالامراض و الاوبية و الطواعين فيأخذهم الله بالبأساء و الضراء لعلهم يضرعون و كلما يداوون لاينتفعون و لايصيبون العلاج اولم‌يروا انهم يفتنون في كل عام مرة او مرتين ثم لايتوبون و لا هم يذكرون فعن ابي‌عبدالله عليه السلام في حديث في عرفان المرء نفسه فذكر الاعراض الي ان قال فهي العوارض التي يكون منها الاسقام و لايكون اول ذلك الا الخطيئة عملها فيوافق ذلك مأكل و مشرب في حد ساعات لاتكون تلك الساعة موافقة لذلك المأكل و المشرب لحال الخطيئة فيستوجب الالم من الوان الاسقام و قال جوارح الانسان و عروقه و اعضاؤه جنود لله مجندة عليه فاذا اراد الله به سقما سلطها عليه فاسقمه من يريد ذلك السقم بالجملة هذا هو العلة الواقعية للامراض و لكن الاطباء يعلمون ظاهرا من الحيوة الدنيا و هم عن الآخرة هم غافلون و لكن اطباء النفوس صرفوا همهم في اجمام البلسان ليعالجوا به جميع امراض الدنيا و الآخرة و لذلك لايحتاج الناس في دولة العدل الي هذه العقاقير و الادوية و الاطباء اذ لايعرضهم الاعراض و لايعتريهم الامراض اذ لايعملون الا بالحق فيدفع عنهم به كل مكروه و ذلك مطلب لايدخل قلوب الاطباء و ان يكفر بها هؤلاء فقد وكلنا بها قوما ليسوا بها بكافرين بالجملة الحركة تقوي الحرارة لكن لا كل حرارة تتقوي بكل حركة و اما السكون فهو ضد الحركة و قد زعموا انه لو خرج عن الاعتدال ازداد برودة و رطوبة و ليس الامر كذلك فان السكون عن المعاصي يقوي الحرارة الغريزية و السكون عن الطاعة ربما يقوي الحرارة الغريبية و يحدث في الانسان امراض لكن الكلام حق اذا اريد به ان السكون عن الطاعات يضعف الحرارة الغريزية و السكون عن الحركات المباحة الظاهرة يضعف الحرارة و اليبوسة الغريبية و يحدث منه البرودة و الرطوبة الغريبة فتدبر فهذه جملة كافية في امر الحركة و

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 24 صفحه 147 *»

السكون علي ما يتعلق بحقايق الطب فافهم راشدا موفقا .
فصل في الاستفراغ و الاحتباس و هما من متممات قابلية بدن الانسان في العيش و البقاء و الاصل في ذلك ان الاغذية التي يغتذي بها الانسان مشوبة بالاعراض التي لاتناسب البدن و لايمكن تصفيتها في الخارج بحيث تناسب بدن الانسان و قصر علوم العامة عنها فجعل الله سبحانه المقدر لذلك في الانسان آلات و ادوات مجبولة علي الحل و التمييز بين المشاكل و المنافر و الدفع لغير المشاكل و عقد المشاكل و جذبه و التغذي به الي غير ذلك فلاجل ذلك احتاج الانسان الي الاستفراغ لغير المشاكل و حبس المشاكل فان عكس الامر احدث الامراض في بدن الانسان علي حسبه فاول الاستفراغات ما دبر الله سبحانه من اثفال الغذاء المتخللة في كمه فاذا رض بالمضغ و ورد المعدة و انحل بها ضمتها حتي صار كيلوسا منحلا متشاكل الاجزاء في الجملة ميزت المميزة بين المشاكل و الغير المشاكل و بعث الطبيعة المشاكل الي الكبد و بقي الغير المشاكل في المعدة و قد قدر الله سبحانه استفراغ هذا الغير المشاكل من طريق الامعاء علي عادة معلومة و كيفية معلومة و بخروجه علي حسب العادة تدوم الصحة و اما اذا انحبس في المعدة تولد منه اخلاط ردية مؤذية كما يحدث من المشاكل اخلاط صالحة مشاكلة و ان انحبس في المصارين احدث قولنجا و سددا و مغصا و امثال ذلك فهذا اول ما يجب استفراغه و احتباسه علي حسب العادة و ان وقع في احدهما ايضا افراط و تفريط خرج البدن عن الحالة الاعتدالية له ثم اذا وصل الصافي منه الي الكبد و انحل ثانيا حلا كيموسيا بهاضمة الكبد ميزت الطبيعة بين الاعراض المتخللة في كيانه و صافيه فبعثت الصافي الي العروق الي ساير البدن و استفرغت الغير الصالح من الطرق التي قدرها الله سبحانه له فاخرجت المائية من طريق الكليتين و المثانة و الدهنية من طريق المرارة و العكرية من طريق الطحال و هذان عندنا من نوع الاستفراغ الا ان استفراغ الكبد الي الخارج عنه لا الخارج عن البدن فهو ايضا استفراغ كبدي من متممات صحته

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 24 صفحه 148 *»

فان وقع فيه افراط و تفريط و بقيت الاخلاط الغير المشاكلة في الكبد حدث منها امراض كبدية كما مر و هذا هو ثاني ما يجب استفراغه في البدن و يستفرغ من ذلك الدم الصالح ثلث دماء صالحة لبقاء النسل اولها ما ينصب الي الانثيين و اوعية المني فيعده الله سبحانه للتوليد و هو من روحانية الدم الصاعدة الي الدماغ و ثانيها ما ينصب الي الرحم و هو الحيض يعده الله سبحانه للتغذية ما دام الولد في الرحم و الثالث ما ينصب الي الثديين لتغذية الولد بعد خروجه و هذه الدماء دماء صالحة ناضجة تصلح للتغذية و التنمية طاهرة عن الاوساخ و الارمدة الكيلوسية و الكيموسية و مهما حصل في هذا الاستفراغ ايضا افراط او تفريط احدث امراضا في الكبد و الانثيين و اوعية المني و الرحم و الثدي ما هو معلوم في محله ثم ما اندفع من الكبد الي العروق الي الاعضاء فلربما يفضل من غذاء الاعضاء فيدفع دافعتها الزايد عن نفسها فتستفرغه من طريق المسامات فيخرج مائيته علي نحو العرق و دهنيته شعرا و عكريته وسخا و مهما افرط الانسان او فرط في هذا الاستفراغ احدث امراضا في الاعضاء من الاورام و الخراجات و المفاصل و امثالها و هذا هو ثالث الاستفراغات التي عليها بناء الصحة و المرض و هي من متممات بدن الانسان و كذلك يستفرغ الدماغ فضول ما يصل اليه من المجاري المعدة له فيرسل بعضا من طريق العين و بعضا من طريق الانف و بعضا من طريق الفم و بعضا من طريق الاذن و قد يرسل بعضا الي الجوف و الحلق و جميع هذه الاستفراغات و الاحتباسات اذا كانت علي حسب العادة اورثت صحة في البدن و صلاحا للمزاج و مهما زادت او نقصت من قدر الواجب و الكفاية اورثت امراضا علي حسبها فهذه جملة كافية كلية في امر الاستفراغات و مهما قصر الطبع لعارض في استفراغ احد هذه الفضول لا بد من اعانة الطبع في دفعها و لكن من مجريها الطبيعي الذي اعده الله سبحانه لها و يسره عليها فمن خالف خولف به البتة و احدث علي الطبع ثقلا و حمله علي ما لايميل اليه و لايتأتي منه و ذلك ان الطبع بنفسه لايغلط و لايترك الاولي و الاقرب و الاصلح ابدا و الاولي له ما جبل عليه فمن حمله علي

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 24 صفحه 149 *»

خلاف ما جبل عليه ضعفه و امرضه و لو كان الاولي عنده في الاستفراغات غير هذه المجاري لاستفرغ منها فلا بد للطبيب ان يلاحظ المجري الطبيعي و يستفرغ ما يحتاج الي استفراغه منه فيستفرغ ما في المعدة بالقي و ما في الامعاء بالاسهال و ما في الكبد بالادرار و ما في العروق الكبار بالفصد و ما في العروق الصغار بالحجامة و ما في الدماغ من طريق الانف و الحلق بالسعوطات و البخورات و ما في الاعضاء الظاهرة بالتعريق و الحمام و الطلا و الدلك و النطولات و الكمادات و الضمادات و امثالها و يصعب العلاج جدا للامراض التي تكون في ساير الاعضاء الباطنة و لا قوة الا بالله و لما وصل الكلام الي هيهنا ناسب ان اكتب ما سألني عنه بعض الاخوان من امر الجماع و بعض ما روي في آدابه و اوقاته فانه امر عظيم يسامح فيه الناس جدا فانه بدو خلقة الانسان و يعيش الانسان علي ما خلق من الامراض الظاهرية و الباطنية فلا بد من الاهتمام الكثير في اوقاته و كيفياته كما قال الله سبحانه و قدموا لانفسكم فنعنون لذلك مقدمة و مقصدين .
المقدمة عن النبي صلي الله عليه و آله تزوجوا فاني مكاثر بكم الامم غدا في القيمة حتي ان السقط يجي‌ء محبنطئا علي باب الجنة فيقال له ادخل الجنة فيقول لا حتي يدخل ابواي الجنة قبلي و عنه صلي الله عليه و آله من تزوج فقد احرز نصف دينه فليتق الله في النصف الباقي و عن ابي‌عبدالله عليه السلام ركعتان يصليهما المتزوج افضل من سبعين ركعة يصليها العزب و عنه صلي الله عليه و آله رذال موتاكم العزاب و عنه صلي الله عليه و آله اكثر اهل النار العزاب و عن ابي‌عبدالله عليه السلام كل من اشتد لنا حبا اشتد للنساء حبا و للحلواء .

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 24 صفحه 150 *»

المقصد الاول في الصفات التي ينبغي ان تكون في المرأة و ما لاينبغي فعن ابي‌عبدالله عليه السلام انظر اين تضع نفسك و من تشركه في مالك و تطلعه علي دينك و سرك فان كنت لا بد فاعلا فبكرا تنسب الي الخير و الي حسن الخلق و اعلم انهن كما قال :
الا ان النساء خلقن شتي       ** * **      فمنهن الغنيمة و الغرام
و منهن الهلاك اذا تجلي       ** * **      لصاحبه و منهن الظلام
فمن يظفر بصالحهن يسعد       ** * **      و من يغبن فليس له انتقام
و هن ثلثة فامرأة ولود ودود تعين زوجها علي دهره لدنياه و آخرته و لاتعين الدهر عليه و امرأة عقيم لا ذات جمال و لا خلق و لاتعين زوجها علي خير و امرأة صخابة ولاجة همازة تستقل الكثير و لاتقبل اليسير و عن النبي صلي الله عليه و آله ان خير نسائكم الولود الودود العفيفة العزيزة في اهلها الذليلة مع بعلها المتبرجة مع زوجها الحصان علي غيره التي تسمع قوله و تطيع امره و اذا خلا بها بذلت له ما يريد منها و لم‌تبذل كتبذل الرجل و عن ابي‌عبدالله عليه السلام خير نسائكم التي اذا خلت مع زوجها خلعت له درع الحياء و اذا لبست لبست معه درع الحياء و عن اميرالمؤمنين عليه السلام خير نسائكم الخمس قيل و ما الخمس قال الهينة اللينة المواتية التي اذا غضب زوجها لم‌تكتحل بغمض حتي يرضي و اذا غاب عنها زوجها حفظته في غيبته فتلك عامل من عمال الله و عامل الله لايخيب و عن النبي صلي الله عليه و آله خير نسائكم العفيفة الغلمة و عن ابي‌عبدالله عليه السلام خير نسائكم الطيبة الريح الطيبة الطبيخ التي اذا انفقت انفقت بمعروف و ان امسكت امسكت بمعروف و عن رسول الله صلي الله عليه و آله الااخبركم بشرار نسائكم الذليلة في اهلها العزيزة مع بعلها العقيم الحقود التي لاتورع من قبيح المتبرجة اذا

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 24 صفحه 151 *»

غاب عنها بعلها الحصان معه اذا حضر لاتسمع قوله و لاتطيع امره و اذا خلا بها بعلها تمنعت منه كما تمنع الصعبة عن ركوبها و لاتقبل منه عذرا و لاتغفر له ذنبا و عنه صلي الله عليه و آله شرار نسائكم المقفرة الدنسة اللجوجة العاصية الذليلة في قومها العزيزة في نفسها الحصان علي زوجها الهلوك علي غيره و عنه صلي الله عليه و آله اياكم و خضراء الدمن ثم فسر قال المرأة الحسناء في منبت السوء و عنه صلي الله عليه و آله لاتزوجن شهبرة و لا لهبرة و لا نهبرة و لا هيدرة و لا لفوتا ثم فسر فقال اما الشهبرة فالذرفاء البذية و اما اللهبرة فالطويلة المهزولة و اما النهبرة فالقصيرة الذميمة و اما الهيدرة فالعجوزة المدبرة و اما اللفوت فذات الولد من غيرك و عنه صلي الله عليه و آله خير نساء ركبن الرجال ( الرحال ظ ) نساء قريش احنأهن علي ولد و خيرهن لزوج و روي شؤم المرأة كثرة مهرها و عقم رحمها و روي تزوجها سواء ولودا و لاتزوجها حسناء عاقرا و روي تزوجوا بكرا ولودا و عنه صلي الله عليه و آله تزوجوا الابكار فانهن اطيب شئ افواها و انشفه ارحاما و ادر شئ اخلافا و افتخ شئ ارحاما و عن اميرالمؤمنين عليه السلام تزوجوا سمراء عيناء عجزاء مربوعة فان كرهتها فعلي مهرها و روي عليكم بذوات الاوراك فانهن انجب و روي ان طاب لبتها طاب عرفها و ان ورم كعبها عظم كعبثها و روي من سعادة الرجل ان يكشف الثوب عن امرأة بيضاء و روي تزوجوا الزرق فان فيهن اليمن و روي المرأة الجميلة تقطع البلغم و المرأة السوداء تهيج المرة السوداء و روي ان الضحوك تقطع البلغم و روي ان الشعر احد الجمالين و روي اطلبوا الخير عند حسان الوجوه فان فعالهم احري ان تكون حسناء و روي اياكم و تزويج الحمقاء فان صحبتها بلاء و ولدها ضياع و روي الحمقاء لاتنجب و روي لايصلح تزويج المجنونة و قيل لابي‌عبدالله عليه السلام الرجل يريد ان يتزوج المرأة يجوز ان ينظر اليها قال نعم و ترقق له الثياب لانه يريد ان يشتريها باغلي الثمن و روي جواز النظر الي شعرها و محاسنها ايضا .

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 24 صفحه 152 *»

المقصد الثاني روي انه بلغ اباجعفر عليه السلام ان رجلا تزوج في ساعة حارة عند نصف النهار فقال عليه السلام مااريهما يتفقان فافترقا و عن ابي‌عبدالله عليه السلام ليس للرجل ان يدخل بامرأة ليلة الاربعاء و عنه عليه السلام من تزوج امرأة و القمر في العقرب لم‌ير الحسني و عن علي بن محمد العسكري عليهما السلام من تزوج في محاق الشهر فليسلم لسقط الولد و عن النبي صلي الله عليه و آله اذا جامع احدكم فلايأتيهن كما يأتي الطير و ليمكث و ليلبث و عن اميرالمؤمنين عليه السلام اذا اراد احدكم ان يأتي زوجته فلايعجلها فان للنساء حوائج و عن ابي‌عبدالله عليه السلام اذا اتي احدكم اهله فليكن بينهما مداعبة فانه اطيب للامر و عنه عليه السلام اذا تجامع الرجل و المرأة فلايتعريان فعل الحمارين فان الملائكة تخرج من بينهما اذا فعلا ذلك و روي انه سئل اجامع و انا عريان فقال لا و لا مستقبل القبلة و لا مستدبرها و عن النبي صلي الله عليه و آله لاينظر احد الي فرج امرأته و ليغض بصره عند الجماع فان النظر الي الفرج يورث العمي في الولد و روي كره النظر الي فروج النساء لانه يورث العمي و كره الكلام عند الجماع لانه يورث الخرس و كره المجامعة تحت السماء و روي اتقوا الكلام عند ملتقي الختانين فانه يورث الخرس و انما يورث الخرس في الولد و روي الرخصة في النظر الي الفرج في غير حال الجماع و روي تخصيص النظر اليه في ايراثه العمي بالنظر الي باطن الفرج و نهي ان يجامع الرجل علي ظهر طريق عامر فمن فعل ذلك فعليه لعنة الله و الملائكة و الناس اجمعين و روي لاتجامع امرأتك بشهوة امرأة غيرك فاني اخشي ان قضي بينكما ولد ان يكون مخنثا و روي لاتجامع امرأتك الا و معك خرقة و مع اهلك خرقة و لاتمسحا بخرقة واحدة فتقع الشهوة علي الشهوة فان ذلك يعقب العداوة بينكما ثم يؤديكما الي الفرقة و الطلاق و روي لاتجامع امرأتك من قيام فان ذلك من فعل الحمير فانه ان قضي بينكما ولد يكون بوالا في الفراش

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 24 صفحه 153 *»

كالحمير البوالة في كل مكان و روي لاتجامع امرأتك علي سقوف البنيان فانه ان قضي بينكما ولد يكون منافقا مرائيا مبتدعا و يكره الجنابة حين تصفر الشمس و حين تطلع و هي صفراء و روي لاتجامع امرأتك تحت شجرة مثمرة فانه ان قضي بينكما ولد يكون جلادا قتالا او عريفا و لاتجامع امرأتك في وجه الشمس و تلألأها الا ان ترخي سترا فيستركما فانه ان قضي بينكما ولد لايزال في بؤس و فقر حتي يموت و لاتجامع امرأتك بين الاذان و الاقامة فانه ان قضي بينكما ولد يكون حريصا علي اهراق الدماء و اذا خرجت في سفر فلاتجامع اهلك في تلك الليلة فانه ان قضي بينكما ولد ينفق ماله في غير حق و لاتجامع اهلك اذا خرجت في سفر مسيرة ثلثة ايام و لياليهن فانه ان قضي بينكما ولد يكون عونا لكل ظالم و روي اجتنبوا الغشيان في الليلة التي تريدون فيها السفر فان من فعل ذلك ثم رزق ولدا كان جوالة و روي لاتجامع امرأتك بعد الظهر فانه ان قضي بينكما ولد يكون احول و لاتجامع امرأتك ليلة الفطر فانه ان قضي بينكما ولد لم‌يكن ذلك الولد الا كثير الشر و لاتجامع امرأتك ليلة الاضحي فانه ان قضي ولد يكون له ست اصابع او اربع اصابع و لاتجامع في النصف من شعبان فان قضي ولد يكون مشوما ذا شامة في وجهه و لاتجامع في اول ساعة من الليل فان قضي ولد لايؤمن ان يكون ساحرا مؤثرا للدنيا علي الآخرة و روي لايجامع المختضب و علل لانه محتضر و سئل ابوجعفر عليه السلام هل يكره الجماع في وقت من الاوقات و ان كان حلالا قال نعم ما بين طلوع الفجر الي طلوع الشمس و من مغيب الشمس الي مغيب الشفق و في اليوم الذي تنكسف فيه الشمس و في الليلة التي ينكسف فيها القمر و في الليلة و في اليوم اللذين يكون فيهما الريح السوداء و الريح الحمراء و الريح الصفراء و اليوم و الليلة اللذين يكون فيهما الزلزلة ثم قال ابوجعفر عليه السلام و ايم الله لايجامع احد في هذه الاوقات التي نهي عنها رسول الله صلي الله عليه و آله و قد انتهي اليه الخبر فيرزق ولدا فيري في ولده ذلك ما يحب و روي من اتي اهله

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 24 صفحه 154 *»

في محاق الشهر فليسلم لسقط الولد و روي لاتجامع اهلك في آخر درجة اذا بقي يومان فانه ان قضي بينكما ولد يكون عشارا و عونا للظالمين و يكون هلاك فيام من الناس علي يده و روي لاتجامع اهلك في اول ليلة من الهلال و لا ليلة نصف و لا في آخر ليلة فانه يتخوف علي ولده من يفعل ذلك الخبل فقال ان الجن يكثرون غشيان نسائهم في هذه الليالي امارأيت المجنون يصرع في اول الشهر و في وسطه و في آخره و روي لاتجامع في اول الشهر و لا في وسطه و لا في آخره فانه من فعل ذلك فليسلم لسقط الولد و في رواية فان الجنون و الجذام و الخبل يسرع اليها و الي ولدها و رخص في اول ليلة من شهر رمضان و في رواية كراهة الجماع في نصف الشهر لان الهلال يتحول من حالة الي حالة يأخذ في النقصان فان فعل ذلك ثم رزق ولدا كان مقلا فقيرا ضئيلا ممتحنا و روي لايجامع الرجل امرأته و لا جاريته و في البيت صبي فان ذلك مما يورث الزنا يعني في الولد الذي يتولد لك لما روي في ذلك ان رزقت ولدا كان شهرة علما في الفسق و الفجور و عن الصادق عليه السلام اذا اتي احدكم اهله فلم‌يذكر الله عند الجماع و كان منه ولد كان شرك شيطان و يعرف ذلك بحبنا و بغضنا و روي لاتجامع في السفينة و روي يكره ان يغشي الرجل المرأة و قد احتلم حتي يغتسل من احتلامه الذي رأي فان فعل فخرج الولد مجنونا فلايلومن الا نفسه و روي اني لاكره الجنابة حين تصفر الشمس و حين تطلع و هي صفراء روي عليك بالجماع ليلة الاثنين فانه ان قضي بينكما ولد يكون حافظا لكتاب الله راضيا بما قسم الله عز و جل له و ان جامعت اهلك ليلة الثلثا فقضي بينكما ولد فانه يرزق الشهادة بعد شهادة ان لا اله الا الله و ان محمدا رسول الله و لايعذبه الله مع المشركين و يكون طيب النكهة و الفم رحيم القلب سخي اليد طاهر اللسان من الكذب و الغيبة و البهتان و ان جامعت اهلك ليلة الخميس فقضي بينكما ولد فانه يكون حاكما من الحكام او عالما من العلماء و ان جامعتها يوم الخميس عند زوال الشمس عن كبد السماء فقضي بينكما ولد فان

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 24 صفحه 155 *»

الشيطان لايقربه حتي يشيب و يكون قيما و يرزقه الله السلامة في الدين و الدنيا و ان جامعتها ليلة الجمعة و كان بينكما ولد فانه يكون خطيبا قوالا مفوها و ان جامعتها يوم الجمعة بعد العصر فقضي بينكما ولد يكون معروفا مشهورا عالما و ان جامعتها في ليلة الجمعة بعد العشاء الآخرة فانه يرجي ان يكون الولد من الابدال ان شاء الله ، فهي جملة كافية في امر النكاح و لايسع الكتاب ذكر علل هذه الامور مما قد يظهر لنا و اما ما لم‌يظهر فاكثر كثير و يأتي بعض مسائل الحمام في آخر الكتاب .
فصل في الاعراض الواصلة و لنا في ذلك بيانات قد تقدم الاشارة الي بعضها و لنذكر هنا بعض ما يمنحه الله سبحانه و ان فيه لتذكرة لاولي الالباب اعلم ان الله سبحانه خلق الانسان في ملكوته علي صورة عالية عن المواد خالية عن القوة و الاستعداد صافية عن الاعراض بريئة من الامراض ليس في واحد منهم شوب غيره كائنا ما كان بالغا ما بلغ و كل احد منهم متهيئ بصورته الذاتية لا العرضية و هم في هذا الحال في الملكوت في عالم النفوس و قدر الله سبحانه ان تنزلت تلك النفوس فلحقتها اعراض كل رتبة فاول ما نزلت نزلت الي عالم الطبايع فلحقتها اعراض طبيعية ثم الي عالم المادة فلحقتها اعراض مادية ثم الي عالم المثال فلحقتها اعراض مثالية ثم الي عالم الاجسام الهورقلياوية فلحقتها اعراض جسمانية ثم الي هذه الدنيا فلحقتها اعراض دنياوية و جميع هذه الاعراض غير حقيقة الانسان فان الانسان انسان بمادته و صورته فمادته شبح النفس الكلية اللاهوتية الالهية و صورته خصوصية صورته الناطقة القدسية الملكوتية و هذا في الشرع الوجودي و قد يلحقه مادة ثانية من اشباح الاوامر الشرعية و نواهيها و صورة من امتثاله و تعبده بها فيترقي في المقامات الكونية و يتلطف و يترقي الي ما شاء الله فذلك حقيقة الانسان الشرعي و الكوني ثم كل ما لحق هذا الانسان من الاعراض الجنية و الحيوانية و النباتية فتلك اعراض لحقته حين النزول و تفارقه

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 24 صفحه 156 *»

حين الصعود الي ان يلحق رتبته التي نزل منها و ذلك قوله سبحانه كما بدأكم تعودون و قوله و لقد جئتمونا فرادي كما خلقناكم اول مرة اي فرادي مما اقترن بكم من الاعراض و اعلي مقامات الجن النار المارجة الحاصلة من الشجر الاخضر المخلوق من فاضل طينة حواء المخلوقة من نفس آدم من ضلعه الايسر فما لحقه من ذلك النار اعراضه ثم بعد تلبسه بذلك النار تلبس بالريح التي هي مبدؤ الروح و منها حيوة كل حيوان فكانت اعراضه و بعد تلبسه بها تلبس بالطبايع العنصرية التي هي مبدؤ النباتات فكانت اعراضه فاذا عادت عادت الي ما منه بدئت و هي النفس القدسية الانسانية الملكوتية و قد ذكرنا ذلك استطرادا و الغرض ان النفس القدسية ذات فعلية جميع كمالاتها و هي كلها حاصلة لديها بالفعل حاضرة عندها من غير ترقب الا ما تترقي فيه من المراتب الملكوتية بترقياتها فلما نزلت الي النار استجنت تلك الكمالات فيها ثم اذا نزلت الي الهواء استجنت النار فيه مع ما استجن فيها فاذا نزل الي العناصر استجن فيها الهواء مع ما فيه فكان علي ذلك الي ان دار الافلاك و القت الانوار فمكنتها و كلستها و نعمتها حتي برز منها آثار الطبايع ثم دارت عليها دورة اخري بقوة ارواحها الغيبية فمكنتها مرة اخري و كلستها و نعمتها حتي ظهر فيها آثار الحيوة الكامنة فيها ثم دارت عليها دورة اخري بقوة النار الكامنة فيها فمكنتها و رققتها حتي اظهرت فيها آثار نفوس الجن ثم دارت عليها دورة اخري بقوي نفوسها القدسية فكلستها و نعمتها حتي استخرجت ما فيها من النفوس القدسية فنمي و ربي و سنبل و احب ذلك الحب المزروع في ارض الطبايع معدن الياقوت و الكثيب الاحمر و النار الحاصلة من الشجر الاخضر فانتقلت القوة الي الفعل و السماع الي العيان و الوجود الي الشهود و صار العود علي البدء و كل ذلك مقدمات للبيان حتي يصير الامر كالعيان و المقصود في هذا الفصل ان نقول ان لفعليات النفوس الغيبية انصباغات في مرايا القوابل الشهودية و تعلقات بها و ارتباطات بآلاتها و مناسبات بادواتها فتتحرك تلك الادوات و تسكن علي حسبها فاذا اعرضت النفوس اعرضت الادوات علي حسبها و اذا اقبلت اقبلت علي حسبها حرفا بحرف فان الظاهر لباس

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 24 صفحه 157 *»

علي جسم الباطن يتحرك بحركته و يسكن بسكونه علي تناسب و تحاد لايفضل احدهما عن صاحبه الا بعارض و هذا سر عظيم و حكمة جسيمة و ان الادوات اطوع لتلك النفوس من اطاعة بعضها لبعض بل لا طاعة لبعضها مع بعض الا باذن تلك النفوس بل لايقبل شئ من تلك الادوات الاعراض كائنة ما كانت الا برخصة من تلك النفوس كونية او شرعية و قد تختلفان فتتخلفان فلربما تكره شيئا شرعا و لكن ترضيها كونا و يغلب رضاها الكوني علي الشرعي فيقع ذلك و لو كان لشرعيتها قوة لكانت تغلب من هذا الحيث البتة و من عرف سر هذا المقام عرف ان الانبياء و الرسل عليهم السلام مااتوا بهذه الشرايع الا لاصلاح الباطن و الظاهر فاذا صلح الباطن انفعل الظاهر و صلح بصلاح الباطن البتة و هذا معني ما روي عن النبي صلي الله عليه و آله من اصلح سريرته اصلح الله علانيته ، و ذلك لما عرفت ان الظاهر تابع في حركاته و سكناته و حالاته للباطن فلاتعرض الابدان حالة الا بواسطة النفوس و من اجلها فهذه الاعراض العارضة علي الابدان اصلها و منشأها النفوس فاذا تحركت النفوس القدسية في ملكوتها بحركة تحرك الحس المشترك بحركتها لانه من حيث الاعلي ملكوتي فحرك الروح البخارية باسفله و حركت الروح البخارية ما يليها في اللطافة و هو المخ و حرك المخ النخاع و الاعصاب و حركت الاعصاب العضلات و اللحوم فتحركت الاعضاء بحركة النفس علي حسبها فان حركة النفس المجردة تظهر في الاعضاء المادية المركبة علي حسب قابليتها فتظهر تلك الحركات في الابدان علي نهج اكثف و اغلظ علي حسب غلظة الاعضاء و كثافتها فمن ذلك الغضب و الخوف و الهم و السرور و الخجل و امثالها فالغضب هو حركة النفس بصولة نحو المغضوب عليه فاذا تحركت و تحركت بحركتها الروح البخارية الفلكية مالت الروح الي خارج البدن و مال بمشايعتها الدم الذي هو مركبها الي ظاهر البدن فيحمر الوجه و العين و ينتفخ الوجه و يمتد خطمه و يرتعش اعضاؤه و يعلو صوته و يسخن بدنه و يعلو نفسه و تسرع حركاته كل ذلك لاجل ميل الروح و الدم و الصفراء الي الظاهر بصولة و بطش و ربما يكون في الانسان صفراء غالب فتهيج و تميل الي الظاهر فيصفر الوجه و ساير

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 24 صفحه 158 *»

الاعراض علي ما مر و لا شك ان عروض هذا العرض ان كان لله سبحانه و بطاعته يقوي الحرارة الغريزية و يحرق الرطوبات و البلغم الزايد في المزاج و الفاسد و لايضر بالصفراء و الدم فان الحرارة الغريزية تمسك الاخلاط عن الفساد كما مر ان الطاعة تقوي البدن و ان كان للنفس و اتباع هويها فان ذلك ينفع الرطوبات الغريبية ان كانت و لكن يضر بالدم و الصفراء و يخرج البدن عن الاعتدال و يسخنه و لربما يؤدي الي الحمي و غيرها من الامراض الحارة كما هو معلوم و اما الخوف فهو حركة النفس الي الفرار عن الشئ و الفزع عنه فذلك يورث فرار الروح عن ظاهر البدن و احتقانها في اعماقه و في القلب حذرا عما تخافه فاذا انهزمت الروح و الحرارة بقيت البرودة و اليبوسة اللتان قدمهما الروح تحصنا بجدارهما في ظاهر البدن فيصير لون الوجه كوجه الميت و يتبرد الاعضاء فيرتعش بتوجه الروح دفعة و ادبارها دفعة فيجف الفم و يجمد العين و يمتد العرنين و يصلب الجلد علي نحو اعراض الميت فهذا العرض يبطل الحرارة و الرطوبة و يقوي السوداء فيحدث امراضا يناسبها و اما الهم فهو حركة النفس نحو شئ مطلوب وجوده علي نحو الطلب فيتحرك الروح لاجله نحو الداخل حتي ينقطع عما سوي مطلوبه و تفرغ النفس للتوجه اليه و تمثيله في خيالها فيعرض علي ظاهر البدن اعراض الخوف اذا دام و يلحقه اعراض كثرة النوم لانه كالنوم الا في الرطوبة التي تحصل للنائم المضطجع و اما الغم فهو ايضا كالهم الا انه في ما فاتها لا ما تطلبها فيما بعد و اما السرور فهو حركة النفس نحو الشئ الخارجي فتتحرك الروح الي ظاهر البدن و يشايعها الدم و الحرارة فيشرق اللون و يشرب بحمرة مع بريق و تلألئ فان رطوبة الدم تشرق اللون بخلاف حمرة وجه الغضبان فانه مع الصفراء اليابسة فلا بريق له فالمسرور يحمر وجهه مع بريق و لينة و كشر عن السن و ربما يدمع العين لتوجه الحرارة اليها و دفع الطبع اياها بالماء و اما الخجل فهو احتجاب النفس خوفا عن النظر الي من يراه فكذلك تقدم الروح الدم و تحتجب من ورائه فلذلك يحمر الوجه و يدر العرق و يطرق الرأس و يغطي العين بيده لئلايري رؤية من يخجل عنه و اما الشهوة فهي حركة النفس نحو الشئ بميل و ارادة اتصال فكذلك تتحرك

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 24 صفحه 159 *»

الروح الي الظاهر و يشايعه الدم فيتسخن ظاهر الجلد و يرتعش و ينتفخ الاعضاء و يحمر الوجه باشراق و كشر عن السن و يبرق العين و يزيد الظلم و الريق و انما جميع ذلك حركات نفسانية يتبعها حركات الجسد بواسطة الحس المشترك الرابط بين الملك و الملكوت و قد يكون اسباب الاعراض من الامور الطبيعية فاذا غلبت طبيعة في الانسان علي نحو خاص تغير الروح البخارية علي نحوها البتة لانها متولدة من الطبايع العنصرية فاذا تغيرت الروح و هي مرآة الحركات النفسانية كما مر ينصبغ فيها حركات النفس فان اشباحها مادة ما يظهر في الروح و صورتها من نفس الروح فاذا ظهر في الروح تلك الحركة علي هيئة خاصة عملت عمل تلك الصورة البتة فاذا كانت النفس منهمكة في الطبايع مقيدة بقيود الجسد متحجرة بتحجر الجسد او ما يقرب منه انعكست الصورة من الروح في الحس المشترك كما تنعكس الاشباح الخارجية فيه فيقع فيه امثلتها فسرت الي اعلاه فانعكس منه الي الخيال في عالم الملكوت و منه الي النفس و ان كان النفس تدرك ملكوت الصورة اذا توجهت الي ملكوتها و الحس المشترك برزخيتها و الادراك الظاهر ملكيتها فاذا وصلت الي النفس تهيأت النفس بهيئتها البتة فصارت تغضب من غير باعث او تخاف من غير جهة او تسر من غير سبب او تهم لغير شئ او تغتم لغير واقعة او تخجل بغير حادثة فاذا تحركت النفس كذلك انعكست آثارها ثانيا الي الروح فتحركت علي نحو حركتها فظهرت تلك الاعراض في البدن من غير سبب خارج حتي ان الرجل قاعد في بيته فيتفكر فيغضب غاية الغضب او يتفكر في مشته فيظهر عليه آثار الشهوة حتي ربما انه يمني و كذلك ساير الصفات و من هذا الباب انه اذا غلبت الرطوبة و الحرارة في البدن يكثر احتلام الرجل و يري في منامه النكاح و غيره و كذلك كل انسان يري غالبا ما يناسبه و يناسب طبعه حتي ان العطشان يري الماء و الجوعان يري الخبز و الدموي يري حمرة و الصفراوي صفرة و البلغمي بياضا و السوداوي سوادا و ان كل ذلك الا انه ينعكس من الروح البخارية المتولدة من الطبايع مثال في الحس المشترك بالمشاكلة و يسري صاعدا متلطفا مترققا الي النفس فتنصبغ فتدركه و انما ذلك حين التفاتها الي عالم

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 24 صفحه 160 *»

الملكوت و النفس و الا فالشئ الذي تدركه النفس في الخارج ليس بملكوتي فان النفس وحداني الجهة لاتقدر ان تتوجه الي شيئين فاذا توجهت الي الظاهر رأت الظاهر خاصة و ذهلت عن ساير المدارك الباطنة المنطبقة علي الظاهر فلم‌تر الا الظاهر كما انك تذهل عما في المنظرة اذا نظرت عنها فلاتدرك الا الخارج و اما اذا غفلت عن الخارج و التفتت الي ما في الخيال رأيته و حينئذ تغفل عن الخارج البتة و لم‌ترها كما انك اذا نظرت الي المنظرة و التفتت اليها غفلت عن المصحف و لم‌تره و اذا نظرت الي نفس المرآة غفلت عن الشبح الذي فيها او اذا نظرت الي نفس الشبح غفلت عن الشاخص و عن نفس المرآة فلايحس الانسان بما في نفسه ما دام غايرا في المحسوس الخارجي لفناء الوسائط في الوجدان فلاجل ذلك لاتجد في نفسك حالة ما لم‌تلتفت اليها فبمحض وجود طبع في البدن ليس تتحرك النفس الا اذا ان تلتفت الي ملكوتها و الي ما فيها من الصورة المنطبعة بالمطابقة و التقابل و التناسب فاذا عرفت ذلك و عرفت ان الاعراض كيف تؤثر في البدن اذا انعكست عن النفس و كيف تكون قوي الاثر بحيث لايوازيها الف علاج بالعقاقير و تفعل الاعراض في البدن ما لايفعله العقاقير في قرن من السنين فعالج نفسك بالاعراض الشرعية و عودها العادات الجميلة و الاخلاق الحسنة و الافعال المحمودة و الصفات الزكية و الحالات المعتدلة حتي تعتدل بدنك و روحك و نفسك فانه اذا كانت انحرافات الانفس تؤثر في البدن هذه الآثار الجلية حتي انها تمرض و تقتل في اسرع من طرفة عين و تكون اعظم من كل سم نقيع فكيف لاتؤثر اعتدالاتها فعدلها في الاخلاق حتي يعتدل البدن فاذا اعتدل مزاجه و فارق الاضداد فقد شارك السبع الشداد البتة و دفع عن نفسه كل عرض و مرض و انحراف ما لايدفعه الدواء في قرن من السنين البتة فان اعتدال النفس لايكون اضعف من انحرافها اذا اعتدلت بل صحة غالب الناس هذه القليلة الضعيفة من اعتدالهم الضعيف فلو استقاموا علي الطريقة لاسقيناهم ماء غدقا و لنا في مقام الاعراض بيانات شريفة تركناها خوف الاطالة و الخروج عن وضع الكتاب فلنكتف بما ذكرنا و فيه الكفاية

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 24 صفحه 161 *»

لغرضنا و الحمد لله و كذلك هذا القدر من البيان كاف في متممات بدن الانسان .
البٰاب الثامن في معرفة الدلائل علي جهة العموم علي الامراض الحاصلة في الابدان من جهة ما يخرج من البدن لا الاعراض الحادثة اعلم انا قد قدمنا سابقا ان الصحة هي كون البدن و اجزاؤه علي الوضع الالهي الذي يجري معه افعاله علي ما خلق له و المرض انحرافه عن ذلك الوضع فلايجري معه افعاله علي ما خلق له فالافعال ادلة علي صحة آلات البدن و مرضها اذ خفيا عن الحس الظاهر و اذا خفيا عن حواسنا احتجنا الي الاستدلال عليها مما يظهر لنا من آثارها و قد عرفت اقسام المرض الكائن في البدن انه اما خلقي او حادث و الحادث اما موروث او مستفاد و المستفاد اما يحدث من الاسباب الداخلة او الخارجة و المستفاد من الاسباب الخارجة اما يستفاد من النائبات الاتفاقية او المتممات و اما المستفاد من الاسباب الداخلة اما يستفاد من قبل الطرطير المعدي او الكبدي او القلبي او الدماغي او الاعضاء الخادمة لها و ساير الامراض المتقدمة ايضا تؤل الي هذه الخمسة فهي اصول الامراض و كل واحد منها اما مائي او دهني او ملحي فبسائط الامراض خمسة‌عشر و مركباتها ايضا خمسة كما مر فجميعها عشرون قسما فلنتكلم الآن في الادلة الكلية علي اصول الامراض في فصول :
فصل في الاستدلال علي امراض المعدة فالدليل عليها البراز و القي‌ء و ما يعلو اللسان من الاخلاط فاعلم ان البراز هو آية احوال ما في المعدة من الطرطير و ما في الامعاء منه و الاعراض الداخلة عليهما بسبب الطرطير فان خروج البلغم معه يدل علي تكون الطرطير المائي فيهما علي الصفات التي مضت في الاخلاط و ان خرج معه الصفراء فانه يدل علي تكون الصفراء في المعدة او انصبابها الي الامعاء علي الصفات التي مضت و ان خرج معه السوداء دل علي تولدها في المعدة علي الصفات التي مضت و ان خرج معه مدة او دم دل علي قرحة في الامعاء الوسطانية

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 24 صفحه 162 *»

و قبله علي قرحة في المعاء المستقيم و بعده في الامعاء الدقيقة ثم اعتدال البراز كونه معتدل القوام بين اليبس و اللين و يكون له لون ناري غير مشبع و رايحته الرايحة المعهودة يندفع علي نهج الاعتدال في الاوقات العادية بكمية مناسبة للغذاء فمهما تغير شئ من ذلك دل علي تغير اعراض المعدة فالناري المشبع دل علي غلبة الصفراء و عدم الصفرة دل علي قلة الصفراء او انصبابها الي موضع آخر و الاخضر يدل علي المرار الزنجاري و الاسود يدل علي افراط السوداء و الرايحة الحامضة علي برد المعدة و بلغم حامض و زيادة نتنه علي المعهود يدل علي رطوبة غليظة عمل فيها حرارة غريبة و ان برز بكلفة فيدل علي ضعف الدافعة و ان برز بسرعة يدل علي قوتها و تأخره عن وقت العادة يدل علي ضعف الدافعة و تقدمه عليه يدل علي ضعف الماسكة او خلط لداغ في الامعاء و اما كميته فكثرته مع كثرة الغذاء تدل علي قوة الهاضمة و مع قلة الغذاء تدل علي ضعف الغاذية و قلته مع قلته تدل علي الاعتدال و مع كثرة الغذاء تدل علي زيادة الماسكة او الغاذية و علي هذه فقس ما سويها و ان كان مع مغص و تزحر يدل علي خلط حاد لداغ في الامعاء و هكذا فاعرفه و كذلك يستفاد من الاخلاط التي تعلو علي اللسان فان كان حمل اللسان ابيض و طعمه تفه او حامض او حلو في الجملة يدل علي تولد البلغم في المعدة و الطرطير المائي و ان كان اصفر و طعمه مرا يدل علي تولد الصفراء في المعدة و ان كان اسود و طعمه حامضا يدل علي تولد السوداء في المعدة و اما حمرة اللسان و حلاوته فتدل علي زيادة الدم في البدن و لا خصوصية له بالمعدة و قد يستدل علي احوال المعدة بالقي‌ء ان كان فيستدل من الوانه علي الاخلاط و برايحته و طعمه اما الالوان و الاخلاط و الرايحة فكما مر في البراز و اما طعمه فحموضته تدل علي غلبة الرطوبة و قلة الحرارة و مرارته تدل علي غلبة الصفراء و قد مر جملة من احوال الطعوم في الاخلاط فراجعه و استنبط منه فاعرف ذلك .
فصل في الاستدلال علي احوال الكبد فيستدل عليها من البول فانه اقرب شئ اليها و ذلك لانه مائية الدم المندفعة الي الكليتين و المثانة الخارجة من

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 24 صفحه 163 *»

طريق الاحليل و ينبغي اخذه في قارورة كبيرة بيضاء نقية صافية و يكون اخذه بعد النوم المعتدل و قبل ان يشرب الماء و بعد ان ينهضم غذاؤه و ينحدر عن المعدة و الامعاء الدقاق و لايؤخذ عند الجوع و العطش ثم يترك القارورة ساعة جيدة حتي يستقر فيها الرسوب و الاحسن ان يضعها في رماد حار في الجملة او رمل حار و ان كانت القارورة من بلورة مصنوعة علي هيئة انسان مجوف و يبول فيها كان احسن و سر ذلك ان البول هو فضلة الكيموس فكما ان الصافي الباقي في الكبد مختلف الجوهر يعني فيه لكل عضو جزء مناسب معه حيزه حيزه بحيث لو خلي و طبعه ذلك الجزء وقف موقف ذلك العضو فكذلك يكون حال فضلته و طرطيره فلو خلي و طبعه وقف ذلك الطرطير في حيز خاص بالاصل الصافي فان طرطير الاصفي اصفي من طرطير غير الاصفي فاذا بال الانسان في قارورة علي هيئة انسان و وضع علي الرماد الحار حتي لاينعقد فلاينتقل اجزاؤه عن حيزها انتقل كل جزء منه الي حيزه و وقف الاصفي منه و الالطف فوق الاغلظ البتة و وقف الاقوي من الجزئين المتشاكلين في الرقة في جانب اليمين و الاضعف في جانب اليسار لعدم وقوع شئ في محل من غير مرجح فيقف طرطير الغذاء المناسب للدماغ فوق باقي الاجزاء و طرطير الغذاء المناسب للقلب و الحجاب و الرية و امثالها في الوسط و طرطير الغذاء المناسب لاسافل البدن في اسفل القارورة و اعتدال البول ان يكون لونه اترجيا براقا شفافا صافيا معتدل القوام و تغييرات البول اما تكون من قبل القوام و اما تكون من قبل اللون و اما تكون من قبل الصفا و الراسب و اذا علمت صفات الطراطير مما سبق علمت تولد نوع الطرطير في الكبد و ربما يخرج مع البول مدة فيدل علي حصول ورم في المجاري و قرحها و ربما يكون فيه رمال و يدل علي حصول الرمل في المثانة و لسنا بصدد تطويل جزئيات ذكروها فلانطيل و الغرض ما لم‌يذكروه ثم اعلم ان البول ثلثة اقسام بول متولد من الغذاء الوارد و بول متولد من نفس الاعضاء و ذلك يكون دالا علي ذوبان بعض شحوم الاحشاء او اللحوم و تقشرها و بول متولد من داخل و خارج فيكون مركبا من الامرين و قد يتفق ان يكون البول احمر قانيا ثخينا فهو يدل علي ضعف مميزة الكبد و ضعف

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 24 صفحه 164 *»

جاذبة الكلية فان البول اول ما ينزل اليها فيه قليل دم و تجذبه لغذائها فاذا كان جاذبتها ضعيفة يبقي فيه الدم فالبول يدل علي علل المجاري و علي علل الكبد و جملة البدن بواسطة العروق فاعرف ذلك و راجع للتفاصيل الي كتب القوم و قد يستدل علي الكبد من العروق الغير الضوارب من امتلائها و فراغتها و لينها و صلابتها و ظهورها و خفائها و ملمسها فاذا عرفت صفات الاركان الثلثة لاتحتاج هيهنا الي تفصيل فهذا طريق جملة الاستدلال علي احوال الكبد و مجاري البول .
فصل في الاستدلال علي احوال القلب فيعرف ذلك بواسطة النبض و لكن للماهر النحرير المواظب لاحوال الاشخاص المجرب بهم العارف باحوال البلاد و الازمان و الحالات النائبة و المتممات و في معرفة ذلك عسر عسير و احسن من يقدر علي معرفة النبض نفس الانسان اذا كان بصيرا بعلمه مواظبا لنفسه و الا فالطبيب الذي ليس يعرف الانسان او ليس يعرف قانون نبضه الطبيعي او ليس يعرف ما نابه من الامور او ليس يعرف تدبيره في المتممات فلايكاد يعرف ابدا و لكن الاطباء اعتادوا اخذ النبض و كذا المرضي اعتادوا بذلك و لايعرف احد منهم شيئا من احوال النبض نعم يعرفون انه ينبض ام لا فقط بالجملة فالشريانات التي ينبغي للطبيب ان يلمسها فشريانان تحت الكعبين من داخل القدم يعرف بهما احوال اسافل الاعضاء و شريانان عند الزندين يعرف بهما احوال اوساط البدن و شريانان في الصدغين يعرف بهما حالات الرأس و كذا الشريانان اللذان في جنبي العنق فهما برزخان بين القلب و الرأس و ذلك لان الدم الشرياني و البخار الصاعد منه ينزل ثقالهما الي اسافل البدن و يصعد لطايفهما الي اعالي البدن و يتوسط متوسطهما في اوساط البدن فجعل الله سبحانه لكل واحد منها منبضا يعرف منه حاله فاذا اردت المس فان كان في البدن حرارة عارضة فبرد الموضع حتي تدفع الحرارة العارضة و ان كان برودة عارضة فسخن الموضع قليلا ثم مس العرق حتي تعرف الحال حقيقة و اعلم ان النبض عند غلبة الزيبق يكون بطيئا لينا و عند غلبة الكبريت يكون حادا سريعا و عند غلبة الملح يكون صلبا بطيئا و تفقد في الامراض

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 24 صفحه 165 *»

العامة جميع المنابض و في الامراض الخاصة النبض القريب من ذلك العضو و قد ذكر للنبض في كتب الاطباء امور هي في الاستدلال قريبة و لكن في التشخيص بعيدة و من ارادها فليطلبها من مظانها .
فصل فيما يستدل به علي احوال الدماغ فيستدل عليه بما يجري من المنخرين و اللحاء فانه ان كان سبب المرض فيه الزيبق يكثر السائل و يرق مع برودة و عدم انتضاح و بياض و فجاجة و ان كان سبب المرض فيه الكبريت يكون السائل غليظا لزجا اصفر او احمر و ان كان سبب المرض الملح يقل السائل و يجف الفم و المنخران و ان كان معتدلا في الحالات دل علي اعتداله و ان وجد مع عدم السائل ثقلا في الرأس دل علي ضعف الدافعة و ان وجد في السائل نتنا دل علي ضعف الحرارة الغريزية و لزوجة المادة و حرارة غريبية ضعيفة دائمة .
فصل فيما يستدل علي حالات ساير الاعضاء عموما و خصوصا علي نهج الاجمال فالخارج عنها عموما العرق فالعرق للاعضاء كالبول للكبد فهو ايضا من سبب داخل و خارج فالداخل هو ذوب اللحم و السمين و خروجهما من المسامات و الخارج هو ما يفضل من غذاء الاعضاء فيخرج مائيته بطريق العرق و كبريتيته بطريق الدهن و ملحيته بطريق الشعر فمهما كان العرق رقيقا باردا ابيض دل علي الزيبقية في الاعضاء و كثرة برودته ردي جدا و مهما كان حارا غليظا دسما اصفر دل علي الكبريتية في الاعضاء و ان كان فيه نتن دل علي لزوجة الخلط و ضعف الحرارة الغريزية و عروض الغريبة و نتن المادة و حموضته تدل علي الزيبق الحامض في الاعضاء و خروجه من عضو دون عضو دل علي وجود العلة و قوتها فيه و تواتره دل علي كثرة الرطوبة و قوة المزاج و اعتداله في الكثرة و القلة دليل الاعتدال و خروجه بعد المرض دليل قوة المزاج و نضج الخلط و استيلاء الطبع و يبس البدن و جفافه يدل اما علي برد مسدد او حر مجفف او ضعف الحرارة الغريزية و قد يحدث العرق عند ميل الحرارة الغريزية الي خارج البدن لوجود

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 24 صفحه 166 *»

برد في الاعضاء الباطنة ينهزم عنه الطبع الي خارج البدن فيحلل الرطوبات التي تحت الجلد بخارا فيخرجها عرقا و ذلك مثل ما يحدث كثيرا عند شرب الماء في الصيف حال انفتاح المسامات و كذلك ربما يحدث العرق لبعض الناس من قبل ضعف مزاجهم و ذلك ان حرارتهم الغريزية ضعيفة لاتقدر علي تحليل الرطوبات الواردة في ابدانهم فاذا هاجت الي الظاهر عند بعض الحركات و مالت الي الظاهر حللتها عرقا و اخرجتها و اما ما يخرج من الاعضاء الخاصة كالمدة و القيح و القمل و الوسخ و امثال ذلك فهي مذكورة في كتب الاصحاب لانطيل الكلام بذكرها و من ارادها فليطلبها من مظانها و قد يستدل علي الامراض من قبل الاعراض و ذلك ايضا كثير مذكور في كتبهم و لسنا بصدد بيان ما تكفلوا به حق التكفل و لم‌يقصروا فيه فهذا جملة القول فيما يستدل به علي امراض الاعضاء الرئيسة و غيرها من قبل ما يخرج منها فافهم .
البٰاب التاسع في حقيقة الامراض بطور انيق و طرز رشيق لم‌يعقله احد من الاطباء و الحكماء في ما اعلم اعلم انا قد تحققنا من حكمة آل‌محمد عليهم السلام ان كل صورة تحققت في العالم تجذب روحا خاصة تشاكلها من خزائن الله سبحانه الغيبية و انما ذلك في الصعود و العود و الا ففي الحقيقة لايتحقق صورة في هذا العالم الا بعد تحقق ارواحها في الخزائن الغيبية عن النبي صلي الله عليه و آله نقلا عن طب النبي صلي الله عليه و آله اصل كل داء من البرودة ، و الذي افهم من هذا الخبر ان بدن الانسان قوامه بالحرارة الفلكية الغريزية و هي اذا كانت قوية تدفع كل عرض عن الانسان و جميع ما يلحق بالبدن اعراض بالنسبة اليها و هي اصله و عموده فاذا مرضت تلك الحرارة بردت لان البرودة ضد الحرارة و هي المرض فاذا ضعفت و مرضت لم‌تقدر علي دفع الاخلاط الداخلة و العوارض الخارجة فهاج به خلط او لحقته الاعراض و اصل مرضه ضعف تلك الحرارة و الباقي اعراض و لذلك اذا قوي الحرارة ازالت بنفسها الاعراض من غير علاج آخر لدفعها فافهم فانه حق حقيق بالاخذ ، منه ( اعلي الله مقامه )
فان الله سبحانه يقول و ان من شئ الا عندنا خزائنه و ماننزله الا بقدر معلوم و قد كانت الارواح في خزائنها و تنزلت حتي تجسمت في هذا العالم علي شكل يشاكلها فالارواح حقيقة اجسام متروحة و الاجسام حقيقة ارواح متجسمة و اول ما يخلق الله سبحانه من كل شئ

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 24 صفحه 167 *»

عقله و يقول له ادبر فيدبر الي ان يصل الي عالم الاجسام ثم يقول له اقبل فيقبل الي ان يصل الي حيث مبدئه و كل شئ له فعلية خاصة به في نفسه ثم اذا نزل الي عالم طبايعه تصير فعلياته بالقوة الي ان يصل الي غاية نزوله ثم اذا اخذ في الصعود يصعد الي ان يصل ثانيا الي عالم فعليته حيث كان بالجملة فروح كل شئ اي نفسه مقدمة علي صورته الظاهرة وجودا و مؤخرة عنها ظهورا فان من شئ الا و له روح و يقال في الصعود ان الصور جاذبة للارواح و قد حققنا ذلك في علوم كثيرة بلغات مختلفة و من ذلك صوافي الاغذية التي يأكلها الانسان اذا دخلت في الكبد و تشاكلت و تصفت فانها صورة تجذب روحا خاصة بها و هي النفس النباتية الجاذبة الماسكة الهاضمة الدافعة المربية ذات زيادة و نقصان و تلك النفس كانت مقدمة عليها وجودا و تأخرت عنها ظهورا و من ذلك انها اذا دخلت القلب و تبخرت و البخار صوافي ذلك الصافي و لطايفه فاذا صارت بخارا صافيا جذبت روحا فلكية خاصة مشاكلة لها و لذا تختلف ميولات الحيوانات علي ما تري و تلك الروح سامعة باصرة شامة ذائقة لامسة راضية غاضبة و من ذلك انها اذا صعدت الي الدماغ و تلطفت مرة اخري في الشبكة التي في قاعدة الدماغ و صعدت في العرقين الصاعدين الي تجاويف الدماغ جذبت روحا نفسانية متفكرة متخيلة متوهمة عالمة عاقلة و هذه النفس ايضا كانت متقدمة عليها وجودا و تأخرت عنها صعودا و بروزا و هذه النفس ايضا مشاكلة لذلك البخار و لذا تختلف ميولات الاناسي الظاهرة علي ما تري و هذا المقام هو مقام الجن فان الجن لهم هذه المدارك و لهم هذه المشاعر و الانسانية فوق ذلك و انما تظهر في هذا البدن الانسانية بعد استكمال المراتب بالمجاهدات و الرياضات الشرعية فاذا عرفت ذلك و تبينت ما هنالك فاعلم ان هذا البدن اذا تم له هذه المراتب الثلثة التي هي مراتب القوابل و استكملت و تلطفت بالمجاهدات الشرعية الملطفة للارواح المرققة لها الموجهة اياها الي حيث مبدئها تعلق بها الروح الانسانية ذات العلم و الحلم و الذكر و الفكر و النباهة و ليس لها انبعاث في

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 24 صفحه 168 *»

هذا البدن و انما مقرها العلوم الحقيقية كما عرفت و هي النفس الناطقة القدسية الملكوتية التي مظهرها الكرسي في هذا العالم ثم اذا تأدب نفس الانسان بالآداب الالهية و تخلقت باخلاق الله و اتصفت بصفات الله و اتسمت بسمات الله و تلطفت جذبت العقل الظاهر في العرش و هو روح القدس المخصوص بالانبياء و الاولياء فكان نبيا و هكذا الي ما شاء الله فاذا عرفت ذلك فاعلم ان الملائكة و الشياطين اطراف الوجود و هم ناقصون لايستكملون فانهم نهايات الوجود و اطراف الشهود كالبياض و السواد و الطول و القصر و القيام و القعود مثلا فالبياض ابدا بياض و السواد ابدا سواد و الطول ابدا طول و القصر ابدا قصر و القيام قيام ابدا و القعود قعود ابدا و هكذا ساير النهايات و اما النبات و الحيوان و الجن و الانس و النبي وجودات تامة قابلة للاستكمال فانها ذات قوة و استعداد و تتعلق بهم احكام شرعية و بامتثالهم اياها يترقون و يعرجون في معارج القوة و الاستعداد الي ما لا نهاية له و اما الملائكة و الشياطين فليس لهم القوة و الاستعدادات الشرعية لانهم اطراف الوجود و نهايات الشهود ليسوا بشئ تام و انما هم اطراف الشئ و حروفه و ليس لهم ارواح مستقلة كاملة نعم لهم قوة كونية و استعداد وجودي فيصل اليهم الامداد الوجودية و ذلك لايوجب للشئ ترقيا عن حده و مقامه فلهم بحسب مراتب ما هم اطرافه مراتب و مقامات فمنهم جمادية و منهم نباتية و منهم حيوانية و منهم جنية و منهم انسانية و منهم نبوية و منهم جسمانية و منهم مثالية و منهم مادية و منهم طبيعية و منهم نفسانية و منهم روحانية و منهم عقلانية و منهم كلية في تحتهم جماعة و منهم جزئية و مع ذلك خالون عن قوة الترقي و ليسوا بمركبين من الاجزاء الوجودية فلاجل ذلك قلنا انهم بسائط معرون عن المواد و المدد و ادراك مقامهم عسير علي من لم‌يشاهد حقايق الاشياء فاذا عرفت ذلك فاعلم انه قد يحدث في بدن الانسان في معدته او في كبده او في قلبه او في دماغه او في اعضائه اخلاط ردي الجوهر ناقصة ليست بصالحة لان يتعلق بها احد الارواح الكاملة لعدم انتضاجها و كمالها علي ما ينبغي فيتعلق بها ارواح ناقصة من جنس ذلك المقام الذي حدث فيه ذلك الخلط علي حسب

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 24 صفحه 169 *»

طبعه فاذا كان في الكبد فهو خلط صاف لكن ليس بحيث يتعلق به النفس النامية لانحرافه و كدورته الحاجبة لظهور نور النامية فلاينمو بل يظهر فيه اطراف النما فيظهر فيه نماء ناقص معوج ناقص و لو كان تظهر فيه بكمالها لكان ناميا كساير النوامي و ان كان في القلب و الشرائين فليس بحيث يظهر فيه الحيوة لانه بخار غير معتدل اعتدال الحيوان التام فيظهر اطراف الحيوة و هي الحس و الحركة الناقصة الضعيفة المعوجة و لو كان تظهر فيه الحيوانية بكمالها لكان حيوانا تاما و ان كان في الدماغ فليس بحيث يظهر فيه الحس و الحركة مثل ما في الجن بكماله بل يظهر فيه اطراف الحركة فيظهر فيه بعض الحركات الناقصة و الاحساسات الناقصة المنحرفة و اذا ارتاض برياضات ناقصة غير مشروعة محرفة للمزاج عن المنهاج يظهر اطراف الانسانية و لو كان يظهر فيه كلها بكمالها لكان انسانا تاما لكنه قد ظهر فيه اطرافها فظهر فيه بعض قوي الانسانية لكن منحرفة ناقصة و انما ذلك لاجل ان الله سبحانه هو الجواد الكريم يعطي كل ذي حق حقه و يسوق الي كل مخلوق رزقه و يجيب دعوة كل داع و لايخيب عنه ساع كلا يمد هؤلاء و هؤلاء من عطائه و ماكان عطاء ربك محظورا فهذه الوجودات الناقصة المنحرفة المتعلقة بها اطراف الارواح التامة الناقصة شياطين تتولد في بدن الانسان و يفعل كل واحد منها افعاله الخاصة به و تلك الارواح هي حقيقة الامراض و اصلها فاذا تولدت هذه الشياطين و الارواح الخبيثة في بدن الانسان احدثت امراضا و نشأ من كل واحد اثر خاص به الا ان بعضهم اهون من بعض فالشياطين الجمادية المتولدة في المعدة اهون من الشياطين النباتية المتولدة في الكبد و الشياطين النباتية اهون من الشياطين الحيوانية المتولدة في القلب و الشياطين الحيوانية المتولدة في القلب اهون من الشياطين الجنية المتولدة في الدماغ و ذلك لان الشياطين المتولدة في المعدة لهم ارواح متحجرة منجمدة ليس يحدث عنها آثار و افعال نفسانية و اما الشياطين النباتية لهم حركات من الجذب و الامساك و الدفع و الهضم و النما علي خلاف الكمال المطلوب من الاشياء و اما الشياطين الحيوانية لهم استماعات و انظار و احساسات و شهوات و غضبات علي خلاف الكمال الذي هو الوضع

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 24 صفحه 170 *»

الالهي المحبوب له و اما الشياطين الجنية لهم افكار و تخيلات و توهمات و علوم و تعقلات علي خلاف الوضع الالهي المحبوب له الذي خلق الوجود لاجله و يظهر منهم حركات عجيبة غير اعتدالية و لاجل ذلك تري في الامراض الدماغية يحدث للانسان صرع و ماليخوليا و جنون و حركات عجيبة غير معتدلة و يشاهد امورا و اشخاصا عجيبة و في الامراض القلبية يحدث للانسان هم و غم و شهوة و غضب و امور حيوانية خارجة عن الاعتدال و الكمال و في الامراض الكبدية يحدث لهم حميات و امراض كبدية غير معتدلة و كذا في الامراض المعدية و لذا نري اصحاب العزايم و النيرنجات يقولون ان الامراض كلها ارواح خبيثة و يعالجونها بالرقي و الالواح و العزايم و ساير اعمالهم و الاطباء الغافلون عن الحقايق الذين يعلمون الظواهر يقولون انها اخلاط ردية فالاطباء يرون اسفلها و اولئك يرون اعليها و لذا ورد في الشرع ان الحمي هي ام‌ملدم و اسمها كباسة و كانت تكلم الامام و ان جميع الشرور و المعاصي من الشيطان لعنه الله و هو حق لا مرية فيه و علم من ذلك ان بعدد جميع الشرور التي في الانسان فيه شيطانا موكلا به و هو الذي يزينه له البتة و هذه الشياطين لهم صور ناقصة فان تلك المواد في البدن واقفة علي حسب طباعها من غير مانع و تقتضي صورة من الصور الناقصة فان كانت نباتية فنبات خبيث معوج و ان كانت حيوانية فحيوان خبيث ناقص معوج و ان كانت جنية فجن خبيث مشوه و ان كانت انسانية فانسان خبيث مشوه معوج فانها وجودات ناقصة اقتضت ارواحا ناقصة فعلم من ذلك ان جميع الامراض الحادثة في الانسان و الاخلاق و الاحوال و الافعال الردية كلها من الشياطين و وساوسها و من البين انهم اذا كانوا في رتبة الحيوان و الجن و الانسان يكون لهم حيوة حيوانية و شعور و نطق جني او انساني الا انه ناقص فيوسوسون في صدر الانسان و قلبه و يلقون خواطر و ضماير و ينفثون في روعه البتة و هذا مشاهد لكل احد انه يلقي في روعه و ينفث في صدره كأنه يتكلم في جوفه احد بالخطرات الردية و الوساوس المبغوضة و هذا هو ذلك الذي اذا قوي رآه صاحب الجنون و تكلم له بالفنون و يراه صاحب الصرع و يظهر من بدنه حركات و اصوات فمن

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 24 صفحه 171 *»

تلك الشياطين من هو اعمي او اصم او اخرس او اشل او غير ذلك فاذا دخل بدن الانسان و استولي ظهر منه آثاره البتة و هذا الذي يشير اليه كلام اميرالمؤمنين عليه السلام في صفة المنافقين فباض و فرخ في صدورهم و دب و درج في حجورهم فنظر باعينهم و نطق بالسنتهم ، يقول ان الشيطان باض و فرخ في صدور المنافقين فليست تلك الشياطين الا اتباع مراتب وجودات المنافقين و ليس لهم علي الناس سلطان الا انهم يدعونهم فيستجيبون لهم فاذا عرفت ذلك فاعلم ان الارواح التامة التي في وجود الانسان قد تكون من سجين و قد تكون من عليين و قد تكون طيبة و قد تكون خبيثة فاذا كانت خبيثة و سجينية كان تلك الروح بنفسها كبير الشياطين و رئيسهم و السلطان الآمر الناهي لهم و جميعهم يذعنون له و يطيعون امره و نهيه و يصدرون عن حكمه فاذا كانت الروح التامة النباتية التي في بدن الانسان من نبات الزقوم السجيني و فرع من فروعه كان ذلك الشيطان النباتي الاعظم طلعها كأنه رؤس الشياطين بل هو رؤس الشياطين و الزقوم الاعظم الاعظم هو الشيطان النباتي الاصلي و في بيت كل بدن منه غصن في مقابل شجرة طوبي و اذا كانت الروح الحيوانية التي في بدن الانسان في نفسها خبيثة سجينية كانت بنفسها امير الشياطين الحيوانية في ذلك البدن و ان كان بنفسه تابعا للشيطان الحيواني الاعظم الذي في جهنم و ان كان الروح الجنية بنفسها خبيثة سجينية كانت امير الشياطين الجنية و سلطانهم و ان كان بنفسه مطيعا لامر ابليس الذي كان من الجن ففسق عن امر ربه و ان كان الروح الانسانية بنفسها خبيثة سجينية كثيفة كانت بنفسها امير الشياطين الانسية التي فيه و سلطانا عليهم و ان كان بنفسه عبدا لشيطان الانساني الاعظم لعنه الله بجميع لعناته و لعنه الاولون و الآخرون فانه اعظم الشياطين داهية و اكبرهم مكرا و اشدهم ملعنة فهو الابليس الاعظم و الشيطان الاكبر صاحب الجهل الكلي و ذلك ان الشياطين النباتية لايخترقون السموات و غاية صعودهم العناصر و الشياطين الحيوانية يخترقون السموات و يصلون الي الحس المشترك و الشياطين الجنية يخترقون السموات و سماوات الحس المشترك و يصلون الي سماوات الخيال و النفوس الملكوتية و

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 24 صفحه 172 *»

اما الشياطين الانسية فيخترقون السماوات الظاهرة و سماوات الحس المشترك و سماوات الخيال و يصلون الي مقابل العقل اي الجهل الكلي ما تحت الثري نعوذ بالله من كيدهم و شرهم ثم ان من الشياطين الجنية من هم ساكنون في الارض الاولي ارض الموت و منهم من هم ساكنون في الارض الثانية ارض العادات و هم اعظم خطرا من الاولين و منهم من هم ساكنون في الارض الثالثة ارض الطبايع و هم اعظم خطرا ممن سبق و منهم من هم ساكنون في الارض الرابعة ارض الشهوة و منهم من هم ساكنون في ارض الطغيان و منهم من هم ساكنون في ارض الالحاد و منهم من هم ساكنون في ارض الشقاوة و كل لاحق اعظم من سابقه كيدا و خطرا و تصويره ان هذه الروح البخارية الصاعدة الي دماغك المتعلقة بها النفوس الملكوتية اذا كانت صافية لطيفة متوجهة الي مبدء الخير و النور و الكمال تتعلق بها ارواح عليينية فكانت سماوات و كانت معابد ملائكة يأمرون بالمعروف و ينهون عن المنكر و ان كانت خبيثة متوجهة الي مبدء الشر و الظلمة تتعلق بها ارواح سجينية خبيثة فكانت اراضي خبيثة سجينية و مرابط شياطين و كل ارض علي ما ذكرنا مقابلة لسماء مثلا ان سماء الحيوة سماء حيوة اذا كانت طيبة و الا فارض موت و سماء الفكر سماء فكر اذا كانت طيبة و الا فارض عادة و هكذا فهذه السموات اما ابواب جنان او مخارق نيران فهذه جملة من صفات الشياطين الذين يتولدون في بدن الانسان و هكذا يتولدون في العالم الكبير حرفا بحرف فمنهم شياطين جمادية و هي الجمادات الخبيثة و المسكرات و امثالها فكل جمادي تعفن او فسدت حرارته الغريزية السماوية المانعة من تطرق الشياطين و تعلقت به روح الشيطنة و اطرافه فهو شيطان جمادي و كذا كل نبات محرم منهي عنه و خبيث قد فسد حرارته الغريزية و اطرافه فذلك شيطان نباتي و كذلك كل حيوان خبيث محرم و اطرافه علي ما عرفت شيطان حيواني و كل جن خبيث شقي و اطرافه علي ما مر شيطان جني و كل انسان خبيث شقي و اطرافه علي ما مر شيطان انسي و هو ادهاهم و

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 24 صفحه 173 *»

اخبثهم و جميع الآفات الحادثة و الشرور الواقعة في العالم من جهة تلك الشياطين و منهم سكنة التراب و منهم سكنة الماء و منهم سكنة الهواء و منهم سكنة النار و منهم سكنة اجساد النباتات و منهم سكنة اجساد الحيوانات و منهم سكنة اجساد الجن و منهم سكنة اجساد الانس ثم ان الشياطين الجنية كانوا يخترقون السموات و يقعدون منها مقاعد للسمع فلما بعث الله النبي صلي الله عليه و آله غلب نورانية السموات فمنعوا عن اختراقها فمن يستمع الآن يجد له شهابا رصدا كما حقق في محله و اذا رجع صلي الله عليه و آله الي الدنيا يعني ترقي الدنيا حتي صارت بلطافة الافلاك و ظهر الجنتان المدهامتان تقتل الشياطين قاطبة و تطهر الارض من شرهم كما هو معلوم في محله و كذلك اذا بعث نبي العقل في ملك امرء يمنع الشياطين عن اختراق سمواته فاذا رجع العقل و صفي جميع جسده تنفي الشياطين عن ارضه و سمائه بالكلية فتبين و ظهر ان جميع الامراض الحاصلة في الانسان ارواح خبيثة تعلقت باطراف الاخلاط الردية فاحدثت في الانسان ما يكره و لولا تلك الارواح لم‌تتحرك تلك الاخلاط و لم‌تؤثر في محالها اثرا و جميع الآثار من الارواح فلاجل ذلك يعالج المعزم الامراض بعزايمه فيطرد الارواح او يقتلها فتبقي الاخلاط بلا حراك و لا اثر فيستولي عليها الطبع و ينقي المزاج عنها و يعالجها الطبيب فينقي الاخلاط فيموت الروح و يصح البدن لكن المقاتلة مع اجسادها مع بقاء ارواحها امر عسير لانها تدفع عن نفسها جهده و تعاونها اقرانها و اشباهها فليس يصل الطبيب الي تنقية البدن من تلك الاخلاط ذوات الارواح الا بجهد و اما العزايم و الرقي فهي اسرع اثرا و اوحي دفعا لتلك الارواح فلربما يعالج بالرقي في يوم ما لايعالج بالعقاقير في سنة بل سنين و ذلك امر لم‌يعقله الاطباء فاذا كان الرقي يفعل هذا الاثر العظيم فكيف يكون التوجه الي الله سبحانه و التوكل عليه بل هو يقتل جميع الشياطين في طرفة عين كما يقول الله عز و جل انه ليس له سلطان علي الذين آمنوا و علي ربهم يتوكلون و قال ان عبادي ليس لك عليهم سلطان فعلم من ذلك ان التأدب بالآداب الشرعية هو الدافع للشياطين و الابالسة عن الابدان

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 24 صفحه 174 *»

و مطهرها و مصححها عن جميع الامراض و الاعراض دفعة و اما الرقي و العزايم فلربما تقتل شيطانا و لكن تحيي شيطانا و تقاتل شيطانا بشيطان و من يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين فكل علاج ذكر فيه اسم الله كان ذلك قاتلا للشيطان بسيف الله و الا فهو قتال شيطان بشيطان و لا ثمرة فيه و لذلك نهينا عن الاستشفاء بالحرام فانه قتال شيطان ضعيف و تسليط شيطان قوي و نهينا عن الاستشفاء بالحمأة فان حرارتها من فوح جهنم و روي في الادوية المرة انه لا شفاء فيها فان المر بنفسه شيطان و التدبير و الحكمة معالجة الشيطان بسيف الرحمن و دفع الظلمات بالنور فاذا عرفت علي نهج الاجمال امر الشيطان فاضداد ذلك بعينها هي الملك يعني ان اطراف الوجودات الجمادية و النباتية و الحيوانية و الجنية و الانسانية و النبوية من حيث الرب هي الملائكة و هي جاذبة روحا خاصة بها مناسبة لمقامها من الله سبحانه و يفيض الله عليها ما سألت من الارواح الطيبة العليينية فانها حيث الرب فهي منها جمادية و منها نباتية و منها حيوانية و منها جنية و منها انسية و لكل واحد اثر خاص به لايتأتي من غيره و هم ابدا ناقصون لازمون لمقامهم و فعلية صرفة اضافية ليس فيهم قوة ابدا فلايترقون ابدا و لايقدرون علي غير شأنهم و لذا روي ان من الملائكة لمن باقة بقل خير منه بل من الملئكة من لو اجتمع الف منهم علي حمل خردلة ماقدروا و منهم من يحمل العرش بما فيه و ليس لله سبحانه خلق اكثر من الملائكة و بعدد كل ملك شيطان فان جهة رب تلك الاطراف ملائكة و جهة نفسها الشيطان فالملائكة يؤيدون و يسددون المؤمنين و يدعون لهم و يستغفرون لهم و يكتب ثواب عبادتهم للانسان و هم علي صور مختلفة علي حسب رتبتهم فمنهم علي صور الحيوانات و منهم علي صور الجن و منهم علي صور الانسان و ان من خير و نور و كمال و عافية و طاعة في العالم الا من تأييد الملائكة و تسديدهم و دعائهم و هم معصومون مطهرون لايعصون الله ما امرهم و يفعلون ما يؤمرون لايسبقونه بالقول و هم بامره يعملون فالروح تابعة لتلك

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 24 صفحه 175 *»

الصورة الحاصلة فان كانت الصورة علي الوضع الالهي تعلقت بها الروح الملكية و الا فالشيطانية و لاتزيد الملائكة و لاتنقص الشياطين الا بذكر الله و الاستعاذة به و التوكل عليه و التوجه اليه و التسليم له و الرضا بقضائه و الصبر علي بلائه و ذكره و نسيان ما سويه و لايكون بعكس ذلك الا بعكس ذلك و لعلك عرفت مما بينا ان الانبياء سلام الله عليهم سلكوا الطريق الاقرب في اصلاح الدنيا و الآخرة و لم‌يأمروا الا بالعدل و الاحسان و لم‌ينهوا الا عن الفحشاء و المنكر و كل من تدبر و انصف عرف انهم لم‌يأمروا الا بالخير و النور و لم‌ينهوا الا عن الشر و الظلمة فاي علاج اقرب الي دفع الامراض و جلب الصحة من العمل بالشرايع فاذا عرفت ذلك فاعلم ان للانسان اميرين نورا و ظلمة و هما الوجود و الماهية فللنور وزير و هو العقل و للظلمة وزير و هو النفس فالعقل هو الملك الاعظم و هو روح‌القدس و النفس الناطقة القدسية وزيره و هو خلق اعظم من جبرئيل و ميكائيل و النفس الامارة بالسوء هي وزير الجهل و هو الشيطان الاعظم و تحت روح‌القدس من الملائكة بعدد جميع الخيرات و كلها حية بفضل حيوة روح‌القدس تابعة له كما بينا و تحت الشيطان الاعظم من الشياطين بعدد جميع الشرور و كلها حية بفضل حيوة ذلك الشيطان تابعة له كما بينا فالملائكة يدعون الي الخير و يأمرون بالمعروف و ينهون عن المنكر و يطيعون الله و رسوله و يوالون الاولياء و يعادون الاعداء و يأمرون بالعدل و الاحسان و ايتاء ذي القربي و يشتهون كل خير و نور و يأمرون بما فيه الصحة و السلامة في الدين و الدنيا و الآخرة و الشياطين يدعون الي الشر و الي عكس ما ذكرنا كلية و من تدبر في نفسه عرف الداعيين علانية بلا غبار فان المقتضٰي بالفتح لايتخلف عن المقتضي و كل مقتض لايقتضي غير ما هو عليه و انت تشاهد في نفسك علانية ان احدا يأمرك بشئ و احدا ينهاك عن شئ و لايمكن ان يكون هذا الامر و النهي من مقتضي واحد البتة ففيك مقتضيان البتة و هما الملك و الشيطان اللذان فيك و لا نجاة عن شر الشيطان الا بالتوجه الي الواحد الاحد و ذكره و الخلوص له اذ هو النور و لا استنارة الا من النور و لايتقوي الملك الا بالنور و كل توجه الي سواه

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 24 صفحه 176 *»

توجه الي الظلمة و الي نفس الخلق و لا استظلام الا من الظلمة و لايتقوي الشيطان الا من الظلمة فمهما اردت دفع الشيطان فتوجه الي الواحد المنان و مهما وجدت من نفسك نظرا الي الغير فاستسلم لشر الشيطان و الخيبة و الخسران و لا قوة الا بالله العلي العظيم فلايجوز للسالك الغفلة عن الله في حال و لا قوة الا بالله المتعال و ليس هيهنا محل ازيد من ذلك المقال و السلام .
البٰاب العاشر في كليات في حفظ الصحة ،
اعلم ان الله سبحانه خلق الاشياء كرما منه و جودا ثم اجري فيوضه و امداده عليهم علي حسب دعائهم و قابليتهم كما قال سبحانه قل مايعبؤ بكم ربي لولا دعاؤكم و قد اختلف اسولة الاشياء علي حسب اختلاف مقتضيات حدودها و رتبها فامد كلا من عطائه كما قال و آتيكم من كل ما سألتموه علي قرائة تنوين كل و لاجل ذلك قال سبحانه ان الله لايغير ما بقوم حتي يغيروا ما بانفسهم و قال لئن شكرتم لازيدنكم فعرفنا من آيات الكتاب و الآفاق و الانفس ان الله سبحانه لايفيض علي شئ في التشريع بعد ما جبر كسرهم في التكوين الا علي حسب سؤالهم فكل سؤال منهم جاذب لجواب منه و ان الله سبحانه يجود عليهم علي حسب سؤالهم ان خيرا فخير و ان شرا فشر ان كان قليلا فقليل و ان كان كثيرا فكثير و ان كان متناسقا فمتناسق و ان كان مختلفا فمختلف فلايغير الجواب حتي يتغير السؤال فانه جواد مفضال و لايقطع الجواب الا ان ينقطع السؤال فاذا عرفت ذلك فاعلم ان الله سبحانه خلق الخلق حيث خلقهم علي نظم حكمة و صواب فخلق كل شئ بشئ و جعل كل شئ لشئ فخلقهم مختلفين في الصور و الاخلاق و الاحوال و الافعال و الميولات و جعل سبب هذا الاختلاف اختلاف طبايعهم و عناصرهم فظهروا مختلفي الطبايع في الكميات و الكيفيات و كان صحة كل واحد منهم كونه علي الوضع الالهي المحبوب الذي اراده منه و خلقه لاجله و قد خلق الخلق علي فطرة العبادة و التوحيد ثم غيروا كينونتهم فغير

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 24 صفحه 177 *»

الله ما بهم و ذلك قوله سبحانه صبغة الله و من احسن من الله صبغة و قال فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم فكان صحة كل واحد منهم ان يكون علي الفطرة الاولية الالهية التي كل مولود يولد عليها فمهما لم‌يغير الانسان ذلك الاستعداد و لم‌يبدله و جري علي حسب مقتضاه و مشي علي صراطه المستقيم يجري عليه الامداد من الله سبحانه علي حسب ذلك الاستعداد الثابت الدائم فيدوم صحته ما قدر ان يكون باقيا و اذا غير تلك الفطرة و مال الي مقتضيات العشرة غير الله ما به الي خلاف الصحة المطلوبة منه فلم‌يتأت عنه ما قدر لاجله ثم ان هذا الانحراف اما يكون قليلا و اما يكون كثيرا و اما يكون في الابدان او الارواح و اغلب الناس غافلون عن الانحرافات الروحانية و الامراض الغيبية و اما الذين قد كشف لهم الغطاء يرون ان الارواح قد فتنوا ببلاء عظيم و امراض وبية عدية يموت في كل حين منهم خلق كثير و ان كثيرا من هذه الاجساد قبور ماشية للارواح مروحة جايفة قد اطبق الفضاء نتنها و لكنهم لايشعرون فان الشاعر هو الروح و قد ماتت منهم فلايستنشقون شيئا و اما الابدان فهي حية بحيوة عارضية دنياوية يزعمون انهم الخالدون و كل نفس منهم ذائقة الموت ثم اليه يرجعون فالصحة هي بقاء الابدان او الارواح علي الفطرة الالهية بان لاتغير و لاتبدل ما خلقت عليه و يجري علي حسب مقتضاه حتي يدوم عليه المدد علي حذو ما كان و النما و الربا فلايكون الا بالشكر و هو استعمال ما من عليه به في مرضات المعطي و محابه و هو الذي يقول الله سبحانه لئن شكرتم لازيدنكم فمثل حافظ الصحة مثل من كان في كيس له خمسة دنانير فيرفع منها اثنين و يضع فيه اثنين و يرفع اثنين و يضع اثنين فهي ابدا خمسة لاتزيد و لاتنقص و مثل طالب الزيادة كمن يرفع اثنين و يضع ثلثة فذلك يزيد و ينمو و يربو عن قليل فمن استمد دائما مثل ما حلل عنه فهو ابدا علي حال واحدة و لكن من استمد ازيد مما حلل عنه فهو يزيد و يربو و لكن يجب ان يكون الزيادة من جنس ما به الصحة فعلم من ذلك ان حفظ الصحة بالمثل و دفع المرض بالضد فمن رام غير ذلك فقد اخطأ فلاتظنن ان بارد المزاج يجب ان يسخن بل يجب ان يبرد بمثل

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 24 صفحه 178 *»

برودة مزاجه فان صحته بها و خلق لاجلها و مرضه بضدها فعود البدن ما اعتاده كما قال الصادق عليه السلام اعود البدن ما اعتاد و عن الرضا عليه السلام في رسالته الي المأمون ان الجسد بمنزلة الارض الطيبة متي تعومدت بالعمارة و السقي من حيث لايزاد في الماء فتغرق و لاتنقص منه فتعطش دامت عمارتها و كثر ريعها و زكي زرعها و ان تغوفل عنها فسدت و لم‌ينبت فيها العشب فالجسد بهذه المنزلة و بالتدبير في الاغذية يصلح و يصح و تزكو العافية فيه فانظر يا امير المؤمنين ما يوافقك و يوافق معدتك و يقوي عليه بدنك و يستمريه من الطعام فقدره لنفسك و اجعله غذاءك و اعلم يا امير المؤمنين ان كل واحدة من هذه الطبايع تحب ما يشاكلها فاغتذ ما يشاكل جسدك و من اخذ من الطعام زيادة لم‌يغذه و من اخذ بقدر لا زيادة عليه و لا نقص في غذائه نفعه و كذلك سبيلك ان تأخذ من الطعام كفايتك في ابانه و ارفع يديك عنه و عندك اليه ميل فانه اصلح لمعدتك و لبدنك و ازكي لعقلك و اخف علي جسمك يا امير المؤمنين كل البارد في الصيف و الحار في الشتاء و المعتدل في الفصلين علي قدر قوتك و شهوتك و ابدأ في اول طعامك باخف الاغذية التي يغتذي بها بدنك بقدر عادتك و بحسب طاقتك و نشاطك و زمانك الذي يجب ان يكون اكلك في كل يوم عند ما يمضي من النهار ثمان ساعات اكلة واحدة او ثلث اكلات في يومين تتغذي باكرا في اول يوم ثم تتعشي فاذا كان اليوم الثاني فعند مضي ثمان ساعات من النهار اكلت اكلة واحدة و لم‌تحتج الي العشاء و كذا امر جدي محمد صلي الله عليه و آله عليا عليه السلام في كل يوم وجبة و في غده وجبتين و ليكن ذلك بقدر لايزيد و لاينقص و ارفع يديك من الطعام و انت تشتهيه الخبر ، و ان اردت ان تعدل مزاجك فلاتكثر من شئ من الاشياء ابدا و استعمل كل شئ من حركاتك و سكناتك بقدر يخف عليك فان ادمنت بعدم ادمان شئ يخف جسمك و يعتدل في الحالات و ينزل عليك الامداد الاعتدالية و اياك اياك

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 24 صفحه 179 *»

ان تبادر الي العلاج للانحرافات اليسيرة التي تعرض بدنك و كل امر البدن الي الله سبحانه الذي خلقه و امسكه بظله و جعل الحرارة الغريزية يده في حفظه فانه مهما وكل الامر الي مدبره اشتغل بتدبير البدن من جهة واحدة و عدله و دفع عنه المنافي البتة بنفسه و يتقوي البدن و يشتد تركيبه و يكثر بقاؤه لان المدبر فيه واحد و يميل كل جزء اليه في الاستمداد و ينقطع عما سواه فتتضام الاجزاء و يشتد التركيب و يعسر التفكك و اما اذا بادرت الي العلاج بكل نكبة و صدمة و انحراف و تنكأ يخذل المدبر امر التدبير لادبارك عنه و يكلك الي حيث توجهت و يحصل لك شركاء متشاكسون يجرك كل واحد الي جهة و يميل كل جزء منك الي جهة فيسرع الي اجزائك التفكك و يقل بقاؤك البتة و تحتاج دائما الي امور كثيرة ليست تتأتي علي ما ينبغي فالمدبر خذلك و ساير الامور لم‌يتيسر لك و ان تيسر افسدك و فتتك فيفسد بنيتك و تتفكك عن قليل البتة فقوام الامر و سر التدبير ان لاتبادر الي العلاج و الدواء ما استطعت فقد روي عن ابي‌الحسن عليه السلام ليس من دواء الا و يهيج داءا و ليس شئ في البدن انفع من امساك اليد الا عما يحتاج اليه و عن ابي‌عبدالله عليه السلام اجتنب الدواء ما احتمل بدنك الداء و عنه عليه السلام من ظهرت صحته علي سقمه فعالج نفسه بشئ فمات فانا الي الله منه بري‌ء و عن ابي‌الحسن عليه السلام ادفعوا معالجة الاطباء ما اندفع الداء عنكم فانه بمنزلة البناء قليله يجر الي كثير و روي لايتداوي المسلم حتي يغلب مرضه صحته و عن علي عليه السلام امش بدائك ما مشي بك الي غير ذلك من الاخبار فاياك اياك ان تتناول من الدواء شيئا قليلا او كثيرا جزئيا او كليا فان لكل دواء ضررا فيجر القليل الي الكثير و يخذلك المدبر ثم لاتكفي نفسك و هذا جل الامر و اصله و لو تدبرت في هذا القول و سلكت في ساير امور الدنيا ايضا كذلك و وكلت الامور الي مدبرها لكفاك و استرحت و جرت علي ما تحب و اما ان اشتغلت بالتدابير و التمسك بالخلق و الاستفتاح منهم فيخذلك المدبر و لايكفيك غيره البتة فلا الدنيا حصلت و لا الآخرة اكملت خسر الدنيا و الآخرة ذلك هو الخسران

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 24 صفحه 180 *»

المبين فاياك ان تعالج امرا من امور الدنيا و الآخرة و بدنك ابدا و كل الامور الي الله سبحانه فان فيه بلوغ كل خير و وصول كل مطلوب و لنعم ما روي :
كن عن امورك معرضا       ** * **      و كل الامور الي القضا
فلرب امر متعب       ** * **      لك في عواقبه رضا
و لربما اتسع المضيق       ** * **      و ربما ضاق الفضا
الله يفعل ما يشاء       ** * **      فلاتكن متعرضا
الله عودك الجميل       ** * **      فقس علي ما قد مضي
نعم اذا استولي عليك المرض فقد اذن لك في العلاج فافزع الي الله سبحانه في كل حال و عليك بالصدقة اولا و الدعاء فلاتبدأ قبل ذلك بشئ من التدبير و العلاج فقد روي عن الصادق عليه السلام داووا مرضاكم بالصدقة و عنه عليه السلام عليك بالدعاء فانه شفاء من كل داء ثم بعد ذلك ان لم‌ينقلع بادر الي العلاج و اولا بالحمية فقد روي عن الصادق عليه السلام ان المعدة بيت الداء و ان الحمية هي الدواء ، و نقل عن الحكماء التخمة رأس كل داء و الحمية رأس كل دواء و روي عن الصادق عليه السلام كل داء من التخمة و كذا روي عنه عليه السلام اثنان عليلان صحيح محتم و عليل مخلط فاذا مرضت فعالج نفسك برأس كل دواء و عن ابي‌الحسن عليه السلام ليس الحمية ان تدع الشئ اصلا و لكن الحمية ان تأكل من الشئ و تخفف و عن ابي‌عبدالله عليه السلام لاتنفع الحمية للمريض بعد سبعة ايام و روي الحمية احدعشر صباحا انتهي ، و ذلك لان غالب الاخلاط تنتضج بعد سبعة ايام و بعد احدعشر يوما فيستولي عليها الطبيعة و تدفعها فاذا جاوز مرضك حد الحمية يعني انه مرض لايقلعه الحمية فعالجه ما قدرت بالاغذية المناسبة فقد قال الصادق عليه السلام اداوي الحار بالبارد و البارد بالحار و الرطب باليابس و اليابس بالرطب و ارد الامر كله الي الله عز و جل الخبر ، فعالج مهما قدرت بالاغذية فان احسست بحرارة زائدة فاغتذ بالاغذية الباردة و بالعكس و ان احسست يبوسة فاغتذ بالرطبة و بالعكس متوكلا علي الله معتقدا ان بيده مقادير الامور فان جاوز

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 24 صفحه 181 *»

الامر ذلك و تحتاج الي تدبير اعظم فقد ابتلاك الله سبحانه فافزع الي الادوية فعن ابي‌عبدالله عليه السلام ماخلق الله داءا الا و جعل له دواءا فاشرب و سم الله و قال ان الله جعل في الدواء بركة و شفاءا و خيرا كثيرا انتهي ، فاذا احتجت الي الدواء فاياك ثم اياك ان تستعمل المسكرات و المحرمات فانه ماجعل الله في حرام شفاءا و قد تواتر بذلك الاخبار و لاتستعمل شيئا من المرار لما روي ماجعل الله في شئ من المر شفاءا و روي اذا مرض احدكم فخذ السكر الابيض فدقه و صب عليه الماء البارد و اسقه اياه فان الذي جعل الشفاء في المرار قادر ان يجعله في الحلاوة انتهي ، فاذا احتجت الي الدواء فاسع ما امكنك ان تتداوي بالادوية المفردة فان لكل دواء ضررا و الدواء المفرد اخف علي البدن و اقل ضررا و جاهد ان لايكون كريه الرايحة و الطعم يكرهه الطبيعة و تتنفر منه فان مثل هذا الدواء لايكاد ينفع البدن و هو الي ان يمرض و يصير كلا آخر اقرب الي ان يكون دواءا و اعلم ان الشفاء بيد الله يجعله فيما يشاء و الطيبات اقرب الي المبدء و اجذب للبركة و الشفاء من الله سبحانه من الخبيثات و سر عدم نفع الكريه ان الدواء ما لم‌يعمل الطبع فيه لم‌يعمل في الطبع فاذا تنفر الطبع عن قبوله لايقبل اليه و لايعمل فيه فيتحير في المعدة و البدن و يحدث امراضا اخر نعوذ بالله فاياك و استعمال الدواء الكريه فاذا استعملت الطيب فجاهد ان تداوي اهل كل بلد بعقاقير ارضه و الادوية المعروفة المجربة التي لايخاف فيها سمية فان الله سبحانه خلق لكل قوم ادوية و يسر لهم في بلادهم تيسيرا و ابدانهم خلقت من تربة بلادهم و العقاقير النابتة في تلك التربة اشبه لابدانهم و انسب و ابدانهم اكثر تحملا لها و طباعهم اكثر ميلا اليها و اكثر قبولا لها فاذا استعملت الادوية المعروفة المجربة فاسع ان يكون دواءا يحتاج في اتخاذه الي مقدار قليل فان الكمية الكثيرة تصير كلا علي الطبيعة و الكمية القليلة يتسلط الطبع عليها و يحوزها و يقبلها و يعمل فيها ثم يعمل في الطبع من غير كل

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 24 صفحه 182 *»

و اعجبني كلمات من بعض الحكماء فاذكرها في حفظ الصحة الاولي اعرض نفسك علي الخلاء قبل ان تنام الثانية ادخل الحمام غبا فان الحمام يخرج اخلاطا كامنة في قعر البدن لايصل اليها الدواء و الثالثة ان تقيئ كل اسبوع مرة اقول و هذا مما لااصدقه فان القي‌ء ليس بامر طبيعي يحتاج اليه الطبع في اوقاته و لايجوز ان تهيج الطبع و تحمله علي غير مقتضاه في كل اسبوع اللهم الا ان يحتاج اليه فالمبادرة اليه قبل التقيأ اولي لما روي عن الصادق عليه السلام من تقيأ قبل ان يتقيأ كان افضل من سبعين دواء و يخرج القي‌ء بهذا السبيل كل داء و علة و الرابعة لاتأكل ما لايعمل فيه سنك فان معدتك اضعف منه و الخامسة ان لاتأكل ثمرة قبل ادراكها و السادسة ان لاتستعمل دواءا ما استطعت لان الدواء كالصابون و الصابون ينظف الثوب و لكن يبليه و التداوي كالرمي يصيب و يخطي و السابعة ان تحترز من مس النساء كثيرا فانه يخمد نار الحيوة و الثامنة اياك اياك ان تمس العجوز لانه يخاف منه الفجأة و التاسعة الدم كنز البدن فلاتصرفه في غير وقت الحاجة و العاشرة لاتقصد الغذاء الا بعد جوع صادق فليس شئ اضر من ادخال طعام علي طعام لم‌ينهضم تم كلماته و ما احكمها من كلمات فقد روي جميع ذلك في اخبارنا فقد روي عن اميرالمؤمنين عليه السلام انه قال للحسن عليه السلام لاتجلسن علي الطعام الا و انت جايع و لاتقم عن الطعام الا و انت تشتهيه و جود المضغ و اذا نمت فاعرض نفسك علي الخلاء فاذا استعملت هذا استغنيت عن الطب و روي اربعة تذهب ضياعا و عد منها الاكل علي الشبع و عن النبي صلي الله عليه و آله الاكل علي الشبع يورث البرص و قال ابوالحسن عليه السلام الحمام يوم و يوم لا يكثر

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 24 صفحه 183 *»

اللحم و ادمانه كل يوم يذيب شحم الكليتين و روي ادمانه يورث السل و عن النبي صلي الله عليه و آله دواء الدم الحجامة و دواء البلغم الحمام و دواء المرة المشي و هو المسهل و روي نعم البيت الحمام يذهب الاذي و يذكر النار و روي عنهم عليهم السلام في روايات حاصلها البث في البيت الثاني ساعة و خذ من الماء الحار و ضعه علي هامتك و صب منه علي رجليك و ان امكن ان تبلع منه جرعة فافعل و اياك و شرب الماء البارد و الفقاع في الحمام و لاتصبن عليك الماء البارد و صبه علي قدميك اذا خرجت و اياك و التمشط و السواك في الحمام و لاتدخله علي الريق و لاتدخله و انت ممتلي من الطعام و لاتدلك بالخزف فانه يورث الجذام و البرص و عليكم بالخرق و لايستلقين احدكم في الحمام و لايضطجع فانه يذيب شحم الكليتين و الاستلقاء و الاتكاء يورث الداء الدبيلة و قد مر ترك التداوي ما استطاع الانسان و عن النبي صلي الله عليه و آله ثلث يهدمن البدن و ربما قتلن دخول الحمام علي البطنة و الغشيان علي الامتلاء و نكاح العجايز .

خاتمة في ذكر بعض الاخبار الكلية في باب الطب : فعن ابي‌عبدالله عليه السلام الدواء اربعة السعوط و الحجامة و النورة و الحقنة و عن النبي صلي الله عليه و آله الداء ثلثة و الدواء ثلثة فاما الداء الدم و المرة و البلغم فدواء الدم الحجامة و دواء البلغم الحمام و دواء المرة المشي و عن ابي‌عبدالله عليه السلام الدواء اربعة الحجامة و السعوط و الحقنة و القي‌ء و عنه عليه السلام خير ما تداويتم به الحجامة و السعوط و الحمام و الحقنة و روي الحجامة و الطلاء و القي‌ء و الحقنة ، و الوجه في هذه الاخبار ان طراطير الامعاء تنقي بالحقنة و ليس علاج اقرب اليه منها و طراطير المعدة تنقي بالقي‌ء و المشي و هما اقرب الطرق لها و طراطير الكبد

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 24 صفحه 184 *»

و العروق تنقي بالفصد و الحجامة و هما اقرب الطرق لها و يمكن ادخال المدر في المشي و طراطير الدماغ تنقي بالسعوط و هو اقرب الطرق لها و طراطير البدن و الاعضاء تنقي بالحمام و الطلاء فان الحمام يفتح المسامات و يدر العرق و الطلا يذهب الطرطير الشعري فعلم من ذلك انا و الحمد لله سلكنا في العلاج مسلك آل‌محمد عليهم السلام و ذهبنا مذهبهم فاصول المعالجات الحقنة و القي و المشي و الفصد و الحجامة و السعوط و الحمام و الطلاء كما قدمنا و شرحنا فمن ذهب الي غير ذلك اخطأ الطريق و لم‌يدخل البيت من بابه و روي عن اميرالمؤمنين عليه السلام انه قال لسلمان و قد اتاه و هو مغطي الرأس ما معناه ما لك يا عبدالله مغطي رأسك فقال ان بي زكاما فقال عليه السلام ما معناه ان في كل شخص ستة عروق عرق الجنون و عرق الجذام و عرق العمي و عرق الطاعون و عرق البرص و عرق البواسير فاذا تحرك عرق الجنون ارسل الله عليه الزكام فيبطله فاذا تحرك عرق الجذام انبت الله الشعر في الانف فيبطله فلاتأخذه بالمنقاش و خذه بالمقراض لطيفا و اذا تحرك عرق العمي ارسل الله عليه الرمد فيبطله و اذا تحرك عرق الطاعون ارسل الله عليه السعال فيخرجه بلغما و اذا تحرك عرق البرص ارسل الله عليه الدماميل فيخرجه قيحا و اذا تحرك عرق البواسير ارسل الله عليه شقوق الاعقاب فيبطله و روي لاتكرهوا الدماميل فانها امان من البرص و لاتكرهوا السعال فانه امان من الفالج و روي لاتكرهوا الرمد فانه امان من العمي و كان رسول الله صلي الله عليه و آله لايتداوي من الزكام و يقول ما من احد الا و به عرق من الجذام فاذا اصابه الزكام قمعه ، فهذه جملة ما اردنا ايراده في هذا الكتاب و فيه كفاية لاولي الالباب و اما وجوه المعالجات الجزئية و صفات العقاقير فقد بالغ الاطباء فيها و لا حاجة بنا الي ذكرها .

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 24 صفحه 185 *»

و قد فرغ من تأليف هذا الكتاب كاتبه و مؤلفه في ضحوة يوم الاربعاء من العشر الآخر من شهر رجب من شهور سنة اربع و ستين بعد المأتين و الالف حامدا مصليا مستغفرا اولا و آخرا ، تمت .