22-18 مکارم الابرار المجلد الثانی والعشرون ـ رسالة في جواب سؤالات بعض الاخوان ـ مقابله

 

رسالة في جواب سؤالات بعض الاخوان

 

 

من مصنفات العالم الربانی و الحکیم الصمدانی

مولانا المرحوم الحاج محمد کریم الکرمانی اعلی الله مقامه

 

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 22 صفحه 369 *»

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين و الصلوة علي محمد و آله الطيبين و لعنة الله علي اعدائهم اجمعين.

و بعد يقول العبد الاثيم الجاني كريم بن ابرهيم الكرماني ان بعض الاخوان صانه الله عن طوارق الحدثان قدسألني عن بعض المسائل التي احتاج اليها في امر دينه علي سبيل الاجمال و الاختصار فبادرت الي جوابه لما تبين لي من استحقاقه للجواب لوقوعه ايده الله في مكان لايمكنه السؤال في كل حين و لايمكن ايصال الجواب اليه في كل وقت و ما احسن ما قال الشاعر في هذا المقام:

كيف الوصول الي سعاد و دونه   قلل الجبال و دونهن حتوف

فلاجل ذلك افترضت اجابته علي نفسي علي سبيل الاختصار كما هو مسئوله و اتكالاً علي ذكائه الشريف و اجعل مسائله علي ترتيب ذكره كالمتن و اجعل جوابي له كالشرح كما هو عادتي و عادة اسلافي رفع الله شانهم و انار برهانهم.

قال ايده الله تعالي بجوامع تأييداته في فهرس فهرس مسائله فيه كيفية صلوة الليل و ما يتعلق بها و الشفع و الوتر و اول وقتها و آخره.

اقول لصلوة الليل سنن و آداب كثيرة تزيد و تنقص و اصل صلوة الليل ثمان ركعات مثني مثني يقنت في كل ركعتين في الركعة الثانية بعد القراءة و قبل الركوع و الشفع و الوتر ثلث ركعات يفصل بينهن بتسليم بعد الثانية مرة و يوصل بينهن اخري و الفصل و الوصل كلاهما جايزان و يقنت في الثانية و الثالثة جميعاً بعد القراءة و قبل الركوع سواء فصل او وصل و اول وقتها اي وقت صلوة الليل بعد انتصاف الليل و علامته انحدار النجوم الطالعة اول الليل و يعلم انحدارها اذا قمت بازاء الجدي المعروف في جانب الشمال و راقبت النجم الذي كان في اول الغروب طالعاً فاذا وجدته منحدراً عن سمت رأسك الي جانب المغرب فذلك

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 22 صفحه 370 *»

وقت انتصاف الليل و ان لم‌يكن النجم ماراً علي قمة رأسك فلاحظ ميله الي حاجبك الايسر فاذا مال الي حاجبك الايسر فقدانتصف الليل هذا اذا كان النجم شمالياً و ان كان النجم جنوبياً فاجعل الجدي بين كتفيك و اعمل كما ذكرنا و آخر وقت صلوة الليل طلوع الفجر الثاني و يجوز لمن كان في سفر او خاف برداً او جنابة او غلبة النوم او كانت به علة ان‌يصليها من اول الليل بعد العشاء الآخرة و ان صليها بعد الثلث الاول فهو احب الي لانه احد الوقتين و احسن ما سن في صلوة الليل سنة الرضا7 و هو7 كان اذا كان الثلث الاخير من الليل قام من فراشه بالتسبيح و التحميد و التهليل و التكبير و الاستغفار و استاك و توضأ ثم قال الي صلوة الليل فيصلي ثمان ركعات و يسلم في كل ركعتين و يقرؤ في الاولتين منهما في كل ركعة الحمد مرة و قل هو الله احد ثلثين مرة و يسلم و يصلي صلوة جعفر بن ابي طالب اربع ركعات و يسلم في كل ركعتين و يقنت في كل ركعتين و يقنت في كل ركعتين في الثانية قبل الركوع و بعد التسبيح و يحتسب بهما من صلوة الليل ثم يقوم فيصلي الركعتين الباقتين يقرؤ في الاولي الحمد و سورة الملك و في الثانية الحمد و هل اتي علي الانسان ثم يقوم فيصلي ركعتي الشفع يقرؤ في كل ركعة الحمد مرة و قل هو الله احد ثلث مرات و يقنت في الثانية قبل الركوع و بعد القراءة و اذا سلم قام و صلي ركعة الوتر يتوجه فيها و يقرؤ فيها الحمد مرة و قل هو الله احد ثلث مرات و قل اعوذ برب الفلق مرة واحدة و قل اعوذ برب الناس مرة واحدة و يقنت فيها قبل الركوع و بعد القراءة و يقول في قنوته اللهم اهدنا فيمن هديت و عافنا فيمن عافيت و تولنا فيمن توليت و بارك لنا فيما اعطيت و قنا شر ما قضيت فانك تقضي و لايقضي عليك انه لايذل من واليت و لايعز من عاديت تباركت ربنا و تعاليت ثم يقول استغفر الله و اسئله التوبة سبعين مرة فاذا سلم جلس في التعقيب ماشاء الله فاذا قرب من الفجر قام فصلي ركعتي الفجر و يقرؤ في الاولي الحمد و قل يا ايها الكافرون و في الثانية الحمد و قل هو الله فاذا طلع الفجر اذن و اقام الخبر. و

«* مکارم الابرار عربي جلد 22 صفحه 371 *»

لها طرق اخر اوجز من ذلك في بعض الروايات و ادعية كثيرة قدتكفل بها كتب اصحابنا رضوان الله عليهم كالكتاب المبارك الكافي و من لايحضره الفقيه و مصابيح الطوسي و الكفعمي و غيرها من كتب الروايات و بأيها عملت وسعك فاعمل بها بارد القلب ساكن الفؤاد باذن ائمتك و سادتك سلام الله عليهم.

قال ايده الله كيفية نوافل الجمعة و نوافل اليومية و ما يتعلق بها اجمالاً.

اقول اعلم ان الله سبحانه اول ما افترض علي عباده افترض من الصلوة ركعة واحدة لكل وقت فكانت خمس ركعات كل ركعة بعشر فكانت خمسين علي نحو ما فرض اولاً فانه لايبدل القول لديه و لابد من نفاذ حكمه و امره فلما علم ان عباده ضعفاء لايقدرون علي حفظ تلك الركعة كما ينبغي فانما هي ركعة واحدة و اذا ضيعوها لهلكوا من عليهم من عطفه و كرمه بركعة اخري فجعلها اثنتين لانهم ان ضيعوا من الاولي شيئاً تداركوا في الثانية و لهم فسحة في ذلك فلما علم النبي9 من امته انهم باشتغالهم بطلب الرزق و هموم الدنيا لايقدرون ان‌يحفظوا تينك الركعتين حق حفظهما سن في الصلوة سنة اخري فزاد في الرباعية ركعتين ضعف الفرض الاول فصارت كل واحدة اربعاً و زاد في المغرب ركعة واحدة لضيق وقته و كسالة الناس بعد الفراغ من مكاسبهم و تجاراتهم و اجاراتهم و غير ذلك و لم‌يزد في الصبح شيئاً لاجتماع الحواس و فراغ البال و قوة الحفظ في بعض و كسالة بعض آخر بواسطة غلبة رطوبات الليل و النوم فكان كلاً عليهم اكثر من ذلك فخففهم رأفة و رحمة ثم لما رأي كثرة تشاغل الناس بالدنيا و عدم حفظهم الركعات لقلتها فانه من حين يبتدؤن بالصلوة يبتدؤن بجمع الحواس و السعي في تناسي الدنيا و الاقبال الي الله سبحانه فتتم صلوته قبل ان‌تجتمع قلوبهم و تسكن نفوسهم فسن رأفة و رحمة لكل ركعة من الفرض ركعتين وقاية لها لتجبر بتينك الركعتين كل ما كان في تلك الركعة من سهو او غفلة او نسيان او ادبار عن الله سبحانه فلولا هاتان الركعتان لكان قديرفع من صلوة الرجل عشره او تسعه او ثمنه او اكثر من ذلك او اقل فلذلك صار حفظ النوافل من اللازمات حتي انه قال

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 22 صفحه 372 *»

ابوجعفر7 ان تارك الفريضة كافر و تارك هذه ليس بكافر و لكنها معصية الخبر. فمن ترك النوافل مستخفاً بها او تهاوناً بامر رسول الله9 فلاشك انه عاص فاسق لايجوز ان‌يصدق علي الله و علي رسوله و علي الائمة: و علي المؤمنين في شهادته عليهم و الفرق بينها و بين الفريضة انه رخص في ترك النوافل في السفر و عند الهم و ادبار القلب و العلة و لم‌يرخص في الفريضة ابداً و حسب تارك النوافل ان لاتقبل منه فريضة مع هذه القلوب المشوشة و النفوس المضطربة و كفي بالمتنفل فضلاً ما قال ابوجعفر7 فيه ان الله جل جلاله قال ما يتقرب الي عبدي بشيء احب الي مما افترضته عليه و انه ليتقرب الي بالنافلة حتي‌احبه فاذا احببته كنت سمعه الذي يسمع به و بصره الذي يبصر به و لسانه الذي ينطق به و يده التي يبطش بها ان دعاني اجبته و ان سألني اعطيته انتهي. فلمثل هذا فليعمل العاملون اذلك خير نزلاً ام شجرة الزقوم شجرة العلوم العامية و الحكم اليونانية النابتة من سواء الجحيم قلوب اعداء الله الذين هم اصل كل شر و اما توظيفها فثمان قبل الظهر عند الزوال تسمي بصلوة الاوابين و ثمان بعد الظهر تسمي بصلوة الخاشعين و انما جعلتا ثماناً ثماناً و قبل الفريضة لان القلوب مشوشة و النفوس مضطربة بسبب كثرة الاقبال الي الدنيا و متاعها في النهار فاحتاجوا الي طول الصلوة لعلهم تجتمع قلوبهم و يتهيأوا للفريضة فاذا تهيأوا صلوا الفريضة و وقت صلوة الاوابين من اول الزوال الي ان‌يصير الفيء الزايد علي ظل الزوال قدمين فاذا فاء القدمان و لم‌تصل النفل ابدأ بالفرض و اخر النفل و ان فاء القدمان و قدتلبست بركعة او اكثر فامض فيها ثم صل الفرض و وقت صلوة الخاشعين من بعد الفراغ من الظهر الي ان‌يصير الفيء قدمين فان فاء الفيء قدمين و لم‌تصل النفل ابدأ بالفرض و اخر النفل و ان تلبست بركعة او ازيد فامض فيها و اخر الظهر و لك ان‌تصلي هذه الست عشرة اي النهار شئت ما لم‌تضر بالفرض و هذه رخصة و تخفيف و انك ان صليتها في اوقاتها افضل و اربع بعد المغرب فجعلت اربعاً لكسالة الناس في هذا الوقت من كثرة التعب بالنهار و

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 22 صفحه 373 *»

بعدها لضيق وقت المغرب و لئلايكون في ساعة الغفلة و وقت انتشار الشياطين في العالم غافلاً فلذلك تسمي تلك الساعة بساعة الغفلة و تسمي الاربع بصلوة الذاكرين و ركعتان من جلوس تعدان بركعة بعد العشاء الآخرة تسمي بصلوة الشاكرين فجعلت ركعة لانها في آخر الليل و وقت المنام و غاية اليقظة و التعب فيصلي ركعتين من جلوس شكراً لله علي ما انعم عليه في اوقات يقظته و ليست هي حقيقة من الخمسين التي سنها رسول الله9 انفاذاً لامر الله الاول و انما سن لان‌تتم النافلة ضعف الفريضة و هي زيادته في الخمسين و لذا لاتقصر حين تقصر نوافل الفرايض المقصورة و تصلي في السفر ايضاً و لها اثر آخر و هو انها وتر مقدم فمن صليها و بات و مات مات عن وتر و ثمان بعد انتصاف الليل تسمي بصلوة الخائفين فانها يصليها الذي يخاف البيات و يخاف الله في سره و انما امروا ان‌يقوم الرجل بعد نصف الليل لان الي نصف الليل آثار حرارة اليوم باقية فاذا نام الانسان و التفت روحه الي الباطن و ادبرت عن الظاهر يمسك ظاهر البدن فضل حرارة النهار و لايضره البرد الذي طبعه طبع الموت فاذا انتصف الليل و غلب البرد امر بالقيام لأن‌تلتفت روحه الي ظاهر البدن و تمسك حرارتها البدن هذا مع انه يصفو الخيال و يخلو القلب و يناجي العبد ربه بقلب فارغ نقي في جوف الليل خالصاً و بالجملة فامروا بالقيام من نصف الليل و لذلك صار القيام كلما قرب من الفجر اكد و اعظم حتي اذا صار الفجر و هو غاية برد الليل صار القيام من النوم فرضاً لازماً و الصلوة فريضة و لولا ما اردتم الاجمال لذكرت وجوهاً لكل واحد تدهش العقول منها و تعرف فضل الشرع و المواظبة عليه و ما اندرج فيه من الحكم الالهية و العلوم النبوية و الولوية ثم بعد الثمان ركعتان تسمي شفعاً و اخري وتراً و الثلث تسمي بصلوة الراغبين لانه لايقوم في هذه الساعة الا الراغب الي فضل الله سبحانه فان في ساعة هذه الصلوة المخصوصة بها فضلاً و هي الفجر الاول و الثلث الآخر من الليل فان في هذه الساعة ينادي ملكان هل من تائب يتاب عليه هل من سائل يعطي هل من مستغفر فيغفر له هل من طالب حاجة فتقضي له و هي ساعة تفتح فيها ابواب السماء و تقسم فيها الارزاق و تقضي فيها

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 22 صفحه 374 *»

الحوائج العظام فلايقوم في هذه الساعة الا الراغب الي الله سبحانه ثم ثنتان و هي صلوة الحامدين قبل صلوة الغداة فيحمد الله بها علي ما اذهب عنه الليل بعافية و ادخله في النهار بفضله فهذه اربع و ثلثون ركعة و هذا توظيفها و اما نوافل الجمعة فهي تلك الست عشر ركعة الا انه زيد فيها اربع اخري تكرمة للجمعة و تفريقاً بينه و بين ساير الايام و لانه مطلوب فيه كثرة العبادة و توزعه في اربعة اوقات قبل الظهر فتصلي ست ركعات بثلث تسليمات بكرة و بعيد ذلك ستاً ثم بعيد ذلك ستاً اخري و عند الزوال ركعتان فهذه عشرون ركعة و لك رخصة في التقديم و التأخير متي تيسر لك اداؤه و في اوقاتها افضل.

قال ايده الله كيفية الوضوء و ما يجب فيه و الوسواس فيه و آدابه واسراره اجمالاً.

اقول اما كيفيته فالواجب فيه غسل الوجه كملاً مع البدأة بالاعلي و الوجه ما دار عليه الابهام و الوسطي من قصاص الشعر الي الذقن تغسل بيمينك و غسل اليدين من المرفقين الي اطراف الاصابع و تبدؤ بالصب من ظهر المرفق و تستوعب يديك بالغسل و تخلل المانع و تمسح ببقية بلل يدك اليمني شيئاً من مقدم رأسك ثم تمسح شيئاً من ظاهر قدميك ما بين اطراف اصابعك الي الكعب و هو المفصل و يكفي في الغسل و المسح المسمي و يجب الترتيب فتبدؤ بما بدأ الله فتقدم الوجه ثم اليمني ثم اليسري ثم تمسح رأسك ثم رجلك اليمني ثم اليسري او تمسحهما معاً و تابع وضوءك بعضه بعضاً لئلايجف وضوءك بسبب التراخي و ان جف بحر او ريح فلابأس و اما النية في الوضوء فليس بشيء لان الانسان العاقل الحي اليقظان لايقدر ان‌يعمل عملاً من غير قصد فاذا علمت انك تتوضأ كفاك و لايجب شيء مما خرج بعض الاصحاب من غير نص كنية الوجه و الاستباحة و غيرها و اما الوسواس فاعلم انه حرام في الوضوء و غيره و صاحبه عابد للشيطان و الله سبحانه يقول الم‌ اعهد اليكم يا بني آدم الا‌تعبدوا الشيطان انه لكم عدو مبين و

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 22 صفحه 375 *»

ان اعبدوني هذا صراط مستقيم و ان الله سبحانه حرم الافراط في الوضوء و غيره كما حرم التفريط فحصرك بين الحرامين فلم‌ترجح الزيادة و الافراط علي التقصير فخف من الوسواس كما تخاف من نقص الوضوء فاذا ساوي خوفاك استقمت علي صراط مستقيم و ان الله سبحانه يقول استقم كما امرت و هذه الاستقامة هي الحسنة بين السيئتين و هذا معني ما روي عليك بالحسنة بين السيئتين فلافرق بين المفرط و المفرط في العصيان و انما يلبس الشيطان علي بعض المسلمين الوسواس بالاحتياط فاجبه بان الاحتياط ان‌تتحفظ عن الوقوع في المعصية فاي احتياط الزم من ان‌اتحفظ من الشرك و انما الموسوس مشرك بنص الاخبار و القرآن فاذا شككت في ثلث وضوء فاعلم ان الشيطان قدسخرك و سخر بك فاترك الشك متعمداً و امض علي شكك فانه يوشك ان‌يدعك الشيطان فمن ظن ان غسل الوجه يحتاج الي ازيد من كف من ماء و كذا اليمني و اليسري تحتاجان الي ازيد من كفين لكل يد كف فهو موسوس و كذا لو بالغ في الدلك و جاز الغسل و جففه باليد او بلغ به المسح و اخرجه عن معني الغسل فذلك موسوس و يكفي في الوضوء للمعتدل المستقيم ثلث اكف من ماء و لايحتاج الي مبالغة الدلك و لايجوز التعمق فيه و كذا الامر في الغسل و الصلوة و غيره و متي ما شككت في كل ثلث فامض علي شكك و اياك و الوسواس فتكون بجد و جهد و تعب شديد عابداً للشيطان مشركاً بالرحمن فتعيش في تعب و هم و غم و شك و تحشر يوم القيمة بالعذاب الشديد في زمرة المشركين بالله.

و اعلم انه قدروي ان الخوارج ضيقوا علي انفسهم و ان الدين اوسع من ذلك و ان دين محمد9 حنيف و اما آدابه فغسل اليدين قبل ادخاله الماء عن نوم مرة و عن البول مرة او مرتين و عن الغائط مرتين و الاستياك و المضمضة ثلثاً و الاستنشاق ثلثاً و التسمية عند الوضوء و الدعاء بالمأثور عند كل فعل من افعاله و بعد الوضوء و قراءة القدر في اثنائه و اما احكام الوضوء و ساير ما يتعلق به فكثير ذكرنا في طهارة كتابنا المسمي بالجامع

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 22 صفحه 376 *»

و اما اسراره فكثيرة الا اني اجمل لك القول كما هو مطلوبك و اتكالاً علي ذكاوتك فاعلم يا اخي ان الله سبحانه اصل كل خير و نور و كمال و طيب و طهر و لايكون في شيء خير و نور و كمال و طيب و طهر الا بالاتصال بالله سبحانه و تعالي و كل من انقطع عن الله سبحانه فيكون شراً و ظلمة و نقصاً و قذارة و كثافة و الاتصال بالله سبحانه اتصالان اتصال كوني و اتصال شرعي و الانقطاع عن الله سبحانه انقطاع واحد و هو الانقطاع الشرعي اذ لو كان الشيء منقطعاً عن الله سبحانه كوناً لايوجد فالاتصال الكوني حاصل لكل بر و فاجر و لايورث ذلك سعادة للانسان و غيره اذ السعادة و الشقاوة حكمان شرعيان و هما كوناً ايضاً متصلان فمن اجاب دعوة الداعي الي الله سبحانه صار خيراً و نوراً و كمالاً و طيباً و طاهراً و من لم‌يجب دعوته صار شراً و ظلمة و ناقصاً و قذراً و لما كان الاتصال الي الله سبحانه سبباً لتعلق روح الايمان بالشيء فمن اتصل الي الله سبحانه كان مؤمناً و تعلق به روح الايمان و كان بذلك حياً و من انقطع عن الله سبحانه صار كافراً و سلب عنه روح الايمان فكان بذلك ميتاً فكل متصل حي بروح الايمان و كل منقطع ميت لان الله سبحانه مبدؤ حيوة كل حي و لانعني بالاتصال الي الله سبحانه الا التمسك بحبل الله الممدود بين الله و بين خلقه و هو حجته و لسانه المعبر عن رضاه و سخطه فمن تمسك بحبل الله المتين و عروته الوثقي فهو الحي و من ترك ذلك الحبل كان ميتاً اقرأ قوله تعالي يا ايها الذين امنوا استجيبوا لله و للرسول اذا دعاكم لما يحييكم و سمي الكفار ميتاً حيث قال انك لاتسمع من في القبور ان انت الا نذير و قال او من كان ميتاً فاحييناه و جعلنا له نوراً يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها و قال يخرج الحي من الميت و يخرج الميت من الحي الي غير ذلك من الآيات فكل متصل مؤمن حي و كل منقطع كافر ميت كائناً ما كان بالغاً ما بلغ سواء في ذلك الانسان و الجن و الحيوان و النبات و الجماد و ايمان كل واحد بحسب مقامه و رتبته بحيث ما يليق به فايمان الجماد ايمان جمادي عنصري و ايمان النبات ايمان طبيعي و ايمان الحيوان ايمان حيواني و ايمان الجن ايمان جني و ايمان الانسان ايمان انساني فاحفظ هذه المقدمة

«* مکارم الابرار عربي جلد 22 صفحه 377 *»

حتي‌نأتيك ببيان ما سئلت و مقدمة اخري لهذا المطلب ان الاشياء علي ثلثة اقسام اما اتصل بالله سبحانه في اي رتبة كان و انقطع عن ما سواه فهذا القسم صار مؤمناً طاهراً و داعياً و مطهر لما غلبت عليه اللطيفة الربانية باتصاله و هتكت استار انيته و اما اتصل بالله سبحانه و لكن لم‌يهتك اتصاله استاره و لم‌تنفذ منه لطيفته فذلك صار مؤمناً طاهراً و لكن لايدعو الي الايمان و لايكون مطهراً لغيره و اما انقطع عن الله سبحانه فيكون كافراً نجساً و هذا باب يفتح منه الف باب من العلم لمن عرف منه المراد و الباب الذي يفتح منه الي ما سئلتم ان الاشياء علي ثلثة اقسام اما طاهر و مطهر و اما طاهر غير مطهر و اما قذر فالاول كالماء و الثاني كساير الاشياء الطيبة و الثالث كالنجاسات فالاول حي و محيي و الثاني حي و الثالث ميت فكل ميت يحتاج في حيوته الي الماء المطهر المحيي لا الاشياء الطاهرة الحية فانه لاينتفع منه بوجه في الطهارة و الحيوة و ان انتفع في التطهير و الاحياء و لما كان هذا البدن بدناً جمادياً نباتياً حيوانياً انسانياً يجري عليه احكام الاربعة و يموت اربع موتات الاول الموت الانساني و هو بكفره و سلب روح الايمان منه فاذا خرجت منه روح الايمان مات انسانيته وصار نجساً فبقي موجوداً بما هو حيوان دون ان‌يكون موجوداً بما هو انسان قال7 الناس كلهم بهائم الا المؤمن و قال الله تعالي ان هم الا كالانعام بل هم اضل و يحيي و يطهر ذلك بمجاورة انسان حي محيي طاهر مطهر فاذا سلبت عنه روح الحيوان و خرجت عنه خر ميتاً نجساً و لايطهر و لايحيي الا بمجاورة حي محيي طاهر مطهر و اذا مات بطبعه و سلبت عنه الروح الطبيعي خر ميتاً نباتياً و لايحيي و لايطهر الا بمجاورة روح طبيعي طيبة محيية مطهرة و اذا سلب عنه الروح الجمادي الظاهري و فسد تركيبه احتاج الي جماد حي طاهر محيي مطهر و هو في الجمادات الماء و ظاهر البدن جماديته و اما نباتيته ففي طبعه و حيوانيته في روحه و انسانيته في عقله و احكام ظاهر الشرع احكام جماديته فمن اجنب او حاض او استحاض او نفس و خرج عنه الدم الذي هو مركب حيوة الجسد او المني الذي هو ذلك الدم

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 22 صفحه 378 *»

بعينه الا انه لم‌يستحكم خرج عنه شيء من الحيوة بمصاحبة الدم و حصل في جسده الفتور و الضعف و مبادي الموت و الانقطاع عن المبدء و ضعفت بسببه الحرارة الغريزية الجمادية فيصب عليه جسده الماء الطاهر المطهر فيدخل من مسامات جسده فيه و يصير مادة لحيوة جديد و يصير بدل ما تحلل منه فان من الماء كل شيء حي و الماء طعمه و لونه و ريحه طعم الحيوة و لونها و ريحها و ان كان بارداً سد المسامات ببرده و احتقنت الحرارة في الجسد و قويت فلذلك ينشط الانسان اذا صب علي جسده ماء فبصب الماء يتصل بمبدئه مجدداً فان الماء هو حبل الله الممدود للجمادات و من اتصل به حي و طاب و زكي و طهر و اما اذا خرج منه الاخبثان ضعف قليلاً لانهما يخرجان بعد الكيلوس في المعدة و الدم و المني يخرجان بعد الكيموس في الكبد و القانون في بدن الانسان انه اذا ابتدأ في الضعف و الموت و البرد يبتدؤ بالاطراف ثم يتبعه بظاهر الجسد ثم بباطن الجسد ثم بالقلب لان القلب به فتح الله في الجسد و به يختم فاذا خرج الاخبثان عن المعدة خرجت بصحبتهما الحرارة الغريزية قليلاً و بردت الاطراف و ضعفت و بردها و ضعفها مقدمة الموت فلو اشتد مات بلامهلة كما تري فيمن يموت بالاسهال فاذا خرج الاخبثان و بردت الاطراف احتاج الي غسل الوجه و اليدين ليصير ما يدخل في مساماته بدلاً لما ضعفت من حرارته و حيوته و يتصل بالماء الذي هو الحبل الممدود بينه و بين الله فيحيي و يقوي و يطهر و لما كان الرأس هو كالانبيق علي قرع البدن و هو مصعد الحرارة و تكون الحرارة فيه كثيرة و لايبرد بالضعف مثل ما يبرد اليد و الوجه اكتفي فيه بالمسح و اما الرجل لغلبة بردها بالبعد عن المبدء و كثافتها و جمودها دائماً يكون اثر الموت فيه اقل لأن اثر الموت في اللطيف اشد و ابين منه في الكثيف الاتري ان ميت الآدمي ينجس اليد و ميت الحيوانات لاينجس اليد و يتبين اثر الموت في الجسد و لايتبين في الشعر و العظم و ساير اعضائه التي اثر الحيوة فيها ايضاً قليلة و ذلك لأن ما قل تعلق الحيوة به قل اثر الموت فيه و ما كثر تعلقها به كثر اثر الموت فيه و الرجل مما يكون تعلق الحرارة و الحيوة ابتداء بها قليلاً فيكون اثر الموت ايضاً فيه قليلاً و تقنع بقليل حتي‌

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 22 صفحه 379 *»

تصل الي رتبته الاولي فاكتفي فيها بالمسح و اما البواطن فلم يجب غسلها و لامسحها لانه لاينقطع الحيوة عنها الا بعد الانقطاع عن الظاهر و اما النوم فوجب عنه الوضوء لميل الروح الي الباطن و ضعف الظاهر الاتري ان النائم يستبرد اكثر من الحي اذا نام بلاغطاء و الذي افهم من سر الحكمة ان النائم كان ايضاً محتاجاً الي الغسل لحصول الضعف بسبب توجه الروح الي الباطن في كل بدنه الا انه خفف عنه لوجهين احدهما رجوع الروح بنفسه الي ظاهر الجسد قوية و ثانيهما رفع العسر و الحرج فيجبره الله سبحانه بفضله و ارجاع الروح الي البدن قوية الا تري ان النوم قديكون سبباً لرفع الكسالة و يزيد في النشاط و اما الانسان الذي يموت و تنقطع عنه الروح و الحرارة الغريزية فيحتاج الي غسل لموته الكلي و يزيد غسلان آخران لحصول الموت الكلي و لذلك قبل البرد ليس بنجس و لاينجس الملاقي له و بعد خروج الحرارة الغريزية يحتاج الي غسل و ينجس الملاقي فهذا بعض سر الوضوء و الغسل و يستنبط منه الذكي باطنه و باطن باطنه و يكفي و لو زدتم في السؤال حرفاً واحداً لزدنا في الجواب حرفاً واحداً و تذكر اذا توضأت انه كما احتاج البدن بخروج النجاسة الي الغسل كذلك الروح اذا احدثت بخروج المعصية المنجسة و بروزها عنه يحتاج الي استعمال ماء الولاية الطاهرة المطهرة الحية المحيية فتمسك بها و تدبر في الدعوات المأثورة فالوضوء ظاهر و قراءة الدعوات و العمل بمعانيها وضوء باطن فلتتوضأ روحك كما يتوضأ جسدك فافهم.

قال وفقه الله من كان مثلي مشغولاً بالعبادة علي النحو الذي اشتغلت به ثم رجعت عنه هل لهذه العبادات قضاء ام لا و هل لما فسد من العبادات الماضية و بطل قضاء الآن ام لا صلوة و صوماً و وضوءاً و غسلاً و اذا كان علي القضاء فكيف العمل بالمسنونات صلوة و صوماً و غسلاً و غيرها.

اقول اعلم وفقك الله و سددك و زودك التقوي ان من استبصر بعد العمي فليس عليه قضاء شيء مما مضي الا الزكوة فانها حق اناس مخصوصين اي المؤمنين الموالين و هو قدوضعه علي ما كان في المخالفين للحق غير الموالين

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 22 صفحه 380 *»

لاولياء الله و يجب عليه اعادته ان كان عليه زكوة و اديها الي غير اهله و اما ساير العبادات فليس عليه شيء لقوله7 من دان بدين قوم لزمته احكامهم و قال ابوعبدالله7 في حديث كل عمل عمله و هو في حال نصبه و ضلالته ثم من الله عليه و عرف الولاية فانه يوجر عليه الا الزكوة فانه يعيدها لانه وضعها في غير مواضعها لانها لاهل الولاية و اما الصلوة و الحج و الصيام فليس عليه قضاء و الوجه في ذلك ان ما عملت سابقاً كانت اجساداً بلاروح فاذا استبصرت نفخ في جميعها الروح و رجعت اليك فانها آثارك و كل اثر و فعل راجع الي مؤثره و فاعله و ان كانت تلك الاعمال قداخذت عن غير اهلها لكن اذا استبصرت و اذن لك البصير و اجازها لك صارت مقبولة حية و توجر عليها فافهم.

قال وفقه الله و هل الوضوء قبل دخول الوقت بطريق الاستحباب اذا كان لي القضاء ام بطريق الوجوب و كذا الغسل قبل دخول الوقت يصح لو نوي الوجوب ام لا.

اقول هذه المسئلة من الشبهات العامية التي نشب عرقها في جسد الناس و ليس عليك نية الوجوب و الاستحباب في عمل من الاعمال اعمل ما ندبك الله اليه ابتغاء وجهه فرضاً كان ام ندباً عرفت وجهه ام لا فتطهر بعد الحدث و صل بها سواء تطهرت قبل الوقت او بعده و سواء كان عليك قضاء ام لا و لاتجب النية المعروفة اي الاخطار بالبال بوجه من الوجوه في عمل من الاعمال و لو كلف الله الناس بان يعملوا عملاً بغير نية كان مما لايطاق و النية امر جبلي فطري لاتخلو عنها الحيوانات فضلاً عن الانسان فاسكتوا عما سكت الله و ابهموا ما ابهمه الله و لم‌يرد نص فيما يذكرون ابداً و لو كان لشاع و ذاع لاحتياج كل فرد فرد اليه في كل عمل و الصحيح ما ذكرنا فاياك و الشبهات العامية ان‌تدخلها في دين الله.

قال ايده الله و هل الصدف يبطل الصلوة لو كان في الجيب ام لا.

اقول لاباس به و هو غير منصوص و كل شيء لك مطلق حتي‌يرد فيه نص و

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 22 صفحه 381 *»

علي فرض كونه من حيوان غير مأكول ليس بحمله بأس مع انه ليس بداخل تحت ما لايؤكل لحمه و هو مولود اوله حيوان و بعده نبات و بعده جماد.

قال سلمه الله و كيفية الصلوة و ما يجب فيها و التعقيبات المسنونة و المفروضة اجمالاً.

اقول اذا دخل الوقت تؤذن علي ما هو المعروف و تشهد بالولاية ندباً بعد الشهادة بالنبوة ثم تقيم مثني مثني حتي التهليل الآخر لما روي في نصوص كثيرة و تشهد بالولاية ندباً بعد الشهادتين و لاتترك الاقامة علي حال ما صليت منفرداً و لتكن في الاقامة علي طهر قائماً مستقبل القبلة و لابأس في الاذان بخلاف ذلك ثم اذا اردت الافتتاح فاقرء دعاء التوجه الذي رواه في الكافي اللهم اني اتوجه اليك بمحمد و آل محمد و اقدمهم بين يدي صلوتي الدعاء. و هو مذكور في اواخر اصوله في الدعوات و واظب علي هذا الدعاء فتوجه به و انت منتصب مرسل يديك جميعاً علي فخذيك و قدضممت اصابعك و اقرن بين قدميك حتي‌يكون بينهما ثلثة اصابع مفرجات و اقل الفصل بينهما اصبع و اكثره شبر و اسدل منكبيك و استقبل باصابع رجليك لاتحرفهما عن القبلة و ليكن نظرك الي موضع سجودك في جميع قيامك و قل بخشوع و استكانة ملاحظاً نفسك تحت كبرياء سلطان جليل الله اكبر و ارفع يديك مع التكبير فتبدء بالرفع و التكبير معاً و تختم الرفع و التكبير معاً و تبسط كفيك في الرفع تستقبل بباطنهما و تضم اصابعك دون الابهام و ترفعهما الي حيال اذنيك و اخرج عند قولك الله اكبر كل كبر عن قلبك لتكون صادقاً في قولك غير كاذب بين يدي من يراك و هو مطلع علي قلبك و ليكن صلبك و نحرك قائماً في صلوتك و لاتتك علي احد رجليك و لاتحول وجهك يميناً و شمالاً و صل صلوة مودع و اعلم انك بين يدي من يراك فان كنت لاتراه فاعلم انه يراك ثم تستعيذ به و تقول اعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم ثم تقرؤ الحمد بترتيل و هو ان‌تمكث فيه و تحسن به صوتك و تحفظ الوقوف و تؤدي الحروف من غير تغليظ مكره كما تفعله الاقشاب المتقدسين بل علي لحن العرب و بسهولة و اجهر

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 22 صفحه 382 *»

بالبسملة متي ما بسملت ثم اقرأ سورة و ايجاب قصدها في البسملة قول بلادليل اسكتوا عما سكت الله و ابهموا ما ابهمه الله مع انا لا نقول بوجوب السورة ثم تصبر هنيئة بقدر ما تنفس و انت قائم و تقول الله اكبر و انت قائم و ترفع يديك كما مر ثم ترسل يديك و تركع و تملأ كفيك من ركبتيك مفرجات الاصابع و ترد ركبتيك الي خلفك حتي‌يستوي ظهرك و تمد عنقك و ليكن نظرك فيما بين رجليك و انت تنوي اعبدك و لو ضربت عنقي و تجعل بين قدميك في الركوع قدر شبر و تضع يدك اليمني علي ركبتك اليمني قبل اليسري و اقم صلبك ثم تذكر ذكراً بترتيل و انت متمكن مطمئن ساكن فاذا فرغت من ذكرك ارفع رأسك و انتصب حتي‌يرجع كل عضو منك الي موضعه و قل سمع الله لمن حمده و تجهر بها و انت مستقر ثم ترفع يديك بالتكبير كما مر و تخر ساجداً فتضع يديك جميعاً معاً علي الارض قبل ركبتيك و لاتلزق كفيك بركبتيك و لاتدنهما من وجهك بين ذلك حيال منكبيك و لاتجعلهما بين يدي ركبتيك و لكن تحرفهما عن ذلك شيئاً و ابسطهما علي الارض بسطاً و اقبضهما اليك قبضاً و تجنح بيديك و تضم اصابعك و تجعلهما مستقبل القبلة فتسجد علي سبعة اعظم جبهتك و كفيك و ركبتيك و ابهامي رجليك و ترغم انفك استحباباً و لاتفرش ذراعيك و لايكونن عضو منك علي عضو و لتكن كالمعلق و ليكن نظرك الي انفك ثم تذكر بترتيل في طمأنينة فاذا فرغت فارفع رأسك و اجلس و قل الله اكبر و ارفع يديك كما مر و تمكن من الجلوس و قل استغفر الله ربي و اتوب اليه ثم تكبر و انت جالس و ترفع يديك كما مر ثم تسجد ثانياً مثل ما سجدت ثم ارفع رأسك و اجلس و كبر و ارفع يديك كما مر ثم ان قمت فاعتمد علي كفيك و ارفع ركبتيك قبل يديك و قل بحول الله و قوته اقوم و اقعد و ان قعدت للتشهد فالصق ركبتيك بالارض و فرج بينهما شيئاً و ليكن ظاهر قدمك اليسري علي الارض و ظاهر قدمك اليمني علي باطن قدمك اليسري علي الارض وظاهر قدمك اليمني علي باطن قدمك اليسري و اليتاك علي الارض و اطراف ابهامك اليمني علي الارض و لايقعدن بعضك علي بعض فتتشهد بالشهادتين و تصلي علي محمد و آل محمد و تسلم و ليكن نظرك في حجرك و سلم عن يمينك او قبال وجهك و تخرج عن الصلوة بالتسليم علي الصالحين و القنوت

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 22 صفحه 383 *»

في الثانية بعد القراءة و قبل الركوع واجب و ليس فيه شيء موقت و تذكر فيه ما قضي الله علي لسانك من الدعاء و الذكر و ترفع يديك بالقنوت و لاتجاوز بهما رأسك و كبر قبله له و بعده للركوع و ارفع يديك بالتكبير و القنوت كله جهار و اما في الركعتين الاخيرتين فالحمد افضل من التسبيحات و يجزيك فيهما تسبيحة فهذه جملة كيفية الصلوة علي سبيل الاختصار و لايجب علي نفس نية الوجه كما اخترعوا و يجزيه اذا عمل بما ذكرنا لوجه الله سبحانه فاعمل به ان شاء الله تفلح و شرح جميع احكامها موكول الي كتاب صلوة كتابنا الجامع.

و اما التعقيبات فقدتكفل بشرحها كتب اصحابنا رضوان الله عليهم كالكافي و من لايحضره الفقيه و المصابيح و مفتاح الفلاح و غيرها و جميع كتب اصحابنا الثقات معتبر في هذا الفن فاعمل بها راشداً مفلحاً و اعلم ان التعقيب افضل ما يعالج به فان من ادي مكتوبة فله في اثرها دعوة مستجابة و افضل التعقيب تعقيب الصبح و العصر و لتكن في تعقيبك علي وضوء و روي ما يضر بالصلوة يضر بالتعقيب و كبر ثلثاً بعد المكتوبة و ارفع يديك بالتكبير و سبح تسبيح الزهراء عليها السلام قبل ان‌تثني رجليك و اتبعها بالتهليل مرة و استغفر بعده و هو احب من الف ركعة في كل يوم و هو من الموظفات و لتكن سبحتك من التربة و بعدد التكبيرات اي اربعاً و ثلثين حبة فانه السنة و عليك بتلاوة آية الكرسي في دبر كل مكتوبة فانه لايحافظ عليها الا نبي او صديق او شهيد و استغفر الله بعد العصر سبعاً و سبعين مرة و العن اعداء آل محمد مائة مرة و صل علي محمد و آل محمد بعد الغداة مائةً كل يوم و في يوم الجمعة الفاً و لاتتركن ما تركت شيئاً التهليلات العشرة و التعويذات العشرة قبل طلوع الشمس و قبل غروبها و ان نسيتهما فاقضهما كما تقضي الصلوة المفروضة فانهما موظفتان و مهما تركت من شيء فلاتترك ان‌تقول في كل صباح و مساء اللهم اني اصبحت استغفرك في هذا الصباح و في هذا اليوم الدعاء. و هو مذكور في اواخر اصول الكافي و لاتترك سجدة الشكر بعد المكتوبة فان كل نقص في الركعة المفروضة يجبر بالركعة الثانية و ما كان فيهما من نقص يجبر بما زاد النبي9 و ان بقي شيء و لم‌يجبر به يجبر بالنوافل كما

«* مکارم الابرار عربي جلد 22 صفحه 384 *»

مر فما لم‌يجبر بالنوافل يجبر بسجدة الشكر و يضاعف ما قبل منها لقوله تعالي لئن شكرتم لازيدنكم فيزيد الله في صلوتك ما شاء و عفر الخدين و ابسط الذراعين و الصق الصدر و البطن بالارض و ادني ما يجزيك فيه ثلث مرات شكراً لله و ادع فيها بالادعية المأثورة في الكتب المشار اليها الي غير ذلك من الدعوات المرغبة فيها و تنبه ان السائلين في اعصار الائمة: كانوا مختلفين بحسب قوة ايمانهم و ضعفه و بحسب حوائجهم فكانوا يعلمون كل سائل من التعقيب بشيء يناسب مقامهم فاختر لنفسك منها ما تهوي و يناسب حاجتك و واظب عليها و اي تعقيب اخترته فلاتتركه قبل سنة كاملة و واظب عليه سنة ثم ان شئت تحول عنه الي غيره او ادمن عليه ما شئت فان الله يحب من الخير ما يداوم عليه العبد و لاتختر لنفسك ادعية كثيرة كالاقشاب المتقدسين المرائين فتمل نفسك و تكدر حواسك و تضجر قلبك بل يكون بقدر علي قدر نشاطك و اعلم ان للقلوب اقبالاً و ادباراً فاذا اقبلت فاحملوها علي النوافل و اذا ادبرت فاقتصروا عنها بالفرائض فهذا مجمل القول فيما سئلت.

قال ايده الله و كيفية الصوم و بيان نيته و ما يجب فيه قصده و ما يتعلق به مما لم‌يدرك فهمي اجمالاً و رؤية الهلال و ما يتعلق به و اول الامساك و آخر الامساك.

اقول اعلم وفقك الله تعالي انا بينا سابقاً ان النية هي شعور العمل و لايخلو عاقل عن شعور العمل و ان الخوارج ضيقوا علي انفسهم و ان الدين اوسع من ذلك و اما كيفية الصوم فان تمسك عما يأتي من طلوع الفجر الصادق و هو الابيض المعترض علي الافق لا الذي يذهب صعداء فاذا تبين لك الصبح فامسك عن الطعام و الشراب و الجماع و الامناء الي غروب الشمس اي استتار القرص مع عدم الحائل و يعلم ذلك بغيبوبة الشفق عن افق المشرق و ظهور السواد علي الافق فعند ذلك افطر و لايفطر الصائم شيء سوي الاربعة المذكورة و لايرتمس الصائم في الماء و لايكذب علي الله و علي رسوله و الائمة: و لايغتاب اخاه

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 22 صفحه 385 *»

المسلم فانه محرم عليه الكذب و الغيبة فاذا اصبحت صائماً فليصم سمعك و بصرك من الحرام و جارحتك و جميع اعضائك من القبيح و دع عنك الهذي و اذي الخادم و ليكن عليك وقار الصائم و الزم ما استطعت من الصمت و السكوت الا عن ذكر الله و لاتجعل يوم صومك كيوم فطرك و اياك و المباشرة و القبلة و القهقهة بالضحك و احفظ لسانك و غض بصرك و لا تنازع و لاتحاسد و لاتمار و لاتحالف و لاتغاضب و لاتشاتم و لاتنابز و لاتظلم و لاتسافه و لاتضاجر و لاتغفل عن الذكر و الزم الصمت و الحلم و الصبر و الصدق و مجانبة اهل الشر و قول الزور و الفراء و الخصومة و ظن السوء و النميمة فاذا صمت كذا كنت صائماً و الا فلاحظ لك الا الجوع و هو خسران الدنيا و في الآخرة تحسب من المفطرين.

و اما رؤية الهلال فاعلم ان مدار الشرع و الدين علي اليقين و ان الله سبحانه حد للصوم و الفطر و الحج و ساير معاملات الناس حداً يقينياً ثابتاً جازماً و لم‌يبن دينه علي الظن و التخمين فقدروي ان شهر رمضان فريضة من فرايض الله فلاتؤدوا بالتظني الخبر. و لما كان التكليف عاماً جعل له علامة عامة لاتخفي علي احد و هو الهلال الذي جعل الله مطلعه من السماء و جعله يتقلب في الحالات و بني الله عليه و علي الشمس بناء حساب العالم و قال و الشمس و القمر حسباناً و قال لتعلموا عدد السنين و الحساب و خص الشمس بمعرفة السنين و جعل دوراً منها سنة كاملة و خص القمر بمعرفة الشهور و جعل عدة الشهور عنده اثني عشر شهراً منها اربعة حرم ذلك الدين القيم و قدسئل ابوعبد الله7 عن الاهلة فقال هي اهلة الشهور فاذا رأيت الهلال فصم و اذا رأيته فافطر و قال7 في قوله جل و عز هي مواقيت للناس و الحج قال لصومهم و فطرهم و حجهم و كذلك كان و يكون الي يوم القيمة الا ان هذه الامة الضالة المتحيرة لما قتلوا سبط نبيهم8 اي الحسين7 و وقع عن فرسه ناديهم ملك ايتها الامة الضالة المتحيرة بعد نبيها لاوفقكم الله لفطر و لاصوم و لااضحي فلاجرم لايوفقون الي يوم القيمة و هذا منصوص عن الائمة: فلاجل ذلك يغم علي الناس

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 22 صفحه 386 *»

الهلال و يستر بالغبار و الدخان و السحاب و الظلمة و غير ذلك فيلتبس عليهم اول الشهر و آخره و هذا لاينافي خلقة الهلال للمواقيت فرب شيء خلقته لاجل منفعة ثم يقبض الله عنهم فيضه لاجل شرورهم اما تري ان الحنطة للقوت و الرزق و قديفسده الله سبحانه بالجراد و الرياح و البرد و الدواب و غير ذلك فلاينتفعون به و كالشمس و القمر خلقاً لاجل معرفة الليل و النهار و انتفاع الناس فقدينكسفان و هكذا خلق الهلال لاجل معرفة المواقيت و لكن ستره الله عنهم غضباً عليهم لان‌يحرموا عن العمل في الايام المتبركة فبعد الستر بقيت العامة العمياء علي ما سمعوا من امر الاهلة و اجمعوا عليه و هم لايعلمون من اين اخذوا و من اين نودوا و ما صار عليهم و اما آل محمد: فقدكانوا عالمين بحقيقة الامر و علموا ان الهلال اذا غم علي الخلق عقوبة فان الحساب باق فان الشمس و القمر حسبان و كانوا يفتون شيعتهم به حيناً بعد حين و طوراً غير طور و يوقعونهم بالتدابير و الحيل علي الواقع و قديتركون بينهم و بين التقية و قدكانوا يجرون علي حسب احكامهم حتي انه قال ابوجعفر7 الفطر يوم يفطر الناس و الاضحي يوم يضحي الناس و الصوم يوم يصوم الناس و قال ابوعبد الله7 ما صومي الا بصومك و لا افطاري الا بافطارك فاكل معه و هو يعلم انه من شهر رمضان و قال ابوجعفر7 صم حين يصوم الناس و افطر حين يفطر الناس فان الله عزوجل جعل الاهلة مواقيت الي غير ذلك و لكن علموا خواص شيعتهم المأمونين عدد الشهور و الايام و قاعدتها و هو منصوص عليه عن الائمة: في قريب من ثلثين خبر و قدكتبنا في ذلك رسالة منفردة و نقلنا فيه قول جمع من علمائنا المتقدمين و المتأخرين الذين كانوا يقولون بقولي و نقلنا فيه الاجماعات المنقولة فيه و اصرار العلماء عليه حتي ان صدوق الامة قال من زعم غير ذلك يتقي عنه كما يتقي العامة و ترك اخبار الاهلة و قال ان الباطل يمات بترك ذكره و ذكرنا فيه اخباراً لعله ينيف علي ثلثين خبراً صحيحاً و ليس اختيارنا بقول متروك نادر و لكن بعض العلماء رغبوا عنه او غفلوا عن ادلته و اخباره و اني جمعت الاخبار من مواضع شتي و تتبعت اقوال العلماء حتي وجدتهم قداجمعوا عليه في زمان المفيد

«* مکارم الابرار عربي جلد 22 صفحه 387 *»

و الصدوق و غيرهما و العلماء المتأخرون محقون لانهم لم‌يفحصوا فلم‌يطلعوا بالجملة ليس هيهنا مقام ازيد من ذلك و ذلك الحساب ان الله سبحانه خلق الدنيا في ستة ايام و جعل السنة في بدء الخلقة ثلثمائة و ستين يوماً ثم اختزل تلك الستة ايام منها فصارت ثلثمائة و اربعة و خمسين و جعل شهراً تاماً و شهراً ناقصاً فالمحرم تام و الصفر ناقص و هكذا شهر تام و شهر ناقص ابداً الي ان شعبان ناقص ابداً و شهر رمضان تام ابداً ثم شوال ناقص ابداً و هكذا الا ان هذا اصل بناء الحساب و اصل الخلقة من رب الارباب ثم في هذه الشهور كسور تجتمع لوجود اللطخ و الخلط و التمانع و التصادم و تلك الكسور اذا اجتمعت صار يوماً و لحق الشهور في بعض السنين و يسمي بالكبيسة و تلك الكبيسة علي حساب المنجمين في سني بهزيجوح كادوط و علي ما قال ابن الجنيد رحمه الله في الخامسة و السابعة و لعله قدوصل اليه من الاخبار و علي ما في بعض الاخبار في الخامسة و لم‌يصح عندنا الي الآن الا ان شهر رمضان ثلثون يوماً مما لاشايبة فيه و لاريب يعتريه و كفي علي ضعف قولهم دليلاً اجماع العامة قديماً و حديثاً علي هذا القول و ان الرشد في خلافهم و لكن يا اخي انشدك الله في نفسك و نفس اخوانك ان‌لاتبرز ذلك ما خفت علي نفسك و اظهر الصوم بصوم القوم و اظهر الفطر بافطارهم و لاتخاطر بنفسك و اما في بلادنا و الحمد لله فقداشتهر هذا القول و عمل به الصغير و الكبير و الرجال و النساء و الاحرار و العبيد و تبين خطاء المخالف خطاء فاحشاً ظهر لكل من كان له عين و اما مع خفاء امر الكبيسة خوفاً من فرعون و ملاءه ان‌يفتنهم فان فرعون لعال في الارض فالعمل علي رؤية الاهلة كما عليه الناس الا ان شهر رمضان فريضة من فرايض الله يجب الاهتمام بها و الحفظ عليها فصم يوم الشك ما قدرت بل التاسع و العشرين من شهر شعبان فان رأي الهلال في آخر شهر رمضان ليلة الواحد و الثلثين علي الظاهر فهو و قدصمت ندباً من آخر شعبان يوماً او يومين و ان رأي قبلها فقدوفقت ليوم او يومين من شهر رمضان و لم‌يفتك و ان لم‌تصم يوم الشك و صمت صوم الناس و ظهر الهلال في ليلة الثلثين او التاسع و العشرين فاعلم انك افطرت من اوله يوماً او يومين فاقض ما فاتك و اذا عملت

«* مکارم الابرار عربي جلد 22 صفحه 388 *»

بذلك ارجو ان‌لايفوتك شهر رمضان و لاتكون ممن سلب الله التوفيق عنهم ان شاء الله.

قال سلمه الله و اول المغرب الذي يدخل به وقت الصلوة ما هو و اي شيء علامته و كذا الظهر هل له علامة ام لا.

اقول وقت صلوة المغرب اذا غاب القرص و علامته زوال الحمرة عن افق المشرق و ظهور السواد عليه و وقت الظهر اذا زالت الشمس و يعرف زواله بان‌تأخذ عوداً طوله ذراع و شبر او اكثر و كلما كان اطول كان ابين فتجعل شبراً منه في ارض و تسطح الارض و تراقب الظل و ليكن ذلك قبيل الوقت بقليل فلكما زاد الظل فهو قبل الزوال فاذا تبين قصره و نقصانه فقدزالت الشمس و اعمد من ساعتك و فورك الي طرف حائط او اسطوانة او شيء قائم علي الارض في دارك بشرط ان‌يكون شماله مفتوحاً و ارضه صلبة و تنظر الي ظل طرف ذلك القائم علي الارض الممدود الي الشمال و تخط علي الارض خطاً بيناً يبقي لك زماناً ففي جميع الايام تصلي حين يقع ظل طرف ذلك الشاخص او الحائط او القائم علي ذلك الخط فانه الزوال اليقيني و هذا الذي ذكرت لك ابين و اسهل و اضبط من جميع قواعدهم و ابعد عن الاشتباه و كيفية العود منصوص عن الائمة:.

قال سلمه الله و كيفية الغسل ترتيباً و ارتماساً و ما يجب فيه.

اقول كيفية الغسل الترتيبي ان‌تبدء بغسل الرأس و الرقبة فتستوعبهما بالغسل ثم تغسل ساير بدنك كملاً و ليس بين الجانبين ترتيب الا ان الاحوط ان‌تبدأ بالجانب الايمن فانه احد الجايزين و فيه موافقة المشهور و اما الارتماسي فان ترتمس في ماء يخفي فيه جميع جسدك فاما الدفعة فليس بواجب بل لو كان ارتماسك تدريجاً اجزأك ايضاً الا انها احوط لأنها احد الجايزين و فيه موافقة بعضهم و يكفيك ظن الاستيعاب في الغسل و الوضوء لتعسر العلم و تأديه الي الوسواس و الشرك و لا متابعة في الغسل الترتيبي فلو غسلت

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 22 صفحه 389 *»

رأسك ثم بعد زمان غسلت ساير جسدك اجزأك جف رأسك او لم‌يجف و يجب تخليل المانع و ايصال الماء الي اصول الشعر و لايجب نقضه و لاغسله و اعلم ان الغسل علي ظاهر الجسد دون باطنه و دون ما لايحسب منه و يجزيك في الغسل المسمي مثل الدهن و لايجب في الارتماسي الخروج من الماء بوجه بل لو كنت في الماء و بعض جسدك خارج ثم اغتمست فيه اجزأك.

قال سلمه الله و خضاب اليد بالحنا للرجال ما حكمه حرام او حلال.

اقول مطلق و الحمد لله لابأس به و ليس تشبهاً بالنساء و هو مستحب و سنة و السيد الاستاد رفع الله شانه و انار برهانه كان يكره القاني منه.

قال وفقه الله خلاصة الكلام ان‌تبين لي ما لابد منه للمكلف حتي اجتنب البدع و التخريجات من امر الصلوة و الصوم و معاشرة الناس و تبين لي اموراً يلزم العمل بها حتي‌لااخجل في يوم لاينفع مال و لابنون و التمس تعجيل الجواب و تبين لي مستحبات يلزم العمل بها و يكون باعثاً للوصول الي المطالب حتي لااكون في زمرة الهالكين.

اقول هذا سؤال مختصر و لكن قدجمع السئوال عن جميع الشرايع و السنن و لايستقصي جوابه الا بعد بيان جميع ما كلف الله العباد به و هو في هذه العجالة غير ممكن و لكنا قدكتبنا في نفي البدع و الاهواء و الآراء و التخريجات و بيان الحق في استنباط الاحكام كتاباً منفرداً جامعاً مبوباً لطيفاً و هو المسمي بفصل الخطاب و جعلنا له مقدمة بينا فيه الاصول الواردة عن الائمة: و هي قدتضمن الاخبار الواردة عن طرق اهل العصمة و الطهارة: في نفي تحريف الغالين و انتحال المبطلين و تأويل الجاهلين و بدع المبدعين و كفا بذلك الكتاب ذائداً عن الدين المبين و لم‌يجمع مثله في السالفين فلاتعرف البدع الا بعد الاطلاع علي ذلك الكتاب المستطاب و تلك البدع ليست بما يحصي او يمكن في هذه العجالة ان‌يستقصي و لو اكتفيت في طهارتك و صلوتك و صومك

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 22 صفحه 390 *»

بما ذكرنا آنفاً امنت البدع ان شاء الله.

و اما المسائل الحادثة فيتكفل بها كتابنا المسمي بالجامع فانه قدحاز المسائل المنصوصة و يصل اليكم ان شاء الله و اما معاشرة الناس و ما يلزم العمل به فانا قدكتبنا لبعض اخواننا دستوراً مختصراً جامعاً لطيفاً يشتمل علي الحكم العلمية و العملية فرأينا ان‌نذكره هنا لذلك الجناب و لو اخذت به ان شاء الله لفزت بما فاز به الفائزون و هو:

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله و سلام علي عباده الذين اصطفي.

و بعد اعلم يا اخي و قرة عيني ان الظاهر وعاء الباطن و كل وعاء لابد و ان‌يناسب ما اودع فيه و كل مودع لابد و ان‌يكون له مناسبة مع وعائه و ان الله سبحانه حكيم قادر عدل فلايضع شيئاً في غير موضع يليق به الاتري انه وضع روح السبع في جسد ذي انياب و مخالب و روح الطاير في جسد ذي اجنحة و رياش و روح الفرس في جسد ذي قوائم و حوافر و روح الانسان في جسد ذي ايدٍ و اصابع فالحكيم العدل العالم بما خلق لايضع باطناً الا في ظاهر يليق به فالباطن الكامل لاينزل الا في جسد ظاهر كامل و الباطن الناقص لايستقر الا في ظاهر ناقص فالذي يبتغي الكمال ينبغي له ان‌يستكمل الظاهر اولاً حتي ينزل اليه الامداد الكاملة و يستكمل بذلك الا تري ما علم الله نبيه9 ان‌يقول لأمته المدعين لمحبة الله التي هي اثر الكمال قال قل ان كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله و قال تعالي لو استقاموا علي الطريقة لاسقيناهم ماء غدقاً و قال يا ايها الذين آمنوا ان‌تتقوا الله يجعل لكم فرقاناً فان كنت تريد الكمال فاستكمل اولاً ظاهرك و ذلك يحصل لك ان شاء الله بان‌توزع اوقاتك اثلاثاً فتجعل ثلثاً لتحصيل احكام الدين من العبادات و علم الاخلاق و علم المعرفة و صلواتك و نوافلك و اذكارك و مذاكرتك و مدارستك فمن ترك ذلك جهل ما به قوام الخلق و نظامهم و من جهل ما به قوامه فسوف يقع و تجعل ثلثاً في تحصيل الدنيا من الوجوه المأمورة بها فان

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 22 صفحه 391 *»

كنت ذا كسب فكسبك و ان كنت ذا زرع فزرعك و ان كنت ذاتجارة فتجارتك و يتعلق بهذا الثلث معاشرة الناس من اهل رحمك و الاخوان و غيرهم و مراودتهم و زيارتهم فمن لم‌يشتغل بالدنيا المأمورة و تحصيلها بعوض فيضطر الي تحصيلها بغير عوض و هو قسمان قسم بالاسترحام و الاستعطاف و هو التكدي و قسم بالقهر و الغلبة و ذلك قسمان اما بالعلانية فهو شيمة اهل الجور و اما بالخفية فهو شيمة اللصوص فاختر لنفسك ما يحلو و الطبع الكريم يأبي تحصيل الدنيا الا بعوض حتي‌لايمتن من احد و لايظلم احداً و تجعل ثلثاً آخر في تدبير منزلك فان من لم‌يدبر منزله يذهب عياله ضياعاً و ملعون من ضيع عياله و يذهب ما جمع في بيته من ماله و ما به قوامه كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف لايقدر علي شيء و يذهب سعيه في الثلث السابق ضياعاً و العمر اقصر من ذلك فدبر اهلك لقوله تعالي قوا انفسكم و اهليكم ناراً و دبر خيلك و حميرك و دوابك و عبيدك و امائك فانك ان لم‌تتعب نفسك في ثلث اوقاتك في تدبيرك ستتعب في كل اوقاتك و يذهب عمرك باطلاً فافد الثلثين بثلث تغنم فمن عمل بهذه الثلثة في ظاهره كمل ظاهره و بدت حكمته و استمتع به القريب و استفضله البعيد و رضيه الرب المجيد لانه عمل في الدنيا علي مقتضي غرض الله جل ذكره فاذا استكملت ظاهرك علي مقتضي ظاهر الانسانية المطابقة لغرض الله سبحانه نزل اليك الامداد الباطنية و حلت فيك النفس و قويت فأعن كمالها و استنزل حلولها بتعديل المزاج و تصحيح المنهاج كما قال اميرالمؤمنين7 اذا اعتدل مزاجها و صح منهاجها و فارقت الاضداد فقدشارك بها السبع الشداد و اوصيك في تعديل المزاج بثلث ان عملت بها استغنيت عن الطبيب الا ان‌يبتليك الله ببلاء من خارج جسدك او شاء غير ذلك لاتأكل حتي‌تجوع فاذا اكلت فلاتشبع و لاتشرب حتي‌تظمأ فاذا شربت فلاترو و لاتأكل و لاتشرب الا من حلال فانك ان حفظت اكلك و شربك صح بدنك و اعتدل و صفي و قوي ثم تقدر علي طاعة ربك و ذا مرضت تركت السلوك الي ربك و بقيت مع الغابرين و اذا لم‌تجتنب الحرام قسي قلبك و اذا قسي لم‌يتعظ و من لم‌يتعظ لم‌يقبل و من لم‌يقبل ادبر و من ادبر حرم.

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 22 صفحه 392 *»

و اما تصحيح المنهاج فالمنهاج منهاجان منهاج الي الخلق و منهاج الي الخالق اما تصحيح منهاجك الي الخلق فاعلم ان الخلق علي ثلثة اصناف اخوان مصادقة و اخوان مكاشرة و اعادي اما اخوان المصادقة فعاشرهم كما تحب ان‌تعاشر و عاملهم كما تحب ان‌تعامل و اما اخوان المكاشرة فابذل لهم من نفسك و جاهك و مالك ما بذلوا لك و اما الاعداء فاحفظ نفسك و جاهك و مالك و اخوانك و اهلك عن شرهم و ضرهم بالمداراة و التقية بحفظ اليد و اللسان و العين و السمع فاحذر من ان‌تترك التقية عنهم حذارك من الاسد فان من ترك التقية اضر علي المؤمنين من الناصب الكافر و تارك التقية كقاتل الائمة: فاحفظ نفسك عنهم و عمن لايحفظ عنهم.

و اما المنهاج الي الرب جل جلاله فاوصيك فيه ايضاً بثلث اسئل العلماء ما جهلت و اعمل بما علمت و ادم خدمة العلماء و لازمها فانهم سبيل الخالق و منهاجه فاذا اتيت بماذكرت لك اعتدل المزاج و صح المنهاج وشاركت بها السبع الشداد و قوي فيك اثر النفس و كمل فاذا كمل الجسد و النفس نزلت اليك الامداد العقلانية فأعن كمالها بالعبادة فان العقل ما عبد به الرحمن و اكتسب به الجنان و اوصيك في العبادة بثلث الاقتصاد و عدم تحميل النفس مما تنضجر و ادمان ما اخترت من العبادة و ابتغاء وجه الله حسب لاخوفاً من نار و لاطمعاً في جنة و لاقصد رياء و لاسمعة و لاعز في الدنيا و لاجلب حطامها فانك ان عبدت الله علي ما ذكرت اشتد فيك العقل و قوي فيك اثره و كمل فاذا كمل فيك الجسد و النفس و العقل تجلي لك ضياء المعرفة و اشرق عليك نور المحبة و صرت من الخصيصين الاخيار المنتجبين الابرار و الشيعة الاطهار و اوصيك في هذا المقام بواحدة قل الله ثم ذرهم في خوضهم يلعبون الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة الاتخافوا و لاتحزنوا وابشروا بالجنة التي كنتم توعدون و استقم كما امرت و لاتتبع اهواء قوم قدضلوا و اضلوا كثيراً و صدوا عن سواء السبيل فهذه مجمل ما اردت ابرازه اليك و لو استقاموا علي الطريقة لاسقيناهم ماء غدقاً و لله امر هو بالغه

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 22 صفحه 393 *»

و عسي الله ان‌يأتي من بعد ذلك امرا و صلي الله علي محمد و آله الطاهرين انتهي ما كتبت في وصية ذلك الاخ الصفي و ذكرت لذلك المولي الجليل الحميد و ان في ذلك لذكري لمن كان له قلب او القي السمع و هو شهيد و ان شاء الله يكفيك ذلك الي ان‌يأتي بعد ذلك امراً.

و اما المستحبات التي تكون سبباً للوصول الي المطالب فلااعلم شيئاً افضل من النوافل فان اباجعفر7 قال ان الله جل جلاله قال ما يتقرب الي عبدي بشيء احب الي مما افترضته عليه و انه ليتقرب الي بالنافلة حتي‌احبه فاذا احببته كنت سمعه الذي يسمع به و بصره الذي يبصر به و لسانه الذي ينطق به و يده التي يبطش بها ان دعاني اجبته و ان سألني اعطيته انتهي. و النوافل هي كل ما ندب اليه في الشرع او سنه رسول الله9 في جميع الاعمال و ان كان افضلها في الصلوة النوافل الراتبة فداوم علي السنن والآداب ما استطعت و انما كتب الاصحاب رضوان الله عليهم اجمعين مشحونة بها و هي جميعها معمول بها مجوزة من جانب الائمة سلام الله عليهم اجمعين فاجتهد في العمل بها ما امكنك لكن من دون ان‌تحمل نفسك ماتضجره بل علي نحو الاقتصاد كما قال الله سبحانه و اقصد في مشيك يعني في مشيك الي الله سبحانه و داوم علي ما اخترت لنفسك سنة لااقل و داوم علي قراءة القرآن كل يوم ما تتحمله و يمكنك مع فراغ البال في خلوة و اعطه لبك وقلبك و استشعر ان الله يخاطبك فتوجه اليه بكلك و اقرأه بصوت حسن و رقة و بكاء و سؤال الجنة عند آية تذكر فيها و الاستعاذة من النار عند آية تذكر فيها و انظر الي من نجي بما نجي فاعمل به و الي من هلك بما هلك فاجتنبه و اذكر الحسين7 كثيراً و ابك له ما استطعت فانه افضل ما يتقرب به العباد الي الله سبحانه و هو يرقق القلب و يذهب بدرنه و ينيره و اني ما علمت في جميع ما يعمله العبد شيئاً ادعي الي البر و العمل به و انهي عن الدنيا و السيئات اسرع تأثيراً و ازهي نوراً و اوضح منهاجاً من التفكر فعين لنفسك كل يوم ساعة تخلي في مكان لايكون فيه احد و لايصل اليه صوت و لو كنت تحت السماء و فضاء واسع فهو

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 22 صفحه 394 *»

احب و ابلغ في الحاجة و لتكن علي حال لاتكون فيه نعساناً و لاكسلاناً و لاضجراً و لاظمآناً و لاجوعانا و لايؤذيك حر و لابرد و لاشيء من الاخبثين بل ادفعهما عنك و تطهر و لتكن معتدلة النفس فارغ البال فتخلي في مكان خال كما وصفت لك و تفكر في امرك في الدنيا و الآخرة و في امر الدنيا و فنائها و في امر الآخرة و اقترابها و القبر و وحشته و الحساب و الميزان و الجنة و النار نظر معتبر مستوحش فان تفكر تلك الساعة التي تتفكر فيها يعادل عبادة ستين سنة و لاخير لك في عبادة لاتفكر فيها و لو داومت علي ذلك شهراً تجد من الخير ما لاتتركه ابداً و تختاره علي جميع امورك و المواظب علي التفكر يصير في حال لايزال متفكرا في خلاء او ملاء ماشياً او قاعداً يقظاناً او نائماً و لابد ان امثل لك مثالاً في بعض انواع التفكر لتقع علي الطريق ثم تمشي بنفسك ان شاء الله و التفكر انواع كثيرة:

نوع تتفكر في الذين كانوا قبلك من الاخوان و الخلان و الاقارب و الاباعد من ذوي المحبة او العدوان و سلاطين الزمان و ذوي الخدم و الحشم و القصور و البنيان كيف مضوا لسبيلهم و ماتوا و تواروا في قبورهم و رب رجل منهم كان في غفلة عن موته قبيل ان يستوفي اجله بساعة فالقي علي ظهره او مات عن امراض و آفات و بلايا و محن و الآن قدتفرقت اعضائهم و تبددت اوصالهم و تشتت عروقهم و عظامهم و لحومهم و صاروا رميماً تحت التراب و انقطعوا عن الاحباب و تذكر من تعرفه واحداً واحداً و تذكر اكله و شربه و كلامه و قعوده و مجلسه و قيامه و طول امله و كبره و فخره و عجبه و غفلته و تطاوله و ظلمه يوماً فيوماً و تخاطبه في قلبك اين عنك هذه الاحوال و كيف تركت تلك الآمال اين عنك تلك القصور و اين عنك تلك الدور كيف كنت تنفض عن ثيابك ذرات التراب و تتنظف و الآن صرت تراباً يتنظف عنك مثلك و اين عنك ذلك الكبر و الجلال و الخدم و الحشم و المال و صرت الآن في هذه الحال قدتنفر عنك الحبيب و تنزه عن قربك القريب و هكذا كل صفة صفة و حالة حالة تتفكر فيها علي الاعتبار و الاستيحاش ثم تصور نفسك مريضاً ملقي علي قفاك قداحاط بك المتمرضون و من يهواك و تصور نفسك في حال السكرات و احاطة النسوان لاطمات بالشعور المنشرات

«* مکارم الابرار عربي جلد 22 صفحه 395 *»

و انت تتقلص رجلك تارة و يدك اخري قدعرق منك الجبين و دق منك العرنين و خفي لك الانين و يئس منك الطبيب و بكي عليك الحبيب و تنظر في يمينك و يسارك فلا احد يقدر علي رفع الحمام عنك و تصور انقطاعك حينئذ و تركك احب الناس اليك و اجل المال لديك ثم تصور نفسك ميتاً ملقي علي السرير قدقعد علي يمينك الغسال و يصب عليك الماء و يقلبك يميناً و يساراً و تصور نفسك في كفنك و حنوطك ثم تصور نفسك محمولاً علي النعش يهللون في اطرافك و يربعون نعشك فمن الناس من يفرح بموتك و منهم من يحزن و اقاربك و احبائك حولك يبكون قديئسوا منك و هم ساعون في مواراتك ثم تصور نفسك و قدالقوك في لحدك و واروك و تركوك فلاصديق قام معك و لاحميم بقي يونسك يتركونك في البرية و يرجعون اما نساؤك اللاتي كنت تلقي نفسك في المهالك لاجلهن فاخذن ثمن مالك و شغرن تحت رجل آخر و نسين عنك و اما اولادك الذين كنت تتعب لاجلهم و تقر عينك بهم فقدقسموا مالك و بيتك و صعب عليهم ان يقرأوا لك سورة او يصلوا لك صلوة و هكذا تعتبر من عدم وفائهم و استيثارهم مالك دونك فلايرضون ان يصلوك بعدك بفلس و انت صرت رماداً تحت التراب فلرب عن قريب تضرب علي قرنك المعاول او يغرز علي خدك المساحي فيزرعون عليك او يحفرون و يسمدون علي عينيك و يسقون عليك الارض فلم‌يبق منك خبر و لايذكر عنك اثر فاذا تفكرت في هذا الباب و امثاله انضجرت عن الدنيا و ما فيها و انقطعت عنها فلاتهتم بجمعها و ادخارها و تأخذ منها ان اخذت بلغة تبلغك الي شفير لحدك و تترك حبها و حب اهلها و التنافس بلباسها و مأكلها و مشربها و مركبها و عزتها و غرورها و فخرها و تتنفر من اهلها و تستوحش من مجاورتهم فاذا صرت كذلك فقدقطعت رأس الخطايا ماتت و حييت سالماً ان شاء الله في الدارين و هذا النوع من التفكر هو هادم اللذات و مميت الشهوات و مفرج الكربات و لو تفكرت يوماً واحداً في هذا لأبدي في نفسك اثراً ما كنت تحصله من الكتب العلمية و العملية سنين.

و نوع آخر ان تقعد كما ذكرت لك و تمثل لنفسك القيمة و تنصب الموازين

«* مکارم الابرار عربي جلد 22 صفحه 396 *»

و تتصور منبر الوسيلة و حضور جميع الانبياء و الاولياء صفاً صفاً و الملئكة و تتصور الجنة في جهة مزخرفة بالنعيم الدائم الأبد بحورها و قصورها و نعيمها و حبورها و تتصور جهنم في جهة مأججة بالنار الدائمة المقيمة بزفيرها و حميمها و حياتها و عقاربها و زقومها و نتّها و حرها و تتصور الملئكة الغلاظ الشداد و قدجاؤا اليك بان ربك يبغاك للحساب و قدذهبوا بك الي قرب الميزان في حضور السلطان العالم بالاسرار و الاعلان الذي يعلم خائنة الاعين و ما تخفي الصدور ثم جاؤا بكتاب لايغادر صغيرة و لاكبيرة الا احصيها و تجد ما عملت حاضراً فتخرج لك قائمة من ذلك الكتاب قدعنون بما اغتاب فلان بن فلان المؤمنين و المسلمين فلم‌يغادر تصريحاً و لاتلويحاً الا و قدكتبه بيومه و ساعته و المغتاب و من اغتيب و تذكر ما اغتبت المسلمين في كل يوم و يوم و ساعة و ساعة كانك تقرؤ من ذلك الكتاب فان نسيته انت ما كان ربك نسياً قدحفظه كما قال هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق انا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون ثم تخرج قائمة اخري قدعنونت بما كذب فلان بن فلان و قداحصي كل كذبة كذبته في جد او هزل ثم تخرج قائمة اخري قد عنونت بما عيرت المسلمين او لمتهم و قائمة فيها عدد غفلاتك و قائمة عدد انفاسك في غير الطاعة و هكذا كل معصية قدعملتها و كل خطيئة قد ركبتها قدكتبت في قائمة معلومة صغيرها و كبيرها فتذكر كل نوع من معاصيك و ما تكرر منك في الايام و الليالي ثم تذكر ما تظن من اعمالك الحسنة مثلاً صلوتك و حاسب كم سنة مضت من عمرك و الق منها نصفها او اكثر او اقل لانك كنت نائماً ثم خذ الباقي و الق منها ايام عدم تكليفك و صباك ثم خذ الباقي و انظر في كل يوم كم صرفت من اوقاتك لصلوتك مثلاً صلواتك الخمسة تبلغ ساعتين او ساعة و نصف و اجمع الساعات و اجعلها اياماً ثم اجمع الايام و اجعلها شهوراً و اجمع الشهور و اجعلها اعواماً فتري انك في كل عمرك ما صرفت نفسك في طاعة الله الا في تلك المدة ثم انصف عند نفسك هل كنت توجهت الي الله في كل هذه الصلواة ساعة توجهاً لاتذكر فيها غيره و تريد بها وجهه خالصاً و لو انصفت لم‌‌تجد فتري انه قدمضي منك عمر و لم‌‌تتوجه الي الله خالصاً مخلصاً طرفة عين و هكذا حاسب جميع

«* مکارم الابرار عربي جلد 22 صفحه 397 *»

اعمالك التي تحسبها صالحة و طاعة فلاتجد في كل عمرك لمحة واحدة كنت فيها خالصاً متوجهاً الي الله سبحانه ثم تذكر ما يخاطبك الله سبحانه بعد ذلك اي عبد الم‌انعم عليك الم‌اعزك الم‌افهمك الم‌اطل عمرك في الدنيا الم‌ابعث اليك رسولاً الم‌انزل اليك كتاباً الم‌اعدك بالثواب و اوعدك بالعقاب الم‌ابين لك الحسن من القبيح الم‌اربك من حين كنت نطفة فعلقة فمضغة فعظاماً فلحماً و خلقاً آخر الم‌اربك وليداً و اجريت في ثدي امك لك لبناً خالصاً هنيئاً سائغاً مريئاً الم‌اربك بعد ذلك و انعمت عليك ظاهرة و باطنة بما لاتحصي في بدنك و اعضائك و جوارحك و في عزك و اموالك و دفع الاذي عنك و الصحة و الامان اهذا كان جزائي؟ ان تطيع عدوي في جميع عمرك تأكل رزقي و تعبد غيري؟ الم‌ اعهد اليكم يا بني آدم الاتعبدوا الشيطان انه لكم عدو مبين و ان اعبدوني اهذا كان وظيفة شكر احساني اهذا مقتضا انسانيتك ان ينزل عليك كل يوم مني انعام و احسان و يصعد الي كل يوم منك اساءة و عصيان؟ ثم يقال انا قدجربناك في دار الدنيا سنين بالانذار و الاعذار و بلوناك بالحسنات و السيئات فلم‌نجد فيك خيراً خذوه فغلوه ثم الجحيم صلوه ثم في سلسلة ذرعها سبعون ذراعاً فاسلكوه فاذاً بزبانية جهنم اخذوك و زبنوك في سواء الجحيم ثم صبوا فوق رأسك من عذاب الحميم فمن فوق رأسك الي ما لانهاية نار و هكذا من تحت رجلك و يمينك و يسارك و تصور احاطته النار بك و التفاف لهيبها عليك و دخولها في اجوافك و فمك و عرنينك و تصور تفقأ حدقة عينك في لهيبها و غليان دماغك و سيلانه من خيشومك و تشقق قرع رأسك و انتضاج لحم جسدك و سيلان الريم و الصديد عنه ثم يعاد جسدك مرة ثانية و يعذب ثانياً و هكذا كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلوداً غيرها ليذوقوا العذاب و تصور انك كلما بكيت و بكيت دماً و صديداً و عليت نحيباً و عويلاً يقال لك كانت الدنيا دار عمل و هذه الدار دار جزاء فلاينفعك بكاؤك هنا فانه عمل هلا بكيت في دار الدنيا و كلما تستغفر و تسترحم و تستعطف يقال لك قدمضت دار العمل هلا فعلت ذلك في دار الدنيا و هكذا ان يصبروا فالنار مثوي لهم و ان يستعتبوا فما هم

«* مکارم الابرار عربي جلد 22 صفحه 398 *»

من المعتبين فاذا تفكرت في هذا الباب و جزئياته يقشعر جلدك و تسيل دمعتك و يرق قلبك و تموت شهوتك و تضعف نفسك و تحزن حزناً صادقاً و تبكي بكاء خائف علي نفسك و حيرتها و انقطاعها يومئذ فان اردت ان تعمل عملاً هناك تنجو فقدانقضت دار العمل و بغير عمل فلانجاة ثم تيقظ من فكرتك و انظر انك الآن في دار الدنيا موجود ينفعك العمل حينئذ و اغتنم حيوتك و ابك علي خطاياك و استغفر لها و تب الي الله من جميع تلك الذنوب و اسع ان يكتب تحت كل ذنب من ذنوبك استغفار و توبة و ندم و بكاء و اعلم ان التائب من الذنب كمن لاذنب له فلاتقوم من مقامك يوم تتفكر في هذا النوع الا طيباً طاهراً كيوم ولدتك امك.

و اعلم يا اخي انه و الله لانجاة الا في طريقتنا انظر الي حقية هذه الطريقة و نورها فان علي كل حق حقيقةً و علي كل صواب نوراً و حقيقة طريقتنا اوضح من الشمس في رابعة النهار و لاجل هذا لايمضي علي المؤمنين الا قليل زمان و قدتغير خلقهم و علمهم و عملهم و اما القوم فقد اغتروا بالدنيا و زخارفها فلايكون همهم الا جمع الدنيا و رياستها و قديئسوا من الآخرة كما يئس الكفار من اصحاب القبور.

و نوع آخر ان تتفكر في مهانة نفسك انك كنت منياً نجساً قذراً قداغتسل منك والداك حين خروجك منهما ثم كنت علقة قذرة و دماً نجساً ثم صرت مضغة ثم خلقت فيك العظام و اللحم و غذيت بدم حيض امك حتي اذا خرجت الي دار الدنيا و انت لست الا زقاً مملواً من العذرة و الدم و البول و النجاسات هذا لعاب فيك القذر و هذا اذي خيشومك الكثيف و هذا بطنك المملو من العذرة و البول و هذا جلدك الذي تحته دم نجس و ريم و صديد و هذا اوساخ ظهر جلدك او لست الا قدراً او دكاناً لحمياً يطبخ فيه العذرة و يصير الاغذية اللطيفة عذرة و بولاً نجساً و تنظف العذرة كل يوم بيدك مرتين او اكثر و تباشر ما يباشره الكناسون بيدك و لاتقدر ان تصبر علي ترك طبخ العذرة يوماً واحداً و فلان او انت تفتخر علي الفقراء بانك تطبخ العذرة من الارز و خبز الحنطة مثلاً و هو ثمرة مال الدنيا و ذلك الفقير يطبخه من خبز الشعير و هذا غاية فخرك و فخر الناس و ان جسدك هذا الذي تتنافس به و تلبسه من الين الثياب و احسنها ليس الا عصارة العذرة و البول و

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 22 صفحه 399 *»

قدعصرها العروق ثم غلظها و صيرها لحماً و جلداً و عظماً فليس تمام جسدك الا عصارة العذرة الخبيثة المنجمدة و الغليظة و هل لعصارة العذرة فخر و كبر و عجب و هل ينبغي ان يلقي هذا الجسد في صدر المجلس و يليق ان يقام له و يعظم و يخدم و يكرم و يفخم و هل هذا الجسد الا كدودة تولدت في الكنيف و في بئر الغائط و هل لدودة الغائط عظم و كرامة و هل يليق به عجب و هل يجوز له ان يكابر جبار السماء و يعصيه و يتصرف في الملك و يكون له امر و فعل و تصرف و مقام ما هو و ما خطره ثم يصير بعد ذلك جيفة منتنة انتن من كل ميتة قديأخذ خيشومه منه امه و ابوه و ولده و زوجته يوارونه تحت التراب لقبح منظره و شدة نتنه ثم يدود جسده و يسيل منه الريم و الصديد و القيح و ينتثر و يتلاشي و يضمحل فاوله نطفة قذرة و آخره جيفة نجسة و ما بين ذلك بئر غائط و بالوعة و هل يناسب ذلك ان ينشد في مدحه الاشعار و يكتب له العرايض و الذرايع و يسمي باسامي كبيرة عظيمة و يجتمع في اطرافه الناس و يكبر قدامه و يقرأ القرآن امامه و يجعل كلام الله له بمنزلة التطريق و التبعيد و يقام له و يقبل ايديه و ارجله انصف ربك هل تقتضي دودة المزبلة و عصارة العذرة كل ذلك و هو احد الكناسين الذين ينظفون مخرج العذرة كل يوم مرتين ما هذه الغفلة ما هذا التناسي فاليوم ننساهم كما نسوا لقاء يومهم هذا و ما كانوا بآياتنا يجحدون و انت لو تفكرت في هذا الباب هانت عليك نفسك و صغرت في عينك و بصرت بنفسك و بغيرك فاذا هانت عليك النفس قدامنت من كثير من العجب و الفخر و الكبر و الخيلاء حتي لو دق رأسك يوماً بمطرقة ما ترفع رأسك لاسيما الا كان هذه الدودة عاصية لجبار السماء طاغية علي مالك الدنيا و الاخري فتقول اضرب فان رأساً عصي ربه حري بان يدق.

و نوع آخر تتفكر انك كنت نطفة مهانة ضعيفة و قدراقبك ربك حتي جعلك علقة ثم رباك حتي جعلك مضغة ثم انعم عليك حتي جعلك عظاماً ثم الطف بك حتي كساك لحماً ثم نظر اليك برأفته و انشأك خلقاً آخر و قدكنت بنفسك عاجزاً لاتعلم نفعاً من ضر و لاخيراً من شر قدرزقك و توجه اليك و دفع عنك الضر و ساق اليك النفع حتي

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 22 صفحه 400 *»

اخرجك الي دار الدنيا فاجري من فورك لبناً سائغاً في ثدي امك و علمك المص و ثقب حلمة ثدي امك ثقبات صغيرة يجري في فيك اللبن قليلاً قليلاً لئلاتغص بشربه و مصه و لم‌يكن شيء آخر صالحاً لك غير ذلك اللبن فاجراه لك من غير معالجة منك و لاكد و لاسعي منك و لا من غيرك ثم اذا علم ان الغذاء المايع لايقوي جسدك و لابد لك من تماسك في جسدك للتتقوي و قداحتجت الي اغذية غليظة و احتجت الي طحنها خلق لك الاسنان و الطواحن حتي تمضغها و تطحنها ليصير صالحاً للكيلوس و لمزاجك و بدنك كيف انعم عليك بما فيه صلاح بدنك و بقاؤه بما لم‌تكد له و لم‌تسع لاجله ثم صحح جسمك في المرضي و اعزك في الاذلاء و آواك في الضاحين و اخدمك في العانين و اطعمك في الجائعين و سقاك في الظمآنين و حملك في الراجلين ثم تشكر علي كل واحد واحد و تنظر في اطراف العالم كم من ملقي علي ظهره في سكرات الموت تتقلص رجله و يداه و يبكي عليه من يحبه و يهواه و انت في حال الحيوة فتشكر و كم ملقي علي فراشه يتقلب في وعكه لايعرف ليلاً من نهار و هو متصرف في النار و انت صحيح فتشكر و كم من مكسورة به السفينة قدغرق في البحر تتقاذفه الامواج و تترامي به الاثباج و يغتمس في الماء مرة و يخرج اخري لا ملاح ينجيه و لا لوحة تغنيه قد عاين الموت بعينيه متلجلج بين داريه و لامحيص له عنه و انت صحيح في البر فتشكر و كم من مقطوع عليه في البراري مسلوب الثياب عارياً قداخذته الرياح و الثلوج و تطاعنه ترك او بلوج قدوثقوا رجليه و قيدوا يديه فكبوه علي وجهه و ثقلوا علي ظهره و انت في امن و امان و صحب و بلدان فتشكر و كم من مبتلي بسلطان و قداحاطت به الجلاوزة و الغلمان قدتواردوا عليه السياط حتي قطعوا منه الانياط قصوا منه الاطراف و ضربوه بالاسياف و انت في عز و امان غير خائف من سلطان فتشكر و كم من جائع سغبان ملقي علي ظهره ظمآن قدسال من فيه اللعاب و يئس من الاحباب يتحسر لكسرة خبز شعير و ماله من تلاد و طارف قطمير و انت منعم بالموائد و الخوان مكرم بين الاخوان فتشكر و كم من مبتل بالجذام قداستأكلت منه اللحوم و العظام ترتعش من رؤيته الفرائص و تتنفر منه الخصائص و انت سليم

«* مکارم الابرار عربي جلد 22 صفحه 401 *»

معاف فتشكر و كم من ملدوغ سليم قدسري السم في عظامه و جعلها كالرميم ينادي بالويل و الثبور و هو كالسكران يمشي و يدور و انت صحيح سليم فتشكر و هكذا ساير انواع البلايا و المحن و سلامتك من تلك الفتن فاذا تفكرت في هذا النوع عظمت النعمة عندك و شكرت ربك و عرفت انه قدرحمك مع عظم خطاياك و كبر سيئائك و هكذا ساير انواع التفكر و فيما ذكرت لك عبرة و ذكري لمن كان له قلب او القي السمع و هو شهيد و ينفتح للمتفكر ابواب لايمكن حصرها و لاضبطها و كفي لك بالتفكر داعياً للبر و زاجراً عن الشر و سبباً للاعراض عن الدنيا و الزهد فيها و الاقبال الي الآخرة و الرغبة فيها و هذه الانواع و ما شاكلها تدعوك الي البر و العمل بها و تري اثرها حين تقوم من مفكرك و هي انجح شيء اعرفه و اولي شيء اصفه و لكن ينبغي مداومتك عليه و مواظبتك به حتي تحصل لك ملكة و يصير البر و الاعتدال لك خلقاً ذاتياً و اما التفكر الذي يزيد في العلم فهو التفكر في الآفاق و الانفس و ما خلق الله من شيء بنظر التعلم و ملاحظة آثار القدرة و لتدخلن في هذا الباب من حيث اوقفوك عليه في الآثار و الاخبار و لاتمل اذا لم‌‌تفهم زماناً شيئاً فانك اذا داومت ينفتح لك الباب فقدجربنا و جرب اسلافنا ذلك فبعد زمان قليل ينفتح الباب و لتنظر في الآفاق نظر متعلم و اعلم انه كتاب تكويني فيه آيات محكمات هن ام الكتاب و اخر متشابهات فاردد متشابهاته الي محكماته و لاتعتن بما فهمت حتي تطلب عليه شاهداً من الكتاب و السنة و تجده فان ما لم‌يأنس الانسان بقراءة خطه و لغته يشتبه عليه كثيراً و كفا بالآفاق لك كتاباً كبيراً ناصحاً مشفقاً صدوقاً لايضل و لاينسي و لاتحتاج معه الي كتاب و يدعوك الي فهم لغته كتبنا و امثالنا فانك لو تعاطيتها و تدبرت فيما نضرب من الامثال و نستشهد بآيات كتاب الآفاق تستأنس بخطها و تفهم شيئاً بعد شيء لغتها فالتزم بما ذكرت لك تترقي الي درجات السابقين في زمان قليل و تفوز بالعلم و العمل و لو وفقت لملاقاتكم لأوجدتكم اموراً يسهل العسير و يلين الشديد ان وجدت منكم جداً و تشميراً في تحصيل العلم و العمل و الادبار عن الدنيا و السعي الي الآخرة.

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 22 صفحه 402 *»

قال وفقه الله هذا المسائل كانت في الفروع و بين لي اصول العقايد الضرورية حتي تصير عقايدي ايضاً علي وفق شريعة سيد المرسلين عليه و آله صلوات المصلين و ان كان عندي كتب السيد رفع الله شانه و انار برهانه و انا مشتغل بتصحيح العقايد بمطالعة تلك الكتب ولكن بين لي اموراً اخر ما تري صلاحي في الزيادة و الخلاصة ان تبين لي ما تري صلاحي ان اصرف عمري فيه.

اقول ليس وراء عبادان قرية و ان كتب السيد رفع الله شانه و انار برهانه و كتب الشيخ اعلي الله مقامه و رفع في الخلد اعلامه متكفلة بذلك بما لامزيد عليه فيما يتحمله الزمان و اما ما حدث من تحمل الزمان بعدهما فقد اشارا اليه و لوحا في كتبهما بما يعرفه العالم بلغتهم ليكون شاهداً لمن يأتي بعدهما و يحتاج الي الاحتجاج علي اتباعهما بقولهما حتي يسلموا و لكن هو مودوع عند اهله يعرفه الي ان يحتاج الي ابرازه و ذلك يحتاج الي شرح و بسط و ليس لي اقبال عجالة ان ابسط ما يليق بهذا الزمان و لكني كتبت في ذلك رسائل عديدة في اجوبة المسائل و عسي ان يصل اليكم شيء منها و من طلب شيئاً و جدّ وجد و اما ما تصرف عمرك فيه فقد بينا و لو علي وجه الاختصار انه لاشيء يصرف فيه العمر مما ينفع الانسان الا العلم و العمل و قدكتبنا لك سبيلهما و اختصر لك هنا ايضاً مقالاً آخر.

اعلم ان العلم علمان علم حق و علم باطل فالاول هو علم الله سبحانه و لم‌يستودعه عند احد الا عند نبيه محمد9 فانه الذي كان يوحي اليه و ينزل اليه الملك فمن ادعي علماً لم‌يستند اليه9 فهو باطل ليس من الله و لا الي الله فان محمداً خاتم النبيين و لانبي بعده و لم‌يوح الي غيره و الانبياء السلف ايضاً كان يوحي اليهم من فضل وحي محمد9 بحسب ذلك الزمان فمنه ما بقي و منه ما قدنسخ و قدجمع لمحمد9 علم الاولين و الآخرين فلاحاجة الي علم السلف و هو9 لم‌يودع علمه الاعلياً و الائمة من بعده واحداً بعد واحد فمن ادعي علماً و لم‌يأخذ عنهم فهو باطل لان النبي9 لم‌يودع علمه غيرهم و ان برز اليهم شيء فلايغني عنهم شيئاً الا بانضمام علم اهل البيت: اليه فانه(ظ) لما برز

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 22 صفحه 403 *»

عنه ناسخ و منسوخ و محكم و متشابه و عام و خاص و مرسل و محدود و لم‌يجمع علم ذلك كله الا الائمة: مع اختلاف النقلة و الحملة و تحمل الفسقة و تحريفهم لتلك العلوم و دسهم و عدم ضبطهم فلاعلم الا من اهل بيت نبيك: فلاتاخذ الا عنهم تكن منهم و ادخل تلك البيوت التي اذن الله ان ترفع من ابوابها و ابوابهم الذين سماهم ابوعبدالله7 فقال انظروا الي علمكم هذا عمن تأخذونه فان فينا اهل البيت في كل خلف عدولاً ينفون عنه تحريف الغالين و انتحال المبطلين و تأويل الجاهلين و قال ابوعبدالله7 من دان الله بغير سماع عن صادق الزمه الله التيه و من ادعي سماعا من غير الباب الذي فتحه الله فهو مشرك و ذلك الباب المأمون علي سر الله المكنون فاذا عرفت ان لهم باباً يجب الاخذ عنه فميزهم بحديث ابي‌عبدالله7 قال في حديث طويل ان عوام اليهود كانوا قدعرفوا علمائهم بالكذب الصريح و باكل الحرام و الرشا و بتغيير الاحكام عن واجبها بالشفاعات و العنايات و المصانعات وعرفوهم بالتعصب الشديد الذي يفارقون به اديانهم و انهم اذا تعصبوا ازالوا حقوق من تعصبوا عليه و اعطوا ما لايستحقه من تعصبوا له من اموال غيرهم و ظلموهم من اجلهم و عرفوهم يقارفون المحرمات و اضطروا بمعارف قلوبهم الي ان من فعل ما يفعلونه فهو فاسق و لايجوز ان يصدق علي الله و لا علي الوسائط بين الخلق و بين الله فلذلك ذمهم لما قلدوا من عرفوا و من قدعلموا انه لايجوز قبول خبره و لاتصديقه في حكايته و لا العمل بمايؤديه اليهم عمن لم‌يشاهدوه و وجب عليهم النظر بانفسهم في امر رسول الله9 اذا كانت دلائله اوضح من ان تخفي و اشهر من ان لاتظهر لهم و كذلك عوام امتنا اذا عرفوا من فقهائهم الفسق الظاهر و العصبية الشديدة و التكالب علي حطام الدنيا و حرامها و اهلاك من يتعصبون عليه و ان كان لأصلاح امره مستحقاً و بالترفرف بالبر و الاحسان علي من تعصبوا له و ان كان للاذلال و الاهانة مستحقاً فمن قلد من عوامنا مثل هؤلاء الفقهاء فهم مثل اليهود

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 22 صفحه 404 *»

الذين ذمهم الله تعالي بالتقليد لفسقة فقهائهم فاما من كان من الفقهاء صائناً لنفسه حافظاً لدينه مخالفاً علي هواه مطيعاً لامر مولاه فللعوام ان يقلدوه و ذلك لايكون الا بعض فقهاء الشيعة لاجميعهم فاما من ركب من القبايح و الفواحش مراكب فسقة فقهاء العامة فلاتقبلوا منهم عنا شيئاً و لاكرامة الخبر.

فاذا عرفت ذلك فاعلم انه قال ابوجعفرالثاني7 من اصغي الي ناطق فقدعبده فان كان الناطق من الله فقدعبد الله و ان كان الناطق ينطق عن لسان ابليس فقدعبد ابليس انتهي.

فانظر الي علمك الذي تأخذه عمن تاخذه هل ينطق الناطق عن لسان ابليس ام عن لسان الله فان كان ينطق عن لسان ابليس فاياك و اياه فان الشياطين ليوحون الي اوليائهم ليجادلوكم و ان اطعتموهم انكم اذا لمشركون.

و اعلم ان الشيطان قديقرؤ آيات الكتاب و قديقرؤ الاحاديث فان الصياد مالم‌ينبذ حبة اي ما يحبه الصيد لم‌يقع الصيد في شباكه الاتري انه في صيد العصفور ينبذ دخناً و في صيد السباع ينبذ لحماً و هكذا فاذا اراد الشيطان صيدك دفن شباكه في قلب اوليائه و صدرهم بل هم بانفسهم شباكه قددفنه في ارض النفاق و القي حباً فاذا اراد صيد شيعي لابد و ان‌يلقي طعامه و هو اخبار اهل البيت: و بعض فضائلهم مما يكون حجة عليه فيلقي من تلك الاخبار حتي‌تستأنس و شباكه مدفون في تراب النفاق لاتراه و انما تري ظاهر اسلام و احاديث و علوم و هي الحب فتدنو اليها لتأكلها فاذاً قدقام الشباك و خنقك الزمك الكفر و الشرك و هو الذي قال ابوجعفر7 ان كان الناطق ينطق عن لسان ابليس فقدعبد ابليس و ذلك قوله تعالي و ما يؤمن اكثرهم بالله الا و هم مشركون اي يطيعون من ينطق عن لسان ابليس فيصير اطاعتهم له عبادة للشيطان فيصيرون مشركين او يؤمنون فيبتدعون رأياً لم يسمعوه عن ائمتهم فيشركون بذلك فقدقيل لابي‌عبدالله7 ما ادني ما يصير به العبد كافرا فقال ان يقول لهذه الحصاة انها نواة و يبرؤ ممن خالفه علي ذلك و يدين بالبراءة ممن قال بغير قوله فهذا ناصب قداشرك بالله و كفر من حيث لايعلم انتهي. فاذا يا اخي الذي يقول من عند نفسه و بعقله

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 22 صفحه 405 *»

من دون استناد الي كتاب او سنة فلايأمن ان‌يقول لحصاة انه نواة فاذا احب علي قوله و ابغض من خالفه فلعله يخالفه محمد و علي و الائمة: و الانبياء و الملئكة و الاولياء فانهم مع الحق و الحق معهم فاذا ابغض من خالفه صار بغيضاً لهم فاذا كان هذا في حصاة كذلك فكيف اذا وضع اصلاً يتفرع عليه الف حكم من احكام الدين و ليس علي ذلك الاصل نص و لا اثر في الكتاب و السنة ايؤمن ذلك الشرك علي نفسه ابداً و هل يؤمن من اتبعه عبادة الشيطان و هل الكافر لسان الله او لسان ابليس فلايغرنك تقلب الذين كفروا في البلاد متاع قليل ثم مأواهم جهنم و بئس المهاد و اعلم ان علياً7 قال قال رسول‌ ستفترق امتي علي ثلث و سبعين فرقة فرقة منها ناجية و الباقون هالكون و الناجون الذين يتمسكون بولايتكم و يقتبسون من علمكم و لايعملون برأيهم فاولئك ما عليهم من سبيل انتهي.

واعلم ان كل مسئلة طرقت سمعك او قالها لك قائل فاسئل قائلها عن شاهد عليه من كتاب و سنة فان اتي لك به فاقبله و الا فاضربه علي عرض الحائط فانه رأيه و هواه و كيف لاتعمل بذلك في حديث العلماء و ما ينسب اليهم و قدامرت ان‌تعمل بذلك فيما يروي عنهم و ان‌لاتقبل عليهم ما ليس عليه دليل من كتاب او سنة فقدقال ابوعبدالله عليه السلام اذا ورد عليكم حديث فوجدتم له شاهداً من كتاب الله او من قول رسول الله و الا فالذي جاءكم به اولي به فاذا كان الامر فيما يروي عن الائمة: هكذا فكلام غيرهم اولي بذلك فما وجدت لقول قائل شاهداً من كتاب الله او من قول رسول الله و اهل بيته: فاقبله و الا فرده الي قائله فانه اولي و لاتصغ اليه فتشرك بالله العلي العظيم و قدامرت بذلك و امرك الصادق7 فقال دع الرأس و القياس و ما قال قوم في دين الله ليس له برهان و قال اياك ان‌تنصب رجلاً دون الحجة فتصدقه في كل ما يقول ثم العلوم التي ينبغي لك تحصيلها فتعلم العربية و لاتكثر من النحو فانه يقسو القلب فانه قال ابوعبدالله7 تعلموا العربية فانها كلام الله الذي يكلم به خلقه و عن موسي بن جعفر

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 22 صفحه 406 *»

عن آبائه: قال قال رسول الله9 من انهمك في طلب النحو سلب منه الخشوع و تعلم علم القراءة فقدقال رسول‌الله9 تعلموا القرآن بعربيته و تعلم علم الحكمة و معرفة الله و صفاته و اسمائه و ما كلفك به و ما تدفع به شبه الجاحدين فقدقال ابوعبدالله7 وجدت علم الناس كلهم في اربع اولها ان‌تعرف ربك و الثاني ان‌تعرف ما صنع بك و الثالث ان‌تعرف ما اراد منك و الرابع ان‌تعرف ما يخرج عن دينك و تعلم الكتاب و السنة علي ما فسرهما الائمة: لقول رسول الله9 انما العلم ثلثة علم آية محكمة او فريضة عادلة او سنة قائمة و ما خلاهن فهو فضل و قال ما انعم الله عزوجل علي عبد بعد الايمان بالله افضل من العلم بكتاب الله و معرفته بتأويله و تعلم فضايل آل محمد: لقول الصادق7 في قوله تعالي و من يؤت الحكمة فقد اوتي خيراً كثيراً قال هي طاعة الله و معرفة الامام و تفقه في الدين و لا تكن اعرابياً فقدقال  ابوعبدالله7 عليكم بالتفقه في دين الله و لاتكونوا اعراباً و اياك و علم النجوم مع الاعتقاد بها و الكهانة و السحر فقدقال ابوعبدالله7 المنجم كالكاهن و الكاهن كالساحر و الساحر كالكافر و الكافر في النار و اياك و كتب العامة و اصحاب الرأي و مصنفاتهم و احاديثهم و اخبارهم و علومهم مطلقاً فقدقيل لابي‌عبدالله7 انا نأتي هؤلاء المخالفين فنسمع منهم الحديث يكون حجة لنا عليهم قال لاتأتهم و لاتسمع منهم لعنهم الله و لعن مللهم المشركة واياك و علم الكلام ثم اياك فقدقال ابوعبدالله7 ويل لاصحاب

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 22 صفحه 407 *»

الكلام يقولون هذا ينقاد و هذا لاينقاد و هذا ينساق و هذا لاينساق و هذا نعقله و هذا لانعقله و قال ان الكلام و الخصومات تفسد النية و تمحق الدين و قال متكلموا هذه العصابة من شرار من هم منهم و اياك و هذه المباحثات المتعارفة في زماننا و المجادلات فقدقال رسول الله9 لعن الله المجادلين في دين الله علي لسان سبعين نبياً و من جادل في آيات الله كفر قال الله و ما يجادل في آيات الله الا الذين كفروا وقال ابوعبدالله7 اياكم و الخصومة في الدين فانها تشغل القلب عن ذكر الله و تورث النفاق و تكسب الضغاين و تستجيز الكذب و في رواية انها تورث الشك و تحبط العمل و تردي صاحبها و عسي ان‌يتكلم الرجل في الشيء فلايغفر له و قال رجل للحسين بن علي7 اجلس حتي‌نتناظر في الدين فقال يا هذا انا بصير بديني مكشوف علي هداي فان كنت جاهلاً بدينك فاذهب و اطلبه مالي و للمماراة و ان الشيطان ليوسوس للرجل و يناجيه و يقول تناظر الناس في الدين كيلا‌يظنوا بك العجز و الجهل و قال رسول الله9 اورع الناس من ترك المراء و ان كان محقاً و قال ابوجعفر7 ان شيعتنا الخرس و اياك و علم المنطق فانه فتنة كل مفتون لين المس مر المذاق و هو من علم النصاري و قدترجم في الاسلام في عصر المأمون لعنه الله و قدترجمه يحيي بن اكثم و فيه من الكفر و الزندقة مالايحصي و قداثبتنا ابطاله في مباحثاتنا حتي‌صار اوضح من الشمس في رابعة النهار و هو مما لم‌ينزل الله به من سلطان و لو كان هذا من دين الله او شرطاً فيه لما اخل به رسول الله9 و هو بدعة في الاسلام و قدقال رسول‌الله9 شر الامور محدثاتها و كل محدث بدعة و كل بدعة ضلالة.

و اما العمل فهو استعمال العلم الذي امرت بتحصيله و اجعله لله سبحانه فان المرائي مشرك و يحول يوم القيمة الي من عمل له و اعلم ان العلم يهتف بالعمل فان اجابه و الا ارتحل و العمل يوسع الصدر للعلم فمن لم‌يعمل و كثر علمه سلط

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 22 صفحه 408 *»

عليه الشيطان فقدقال علي بن الحسين7 اذا سمعتم فاستعملوه و ليتسع قلوبكم فان العلم اذا كثر في قلب رجل لايحتمله قدر الشيطان عليه و قال ايها الناس اذا علمتم فاعملوا بما علمتم لعلكم تهتدون و قال مكتوب في الانجيل لاتطلبوا علم ما لاتعملون و لما تعملوا بما علمتم فان العلم اذا لم‌يعمل به لم‌يزدد صاحبه الا كفراً و لم‌يزدد من الله الا بعداً و قال ابوعبدالله7 لايقبل الله عزوجل عملاً الا بمعرفة و لامعرفة الا بعمل و قال العلم مقرون بالعمل فمن علم عمل و من عمل علم فالذي لاعمل معه ليس بعلم فان ترك العمل مع الخشية محال و قدقال السجاد7 لاعلم الا خشيتك و قال ليس لمن لم‌يخشك علم و قال انما يخشي الله من عباده العلماء فمن لم‌يعمل لم‌يخش و من لم‌يخش ليس بعالم و انما هوصورة علم و هي حجة عليه لا له و العلم نور و ذلك النور نور الخشية فالتاركون للعمل ليسوا بعلماء ابداً باصطلاح اهل البيت: و اصطلاح من اتبعهم باحسان.

هذا مجمل ما اردت لك من النصح فيما ينبغي لك و اعلم ان لاكل ما يعلم يقال و لا كل ما يقال حان وقته و لا كل ما حان وقته حضر اهله و لا كل ما حضر اهله فقدمانعه و اعلم ان لكل شيء اجلاً لايعدوه و وقتاً لايتجاوزه و لكل امر مقر و لكل شيء مستقر و لاينبغي الكشف عن كل شيء علي التعيين و ستعلمن نبأه بعد حين و فيما ذكرت لك عجالة غنية لك الي ان‌يحدث الله بعد ذلكا امراً و اسئل الله ربي ان‌يثبتني و اياكم بالقول الثابت في الحيوة الدنيا و في الآخرة و ان‌يهدينا لما اختلف فيه من الحق باذنه انه يهدي من يشاء الي صراط مستقيم و ان‌يستعملنا فيما هدانا و يعلمنا ما حجب علمه عنا و السلام عليكم و علي من قبلكم من اهل الهداية و الاستبصار و رحمة الله و بركاته

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 22 صفحه 409 *»

كتبه العبد الاثيم كريم بن ابرهيم و قدفرغ من تسويده يوم السبت العشرين من شهر جمادي الثانية من شهور سنة ستين بعد المأتين و الالف حامداً مصلياً مستغفراً و صلي الله علي محمد و‌آله الطاهرين و لعنة الله علي اعدائهم اجمعين. تمت