19-07 مکارم الابرار المجلد التاسع عشر ـ رسالة الدرة اليتيمة ـ مقابله

 

 

رسالة الدرة اليتيمة

 

من مصنفات العالم الربانی و الحکیم الصمدانی

مولانا المرحوم الحاج محمد کریم الکرمانی اعلی الله مقامه

 

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 19 صفحه 311 *»

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين و صلي الله علي محمد و آله الطاهرين و رهطه المخلصين و لعنة الله علي اعدائهم اجمعين ابد الابدين.

و بعد فيقول العبد الاثيم کريم بن ابرهيم ان هذه درة يتيمة و تحفة کريمة اهديتها الي طلاب العلم و اليقين بالشرع المبين و اسأل الله ان يجعل تصنيفي لها من اسباب التقرب و من بواعث الزلفي لديه و استخرت الله عليه و ان يجعله کما يحب و يرضي فانه علي کل شيء قدير و لا حول و لاقوة الا به و سميتها بالدرة اليتيمة من بين الاسماء و الاسماء تنزل من السماء

فاعلم ايها الناظر في رسالتي هذه ان کل نفس يحب سلامته من آفات الدنيا و الاخرة و نجاته من الهلاک و يبغض بواره و ابتلاءه بآفات الدنيا و الاخرة فهو طالب لامر يقطع بنجاته به و يعلم سلامته به و من طباع نفس الانسان ان لاتستقر ما لم‌تطمئن و تستيقن فهي مضطربة تخاف علي نفسها الهلاک ما لم‌تستيقن بالنجاة اللهم الا ان تکون غافلة غير شاعرة بآفات الدنيا و الاخرة و هلاک من هلک و نجاة من نجا فهي بان تکون من الاموات اولي من ان تکون من الاحياء و اليقين اثر اسباب لايدفع اذا قامت و لايحصل اذا امتنعت فما لم‌يفز الانسان باسباب اثرها حصول اليقين بالنجاة مضطرب لايسکن قلبه و هو نبيه ابدا ولکن کما ان لليقين اسبابا فاعلة اسباب قابلة و هي ان يکون الانسان منصفا غير مخاطر بنفسه غير معود نفسه بالشبهات غير منصبغ بالطبايع و الشهوات غير متلوث بالعداوة و الالحاد و الشقاوات طالبا للحق و الثواب فاذا اجتمعت الاسباب الفاعلة و القابلة حصل اليقين قهرا لما جعله الله لازما لها و الاسباب الفاعلة علي نوعين احدهما ما يؤثر في جميع النفوس ان کانت قابلة و هو ما تقوم به حجة الله علي العباد طرا و به يکمل دعوة الانبياء و تشريعهم الشرايع و ابلاغهم ما امرهم الله به فانهم امروا من

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 19 صفحه 312 *»

عند الله باقامة الحجة علي جميع العباد لئلايقولوا يوم القيمة انا کنا عن هذا غافلين و لولا ذلک لکان لهم الحجة علي الله و ذلک مما لايکون فاقاموا صلوات الله عليهم اجمعين اسباب احداث اليقين لجميع من بعثوا اليه بجميع ما بعثوا به و اراده الله من الخلق و کلفهم به البتة و الاخر ما يؤثر في بعض النفوس القابلة الزکية دون بعض فبه تقام الحجة علي تلک النفوس و يؤثر في نفوسها اليقين و تکلف بالاخذ به دون غيرها و ليس لها ان تلوم غيرها علي عدم تيقنه به و تکلفه بالاخذ به فهو موسع عليه في الانکار له و الرد عليه.

فمن اسباب اليقين ضروري اهل الحس ان کان الانسان سليم الحس فما ادرکه الانسان ببصره او بسمعه او بشمه او بذوقه او بلمسه و هو سليم الحاس يحصل له اليقين بکون ذلک المحسوس علي ما حسه في الخارج يقينا و هذا اليقين يحصل للحيوانات فضلا علي الانسان و يسکن به القلب قهرا و به يقام الحجة عليه و ليس له ان يشک في ذلک بعد ما حسه و الشک فيه سفسطة و مخاطرة بالنفس و يدخل الانسان في عرض اصحاب العاهات بل الاموات البتة فاياک ان تعود نفسک بالشک فيما ادرکته بحسها.

و من اسباب اليقين ضروري العقلاء و ذلک من خواص الانسان العاقل و لايشارکه الحيوان فاذا کان الانسان عاقلا غير مجنون يقطع بان الکل مثلا اعظم من الجزء و بذلک يقوم الحجة لله علي خلقه و لايقبل منه عذر فاياک و ان تعود نفسک بالشک في ضروري العقلاء حسسته او لم‌تحسه فان النفس عوادة فلربما تعتاد التردد في البديهيات حتي لاتکاد تستقر و ذلک في الحقيقة نوع من الجنون و الماليخوليا فتحفظ منه ما امکنک و لايجب فيه طلب دليل محسوس و ليس من شرط اليقين و حصول اليقين به قهري للقلب ما لم‌يکن في عرض المجانين و اما ضروري الموحدين فليس بشيء ما لم‌يقم عليه دليل عقلي فانهم ليسوا بانبياء ينزل اليهم الوحي و ليس اجماعهم من غير دليل عقلي حجة الا لاهل الملل

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 19 صفحه 313 *»

المعتقدين بوجود معصوم في جميع الموحدين فاجماعهم لغير اهل الملل ليس بحجة ما لم‌يؤيد بدليل عقلي ضروري فلاجل ذلک لم‌نفرد الموحدين عن العقلاء و المليين فتدبر. و من اسباب اليقين ضروري المليين و ذلک من خواص اهل الملل فاذا اخذ الانسان بملة علي سبيل اليقين يلزمه الاخذ بضروري جميع الملل و بديهياته البتة و ان لم‌يقم له عليه بخصوصه دليل عقلي يعرفه جميع العقلاء و لايجب عليه طلب الدليل العقلي عليه بخصوصه و ليس شرط يقينه فان عرفه فهو و الا فاليقين حاصل له قهرا و الشک في ذلک بعد اخذه بالملة علي اليقين خروج عن الملة و مخاطرة بالنفس فلاتعود نفسک علي انکار ما لم‌يقم لک دليل عقلي عليه بخصوصه فان الانسان اول ما دخل الدنيا ما کان يعلم شيئا و انما تعلم شيئا بعد شيء و ما يجهله و هو مطابق للواقع لاتحصي فاذا دخل بيقين في ملة و عرف بيقين صدق صاحب الملة و وجوب طاعته فما باله لايقبل ضروري تلک الملة و قول جميع اصحابها فان ذلک الا اهلاک للنفس و مخاطرة بها فعود نفسک بالسکون الي ما اجتمع عليه اصحاب الملل ان حصل لک العلم باجماعهم ان اردت نجاة نفسک فهمت وجه الامر او لم‌تفهمه حسسته او لم‌تحسه و من يشک فيه بعد الدخول فهو مبنيء@ عن وساوس نفسه او دخوله في الملة بغير يقين فهو خارج عن الملة قطعا ان دخل بغير يقين و يجوّز کذب ضروري الملل.

و من اسباب اليقين اليوم ضروري المسلمين و هذا خاص بمن آمن بمحمد9 فاذا دخلت في الاسلام بيقين و عرفت نبوة محمد9 فعليک ان تطمئن بما اجتمعت عليه الامة و تطمئن قهرا ان لم‌تکن مخاطرا بنفسک و لم‌يکن في نفسک عيب مما قد مضي فعود نفسک بالسکون عند ضرورة المسلمين فلو ترددت عندها خرجت عن الاسلام البتة و کنت مستحقا للهلاک الابدي فانه قد قام لله الحجة عليک و وجب عليک القبول سواء اقرت به

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 19 صفحه 314 *»

الملل ام لم‌تقر قام دليل عقلي ضروري عليه ام لم‌يقم حسسته ام لم‌تحسه فاسکن يرحمک الله عند ضروريات الاسلام و ان لم‌يکن لک عليها دليل عقلي و سلم تسليم العبد الذليل و لاتطلب دليلا عقليا او تصديق ساير الملل او تقول هذا ينقاد وهذا لاينقاد و هذا نعقله و هذا لانعقله او هذا مسلم و هذا غير مسلم و هذا ممکن و هذا غير ممکن فتکون من الهالکين و قد قامت لله عليک الحجة بيقين فتدبر و انظر لنفسک.

و من اسباب اليقين لنا اليوم ضروري الشيعة و ذلک مخصوص بنا فمن دخل في مذهب الشيعة بيقين و بصيرة فعليه ان يأخذ بما اجتمعت عليه الشيعة و يحصل له اليقين و سکون القلب و الاطمينان ان دخل في مذهبنا عن بصيرة فمن شک في ضرورياتنا فهو مبنيء@ عن دخوله من غير يقين او وساوس و خطرات من الشياطين فمن لم‌يخاطر بنفسه و لايريد ان يلقيها الي التهلکة وجب عليه عدم الالتفات الي المخالف فان الريب فيها يوجب الشک و الشک يوجب الکفر نعوذ بالله فلاتطلب عليها دليلا عقليا و لاتجعله شرط سکون قلبک فلاکل ما يتمني المرء يدرکه و ما اوتيتم من العلم الا قليلا و لم‌يوت الانسان الضعيف علم کل شيء و ان اتاک متشابهات من الادلة التي مضت فلاتعادلها بها فتضطرب فيها بل خذها بتسليم و سکون و اطمينان فان عرفت الدليل العقلي عليها فهو و الا فاترک الادلة‌ و خذ به و استرح و کم من عالم هلک في هذه البوادي و يحسبون انهم من الحکماء الا انهم هم السفهاء ولکن لايشعرون فالمؤمن لايرتاب في الضروريات و لايعدل عنها الي المتشابهات و هو مسلم مؤمن و ما ارتد فرقة من فرق الاسلام من اثنتين و سبعين فرقة الا لمخالفتهم هذه القواعد الشريفة و ممن خلقنا امة يهدون بالحق و به يعدلون فخذ بضروريات الشيعة کملا سواء حسسته ام لم‌تحس عقلته ام لم‌تعقل قام عليه ضروري الملل او المسلمين ام لم‌يقم فانه الحجة الکافية و القول الثابت و يثبت الله من يشاء بالقول الثابت و يضل من يشاء و هو العدل الحکيم.

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 19 صفحه 315 *»

و من اسباب اليقين ضروري العلماء و حفظة الدين و الملازمين لآثار رسول الله9 و الائمة: فان من المسائل ما هو عام البلوي يحتاج اليه عامة الخلق و منها ما ليس کذلک بل هو مودع عند مستحفظي الدين و کل من دخل في عرصتهم يري ذلک المطلب عيانا کما ذکروا فالحق انه اذا حصل يحصل العلم و اليقين بقول الحجة بلا ارتياب و يقوم لله الحجة به علي عباده فماکان کذلک يجب الاخذ به سواء حسسته ام لا عرفته بدليل عقلي ام لا قام عليه ضروري الملة و المذهب ام لا فبهذا اليقين يکتفي و ان لم‌يقيموا عليه دليلا عقليا فاياک اياک ان تعود نفسک لطلب الدليل العقلي او ضروري الملة و المذهب عليه فان وجدته و الا انکرت المطلب و رددت.

و من اسباب اليقين عدم الضرورة في الامور العامة البلوي التي يحتاج اليها جميع المکلفين المتدينين فان کان امر من الامور التي تعم به البلوي و ليس ضرورة علي حکم فيه فلاحکم فيه قطعا اذ محال في سياسة الحجة المعصوم ان يکون له حکم في امر شايع و لايبلغه الي المکلفين و لايشيعه فيهم شيوع ذلک الامر فعدم الضرورة علي حکم للامور العامة دليل عدم الحکم في الواقع فاياک ان تحدث لها حکما والحجة اهمله عن علم رحمة من غير نسيان و لاتحدث حکما بمقتضي عقلک ولاتکمل دين الله بزعمک و لاتشارک نبي الله في نبوته و ليتني علمت ان ما اختلفوا فيه من المسائل الکلامية و الاصولية هل يختلفون في الضروريات او في غير الضروريات فان کان اختلافهم في الضروريات فسوءة لمخالفها و ان کان اختلافهم في غير الضروريات فاين الدليل الضروري علي جواز استبدادهم بعقولهم فيما لم‌يبلغ العقول کنهها و باي شيء حصل لهم القطع من غير انهائها الي الضروريات و ان اکتفوا بالظن فما الحجة علي اکتفائه و ان خصوا باليقين فاي حجة لهم علي غيرهم و اي تشنيع و لله الحجة البالغة فلو شاء لهديهم اجمعين اليس ارسال الرسل و نطقهم في کل جزئي ادل دليل علي عدم رضاء الله بعملهم بعقولهم و قولهم هذا ينقاد و هذا لاينقاد.

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 19 صفحه 316 *»

بالجملة هذه اسباب حصول اليقين في الامور الظاهرة و الاحکام الشرعية فمن ادعي شيئا و اقام عليه حجة من هذه الحجج وجب علي جميع المعترفين بنوع تلک الحجة قبولها و حرم عليهم ردها و يتم کلمة الله عليهم و يبلغ حجته و ما لم‌يقم عليه حجة کذلک فان اقام عليه حجة هي لازمة هذه الحجة بالضرورة فقد تمت کلمته و بلغت حجته و وجب علي من اقيمت عليه قبوله و الا فلا حجة للمدعي علي غيره و وسع غيره الانکار له و الرد عليه هذا من امر التوحيد فما دونه الي ارش الخدش فما فوقه و اما من حدث لنفسه يقين بادلة غير ضرورية او بلازم تلک الحجج لزوما غير ضروري فهو حجة عليه لا علي غيره و يتم کلمة الله عليه و يسع غيره الرد عليه و الانکار له کائنا ما کان و لا لوم عليه البتة ولکن من علم ان العقول ما لم‌تکن موزونة بالقطعيات غير معتبرة و لاتستيقن استيقانا لاتزول عنها و لاتحول و لربما تستيقن اليوم بزعمها شيئا ثم تتحول عنه غدا الي غيره و ليس بيقين ما تحول الانسان عنه و هو عند اخذه به يجوز علي نفسه التحول عنه و مخالفته للواقع فان هو الا ظن و ان الظن لايغني من الحق شيئا فمن علم ذلک لايکاد يستيقن بما استبد به عقله و يخالفه غيره و لعله اعلم منه و اعقل و قد جرب نفسه في التحولات و يعلم علما قطعيا بما في عقله من الاصباغ اللهم الا ان يعرف شيئا قريبا من البداهة و سکت عنه آخرون او قال بخلافه قائل و قوله مخالف للضرورة و دليله مخالف للضروري فيمکن حينئذ ان يحصل له يقين في بعض الاحيان بالجملة‌ غرضنا من رسم هذه المقدمات ان الواجب علي المؤمن ان يکون علي يقين من جميع امور دينه بحيث اذا قال له ربه علي الصراط الله اذن لم ام علي الله تفترون يقول بجرأة انت اذنت لنا هذا هو اليقين فيعمل بما حکم عليه اليقين حتي انه لو حکم اليقين له بالاخذ بالظن فهو اليقين و لاتثريب عليه بالاخذ بذلک الظن و من لم‌ينته امره الي اليقين فهو ممن لايستيقن بنجاة نفسه و ليس بمتدين بدين البتة اذ غاية‌ الدين اليقين بالنجاة و ليس هو بمتعبد لله سبحانه اذ لايدري هل هذا الذي هو عليه عبادة الله ام عصيانه و هل يرضي الله به عنه او

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 19 صفحه 317 *»

يدخله به النار غاية الامر انه يظن رضا الله سبحانه و النفس لاتسکن عند الظن الخالص و لاترکن اليه الا في الامور التي لاتتقيد بها کثير تقيد و ذلک اجماعي المذهب بل الملة بل الملل بل العقلاء فان کل من يجوّز الاخذ بالظن يطلب علي جواز الاخذ بالظن دليلا قطعيا و نحن قلنا بجواز الاخذ بمقتضي اليقين کائنا ما کان فليکن ظنا و اما الظن بدءا و عودا فمما لاتسکن اليه النفس بتة و لاتستقر و لايمکن تعبد الله به و قد جبلت العقول علي ذلک فنقول مسائل هذا المذهب يومنا هذا علي ثلثة اقسام قسم ما هو ضروري بينهم سواء کان من باب انهم عقلاء او من اهل الملل او من المسلمين او من المؤمنين و فيه الحجة بلا خلاف و هو حجة عامة علي اهل جميع هذا المذهب و من انکره خرج عن المذهب و ارتد و کان من الکافرين و قسم ليس بضروري اهل المذهب ولکنه ضروري حملة الدين و مستحفظي الشرع المبين لان العامة غير محتاجين اليه کلا فلم‌يضبطوه و لم‌يحفظوه ولکن المستحفظين حفظوه بلا نکير بينهم و هم مجمعون عليه متفقون علي روايته ففيه ايضا الحجة و يحصل العلم بقول الحجة الا ان هذا بعد الدخول في عرض المستحفظين و الاطلاع علي اصولهم و رواياتهم و الفحص عنهم فمن نظر في اصل من اصولهم او سمع من راو منهم شيئا لايعلم ان ذلک مما اجمعوا عليه او اختلفوا فيه الا انه اذا اخذ به لم‌يخالف الاجماع و دخل فيه و صار من اهله فان ذلک الاصل لايخالف الاجماع و ذلک الراوي لايروي خلاف الاجماع بعد استکمال ساير الشروط و هذا العلم يومنا هذا اسهل حصولا لاجتماع الاصول و ضبط اقوال العلماء بخلاف الصدر الاول بالجملة من حصل له هذا العلم ففيه ايضا الحجة و قسم فيه اختلاف و سبيل طالبه الحجة عليه و لاشک ان هذا المختلف فيه لايکاد ان يکون من الضروريات لوجود الاختلاف فمن اقام دليلا علي مطلبه مما يلزم الضرورة بالضرورة ففيه الحجة و لايمکن التخلف عنه و من لم‌يقم فلاحجة له علي غيره فان حصل له يقين کما ذکرنا يکون حجة عليه و الا فليس لله فيه حجة علي عباده و حجج الله لاتقوم بالظن المحض اللهم الا ان يقوم دليل قطعي علي

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 19 صفحه 318 *»

جواز الاخذ بالظن فهو ظن مرکب و لابأس بالاخذ به اذ هو عمل بالقطع فکل الکلام في سبيل اليقين بهذا القسم من الدين و هو اکثر مسائله فاقول لاشک في ان النبي9 بشر مثلنا بعث في مکة و عامل الناس بالبشرية فقام9 و دعا الناس الي الله و شرع الشرايع و حدث الناس بالحلال و الحرام و من البديهيات انه لم‌يکن يحضره في کل حين کل امته و الناس متفرقون في برهم و بحرهم و بلادهم و بواديهم و انما يحضره آحاد الناس حينا بعد حين و کل واحد کان يسمع منه شيئا و يؤديه الي من لم‌يسمع شفاها و من البين انه لم‌يأمر امته کلهم بالاستماع شفاها مع ما فيه من العسر الظاهر المنفي عن الملة السمحة السهلة و لو کانوا مأمورين بذلک لصار ذلک من الضروريات و اذ ليس فليس فکان جواز الاخذ بقول الرواة من الضروريات في الملة و المذهب و علم انه مما قرره و من دينه الذي ارتضاه و من البين انه لم‌يوجب علي امته الاخذ بالخبر به دون غيره مع ما فيه من تعطيل اکثر الشرايع و عدم حصول التواتر في اکثرها و لو کان هذا واجبا علي الامة لشاع و ذاع حتي ملأ الاصقاع و طرق الاسماع و صار من الضروريات فانه مما يعم به البلوي و يحتاج اليه المخدرات في الحجال حتي بنات التسع المکلفات و اذ ليس فليس لزوم الاخذ بالخبر المتواتر دون غيره من دين النبي المختار قطعا فيجوز الاخذ باخبار الاحاد قطعا و هو من دينه الذي ارتضاه قطعا و ان قيل نعم لايجب الاخذ بالخبر المتواتر دون غيره ولکن اي مانع من الاخذ بالخبر المحفوف بالقرائن القطعية لوجوب الاخذ بالعلم قلت من البين ان القرائن القطعية علي ما تقولون ما کان يمکن لکل مکلف و منهم بنات التسع و العجايز بل النسوان بل کثير من عوام الخلق مع تفرقهم في البراري و القفار و الجبال و انما کان يأتي واحد منهم و يسأل النبي9 و يذهب و ينذر قومه و اني لهم هذه القرائن التي زعمتموها من اسباب القطع و في اعصار الائمة کان ذلک ابعد حصولا لشدة تفرق الشيعة في اطراف الارض و انما کان يذهب الراوي و يخبر من يصل اليه و يأخذ عنه من يثق بخبره و کفاک عدم ضرورة

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 19 صفحه 319 *»

علي تحصيل القرائن القطعية التي تزعمونها بل عدم ورود رواية واحدة و الاخبار کلها متفقة علي الاخذ بخبر الثقة و سيرة السلف شاهدة بذلک و المراد بالاخذ بالعلم هو العلم الشرعي فاذا نحن قطعنا ان دين الله الاخذ برواية‌ الثقة و رأينا الله يقول فلولا نفر من کل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين و لينذروا قومهم اذا رجعوا اليهم و الاخبار المتضافرة نادية بالاخذ بخبر الثقة و السيرة و التتبع شاهدة بذلک و طبيعة العالم لاتقتضي غير ذلک قطعنا ان دين الشارع الاخذ بخبر الثقة هذا و رأينا الشارع قد انزل خبر الثقة في موارد کثيرة منزلة العلم و اکتفي به فعلمنا علما قطعيا ان دين الله الاخذ بخبر الثقة و الاکتفاء به و يکفيک عدم ورود نص واحد في تحصيل هذه القرائن و عدم امکانه لکل مکلف فالمراد بالعلم هو العلم الشرعي کالاکتفاء بامانة کل ذي صنعة في الاسلام و ذلک هو العلم الشرعي و حسبک به و من البين ان الرواة لم‌يکونوا يأتون بکل رواية عن مشافهة الحجة و انما يأتون بلاواسطة و بواسطة و بوسائط قلت او کثرت و هذه التعنعن في الروايات کلها من تلک الايام و من البين انهم لم‌يکلفوا جميع الامة في عصرهم بمعرفة کل الوسائط الذين کانوا في عصرهم او سوالف عصرهم و لم‌يرو عنهم حديث واحد آمر بذلک فضلا عن احاديث و فضلا عن ان يکون ذلک ضروريا و لو کان ذلک من دينهم لصار وجوب ذلک ضروريا اعظم من الصلوة و الزکوة اذ اليه حاجة جميع الامة حتي المخدرات في الحجال حتي بنات التسع و العجايز و ابناء خمس عشرة و اذ ليس حتي انه لم‌يرو حديث واحد فليس من دينهم و اما حديث خذ بما يقول اعدلهما فهو في المشافه للمروي له هذا و الوسائط في بلاد مختلفة و اعصار متقادمة و قد طال المدي الي تولد الحجة قريبا من مأتين و سبعا و ستين سنة و الي قريب سبعين سنة کان يخرج منه التوقيعات و في کل هذه المدد اتت الروايات معنعنة و لم‌يصدر عن الحجج حديث واحد يأمرون شيعتهم بمعرفة ‌الوسائط و الفحص عن احوالهم و لم‌يکتب کتاب في الرجال و لم‌يأمروا برسم احوال رجال زمان کل واحد منهم و لم‌يعرفوا الرجال بانفسهم الا بعضهم للضرورة و لتجويز

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 19 صفحه 320 *»

الاخذ عنه اذا شافه المروي له مع انه من العسير المرفوع عن دين الله علي اليقين کما تري من عسر معرفة احوال رجال عصرک مع تفرق بلادهم بل عسر معرفة‌ علماء عصرک بل هو من الممتنعات العادية فکذلک في تلک الاعصار فلم‌يأمروا الامة بمعرفة الرجال المتقادمين او غير المشافهين المتفرقين بالبداهة و الضرورة و کيف کان بنات التسع او ابناء خمس عشرة في البصرة مثلا اذا الرجل يروي عن حسن الکوفي و حدثه في الکوفة عن حسين المکي و حدثه بمکة عن جعفر المدني و حدثه بمدينة عن کاظم الحلي و حدثه بحلة عن الحجة مثلا يمکنهم ان يعرفوا هؤلاء الرجال في البلاد و قد مات منهم بعض و بقي بعض و لم‌يکن الناس معتنين بضبط احوالهم کيومنا هذا بالنسبة الي اهل عصرهم فتبين ان معرفتهم بالوسائط کان من الحرج و العسر المنفيين و کفاک انه لو کان ذلک من دين الله و لازما لکل احد في کل خبر لکان من الضروريات الاولية في الاسلام فانه مما يعم به البلوي في کل مسألة لکل احد في کل عصر فکان ظهوره اعظم من الصلوة و الزکوة و الحج فانها ليست جارية في کل مسألة لکل احد في کل عصر و اذ ليس فليس من دين الله وجوب الفحص عن احوال الوسائط مع انه محال معرفتهم علي اليقين و الاکتفاء بالظن ليس عليه دليل ضروري قطعي و کفاک في عدم وجوبه اصلا الذي عرفت بسبب عدم کونه ضروريا مع انه مما يعم به البلوي فيجوز الاکتفاء بمعرفة ‌المشافه قطعا و الباقي عليه لا علينا کما ان عليه مدار الاسلام في احوال جميع الانام انهم امناء الله علي الحلال و الحرام فکل ذي صنعة في صنعته امين الله ليس لاحد الفحص عن متقادم وسائطه الي مبدء تکون ما بيده و لولا ذلک لماقام للاسلام سوق و لذا روي المسلمون عدول بعضهم لبعض فان کان الحجام في الاسلام مؤتمنا فمابال رواة الاخبار الثقات ليسوا بمؤتمنين في الاسلام؟ و لست استدل بهذا ولکني استخرج عجبک به فاذ لم‌يقم ضرورة‌ علي وجوب معرفة الوسائط جاز الاکتفاء بالراوي المشافه مع الشرائط و عليه کان بناء الدين کماعرفت فهم الامناء علي الروايات کساير ارباب الصناعات و من البين ان الفاسق لايصدق علي الله و لا علي رسله و لايطمئن النفس الي خبره

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 19 صفحه 321 *»

مع العلم بفسقه و قد قال الله تعالي ان جاءکم فاسق بنبأ فتبينوا و قد ورد ذلک في الاخبار و دل عليه صحيح الاعتبار و لا خفاء عليه و لا غبار و ذلک جبلة النفوس و ضروري الملة بل الملل بل العقلاء فالواجب ان يکون الراوي ممن تثق به و بخبره و بموافقة هذه الضرورة و الکتاب المستجمع علي تأويله وردت روايات آمرة بالاخذ برواية الثقة المأمون و من الواجب ان يکون الراوي معتقدا بصحة خبره عن المعصوم و الا فلايصدق الا علي سماعه عمن يروي و حينئذ لابد و ان تنظر في من يروي عنه ان امکن او تطلب القرائن علي صحة خبره و اما اذا روي معتمدا علي صحته عن المعصوم معتقدا به فذلک مما لايحتاج في الاسلام الي فحص آخر عنه البتة لماعرفت من حکم الضرورة انه ليس علي المستمع ازيد من ذلک و لم‌يکلف بازيد من ذلک و لايسعه اکثر من ذلک فالجايز علينا اليوم الاکتفاء بروايات الثقات المصححة التي ضمنوا صحتها و اعتقدوا بها کالکافي و من لايحضره الفقيه و ما عمل به الشيخ في الکتابين بل و الوسائل و يجوز الاخذ بها من غير فحص و هي الصحيحة الشرعية علي اليقين کما ان الجلد المأخوذ من يد مسلم طاهر شرعي علي اليقين و ليس عليک الفحص عن حاله و يجوز الاخذ بها علي اليقين و الاعتقاد بمضامينها ما ورد فيها للاعتقاد و التدين و هو دين الله الذي اراده من عباده علي اليقين و ان قلت هذا هو تقليد للمصححين قلت اذا دلنا الدليل الشرعي و البرهان الساطع و الحجة القاطعة علي الاخذ برواية الثقة ليس ذلک بتقليد کما انک اذا دلک الدليل علي الاخذ برواية‌ الثقة المشافه لست بمقلد له و لعله باجتهاده و عقله نقل الخبر بالمعني و اذا دلک الدليل علي الاخذ باجماع العلماء الذي لم‌يذکروا عليه دليلا لست بمقلد للعلماء او دلک الدليل علي الاخذ بالمشهور لست بمقلد لاهله و اذا دلک الدليل علي جواز الاخذ في الوقت باذان المؤذن لست بمقلد له کذلک نحن اذا دلنا الدليل الاجتهادي علي جواز الاخذ برواية‌ الثقة المحصصة لسنا بمقلد له و کيف نقلده و نحن بعد ننظر في دلالة الخبر و لعلنا نعمل بخبر لم‌يعمل هو به و صحيح الرواية غير صحيح العمل و کما انکم تنظرون في کتب الرجال و توثقون

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 19 صفحه 322 *»

من وثقه النجاشي حسب و لستم تقلدونه بزعمکم و تسمونه بالظن الاجتهادي کذلک نحن نصحح ما صححه الثقة و يحصل لنا العلم الشرعي و ان لم‌يحصل العلم العادي و لسنا بطالب للعلم العادي و کفانا العلم الشرعي و يحصل لنا البرائة القطعية اذا اخذنا بالعلم الشرعي کما انک مشغول ذمتک بالصلوة قطعا و تتوضأ بماء مأخوذ من مسلم و تستتر بجلد مأخوذ من مسلم و تتکل علي اذان المؤذن و تصلي و تسميه البرائة القطعية للاشتغال القطعي فنحن ايضا يحصل لنا العلم الشرعي بصحة رواية الثقة و نعمل بها و نعلم بحصول البراءة لنا من اشتغال الذمة القطعية بالتکليف اليس يقول جمع منکم بان العصابة اجمعت علي تصحيح ما صح عن جماعة من الرواة و لم‌يقل احد ان الاخذين برواية‌ اولئک مقلدون لهم اذا حصّلوا الاجماع علي صحة ما صح عنهم کذلک نحن قد قادنا الدليل و الاجماع علي ما ذکرنا علي جواز الاخذ برواية‌ الثقات و هذا هو الدين السمح السهل و لله الحمد و المنة علي عباده و قد قال الحجة عليه السلام و اما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها الي رواة حديثنا فانهم حجتي عليکم و انا حجة الله و قال الامام عليه السلام لاعذر لاحد من موالينا في التشکيک فيما يرويه عنا ثقاتنا و قد عرفوا بانا نفاوضهم سرنا و نحملهم اياه اليهم الي غير ذلک من الاخبار المتضافرة و قد رويناها في ساير کتبنا و من تتبع في الاثار عرف بلاغبار ان سيرة ‌المسلمين و الشيعة في السلف کان ذلک و عليه عملهم و قد قررهم الحجج في کل تلک الاعصار علي ذلک و کيف لم‌يقرروا و لم‌يرد حديث واحد بلزوم مراجعة الرجال او الاخذ بالمتواتر و ترک الاحاد او تحصيل القرائن المذکورة في الکتب و لو کان ذلک واجبا علي جميع المسلمين لشاع و ذاع حتي ملأ الاصقاع و طرق الاسماع و صار اشد بداهة من وجوب الصلوة و الزکوة و لم‌يکن في جميع تلک الايام اجتهاد و تقليد حتي يتکفل هذه التکلفات المجتهدون و يأخذ الباقون عنهم تقليدا بل کان العالم الامام و الرعية مقلدون و الرواة حکاة احکامهم و کل من کان يسأل عن مسألة ان کان يعلم رواية يرويها له و الا يقول له لا ادري و کذلک کانت السيرة فلو کان هذه التکلفات واجبة علي الکل لکانت اوضح عندهم من الصلوة فان بها تعرف الصلوة وغيرها.

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 19 صفحه 323 *»

فهذه عجالة خطرت ببالي في اثناء السفر الي خبيص من قري کرمان فاردت تقييدها تحفة لاخواني المؤمنين نفعهم الله به خذها اليک نعمة هنيئة مريئة سايغة و احمد الله علي الملة السمحة السهلة و استرح.

کتبها مصنفها کريم بن ابرهيم و ختمها لسبع بقيت من الجمادي الثانية من المأة الثالثة عشرة حامدا مصليا مستغفرا.