وصية الي الحاج ميرزا يحيي
من مصنفات العالم الرباني و الحکيم الصمداني
مولانا المرحوم الحاج محمد کريم الکرماني اعليالله مقامه
«* مکارم الابرار عربي جلد 13 صفحه 215 *»
وصية للعالم الرباني مولانا المرحوم الحاج محمد کريم الکرماني/
الي الحاج ميرزا يحيي
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله و سلام علي عباده الذين اصطفي.
و بعد يقول العبد الجاني کريم بن ابرهيم الکرماني ان هذه وصية مني الي المولي الحفي الصفي الوفي المزکي الحاج ميرزا يحيي وفقه الله و سدده و وقاه و ايده، حين مفارقته اياي من دار العبادة لحوائج دهته من کرمان فعزم علي الترحال و ابتلاني بالحرمان فاحببت ان اکتب له وصية اذکّر بها نفسي و اياه و لتکون دستوراً له و لسائر اخواننا المؤمنين حفظهم الله من شرور المعاندين و لا حول و لا قوة الا بالله العلي العظيم.
فاعلم يا سيدي ان الله تبارک و تعالي لماخلق الخلق اراد ان يکونوا علي آداب رفيعة و اخلاق شريفة فعلم انهم لميکونوا کذلک الا بانيعرّفهم ما لهم و ما عليهم و التعريف لايکون الا بالامر و النهي و الامر و النهي لايجتمعان الا بالوعد و الوعيد و الوعد لايکون الا بالترغيب و الوعيد لايکون الا بالترهيب و الترغيب لايکون الا بما تشتهيه انفسهم و تلذ اعينهم و الترهيب لايکون الا بضد ذلک و الوفاء بذلک من شرايط القدرة التي اريک آثارها و الحکمة التي عرفک طرفا منها فهما واقعان، و مصير الخلق اما الي الجنة او الي النيران ما مضي من العمر فقد فات و ما امامک من الاجل فلامحالة آت و الجنة هي تجسم الصالحات والنار هي تجسد السيئات و هما من صفات النفوس العاملات و صفاتها منها و لها و عليها و اليها في کل الحالات فنفس الانسان في دار الدنيا اما في جنة عالية قطوفها دانية و اما في نار حامية موقدة هاوية لاتحتاج في اختيارها طول اجل و لاتقدم آخرة و ليس الامر بالاماني من يعمل مثقال ذرة خيراً يره و من يعمل مثقال ذرة شراً يره فاذ لمتکن الجنة الا الصالحات و النار الا الخطيئات فلادليل عليهما الا الاوامر و النواهي فمن اقرب الي الجنة من المتلبس بها و من اقرب الي النار من المتسربل بها کلا لو تعلمون علم اليقين لترون الجحيم فقوموا الي نيرانکم
«* مکارم الابرار عربي جلد 13 صفحه 216 *»
التي اوقدتموها علي ظهورکم فاطفؤها بصالحاتکم و ابنوا من لبن الحسنات و طين المبرات قصوراً و دوراً تأوون اليها في دنياکم و آخرتکم و هل عيش الا في الراحة و هل راحة الا في السرور و هل سرور الا في الرضا و هل يبلغ امرؤ مبلغ الرضا الا بالطاعة و هل طاعة الا في الائتمار و هل ايتمار الا بالامتثال و هل امتثال الا بالعمل لمثل هذا فليعمل العاملون و هل تعذب الا بالتعب و هل تعب الا في الحزن و هل حزن الا في المکاره و هل ينال امرؤ مکروهاً الا بمخالفة حکمة الحکيم و هل مخالفة الا في الترک فلانجاة الا بالعمل و لاهلاک الا في العصيان و نعمة العمل و شقاء العصيان يظهران في الدنيا علي حسبها و في الاخرة علي حسبها فليطع امرؤ مولاه من حيث يدعي الي حيث يرعي الي جنة عرضها السماء و الارض اعدت للمتقين.
و اعلم يا مولاي انک ذاهب الي مغيب و الي ان تثقف اوداً او تقيم عوجاً و غرضک في ذلک خلاف غرض الشيطان و بذلک ينهدم بنيانه و يضطرب ارکانه و هو لايصبر علي ذلک فهو ايضاً يجند جنده و يهيأ کيده فاقم انت ايضاً حزبک و اشحذ سلاحک و خذ حذرک و تنبه في امرک و تحصن بحصنک و توکل علي ربک فان کيد الشيطان کان ضعيفاً و حزبک الصالحات و سلاحک الذکر و البکاء و حذرک اجتناب المعاصي و تنبهک التفکر و حصنک الولاية و ان لمتفعل لاختطفتک ايدي الشيطان و زين لک اعمالک و انت تحسب انک تحسن صنعا.
و اعلم انا قد روينا عن الصادق7 انه قال ليس منا من لميملک نفسه عند غضبه و من لميحسن صحبة من صحبه و مخالقة من خالقه و مرافقة من رافقه و مجاورة من جاوره و ممالحة من مالحه فعليک بهذه الخصال ان احببت ان تکون و اياک و مخالفة سلطان قاهر في سلطانه فان رسولالله9 قال طاعة السلطان واجبة من ترک طاعة السلطان فقد ترک طاعة الله و دخل في نهيه ان الله يقول و لاتلقوا بايديکم الي التهلکة.
و اعلم ان الله سبحانه يقول انا کل شيء خلقناه بقدر فالعالم خلقة الحکيم
«* مکارم الابرار عربي جلد 13 صفحه 217 *»
القدير العادل و وضع کل شيء في محله فلاتحرف شيئاً من موضعه و لاتؤخره و لاتزحفه فتکون ظالماً الا بامره و اعط کل انسان من نفسک ماجعل الله له من المقدار ظاهراً و باطناً و اکتم سرک عمن ليس باهله و ان لمتقدر انت علي کتم سرک و انت انت فمن تقول له اولي بالاذاعة.
و قد روينا ما معناه من اذاع سرنا کمن قتلنا قتل عمد لا قتل خطاء و لاترکن الي احد رکون ساکن مطمئن اليه فان نفسک التي بين جنبيک تخونک و تلقيک في المهالک فما ظنک بغيرها و ان سکنت الي احد فاسکن اليه بقدر سکونه الي ربه و الا فلا فان من لميراع ربه الذي خلقه فسواه و قدره لايراعيک و ليکن وحشتک عن الناس في قلبک و انسک بهم في وجهک و ذلک ليس بنفاق و انما النفاق کتم الباطل لا الحق و خالط الناس بالبرانية و خالفهم بالجوانية مادامت الامرة صبيانية و لاتنظر الي ما اصنع انا فان کل امرء يقدر علي ابداء الحق بقدر ما له من البسط و القدرة فراع في ما تصنع مقدارک و مقدار من يقابلک و لاتقس نفسک بمن هو دونک او فوقک فان الله سبحانه خلق کل شيء بقدر.
و اعلم ان التقية في کل شيء اضطر اليه ابن آدم و ما من شيء حرّمه الله الا و قد احلّه لمن اضطر اليه فربما نتقي نحن في زمان الغيبة من نساءنا و اولادنا اذا خفنا عليهم اذاعة و ورود نقص علي آلمحمد: و لاتحمل احداً علي العقوق و لاتکلف الناس صرف الحق و لاتحملهم علي مرّه فانهم لميخلقوا من مرّ الحق فلو حملتهم عليه لتفتت وجودهم و تفارقت اجزاء طينتهم و في ذلک خراب العالم و فساد عيش بنيآدم و ارادة ما لميرد الله و لو علم الله في ذلک صلاحهم لماشاب النور بالظلمة و الحق بالباطل و النعمة بالشقاء فانبذ الي الناس نبذاً فان عرفوا فزدهم و الا فامسک عليکم انفسکم لايضرکم من ضل اذا اهتديتم و لو امکن حمل الناس علي مرّ الحق لظهر محض الحق صلواتاللهعليه و لذلک غاب حتي يبلغ الکتاب اجله و لو تزيلوا لعذبنا الذين کفروا و لاتحکم علي احد من الناس بشيء من حوائجک حتي ان اطاع منّ عليک و ان عصاک شانک و مللت عنه فخيّر
«* مکارم الابرار عربي جلد 13 صفحه 218 *»
الناس في کل شيء و المح الي ما تحب لمحاً فان اطاع فغير ممنون و ان عصاک فغير منضجر فله عذر انک لمتأمره و تعذره ايضاً باني لم ابت عليه بتاً و الا لفعل و اياک و حب الرياسة فانا روينا عن النبي9 ملعون من يترأس ملعون من وجد حب الرياسة في قلبه ملعون من حدّث نفسه بالرياسة و لاتستخدم من ليس اجيرک في الخدمة فانه من اقبح القبايح و ان اردت اعانتهم لک فاستعنهم باعانتک لهم و استخدمهم بخدمتک لهم و عرفهم حاجتک بالتماس و لسان حلو و بشر و طلاقة وجه لا بامر و حکم فانه لا حکم لک عليهم و کن ابداً هشاشاً بشاشاً طلق الوجه مزاحاً ليناً هيناً فان ذلک من صفات الموالين الذائقين حلاوة محبة آلمحمد: و اياک و ما يعدونه اليوم من صفات العدول من العبس و خشونة القول و التبرم و التنفر في الظاهر من الناس و عفوصة اللسان و الوجه بين الناس فان ذلک من صفات الثاني لعنه الله و اياک ثم اياک ثم اياک ان تستعمل هذه الحيل الشرعية التي قد فشت بين الناس و شاع و ذاع بين صلحائهم و متشرعيهم فتکون من الخداعين المکارين فقد روينا عن الرضا7 قال قال رسولالله9 من کان مسلماً فلايمکر و لايخدع فاني سمعت جبرئيل يقول ان المکر و الخديعة في النار ثم قال ليس منا من غش مؤمناً و ليس منا من خان مؤمناً الخبر الا ان ذاک من اخس الصفات فلايطمئن معه بک القريب و لايأمن منک البعيد و کل يحذر منک خدعتک و يکون في معاملته اياک علي وجل و ان قدرت ان لايعيب عليک عدوک الا علي دينک الحق فافعل و لايقدرون عدوک علي ذکر وئيمة عيب في خلقک و عملک و لتکن امين قومک و لو علي رأس ابنک لقاتله حتي يطئمن اليک القريب و البعيد و مهما صرت اميناً و لميخف الناس اياک علي دنياهم احبوک و امنوا منک لامحة و لاتکن فظاً غليظ القلب لينفضوا من حولک فاعف عن مسيئهم اذا اعتذر و لو بعذر غير مرتبط بسيئته و اصفح عن لغوهم و لغطهم و کثيراً من اعمالهم و احذر التجسس عما ليس بواجب و لا مستحب عليک فتجسس عنه فتزيد تکليف و انت عاجز عما کلفت به بل لو ترکت التجسس في کثير من المستحبات ايضاً خوفاً مما يلحقک
«* مکارم الابرار عربي جلد 13 صفحه 219 *»
مما لاتطيق کان اولي و اشتغل بمستحب آخر و ذلک قوله تعالي اصدع بما تؤمر و اعرض عن المشرکين و قوله فاعف عنهم و اصفح و قوله و الذين هم عن اللغو معرضون و قوله اذا مروا باللغو مروا کراماً و اجعل امامک7 نصب عينک کأنک تراه فان لمتک تراه فانه يريک حين تقوم و تقلبک في الساجدين و احذر من الفتيا حذرک من الذئب الضاري و احتل ما استطعت ان لايلزم عليک الفتيا و الحکم و لو بترک النظر في احکامه اشتغالاً بما هو اهم منه.
و اعلم ان الامر بالمعروف و النهي عن المنکر ليس علي کل احد و انما هو علي القوي المطاع العالم بالمعروف و المنکر و اين القوة و الطاعة في زمان الغيبة للمؤمنين الذين هم کالشاة بين الذئاب الضارية.
و اما عملک فاعلم ان لامامک مظاهر في جميع المقامات و لاتعطيل له في مقام و تجليه في عالم الالفاظ الکتاب و السنة فتمسک بهما و اعمل بمحکماتهما و رد اليهما متشابهاتهما و تشابههما من جهة نقصان العقول عن درکه لا لنقصان فيهما و راجعهما رجوع العبد الي المولي و المتعلم الي المعلم و زن عقلک بهما لا ان تزنهما بعقلک فانهما العقل الحقيقي المجسم الظاهر بين ظهرانيکم الخالص عن شوائب الاکدار و سائر العقول کدرة مشوبة و الزم الاحتياط ما استطعت و اعمل دائماً بالمتفق علي جوازه ما قدرت فانه طريق السلامة و المجمع عليه عقل خالص لاريب فيه و توکل بعد ذلک کله علي الله و معني التوکل ان تعمل بمقتضي الاسباب النازلة و اياک و التدبير في تهيئة الاسباب و اعلم انها ربوبية و عبودية و تهيئة الاسباب عمل الرب و العمل بمقتضيها عمل العبد فدع الربوبية لربها و اعمل بمقتضي عبوديتک و هو ما امرت به و نهيت عنه و لاتنسني من صالح دعواتک في ادبار صلواتک و ساير خلواتک و لاتنس نصيبک من الدنيا و احسن کما احسن الله اليک و صلي الله علي محمد و آله الطاهرين و لعنة الله علي اعدائهم اجمعين.
«* مکارم الابرار عربي جلد 13 صفحه 220 *»
کتبه العبد الاثيم کريم بن ابرهيم في ثامن شهر شوال سنة 1261.