ابواب الجنان
من مصنفات العالم الرباني و الحکيم الصمداني
مولانا المرحوم الحاج محمد کريم الکرماني اعليالله مقامه
«* مکارم الابرار عربي جلد 13 صفحه 5 *»
بسم اللّه الرحمن الرحيم
الحمد للّه رب العالمين و صلي اللّه علي محمد و آله الطاهرين و الهداة الراشدين و لعنة اللّه علي اعدائهم اجمعين.
و بعد يقول العبد الاثيم كريم بن ابرهيم انه قد ارسل الي السناد الجليل و العماد النبيل الفاضل العظيم و العالم الحليم جناب الاقا محمد كريم بن المرحوم المقدس المبرور اقا بابا الكرماني بمسئلة كريمة قد طال ما كنت اسئل عنها و اطالب بشرحها و مع ذلك كنت عليها شحيحاً و بابرازها ضنيناً و بكتمانها حريصاً فاجيبهم بلاتسألوا عن اشياء انتبد لكم تسؤكم فان قنعوا و الا فبجراب النورة و ذلك لماكنت اري من تداعي اهل الزمان علي الغي و النفاق و التخالف و الشقاق بحيث لايكاد يوجد فيه قلبان متفقان و لو علي سبيل الاتفاق، و لما كنت اري من عزة هذه المسألة علي اللّه و علي رسوله و اهل بيته و اوليائه: انتقع في ايدي المنافقين او المتهاونين باعظم اركان الدين المبين حتي انهم: اخفوها عن جل اصحابهم و لميبرزوها الاّ للمتأدبين بادابهم و الناهجين منهجهم و السالكين مسلكهم و مع ذلك قد عجز عن حملها اجلاء المتأدبين و قصر عن العمل بها عظماء الصالحين فبركوا دون حملها و حصحصوا خوفاً من ثقلها و اني لماجد مسئلة من المسائل اعظم منها عند آل اللّه: و لايظن ان اللّه سبحانه صنع العالم و خلق بني آدم الاّ لاجل العمل بهذه المسئلة و عليها مدار العالم و اساس عيش بني آدم و عليها تدور الافلاك و تستقر الارضون. و ان آل اللّه كانوا يخفون هذه المسألة عن الناس شفقة عليهم لانهم اذا علموها و لميحملوها لكفروا فاخفوها حتي كانها لمتكن و لميرد به وحي و خلت عنها المصنفات و الرسائل و تركت في المطالب و المسائل لميجر ذكرها في كتاب و لا اسمها في خطاب حتي خفت علي نفسي اني لو ابرزتها يقول الجهال انا ما سمعنا بهذا في آبائنا الاولين او ليس هذا الامر من الشرع المبين او يقولوا ليس هذا الامر بذلك
«* مکارم الابرار عربي جلد 13 صفحه 6 *»
الشديد و لاينبغي له هذا التأكيد الاكيد ولكن لما وردت علي رسالته تولي اللّه كفالته و ذكرني امرا و ما كنت ناسيا و رايته حريا بالاجابة و حقيقاً باسعاف الطلبة لما فيه من النفس الزكية و القلب الوفي و مع ذلك رأيت في الزمان آثار الاذعان و علائم الايمان لانهم قد نضجت طباعهم كثيراً و اعتدلت غرايزهم غفيراً بالنسبة الي السابقين و لميكن ذلك الاّ بحرارة اشراق الركن الرابع المتين و استعدوا بما لايخفي علي ذي عينين و اقتربوا الي الحق و استأهلوا للحسنيين و رأيت ان خمود هذا الامر بالكلية يؤدي الي نسيان هذا الامر و تركه في الازمان و تضييع القوابل المستعدة في هذا الزمان استخرت اللّه سبحانه في اجابته فخرج الامر بها و احتملت في نفسي جواز تأخيرها ازماناً لامكان انيكون قد اشتبه علي الامر فاستخرت اللّه مرة علي ترك اجابته بالكلية فخرج النهي و اخري علي اجابته علي نهج الاختصار و الاقتصار علي امور ظاهرة فخرج النهي ايضاً فاوجبت علي نفسي الامتثال لكن بقدر ما تقتضيه الاحوال ٭فان ما كل ما يعلم يقال٭ و المرجو من الاخوان انيتأدبوا باداب الاكابر فلايبذلوا هذا الامر الاّ لمن نضجت طبيعته و اعتدلت قريحته و ظهرت عدالته و ثبتت مروته و تراءا شوقه و بدا ذوقه و زهرت انوار حبه و تلألأت اشعة اشتياق لبه و لايعطوها الاّ من هو عنده في العظم كالكبريت الاحمر بل اغلي و اثمن من كل جوهر و لايسعون في اهلاك الضعفة بتعليمهم اياه فمن قتل نفساً فكانما قتل الناس جميعاً و كاني ببعض الجهلة و هو يقول ما يقتضي هذا الامر الهين هذا التاكيد الشديد و انما ذلك لما صار قلبه بادباره كحجارة او حديد و
علي نحت القوافي من مواقعها | و ما علي اذا لميفهم البقر |
قال سلمه اللّه في كتابه الذي كتبه بالفارسية ما معناه ما ذا يكون انتكتب لي ان كنت تراني قابلاً من الرفقاء الاربعة للسالك فاني وقعت ارادة معرفتهم في قلبي و هوي هذه الموهبة في رأسي فما دستور العمل فيه و رضاك و اذنك و امرك باي شيء فالملتمس انتكتب لي كتاباً مشحوناً علي جميع المراتب المعروضة.
«* مکارم الابرار عربي جلد 13 صفحه 7 *»
اقول لما كان معني الرفيق و حده و ساير احكامه لايعلم الاّ بعد شرح معني الاخوة و مقاماتها كان اللازم علينا اولا اننشرح معني الاخ و ما يتعلق به ثم نرجع الي مسئوله فبدأنا بشرح معني الاخ و ما يتعلق به ليظهر له مراده و يشد بذلك وداده فجواب هذا السؤال يستدعي فصولاً هي في الحقيقة وصول فتعبيرنا عن انواع الكلام بالوصول اولي من تعبيرنا بالفصول و لقد وصلنا لهم القول لعلهم يتذكرون و هي ثمانية وصول كابواب الجنان فادخلوها بسلام امنين و سميته بـ ابواب الجنان في حقوق الاخوان.
وصـل
في معني الاخ و حقيقته
اعلم ان اللّه سبحانه يقول في كتابه سنريهم آياتنا في الافاق و في انفسهم حتي يتبين لهم انه الحق و قال الصادق7 في شرحها العبودية جوهرة كنهها الربوبية فما خفي في الربوبية اصيب في العبودية و ما فقد في العبودية وجد في الربوبية و قال الرضا7 قد علم اولواالالباب ان الاستدلال علي ما هنالك لايعلم الاّ بما هيهنا و ايضاً قال اللّه سبحانه ماتري في خلق الرحمن من تفاوت فارجع البصر هل تري من فطور ثم ارجع البصر كرتين ينقلب اليك البصر خاسئاً و هو حسير.
فاذا لما نظرنا في عالم الشهادة الذي هو جمود عالم الغيب و تجسمه رأينا ان الاخوين النسبيين كل ولدين قد تولدا من اب و ام او من احدهما وحده و الاخ التام الكامل هو الاخ لاب و ام و اخ اخر من الرضاع و هو ايضاً بمنزلة النسب لقول النبي9 يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب فعلمنا من تلك الادلة النقلية المؤيدة بالادلة العقلية المستنيرة بانوارهم كما فصلناها في مباحثاتنا و ساير رسائلنا ان الغيب يطابق الشهادة و الباطن يطابق الظاهر فيجب لمن اراد معرفة الاخوة الباطنة انيعرف معني الاخوة الظاهرة حتي يصيب ما خفي من الباطن بما يجد في الظاهر.
فنقول انه كما يكون في الظاهر اب و ام كذلك ايضاً في الباطن اب و ام و كما يكون في الظاهر تناكح و تناسل كذلك في الباطن تناكح و تناسل و كما يكون في الظاهر ابوان كافران و ابوان مؤمنان
«* مکارم الابرار عربي جلد 13 صفحه 8 *»
كذلك يكون في الباطن والدان مؤمنان و والدان كافران و لكل ولد يتبعهما و انت تعلم ان غيبك هو العقل و النفس و شهادتك الجسد فكما كان لجسدك الشهادي والدان كذلك يجب انيكون لعقلك و نفسك والدان و لما كان الباطن مجرداً عن الاعراض و لايتزوج الرجل المؤمن الاّ الزوج المؤمنة و الرجل الكافر الاّ الزوج الكافرة كما قال تعالي في الحكم الاولي الخبيثات للخبيثين و الخبيثون للخبيثات و الطيبات للطيبين و الطيبون للطيبات فلايتزوج هناك المؤمن الكافرة و لا الكافر المؤمنة و انما زوجة كل واحد خلقت من ضلعه الايسر اي من طينة نفسه كما قال تعالي خلق لكم من انفسكم ازواجاً فالخبيث يتزوج الخبيثة المخلوقة من طينته و الطيب يتزوج الطيبة المخلوقة من نفسه و اما في عالم الشهادة لاجل اللطخ و الخلط و من باب ان الساعة اتية اكاد اخفيها لتجزي كل نفس بما تسعي قد يتزوج المؤمن الكافرة الباطنية و قد يتزوج الكافر الباطني المؤمنة الواقعية.
و كذلك لما كان الولد جزء الوالد كما قال تعالي في الذين اثبتوا له البنات و جعلوا له من عباده جزءاً فلايمكن في الباطن انيكون جزء المؤمن كافراً و جزء الكافر مؤمناً و انما كل جزء يشابه كله لامحه بخلاف الظاهر عالم اللطخ و الخلط فانه كما قال تعالي يخرج الحي من الميت و يخرج الميت من الحي فالمؤمن ليس بولد للكافر و جزء منه ابداً و انما الكافر كان وعاؤه و حامله كان يحمل في كمه درة ليست منه و لا له و انما هو عرض فيه و هكذا العكس فلابد في الباطن انيكون ابوا العقل غير ابوي النفس لان العقل النوراني لايمكن انيتولد من ظلمة والد النفس و النفس الظلمانية لايمكن انيتولد (تتولد ظ) من اب العقل و كذلك كل اب لميتزوج الاّ زوجاً مخلوقة من نفسه و من طينته فزوجة اب العقل طيبة طاهرة منيرة و زوجة اب النفس مظلمة خبيثة قذرة و اولادهما مثلهما في الطهارة و القذارة لما عرفت.
فالاب الباطني و امه للعقل محمد و علي8 لما استفاض و شاع حتي ملأ الاصقاع قوله9 انا و علي ابوا هذه الامة و قد علم العلماء الربانيون ان المراد بهذه الامة في الظاهر الامة المرحومة اي الفرقة الناجية
«* مکارم الابرار عربي جلد 13 صفحه 9 *»
فان الكفار الذين لميؤمنوا به لميكونوا من ولده و انما كانوا من ولد ابليس الم تسمع قول الباقر7 في قوله تعالي و الذين كذبوا باياتنا صم و بكم في الظلمات نزلت في الذين كذبوا الاوصياء هم صم بكم كما قال اللّه في الظلمات من كان من ولد ابليس فانه لايصدق الاوصياء و لايؤمن بهم ابداً و هم الذين اضلهم اللّه و من كان من ولد آدم امن بالاوصياء و هم علي صراط مستقيم. و انما اراد بذلك الادم الاول و هو محمد9 فالامة المرحومة الذين آمنوا بالاوصياء هم من ولد محمد9 و قد نفي اللّه ولد صلب نوح عن اهل نوح لكفره فكان من المغرقين و نفي ابرهيم المشركين من ذريته و قال في الاصنام رب انهن اضللن كثيراً من الناس فمن تبعني فانه مني و لا شك ان المراد بهذه الابوة و الامومة ليس الابوة و الامومة الجسدانية فقد قال اللّه سبحانه ما كان محمد ابا احد من رجالكم و لكن رسول اللّه و خاتم النبيين فالمراد الابوة الباطنة و الامومة الباطنة للعقل الذي خلق من شعاع نورهم و يكتسب به الجنان و يعبد به الرحمن.
و اما النفس الامارة بالسوء فهي كافرة كالكفار الظاهرة ليست ببنت محمد9 و انما هي بنت الاول و الثاني لعنهما اللّه لانهما اصل كل شر و هي جزءهما كما ان محمدا و عليا اصل كل خير و العقل ولدهما و جزءهما فمن كان المستولي علي مراتبه العقل و انار جميع ما فيه و احاط بظاهره و خافيه حتي صار العقل هو محركه و مسكنه و الناظر من عينه و السامع من اذنه و الباطش من يده و الناطق بلسانه يكون هو عقلاً ظاهراً و باطناً علي الحقيقة الا تري ان العناصر اذا تركبت هي جماد ظاهرا و باطنا ولكن اذا استولت عليها النفس النباتية و انمته و حركته عرضاً و طولاً و عمقاً يسمي نباتاً ظاهراً و و باطناً و هذا النبات بعينه اذا ظهرت فيها (فيه ظ) الروح الحيواني و استولت عليه و حركته بالارادة الحيوانية تسميه حيواناً ظاهراً و باطناً و هذا الحيوان بعينه اذا ظهرت فيه النفس الناطقة القدسية تسميه انساناً حقيقة و هكذا ما تري في خلق الرحمن من تفاوت.
فاذا ظهر العقل الذي يعبد به الرحمن و يكتسب به الجنان في الانسان يكون عقلاً ظاهراً و
«* مکارم الابرار عربي جلد 13 صفحه 10 *»
باطناً فهو العقل المجسم يمشي في الناس و هو ما يعبد به الرحمن و يكتسب به الجنان فلما كان عقلاً كان ولد محمد و علي8 يمشي في الناس فهو جزءهما لحمه من لحمهما و دمه من دمهما و طينته من طينتهما، قال ابوعبداللّه7 ان اللّه عجن طينتنا و طينة شيعتنا فخلطنا بهم و خلطهم بنا فمن كان في خلقه شيء من طينتنا حنّ الينا فانتم واللّه منا، الي غير ذلك من الاخبار. و اما الذي غلبت فيه النفس كما ذكرنا في العقل فهو النفس الامارة بالسوء تمشي في الناس لعنها اللّه و تكون بنت الاول و الثاني لعنهما اللّه لانها منهما و اليهما فاعرف ذلك فقد اسقيتك ماء غدقاً و اعرف قدره فانه من الرحيق المختوم الذي كان مختوماً بخاتم اللّه محروزاً بحرز اللّه الا اني لماذكره علي لغة القوم و انما ذكرته علي لغة الموعظة لتتعظ به و لو اردنا ان نفسره علي لغة الحكماء لرأيت منه عجباً.
فاذا عرفت ان محمداً9 و علياً7 ابوا المؤمنين العقلاء لا الكافرين و المنافقين فاعلم ان محمداً9 هو الاب و ان علياً7 هو الام لقوله تعالي النبي اولي بالمؤمنين من انفسهم و ازواجه امهاتهم و الاولوية هنا مقام الابوة و لاجل ذلك صارت ازواجه امهاتهم و المراد بالازواج هنا في الباطن انفسه و هي علي و اولاده الطيبون الطاهرون كما قال سبحانه و انفسنا و انفسكم و قال خلق لكم من انفسكم ازواجاً فعلي هو نفس رسول اللّه و هو زوجه خلق من نفسه و هو ام المؤمنين فمن زعم ان معني قوله انا و علي ابوا هذه الامة ان محمداً ابوهم و علياً ابوهم الاخر علي ان ابوا تثنية الاب فهو علي خلاف الظاهر و الباطن اما الظاهر فظاهر لان هذه اللفظة يطلق في الاب و الام تغليباً كالوالدين و امثالها و هو المتبادر منه و اما الباطن فلان النبي9 قال ليس الاختلاف في اللّه و لا في و انما الاختلاف فيك يا علي فاختلف معناه بالاختلاف و عدمه كما ان الاب و الام يختلف معناهما و ليس الاختلاف في صلب الاب من الذكورة و الانوثة و الحسن و القبح و الطول و القصر و الهيئة و انما الاختلاف و حصول هذه الامور في رحم الام.
و كذلك اختلاف الامم كلها في
«* مکارم الابرار عربي جلد 13 صفحه 11 *»
رحم الولاية فمن قبلها امن و نجا و حسن و كرم و من لميقبلها كفر و هلك و قبح و لئم و قد قال اللّه سبحانه عم يتسائلون عن النبأ العظيم الذي هم فيه مختلفون قال علي7 ما للّه عزوجل آية هي اكبر مني و لا للّه من نبأ اعظم مني و لقد عرضت ولايتي علي الامم الماضية فابت انتقبلها، و سئل ابوجعفر7 عن هذه الاية قال هو علي بن ابيطالب7 لان رسول اللّه ليس فيه خلاف فظهر و تبين ان رسول اللّه9 ليس فيه خلاف و انما الاختلاف في علي كما انه ليس في صلب الاب اختلاف و انما الاختلاف في بطن الام و هو علي7 نفس الرسول9 و لذا روي ان الشقي من شقي في بطن امه اي لميقبل الولاية و السعيد من سعد في بطن امه اي قبل الولاية و ذلك لان الولي باب باطنه فيه الرحمة و ظاهره من قبله العذاب و هو رحمة اللّه علي الابرار و نقمته علي الفجار و كذا روي عن الباقر7 في قوله تعالي قل بفضل اللّه و برحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون فضل اللّه هو رسول اللّه9 و رحمته هي علي7 و قال الصادق7 ان اللّه خلق المؤمنين من نوره و صبغهم في رحمته فالمؤمن اخو المؤمن لابيه و امه ابوه النور و امه الرحمة و قد علمت ان الرحمة هي علي7.
فتبين و ظهر ان محمداً9 هو الاب و ان علياً7 هو الام و المؤمن ولدهما خلقت مادته من فضل اللّه و نوره الذي هو محمد9و سمي بالفضل لان النور هو يفضل من المنير و هو اول ما فضل من اللّه و نوره الاول و صورته من رحمة اللّه و هي باطن الولاية و بذلك سموا بالامة المرحومة و قال اللّه تعالي و لايزالون مختلفين الاّ من رحم ربك و لذلك خلقهم و نزل القرآن علي اياك اعني و اسمعي يا جاره فالمراد بالاية الامة و الخطاب مواجه لمحمد9 فالمراد بالرب رب الولاية قال الصادق7 رب الارض امام الارض فمن رحم ربك في الولاية غير مختلفين لانهم ينظرون بشيء واحد الي شيء واحد فلايكادون يختلفون قال النبي9
«* مکارم الابرار عربي جلد 13 صفحه 12 *»
اتقوا فراسة المؤمن فانه ينظر بنور اللّه و نور اللّه من عند اللّه و لو كان من عند غير اللّه لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً و بالجملة مادة المؤمنين من محمد9 و صورتهم من علي7.
و قد روي عن الحسن بن علي8 ما معناه ان الانسان مخلوق من اربعة عشر شيئاً اربعة من ابيه و اربعة من امه و ستة من اللّه فالتي من الاب العظم و المخ و العصب و العروق و التي من الام الدم و اللحم و الجلود و الشعر و التي من اللّه الحواس الخمس و النفس. انظر الي ما فيه من الاب كيف هو ما به قوام البدن و ثباته و هي قائمة بنفسها و التي من الام هي ما به ظهوره و صورته و هيئته و لاتقوم الاّ بما من الاب فهذا مثل الباطن في عالم الفصل و العبودية فالاب منه المادة و ما به قوامه و الام منه الصورة و المادة ليس فيها اختلاف و الصورة هي محل الخلاف و لذلك ليس الخلاف في محمد9 و انما الخلاف في علي7 فاذا كانا ابوين فالمؤمنون المخلوقون من مادة النبوة و صورة الولاية اخوة لاب و ام و قال اللّه تعالي انما المؤمنون اخوة و قال ابو عبداللّه7 انما المؤمنون اخوة بنو اب و ام و اذا ضرب علي رجل منهم عرق سهر له الاخرون.
و لما كان هذا الزوج و هذا الاب لميكن كفوه احد غير علي7لانه خلق من البحبوحة العليا قبل انيكون مذروء من ارض او سماء و لميكن معه احد الاّ علي7 و ولده فلميتزوج بغير علي7 و هذه الام ايضاً لمتزوج نفسها بغير هذا الاب و تزويجهما اتصال النبوة و الولاية و ولوج انوار النبوة في مراة الولاية و انصباغه في بطنها و قبول الولي اياه، في الزيارة السلام عليكم يا اهل بيت النبوة و موضع الرسالة فاذا ليس في المؤمنين اخ لاب وحده فابوهم لميتزوج بغير امهم قال اللّه تعالي لاتكلف الاّ نفسك و لا لام وحدها فان امهم لاتزوج نفسه بغير ابيهم ابداً و كلهم اخوه لاب و ام.
نعم قد يكون لهم اخوة من الرضاعة و هم الذين كان ابواهم من الظلمة و سجين فابوهم الظلمة ظلمة ابي الفصيل و امهم النقمة نقمة حبتر ظاهر الولاية
«* مکارم الابرار عربي جلد 13 صفحه 13 *»
الاّ انهم رضعوا من ثدي الولاية و تعلموا علوم الولي ام المؤمنين و تأدبوا بادابه و انصبغوا بصبغه الذي هو صبغة اللّه و من احسن من اللّه صبغة من الولي صورة و ادباً و خلقاً و خلقاً فارتضعوا من ثدي الولي الذي كان يخرج من بطنه الذي فيه الرحمة شراب مختلف الوانه واحد في حقيقته فيه شفاء للناس فشفي ظاهر اجسادهم من ادواء الكفر و اثارها المقتضية للتغير و تنفر طباع المؤمنين فنبت لحمهم و جري دمهم في عروقهم فتهيئوا بهيئة المؤمنين و تكلموا بلهجتهم و تأدبوا بادابهم و تصوروا بصورهم فاذا رأيتهم تعجبك اجسامهم و ان يقولوا تسمع لقولهم كانهم خشب مسندة فلهم قلوب لايفقهون بها و لهم اذان لايسمعون بها و لهم اعين لايبصرون بها ان هم الاّ كالانعام بل هم اضل و اولئك هم الغافلون و مايؤمن اكثرهم باللّه الاّ و هم مشركون.
و قال موسي بن جعفر8 ليس كل من يقول بولايتنا مؤمنا ولكن جعلوا انساً للمؤمنين و قال7 اما واللّه ان المؤمن لقليل و ان اهل الكفر لكثير اتدري لم ذاك فقال صيروا انساً للمؤمنين يبثون اليهم ما في صدورهم فيستريحون الي ذلك و يسكنون اليه هـ . اشار بلفظة ذاك في الحديث الي وجود منتحلي الايمان. و قال ابو عبداللّه7 في حديث اسرارهم التي امروا بتبليغها الي شيعتهم فبلغوا و قبلوا منهم ثم قال ان اللّه خلق قوماً لجهنم و النار فامرنا اننبلغهم كما بلغناهم فاشمأزوا من ذلك و نفرت قلوبهم و ردوه علينا و لميحتملوه و كذبوا و قالوا ساحر كذاب فطبع اللّه علي قلوبهم و انساهم ذلك ثم اطلق اللّه لسانهم ببعض الحق فيهم فهم ينطقون به و قلوبهم منكرة فيكون ذلك دفعاً عن اوليائه و اهل طاعته و لولا ذلك ما عبد اللّه في ارضه الخبر. فخلقة هذه الاخوان الرضاعية لاجل انس المؤمنين و حفظهم و الدفع عنهم و لولا هذه الاخوان لبقي المؤمن في دهره فريداً وحيداً غريباً لا حامي له و لا ناصر و لا تلفه الكافر في طرفة عين بل كان يلقطه طير كما يلقط الحب اما سمعت قول ابي عبداللّه7 المؤمنة اعز من المؤمن و المؤمن اعز من الكبريت الاحمر فمن رأي منكم الكبريت الاحمر و قول ابيجعفر8@ الناس
«* مکارم الابرار عربي جلد 13 صفحه 14 *»
كلهم بهائم قاله ثلثاً ثم قال الاّ قليل من المؤمنين و المؤمن عزيز يقوله ثلثاً و قول ابيعبداللّه7 اما واللّه لو اني اجد منكم ثلثة مؤمنون يكتمون حديثي ما استحللت ان اكتمهم حديثي هـ . فالمؤمن الخالص قليل اقل من الكبريت الاحمر و ساير الناس من المتكلمين بهذا الامر انس و دفاع و حمي للمؤمن حتي لايقربه الكافر و لايوذيه.
و قد اشار الي هذين الصنفين اي المؤمنين المحض و الاخوان لاب و ام و المتكلمين بالايمان الواصفين له و الاخوان الرضاعية ابوجعفر7 في حديثه قال قام رجل بالبصرة الي اميرالمؤمنين7فقال يا اميرالمؤمنين اخبرنا عن الاخوان فقال الاخوان صنفان اخوان الثقة و اخوان المكاشرة فاما اخوان الثقة فهم الكف و الجناح و الاهل و المال فاذا كنت من اخيك علي حد الثقة فابذل له مالك و بدنك و صاف من صافاه و عاد من عاداه و اكتم سره و عيبه و اظهر منه الحسن و اعلم ايها السائل انهم اقل من الكبريت الاحمر و اما اخوان المكاشرة فانك تصيب لذتك منهم فلاتقطعن ذلك منهم و لاتطلبن من وراء ذلك من ضميرهم و ابذل لهم ما بذلوا لك من طلاقة الوجه و حلاوة اللسان هـ . المكاشر من يتبسم في وجه اخيه و يكشر سنه و يوضحه فابذل لهم ما بذلوا لك فانهم ما يبذلون لك الاّ بقدر ما ارتضعوا من امك فراع حقه بقدر ارتضاعه اي اتصافه بصفات المؤمنين و ادابهم فانما يجب عليك من حقه بقدر اتصافه و انما انت اذا أديت حقه فانما تؤدي حق لبن امك و تحاببه و توادده لا غيره فانت مراع لامك عامل بمقتضي ولايته اينما وجدت من اثار لبنها تراعيه.
و ربما يؤدي الرضاع الي تغير الطباع تغيراً كلياً يكون فيه سجية و يدخله بذلك في زمرة المسلمين قال علي7 تخيروا للرضاع كما تخيرون للنكاح فان الرضاع يغير الطباع و قال الباقر7 استرضع لولدك بلبن الحسان فان اللبن يعدي و قال عليكم بالرضاع من الظئورة فان اللبن يعدي و قد روي انه كان في قوم لوط رجل يشابه لوطاً في لباسه فلما نزل البلاء عليهم و اهلك الكل نجا ذلك الرجل بمشابهة لباسه
«* مکارم الابرار عربي جلد 13 صفحه 15 *»
لباس لوط فالرضيع من لبن الولاية اذا كمل رضاعه و غير طباعه يرجي له النجاة فان المواد ينقلب في بطون الصور انقلاباً فاحشاً
كقطر الماء في الاصداف در | و في فم الافاعي صار سماً |
و بالجملة اذا ارتضع من ثدي امك حتي تغير طباعه و انقلبت سجيته فيكون حقه اعظم و اجل بحسب الارتضاع و انت في جميع ذلك مكرم امك مراع اياها.
و يمكن كثيراً انيكون الرجل اخاك لابيك و امك ولكن بسبب ارتضاعه من ثدي الحبتر قطعها اللّه تغيرت صورته و انقلبت هيئته فاذا رأيته انكرت عمله و اشمأززت منه او كمل رضاعه حتي تغير طباعه فينكره المؤمنون بالكلية ولكن له مودة في القلوب من حيث ذاته كما يأتي فذلك ايضاً ذاتاً من اخوان الثقة لكن لولا العوارض و ظاهراً يحسب من المكاشرين لعدم وثوقك به و عدم استيمانك اياه و يخاف منه حقيقة علي النفس و الاهل و المال لاجل خيانته العرضية فتراعي ذاته و تتقي عرضه حتي يطهر من الاقذار و يرفع الاستار و يظهر طيبه بلا غبار و يميز اللّه الخبيث من الطيب و يجعل الخبيث بعضه علي بعض فيركمه جميعاً ثم يجعله في جهنم. فتبين لك باشرف بيان و احلاه و اوضحه و اعلاه ان الاخوان في الدين صنفان اخوان لاب و ام و صنف اخوان من الرضاع و سيأتي انشاء اللّه حقوق كل واحد منهما في وصله.
ثم اعلم ان اخاك في الدين الصق بك و اقرب بما لايتناهي من اخيك لابيك و امك الجسدانيين فان الاخوة الدنيوية عرضية تزول بزوال الدنيا و عروض الموت و يومئذ لا انساب بينهم كابوة الدنيا و امومتها و ساير انسابها قال اللّه تعالي يخرج الحي من الميت و يخرج الميت من الحي و قال انه ليس من اهلك انه عمل غير صالح فلا عبرة بالنسب العرضي في نظر اهل الحقيقة، الا تري ما روي عن علي7 في محمد بن الاول محمد ابني من صلب فلان و ما روي في علي بن يقطين الاموي فالعبرة في الاخوة و غيرها بانتساب الطين فاي طينه كانت من نفس طينة اخري فهي زوجها و اي طينة كانت جزء طينة اخري فهي ولدها و اي طينة صورتها اخذت من طينة اخري فتلك المأخوذ منها امها و هكذا ساير النسب
«* مکارم الابرار عربي جلد 13 صفحه 16 *»
يستنبط مما ذكرنا و شاهد هذا الكلام قول الحسن بن علي7 القريب من قربته المودة و ان بعد نسبه و البعيد من بعدته المودة و ان قرب نسبه لا شيء اقرب الي شيء من يد الي جسد و ان اليد تغل فتقطع و تقطع و تحسم و قيل لرجل حكيم اخوك احب اليك ام صديقك قال احب اخي ان كان صديقي و يكفيك من هذا الوصل ما ذكرنا فانه قطرة من عين الحكمة و رشحة من ينبوع الحقيقة و لو تدبرت فيه لاستخرجت عجباً و انما ذكرناه علي شبه الموعظة لاقتضاء المقام فتدبر و اعتبر و هذه الختام.
وصـل
في معرفة من يليق بالاخوة الحقيقية و الظاهرة و من لايليق
و في هذا الوصل مقامان:
الاول: في من يليق بالاخوة الظاهرة و من لايليق،
اعلم ان هذه الاخوة هي التي تنعقد علي الرضاع و الاتصاف بصفة باطن الولاية او ظاهرها كما مر فلا كل احد يليق بهذه الاخوة ايضاً فضلاً عن الاخوة الحقيقة فان الاخوة و الصحبة و الملازمة امر اخر غير ما يجب من مودة عامة المسلمين و يلزم من مراعاتهم علي ما يأتي في محله فلابد للاخ الملازم من مزيد تخصيص و كمال لمكان العشرة التامة و ادخاله في بعض امورك و اطلاعه علي بعض اسرارك فهنا اخوتان اخوة عامة و اخوة خاصة ففي العامة كل المسلمين اخوة و يجب علي كل واحد لاخيه حقوق عامة كلية لايوجب عسراً و لا حرجاً فلو كان الواجب علي المؤمن انيؤدي لكل المسلمين جميع الحقوق التي تأتي لأدي الي ضيق و حرج مثلاً لايجوز انيهجر اخاه المسلم فوق ثلثة ايام فهل تري يمكنك انتزور جميع اهل الاسلام في كل ثلثة ايام و كذا ينبغي مواساة المرء المسلم لاخيه فهل تري يمكنك مواساة جميع المسلمين فلايبقي في كفك من قطمير و هكذا فظهر ان للاخوان العامة حقوقاً عامة و للاخوان الخاصة حقوقاً خاصة.
فحد الاخوان العامة ما ذكره الصادق7 و قد سئل عن ايمان من يلزمنا حقه و اخوته كيف هو و بما يثبت و
«* مکارم الابرار عربي جلد 13 صفحه 17 *»
بما يبطل فقال ان الايمان قديتخذ علي وجهين اما احدهما فهو الذي يظهر لك من صاحبك فاذا ظهر لك منه مثل الذي تقول به انت حقت ولايته و اخوته الاّ انيجيء منه نقض الذي وصف من نفسه و اظهره لك منه فان جاء منه ما تستدل به علي نقض الذي اظهر لك خرج عندك مما وصف لك و اظهره و كان لما اظهر لك ناقضاً الاّ انيدعي انه انما عمل ذلك تقية و مع ذلك ينظر فيه فان كان ليس مما يمكن انيكون التقية في مثله لميقبل منه ذلك لان للتقية مواضعاً من ازالها عن مواضعها لمتستقم له و تفسير ما يتقي مثل قوم سوء ظاهر حكمهم و فعلهم علي غير حكم الحق و فعله فكل شيء يعمل المؤمن بينهم لمكان التقية مما لايؤدي الي الفساد في الدين جايز هـ . الوجه الاخر من افراد الايمان لميذكره هنا و هو الايمان الواقعي و ليس بصدد بيانه هنا فهذا الخبر في بيان الاخوة العامة فكل من اظهر الايمان بالاركان و وصف مثل ما يصف اهله و لميظهر منه ما ينقض ايمانه بها فهو من اهل ظاهر الايمان الذين يجب اخوتهم في الظاهر للّه و في اللّه سواء كانوا علي اعمال صالحة او غير صالحة فان المعصوم من عصمه اللّه و هذه الاخوة الاخوة العامة و هذه تجب لجميع المؤمنين.
و اما الاخوة الخاصة فهي مخصوصة بطايفة من المؤمنين و يشترط فيها صفات علي ما قاله الحسن بن علي8 علي ما رواه المجلسي قال في حديث ان كانت لك حاجة و اضطررت الي صحبة الناس فصاحب من كان زيناً لك و ان خدمته حفظك و ان استنصرته نصرك و ان كلمته قبل كلامك و ان حملت علي عدو قويك و ان مددت اليه يداً بالاحسان مد اليك يداً و ان ثلمت في مالك ثلمة سدها و ان رأي منك خيراً عده و ان سألته اعطاك و ان سكت عنه ابتدأك و ان ابتلي ببلاء تأذيت و ليكن من لمتصبك منه مصيبة و لميصبك بسببه بلية و لميخذلك في حقوقك الضرورية و ان نازعته في قسمة اثرك علي نفسه الخبر. نقلت الحديث بالمعني و ما كان يحضرني لفظه.
و قال ابوعبداللّه7 من عامل الناس فلم يظلمهم و حدثهم فلم يكذبهم و وعدهم فلم يخلفهم كان ممن حرمت
«* مکارم الابرار عربي جلد 13 صفحه 18 *»
غيبته و كملت مروته و ظهر عدله و وجبت اخوته فان كان و لابد من الاخوة الخاصة و العشرة و الصحبة فليكن من تصحبه هكذا لئلا يضيع سعيك في حقه و لئلا تضيع بصحبته فان الطبع مكتسب لامحه كالثوب ان مر بطيب تطيب او بنتن تنتن و انظر لنفسك و اتق اللّه و لاتصحب من تضيع بصحبته في دينك فاذا اردت الصحبة فانظر من لميكن فيه هذه الصفات التي اعدها لك فاصحبه و الاّ ففر منه فرارك من الاسد اللّهم الاّ من الاخوة العامة فانه لايجوز لك ترك تلك الاخوة و منعها عنهم و تلك الصفات التي لابد و انيكون الاخ منزهاً عنها اربعون خصلة.
الاولي ان لايصف اللّه بما لايليق فقد قال ابوالحسن7 لرجل مالي رأيتك عند فلان فقال انه خالي فقال ابوالحسن7 انه يقول في اللّه قولاً عظيماً يصف اللّه و لايوصف فاما جلست معه و تركتنا و اما جلست معنا و تركته فقال هو يقول ما شاء اي شيء علي منه اذا لماقل ما يقول فقال ابوالحسن7 اما تخاف انتنزل به نقمة فتصيبكم جميعاً.
الثانية و الثالثة و الرابعة ان لايكون جاحداً للحق و منكراً لفضائل آل محمد: و الهداة فقد قال الصادق7 في تفسير قوله تعالي و قدنزل عليكم في الكتاب ان اذا سمعتم ايات اللّه يكفر بها و يستهزء بها الاية، انما عني بهذا الرجل الذي يجحد الحق و يكذب به و يقع في الائمة فقم من عنده و لاتقاعده كائناً من كان، و قال ابوعبداللّه7 من كان يؤمن باللّه و اليوم الاخر فلايجلس مجلساً ينتقص فيه امام او يعاب فيه مؤمن.
الخامسة و السادسة و السابعة و الثامنة ان لايكون مفتياً بغير ما انزل اللّه او راغباً عن ذكر آل محمد: الي ذكر اعدائهم او صاداً عن آل محمد: بباطله او ناصباً لمواليهم: فقد قال ابوعبداللّه7ثلثة مجالس يمقتها اللّه و يرسل نقمته علي اهلها فلاتقاعدوهم و لاتجالسوهم مجلساً فيه يصف كذباً في فتياه و مجلساً ذكر اعدائنا فيه جديد و ذكرنا فيه رثّ
«* مکارم الابرار عربي جلد 13 صفحه 19 *»
و مجلساً فيه من يصد عنا و انت تعلم و قال7اذا ابتليت باهل النصب و مجالستهم فكن كانك علي الرصف([1]) حتي تقوم فان اللّه يمقتهم و يلعنهم و قد علمت انه7 قال ليس الناصب من نصب لنا اهل البيت لانك لنتجد احداً يقول اني ابغض محمداً و آل محمد و انما الناصب من نصب لكم و هو يعلم انكم تتولونا و انكم من شيعتنا.
التاسعة و العاشرة ان لايكون من اهل البدع او الريب فقد قال ابوعبداللّه7 لاتصحبوا اهل البدع و لاتجالسوهم فتصيروا عند الناس كواحد منهم قال رسول اللّه9 المرء علي دين خليله و قرينه و قال رسول اللّه9 اذا رأيتم اهل الريب و البدع من بعدي فاظهروا البراءة منهم و اكثروا من سبهم و القول فيهم و باهتوهم كيلا يطمعوا في الفساد و في الاسلام و يحذروهم الناس و لايتعلمون من بدعهم.
الحادية عشرة ان لايكون من اهل الريبة و التهمة فقد قال اميرالمؤمنين من كان يؤمن باللّه و اليوم الاخر فلايقومن مكان ريبة و قال علي7 اياك و مواطن التهمة و المجلس المظنون به السوء.
الثانية عشرة و الثالثة عشرة و الرابعة عشرة ان لايكون تاركاً للجماعة و اتيان المساجد من غير عذر و غير حافظ لمواقيت الصلوات و تاركاً للبر بالاخوان فقد نهي اميرالمؤمنين7 عن مواكلة التاركين لمساجد المسلمين و مشاورتهم و مناكحتهم فقد قال ان قوماً لايحضرون الصلوة معنا في مساجدنا فلايواكلونا و لايشاربونا و لايشاورونا و لايأخذوا من فيئنا شيئاً او يحضروا معنا صلوتنا جماعة و اني لاوشك ان امر لهم بنار تشعل في دورهم فاحرقها عليهم او ينتهتون، قال الصادق7 فامتنع المسلمون من مواكلتهم و مشاربتهم و مناكحتهم حتي يحضروا الجماعة مع المسلمين و قال ابوعبداللّه7اختبروا اخوانكم بخصلتين فان
«* مکارم الابرار عربي جلد 13 صفحه 20 *»
كانتا فيهم و الاّ فاعزب ثم اعزب ثم اعزب محافظة علي الصلوات في مواقيتها و البر بالاخوان في العسر و اليسر.
و الخامسة عشرة ان لايكون من لاتنتفع بدينه و لا دنياه فقد قال النبي9 من لاتنتفع بدينه و لا دنياه فلا خير لك في مجالسته.
و السادسة عشرة و السابعة عشرة و الثامنة عشرة و التاسعة عشرة ان لايكون فاجراً و لا احمقاً و كذاباً و لا ماجناً فقد قال ابوعبداللّه7 لاينبغي للمسلم انيواخي الفاجر و لا الاحمق و لا الكذاب و قال علي7 ينبغي للمسلم انيجتنب مواخاة ثلثة الماجن و الاحمق و الكذاب اما الماجن فيزين لك فعله و يحب انتكون مثله و لايعينك علي امر دينك و معادك و مقاربته جفاء و قسوة و مدخله و مخرجه عليك عار و اما الاحمق فانه لايشير عليك بخير و لايرجي لصرف السوء عنك و لو اجهد نفسه و ربما اراد منفعتك فضرك فموته خير من حيوته و سكوته خير من نطقه و بعده خير من قربه و اما الكذاب فانه لايهنئك معه عيش ينقل حديثك و ينقل اليك الحديث كلما افني احدوثة مطها باخري حتي انه يحدث بالصدق فما يصدق و يغري بين الناس بالعداوة فينبت السخائم في الصدور فاتقوا اللّه و انظروا لانفسكم.
و العشرون و الحادية و العشرون ان لايكون بخيلاً و لا قاطع الرحم فقد قال علي بن الحسين8 في حديث يا بني انظر خمسة فلاتصاحبهم و لاتحادثهم و لاترافقهم اياك و مصاحبة الكذاب فانه بمنزلة السراب يقرب لك البعيد و يباعد لك القريب و اياك و مصاحبة الفاسق فانه بايعك باكلة او اقل من ذلك و اياك و مصاحبة البخيل فانه يخذلك في ماله احوج ما تكون اليه و اياك و مصاحبة الاحمق فانه يريد انينفعك فيضرك و اياك و مصاحبة القاطع لرحمه فاني وجدته ملعوناً في كتاب اللّه في ثلثة مواضع ثم قرأ الايات.
«* مکارم الابرار عربي جلد 13 صفحه 21 *»
و الثانية و العشرون و الثالثة و العشرون ان لايكون عبداً و لا من السفلة فقد قال الصادق7 لانستشر العبيد و السفلة في امرك فانك ان ائتمنتهم خانوك و ان حدثوك كذبوك و ان نكبت خذلوك و ان وعدوك موعداً لميصدقوك و قد اوردنا هذا الخبر و استدللنا به في المقام لصفاتهم المذكورة المنافية للاخوة لما مر و يأتي.
و الرابعة و العشرون و الخامسة و العشرون و السادسة و العشرون و السابعة و العشرون ان لايكون جباناً و لا من الانذال و لا من الاغنياء و لا من النساء فقد قال الباقر7 لاتقارن و لاتواخي اربعة الاحمق و البخيل و الجبان و الكذاب و قال النبي9 ثلث مجالستهم تميت القلب الجلوس مع الانذال و الحديث مع النساء و الجلوس مع الاغنياء اقول اوردنا هذا الخبر و استدللنا به لان الاخوة للاجتماع و التزاور و احياء القلب و مجالسة هؤلاء منافيه للغرض فبعدهم خير من قربهم.
و الثامنة و العشرون و التاسعة و العشرون و الثلثون و الحادية و الثلثون و الثانية و الثلثون ان لايكون مجذوماً و لا ابرص و لا مجنوناً و لا ولد الزني و لا الاعرابي فقد نهي النبي9 عن اقترابهم علي كل حال.
و الثالثة و الثلثون الغاش قال ابوجعفر7 اتبع من يبكيك و هو لك ناصح و لاتتبع من يضحكك و هو لك غاش و ستردون الي اللّه جميعاً فتعلمون.
و الرابعة و الثلثون ان لايكون من الاشرار قال اميرالمؤمنين7انظروا من تحادثون فانه ليس من احد ينزل به الموت الا مثل له اصحابه الي اللّه ان كانوا خياراً فخياراً و ان كانوا شراراً فشراراً و ليس احد يموت الاّ تمثلت له عند موته و قال ابوالحسن7 قال عيسي7 ان صاحب الشر يعدي و قرين السوء يردي فانظر من تقارن.
و الخامسة و الثلثون ان لايكون محدثاً لا عهد له و لا امان و لا ذمة و لا ميثاق فقد قال ابوعبداللّه7 عليك بالتلاد و اياك و كل محدث لا عهد له و لا امان
«* مکارم الابرار عربي جلد 13 صفحه 22 *»
و لا ذمة و لا ميثاق و كن علي حذر من اوثق الناس عندك هـ . المراد اوثق الناس من اخوان المكاشرة فان اخوان الثقة اجلون من ذلك.
السادسة و الثلثون و السابعة و الثلثون و الثامنة و الثلثون و التاسعة و الثلثون و الاربعون ان لايكون شارب الخمر و لا صاحب شطرنج و نرد و بربط و طنبور و لا مخنثاً و لا شاعراً يقذف المحصنات و لا عاملاً للتماثيل فانا نهينا من ائمتنا: اننسلم علي هؤلاء فضلاً عن اقترابهم و اخوتهم.
فهذه اربعون خصلة يجب انيكون من تواخيه منزهاً عنها لئلا تتلوث بصحبته و تنتفع بدينه او دنياه و هذه الخصال و ان كان بعضها داخلاً في بعض بل كلها داخلاً في واحد الاّ ان في تعدادها تبصرة فلا كل احد يمكنه استخراج الجزئيات من الكليات مع انا اقتفينا النصوص فاوردناها لمكان النصوص و لابد لك انتنظر في صديقك و صفاته جملة فكل من غلب خيره علي شره تنفعك اخوته في دينك و دنياك و كل من غلب شره علي خيره فاحذره فانه لا خير لك في اخوته و يتلف مع ذلك دينك و دنياك و انا اعطيك قاعدة من الحكمة لتكون علي بصيرة من اخوانك و تعرف بوجدانك من تجوز اخوته و من لاتجوز.
اعلم ان اول ما خلق اللّه من نور عظمته و جلاله و كبريائه محمد9 الطيبون الطاهرون و جعل كل من سواهم و مادونهم من الخيرات من اشعه انوارهم فلذلك هم اصل كل خير و نور و كمال كما في الزيارة ان ذكر الخير كنتم اوله و اصله و فرعه و معدنه و مأويه و منتهاه و خلق من عكس انوارهم ظلمات اعدائهم لتمام القابلية و كمال الاستعداد و جعل من اضلالهم كل شر و ظلمة و نقص فهم اصل كل شر و فرعه و معدنه و مأويه و منتهاه كما ورد في النصوص و ان ما سويهم اما تمسكوا باذيال آل محمد: و آمنوا بهم حين دعاهم اللّه سبحانه الي الاجابة و هم ذر و اما انكروا و كفروا بها فالمؤمنون منهم السابقون و منهم المقتصدون و منهم المتأخرون و الكافرون كذلك و لكل مقام علي حسب درجة سبقهم في النور و الظلمة فالسابقون لشدة قربهم الي مبدئهم و افنائهم انفسهم دونه يكونون عنده كالسراج المنير كما في حديث علي7
«* مکارم الابرار عربي جلد 13 صفحه 23 *»
تجلي لها فاشرقت و طالعها فتلألأت فالقي في هويتها مثاله فاظهر عنها افعاله فهؤلاء فعالون فيما دونهم باذن اللّه و هم اصحاب الحل و العقد و القبض و البسط و اما المقتصدون فاستناروا بقدر انتفاع انفسهم و لاينفعون غيرهم لانهم لا فضل لهم و هؤلاء كالجمرة حيث هي مستنيرة لنفسها غير منيرة لغيرها و المتأخرون فلميستنيروا لضعف استعدادهم و غلبة برد البعد بقدر كفاية انفسهم مستقلاً و ان كان فيهم ما اذا هيجه مهيج و قويه مقو تهيج و تقوي و برز فهؤلاء كالحجارة مثلاً حيث لا ضوء له (لها ظ) من دون باعث ولكن فيها استعداد بروز الضوء و الحرارة لانها مركبة من العناصر الاربعة و منها النار و هي ضعيفة فيها فاذا قويها مقو تتقوي الا انها غير ظاهرة بنفسها و تحتاج في ظهورها الي مظهر غيرها و هؤلاء الذين سماهم اللّه في كتابه في تقسيم عباده فمنهم ظالم لنفسه و منهم مقتصد و منهم سابق بالخيرات باذن اللّه و هناك ثبتت الدعوة و حصلت الاجابة و قضي الامر بالحق فلما اماتهم اللّه سبحانه هناك و دفنوا في ارض عالم الذر و حصل اللطخ و الخلط و نزلوا الي هذه الدنيا دار البلاء و الاختبار ليهلك من هلك عن بينه و يحيي من حي عن بينه و تتأكد الدعوة و تستكمل الحجة خرج المؤمن و عليه لطخ الكافر و خرج الكافر و عليه لطخ المؤمن في صفة او في صفتان او في صفات عرضية زائلة عن سرعة او عن بطؤ علي حسب الاختلاف فلرب مؤمن ذاتاً تلطخ بصفات كافر من جميع جهاته لايمكن اقترابه كجوهرة واقعة في عذرة متلطخة بها من جميع جهاتها و لرب كافر تلطخ بصفات مؤمن من جميع جهاته فيمكن اقترابه فان الدنيا دار الاعراض و لاتظهر فيها و لاتري و لاتساور الاّ الاعراض و لرب مؤمن او كافر تلطخ من جهات عديدة او جهة واحدة علي اختلاف المراتب و لرب مؤمن تلطخ بصفة من صفات الكافرين السابقين او بصفة من صفات المقتصدين او المتأخرين و لرب كافر تلطخ بصفة او صفات من صفات المؤمنين السابقين او المقتصدين او المتأخرين و لرب واحد تلطخ بصفات من الفريقين منهم او من الفرق الثلث فاذا من شئت انتعاشره من الناس و تواخيه فانظر فيه فان كان فيه صفة شر هي فيه سجية لازمة و طبيعة يداوم عليها و ينفعل الضعيف الذي يعاشره منها و
«* مکارم الابرار عربي جلد 13 صفحه 24 *»
ينقلب الي صفة من يساوره لمداومته عليها و ملكتها له و تزيينها لمعاشره فاعلم انه من صفة السابقين من اهل الضلال مؤثرة فيما دونه مظلمة لما سويها فلاينبغي لمن يريد حفظ دينه انيعاشر صاحب هذه الصفة كائنة ما كانت فانه يزين لك سوء فعله حتي يجعلك مثله مثل خشبة تعاشر النار فهي تؤثر فيها بحرارتها و تجفيفها حتي تجعلها ناراً مثلها و انت تنقلب اليه لامحه و لذا قال النبي9 المرء علي دين خليله و قرينه بخلاف من كان فيه سجية غالبة من سجايا المؤمنين السابقين و طبايعهم و صارت مؤثرة و ملكه فان من يعاشره ينتفع بذلك الخلق لامحه كما هو مجرب معروف.
فاذا اردت العشرة فانظر ان كان فيه صفة كاملة من السوء تخاف علي نفسك الانفعال منها و ساير صفاته الحسنة لمتبلغ رتبة التأثير فهي مضمحلة دون تلك القوية فلاتعاشره و لاتساوره و لاتواخه ابداً فان المواخاة لتقوية الدين و هذه تفسد عليك دينك و ان كانت فيه صفة خير غالبة كاملة و ساير صفاته السيئة مقهورة مغلوبة دونها فعاشره فانك تنتفع بتلك الصفة في دينك و دنياك و اخرتك و اما ان اردت انتجد اخاً خالياً من جميع الصفات السيئة فلايكاد يوجد الاّ المعصومين: فاعتبر بغلبة الصفات و كونها من لطخ السابقين و اما لطخ المقتصدين و المتأخرين فلايكاد ينجو منهما احد الاّ قليل هم كالكبريت الاحمر فمن طلب اخاً بلا عيب بقي بلا اخ و الصفات المتلطخة من المقتصدين و المتأخرين غير ضايرة لانها ليست بحيث تؤثر في الغير و تكمل ما فيه منها فاغمض عما تجد منها في اخيك لان فيك من امثالها ايضاً كثيرة و ان كان فيك اضدادها غالبة فاصلحها بفضل ما فيك فافهم ذلك فانها قاعدة صدرت عن نور و حكمة فاعرف به من يجوز انتواخيه و من لايجوز و اجعله ميزاناً تعرف به نفسك و ساير الناس.
و اياك انتجعل ميزان الاخوة نفسك فكل من يوافقك فيما تهوي تزعمه رفيقاً و كل من يخالفك تشكو منه انه ليس برفيق كما هو شأن ابناء الزمان كلاً فتري كل واحد يشكو من عدم رفيق موافق و ربما النقص فيه و الحق مع من لايرافقه و لايوافقه و ذلك لان كل واحد يزعم ان نفس الرجل هو الميزان و ليس كذلك و الميزان ما ذكرنا و انصف الناس من نفسك و هو اعظم من كل
«* مکارم الابرار عربي جلد 13 صفحه 25 *»
تكليف و لايلقيها الاّ الذين صبروا و لايلقيها الاّ كل ذي حظ عظيم اما سمعت ما رواه عبد الاعلي بن اعين قال كتب اصحابنا يسألون اباعبداللّه7 عن اشياء و امروني ان اسأله عن حق المؤمن علي اخيه فسألته فلم يجبني فلما جئت لاودعه فقلت سألتك فلم تجبني فقال اني اخاف انتكفروا ان من اشد ما افترض اللّه علي خلقه ثلثاً انصاف المرء من نفسه حتي لايرضي لاخيه من نفسه الاّ بما يرضي لنفسه منه و مواساة الاخ في المال و ذكر اللّه علي كل حال ليس سبحان اللّه و الحمد للّه و لكن عند ما حرم اللّه عليه فيدعه.
بالجملة يجب انتنصف المؤمنين من نفسك فان كانت فيك صفة لايجوز للناس انيرافقوك و يوافقوك فيها فانسب النقص الي نفسك و اعتزل عنها و اتبع المؤمنين و لاتضجر من عدم موافقتهم لك فيها و ان كان فيهم فلاتقربهم و اعتزل عنهم و اعلم ان ذلك من عزم الامور.
الثاني: في من يليق بالاخوة الحقيقية و اخوة الثقة،
و انما ذاك حظ الخصيصين الاخيار و الابدال الابرار و ليس بمشرعة لكل خائض و منالاً لكل ناهض و انما اهل ذلك اقل من الكبريت الاحمر و اعز من كل جوهر اما سمعت قول علي7 انهم الكف و الجناح و الاهل و المال فاذا كنت من اخيك علي حد الثقة فابذل له مالك و بدنك و صاف من صافاه و عاد من عاداه و اكتم سره و عيبه و اظهر منه الحسن و اعلم ايها السائل انهم اقل من الكبريت الاحمر هـ . فاين اولئك اولئك الاقلون عدداً و الاعظمون خطراً تنفروا باعتدال طويتهم عن كل منكوس و هجروا بصفاء سجيتهم عن كل منحوس فاخفوا جثثهم في البلاد ليأمنوا من شر العباد اه اه شوقاً الي لقائهم هم المؤمنون الحقيقيون الاقلون الاقلون الاقلون لانه ما يؤمن اكثرهم باللّه الاّ و هم مشركون.
قال موسي بن جعفر8 ليس كل من يقول بولايتنا مؤمناً و لكن جعلوا انساً للمؤمنين و قال7 اما واللّه ان المؤمن لقليل و ان اهل الكفر لكثير اتدري لم ذاك فقال صيروا انساً للمؤمنين يبثون اليهم ما في صدورهم فيستريحون الي ذلك و يسكنون اليه و قال ابوعبداللّه
«* مکارم الابرار عربي جلد 13 صفحه 26 *»
7المؤمنة اعز من المؤمن و المؤمن اعز من الكبريت الاحمر فمن رأي منكم الكبريت الاحمر و قال ابوجعفر7 الناس كلهم بهائم قاله ثلثاً ثم قال الاّ قليل من المؤمنين و المؤمن عزيز يقوله ثلثاً هـ . فالمؤمن الخالص قليل اقل من الكبريت الاحمر و انما ساير الناس مسلمون و ليسوا بالمؤمنين فان المؤمن من لايعصي و لايرتكب السيئات و يصدق عمله قوله و الفرق بينه و بين المسلم ان المسلم يصف و لايعمل و المؤمن يصف و يعمل بمايصف و هذا اصطلاح خاص بنا و الدليل علي صحة هذا الاصطلاح قول اللّه سبحانه أفمن كان مؤمناً كمن كان فاسقاً لايستوون ففرق بين المؤمن و الفاسق و جعل الفاسق منافقاً حيث قال ان المنافقين هم الفاسقون و قول ابيعبداللّه7 من زني خرج من الايمان و من شرب الخمر خرج من الايمان و من افطر يوماً من شهر رمضان متعمداً خرج من الايمان و قيل له7 ارأيت المرتكب للكبيرة يموت عليها اتخرجه من الايمان و ان عذب بها فيكون عذابه كعذاب المشركين او له انقطاع قال يخرج من الاسلام اذا زعم انها حلال و لذلك يعذب اشد العذاب و ان كان معترفاً بانها كبيرة و هي عليه حرام و انه يعذب عليها و انها غير حلال فانه معذب عليها و هو اهون عذاباً من الاول و يخرجه من الايمان و لايخرجه من الاسلام.
و قال علي7 في حديث في وصف اصحاب الميمنة و قد يأتي عليه حالات في قوته و شبابه فيهمّ بالخطيئة فيشجعه روح القوة و يزين له روح الشهوة و يقوده روح البدن حتي يوقعه في الخطيئة فاذا لامسها نقص من الايمان و تفصي منه فليس يعود فيه حتي يتوب فاذا تاب تاب اللّه عليه فان عاد ادخله اللّه نار جهنم و قيل لابي الحسن7الكبائر تخرج من الايمان قال نعم و مادون الكبائر قال رسول اللّه9لايزني الزاني و هو مؤمن و لايسرق السارق و هو مؤمن و عن عبيدة بن زرارة قال دخل ابن قيس الماصر و عمر بن ذر و اظن معهما ابوحنيفة علي ابي جعفر7 فتكلم ابن قيس الماصر فقال انا لانخرج اهل دعوتنا او اهل ملتنا من الايمان في المعاصي
«* مکارم الابرار عربي جلد 13 صفحه 27 *»
و الذنوب قال فقال ابوجعفر7يا ابن قيس اما رسول اللّه9 قال لايزني الزاني و هو مؤمن و لايسرق السارق و هو مؤمن فاذهب انت و اصحابك حيث شئت و عن محمد بن مسلم عن احدهما8 قال الايمان اقرار و عمل و الاسلام اقرار بلاعمل و سئل ابوعبداللّه7 عن الايمان فقال الايمان انيطاع اللّه فلايعصي الي غير ذلك من الروايات.
فتبين و ظهر لمن نظر و ابصر ان العصاة هم المسلمون و غير العصاة هم المؤمنون و لاجل ذلك صار المؤمن اقل من الكبريت الاحمر و المسلمون اخوة و المؤمنون اخوة و المؤمنون هم اخوان الثقة و المسلمون هم اخوان المكاشرة كما مر عن علي7 في الوصل السابق و لاتتحقق الاخوة بين المؤمنين و المسلمين الاّ علي نهج المكاشرة فللمؤمنين ايضاً صفات يعرفون بها و احب اناذكر تلك الصفات تذكرة للمتقين و تعريفاً للمؤمنين و ترغيباً للسالكين و دستوراً للعاملين.
فقال ابوعبداللّه7 قام رجل يقال له همام و كان عابداً ناسكاً مجتهداً الي اميرالمؤمنين7 و هو يخطب فقال يا اميرالمؤمنين صف لنا صفة المؤمن كاننا ننظر اليه فقال يا همام المؤمن هو الكيس الفطن بشره في وجهه و حزنه في قلبه اوسع شيء صدراً و اذل شيء نفساً زاجر عن كل فان حاض علي كل حسن لا حقود و لا حسود و لا وثاب و لا سباب و لا عياب و لا مغتاب يكره الرفعة و يشنأ السمعة طويل الغم بعيد الهم كثير الصمت وقور ذكور صبور شكور مغموم بفكره مسرور بفقره سهل الخليقة لين العريكة([2]) رصين الوفاء قليل الاذي لا متأفك و لا متهتك ان ضحك لميخرق و ان غضب لمينزق ضحكه تبسم و استفهامه تعلم و مراجعته تفهم كثير علمه عظيم حلمه كثير الرحمة لايبخل و لايعجل و لايضجر و لايبطر و لايحيف في حكمه و لايجور في علمه نفسه اصلب
«* مکارم الابرار عربي جلد 13 صفحه 28 *»
من الصلد و مكادحته احلي من الشهد لا جشع و لا هلع([3]) و لا عنف و لا صلف([4]) و لا متكلف و لا متعمق جميل المنازعة كريم المراجعة عدل ان غضب رفيق ان طلب لايتهور و لايتهتك و لايتجبر خالص الود وثيق العهد وفي العقد شفيق وصول حليم خمول قليل الفضول راض عن اللّه عزوجل مخالف لهواه لايغلظ علي من دونه و لايخوض فيما لايعنيه ناصر للدين محام عن المؤمنين كهف للمسلمين لايخرق الثناء سمعه و لاينكي الطمع قلبه و لايصرف اللعب حكمه و لايطلع الجاهل علمه قوال عمال عالم حازم لا بفحاش و لا بطياش وصول في غير عنف بذول في غير سرف لا بختال([5]) و لا بغدار و لايقتفي اثراً و لايحيف بشراً رفيق بالخلق ساع في الارض عون الضعيف غوث للملهوف لايهتك ستراً و لايكشف سراً كثير البلوي قليل الشكوي ان رأي خيراً ذكره و ان عاين شراً ستره يستر العيب و يحفظ الغيب و يقيل العثرة و يغفر الزلة لايطلع علي نصح فيذره و لايدع جنح([6]) حيف فيصلحه امين رصين تقي نقي زكي رضي يقبل العذر و يجمل الذكر و يحسن بالناس الظن و يتهم علي العيب نفسه يحب في اللّه بفقه و علم و يقطع في اللّه بحزم و عزم لايخرق([7]) به فرح و لايطيش به مرح مذكر للعالم معلم للجاهل لايتوقع له بايقة و لايخاف له غائلة كل سعي اخلص عنده من سعيه و كل نفس اصلح عنده من نفسه عالم بعيبه شاغل بغمه لايثق بغير ربه غريب وحيد جريد يحب في اللّه و يجاهد في اللّه ليتبع رضاه و لاينتقم لنفسه بنفسه و لايوالي في سخط ربه مجالس لاهل الفقر مصادق لاهل الصدق موازر لاهل الحق عون للغريب اب لليتيم بعل للارملة حفي باهل المسكنة مرجو لكل كريمة مأمول لكل شدة هشاش بشاش([8]) لا بعباس و لا
«* مکارم الابرار عربي جلد 13 صفحه 29 *»
بجساس صليب([9]) كظام بسام دقيق النظر عظيم الحذر لايبخل و ان بخل عليه صبر عقل فاستحيي و قنع فاستغني حياءه يعلو شهوته و وده يعلو حسده و عفوه يعلو حقده لاينطق بغير صواب و لايلبس الاّ الاقتصاد مشيه التواضع خاضع لربه بطاعته راض عنه في كل حالاته نيته خالصة اعماله ليس فيها غش و لا خديعة نظره عبرة و سكوته فكرة و كلامه حكمة مناصحاً متباذلاً متواخياً ناصح في السر و العلانية لايهجر اخاه و لايغتابه و لايمكر به و لايأسف علي ما فاته و لايحزن علي ما اصابه و لايرجو ما لايجوز له الرجاء و لايفشل في الشدة و لايبطر في الرخاء يمزج الحلم بالعلم و العقل بالصبر تريه بعيداً كسله دائماً نشاطه قريباً امله قليلاً زلله متوقعاً لاجله خاشعاً قلبه ذاكراً ربه قانعة نفسه منفياً جهله سهلاً امره حزيناً لذنبه ميتة شهوته كظوماً غيظه صافياً خلقه آمناً منه جاره ضعيفاً كبره قانعاً بالذي قدر له متيناً صبره محكماً امره كثيراً ذكره يخالط الناس ليعلم و يصمت ليسلم و يسأل ليفهم و يتجر ليغنم لاينصت للخير ليفخر به و لايتكلم ليتجبر به علي من سواه نفسه منه في عناء و الناس منه في راحه اتعب نفسه لاخرته فاراح الناس من نفسه ان بغي عليه صبر حتي يكون اللّه الذي ينتصر له، بعده ممن تباعد منه بغض و نزاهة و دنوه ممن دنا منه لين و رحمة ليس تباعده تكبراً و لا عظمة و لا دنوه خديعة و لا خلابة بل يقتدي بمن كان قبله من اهل الخير فهو امام لمن بعده من اهل البر.
قال فصاح همام صيحة ثم وقع مغشياً عليه فقال اميرالمؤمنين7 اما واللّه لقد كنت اخافها عليه و قال هكذا تصنع المواعظ البالغة باهلها فقال له قائل فما بالك يا اميرالمؤمنين فقال ان لكل اجلاً لنيعدوه و سبباً لايجاوزه فمهلاً لاتعد فانما نفث علي لسانك شيطان هـ .
قد ذكرنا الحديث بطوله ليكون دستوراً للعمل فيواظب السالك علي واحد واحد منها حتي يكون له طبعاً يصدر منه من غير كلفة و ليعلم ان صاحب هذه الصفات قليل اقل من الكبريت الاحمر.
«* مکارم الابرار عربي جلد 13 صفحه 30 *»
فاذا عرفت صفات المؤمن فاعلم ان المؤمنين جميعهم اخوان ثقة و اخوان مصادقة ليس بينهم تناكر و لا تنافر و لا تخالف لان كل واحد مؤمن يأتمنه الاخر علي نفسه و دينه و دنياه و آخرته و اهله و اولاده و لايكون المؤمن الاّ من كان هكذا فقد قال ابوجعفر7 المؤمن من ائتمنه المؤمنون علي اموالهم و انفسهم و المسلم من سلم المسلمون من لسانه و يده فاذا كان كل واحد في حد الايتمان المطلق من كل وجه فهو اخ الثقة يثق به اخوه من كل وجه و هو الصديق المطلق الصادق في جميع دعاويه و الجامع لحدود الصداقة التي بها تسمي الصديق صديقاً و تنقص الصداقة بنقصها و هي ما روي عن ابيعبداللّه7 لاتكون الصداقة الاّ بحدودها من كانت فيه هذه الحدود او شيء منها فانسبه الي الصداقة و من لميكن فيه شيء منها فلاتنسبه الي شيء من الصداقة فاوله انيكون سريرته و علانيته لك واحدة و الثانية انيري زينك زينه و شينك شينه و الثالثة ان لايغيره عليك ولاية و لا مال و الرابعة ان لايمنعك شيئاً تناله مقدرته و الخامسة و هي تجمع هذه الخصال ان لايسلمك عند النكبات.
و يجمع هذه الصفات كملاً معني ما سماهم به اميرالمؤمنين7 حيث سماهم باخوان الثقة فان من تثق به من كل وجه لايكون الاّ مؤمناً محضاً خالصاً فانه لابد و ان تثق به علي نفسك و مالك و اهلك و ولدك و ما خولت و تثق بعفوه اذا اسأت و بعطاه اذا سألت و باغنائه اذا احتجت و باقالته اذا عثرت و برفقه اذا خرقت و بحلمه اذا سفهت و بعلمه اذا جهلت و بشفاعته اذا اذنبت و هكذا ساير الصفات فمن تثق به من كل وجه هو المؤمن المحض و هذا اقل من الكبريت اي واللّه هم الكهف و الجناح و الاهل و المال بل هم الروح و النفس.
قال ابوعبداللّه7 انما المؤمنون بنو اب و ام و اذا ضرب علي رجل منهم عرق سهر له الاخرون و روي جابر الجعفي قال تقبضت بين يدي ابيجعفر7 فقلت جعلت فداك ربما حزنت من غير مصيبة تصيبني و امر ينزل بي حتي تعرف ذلك اهلي في وجهي و صديقي فقال نعم يا جابر ان اللّه عزوجل خلق المؤمنين من طينة الجنان و اجري فيهم من ريح
«* مکارم الابرار عربي جلد 13 صفحه 31 *»
روحه فلذلك المؤمن اخو المؤمن لابيه و امه فاذا اصاب روحاً من تلك الارواح في بلد من البلدان حزن حزنت هذه لانها منها و قال ابوعبداللّه7 المؤمن اخو المؤمن كالجسد الواحد ان اشتكي شيئاً منه وجد الم ذلك في ساير جسده و ارواحهما من روح واحدة و ان روح المؤمن لاشد اتصالاً بروح اللّه من اتصال شعاع الشمس بها هـ .
و هذه الاخوة لاتتحقق الاّ بين المؤمنين الخالصين فان المسلم و ان كان ينتفع باخاء المؤمن و لكن المؤمن لايثق علي نفسه و ماله من المسلم فلايواخيه الاّ علي نحو المكاشرة فمن لميجد من نفسه رتبة الايمان المحض و الوثاقة و لايخفي ذلك علي احد فان الانسان علي نفسه بصيرة فلايطلبن مواخاة المؤمنين فانهم لايسلمون له ذلك و ليطر كل طير مع امثاله فليواخ المسلمين الاشباه و لايتركن مواخاة الاشباه و الانظار بعدم تمكنه من مواخاة المؤمنين الاخيار فان الانسان خلق مدني الطبع و لابد لافراده من الاجتماع و الاقتراب و الاختلاط و المعاملات و المؤانسات فمن رام انيترك اخوة جميع الناس و عشرتهم يتعوق عليه دينه و دنياه و آخرته فانه لايستغني فرد من افراد الانسان في عيشه و بقائه عن فرد آخر فلابد للمسلمين ايضاً من المؤاخاه بل يجب، قال لقمان لابنه اتخذ الف صديق و الف قليل و لاتتخذ عدواً واحداً و الواحد كثير و قال الصادق7 اكثروا من الاصدقاء في الدنيا فانهم ينفعون في الدنيا و الاخرة و قال علي7اعجز الناس من عجز عن اكتساب الاخوان و اعجز منه من ضيع من ظفر به منهم و قال الصادق7 من استفاد اخاً في اللّه استفاد بيتاً في الجنة هـ .
و لاتزعمن ان اخوة اخوان المكاشرة ليست للّه فانا قد ذكرنا لك ان اخوان المكاشرة اخوانك من الرضاعة و انت مراعي باخوته و اداء حقه حرمة لبن امك و من المعلوم ان مراعاة حرمة لبن الام ليس الاّ للّه و في اللّه بل هو اقرب القربات و اعظم المثوبات و ينفعك في الدنيا و الاخرة اما نفعه اياك في الدنيا انتظام معاشك و رفع الكلفات عنك و اما نفعه اياك في الاخرة شفاعة امك اياك بمراعاتك حرمتها
«* مکارم الابرار عربي جلد 13 صفحه 32 *»
و ان كان الاخ لابيك و امك و لكن قد ارتضع من ثدي حبتر لعنها اللّه فبالحري ان ينفعك في الدنيا و الاخرة فانه منك و انت منه و انتما من ابيكما و امكما فلسوف ان تزول الاعراض و الامراض منه و يرجع الي امه كما قال اللّه سبحانه ليميز اللّه الخبيث من الطيب و يجعل الخبيث بعضه علي بعض فيركمه جميعاً فيجعله في جهنم.
تبصـرة: اذا اردت انتعرف من تلقاه من الاخوان هل هو لابيك و امك ام مرتضع من امك، فاعلم ان اللّه سبحانه خلق المؤمنين من طينة واحدة و نور واحد و روح واحدة طابت و طهرت بعضها من بعض فكل واحد منهم نفس الاخر و روحه و نوره و لاتنافر بين الشيء و بين نفسه فلاتناكر و لاتباغض فان الشيء لايبغض شيئاً الاّ اذا كان بينهما تنافر في الطبع فالنار يبغض الماء لان النار حارة يابسة و الماء بارد رطب و وجود النار و ثباتها و قوامها و حيوتها و بقاءها بالحرارة و اليبوسة فالبرودة و الرطوبة مفنية و معدمة لها و هي متنفرة هاربة عنهما لانهما ضد ما به قوامها و وجودها فالحيوة تكره الموت و الوجود يبغض العدم و البقاء يكره الفناء و تحب النار النار لان بالحرارة و اليبوسة قوتها و نشاطها فتحب ما يقويها و ينشطها فلاجل ذلك يبغض الشيء ما يضاد وجوده و يحب ما يجانسه فالمؤمن يحب المؤمن لانه من جنسه نفسه من نفسه و روحه من روحه بمادته و صورته و الكافر يحب الكافر لانه من جنسه نفسه الخبيثة من نفسه و روحه النجسة من روحه و كذلك المؤمن يحب ما يجانسه اذا راه في غيره سواء كان عرضياً ام ذاتياً فان النار تحب الحرارة و لو كانت في الحجر للمجانسة و المؤمن يحب الخير و ان راه في غيره بالعرض فانه يحب ذلك العرض لامحة لانه منه و من طينته قال ابوعبداللّه7 ان اللّه عزوجل اخذ طينة من الجنة و طينة من النار فخلطهما جميعاً ثم نزع هذه من هذه و هذه من هذه فما رأيت في اولئك من الامانة و حسن الخلق و حسن السمت فمما مسهم من طينة الجنة و هم يعودون الي ما خلقوا منه و
«* مکارم الابرار عربي جلد 13 صفحه 33 *»
ما رأيت من هؤلاء من قلة الامانة و سوء الخلق و الزعارة فمما مسهم من طينة النار و هم يعودون الي ما خلقوا منه.
فاذا اردت انتعرف نفسك هل هي من طينة آل محمد: ام لا فانظر هل تحبهم لانفسهم لا لقرابة ام لدنيا تصيبها منهم ام لا فان كنت تحبهم فاعلم انك منهم و اليهم روحك من روحهم و طينتك من طينتهم و تحيي حيوتهم و تموت مماتهم و انك من اهل الجنة و المغفرة لامحة فان من ليس منهم و لا اليهم محال انيحبهم قال علي7 لو ضربت بسيفي هذا خيشوم المؤمن علي انيبغضني ما ابغضني و لو صببت الدنيا علي هام المنافق علي انيحبني ما احبني و قال ابوجعفر7 ان اللّه عزوجل خلقنا من اعلي عليين و خلق قلوب شيعتنا مما خلقنا منه و خلق ابدانهم من دون ذلك و قلوبهم تهوي الينا لانها خلقت مما خلقنا منه ثم تلي كلا ان كتاب الابرار الي المقربون و خلق عدونا من سجين و خلق قلوب شيعتهم مما خلقهم منه و ابدانهم من دون ذلك فقلوبهم تهوي اليهم لانها خلقت مما خلقوا منه ثم تلي كلا ان كتاب الفجار الي قوله للمكذبين.
و لما كانت المحبة و ادراكها و استشعارها تتحقق بالمناسبة التامة فلو كانا من جنس واحد و كان احدهما الطف ما يكون واحدهما اكثف لايدرك الداني محبة العالي و لايستشعر الكثيف محبة اللطيف لعدم المناسبة الاّ انه لايبغضه لعدم الضدية و المنافرة و لكن لايحس محبته فوجب لذلك انيكون لها ميزان به يعرف الانسان هل هو منهم ام لا و ذلك الميزان الوسائط بين العالي و الداني لان ما يلي العالي يحب العالي بالاتصال الثابت و يحس المحبة لاجل المناسبة ثم الذي يليه يحبه و يحس بها و هكذا ثم الذي يليه و بعده و بعده و هكذا الاشبه فالاشبه و الانسب فالانسب فكل عال متصل ميزان لادراك المحبة و احساسها و ان اللّه سبحانه و ان كان رفع السماء فلاتناله الايدي و الابصار ولكن وضع الميزان و اخفضه لامكان الادراك و الاحساس و يدل علي هذا الميزان ما رواه جيش بن المعتمر عن علي7 في حديث يا جيش من سره انيعلم امحب لنا ام
«* مکارم الابرار عربي جلد 13 صفحه 34 *»
مبغض فليمتحن قلبه فان كان يحب لنا ولياً فليس بمبغض لنا و ان كان يبغض ولياً لنا فليس بمحب لنا الخبر. و قيل لرسول اللّه9 في حديث و كيف نبغضكم بعد ما عرفنا محلكم من اللّه و منزلتكم قال9 بانتبغضوا اولياءنا و تحبوا اعداءنا الخبر.
فاذا عرفت انك منهم سلام اللّه عليهم و اليهم و لهم يقيناً و وازنت قلبك بحب آل محمد: و امتحنته بحب اوليائهم سلام اللّه عليهم لاجلهم لا لغرض و لا لدنيا و لا غيرها مما سوي ذواتهم فاعلم ان قلبك حينئذ ميزان قسط لا ريب فيه و دليل عدل لا شك يعتريه فانظر من احببته لذاته لا لغرض فهو الذي خلق من طينتك و من روحك و هو اخوك لابيك و امك و من تبغضه بكله فليس هو من ابيك و لا امك و ان كنت تحب ذاته و تكره بعض اعماله فهو اخوك لابيك و امك الاّ انه مرتضع من ثدي حبتر لعنه اللّه و ان كنت تبغض ذاته و تحب اعماله و صفاته فاعلم انه من ابي الفصيل و حبتر الاّ انه ارتضع من ثدي امك و ما اعطيتك من الحكمة ميزان قسط لا ريب فيه و لاتحتاج معه الي قانون و لاتصغي معه الي ادعاء مدع و لو حلف غموصاً.
سأل رجل اباعبداللّه7 فقال الرجل يقول اودك فكيف اعلم انه يودني فقال امتحن قلبك فان كنت توده فانه يودك و قال مسعدة بن اليسع لابيعبداللّه7 اني واللّه لاحبك فاطرق ثم رفع رأسه فقال صدقت يا بابشر سل قلبك عما لك في قلبي من حبك فقد اعلمني قلبي عما لي في قلبك و قيل لابيالحسن7 لاتنسني من الدعاء قال او تعلم اني انساك قال فتفكرت في نفسي و قلت هو يدعو لشيعته و انا من شيعته قلت لاتنساني قال و كيف علمت ذلك قال الرجل اني من شيعتك و انك تدعو لهم فقال هل علمت بشيء غير هذا قال الرجل لا قال اذا اردت انتعلم ما لك عندي فانظر ما لي عندك و قال ابوعبداللّه7 انظر قلبك فان انكر صاحبك فاعلم ان احدكما قداحدث هـ . و ذلك لانه ان كنت انت باقياً علي الفطرة و تغير صاحبك تنكر الفطرة السليمة المغيرة و ان تغيرت انت فتنكر المغيرة السليمة لامحة فان وجدت في
«* مکارم الابرار عربي جلد 13 صفحه 35 *»
قلبك شيئاً فاعلم ان صاحبك ايضاً وجد مثله في قلبه و الاحداث من احدكما.
و بالجملة لا ميزان احسن من هذا بعد احساس حب اولياء اللّه في القلب و قد وزنّا بهذا الميزان اشخاصاً متظاهرين بالوداد مدعين للحب و الاتحاد في ازمنة طويلة و ما كنا نجد لهم حباً في القلب فوجدناه قد بدي مكنون سره و ظهر مخزون امره بعد زمان طويل. قال رسول اللّه9 اتقوا فراسة المؤمن فانه ينظر بنور اللّه فاذا ثبت ان الرجل يحب آل محمد: و قلبه يحن اليهم بلا ملاحظة اخري غيرهم ثبت انه خلق من نورهم و صبغ في رحمتهم كما مر عن الصادق7 ان اللّه خلق المؤمنين من نوره و صبغهم في رحمته فاذا ثبت انه خلق من نورهم و صبغ في رحمتهم فسئل احدهم: عن قول رسول اللّه9اتقوا فراسة المؤمن فانه ينظر بنور اللّه قال اي النور الذي خلق منه فاذا ثبت كون المؤمن من نور اللّه فليتق فراسته فانه ينظر بنور اللّه و نور اللّه لايعمي و يري ما احدثت قل اعملوا فسيري اللّه عملكم و رسوله و المؤمنون فلو كان صاحب المؤمن في بلد و المؤمن في بلد آخر يجد المؤمن ما احدث صاحبه في قلبه الاّ انه في اول الامر يجد كلية انه احدث حدثاً لامحة و لايميزه لضعف نوره فاذا تقوي يميز نوع الحدث فان ازداد قوة يميز شخص الحدث سواء في ذلك القريب و البعيد فاذا وزنت قلبك بالميزان علي ما قال اللّه وزنوا بالقسطاس المستقيم لايميل لسانه الي شيء من الاغراض النفسانية الشمالية و لا الاغراض اليمينية العقلانية.
فكل من احببته و لمتنكر منه شيئاً من اعماله و صفاته و احواله فهو اخوك لابيك و امك مرتضع بثدي امك فاد حقه علي ما يأتي و كل من احببته و انكرت صفة منه او صفات فاحبه و واخه و لكن اجتنبه ما دامت تلك الصفة غالبة فيه مؤثرة فيك و محرفة لك عن قصد السبيل فان المزكوم و ان كان ينفعه شم الشونيز المحمص المطفي في الخل و لكن اذا مسسته بعطر الورد و دهنه حتي ستر ريح الورد ريح الشونيز و الخل يؤذي الزكام و يضر به لامحة فليجتنب المزكوم عن ذلك الشونيز المطيب و لكن لايرم به فانه فيه ما ينفع ذاتاً
«* مکارم الابرار عربي جلد 13 صفحه 36 *»
فليدخره حتي يذهب طيبه و يظهر ريحه الاصلي ثم ليشمه و من وجدت في قلبك انك تبغضه مطلقاً فاجتنبه فانه السم النقيع المهلك و ان وجدت انك تحب عمله بقلبك الموزون و تكون نفس العمل ايضاً موزوناً بالكتاب و السنه و اعمال الاولياء: فقاربه فانه بمنزلة الدهن الورد الجامد الذي قد لطخ بشونيز حتي ستر ريح الورد فيقاربه المزكوم و يشمه لريح الشونيز فاذا زال عنه ريح الشونيز فليجتنبه فانه ضار به مهلك له فافهم ما القينا اليك من محض الحكمة علي نهج الموعظة الحسنة و اعرف به قدر كل واحد من اصحابك و اقيموا الوزن بالقسط و لاتخسروا الميزان.
وصـل
في بيان حقوق اخوان الثقة
و هذا الوصل قاصم الظهور و مهلك النفوس قد برك دون حمله الاكابر و حصحص من ثقله اولي القوة و البصائر و لايحمله حق حمله الاّ الخصيصون و لايؤديه حق ادائه الاّ الاقلون و كنت الي الان به ضنيناً و بابرازه شحيحاً و اري ان اخفائه احجي و ستره عن الضعفة احري و قد اجسرني الي ذلك ما قدمت في اول الكتاب من انتضاج الزمان و اهلية ذلك الجناب و اسئل اللّه الوهاب انيوفق اخواننا للرشد و الصواب و يسددهم لدخول هذا الباب انه كريم وهاب.
و ناهيك في معرفة صعوبة هذا الامر و وعوره هذا الطريق قول جابر لعلي بن الحسين7 كل من لايعرف هذا الامر علي الوجه الذي صنعته اي تجليه بصور مختلفة و بينته الاّ ان عنده محبة و يقول بفضلكم و يتبرء من اعدائكم ما يكون حاله قال7 يكونون في خير الي انيبلغوا قال جابر قلت يا ابن رسول اللّه هل بعد ذلك شيء يقصرهم قال7 نعم اذا قصروا في حقوق اخوانهم و لميشاركوهم في اموالهم و في سر امورهم و علانيتهم و استبدوا بحطام الدنيا دونهم فهنالك يتسلب المعروف و يتسلخ من دونه سلخاً و يصيبه من افات هذه الدنيا و بلائها ما لايطيقه و لايحتمله من الاوجاع في نفسه و ذهاب ماله و تشتت شمله لما قصر في حقوق اخوانه قال جابر فاغتممت واللّه غماً
«* مکارم الابرار عربي جلد 13 صفحه 37 *»
شديداً و قلت يا ابن رسول اللّه ما حق المؤمن علي اخيه المؤمن قال7 يفرح لفرحه اذا فرح و يحزن لحزنه اذا حزن و ينفذ اموره كلها فيحصلها و لايغتنم بشيء من حطام الدنيا الفانية الاّ واساه حتي يجريان في الخير و الشر في قرن واحد قلت سيدي فكيف اوجب اللّه كل هذا للمؤمن علي اخيه المؤمن قال7 لان المؤمن اخو المؤمن لابيه و امه علي هذا الامر لايكون اخاه و هو احق بما عليكم قال جابر سبحان اللّه و من يقدر علي ذاك قال7 من يريد انيقرع ابواب الجنان و يعانق الحور الحسان و يجتمع معنا في دار السلام قال جابر فقلت هلكت واللّه يا ابن رسول اللّه لاني قصرت في حقوق اخواني انتهي، تدبر في هذا الحديث الشريف و اعلم ان جابر نظير سلمان في عصره و هو يقول كذا فما ظنك بغيره.
ثم اعلم ان اخوان الثقة هم علي ثلثة اصناف منهم من هو اكبر سناً منك و منهم من مساو لك في سنه و منهم من هو اصغر منك سناً و لكل واحد منهم حق يخصه لايليق لغيره و لايليق له ما يليق لغيره فلنفصل كل واحد منهم علي حدة ليعلم حق كل صنف صنف.
فالاول الذين هم اكبر سناً منك و مرادنا بالسن سبق قدمهم في الولاية و كونهم اكثر حباً لال محمد: و اشد طوعاً و اقوي شباهة لهم: فان السن في الظاهر هو الصعود من حضيض الصبا و ضعف البدن و النفس و العقل الي اوج الشباب و قوة البدن و النفس و العقل و غاية قوة العقل و النفس و البدن في هذه الامة اربعون و اما اذا انحدر عن الاربعين فهو و ان كان اكبر سناً بتعداد الشهور و السنين الاّ انه يبلغ الكهولة و الهرم مبلغاً يجهل اوقات الصلوة فضلاً عن غيره فيكون اصغر من الشاب من حيث ضعف البدن و النفس و العقل فغاية الكبر و القوة في الظاهر اربعون.
و اما في الباطن فصعود السن بصعود المرء من حضيض الجهل و البعد عن الائمة الي اوج العقل و القرب اليهم:
«* مکارم الابرار عربي جلد 13 صفحه 38 *»
و ذلك الصعود لا نهاية له فهو يسير مادام ملك اللّه في الدنيا و البرزخ و الاخرة اليهم و كلما يصعد يتقوي بدنه و نفسه و عقله فيصير ابقي و اعلم و اعبد و اعقل و اشبه بامامه و لا غاية لذلك و لا نهاية و في الحديث القدسي كلما وضعت لهم علماً رفعت لهم حلماً ليس لمحبتي غاية و لا نهاية فالاكبر هناك كل مسن في حبهم و كل كثير القدم في امرهم كما كتب ابوالحسن7 الي رجلين سألاه عمن يأخذان معالم دينهما اعمدا في دينكما علي كل مسن في حبنا و كل كثير القدم في امرنا و لا شك ان مراده7 ليس الاخذ عن الشيوخ الكهول او الهرمين و انما المراد الكبر الباطني و ان كان بحسب الظاهر اصغر سناً من المتعلم و مثل ما كان يروي عن ابيعبداللّه7 ان الامر في الكبير ما لميكن به عاهة و عدلوا لاجل ذلك الي عبداللّه بن جعفر و زعموا ان المراد الكبر في السن مع ان المراد الكبر في العقل و العلم و هو كان موسي بن جعفر8 و من هذا الباب قول ابيعبداللّه ليس منا من لميوقر كبيرنا و يرحم صغيرنا و قول رسول اللّه9 من اجلال اللّه اجلال ذي الشيبة المسلم.
فالاخ الاكبر هو الاقدم في حب الائمة: و الاسبق في العلم و العمل و التقوي فلهذا الاخ حق لايسلم له الاّ الخصيصون قال اللّه سبحانه و يؤثرون علي انفسهم و لو كان بهم خصاصة و لميخصص الايثار بشيء دون شيء فلابد و انتؤثره علي نفسك بنفسك و ولدك و مالك و خدمك و حشمك و جميع ما خولك ربك و تجعله بل تعتقده اولي بك من نفسك في جميع ما هو لك كما رواه العسكري7 في حديث الطبيب اليوناني و اسلامه فقال في ذلك الحديث في القاء علي7 شروط الاسلام اليه و اخذ العهد عليها و امرك انتواسي اخوانك المطابقين لك علي تصديق محمد و تصديقي و الانقياد له و لي مما رزقك اللّه و فضلك علي من فضلك به منهم بسد فاقتهم و بجبر كسرهم و خلتهم و من كان منهم في درجتك في الايمان ساويته فيما لك بنفسك و من كان منهم فاضلاً عليك في دينك اثرته بما لك علي نفسك حتي يعلم اللّه منك ان دينه
«* مکارم الابرار عربي جلد 13 صفحه 39 *»
اثر عندك من مالك و ان اولياءه اكرم عليك من اهلك و عيالك الخبر، و الشاهد من هذا الخبر قوله و من كان منهم فاضلاً عليك يعني في الايمان و الولاية فحق الفاضل عليك انتؤثره علي نفسك و جميع ما خولك اللّه.
و عن ابان بن تغلب قال كنت اطوف مع ابيعبداللّه7 فعرض لي رجل من اصحابنا كان سألني الذهاب معه في حاجة فاشار الي فكرهت ان ادع اباعبداللّه7 و اذهب اليه فبينا انا اطوف اذ اشار الي ايضاً فراه ابوعبداللّه7 فقال يا ابان اياك يريد هذا قلت نعم قال فمن هو قلت رجل من اصحابنا قال هو علي مثل ما انت عليه قلت نعم قال فاذهب اليه قلت فاقطع الطواف قال نعم قلت و ان كان طواف الفريضة قال نعم قال فذهبت اليه ثم دخلت عليه يعني ابيعبداللّه7 فسألته فقلت اخبرني عن حق المؤمن علي المؤمن فقال يا ابان دعه لاترده قلت بلي جعلت فداك فلمازل اردد عليه فقال يا ابان تقاسمه شطر مالك ثم نظر الي فرأي ما دخلني فقال يا ابان اما تعلم ان اللّه عزوجل قدذكر المؤثرين علي انفسهم قلت بلي جعلت فداك فقال اما اذا انت قاسمته فلمتؤثره بعد انما انت و هو سواء انما تؤثره اذا انت اعطيته من النصف الاخر انتهي.
و لميجبه7 عن جميع حقوق المؤمن لعدم تحمله و اراد انيخبره عن واحد حتي يعلم عظم حقه و لميلح علي الباقي او نأخذ لفظة قوله7 شطر ما لك بفتح اللام و تعم لفظة ما جميع ما يملكه الانسان من عقله و نفسه و بدنه و جاهه و ماله و عياله و ما خوله ربه فيكون قد اجاب عن جميع ما سأل علي نحو الاجمال لان الاجمال يحتمل و التفصيل لايحتمله الاّ القوي و ذلك كمثل نواة فيها مستجن جميع الشجرة باوراقها و افنانها و اغصانها و فروعها علي نحو الاجمال و يحمل النواة كل احد و لكن اذا تفصلت و صارت شجرة لايحملها الاّ القوي المتين فافهم و قد وردت اخبار كثيرة في حقه لانطيل الكلام بذكر اخباره و انما نعد الخصال المأثورة و الحقوق المروية.
فمن حقوقه ان لاتكثر عليه السؤال و ان لاتسبقه في الجواب اذا سئل و لاتلح عليه اذا اعرض و لاتأخذ بثوبه اذا كسل و
«* مکارم الابرار عربي جلد 13 صفحه 40 *»
اذا دخلت عليه و عنده قوم فسلم عليهم جميعاً و خصه بالتحية و اجلس بين يديه و لاتجلس خلفه و لاتغمز بعينك له الي شيء و لاتشر بيدك و لاتكثر من قول قال فلان و قال فلان خلافاً لقوله و لاتضجر بطول صحبته فانما مثل العالم مثل النخلة تنتظرها متي يسقط عليك منها شيء و لاتفش له سراً و لاتغتب عنده احداً و احفظ له شاهداً او غائباً و لاتساره في مجلسه و لاتطلب عوراته و ان كانت له حاجة اسبق القوم الي خدمته و لاترد عليه قوله و لاتطعن عليه و لاتخالف حكمه و امره و لاتخالف مشاورته و اجله و اكرمه هذه مزيداً علي ما يأتي من حقوق الاخوان المساوين و الاصغرين فيجب انتراعي جميعها مع الاكبر مع ما يخصه من التعظيم و التكريم.
و بالجملة اذا كان الاخ اكبر سناً من الانسان هو بمنزلة الاب و هو احكي للاب من غيره لان ظهور اسماء الاب و صفاته و افعاله فيه اكثر لصفاء مراته و المؤمن ان كان يعلم نفسه عبداً داخراً لمولاه و يري جميع ما له للّه سبحانه و يعلم انه يجب عليه شكر ما خوله ربه و الشكر هو استعمال ما اعطاه مولاه في سبيله و يريد انيكون قبضه و بسطه و حركته و سكونه للّه سبحانه و انفاقه و منعه له جلشأنه فعليه انيلاحظ نور اللّه سبحانه فاينما كان النور اظهر و الاثار ابدي يصرف ما له فيه ليكون للّه سبحانه و يتحقق له التقرب فاذا نظر الي نفسه و رأي ان النور مشيب بالظلمة و العقل مشيب بالجهل و في صرفه ما له لنفسه في نفسه مظنة اشراك النفس باللّه سبحانه او ترجيحها علي اللّه سبحانه فيسوقه ايمانه الي انيصرف ما له من عقل و نفس و روح و بدن و جاه و مال و عيال في سبيل اللّه سبحانه الذي لا شوب فيه و لا ريب يعتريه و هو يصل الي اللّه سبحانه يقيناً.
فقد سئل العسكري7 عن رجل اوصي بمال في سبيل اللّه قال سبيل اللّه شيعتنا و قال تعالي مثل ما ينفقون اموالهم في سبيل اللّه كمثل حبة انبتت سبع سنابل في كل سنبلة مأة حبة و اللّه يضاعف لمن يشاء و هم الذين يصبرون علي اداء حقوق المؤمن و عن بخص حقه و انما يوفي الصابرون اجرهم بغير حساب هـ .
«* مکارم الابرار عربي جلد 13 صفحه 41 *»
فما يصرف المؤمن في مؤمن يري في انوار الولاية ظاهرة باهرة فانما يصرفه في سبيل اللّه و هو يصل الي اللّه يقيناً. فقد روي الكفعمي عن الكاظم7 من لميقدر انيزورنا فليزر صالحي اخوانه يكتب له ثواب زيارتنا و من لميقدر انيصلنا فليصل صالحي اخوانه يكتب له ثواب صلتنا هـ . فمن اثره المؤمن علي نفسه في ما له فقد اثر اللّه سبحانه بلا شك و من بخل عنه فقد بخل عن اللّه و ان رأي ان طريقاً اقرب الي اللّه سبحانه من ذلك المؤمن فقد اخطأ لانه قال ابوعبداللّه7 ان روح المؤمن لاشد اتصالاً بروح اللّه من اتصال شعاع الشمس بها و قد بلغنا بالتواتر انهم خلقوا من طينة ال محمد: فمن اقرب من المؤمن اليهم و من اقرب منهم الي اللّه سبحانه و قد مر عن الصادق7 ان اللّه خلق المؤمنين من نوره و قال ابوعبداللّه7 ان اللّه تبارك و تعالي خلق المؤمن من نور عظمته و جلال كبريائه فمن طعن علي المؤمن او رد عليه فقد رد علي اللّه في عرشه و ليس هو من اللّه في ولاية و انما هو شرك شيطان، و قال7 لو كشف الغطاء عن الناس فنظروا الي وصل ما بين اللّه و بين المؤمن خضعت للمؤمن رقابهم و سهلت له امورهم و لانت طاعتهم و لو نظروا الي مردود الاعمال من السماء لقالوا ما يقبل اللّه من احد عملاً، و قال العسكري7 في حديث ان موالينا و شيعتنا منا و كلنا كالجسد الواحد و يحرم علي جماعتنا الزكوة الخبر.
بالجملة ليس طريق اقرب الي اللّه سبحانه من المؤمن فليرجحه الانسان علي جميع الفرائض و السنن من الاعمال و يؤثره علي نفسه في عقله فيستعمله في شوره و اصلاح امره و تدبير خدمته و في نفسه فيستعمل مشاعره الباطنة و الظاهرة فيه و في امره و في بدنه فيستعمله في خدمته و السعي في حاجته و الوقوف بحضرته و انفاذ امره و النظر اليه و الاصغاء اليه و القول له و عنه و هكذا و في جاهه فيصرفه لامره و قضاء حاجته و الوساطة له بين الناس و عند الحكام و القضاة و في ماله فيكون ما يصرفه لاجله احب اليه مما يصرفه لنفسه، قال الباقر7لرجل امالك معك تنفقه علي نفسك احب اليك ام تنفقه
«* مکارم الابرار عربي جلد 13 صفحه 42 *»
علي اخوانك المؤمنين قال بل انفقه علي نفسي قال فلست من شيعتنا فانا نحن ما ننفق علي المنتحلين من اخواننا احب الينا و لكن قل انا من محبيكم و من الراجين النجاة بمحبتكم و في عياله فيبعث خادمه و وصايفه في خدمته و يرجح خدمته علي نفسه و يستعمل دوابه و عوامله و حوامله في خدماته و يري ان ذلك اقرب القربات الي اللّه سبحانه و اشرف الصدقات و انجح الدعوات و احسن الصلوات و احسن من كل عمل الي اللّه سبحانه.
و بالجملة كل ما يريد انيكون للّه يقيناً و يدخله في يد اللّه علي القطع و اليقين فليصرفه في اخيه الاكبر فانه مقطوع بوصوله الي اللّه سبحانه و لو كان علي وجه الرياء و السمعة فان ساير الاعمال رياءه و سمعته لاتنفع ابداً و هذا العمل و ان لمينفع من وجه الرياء و حيث السمعة الاّ انه ينفع من حيث سرور المؤمن و رضاه فانه اذا سر و رضي فقد سر اللّه و رضي اللّه قال رسول اللّه9 من سر مؤمناً فقد سرني و من سرني فقد سر اللّه و قال ابوجعفر7 ماعبد اللّه بشيء احب الي اللّه من ادخال السرور علي المؤمن و قال ابوعبداللّه اوحي اللّه الي داود7 ان العبد من عبادي ليأتيني بالحسنة فابيحه جنتي فقال داود يا رب و ما تلك الحسنة قال يدخل علي عبدي المؤمن سروراً و لو بتمرة و قال7 لايري احدكم اذا ادخل علي مؤمن سروراً انه عليه ادخله فقد بل واللّه علينا بل واللّه علي رسول اللّه9 الي غير ذلك من الروايات فانت و ان سررته رياء الاّ ان سروره سرور اللّه فهذا عمل لا خيبة فيه و لا خسارة تعتريه و لاينبغي تفصيل هذا المقام كما ينبغي فاخفيه تأسياً بقوله تعالي ان الساعة آتية اكاد اخفيها لتجزي كل نفس بما تسعي.
و الثاني: و هم الذين مساوون لك في السن و الصعود الي مبدء القوة و النشاط و الكبر و الانبساط فلهم حق دون ادائه خرط القتاد و لايفي به الاّ كل من كان في قوته مشاركاً للسبع الشداد و قد اشار اميرالمؤمنين7 في الحديث السابق
«* مکارم الابرار عربي جلد 13 صفحه 43 *»
الي حق هؤلاء حيث قال و من كان منهم في درجتك في الايمان ساويته فيما لك بنفسك فالمواساة مقامه هيهنا مع هؤلاء الاخوة و الاّ فالصنف الاول هم اولي بك من مالك و اما الاخوة المساوون فحقوقهم كثيرة نسرد شطراً من الاخبار الواردة في المقام لكي تفوز بالمرام.
قال ابوعبداللّه7 المسلم اخو المسلم هو عينه و مرآته و دليله لايخونه و لايخدعه و لايظلمه و لايكذبه و لايغتابه و قال المؤمنون خدم بعضهم لبعض قيل و كيف يكونون خدماً بعضهم لبعض قال يفيد بعضهم بعضاً و قال ابوجعفر7 من حق المؤمن علي اخيه المؤمن انيشبع جوعته و يواري عورته و يفرج عنه كربته و يقضي دينه فاذا مات خلفه في اهله و ولده.
و قال معلي بن خنيس قلت لابيعبداللّه7 ما حق المسلم علي المسلم قال سبع حقوق واجبات ما منهن حق الاّ و هو عليه واجب ان ضيع منها شيئاً خرج من ولاية اللّه و طاعته و لميكن للّه فيه من نصيب قلت له جعلت فداك و ما هي قال يا معلي اني عليك شفيق اخاف انتضيع و لاتحفظ و تعلم و لاتعمل قال قلت لا قوة الاّ باللّه قال ايسر حق منها انتحب له ما تحب لنفسك و تكره له ما تكره لنفسك و الحق الثاني انتجتنب سخطه و تتبع مرضاته و تطيع امره و الحق الثالث انتعينه بنفسك و مالك و لسانك و يدك و رجلك و الحق الرابع انتكون عينه و دليله و مرآته و الحق الخامس لاتشبع و يجوع و لاتروي و يظمأ و لاتلبس و يعري و الحق السادس انيكون لك خادم و ليس لاخيك خادم فواجب انتبعث خادمك فيغسل ثيابه و يصنع طعامه و يمهد فراشه و الحق السابع انتبر قسمه و تجيب دعوته و تعود مريضه و تشهد جنازته و اذا علمت ان له حاجة تبادره الي قضائها و لاتلجئه انيسألكها و لكن تبادره مبادرة فاذا فعلت ذلك وصلت ولايتك بولايته و ولايته بولايتك.
و عن عبدالاعلي بن اعين قال كتب اصحابنا يسألون اباعبداللّه عن اشياء و امروني ان اسأله عن حق المؤمن علي اخيه فسألته فلميجبني فلما جئت لاودعه
«* مکارم الابرار عربي جلد 13 صفحه 44 *»
فقلت سألتك فلم تجبني فقال اني اخاف انتكفروا ان من اشد ما افترض اللّه علي خلقه ثلثاً انصاف المرء من نفسه حتي لايرضي لاخيه من نفسه الاّ بما يرضي لنفسه منه و مواساة الاخ في المال و ذكر اللّه علي كل حال ليس سبحان اللّه و الحمد للّه و لكن عند ما حرم اللّه عليه فيدعه و قال7 حق المسلم علي المسلم ان لايشبع و يجوع اخوه و لايروي و يعطش اخوه و لايكتسي و يعري اخوه فما اعظم حق المسلم علي اخيه المسلم، و قال احب لاخيك المسلم ما تحبه لنفسك و ان احتجت فسله و ان سألك فاعطه لاتمله خيراً و لايمله لك كن له ظهراً فانه لك ظهر اذا غاب فاحفظه في غيبته و اذا شهد فزره و اجله و اكرمه فانه منك و انت منه فان كان عليك عاتباً فلاتفارقه حتي تسأل سميحته و ان اصابه خير فاحمد اللّه و ان ابتلي فاعضده و ان تمحل له فاعنه و اذا قال الرجل لاخيه اف انقطع ما بينهما من الولاية و اذا قال انت عدوي كفر احدهما فاذا اتهمه انماث الايمان في قلبه كما ينماث الملح في الماء.
و قال للمسلم علي اخيه المسلم من الحق انيسلم عليه اذا لقيه و يعوده اذا مرض و ينصح له اذا غاب و يسمته اذا عطس و يجيبه اذا دعاه و يتبعه اذا مات و قال من حق المؤمن علي المؤمن المودة له في صدره و المواساة له في ماله و الخلف له في اهله و النصرة له علي من ظلمه و ان كان نافلة في المسلمين و كان غايباً اخذ له بنصيبه فاذا مات الزيارة الي قبره و ان لايظلمه و ان لايغشه و ان لايخونه و ان لايخذله و ان لايكذبه و ان لايقول له اف فان قال له اف فليس بينهما ولاية و اذا قال انت عدوي فقد كفر احدهما و اذا اتهمه انماث الايمان في قلبه كما ينماث الملح في الماء و قال يحب المرء المسلم لاخيه ما يحب لاعز اهله و يكره المرء المسلم لاخيه ما يكره لاعز اهله و يناصحه الولاية و قيل لابي جعفر7 جعلت فداك ان الشيعة عندنا كثير فقال هل يعطف الغني علي الفقير و هل يتجاوز المحسن عن المسيء و يتواسون فقيل لا فقال ليس هؤلاء شيعة الشيعة من يفعل هذا.
و قال ابوجعفر7 ايجييء
«* مکارم الابرار عربي جلد 13 صفحه 45 *»
احدكم الي اخيه فيدخل يده في كيسه فيأخذ حاجته فلايدفعه فقيل مااعرف ذلك فينا فقال ابوجعفر7 فلا شيء اذا قيل فالهلاك اذا فقال ان القوم لميعطوا احلامهم بعد و قال ابوعبداللّه7 المسلم اخو المسلم لايظلمه و لايخذله و لايخونه و يحق علي المسلمين الاجتهاد في التواصل و التعاقد علي التعاطف و المواساة لاهل الحاجة و تعاطف بعضهم علي بعض حتي تكونوا كما امركم اللّه عزوجل رحماء بينكم متراحمين مغتمين لما غاب عنكم من امرهم علي ما مضي عليه معشر الانصار علي عهد رسول اللّه9 و قال قال النبي9 حق علي المسلم اذا اراد سفراً انيعلم اخوانه و حق علي اخوانه اذا قدم انيأتوه و قال اتقوا اللّه و كونوا اخوة بررة متحابين في اللّه متواصلين متراحمين تزاوروا و تلاقوا و تذاكروا امرنا و احيوه و قال ابوجعفر7 من حق المؤمن علي اخيه المؤمن انيشبع جوعته و يواري عورته و يفرج عنه كربته و يقضي دينه فاذا مات خلفه في اهله و ولده و قال قال رسول اللّه9 للمؤمن علي المؤمن سبعة حقوق واجبة من اللّه عزوجل الاجلال له في عينه و الود له في صدره و المواساة له في ماله و انيحرم غيبته و انيعوده في مرضه و انيشيع جنازته و ان لايقول فيه بعد موته الاّ خيراً.
و قال علي7 قال رسول اللّه7 للمسلم علي اخيه ثلثون حقاً لابراءة له منها الاّ بالاداء او العفو يغفر زلته و يرحم عبرته و يستر عورته و يقيل عثرته و يقبل معذرته و يرد غيبته و يديم نصيحته و يحفظ خلته و يرعي ذمته و يعود مرضته و يشهد ميتته و يجيب دعوته و يقبل هديته و يكافي صلته و يشكر نعمته و يحسن نصرته و يحفظ حليلته و يقضي حاجته و يشفع مسألته و يسمت عطسته و يرشد ضالته و يرد سلامه و يطيب كلامه و يبر انعامه و يصدق اقسامه و يوالي وليه و لايعاديه و ينصره ظالماً و مظلوماً فاما نصرته ظالماً فيرده عن ظلمه و اما نصرته مظلوماً فيعينه علي اخذ حقه و لايسلمه و لايخذله و يحب له من الخير ما يحب لنفسه و يكره له من الشر
«* مکارم الابرار عربي جلد 13 صفحه 46 *»
ما يكره لنفسه ثم قال7سمعت رسول اللّه9 يقول ان احدكم ليدع من حقوق اخيه شيئاً فيطالبه به يوم القيمة فيقضي له عليه الي غير ذلك من الاخبار مما في ذكره تطويل فنحن نعد تلك الحقوق واحداً واحداً لسهولة الضبط و عدم التطويل بذكر الاخبار التي ذكرها يوجب التكرار او ما يخرج عن محل البحث فهي مأة و خمسون خصلة.
ا المواساة معه في المال، ب انتكون عينه، ج انتكون مرآته، د انتكون دليله، هـ انتكون خادمه، و انتشبع جوعته، ز انتروي ظمأته، ح انتواري عورته، ط انتفرج كربته، ي انتقضي دينه، يا انتخلفه بعد موته في اهله و ولده، يب انتحب له ما تحب لنفسك، يج انتكره له ما تكره لنفسك، يد انتجتنب سخطه و تتبع مرضاته و تحزن لحزنه و تفرح لفرحه، يه انتطيع امره، يو انتعينه بنفسك و مالك و لسانك و يدك و رجلك، يز انتبعث خادمك ان لميكن له خادم انيخدمه، يح انتبر قسمه، يط انتجيب دعوته، ك انتعود مرضته، كا انتشهد جنازته، كب انتبادر بحاجته قبل سؤاله و تنفذ اموره كلها فتحصلها، كج انترضي له من نفسك بما ترضي لنفسك منه، كد انتعطيه اذا سألك، كه انتسأله اذا احتجت، كو ان لاتمله، كز انتكون له ظهراً، كح انتحفظ غيبته، كط ان تزور شهادته، ل ان لاتفارقه اذا عتب عليك حتي تستعفيه، لا انتحمد اللّه ان اصابه خير، لب ان تعضده اذا ابتلي، لج انتعينه انتمحل له امر، لد انتسلم عليه اذا لقيته، له انتسّمته اذا عطس، لو انتوده في صدرك، لز انتنصره ظالماً او مظلوماً، لح انتأخذ حصته من الانفال ان كان غائباً، لط انتزور قبره اذا مات، م انتناصحه الولاية، ما انتجاوز عن اساءته، مب انتواصله و تعاقده علي التعاطف، مج انتغتم لما لمتشهد من امره، مد انتعلمه اذا سافرت، مه انتأتيه انرجع من سفره، مو انتظهر حسنه، مز انتجله في عينك، مح انتحرم غيبته، مط ان لاتقول فيه بعد موته الاّ خيراً، ن انتغفر زلته، نا انترحم عبرته، نب انتستر عورته، نج انتقيل عثرته، ند انتقبل معذرته، نه انترد غيبته، نو انتديم نصيحته، نز انتحفظ خلته، نح انترعي ذمته، نط انتقبل هديته، س انتكافي صلته، سا انتشكر نعمته، سب انتحسن نصرته، سج انتحفظ حليلته، سد انتقضي حاجته، سه انتشفع مسألته، سو انترشد ضالته، سز انترد
«* مکارم الابرار عربي جلد 13 صفحه 47 *»
سلامه، سح انتطيب كلامه، سط انتبر انعامه، ع انتصدق اقسامه، عا انتوالي وليه، عب انتحسن جواره و عشرته، عج و انتغض عنه، عد ان لاتطلبه بالانصاف، عه انتصافي من صافاه، عو انتعادي من عاداه، عز انتكتم سره، عح انتكنيه في حضرته و لاتسميه الاّ في غيبته، عط ان لاتنقبض منه، ف ان لاتخونه، فا ان لاتخدعه، فب ان لاتظلمه، فج ان لاتكذبه، فد ان لاتتهمه، فه ان لاتغشه، فو ان لاتخذله، فز ان لاتعاديه، فح ان لاتسلمه، فط ان لاتقول له اف، ص ان لاتقول له انت عدوي، صا انتقبل عتابه، صب انتتقي فراسته، صج ان توقره و تكرمه، صد انتمشي معه اذا دخل بيتك و اذا خرج، صه انتأتمر امره اذا دخلت بيته، صو انتجلس في بيته حيثما يأمرك، صز انتتبسم في وجهه، صح انترفق به في السفر و الحضر، صط انتشيعه اذا فارقك هنيئة، ق انتكاتبه في السفر، قا انتبدء باسمه في الكتاب، قب انتسابقه في صلته، قج ان لاتمد الرجل بين اخوانك، قد انتخالقه و تؤالفه، قه انتلقاه بالبشر و طلاقة الوجه، قو انتعفو عنه و ان ظلمك، قز انتصله و ان قطعك، قح انتحسن اليه و ان اساء اليك، قط انتعطيه و ان منعك قي ان تراحمه و تلاطفه و تزاوره قيا ان تصافحه اذا لقيته في الحضر و ان قرب عهد اللقاء و لو فارقته بقدر دور نخلة، قيب انتعانقه اذا سافر عند المفارقة، قيج انتستقبله اذا قدم، قيد انتشيعه اذا سافر، قيه ان لاتترك السلام عليه و لو في التقية، قيو ان لاتناجي بحضرته غيره اذا كنتم ثلثة، قيز ان لاتعترضه في حديثه، قيح ان لاتذهب الحشمة بينكما بالكلية، قيط ان لاتماريه و لاتخاصمه، قك ان لاتهجره فوق الثلث، قكا ان لاتسلم عليه ان كان فقيراً بخلاف الغني، قكب ان لاتحدث بما ائتمنك عليه، قكج ان لاتحجبه، قكد ان لاتمكر به، قكه ان لاتحسده، قكو ان لاتقول له زعمت، قكز ان لاتكون له ذاوجهين و لسانين، قكح ان لاتؤذيه، قكط ان لاتهينه، قل ان لاتذله، قلا ان لاتحتقره، قلب ان لاتحصي عثراته و عوراته لتعيره بها يوماً ما، قلج ان لاتستخف به، قلد ان لاتعيره و لاتؤنبه، قله ان لاتبهته، قلو ان لاتذيع سره، قلز ان لاتروي عليه ما يعيبه، قلح ان لاتصدق ما يروي عليه، قلط ان لاتسبه، قم ان لاتعرض عرضه و ماله و دمه، قما ان لاتطعن عليه، قمب ان لاترد عليه قوله، قمج ان لاتضمر السوء له، قمد ان لاتلعنه، قمه انتحزن لحزنه و تفرح لفرحه،
«* مکارم الابرار عربي جلد 13 صفحه 48 *»
قمو ان لاتسيء الظن به، قمز ان لاتخيفه و لو بالنظر، قمح ان لاتعين علي اذاه و لو بشطر كلمة، قمط ان لاتحاكيه، قن ان لاتنقل حديثه بغير اذنه.
فهذه مأة و خمسون حقاً لازماً للمؤمن المساوي معك في رتبتك و ان لمتعمل بها و تؤديها يطالبك المؤمن بها يوم القيمة و يقضي له و من انكر هذه الحقوق كفر كما مر في حديث عبدالاعلي بن اعين فمن كان من فرسان هذا الميدان و قابلاً لاتخاذ الاخوان فليشمر عن ساق الجد و الاجتهاد و ليدخل في اهل الحب و الوداد و انه لطريق وعر علي اهق النفاق حزن علي اولي الشقاق سهل علي ارباب الرفق و الوفاق لين علي اصحاب الصدق و الاشتياق فان كنت من رجال هذا المجال فتقدم و الاّ فتفسح في المقام و دع التصدي لاهل الغرام و ما احسن ما قيل
هو الحب فاسلم بالحشا ما الهوي سهل | فما اختاره مضني به و له عقل | |
و عش سالماً فالحب راحته عني | و اوله سقم و اخره قتل | |
و لكن لدي الموت فيه صبابة | حيوة لمن اهوي علي بها الفضل | |
نصحتك علماً بالهوي و الذي اري | مخالفتي فاختر لنفسك ما يحلو | |
و ان شئت انتحيي سعيداً فمت به | شهيداً و الاّ فالغرام له اهل |
فهذه حقوق المساوي لك في مقامك فما ظنك بحق من علا سنام الايمان و رقي مراقي العلم و الاذعان و صعد قي مقامات التقوي و الاحسان هيهات هيهات فتلك حقوق لاتؤدي و امور لاتصدي الاّ انيشمل السالك معهم العفو و الغفران و يبدءه بالاحسان و الاّ فهو في النيران مخلد مهان و ناهيك بما مر في اول الوصل من اقرار جابر بن يزيد الجعفي بالعجز عن اداء حقوق الاخوان.
«* مکارم الابرار عربي جلد 13 صفحه 49 *»
و الثالث: و هم الذين كانوا في السن اصغر منك اي هم ابعد منك عن مبدء القوة و الفيض و الخير و النور و اضعف نفساً و عقلاً و قوة منك فلهم ايضاً حق بحسب مقامهم و هم ايضاً اخوانك لابيك و امك و هم الذين اشار اليهم اميرالمؤمنين7 في حديث مر و امرك انتواسي اخوانك المطابقين لك علي تصديقي محمد و تصديق و الانقياد له و لي مما رزقك اللّه و فضلك علي من فضلك به منهم بسد فاقتهم و بجبر كسرهم و خلتهم الخبر، فقال فيهم اميرالمؤمنين7 ان تواسي مما رزقك اللّه الدال علي التبعيض بخلاف المساوين فانه قال فيهم ساويته فيما لك بنفسك و قال في الفاضلين اثرته بما لك علي نفسك فالاخوان الذين هم اصغرون منك سناً لابد من انتجبر كسرهم و تسد فاقتهم من بعض ما رزقك اللّه من الاموال و القوي الظاهرة او العلوم و المعارف الباطنة لانه لضعف بنيته و نفسه و عقله لايتحمل ازيد مما يقتضيه مقامه و يطغي كما قال تعالي ان الانسان ليطغي ان راه استغني فانت تنفق عليه من فضل مالك ما تمسك به بنيته في حده و رتبته فتواسيه من مالك و تكون هاديه و مربيه و تشبع جوعته و تروي ظمأته و تواري عورته و تفرج كربته و تقضي من دينه و تكون له اباً براً و اماً رحيمة و تخلفه بعده في اهله و تعينه ببعض ما لك من نفس و جاه و خادم و تبر قسمه و تجيب دعوته و تعود مرضته و تشهد جنازته و تعطيه اذا سأل و تحفظ غيبته و تزور شهادته و هكذا ساير الحقوق التي مرت في المساوي لكن بقدر حد هذا الاصغر و تؤدي حقوقه بقدر ما له من النور الذي كان اباً و الرحمة التي كانت اماً.
و ذلك لانه لا حق الاّ للّه سبحانه و لا حركة الاّ اليه و لا عمل الاّ للّه و لا حب و لا بغض الاّ له و لا منظور الاّ هو و لا مقصود الاّ هو و لا معبود سواه و لا ملحوظ عداه و انما يتحرك المؤمن الي غير بقدر ما له من نوره سبحانه و رحمته او يرجع اليه سبحانه فيحبه علي ذلك المقدار و يلاحظه و ينظر اليه و يؤدي حقه بقدر ما يلوح منه آثار ذلك النور و الرحمة و هذا المقام و المعرفة و الرؤية اذا حصل لرجل لاينظر الاّ الي اللّه و لايتحرك الاّ اليه و لايرجو و لايخاف الاّ اياه قال علي7مارأيت شيئاً الاّ و رأيت اللّه قبله او
«* مکارم الابرار عربي جلد 13 صفحه 50 *»
معه او بعده.
فالعارف يلاحظ اللّه في الكل الاّ ان الاخوان لهم ثلث مقامات قسم منهم لطيفتهم كثيرة و حجب انيتهم رقيقة فانوارهم اظهر و آثارهم ابين و هم الظاهرون المظهرون الكاملون المكملون الواصلون الموصلون المهديون الهادون و الخادمون المخدومون و المربوبون المربون و السابقون الفاضلون و قسم منهم لطيفتهم مساوية لانياتهم فساوي فيهم النور و الظلمة و اللطافة و الكثافة و الربوبية و العبودية فهم الظاهرون و لكن غير مظهرون و الكاملون غير المكملون و هكذا فلهم ما لهم بقدر كفاية انفسهم و ليس لهم ما يزيد عنهم و يفضل عن حاجتهم و قسم منهم لطيفتهم ناقصة قاصرة عن كفاية انفسهم فضلاً عن غيرهم فهم المستنيرون المستظهرون المستكملون المستوصلون المستهدون الخادمون المربوبون المتأخرون فالاولون هم الذين اذا نظر العارف اليهم يري اللّه قبلهم و الاوسطون هم الذين اذا نظر اليهم يري اللّه معهم و الاخرون هم الذين اذا نظر اليهم يري اللّه بعدهم فلكل منهم حق يناسبه و لابد لكل احد انيؤدي حق اخيه في المقام الذي هو فيه.
فان كانا اخوين من القسم الثالث فهما مساويان و الاول و الثاني لهما اكبر و اعظم و حقهما اجل و افخم و ان كانا من القسم الثاني فهما مساويان و القسم الثالث اصغر منهما و الاول اكبر و ان كانا من القسم الاول فهما مساويان و الثاني و الثالث اصغر منهما و كل احد لابد و انيراعي حق الاعلي منه و حق من يساويه و حق من هو اصغر منه علي ما شرحنا و بينا و اوضحنا و من قصر عن اداء حق اخيه فقد منع اللّه سبحانه حقه الا تري ان كل ما يضاف الي المؤمن يضاف الي اللّه سبحانه كقوله تعالي من اذي لي ولياً فقد بارزني بالمحاربة و معني قوله9 ان من سر مؤمنا فقد سر اللّه و من زار مؤمناً فقد زار اللّه و من اهان مؤمناً فقد حارب اللّه و من وصل مؤمناً فقد وصل اللّه الي غير ذلك من الاخبار التي قد مر بعضها و يأتي بعض اخر انشاء اللّه.
فمن منع حق مؤمن فقد منع اللّه حقه بالضرورة لهذه الاخبار و لما مر من صحيح الاعتبار ان الحركات كلها الي اللّه سبحانه و انما
«* مکارم الابرار عربي جلد 13 صفحه 51 *»
يتحرك الي المؤمن بقدر ما فيه من نور اللّه و رحمته الي ذلك النور و الرحمة فمن ادي اليه حقه فقد ادي حق اللّه و من منعه حقه فقد منع اللّه حقه و من اثر عليه فقد اثر علي اللّه و من قصر في حبه فقد قصر في حب اللّه و من هجره فقد هجر اللّه فقدم الي المؤمن بقدر ما تريد انتقدم الي اللّه و هذا معني قوله و قدموا لانفسكم و اتقوا اللّه اذ لايقدم الي اللّه سبحانه الاّ هكذا و من هذا الباب فافهم راشداً موفقاً.
وصـل
في بيان حقوق اخوان المكاشرة
و هم علي قسمين اما هم من ابيك و امك و لكنهم رضعوا من ثدي حبتر و تصوروا بصورته و تهيئوا بهيئته فخرجوا بظاهرهم عن انتثق بهم او تستأمنهم فلاتأتمنهم علي نفسك و امرك و سرك و مالك و جاهك و حالك و اهلك و عيالك لما تلطخ بهم من آثار لبن حبتر و ظهر عليهم من الفساد و النفاق و الاذي و الشقاق فهم محسوبون في اخوانك المكاشرين الي انيتزيلوا و اما هم ليسوا من ابيك و لا امك و انما هم من ولد ابي الفصيل و حبتر و رضعوا من ثدي امك7 و عليك انتراعي حرمة لبن امك و تماشيهم و تداريهم الي ان يتزيلوا فهيهنا مقامان:
الاول، في حقوق الاخوان المكاشرين الذين هم من ابيك و امك و لكنهم رضعوا من ثدي حبتر حتي خرجوا عن حد الاستيمان فحق هؤلاء انتحبهم بقلبك و حقيقة ايمانك و تتبرأ من اعمالهم و تتنزه عن افعالهم و تتباعد عن مجالسهم قال اللّه سبحانه و اخفض جناحك للمؤمنين فان عصوك فقل اني بريء مما تعملون و لميقل اني بريء منكم اعتبر عن خبر زيد النرسي قال قلت لمولاي موسي بن جعفر7يا ابن بنت رسول اللّه ان هيهنا رجال من مواليكم يشربون الخمور و يرتكبون الموبق من الذنب فيسوغ لنا اننقول انهم فساق فجار فقال لا يا زيد واللّه ما الفاسق الفاجر الاّ الناصب لنا حرباً و لكن قولوا مؤمن النفس خبيث الفعل طيب الروح واللّه لنيخرج ولينا من الدنيا الاّ و اللّه و رسوله و نحن عنه راضون و
«* مکارم الابرار عربي جلد 13 صفحه 52 *»
ذلك ان اللّه يحشره علي ما فيه من الذنوب مبيضاً وجهه مستوراً عورته امنة روعته و ادني ما يصفي به ولينا انيريه اللّه رؤيا مهولة في منامه او تلقاه ظالم من دولة الظالمين او يشدد عليه عند الموت فيكون ذلك كفارة لذنبه فيخرج من الدنيا بغير ذنب و في العوالم ان رجلاً من المنافقين قال لابي الحسن الثاني7 ان من شيعتكم قوماً يشربون الخمر علي الطريق فقال الحمد للّه الذي جعلهم علي الطريق.
و في العلل بسنده عن اسحق القمي قال دخلت علي ابي جعفر الباقر7 فقلت له جعلت فداك اخبرني عن المؤمن يزني قال لا قلت فيلوط قال لا قلت فيشرب المسكر قال لا قلت فيذنب قال نعم قلت جعلت فداك لايزني و لايلوط و لايرتكب السيئات فاي شيء ذنبه فقال يا اسحق قال اللّه تبارك و تعالي الذين يجتنبون كبائر الاثم و الفواحش الاّ اللمم و قد يلم المؤمن بالشيء الذي ليس فيه مراد قلت جعلت فداك اخبرني عن الناصب لكم يطهر بشيء ابداً قال لا قلت جعلت فداك قد اري المؤمن الموحد الذي يقول بقولي و يدين اللّه بولايتكم و ليس بيني و بينه خلاف يشرب المسكر و يزني و يلوط و اتيه في حاجة واحدة معبس الوجه كالح اللون ثقيلاً في حاجتي بطيئاً فيها و قد اري الناصب المخالف لما اني عليه و يعرفني بذلك فاتيه في حاجة فاصيبه طلق الوجه حسن البشر متسرعاً في حاجتي فرحاً بها يحب قضاءها كثير الصلوة كثير الصوم كثير الصدقة يؤدي الزكوة و يستودع فيؤدي الامانة قال يا اسحق ليس تدرون من اين اوتيتم قلت لا واللّه جعلت فداك الا انتخبرني فقال يا اسحق ان اللّه عزوجل لما كان متفرداً بالوحدانية ابتدأ الاشياء لا من شيء فاجري الماء العذب علي ارض طيبة طاهرة سبعة ايام مع لياليها ثم نضب الماء عنها فقبض قبضة من صفاوة ذلك الطين و هي طينتنا اهل البيت ثم قبض قبضة من اسفل تلك الطينة و هي طينة شيعتنا ثم اصطفانا لنفسه فلو ان طينة شيعتنا تركت كما تركت طينتنا لما زني احد منهم و لا سرق و لا
«* مکارم الابرار عربي جلد 13 صفحه 53 *»
لاط و لا شرب المسكر و لا اكتسب شيئاً مما ذكرت و لكن اللّه عزوجل اجري الماء المالح علي ارض ملعونة سبعة ايام و لياليها ثم نضب الماء عنها ثم قبض قبضة و هي طينة ملعونة من حمأ مسنون و هي طينة خبال و هي طينة اعدائنا فلو ان اللّه عزوجل ترك طينتهم كما اخذها لمتروهم في خلق الادميين و لميقروا بالشهادتين و لميصوموا و لميصلوا و لميزكوا و لميحجوا البيت و لمتروا احداً منهم بحسن خلق و لكن اللّه تبارك و تعالي جمع الطينتين طينتكم و طينتهم فخلطهما و عركهما عرك الاديم و مزجهما بالمائين فما رأيت من اخيك المؤمن من شر لفظ او زني او شيء مما ذكرت من شرب مسكر او غيره فليس من جوهريته و لا من ايمانه انما هو بمسحة الناصب اجترح هذه السيئات التي ذكرت و ما رأيت من الناصب من حسن وجه و حسن خلق او صوم او صلوة او حج بيت او صدقة او معروف فليس من جوهريته انما تلك الافاعيل من مسحة الايمان اكتسبها و هو اكتساب مسحة الايمان قلت جعلت فداك فاذا كان يوم القيمة فسمه قال لي يا اسحق ايجمع اللّه الخير و الشر في موضع واحد اذا كان يوم القيمة نزع اللّه عزوجل مسحة الايمان منهم فردها الي شيعتنا و نزع مسحة الناصب بجميع ما اكتسبوا من السيئات فردها علي اعدائنا و عاد كل شيء الي عنصره الاول الذي منه ابتدأ اما رأيت الشمس اذا هي بدت الا تري لها شعاعاً زاجراً متصلاً بها او بايناً منها قلت جعلت فداك الشمس اذا هي غربت بدا اليها الشعاع كما بدا منها و لو كان بايناً منها لما بدا اليها قال نعم يا اسحق كل شيء يعود الي جوهره الذي منه بدء قلت جعلت فداك تؤخذ حسناتهم فترد الينا و تؤخذ سيئاتنا فترد اليهم قال اي واللّه الذي لا اله الاّ هو قلت جعلت فداك اخذتها من كتاب اللّه عزوجل قال نعم يا اسحق اما تتلو هذه الاية اولئك يبدل اللّه سيئاتهم حسنات و كان اللّه غفوراً رحيماً فلميبدل اللّه سيئاتهم حسنات الاّ لكم واللّه يبدل لكم انتهي.
و شاهد ذلك قوله تعالي الخبيثات للخبيثين و الخبيثون للخبيثات و الطيبات
«* مکارم الابرار عربي جلد 13 صفحه 54 *»
للطيبين و الطيبون للطيبات اولئك مبرؤن مما يقولون اي الافعال الخبيثة للخبيثين المخلوقين من سجين و الافعال الطيبة للطيبين المخلوقين من عليين اولئك مبرؤن مما يقولون الناس في حقهم فيزكون الخبيث و هو بريء من الزكاوة و يفسقون المؤمن الطيب و هو بريء من الفسق و يشهد بما ذكرنا كثير من الاخبار و صحيح الاعتبار فاذا من كان من شعاع آل محمد صلوات اللّه عليهم و مشايعيهم يجب انيتولي كل من هو مخلوق من طينتهم و شعاعهم سواء تلطخ بخبث ام لا غاية الامر انه يتولاه في قلبه و لسانه و يجتنب صحبته خوب السراية و لذلك امرنا باجتناب الفساق و الفجار و الكذاب و الجبان و غيرهم مما مر علي الاطلاق سواء كان موالياً او لميكن و ليس الاجتناب الاّ لاجل خوف السراية فتواخيه و تواليه في قلبك و بلسانك و تجتنب صحبته حتي يطهر و يزول لطخه بل و لو حدثت عليه حادثة او نابتة مصيبة او نكبة تنصره بيدك و لسانك و تدفع عنه بما استطعت حفظاً لنفسه الطيبة الزكية و لايجوز لك خذلانه في مثل هذه الحالة لما مر من عدم جواز خذلان الاخوان و هذا اخ لك غاية الامر انه عصي ربه فاطع انت ربك فيه و صل رحمك.
قال علي بن الحسين7 في حديث الحقوق و اما حق اخيك فان تعلم انه يدك و عزتك و قوتك فلاتتخذه سلاحاً علي معصية اللّه و لا عدة للظلم لخلق اللّه و لاتدع نصرته علي عدوه و النصيحة له فان اطاع اللّه و الاّ فليكن اللّه اكرم عليك منه و لا قوة الاّ باللّه و في الكافي بسنده عن الجهم بن الحميد قال قلت لابي عبداللّه تكون لي القرابة علي غير امري الهم@ علي حق قال نعم حق الرحم لايقطعه شيء و اذا كانوا علي امرك كان لهم حقان حق الرحم و حق الاسلام هذا الخبر و ان كان ظاهره في الرحم الظاهر و لكن باطنه في الرحم الباطن رحم آل محمد: كما مر ففيه بسنده عن عمر بن يزيد قال قلت لابي عبداللّه7 الذين يصلون ما امر اللّه به انيوصل قال نزلت في رحم آل محمد و قد يكون في قرابتك ثم قال فلاتكونن ممن يقول للشيء انه في شيء واحد، و فيه
«* مکارم الابرار عربي جلد 13 صفحه 55 *»
بسنده عن عبداللّه بن سنان عن ابيعبداللّه7قال قال رسول اللّه9 ان القوم ليكونون فجرة و لايكونون بررة فيصلون ارحامهم فتنمي اموالهم و تطول اعمارهم فكيف اذا كانوا ابراراً بررة و فيه بسنده عن اسحق بن عمار قال بلغني عن ابيعبداللّه7 ان رجلاً اتي النبي9 فقال يا رسول اللّه اهل بيتي ابوا الا توثباً علي و قطيعة لي و شتيمة فارفضهم قال اذا يرفضكم اللّه جميعاً الي غير ذلك من الاخبار.
فاذا كان رحم ابيك و امك الجسمانيين هكذا تجب صلته فكيف يكون رحم ابيك و امك العقلانيين فاذا كانوا اخوانك من ابيك و امك فسقة فجرة تجب عليك صلتهما و يحرم عليك قطعهما حقاً للرحم فان كانوا بررة فلهم عليك حقان حق الرحم و حق البر علي معني ما يروي من قول النبي9 الصالحون للّه و الطالحون لي و ايضاً يجب عليك ان امكنك امرك اياهم بالمعروف و نهيكهم عن المنكر كما مر في حقوق المسلم انينصره ظالماً و مظلوماً فاما نصرته ظالماً فيرده عن ظلمه و اما نصرته مظلوماً فيعينه علي اخذ حقه و امركهم بالمعروف و نهيكهم عن المنكر من اعظم التواصل و اداء الحقوق فتثقف اودهم و تقيم عوجهم و تعلم جهلهم و تأمرهم بالمعروف و تنهيهم عن المنكر بشروطه و تعمل بكثير مما مضي من الحقوق الاّ مجالستهم و مصاحبتهم ماداموا مواظبين علي القبيح و خفت تأثيره فيك فهذه حقوق الاخوان المكاشرين الذين هم من ابيك و امك الاّ انهم رضعوا من ثدي حبتر لعنه اللّه.
و طريق معرفة هؤلاء انك تري الرجل مع انه مواظب للقبيح و المساوي تحبه من غير جهة و لا سبب و تسر بسروره و تغتم بغمه و ذلك بعد ما وزنت نفسك بحب الاولياء المعلوم ايمانهم و ولايتهم فانك حينئذ من جنس الاولياء و من طينتهم فاذا احببت رجلاً من غير جهة فلابد و انتكون ذاته من جنسك و جنس الاولياء فيظهر من ذلك انه من ابيك و امك الاّ انه قد رضع من ثدي حبتر لعنه اللّه و ظهرت آثار لبنه في ظاهره و اعماله و افعاله فاعرف ذلك.
«* مکارم الابرار عربي جلد 13 صفحه 56 *»
الثاني، في حقوق الاخوان المكاشرين الذين ليسوا من ابيك و امك الاّ انهم رضعوا من ثدي امك صلوات اللّه عليه، فاعلم ان لبن الظئر لايؤثر في ذات امرء فلايحول سعيداً عن سعادته و لا شقياً عن شقاوته و انما يؤثر في ظاهر المرء فربما يسيء الخلق و ربما يحسنه و ربما يجعله فاسقاً او عادلاً الي غير ذلك من الصفات الظاهرة و ذلك لان الاغذية الدنياوية انما تكون مدداً لاعراض الانسان دون ذاته و اغذيته الذاتية تجري اليه من السماء قال اللّه سبحانه رزقكم في السماء و ما توعدون و لما لميعرف القوم هذا المعني وقعوا في اشكال من شبهة الاكل و المأكول و مسألة الرضاع مثله فان اللبن مادام في ثدي الام يجرون عليه جزاء الام من الثواب و العقاب و اذا تحول الي بطن الولد يجرون عليه جزاء الولد مع انه لبن واحد فان كان هو جزء الام السعيدة فما باله يعاقب في بطن الولد الشقي و ان كان من اجزاء الام الشقية فما باله يثاب في بطن الولد السعيد و الحق انه ليس من اجزاء الام و لا من اجزاء الولد فان الشيء في ملك اللّه لايتحول الي غيره واللّه اقدر من ذلك فجزء الام لايتحول ولداً ابداً و النبات لايتحول انساناً و الحيوان لايتحول انساناً و كل شيء في نفسه ذات و في غيره عرض فالحنطة و اللحم في بطن الانسان عرض و ينبت فيه لحماً و دماً عرضياً و يمد اعراضه لا ذاته و مدد ذاته من السماء و الاغذية الدنياوية تكون مادة للاعراض في الام و الولد و انما اللبن مما اجتمع في الام من الاعراض المستمدة من الاغذية العرضية سواء كان في الام او الولد فهو اينما كان تغير الاعراض فكما انه يسمن الولد و ينبت اللحم و الدم و يشد العظم و كلها بالعرض اذ قديهزل او يفصد او ينكسر و ينخلع و يقطع و يدق و هو هو فكذلك يغير اخلاقه الظاهرة فاما يميله الي الخير و الطاعة و اما يميله الي الشر و المعصية.
فالكافر بالذات اذا رضع من ثدي المؤمنة يؤثر فيه اللبن رقة قلب و ميل الي الافعال الحسنة و الاخلاق الزكية و ذلك لما اشرق علي ذلك اللبن حين كان في المؤمنه من ايمانها و انتضج نضجاً معتدلاً بحرارة حركات المؤمنة و افعالها الناشئة عن ايمانها المستلزم للاعتدال في الحركات المستلزم للاعتدال في الحرارة الناشئة منها المستلزم للنضج الصالح في اعراضها ايضاً و لذا
«* مکارم الابرار عربي جلد 13 صفحه 57 *»
تكون اعراض المؤمن ايضاً اقرب الي الاعتدال من اعراض غيره و ذلك من حسن تدبير المؤمن في افعاله و اقواله و اكله و شربه و نومه و يقظته و حركته و سكونه فاذا انتقل عرض المؤمن الي غير المؤمن كان فيه كالاكسير البراني الصباغ فيغير ظاهره دون جوهره فيتراءي في النظر كانه ذهب خالص و لكن في مخبره نحاس او حديد فالكفار الذين ارتضعوا من ثدي امك7 لبناً هو بالنسبة اليه7 اعراض كما قال لكميل و لكن يرشح عليك ما يطفح مني و قال اللّه تعالي يخرج من بطونها شراب مختلف الوانه فيه شفاء للناس تغير ظاهرهم بفضل قوة ذلك اللبن فصار ظاهرهم ظاهر المؤمنين و بقي باطنهم في ظلمة السجين فاذا رأيتهم تعجبك اجسامهم و ان يقولوا تسمع لقولهم كانهم خشب مسندة، فاذا لقوا الذين آمنوا يعني في ظهورهم حين ظهروا قالوا آمنا و اذا خلوا الي شياطينهم يعني في بطونهم و حقيقة طينتهم قالوا انا معكم انما نحن مستهزؤن.
فالواجب لك في هذا المقام انتراعي لبن امك7 كما كان يراعيه النبي و الائمة: في تلك الايام مع اولئك الطغام فيعودون مرضاهم و يشيعون جنايزهم و يجيبون دعوتهم بقدر ما كان ظاهراً عليهم من آثار لبن الام فانت و ان كنت تعرفه انه منافق كاذب الاّ ان الواجب عليك مراعاة عرضه فراع عرضه مادام باقياً فيه فاذا زال عنه فتنح عنه تنحيك عن الاقذار الكثيفة.
و الدليل علي لزوم مراعاة اللبن و كيفية العشرة معهم ما رواه معوية بن وهب قال قلت لابيعبداللّه7 كيف ينبغي لنا اننصنع فيما بيننا و بين قومنا و فيما بيننا و بين خلطائنا من الناس قال فقال تؤدون الامانة اليهم و تقيمون الشهادة لهم و عليهم و تعودون مرضاهم و تشهدون جنائزهم و قال في حديث اخر لزيد الشحام اقرأ علي من تعلم انه يطيعني منهم و يأخذ بقولي السلام و اوصيكم بتقوي اللّه عزوجل و الورع في دينكم و الاجتهاد للّه و صدق الحديث و اداء الامانة و طول السجود و حسن الجوار فبهذا جاء محمد9 ادوا الامانة الي من ائتمنكم عليها براً و فاجراً فان رسول اللّه9 كان يأمر
«* مکارم الابرار عربي جلد 13 صفحه 58 *»
باداء الخيط و المخيط صلوا عشايركم و اشهدوا جنايزهم و عودوا مرضاهم و ادوا حقوقهم فان الرجل منكم اذا ورع في دينه و صدق الحديث و ادي الامانة و حسن خلقه مع الناس قيل هذا جعفري فيسرني ذلك و يدخل علي منه السرور و قيل هذا ادب جعفر و اذا كان علي غير ذلك دخل علي بلاءه و عاره و قيل هذا ادب جعفر و اللّه لحدثني ابي7 ان الرجل كان يكون في القبيلة من شيعة علي7 فيكون زينها اداهم للامانة و اقضاهم للحقوق و اصدقهم للحديث و سمع يقول عليكم بالورع و الاجتهاد و اشهدوا الجنايز و عودوا المرضي و احضروا مع قومكم مساجدكم و احبوا للناس ما تحبون لانفسكم اما يستحيي الرجل منكم انيعرف جاره حقه و لايعرف حق جاره و قال عليكم بالصلوة في المساجد و حسن الجوار للناس و اقامة الشهادة و حضور الجنايز انه لابد لكم من الناس ان احداً لايستغني عن الناس حيوته و الناس لابد لبعضهم من بعض و قال اوصيكم بتقوي اللّه و لاتحملوا الناس علي اكتافكم فتذلوا ان اللّه عزوجل يقول في كتابه و قولوا للناس حسناً ثم قال عودوا مرضاهم و احضروا جنايزهم و اشهدوا لهم و عليهم و صلوا معهم في مساجدهم حتي يكون التمييز و تكون المباينة منكم و منهم، اقول قوله حتي يكون التمييز يعني حتي تزول الاعراض عنهم و تظهر بواطنهم علي ما هم عليه فان هنالك لايلتبس المؤمن بالكافر و الكافر بالمؤمن ابداً و ذلك قوله تعالي لو تزيّلوا لعذّبنا الذين كفروا فما لميتزيل المؤمن عن الكافر يجب مراعاة لطخ المؤمن الحاصل للكافر لا لاجل الكافر بل لاجل اللطخ و حرمته.
و اعلم انك لنتجد لذة الايمان حتي تراعي لبن امك عن حقيقة ايمانك بصدق و يقين اينما وجدته عرضياً او ذاتياً و قال في حديث صلوا في عشايركم و عودوا مرضاكم و اشهدوا جنايزهم و كونوا لنا زيناً و لاتكونوا علينا شيناً حببونا الي الناس و لاتبغضونا اليهم فجروا الينا كل مودة و ادفعوا عنا كل شر و قال كان اميرالمؤمنين7 يقول ليجتمع في قلبك الافتقار الي الناس و الاستغناء
«* مکارم الابرار عربي جلد 13 صفحه 59 *»
عنهم يكون افتقارك اليهم في لين كلامك و حسن سيرتك و يكون استغناءك عنهم في نزاهة عرضك و بقاء عزك و قال يا شيعة آل محمد اعلموا انه ليس منا من لميملك نفسه عند غضبه و من لميحسن صحبة من صحبه و مخالقة من خالقه و مرافقة من رافقة و مجاورة من جاوره و ممالحة من مالحه و قال وطن نفسك علي حسن الصحبة لمن صحبت في حسن خلقك و كف لسانك و اكظم غيظك و اقل لغوك و تفرش عفوك و تسخو نفسك.
و قال ابوجعفر7 ما يعبأ بمن سلك هذا الطريق اذا لميكن فيه ثلث خصال ورع يحجزه عن معاصي اللّه و حلم يملك به غضبه و حسن الصحبة لمن صحبه و قال اميرالمؤمنين7 خالطوا الناس مخالطة ان متم بكوا عليكم و ان غبتم حنوا اليكم و عن احدهما8الانقباض عن الناس مكسبة للعداوة و قال رسول اللّه9 التودد الي الناس نصف العقل و قال تحبب الي الناس يحبوك و قال ابوعبد اللّه7من كف يده عن الناس فانما يكف عنهم يداً واحدة و يكفون عنه ايدياً كثيرة الي غير ذلك من الاخبار و انت اذا عرفت حقوق الاخوان هنا و فيما مضي تعرف معاشرة الاخوان الرضاعي فانه لابد لك انتواخي الاخوان الرضاعي بقدر لطخهم و اظهارهم لك مما انت عليه انظر الي ما قال علي7 في حديث مر و اما اخوان المكاشرة فانك تصيب منهم لذتك لاتقطعن ذلك منهم و لاتطلبن ماوراء ذلك من ضميرهم و ابذل لهم ما بذلوا لك من طلاقة الوجه و حلاوة اللسان.
تحـقيـق:
اعلم انك بعد ما عرفت من كتاب اللّه و اخبار آل اللّه عليهم سلام اللّه ان محمداً و آله: نور واحد و طينة واحدة و روح واحدة كما قال اللّه سبحانه ذرية بعضها من بعض و تشهد به آية المباهلة و كما ورد في الزيارة اشهد ان ارواحكم و نوركم و طينتكم واحدة طابت و طهرت بعضها من بعض عرفت انهم سلام اللّه عليهم ان كانوا اباً فكلهم اب و ليس ان بعضهم اب و بعضهم ام لانهم نور واحد و طينة واحدة فاذا هم: كلهم اب فقوله9
«* مکارم الابرار عربي جلد 13 صفحه 60 *»
انا و علي ابوا هذه الامة فيه نكتة دقيقة و هي ان قوله انا اشارة الي نفس المتكلم و نفس رسول اللّه9 هو الولي7 بالكتاب و السنة و كل انسان اذا قال انا يريد به نفسه فاراد رسول اللّه9 بقوله انا نفسه و نفسه علي7 و اما قوله و علي فيريد به مقام تسمية علي بعلي فانه عبر عنه باسمه و علي لايسمي باسم الاّ في ظهوره و انا قد حققنا في الاصول ان الاسماء موضوعة لظواهر الاشياء دون حقايقها فان الشيء من حيث نفسه في نفسه عند نفسه لايحتاج الي اسم و رسم و لايدعو نفسه و انما يحتاج الي الاسم ظهوره لغيره حتي يسميه غيره اذا اراد انيعبر عنه انظر في حديث الرضا7 في اللّه سبحانه و ان كنت من اهل الحكمة لاتخصص الحكم فان الوجه واحد قال في حديث فليس يحتاج انيسمي نفسه و لكنه اختار لنفسه اسماء لغيره يدعوه بها لانه اذا لميدع باسمه لميعرف فاول ما اختار لنفسه العلي العظيم الحديث.
فعلي اسم اميرالمؤمنين7 في مقام ظهوره و صفته كما قال7حين سئل عن الاسم فقال صفة لموصوف و ظهوره و صفته شعاعه فان المنير لايوصف الاّ بالنور و لايظهر الاّ به فقوله انا و علي ابوا هذه الامة اي اميرالمؤمنين7 و شيعته الانجبون ابوا هذه الامة فليس كل من يقول بنبوة النبي و ولاية الولي هم من امك و ان نسبوا انفسهم الي ابيك بل ليسوا من ابيك ايضاً فان اباك7 لميتخذ صاحبة غير شيعته و اوحي ربك الي النحل ان اتخذي من الجبال بيوتاً و من الشجر و مما يعرشون و النحل هو الولي المنتحل بولاية اللّه اوحي اليه انيتخذ من الجبال بيوتاً من العرب و من الشجر من العجم و مما يعرشون من الموالي فليس للولي بيت الاّ هذه البيوت التي اذن اللّه انترفع و يذكر فيها اسمه اي الولي لانه اسم اللّه الاكبر يسبح له فيها بالغدو و الاصال رجال و هم الائمة:.
و كذا امك لمتتمكن الاّ من ابيك و لمتتزوج الاّ بالولي و لمتتخذ من دون اللّه و لا رسوله وليجة فمن لميكن من امك لميكن من ابيك و انما انطبع في مرايا قلوبهم المنكوسة صور من سجين من رجال يزكون انفسهم بتسمية انفسهم باسماء
«* مکارم الابرار عربي جلد 13 صفحه 61 *»
الاولياء كما قال تعالي الم تر الي الذين يزكون انفسهم بل اللّه يزكي من يشاء فما هي الاّ اسماء سميتموها انتم و آباؤكم ما انزل اللّه بها من سلطان و فيهم نزل فلما رأوه زلفة سيئت وجوه الذين كفروا و قيل هذا الذي كنتم به تدعون فلما سمعت اتباعهم منهم ما يدعون لانفسهم من الاسماء الزكية دعوهم بتلك الاسماء و قالوا نحن نقر بفلان و فلان فاجتمعوا مع المؤمنين في الاسماء و اختلفوا في المراد و لذا لو قلت لهم صفوا من تنسبون انفسكم اليه يصفونهم بالعجز و القصور و ذلك ليس الاّ صفات من رأوه ببصايرهم في السجين فافهم فليسوا من ابيك و لا من امك فلو كان اباك زيد فليس كل من يقول انا ابن زيد ابن ابيك فان زيداً كثير فمنهم شقي و سعيد فاخوك من ابيك و امك من كان من محمد و علي الذين هما من نور واحد و طينة واحدة و من شيعتهم فافتح مسامع قلبك و اعرف اخاك من ابيك و امك و لاتقارن و لاتواخ من لمتعرف انه من ابويك ام لا و لاتسترسل الي كل احد فان صرعة الاسترسال لاتقال.
و لاتزعمن ان ما ذكرنا هنا ينافي ما ذكرنا في صدر الكتاب من ان محمداً9 ابو الامة و علي امها طبقاً لظاهر الخبر فان ما ذكرنا هنا باطن ما ذكرنا آنفاً و حقيقته و اردنا اننرقيك درجة بعد درجة فقدمنا اولاً ظاهر الخبر ثم تلوناه بباطنه فتبصر.
وصـل
في فضل اداء حقوق الاخوان و ما يترتب عليه من الاثار
اعلم انك ربما عرفت مما ذكرنا في مباحثاتنا العامة و الخاصة و مما كتبنا في اجوبة المسائل ان المؤمن جليل الشأن عظيم المنزلة عند اللّه سبحانه لانه خلق من شعاع آل محمد: الذين هم كائنون بكينونة اللّه عزوجل قبل مواقع صفات تمكين التكوين و هم شمس الازل المنيرة لجميع اقطار الامكان فيما لميزل كما ذكر اللّه فيهم ياايها النبي انا ارسلناك شاهداً و مبشراً و نذيراً و داعياً الي اللّه باذنه و سراجاً منيراً بعد ما قال و جعلنا الشمس سراجاً و قال ذرية بعضها من بعض فهم شمس الازل المنيرة لجميع الاقطار في كل الاكوار و الادوار و قدقالوا: شيعتنا
«* مکارم الابرار عربي جلد 13 صفحه 62 *»
منا كشعاع الشمس من الشمس.
و انت تعلم ان شعاع كل منير علي هيئة منيره بل لا هيئة للمنير الاّ نفس ذلك النور فالمنير منير علي ما هو منير كما هو منير فيما هو منير بنفس النور و لولا النور لميكن المنير منيراً اذ هو هيئة المنير و ظهوره بالمنيرية لما حققنا في مباحث الاشتقاق من لزوم اتحاد صقع كل مبدء مع صقع المشتق منه و قد بين اللّه سبحانه في حروفهما في المنطوق فان الضرب و الضارب و المضروب و غيرها مما هو من هذه المادة لايوجد الاّ في صقع يوجد فيه الضاد و الراء و الباء ففي عالم لميكن فيه هذه الاحرف الثلثة لميكن فيه احد من هذه الصيغ و قد علم اولوا الالباب ان الاستدلال علي ما هنالك لايعلم الاّ بما هيهنا ففي عالم لميكن فيه النون و الواو و الراء لميكن فيه منير البتة فالمنير و النور متحدان في الصقع و النور صفة المنير و هيئته و هذا معني ما كان يقال ان كل اثر لابد و انيكون علي هيئة صفة مؤثره.
فالشيعة علي هيئة ظهور ائمتهم: قد ظهروا لهم بهم و لغيرهم بهم و بغيرهم فهم ظهور الائمة و الظاهر كما مر في صقع الظهور فهم ظاهر الائمة: بين ظهراني العباد و هم معانيهم في البلاد قال علي7 ظاهري امامة و وصية و باطني غيب ممتنع لايدرك كما انهم:ظاهر اللّه و معانيه كما قال علي بن الحسين7 في حديث و اما المعاني فنحن معانيه و ظاهره فيكم اخترعنا من نور ذاته و فوض الينا امور عباده.
فهم ظاهر الظاهر المنبيء عن باطن الباطن و قد اقامهم الولي مقامه في ساير عوالمه في الاداء اذ كان لاتدركه الابصار و لاتحيط به خواطر الافكار و لاتمثله غوامض الظنون في الاسرار لانه فوق شهادات الرعية و مبلغ عقولهم و مدرك بصايرهم فاقامهم الولي بين ظهرانيهم لاداء ما كان يوحي اليه من ربه كوناً من معاني الربوبية فلذلك صاروا هم المحدثون عن امامهم كما كان الامام محدثاً عن اللّه سبحانه بالاحاديث الكونية و الوحي الوجودية و ادوا عن اللّه سبحانه من غير تحريف و لا تبديل و صار كل ما يضاف اليهم كوناً و علماً و عملاً مضافاً الي اللّه سبحانه علي الحقيقة الاولية الواقعية فان الشيء لايضاف الي شيء الاّ من
«* مکارم الابرار عربي جلد 13 صفحه 63 *»
حيث ظهوره بالاقتران و الانتساب و ظهور اللّه سبحانه هو همصلي اللّه عليهم و اما المتقدم عليهم فهو غيب الغيوب الممتنع عن الاقتران و الانتساب فاول الاقتران و الانتساب و الاضافة في مقام الظهور لا الغيب الممتنع عن الغيور فلا اضافة و لا انتساب و لا اقتران الاّ اليهم و لذلك وردت الاخبار في هذا المعني متواترة لاتنكر الاّ من اعمي اللّه عين قلبه فانكرها من عشوات جهله و ٭قد تنكر العين ضوء الشمس من رمد٭ فها نحن نسرد الاخبار الواردة في هذا المضمار و من اللّه الاستعانة في الاعلان و الاسرار.
فمنها المقبولة المشهورة عن الصادق7 قال ينظران من كان منكم ممن قد روي حديثنا و نظر في حلالنا و حرامنا و عرف احكامنا فليرضوا به حكماً فاني قد جعلته عليكم حاكماً فاذا حكم بحكمنا فلميقبله منه فانما استخف بحكم اللّه و علينا رد و الراد علينا الراد علي اللّه و هو علي حد الشرك باللّه، و عن ابي حمزة الثمالي قال سمعت اباجعفر7 يقول قال رسول اللّه9 من سر مؤمناً فقد سرني و من سرني فقد سر اللّه، و عن مفضل بن عمر عن ابيعبد اللّه7 قال لايري احدكم اذا ادخل علي مؤمن سروراً انه عليه ادخله فقط بل واللّه علينا بل واللّه علي رسول اللّه و عن ابن سنان عن ابيعبد اللّه7 قال من ادخل السرور علي المؤمن فقد ادخله علي رسول اللّه و من ادخله علي رسول اللّه فقد وصل ذلك الي اللّه و كذلك من ادخل عليه كرباً و في الحديث القدسي ايما مسلم زار مسلماً فليس اياه زار اياي زار و ثوابه علي الجنة.
و قال ابوعبداللّه7 من زار اخاه في اللّه قال اللّه عزوجل اياي زرت و ثوابك علي و لست ارضي لك ثواباً دون الجنة، و قال ابوجعفر7 قال رسول اللّه9 من زار اخاه في بيته قال اللّه عزوجل له انت ضيفي و زائري علي قراك و قد اوجبت لك الجنة، و قال ابوعبد اللّه7 من زار اخاه في اللّه في مرض او صحة لايأتيه خداعاً و لا استبدالاً وكل اللّه به سبعين الف ملك
«* مکارم الابرار عربي جلد 13 صفحه 64 *»
ينادون في قفاه ان طبت و طابت لك الجنة فانتم زوار اللّه و انتم وفد الرحمن حتي يأتي منزله، و قال ابوجعفر7 لمالك الجهني يا مالك انتم شيعتنا لاتري انك تفرط في امرنا انه لايقدر علي صفة اللّه فكما لايقدر علي صفة اللّه كذلك لايقدر علي صفتنا و كما لايقدر علي صفتنا كذلك لايقدر علي صفة المؤمن ان المؤمن ليلقي المؤمن فيصافحه فلايزال اللّه ينظر اليهما و الذنوب تتحات عن وجوههما كما يتحات الورق عن الشجر حتي يفترقا فكيف يقدر علي صفة من هو كذلك. اقول نظر اللّه اليهما محبة كل واحد منهما للاخر و رحمة كل واحد منهما علي الاخر.
و قال ابوالحسن7 من اتاه اخوه المؤمن في حاجة فانما هي رحمة من اللّه تبارك و تعالي ساقها اليه فان قبل ذلك فقد وصله بولايتنا و هو موصول بولاية اللّه و ان رده عن حاجته و هو يقدر علي قضائها سلط اللّه عليه شجاعاً من نار ينهشه في قبره الخبر، و قال ابوعبداللّه7 ان اللّه تبارك و تعالي خلق المؤمن من نور عظمته و جلال كبريائه فمن طعن علي المؤمن او رد عليه فقد رد علي اللّه في عرشه و ليس هو من اللّه في ولاية و انما هو شرك شيطان، و قال الرضا7 ان اللّه تبارك و تعالي خلق المؤمنين من نوره و صبغهم في رحمته و اخذ ميثاقهم لنا بالولاية فالمؤمن اخو المؤمن لابيه و امه ابوه النور و امه الرحمة فاتقوا فراسة المؤمن فانه ينظر بنور اللّه الذي خلق منه، و قال ابوجعفر7قال اللّه تبارك و تعالي اجري في المؤمن من ريح روح اللّه تبارك و تعالي يقول رحماء بينهم، و قال ابوعبداللّه7 لو كشف الغطاء عن الناس فنظروا الي وصل ما بين اللّه و بين المؤمن خضعت للمؤمن رقابهم و سهلت له امورهم و لانت طاعتهم و لو نظروا الي مردود الاعمال من السماء لقالوا لايقبل اللّه من احد عملاً، و قال ابوعبداللّه7 في حديث ان روح المؤمن لاشد اتصالاً بروح اللّه من اتصال شعاع الشمس بها.
و في القدسي عدة روايات متفقة في هذا المعني ان من اذي لي ولياً فقد
«* مکارم الابرار عربي جلد 13 صفحه 65 *»
ارصد لي بالمحاربة و من حاربني حاربته ثم فسر الولي بالشيعة، و عن النبي9 قال يعير اللّه عزوجل عبداً من عباده يوم القيمة فيقول عبدي ما منعك ان مرضت انتعودني فيقول سبحانك سبحانك انت رب العباد لاتألم و لاتمرض فيقول مرض اخوك المؤمن فلم تعده و عزتي و جلالي لو عدته لوجدتني عنده ثم لتكلفت بحوائجك فقضيتها لك و ذلك من كرامة عبدي المؤمن و انا ارحم الراحمين، و عنه7 قال قال اللّه ابن آدم مرضت فلم تعدني قال يا رب كيف اعودك و انت رب العالمين قال مرض فلان عبدي فلو عدته لوجدتني عنده و استسقيتك فلمتسقني فقال كيف و انت رب العالمين فقال استسقاك عبدي فلان و لو سقيته لوجدت ذلك عندي و استطعمتك فلم تطعمني قال و كيف و انت رب العالمين قال استطعمك فلان فلمتطعمه و لو اطعمته لوجدت ذلك عندي، و الحديث المعروف القدسي ان برخاً يضحكني كل يوم ثلث مرات و كان يضحك مؤمناً و لايحضرني الان لفظ الخبر لانقله بعينه، و عن الكاظم7 من لميقدر انيزورنا فليزر صالحي اخوانه يكتب له ثواب زيارتنا و من لميقدر انيصلنا فليصل صالحي اخوانه يكتب له ثواب صلتنا.
و عن الصادق7 انه قال في قوله تعالي قلما اسفونا انتقمنا منهم فاغرقناهم اجمعين ان اللّه تبارك و تعالي لايأسف كأسفنا و لكن خلق اولياء لنفسه يأسفون و يرضون و هم مخلوقون مربوبون فجعل رضاهم رضا نفسه و سخطهم سخط نفسه و ذلك لانه جعلهم الدعاة اليه و الادلاء عليه فلذلك صاروا كذلك و ليس ان ذلك يصل الي اللّه كما يصل الي خلقه و لكن هذا معني ما قال من ذلك و قال ايضاً من اهان لي ولياً فقد بارزني بالمحاربة و دعاني اليها و قال ايضاً من يطع الرسول فقد اطاع اللّه و قال ان الذين يبايعونك انما يبايعون اللّه و كل هذا و شبهه علي ما ذكرت لك و هكذا الرضا و الغضب و غيرهما من الاشياء مما يشاكل ذلك و لو كان يصل الي المكون الأسف و الضجر و هو الذي احدثهما و انشأهما لجاز لقائل انيقول ان المكون
«* مکارم الابرار عربي جلد 13 صفحه 66 *»
يبيد يوماً لانه اذا دخله الضجر و الغضب دخله التغير و اذا دخله التغير لميؤمن عليه بالابادة و لو كان ذلك كذلك لميعرف المكون من المكون و لا القادر من المقدور و لا الخالق من المخلوق تعالي اللّه عن هذا القول علواً كبيراً هو الخالق للاشياء لا لحاجة فاذا كان لا لحاجة استحال الحد و الكيف فيه فافهم ذلك انشاء اللّه.
و عنه7 من اتاه اخوه المسلم فاكرمه فانما اكرم اللّه عزوجل و عنه7 في قوله تعالي من ذا الذي يقرض اللّه قرضاً حسناً فيضاعفه له و له اجر كريم قال ان اللّه لميسأل خلقه ما في ايديهم قرضاً من حاجة به الي ذلك و ما كان للّه من حق فانما هو لوليه، و قال7 انها نزلت في صلة الامام خاصة و قد عرفت ان من لميقدر انيصلهم ينبغي انيصل صالحي اخوانه يكتب له ثواب صلتهم و صلتهم كما عرفت اقراض اللّه جل جلاله الي غير ذلك من الايات و الاخبار.
فتبين و ظهر لمن نظر و ابصر ان كلما يضاف الي اللّه سبحانه فانما يقع علي المؤمن و كلما يضاف الي المؤمن فانما يصل الي اللّه سبحانه لان المؤمن عرف الفصل ففصل اجزاء كينونته و طهرها فاجري كل جزء فيما خلق لاجله و صفاها عن الغرائب و الاعراض حتي صار كل جزء علي الفطرة التي فطر الناس عليها فوقف كل جزء حيث اوقفه اللّه و جري كل واحد منها حيث امر اللّه فصارت علي وضع الحكيم و تقدير العزيز العليم فارجع البصر هل تري من فطور ثم ارجع البصر كرتين ينقلب اليك البصر خاسئاً و هو حسير.
و لميمكن له هذا التفصيل و التطهير الاّ بعد انحلاله في ماء الولاية و حل يبسه و ترطيبه برطوبة الانقياد و الاطاعة فلما انحل بماء الولاية و الاتباع ثم انفصل و تطهر كل جزء من اجزائه من ادناس الاعراض و عرف الوصل فوصل بين تلك الاجزاء بالتزويج الطبيعي فتركبت تركيباً باقياً صافياً عن الاكدار و الاعراض فلما حصل التركيب تام الاجزاء كامل المراتب صافياً عن شوائب الاكدار منزهاً عن لوث الاغيار ظهر فيه سرّ الواحد القهار المحيط بجميع الاكوار و الادوار اذا ما لميكن المظهر تاماً كاملاً فيما
«* مکارم الابرار عربي جلد 13 صفحه 67 *»
يجب فيه مما يكون به باقياً بنفسه غنياً عن غيره لميظهر فيه سرّ الغني المطلق فاذا تمّ التركيب التام الغني الكامل ظهر فيه سر الاحد الكامل المستغني عن جميع ما سواه و كلما كان المظهر ناقصاً عما به بقاءه و دوامه و ثباته كان الظاهر فيه ناقصاً بحسبه غير باق ثابت.
الا تري ان المظهر اذا تركب تركيباً يصلح للمعادن ظهر فيه سر المعادن و هو ناقص عما به قوامه و ثباته و عما به يمكن الحركة و الافعال و الادراك و الشعور فظهر فيه سرّ المعدن الناقص عن جميع ذلك فلما تركب المظهر تركيب النبات و كمل في حده ظهر فيه سر النبات و كان تركيب مظهره تركيباً صالحاً للحركة الطبيعية و النما دون الادراك و الشعور و الحركة الارادية فتعلق به روح النبات الناقص عما ذكر و لما تركب المظهر تركيب الحيوان الصالح للنماء و الحركة الارادية و الادراك الجزئي تعلق به سرّ الحيوان الذي هو ايضاً كذلك و هكذا لما تركب تركيباً صالحاً للنماء و الحركة الارادية و الادراك التام استحق روح الانسان المالكة لما ذكرنا.
و اذا عرف المؤمن فصله و وصله ففصل تركيبه الفانية المتفككة المتفتتة و طهر اجزاءه عن الاعراض و الغرائب المانعة من التركيب الشديد الباقي و من صدور الافعال عن كل جزء من غير تصادم و لا تمانع ثم وصلها حتي تركبت تركيباً باقياً و صدرت الافعال و الاثار عن كل فعل علي ما كان مستجناً فيه من غير تمانع و لا تصادم و المفروض ان كل شيء فيه معني كل شيء لان كل شيء من الامكان و الامكان فيه كل شيء و صالح لكل شيء فاذا طهر المؤمن اجزاءه و زكيه و صدر عنه كل فعل صار عالماً ذا سماء دائرة و ارض قارة و شمس سائرة مضيئة و قمر منير و نجوم سايرة و عناصر عبيطة و جماد صاف و نبات نام و حيوان متحرك بالارادة و انسان ناطق و سر ولوي و امر نبوي و فعل الهي و صفات ربانية و ذات لاهوتية الي غير ذلك من اجزاء الملك فاذا صار كذلك ظهر فيه سرّ قوله تعالي سنريهم آياتنا في الافاق و في انفسهم حتي يتبين لهم انه الحق او لميكف بربك انه علي كل شيء شهيد و للّه در من قال:
لو جئته لرأيت الناس في رجل | و الدهر في ساعة و الارض في دار |
«* مکارم الابرار عربي جلد 13 صفحه 68 *»
و لنعم ما قيل:
ما في الديار سواه لابس مغفر | و هو الحمي و الحي و الفلوات |
فاذا صار كذلك صار جميع ما يضاف اليه مضافاً الي اللّه سبحانه و جميع ما يضاف الي اللّه مضافاً اليه بل لايطلق علي اللّه شيء الاّ و هو مطلق عليه و انما الاطلاق عليه هو الاطلاق علي اللّه و بالعكس فلذلك صار سروره سرور اللّه و اذاه اذي اللّه و حكمه حكم اللّه و اسفه اسف اللّه و رضاه رضا اللّه و زيارته زيارة اللّه و صلته اقراض اللّه و اطعامه اطعام اللّه و سقيه سقي اللّه و مرضه مرض اللّه و عيادته عيادة اللّه و الرد عليه الرد علي اللّه الي غير ذلك.
انظر الي قول ابيجعفر7 في حديث ان اللّه جل جلاله قال مايتقرب الي عبدي بشيء احب الي مما افترضته عليه و انه ليتقرب الي بالنافلة حتي احبه فاذا احببته كنت سمعه الذي يسمع به و بصره الذي يبصر به و لسانه الذي ينطق به و يده التي يبطش بها ان دعاني اجبته و ان سألني اعطيته فاذا كان امر المؤمن هكذا فاي امر اقرب الي اللّه من اداء حقه و قد قال ابوجعفر7 ماعبد اللّه بشيء احب الي اللّه من ادخال السرور علي المؤمن و قال ابوعبداللّه7 ماعبد اللّه بشيء افضل من اداء حق المؤمن.
و قال الحسن بن علي العسكري8 في قوله تعالي و عملوا الصالحات قضوا الفرائض كلها بعد التوحيد و اعتقاد النبوة و الامامة و اعظمها فرضان قضاء حقوق الاخوان في اللّه و استعمال التقية من اعداء اللّه و قال علي7 في حديث قضاء حقوق الاخوان اشرف اعمال المتقين يستجلب مودة الملائكة المقربين و شوق الحور العين و قال محمد بن علي الباقر8 اشرف اخلاق الائمة و الفاضلين من شيعتنا استعمال التقية و اخذ النفس لحقوق الاخوان و قال الصادق7في حديث المعرفة بحقوق الاخوان من افضل الصدقات و الصلوات و الزكوات و الحج و المجاهدات و قد قال الرضا7 لفتي سأله انيسأل ربه انيرزقه التقية الحسنة و المعرفة بحقوق الاخوان قد اعطاك اللّه ذلك لقد سألت افضل شعار الصالحين و دثارهم و
«* مکارم الابرار عربي جلد 13 صفحه 69 *»
قيل لعلي بن محمد8 من اكمل الناس خصال خير قال اعملهم بالتقية و اقضاهم لحقوق اخوانه و قال الحسن بن علي8 من تواضع في الدنيا لاخوانه فهو عند اللّه من الصديقين و من شيعة علي بن ابيطالب7 الي غير ذلك.
فتبين و ظهر ان افضل الاعمال اداء حقوق الاخوان فان ذلك اداء حق اللّه سبحانه راجع اليه بلا شك و لا ريب و كل عمل يحتمل فيه عدم الوصول الي اللّه سبحانه الاّ اداء حق المؤمن فانه اداء حق اللّه مشافهةً و يقع في يد اللّه علانيةً و يدخل كيسه فلايضيع ابداً فكل عمل احببت او توصله الي اللّه رأي العين فاوصله الي اخوانك المؤمنين فكل ما اديت حقاً من حقوق اخوانك المؤمنين فاعلم انه وقع في يد اللّه و دخل في كيسه يقيناً و كل ما ضيعت حقاً من حقوق الاخوان فاعلم انك ضيعت حقاً من حقوق اللّه سبحانه و اهنته علانيةً من دون شك و ريب فالزم ما ذكرت لك فقد اسقيتك ماء غدقاً و كن من الشاكرين و الحمد للّه رب العالمين و اما تفاصيل فضل اداء حق حق فهي كثيرة يطول بذكرها البيان و فيها من الثواب ما لميخطر علي قلب بشر فان اردت شطراً من ذلك فراجع الكافي في ابواب الطاعات و المعاصي تجد ما ذكرت و هي كثيرة جداً.
وصـل
في عقاب من ضيع حقوق الاخوان
و ان كان الوصل السابق يغني عن ذلك الاّ انا احببنا ذكره بخصوصه في وصل تأكيداً و مبالغةً في حفظها. اعلم انك لما علمت ان كل ما يضاف الي اللّه سبحانه هو الذي يضاف الي المؤمن و كل ما يضاف الي المؤمن فهو الذي يصل الي اللّه سبحانه و ذلك في جميع الاقوال و الاحوال و الافعال سواء كان بقلب او لسان او يد فلاتخفي علي اللّه خافية في الارض و لا في السماء حتي قال النبي9 اتقوا فراسة المؤمن فانه ينظر بنور اللّه فلو ضيعت حق مؤمن في قلبك فانما ذلك يسري الي قلب المؤمن و يتأذي منك و يحزن و يلحقك قوله تعالي من اذي لي ولياً فقد بارزني بالمحاربة
«* مکارم الابرار عربي جلد 13 صفحه 70 *»
و دعاني اليها و يلحقك قوله تعالي و الذين يؤذون المؤمنين و المؤمنات بغير ما اكتسبوا فقداحتملوا بهتاناً و اثماً مبيناً.
و انت اذا علمت ان سرور المؤمن سرور اللّه و سرور النبي و اذاه اذي اللّه و اذي النبي يشملك قوله تعالي الذين يؤذون اللّه و رسوله لعنهم اللّه في الدنيا و الاخرة و اعدّ لهم عذاباً مهيناً و يبطل بذلك كل صدقة تصدقت في الدنيا و هي كل معروف لما قال الامام7 كل معروف صدقة و الدليل علي بطلان صدقاتك اجمع قوله تعالي لاتبطلوا صدقاتكم بالمن و الاذي و اطلق الاذي و لميقل الاذي لمن تصدقتم عليه و شاهد صدق هذا المدعي ما روي عن الجواد7 في هذه الاية انه لميقل لاتبطلوا بالمن علي من تتصدقون عليه و بالاذي لمن تتصدقون عليه و هو كل اذي فابطل7 بذلك صدقة من اذاه بكلمة قالها و كرهها فقال قدابطلت برك باخوانك و استشهد بهذه الاية ثم لما تاب الرجل من تلك الكلمة قال الان قدعادت اليك مثوبات صدقاتك و زال عنها الاحباط و كانت كلمته انه قال انا من شيعتكم الخلص و كان قد تصدق علي اخوانه قبل ذلك فاعتبر و اعلم ان اذي اخيك ما يصنع بك و الدليل علي انك لو خلت في قلبك ما يكره يضجر المؤمن و يتأذي قول رسول اللّه9 اتقوا فراسة المؤمن فانه ينظر بنور اللّه و فراسته في قلبه لامور خفية لا الجلية و قال ابوعبداللّه7 انظر قلبك فاذا انكر صاحبك فان احدكما قداحدث فاذاً اذا انكر قلب اخيك المؤمن اياك و هو غير مقصر في حقك فقدقصرت انت يقيناً في حقه و احدثت شيئاً يقيناً فاذا تأذي بانكاره فقد حل بك ما قدقدمنا.
فاذا كان عليك ذلك فيما اضمرت فكيف يكون حالك ان قصرت في حقه بلسانك ثم كيف يكون حالك ان قصرت في حقه بيدك و جوارحك ثم كيف يكون ان اهنته و اذيته فان ذلك يبلغ مبلغ الكفر باللّه العلي العظيم و شاهد ذلك انه سئل ابوعبداللّه7 عن حق المؤمن علي المؤمن فقال حق المؤمن علي المؤمن اعظم من ذلك لو حدثتكم لكفرتم الخبر و عن عبدالاعلي بن اعين قال كتب اصحابنا يسألون اباعبداللّه عن اشياء و امروني ان
«* مکارم الابرار عربي جلد 13 صفحه 71 *»
اسأله عن حق المؤمن علي اخيه فسألته فلم يجبني فلما جئت لاودعه فقلت سألتك فلم تجبني فقال اني اخاف انتكفروا ان اشد ما افترض اللّه علي خلقه ثلث انصاف المرء من نفسه حتي لايرضي لاخيه من نفسه الاّ بما يرضي لنفسه منه و مواساة الاخ في المال و ذكر اللّه علي كل حال ليس سبحان اللّه و الحمدللّه و لكن عند ما حرم اللّه عليه فيدعه انتهي، و الثالث ايضاً يرجع الي الاخ فان اعظم المحرمات تضييع حق المؤمن كما ان اعظم الفرائض اداء حقه و قال7 في حديث اذا قال الرجل لاخيه اف انقطع ما بينهما من الولاية و اذا قال انت عدوي كفر احدهما فاذا اتهمه انماث الايمان في قلبه كما ينماث الملح في الماء الي غير ذلك من الاخبار و يدل عليه صحيح الاعتبار.
بل لنا في هذا المجال تحقيق دقيق و تدقيق رشيق لايسلم له الاّ المسلمون و لايصدقه الاّ الاخصون، و هو ان وجه اللّه سبحانه اصل كل خير و نور و كمال و سعادة و بقاء و نعمة و لذة و نعيم و من مقابله وجه الشيطان اصل كل شر و ظلمة و نقص و شقاوة و فناء و شقاء و تنغيص و عدم فمن توجه الي وجه اللّه و ادام النظر اليه اصابه كل ما ذكرنا من فروعه و اشعته و من توجه الي وجه الشيطان و ادام النظر اليه اصابه كل ما ذكرنا من فروعه و ظلماته.
فالتوجه الي اللّه سبحانه له اركان بها يتحقق التوجه بحيث اذا انتقض منها شيء لميتحقق التوجه و حصل الادبار و له متممات و مكملات اذا حصلت حصل بها الاستنارة التامة و الاستضاءة الكاملة و اذا انتقص منها شيء انتقص من كمال التوجه شيء و لمينتقص شيء من ماهيته فمثال الاول الهيئة النوعية المقومة التي بها يكون الانسان انساناً ما تعمّ الحسن و القبيح و الابيض و الاسود و الصحيح و المريض و مثال الثاني الحسن و البهاء و الجمال التي هي من متممات الصورة الانسانية و مكملاته فالهيئة المقومة هي الفرائض و هي اركان التوجه و اصولها التي بها قوامه و بنقصها انعدامه و الهيئة المكملة هي المستحبات و السنن التي بها تكمل هيئة الاقبال و الايمان و بتركها تعوج هيئته.
«* مکارم الابرار عربي جلد 13 صفحه 72 *»
و اما التوجه الي الشيطان فله ايضاً اصول و اركان بها يتحقق الاقبال التام بحيث اذا انتقص انتقص الاقبال التام اليه و له ايضاً متممات و مكملات اذا حصلت حصل بها الاضطلام التام و الشقاوة الكاملة فالاول هو الصورة المقومة و الثاني هو الصورة المتممة فمثال الاول الصورة المقومة النوعية الحيوانية و مثال الثاني تلك الانحرافات المبعدة عن نهج الاعتدال و عن المناسبة بالانسان في الكمال فالصورة المقومة الموجبة للادبار التام هي الكبائر التي اوجب اللّه عليها النار و الصورة المتممة هي المكروهات المكملة لخبث الادبار و اما المباح فهو حكم ظاهري صدر لرفع العسر و الحرج و الاّ فلايكون فعل الاّ و هو صادر عن الانسان اما من وجوده فهو نور و خير و طاعة و اما من ماهيته فهو ظلمة و شر و معصية و ليس للانسان جوهر اخر غيرهما لايكون وجوداً و لا ماهيةً حتي يصدر عنه المباح فافهم.
و اذا عرفت هذا الاصل الاصيل يعني سر الاقبال و الادبار فاعلم ان للانسان مقامات و هو في كلها عبد داخر للّه سبحانه مأمور و منهي لابد و انيعبد اللّه في كل مقام و يمتثل امره و نهيه في كل مرام و لايكلفه اللّه سبحانه في كل مقام الاّ ما اتيه معاذ اللّه اننأخذ الاّ من وجدنا متاعنا عنده انا اذا لظالمون فلايكلفه اللّه سبحانه في عالم الوحدة بالكثرات لعدمها هناك و لايكلفه بالوحدة في عالم الكثرة الاّ من حيث تضمنه للوحدة في باطنه و علي هذا القياس عوالم الكثرة كل عالم بحسبه.
فالانسان في عالم العقول اول مقام العبودية لايكلف الاّ علي النهج الكلي بمقتضي مقام العقل فهناك تندرج الفرائض و السنن كلها في فرض واحد كلي و تندرج المحرمات و المكروهات في محرم واحد كلي لفقدان الكثرات هناك فاذا عمل الانسان في ذلك العالم بذلك الفرض الواحد و اجتنب ذلك المحرم الواحد ادي جميع تكاليفه و استحق السعادة الابدية و النعمة السرمدية و ذلك الفرض الواحد في ذلك العالم حب اللّه سبحانه و ذلك المحرم الواحد حب غيره فاذا عمل الانسان بهذه الشريعة الغراء و المحجة البيضاء ثبتت له السعادة و استحق الجنان و تباعد عن النيران و ان عكس الامر و خالف السنة المحمدية و الطريقة العلوية ثبتت له
«* مکارم الابرار عربي جلد 13 صفحه 73 *»
الشقاوة و استحق النيران و تباعد عن الجنان و الدليل علي ان الحب و البغض اصل الدين و حقيقة الشرع المبين رواية فضيل بن يسار قال سألت اباعبداللّه7 عن الحب و البغض امن الايمان هو فقال و هل الايمان الاّ الحب و البغض ثم تلي هذه الاية حبب اليكم الايمان و زينه في قلوبكم و كره اليكم الكفر و الفسوق و العصيان اولئك هم الراشدون.
و لما نزلوا في عالم النفوس امرهم اللّه سبحانه بشئون العلوم الحقة و اعتقاد العقائد الثابتة و نهاهم عن الشبهات الكاذبة و العقائد الباطلة المجتثة فهيهنا تكثرت الاوامر و النواهي و هذا التكثر هو بعينه تفصيل ذلك الحب و البغض فلما تفصل الحب للّه في عالم النفوس ظهر بالعلوم الحقة و لما ظهر البغض للّه تفصل بالعلوم الباطلة و قام بين ظهرانيهم الداعي الي اللّه و دعاهم الي حب اللّه المصور و نهاهم عن بغض اللّه المصور و كانت الاوامر و النواهي هيهنا صوراً علميةً مجردةً لطيفةً.
و لما نزلوا في عالم الاجسام تفصلت تلك العقايد الحقة و ظهرت بصورة الطاعات و تفصلت تلك العلوم الباطلة و ظهرت بصورة المعاصي فقام داعي الحق بين ظهرانيهم كما قام هناك و عرفهم شرايع دين اللّه فمنهم مهتدٍ و كثير منهم فاسقون فعرفهم حب اللّه المجسم و بغض اللّه المجسم و الحب المجسم هو الفرائض و السنن و البغض المجسم هو المعاصي قال اميرالمؤمنين7 لانسبن الاسلام نسبةً لمينسبه احد قبلي و لاينسبه احد بعدي الاّ بمثل ذلك ان الاسلام هو التسليم و التسليم هو اليقين و اليقين هو التصديق و التصديق هو الاقرار و الاقرار هو العمل و العمل هو الاداء ان المؤمن لميأخذ دينه علي رأيه و لكن اتاه من ربه فأخذه ان المؤمن يري يقينه في عمله و الكافر يري انكاره في عمله فو الذي نفسي بيده ما عرفوا امرهم فاعتبروا انكار الكافرين و المنافقين باعمالهم الخبيثة.
انظر في هذا الحديث الشريف بنظر العبرة و تبصر كيف جعل اليقين العمل و جعل الانكار العمل و قال ان اليقين يري في العمل و كذا الانكار يري في العمل
«* مکارم الابرار عربي جلد 13 صفحه 74 *»
و ليس ذلك الاّ لاجل ان العمل اذا ترقي و تلطف حتي صعد في عالم النفوس صار علماً مجرداً و اذا صعد من هناك الي عالم العقول صار حباً او بغضاً و اذا تنزل الحب او البغض الي عالم النفوس تصور علماً و اذا تنزل الي عالم الاجسام تنزل عملاً بل جميع ما في العالم كلها علم قد تجسم و جميع العلوم كلها حب و بغض قد تصور فليس شيء سوي الحب و البغض مجسماً او مصوراً قال الصادق7 مااحب اللّه من عصاه ثم تمثل:
تعصي الاله و انت تظهر حبه | هذا محال في الفعال بديع | |
لو كان حبك صادقاً لاطعته | ان المحب لمن يحب مطيع |
فافهم.
فاهل العقول مستغنون عن العلوم الاّ في ظهورهم في عالم النفوس و مستغنون عن الاعمال الاّ في ظهورهم في عالم الاجسام و كذا ارباب النفوس مستغنون عن الاعمال الظاهرة الاّ من حيث نزولهم في الاجسام و لكن ليسوا بمستغنين عن الحب و البغض لان النفس لا قوام لها الاّ بالعقل.
ثم اعلم ان الشيء له مقامان مقام الذات و مقام العرض و مرادنا بمقام الذات مقام هو به هو غير غيره فالصورة المميزة المقومة له جزء ذاته و اما الذات التي لا صورة فيها فلا اختصاص لها بشيء دون شيء و انما هي الذات المطلقة و الاية الحق فالشيء له مقام ذات و هو ما انعقد عليه كيانه و اخذ عليه ميثاقه و منه مبدءه و اليه ايابه و مقام عرض و هو ذاهب و جاء و زائل و ثابت و انما هو عليه من لطخ غيره ليس منه و لا اليه و قدمرّ ما يدل علي ذلك في صفة اخوان هم من ابيك و امك و انما رضعوا من ثدي حبتر لعنه اللّه و انت تعلم ان الظاهر تابع للباطن لانه تنزله و تفصيله و ظهوره و لو كان مخالفاً له لميكن الظاهر ظاهر ذلك الباطن فكان بلا باطن و يلزم منه الطفرة في الوجود فببرهان بطلان الطفرة عرفنا ان الظاهر لابد و ان يطابق الباطن في ذاتيته.
فاذا كانت العقول سليمة سعيدة فلايمكن انتكون النفوس شقية بالذات الاّ من حيث اللطخ و الخلط و هو ليس منها و لا اليها و سيعود الي جوهره و عنصره و اذا صارت النفوس سعيدة بالذات لايمكن انتكون الاجسام شقية بالذات الاّ من حيث اللطخ و الخلط الذي ليس منها و اليها
«* مکارم الابرار عربي جلد 13 صفحه 75 *»
نعم يمكن انيكون المبدء هو الجهل الشقي و تكون النفس سعيدة بالعرض و يكون الجسم سعيداً بالعرض و لكن تلك السعادة ليست منه و لا اليه و سيعود الي جوهره و تبقي ذات جسمه و نفسه شقية كانكاره و جهله و لذلك وردت في اخبار متواترة ان حب علي حسنة لاتضر معها سيئة و بغضه سيئة لاتنفع معها حسنة فانه ان حصل حب علي سعد به العقل و النفس و الجسم ذاتاً لان الحب هو تكليف العقل فاذا عمل بتكليفه سعد و سعدت بسعادته النفس التي هي منه و اليه و سعد بسعادتها الجسم الذي هو منها و اليها فما كان للمحب من سيئة فهي فيه بالعرض لسعادة ذاته القطعية و هو عامل بجميع الطاعات و مجتنب من جميع المعاصي و ما يبدو عليه من معصية فهو من غيره و الي غيره فلايضره ابداً.
و لاتزعمن الحب و البغض في عرض ساير الاعمال و الصفات فيشكل عليك فهمه و انما هما في الاعمال كالروح في الجسد فطاعة الكافر عنده ميت لايسكن فيها روح البغض فلايؤثر و معصية المؤمن عنده ميت لايسكن فيه روح الحب فلايؤثر فاذا كان يوم القيمة و رجع كل شيء الي اصله رجع طاعة الكافر الي المؤمن فدخله روح الحب فحيي و اثر للمؤمن و رجع معصية المؤمن الي الكافر و حيي و اثر له و هذا معني قوله تعالي ليميز اللّه الخبيث من الطيب و يجعل الخبيث بعضه علي بعض فيركمه جميعاً فيجعله في جهنم و معني قوله الخبيثات للخبيثين و الطيبات للطيبين يعني الاعمال الصالحة للطيبين و الاعمال الخبيثة للخبيثين و هذا معني ما روي ان المذنب من المؤمنين يقام و يؤتي بالنواصب و يفدي له واحداً بعد واحد حتي لايبقي له ذنب.
و اما بغضه7 فهو شقاوة ذاتية و قد عمل المبغض بجميع المعاصي كما ذكرنا و ترك جميع الطاعات و لمتصبه حسنة الاّ من لطخ غيره و سيعود الي جوهره.
فقل قولاً مطلقاً انه لايعصي الاّ المبغض و لايطيع الاّ المؤمن و المؤمن مستوجب للجنة باعماله المتشعبة عن حبه و الكافر مستوجب للنار بجميع اعماله المتشعبة عن بغضه و ذلك لان الجنة ليست الاّ حقايق الاعمال الصالحة كما ان النار ليست الاّ حقايق الاعمال الطالحة فالاعمال في الدنيا جنة و نار دنياويين و
«* مکارم الابرار عربي جلد 13 صفحه 76 *»
الجنة و النار في الاخرة اعمال اخروية لا غير قال اللّه سبحانه سيجزيهم وصفهم و قال لاتجزون الاّ ما كنتم تعملون فالمؤمن متنعم في عمله و الكافر معذب في عمله و ذلك تقدير العزيز العليم و ان اللّه لايظلم الناس شيئاً و لكن الناس انفسهم يظلمون.
و ان قال قائل فما معني ما ورد ان الكباير هي ما اوعد اللّه عليها النار او ما يوجب النار و ما قال الصادق7 شفاعتنا لاهل الكباير من شيعتنا فاما التائبون فان اللّه عزوجل يقول ما علي المحسنين من سبيل و قال رسول اللّه9 انما شفاعتي لاهل الكباير من امتي فاذا كان الشيعة لايصدر منه كبيرة فما وجه النسبة اليه و ما الحاجة الي الشفاعة و ان كان يصدر فكيف تكون الموجبة للنار صادرة عن الشيعة و علي ما قلت المعاصي من الكفار و الطاعات للمؤمن فما وجه النسبة و ما وجه الشفاعة و ما معني انها توجب النار لفاعلها.
قلنا انه لا شك و لا ريب فيما ذكرنا فانه مستنبط من الكتاب و السنة و معاضد بالدليل العقلي و الايات الافاقية و الانفسية كما عرفت شطراً منها.
و اما معني ما قلت فاعلم ان النار هي صورة اخروية تعرض علي ظل الكافر و ظهوره فمادة العذاب ظل الكافر و صورته صورة النار و الحميم و الصديد و القطران و الافاعي و الحيات و العقارب و انواع العذاب التي في جهنم و تلك المادة بعينها هي مادة عمله في دار الدنيا و صورته صورة الزنا و اللواط و شرب الخمر و قذف المحصنات و غيرها و المادة في الدارين واحدة و الصورة مختلفة الاّ ان المادة تتنزل في الدنيا علي ما يناسب الدنيا و تلك المادة هي ظهور الكافر و ظله و وصفه و هي معه سواء كان في الدنيا او في البرزخ او في القيمة و في كل عالم يظهر ذلك الوصف بهيئة تناسب ذلك العالم و هو قوله تعالي سيجزيهم وصفهم و قوله فاليوم لاتظلم نفس شيئاً و لاتجزون الاّ ما كنتم تعملون فنفس العمل و الوصف هو الجزاء فالجزاء عمل اخروي و العمل جزاء دنيوي كلا لو تعلمون علم اليقين لترون الجحيم، ان الذين يأكلون اموال اليتامي ظلماً انما يأكلون في
«* مکارم الابرار عربي جلد 13 صفحه 77 *»
بطونهم ناراً، و ان جهنم لمحيطة بالكافرين.
فالكافر في جهنم اينما كان و كذا الجنة هي صورة اخروية تعرض علي ظهور المؤمن و وصفه و مادة النعيم ظهور المؤمن و صورته الجنة و الاشجار و القصور و الحور و الانهار و انواع النعيم التي في الجنة و تلك المادة بعينها هي مادة عمله في دار الدنيا و صورته صورة الصلوة و الزكوة و الحج و غيرها من الاعمال الصالحة و المادة في الدارين واحدة و الصورة مختلفة فالمؤمن ابداً في الجنة و النعيم كما عرفت و قد روي ما معناه ان الصادق7 سمع رجلاً من شيعته يقول اللّهم ادخلنا الجنة قال لاتقل هكذا و قل اللّهم لاتخرجنا من الجنة فانكم في الجنة.
هذا حكم الفريقين اذا كانا غير متلطخين بلطخ و لكن ربما يتلطخ المؤمن بلطخ الكافر فما مسه من طينة الكافر هو العذاب العرضي الذي اصابه لان الكافر ذاته حقيقة النار و صفاته ظهورها و انواع الامها قال اللّه سبحانه لاتركنوا الي الذين ظلموا فتمسكم النار فاذا ركن اليه المؤمن يمسه من ناره عذابه لامحة لانه نار حقيقة فاذا مس المؤمن من عذابه شيء يظهر من ذلك اللطخ آثار و اظلال لامحة و تلك الاظلال هي جهنم التي يعذب فيها المؤمن مادام عليه ذلك اللطخ فان تطهر عنه في دار الدنيا يعذب مادام عليه في الدنيا و يرد البرزخ طاهراً سالماً و ان لميتطهر عنه في دار الدنيا و ورد البرزخ بتلك القذارة و الطفاسة يظهر ظل ذلك اللطخ في البرازخ بصورة تناسب البرزخ و هي صورة عذاب البرزخ فيعذب بوصفه حتي يطهر فان تطهر عنه في البرزخ يرد الاخرة سالماً و ان لميتطهر نعوذ باللّه منه في البرزخ يرد الاخرة و ذلك الظل المنعكس من ذلك اللطخ يتصور بصورة اخروية و هي صورة الطبقة الاولي من جهنم و يعذب بوصفه حتي يزول عنه فاذا تطهر غسل و ادخل الجنة و فاز مع الفايزين.
فصح ان الكباير هي ما اوعد اللّه عليه النار و هي موجبة للنار و لكن النار التي توجبها للكافر هي النار الاصلية التي من دخلها كان مخلداً و النار التي توجبها للمسلم هي النار الظلية التي لاتوجب خلوداً و هي المعبر عنها بالطبقة الاولي من جهنم و هي من حظايرها و اظلالها و ليست بنار خلد و سرّه واضح مما ذكرنا فان النار الاصلية مادتها من ظل الكافر و صورتها هي انواع العذاب علي ما شرحنا و
«* مکارم الابرار عربي جلد 13 صفحه 78 *»
الكافر هو ذاته خبيثة و ذاته فوق رتبة الاوقات زمانية كانت ام دهرية و مادة نارها ظلها فهو ممتد في جميع الازمنة و الدهور بلا انقطاع و لا زوال لنفوذ الذات في كل الاوقات و اما ما يصيب المسلم من مسّه فليس ناشياً من ذات المؤمن النافذ في اوقاته و انما هو من الخارج و الحاصل من مسّ ظل الكافر يكون ظل الظل و الشبح المنفصل من الشبح المتصل فما مسّ المسلم من اظلال ما للكافر من العذاب و لذا صارت النار التي يدخلها المسلم من حظاير جهنم لا من اصلها فافهم.
و الذي يدل علي اقسام التطهير و النار التي يدخلها المسلم ما رواه العسكري7 قال قال رسول اللّه9 ان ولاية علي حسنة لايضر معها شيء من السيئات و ان جلت الاّ ما يصيب (ظ) اهلها من التطهير منها بمحن الدنيا و ببعض العذاب في الاخرة الي انينجو منها بشفاعة مواليه الطيبين الطاهرين و ان ولاية اضداد علي و مخالفة علي سيئة لاينفع معها شيء الاّ ما ينفعهم بطاعاتهم في الدنيا بالنعم و الصحة و السعة فيردوا الاخرة فلايكون لهم الاّ دائم العذاب ثم قال ان من جحد ولاية علي لايري الجنة بعينه ابداً الاّ ما يراه مما يعرف به انه لو كان يواليه لكان ذلك محله و مأواه فيزداد حسرات و ندامات و ان من توالي علياً و بريء من اعدائه و سلم لاوليائه لايري النار بعينه ابداً الاّ ما يراه فيقال له لو كنت علي غير هذا لكان ذلك مأواك و الاّ ما يباشر منها ان كان مسرفاً علي نفسه بما دون الكفر الي انينظف بجهنم كما ينظف قذر بدنه بالحمام الحامي ثم ينقل عنها بشفاعة مواليه.
ثم قال رسول اللّه9 اتقوا اللّه معاشر الشيعة فان الجنة لنتفوتكم و ان ابطأت بكم عنها قبايح اعمالكم فتنافسوا في درجاتها قيل فهل يدخل جهنم احد من محبيك و محبي علي7 قال من قذر نفسه بمخالفة محمد و علي8 و واقع المحرمات و ظلم المؤمنين و المؤمنات و خالف ما رسم به من الشرايع جاء يوم القيمة قذراً طفساً يقول له محمد و علي8 يا فلان انت قذر طفس لاتصلح بمرافقة مواليك الاخيار و معانقة الحور الحسان و لا
«* مکارم الابرار عربي جلد 13 صفحه 79 *»
ملائكة اللّه المقربين لاتصل الي ما هنالك الاّ بانتطهر عنك ما هيهنا يعني ما عليك من الذنوب فيدخل الي الطبق الاعلي من جهنم فيعذب ببعض ذنوبه و منهم من يصيبه الشدايد في المحشر ببعض ذنوبه ثم يلتقطه من هنا و من هنا من يبعثهم اليه مواليه من خيار شيعتهم كما يلتقط الطير الحب و منهم من يكون ذنوبه اقل و اخف فيطهر منها بالشدايد و النوايب من السلاطين و غيرهم و من الافات في الابدان في الدنيا ليدلي في قبره و هو طاهر و منهم من يقرب موته و قد بقي عليه فيشدد نزعه و يكفر عنه فان بقي شيء و قوي عليه يكون له بطن و اضطراب في يوم موته فيقل من يحضره و يلحقه به الذل فيكفر عنه و ان بقي شيء اتي به و لما يلحد فيتفرقون عنه فيطهر فان كانت ذنوبه اكثر و اعظم طهر منها بشدايد عرصات القيمة فان كانت اكثر و اعظم طهر منها في الطبق الاعلي من جهنم و هو اشد محبينا عذاباً و اعظمهم ذنوباً ليس هؤلاء يسمون شيعة و لكنهم يسمون بمحبينا و الموالين لاوليائنا و المعادين لاعدائنا ان شيعتنا من شيعنا و اتبع اثارنا و اقتدي باعمالنا.
و قالت فاطمة3 في حديث شيعتنا من خيار اهل الجنة و كان محبينا و موالي اوليائنا و معادي اعدائنا و المسلم بقلبه و لسانه لنا ليسوا من شيعتنا اذا خالفوا اوامرنا و نواهينا في ساير الموبقات و هم مع ذلك في الجنة و لكن بعد ما يطهرون من ذنوبهم بالبلايا و الرزايا او في عرصات القيمة بانواع شدايدها او في الطبق الاعلي من جهنم بعذابها الي اننستنقذهم بحبنا عنها و ننقلهم الي حضرتنا انتهي.
بالجملة لا شك و لا ريب ان الاجزاء السجينية لاتدخل عليين و ان اجزاء جهنم و اظلالها لاتدخل الجنة ابداً و طينة الكافر و ما تلطخ به المؤمن من اظلالها من طينة خبال و لايمكن انيدخل بها الجنة ابداً و لابد من انتزاع ذلك اللطخ عن المؤمن حتي يدخل الجنة و الشفاعة هي انتزاع اللطخ من المؤمن و الطبقة العليا من جهنم هي عين ذلك اللطخ و مدة لبث المؤمن في جهنم علي حسب سرعة الانتزاع و بطئه و هما ناشئان من شدة الالتصاق و ضعفه و كثرة الركون و قلته فكلما كانت تلك الاظلال الصق به كان لبثه فيها اكثر و كلما كان اقل التصاقاً
«* مکارم الابرار عربي جلد 13 صفحه 80 *»
كان اسرع انتزاعاً و اقل لبثاً حتي انه ربما يكون في تلك الطبقة و يخرج منها و لما يمت و ربما يخرج منها و هو في البرزخ و لما يبعث و ربما يخرج في القيمة في اوائلها او بعد احقاب نعوذ باللّه و ذلك ان الدخول تلطخه بها و الخروج نزعها عنه و موالوه شافعون له نازعونها عنه ابداً فمنها ما ينتزع سريعاً و منها ما ينتزع بطيئاً و كذلك حكم عذاب البرزخ فلربما يخرج الانسان من عذاب البرزخ و هو في الدنيا و ربما يخرج في البرزخ.
و اما ما روي و لكني اتخوف عليكم عذاب البرزخ يعني انهم يشفعون شيعتهم في الاخرة و لكن يتخوفون من عذاب البرزخ فمعناه ان اللطخ في الشيعة كما ذكرنا علي ثلثة اقسام و نبات العالمين ثلثة و ايام الحصاد ثلثة فما صدر عنهم من الاعمال الخبيثة او الطيبة بنية صرفة و لا روح لها غيرها فهي من اللطخ الظاهري علي ظاهر اجسادهم العرضية العنصرية الدنياوية او من نفس تلك الاجساد و انما هي في الدنيا و للدنيا و يوم حصاد هذا الزرع الدنيا و اليه الاشارة بقوله تعالي اولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب و قوله تعالي اذهبتم طيباتكم في حيوتكم الدنيا و قوله و من يرد ثواب الدنيا نؤته منها و ما صدر عنهم ببواعث خيالية فهو من ذاتية برزخهم او مما لطخ به و انما هي في البرزخ و للبرزخ و يوم حصاده البرزخ فانهم زرعوه في ارضه و ما صدر عنهم بدواع قلبية و بواعث فؤادية و اشربوا في قلوبهم حبه فيوم حصاده الاخرة فانهم زرعوه في ارضها فيحصدونه في تلك الارض و لربما يأكلون مما زرعوه في ارض البرزخ في الدنيا قليلاً و يأكلون مما زرعوه في ارض الاخرة في اليومين الاولين قليلاً فاذا كان اللطخ علي ظاهر الاجساد فيبتلون بالافات في دار الدنيا لانها ثمر زرعهم و اذا كان علي خيالاتهم فيبتلون بافات البرزخ لانها ثمر زرعهم و ما كان علي قلوبهم فيبتلون بافات الاخرة لانه ثمر زرعهم.
و هذه الفرقة الناجية المحقة المستوفين حب الاركان الاربعة المقرون بصفاتهم الموالون لاخوانهم كل معاصيهم او جلها من القسمين الاولين فان قلوبهم محفوظة ببركة مواليهم من تطرق حب اعداء اللّه و الركوع اليهم عن حب و ميل فلايحبون عدوهم ابداً ابداً و ان صدر عنهم معصية يوماً ما فليس نعوذ باللّه من جهة حب اعداء اللّه و حب التشبه بهم و حب التأسي
«* مکارم الابرار عربي جلد 13 صفحه 81 *»
بهم و حب المخالفة لمحمد و ال محمد: و التعمد علي مخالفة اولياء اللّه و انما يعصون بظاهر اجسادهم بصرف نية او بخيال منهم قدموه و قلبه عالم بانها معصية و مخالفة لرضا اللّه و ان اللّه سبحانه له المشية ان شاء عذبه و ان شاء غفر له و يسوءه المعصية اذا التفت و تنبه و تسره الطاعة اذا توجه فهذه علامة ان اللطخ لميصل قلوبهم و غاية وصوله خيالهم الذي يدعوهم الي تلك المعصية فهم يزرعون بذرها في ارض البرزخ و يحصدونه في ذلك اليوم و لايقوم ذلك الزرع بحر القيمة بل يعدم و يفني فلايبقي الي ذلك اليوم و لايحصد هنالك فاذا حفظ الموالي لهم نفسه من عذاب البرزخ بترك خيال المعصية فاخرته محفوظة ببركة مواليه الطيبين و في الحقيقة هم الحافظون لقلبه و الماسكون لزمامه كما يمسك صاحب السفينة سكانها و ذلك انه قد ثبت في الحكمة و في البداهة ان الصورة التي في المرآة لاينظر اليك الاّ اذا نظرت اليه و انت حافظ نظره اليك بنظرك اليه و لو وليت عنه وجهك لادبر عنك مولياً و حفظهم لقلوب شيعتهم بالتفاتهم اليهم و نظرهم اليهم بنظر الحب فالاخرة محفوظة انشاء اللّه و البرزخ ايضاً محفوظ الاّ ان المرآة البرزخية اذا اعوجت بسبب اللطخ و انصبغت يظهر فيها صورة يتبرء منها الناظر اليها و ذلك ثمرة انصباغها و اعوجاجها فافهم راشداً موفقاً.
و اما قولهم: في الحديث السابق و اما التائبون فان اللّه عزوجل يقول ما علي المحسنين من سبيل فاعلم ان التوبة هي الرجوع و التوبة الي اللّه هي الرجوع اليه و هي علي اقسام فمنها التوبة اللفظية الصريحة كان يقول تبت الي اللّه بنية و خيال و حب او غير صريحة كقراءة سورة او دعاء او ذكر او صلوة او غيرها و منها الفعلية كزيارة الحسين7 او غيره و البكاء عليه و ساير الاعمال الموجبة للمغفرة و منها الخيالية العلمية كان يعلم بان اللّه ان شاء عذبه و ان شاء غفر له و غيرها من العلوم الحقة الموجبة للمغفرة و منها القلبية كبغض المعصية و اصلها و معدنها و مأويها و حب آل محمد: و مواليهم و اشعتهم و انوارهم و افعالهم و هذه التوبة اصل كل موجب للمغفرة و اصل كل توبة و حقيقتها.
فمن اذنب ذنباً فاستشعر حب آل محمد: و اوليائهم و اخلص
«* مکارم الابرار عربي جلد 13 صفحه 82 *»
في حبهم و تبرء من اعدائهم و صفاتهم و اخلاقهم فهو امن من عذاب الاخرة و ذلك توبته و ان استشعر في خياله ذلك الحب علي ما يليق به و رجع اليهم و اناب و استشرق بنورهم في خياله فقد امن من عذاب البرزخ و هو تائب آئب الي اللّه سبحانه و ان اظهر ذلك في ظاهر جسده بعمل او قول فانه ما يليق به مما يوجب المغفرة علي ما هو المأثور فقد امن من عذاب الدنيا و هو المحسن و ما علي المحسنين من سبيل بل اولئك الذين يبدل اللّه سيئاتهم حسنات اي ما حصل لهم من الظلمات بالادبار يبدلها اللّه سبحانه بالنور الحاصل لهم بالاستشراق بالرجوع و التوجه فاللّه ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات الي النور و الذين كفروا اوليائهم الطاغوت يخرجونهم من النور الي الظلمات اولئك اصحاب النار هم فيها خالدون.
بل ارجو من عميم فضل سادتي و موالي انيكون جل معاصي هذه الفرقة الراجية الناجية او كلها اذا كانوا صادقين مصدقين من القسم الاول فيردون البرزخ بعيون قريرة و وجوه ناضرة تقر اعينهم برؤية مواليهم و مجاورتهم لما اصلح اللّه سبحانه خيالهم و صدرهم بنور العلم اللامع و الضياء الساطع المشرق من مطلع الركن الرابع فصحح علومهم و اصلح صدورهم و علموا عن برهان و اذعان ان اللّه سبحانه ان شاء عذبهم و ان شاء غفر لهم و لعلك قد علمت ان اباعبداللّه7قال من اذنب ذنباً فعلم ان اللّه مطلع عليه ان شاء عذبه و ان شاء غفر له غفر له و ان لميستغفر و قال ما من عبد اذنب ذنباً فندم عليه الاّ غفر اللّه له قبل انيستغفر و قال ابوجعفر7 كفي بالندم توبة و قال لا واللّه ما اراد اللّه من الناس الاّ خصلتين انيقروا له بالنعم فيزيدهم و بالذنوب فيغفرها لهم الي غير ذلك.
و قد تكفلوا سلام اللّه عليهم في هذه الدورة دورة تراهق الزمان باصلاح الصدور فعمروها بالحكم و المعارف و الاقرار بافعال اللّه سبحانه و صفاته و فضائل آل محمد: و ذلك بعينه اصلاح برازخ المصدقين و شفاعة منهم لهم جزاهم اللّه عن الاسلام و المسلمين خير جزاء المحسنين و اللّه لهم حق علي هذه الفرقة تقصر عن احصائه السنة الخطباء و بيان البلغاء و ان تعدوا نعمة
«* مکارم الابرار عربي جلد 13 صفحه 83 *»
اللّه لاتحصوها و هي من اعظم نعماء اللّه سبحانه علي العباد و اجل آلائه علي البلاد فجل معاصي المصدقين لهم من القسم الاول الاّ ما شذّ و ندر و ان قامت هذه الفرقة الناجية بالشرط الخامس الذي هو كالودق النازل من سحاب الاركان الاربعة علي ارض قوابل هذه الفرقة يصلح به دنياهم و برزخهم و آخرتهم و انما الاخذ به من حظوظ الخصيصين الاخيار الخلصين الابرار و هو القيام بحقوق الاخوان ثمرة شجرة الاركان و الحاصل من القيام بالاسلام و الايمان و لما يجيء وقت ذلك فانا من الزام الناس بالركن الرابع في عويل و اني لهم اذا جاءتهم ذكريهم و قد ارخينا عنان القلم في هذا الميدان لما فيه من الموعظة البليغة و الحث الكامل علي الاعمال الصالحة، فلنرجع الي ما كنا فيه اولاً و كتبنا هذه الرسالة لاجله و وصلنا هذا القول بسببه و قد قدمنا ان كل ما يضاف الي المؤمن هو المضاف الي اللّه و كل ما يضاف الي اللّه هو المضاف الي المؤمن فكل ما قصر المقصر في حق اخيه فهو تقصيره في حق اللّه سبحانه و كلما ادي حق اخيه فهو اداء حق اللّه سبحانه.
و لاتزعم كبعض الاقشاب ان كثيراً مما يضاف الي المؤمن من باب انسانيته و بشريته فلايليق الي اللّه راجع الوصل السابق في حديث مرض اللّه و استطعامه و استسقائه و ضحكه و اذيته و محاربته و زيارته و غير ذلك فكل ما فعلت بالنسبة الي اخيك فقد فعلت بالنسبة الي اللّه ثم ان كان ما فعلت ذاتاً كما قدمنا يلحقك ما هو جزاءه من الخلود كما قدمنا و كلما فعلت عرضاً و لطخاً يلحقك جزاءه انقطاعاً ثم ان كان بظاهر جسدك ففي الدنيا و ان كان بخيالك ففي البرزخ و ان كان بقلبك نعوذ باللّه ففي الاخرة، فحب الاخوان هو حب اللّه الذي قدمنا انه اصل كل خير و العامل به عامل بجميع الطاعات و يسعد به العقل و النفس و الجسد و بغض الاخوان هو بغض اللّه الذي قدمنا انه اصل كل شر و يشقي به جهله و نفسه و جسده و يجعل الحب جميع معاصي الاولين عرضياً و يجعل البغض جميع طاعات الاخرين عرضياً و انشاء اللّه يكفيك و يكفي ساير اخواننا ما ذكرنا في هذا الوصل و ان في ذلك لذكري لمن كان له قلب او القي السمع و هو شهيد.
«* مکارم الابرار عربي جلد 13 صفحه 84 *»
وصـل
في الحث علي اتخاذ الاخوان و ذكر فوايده و ثمراته
و قد تبين مما ذكرنا للفطن فوايده و ثمراته الاّ انا احببنا ان نفرد له وصلاً نذكر فيه بعض ما يخفي منه علي الاكثرين.
اعلم ان فوائد اتخاذ الاخوان كثيرة ظاهراً و باطناً نقلاً و عقلاً اما فائدته الظاهرية فلايخفي علي خبير ان الانسان اذا كان له من يبذل له ماله و جسده و روحه اي لذة له في صحبته و اي مكروهات تدفع عنه به و اي هموم تكشف عنه به و اي كرب تفرج عنه به و اي مصائب ترفع عنه به و اي نوائب تمنع عنه به و اي مؤن تخف عنه به و كم عدو يكسر عنه به و كم منفعة تحصل له به و كم نفس تحترس عنه به و كم حاجة تقضي له به و كم غيبة تحفظ له به و كم يد تعلي له به و كم عرض يحفظ له به و كم مال يحرس له به.
و لااظن شيئاً في تمام ملك اللّه سبحانه اعز و اجل و ابهي و اكرم و اشهي من اخ هكذا بل لااظن لذة في تمام ملك اللّه سبحانه توازي صحبة اخ هكذا هيهات و اني يلتذ الانسان من صفات الحيوانات من اكل او شرب او جماع و اني يأنس الانسان بجماد او نبات او حيوان و انما لذة الانسان من صحبة الانسان و الجلوس معه و انسه بالانسان و لاينبغي انيكون الانسان اقل من الحيوانات و كل حيوان انسه و لذته من صحبة جنسه فكيف لايكون الانسان هكذا لاسيما اذا وثق به و ائتمنه علي نفسه و دينه بل علي علمه و عقله و علي ماله و اهله و علي جميع ما خوله اللّه اياه و لاسيما اذا بذل له نفسه و ما خولها اللّه و يكون احوط علي نفسك و مالك من نفسك و يكون كذلك بلا اكتراث و لا منة و لا اكراه و لا اعراض فيا رب من رزقته اخاً هكذا ماذا منعته و من منعته اياه ماذا اعطيته بدله و ان لميكن اخاً هكذا فلااقل من المكاشرة و هو ايضاً يقل مؤنتك و يعاونك في قضاء حوايجك و يكون صولة لك عند عدوك و يكشف بعض همومك و يفرج بعض كروبك و تبدي له بعض ما يمكن لك ابداؤه من همك و غمك و تستأنس به قليلاً و تستعين به علي بعض الشدايد فمن لميجد صديقاً مستوثقاً به كالاول فلايتركن الثاني فان من لا اخ له و لو كالثاني فهو غريب في الدنيا وحيد فريد لايهنأ له عيش و لايحصل ديناً
«* مکارم الابرار عربي جلد 13 صفحه 85 *»
و لا دنيا فان الانسان خلق مدني الطبع لابد من بعضهم لبعض فكل واحد منهم يقضي حاجة و ما يلزمهم في معاشهم و معادهم فمنهم من يزرع للاخرين و منهم من يحصد و منهم من يطحن و منهم من يخبز و منهم من يحتطب و منهم من يبني و منهم من يحوك و منهم من يجلب الامتعة و منهم من يكاري و منهم من يراعي و منهم من يصنع الصناعات و منهم من يعلم و هكذا فالذين يتركون اتخاذ الاخوة و لو مكاشرين كيف يقدرون علي تعيشهم و اصلاح امور معاشهم فضلاً عن معادهم فالزم اللوازم في الظاهر فضلاً عن الباطن اتخاذ الاخوة و لو كانوا من المكاشرين لينتظم معاشه في الدين و يعيش حتي يبلغ الكتاب اجله فهذا قليل من كثير في ثمرة اتخاذ الاخوان في ظاهر الحيوة الدنيا.
و اما ثمرته في الباطن فكثيرة منها اعانته اياك علي فعل الطاعات و الاجتناب عن المعاصي فان طبيعة الانسان مجبولة علي الاكتساب ممن يعاشره حتي كان يقال المرء علي دين خليله فاذا كان لك اخ مواظب علي الطاعات و العبادات مجتنب عن المعاصي و السيئات و انت تعاشره و تجاوره تكتسب منه لامحة و ترغب الي مثل ما يعمله و ذلك امر مجرب محسوس لكل احد انيعاشر الفسقة و يري مواظبتهم علي المعاصي يقل قبحها في عينه قليلاً قليلاً و يظهرون له محاسن لها تسويلاً و تزييناً للباطل و يرغب الي مثل عملهم شيئاً بعد شيء و يستأنس بهم حتي يعمل مثل عملهم و من يعاشر العلماء و العباد و يري مواظبتهم علي العلم و الطاعات يكثر محاسنها في عينه شيئاً بعد شيء و يكثر قبح المعاصي في نظره قليلاً قليلاً حتي يهوي و يرغب انيكون كاحدهم حتي انه يفعل مثل عملهم و يدخل معهم في زمرتهم و لذلك نهينا عن مجاورة الفسقة و معاشرتهم و مواخاتهم و حثثنا علي مجاورة العلماء و اهل الزهد و التقوي و ذلك امر بديهي فاذا اتخذ الانسان اخاً في اللّه بالشروط المقدمة عدلاً ثقةً زاهداً عابداً و جاوره و ساوره ليلاً و نهاراً ينجذب اليه طبعه و يرغب الي عمله لامحة فيصير علي مرور الايام و الليالي مثله عدلاً ثقةً زاهداً عابداً و هذا نفع عظيم و خير جسيم.
«* مکارم الابرار عربي جلد 13 صفحه 86 *»
و منها ان الانسان اذا اتخذ اخاً علي ما قررنا و قام له بشروطها يكون عينه و دليله و مرآته و من البين ان حب الشيء يعمي و يصم الانسان عن عيوبه و احب الاشياء عند الانسان في مبادي امره نفسه و هو اعمي و اصم من عيوبه و اما اخوه فهو غيره و يري عيوبه فانه واخاه في اللّه لا للهوي و ميزانه الشرع المبين و سنة سيد المرسلين و طريقة سيد الوصيين عليهما صلوات المصلين فيري عيوب اخيه و يهديها اليه و يخبره بها فهو مرآته يبين له ما فيه وشمة وشمة و وصمة وصمة و شعراً شعراً و دليله يهديه الي ما يجهله من امر دينه و دنياه و يطلعه علي ما خفي عليه مما فيه رضي اللّه و يريه الصراط المستقيم و يعدل به عن طرق الضلالة و الغواية و عن سبل فيها قطاع المسافرين و لصوصهم فيأمن من المخاوف و المحاذير حتي يصل الي المقصود و عينه يري في غيبته و يسمع ما يقول الناس في اخيه فان ساير الناس ابصر بعيوبه من اخيه لما يحتمل انيغطي عينه و يوقر سمعه الحب فيشتبه عليه بعض عيوب اخيه و لكن الناس لقلة حبهم او عدمه لايشتبه عليهم فيقولون و يرون و يسمعون فاذا كان لك اخ يشهد غيبتك و سمع الناس يقولون فيك كذا يتنبه و ينبهك فتترك ذلك العمل و هذه نعمة عظيمة و رحمة جسيمة من اللّه لك ان عرفت قدره.
و منها ان الاخ يدعو لاخيه في آناء الليل و النهار بل يؤثر اخاه في الدعاء علي نفسه دائماً و دعاءه فيك مستجاب لامحة اذ لمتعص اللّه بذلك اللسان و ان اللّه ابرّ بك من اخيك و ان مواليك و ساداتك ابرون بك من اخيك فاذا دعا لك اخوك عن صرف الحب في اللّه كان اللّه اولي منه بالاجابة و الزيادة و كان موالوك اولي بالتأمين و الدعاء فببركة دعاء مواليك و استجابة اللّه و دعاء اخيك تسعد في الدارين و يصلح لك امر آخرتك و دنياك و هذه ايضاً منة اخري من اللّه سبحانه فاعرف قدرها و كن من الشاكرين.
و منها اصل حبه لك و حبك له في اللّه و للّه مجذبة لامداد اللّه سبحانه و لطفه و حبه لكما فان اللّه سبحانه ابر بكما منكما فاذا تحاببتما للّه و في اللّه كان اللّه اولي بحبكما و العمل بمقتضي حبه لكما و ذلك اشهي من جميع ما مر و احسن.
و منها (ظ)
«* مکارم الابرار عربي جلد 13 صفحه 87 *»
ان حبك له يرجع الي حب مواليك و حب مواليك يرجع الي حب اللّه سبحانه و انت لو لميكن لك من تحبه لايتحقق لك حب اللّه سبحانه فان الشيء لايحب الشيء الاّ انيكون بينهما مناسبة و ارتباط و اي مناسبة بينك و بين اللّه سبحانه او بينك و بين سادتك المعصومين فلايتحقق لك ابداً حب اللّه سبحانه و حب سادتك الطيبين عليهم صلوات المصلين الاّ من هذا الباب فمن لميكن له حبيب من الشيعة و الموالين ليس بحبيب للّه سبحانه و لا حبيب الائمة الطاهرين صلوات اللّه عليهم و لايعرف ابداً معني الحب و لايذوق ابداً حلاوته كما تري من هذه الاقشاب غير المتواخين للّه و في اللّه و جمودهم و عدم ادراكهم لذة الحب و عدم ذوقهم حلاوته حتي انهم قست قلوبهم فهي كالحجارة او اشد قسوة و يتلاقون كالاجانب و يساور بعضهم بعضاً كالاباعد كانهم لميتعارفوا في عالم من العوالم و لايستأنس بعضهم ببعض ابداً و هذه ايضاً خصلة كريمة و نعمة عظيمة ليس فوقها نعمة اذ بها يحصل حب اللّه الذي هو اصل كل خير و حب الائمة الذي هو اصل الدين و حقيقة الايمان و اليقين.
و منها من لميبتل بحب لميلن له جانب ابداً و لميرق له قلب سرمداً و لميخضع له اطراف و لميبخع له جوانب فان صعاب الطباع لايتذلل الاّ بلجام الحب و حزن النفوس لايسهل الاّ بنير الوداد فما لميبتل الرجل بحب حبيب لايصيرن لين العريكة و سهل الطبيعة ابداً و لذا تري المتوادين في اللّه خشعاً خضعاً ذلولاً سهلاً متسامحاً متباشراً متواضعاً متبسماً و تري كل واحد بعيدة خشونتهم قريبة لينتهم سهلاً تجاوزهم كثيرة رقتهم زاهداً فيما سوي محبوبهم سموحاً في زلل الناس مستقيلاً في عثراتهم مستقلاً لمحاسنهم متسكثراً لمعايبهم مستوحداً في همومهم مستوحشاً عن غير محبوبهم كثير العبرة دائم الرقة كثير التسليم سريع القبول، بالجملة لهم كل خير و اجتناب كل شر و هذه لك نعمة اخري فما لميكن الرجل متواداً للّه متحاباً في اللّه اني تحصل له هذه المكارم و الخصال و اني يوجد فيه هذه الصفات و الاحوال.
و منها الشفاعة المقبولة في الاخرة فان الاخ اذا كان في اللّه مؤمناً تقياً نقياً له
«* مکارم الابرار عربي جلد 13 صفحه 88 *»
شفاعة مقبولة في كل من له عليه حق كما تظافرت به الاخبار فكيف لايشفع اخاه في اللّه الذي هو اقرب الخلق اليه، الي غير ذلك من المنافع الباطنية و هذه اعظم نعماء اللّه سبحانه و ان تعدوا نعمة اللّه لاتحصوها و قس علي ذلك ساير المنافع و الخصال و المكارم و الاحوال.
و اما ما يحث علي اتخاذ الاخوان من الاخبار فكثيرة جداً منها ما قال الرضا7 من استفاد اخاً في اللّه استفاد بيتاً في الجنة و عن لقمن انه قال لابنه يا بني اتخذ الف صديق و الف قليل و لاتتخذ عدواً واحداً و الواحد كثير و قال اميرالمؤمنين7:
عليك باخوان الصفاء فانهم | عماد اذا استنجدتهم و ظهور | |
و ليس كثيراً الف خل و صاحب | و ان عدواً واحداً لكثير |
و قال رسول اللّه9 لايدخل الجنة من ليس له فرط قيل يا رسول اللّه و لكل فرط قال نعم ان من فرط الرجل اخاه في اللّه و قال ابوعبداللّه7اكثروا من الاصدقاء في الدنيا فانهم ينفعون في الدنيا و الاخرة اما في الدنيا فحوايج يقومون بها و اما الاخرة فان اهل جهنم قالوا فما لنا من شافعين و لا صديق حميم و قال7 استكثروا من الاخوان فان لكل مؤمن دعوة مستجابة و قال استكثروا من الاخوان فان لكل مؤمن شفاعة و قال اكثروا من مواخاة المؤمنين فان لهم عند اللّه يداً يكافيهم بها يوم القيمة و قال اميرالمؤمنين7 اعجز الناس من عجز عن اكتساب الاخوان و اعجز منه من ضيع من ظفر به منهم و قال رسول اللّه9 المؤمن غرّ كريم و المنافق خب لئيم و خير المؤمنين من كان مألفة للمؤمنين و لا خير فيمن لايألف و لايؤالف و قال شرار الناس من يبغض المؤمنين و تبغضه قلوبهم المشاءون بالنميمة المفرقون بين الاحبة الباغون للناس العيب اولئك لاينظر اللّه اليهم و لايزكيهم يوم القيمة ثم تلي عليه السلام هو الذي ايدك بالمؤمنين و الف بين قلوبهم
«* مکارم الابرار عربي جلد 13 صفحه 89 *»
الي غير ذلك من الاخبار و الاثار.
و فيما مر سابقاً و ذكرنا آنفاً عبرة لاولي الابصار و كفاك قوله تعالي في صفة الكافرين انهم يقولون فما لنا من شافعين و لا صديق حميم و في صفة المؤمنين اخواناً علي سرر متقابلين و قوله ايدك بالمؤمنين و الف بين قلوبهم فقلوب المؤمنين مؤلفة لامحة لاخبار اللّه سبحانه فمن ليس له صديق في الدنيا ليس له صديق في الاخرة و من لا اخ له في الدنيا ليس له اخ في الاخرة فمن ليس له في الدنيا صديق حميم و لا اخ مستفاد في اللّه و ليس قلبه مألوفاً بمؤمن ليس بمؤمن قطعاً لما عرفت.
و اما ما يحث علي اتخاذ الاخوان من صحيح الاعتبار فكثير مما ذكر و نزيد عليه من باب الموعظة الحسنة، ان الظاهر علي طبق الباطن و الباطن علي وفق الظاهر فكما ان الانسان لايقدر ان يسلك طريقاً لميسلكه قبل و لميهتد اليه الاّ بدليل يرافقه و يهديه مع ان مشاعره الجسمانية صحيحة و الطرق واضحة و الدنيا نهار و الاعداء اقل من الباطن و الشعب اشذ كذلك لايقدر الانسان انيسلك طريق الباطن الذي لميسلكه قط و لمير احداً يسلكه ذلك مع ان مشاعره الباطنة كآلة منطمسة و الطرق خفية و فضاءه مظلم و الاعداء متكاثرة و الشعب وافرة و هو غريب وحيد فريد جاهل لايهتدي سبيلاً و لايعرف دليلاً لا زاد له و لا راحلة هل يمكن عادة انيهتدي مثل هذا السالك الي المقصد و ينجو من ايدي هذه الاعداء او لايموت جوعاً و عطشاً و تعباً فلعمري يستحيل عادة انيصل مثل هذا السالك الي مقصد بل يمتنع عادة انينجو و ابي اللّه انيجري الاشياء الاّ باسبابها و لذا ورد الرفيق ثم الطريق و انما هم يتكلمون بالكلمة و يريدون سبعين وجهاً لهم من كلها المخرج و هذا المعني احدها و نزيد لك بياناً ايضاً في الوصل الاتي بحيث تعلم ان ذلك سرّ سري من اول الايجاد الي آخره لايمكن لاحد انيسلك خطوة الاّ برفيق.
لايقال ان اللّه سبحانه اوضح الدين و النبي9 نصب اعلام الشرع المبين و الائمة: نهجوا مناهج اليقين فاي حاجة مع ذلك كله الي اتخاذ الاخوان فانا نقول ان اللّه سبحانه و رسوله و اوليائه: دلوا علي الطريق بالقول و بينوا الشوارع و الطرق بالبيان و انك لو قال لك قائل ان الطريق الي مكة
«* مکارم الابرار عربي جلد 13 صفحه 90 *»
كذا و كذا و تمشي يميناً كذا و كذا اياماً و يساراً كذا و كذا و مستقيماً كذا و كذا فاولاً لايمكنك ضبط هذه التحديدات و الدلالات و ثانياً لاتأمن الخطاء عند الطرق المتشعبة و يشتبه عليك لامحة و ثالثاً لاتأمن اللصوص و قطاع الطريق و لاتقدر علي مجاهدتهم و محاربتهم مع انهم الوف و انت وحيد فريد لا سلاح لك و لا معين و رابعاً ان طرق الباطن ليست كالطرق الظاهرة فليس كل احد يفهم من اللّه و رسوله9 كيفية بيان الطرق و حقايقها فمنها طرق في مقامات التوحيد و منها طرق في معانيها و منها طرق في ابوابها و منها طرق في ادلائها و منها طرق في اركانها و منها طرق في مظاهرها و مجاليها و منها طرق في اصلاح النفس و اخلاقها و احوالها و صفاتها و منها طرق في عوالم النفس و مصاعدها و مدارجها.
فمن الذي يفهم من اللّه و رسوله9 كل ذلك الاّ واحد عصره و ناموس دهره فان عرف امرء ذلك كله و رآها رأي العين فهو الواصل البالغ و الدليل الكامل و لكن الرعية الضعيفة و المستهدي الجاهل كيف يقدر انيهتدي من كتاب و سنة ذلك كله الا تري ان جميع المسائل الشرعية موجودة في كتاب اللّه و سنة نبيه و ليس لكل احد انيستخرجها الاّ فقيه متلمذ علي فقيه آخر و لابد لجميع المتشرعين انيهتدوا بهداه و يسلكوا بدلالته مع ان اللّه موجود و الرسول و الائمة: موجودون و الطريقة اكثر مسائلاً و اكثر شعباً و ازيد خطراً و اوفر شبهةً فكيف يمكن انيمشوا فيها بمحض الكتاب و السنة او دلالة ادلاء الشريعة الذين هم الفقهاء ايمكن السلوك في البحر بدلالة ادلاء البر حاشا و كلا فلايمكن السلوك في الطريقة بدلالة الفقهاء و التفقه و ان لها علماً آخر و ادلاء آخر لابد و انيسلك السالك بهداهم و يقتفي اثرهم و يمشي بضوئهم و هم اخوة خاصة علي قدر مراتبهم الا تري انه لميقدر احد من الاولين و الاخرين انيسلك خطوة من اهل الظاهر و لو كانوا سلكوا خطوة لرأوا خطوة و لاخبروا عن خطوة و كفاك تجربة هذا الجم الغفير في الف و مأتين و احدي و ستين سنة و لميهتدوا خطوة واحدة.
و كفاك الشاهد علي ذلك نفسك انك كنت كاحدهم بل اعلمهم و اعملهم و اتقاهم في مدة اربعين سنة و لمتحصل شيئاً و لمتهتد سبيلاً
«* مکارم الابرار عربي جلد 13 صفحه 91 *»
الاّ بعد انتحاببت و تصادقت مع اهله فانظر ما افادوك في علمك باللّه و برسوله و اوليائه و في اخلاقك النفسانية و افعالك الطبيعية في مدة قليلة علي قدر ما تقدمت اليهم و لو زدت في التقدم خطوة واحدة لزادوك و لقد جرب المجربون ان كل من يسلم لهؤلاء امرهم و يحبهم يتغير حاله علماً و عملاً و خلقاً في يومه بل و في ساعته و يري و يحس انه يترقي في كل آن و حين و ان في ذلك لعبرة لك و اللّه يقول الحق و هو يهدي السبيل و كفاك بما ذكرنا في هذا الوصل في الحث علي اتخاذ الاخوان و بيان ثمرته.
وصـل
في بيان عدد الاخوة
و كم ينبغي انيكونوا معاً في طريق واحد و ذلك امر مهم ايضاً وجب في الحكمة التصريح به و بيانه.
اعلم ان للاخوة كما عرفت مراتب و مقامات فمن الاخوة اخوان ثقة و منهم اخوان مكاشرة و لكل واحد كما عرفت حق و لكل واحد حد محدود، اعلم ان الاخوان المكاشرين لا حد لهم فكلما كانوا اكثر كان احسن كما قال اميرالمؤمنين7:
و ليس كثيراً الف خل و صاحب | و ان عدواً واحداً لكثير |
و كما قال الصادق7 استكثروا من الاخوان فان لكل مؤمن دعوة مستجابة و لكل مؤمن شفاعة و ذلك الاخوان المكاشرين اخوان في الشريعة و نظام العالم و بناء عيش بنيآدم علي اتخاذهم و مصاحبتهم و مجاورتهم و مخالطتهم و مخالقتهم و مساورتهم و لولاهم لميخضرّ للشريعة عود و لميقم لها عمود فلابد من اتخاذهم و استكثارهم و اداء حقوقهم و لايلزم من اداء حقوقهم في استكثارهم عسر و لا حرج فانك تبذل لهم ما بذلوا لك من طلاقة الوجه و حلاوة اللسان و المخالقة و المصاحبة فتعطيهم من يد تأخذ بها عنهم و تلك اخوة شرعية و لما كان و لابد لكل احد من حفظ الشريعة و العمل بمقتضاها لابد و انيستكثر من هذه الاخوان و يؤدي حقوقهم مما لايؤدي الي عسر و حرج فان ذلك منفي عن الشريعة الغراء و المحجة البيضاء و ان كثيراً من الحقوق لايمكن اداءها مع كثرة الاخوان
«* مکارم الابرار عربي جلد 13 صفحه 92 *»
الا تري ان المؤمن لاينبغي انيهجر اخاه ازيد من ثلثة ايام و لايمكن اداء هذا الحق اذا كانوا مأة او اكثر او اقل و ينبغي للمؤمن انيواسي اخاه و لايمكن المواساة مع خلق كثير و لو فعل امسي و هو متكفف علي الطرق و الدور لامحة و هكذا فاذا استكثر من هذه الاخوان ادي اليهم بقدر ما يؤدون اليه و لا حرج.
و اما الاخوان في الطريقة فهم اخوان المصادقة و اخوان الثقة كما عرفت و حدهم انيكونوا اربعة او ستة لا ازيد منها و لا اقل و لنسرد الاخبار الدالة علي اتخاذهم في الطريقة و عددهم ثم نتبعها بما رزقنا اللّه من ادلتها و تفاصيلها.
قال رسول اللّه9 الرفيق ثم السفر و في رواية الرفيق ثم الطريق، و قال9 احب الصحابة الي اللّه تعالي اربعة و ما زاد قوم علي سبعة الاّ زاد لغطهم، و قال9 الا انبئكم بشر الناس قالوا بلي يا رسول اللّه قال من سافر وحده و منع رفده و ضرب عبده، و قال9 لعلي7لاتخرج في سفر وحدك فان الشيطان مع الواحد و هو من الاثنين ابعد يا علي ان الرجل اذا سافر وحده فهو غاو و الاثنان غاويان و الثلثة نفر و روي سفر، و قال موسي بن جعفر8 لعن رسول اللّه9 ثلثة الاكل زاده وحده و النائم في بيت وحده و الراكب في الفلاة وحده، و كان ابوعبداللّه7 بمكة اذ جاء رجل من اهل المدينة فقال من صحبك فقال ما صحبت احداً فقال ابوعبداللّه7 اما لو كنت تقدمت اليك لاحسنت ادبك ثم قال واحد شيطان و اثنان شيطانان و ثلثة صحب و اربعة رفقاء، و قال رسول اللّه9 البائت في بيت وحده و الساير وحده شيطانان و الاثنان لمة و الثلثة انس، و قال ابوعبداللّه7 خير الرفقاء اربعة الحديث، الي غير ذلك من الاخبار.
و انت تعلم انهم يتكلمون بالكلمة و يريدون منها سبعين وجهاً لهم من كلها المخرج و هم الواقفون علي الطتنجين و الناظرون في المشرقين و المغربين و المهيمنون علي الخلايق و المكلفون لجميع العوالم و الناطقون في كل عالم باحكام اللّه سبحانه و شرايع دينه، و قدقال الرضا7
«* مکارم الابرار عربي جلد 13 صفحه 93 *»
قد علم اولوا الالباب ان الاستدلال علي ما هنالك لايعلم الاّ بما هيهنا، و قال الصادق7 العبودية جوهرة كنهها الربوبية فما خفي في الربوبية اصيب في العبودية و ما فقد في العبودية وجد في الربوبية، قال اللّه تعالي سنريهم آياتنا في الافاق و في انفسهم حتي يتبين لهم انه الحق الحديث، فهم: قد نبهوا بهذه الاخبار سالكي جميع العوالم و الاقطار علي طريق الصحبة في الاسفار للاستيمان عن الاخطار اذ لا ظاهر الاّ بالباطن و لا باطن الاّ بالظاهر فالامتثال بها واجب علي جميع السالكين في العالمين.
و منهم السالكون في عالم الطريقة و المنتحلون لاحكام الولاية فمهما اراد امرء السلوك في طريق الولاية لابد و انيسلك بهديهم و يقتفي اثرهم و يتبع امرهم فانهم: منار الهدي في كل طريق و هداة الوري في كل سبيل و الادلاء علي اللّه في الغيوب و الشهود و الدعاة اليه في جميع مراتب الوجود و من اوامرهم في عالم الطريقة وجوب اتخاذ الصحب و حرمة السير و السلوك وحده و الدليل علي تحريمهم السير وحده ما مر ان من سافر وحده شر الناس و انه شيطان و انه ملعون فاذا حرم السير وحده و السفر واجب لقوله تعالي سيروا فيها ليالي و اياماً آمنين وجب اتخاذ الاصحاب و المصاحبة لامحة و من سافر وحده فقد القي بنفسه الي التهلكة و هو حرام البتة و الوجه في انه القاء الي التهلكة قول ابيجعفر7 في حديث اجرأ ما يكون الشيطان علي الانسان اذا كان وحده و قال7 ان الشيطان اشد ما يهمّ بالانسان حين يكون وحده خالياً، و قال ابوعبداللّه7 ان الشيطان اشد ما يهم بالانسان اذا كان وحده و لاتبيتن وحدك و لاتسافرن وحدك الي غير ذلك و روي ما يدل علي ان ما اصاب الانسان في الوحدة لميكد يفارقه. فتبين و ظهر ان في الوحدة خطر عظيم و التوحد القاء النفس الي التهلكة و هو حرام في السفر الباطني و الظاهري لانه ملعون بلعن رسول اللّه9 و ان فاعله شر الناس فلايجوز التوحد لاهل الطريقة ابداً.
و ما روي عن الصادق7 انه قال لهشام يا هشام الصبر علي الوحدة علامة قوة العقل
«* مکارم الابرار عربي جلد 13 صفحه 94 *»
فمن عقل عن اللّه اعتزل اهل الدنيا و الراغبين فيها و رغب فيما عند اللّه و كان اللّه انسه في الوحشة و صاحبه في الوحدة و غناه في العيلة و معزه من غير عشيرة الحديث، فالمراد العزلة عن الاشرار و التوحد العرفي اي اجتناب عامة الناس فان التوحد الصرف ليس في هذه الامة المرحومة لانه لابد لهم من الاختلاف الي المساجد و زيارة الاخوان و تحصيل العلم من محله و التزويج و تحصيل الرزق لهم فكيف يجوز في الشريعة التوحد و التفرد الصرف و القرينة علي هذا المعني واضحة في نفس الخبر فانه يقول بعده فمن عقل عن اللّه اعتزل اهل الدنيا و الراغبين فيها و لميقل اعتزل الاخيار ايضاً و اما في الطريقة فقد عرفت انه لايجوز الاّ نفساً اي ينقطع عن جميع الخلق الي اللّه سبحانه فلايتوجه الي غيره و لايريد غيره و لايحب سواه و لايرجو الاّ اياه فالصبر علي هذه الوحدة من قوة العقل فمن عقل عن اللّه اعتزل اهل الدنيا و الراغبين فيها بقلبه لا بجسده فلاينحو نحو احد و لايميل الي غير اللّه سبحانه، و اما ما يميل الي الاخيار و محبتهم و ولايتهم و زيارتهم و صحبتهم و الاخذ عنهم فذلك راجع الي اللّه سبحانه كما عرفت في وصل حقوق الاخوان فالمعاشر للمؤمنين الاخيار متوحد متعيش وحده فان الغالب عليهم جهة الوحدة و جهة الرب الواحد و لا اختلاف فيهم و لاتكثر رأي و هوي و لذا قال اعتزل اهل الدنيا اي الذين عشرتهم توجب تشتت البال و اختلاف الحال و التفرق و البلبال فالصبر علي الوحدة اي علي صحبة الاخيار علامة قوة العقل.
و له معني آخر انيكون الخبر وارداً في المشايخ فان الشيخ من اولي العقول النقباء و هو آية الوحدة بالنسبة الي السايرين كما يأتي و هو آية التوحيد و سر التفريد للاصحاب الاربعة كما يأتي فالتوحد محبوب منه لا من غيره و لذا قال علامة قوة العقل و اما غيره فلايجوز له التفرد و التوحد ابداً و انه شيطان ملعون ان فعل.
و اما سر ان خير الرفقاء اربعة و الشيخ واحد فاعلم انا قد بينا في كثير من رسائلنا و مباحثاتنا و قد حفظه مستحفظوه انه لايوجد اثر و لايصدر من مؤثره الاّ و له كيفيات اربعة لان الاثر اثر فعل الفاعل و الفعل هو حركة المسمي كما قال علي
«* مکارم الابرار عربي جلد 13 صفحه 95 *»
7 و الحركة محدثة للحرارة فالاثر اول ما يصدر من فعل مؤثره يكون حاراً و هو في اول صدوره قبل انينتقل من تحت ظل مؤثره الي غيره ساكن يابس لانه لايميل الي شيء سوي مؤثره و مؤثره باحديته طاو له فليس ينتقل من محله فلايوجد فيه رطوبة اصلاً و هو حينئذ متحرك علي القطب فهو ساكن لايدرك بالسكون و الاثر من حيث نفسه مع قطع النظر عن مؤثره الذي هو مبدء الحرارة بارد لانه مفعول و لا حركة في المفعول و يابس لانه غير مطاوع من حيث نفسه في نفسه لامر مؤثره فهو مستقر في حده غير ممتثل امر غيره و لما مالت الحرارة و اليبوسة الي البرودة لحصول الامتزاج و التركيب حصل الحار الرطب الرابط بين اليابسين و الباب المتلقي من الجهتين و هو رسول الحار اليابس لتمكين قابلية البرودة و اليبوسة فتمكنت و قبلت و اقبلت و امتثلت فحصل منها البارد الرطب فتمت بذلك مراتبه و كملت و ائتلفت و امتزجت و تركبت فحصل منه الاثر تاماً و هذا مرادهم ان الاثر مربع الكيفية و هذا السر سري في جميع مراتب الوجود فلا شيء الاّ و فيه هذه المراتب الاربع حتي المركبات و المولدات التامة و غير التامة و له وجوه آخر كثيرة ذكرنا كثيراً منها في ساير كتبنا فمن ارادها فليطلبها من مظانها.
ثم لما كان الاثر ما لميتركب اجزاءه و تمتزج كيفياته لميكن شيئاً واحداً و اذا تركب حصل من بين الاربع طبيعة خامسة معتدلة بين الكيفيات الاربع لامحة و هي التي سماها الاطباء المزاج و نسميه قطب المركب و قلبه و مركزه و اوسطه و هو طبيعة برزخية بين الحرارة و البرودة و الرطوبة و اليبوسة و لميروا الاطباء غير هذا المزاج و لميصعدوا عنه و انما هو ظهور الواحد الفرد المهيمن علي هذه الكثرات الذي هو بالنسبة اليها نسبة الرحمن الي العرش و هو مستو علي عرش الطبايع مقدم وجوداً عليها فان من المقرر الثابت في الحكمة ان الواحد اشرف من المتكثر و الاشرف اقرب الي المبدء من الاخس فذلك الواحد الذي هو آية الرحمن اسبق وجوداً و اعلي مكاناً من هذه الطبايع فلما تنزل في عالم الطبايع ظهر بالمزاج المتوسط بين الطبايع المتأخر ظهوره عنها فهو الفاتح في الوجود و الخاتم في الظهور به فتح اللّه و به ختم و هذه الطبايع و الاركان الاربع هي تفاصيل
«* مکارم الابرار عربي جلد 13 صفحه 96 *»
شئون ذلك الواحد و ظهور اطواره و ذلك المزاج وجه الاربع الي ذلك الواحد و قلبها المستمد منه الممد لها و هو ايضاً مقدم عليها وجوداً لانه اوحد و اشرف منها و لايمكن في الحكمة انيكون الاخس مقدماً و الاشرف مؤخراً في الوجود فمن ذلك قالوا ان كل اثر مثلث الكيان فالكون الاول هو الواحد المقدم وجوداً آيه الرحمن المهيمن علي عرش الطبايع المذكور فيه الطبايع علي وجه صلوح الاشراق و الكون الثاني هو المزاج الحاصل من تركيب الطبايع و هو الكيفية المتوسطة بين الطبايع المذكور فيه الطبايع علي وجه الاندراج و الاندماج و الاستجنان و المجموع المركب الذي هو بمنزلة الجسد لذلك المزاج المذكور فيه الطبايع علي جهة التفصيل.
و ذلك مشروح مبين في الانسان الفلسفي فان حجرهم مركب من روح و نفس و جسد و فيه الكيفيات الاربعة مفصلاً مشروحاً و هي الفتي الكرشي و الاحمر الشرقي و هو نارهم و الاصفر الشرقي و هو هواءهم و الفتاة الغربية و هي ماءهم و الارض المقدسة و اكليل الغلبة و هي ترابهم و كذلك كل اثر لانك لاتري في خلق الرحمن من تفاوت فكل اثر مثلث الكيان مربع الكيفية و به يتم الشيء و يكمل.
و لذلك قالوا في علم الحساب و العدد ان السبعة عدد كامل لاشتماله علي الفرد الاول و الزوج الاول بعد ان قالوا ان الواحد ليس من العدد و الاثنان يمتنع انيكون اول الاعداد لانه زوج و لايمكن انيكون لكم الذكر و له الانثي فاول الافراد ثلثة و هو اول الاعداد و اول الازواج اربعة و السبعة اول عدد اشتمل علي اول الافراد و اول الازواج فهو اول كامل في الاعداد و قالوا ان الستة عدد تام لان كسورة@ اذا اجتمعت ساوته و هي علة عددية و الحكمة في تمامه ان الواحد الذي هو الروح لما لميكن من صقع المركب و كان آية الرحمن المهيمن علي العرش ليس يدخل في هذا الاعتبار في صقع حدود العرش و حدود العرش ستة جهات اربع و اعلي و هو النفس و اسفل و هو الجسد و لذلك صارت الجهات ستة و محدد الجهات سابعها و الاثر قد تم بستة و كمل بسبعة و الكمال فوق التمام و لما كان تدبير المدبر في كل شيء علي نهج الحكمة و الصواب و
«* مکارم الابرار عربي جلد 13 صفحه 97 *»
الحكمة اثر الواحد و صفة الواحد الحق سبحانه فهي في كل الوجود واحد و لذا قال اللّه سبحانه ماتري في خلق الرحمن من تفاوت فارجع البصر هل تري من فطور ثم ارجع البصر كرتين ينقلب اليك البصر خاسئاً و هو حسير اراد اللّه سبحانه انيكون سرّ الحكمة سارياً في اصحاب السلوك ايضاً لان الاعراض في عالم الطريقة اقل منها في عالم الشريعة و ان الشريعة اختلفت احكامها بحسب الخلط و اللطخ و المزج و لذا انحرفت عن نهج الاعتدال الواقعي و ان كانت علي غاية الاعتدال النفس الامري و قد وضع فيها كل شيء موضعه الاّ انها علي حسب الحكم الثانوي الجاري علي مقتضي الاعراض و الخلط و المزج.
و اما في الطريقة فلما كانت اعراضها اقل كان سر الحكمة فيها اظهر فلذلك لزم انتكون عدة الاصحاب السالكين فيها علي نهج الحكمة و الاعتدال الحقيقي فلذلك لزم انيكونوا ستة علي حسب الجهات الستة الواقعة تحت محدد الجهات الذي هو شيخهم و رئيسهم و معه يكونون سبعة او اربعة علي عدد اركان العرش و انواره الاربعة المعروفة و هي النور الابيض الذي منه ابيض البياض و النور الاصفر الذي منه اصفرت الصفرة و النور الاخضر الذي منه اخضرت الخضرة و النور الاحمر الذي منه احمرت الحمرة الواقعة تحت اسم الرحمن المستوي علي العرش الذي هو خامسهم علي عدد اصحاب الكساء كما كان رسول اللّه9 آية الرحمن المستوي علي عرش الولاية و كان عرش الولاية ذا اركان اربعة علي و الحسن و الحسين و فاطمة3 و كان رسول اللّه9 قطبهم و رئيسهم و سيدهم.
ففي اول الامر ينبغي انيكون الاصحاب ستة و سابعهم الشيخ المهيمن لانهم مبتدؤن في الامر مستأنسون بالكثرة و مستوحشون من الوحدة و لميقو فيهم العقل الذي من علامته الصبر علي الوحدة و لميتناسبوا عالم الوحدة فلابد لهم من كثرة ايتلاف و اختلاط حتي لاتذبل بنيتهم بيبس الوحدة و لاتحترق اخلاطهم بحر التفرد فان التوحد و التفرد اشد حرارة و يبساً من كل نار و لذا لو توحد المبتدي و تفرد غلبت عليه الحرارة و اليبوسة و احرقت رطوباته و اخلاطه و حصلت في مزاجه نار غير طبيعية و تولد منها الشيطان الذي يخلق من مارج من
«* مکارم الابرار عربي جلد 13 صفحه 98 *»
نار و يتسلط عليه فاذا احترقت اخلاطه و تولدت النار غير الطبيعية التي هي مس الشيطان و سرير استيلائه لايكاد يفارقه فلو سلط علي المبتدي نار التوحد و التفرد ذبل و جف و احترقت اخلاطه بها و فسد مزاجه كالطفل اذا سلط عليه نار التكليف و التأديب ذبل و جف و احترق و لذا امرونا اننتركهم سبعاً حتي يقوي فيهم نار الشعور شيئاً بعد شيء و تجففت الرطوبات علي نهج التدبير و الاعتدال كجفاف الخشب في الشتاء في الفيء و لو سلط علي الخشب الرطب ناراً شديدة لدخنت و افسدته و احرقته فكذلك السالك المبتدي لو سلط عليه نار الوحدة و التفرد فسد مزاجه و غلبت عليه الحرارة و احرقت اخلاطه و حصل له منها الماليخوليا و تولد منه الشيطان و تسلط عليه.
فالاولي في الحكمة ان لايمنع اولاً من الكثرة و حد اعتدال الكثرة العدد التام و هو الستة فينبغي انيكون الاصحاب في اول الامر ستة و لان جنسه في اول الامر اكثر فاخوانه اكثر و حقوقهم و صحبتهم لازمة فاذا ترقي بعضهم و قويت فيه النار الغريزية و تجففت رطوباته علي نهج الرفق بالرفقة و قل امثاله و اقرانه و اشباهه يقتصر علي اربعة خامسهم الشيخ الهادي لهم الرحمن المستوي علي عرشهم فيسلكون في ظله الي ربهم و هم خير اصحاب لانهم اقرب الي الوحدة و اشبه بالمبادي العادية و لذا ورد المدح في الاربعة و الذم فيما زاد علي السبعة و قالوا ما زاد علي السبعة الاّ زاد لغطهم لانه يغلب عليهم الكثرة و الرطوبة و الميل لانه لابد و انيميل كل واحد الي كل واحد فيكثر الميل اذا زادوا علي السبعة فاذا كثر الميل قل الجفاف و بعدوا عن المبدء و الاستعداد لنار التكليف و لتدخنوا كثيراً ان سلطت عليهم النار و ان منعت عنهم ابطأ بهم الكمال فروعي الكمال و سرعة الوصول و الاقبال في هذا العدد.
و اما الاقل من السبعة بانيكون القوم خمسة و الشيخ سادسهم فذلك يجري علي خلاف الطبيعة و النظم الطبيعي فان الخمسة فرد و الفرد لايليق بالقوم الممتثلين لامر الشيخ لانهم في مقام نفس الشيخ و مقام المؤثر و الاثر لابد و انيكون زوجاً الكم الذكر و له الانثي تلك اذاً قسمة ضيزي فاذا صار القوم فرداً كان الشيخ سبب زوجيتهم و بضم الشيخ لايصير القوم زوجاً فانه جاء ليخرجهم من
«* مکارم الابرار عربي جلد 13 صفحه 99 *»
الكثرة الي الوحدة و من مشاكلة الخلق الي مشاكلة الرب و من الظلمات الي النور فلايمكن انيكونوا فرداً و يصيروا بضم الشيخ و ظهور نوره عليهم فرداً فوجب انيكونوا ستة و مع الشيخ سبعة او اربعة و مع الشيخ خمسة و اما الثلثة فلما عرفت في الخمسة لايجوز انيكون القوم ثلثة و بضم الشيخ يصيروا اربعة.
و اما الاثنان بانيكون القوم اثنين و الشيخ ثالثهم فذلك جايز في الحكمة و لذا ورد الثلثة نفر او سفر و ورد ثلثة صحب و في رواية الثلثة انس و لكن المتحمل لمصاحبة واحد قليل اقل من الكبريت الاحمر و ليس شأن كل احد لما ذكرنا من غلبة الحرارة عليه و القادر عليها في الناس اقل قليل و هو آية النبوة و الولاية اللتين فوقهما الالوهية فذلك حظ الواصلين الكاملين و النقباء المنتجبين و ليس شأن كل احد و لذا ورد خير الرفقاء اربعة فانه انسب بحال الرعية، و اما اذا كان واحد تحت واحد فيلزم منه محذور الخمسة كواحد متفرد لميكن تحت احد فانه شأن الرب جل و علا و كل من ادعي ذلك فقد ضاد اللّه في سلطانه و نازعه في كبريائه و باء بغضب من اللّه و مأويه جهنم و بئس المصير فهو شيطان غاو فالواحد شيطان غاو و الاثنان شيطانان غاويان و الثلثة سفر و صحب و انس لكن في غالب الناس الثلثة لمة من الشيطان و الاربعة خير الرفقاء و خير اصحاب و السبعة جماعة و لاينبغي انيزيد عليه فافهم ذلك.
ثم اعلم انه اذا وفق قوم للتحابب و التوادد و التصاحب و كانوا ستة فالذي تقتضيه الحكمة الالهية انيكون واحد منهم صفراوياً و واحد دموياً و واحد بلغمياً و واحد سوداوياً و واحد معتدلاً في طبعه لبياً و واحد معتدلاً قشرياً لان كل واحد منهم اذا افرط فيما يقتضيه طبعه يرده الاخر و اذا تحيروا يرجعوا الي ذلك الواحد المعتدل اللبي الغالب عليه الباطن و اذا افرط ذلك المعتدل الباطني في الباطن و اراد ترك الظاهر ينزله المعتدل الجسماني حتي يرجع الكل الي الاعتدال و يستقيموا و يسقوا ماءً غدقاً و هو امداد الشيخ.
و اذا كانوا اربعة فمقتضي الحكمة الربانية انيكون كل واحد علي طبع كما مر ليحصل لهم الاعتدال في جميع اقوالهم و افعالهم و احوالهم و قد استغنوا عن المعتدلين لحصول الاعتدال في
«* مکارم الابرار عربي جلد 13 صفحه 100 *»
جميعهم من حيث الباطن و الظاهر و شاهد هذا المدعي الاركان الاربع فان كل واحد منهم علي طبع و المهيمن علي الكل هو الغوث الاعظم المعدل لكلهم فافهم ذلك و تدبر فيه تجده موافقاً لجميع الايات الافاقية و الانفسية و الكتاب و السنة.
ثم اعلم ان هذه الرسالة الشريفة درة يتيمة و جوهرة كريمة لميسمح الزمان بمثلها و عقرت ام الدهر عن شكلها فاعرف قدرها و اغل مهرها فانها حسناء لميكشف ابداً لثامها و رحيق لميفض ختامها ليس انه قد جهل ما ذكرت من سبقني من اسلافي و من تقدمني من مشايخي بل لاجل انهم لميروا من الزمان اقتضاء و لامن اهله اقبالاً فلذا كتموه و اخفوه الي ان من اللّه علي اهل هذا الزمان و اراد اظهار ما كان في الكتمان عذراً او نذراً فتقبلها بقبول حسن و اعمل بها عملاً حسناً فان اللّه مع الذين اتقوا و الذين هم محسنون.
و لما كانت المسألة من مسائل السلوك و الطريقة ذكرت اغلب ما بينت فيها علي طريق الموعظة الحسنة و اخليتها عن المجادلة و ما اندرج فيها من الحكمة ايضاً ملبس بلباس الموعظة الحسنة فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد و ان في ذلك لذكري لمن كان له قلب او القي السمع و هو شهيد و هذه آخر ما قدر اللّه و قضي من اشحان هذه الرسالة باسرار حقيقة السلوك اجمالاً و الحمدللّه اولاً و آخراً و ظاهراً و باطناً قد تمت علي يد مصنفها و مؤلفها في عصر يوم الاحد الثامن من شهر الربيع الاول من شهور سنة احدي و ستين بعد المأتين و الالف من سني الهجرة ببلدة كرمان صانها اللّه عن طوارق الحدثان حامداً مصلياً مستغفراً مستقيلاً تمت.
@تايپ اين پرونده در تاريخ 24 / 9 / 1386 توسط محمد كاظمي به اتمام رسيد@
@تمام شد مقابله اين كتاب شريف در تاريخ 17 / 02 / 1387 به ياري اقاي محمدباقر سراجي@
([1]) الرصف: الطابق الذي يطبخ عليه الخبز.
([4]) سحاب صلف: كثير الرعد قليل الماء.
([8]) بشّ: اللطف بالمسألة و الاقبال.