رسالة في جواب السيد حسين النايني
من مصنفات العالم الرباني و الحکيم الصمداني
مولانا المرحوم الحاج محمد کريم الکرماني اعليالله مقامه
«* مکارم الابرارعربی جلد 9 صفحه 433 *»
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين و صلي الله علي محمد و آله الطاهرين و الادلاء الطيبين و لعنة الله علي اعدائهم اجمعين.
و بعد _ فيقول العبد الاثيم كريم بن ابراهيم انه قدارسل الي جناب لب الالباب و زبدة الانجاب العلام الفهام الميرزا السيد حسين بن الميرزا ابي القاسم النايني بمسئلة معضلة قدحارت فيها الالباب و تاهت فيها عقول جل الاصحاب و زل عليها الاقدام و ضل فيها الاحلام الا من عصمه الله من العلماء الاعلام و الحكماء العظام المقتبسين من مشكوة ائمة الانام عليهم صلوات الله الملك العلام في جميع الليالي و الايام و قدكثر فيها القال و القيل و مع ذلك العاثر عليها قليل قليل و كتب فيها الطروس و بوحث عنها في الدروس و مع ذلك لميفض ختامها و لميكشف لثامها و قد ورد سؤاله علي حين تبلبل البال و اختلاف الحال بسبب العزم علي الترحال و عدم مساعدة الاحوال لما قدر الله المتعال علي حسب اقتضاء الحال فلميمكنني جوابه في ايام الي انآن ايام الاشتغال و ضيق المجال فرأيت ان التأخير فيه يؤدي الي عدم التمكن منه جملة لتوارد الاشغال فاغتنمت ما يمكنني الان و ان كان قليلا بحسب ما كنت اريد فيه من بسط المقال فاستخرت الله في انجاز جواب السؤال علي قدر ما يقتضيه الحال فاذكر ما هو الميسور لانه لايترك بالمعسور و من الله الاستعانة في جميع الامور فانه لا حول و لا قوة الا بالله العلي العظيم و لما كان عبارة سؤاله سلمه الله بلسان الفرس و كان لايمكنني الجواب بذلك اللسان لضيقه و عدم امكان التلويحات و الاقتباسات من الكتاب و السنة في ذلك اللسان ترجمت سؤاله بلسان العب تسهيلا لارجاع الجواب اليه و بيان ما فيه و كشف ما في ظاهره و خافيه.
«* مکارم الابرارعربی جلد 9 صفحه 434 *»
قال سلمه الله: الحمد لله رب العالمين و صلي الله علي محمد و آله الطاهرين و لعنة علي اعدائهم اجمعين.
اقول: قدعنون سلمه الله كلامه بهذه العبارات و هي بعينها ناقضة لما ذيلها به رادة عليه ما فصله بعدها فانه سلمه الله يفصل بعدها ان الافعال الصادرة عن العبد ليست باختيار العبد لانها معلومة لله سبحانه يقيناً و علم العالم ايضاً تابع للمعلوم يقيناً و علم الله سبحانه ايضاً قديم يقيناً و ما ثبت قدمه امتنع عدمه قضية مسلمة فيمتنع عدم صدور الفعل من فاعله فذهب الاختيار و جاء الاضطرار كما يأتي و ليس هو باول من زل قدمه في هذا الطريق فذلك بحر ضل فيه السوابح هذا الملا محسن يقول في الشافي و الوافي مشيته احدي التعلق و هي نسبة تابعة للعلم و العلم نسبة تابعة للمعلوم و المعلوم انت و احوالك الي ان قال فان الممكن قابل للهداية و الضلال من حيث ما هو قابل فهو موضع الانقسام و في نفس الامر ليس للحق فيه الا امر واحد انتهي.
و الله سبحانه يقول و لو شاء الله لجمعهم علي الهدي فلاتكونن من الجاهلين. و قد تبعه السائل في هذه المسئلة و هذه الفقرات تنكث عليه فتله و تعقد عليه حله و تبطل عليه امره فانه اذا كان علمه سبحانه قديماً و هو قديم يكون عين ذاته الاحدية بلاتعدد و الا لتعدد القدماء و هو محال و اذا كان عين ذاته الاحدية كان هو الذات بعينه بلا حيث و حيث و اعتبار و اعتبار و جهة و جهة لان الذات احدية و الاحد خلاف المثني و ما فيه حيوث و اعتبارات و جهات مثني لا محة و كل مثني مجزي و المجزي لايكون احداً فاذا كانت الذات احدية و كان العلم عين الذات كان هو هي بكل جهة و اعتبار و حيث فهو الذات لا غير بلا تعدد فهي حقيقة واحدة تسميه علماً و تسميه ذاتاً من حيث واحد و من قال غير ذلك فقد قال فيه بالتركيب المستلزم للحدوث لامحة و سيأتي تفصيل ذلك فيما بعد ان شاء الله فااذا كان العلم هو الذات و كان تابعاً للمعلوم كان الذات تابعة للمعلوم فانه هو هي فاذا كان الذات الاحدية تابعة لخلقه و علي طبق خلقه و هو قديم ازلي لايتغير و لايتبدل امتنع عليه سبحانه الاختيار و ليس اذا له ان شاء فعل و ان شاء ترك
«* مکارم الابرارعربی جلد 9 صفحه 435 *»
فاذا لميكن له الاختيار كان الاضطرار و الفاعل بالاضطرار ليس يستحق حمداً و انما الحمد لمن يفعل الفعل اختياراً و يمن علي عباده بالنعم احساناً و الفاعل بالاضطرار ليس بمحسن الي غيره حتي يشكر و يحمد فاذا صح ما قال بطل حمده و اذا صح الحمد بطل ما ذهب اليه و لما اجمع العقلاء علي حمده سبحانه و شكره و نزلت الكتب و جاءت الرسل بالحث علي الحمد عرفنا ان ما ذهب اليه باطل و عن حلية الاعتبار عاطل و كذا يرد عليه قوله و ينكث عليه فتله قوله و صلي الله علي محمد و آله الطاهرين فانهم سلام الله عليهم ان كانت مكارمهم و فضائلهم و مقاماتهم من غير اختيار منهم و انما كانوا مضطرين علي صدور المحاسن منهم لميبق لهم استحقاق صلوة عليهم و لا دعاء لهم فانهم غير مطيعين لله نعوذ بالله عن اختيار فاي صلوة يستحقون منا او من الله سبحانه و لما وجدناهم يستحقون الصلوة بالكتاب و السنة و اجماع المسلمين علمنا انهم محسنون باختيارهم فان كان ما ذهب اليه فيما بعد حقا فالصلوة هنا لغو و عبث و ان كان صلوته عليهم حقا فما ذهب اليه باطل و كذا القول في اللعن علي اعدائهم فانهم ان كانوا خبيثين بالاضطرار و الجبر و علم الله بخبثهم تابع لخبثهم و علمه قديم يمتنع عدمه فيمتنع عدم خبثهم فاي لعن يستحقونه و اي لوم عليهم ولكنه سدده الله جري في اول كلامه علي الفطرة التي فطر الله الناس عليها غافلاً عن الفطرة المبدلة المنحرفة بسبب مزخرفات الحكماء و اقاويلهم الباطلة و قواعدهم الكاذبة فحمد ربه جارياً علي الفطرة علي انه المنعم علي عبده بالحول و القوة و الهداية و تخلية السرب و تهيئة الاسباب و القوي و المشاعر و الارادات و الاختيارات ثم صلي علي النبي و آله لاستحقاقهم الصلوة عليهم بسبقهم في الاجابة علي كل مذروء و مبروء و اطاعتهم لله سبحانه و ائتمارهم بما امر و انزجارهم عما نهي و اعتصامهم بالله سبحانه ثم لعن علي اعدائهم لاستحقاقهم اللعن و اللوم و التوبيخ بسوء اختيارهم و عدم اجابتهم الداعي و تركهم الائتمار بما امر و الانتهاء عما زجر و اتباعهم اهواءهم و آراءهم فهذا الكلام بعينه يدل علي انه لا جبر و لا تفويض بل امر بين الامرين فانه لو كان
«* مکارم الابرارعربی جلد 9 صفحه 436 *»
جبر لما ساغ الصلوة علي الطيبين و اللعن علي الاخبثين و لو كان تفويض لما ساغ الحمد لله رب العالمين و لميكن برب للعالمين لعدم تربيته لهم علي ما اشرنا اليه و لما كان الله مستحقاً للحمد موصوفا بالربوبية و كان العبد مستحقاً للمدح و الذم عرفنا انه امر بين الامرين و منزلة بين المنزلتين و هو ما نبينه لقوم يعلمون.
قال بصره لله: الذي يستفاد من غالب الايات و اكثر الاخبار و يساعده صحيح الاعتبار ان العبد ليس له في افعاله اختيار و الذي يري من ظاهر الاختيار فانما هو في بادي الانظار و عند التدقيق هو من اسباب صدور الفعل من الملك الجبار و بعد صدور الفعل يعرف امتناع صدور غير المختار.
اقول: عجب و اي عجب من هذا المقال الاغرب ان المستفاد من الايات و الاخبار هو عدم الاختيار مع ان الكتاب و السنة مصرحان باوضح بيان و اشرح تبيان بنفي الجبر و التفويض و اثبات المنزلة بينهما و اي خبر يفيد الجبر ام اي خبر يوهم التفويض حاشا آل محمد سلام الله عليهم ان ينطقوا بخلاف الحق و السبب في ذلك ان النفس لما راجعت كلمات الحكماء و المتكلمين و انهمكت فيها و استأنست بها انصبغت بها و اعوجت باعوجاجها و غيرت ما انطبع فيها من الكتاب و السنة ففسرتها علي حسب تلك القواعد المسلمة عندها و ان استوعرت بعض فقراتهما عليها اولته علي حسب مراداتهم و كان الواجب عليها ان تراجع الكتاب و السنة علي الفطرة الالهية و القلب الصافي عن شوائب الاكدار غافلاً عن تلك القواعد و الاعتبار حتي ينطبع فيها الكتاب و السنة بصرافتهما الالهية علي ما اراد الله ثم اذا راجع اقوالهم وزنها بهما كما قال الله سبحانه و زنوا بالقسطاس المستقيم ذلك خير و احسن تأويلاً. فان طابقتهما اخذ بها و الا تركها و الاخذ بهما و الذي يدل عليه الكتاب و الاخبار و يساعده صحيح الاعتبار بلاغبار ان العبد المحفوظ بحفظ الله سبحانه القائم بمدده مختار باختيار محفوظ بقدر الله سبحانه علي اعماله المحفوظة بحفظ الله و ما صدر منه من طاعة هو من الله سبحانه بالعبد و ما صدر منه من معصية هو من العبد بالله سبحانه و ذلك بان الله تعالي ذكره
«* مکارم الابرارعربی جلد 9 صفحه 437 *»
اولي بالحسنات من العبد و العبد اولي بالسيئات من الله سبحانه قال الله سبحانه ما اصابك من حسنة فمن الله و ما اصابك من سيئة فمن نفسك.
و اما قوله سبحانه قل كل من عند الله فهو من متممات الكلام السابق ولكن القوم لايكادون يفقهون حديثاً قال الله تعالي اينما تكونوا يدرككم الموت و لو كنتم في بروج مشية و ان تصبهم حسنة يقولوا هذه من عند الله و ان تصبهم سيئة يقولوا هذه من عندك قل كل من عند الله فما لهؤلاء القوم لايكادون يفقهون حديثاً ثم قال ما اصابك من حسنة فمن الله و ما اصابك من سيئة فمن نفسك وارسلناك للناس رسولاً و كفي بالله شهيداً. فالمراد بالحسنة في الاية الاولي الغنيمة و الصحة و الامن و الحيوة و ما يستحسنه الانسان لنفسه و المراد بالسيئة فيها الفقر و المرض و الخوف و الموت و ما يسوء الانسان و القوم كانوا اذا اصابهم امر يستحسنونه كانوا يقولون هذا من عند الله و قدانعم به علينا و اذا اصابهم سيئة اي امر يسوءهم كانوا يطيرون برسول الله و من معه و يتشأمونه بمتابعة النبي صلي الله عليه و آله فرد الله عليهم فقال قل كل من عند الله المغني هو المفقر و المصحح هو الممرض و المحيي هو المميت و النافع هو الضار فما لهؤلاء القوم لايكادون يفقهون حديثاً و يذهبون مذهب الثنوية ثم لما كان عموم قوله كل من عند الله موهماً لان المعاصي ايضاً من عند الله رفع هذا التوهم بقوله ما اصابك من حسنة من طاعة فمن الله و ما اصابك من سيئة فمن نفسك او الاية الثانية لبيان السبب كما ان الاية الاولي لبيان المسبب (بالفتح) و المراد بالحسنة و السيئةما ذكرناه اولا و المعني ان ما اصابك من خير و نفع و غني و صحة فسببه من الله و السبب هو الاعمال الصالحة المقتضية للخيرات و المثوبات الدنيوية و الاخروية و ما اصابك من سيئة اي من شر و خير و فقر و مرض فسببه من نفسك و السبب هو الاعمال الطالحة المقتضية للشرور و العقوبات الدنيوية و الاخروية فبين في الاية الاولي خلقة المقتضيات و المسببات (بالفتح) اي ان الله سبحانه هو موجد الجزاء لا غير و بين في الآية الثانية ان سبب جزاء الخير من الله اظهره علي يديك نعمة منه و فضلاً و سبب جزاء الشر من نفسك قد صدر منك
«* مکارم الابرارعربی جلد 9 صفحه 438 *»
بالله سبحانه و قد شرح هذا المعني ما رواه الشيخ عبدالله بن نور الله نقلاً من كتاب التوحيد للصدوق بسنده عن عبداله بن عمر في حديث قال ان رسول الله صلي الله عليه و آله كان يروي حديثه عن الله عزوجل قال قال الله يا ابن آدم بمشيتي كنت انت الذي تشاء لنفسك ما تشاء و بارادتي كنت انت الذي تريد لنفسك ما تريد و بفضل نعمتي عليك قويت علي معصيتي و بعصمتي و عفوي و عافيتي اديت الي فرائضي فانا اولي باحسانك منك و انت اولي بذنبك مني فالخير مني اليك بما اوليت يداً و الشر مني اليك بما جفيت جزاءاً و بسوء ظنك بي قطنت من رحمتي فلي الحمد و الحجةعليك بالبيان و لي السبيل عليك بالعصيان و لك الجزاء و الحسني عندي بالاحسان الخبر.
و قد روي مضمون هذا الخبر عن ائمتنا عليهم السلام ما يزيد علي حد التواتر و يوافق الكتاب المستجمع علي تأويله و هذا الخبر قدشرح ان الحسنات من الله سبحانه و هو اولي بها و هو مجريها علي يد العبد و ان السيئات من العبد قدظهر منه بنعمة الله و قوته التي تقوي بها و الخير من الله اليه اي الجزاءالخير و المثوبات من الله اليه بما اولي يدا و الشر اي العقوبات من الله اليه بما جفي فالحسنات و السيئات الجزائيات كلها من الله سبحانه و اسباب المثوبات من الله و اسباب العقوبات من العبد و بذلك قد تواتر الاخبار عن الائمة الاطهار سلام الله عليهم و منها ما كتبه الحسن بن علي عليهما السلام الي الحسن البصري في جواب مسئلته عن القدر كتب عليه السلام من لميؤمن بالقدر خيره و شره فقد كفر و من حمل المعاصي علي الله فقد فجر ان الله سبحانه لايطاع باكراه و لايعصي بغلبة و لا اهمل العباد من الملكة ولكنه عزوجل المالك لما ملكهم و القادر علي ما عليه اقدرهم فان ائتمروا بالطاعة لميكن الله عزوجل لهم صاداً و لا عنها مانعاً و ان ائتمروا بالمعصية فشاء سبحانه ان يمن عليهم فيحول بينهم و بينها فعل و ان لميفعل فليس هو حملهم عليها اجباراً و لا الزمهم بها اكراهاً بل احتجاجه عن ذكره عليهم
«* مکارم الابرارعربی جلد 9 صفحه 439 *»
ان عرفهم و جعل لهم السبيل الي فعل ما دعاهم اليه و ترك ما نهاهم عنه و لله الحجة البالغة و السلام.
تدبر في كلمات هذا الخبر الصادر عن منبع العلم و مهبط الوحي و الحكم و تبصر امرك كيف بين ان الله سبحانه لايطاع باكراهه الخلق علي الحسنة فانها حينئذ ليست بطاعة لله و لايستحق بها ثواباً فانه مجبور عليها لا مطيع فيها و لميعص بغلبة العبد عليه و غلبة ارادة العبد علي ارادة الله سبحانه علي انه سبحانه اراد ارادة حتم ان لايعصي و غلب ارادة العبد علي ارادة الله و عصي فلو اجتمع الجن و الانس علي ان يبينوا نفي الجبر و التفويض مبرهناً احسن من ذلك ما قدروا عليه فانه بين و اوضح و اظهر و شرح بطلانهما و برهن عليه في هذين الحرفين بما لامزيد عليه صلي الله عليه و علي ابيه و جده و اخيه و علي ساير الائمة الهادين ثم انظر في بيانه (هو المالك لما ملكهم و القادر علي ما عليه اقدرهم) كيف اثبت مالكيتهم مع مالكية الله سبحانه و قادريتهم مع قادرية الله سبحانه بلا تناف و نفي التفويض و الجبر معا بالجملة لسنا بصدد شرح هذه الكلمات فانه يقتضي رسالة منفردة و الذي يرد صريحاً علي قولك ما رواه من الاحتجاج عن هشام بن الحكم قال سأل زنديق اباعبدالله عليه السلام فقال اخبرني عن الله عزوجل كيف لميخلق الخلق كلهم مطيعين موحدين و كان علي ذلك قادراً قال عليه السلام لو خلقهم مطيعين لميكن لهم ثواب لان الطاعة اذا لمتكن فعلهم فلمتكن جنة و لا نار ولكن خلق خلقه فامرهم بطاعته و نهاهم عن معصيته و احتج عليهم برسله و قطع عذرهم بكتبه ليكونوا هم الذين يطيعون و يعصون و يستوجبون بطاعتهم له الثواب و بمعصيتهم اياه العقاب قال فالعمل الصالح من العبد هو فعله و العمل الشر من العبد هو فعله قال العمل الصالح العبد يفعله والله به امره و العمل الشر العبد يفعله والله نهاه قال اليس فعله بالالة التي ركبها فيه قال نعم ولكن بالالة التي فعل بها الخير قدر بها علي الشر الذي نهاه عنه قال فالي العبد من الامر شيء قال ما نهاه الله عن شيء الا و قد علم انه يطيق تركه و لا امره بشيء الا و قد علم انه يستطيع فعله لانه ليس
«* مکارم الابرارعربی جلد 9 صفحه 440 *»
من صفته الجور و العبث و الظلم و تكليف العباد ما لايطيقون قال فمن خلقه الله كافراً يستطيع الايمان و له عليه بتركه الايمان حجة قال عليه السلام ان الله خلق خلقه جميعاً مسلمين امرهم و نهاهم و الكفر اسم يلحق الفعل حين يفعله العبد و لميخلق الله العبد حين خلقه كافراً انه انما كفر من بعد ان بلغ وقتاً لزمته الحجة من الله فعرض عليه الحق فجحده فبانكاره الحق صار كافراً قال فيجوز ان يقدر علي العبد الشر و يأمره بالخير و هو لايستطيع الخير ان يعمله و يعذبه عليه قال انه لايليق بعدل الله و رأفته ان يقدر علي العبد الشر و يريده منه ثم يأمره بما يعلم انه لايستطيع اخذه و الانزاع عما لايقدر علي تركه ثم يعذبه علي تركه امره الذي علم انه لايستطيع اخذه الخبر. فتدبر في هذا الخبر الشريف و انظر بنظر الانصاف هل تري فيه من فطور و هل تري فيه احتمال ما اخترته من عدم قدرةالعبد علي الفعل و الترك و عن ابيعبدالله عليه السلام قال لايكون العبد فاعلاً و لا متحركاً الا و الاستطاعة معه من الله عزوجل و انما وقع التكليف من الله عزوجل بعد الاستطاعة فلايكون مكلفاً للفعل الا مستطيعاً و قال في حديث آخر لايكون العبد فاعلاً الا و هو مستطيع و قد يكون مستطيعاً غير فاعل و لايكون فاعلاً ابداً حتي يكون معه الاستطاعة و قال في حديث آخر ان الله عزوجل خلق الخلق فعلم ما هم صائرون اليه و امرهم و نهاهم فما امرهم به من شيء فقد جعل لهم السبيل الي الاخذ به و ما نهاهم عنه فقد جعل لهم السبيل الي تركه و لايكونوا فيه آخذين و لاتاركين الا باذن الله عزوجل و قال عليه السلام لايكون من العبد قبض و لا بسط الا باستطاعة مقدمة للقبض و البسط. الي غير ذلك من الاخبار و قد سردنا هذه الاخبار ليعلم الناظر ان ما ذكره السائل من ان الكتاب و السنة يدلان علي الجبر اشتباه محض و لا شيء فيهما يدل علي الجبر ابداً و انما بعضها يفسر بعضا و متشابهاتها ترد الي محكماتها.
«* مکارم الابرارعربی جلد 9 صفحه 441 *»
و اما الدليل الذوقي العياني الدال علي انه لاجبر و لا قدر و علي انه امر بين امرين و منزلة بين منزلتين ان الله سبحانه خلق العبد من جهتين جهة الي ربه و جهة الي نفسه فجهته التي الي ربه هي جهة اثريته لفعل ربه و جهة وجوده و جهته الي نفسه هي جهة هو هو و جهة ماهيته و انيته و هاتان الجهتان مشهودتان معروفتان في كل عبد بل في كل شيء و ان الله سبحانه لميخلق شيئاً فرداً قائما بذاته للذي اراد من الدلالة عليه كما هو مروي عن الرضا عليه السلام و قد قال الله تعالي و من كل شيء خلقنا زوجين لعلكم تذكرون ان خالقهما منزه عن الصاحبة فجهة الشيء الي ربه علي حسب تجلي الله له به فهي كلها نور و خير و كمال لاتنظر الي غير ربها ابدا و جهة الشيء الي نفسه جهة كونه هو هو فهي كلها ظلمة و شر و نقص فانه لا نور و لا كمال و لا خير الا من الله سبحانه و هذه الجهة ليس فيها ذكر رب ابداً و لاتنظر الي غير نفسها ابداً فليس فيها نور و لا خير و لا كمال ابداً و مثال ذلك نور الشمس انه له جهتان جهة صدور من الشمس و جهة هو هو فمن حيث صدوره من الشمس نور فان النور هو ما اشرق من المنير و الصادر عن المنير فليس النور نوراً الا من حيث الصدور فاذا نظرت اليه من حيث نفسه مع قطع النظر عن حيث صدوره عن الشمس بحيث لاتري فيه شمسا ابداً هو ظلمة بلاشك و امثال ذلك كثيرة في العالم الاتري ان زيداً ابن اذا لاحظت نسبته مع ابيه و تولده منه و ليس بابن اذا قطعت النظر عن تولده عن ابيه و كذا زيداً زوج اذا لاحظت اقترانه بزوجته و اما قبل الاقتران لميكن زوجاً فالزوجية ليست ذات زيد و انما هي صفة من صفاته فاذا نظرت الي تلك الصفة قلت زوج و اذا لمتنظر الي تلك الصفة و نظرت الي غيرها قلت ليس بزوج فان غير الصفة الزوجية و الظاهر في غيرها ليس بزوج و انت ناظر الي غيرها ذاهل عنها و من هذا المثال تبصر الامر فالنور نور من حيث الصدور فانه مأخوذ في معناه المشرق من المنير فاذا لمتلاحظ جهة الاشراق ليس بنور و ما ليس بنور ظلمة فافهم و كذلك المنير منير من حيث الاشراق و اذا قطعت النظر عن الاشراق ليس بمنير فاذا عرفت هذه الامثال من الايات المحكمات و انت تعلم انه ليس في خلق
«* مکارم الابرارعربی جلد 9 صفحه 442 *»
الرحمن اختلاف عرفت ان العبد له جهتان جهة صدور من ربه فهو علي طبق صفة ربه نور و خير و كمال و جهة نفسه فهي علي خلاف كينونة الرب فهي ظلمة و شر و نقص و هي ضد جهة الرب و خلافه في القدسي يا آدم روحك من روحي و طبيعتك علي خلاف كينونتي ظاهرك للفناءو باطنك انا فاذا صارتا ضدين صار اقتضاء كل واحدة علي خلاف اقتضاء الاخري و الاثر الصادر من كل واحدة علي حسب صفتها فالاثار الصادرة من جهة الرب كلها خيرات و حسنات و الآثار الصادرة من جهة النفس كلها شرور و سيئات لان الآثار تابعة لصفات مؤثراتها و الا لميكن الاثر اثراً و لما كان الشيء مركباً من هاتين الجهتين و لايمكن تعقل وجودشيءالا بهاتين لانه ان لميكن له حيث صدور لم يكن موجودا و ان لميكن له حيث نفس لميكن هو هو صار كل موجود مخيراً بين العمل بمقتضي كل واحدة منهما لانه مركب منهما و له ان يعمل بمقتضي كل واحدة منهما فلو كان له جهة واحدة كان مجبوراً علي العمل بمقتضي تلك الجهة لعدم داع فيه علي خلافها و اما مع التركيب منهما فله الداعيان المتضادان و نسبته اليهما علي السواء فان شاء عمل بهذا و ان شاء عمل بهذا و لا معني للاختيار الا هذا و المفروض ان جميع الموجودات مركب من هاتين الجهتين فالعبد و جميع مراتبه من عقله الي جسده و جميع ميولاته و اهوائه و صفاته و اعماله مركب من هاتين الجهتين و هو صالح لاختيار مقتضي كل واحدة منهما فاذا تعلق بمقتضي واحدة منهما اختص في ذلك الحين بها و قبلها كان مستطيعاً للفعل و الترك و اما حين الفعل فليس له الا ذلك الفعل و بعد الفعل ليس له بعد ان فعل ترك ما فعل فانه فعل و مضي و اما قبل ذلك فكان له ان يفعل و ان لايفعل و هذا شأن كل مختار و ليس للاختيار معني الا ذلك و لنعم ما حكي عن افلاطون اذا اختار المختار الاخير اشتبه في فعله بالمضطر و قد روي عن ابي عبدالله عليه السلام قال ما كلف الله العباد كلفة فعل و لا نهاهم عن شيء حتي جعل لهم الاستطاعة ثم امرهم و نهاهم فلايكون العبدا آخذاً و لا تاركاً الا بالاستطاعة متقدمة قبل الامر و النهي و قبل الاخذ و الترك و قبل القبض و البسط
«* مکارم الابرارعربی جلد 9 صفحه 443 *»
انتهي. فهو قبل الفعل مختار و نسبته الي الفعل و الترك علي السواء فاذا اختار احد الشقين و فعله لميكن له ان لايفعله و ليس له الاختيار في تركه بعد ذلك و الله سبحانه عليم قد علم قبل ان يخلقه انه يخلق خلقاً مستطيعاً مختاراً علي الفعل و الترك و انه يبتليه بالامر و النهي فيأتمر او لايأتمر و علمه سبحانه مطابق للواقع لا خطاء فيه و صواب علمه سبحانه لايقتضي ان يكون العبد مجبوراً فانه كما علم انه يفعل كذا اي يختار هذا الشق علم انه مستطيع مختار قبله يقدر علي ذلك و علي خلافه فالعالم باختياره علم اختياره لاحد الشقين و علم بزمانه و مكانه و كينونته في كل زمان و في كل مكان فعلم كينونته مثلاً في الساعة الاولي من النهار و انه فيه الاستطاعة و الاختيار فيها و علم انه بعد هذا الاختيار و به يختار الفعل مثلاً في الساعة الثانية و علم انه اذا فعل قضي و امضي و ليس له ان لايفعل في تلك الساعة بعد ما فعل نعم له ان يترك فيما بعد ما فعل فاي اضطرار يوجب قدم هذا العلم و عدم اختلافه. هب علي فرض ما ظننت نفرض ان الله سبحانه خلق رجلا مختارا و ان كان فرضنا علي خلاف الواقع علي ظنك لكنا نفرض فرضاً ان الله سبحانه خلق رجلاً مختاراً و هو قادر علي خلق مثل ذلك باتفاقنا فهل يجب ان يكون عالماً بما يخلق ام لا؟ لايسعك ان تقول لا يجب فيجب ان يكون عالماً بما يخلق و نفرض ان الله سبحانه اراد ان يكلف عبده هذا و هو قادر فكلف بما كلف و يلزم العبد العمل بما كلف فالعبد حينئذ اما ان يعمل بتكليفه او يعصي فهل يجب ان يعلم الله سبحانه انه يختار اي شق ام لا لايسعك ان تقول لا فانه عالم لايجهل و يعلم خلقه فاقول علمه باختياره احد الشقين هل يخرج العبد عن الاختيار ام لا؟ فان قلت نعم انكرت الفرض و ان قلت لا اقول لك كذلك الآن قد خلق الله سبحانه الخلق من هاتين الجهتين و بهما صار العبد مخيراً علي الفعل و الترك و لايمكن الاتيان بالفعل و الترك معا في آن واحد و لايمكن البقاء علي الاختيار من غير فعل فاما ان يختار الفعل و الله يعلم انه يختار الفعل و اما ان يختار الترك و الله يعلم انه يختار الترك لانه سبحانه عالم لايجهل شيئاً و لايخفي عليه خافية من خلقه و علم الله سبحانه
«* مکارم الابرارعربی جلد 9 صفحه 444 *»
لايتخلف و لايكون كذباً الا ان الذي علمه لايتخلف و لايكون كذباً علمه محيط بكل شيء و كذلك علمه مختاراً قبل ان يفعل في الآن الثاني و بذلك دل الكتاب و السنة و صريح الحجة و مع ذلك جميع افعال العباد من خيرهم و شرهم مخلوقة لله سبحانه مقدرة بتقدير الله سبحانه فانه خالق كل شيء فلما خلق خلقاً مختاراً باختيار مخلوق و علم انه يختار اي شق من طرفيه خلق له ذلك الشق علي حسب اختياره المخلوق المحفوظ فهو يختار بالاختيار المنعم عليه احد الشقين فيخلقه الله سبحانه علي حسب اختياره و علمه اولي بالتصديق و هذا معني ما روي في عدة اخبار منها ما روي عن ابيجعفر عليه السلام انه قال ان في بعض ما انزل الله من كتبه اني انا الله لا اله الا انا خلقت الخير و خلقت الشر فطوبي لمن اجريت علي يديه الخير و ويل لمن اجريت علي يديه الشر و ويل لمن قال كيف ذا و كيف ذا. فمعنا هذا الخبر و ما مر في رواية عبدالله بن عمر و امثالهما ما ذكرنا من انه سبحانه خالق كل شيء خيره و شره و من زعم غير ذلك فقد ذهب مذهب الثنوية الا انه يخلق الخير و يجريه علي يدي العبد علي حسب اختياره للخير و يخلق الشر و يجريه علي يدي العبد علي حسب اختياره للشر فهذا معني الخبر لا ما اشتبه علي بعض الجهال ففهموا منه الجبر و تمسكوا به و كذا هذا معني ما روي ابوبصير قال كنت بين يدي ابي عبدالله عليه السلام جالساً و قد سأله سائل فقال جعلت فداك يابن رسول الله من اين لحق الشقاء اهل المعصية حتي حكم لهم في علمه بالعذاب علي عملهم فقال ابوعبدالله عليه السلام ايها السائل علم الله عزوجل لايقوم احد من خلقه بحقه فلما علم بذلك وهب لاهل محبته القوة علي معرفته و وضع عنهم ثقل العمل بحقيقة ما هم اهله و وهب لاهل المعصية القوة علي معصيتهم لسبق علمه فيهم و منعهم اطاقة القبول منه فوافقوا ما سبق لهم في علمه و لميقدروا ان يأتوا خلالاً تنجيهم من عذابه لان علمه اولي بحقيقة التصديق و هو معني شاء ما شاء و هو سر انتهي.
تدبر في هذا الخبر الشريف و اعتبر من اسراره التي ضل فيها الاعلام و زل عليها الاقدام و حل عقدها
«* مکارم الابرارعربی جلد 9 صفحه 445 *»
بما وهبناك من علم الملك العلام فان الشقاوة و السعادة صفتان للشخص المركب من الوجود و الماهية فالسعادة صفة الوجود و من عمل بمقتضي وجوده فهو سعيد مصور بصورة السعداء و من عمل بمقتضي ماهيته فهو شقي مصور بصورة الاشقياء و الدليل علي انهما من الصورة قول النبي صلي الله عليه و آله الشقي من شقي في بطن امه و السعيد من سعد في بطن امه و بطن الصورة هي بطن الام كما حققناه في محله و من ذلك قال ابوعبدالله عليه السلام في قوله تعالي ربنا غلبت علينا شقوتنا قال باعمالهم شقوا بالجملة السعادة و الشقاوة صورتان و صفتان مخلوقتان لله سبحانه و قد خلقهما و قدرهما و كل من اختار جانب الوجود خلق الله له صورة السعادة و البسه اياها و كل من اختار جانب الماهية خلق الله له صورة الشقاوة و البسه اياها و هو سبحانه كان عليماً بانه مختار و انه يختار اي شق فخلق السعيد سعيداً حين خلق و خلق الشقي شقياً حين خلق و علمه سبحانه اولي بالتصديق و من ذلك يخلق الله العبد سعيداً و هو في بطن امه علي المعني الظاهر بل في عالم الذر و يخلق العبد شقياً و هو في بطن امه بل في عالم الذر و لايسئل عما يفعل و هم يسألون و علمه سبحانه اولي بالتصديق فتبين و ظهر مما قدمناه آنفاً ان الجبر محال ممتنع ليس في ملك الله سبحانه و لايمكن فرضه في شيء مما خلق لان ما لميخلقه الله في ملكه ليس للعباد ان يخلقوه في اذهانهم و اذهان العباد من اجزاء الملك فان كان يمكن وجود شيء في الذهن فهو ممكن الوجود في الملك لان الذهن من الملك غايةالامر انه يوجد في الذهن و لايوجد في الخارج ها ان هذه السماء يوجد في العلو و لايوجد في السفل و لايخرجه كونه في محل من الملك دون محل عن كونه ممكناً و كذلك الشيء الموجود في الذهن دون الخارج موجود في ملك الله و الله سبحانه خالقه غاية الامر انه خالقه في ذهنك دون الخارج و ذهنك افلاك وجودك كما برهن في محله فالجبر لو كان ممتنعاً كما نقول و هو كما نقول لايمكن فرضه ايضا في الذهن و كذلك التفويض لايمكن فرضه في الذهن و لا وجود لهما في الامكان
«* مکارم الابرارعربی جلد 9 صفحه 446 *»
اما الجبر فانه فرع خلق الشيء فرداً قائماً بفردانيته و هو ممتنع ادراكه في الحادث فان تلك الجهة المنفردة ان كانت هي الماهية وحدها فهي غير مخلوقة اذ ليس فيها جهة صدور من ربها و ان كانت هي الوجود وحدها من غير جهة نفس فهو موجود و ليس هو بهو و هذا ايضا غير معقول و ان كان الشيء مركباً من جهتين كما بينا فهو مخير بين اقتضائيهما اذ نسبته اليهما علي السواء و انما يختار احد الاقتضائين بالمرجحات الخارجية و القرانات و اما التفويض فهو فرع استغناء الخلق عن الخالق و قيامه بنفسه و هو كلام الاقشاب الذين يزعمون الله سبحانه كالبناء الذي يبني البناء ثم يرفع يده عنه و و قائم علي حاله و ذلك من جهالتهم بمعني الخالق المؤثر و الفرق بينه و بين المكمل و البناء ليس بخالق الماء و الطين و هما قائمان بخالقهما و انما البناء يحدث الحركة فيهما فيقرب بعضاً من بعض و يبعد بعضاً من بعض و حركة يد البناء اثر البناء توجد بايجاده و تعدم بتركه و هي قائمة به قيام الاثر بمؤثره دون الماء و الطين و شتان بين التكميل و التأثير و الخلق آثار فعل الله سبحانه قائم به قيام صدور باق بابقاء الله سبحانه لا ببقائه كما زعموا و كيف يمكن تعقل تخلية الاثر عن يد المؤثر و بقائه بعدها فهو محال و ليس في محال القول حجة و لا في المسئلة عنه جواب و لا لله في معناه تعظيم سبحان ربك رب العزة عما يصفون فلا جبر في ملك الله و لا تفويض و انما هو امر بين الامرين و ليس الامر بين الامرين مركباً من الامرين يعني ان الخلق مركب من شيء من الجبر و من شيء من التفويض فيلزم كفران لان الموجود الممكن لايتركب من ممتنعين و انما هو امر ليس شيء من الجبر فيه و لا شيء من التفويض و هذا هو المراد مما ورد انه لا جبر و لا تفويض بل امر بين الامرين لا ما زعمته الجهال و لا ما ذكره القاشاني عن الطوسي من بعض رسائله ما حاصله ان الفعل مخلوق الله سبحانه باسباب منها اختيارنا ولكن الاختيار و ساير الاسباب ليست باختيارنا و قال في آخر كلامه فنحن مضطرون في الجميع فنحن في عين الاختيار مجبورون فنحن اذن مجبورون علي الاختيار انتهي. فان ذلك جبر محض في الكينونة كما اقر به و هو ينافي غناء الحق المطلق كما سنبينه لقوم
«* مکارم الابرارعربی جلد 9 صفحه 447 *»
يعلمون فترقب و قد قال شاعرهم في هذا المقام:
الخلق مجبور و لا سيما
و الاصل مجبور فاين الخيار
فكل مخلوق علي شكله
في حالة الخير و في الاضطرار
تميز المخلوق عن اصله
لما له من ذلة و افتقار
فكن مع الحق باوصافه
ما بين خير دائم و افتقار
فتدبر فيه و اعتبر.
و بيان المنزلة ان العبد اثر فعل الله سبحانه قائم بامره كما قال سبحانه و من آياته ان تقوم السماء و الارض بامره و في الدعاء كل شيء سواك قائم بامرك و في الخبر الذي مر هو المالك لما ملكهم و القادر علي ما عليه اقدرهم. فالعبد و جميع اجزاء كينونته محفوظ بحفظ الله سبحانه قائم بمشيته ابداً بحيث لو خلاه عن يده طرفة عين لعدم و فني كالكلام القائم بتكلم المتكلم لو امسك عنه عدم من ساعته و النور القائم بالسراج لو رفع اشراقه لعدمت الانوار في ذلك الوقت بلامهلة فلا شيء من التفويض فيه و خلقه الله سبحانه مركباً من جهتين متضادتين في الصفات و الافعال مختاراً فهو و اختياره و جهتاه و اقتضاؤهما و صفاتهما و افعالهما مخلوقون لله سبحانه اذ هكذا خلقه و حفظه بحفظه فلا شيء من الجبر فيه فالعبد المحفوظ بالاختيار المحفوظ يختار الفعل المحفوظ و يفعل الفعل المحفوظ و هذا هو الامر بين الامرين و المنزلة بين المنزلتين و هو اوسع مما بين السماء و الارض و ليس يلزم عليه ما يلزم علي الاشاعرة الكفرة من الظلم لله سبحانه او انكار العذاب و اي ظلم اعظم من ان يجبر العبد علي المعصية ثم يعاقبه عليه و ان لميعاقبه فاي كذب اكبر من ان يعد بالعقوبة ثم يتركه لقبحه و لايلزم عليه ما يلزم علي المعتزلة الفجرة الثنوية مجوس هذه الامة من اخراج الله سبحانه من سلطانه و قدرته و القول بان الخلق شركاء الله سبحانه في ايجاد الافعال و انما هو النمط الاوسط و السبيل السواء اليه يرد الغالي و به يلحق التالي الخارج عنه مارق و المتخلف عنه زاهق و الملازم له لاحق فصحح اعتقادك باتباع هذا الطريق الاقوم و السبيل الاعظم و اياك و المخالفة فتهلك مع الهالكين و لقد كررت العبارة لان تفهم الاشارة و مع ذلك
«* مکارم الابرارعربی جلد 9 صفحه 448 *»
فان فهمت فانت انت.
و من كان ذا فهم يشاهد ما قلنا
و ان لميكن فهم فيأخذه عنا
و ما ثم الا ما ذكرناه فاعتمد
عليه و كن في الحال فيه كما كنا
و ما ذكرناه من البيان كاف للتبيان الا انا نزيد ذلك في خلال ما سنذكره من شرح باقي السؤال اتماماً للحجة و ايضاحاً للبرهان ليهلك من هلك عن بينة و يحيي من حي عن بينة و علي الله التكلان.
قال بصره الله اذ من البراهين المثبتة للمدعي ان جميع الافعال الصادرة منا معلوم ازلي لله لا بمعني ان علم الله علة لها بل تابعة لها اي مطابقة و موازنة و موافقة لها و هذا الفعل الصادر منا اليوم كان معلوماً في الازل و علمه قديم و ما ثبت قدمه امتنع عدمه فمحال ان يصدر غيره منا و خلافه يستلزم بطلان العلم نعم نحن نري في ظاهر الامر و بادي النظر انفسنا قادرين علي الفعل و الترك و لما صدر منا هذا الفعل الذي كان يمتنع عدم صدوره منا توهمنا ان تركه ايضا كان مقدوراً لنا غافلين من ان فعلنا كان معلوما للباري و ليس تغييره من مقدوراتنا كما قد اخبر الله سبحانه و رسوله صلي الله عليه و آله بامر الحسين روحي فداه قبل وقوعه و لم يكن غيره مقدوراً.
اقول: عصمنا الله و ساير المؤمنين من زلة الاقدام و ضلة الاحلام و ليس السائل بصره الله باول من تاه في هذه البرية و ذلك بحر ضل فيه السوابح و لابد من ارخاء عنان القلم قليلاً من غير اجمال مخل و لا اطناب ممل حتي يظهر المصلي من الفسكل و لا قوة الا بالله العلي العظيم و عليك بالتوجه و الاقبال التام لتفهم المرام اعلم ان هذا التعليل عليل من جهات شتي الاولي كون الافعال معلومة ازلية لله سبحانه و الثانية تابعية العلم الذاتي للمعلوم و مطابقته و موازنته و موافقته له و الثالثة كون الفعل معلوماً في الازل و الرابعة محالية ان يصدر منا غير ما صدر الخامسة اثبات القدرة و الاختيار في بادي النظر لا الواقع و السادسة الاستشهاد بامر الحسين عليه السلام و ليس فيه دلالة علي مطلبه ابداً و نبين بطلان هذه
«* مکارم الابرارعربی جلد 9 صفحه 449 *»
الوجوه بقدر ما يقتضيه الفرصة ان شاء الله.
اعلم ان العلم الذاتي ان كان هو عين الذات بكل اعتبار و حيث و جهة فهو الذات الاحدية القديمة التي لاتتغير و لاتتبدل و لايفرض فيها كثرة و لا تعدد بوجه من الوجوه اذ هي بكل اعتيار احدي المعني احدية الحقيقة و ليس لها حيث و حيث و اعتبار و اعتبار و جهة و جهة اذ كل ذلك يستلزم التركيب المستلزم للحدوث و هي قائمة بنفسها غنية عما سواها لقدمها فكيف يكون العلم اي الذات الاحدية تابعاً للمعلوم الحادث المتكثر المختلف و التابع لابد و ان يكون وجوده فرع وجود المتبوع او يكون مطابقا له و المطابق للمتكثر المختلف لابد و ان يكون متكثراً مختلفاً او موازناً له و الموازن للمكيف المحدود لابد و ان يكون مكيفاً محدوداً او موافقاً له و الموافق للحادث المفتقر لابد و ان يكون حادثاً مفتقراً تعالي الله عن جميع ذلك علواً كبيراً و ان قلت بقدم المعلومات احلت و ان قلت بثبوت اعيانها في الذات اسئلك هل هي عين الذات من كل جهة بلاتعدد فتكون عين الذات الاحدية و لا اعيان او غير الذات و حادثة فتكون الذات محلا للحوادث او قديمة فتتعدد القدماء فاختر لنفسك ما يحلو و ان قلت بحدوث الاشياء في محالها و كون الذات احدية غنية عن ما سواها و كون العلم عين الذات و كونه غنيا عن المعلوم كما ان الذات غنية عما سواها لانه عين الذات بكل اعتبار فكان الله سبحانه و العلم ذاته و لا معلوم فقد قلت حقا و نطقت صدقا و ان قلت هل كانت الاشياء معلومة لله سبحانه في الازل ام لا؟ قلت ما معني قولك في الازل تريد كون الاشياء في الازل او كون وصفها بالمعلومية في الازل فان اردت كون نفسها في الازل فقد احلت و ان اردت كون وصفها بالمعلومية في الازل فلاشك ان المعلومية وصف للاشياء و الوصف تابع للموصوف و الموصوف حادث مخلوق فالوصف ايضا حادث لان وصف الحادث حادث فكيف يكون الحادث في الذات فلايمكن فرض الاشياء بانفسها او باوصافها في الازل و انما الاشياء باعيانها و اوصافها في الحدث في مراتبها و يمتنع ذكرها في الازل بكل اعتبار فانك ان قلت ان نفس الازل عين ذكر الاشياء فقد احلت و ان
«* مکارم الابرارعربی جلد 9 صفحه 450 *»
قلت انها غيره فقد اثبت في الازل غيره ثم غيره ان كان حادثاً فقد جعلت الازل محل غيره من الحوادث و محل الحادث حادث و ان كان قديماً فقد تعدد القدماء و ان قلت ان العلم بالعلة عين العلم بالمعلول او مستلزم للعلم بالمعلول و جعلت الذات علة فقد سلبت الاختيار عن الذات و ان قلت ان الازل احدي و العلم ذاته و علمه غني عن المعلوم كما ان ذاته غنية و لايطابق شيئا و لايقع علي شيء و لا يوافق شيئا و لا يوازن شيئا و ليس بتابع لشيء فقد قلت حقا و اتبعت كتاب الله و سنة نبيه صلي الله عليه و آله و ليس لاحد ازيد من ان يعلم ان الله سبحانه عليم و العلم ذاته و الحادث في رتبته يمتنع في الازل امكاناً و كوناً و عيناً و اما كيف يعلم فلا كيف له كما لا كيف لذاته فمن ادعي العلم بالكيفوفة فقد الحد فيه سبحانه فقد روي في البحار من التوحيد بسنده عن حماد بن عيسي قال سألت اباعبدالله عليه السلام فقلت لميزل الله يعلم قال اني يكون يعلم و لا معلوم قال قلت فلميزل الله يسمع قال اني يكون ذلك و لا مسموع قال قلت فلميزل يبصر قال اني يكون ذلك و لا مبصر ثم قال لميزل الله عليماً سميعاً بصيراً ذات علامة سميعة بصيرة و منه بسنده عن ابيبصير قال سمعت اباعبدالله عليه السلام يقول لميزل الله عزوجل ربنا و العلم ذاته و لا معلوم و السمع ذاته و لا مسموع و البصر ذاته و لا مبصر و القدرة ذاته و لا مقدور فلما احدث الاشياء و كان المعلوم وقع العلم منه علي المعلوم و السمع ذاته و لا مسموع و البصر ذاته و لا مبصر و القدرة ذاته و لا مقدور فلما احدث الاشياء و كان المعلوم وقع العلم منه علي المعلوم و السمع علي المسموع و البصر علي المبصر و القدرة علي المقدور قال قلت فلميزل الله متكلماً قال ان الكلام صفة محدثة ليست بازلية كان الله عزوجل و لا متكلم فتدبر في هذين الخبرين الشريفين تجد مشرباً صافياً بلا اكدار و العلم الواقع غير العلم الذاتي فان الذات لا تقع علي شيء و قد بين ذلك في كلامه لقوله يعلمون حيث قال في الاول و العلم ذاته و قال في الثاني وقع العلم منه و لفظة من هنا للنشو اي العلم الصادر منه وقع علي المعلوم و لو كان متعلق منه لفظة وقع و كان المعني وقع العلم من الله علي المعلوم و كان معني من بدو الوقوع للزم كونه اولاً في الذات و انفصاله ثانياً و ليس شيء ينفصل من الذات في الذات و علي فرضه يكون العلم
«* مکارم الابرارعربی جلد 9 صفحه 451 *»
ايضا حينئذ متبايناً مع الذات فان الذات لمتقع و انما وقع العلم فهذا العلم الواقع غير الذات و انما وقع من الذات علي المعلوم نعوذبالله فعلي اي حال العلم الواقع غير الذات و كل ما هو غير الذات الاحدية حادث لا محة و لايمكن ان يكون شيء باعتبار عين الذات و باعتبار غير الذات فان الاعتبارين ان كانا حقيقيين لهما وجود خارجي فيكون الشيء في الخارج قديماً حادثاً فيكون الله سبحانه باعتبار مخلوقاً حادثاً نعوذبالله و ان لميكونا حقيقيين فلاعبرة بما ليس له حقيقة فتبين و ظهر لمن نظر و ابصر ان كون الاشياء معلومة للازل كلام لا معني له بوجه من الوجوه و لايمكن ان يكون الحادث معلوماً ازلياً و لا معلوماً في الازل و انما هو معلوم للازل سبحانه بلاكيف و الاشياء في الحدوث و الله سبحانه هو الازل و العلم عين الذات و لايكون العلم اي الذات تابعاً لخلقه و اني لاعجب من كثير من العلماء انهم يقولون ان العلم عين الذات ثم ان قلت ان الذات محيطة بكل شيء يفزعون و ان قلت ان علمه محيط بكل شيء يسكنون و ان قلت ان الذات واسعة يسخطون و ان قلت ان علمه واسع يرضون و كذا اذا قلت لهذا القائل ان الذات تابعة للخلق او مطابقة او موازنة للخلق يفزع اشد الفزع و هو ينسب ذلك الي العلم و هو ساكن مع انه يقول ان العلم ازلي فياسبحان الله ان كان العلم عين الذات و لا اعتبارات هناك و لا جهات و لا كثرات فهما لفظان لمعني واحد فسواء ان قلت ان الذات واسعة او علمه سبحانه و الذات محيطة او علمه و الذات ذاتية قريبة او علمه ولكن اكثر الناس بناؤهم علي التكلم بما لايعقلون و لو انهم امسكوا عما لايحسنون لما تكلموا الا قليلاً و من هذا الذي بينا تبين فساد اولي الجهات و الثانية و الثالثة اما محالية ان يصدر منا غير ما صدر فنقول ان الذي يمتنع عدمه و يجب وجوده هو الواحد الفرد الذي هو الازل و كلما سواه كائناً ما كان بالغاً ما بلغ ممكن و الممكن ما استوي وجوده و عدمه يعني ان وجد فلايمتنع عدمه و ان لميوجد فلايمتنع وجوده فهو تحت قدرة الازل ان شاء اوجده و ان شاء اعدمه و لو كان يمتنع وجوده امتنع تعلق القدرة به ابدا كشريك الباري و ان كان يمتنع عدمه لكان
«* مکارم الابرارعربی جلد 9 صفحه 452 *»
واجب الوجود و الواجب الوجود واحد لا شريك له فاصل القول بانه يمتنع ان يصدر من الحادث غير ما صدر قول بوجوب وجود افعال العباد لامتناع عدمها و هل ترضي ان يكون افعال العباد الصادرة عنهم واجب الوجود فلااظنك ترضي بها فان كان افعال العباد حادثة صادرة عنهم فهي حادثة ممكنة و الحادث الممكن لايمتنع عدمه فهذا وجه بطلان هذا القول جملة و اما بيان عدم ملازمة امتناع عدمها مع علم الله سبحانه بها فاعلم ان الله سبحانه يعلم كل شيء علي ما هو عليه في محل وجوده و مقام شهوده بما هو عليه فيعلم الذوات ذوات و الصفات صفات و العلل عللاً و المعلولات معلولات و الممكن ممكناً و الراجح راجحاً و الجايز جايزاً فالله سبحانه يعلم ان زيدا عبد مخلوق و رق مرزوق و يعلم انه مختار يقدر ان يفعل الفعل و يقدر ان يتركه و يعلم انه يختار اي الشقين و انه في اي وقت و في اي مكان و في اي جهة يفعل هذا الفعل فعلمه بانه يختار احد الشقين لايجعل العبد مضطراً فانه يعلمه مختاراً كما خلقه مختارا غاية الامر انه يعلم انه يختار اي شق فاي ملازمة بين علمه سبحانه باختياره و بين امتناع ان يصدر منه غيره و اني انبؤك عن هذا المقام ان شاءالله حتي لاتحتاج الي سؤال غيري ابداً.
اعلم ان الذي اوجده الله سبحانه بعد ما اوجده في الحد الذي اوجده في الوقت الذي اوجده فيه يمتنع ان لايكون موجوداً في ذلك الحد بعد ما اوجده في ذلك الحد ولكن يمكن محوه في الوقت الثاني و كان يمكن عدم اثباته قبل ان يثبته ولكن بعد ما اثبته علي ما اثبته يمتنع ان لايكون اثبته و انما ذلك بجعله سبحانه وذلك لايوجب اضطراراً لله سبحانه في الايجاد بل هو مختار و يمتنع علي غير ذلك صفة الاختيار فلايتعلق به القدرة و جميع الحوادث مخلوقة لله سبحانه و ما تري في خلق الرحمان من تفاوت و هو سبحانه محدث جميع الذوات و الصفات بمشيته و جميع الحوادث من نور مشيته و اثر ارادته و النور علي صفةالمنير و الاثر تابع لصفة مؤثره و الله سبحانه مختار غير مضطر فجميع آثار مشيته مختارة غير مضطرة فالله سبحانه يخلق ما يشاء بما يشاء من آثاره المختارة فاذا
«* مکارم الابرارعربی جلد 9 صفحه 453 *»
اختار المختار الاخير لايوجب ان يكون مضطراً و ان امتنع بعد ان اختار ان لايكون قد اختار ولكنه قبله و بعده كان يمكن اختياره غير ما اختار بل هو قبل العمل و عنده و بعده مختار و لايكون الاختيار الا هكذا فليس امتناع غير ما كان عند ما كان بسبب الاضطرار بل بسبب امتناع كون الشيء غيره فلايكون المثبت غير المثبت و الممحو غير الممحو و يرجع في الحقيقة الي امتناع عدم كون شيء شاءه الله ان يكون في الوقت الذي شاءه في الحد الذي شاءه علي ما شاءه بعد ما شاءه و اوجده و يرجع ذلك الي امتناع عجز الله سبحانه و الي امتناع نقص الله سبحانه و الفرق بين وجوب كون الشيء هو هو و بين وجوب ذات الله سبحانه ان الله سبحانه واجب بذاته لذاته و كون الشيء هو هو واجب بايجاب الله فلو لميوجده لميكن هو هو فالله سبحانه يعلم ان ما جعله شيئا معينا بقدرته و اختياره هو يكون هو و لايكون غيره و اي اضطرار في ذلك أرأيت لو كان العبد مختاراً علي فرض المحال عل زعم من زعم هل كان الله يعلمه ام لا و هل كان العبد يختار احد الشقين في كل آن ام كان يختار كلا الشقين في كل آن و هل اذا اختار احد الشقين يعلمه الله ام لا و هل اذا علمه لزم اضطرار العبد علي خلاف الفرض ام لا يلزم فاختر لنفسك ما يحلو كما بينا سابقاً
فقولك في ايراد البرهان ان جميع الافعال الصادرة منا معلوم ازلي لله ليس بصحيح لان المعلومية صفة الافعال و صفة الشيء تابعة له فالافعال ان كانت قديمة لزم ان يكون فواعلها ايضا قديمة لان القديم لايصدر عن الحادث و ان كان لايصدر عن القديم ايضاً فاذا جميع الموجودات قديم و لا اظنك تقول به ابدا فاذا كانت الموجودات حادثة فكيف تكون معلوميتها التي هي صفاتها قديمة فانك لاتخلو اما ان تقول ان معلوميتها لا شيء فكيف يكون ازلياً و اما ان تقول شيء فهو ذات او صفة فان كان ذاتاً فكيف صرت توصف به الافعال و تجري عليه الاحكام و ان كان صفة فهو صفة الله او صفة الخلق فان كان صفة الله فالافعال مجهولة لا معلومة و ان كان صفة الافعال فالافعال الحادثة كيف تكون صفاتها قديمة ازلية
و اما قولك لا بمعني ان علم الله علة لها بل تابعة لها اي مطابقة و موازنة و
«* مکارم الابرارعربی جلد 9 صفحه 454 *»
موافقة لها فليس بصحيح ايضا لما بينا ان العلم عين الذات بكل جهة و الذات ان كانت تابعة او مطابقة او موازنة او موافقة للحادث لكانت حادثة و عجبا من القوم انهم يقولون ان العلم عين الذات و يسجلون عليه و يقولون ان الذات احدية و يسجلون عليه و يرضون ان يكون علمه مطابقاً و موازناً و موافقاً و تابعاً للحوادث و اذا قيل لهم ان الذات تابعة لخلقها و موازنة لخلقها او موافقة لخلقها يستوحشون و انما يستوحشون من ذلك بالفطرة الالهية الاولية و لايستوحشون من ذلك في العلم بسبب الانس بكلام المغيرين لخلق الله لعنهم الله الذين نكثوا علي الاسلام فتله و اشاعوا طريقة النصاري في المسلمين وليس الله بغافل عما يعمل الظالمون و من هذا الباب استيحاشهم من ان يكون العلم علة مع انهم يقولون ان الذات علة للخلق و العلم بالعلة يستلزم العلم بالمعلول أ ليس ذلك اثبات التعدد في الذات ان العلم ليس بعلة و الذات علة مع ان العلم قديم و يقولون انه عين الذات فوربك لو انفقت ما في الارض جميعا ما الفت بين كلماتهم و لمتقدر ان تطبقه مع الاسلام.
فدع عنك قول الشافعي و مالك
و احمد و المروي عن كعب الاحبار
و خذ عن اناس قولهم و حديثهم
روي جدنا عن جبرئيل عن الباري
و قولك هذا الفعل الصادر منا اليوم كان معلوماً في الازل ليس بصحيح فان معلومية الاشياء ليس في الازل و الازل ليس بظرف لغيره و انما الفعل الصادر منا اليوم معلوم للازل سبحانه في وقته و مكانه و رتبته و جهته و وضعه في مقامه من الحدث والله سبحانه ازلي محيط بكل شيء يعلم كل شيء في حده و مقامه لا في ازله و ذاته و قولك و علمه قديم و ما ثبت قدمه امتنع عدمه في نفسه لو افرد عن ما تقدم عليه و ما تأخر صحيح لان علمه سبحانه عين ذاته و هو قديم و يمتنع عدمه و انما هو العلم الذاتي و لكنه لايستلزم قولك فمحال ان يصدر غيره منا لان كون علمه سبحانه قديماً لا ملازمة بينه و بين الحوادث كما لا ملازمة بين الذات القديمة و بين الحوادث و لان الله سبحانه يعلم الاشياء مختارة بلا كيف و لا مطابقة و لا موازنة و لا وقوع و لا كيف ذلك و لايدرك نحوه بمدارك الحوادث
«* مکارم الابرارعربی جلد 9 صفحه 455 *»
فيعلمها مختارة كذا كما خلقها مختارة كذا فاذا علمها مختارة يعلم انه يمكن ان يصدر منها الفعل و ضده غاية الامر انه علم انه الشيء اختار الفعل المخصوص و ذلك لايوجب محالية صدور غير ما صدر منا كما بينا ان المختار لابد و ان يختار احد شقي الاختيار فاذا اختار المختار الاخير لايوجب ان يكون مضطرا نعم يشتبه في اختياره بالمضطر علي غير الحكيم.
و اما قولك و خلافه يستلزم بطلان العلم فليس بشيء لانه ان فعل كان الله يعلم انه يفعل و ان لميفعل كان الله يعلم انه لايفعل و في كلا الحالين كان الله يعلم انه مختار و يختار اي شق.
و اما قولك نعم نحن نري في ظاهر الامر و بادي النظر انفسنا قادرا علي الفعل و الترك ليس بصحيح فان العبد في الواقع مختار كما بينا لكن العبد و اختياره و مختاره كلها محفوظة بحفظ الله بحيث لولا حفظ الله لها لعدمت من ساعتها ولكن الله خلقها و امسكها بيدها و هي دائماً محفوظة في يده و اني اسئلك هل الله قادر علي ان يخلق عبداً مختاراً محفوظاً في يده بحفظه ام لا فان قلت لايقدر فقد احلت فانك قد اقررت بعجزه سبحانه عن امر ممكن يمكن تعقله و تصوره وان قلت يقدر ان يخلق عبدا مختارا محفوظا في يده بحفظه ام لا فان قلت لايقدر فقد احلت فانك قد اقررت بعجزه سبحانه عن امر ممكن يمكن تعقله و تصوره و ان قلت يقدر ان يخلق قلت فما المانع من تسليمك لما قال الله سبحانه في كتابه و جاء به الرسول في سنته حيث يقول الله سبحانه من يعمل مثقال ذرة خيرا يره و من يعمل مثقال ذرة شرا يره. و قد نسب الفعل الي العبد و ذكر جزاءه بفعله و لو كان يمتنع ان يصدر منه غير ما صدر لما استحق اثماً و عذاباً و لا حسنةً و لا ثواباً و قال ان احسنتم احسنتم لانفسكم و ان اسأتم فلها و الشرط لايذكر الا اذا صلح وجود المشروط و عدمه و قال من جاء بالحسنة فله عشر امثالها و من جاء بالسيئة فلا يجزي الا مثلها و قال انا هديناه السبيل اما شاكرا و اما كفورا و لايحتمل الشكر و الكفر الا في المختار و قال و كلا اخذنا بذنبه و قال من شكر فانما يشكر لنفسه و من كفر فان الله غني عن العالمين و قال لها ما كسبت و عليها ما اكتسبت الي غير ذلك من الايات و قد ذكرنا شطراً من الاخبار فراجع و لو كان يمتنع صدور
«* مکارم الابرارعربی جلد 9 صفحه 456 *»
غير ما صدر منه لما استحق الاثم و ارسال الرسل و انزال الكتب و الدعوة و نصب الدلائل و الحدود و التعزيرات كلها شاهدة بانه يمكن للعباد ان يؤمنوا و يمكن ان يكفروا و يمكن ان يطيعوا و يمكن ان لايطيعوا و لو كان يمتنع صدور غير ما صدر منهم لكان كل ذلك لغواً او كذباً و اتمام الحجة غير نافع و اين الحجة و ما الحجة حينئذ بل لو لميبعث الرسل و لمينزل الكتب و لميدع و لميحدد لما صدر عنهم الا ما كان يجب ان يصدر فوربك ان هذا القول خارج عن تحت الملل كلها و يخرج الانسان عن جميع الملل من آدم الي خاتم فيا ايها المسلم سلم لما ذكرت لك فانك ان تعديت عنه هوي بك الضلالة في مكان سحيق و تقع وقعة لا نهوض بعدها فاني ما نطقت لك عن الهوي و انما ذكرت ما ذكرت عن بصيرة من ربي و تسليم لامره و اخذ بقوله والله يقول الحق و هو يهدي السبيل أ فمن يهدي الي الحق احق ان يتبع ام من لايهدي الا ان يهدي فما لكم كيف تحكمون.
و اما قولك و لما صدر منا هذا الفعل الذي كان يمتنع صدوره منا توهمنا ان تركه ايضا كان مقدوراً لنا غافلين من ان فعلنا كان معلوما للباري و ليس تغييره من مقدوراتنا فليس بصحيح فان بتوهم المقدورية علي الترك لا يلام العبد علي ذنبه و لايخلد في نار جهنم ابد الابدين و لايجيء لهدايته مائة الف و اربعة و عشرون الفاً من الانبياء و المرسلين و لايحتملون مكابدة الانزال و منازلة الارذال و لاينزل الله هذه الصحف المكرمة المرفوعة المطهرة و لايحكم بنجاسة الكفار و لايقال اقتلوا المشركين حيث وجدتموهم و خذوهم و احصروهم و اقعدوا لهم كل مرصد فيا سبحان الله ان كان يجب ان يصدر ما صدر و يمتنع خلافه فما كل هذه الضوضاء الشوهاء الخرقاء بين الانبياء و اممهم و ما خلق جهنم و ابوابها و مالكها و زبانيتها و لهيبها و زفيرها و قول الملائكة لاهلها أ لميأتكم نذير قالوا بلي قد جاءنا نذير فكذبنا و قلنا ما نزل الله من شيء و ما لوم الله سبحانه عليهم او لمنعمركم ما يتذكر فيه من تذكر و جاءكم النذير.
و اما قولك كما قد اخبر الله سبحانه و رسوله صلي الله عليه و آله بامر الحسين
«* مکارم الابرارعربی جلد 9 صفحه 457 *»
روحي فداه قبل وقوعه و لميكن غيره مقدورا فياسبحان الله فاذا كان لا لوم علي يزيد لعنه الله و لا علي قتلته فانه لم يكن غيره مقدورا فاذا يستوي حسين و يزيد لان كل واحد منهما كان لايمكنه غير ما صدر منه و يجب ان يصدر منه ما صدر و يمتنع ان يصدر منه غيره فلا مدح للحسين عليه السلام نعوذبالله و لا لوم علي يزيد لان كل واحد منهما لايقدر علي غير ما صنع فاذاً المؤمن و الكافر و الحجة و المحجوج في الاضطرار مساويان و لميبق شرافة للمؤمن علي الكافر و لا للحجة علي المحجوج بل وجود الحجة و الاحتجاج لغو محض اذا كان لاينجع احتجاجه في المحجوجين نعوذبالله فيا لله و لهذا القول المنافي لكتب الله المنزلة و سنة انبيائه الواضحة أتتوقعون ان لايعلم الله و رسوله ما يفعله الامة الضالة المتحيرة و ان لايعلما ان الامة ما يختارون بعد الرسول و من علمهما باختيارهم اي اضطرار يحصل لهم و اني ارد عليك مثالك و هو ان الرمال اذا علم ان زيدا يفعل في يوم الخميس مثلا كذا أ يجعل علم الرمال زيدا مضطراً علي عمله و هو يعلم انه مختار و انه يختار الفعل او الترك و اني اسئلك عن مسئلة لو اجبت عنها الي يوم القيامة فانت انت اخبرني ان الخلق لو كانوا مختارين غير مضطرين كيف كانوا يكونون فان وجدت كيفية غير ما هم عليه الان فتكلم و الا فسلم.
يا باري القوس بريا لست تحسنة
لا تفسدنها و اعط القوس باريها
و من العجب قول الملامحسن القاشاني الذي قد اساء في هذه المقالة ككثير من اقواله و قد تبعه السائل في هذا القول و احب ان انقل عبارت بعينه و تمامه ليعتبر معتبر و يتذكر متذكر قال في الشافي بعد رواية ابيبصير التي ذكرناها في اوايل هذه الرسالة بيان يمكن الاشارة الي سر ذلك لاهله من المتعمقين و ان كان الظاهريون لبمعزل عن فهمه و نيله بان يقال لما كان الخلق هم المعلومون لله سبحانه و هو العالم بهم و المعلوم يعطي العالم و يجعله بحيث يدرك ما هو عليه في نفسه و لا اثر للعلم في المعلوم بان يحدث فيه ما لايكون له في حد ذاته بل هو تابع للمعلوم و الحكم علي المعلوم تابع له فلا حكم من العالم علي المعلوم الا بالمعلوم و بما يقتضيه بحسب استعداده الكلي و الجزئي و الحق
«* مکارم الابرارعربی جلد 9 صفحه 458 *»
سبحانه و ان كان علمه بالخلق علما ذاتيا غير مستفاد مما هم عليه غير انهم اقتضوا في انفسهم ما كانوا عليه في علمه فحكم ثانيا بما اقتضوه بحسب علمه فما قدر الله سبحانه علي الخلق الكفر و العصيان من نفسه بل باقتضاء اعيانهم و طلبهم بالسنة استعداداتهم ان يجعلهم كافرا او عاصيا كما يطلب عين الصورة الكلبية الحكم عليها بالنجاسة العينية فما كانوا في علم الله سبحانه ظهروا به في وجوداتهم فليس للحق الا افاضة الوجود عليهم و الحكم لهم و عليهم فلايحمدوا الا انفسهم و لايذموا الا انفسهم و ما يبقي للحق الا حمد افاضة الوجود لان ذلك له لا لهم و لذلك قال ما يبدل القول لدي و ما انا بظلام للعبيد اي ما قدرت عليهم الكفر الذي يشقيهم ثم طلبتهم بما ليس في وسعهم ان يأتوا به بل ما عاملناهم الا بما علمناهم و ما علمناهم الا بما اعطونا من نفوسهم مما هم عليه فان كان ظلما فهم الظالمون و لذلك قال ولكن كانوا انفسهم يظلمون و في الحديث من وجد خيرا فليحمد الله و من وجد غير ذلك فلايلومن الا نفسه فان قلت فما فائدة قوله سبحانه و لو شاء لهديكم اجمعين قلنا لو حرف امتناع
لامتناع فما شاء الا ما هو الامر عليه ولكن عين الممكن قابل للشيء و نقيضه في حكم دليل العقل و أي الحكمين المعقولين وقع فهو الذي عليه الممكن في حال ثبوته في العلم فمشيته احدي التعلق و هي نسبة تابعة للعلم و العلم نسبة تابعة للمعلوم و المعلوم انت و احوالك فعدم المشية معلل بعد اعطاء اعيانهم هداية الجميع لتفاوت استعداداتهم و عدم قبول بعضهم الهداية و ذلك لان الاختيار في حق الحق تعارضه وحدانية المشية فنسبته الي الحق من حيث ما هو الممكن عليه لا من حيث ما هو الحق عليه قال تعالي ولكن حق القول مني و قال أ فمن حقت عليه كلمة العذاب و قال ما يبدل القول لدي فهذا هو الذي يليق بجناب الحق و الذي يرجع الي الكون و لو شئنا لاتينا كل نفس هديها فما شاء فان الممكن قابل للهداية و الضلال من حيث ما هو قابل فهو موضع الانقسام و في نفس الامر ليس للحق فيها الا امر واحد فان قلت حقايق المخلوقات و استعداداتها فائضة من الحق سبحانه فهو جعلها كذلك قلنا الحقائق غير مجعولة بل هي صور
«* مکارم الابرارعربی جلد 9 صفحه 459 *»
علمية للاسماء الالهية و انما المجعول وجوداتها في الاعيان و الوجودات تابعة للحقايق و لنقبض القلم عن امثال هذه الاسرار فانها من جملة اسرار القدر المنهي عن افشائها و لله الحمد انتهي. تدبر في هذه الكلمات المتهافتة بعين الانصاف فاعرف الرجال بالمقال لا المقال بالرجال و لنشر علي عيوب كلامه علي نحو الاجمال لضيق المجال حتي لايظن الخصم ان عيبي علي كلامه محض ادعاء و ليعلم انه من عند غير الله لما فيه من الاختلاف الكثير فانظر اولا في قوله المعلوم يعطي العالم و يجعله بحيث يدرك الخ ثم انظر في الافاق و الانفس و انظر هل يعطي المعلوم العالم المحيط و يتصرف فيه بشيء و انما قاس الملا الذي يعلم الاشياء بالاحاطة و الايجاد بالذي يعلم الاشياء بانطباع اشباحها في مداركه كما تري من انطباع الالوان و الاشكال في عينك و انطباع الاصوات في اذنك فالمعلوم بالانطباع موجود لا بالعالم بالانطباع و هو يعطي العالم شبحه فيدركه به و لايدرك المحيط الموجد المحاط الموجود بالانطباع و القاء شبح فيه و انما نفس المعلوم الحاضر المحاط صورة علمية للمحيط و لا تأثير لها في العالم المحيط بوجه و لايصعد شبحها الذي هو اثرها الي ذات المؤثر كيف و لايصعد شيء عن حده و محله ولكن الناس اذا سمعوا المحيط يحسبون انفسهم فوق مرتفع و هم ينظرون الي ما دونهم و يرون انه ينطبع شبح الداني في اعينهم و لا كذلك المحيط بالذات فانه لا ذكر للداني كونا و لا عينا و لا امكانا في رتبة العالي بوجه من الوجوه كما بينا سابقا فالحادث لايعطي القديم شيئا ابدا و انما هو حاضر في ملكه عنده يعلمه به من غير تأثير للحادث في القديم و ان قلت انه قال و الحق سبحانه و ان كان علمه بالخلق ذاتيا غير مستفاد مما هم عليه قلت و ان قال هنا ذلك الا انه من اختلاف كلامه قال بعد ذلك و ما علمناهم الا بما اعطونا من نفوسهم و قال فعدم المشية معلل بعدم اعطاء اعيانهم هداية الجميع الخ فاجري ذلك الاعطاء في حق الواجب ايضا و انظر في قوله فما كانوا في علم الله سبحانه ظهروا به في وجوداتهم
«* مکارم الابرارعربی جلد 9 صفحه 460 *»
الخ فانه جعلهم في علم الله مع انه اقر بان علم الله عين ذاته سبحانه فعلي هذا هم في ذات الله سبحانه فجعل الذات محلا للحوادث و هو علي خلاف الحق فان محل الحادث حادث كما عرفت و كذا انظر في قوله فليس للحق الا افاضة الوجود عليهم و الحكم لهم و عليهم الخ و هو مبني علي عدم مجعولية الاعيان كما قالوا ان الله سبحانه لميجعل المشمش مشمشا بل جعله موجودا ليت شعري هل تلك الاعيان شيء ام لا فان كانت لا شيء محضا فاي اقتضاء لها و اي شيء كان في العلم و ان كانت شيئا فهو حادث ام قديم فان كان قديما فيلزمه تعدد القدماء و ان كان حادثا فمن محدثه غير الله سبحانه و ما قالوا من ان الحدوث و القدم من المعقولات الثانية و ليس لها وجود خارجي فكلام لا معني له ابدا فان الشيء لو لميعقل متعقل حدوثه لايخرج في الخارج عن الحدوث و هو مخلوق لله سبحانه تعقلت حدوثه ام لمتتعقل و هو المراد فما قال في آخر كلامه الحقائق غير مجعولة كلام باطل و عن حلية الاعتبار عاطل فانها شيء و غير الله سبحانه و كل ما غير الازل حادث مخلوق له سبحانه و قد حققنا ذلك مفصلا في محاله ان شئت طلبتها.
و اما قوله لو حرف امتناع الخ فماذا يصنع في قوله سبحانه و لئن شئنا لنذهبن بالذي اوحينا اليك و ليس لفظة ان للامتناع و امثال ذلك كثيرة في القرآن كقوله ان اصبح ماؤكم غورا فمن يأتيكم بماء معين و آي كثيرة في هذه السورة و غيرها و علي ما زعم جميع تهديدات الله سبحانه تهديدات غير واقعية و انما هي كرعد و برق لا مطر لهما فاذا يخاف من تهديده سبحانه من لايعلم حكمة الملا و قد قال الله سبحانه انما انت منذر من يخشيها و الملا و من هو مثله في هذه الحكمة لاينبغي له ان يخاف من تهديده سبحانه حيث يقول ءأمنتم من في السماء ان يخسف بكم الارض فاذا هي تمور ام امنتم من في السماء ان يرسل عليكم حاصبا فستعلمون كيف نذير و قوله امن هذا الذي يرزقكم ان امسك رزقه بل لجوا في
«* مکارم الابرارعربی جلد 9 صفحه 461 *»
عتو و نفور و قوله قل ارأيتم ان جعل الله عليكم اليل سرمدا الي يوم القيامة من اله غير الله يأتيكم بضياء أ فلاتسمعون قل أ رأيتم ان جعل عليكم النهار سرمدا الي يوم القيامة من اله غير الله يأتيكم بليل تسكنون فيه أ فلاتبصرون. فهذه كلها علي قول الملا برق قلب لا مطر فيه و لاينبغي الخوف منه و انما هو كأن تهدد رجلا و تقول لو شئت لجعلت الحار من حيث هو حار باردا و بالعكس و الابيض من حيث هو ابيض اسود و بالعكس و هكذا فانما هو محض كلام لا معني له و لايظهر منه قدرة علي شيء ابدا نعوذبالله من ظلة الاحلام و زلة الاقدام فانها لاتعمي الابصار ولكن تعمي القلوب التي في الصدور ثم انظر في قوله مشيته احدي التعلق و هي نسبة تابعة للعلم الي آخر فان كان العلم نسبة تابعة للحادث فكيف يكون عين ذاته سبحانه أ يسع احدا ان يقول ان ذاته سبحانه نسبة تابعة للحادث و ما اظنك ترضي به فكيف ترضي في العلم و انت مقر بانه عين الذات و مقر بانها احدي المعني ليس فيها شائبة تركيب و انظر في قوله لان الاختيار في حق الحق تعارضه وحدانية المشية الخ اليس ذلك محض نسبة اضطرار الي الله سبحانه و ان وحدانية مشيته تعارض اختياره فلايبقي له اختيارا و انما يقال له سبحانه المختار من حيث نفس امكان الممكنات لا من حيث ما هو الحق عليه أ ليس يلزم من ذلك انه سبحانه ليس يقدر علي ما يشاء و ليس يقدر علي تغيير الوضع كيف لايلزم منه ذلك و زعموا ان حمل الحقايق علي انفسها ضرورية و حمل الوجود عليها ممكنة لانك تقول الابيض ابيض بالضرورة و لكن تقول الابيض موجود بالامكان فزعموا ان الابيض غير مخلوق و يجب ان يكون هو هو و هو المعلوم الذي اعطي الله من نفسه ما كان عليه فعلمه سبحانه تابعة له و الا لكان كذبا و انما يشاء الله ما يعلم فمشيته تابعة للعلم و الواقع واحد فالعلم واحد فالمشية احدي التعلق فليس لله سبحانه الا الواقع اي له ايجاد الواقع و لبسه عليه حلية الوجود لا غير نعوذبالله من هذه الاقوال و نحن نقول لهم الابيض ان لميكن شيئا ابدا باي نحو من انحاء الشيئية فكيف يكون معلوما و ان كان شيئا هو قائم بنفسه او موجود بغيره فان كان قائما
«* مکارم الابرارعربی جلد 9 صفحه 462 *»
بنفسه فتعدد القدماء و ان كان قائما بغيره فكيف لايكون مجعولا ثم علم الله ذاته كيف يكون تابعا للحادث و هو قديم غير حاصل بغير و لا مستفاد مما سواه ثم كون الابيض ابيض ضروري ولكن بعد جعل الله اياه اياه فلو لميخلق الله ابيض لميكن ابيض حتي يكون هو هو و هذه الاعيان كانت تلك تلك بجعل الله و ايجاده لها أ لاتري ان شريك الباري شريك الباري ليس قضية ضرورية لان شريك الباري ممتنع فلو كان الله سبحانه و لميخلق عينا و لا كونا و لا امكانا لميكن شيء حتي يكون قضيته ضرورية او امكانية تفهم ما اقول لك فالابيض ابيض وجوبا بايجاب الله سبحانه بعد ان جعله اياه و اما قبله فمعدوم صرف و قضية المعدوم ليست ضرورية و للكلام في ابطال هذا المذهب ذيل واسع و لسنا بصدد تزييف قوله و انما ذكرنا قوله استطرادا و لان تعلم ان السائل سالك مسلكهم متمسك بحبلهم ان كان سؤاله عن عقد القلب و الا و كان مقصوده محض استفهام و اهتداء فان الله عليم بذات الصدور و سيجزيهم وصفهم انه حكيم عليم ولكن لابد من بيان الحق في هذا المقام لما ساق اليه الكلام فتبين المرام علي ما يقتضيه الايام و لا قوة الا بالله العلي العظيم.
اعلم ان هذه المسئلة من اغمض المسائل و اصعبها و اعضل المشاكل و اعظمها و لايجوز التكلم يها الا للعالم او من علمه العالم و هي سر من سر الله و حرز من حرز الله مختوم بخاتم الله موضوع عن اكثر العباد علمها كما قال اميرالمؤمنين عليه السلام الا ان القدر سر من سر الله و ستر من ستر الله و حرز من حرز الله محجوب مرفوع في حجاب الله مطوي عن خلق الله مختوم بخاتم الله سابق في علم الله وضع الله العباد عن علمه و رفعه فوق شهاداتهم و مبلغ عقولهم لانهم لاينالونه بحقيقة الربانية و لا بقدرة الصمدانية و لا بعظمة النورانية و لا بعزة الوحدانية لانه بحر زاخر خالص لله عزوجل عمقه ما بين السماء و الارض عرضه ما بين المشرق و المغرب اسود كالليل الدامس كثير الحيات و الحيتان يعلو مرة و يسفل اخري في قعرها شمس تضيء لاينبغي ان يطلع اليها الا الله الواحد الفرد فمن
«* مکارم الابرارعربی جلد 9 صفحه 463 *»
تطلع اليها فقد ضاد الله عزوجل في حكمه و نازعه في سلطانه و كشف عن سره و ستره و باء بغضب من الله و مأواه جهنم و بئس المصير و روي انه جاء رجل الي اميرالمؤمنين عليه السلام فقال يا اميرالمؤمنين اخبرني عن القدر قال بحر عميق فلاتلجه قال يا اميرالمؤمنين اخبرني عن القدر قال طريق مظلم فلاتسلكه قال يا اميرالمؤمنين اخبرني عن القدر قال سر الله فلاتكلفه الخبر. فلايجوز التكلم فيها علي ما هي عليه من الحق لا من جهة ان الجبر حق نعوذبالله و ينبغي كتمانه و لا من جهة ان التفويض حق و يجب كتمانه بل من جهة ابتناء الحق فيها علي مقدمات لميكشف الي الآن لثامها و لميفض بعد ختامها و يحتاج الي وضع مبادي و مقدمات له لميستعد بعد اهل الزمان لفهمهما فانها من الاسرار المستسرات و اسرار لايفيدها الا اسرار ولكن ارجو من الله سبحانه ان ابينها و الوح علي ما فيها و اشير الي خافيها و لو من تحت الاستار ليحرم الاغيار و يفوز الابرار و ينتفع الاخيار و لا قوة الا بالله العلي العظيم و صلي الله علي محمد و آله الطيبين الطاهرين و لعنة الله علي اعدائهم اجمعين
اعلم ان الله سبحانه كان قبل الكان و لا شيء معه مما سواه لا عيناً و لا كوناً و لا امكاناً لا وجوداً و لا عدماً لا نفياً و لا اثباتاً و ليس فيه ذكر نسبة و لا ارتباط و لا حيث و لا جهة و لا وضع و لا كم و لا كيف و لا رتبة و لا وقت و لا مكان و القول الفصل فيه ما بين الله سبحانه و قال قل هو الله احد فهو احدي المعني بكل اعتبار و لا اعتبار و لا احدية و لا قول في رتبة ذاته بل يمتنع جميع ما سواه في رتبته و مقامه علي معني عدم الذكر المطلق الصرف البحت البات اذ جميع اضداد ذلك من صفات الحوادث و ما هو اجراه و لايجري عليه ما هو اجراه و لايعود فيه ما هو ابداه و رأي ذلك حصل فيه يصير مثني و كل مثني مجزي و كل مجزي خلاف الاحد فتجلي لا بحركة بعد سكون و لا بنطق بعد سكوت و لا بفعل بعد ترك و لا في زمان و لا بعد زمان و لا في مكان و لا بعد مكان و لا علي شيء و لا في شيء و لا من شيء و لا بشيء و لا لشيء فان كل ذلك بذلك و لايجري عليه بل هو ذات
«* مکارم الابرارعربی جلد 9 صفحه 464 *»
ثابتة دائمة بدوام مقام التجلي لا زوال له و لا انتقال و لا مبدء له و لا نهاية و حدوثه حدوث حقي لا غير فقولي تجلي ليس كنايةً عن حركة عرضية و لا نسبة فعلية و انما هو ذات مستقلة بالنسبة الي ما هو دونه بل هو مذوت كل ذات دونه و مشيئ كل شيء سواه و ان كانت متلاشيةً مضمحلةً تحت نوره سبحانه الذي هو هي من حيث الرب و هذا التجلي لميكن تحت الذات و لا في الذات و لا مع الذات و لا هو الذات و انما هو في مقامه هو لا شيء سواه بل لايتناهي الي غيره ابدا لانه كمال الله الذي لا غاية له و لا نهاية و لذلك التجلي تجلي و لتجلي تجليه تجل و لتجلي تجلي تجليه تجلي و لتجلي تجلي تجلي تجليه تجلي و هكذا الي ان امتلأ جميع اصقاع الوجود و شحن به جميع مواطن الشهود فلميبق فراغ في موطن من مواطن الامكان و لميذر خلاء في موقف من مواقف الاكوان و الاعيان و كلما نزل تفصل علي حسب كل رتبة و مكان و كل شيء منها في حده و مقامه ابدي دائمي لا بمعني قوام وجوده بنفسه بل بمعني عدم تناهي الفيض و عدم انقطاع التجلي اولا و آخرا فهي باق بابقاء الله دائم بادامة الله سبحانه اياه لايزول و لايحول و لنعم ما قال الشاعر:
التجلي دائم لاينقطع
فشهود الحق ما لايرتفع
و ذلك الذي في الدعاء اللهم يا ذا الملك المتأبد بالخلود و ذلك الذي قال الباقر عليه السلام لا كان خلوا من الملك قبل انشائه و لا يكون منه خلوا بعد ذهابه الخطبة لا بمعني انه في ذاته الله سبحانه كما زعمته اقوام فانه روي في ذلك ان الله سبحانه خلو من ملكه و ملكه خلو منه بل بمعني ان الله سبحانه ذو سلطان و ملك ابداً و ملكه في حده و مقامه ممتنع في ذاته سبحانه فملكه ابداً ملكياً ملك ثابت دائم باق لا انه قديم قائم بنفسه مستقل في ذاته و امثل لك مثالا حتي تبصر به امرك تفكر في السراج هل تجده ابداً يكون و لا ضوء فيحدث الضوء بعد ان لميكن بل السراج سراج ابداً و هو ذو شعاع و نور ابداً بل لو لميكن له شعاع و نور و لميكن سراجاً و كان جمرةً بل لو كان طرفة عين بلاشعاع لامتنع ان يصدر منه بعده شعاع و هو علي ذلك الحال و هو معني ما
«* مکارم الابرارعربی جلد 9 صفحه 465 *»
يروي انه سئل علي عليه السلام عن حدوث العالم فقال لو كان حادثاً كنت تكون فالسراج سراج اذا كان له شعاع و نور ففي حديث مكالمة الرضا عليه السلام مع عمران قال عمران يا سيدي أ ليس قد كان ساكناً قبل الخلق لاينطق ثم نطق قال الرضا عليه السلام لايكون السكوت الا عن نطق قبله و المثل في ذلك انه لايقال للسراج هو ساكت لاينطق و لايقال ان السراج ليضيء فيما يريد ان يفعل بنا لان الضوء من السراج ليس بفعل منه و لا كون و انما هو ليس شيء غيره فلما استضاء لنا قلنا قد اضاء لنا حتي استضأنا به فبهذا تستبصر امرك الخبر. فالتجلي بقول مطلق في حده و مقامه ثابت دائم الا انه ممتنع في الازل بكل وجه و منقطع اليه بكل اعتبار و هو في حده و مقامه و هو ام الكتاب الثابت لديه الحاضر عنده لايغادر صغيرة و لا كبيرة الا احصيها و هو المشار اليه في قوله قال فما بال القرون الاولي قال علمها عند ربي في كتاب و في قوله يمحو الله ما يشاء و يثبت و عنده ام الكتاب و هو العلم المشار اليه في دعاء عديلة كان عليماً قبل ايجاد العلم و العلة و هو علم الله الكوني المخلوق المثبت في اللوح المحفوظ عند الله سبحانه و ذات الله سبحانه تعلمه به في حده و مقامه لا في ذاته كما انك اذا رأيت الجدار تراه في مقامه و تعلمه في موضعه لا في ذاتك كذلك الله سبحانه يعلم كل شيء به في مقامه و ليس المعلوم و لا ذكره و لا اسمه و لا رسمه و لاشبحه و لا صورة من صوره في الازل تعالي الله عما يقول المبطلون علوا كبيرا و انما كل ذلك من الحدوث و في رتبة الحدوث لايصعد شيء منه في ذاته سبحانه و الله سبحانه عالم به لا بانطباع و لا باتحاد و لا بتأثر و انما هو عالم به بالاحاطة بلا كيف و ما قيل من ان الله سبحانه عالم بنفسه و هو علة كل شيء و اصل كل شيء و العلم بالعلة يستلزم العلم بالمعلول كلام خال عن التحقيق و الحق لانا مقرون بالله سبحانه عالم بنفسه الا انا نقول انه عالم بنفسه لا بمعني التميز فان المعلمة و التمييز لنفي الخلاف و لا خلاف هناك بل بمعني انه هو هو و ليس هو شيء و علمه شيء آخر و لايحتاج الي تميز نفسه و ليس ذاته بعلة الاشياء فان العلة فيها ذكر المعلول و الا
«* مکارم الابرارعربی جلد 9 صفحه 466 *»
لميكن العلم بالعلة مستلزماً للعلم بالمعلول و ذكر المعلول غير نفس العلة فان كان الله سبحانه علةً لايدرك الا بالعلية فشرط كونه هو هو ذكر الغير و ما يكون وجوده مشروطاً بشيء غيره حادث هذا مع ان ذكر الغير ان كان حادثاً يكون الذات محلاً للحوادث و ان كان قديماً تعددت القدماء و ان لميكن فيها ذكر المعلول فهو محض اسم مرتجل لايورث ثمرة و لاينتج ما يستنتج من القول به فهو علم كساير الاعلام لايقصد منه المعني و مع ذلك نقول لهم ان هي الا اسماء سميتموها انتم الاية فذات الله سبحانه ليست بعلة للاشياء بل العلة خلقه كما قرأت في العديلة كان عليما قبل ايجاد العلم و العلة فهو سبحانه يعلم خلقه به في حده و مقامه و كله حاضر لديه ثابت عنده و هو غير العلم الذاتي بل هو علم حادث احدثه الله سبحانه و كتبه في الكتاب كالدفتر عند احدكم و هو المشار اليه بقوله علمها عند ربي في كتاب و منه يعلم الله من يعلم ما يعلم كما قال و علمناه من لدنا علما و قال لايحيطون بشيء من علمه الا بما شاء.
و لو كان هذا العلم العلم الذاتي لما كان يستثني منه شيء فان الذات لايبعض و الاستثناء المنقطع علي فرضه لاينفي العلم الحادث فان العلم المحاط به ايضا علم و ليس هذا العلم تابعا للاشياء بل هو عين المعلوم كما ان الكتاب عين المكتوب و الخلق عين المخلوق كما ان العلم الذي في ذهنك هو معلومك الذهني و هو علمك تعلمه بنفسه لا بعلم آخر و قد حققنا ذلك في ساير كتبنا بما لامزيد عليه و مبني هذه الرسالة علي العجالة كما شرطنا اولا و لما كان مراتب التجلي تختلف من الامكان الي الاكوان الي الاعيان اختلف مراتب هذا العلم فمنه علم امكاني و هو العلم الراجح الوجود السرمدي و منه علم كوني و هو ايضاً يختلف بحسب مراتب الاكواني فمنه علم جبروتي و منه علم ملكوتي و منه علم ملكي علي حسب اختلاف مراتب كل واحد و هكذا العلم العيني بحسب اختلاف مراتبه في العوام الثلثة فانه لا كون الا و العين معه و كلها معلومات الله سبحانه و علمه الحادث المخلوق خلقه لا من شيء و لميكن الله سبحانه و علمه الحادث المخلوق خلقه لا من شيء و لميكن الله سبحانه قبل احداثه جاهلا بل هو ذات علامة و لذا قال في دعاء العديلة كان
«* مکارم الابرارعربی جلد 9 صفحه 467 *»
عليما قبل ايجاد العلم و قد مر في صدر الرسالة حديث حماد بن عيسي قال سألت اباعبدالله عليه السلام فقلت لميزل الله يعلم قال اني يكون يعلم و لا معلوم قال قلت فلميزل الله يسمع قال اني يكون ذلك و لا مسموع قال قلت فلميزل يبصر قال اني يكون ذلك و لا مبصر قال ثم قال لميزل الله عليماً سميعاً بصيراً ذات علامة سميعة بصيرة و كذا رواية ابيبصير بعده فراجع فهو سبحانه ذات علامة سميعة بصيرة قبل ايجاد المعلوم و المسموع و المبصر و بعد ما اوجدها علمها و سمعها و ابصرها اي وقع العلم منه علي المعلوم و السمع علي المسموع و البصر علي المبصر و لميعطه المعلوم شيئاً و انما هو سبحانه اعطي المعلوم المعلومية و جعله معلوماً موجوداً مكوناً معيناً كما بينا و شرحنا أ لمتسمع في حديث ابيبصير فلما احدث الاشياء و كان المعلوم وقع العلم منه علي المعلوم الخبر و في دعاء العديلة قبل ايجاد العلم فلاتصغ الي قول الملا و من حذا حذوه من ان المعلومات غير مجعولة و انها اعطت الله من نفسها ما اعطت فانك لست بشيعة الملا و انما انت عبدالله و امة محمد و شيعة علي عليهما السلام فالله سبحانه بعلمه الامكاني علم امكانات الاشياء و صلوحاتها و بعلمه الاكواني علم اكوانها و بعلمه الاعياني علم اعيانها و قد علمها الله سبحانه في امكانها قبل ان يشاءها و شاءها قبل ان يريدها و ارادها قبل ان يقدرها و قدرها قبل ان يقضيها و قضيها قبل ان يمضيها فبالعلم كانت المشية و بالمشية كانت الارادة و بالارادة كان القدر و بالقدر كان القضاء و بالقضاء كان الامضاء فكم من شيء علم و لميشأ و كم من شيء شاء و لميرد و كم من شيء اراد و لميقدر و كم من شيء قدر و لميقض و كم من شيء قضي و لميمض و امضي ما امضي مشروح العلل مبين الاسباب و قد فصل و بين العالم عليه السلام هذه المراتب حيث سئل عليه السلام كيف علم الله قال علم و شاء و اراد و قضي و امضي فامضي ما قضي و قضي ما قدر و قدر ما اراد فبعلمه كانت المشية و بمشيته كانت الارادة و بارادته كان التقدير و بتقديره كان القضاء و بقضائه كان الامضاء و العلم يتقدم المشية و المشية الثانية و الارادة الثالثة و التقدير واقع
«* مکارم الابرارعربی جلد 9 صفحه 468 *»
علي القضاء بالامضاء فلله تعالي البداء فيما علم متي شاء و فيما اراد لتقدير الاشياء فاذا وقع القضاء بالامضاء فلا بداء فالعلم بالمعلوم قبل كونه و المشية في المشاء قبل عينه و الارادة في المراد قبل قيامه و التقدير لهذه المعلومات قبل تفصيلها و توصيلها عياناً و وقتاً و القضاء بالامضاء هو المبرم من المفعولات ذوات الاجسام المدركات بالحواس من ذي لون و ريح و وزن و كيل و ما دب و درج من انس و جن و طير و سباع و غير ذلك مما يدرك بالحواس فلله تعالي فيه البداء ما لا عين له فاذا وقع العين المفهوم المدرك فلا بداء و الله يفعل ما يشاء فبالعلم علم الاشياء قبل كونها و بالمشية عرف صفاتها و حدودها و انشاءها قبل اظهارها و بالارادة ميز انفسها في الوانها و صفاتها و بالتقدير قدر اقواتها و عرف اولها و آخرها و بالقضاء ابان للناس اماكنها و دلهم عليها و بالامضاء شرح عللها و ابان امرها ذلك تقدير العزيز العليم. تدبر في هذا الحديث الشريف تجد مشرباً صافياً بلا اكدار و صحواً بلا غبار و المراد بهذا العلم العلم الامكاني الذي ذكرنا و هو متقدم علي المشية و هو الذي يصاغ فعلاً لا غيره و يقال علم و يعلم و هو مقترن بالمعلوم المخلوق كما مر في حديث حماد بن عيسي و ابي بصير و لميتعلق بالمعلوم غيره فان الذات لايتغير و لايتبدل و لايتعلق بشيء و لايتعلق به شيء فبالعلم علم الله الاشياء و هو عين امكاناتها الحاضرة عنده سبحانه المحاطة له فخلق ما خلق علي حسب علمه الذي لا خلف فيه و لا تبديل بمقتضي الحكمة الالهية يحسن الخلق عليها فانه علم مقتضي الحكمة و خلاف الحكمة فخلق علي حسب الحكمة و ان كان يمكن خلاف الحكمة ايضاً و خلق خلاف الحكمة حيث يكون خلقه فيه من الحكمة فلميبق معلوم الا و خلقه حيث يقتضي الحكمة فما علمه باقياً في الامكان غير قابل للخروج الي عرصة الاكوان ابقاه فيه و ما علمه خارجاً الي الذكر خلقه في الذكر و ما علمه خارجاً الي العين خلقه في العين و ما علمه خارجاً في الهندسة خلقه في الهندسة و ما علمه خارجاً في التفصيل و التوصيل خلقه فيهما و ما علمه واقعاً في
«* مکارم الابرارعربی جلد 9 صفحه 469 *»
العين المفهومة المدركة خلقه فيها فما علمه في الجبروت خلقه فيه و ما علمه في الملكوت خلقه فيه و ما علمه في الملك خلقه فيه و ما علمه في اي حد و وضع و كم و كيف و جهة و رتبة و زمان و مكان خلقه فيه علي حسب الحكمة الالهية و سبب جري الخلقة علي نهج الحكمة و الصواب كونها من الواحد فلو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً فلما كان الله سبحانه واحداً و امره واحداً و اول صادر منه واحداً و تفصل ذلك الواحد الي غاية الكثرات تفصل تفصيلاً مرتبطاً منتسباً متوافقاً و متطابقاً جامعاً لجميع ما له و به و عنه و منه و فيه و عليه غير محتاج في بقائه الي امر آخر ليكون آيةً و دليلاً للواحد فوضع كل شيء منه في موضعه الذي يرتبط بغيره ارتباطاً تاماً فوضع الفلك الدوار في موضعه و النار في موضعها و الهواء في موضعه و الماء في موضعه و التراب في موضعه و كذا في العرض فخلق آدم في زمانه و نوحاً في زمانه و موسي في زمانه و عيسي في زمانه و محمداً صلي الله عليه و آله في زمانه و الاوصياء في ازمانهم و الاولي في وقتها و الرجعة في وقتها و القيمة في وقتها و هكذا ما تري في خلق الرحمن من تفاوت فارجع البصر هل تري من فطور ثم ارجع البصر كرتين ينقلب اليك البصر خاسئاً و هو حسير فقرن كل معلول بعلته و كل مسبب بسببه و كل مشروط بشرطه و كل مدلول بدليله و كل اثر بمؤثره و كل منسوب بمنسوب اليه و كل معمول بعامله و كل صفة بموصوفه و كل مفعول بفاعله و هكذا كل ذلك علي حسب اقتضاء الحكمة الواحدية الالهية قال تعالي انا كل شيء خلقناه بقدر و ما امرنا الا واحدة كلمح بالبصر و ما لميقتض الحكمة من ذلك خلقه في الخارج خلقه في الذهن و ما لميقتض من ذلك خلقه في العين و الكون خلقه في الامكان و كذلك تقدير العزيز العليم و كل ذلك قد كان في الامكان معلوماً لله عزوجل و علمه بها قبل كونها كعلمه بها حين كونها و بعد كونها لانها حال كونها و بعد كونها لميخرج عن امكانها مثال ذلك المداد اذا احطت بجميع ما يمكن صوغه منه خبراً فتعلم انه يمكن صوغ ا و ب و ج و د و ه و و و ز منه و هكذا الي آخر الحروف و تعلم انه اذا
«* مکارم الابرارعربی جلد 9 صفحه 470 *»
تركب ا و ح و م و د يكون احمد و اذا تركب ع و ل و ي يكون علياً و هكذا اذا تركب الحروف كذا و كذا يحصل منه التورية و اذا تركب كذا و كذا يحصل منه الانجيل و اذا تركب منه كذا و كذا يحصل الفرقان و اذا تركب كذا و كذا يكون نثراً و اذا تركب كذا و كذا يكون نظماً و اذا تركب كذا و كذا يكون لغواً و اذا تركب كذا و كذا يكون حكمةً و علماً و هكذا فاذا عرفت جميع ذلك صغت منه ما شئت لما شئت و ركبت ما شئت لما شئت فتصوغ و تركب منه جميع ما يمكن منه فتصغ كل حرف و كل كلمة و كل عبارة في موضعه فيخرج علي ابدع ما يكون في عالم كون الحروف و الكلمات و الايات و الكتب و ذلك معني ما قيل ليس في الامكان ابدع مما كان فان الله سبحانه لميترك الاولي في خلقه و حكمته و جميع ما يري في الخلق الصادر من الخلق من خلاف الحكمة فهو علي خلاف الحكمة بالنسبة الي فاعله و مصدره و بالنسبة الي الوضع الالهي كلها موافق للحكمة و الصواب فهو المحمود فيما صنع و له الحمد و الذي صدر منه القبيح مذموم و لذلك ينهي عنه و ذلك قوله في الدعاء لك الحمد علي و لا حجة لي عليك و هذا سر انه يجب عليك ان ترضي بالقضاء في الطاعة و المعصية و تسخط علي الخلق بالمعصية ففي سجدة زيارة عاشورا اللهم لك الحمد حمد الشاكرين علي مصابهم الحمد لله علي عظيم رزيتي مع انك تقول اللهم العن اول ظالم ظلم حق محمد و آل محمد و آخر تابع له علي ذلك الدعاء. و ذلك انه اعطي كل شيء خلقه و كل ذي حق حقه فوضع كل شيء موضعه فلميقصر هو سبحانه في الخلق و العطاء و وضع كل شيء في موضعه و انما التقصير واقع علي استعداد كل مسيء ان الله لايظلم الناس شيئاً ولكن الناس انفسهم يظلمون و اما سر الاستعدادات فاعلم ان الله سبحانه بعد ما خلق الامكان و امكن فيه جميع ما يكون و ما كان و علم بعلمه الصادق جميع الالوان و هو جواد مجيب لمن دعاه قريب ممن ناجاه يعطي كل ذي حق حقه و يسوق الي كل مخلوق رزقه لزم في جوده و كرمه انيلبس كل فرد من افراد الامكان حلة الاكوان و يجعله هو هو
«* مکارم الابرارعربی جلد 9 صفحه 471 *»
لا غيره فعلم في الامكان امكان البياض و امكان السواد و امكان الطول و امكان القصر و امكان العلو و امكان السفل و امكان الحرارة و امكان البرودة و هكذا فاقتضي جوده و كرمه ان يكون كل ذلك في الكون فجعل في الكون البياض بياضاً و السواد سواداً و الطول طولاً و القصر قصراً و العلو علواً و السفل سفلاً و الحرارة حرارةً و البرودة برودةً و هكذا و لميكن مقتضي الجود و غناه المطلق ان يجعل السواد بياضاً و البياض سواداً فلو جعل السواد بياضاً ليس هو بسواد يصير بياضاً و انما هو بياض خلق بياضاً فان السواد لايصير بياضاً فخلق في الكون كل ما علمه في الامكان علي ما علمه لغنائه المطلق و وجوب كون كل شيء هو هو بايجاب الله سبحانه بعد خلقه اياه في الكون او في الامكان فهكذا كون الله كل ممكن علي ما هو عليه و هذا في المعاني مما لا اشكال فيه و لاريب يعتريه و هكذا في الاثر و المؤثر فان الاثر اثر و المؤثر مؤثر فلو جعل الاثر مؤثراً لميكن اثر جعل مؤثر لا و انما هو مؤثر لا غير و انما الاشكال في الموصوفات العرضية يمكن في حقها الاتصاف بالشيء و ضده اي في الابيض لم صار ابيض و لميصر اسود و بالعكس و الطويل لم صار طويلاً و لميصر قصيراً مع انه كان يمكن ان يكون الابيض اسود و الاسود ابيض و الطويل قصيراً و القصير طويلاً و هكذا و ذلك ايضاً علي ما بينا و شرحنا لايبقي فيه اشكال لانا قد قدمنا ان الله سبحانه واحد احد و اول صادر منه بنفسه الذي هو امره ايضا واحد قال الله سبحانه و ما امرنا الا واحدة كلمح بالبصر و لايسئل عن سبب صيرورة الامر امراً لا غيره فان كل ما يكون امراً هو امر فانه رتبة لاتسع الا له و ذلك الامر هو ابسط ما يمكن في عالم الامكان فلا اوحد منه ابداً و هو قائم بنفسه بربه لانه لايسبقه سابق و لايلحقه لاحق و لايطمع في ادراكه طامع فلما تفصل ذلك الامر الواحد في اشعته و انواره المطابقة له تفصل متماسكاً بعضه ببعض مرتبطاً بعضه ببعض علي ما بينا فقام الملك بالملك و استمسك بعضه ببعض كما كان الامر دائراً علي نفسه مخلوقاً بنفسه ممسكاً بنفسه و في الخبر ان الله يمسك الاشياء باظلتها الا ان الامر علي حسب اوحديته و الاثار علي حسب تفاصيلها كما عرفت و الامر هو يد الله في امساك نفسه و في امساك آثاره باثاره
«* مکارم الابرارعربی جلد 9 صفحه 472 *»
فاحتاج في امساك الملك بالملك الي ان يفصل جميع اجمال نفسه الذي به كان ممسكاً بنفسه في الملك لان الامر ليس فيه زيادة و لا نقصان و هو آية الله الغني القائم بنفسه فاقتضي ذلك ان يخرج جميع ما في الامكان في الاكوان و ما لميقتضه في الاكوان مقرونا بالاعيان يقتضه في امكانها الجايز و ما لم يقتضه في الاكوان لميكن من شروط استمساكه بنفسه بل كان سبب اخلاله فاقتضاه في الامكان و كونه في الامكان كان من شروط الاستمساك و كذلك كان في عالم الامر و الاجمال الا انه علي حسبه فلما اشرق نور المشية و شعاعها تفصل علي ما تري اذ بذلك يحصل الاستمساك و بغير ذلك لايحصل فصار الابيض ابيض و الاسود اسود و السعيد سعيداً و الشقي شقياً و السماء سماءاً و الارض ارضاً و هكذا فصار الابيض ابيض في الكون و اسود و احمر و اخضر في الامكان و الاسود اسود في الكون و ابيض و احمر و اخضر في الامكان و السعيد سعيداض في الكون شقياً في الامكان و الشقي شقياً في الكون سعيداً في الامكان علي حسب علمه سبحانه في عالم الامر و ذلك معني قوله عليه السلام فبعلمه كانت المشية و هو ما روي انه سئل الصادق عليه السلام من اين لحق الشقاء اهل المعصية حتي حكم لهم في علمه بالعذاب علي عملهم فقال ايها السائل حكم الله تعالي ان لايقوم احد من خلقه بحقه فلما حكم بذلك وهب لاهل محبته القوة علي معرفته و وضع عنهم ثقل العمل بحقيقة ما هم اهله و وهب لاهل المعصية القوة علي معصيته لسبق علمه فيهم و منعهم اطاقة القبول منه فواقعوا ما سبق لهم في علمه و لهم يقدروا ان يأتوا حالاً تنجيهم من عذابه لان علمه اولي بحقيقة التصديق و هو معني شاء ما شاء و هو سر انتهي.تدبر في هذا الحديث الشريف تجد حقيقة الامر كما بينا و اجر ذلك في جميع الاشياء فانك ما تري في خلق الرحمان من تفاوت.
و ان قلت انك قلت ان العلم مخلوق و استشهدت بالدعاء كان عليماً قبل ايجاد العلم فلم اوجد الله العلم هكذا حتي يشاء علي مقتضي علمه و يكون الامر علي ما تري قلت ان ذلك امر عظيم و خطب جسيم و لايكاد يصل اليه الا اولوا
«* مکارم الابرارعربی جلد 9 صفحه 473 *»
الالباب و لابد من الاشارة الي نوع المطلب و لو علي نحو الايماء و لا قوة الا بالله ربنا لانعلم الا ما علمتنا انك انت العليم الحكيم.
اعلم ان السؤال عن العلة صحيح حيث يجري الفعل بعلة فليسئل مم اذا كان المصنوع من مادة موجودة سابقة كما انك تسئل صانع الفخار مم صنعت الفخار يقول من الطين و اما اذا كان المصنوع من غير مادة سابقة فليس محل السؤال بمم و يسئل بفيم اذا كان المصنوع في صورة خاصة و حد خاص في مكان او زمان او رتبة او جهة او كم او كيف او وضع و اما اذا لميكن للمصنوع حدود سابقة فلايسئل بفيم و يسئل بلم اذا كان صنع الشيء لغاية معلومة موجودة قبل المصنوع ظاهرة بعده و اذا لميكن شيء غير المصنوع فلايسئل بلم و يسئل ببم اذا كان صنع المصنوع بآلة فاعلية و ان لميكن فلا محل للسوال و لما كان الله سبحانه اوجد العلم الامكاني اي الامر الامكاني لا لشيء و لا بشيء و لا من شيء و لا في شيء اذ ما سوي الامكان هو القديم و القديم لايكون مادةً لشيء و لا صورةً لشيء و لا غايةً لشيء و لا آلةً لايجاد شيء فلذلك لايسئل عما يفعل و هم يسئلون فانهم يفعلون ما يفعلون بآلة و من مادة و في صورة و لغاية فافهم
فلايسئل عن كيفية خلق العلم اذ لا كيف له و لا عن طوره اذ لا طول له ولكنه فعله بلاكيف كما لا كيف له كما قال علي عليه السلام لا كيف لفعله كما لا كيف له و هو البحر الزاخر خالص لله عزوجل عمقه ما بين السماء و الارض اي سماء الاكوان و ارض الاعيان عرضه ما بين المشرق و المغرب الي آخر الحديث و قد مر ولكني اقول لك علي نحو الايماء فاني:
اخاف عليه من غيري و مني
و منك و من مكانك و الزمان
و لو اني جعلتك في عيوني
الي يوم القيامة ما كفاني
و قد روي الصدوق في التوحيد عن مهزم عن ابيعبدالله (ع) قال اخبرني عما اختلف فيه من خلفت من موالينا قال قلت في الجبر و التفويض قال فسلني قلت أ جبر الله العباد علي المعاصي قال الله أقهر لهم من ذلك قلت ففوض اليهم
«* مکارم الابرارعربی جلد 9 صفحه 474 *»
قال الله أقدر عليهم من ذلك قال قلت فاي شيء هذا اصلحك الله قال فقلب يده مرتين او ثلثا ثم قال لو اجبتك فيه لكفرت هـ. .
فاياك و ذكر العامرية انني
اغار عليها من فم المتكلم
ولكن علي نحو الايجاز و الالغاز اقول و لا قوة الا بالله العلي العظيم ان الله سبحانه واحد احد فرد صمد كامل لاينتظر لنفسه حدوث كمال و لايخاف عليها عروض زوال فهو واجد لجميع الكمالات الي ما لا غاية له و لا نهاية و كماله ابدي اذ لو كان يحدث له كمال لكان مترقباً له و المترقب يمر عليه الوقت و هو حادث فالله سبحانه لايترقب حدوث شيء فجميع كمالاته موجودة ابداً ازلاً الا انها في كل رتبة علي حسب اقتضاء الكمال ففي مقام التفصيل بالتفصيل و في مقام الاجمال بالاجمال و في مقام الذات البحت البات بالامتناع المحال اذ هناك ليس ذكر لغيره فيه و لو علي نحو البساطة و الاجمال لتنافيه مع الاحد المتعال و ليس شيء الا الله و شئون كمالاته الابدية في كل مقام بحسبه و ليس الله سبحانه يحدث لنفسه كمالاً بعد ان لميكن في اوقات كما مر عن الرضا عليه السلام في جواب عمران و ليس بينه و بين كماله فصل اذ ليس شيء غيرهما يفصل بينهما و لا وصل لعدم البرزخ و انما كماله منه كيدك منك فقد روي الصدوق في التوحيد عن هشام بن الحكم عن ابي عبدالله عليه السلام قال العلم هو من كماله و عن حمران عن ابي جعفر عليه السلام في العلم قال هو كيدك منك و عن عبدالاعلي عن العبد الصالح موسي بن جعفر عليهما السلام قال علم الله لايوصف منه باين و لا يوصف العلم من الله بكيف و لايفرد العلم من الله و لايبان الله منه و ليس بين الله و بين علمه حد هـ. و هذا العلم هو العلم الامكاني لا الذاتي فان الذاتي هو هي بلاتعدد فمعني ايجاده سبحانه للعلم ما ذكرنا من صرف الافتقار اليه سبحانه و امداد الله سبحانه اياه به لا من بداية و لا الي نهاية بل هو ابداً ازلاً حادث مستمد والله ممده لايسبقه عدم و لايلحقه و هو وصفه القديم و وجهه الكريم الذي لايفني و هو العلي العظيم فالله
«* مکارم الابرارعربی جلد 9 صفحه 475 *»
سبحانه ذات علامة كاملة بجميع شئون الكمال متجلية بها فبالعلم علم الاشياء قبل كونها ان لو كان كيف كان يكون فشاء علي حسب علمه فشاء في الامكان ما علم الحكمة في كونه في الامكان و عدم خروجه الي الاكوان و شاء في الاكوان ما علم الحكمة في كونه في الاكوان ثم اراد بمشيته ما علم الحكمة في خروجه الي الاعيان دون ما اقتضت الحكمة بقاءه في الاكوان ثم قدر بارادته ما علم الحكمة في تعيين اقواته و اوله و آخره و ابقي ما ابقي في الاعيان علي مقتضي الحكمة ثم قضي بما قدر ما علم الحكمة في تركيبه و ابانة مكانه و ابقي ما ابقي في القدر علي حسب الحكمة ثم مضي بالقضاء ما اقتضت الحكمة شرح علله و ابانة امره و ابقي ما ابقي في القضاء علي حسب الحكمة ثم عين لما امضي محلا و مقاما فمنه ما احله في الجبروت و منه ما احله في الملكوت و منه ما احله في الملك كلا في وقته و حده فعلم كل شيء علي ما هو عليه من اختياره و كماله و نقصه و حده و مقامه و خلق ما خلق علي حسب ما علم و علمه اولي بحقيقةالتصديق فالذي علم انه يصدر من زيد كذا و كذا علم انه مختار و يختار هذا الشق و علمه بالواقع لايستلزم كون الاشياء مضطرة فان من الواقع اختيارها و الذي علم ان زيدا يكون شقيا علم انه يختار الشقاوة باختياره و انها صفة تلحق الفعل و ليست بذاتية له و اما سر اختيار الذوات ما اختارت من الصفات مع عدم كونها ذاتية لها اختلاف القوابل الحاصلة من اقتران الكثرات في الدورات و نزول الامداد من مجيب الدعوات علي حسب السؤلات و كون الكل علي ما هو عليه في الجل و القل من شئون كمال الذات و هي ابدية من البدايات الي النهايات و ذلك قوله سبحانه ما كانوا ليؤمنوا بما كذبوا به من قبل و قوله ولكن حق القول مني لاملأن جهنم من الجنة و الناس اجمعين و قوله لايبدل القول لدي و ما انا بظلام للعبيد فلميبن الوجود الا علي الاختيار اذا نظرت بعين الاعتبار فانه من كمال الله الواحد المختار و لايمكنني ازيد من ذلك خوفاً من الاغيار و صلي الله علي محمد و آله الاطهار.
قال: سدده الله و ارشده الله و من البراهين ان لو فرضنا رمالاً او منجماً عارفاً
«* مکارم الابرارعربی جلد 9 صفحه 476 *»
بحقيقة علم الرمل حكم من قواعد علم الرمل ان فلاناً يصير كذا و كذا كما قد حكم بالصواب من كان له نظر صائب و تلك القواعد مستنبطة من الاوضاع الفلكية و الاجرام الاثيرية و يحكم الحاكمون بمقتضياتها و تلك الاوضاع ليست تحت قدرتنا و اختيارنا و تلك الاوضاع ايضاً اسباب للافعال و علل ناقصة و شرايط لافعالنا كما ان اختيارنا سبب و معد للافعال فالفعل المنوط بالاجرام الفلكية و المبادي العالية ليس بقدرتنا بل نحن ايضاً سبب من اسباب ظهوره فاذا لمنكن مستقلين في ايجاد افعالنا فاي فائدة لحثنا بالاعمال الحسنة لاسيما من العالمين بحقايق الامور و كلفونا بتحصيل الممتنع او بتحصيل الحاصل نعم غاية ما في الباب في الظاهر يرفع البحث عن المكلف بالكسر كما قال لئلا يكون للناس علي الله حجة بعد الرسل و قال ليميز الله الخبيث من الطيب و في الواقع كل راجع الي اصله و ساير الي منزله.
اقول: و انا مستعيذ بالله من زلة الاقدام و ضلة الاحلام و به استعين اعلم ان الله سبحانه هو الازلي الذي لايقترن بشيء و لايرتبط بشيء و لايباشر شيئاً و هو خالق كل ما سواه لا باقتران و لا بارتباط و لا بمباشرة و انما خلق ما خلق لا من شيء و لا بشيء و لا لشيء و لا في شيء و لا علي شيء و لا علي احتذاء شيء و انما اخترع اختراعاً و ابتدع ابتداعاً و هو قوله عز من قائل بديع السموات و الارض و قال انما امره اذا اراد شيئا ان يقول له كن فيكون و قول كن منه قول لا بتلفظ و كلام لا بحروف و انما هو تعبير عن امره و فعله و لا كيف لفعله كما لا كيف له و خلقه حينئذ اي في اول الاختراع و الابداع في عالم الاجمال تحت حجب الجلال و انوار الجمال و لا استفصال و لما كان الفيض بلانهاية و الاشراق بلاغاية اقتضي ملأان جميع اطباق الامكان و استعياب جميع اقطار الاكوان فترامي النور من نهاية القرب الي غاية البعد فتفصل الاجمال و ظهر نور الجمال و بدي خفيات اسرار الجلال و ذلك قول الملك المتعال كنت كنزاً مخفياً فاحببت ان اعرف فخلقت الخلق لكي اعرف فالزم الله سبحانه عند التفصيل المعلولات بالعلل و المسببات
«* مکارم الابرارعربی جلد 9 صفحه 477 *»
بالاسباب و الغايات بالبدايات و المشروطات بالشروط و ذلك قول الامام ابي عبدالله عليه السلام ابي الله ان يجري الاشياء الا باسباب فجعل لكل شيء سبباً و جعل لكل سبب شرحاً و جعل لكل شرح علماً و جعل لكل علم باباً ناطقاً عرفه من عرفه و جهله من جهله ذاك رسول الله صلي الله عليه و آله و نحن انتهي. فاقام الخلق بالخلق و اداره علي نفسه بلاكيف و ذلك قول علي عليه السلام انتهي المخلوق الي مثله و الجأه الطلب الي شكله الخبر. فابي ان يوجد شيئاً في عالم التفصيل الا بعللها و اسبابها و معداتها و قوابلها و مقبولاتها و موادها و صورها و جواهرها و اعراضها و فواعلها و افاعيلها و مفعولاتها و ادلتها و مدلولاتها و كلها و جزئها و هكذا و قد ثبت بالبرهان النقلي و العقلي ان الله سبحانه غني مطلق و ازلي حق فلايحتاج لنفسه الي ايجاد شيء و لا اعدامه و لايتغير عن كيانه و لا اقتضاء في ذاته القديمة لايجاد شيء فانه لو كان المقتضي للايجاد في ذاته سبحانه و ذاته قديمة ازلية لكان المقتضيات (بالفتح) قديمةً ايضاً لقدم المقتضي التام الكامل الغير المنتظر للاستكمال و من البين ان الاشياء حادثة بل اذا كان المقتضي في الذات لزم حدوثه فان المقتضي هو قابل القضاء و طالبه فالشيء يقتضي و القاضي يقضي له ما اقتضاه فاذا كان ذات الله سبحانه هو المقتضي لوجود الاشياء لكان القاضي غيره ولكان المقتضيات (بالفتح) في عالم المقتضي (بالكسر) لعدم جواز تخلفه عنه اذا كان تاماً و المانع مفقوداً فكان يجب ان يكون جميع الخلق في ذاته سبحانه و يكون هو سبحانه ظرفه المقتضي له و يكون القاضي آلةً فوقهما فلا اقتضاء في ذاته سبحانه لايجاد و لا اعدام و لا ذكر لشيء في ذاته لا بوجود و لا عدم و لا نفي و لا اثبات و لا امكان و لا كون لان ذكر الغير باي نحو كان ان لميكن شيئاً فليس بشيء و ان كان شيئاً و هو غير الله و حادث فكيف يكون الذات محلاً للحوادث و ان كان قديماً فيتعدد القدماء و ان كان عينه سبحانه فعينه سبحانه لا يكون ذكراً لغيره فان كل ذكر تابع للمذكور و هو مركب حادث فليس في الله سبحانه ذكر غيره بوجه من الوجوه و لا اقتضاء لغيره و ذلك بديهي للموحد و انما منه سبحانه القضاء بلا
«* مکارم الابرارعربی جلد 9 صفحه 478 *»
كيف فهو القاضي بالحق كما قال بديع السموات و الارض و اذا قضي امرا فانما يقول له كن فيكون فقول “كن” منه سبحانه قضاء لا اقتضاء فالاقتضاء و قبول القضاء من الخلق فالله يقضي بالحق و الخلق يقتضي الحق و ذلك قوله سبحانه قل لايعبؤ بكم ربي لولا دعاؤكم و قوله و ذلكم ظنكم الذي ظننتم بربكم ارديكم فاصبحتم من الخاسرين و قوله بكفرهم لعناهم و قوله يهديهم ربهم بايمانهم و قوله و ما تجزون الا ما كنتم تعلمون الي غير ذلك من الايات و بذلك قام الوجود و ظهر سر المعبود اهل الكرم و الجود و الدليل العقلي علي وجوب كون الاقتضاء من الخلق منع الغناء المطلق القضاء بلا اقتضاء و عدم كون الاقتضاء من الازل سبحانه و هنالك حق و خلق لا ثالث بينهما و لا ثالث غيرهما فوجب ان يكون الاقتضاء من الخلق و لما كان القضاء من غير الاقتضاء ممتنعاً لغناء القاضي بالحق و الاقتضاء قبل القضاء ممتنعاً لعدم وجود حادث قبل الاحداث فوجب ان يكونا مساوقين كالكسر و الانكسار فان الكسر ليس يوجد قبل الانكسار بالبداهة و ليس يوجد الانكسار قبل الكسر فاذا تحقق كون القضاء من الله سبحانه و كون الاقتضاء من الخلق و كونهما مساوقين لايتقدم احدهما علي الآخر فاعلم ان الله سبحانه يوجد ما يوجد علي حسب اقتضاء لميكن قبل ايجاده شيئاً فيوجده بما اقتضي لما اقتضي كيف ما اقتضي فيما اقتضي علي ما اقتضي مما اقتضي و لما كانت انوار جماله سبحانه متلألأةً لاتطيقها كل عين و سطوات جلاله عظيمةً لايتحملها كل احد و نار مشيته حاميةً لايصبر عليها كل نفس و لابد لكل ما ينبغي ان يدخل عرصة الاكوان ان يأخذ نصيبه من تلك الانوار حتي يستنير فمنهم من تحمله من غير واسطة و منهم من تحمله بواسطة و منهم من تحمله بواسطتين و منهم من تحمله بوسائط فلكل منهم مقام معلوم لو دنا انملة لاحترق فلايتحمل الداني سطوع الانوار علي مقدار ما يتحمله العالي و لايتحمل العالي ما يتحمله الاعلي و هكذا و كل رتبة من المراتب واسطة بين الاعلي و الادني منه و حجاب علي وجه الاعلي ليطيقه الادني فينطفي
«* مکارم الابرارعربی جلد 9 صفحه 479 *»
حرارة مشية العالي في بطن قابلية الواسطة بقدر ما يتحمله الداني و هكذا تقدير العزيز العليم الحكيم المعطي كل ذي حق حقه و السايق الي كل مخلوق رزقه و ذلك قوله انا كل شيء خلقناه بقدر و ما امرنا الا واحدة كلمح بالبصر.
فالامر واحد و مع ذلك كل شيء مخلوق بقدر في حده و مقامه و تقديره و هندسته و لايطيق المشية بصرافتها الا الصادر الاول و هو الحقيقة المحمدية صلوات الله و سلامه عليها فتلقي فيها مثالها ثم تتلألأ تلك الحقيقة بنورها و تشرق علي من دونها و لايطيق تلك الانوار و لايتحمل ذلك الاشراق من غير واسطة الا فلك الولاية المطلقة فتتجلي له فيشرق و تطالعه فيتلألأ فتلقي في هويته مثالها فيشرق علي من دونه فلايتحمل اشراقه من غير واسطة احد الا هوية العصمة فيتجلي لها فتشرق و يطالعها فتتلألأ فيلقي في هويتها مثاله فيظهر منها افعاله فلايتحمل ذلك الاشراق من غير واسطة احد الا حقايق الانبياء و هكذا ينزل ذلك الاشراق رتبة فرتبة و يحتجب بحجاب بعد حجاب الي ان ينزل الي هذه الافلاك الجسمانية فيتجلي لها من وراء تلك الحجب فتشرق و يطالعها من وراء تلك الاسرار فتتلألأ فيلقي فيها مثاله فتتحرك به و تنطق به و تشرق بفضل نوره حتي يتحمل تلك الانوار الاجسام السفلية و ذلك معني ما روي ان الله سبحانه سبعين الف حجاب لو كشف لاحرقت سبحات وجهه ما انتهي اليه بصره من خلقه و يظهر في الافلاك ايضا علي حسب مراتبها فاول ما يظهر يظهر في العرش و ينطفي حره في بطنه بقدر برده اللازم لبعده عن المبدء فيشرق بعد الانطفاء علي الكرسي لانه لايتحمله غيره فينطفي حره في بطنه علي حسب برده اللازم لبعده ثم يشرق علي فلك الشمس فينطفي في بطنه علي مقدار برده اللازم لبعده ثم ينطفي في بطن ساير الافلاك بعد اشراقه عليها ثم منها يشرق علي السفليات فتطيق تلك الحرارة و يتحمل النظر الي تلك الانوار و ينتفع بها فلو اشرق العرش مثلاً من غير واسطة علي السفليات لاعدمها و فتت وجودها و صيرها رمادا لشدة حرها ولكن الله سبحانه عليم بجميع خلقه و مراتبهم و قوابلهم و مقدار تحملهم فيتجلي علي كل شيء منها علي حسبه و من وراء حجب يتمكن بها من النظر اليه و الانتفاع به
«* مکارم الابرارعربی جلد 9 صفحه 480 *»
فاذا عرفت هذه القاعدة السديدة لايقضي لشيء بشيء الا علي حسب اقتضائه و قابليته و كل شيء يد الله في الامداد علي مادونه و كل شيء محل مشيته و وكر ارادته فيما يريد فيما دونه و به يفعل ما يشاء فيما دونه و يحكم ما يريد منه و منه بدؤه و اليه عوده و قد شرح الله جميع ذلك في قوله لكل منا مقام معلوم و قوله انزل من السماء ماء فسالت اودية بقدرها و قوله كما بدأكم تعودون و قوله انا كل شيء خلقناه بقدر و قوله معاذ الله ان نأخذ الا من وجدنا متاعنا عنده.
و من تلك الايدي و الاسباب و العلل الافلاك الدائرة فانها يد الله في الامداد و الفيوضات و الاشراقات و التجليات علي السفليات قال الله سبحانه رزقكم في السماء و ما توعدون و ما توعدون عام يشمل جميع ما وعده الله لقوابل السفليات من الامداد و الفيوضات علي حسب اقتضاءاتها الظاهرة بقوله سبحانه ادعوني استجب لكم و قوله قل لايعبؤ بكم ربي لولا دعاؤكم و قوله ان الله لايخلف الميعاد فهي دائرة علي السفليات علي حسب دعواتها و اقتضاءاتها فهي و ان كانت السن القضاء و ايدي الفاعل الا انها لاتتحرك و لاتتحق قراناتها و لاتتغير اوضاعها و لايحصل انظارها الا علي حسب قوابل السفليات و ذلك قوله أ لم تروا ان الله سخر لكم ما في السموات و ما في الارض و اسبغ عليكم نعمه ظاهرة و باطنة و من الناس من يجادل في الله بغير علم و لا هدي و لا كتاب منير و قال و سخر لكم ما في السموات و ما في الارض جميعا منه ان في ذلك لايات لقوم يتفكرون فجميع ما في السموات و ما في الارض مسخرات للانسان و تتحرك علي حسب استعداداتهم و قوابلهم و لذا روي ان الله سبحانه يأمر الفلك باللبوث في عهد السلطان العادل و يأمره بالسرعة في عهد السلطان الجاير و ذلك لانها تجري علي حسب قوابل العباد و لما كانت هي جارية علي حسب القوابل و جميع قراناتها منطبقة علي الاستعدادات حرفا بحرف لانها ايدي القضاء الباسطة علي حسب الاقتضاء فاذا نظر الي اوضاعها المنجم الجاهل في امر القوابل و الاستعدادات حكم علي حسب قراناتها علي السفليات و يصيب في الحكم اذا كان عالما به حق
«* مکارم الابرارعربی جلد 9 صفحه 481 *»
العلم و هو غافل عن انها جرت علي حسب دعوة القابليات لقوله سبحانه قل لايعبؤ بكم ربي لولا دعاؤكم و قوله ادعوني استجب لكم و مثل ذلك مثل انيطلب مسكين من السلطان حاجة حيث لمتكن انت ثم تحضر في مجلس السلطان و تراه يأمر لذلك المسكين بشيء فاذا رأيت ذلك بادرت الي ذلك المسكين مبشراً له ان في هذه الساعة يصيبك من السلطان فائدة و قد قضي لك في حضرته جائزة و انت غافل ان ذلك استجابة لدعائه السابق علي حسب الوعد الموافق فكذلك المنجم ينظر في القرانات و الكواكب فيري انه قضي لصاحب هذا الطالع بانقطاع عمره لوجود النحس المضاد لكينونته في التاسع فيخبر انه قضي لفلان بانقطاع عمره و هو غافل عن انه جزاء قطعه الرحم مثلاً او ينظر الي سعد في الثاني فيحكم له بانه قد قضي له بمال كثير في هذه الايام و هو غافل عن انه قد تصدق بمال و قد قضي جزاؤه بعشر امثاله او بسبعمائة ضعفه و هكذا فليس ان الافلاك قد جرت بذلك من غير دعاء سابق ولكن المنجم غافل و اما الانبياء و الرسل فيعلمون البدايات و الغايات فيأمرون الناس بالبر و الحسنات حتي ترخص اسعارهم و تزكو اثمارهم و تفتح عليهم بركات السماء و الارض و لاتنزل عليهم البلايا فاذا امتثلوا امرهم صلحت قوابلهم و حسنت اقتضاءاتهم فقضي الله لهم بالحسني و ظهر آثار ذلك القضاء في السماء قال الله سبحانه يدبر اللامر من السماء الي الارض ثم يعرج اليه في يوم كان مقداره الف سنة مما تعدون ذلك عالم الغيب و الشهادة العزيز الرحيم الذي احسن كل شيء خلقه و بدأ خلق الانسان من طين. او لمتسر في القرآن فتنظر كيف كان هلاك القري السالفة و القرون الماضية او ليس ان كل قوم لما طغوا و عصوا هلكوا او ليس انهم لميهلكوا الا بقران و تغيير وضع في الفلك و النجوم او لمتر ان الله يعاتبهم علي اعمالهم و ليس يعتذر لهم بقرانات الكواكب و انما ذلك لاجل كون القرانات جارية علي حسب اعمالهم و لولا اقتضاءات اعمالهم لمتقض لهم بالسوء او لمتسمع قوله سبحانه و لو ان اهل القري آمنوا و اتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء و الارض ولكن كذبوا فاخذناهم بما كانوا يكسبون
«* مکارم الابرارعربی جلد 9 صفحه 482 *»
فتدبر في نزول البركات هل تنزل الا بالقرانات المسعودة ولكنه جعل سبب نزولها الايمان و التقوي و كذا هل نزل بلاء الا بقرانات مسعودة ولكنه جعله ثمرة كذبهم و كما قال و ذلكم ظنكم الذي ظننتم بربكم ارديكم فاصبحتم من الخاسرين فجعل رديهم و خسارتهم ثمرة ظنهم و لذلك عاتبهم باعمالهم القبيحة و لميعتذر لهم و لو كان علي ما ظننت لكانوا اولي بالاعتذار من العتاب و كما سمعت ان الافلاك تجري علي الثواب و العقاب و الرخاء و العناء كذلك تجري علي الاعمال فلايصدر عمل من عامل من حسنة او سيئة الا بقران خاص و وضع خاص حادث في الافلاك الا انها ايضاً علي حسب افلاكهم و اقتضاء كينوناتهم و كيفية اجابتهم في عالم الذر قال الله سبحانه و ما كانوا ليؤمنوا بما كذبوا به من قبل اي في عالم الذر و قال بكفرهم لعناهم و قال يهديهم ربهم بايمانهم و روي عن ابي جعفر عليه السلام انه قال ان في بعض ما انزل الله من كتبه اني انا الله لا اله الا انا خلقت الخير و خلقت الشر فطوبي لمن اجريت علي يديه الخير و ويل لمن اجريت علي يديه الشر و ويل لمن قال كيف ذا و كيف ذا انتهي.
و انت قد علمت ان الله سبحانه غني مطلق و لا اقتضاء لشيء في ذاته و لايعاند احدا و لايوافق احدا و لا قرابة و لا نسبة له مع شيء حتي يعطي الخير عن موافقة و يعطي الشر عن مخالفة و انما يخلق الخير و يجريه علي يد المجيب الملبي دعوته و يخلق الشر و يجريه علي يد غير المجيب و غير الملبي دعوته و لو كان غير ذلك لميكن احد اظلم من الله نعوذ بالله حيث يخلق الشر و يجريه علي يد عبد من غير باعث منه علي ذلك ثم يعاقبه علي ذلك فان قلت لايعاقبه خالفت الملل و ان قلت يعاقبه فقد اقررت بظلمه نعوذبالله و ان قلت يجريه بباعث منه و استعداد علي يديه فقد قلت حقاً و نطقت صدقاً فقد قال ابوعبدالله عليه السلام ان الله خلق الخلق فعلم ما هم صايرون اليه و امرهم و نهاهم فما امرهم به من شيء فقد جعل لهم السبيل الي تركه و لايكونون آخذين و لا تاركين الا باذن الله انظر الي قوله فعلم ما هم صائرون اليه و هو علمه بقوابل عباده و استعداداتهم
«* مکارم الابرارعربی جلد 9 صفحه 483 *»
و سئل ابوعبدالله عليه السلام عن الاستطاعة فقال ابوعبدالله عليه السلام أ تستطيع انتعمل ما لميكون قال لا قال فتستطيع انتنتهي عما كون قال لا قال فقال له ابوعبدالله عليه السلام فمتي انت مستطيع قال لا ادري قال فقال له ابوعبدالله عليه السلام ان الله خلق خلقاً فجعل فيهم آلة الاستطاعة ثم لميفوض اليهم فهم مستطيعون للفعل في وقت الفعل مع الفعل اذا فعلوا ذلك الفعل فاذا لميفعلوه لميكونوا مستطيعين انيفعلوا فعلا لميفعلوه لان الله عزوجل اعز من انيضاده في ملكه احد قال السائل فالناس مجبورون قال لو كانوا مجبورين كانوا معذورين قال ففوض اليهم قال لا قال فما هم قال علم منهم فعلا فجعل فيهم آلة الفعل فاذا فعلوا كانوا مع الفعل مستطيعين قال السائل اشهد انه الحق و انكم اهل بين النبوة و الرسالة و سئل ايضا ابوعبدالله هل للعباد من الاستطاعة شيء فقال له اذا فعلوا الفعل كانوا مستطيعين بالاستطاعة التي جعلها الله فيهم قال السائل قلت و ما هي قال الالة مثل الزنا اذا زني كان مستطيعاً للزني حين زني و لو انه ترك الزني و لميزن كان مستطيعاً لتركه اذا ترك قال ثم قال ليس له من الاستطاعة قبل الفعل قليل و لا كثير ولكن مع الفعل و الترك كان مستطيعاً قال السائل قلت فعلي ما ذا يعذبهم قال بالحجة البالغة و الالة التي ركب فيهم ان الله لميجبر احداً علي معصية و لا اراد ارادة حتم الكفر من احد ولكن حين كفر كان في ارادة الله انيكفروهم في ارادة الله و في علمه الا يصيروا الي شيء من الخير قلت اراد منهم انيكفروا قال ليس هكذا اقول ولكني اقول علم انهم سيكفرون فاراد الكفر لعلمه فيهم و ليست هي ارادة حتم انما هي ارادة اختيار تدبر في هذه الاخبار و تبصر امرك بلاغبار و جانب الاغيار و اتبع سبيل الابرار فاولئك الذين هديهم الله فبهديهم اقتده فالله سبحانه علم بعلمه الذي لا خلف فيه قوابل كل شيء و انهم الي ما صائرون و ما ذا يقتضون فاجري الله الاسباب و العلل علي حسب علمه بالاقتضاءات فلو لميجر الاسباب و العلل علي حسبها لميقدر احد منهم علي شيء من مقتضيات
«* مکارم الابرارعربی جلد 9 صفحه 484 *»
قوابلهم فانهم لايتستطيعون انيفعلوا ما لميكونه الله و لايكون الله سبحانه شيئاً الا علي حسب قوابلهم و تلك الاسباب و العلل كثيرة اعليها امر الله سبحانه و مشيته و ادناها ارادة العبد و ميله و القلب و الجوارح و الالات و الادوات و ساير ما يقترن بها و الله موجد كل شيء و ابي انيوجد شيئاً الا باسبابها و علي حسب قوابل خلقه كما بينا و شرحنا و اوضحنا.
فقولك تلك الاوضاع ليست تحت قدرتنا و اختيارنا نعم ليست تحت قدرتك و لكنها جارية علي حسب قابليتك و اعمالك و اقوالك يجريها الله سبحانه علي حسب استعدادك و اما قولك تلك الاوضاع ايضاً اسباب للافعال و علل ناقصة و شرايط لافعالنا كما ان اختيارنا سبب و معد للافعال فصحيح هي كلها اسباب اعدها الله لصدور الافعال من عباده و تلك الافعال من خير او شر مخلوقة لله سبحانه بلا شك ولكن خلقها الله علي حسب علمه باستعدادك و علم الله اولي بالتصديق فانه عليم لايجهل و صادق لايكذب و حكيم لايعبث كما قال عليه السلام علم انهم سيكفرون فاراد الكفر لعلمه فيهم و ليست هي ارادة حتم انما هي ارادة اختيار و قد مر في صدر الكتاب من الاخبار ما يدل علي ذلك فراجع.
و اما قولك فاذا لمنكن مستقلين في ايجاد افعالنا فاي فائدة لحثنا بالاعمال الحسنة فلذلك جواب شريف دقيق فتدبر فيه ان كنت من اهل التحقيق و هو باب يفتح منه ابواب كثيرة اعلم ان الله سبحانه احد كامل مالك لجميع الصفات و الكمالات ليس يفقد شيئاً منها و لاينتظر حدوث شيء منها فهو كامل بلانهاية و صفاته سبحانه و شئون كمالاته خلقه قاطبة حتي قيل انه ليس شيء الا الله و صفاته و اسمائه فهو لايفقد شيئاً من ملكه كما قال الباقر عليه السلام في خطبة وصف فيها ربه قال و لا كان خلوا من الملك قبل انشائه و لايكون منه خلوا بعد ذهابه الخطبة. فجميع الملك حاضرة لديه موجودة عنده ازلاً ابداً في الدعاء اللهم يا ذا الملك المتأبد بالخلود الدعاء. و حضوره لديه علمه سبحانه فان العلم ليس الا حضور المعلوم عند العالم و هو ام الكتاب الذي لايتغير و لايتبدل و لايحيط به احد
«* مکارم الابرارعربی جلد 9 صفحه 485 *»
الا بما شاء كما قال و لا يحيطون بشيء من علمه الا بما شاء و قال يمحو الله ما يشاء و يثبت و عنده ام الكتاب. فلا محو فيه و لا اثبات و لا تغيير و لا تبديل و هنالك يعلم جميع الاشياء مختاراً مستطيعاً للفعل و الترك بارادته سبحانه و يعلم انهم اي شقي الاختيار يختارون و الي ما هم صائرون و ما ذا يشتهون فمن آمن منهم فهو عنده مؤمن حينما آمن عند ما آمن في الوقت الذي آمن لا قبله و من كفر منهم فهو عنده كافر حينما كفر عند ما كفر في الوقت الذي كفر لا قبله بل قبل ايمانه مكتوب عند الله في اللوح المحفوظ ام الكتاب كافر و قبل كفره مكتوب عند الله في اللوح المحفوظ ام الكتاب مؤمن فكذلك سحرة آل فرعون اصبحوا عند الله كافرين و في ام الكتاب كافرين بل في جميع الواح السموات و الارض و الغيب و الشهادة كافرين بل في علم الله الذي لايحول و لايزول و لا محو فيه و لا اثبات كافرين و امسوا عند الله و في جميع الالواح و في علم الله الذي لايحول و لايزول مؤمنين و ذلك من غامض العلم فالعبد ما لميحتج الله عليه في الحيوة الدنيا بحجة عند الله و في علم الله ضال عن المحجة فاذا احتج الله عليه و آمن فمؤمن او كفر فكافر فمع علم الله سبحانه الذي لا خلف فيه و لا تبديل لابد من فتنة و محنة للعباد قال الله سبحانه أ لم أ حسب الناس ان يتركوا ان يقولوا آمنا و هم لايفتنون و لقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا و ليعلمن الكاذبين و قال أم حسبتم انتدخلوا الجنة و لما يعلم الله الذين جاهدوا منكم و يعلم الصابرين فقبل انيجاهد العبد و يصبر عند الله و في علم الله غير مجاهد و لا صابر و لايستحق جنة و ليس من اهل الجنة و لما كلفه الله فجاهد و صبر فهو عند الله و في علم الله مجاهد صابر و من اهل الجنة و هكذا قبل الفتنة ليس العبد عند الله و في علم الله ثابت الايمان فاذا فتنه الله و تثبت صار عند الله صادق الايمان و ان لميتثبت صار عند الله كاذباً و ليس ذلك بان الله لايعلم عاقبة امر عبده أ لايعلم من خلق و هو اللطيف الخبير . و لايستفيد العلم من عمل عبده و اختياره بل لاجل ان الله سبحانه لسعة علمه و احاطته يعلم الاشياء في محالها و حدودها و اوقاتها ففي وقت لميكفر العبد يعلم الله سبحانه انه غير كافر في ذلك الوقت و يعلم انه سيكفر في الوقت الذي يكفر فيه من مستقبل
«* مکارم الابرارعربی جلد 9 صفحه 486 *»
الزمان ولكن في وقت عدم كفره ليس بكافر عنده سبحانه و ليس الكفر الا انيبعث رسولاً و يبلغ حجة و لم يقبل العبد و ينكر فذلك هو الكفر و ليس الايمان الا انيبعث رسولاً و يبلغ حجة و يقبل العبد و يقر فذلك هو الايمان و الذي يعلم عواقب الامور يعلم ان الكفر هذا و الايمان هذا و لابد من بعث الرسل و انزال الكتب لئلا يكون للناس علي الله حجة بعد الرسل و ان عاملهم علي حسب علمه بهم لكان لهم الحجة مع ان الحكمة في قوام الخلق و نظامهم و معاشهم و معادهم بل وجودهم و شهودهم يقتضي وجود الانبياء و الرسل و الاوصياء و الكتب و الحكماء و العلماء و الدعاة و كما انه ابي ان يجري الاشياء الا بالاسباب ابي انيصدر حسنة من جاهل الا بالتعليم فلو لميبعث هؤلاء لفني الدنيا لان الحكمة اقتضت انيخلقوا في بدو الامر جهالا و الجاهل يفسد و لايصلح فاذا خلقوا جهالاً و لميدعهم داع الي العلم و الفهم لدعي ذلك الي بوار الانفس و هلاكم اقل من يوم فكان خلقهم عبثاً بل لميمتد الزمان حتييبلغ الي ساير الخلق و هلك الاولون قبل انيتولد الاخرون فمتي كانوا يوجدون حتييعاملهم الله بسابق علمه فيهم و الله سبحانه حكيم فاذا لميخلق فاين يكون عبد حتييعامله معاملة و ان خلق فهكذا نظم الحكمة التي لايكون ابدع منها و هي منتظمة بحيث لو تقدم ذرة علي محله لفني الدنيا و ما فيها و لميبق شيء و كذلك تقدير العزيز العليم فهكذا و الا فلا فاذا صارت الحكمة هكذا فلابد من بقاء الخلق و اسباب البقاء وجود الانبياء و الرسل و الكتب و الدعوة فجاؤا و دعوا فمنهم من لبي و آمن و منهم من انكر و كفر و المؤمن مؤمن عند الله حين آمن في الوقت الذي آمن لا قبله و الكافر كافر عند الله حين كفر في الوقت الذي كفر لا قبله فالزمان و ان تأخر عن الدهر رتبة باربعة آلاف سنة الا انهما موجودات عند الله سبحانه في محضر واحد و يري كل شيء منهما في حده و وقته فيري الكافر كافراً في وقت كفره و المؤمن مؤمناً في وقت ايمانه لا قبله و لا بعده فنقول ايضاً ان الكافر قبل انيكفر في الزمان لميكن في الدهر كافراً فاذا كفر في الزمان فقد كفر في عالم الذر في الدهر باربعة آلاف سنة قبل يوم كفره فتفهم ان كنت تفهم فالله سبحانه ما لميكفر العبد لميعلمه كافراً
«* مکارم الابرارعربی جلد 9 صفحه 487 *»
في سابق علمه فاذا كفر كان يعلمه كافراً في سابق علمه قبل ذلك بالف الف دهر و قد كررنا هذه الدقيقة بعبارات مختلفة لكيتحوز منه النصيب و تفوز بالمعلي و الرقيب و مع ذلك ان فهمته فانت انت فمما بينا و شرحنا تبين ان الاعمال صادرة عن العالمين بالاختيار و ليس مرادنا بالاختيار الانقطاع عن الله سبحانه بل العامل و عمله و جوارحه و ميله و ارادته و اختياره و جميع ما يلحق بها كلها محفوظة بيد الله سبحانه مقهورة تحت مشيته علمها الله سبحانه فخلقها علي ما علم و قد خلقها مختاراً مستطيعاً و في جميع حالاتها قائمة بامر الله محتاجة في وجوده و بقائه و استمراره الي مدد الله و لا حول و لا قوة الا بالله العلي العظيم و صلي الله علي محمد و آله الطاهرين و حسبك ما بينا في هذه الرسالة فتدبر فيها فاني قد جعلت فيها ما يغنيك و الحمد لله اولاً و آخراً و قد فرغ من تسويدها مؤلفها عصر يوم السبت سادس عشر شهر ربيع الاول من شهور سنة اثنين و ستين بعد المأتين و الالف حامداً مصلياً مستغفراً مستقيلاً تمت.