09-10 مکارم الابرار المجلد التاسع ـ رسالة في جواب السيد محمدباقر الهندي الفيض آبادي عن کيفية احياء الاموات في الرجعة ـ مقابله

رسالة في جواب السيد محمدباقر الهندي الفيض آبادي عن کيفية احياء الاموات في الرجعة

 

من مصنفات العالم الرباني و الحکيم الصمداني

مولانا المرحوم الحاج محمد کريم الکرماني اعلي‌الله مقامه

 

 

 

«* مکارم الابرارعربی جلد 9 صفحه 423 *»

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين و صلي الله علي محمد و آله الطيبين و رهطه المخلصين و لعنة‌الله علي اعدائهم اجمعين.

و بعد يقول العبد الاثيم كريم بن ابراهيم انه قد القي الي السيد الجليل و السند النبيل الولي الصفي الوفي ذو الشرف الفاخر سيدنا السيد محمد باقر بن المرحوم السيد علي الهندي الفيض آبادي وفقه الله و ايده سؤالاً معضلاً و ذكر انه قد سأله بعض اجلة كرمانشهان ان‌يسألني عنه و هذا لفظه ما كيفية احياء الاموات في الرجعة و كيف ترجع الارواح و الاجسام في الجسد الاصلي الذي يبقي في القبر مستديراً فان في مرآة الحكماء في عالم التفصيل لاترجع الارواح و الاجسام في الاجساد فكيف يكون التطبيق بين لنا ايها النحرير.

اقول و لا حول و لا قوة الا بالله العلي العظيم اعلم وفقك الله ان الله سبحانه خلق للانسان ثلث مراتب مرتبة غيبه و هو ذاتيته التي بها هو هو و هو حقيقته التي يشير اليها بانا و كلما هو غير ما يشار اليه بانا خارج عن حقيقته و لايتوقف في كونه هو هو اليه و مرتبة‌ شهادته و هي مرتبة‌ اعراضه الملحقة به ليست منه و لا اليه و انما اتخذها الحقيقة مظهراً لها برهة من الدهر ثم تتركها و تعود الي عالمها مجردة عنها خالصة عن شوبها و مرتبة‌ برزخية بين تلك الذاتية و تلك الاعراض و انما هي اشراق من الذاتية قد وقع علي الاعراض و نور منها قد تعلق بالاعراض و سبب بين الذاتية و بينها به يتصرف الذاتية فيها و يوصل اليها ارادتها و اوامرها و نواهيها و لولاه لم‌تطلع الاعراض علي شيء من ارادات تلك الذاتية فالذاتية هي كالسلطان و الاعراض ملكه و البرزخ رسله الي اهله و كتبه و امره و نهيه و قوام الملك بتلك الرسل و الكتب فذلك البرزخ من حيث الصدور ملحق بالذات و من حيث الظهور ملحق بالاعراض و بذلك يسمي بالبرزخ و ليس مرادنا بالبرزخ ذاتاً بين ذاتين

 

 

«* مکارم الابرارعربی جلد 9 صفحه 424 *»

اعلاها كالاعلي و اسفلها كالاسفل كما يترأي في النظر فانه لو كان ذاتاً كان مستقلاً مثل طرفيه و كان بينه و بين كل واحد من الطرفين برزخ آخر و لم‌يكن تابعاً لهما و البرزخ تابع للطرفين و من البين ان البرزخ ايضاً من الاعراض و خارج عن حقيقة‌ الذات فبذلك خلق الله العوالم ثلثة الآخرة و هي دار الذاتية و الحقيقة و البرزخ و هو دار الاعراض البرزخية و الدنيا و هي دار الاعراض الشهادية الدنياوية و انزل الله الانسان في الدارين النازلتين ليبلو اخباره و له في ذاتيته روح و جسد متشاكلان متناسبان متواقفان متعانقان لاينفكان خالدان ابداً لعدم تخلل منافر بينهما فتلك الروح روح ذلك الجسد و تصعيده و ذلك الجسد جسد تلك الروح و تنكيسها بحيث لو حللت الجسد صار روحاً و لو عقدت الروح صارت جسداً فبذلك تعانقا تعانقاً لا انفكاك له ثم انزله الله الي دار البرزخ فلحقه اعراضها اللطيفة فتخللت للطافتها في طبايعه و مازجت غرايزه و نفذت في اعماقها ثم انزله الي دار الدنيا فلحقه اعراضها الكثيفة فتخللت اهبيته و مواده الشخصية و لابد ان امثل لك مثالاً لتشاهده ان المعادن جميعها مركبة من بخار هو روحها و دخان هو جسدها و انما تختلف المعادن بعد بحسب اختلاف كمهما و كيف فعل الفاعل و لا كلام فيهما فمن تلك المعادن الكبريت مثلاً فانه ايضاً مركب من بخار و دخان و حين تكوّن ذلك البخار و الدخان في المعدن قد شابهما بعض غرايب بخارية فمازج البخار و بعض غرايب دخانية‌ فمازج الدخان فامتزجت بطبيعتها و حجباهما عن الاختلاط التام و الاتحاد و منعاهما عن الفعل الوحداني و لولاهما لامتزجا امتزاجاً تاماً خالداً لعدم المنافر الفاصل فلما امتزجا بالغرايب و اختلطا حصل منها كبريت مختلط بالغرايب الطبيعية الخارجة عن حقيقة الكبريت فانتشر ذلك الكبريت المختلط السيال لانه بخار و دخان ممتزجان في اجزاء الارض فاختلط به الاتربة و الرمال و الاحجار و تخللت بين اجزائه الهبائية فالمجموع المركب هو الكبريت السوقي يحسبه الجاهل كبريتاً فاذا سمع من الحكيم خذ الكبريت اخذ من السوق كبريتاً هكذا فيراه محرقاً مسوداً و انما قال الحكيم خذ كبريتاً و لم‌يقل خذ كبريتاً و تراباً و رملاً و حجراً و دهناً محترقاً محرقاً فبذلك وقع الجاهل في البلاء و لم‌يحصل الا

 

 

«* مکارم الابرارعربی جلد 9 صفحه 425 *»

العناء و الواجب عليه ان يأخذ الكبريت من السوق و يحله اولاً حلاً هبائياً و يدعه يرسب عنه كل ما فيه من تراب او رمل او حجراً او غير ذلك ثم يعقده فيحصل له حينئذ كبريت خالص من الاعراض الهبائية ثم يحله ثانياً حلاً طبيعياً ثم يدعه يطفو عليه الاعراض الطبيعية فيأخذها ثم يعقد الراسب فاذا هو كبريت خالص غير محرق و لا محترق و هو الكبريت و البواقي كانت اعراضاً خارجة عن حقيقة الكبريت اتربة و احجاراً و ادهاناً فاسدة مفسدة فلابد من بلوغ حقيقة الكبريت من حلين و عقدين حل هبائي و عقد هبائي ثم حل طبيعي ثم عقد طبيعي و لما ان خلق الله الانسان للخلود و البقاء لا للفناء و انما اختلط باسباب الفناء دبر في حكمته ان‌يحله اولاً حلاً هبائياً و هو بالموت الدنياوي و حله في ارضها و مائها و هوائها و نارها ثم يطهره من اعراضها فيلقي الارمدة خارج العالم فيخلص انساناً برزخياً طاهراً من الغرائب و الاعراض الدنياوية الخارجة عن حقيقة ذاته فيعيش في العقد البرزخي مدة اجله ثم يحل حلاً ثانياً طبيعياً بالموت البرزخي عند نفخ الصور فيموت فينحل في الطبايع البرزخية ما بين النفختين ثم يفصل عنه الاعراض الخفيفة ثم يعقده روحاً و جسداً اخروياً طاهراً نقياً فيتعانقان تعانق المشتاق فلاينفكان بعده ابداً فيكون خالداً مخلداً في الجنان او في النيران فبذلك دبر الرحمان حيوتين و موتين ربنا امتنا اثنتين و احييتنا اثنتين و ليس شيء من اعراض الدنيا و البرزخ مما به زيد زيد و من اجزائه الاصلية و لزيد في ذاته روح اصلي و جسد اصلي بهما يكون هو هو و انما فرق الله بينهما بالموت لتطهيرهما و لاجل ان تطهير الجسد و تعذيبه لايناسبان الروح و تطهير الروح و تعذيبه لايناسبان الجسد فرق الله بينهما ليذيق كل واحد ما يناسبه من التطهير و التعذيب فاذا طهرا ركبهما الله و احيي الجسد بالروح و اعاد الروح الي الجسد فيتعانقان تعانق الخلود.

فاذا عرفت ذلك فاعلم ان للروح الي الجسد عودين و ذلك ان الروح و الجسد في الدنيا كثيفان مشوبان بالاعراض كما عرفت ولكن الروح يمتهن في الدنيا و يطهر و يحل بحر الشريعة التي هي نار الفلق و رطوبة الامتثال فينحل

 

 

«* مکارم الابرارعربی جلد 9 صفحه 426 *»

الروح في الدنيا و يطهر و يعذب بالاعمال الصعبة التكليفية فيطهر عن الاعراض الدنياوية و يبقي الجسد فيفرق بينهما لان الروح لايطيق تعذيب الجسد و اما الجسد فيطيق تعذيب الروح في الدنيا فانه كثيف فاذا فرق الله بينهما صعد الروح في البرزخ طاهراً لما امتهن في الدنيا و خلص وصفي فيبقي الجسد في المهنة و التعذيب حتي يطهر عن الاعراض الدنياوية فاذا طهر حصل في البرزخ روح و جسد طاهران من اعراض الدنيا الهبائية فيدخل الروح في الجسد لان الجسد داع و الروح اجابته و لا مانع بعد التشاكل في الجملة و التقارب فيدخل الروح الطاهر مرة في الجسد الطاهر مرة و يعيش الي منتهي اجله و هذا هو حقيقة الرجعة و ليس المراد بالرجعة‌ الرجوع الي الاعراض التي لم‌تكن منه و لا اليه و انما هي ارمدة القيت خارج العالم و تفرقت تذروها الرياح و انما الرجعة هي رجوع روح طاهر عن الاعراض الهبائية في جسد طاهر عن الاعراض الهبائية فيعيش الي منتهي اجله و له اجل لبقاء الاعراض الطبيعية فيه و في ايام عيشه البرزخي يمتهن روحه بتكاليف الرجعة و يحل في نار فلق التكاليف و رطوبة امتثاله فيطهر عن الاعراض و يرفع تعلقاته عنها ثم يميته الله و يفرق بين روحه و جسده حتي‌يعذب الجسد بعذاب يطيقه الجسد و لا يطيقه الروح فيعذب الجسد حتي‌يطهر فاذا طهر عاد الروح الطاهر مرتين الي جسده الطاهر مرتين و تعانقا تعانق خلود و هذا هو المعاد الاخروي و هذا هو بعينه موجود في مرآة الحكماء فانك تفرق في الربع الاول بين الروح و جسده و تطهر الروح و الجسد عن الارمدة الهبائية ثم ترد الروح الي الجسد عند التزويج بالزوجات الثلث و ايراد الجويريات الست فبعد التزويج بالزوجات الثلث و الجويريات الست يكون الدار دار البرزخ و يكون المركب طاهراً عن الارمدة و لذا يحصل له بعض العمل و يتنعم بالجنان الدنياوية التي هي بالنسبة الي جنان الاخرة مباقل و انما هي بقدر الاكل و العيش البرزخي و النجاة من فقر الدنيا و فاقته و الراحة من شر الاعداء الغرايب و آفات الدنيا و اسقامها و فيها البغية و النعمة ثم تميته و تفرق بين الروح و الجسد بالتقطيرات الثلثة و استخراج الماء الالهي و الزيبقين و الصبغ و المناخل الاكسيرية و تعذب الجسد حتي‌يصير

 

 

«* مکارم الابرارعربی جلد 9 صفحه 427 *»

ارضاً جديدةً قابلةً للحرث حرث الخلود فعند ذلك ترد الروح الي الجسد و يحيي المولود حيوة خلود فيكسر الصفوف و لاينهزم من الالوف ثم كلما يرد اليه فيض رباني بالماء الالهي و يحل و يعقد يزداد ملكاً و ثروةً و نعمةً و نفاذ الامر و جريان الحكم و القدرة و القوة و لا غاية لذلك و لا نهاية بالجملة كما انه ليس المراد بالعود عود الارواح الي الاعراض كذلك ليس المراد بالرجعة رجوع الارواح الي الاعراض و انما الرجعة قيمة صغري و قيمة اولي و في الرجعة يخلص الملك لآل حمد عليهم السلام و هنالك الولاية لله الحق فلايعارضهم احد في ملكهم و لايناقشهم احد في سلطانهم و ينقرض دولة الباطل اهل دار الاعراض و سكنة ارض الامراض و لاتزعم من قولي ان الرجعة في غير هذه السماوات و الارض بل هذه السماء سماء زمان الرجعة و الارض ارض زمان الرجعة و ان كانتا تصفيان عن اعراض عليهما اليوم فانهما مع هذه الاعراض لاتقتضيان الا هذه الدول و هذا الفساد و هذا معني ما روي ان هارون قال لابي الحسن عليه السلام ما هذه الدار و دار من هي قال هي لشيعتنا و لغيرهم فتنة قال فما لصاحب الدار لايأخذها قال اخذت منه عامرةً و لايأخذها الا معمورةً فقال اين شيعتك فقرأ عليه السلام لم‌يكن الذين كفروا من اهل الكتاب الاية. قال فنحن كفار قال ولكن كما قال أ لم‌تر الي الذين بدلوا نعمة الله كفراً و احلوا قومهم دار البوار انتهي. فاذا صفتا ظهر دولتهم و ملكهم و يقتل ابليس اللعين و اتباعه و يستغني الناس عن ضوء الشمس و القمر فافهم.

و اما الجسد الاصلي الذي يبقي في القبر مستديراً هو جسد زيد الاصلي الذي اشرنا اليه و هو الذي فيه روح زيد و جسمه و هو في قبر الطبايع مشوب بالاعراض البرزخية و مع تلك الاعراض في قبر طبايع الدنيا فاذا مات و زال عنه اعراض الدنيا بقي في عرض واحد فاذا نفخ في الصور يزول عنه اعراض البرزخ ايضاً و يبقي خالصاً و ذلك الجسد في القبر مستدير قال الشيخ اعلي الله مقامه يعني رأسه فوق رقبته و رقبته فوق صدره و صدره فوق بطنه و هكذا و قلت انه مستدير

 

 

«* مکارم الابرارعربی جلد 9 صفحه 428 *»

يدور علي قطبه بالاستمداد و لانه مخلي و طبعه و لاتنافي بين قولين و اذ قد اتينا علي ما سألت نكتفي به و لو زدتم في السؤال لزدنا في الجواب و ما ذكرناه كاف لاولي الالباب و قد فرغ من تصنيفه كاتبه كريم بن ابراهيم للية بقيت من شهر ذي الحجة الحرام من شهور السنة الثامنة و السبعين من المائة الثالثة عشرة من الهجرة حامداً مصلياً مستغفراً تمت.