الرسالة الغدیریة
فی جواب الشیخ عبدالله بن محمد بن احمد بن غدیر
من مصنفات الشيخ الاجل الاوحد المرحوم
الشيخ احمد بن زينالدين الاحسائي اعلي اللّه مقامه
«* جوامع الکلم جلد 8 صفحه 546 *»
بسم اللّه الرحمن الرحيم
الحمدللّه رب العالمين و صلي اللّه علي محمد و آله الطاهرين.
و بـعد فيقول العبد المسكين احمد بن زين الدين الاحسائي انه قد ارسل الي الاكرم الاجل و الزاهد البدل الشيخ الاواه الشيخ عبداللّه بن غدير (عبدالله بن محمد بن احمد خل) بمسائل يريد بيانها و فيها ما لايحسن بيانها (بيانه خل) لقولهم: ما كلما يعلم يقال و لا كلما يقال حان (آن خل) وقته و لا كلما حان (آن خل) حضر اهله هـ، لكن لما كان من اهل ذلك وجب علي الاشارة الي ما اراد لئلااكون ظالماً له ان منعته علي انه (سلمه الله خل) طلب مني بيان اعتقادي في ذلك فجعلت كلامه و عبارته في كتابه الي متناً و جوابي شرحاً ليكون الجواب طبق السؤال و يعرف الحال من المقال فاقول و باللّه المستعان و عليه التكلان.
قال سلمه الله: مسئلة مهمة (الي ان قال خل) و هي الكشف عن نسبة المعاصي للمعصومين صلوات اللّه و سلامه عليهم اجمعين (و تسلط ابليس عليهم خل) فان الروايات و الايات تدل علي ذلك كما لايخفي و احوالهم في مناجاتهم و ادعيتهم تشهد بذلك فالمأمول ان تفصح من اعتقاداتك (عن اعتقادک خل) في ذلك و تبين الدليل و الجواب عن هذه الشبهة و امثالها فاني في ذلك من الواقفين الساكتين الذين لايستطيعون حيلة و لايهتدون سبيلاً.
اقول: ان هذه المسألة و ان جري علي السنة العلماء و العارفين لكن الكلام فيها و البحث عنها لايكون جوابها علي حقيقة الامر الواقع كما هو مطلوبه الدال عليه بقوله ان تفصح الخ بالعبارة الظاهر لانها تزيدها غموضاً فان الجواب عنها من مكنون العلم الذي كتموه عالموه عن انفسهم بل عن عقولهم و انما هو في اسرارهم و ما احسن لاستشهاد هنا بقول الشاعر
«* جوامع الکلم جلد 8 صفحه 547 *»
و اياك ذكر العامرية انني اخاف عليها من فم المتكلم
نعم التلويح اوضح لمثل السائل من التصريح و انا اشير الي ما يتحقق الشبهة بالدليل المناسب للمقام ثم اذكر الجواب و الدليل الكاشف لما تحقق منها و لاحققها (لما حققها خل) و من اخذ من كلماتي هذه الاتية في بيان ذلك نصيب [نصيباً ظ] (بنصيب خل) فقد فاز بالمعلي و الرقيب. اعلم ان حقيقة المعصية عدم لانها من ماهية المكون من حيث نفسه لا من جهة خالقه لان ماهية (ماهيته خل) العليا التي هي من جهة خالقه (نور خل) لا ظلمة فيها فهي نور الخالق لا ماهية المخلوق فكل مخلوق خرج من عند الله فله ماهيتان و معصيته من الماهية السفلي العرضية الوهمية و هذه الماهية يتكمل وجودها من عرضيات الوجود و تشبهها به و ادعائها له فهي ظلمات بعضها فوق بعض لانها في الحقيقة ماشمّت رائحة الوجود ان هي الا اسماء سميتموها انتم و اباؤكم ماانزل اللّه بها من سلطان فاذا استولت عليها انوار الوجود بالعمل التشريعي الاختياري رقت انيتها و تلاشت مائيتها و انقادت لامر ربها فتركت دعويها و تشبهها بمولاها و عافت الاعراض و رذائلها و صحبت الوجود للموجد المعبود و ذلك اذا قيل لها ادخلي الصرح فلما رأته حسبته لجة و كشفت عن ساقيها قال لها صاحبها انه صرح ممرد من قوارير قالت رب اني ظلمت نفسي و اسلمت مع سليمان للّه رب العالمين فقيل لها يا ايتها النفس المطمئنة ارجعي الي ربك راضية مرضية فادخلي في عبادي و ادخلي جنتي فهي في هذا المقام حجاب زبرجد يتلألأ بخفق يعني باضطراب كما اشار اليه جعفر بن محمد8 كما رواه في الكافي فهي مطيعة بصحبتها للوجود و عاصية بكونها (لکونها خل) حجاب زبرجد و ان كان مضطرباً ما لمتفن بالكلية و بيانه ان الامكان عصيان اذ كل متحقق بغيره اذا وجد له تحققاً بذاته كان عاصياً بنسبة دعواه الوجدان و الا كان مستغنياً عمن تخلق (تحقق خل) به فيما استقبل (استقل خل) به فلميكن محتاجاً مطلقاً بل في شيء دون شيء هذا خلف.
و ذلك لان المخلوق قائم بخالقه قيام صدور فهو ابداً محتاج الي المدد و الافاضة و الفيض و
«* جوامع الکلم جلد 8 صفحه 548 *»
عليه دائم المدد بل ليس شيئاً غير (شياعه خل) ذلك المدد الامتدادي (الامدادي خل) و في الدعاء الهي وقف السائلون ببابك و لاذ الفقراء بجنابك و الاكدار تلازم الاغيار فمهما تحققت المغايرة تحققت الكدورة و لاتعجب من هذا و قد قالوا: حسنات الابرار سيئات المقربين فان المقربين اذا اكلوا من الحلال ما يمسك رمقهم ليقووا به علي الطاعة او نكحوا للسنة و كسر النفس و طلب النسمة التي تثقل الارض بشهادة لا اله الا اللّه علي انهم امروا بذلك فكم من مأمور منهي و منهي مأمور و عصي آدم ربه فغوي ثم اجتباه ربه فتاب عليه و هدي فاذا فعلوا ذلك الذي هو كمال حسنات الابرار كانوا عاصين اذ ليس لهم حالة لا كدورة فيها الا حالة نفي الاغيار قال الصادق7 لنا مع اللّه وقت هو فيه نحن و نحن هو نحن نحن و هو هو هـ فالحرفان الاولان ليس فيهما كدورة و لا ظلمة و ذلك اعلي درجاتهم و هو مقام او ادني و الحرفان الاخيران فيهما كدورة و ظلمة للعقل (للفصل خل) و الفرق فافهم (فافهم فاذا اکل المقرب من الرزق الحلال لما امر کما امر کان عصياناً في حقه للفصل و الفرق خل) كما مرّت الاشارة اليه و ليس لاحد من الابرار انيراها معصية و هي نهاية طاعته و المراتب من الحرفين الاولين في الحديث المذكور الي الثري لاتحصي و بعد الحرفين المذكورين كل من ازال (کلها منازل خل) الاغيار و بها بطل (مهابط خل) الاكدار و ان كانت متفاوتة و كل اهل مرتبة عصيانهم في نزولهم الي من دونهم بمرتبة يكون تلك المرتبة حسنة الادنين و سيئة الاعلين لاينفك الاعلون من الدنيا في بعض الاحوال و ان قلّت و كثرت علي حسب منازلهم و هكذا فيكون الاعلون يستقيلون من حسنة من دونهم و الا كانوا مثلهم و من نزل مرتبتين كان فاسقاً و العياذ باللّه.
فاذا نزل الاعلي جري عليه حكم الادني و لهذا كانوا: يأكلون الطعام و يمشون في الاسواق و ينكحون النساء و يقتلون و يموتون و يقبرون و لهم حالة لا كدورة فيها كما قلنا اشار اليها في كتابه العزيز بقوله تعالي يكاد زيتها يضيء و لو لمتمسسه نار و عن الصادق7 في خطبة اميرالمؤمنين7 الي ان قال7
«* جوامع الکلم جلد 8 صفحه 549 *»
الذي كنا بكينونته قبل خلق الخلق و التمكين و قبل مواقع صفات تمكين التكوين كائنين غير مكونين موجودين ازليين منه بدؤنا و اليه نعود الخطبة. قال المفضل للصادق7 يابن رسولاللّه ان هذا اكلام تحار فيه العقول فعرفني ما معني قول اميرالمؤمنين7 الذي كنا بكينونته قبل خلق الخلق قال الصادق7 بكينونته في القدم و هو المكون و نحن المكان و هو المشيء و نحن الشيء و هو الخالق و نحن المخلوقون و هو الرب و نحن المربوبون و هو المعني و نحن اسماؤه و هو المحتجب و نحن حجبه كائنين غير مكونين نسبحه و نمجده و نقدسه في ستة اكوان الحديث. فلذلك كانوا يستغفرون (يستقيلون خل) و لهذا قالوا نحن معاينه فالشيء من حيث هو لايعصي نفسه من تلك الحيثية لعدم المغائرة قال اللّه تعالي من يطع الرسول فقد اطاع اللّه و سماهم باسمائه و هو العلي العظيم، و هو العزيز الحكيم، بالمؤمنين رؤوف رحيم الي غير ذلك انظر الي معني قوله تعالي و ما رميت اذ رميت و لكن اللّه رمي فاين المعصية في هذا المقام و هذا (هو خل) مقام كنت سمعه الذي يسمع به و بصره الذي يبصر به الحديث. و قولهم: نحن محال (محل خل) مشية اللّه و قوله تعالي و من عنده لايستكبرون عن عبادته و لايستحسرون يسبحون الليل و النهار لايفترون مع ان هذا دون ذلك المقام الاول و ماسوي ما ذكر يجري عليهم ما ذكروا ليس ذلك في ذواتهم بل هو فيما لهم و كذلك (ما ورد خل) مما يوهم ان للشيطان لمماً بهم فان اللّه سبحانه يقول ان عبادي ليس لك عليهم سلطان فلا سلطان له عليهم و انما اللمم لما لهم و هذا لمعني احد الوجوه في الجواب عن هذه المسألة كما روي عنهم: ان اللّه حملهم ذنوب شيعتهم فهم لما عليهم من ذنوب محبيهم يتضرعون و يبكون و يستغفرون و قولي «لما لهم» اشير به الي شيعتهم فان اللّه خلقهم لهم و هذا الوجه في الحقيقة راجع الي الاول في المعني. و كذلك ما قيل انهم عدوا ترك الاولي معصية فان هذا الوجه ايضاً راجع الي الاول كما لايخفي.
ثم اعلم ان ما يلقي الشيطان فليس اليهم و لا الي شيعتهم في الحقيقة بل هو الي الغير و ما جري علي
«* جوامع الکلم جلد 8 صفحه 550 *»
بعض المحبين بالعرض فانما ذلك لركونهم الي الغير فيمسهم وهج النار في هذه الدنيا فتقع بذلك منهم المعصية فيكون الركون و المعصية و اصابة وهج النار كلها بالعرض و من كان بالذات فلا ولاية بينهم و بينه و ليس من اتباعهم بل هو من غيرهم فلايتحملون من ذنوبه شيئاً و تأمل ما سبق من الكلام (الکلام من خل) ان الامكان حرف معجم موسوم بنقطة الفقر و ذلك منشأ الظلمة و علي قدر تلاشيها في انوار الوجود الحق و قطعها الاعتبار من نفسهم (نفسها خل) تكون الطاعة و بقدر بقائها و انيّتها تكون المعصية و قدكرّرنا هذا المعني مراراً و ادلة ذلك من القرآن و السنة كثيرة لاتحتاج الي ايرادها. فظهر انهم معصومون في كل مراتب من دونهم بمعني ان لهم فيها مقام الوجه فكساهم فيها حللاً من صفة الصمدانية و لهم مع ربهم تلك الحالتان السابقتان فافهم ما القي اليك و ما عنينا و اعرف قول الشاعر:
فمن كان ذافهم يشاهد ما قلنا | و ان لميكن فهم فيأخذه عنا | |
فما ثم الا ما ذكرناه فاعتمد | عليه و كن في الحال فيه كما كنا | |
فمنه الينا ما تلونا عليكم | و منا اليكم ما وهبناكم منا |
و صلي اللّه علي محمد و آله الطاهرين.
قال سلمه الله: و ايضاً ذكر الامام العلامة اعلياللّهمقامه في اجوبة السيد مهنا ره انه لايجوز القول بالاحباط لما يلزم ان من احسن يكون بمنزلة من لميحسن اذا زادت سيئاته علي حسناته و من اساء يكون بمنزلة من لميسيء اذا زادت حسناته علي سيئاته و ظاهر اخبار اهل البيت: و الايات القرانية تأبي قول العلامة مثل ان الحسنات يذهبن السيئات و ان الصلوة تنهي عن الفحشاء و المنكر و مثل خلطوا عملاً صالحاً و اخر سيئاً فانه ورد انهم
«* جوامع الکلم جلد 8 صفحه 551 *»
اناس تعادلت حسناتهم و سيئاتهم و الاخبار التي تضمنت ان بعض الاعمال الصالحة تحبط الذنوب و تكفر السيئات اكثر من انتحصي فاوضح لنا ذلك هداک الله احسن المسالك.
اقول: الكلام في هذا الكلام علي معنيين احدهما القول بالاحباط او بعدمه و ثانيهما فيما يلزم القائل بالاحباط اما الاول فالحق في المسألة القول بعدم الاحباط علي المعني المراد من اصطلاح العلماء لمنطوق محكمات القرآن كقوله تعالي لها ما كسبت و عليها ما اكتسبت و قوله تعالي فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره و من يعمل مثقال ذرة شراً يره و قوله تعالي يا ايها الانسان انك كادح الي ربك كدحاً فملاقيه، اني لااضيع عمل عامل منكم من ذكر و انثي، فمن يعمل من الصالحات و هو مؤمن فلا كفران لسعيه و غير ذلك من الايات الكثيرة المحكمات و كذلک من الروايات و لان اصل الحسنة ثابت و اصل السيئة مجتث و الشيء لايعادل بلاشيء و لان مقام الحسنة فوق و مقام السيئة تحت و بينهما مسافة بعيدة و لو قيل بعدم الانتهاء لميكن بعيداً فاين المعادلة.
و اعلم ان هاتين العلتين هما من مخزون العلم من عرف المراد منهما لميحتج الي دليل بعدهما و سنشير الي البيان فترصده من مظانّه. لايقال ان دعواكم ان كان من (احکام خل) هذه الايات من دون اضدادها مثل قوله تعالي فاصابها اعصار فيه نار فاحترقت و قوله تعالي فاصابه وابل فتركه صلداً و قوله تعالي كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف، و حبط ما صنعوا فيها و باطل ما كانوا يعملون و غير ذلك دعوي من غير دليل بل لقائل ان يقول ان هذه هي الحكمة المحکمة لا تلك و الاخبار في هذا المعني كثيرة و كون السيئة مجتثة الاصل لايضرّ بعد تحققها و فوقية المقام لاينافي الاحباط بعد رفع الاسفل و وضع الاعلي حتي يوضعا في كفتي الميزان و الا فلا فائدة في الوزن الذي نطق به القرآن في قوله تعالي و الوزن يومئذ الحق فمن ثقلت موازينه فاولئك هم المفلحون و من خفت موازينه الاية.
انا نقول ان ذلك انما كان بالدليل القاطع لحجة الواعي السامع و هو ان الحكم باحكام الايات الاول
«* جوامع الکلم جلد 8 صفحه 552 *»
الدالة علي بطلان القول بالاحباط جار علي طريقة العدل (العقل خل) و مستقيم علي النهج الاوسط من مسالك العدلية لانه اذا جعلت محكمة يرد (ترد خل) اليها غيرها تطابق القرآن و معني السنة النبوية و وضع الحق لاهله و المتشابه لاهله و لو عكس الامر كان وضع الحق للمبطلين و المتشابه للمحقين و اللّه سبحانه يقول و ماارسلنا من قبلك من رسول و لا نبي الا اذا تمني القي الشيطان في امنيته فينسخ اللّه ما يلقي الشيطان ثم يحكم اللّه اياته يعني بان يهدي المؤمنين الي طريق ردّ ذلك الي المحكم ثم قال تعالي و اللّه عزيز حكيم ليجعل ما يلقي الشيطان فتنة للذين في قلوبهم مرض و القاسية قلوبهم يعني ان القاء الشيطان سيئة في متشابه من القول لاولي الزيغ لا لاصحاب الحسنات. فلو صحّ معادلة حسنة بسيئة لكان القاء الشيطان لايخصّ اولي الزيغ بل يشمل المؤمنين من حيث هم مؤمنون و محسنون لحسناتهم التي احبطها القاء الشيطان فافهم.
ثم قال تعالي و ان الظالمين لفي شقاق بعيد لبعدهم عن طريق اهل العدل و تيههم في كل واحد سحيق من الاحتمالات الردية التي لا اصل لها و غرقوا من هوي انفسهم في بحر عميق من الماء الاجاج و تقحم الاعوجاج في امواج لجج الخواطر الشيطانية التي لا ساحل لها ثم قال سبحانه و ليعلم الذين اوتوا العلم انه الحق من ربك فيؤمنوا به فتخبت له قلوبهم بما كشفت (کشف خل) لهم من مراده تعالي في خطاباته و بما عرفوا من مراد الشارع7 في اخباره و تأسيساته لانه انما يتكلم بلغتهم و اليه الاشارة بقوله تعالي متاعاً لكم و لانعامكم يعني به العلم و روي الديلمي في كتابه اعلام الدين عن الباقر7 انه قال الناس كلهم بهائم الا قليلاً من المؤمنين و المؤمن قليل و المؤمن قليل هـ . ثم قال تعالي و ان اللّه لهاد الذين آمنوا الي صراط مستقيم و المراد بهم ذلك القليل الذين خاطبهم اللّه في كتابه بتبعية خطاب ائمتهم و هم الذين يعرفون سنة نبيهم9 لاسواهم و هم الذين يهديهم اللّه الي طريق من التأويل مستقيم بل من كان صادقاً منهم بعدم اعراضه عما لهم (الهم خل) لايكاد يخطي ابداً لانه معصوم بفاضل عصمته7 (عصمة ساداته
«* جوامع الکلم جلد 8 صفحه 553 *»
: خل) و الي ذلك الاشارة بقول الصادق7 كما رواه الديلمي في كتابه (کتابه المعلوم خل) ما من عبد احبنا و زاد في حبنا و اخلص في معرفتنا و سئل مسألة الا نفثنا في روعه جواباً لتلك المسألة هـ فافهم و ملخص الجواب عن شقوق الاعتراض كلها و عن اصل المسألة في بيان العلتين اللتين اشرنا اليهما و نحن نشير الي بعض البيان لانه يكفي من يفهم و من لايفهم فان البيان حجاب له.
فنقول اعلم ان قولنا ان الحسنة اصلها ثابت لان مصدرها من العقل الذي هو باب الوجود الذي هو نور اللّه كما دلت عليه النصوص بمنطوقها و لذا قال الله تعالي في الاشارة الي ذلك و مثل كلمة طيبة كشجرة طيبة اصلها ثابت، و السيئة اصلها مجتث قال تعالي كلمة خبيثة كشجرة خبيثة اجتثت و كذا في الزبدين الزبد الجفاء و هو الباطل و الزبد الماكث في الارض و هو الحق و المراد من هذا كله ان العمل الصالح اذا صدر من (عن خل) راعي الحق علي الطريقة الشرعية كان تأسيس اللّه القوي لايهدم منه شيئاً (شيئاً منه خل) كيد الشيطان ضعيف (الضعيف خل) و لو طري عليه كما روي في الكافي عن معاوية بن عمار عن ابيعبداللّه7 قال قيل له و انا حاضر الرجل يكون في صلوته خالياً فيدخله العجب فقال7 اذا كان اول صلوته بنية يريد بها ربه فلايضره ما دخله بعد ذلك فليمض في صلوته و ليخسأ الشيطان و فيه في صحيحة زرارة عن ابيجعفر7 قال اذا ادي الرجل صلوة واحدة تامة قبلت جميع صلوته و ان كن غير تامات الحديث و المراد من قوله7 غير تامات ما هو اعمّ من الاجزاء بدليل قوله بعد و ان افسدها لميقبل منه شيء منها و لميحسب له نافلة و لا فريضة و انما يقبل (تقبل خل) النافلة بعد قبول الفريضة و اذا لميؤدّ الرجل الفريضة لمتقبل منه النافلة الحديث. فظهر من هذا ان الاداء تامة مراد به كونها موافقة للشرع و ان غير تامة مراد به كونها غير موافقة لغرض الشارع و هو معني الافساد المذكور فبين7 انه لايتطرق عليها احباط و هي واحدة من كثير من امثالها و لا سيئة اعظم من افساد (فساد خل) الصلوة لان التامة اصلها ثابت كما نبه عليه الصادق
«* جوامع الکلم جلد 8 صفحه 554 *»
7 في الحديث السابق و انما يتطرف (يتطرق خل) الاحباط الي الاعمال التي لميثبت لها اصل و هي في الحقيقة ليست باعمال لقوله تعالي حتي اذا جاءه لميجده شيئاً و قال تعالي يراؤن الناس و لايذكرون اللّه الا قليلاً مع ان المرائي اكثر الناس ذكراً و لكنه ليس بذكر حقيقة و انما سمي عملاً و حسنة و يجري عليه الاحباط لما يظهر لهم و للبهائم من الناس انها اعمال حتي انهم ليحلفنّ باللّه ان اردنا الا الحسني و اللّه يشهد انهم لكاذبون و لاجل الصورة الظاهرة ايضاً فانها صورة الحسنة و لكنها ميتة لعدم الروح و هي النية الصادقة فاذا قوبلت بالسيئة و وزنت بها عادلتها و اسقطتها بل تكون هي السيئة لان السيئة هي العمل الغير الموصول بنور اللّه بل اصلها من النفس التي هي باب الماهية التي ما شمّت رائحة الوجود و لهذا اشار تعالي اليها في امثال كتابه بذلك قال الله تعالي كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتي اذا جاءه لميجده شيئاً و قال تعالي كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف الاية و قوله تعالي و لا تبطلوا اعمالكم و امثاله من الكتاب و السنة يراد به ان احوالكم و مقتضيات ذواتكم مما هيأتم او ندبتم اليها التي هي اعمالكم صححوها و اثبتوها بما دلکم الدليل7 عليه لئلاتكون هباءاً منثوراً فتفهم في واسع هذا لمجال من مبسوط كلامي الحال و لاتكثر المقال فان العلم نقطة كثرها الجهال كما قاله علي7.
و العلة الثانية و هي ان مقام الحسنة فوق و مقام السيئة تحت فبيانها هو ان المراد من ذلك اما ان الحسنة من العقل و هو نور الوجود و الوجود نور اللّه كما قال علي7 اتقوا فراسة المؤمن فانه ينظر بنور اللّه قال ابنعباس كيف ينظر بنور اللّه قال7 لانا خلقنا من نور اللّه و خلق شيعتنا من شعاع نورنا الحديث. و قال الصادق7 ان اللّه خلق المؤمن من نوره و صبغهم في رحمته و اخذ ميثاقهم لنا بالولاية و لعلي اميرالمؤمنين7 فالمؤمن اخو المؤمن لامه و ابيه ابوه النور و امه الرحمة و ان المؤمن لينظر بنور اللّه قال الصادق7 انما ينظر بذلك النور الذي خلق منه هـ . و اليه الاشارة بقوله
«* جوامع الکلم جلد 8 صفحه 555 *»
تعالي اليه يصعد الكلم الطيب و العمل الصالح يعني يرفعه اليه و السيئة من النفس الامارة و هي ظلمة (الظلمة خل) من فقر الماهية و الماهية انما جعلت بجعل الوجود فتعلقها بالحق كتعلق ظل الجدار بالشمس و وزن الشيء وضعه في موضعه اللائق به من كم و كيف و رتبة و وقت الي غير ذلك. و المعادلة انما تكون بين شيئين بينهما جهة جامعة فتعادلت البعرة ببعرة للمجانسة او بمثلها من الحطب لفائدة الاحراق او بمثلها من الحجر للقيمة و لاتعادل بعرة بدرة لعدم الجهة الجامعة الموجبة للمقابلة و الاسقاط فافهم و تصرف في معاني ما القي اليك و لاتعد عيناك عنه و اعلم ان الفائدة في الوزن بيان كفة صاحب العمل ليسكن في كفة اليمين او كفة الشمال لا بيان العمل نفسه (نعم خل) و بيان العمل ليعلم مرتبة صاحبه في اي درجة من درجات النعيم او في اي درك من دركات الجحيم و هما الكفتان كلا ان كتاب الابرار لفي نعيم، كلا ان كتاب الفجار لفي جحيم فاليمين باطنه فيه الرحمة و الشمال ظاهره من قبله العذاب فافهم فقد كشفت لك السر و بينت لك الامر ليس فيه نقص عما تريد لانك تطلب الحقيقة كما دلّ عليه كلامك في المسألة الاولي و هو ان تفصح عن اعتقادك و لولا ذلك و انك اهل لذلك لكان الجواب غير هذا.
و اما الكلام علي المعني الثاني و هو ما يلزم القائل بالاحباط فاعلم ان الزام العلامة; علي الطريقة التي تريد مدخول لان قوله لمايلزم ان من احسن بمنزلة من لميحسن اذا زادت سيئاته و من اساء بمنزلة من لميسيء اذا زادت حسناته يلزم منه عند ملاحظة عموم المنزلة الذي اشار اليه تساوي الحالتين كما هو ظاهر كلامه و ليس كذلك بل من احسن عشر حسنات مثلاً و اساء خمس سيئة و قيل باسقاط الحسنات بعشر من السيئات مع التعادل كما هو المفروض لاتبقي خمس سيئات لان الاسقاط عدل علي هذا القول و هو يذل النفس و يقبضها عكس الفضل فيحصل لها (بها خل) انكسار غير كسر السيئة بل لفقد الحسنة التي عملتها و ذلك عبودية عند من يفهم
«* جوامع الکلم جلد 8 صفحه 556 *»
و لها اجر لايحصل بالحسنة ابداً و اليه الاشارة في الحديث ما معناه لو لمتذنبوا لذهب بكم و جاء باناس يذنبون و يستغفرون و يغفر لهم و قوله7 ما معناه ان من الذنوب ذنوباً لايكفرها الا الهم و كذلك الحديث المشهور في مشاجرة جبرئيل و ميكائيل فقال جبرئيل من اذنب و تاب افضل ممن لميذنب و قال ميكائيل من لميذنب افضل فانتظرا الوحي فجاء بتأييد جبرئيل7 معللاً بزيادة الانكسار و انه عمل صالح و ان التعليل من جبرئيل لايحضرني سورة الحديث و الاصل في ذلك ما ذکرت لك من قبض العدل و ان القبض و ان لميكن بسبب النفس له اجرة يثاب المرء علي رغم انفه و من ذلك البلايا سواء كانت بفعل النفس ام لا و ما قيل ان هذه حسنات هو اسقطها فكيف ثياب عليها بل يعاقب فليس بالتخفيف بل التخفيف (بالتحقيق بل التحقيق خل) انيقال انه ان كان يعاقب زيادة علي مقابلتها من السيئات لميكن عدلاً و ماورد مما يوهم ذلك فليس معناه ما اراد هذا القائل و لكن الاستقصاء في حمل كل ما يوهم (توجيهه خل) يطول به الكلام فاذا عرفت الاصل عرفت الفرع فاذا لميكن عقاب بل الامر دائر بين الثواب و عدم العقاب و قد علم من كشف اللّه له غطاء بصيرته ان عدم العقاب استعداد الثواب (للثواب خل) من جهة الفضل لان الممكن لايمكن انيكون جامداً بل هو يمر مرّ السحاب اما صاعداً و اما نازلاً فافهم. فاذا عدم الموجب للثواب من جهة العمل وجد الموجب من جهة الفضل لعدم المانع.
و اما الشق الثاني و هو من اساء بمنزلة من لميسيء اذا زادت حسناته فهو في ذلك بالطريق الاولي لثلاثة وجوه الاول اسقاط السيئة (اسقاطه للسيئة خل) عمل غير المقابلة الثاني انكسار نفسه بنقص حسناته بالاحباط الثالث توجه الفضل فالتساوي بين الحالتين المفهوم من عموم المنزلة غير متجه علي ما اردتم و الا فاته في الظاهر متجه و علي ما ذكرنا من عدم اللزوم لعدم التساوي فيلزم القائلين بالاحباط ما اشرنا اليه سابقاً فانه لا مناص لمن عرف و الايات و الروايات شاهدة بعدم الاحباط و ما دلّ علي ذلك فوجهه ما قلنا انفاً فراجع و اما قوله تعالي ان الحسنات يذهبن السيئات فلما قلنا من اجتثاثها و ثبات الحسنات و
«* جوامع الکلم جلد 8 صفحه 557 *»
لهذا لميرد ما يدل علي ان السيئة تحبط الحسنة و انما تحبط الاعمال و هي اعمّ من الحسنة و مخصصة بغيرها و قد بينا ذلك أ لاتري قوله تعالي و هم يحسبون انهم يحسنون صنعاً فلو احسنوا لما اضاع عملهم و في الحديث في الكافي عن الصادق7 هيهات فات قوم و ماتوا قبل انيهتدوا و ظنوا انهم امنوا و اشركوا من حيث لايعلمون و قوله تعالي ان الصلوة تنهي عن الفحشاء و المنكر كما قلنا و لا عكس لقوله تعالي و اذا قاموا الي الصلوة قاموا كسالي يراؤن الناس و لايذكرون اللّه الا قليلاً. فتأمل المعني كما اصلت لك سابقاً و هو قوله تعالي و ما منعهم انتقبل منهم نفقاتهم الّا انهم كفروا باللّه و برسوله و لايأتون الصلوة الّا و هم كسالي و لاينفقون الا و هم كارهون فتدبر تري اعمالاً مجتثة سميت باسماء الثابتة علي ظنهم و لذا قال و لايذكرون اللّه الا قليلاً و اما قوله تعالي خلطوا عملاً صالحاً و اخر سيئاً و ان المراد بهم اناس تعادلت حسناتهم و سيئاتهم فالمراد بالخلط الذي اقتضي التعادل هو ما ذكرت لك من عدم تأصل الحسنة لجهلهم و استضعافهم و تمكن السيئة لعدم القصد الذوقي الذي عند ماحض الايمان و ماحض الكفر فكان في الجملة في السيئة نوع عذر فانحطت حسناتهم و سعدت سيئاتهم فاجتمعتا في مقام المعادلة و لهذا لايسئلون في قبورهم و لايبعثون في الحشر الاول و اذا كان يوم القيمة جدد لهم التكليف و اججت لهم النار التي يقال لها الفلق لانهم يومئذ بلغوا الذوقي (المقام الذوقي خل) اذ المانع في الدنيا ذهبت باغراضه الدنيا و باغراضه الارض فافهم و اشرب صافياً لاتظمأ بعده ابداً فانه من ذلك الكوثر الذي اشار اليه علي7 لابن الطفيل (لابي الطفيل خل) حين سأله.
و مثل ذلك ايضاً ان الاعمال الصالحة تحبط الذنوب فانها من قوله تعالي فمن يعمل من الصالحات و هو مؤمن فلا كفران لسعيه و انا له كاتبون فافهم الشرط و هو مؤمن فان المراد بالمكفرة الصغائر و اللمم من سعة مغفرة الرب تعالي لا الكبائر لان المؤمن لايفعل الكبيرة لايزني الزاني و هو مؤمن و ان قلت ان استثناء ذكر الكبيرة يشعر بالاحباط قلت ليس كذلك و انما هو في مقام دون
«* جوامع الکلم جلد 8 صفحه 558 *»
مقام و اذا لحظت لحظنا بالايمان الاكبر الذي اشار اليه الصادق7 في هذا الشأن و هو قوله7 و ان زنا و ان سرق و اعلم اني قد اترك التصريح عمداً لفائدة تعلمها انت و اتكالاً علي فهمك فهمك اللّه تعالي الخير.
قال ايده الله: و ايضاً مكروه العبادة مثل التنفل في الاوقات المكروهة و الاماكن التي تكره الصلوة فيها و غير ذلك هل المراد انها اقلّ ثواباً بالنسبة الي غيرها او انها مرجوحة فلايكون في فعلها رجحان لان المرجوح لايكون راجحاً الخ.
اقول: ان في هذه المسألة ثلثة اقوال عند اهل الاصول الاول ان مكروه العبادة من المندوب ان كانت مندوبة و من الواجب ان كانت واجبة لان العبادة راجحة و الراجح لايكون مرجوحاً. الثاني انه من المكروه و الكراهة راجعة الي وصف خارج عن ماهيتها و ان كانت في نفسها راجحة لكنها من المكروه لما لحقها من كراهة بعض ما يتعلق بها. الثالث انها قسم سادس يعني ان الاحكام واجب و حرام و مندوب و مكروه و مكروه العبادة و مباح فاما القول الاخير فبطلانه ظاهر و اما الثاني فله ظاهر اللفظ من حكم الشارع7 حيث يقول تكره الصلوة في كذا فاسند الكراهة اليها و لكن المعني من مراده7 يأباه فان الصلوة خير موضوع و انما الكراهة راجعة الي المكان او الي الوقت او اللباس او غير ذلك و لهذا حث عليها مطلقاً و لو كانت ترجع الي الصلوة نفسها لما كانت الواجبة حيث تكره واجبة بل يكون فعلها مرجوحاً فلايذم علي تركها. و اما القول الاول و هو انها هو المندوب فهو الحق و لكن التوجيه بانها اقل ثواباً ليس علي سبيل الحقيقة بل مجاز لان الصلوة في الحقيقة ثوابها لاينقص و لايزيد الا من جهة نفسها و قد قلنا ان الكراهة راجعة الي غير ذاتها نعم لما كانت الصلوة و هي الافعال المخصوصة المعلومة لدي الشارع لها باعتبار فاعلها و مكان (کان خل) الفعل و الجهة و غير ذلك توابع تتوقف عليها من باب المقدمة و من باب الشرط و السبب و تلك التوابع كالوقت و المكان و الجهة لبعضها مزايا و خواص تناسب الصلوة و تزيدها كمالاً لانها
«* جوامع الکلم جلد 8 صفحه 559 *»
تكملها و بعضها ليست له تلك المزايا و الخواص بل لها عكس تلك المزايا و الخواص لمتكن لها تلك المزية التي تزيد كمالاً و ان لمتقتض المنع كان ثواب الصلوة وحدها اقل من ثواب الصلوة مع ثواب تلك المزايا و الخواص بل اقل من ثوابها مع تلك التوابع و المقدمات اذا لمتقتض ضد المزية فانها بمجرد المناسبة يكون فيها ثواب عظيم و اذا اقتضت ضد المزية نقص من ثواب المناسبة بقدر ذلك الضد فيكون نقص الثواب في الحقيقة و تمامه و زيادته راجعاً الي تلك التوابع و المقدمات و اما الصلوة نفسها فلا نقص في ثوابها و لا زيادة الا من جهة نفسها و انما قيل تكره كما قيل ينقص ثوابها فافهم فمكروه العبادة من المندوب لعدم موجب يغيره لذاته عن ذاته.
قال ايده الله تعالي: و ايضاً من قصد السفر الي اربعة فراسخ فان المشهور فصلوا بين من اراد الرجوع ليوم فيقصر و من لايريد فيتم (ليومه ينقص و من لايرد يتم خل) و الاخبار خالية من هذا القيد صريحاً بل ظاهرة في عدمه كما تدلّ عليه روايات اهل مكة في خروجهم الي العرفات فان الظاهر انهم لميريدوا الرجوع ليومهم و اخبار هذا الباب منها يدلّ علي ان المسافة ثمانية فراسخ و منها ما يدلّ علي انها اربعة فما الوجه الجامع بين الاخبار رزقك اللّه زيارة الائمة الاطهار.
اقول: المسافة التي يجب فيها قصر الصوم و الصلوة ثمانية فراسخ و الاخبار بها قاطعة (ناطقه خل) و ان عبّر عنها بمسير يوم مرة و ببياض يوم الي غير ذلك فالمراد منها الثمانية و هي اربعة و عشرون ميلاً و مما حصر القصر فيه رواية عيص بن القسم عن ابيعبد اللّه7 قال في التقصير حده اربعة و عشرون ميلاً فجعل ذلك حداً له و لو قصد اربعة فراسخ كما هو المسئول عنه فقال المفيد ان قصد اربعة او ازيد فان لميرد الرجوع ليومه يتخيّر في قصر الصلوة و الصوم و اتمامها (او تمامهما خل) و هذا منه جمع بين الاخبار و ليس بشيء لحصر القصر في الثمانية او ما يقوم مقامها بمنطوق الاخبار و نفي القصر فيما نقص عن ذلك كما ستقف عليه انشاءاللّهتعالي و قال الشيخ يتخير في
«* جوامع الکلم جلد 8 صفحه 560 *»
قصر الصلوة و اتمامها (تمامها خل) و لايجوز له التقصير في الصوم و هو كشيخه في ارادة الجمع و الرد عليه و زيادة و قال ابنعقيل كل سفر مبلغه بريدان او بريد ذاهباً و جائياً في يوم واحد او مادون عشرة ايام فعلي من سافره عند آلالرسول9 ان يصلي صلوة السفر ركعتين و كانه نظر الي روايات اهل مكة فانهم يريدون الرجوع و لكنه ليس ليومهم الا انهم لايقيمون عشرة و لهذا قال او مادون العشرة و يأتي جوابه و الملا في المفاتيح جعل هذا المذهب مما جعل من قسطه امنه (طمعاً منه خل) علي ابن ابيعقيل و قال سلار ان اراد الرجوع ليومه قصر واجباً و ان كان من غده فهو مخير في القصر و التمام و به قال ابنبابويه و لانعلم وجه هذا التخيير كما مضي لما يأتي و قال المشهور و هو الحق انه ان قصد الرجوع ليوم مطلقاً لانه قاصد ثمانية فراسخ و شغل يومه قصّر و الا اتم مطلقاً لان التمام ثابت قبل الخروج الي مادون الثمانية او ما يقوم مقامها فكذا بعده عملاً بالاستحباب (بالاستصحاب خل) و لانه احوط كذا قاله في المختلف و لصحيحة معوية بن وهب قال قلت لابيعبداللّه7 ادني ما تقصر فيه الصلوة فقال بريد ذاهباً و بريد جائياً فلما سأله عن ادني مسافة لايكفي نقص عنها اجابه بالبريد و لما كان مسير البريد لايشغل اليوم و حد التقصير انما هو مسير يوم او بياض يوم او ثمانية فراسخ و هذا نصف ذلك ذكر الذهاب و المجيء ليكون بحكم مسير يوم لايقال من اين قيدتموه بالرجوع ليومه و ليس فيه ما يدل عليه ذلك و لا في غيره كما هو اصل المسألة فلعل الرجوع يراد به الاعم و لو من الغد كحكم اهل عرفة فانهم يخرجون يوم الوتر و يرجعون يوم النحر كموثقة معاوية بن عمار رواه (و رواية خل) اسحاق بن عمار و غيرهما لانا نقول ان قوله7 بريد ذاهباً و بريد جائياً جواباً [جواب ظ] عن ادني ما تقصر فيه الصلوة ظاهر في المدعي لان المتبادر اليه انه في يومه كما لايخفي علي من له ادني معرفة باساليب الكلام و التبادر امارة الحقيقة و غير هذا احتمال و تجويز و الاحتمال اذا لميكن مساوياً لايضر
«* جوامع الکلم جلد 8 صفحه 561 *»
الاستدلال لان الظاهر و الراجح حجة و هذا مضاف الي روايات الثمانية الفراسخ و مسير يوم و غير ذلك و هي حاصرة للقصر في هذا المقدار من السير المقصود و اما احاديث اهل مكة فقد قال بعض علمائنا انها محمولة علي التقية و هو حمل متجه و ان لمنجد به قائلاً لان مذهب (مذاهب خل) العامة لاتنحصر لانها دائرة مدار الاراء و المخالفة لاهل الحق و هذا احد المواضع و هي (اهل خل) السبل المتشعبة المتشتتة حول سبيل اللّه و لو لميكن الا اتباع الاختلاف بين الشيعة لانه ابقي لهم لكفي في التقية فافهم.
و اما قولكم ادام الله علاکم ان الاخبار خالية من هذا القيد صريحاً بل ظاهرة في عدمه فجوابه ان هذا القيد و هو ارادة الرجوع ليومه قد نطقت الاخبار به صريحاً و ظاهراً اما الظاهر فكما في هذه الصحيحة كما شرحناه منها و اما الصريح ففيما رواه محمد بن مسلم في الموثق عن ابيجعفر7 قال سألته من التقصير قال في بريد قلت في بريد قال اذا ذهب بريداً و رجع بريداً فقد شغل يوماً (يومه خل) فتأمل في صراحة هذا الخبر في المدعي قال في المعتبر بعد ما اورد في هذا الخبر و عليه تحمل الاخبار الواردة بالقصر في اربعة فراسخ انتهي. فدلنا هذا الخبر علي انهم اذا قالوا: لمن سألهم عن ادني مسافة التقصير في بريد يريدون به لمريد الرجوع ليومه ليشغل يومه بالسفر فهو في الحقيقة قاصد ثمانية فراسخ و لهذا لما سأله محمد بن مسلم فقال في بريد فانكر ذلك من قوله و استغر به و كرره محمد بن مسلم ليؤكد ما استغر به لان المعلوم عنده مما شاع و ذاع انها بريدان و قوله7 بريد خلاف ما علم و لو انما ما سمعه ليس بشائع لقبل عنه بدون تأكيد و انما سأل لتثبيت هذا المعلوم عند الامام7 اجابه بان المراد من قولي في بريد لمريد الرجوع ليومه لانه في الحقيقة قاصد لبريدين فعبر عنه7 عن هذا المعني بقوله اذا ذهب بريداً و رجع بريداً فقد شغل يومه و هو صريح لا غبار عليه و الدليل علي هذا القيد زيادة علي ما لايحتاج الي الزيادة رواية صفوان كما في
«* جوامع الکلم جلد 8 صفحه 562 *»
الاستبصار قال سألت الرضا7 عن رجل خرج من البغداد يريد ان يلحق رجلاً علي رأس ميل فلميزل يتبعه حتي بلغ النهروان و هي اربعة فراسخ من بغداد يفطر اذا اراد الرجوع و يقصر؟ قال لايقصر و لايفطر لانه خرج من منزله و ليس يريد السفر ثمانية فراسخ انما خرج([1]) من منزله يريد النهروان ذاهباً و جائياً لكان عليه انينوي من الليل سفراً للافطار و ان هو اصبح و لمينو السفر فبدا له من بغداد و اصبح في السفر قصر و لميفطر يومه ذلك هـ . فانظر فيه و تدبره فانه لما كان مقصده لميبلغ بريداً لميعتبر ذهابه و لما لميعتبر الذهاب لميجعل للرجوع حكماً في التقصير و ان كان بريداً بل قال لايقصر و لايفطر مع انه بريد ثم قال و لو انه خرج من منزله يريد النهروان ذاهباً و جائياً الخ و هو ارادة الرجوع ليومه كما هو ظاهر فرتب عليه حكم التقصير و لهذا قال فان هو اصبح و لمينو السفر فبدا له من بعد ان اصبح في السفر قصّر ليدخل الذهاب في القصد ليكون في الحقيقة قاصداً لثمانية فراسخ و اما اشتراط تبييت النية في قصر الصوم فانت خبير بما فيها من الخلاف و لايضرّ ما نحن فيه بل صراحة المراد و مثله في الاستبصار ايضاً موثقة عمار الساباطي قال سألت اباعبداللّه7 عن رجل يخرج في حاجة له و هو لايريد السفر فيمضي في ذلك فيتمادي به للمضي (المضي خل) حتي تمضي به ثمانية فراسخ كيف يصنع في صلاته؟ قال يقصّر و لايتم الصلوة حتي يرجع الي منزله فجعله7 هذا (هنا خل) موجباً للقصر و في الخبر الاول موجب للاتمام (للتمام خل) مع ان كلاً منهما متماد به السفر بغير قصد و لكن لما بلغ الثاني الثمانية صار ما بعده موجباً للقصر لانه اذا رجع الي منزله صارفاً (صار خل) قاصداً مسافة القصر و لا كذلك الاول و بما ذكرنا ظهر الجواب عما ذهبوا اليه اولئك الاصحاب و اللّه اعلم بالصواب.
([1]) خرج يريد انيحلق صاحبه في بعض الطريق فتمادي به السير الي الموضع الذي بلغه و لو انه خرج (خل).