08-05 مکارم الابرار المجلد الثامن ـ الزام النواصب ـ مقابله

الزام النواصب

 

من مصنفات

العالم الرباني و الحکيم الصمداني

مولانا المرحوم الحاج محمد کريم الکرماني

اعلي‌الله مقامه

 

 

الاهداء الي مدار الدهر و ناموس العصر و ولي الامر

الحامي للعالم عن الاندراس،

الحافظ لشمس الشريعة عن الانطماس

يحمي شيعته و يحفظ رعيته و ينصر دينه في غيبته

و يلقي العلم الي حملته معدن الامن و الامان،

خليفة الرحمن و شريك القرآن

الحُجَّةِ بنِ الحَسَنِ المَهدِي صاحبِ الزَّمان‌ِ

عجل اللّه فرجه الشريف

 

«* مکارم الابرارعربی جلد 8 صفحه 259 *»

بسم اللّه الرحمن الرحيم

الحمد للّه رب العالمين و صلي اللّه علي محمد و آله الطاهرين و لعن اللّه اعدائهم من الجن و الانس من الاولين و الاخرين.

و بعــد فيقول العبد الاثيم الجاني كريم بن ابرهيم الكرماني عفا اللّه عن جرائمهما انه قد سألني جناب العالم العامل و الزكي الفاضل صاحب المكارم و المفاخر جناب الملا محمد باقر الرايني الكرماني ايده اللّه و سدده عن مسائل مشكلة و مطالب معضلة قد سمعها مني في المباحثات و سلّم لها من حسن ظنه و حفظ بعض ادلتها بقدر ما يكتفي به المبتدي الا انه سلمه اللّه اراد زيادة توضيح للاحتجاج علي بعض المنكرين لفضائل آل محمد: و شيعتهم لانهم خذلهم اللّه يتعرضون للموالين المقرين بالفضائل بالمجادلة لما يوحي اليهم اخوانهم من الشياطين من زخرف القول غروراً ليستفزوا المؤمنين و يؤذوهم و ما هم بضارين به من احد الاّ باذن اللّه فاستلزمت نصرته علي الناصبين و انقاذه من ايدي المنافقين ابتغاء رضوان اللّه لما قال جعفر بن محمد8 شيعتنا مرابطون في الثغر الذي يلي ابليس و عفاريته يمنعونهم عن الخروج علي ضعفاء شيعتنا و عن ان‏يسلط عليهم ابليس و شيعته النواصب الا فمن انتصب لذلك من شيعتنا كان افضل ممن جاهد الروم و الترك و الخزر الف الف مرة لانه يدفع عن اديان محبينا و ذلك يدفع عن ابدانهم و قال محمد بن علي الجواد8 ان من تكفل بايتام آل محمد المنقطعين عن امامهم المتحيرين في جهلهمالاسراء في ايدي شياطينهم و في ايدي النواصب من اعدائنا فاستنقذهم منهم و اخرجهم من حيرتهم و قهر الشياطين برد وساوسهم و قهر الناصبين بحجج ربهم و دليل ائمتهم ليفضلون عند اللّه علي العابد بافضل المواقع باكثر من فضل

 

«* مکارم الابرارعربی جلد 8 صفحه 260 *»

السماء علي الارض و العرش و الكرسي و الحجب علي السماء و فضلهم علي هذا العابد كفضل القمر ليلة البدر علي اخفي كوكب في السماء و قال علي بن محمد الهادي8 لولا من يبقي بعد غيبة قائمكم7 من العلماء الداعين اليه و الدالين عليه و الذابين عن دينه بحجج اللّه و المنقذين لضعفاء عباد اللّه من شباك ابليس و مردته و من فخاخ النواصب لما بقي احد الاّ ارتد عن دين اللّه ولكنهم الذين يمسكون ازمة قلوب ضعفاء الشيعة كما يمسك صاحب السفينة سكانها اولئك هم الافضلون عند اللّه و قال جعفر بن محمد8 من كان همه في كسر النواصب عن المساكين الموالين لنا اهل البيت يكسرهم عنهم و يكشف عن مخازيهم و يبين عوارهم و يفخم امر محمد و آله جعل اللّه جمة املاك الجنان في بناء قصوره و دوره و يستعمل بكل حرف من حروف حججه علي اعداء اللّه اكثر من عدد اهل الدنيا املاكاً قوة كل واحد تفضل عن حمل السموات و الارضين فكم من بناء و كم من نعمة و كم من قصور لايعرف قدرها الاّ رب العالمين الي غير ذلك من الاخبار و قد رويت اخبار مستفيضة انه ليس الناصب من نصب لنا اهل البيت لانك لاتجد احداً يقول اني ابغض محمداً و آل محمد بل الناصب من نصب لكم و هو يعلم انكم تتولونا و انكم من شيعتنا فلاجل هذه الاخبار المتكاثرة و غيرها من الاثار المتواترة افترضت علي نفسي نصرته و القاء الحجج و الادلة اليه بقدر ما يمكن في هذه الازمان مع قلة بضاعتي و كثرة اضاعتي مستنصراً من اللّه سبحانه مستعيناً به انه نعم المولي و نعم النصير و اجعل فقرات سؤاله كالمتن و جوابي كالشرح ليتضح جواب كل فقرة فقرة و شبهة شبهة (و سميته بالزام النواصب).([1])

قال ايده اللّه اني لقلة فهمي و ادراكي كثيراً ما وقع الاشتباه في المطالب

 

«* مکارم الابرارعربی جلد 8 صفحه 261 *»

الشريفة و ربما سألت جنابكم و سمعت منكم شيئاً و لم‏احفظه لعدم ملكته فلهذا التمس من جنابكم ان‏تمن علي ببيان بعض منها بالتوضيح و من جملتها ان كل الناس مكلفون مأمورون بمعرفة اللّه و معرفة الرسول9 و معرفة الامام و معرفة اوليائهم الثلثة و هم الاركان و النقباء و النجباء.

اقـول و لا حول و لا قوة الاّ باللّه العلي العظيم ان معرفة هذه الاركان الاربعة لازمة لكل مؤمن و قد نطق بها الكتاب و السنة و دليل العقل المستنير بانوار اهل البيت:و الامثلة الافاقية و الانفسية و اتفاق الملل و المذاهب و بان من عرف هذه الاركان الاربعة مؤمن و من انكرها بعد البيان و التعريف من اللّه كافر و من جهلها ضال اما معرفة اللّه و معرفة رسوله و معرفة الائمة صلوات اللّه عليهم اجمعين فنحن في فراغ من اثباتها لهؤلاء القوم ظاهراً و ان كانوا محتاجين الي اثباتها حقيقةً في الباطن و لتعرفنهم في لحن القول واللّه يعلم اسرارهم ولكن الداء العضال و غاية الاشكال في انكارهم لزوم معرفة الركن الرابع مع ضيائه الساطع و نوره اللامع حتي قاموا يشنعون علي من قال بلزومها و واجهوهم بالسنة حداد و قد بدت البغضاء من افواههم و ما تخفي صدورهم اكبر فلا لامر اللّه يعقلون و لا من اوليائه يسمعون حكمة بالغة فما تغن النذر فها انا اتحديهم في هذه العجالة و لا قوة الاّ باللّه العلي العظيم ان كانوا يصدقون في انكارهم علينا في استلزام معرفة هذا الركن فليأتوا ببرهان مثله من الكتاب و السنة و دليل العقل و الامثال الافاقية و الانفسية و اتفاق الامم كلها علي ان ما ادعينا من هذا الامر الجليل و اقمنا عليه من البرهان و الدليل باطل و عن حلية الاعتبار عاطل فان لم‏يأتوا بمثله و لن‏يأتوا فانه لو كان من عند غير اللّه لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً و فساداً ظاهراً فليذعنوا برقاب خاشعة و رؤس خاضعة او ينكروا الكتاب و السنة فيجري عليهم ما يجري و ينكروا دليل العقل فيخرجوا عن زمرة العقلاء و ينكروا اتفاق الملل فيجري عليهم ما يجري و يقع عليهم ما يليق بهم و هيهات هيهات متي يذعنون واللّه يقول الحق و هو يهدي السبيل يقول و لو فتحنا عليهم باباً من السماء فظلوا فيه

 

«* مکارم الابرارعربی جلد 8 صفحه 262 *»

يعرجون لقالوا انما سكرت ابصارنا بل نحن قوم مسحورون و يقول و هو المطلع علي ضمايرهم و اقسموا باللّه جهد ايمانهم لئن جائتهم اية ليؤمنن بها قل انما الايات عند اللّه و ما يشعركم انها اذا جاءت لايؤمنون و نقلب افئدتهم و ابصارهم كما لم‏يؤمنوا به اول مرة و نذرهم في طغيانهم يعمهون و لو اننا نزلنا اليهم الملائكة و كلمهم الموتي و حشرنا عليهم كل شي‏ء قبلاً ما كانوا ليؤمنوا الاّ ان‏يشاء اللّه ولكن اكثرهم يجهلون و كذلك جعلنا لكل نبي عدواً شياطين الانس و الجن يوحي بعضهم الي بعض زخرف القول غروراً و لو شاء ربك ما فعلوه فذرهم و ما يفترون و لتصغي اليه افئدة الذين لايؤمنون بالاخرة و ليرضوه و ليقترفوا ما هم مقترفون افغير اللّه ابتغي حكماً و هو الذي انزل اليكم الكتاب مفصلاً و الذين اتيناهم الكتاب يعلمون انه منزل من ربك بالحق فلاتكونن من الممترين و تمت كلمة ربك صدقاً و عدلاً لامبدل لكلماته و هو السميع العليم و ان تطع اكثر من في الارض يضلوك عن سبيل اللّه ان يتبعون الاّ الظن و ان هم الاّ يخرصون ان ربك هو اعلم من يضل عن سبيله و هو اعلم بالمهتدين.

فها نحن نبدؤ بذكر ادلة الكتاب فاذعنوا لها ان كنتم مؤمنين ثم نتبعها بذكر السنة و الاثار فتلقوها بالتسليم ان كنتم من المسلمين ثم نقفيها بادلة العقل فاصغوا اليها ان كنتم عالمين ثم نذيلها بالامثلة الافاقية و الانفسية فافتحوا اعينكم ان كنتم مبصرين ثم نعقبها باتفاق الملل و النحل فاتبعوها ان كنتم موقنين و لا حول و لا قوة الاّ باللّه العلي العظيم و صلي اللّه علي محمد و آله الطاهرين. فهيهنا خمسة فصول:

فصـــل

فيما يتيسر من الايات الدالة علي هذا المعني بظاهرها، فقد قال اللّه سبحانه في محكم كتابه و جعلنا بينهم و بين القري التي باركنا فيها قري ظاهرة و قدرنا فيها السير سيروا فيها ليالي و اياماً امنين فقالوا ربنا باعد

 

«* مکارم الابرارعربی جلد 8 صفحه 263 *»

بين اسفارنا و ظلموا انفسهم فجعلناهم احاديث و مزقناهم كل ممزق ان في ذلك لايات لكل صبار شكور و لقد صدق عليهم ابليس ظنه فاتبعوه الاّ فريقاً من المؤمنين و ما كان له عليهم من سلطان الاّ لنعلم من يؤمن بالاخرة ممن هو منها في شك و ربك علي كل شي‏ء حفيظ ففي الصافي عن الاحتجاج عن الباقر7 في حديث الحسن البصري في هذه الاية قال7 بل فينا ضرب اللّه الامثال في القرآن فنحن القري التي بارك اللّه تعالي فيها و ذلك قول اللّه عزوجل فيمن اقر بفضلنا حيث امرهم ان‏يأتونا فقال و جعلنا بينهم و بين القري التي باركنا فيها اي جعلنا بينهم و بين شيعتهم القري التي باركنا فيها قري ظاهرة و القري الظاهرة الرسل و النقلة عنا الي شيعتنا و فقهاء شيعتنا و قوله سبحانه و قدرنا فيها السير فالسير مثل للعلم سير به فيها ليالي و اياماً مثل لما يسير من العلم في الليالي و الايام عنا اليهم في الحلال و الحرام و الفرائض و الاحكام امنين فيها اذا اخذوا عن معدنها الذي امروا ان‏يأخذوا منه امنين من الشك و الضلال و النقلة من الحرام الي الحلال، و عن السجاد7 انما عني بالقري الرجال ثم تلا ايات في هذا المعني من القرآن قيل فمن هم قال نحن هم قال او ما تسمع الي قوله سيروا فيها ليالي و اياماً امنين قال امنين من الزيغ، و في الاكمال عن القائم7 في هذه الاية قال نحن واللّه القري التي بارك اللّه فيها و انتم القري الظاهرة، و عن الكافي باسناده عن زيد الشحام قال دخل قتادة بن دعامة علي ابي‏جعفر7 فقال يا قتادة انت فقيه اهل البصرة قال هكذا يزعمون فقال ابوجعفر7 بلغني انك تفسر القرآن قال له قتادة نعم فقال ابوجعفر7 بعلم تفسره ام بجهل قال لا بل بعلم فقال ابوجعفر7 ان كنت تفسره بعلم فانت انت و انا اسالك فقال قتادة سل قال اخبرني عن

 

«* مکارم الابرارعربی جلد 8 صفحه 264 *»

قول اللّه تعالي في سبا و قدرنا فيها السير سيروا فيها ليالي و اياماً امنين فقال قتادة ذلك من خرج من بيته بزاد و راحلة و كري حلال يريد هذا البيت كان امناً حتي يرجع الي اهله فقال7نشدتك اللّه يا قتادة هل تعلم انه قد يخرج الرجل من بيته بزاد و راحلة و كري حلال يريد هذا البيت فينقطع عليه الطريق فتذهب نفقته و يضرب مع‏ذلك ضربة فيها اجتياحه قال قتادة اللّهم نعم فقال ابوجعفر7 ويحك يا قتادة ان كنت انما فسرت القرآن من تلقاء نفسك فقد هلكت و اهلكت و ان كنت اخذته من الرجال فقد هلكت و اهلكت الخبر، الي ان سلم قتادة فقال و لاجرم واللّه لافسرتها الاّ هكذا، و عن العلل في حديث مكالمة الصادق مع ابي‏حنيفة قال الصادق7 لابي‏حنيفة ما اراك تعرف من كتابه حرفاً فان كنت كما تقول و لست كما تقول فاخبرني عن قول اللّه تعالي سيروا فيها ليالي و اياماً امنين اين ذلك من الارض قال احسبه ما بين مكة و المدينة فالتفت ابوعبداللّه7 الي اصحابه فقال تعلمون ان الناس يقطع عليهم ما بين المدينة و مكة فيؤخذ اموالهم و لايؤمنون علي انفسهم و يقتلون قالوا نعم فسكت ابوحنيفة الخبر، و من هذين الخبرين ظهر انها ليست علي ظاهرها الذي فسرتها العامة و انما المراد هم سلام اللّه عليهم و شيعتهم كما فسروا و ان من تأمل في ذلك فانما هو من تبعة قتادة و ابي‏حنيفة و من كان من شيعتهم لايذهب مذاهب اعدائهم فظهر ان القري رجال كما قال اللّه في كتابه في مواضع عديده فان لم‏يذكر الراوي في حديث السجاد تلك الايات انا اتلوها عليك.

اما كون الرجال الكافرين قري كقوله تعالي و تلك القري اهلكناهم لما ظلموا الاية و قوله و كذلك اخذ ربك اذا اخذ القري و هي ظالمة الاية و قال و لقد اهلكنا ما حولكم من القري و قال و ان من قرية الاّ نحن مهلكوها و كم من قرية امليت لها و هي ظالمة و كم من قرية اهلكناها فجاءها بأسنا بياتاً او هم قائلون الي غير ذلك فقد نسب الظلم و

 

«* مکارم الابرارعربی جلد 8 صفحه 265 *»

الاهلاك الي القري و الاصل في الاستعمال الحقيقة و اضمار الاهل خلاف الاصل فان يريدوا الحق فقد قال السجاد7 ان القري رجال و ان يريدوا ان‏يفسروا برأيهم فقد قال اللّه في الحديث القدسي ما امن بي من فسر برأيه كتابي و اي باعث يهيجهم ان‏يذهبوا مذهب السكاكي و يضمروا الاهل و ما المانع من ان‏تكون القري رجالاً و هم لايعرفون و اما كون الرجال المؤمنين قري فقوله تعالي لتنذر ام القري و من حولها فان قلنا ان القري القري المباركة فامها فاطمة3 و ان قلنا ان القري القري الظاهرة فامها علي7 لقول رسول اللّه9 انا و علي ابوا هذه الامة فرسول اللّه9هو ابو القري و علي7  ام القري و القري القري الظاهرة و من حولها هم الضعفاء و كلاهما جايزان واقعان فثبت ان القري بنصوص القري هم الرجال و ليس الاهل مضمراً اذ لو شاء اللّه ان‏يذكر الاهل لذكر كما ذكر في عدة مواضع فلو كان اظهار الاهل افصح فحذفه خلاف الفصاحة و البلاغة و ترك للاولي و ان كان اضماره افصح فكان الاظهار خلاف الايجاز و الاختصار و قد قال في عدة مواضع منها اتيا اهل قرية استطعما اهلها و كان قوله اتيا قرية استطعماها اوجز و اخصر فعدل عنها لاثبات ان في تلك المواضع التي لا اهل فيها المراد بها رجال بل يمكن لنا ان‏نقول ان القرية مطلقا الرجل و القري الرجال و اينما يذكر اهل القري فالمراد اهل الرجال فان كانت الرجال ظالمين مشركين فهي القري الظالمة و اهلها آلُها و ان كانت الرجال عدولاً موحدين فهي القري المباركة الطيبة و اهلها الها و ذلك انه كما ان محمداً و علياً ابوا الامة المرحومة كذلك ابوالفصيل و حبتر ابوا الامة المغضوبة عليها فاهل كل قرية ال تلك القرية و ذريتها فمثل قوله تعالي افامن اهل القري ان‏يأتيهم بأسنا بياتاً و هم نائمون او امن اهل القري ان‏يأتيهم بأسنا ضحي و هم يلعبون فالمراد اهل ابي‏الفصيل و حبتر فهم ايضاً قري كما ان محمداً و علياً قري للزوم تطابق عليين و سجين في الاسم و قد صرح اللّه تعالي في كتابه مثل كلمة طيبة

 

«* مکارم الابرارعربی جلد 8 صفحه 266 *»

كشجرة طيبة و مثل كلمة خبيثة كشجرة خبيثة و قد برهنا عليه في مباحثاتنا فمتي ما ذكر قري فالمراد الرؤساء الكاملون فيما هم عليه من السعادة او الشقاوة و وجه تسمية الكامل في السعادة او الشقاوة بالقرية ان القرية هي مجتمع البيوت و الدور و اتباع كل رئيس الذين هم من اشعته او اظلاله هم البيوت الحائزة لصفات الرئيس و اثاره و نعوته و المظاهر لتجلياته و اشراقاته و لما كان المنير هو المحيط بجميع الاشعة و الانوار و السور الدائر علي جميع الاطراف و الاقطار و تلك البيوت هي الاجزاء المتضمنة في ذلك السور سمي كل رئيس بالقرية و الدليل علي ان التبعة بيوت متخذة للرئيس قوله تعالي و اوحي ربك الي النحل ان اتخذي من الجبال بيوتاً و من الشجر و مما يعرشون فعن تفسير القمي عن الصادق7 نحن واللّه النحل الذي اوحي اللّه اليه ان اتخذي من الجبال بيوتاً امرنا ان‏نتخذ من العرب شيعة و من الشجر يقول من العجم و مما يعرشون يقول من الموالي الخبر، و عن العياشي عن الصادق7 النحل الائمة و الجبال العرب و الشجر الموالي عتاقة و مما يعرشون يعني الاولاد و العبيد ممن لم‏يعتق و هم يتولي اللّه و رسوله و الائمة الخبر.

فتبين و ظهر ان الشيعة بيوت الائمة و الائمة: هم المنيرون الجامعون لجميع الانوار كما قال7انما سميت الشيعة شيعة لانهم خلقوا من شعاع نورنا و مجمع البيوت هو القرية فلذا سمي كل رئيس بالقرية و وجه تسمية الشيعة بالبيت لان البيت هو مخزن اثاث الرجل و مفتح نفايس امواله و قد قال الصادق7 كما رواه في العوالم نحن خزنة علم اللّه و شيعتنا خزنة علومنا و قد اودعت صفات الائمة و علومهم: و جهات تعريفهم و تعرفهم في شيعتهم فهم بيوت الائمة التي يخزنون فيها ما لهم من صفاتهم و جهات تعرفهم، فتبين باوضح وجه و ظهر لمن انصف و ابصر ان الائمة هم القري المباركة و لما كان الشعاع لابد و ان‏يكون علي طبق المنير كما تشاهد من ان نور

 

«* مکارم الابرارعربی جلد 8 صفحه 267 *»

الشمس في المراة الحاكية يشبهها و نور القمر يشبهه و نور السراج يشبهه في اللون و الكيفية و الشكل و اللمعان و كان الاثر علي طبق صفة مؤثره من حيث هو اثره و الاّ ليس باثر له لعدم المماثلة فلابد من ان‏تكون الشيعة المخلوقة من شعاع انوارهم ايضاً قري لان المنير قرية الاّ انها قري ظاهرة لان الشعاع ظهور المنير فالائمة قري باطنة و الشيعة قري ظاهرة الا تري ما روي عنهم يفصل نورنا من نور ربنا كما يفصل نور الشمس من الشمس و قال علي بن الحسين8 نحن معانيه و ظاهره فيكم اخترعنا من نور ذاته و فوض الينا امور عباده فهم من نور اللّه كنور الشمس من الشمس و قالوا: شيعتنا منا كشعاع الشمس من الشمس فالشيعة ظاهر الامام فهم القري الظاهرة و الائمة القري المباركة و بركتها لاجل ماتنزل منها جميع امداد القري الظاهرة و ارزاقها و خيراتها و جميع ما لها و فيها و اما ساير الضعفاء ليسوا بقري لانهم لاعوجاج مرات قوابلهم غيروا و بدلوا مثال القري المباركة الملقا في هوياتهم فلم‏يسموا باسم القرية الا تري ان المراة المستقيمة الصافية اذا انطبع فيها شعاع الشمس يكون مستديراً كاستدارتها و اصفر كصفرتها و مشعشعاً كتشعشعها و اما اذا صارت معوجة و ملونة تغير الاستدارة فلايسمي الشعاع المنطبع فيها مستديراً و تصبغ ذلك الشعاع فلايسمي اصفر و هكذا مرات قوابل الضعفاء غيرت و بدلت ذلك المثال الملقي فليسوا بقري و انما يسمي باسم القري الخصيصون من الشيعة الباقين علي الفطرة الالهية و لاجل ذلك صاروا وسائط بين الائمة: و بين الضعفاء و يروون صفات الائمة و اشعتهم و امثلتهم الملقاة في هوياتهم علي ما اوحي اليهم بالوحي التكويني فلاجل ذلك قدر فيها السير و امرت الضعفاء بالسير فيها ليالي و اياماً امنين و الامر حقيقة في الوجوب فيجب علي الضعفاء السير فيها باخذ العلوم الملقاة اليهم عنهم و هم امنون عن الزيغ و الشك و الشبهة اذا ساروا فيها بايقان و اذعان و تسليم فهذه الاية اية محكمة مؤيدة بالنقل المؤيد بالعقل السليم بحيث لايشك فيه من كان له قلب او القي السمع و هو شهيد،

 

«* مکارم الابرارعربی جلد 8 صفحه 268 *»

ثم قسم الامام7 القري الظاهرة بثلث و جعل لهم ثلث مراتب المرتبة الاولي الرسل و الثانية النقلة و الثالثة الفقهاء ثم لاشك و لاريب ان المراد بالرسل ليس الرسل الظاهرة التي يرسلونهم من بلد الي بلد من علج او مسلم ضعيف او اعرابي او انس او جن او غير ذلك لحمل الخطوط و الكتب و النقلة ليست الروات الذين منهم زيدي و منهم واقفي و منهم فطحي و منهم ناووسي و منهم كيساني و منهم شيعي ضعيف و من يحمل الخبر اليه افقه منه الف مرة او هو من الاوعية السوء كما قال الصادق7ان لنا اوعية من العلم نملؤها علماً لتنقل اليكم فخذوها و صفوها و اياكم و الاوعية فتنكبوها فانها اوعية سوء نقلته بالمعني، و قد قال اللّه سبحانه ان جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا و ليست الفقهاء هم الذين اصوب ارائهم في اجتهادهم انهم خاطئون غير مأمونين في اجتهادهم لانهم بانفهسم اجمعوا علي التخطئة و قالوا الاصح مذهب المخطئة و هم كلهم مجمعون علي تخطئة بعضهم بعضاً فهذا يرد علي اخيه و اخوه يطعن فيه و يطعن هذا في ذاك و ذاك في هذا و اي فقيه منهم يجسر ان‏يقول اني بنفسي في امن من الخطاء فضلاً عن ان‏يجسر ان‏يقول الاخذ عني في امن من الخطاء مع ان اكثرهم يعملون بالظنون واللّه يقول ان الظن لايغني من الحق شيئاً و يقول النبي9 ان الظن اكذب الكذب و يقول الصادق7من شك و ظن فاقام علي احدهما فقد حبط عمله ان حجة اللّه هي الحجة الواضحة و قد نهي اللّه سبحانه في كتابه عن الظن في سبعين اية و رويت اخبار متواترة معني في النهي عن العمل بالظن فكيف يكون العامل بالظن من القري الظاهرة التي الساير فيها في امن من الخطاء و الزلل و الزيغ و هم بانفهسم مقرون بان باب العلم مسدود عليهم و ان العمل بالظن لبقاء التكليف المجمع عليه و انه من باب اكل الميتة و نفس الظن هو ما يحتمل الخطاء فكيف يمكن الامن مع احتمال الخطاء فليسوا هم باجماعهم من القري الظاهرة المأمونة فتبين و و ظهر ان هذه الفرق الثلث غير هؤلاء الفقهاء المعروفين العاملين

 

«* مکارم الابرارعربی جلد 8 صفحه 269 *»

بالظن المحتمل للخطاء الاكلين للميتة لفقدهم اللحم الذكي الطيب بل و لا الفقهاء العاملين بالعلم العادي المنحصر علمهم باحكام الفقه الظاهر فان الفقيه في لغة السلف بمعني العالم و استعماله في الفقه المصطلح خاصة بين المتشرعة حادث كما هم معترفون به فالذي علمه منحصر بالفقه المصطلح ليس بفقيه مطلق يؤمن الساير فيه من كل جهة و ليس في الخبر تقييد بهذا الفقه الخاص مع ان لا كل فقيه مؤتمن كما قال العسكري7 في تفسيره روايةً عن الصادق7 في التقليد فاما من كان من الفقهاء صائناً لنفسه حافظاً لدينه مخالفاً علي هواه مطيعاً لامر مولاه فللعوام ان‏يقلدوه و ذلك لايكون الاّ بعض فقهاء الشيعة لا جميعهم فان من يركب من القبايح و الفواحش مراكب فسقة فقهاء العامة فلاتقبلوا منهم عنا شيئاً و لا كرامة و انما كثر التخليط فيما يتحمل عنا اهل البيت لذلك لان الفسقة يتحملون عنا فهم يحرفونه باسره لجهلهم و يضعون الاشياء علي غير وجوهها لقلة معرفتهم و اخرين يتعمدون الكذب علينا ليجروا من عرض الدنيا ما هو زادهم الي نار جهنم و منهم قوم نصاب لايقدرون علي القدح فينا فيتعلمون بعض علومنا الصحيحة فيتوجهون به عند شيعتنا و ينقصون([2]) عند نصابنا ثم يضيفون اليه اضعافه و اضعاف اضعافه من الاكاذيب علينا التي نحن براء منها فيتقبله المستسلمون من شيعتنا علي انه من علومنا فضلوا و اضلوا و هم اضر علي ضعفاء شيعتنا من جيش يزيد علي الحسين و اصحابه فانهم يسلبونهم الارواح و الاموال و للمسلوبين عند اللّه افضل الاحوال لما لحقهم من اعدائهم و هؤلاء علماء السوء الناصبون المشبهون بانهم لنا موالون و لاعدائنا معادون يدخلون الشك و الشبهة علي ضعفاء شيعتنا فيضلونهم و يمنعونهم عن قصد الحق المصيب الخبر، و قد قال الصادق7 علي ما رواه في الكافي ليس كل من يقول بولايتنا مؤمناً و انما جعلوا انساً للمؤمنين و قال المؤمنة اقل من المؤمن و المؤمن اقل من الكبريت الاحمر و

 

«* مکارم الابرارعربی جلد 8 صفحه 270 *»

هل رأي احدكم الكبريت الاحمر و قال الناس كلهم بهائم الاّ المؤمن و المؤمن قليل و لا شك ان محض معرفة ان هذا حلال و هذا حرام لايجعل الانسان في اعلي درجات الايمان و لابد له من شي‏ء غيرها به يكون الايقان و لنعم ما قال الشاعر،

للّه تحت قباب الارض طائفة   اخفاهم عن عيون الناس اجلالا

فافتح عينيك و انظر بنظر البصيرة لتفوز بما فزنا به فاذا عرفت ذلك فاعلم انا اذا تتبعنا في الاخبار في تفصيل القري رأينا قول السجاد7 في تفصيل مراتب المعرفة قسم مراتب الشيعة التي تجب معرفتها بثلث مراتب مرتبة الاركان و مرتبة النقباء و مرتبة النجباء، فالرسل هي الاركان الاربعة و النقلة هم النقباء الذين ينقلون الاثار الباطنة منهم الي شيعتهم و الفقهاء هم النجباء المسلمون فهذه الفرق الثلث هم القري الظاهرة و المرايا الصافية التي ما غيرت و ما بدلت اشعة القري المباركة فلا فرق بينهم و بين تلك القري المباركة الاّ انهم اشعتهم و انوارهم و اثارهم كما انه لا فرق بين شعاع الشمس في المراة و بين الشمس في الاستدارة و اللون و الاسم و الضياء و الحرارة الاّ انها شمس منيرة باطنة و ما في المراة شمس مستنيرة ظاهرة و العكوسات المنطبعة في المرايا العوجاء المصبوغة لاتحكي الشاخص البتة بل ربما يتبرؤ منها و يعاديها كما صنعت اهل الافرنج مراة اذا قابلها الانسان ينطبع فيها صورة كلب او خنزير و اي انسان يرضي ان‏يقول هذا شبحي او صورتي فاذا عرفت ان القري الظاهرة هم هذه الفرق الثلث الرسل و النقلة و الفقهاء و عرفت ان اللّه سبحانه بمشيته و ارادته و قدره قدر فيها السير و قدم الجار لافادة الحصر فلا سير الاّ فيهم فان اللّه ما يقدر علي عباده تقدير التكليف الا في القري المأمونة و هم القري المأمونة لا غيرهم فحصر السير فيهم خاصةً ثم امر بعد التقدير عباده فقال سيروا فيها ليالي و اياماً و المراد بالليالي العلوم الظاهرة الفقهية المتكثرة المتشعبة بتشعب متعلقاته من افعال المكلفين في عباداتهم و معاملاتهم و تسمية هذا العلم بالليالي لان التكثر و الاختلاف يقتضي التراكم و الظلمة و لذا خفي علي اكثرهم امره حتي ظن بعضهم انسداد باب علمه بالكلية و سار بالظن و

 

«* مکارم الابرارعربی جلد 8 صفحه 271 *»

منهم من تحير و توقف في اكثر مسائله و منهم من رجع عن الدين لكثرة اختلافه و تشعبه كما حكاه الطوسي ره في اول التهذيب و منهم من سار فيه بالعلم ولكن وقع مرةً و طار اخري و التمس الطريق بعصا الاستدلال و اما الارض فلاتخلو من ساير فيها بنور اللّه سبحانه كما قال رسول اللّه9 اتقوا فراسة المؤمن فانه ينظر بنور اللّه و هذا النور هو النفس القدسية التي اشترطوها في التفقه و فقدها اكثرهم ثم ارادوا ادخال انفسهم في المتفقهين و لم‏يقدروا علي انكار الشرط لكونه متفقاً عليه ففسروها بقوة يقدر ان‏يرجع بها الفروع الي الاصول و يستنبطها منها و ان كان هذا التفسير ايضاً لايجديهم نفعاً لان تلك القوة هي تلك النفس الا انهم جعلوها بهذا التفسير مبهماً علي بعض الطلبة و لبسوها كما شاؤا. و المراد بالايام العلوم الباطنة و المعارف الربانية و الحقايق الصمدانية فان هناك شمس الحقيقة في وسط السماء في غاية الظهور فيقول السالك في ذلك الوادي ايكون لغيرك من الظهور ما ليس لك حتي يكون هو المظهر لك متي غبت حتي تحتاج الي دليل يدل عليك و متي بعدت حتي تكون الاثار هي التي توصلني اليك عميت عين لاتراك و لاتزال عليها رقيباً الدعاء، و الدليل علي تفسيرنا الليالي و الايام بما فسرنا قول الباقر7 في تفسير الاية ليالي و اياماً مثل لما يسير من العلم في الليالي و الايام عنا اليهم في الحلال و الحرام و الفرايض و الاحكام و انت تعلم ان لهم في كل مقام حلالاً و حراماً و فرائض و احكاماً فقالوا ربنا باعد بين اسفارنا علي قرائة الامر اي قالت الضعفاء ربنا باعد بين اسفارنا منازلنا و طريقنا الي القري المباركة لنتطاول علي الفقراء الذين لايقدرون علي الاسفار البعيدة بسرعة مشينا و حمل الاثقال في الفيافي و القفار و سوق الجمال فنتخذهم لنا تلامذةً و عبيداً يخدموننا في هذه البوادي و الاسفار و نمن عليهم حيناً بعد حين بالقاء فضول ماكلنا و علومنا اليهم فنترأس بهذه الجهة فان هذه القري الظاهرة متصلة بعضها ببعض متوافرة النعم و الخيرات و يستوي الفقير و الغني فيها فيسيرون في هذه القري فترحم القري صغيرهم و تعظم كبيرهم و

 

«* مکارم الابرارعربی جلد 8 صفحه 272 *»

تعول فقيرهم و تكرم غنيهم و ليس لنا رياسة علي الفقراء و لايمتنون منا فقدر لنا السير في بوادي العلوم اللفظية و الشكوك و الشبهات التي لاتصل اليك سبيلها و لايهتدي فيها دليلها لنتخذ الفقراء عبيد احساننا و نلقي اليهم شيئاً بعد شي‏ء من تلك العلوم و الشبهات و لم‏يعلموا انهم بانفسهم يهلكون قبل ان‏يأووا الي مقيل و ان قرأت باعد علي الخبر فذلك كفرانهم لنعم اللّه التي انعم بها عليهم من تواصل القري و قرب السبيل و توافر النعم و تكاثر الخيرات فقالوا ربنا باعد بين اسفارنا و كما قال اللّه سبحانه ضرب اللّه مثلاً قرية كانت امنة مطمئنة يأتيها رزقها رغداً من كل مكان فكفرت بانعم اللّه فاذاقها اللّه لباس الجوع و الخوف بحكم ان اللّه لايغير ما بقوم حتي يغيروا ما بانفسهم و ظلموا انفسهم و القوا بها الي التهلكة بالكفران او بطلب مباعدة للاسفار فجعلناهم احاديث يحدث بامرهم في جميع القرون و الاعصار للعبرة او جعلنا امرهم محض الحديث اللفظي و العلوم اللفظي لما كفروا بالعلوم الحقيقية فجعلنا امرهم محض اعتبارات و مفاهيم لفظية و مزقناهم كل ممزق يعني فرقناهم فرقاً شتي فجعلوا امرهم بينهم زبراً كل حزب بما لديهم فرحون فتفرقوا اثنين و سبعين فرقة ان في ذلك لايات لكل صبار علي تسوية الفقراء بالاغنياء في تلك القري المتواصلة و عن ارادة غير ما اراد اللّه و السخط علي ما رضيه اللّه شكور غير كافر بهذه النعمة السابغة و الرحمة التامة الكاملة و العطاء الجزيل و الفيض الجليل و لقد صدق عليهم ابليس ظنه حيث ظن انهم ينقادون له في مخالفة الكتاب و انكار السير في القري الظاهرة فقال لاغوينهم اجمعين فاتبعوه لما دعاهم الي تمني ما لايصلح من مباعدة الاسفار التي لايختارها عاقل علي تلك القري المتواصلة و الي الكفران بتلك النعمة الجميلة و الرحمة الجليلة الا فريق من المؤمنين من عباد اللّه المخلصين المصدقين للّه في رسوله و المصدقين لرسول اللّه

 

«* مکارم الابرارعربی جلد 8 صفحه 273 *»

9 في خلفائه المصدقين للخلفاء في اوليائهم و البرائة من اعدائهم فان ذلك تمام الايمان و كماله كما يأتي فهؤلاء لم‏يتبعوا ابليس و ماكان له عليهم علي الكافرين من سلطان فان الشيطان لايقدر علي ان‏يحول سعيداً عن سعادته الا لنعلم اي ما جعلنا الشيطان داعياً و ناطقاً الي طرق الظلالة الا لنعلم علم وجود بعد ان كنا نعلم انه سيوجد من يؤمن بالاخرة اي بالركن الرابع و السير في تلك القري فان ولاية الاولياء هي اخرة الشروط ممن هو منها في شك و ربك علي كل شي‏ء حفيظ كان يعلم المهتدي قبل ان‏يهتدي و الضال قبل ان‏يضل و انما هيأ الاسباب فتنة ليهلك من هلك عن بينة و يحيي من حي عن بينة فهذه اية محكمة ظاهرة باهرة في لزوم السير في القري الظاهرة الرسل و النقلة و الفقهاء اي الاركان و النقباء و النجباء و لايمكن السير فيها الاّ بعد معرفتها فاذا كان السير واجباً بنص الكتاب و لايحصل الاّ بالمعرفة فهي من باب وجوب مقدمة الواجب التي لايحصل الا بها واجبة.

و من الايات الدالة علي وجوب معرفة الشيعة قوله تعالي ليس البر بأن‏تأتوا البيوت من ظهورها ولكن البر من اتقي و أتوا البيوت من ابوابها و اتقوا اللّه لعلكم تفلحون و البيوت هم الائمة: كما قال علي7 نحن البيوت التي امر اللّه ان‏يؤتي ابوابها نحن باب اللّه و بيوته التي يؤتي منه فمن تابعنا و اقر بولايتنا فقد اتي البيوت من ابوابها و من خالفنا و فضل علينا غيرنا فقد اتي البيوت من ظهورها ان اللّه عزوجل لو شاء عرف الناس نفسه حتي يعرفوه و يأتوه من بابه ولكن جعلنا ابوابه و صراطه و سبيله و بابه الذي يؤتي منه قال فمن عدل عن ولايتنا و فضل علينا غيرنا فقد اتي البيوت من ظهورها و انهم عن الصراط لناكبون و عن

 

«* مکارم الابرارعربی جلد 8 صفحه 274 *»

المجمع و العياشي عن الباقر7 آل محمد ابواب اللّه و سبيله و الدعاة الي الجنة و القادة اليها و الادلاء عليها الي يوم القيمة انتهي.

اقول المراد بالبيت كما ذكرنا سابقاً و اوضحنا هو الموضع الذي يأوي اليه صاحبه و يضع فيه نفايس ما عنده من الاثاث و المتاع و الائمة: بيت اللّه سبحانه لما اسكن في هوياتهم مثاله و وضع فيهم صفاته و افعاله فجعلهم معادن لكلماته و مجالي صفاته و مظاهر اسمائه حتي انك تقرأ في الزيارة الجامعة ان ذكر الخير كنتم اوله و اصله و فرعه و معدنه و مأواه و منتهاه و تقرأ في زيارة الحسين7 ارادة اللّه في مقادير اموره تهبط اليكم و يصدر من بيوتكم الصادر عما فصل من احكام العباد و رويت انهم محال مشية اللّه فهم بيوت اللّه سبحانه التي سكن فيها رسول اللّه9لانهم اهل بيت النبوة و موضع الرسالة لان جميع ما يضاف الي اللّه من الانوار و الصفات و الاسماء فاصله و حقيقته رسول اللّه9 و هم موضع الرسالة و مأويها و مسكنها و انفس رسول اللّه المخلوقة ليسكن اليها كما قال اللّه تعالي خلق لكم من انفسكم ازواجاً لتسكنوا اليها و جعل بينكم مودة و رحمة و هم ازواج رسول اللّه المخلوقة من نفسه و هم امهات المؤمنين لقوله9 انا و علي ابوا هذه الامة و قد اختلفوا في بطن الولاية كما قال و انما الاختلاف فيك يا علي و قال تعالي عم يتسائلون عن النبأ العظيم الذي هم فيه مختلفون فمن الكافي باسناده عن الرضا7في قوله تعالي عم يتسائلون قال قال اميرالمؤمنين7 ما للّه نبأ اعظم مني و ما للّه اية اكبر مني و لقد عرض فضلي علي الامم الماضية علي اختلاف السنتها فلم‏تقر بفضلي و قال ابو جعفر7 فيها هو علي بن ابي‏طالب لان رسول اللّه9 ليس فيه خلاف، و صار السعيد من سعد في بطن امه و الشقي من شقي في بطن امه فهم الذين يسكن اليهم رسول اللّه و

 

«* مکارم الابرارعربی جلد 8 صفحه 275 *»

يأوي اليهم و بذلك صاروا موضع الرسالة فهم بيوت اللّه بهذا المعني و قد ابان اللّه في كتابه عن ان البيوت هم الرجال و وصفهم بما وصفهم فقال بعد ما ذكر ان مثل نوره كمصباح في زجاجة الزجاجة في مشكوة ان تلك المشكوة في بيوت اذن اللّه ان‏ترفع بحيث لايسبقه سابق و لايلحقه لاحق و لايطمع في ادراكه طامع و يذكر فيها اسمه الذي وضعه فيها و القاه في هويتها فلصفائها و اعتدالها لم‏يتغير و لم‏يتبدل ما القي في مراتها و تحكيه كما هو فيذكر فيها اسمه و لاينسي لانها لاتحجب مثاله و لاتستر صفاته و اسمائه فكما ان المراة الصافية تذكرك و تذكر غيرها اياك و لاتنسي و لاتنسي غيرها ذكرك فكذلك هم فلايروون الاّ عن رسول اللّه9 و لايحكون الاّ عنه و لايذكرون الاّ اياه يسبح له فيها بالغدو و الاصال علي القرائة بالمجهول و الوقف علي الاصال لتنزههم عن صفات جميع الخلق بحيث صاروا في مقام لا فرق بينك و بينها الاّ انهم عبادك و خلقك و في مقام ان لنا مع اللّه حالات هو فيها نحن و نحن هو و هو هو و نحن نحن فيسبح له فيها بالغدو بغيبهم الذي هو اقرب مراتبهم من صبح الازل الذي اشرق منه النور علي هياكلهم كما في حديث كميل و الاصال بشهادتهم التي هي ابعد مراتبهم عن ذلك الصبح و قريب بخمود انوار ذلك الصبح و غروبها في غاية وجودهم و نهاية شهودهم في ظهورهم لاثارهم فهم يسبحون اللّه بغيبهم و شهادتهم فانهم مقامات اللّه التي لا تعطيل لها في كل مكان يعرف اللّه اهل كل رتبة بما تجلي لهم بهم فهم القدس الذي ملأ الدهر كما تقرأ بهم ملأت سماءك و ارضك حتي ظهر ان لا اله الاّ انت ثم قال رجال اي تلك البيوت رجال لاتلهيهم تجارة شراء اموال المؤمنين و انفسهم كما قال اللّه سبحانه ان اللّه اشتري من المؤمنين اموالهم و انفسهم بان لهم الجنة يقاتلون في سبيل اللّه فيقتلون و يقتلون و اجراء المثوبات و الفيوضات و الامداد الحقيقية و الباطنية و الظاهرية علي حسب قوابل شيعتهم الداخلين باطن الباب و اجراء العقوبات

 

«* مکارم الابرارعربی جلد 8 صفحه 276 *»

و النكالات علي حسب قوابل اعدائهم الخارجين عن الباب و لا بيع علي ايدي المؤمنين اموالهم و انفسهم بالاعمال الصالحة و المجاهدات الصادقة فانهم: هم العاملون بجميع الخيرات بالات المؤمنين و ادوات الصالحين الم تقرأ قوله تعالي ما اصابك من حسنة فمن اللّه و تقرأ اشهد انك قد اقمت الصلوة و اتيت الزكوة و امرت بالمعروف و نهيت عن المنكر و اطعت اللّه و رسوله حتي اتيك اليقين و تقرأ ان ذكر الخير كنتم اوله و اصله و فرعه فهم الفرع كما انهم الاصل قال علي7 انا االامل و المأمول و قال الا و انا نحن النذر الاولي و الاخرة و الاولي و نذر كل زمان و اوان فلاتلهيهم تجارة و لا بيع عن ذكر اللّه لانهم مقامات اللّه التي لا تعطيل لها في كل مكان يعرفه بها من عرفه في كل مقام لا فرق بينه و بينهم الاّ انهم عباده و خلقه فهم ذكر اللّه اصلاً و فرعاً و بدواً و عوداً حتي صاروا كما قال سيدالشهداء7 ايكون لغيرك من الظهور ما ليس لك حتي يكون هو المظهر لك فبهم ملأ اللّه سمائه و ارضه حتي ظهر ان لا اله الاّ اللّه اي سماء المؤثرات و ارض الاثار و سماء الافاعيل و ارض المفاعيل و سماء المقبولات و ارض القوابل و سماء العلل و ارض المعلولات فاظهروا في كل مقام ان لا اله الاّ اللّه فانه هو هم و هم هو في كل حال ظهوراً و بروزاً لا كوناً و حقيقةً كما قالوا لنا مع اللّه حالات هو فيها نحن و نحن هو و هو هو و نحن نحن، فعن ابي‏الحسن7 بعد ما فسر اية النور بانها مثلهم قال و الدليل علي ان هذا مثل لهم قوله تعالي في بيوت اذن اللّه ان‏ترفع و يذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو و الاصال الي قوله بغير حساب و قال ابوعبداللّه7في حديث يأتي في اركان الدين و التمسوا البيوت التي اذن اللّه ان‏ترفع و يذكر فيها اسمه فانه اخبركم انهم رجال لاتلهيهم تجارة و لا بيع عن ذكر اللّه و اقام الصلوة و ايتاء الزكوة يخافون يوماً تتقلب فيه القلوب و الابصار الخبر، و في حديث

 

«* مکارم الابرارعربی جلد 8 صفحه 277 *»

ابي‏حمزة ان قتادة جلس بين يدي ابي‏جعفر7 فقال قتادة جلست بين يدي الفقهاء و قدام ابن عباس فما اضطرب قلبي قدام واحد منهم ما اضطرب قدامك فقال ابوجعفر7ما تدري اين انت بين يدي بيوت اذن اللّه ان‏ترفع و يذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو و الاصال رجال لاتلهيهم تجارة و لا بيع عن ذكر اللّه و اقام الصلوة و ايتاء الزكوة و نحن اولئك فقال قتادة صدقت واللّه جعلني فداك واللّه ما هي بيوت حجارة و لا طين، و سئل ابوعبداللّه عن هذه الاية قال هي بيوت النبي فقد علم من هذه الاخبار ان البيوت هم الائمة:و هم بيوت النبوة و قد سمعت اللّه سبحانه امر بان‏يؤتي البيوت من ابوابها و لا شك ان باب تلك البيوت شيعتهم الذين خلقوا من شعاع انوارهم فان باب الشي‏ء هو الذي لايتوصل الي الشي‏ء الا به و معلوم ان الانسان لايتوصل الي الشمس الاّ بنورها و قالوا: شيعتنا منا كشعاع الشمس من الشمس فكما انهم: ابواب اللّه سبحانه شيعتهم ابوابهم لانه روي انهم قالوا يفصل نورنا من نور ربنا كما يفصل نور الشمس من الشمس و قالوا شيعتنا منا كشعاع الشمس من الشمس و قد روي عن سعيد بن منخل في حديث له رفعه قال البيوت الائمة و الابواب ابوابها و في حديث عن ابي‏جعفر7 في هذه الاية يعني ان يأتي الامر من وجهها اي الامور كان فكما انهم وجه التوحيد كذلك شيعتهم وجه الامامة و هم ابواب تلك البيوت فقد اخبر اللّه سبحانه في كتابه انه ليس البر بان‏تأتوا البيوت اي بيوت التوحيد و النبوة و الامامة من ظهورها لان اللّه سبحانه جعل لكل بيت باباً يدخل اليه منها و بتفسير ظاهر الظاهر فالمراد ظاهر تلك البيوت و ظاهر تلك البيوت عذاب لانه عكس باطنها الذي فيه الرحمة كما قال فضرب بينهم بسور له باب باطنه فيه الرحمة و ظاهره من قبله العذاب فمن اراد ان‏يدخل بيوت التوحيد

 

«* مکارم الابرارعربی جلد 8 صفحه 278 *»

و النبوة و الامامة من طريق اعدائهم و نواصبهم و منكري فضائلهم و كاتمي ما انزل اللّه سبحانه من فضائل آل محمد: بعد ما بينه اللّه للناس و الساعين في اطفاء نورهم باظهار اخبار متشابهة وردت في التقية عنهم و عن امثالهم فيتمسكون بها و ينبذون الاخبار الواردة في فضائلهم المخالفة للعامة العمياء المطابقة للكتاب وراء ظهورهم فمن دخل بيت الولاية من هؤلاء و بدلالة هؤلاء فقد دخل البيوت من ظهورها و هي ظواهرها التي من قبلها العذاب و اما من دخل البيوت بدلالة القري الظاهرة الذين هم تجسم بواطنهم و جلوة غيبهم و معاني بيانهم فقد اتي البيوت من ابوابها ولكن البر من اتقي من اتيان الاعداء و ارادة الدخول من الظهور و مجانبة الابواب و الرغبة عنها و اتقي من الاصغاء الي تلك الظهور و النواصب لما سمعوا قول ابي‏جعفر7 من اصغي الي ناطق فقد عبده ان كان الناطق ينطق من اللّه فقد عبد اللّه و ان كان الناطق ينطق عن الشيطان فقد عبد الشيطان و لما كان اولئك النواصب الكاتمون لما انزل اللّه من فضائل آل محمد:المتبعون لزيغ قلوبهم ما تشابه من اخبارهم الملقون تلك المتشابهات الي ضعفاء شيعتهم ليصرفوهم عن ابواب آل محمد: و يضلوهم عن قصد السبيل ينطقون عن الشيطان الذي القي في روعهم تلك الشبهات و الضلالات فمن اتقي من الاصغاء اليهم فقد اتقي اللّه عن الشرك الذي هو اعظم اسباب الهلاك و عن عبادة الشيطان و عن انكار فضائل آل محمد: فانه الكفر كما هو مروي عن البصاير و الخرايج بسندهما عن جابر عن ابي‏جعفر7 في حديث في وصف آل محمد: و الانكار لفضائلهم هو الكفر و عن ترك ما فرض اللّه سبحانه من اتيان البيوت من ابوابها فالبر كل البر من اتقي من الكفر و الشرك و أتي البيوت من ابوابها و قد ابان اللّه سبحانه عن فضل من اتقي عما ذكرنا بما لا مزيد عليه حيث سمي المتقي البر و جعله اصل كل خير و بر و فرعه و معدنه و مأواه و منتهاه و انت تعلم ان اشرف المتقين خيار الشيعة المنتجبين فهم البر جنس

 

«* مکارم الابرارعربی جلد 8 صفحه 279 *»

البر و حقيقته و اصله و قد قال اللّه سبحانه لن‏تنالوا البر حتي تنفقوا مما تحبون اي لن‏تنالوا معرفة اللّه و الاتصال به حتي تنفقوا مما تحبون و انست به نفوسكم كل الانس من النواميس الباطلة التي هي من اعظم ما تحبون و تبذلون في سبيلها عرضكم و انفسكم و اموالكم و جميع ما خول لكم ربكم فما لم‏تنفقوا تلك النواميس الباطلة و المذاهب الكاسدة لن‏تنالوا معرفة البر و الاتصال به و ذلك البر هو المتقي بحقيقة التقوي فافهم فليس هنا مقام ارخاء الزمام. و أتوا البيوت من ابوابها فانه البر و الخير فان من اتي البيوت من ابوابها وصل الي منتهي مناه و دخل في الرحمة التي جعلها اللّه في تلك البيوت قال اللّه سبحانه له باب باطنه فيه الرحمة و هي الرحمة التي قال اللّه سبحانه كتب علي نفسه الرحمة و قد قرأت في الزيارة السلام علي نفس اللّه القائمة فيه بالسنن فباطن هذا الباب و داخله نفس اللّه القائمة فيه بالسنن التي كتب عليها الرحمة فالداخل من الباب داخل في رحمة اللّه سبحانه كما ان من رام دخول البيت من ظهره بقي في العذاب لان ظاهره من قبله العذاب و اتقوا اللّه لعلكم تفلحون اي اتقوا اللّه عن مخالفة ما امركم به من اتيان البيوت من ابوابها و عن مجانبة النواصب المنكرين لفضائل آل اللّه و الصادين عن ابواب آل اللّه سلام اللّه عليهم فانه البر كما قال ولكن البر من اتقي لعلكم تفلحون اي لعلكم تدخلون في زمرة المؤمنين لان اللّه يقول قد افلح المؤمنون و قال الامام7 في تفسيره قد افلح المسلمون ان المسلّمين هم النجباء فاتقوا اللّه لعلكم تفلحون تصيرون من النجباء المسلمين للنقباء الداخلين بيوت الامامة من ابوابها النقباء فهذه اية اخري قد ابان اللّه من فضل الشيعة فيها و اوجب اتيانهم و الاخذ عنهم و معرفتهم فان من لم‏يعرف الباب لم‏يأته و من لم‏يأته بقي خارج البيت في ظاهره الذي من قبله العذاب و نقتصر في التفسير علي بيان بعض المراد لان علم اللّه لاينزف و تفسير الكتاب لايستقصي فاكتفينا ببيان بعض ما يحتاج اليه.

 

«* مکارم الابرارعربی جلد 8 صفحه 280 *»

و من الايات الدالة علي بيان مراتبهم و مقاماتهم قوله تعالي السابقون الاولون من المهاجرين و الانصار و الذين اتبعوهم باحسان رضي اللّه عنهم و رضوا عنه و اعدّ لهم جنات تجري تحتها الانهار خالدين فيها ابداً ذلك الفوز العظيم، فعن القمي ثم ذكر السابقين فقال و السابقون الاولون من المهاجرين و الانصار و هم النقباء ابوذر و المقداد و سلمان و عمار و من امن و صدق و ثبت علي ولاية اميرالمؤمنين و عن الكافي عن ابي‏عبداللّه7 قال ان اللّه سبق بين المؤمنين كما يسبق بين الخيل يوم الرهان ثم فضلهم علي درجاتهم بالسبق اليه فجعل كل امرء منهم علي درجة سبقه لاينقصه فيها من حقه و لايتقدم مسبوق سابقاً و لا مفضول فاضلاً تفاضل بذلك اوائل هذه الامه و اواخرها و لو لم‏يكن للسابق الي الايمان فضل علي المسبوق اذا للحق اخر هذه الامة اولها نعم و لتقدموهم اذا لم‏يكن لمن سبق الي الايمان الفضل علي من ابطأ عنه ولكن بدرجات الايمان قدم اللّه السابقين و بالابطاء عن الايمان اخر اللّه المقصرين لانا نجد من المؤمنين من الاخرين من هو اكثر عملاً من الاولين و اكثر صلوةً و صوماً و حجاً و زكوةً و جهاداً و انفاقاً و لو لم‏يكن سوابق يفضل بها المؤمنون بعضهم بعضاً عند اللّه لكان الاخرون بكثرة العمل مقدمين علي الاولين ولكن ابي اللّه عزوجل ان‏يدرك اخر درجات الايمان اولها و يقدم فيها من اخر اللّه و يؤخر فيها من قدم اللّه قيل اخبرني عمن ندب اللّه عزوجل المؤمنين اليه من الاستباق الي الايمان فقال قول اللّه عزوجل سابقوا الي مغفرة من ربكم و جنة عرضها كعرض السماء و الارض اعدت للذين امنوا باللّه و رسله و قال و السابقون السابقون اولئك المقربون و قال و السابقون الاولون من المهاجرين الاية فبدأ بالمهاجرين الاولين علي درجة سبقهم ثم ثني بالانصار ثم ثلث بالتابعين لهم باحسان فوضع كل قوم علي قدر

 

«* مکارم الابرارعربی جلد 8 صفحه 281 *»

درجاتهم و منازلهم عنده الخبر فقوله سبحانه السابقون الاولون من المهاجرين هم الذين سبقوا غيرهم بالاجابة في عالم الذر حين دعاهم سبحانه الي الاقرار به سبحانه و بنبيه و اوصيائه: فمن سبق في ذلك اليوم الي الاقرار علي الكل فهو اكمل فهو اكمل الناس ايماناً و اقربهم اليه سبحانه و هم الذين كانت لهم الدرجة القصوي من الايمان اي الدرجة العاشرة منه التي ليس فوقها مقام ثم الاسبق فالاسبق و لكل درجات مما عملوا فقد قيل لابي‏عبداللّه7 جعلت فداك اخبرني عن قول اللّه عزوجل و السابقون السابقون اولئك المقربون قال نطق اللّه بهذا يوم ذر الخلق في الميثاق قبل ان‏يخلق الخلق بالفي سنة فقيل فسر لي ذلك فقال ان اللّه عزوجل لما اراد ان‏يخلق الخلق خلقهم من طين و رفع لهم ناراً و قال لهم ادخلوها فكان اول من دخلها محمد9 و اميرالمؤمنين و الحسن و الحسين و تسعة من الائمة اماماً بعد امام ثم اتبعهم شيعتهم فهم واللّه السابقون هـ ، فالسابقون الاولون من المهاجرين هو اول من تقدم من الشيعة فان المراد بالمهاجر ليس من هجر بلداً الي بلد فانه لا كمال فيه و قد هاجر المنافق و المسلم و المؤمن و الكافر و المشرك و الناصب فليست الهجرة بكمال يمدح اللّه به احداً من الناس و انما المهاجر من هجر اعداء اللّه الي جوار اولياء اللّه و هجر اقوالهم و افعالهم و احوالهم و التشبه بهم و السلوك مسلكهم كما قال علي7 لايقع اسم الهجرة علي احد الاّ بمعرفة الحجة في الارض فمن عرفها و اقر بها فهو مهاجر و قد قال اللّه سبحانه في القدسي قل للمؤمنين لايلبسوا ملابس اعدائي و لايطعموا مطاعم اعدائي و لايسلكوا مسالك اعدائي فيكونوا اعدائي كما هم اعدائي و لايخفي ان ملابس الاعداء هي الفسوق الذي هو صورة جهنم في هذه الدنيا و ان الفساق سرابيلهم من قطران و تغشي وجوههم النار فمن ترك الفسوق و

 

«* مکارم الابرارعربی جلد 8 صفحه 282 *»

السيئات و لبس لباس التقوي فهو الذي لم‏يلبس لباس الاعداء و لباس التقوي ذلك خير فجميع الاعمال الصالحة هو لباس التقوي و لباس الصالحين من اولياء اللّه و جميع الموبقات و الكباير و السيئات هي سرابيل القطران و النار و لباس الفساق و العصاة و ذلك لان كل احد مركب من مادة و صورة فالمادة هي الاب و الصورة هي الام و زوج الاب المخلوقة من نفس ذلك الاب و قد قال اللّه سبحانه هن لباس لكم و انتم لباس لهن فان كانت الصورة صورة الرحمة و صبغ المغفرة و صبغة اللّه فهو متلبس بلباس الرحمة و الجنة و ان كانت الصورة صورة النقمة و صبغ العذاب و صبغة الشيطان فهو متلبس بلباس النقمة و النار فالمؤمن هو الذي لايلبس لباس اعداء اللّه و لايتمثل بمعاصي اللّه، و اما قوله و لايطعموا مطاعم اعدائي فمطاعم الاعداء هي العلوم الخبيثة المورثة للريب و الشك و الظلمات و القساوة و الجرأة علي اللّه سبحانه كما قال اللّه سبحانه فلينظر الانسان الي طعامه قال ابوعبداللّه7 في جواب من سأل ما طعامه علمه الذي يأخذه عمن يأخذه و كذا فسره ابوجعفر7 و قد بين اللّه سبحانه في كتابه باوضح بيان حيث قال فكلوا مما ذكر اسم اللّه عليه و روي عن الائمة: لما قال الصادق7 نحن واللّه الاسماء الحسني التي لايقبل من احد الاّ بمعرفتنا فكلوا اي تعلموا من علم ذكر اسم اللّه عليه ذكر الامام عليه و روي عنه ان كنتم باياته بالائمة مؤمنين مصدقين انهم من جانب اللّه و ينطقون عن اللّه و لاينطقون عن الهوي ان هو الاّ وحي يوحي و انهم اصل كل خير و معدن كل علم و ان اعدائهم اصل كل شر و معدن كل ضلالة و جهالة و الدليل علي ان الايات الائمة قول علي7 ما للّه اية اكبر مني ثم عطف اللّه القول في توبيخ الذين يأخذون العلوم الخبيثة من اعداء اللّه المحرمة عليهم كما قال تعالي يحل لهم الطيبات و يحرم عليهم الخبائث فقال ابوجعفر7

 

«* مکارم الابرارعربی جلد 8 صفحه 283 *»

يحل لهم الطيبات اخذ العلم من اهله و يحرم عليهم الخبائث و الخبائث قول من خالف هـ ، فوبخهم اللّه بعد ذلك و قال و مالكم الاّ تأكلوا مما ذكر اسم اللّه عليه اي ان لاتتعلموا علوم آل محمد المروية عنهم: المنسوبة اليهم المذكورة فيها و عليها اسماؤهم و قد فصل لكم ما حرم عليكم في قوله يحل لهم الطيبات و يحرم عليهم الخبائث لان الطيبات اي الحكم الطيبات للطيبين اي للشيعة الطيبين المخلوقين من اشعة الطيبين الائمة الطاهرين و الخبيثات للخبيثين اي العلوم الخبيثة و الحكم الباطلة المجتثة للخبيثين للنواصب المخلوقين من اظلال ائمتهم الكافرة الباطلة الفاسقة الجائرة عن قصد الحق المصيب و فصل في قوله قل لااجد في ما اوحي الي محرماً علي طاعم اي علي متعلم لانهم: فسروا الطعام بالعلم يطعمه يتعلمه الاّ ان‏يكون ميتة و هي الحكم و العلوم الفاسدة في معرفة حقايق الاشياء و التوحيد و النبوة و الامامة فانها اذا لم‏تكن عن الله مأخوذة عن مبدء الحيوة كانت ميتة لا حيوة فيها و لها و حملة هذا العلم ان ذبحوه يوماً ما للتلبيس علي المسلمين فزخرفوه ببعض المقدمات الحقة او ادلة اسلامية لكن لايذكرون اسم اللّه عليه فهو ايضاً محرم ميتة و ان ذبح فانه ذبح علي النصب ففي تفسير ظاهر الظاهر ذبح علي النصب بفتح النون و سكون الصاد اي ذبح علي عداوة اولياء اللّه و في مقابلتهم ليلبسوا علي الضعفاء امر علومهم انها مذبوحة  فيصرفوا وجوه الناس اليهم فيشتروا منهم الميتة و تبقي لهم رياستهم فبئس ما يشترون او دماً مسفوحاً و هو مركب الحيوة و تنزلها و كثيفها و ظاهرها و هي العلوم التي سموها عقلية و موعظة حسنة و هي في الحقيقة حاصلة عن الشيطنة و النكري و هي غش حقيقةً لا وعظ و نصح لانهم اخذوها عن رؤساء الجهالة و الضلالة و هي امور سجينية علي هيئة ما في عليين و هي في الحقيقة كلمة خبيثة كشجرة خبيثة اجتثت من فوق الارض ارض العلوم ما لها من قرار في مقابلة الكلمة الطيبة التي هي كشجرة طيبة اصلها ثابت و فرعها في السماء تؤتي اكلها كل حين باذن ربها فهي لما كانت

 

«* مکارم الابرارعربی جلد 8 صفحه 284 *»

تنزلات العلوم الفاسدة التي سموها حقيقية و الهية صارت بمنزلة الدم الذي هو تنزل الحيوة و هو مسفوح زالت عنها الحيوة و قطعت نظرها عنه و تعلق به الموت او لحم خنزير و اللحم هو جمود الدم و كثيفه و هي المجادلة بالتي هو اسوء التي هي من النفس الامارة التي هي تنزل الجهل في عالم الملكوت فهذه العلوم الثلثة هي الخبائث التي حرم اللّه و هذه الثلثة التي خص اللّه التحريم بها و فصلها و لما كانت تلك العلوم حقايق هذه المحرمات فمن اكل هذه المحرمات الثلثة اهون ممن تأتي هذه العلوم الخبيثة بمرات عديدة لان فساد هذه المحرمات علي بدنه و فساد هذه العلوم علي روحه ثم قال اللّه سبحانه الا ما اضطررتم اليه في حال التقية فلا بأس باكل ما لم‏يذكر اسم اللّه عليه و اظهار بعض علومهم بقدر الضرورة و حفظ النفس لئلا يلقيها الي التهلكة ثم قال و ان كثيراً ليضلون باهوائهم بغير علم ان ربك هو اعلم بالمعتدين و هذا دليل ظاهر علي ان المراد بالاكل كان علماً ثم قال و ذروا ظاهر الاثم و باطنه ظاهره ما حرم اللّه من الماثم الظاهرة كشرب الخمر و الزنا و اكل مال اليتيم و امثالها و باطنه النواصب الذين هم حقايق هذه المعاصي و بواطنها كما قال ابوعبداللّه7 ان القرآن له ظهر و بطن فجميع ما حرم اللّه في القرآن هو الظاهر و الباطن من ذلك ائمة الجور و جميع ما احل اللّه في الكتاب هو الظاهر و الباطن من ذلك ائمة الحق ثم قال اللّه تعالي ان الذين يكسبون الاثم ولاية الاعداء سيجزون بما كانوا يقترفون عن تنزيلهم منزلة اولياء اللّه و الولاية لهم و لاتأكلوا مما لم‏يذكر اسم اللّه عليه لاتتعلموا علوماً ليس فيها و لا عليها اسم آل محمد سلام اللّه عليهم و انه لفسق تعليمه و تعلمه و لا شك ان الذين فسقوا مأويهم النار و ان الشياطين ليوحون الي اوليائهم النواصب اعداء آل محمد سلام اللّه عليهم ليجادلوكم بالتي هي اسوء باظهار العلوم الفاسدة و القاء الشبهات و الشكوك ليزعزعوكم عن سبيل اللّه و طرق الحق و ان اطعتموهم انكم لمشركون

 

«* مکارم الابرارعربی جلد 8 صفحه 285 *»

لان من اصغي الي ناطق فقد عبده فان كان الناطق ينطق عن اللّه فقد عبد اللّه و ان كان الناطق ينطق عن الشيطان فقد عبد الشيطان فهو مشرك شرك طاعة و ان وحد اللّه باعتقاده و قوله تعالي و لايسلكوا مسالك اعدائي فمسالك الاعداء هي التي سماها اللّه سبحانه في كتابه لايهديهم طريقاً الاّ طريق جهنم فهم طرق الشيطان و طرق جهنم في مقابلة ما روي ان سبيل اللّه شيعتنا فمن سلك مسالك الاعداء اي تولي طرق جهنم و مسالكها و سلك فيها بزيادة الميل المقرب من منتهاها اناً فاناً فهو كاعداء اللّه فانه ليس احد ابعد عن اللّه و اقرب الي اعدائه من السالك اليهم و ليس احد ابعد عن الاعداء و اقرب الي اللّه من السالك سبيله و الساعي اليه فمن هجر ملابس الاعداء و مطاعمهم و مسالكهم و لبس ملابس الاولياء علي ما وصفنا و طعم مطاعمهم و سلك مسالكهم فهو المهاجر الحقيقي او من هاجر لباس الاعداء و هو التشبه بهم في الصورة اي الصور النفسانية بجميع انحائها من الحركات و السكنات و الاخلاق و الصفات و هاجر طعام الاعداء و هو امدادهم الجهلانية و ما يطعمون من حميم و زقوم الشبهات و الضلالات و الاوهام و الشكوك و الظنون بمقتضي جهلهم الذي في مقابلة العقل و هاجر مسلك الاعداء من حكمهم الخبيثة و حقائقهم الشقية الباطلة المجتثة فمن هاجر مقامات الاعداء من مبدئهم الي منتهاهم و اتصف في صورته بصبغة اللّه و تخلق باخلاق اللّه و اتصف بصفات اللّه و في معناه باليقين و الرضا و التسليم و في حقيقته بمثال اللّه الملقي في هويات الاشياء فهو المهاجر الحقيقي، و للمهاجرين مقامات عديدة ولكن المهاجر الحقيقي هو الشيعي الحقيقي المشايع للائمة: او شعاعهم الذي هو علي طبق صفتهم و هو المهاجر الي اللّه و رسوله و امامه حقيقةً فلذلك لايقع اسم الهجرة الاّ علي من عرف حجة اللّه بالمعرفة النورانية الحقيقية لما قال علي7لايستكمل احد الايمان حتي يعرفني كنه معرفتي بالنورانية فاذا عرفني بهذه المعرفة فقد امتحن اللّه قلبه

 

«* مکارم الابرارعربی جلد 8 صفحه 286 *»

للايمان و شرح صدره للاسلام و صار عارفاً مستبصراً و من قصر عن معرفة ذلك فهو شاك مرتاب ثم قال معرفتي بالنورانية معرفة اللّه عزوجل و معرفة اللّه عزوجل معرفتي الخبر فالشاك المرتاب اي من لايعرف امامه بالنورانية ليس بمهاجر فلما كان مقامات المعرفة بالنورانية تختلف بحسب اختلاف المهاجرين فالسابقون الاولون من المهاجرين هم الذين سبقوا جميع العارفين بالائمة و صعدوا جميع مقامات الايمان و اجابوا في عالم الذر قبل جميع المهاجرين و صاروا في الرتبة العاشرة من الايمان فان الايمان كما قال ابوعبداللّه7 عشر درجات بمنزلة السلم يصعد منه مرقاة بعد مرقاة الخبر، و هذه الدرجات العشر مقام المسمي و مقام الاسم و مقام الفؤاد و مقام العقل و مقام الروح و مقام النفس و مقام الطبيعة و مقام المادة و مقام المثال و مقام الجسم فاول من اجاب في عالم الذر صاحب المقام الاول ثم صاحب المقام الثاني ثم الثالث ثم الرابع و هكذا و كل من اجاب في الرتبة العليا اجاب في الرتبة التي دونها و كل من تأخر عن الاجابة برتبة لم‏يحز ما فوقها فالسابق الاول علي سبيل الاطلاق هو الذي اجاب في رتبة المسمي صاحب حقيقة المعرفة النورانية و هو المهاجر الذي هاجر الوصف و الكيف و احاط بالفصل و الوصل في ذاته و اتصف بجميع الاسماء الثمانية و العشرين التي عليها مدار العالم و بنيان كينونة بني‏آدم فالسابقون الاولون من المهاجرين هم النقباء سلام اللّه عليهم الذين اشار اليهم علي بن الحسين7 في حديث الخيط بقوله ثم معرفة النقباء سادساً و اشار اليه علي بن ابراهيم القمي في تفسير هذه الاية كما مر، و ليس هيهنا مقام شرح احوال النقباء علي التفصيل.

و اما الانصار فهم الذين شرح اللّه حالهم في كتابه حيث يقول و الذين امنوا و هاجروا و جاهدوا في سبيل اللّه و الذين اووا و نصروا اولئك هم المؤمنون حقاً لهم مغفرة و رزق كريم و لا شك ان اللّه سبحانه لم يثبت الايمان الحقيقي للذين هاجروا في الظاهر و نصروا ظاهراً لان كثيراً منهم كانوا منافقين ما امنوا باللّه طرفة

 

«* مکارم الابرارعربی جلد 8 صفحه 287 *»

عين فالمهاجرون هم الذين قدمنا شرح بعض احوالهم مجملاً و اما الانصار فهم الذين اووا و نصروا المهاجرين في بلادهم و واسوهم في منازلهم و مواعينهم و نصروهم علي اعدائهم و اظهروا امرهم و هؤلاء هم ادني مرتبة من المهاجرين بدرجة كما قال ابوعبداللّه7 فبدأ بالمهاجرين الاولين علي درجة سبقهم ثم ثني بالانصار ثم ثلث بالتابعين لهم باحسان فوضع كل قوم علي قدر درجاتهم و منازلهم الخبر، و لا شك انه ليس المراد النصرة الظاهرة فانه لايجب ان‏يكون الانصاري به تحت مرتبة المهاجر لامحه فرب انصاري مؤمن و مهاجر كافر و رب انصاري فاضل و مهاجر مفضول فعلم من الاية و الخبر ان مقام الانصار هو مقام لايمكن ان‏يتقدم علي مقام المهاجر ابداً حيث رتبه اللّه عليه و اخره عنه فالانصار هم الذين اووا المهاجرين يعني نزلوهم منازلهم و بيوتهم فالانصاري حقيقةً بيت للمهاجر يأوي اليه المهاجر و سكنٌ له و هو مقام النفس الناطقة و مقام المهاجر مقام النفس الملكوتية الالهية الساكنة في النفس القدسية و قد اوتها النفس القدسية في هويتها و نصرتها في اظهار امرها و ابدي صفاتها لان النفس الملكوتية غيب معنوي و النفس القدسية شهود صوري و لايظهر الغيب الاّ في الشهود و لا المعني الاّ في الصورة فالصورة تؤوي المعني في هويتها و تنصره في ظهور امره و بروز كماله و صفاته و نشر فضائله حتي يعرفه كل من عمي عن المعني و قصر عن ادراك الغيب فهما بمنزلة العرش و الكرسي حيث هما بابان من ابواب علم اللّه كما قال ابوعبداللّه7 العرش في الوصل منفرد عن الكرسي لانهما بابان من اكبر ابواب الغيوب و هما جميعاً غيبان و هما في الغيب مقرونان لان الكرسي هو الباب الظاهر من الغيب الذي منه مطلع البدع و منه الاشياء كلها و العرش هو الباب الباطن الذي يوجد فيه علم الكيف و الكون و القدر و الحد و الاين و المشية و صفة الارادة و علم الالفاظ و الحركات و الترك و علم العود و البدء الي ان قال فهما في العلم مقرونان لان ملك العرش سوي ملك الكرسي و علمه اغيب من علم

 

«* مکارم الابرارعربی جلد 8 صفحه 288 *»

الكرسي فمن ذلك قال رب العرش العظيم اي صفته اعظم من صفة الكرسي و هما في ذلك مقرونان الحديث، فمقام الانصاري مقام الكرسي مثام النفس الناطقة القدسية و مقام الظاهر و مقام المهاجر مقام العرش مقام النفس الملكوتية الكلية الالهية و مقام الباطن و الظاهر مأوي الباطن و الصورة مسكن المعني و المهاجر له مقام الابوة و ظهور نور النبوة و الانصاري له مقام الامومة و ظهور نور الولاية فكما ان الولي نفس النبي و بيته و موضع رسالته كذلك الانصاري نفس المهاجر و بيته الذي يسكن اليه و موضع سره و نوره و حامل علمه و مبلغه الي كل احد علي قدر حده و مقامه و هو الماء الذي نزل من سماء المهاجر الي ارض ضعفاء الشيعة لتسيل اودية بقدرها فهم اووا المهاجرين لانهم بيتهم و نفسهم و قد قال اللّه سبحانه خلق لكم من انفسكم ازواجاً لتسكنوا اليها و جعل بينكم مودة و رحمة لانهم بعضهم اولياء بعض كما قال اللّه سبحانه ان الذين آمنوا و هاجروا و جاهدوا باموالهم و انفسهم في سبيل اللّه و الذين اووا و نصروا اولئك بعضهم اولياء بعض الاية. فهم انفس المهاجرين اللاتي يسكنون اليها و يأوون و نصروا باظهار علومهم و ابلاغ حكمهم و امرهم كل ذي حق حقه و نصرة الانصاري لهم هي ايضاً امتثال اوامرهم و اجتناب نواهيهم من باب قوله7 اعينونا بورع و اجتهاد حيث كان الورع و الاجتهاد سبباً لترقيق الحجاب و الظهور من وراء الباب فان الورع اجتناب صفات الاعداء و اخلاقهم و الاجتهاد و الجد في الاتصاف بصفاتهم: و التخلق باخلاقهم فاذا تورع الشيعي من صفات الاعداء و جد في التخلق باخلاق ائمته: فقد اعانهم من حيث الظهور في رتبة ذلك الشيعي بذلك الشيعي و لايخفي ان النصرة لاتتحقق الاّ من الداني للعالي اين ما كان لان الناصر هو الذي يعين بما له من القوة ما للمنصور من القوة و ما للمنصور غير ما للناصر و لما كان العالي له جميع ما للداني لم‏يعقل النصرة منه للداني لان العبد و ما له لمولاه و المولي لاينصر العبد و انما يعطيه جميع ما له و اما ما ينسب من النصرة الي اللّه

 

«* مکارم الابرارعربی جلد 8 صفحه 289 *»

سبحانه كقوله نصركم اللّه ببدر فانما هو لاجل انه جعل فعل الملئكة فعله و نصرة الملئكة نصرته كقوله اللّه يتوفي الانفس و قوله الذين تتوفيهم الملئكة فالملئكة الثلثمائة و الثلثة عشر نصروا النبي فجعل اللّه نصرتهم نصرته و هكذا في كل مقام و كذا قوله اياك نستعين فان اللّه سبحانه بذاته لايصير عوناً للمؤمن و انما اعانته تهيئة الاسباب و توفيق الامور فلما كان اللّه سبحانه هو مهيي‏ء الاسباب بامره و موفق الامور بحكمه سأله الاعانة فاعانته سبحانه من قبيل افرأيتم ما تحرثون ءانتم تزرعونه ام نحن الزارعون و ذلك لان عون الشي‏ء لابد و ان‏يكون دون الشي‏ء لعين ما مر فالانصار لابد و ان‏يكونوا دون رتبة المهاجر لانه عون و ناصر يسعي بكثافة مقامه و غلظة لطيفته في اظهار امره كما ان الشمس نصرت الكرسي في اظهار نوره بكثافة مراة جرمها مع ان نورها مستفاد من نور الكرسي و هو اقوي منه بسبعين مرة و كما ان الدخان ينصر النار في اظهار امرها و ضوءها و نورها و هكذا فالمهاجرون هم النقباء و الانصار هم النجباء و هما ابوا الضعفاء في التعليم و ابلاغ الشرايع و الاحكام اللذان امر اللّه سبحانه اولادهما بالاحسان اليهما و قال و بالوالدين احساناً و اشار هنا و الذين اتبعوهم باحسان و احسانهم لهما في المتابعة علي معنيين احدهما ان‏يمتثلوا اوامرهما كما امرا بلا تبديل و لا تحريف و يجتنبوا نواهيهما كما نهيا بلا تغيير و تسويف و حيلة بصدر واسع غير ضيق و لا حرج فلايجدوا في انفسهم حرجاً مما قضيا و يسلموا تسليماً لان القبول منهما و التسليم لهما شرط قبول الاعمال كما نص الكاظم7 في دعاء التوسل في صفة علي7 من لااثق بالاعمال و ان زكت و لااراها منجية لي و ان صلحت الاّ بولايته و الائتمام به و الاقرار بفضائله و القبول من حملتها و التسليم لرواتها فالحملة هم النقباء الذين حملوا فضائلهم و الحمل غير الرواية و يشترط

 

«* مکارم الابرارعربی جلد 8 صفحه 290 *»

في الحمل الاتصاف دون الرواية لان الحمل في اللغة يجيي‏ء بمعني الاظهار كما في القاموس فالحامل هو المظهر و الحملة المظهرون و لاتقولن ان الحامل يظهر و الراوي لايظهر بالرواية فانه لو لم‏يظهر بالرواية شيئاً فلاي شي‏ء يجب التسليم، فظهر ان الراوي يظهر الاقوال و الحامل يظهر الاحوال فالحامل يظهر الفضائل بتخلقه و اتصافه و الراوي يحكي و ينشر الفضائل قولاً فلابد من القبول من الحملة لان الحامل مقامه مقام المقبول لانه صاحب النفس الكلية الالهية و مقام ساير الناس من مقامات القابلية و كذا لابد من التسليم للروات كما قال اللّه تعالي و يسلموا تسليماً و قال قد افلح المؤمنون و قد فسره ابوجعفر7 لكامل المسلمون يا كامل ان المسلمين هم النجباء يا كامل الناس اشباه الغنم الا قليل من المؤمنين و المؤمن قليل فيمكن ان‏يقال بلا اختلال ان اللّه و ملئكته يصلون علي النبي اي الذي ينبي‏ء و يظهر و يحمل الفضائل لان حامل الفضائل مقام ظهور نور النبوة و الاجمال و علم العرش و الوصل فيصلي اللّه عليه يرحمه و يصله و لايقطعه ياايها الذين امنوا صلوا عليه اي ادعوا له و اتصلوا به و اقبلوا منه و سلموا للروات الانصار الناشرين للفضائل فهي تجري في شأن الشيعة بعد ما جرت في النبي و الولي صلي اللّه عليهما لان الاثر تابع لصفة مؤثره و لا فرق بينه و بينه الاّ انه عبده و لنعم ما قلته في قصيدة في مدح النبي9،

لولا مخافة ان اصمي لجئت بما   ان‏تصغه الاذن صمت حين اصغاها

ولكن لابد من ان‏يقبض العنان فان للحيطان اذان فهذا احد معاني الاحسان في قوله و الذين اتبعوهم باحسان.

و الاخر ان‏يكون الباء للسببية اي بسبب الاحسان اليهما و تنمية اوراقهما و تزهير صفائهما و ترويق مائهما و لونهما و السعي في مباهاتهما و افتخارهما و تعمير محلهما و مجاليهما و تعلية اسمائهما و صفاتهما و هذا الاحسان اشهي و ابهي و احسن و ازهي و اخلص و ازكي و ان اللّه مع المحسنين و قد اشركهم في جزاء كل نبي و قال و كذلك نجزي المحسنين فافهم راشداً موفقاً فالذين

 

«* مکارم الابرارعربی جلد 8 صفحه 291 *»

اتبعوهم باحسان هم الضعفاء ضعفاء الشيعة الذين يتبعون المهاجرين و الانصار و قد اطلق اللّه سبحانه و قال و الذين اتبعوهم و لم‏يقل في اي عمل و صفة لانه اراد المتابعة المطلقة التامة كقوله ان كنتم تحبون اللّه فاتبعوني رضي اللّه عنهم عن المهاجرين و الانصار و التابعين الاية و لانطيل الكلام بشرح باقي الاية لخروجه عن محل المراد ظاهراً فهذه اية ظاهرة باهرة اخري في بيان احوال النقباء و النجباء باستعانة تفاسير اهل البيت: و اشاراتهم و تلويحاتهم.

و من الايات الدالة علي هذا المقام قوله تعالي انا انزلنا التورية فيها هدي و نور يحكم بها النبيون الذين اسلموا للذين هادوا و الربانيون و الاحبار بما استحفظوا من كتاب اللّه و كانوا عليه شهداء الاية، و قد اجمعت الامة عامة و خاصة علي ان النبي9 قال لتركبن سنن من كان قبلكم حذو النعل بالنعل و القذة بالقذة حتي انهم لو سلكوا جحر ضب لسلكتموه و وجدنا الخبر المجمع عليه موافقاً للكتاب حيث قال لتركبن طبقاً عن طبق و قال فهل ينظرون الا سنة الاولين فلن‏تجد لسنة اللّه تبديلا و لن‏تجد لسنة اللّه تحويلاً و قال سنة اللّه في الذين خلوا من قبل و لن‏تجد لسنة اللّه تبديلاً و قال سنة اللّه التي قد خلت من قبل و لن‏تجد لسنة اللّه تبديلاً و قال سنة من قد ارسلنا قبلك من رسلنا و لاتجد لسنتنا تحويلاً الي غير ذلك من الايات و الروايات فاذا لابد في هذه الامة ايضاً من ربانيين و احبار و معلوم ان مقام الربانيين اشرف و اعلي و اشهي من مقام الاحبار لانهم يربون الناس و يديرونهم كما يدير السفينة ربّانيها و الربان ايضاً مبالغة في التربية كقتال و اما الاحبار فهم العلماء من الحبر بمعني العالم فليت شعري من رباني هذه الامة في كل عصر و من حبره اهما هذه العلماء الظاهرة العاملون بالظن في دين اللّه ام غيرهم و لايسعهم ان‏يقولوا

 

«* مکارم الابرارعربی جلد 8 صفحه 292 *»

هم العلماء الظاهرة لان اللّه وصفهم باستحفاظ كتاب اللّه و وصفهم في موضع اخر كونوا ربانيين بما كنتم تعلمون الكتاب و بما كنتم تدرسون ليت شعري هل يقدر ان‏يعلم الكتاب من لايعلم او يدرس من يجب ان‏يتدرس و ليت شعري هل علم الكتاب هو معرفة لغاته و تراكيبه النحوية و نكاته المعنوية و البيانية فيكون فخر الرازي و البيضاوي و اشباههم من اشرف الربانيين و هم يعلمون الكتاب و يدرسون او علم الكتاب شي‏ء اخر و قد قال اصف بن برخيا لسليمان انا اتيك به قبل ان‏يرتد اليك طرفك لانه كان عنده علم من الكتاب اي بعض من علم الكتاب فالمستحفظ للكتاب ينبغي ان‏يعلم الكتاب ظاهره و باطنه و عامه و خاصه و ناسخه و منسوخه و محكمه و متشابهه و لو كان علم الكتاب علم الفاظه لكان الاعراب البوالون علي عقبيهم ربانيي هذه الامة و مستحفظي كتاب اللّه فمن لايقدر علي علم الكتاب ليس بمستحفظ لكتاب اللّه و ليس برباني الامة فليأتوا برباني هذه الامة و حبره او فلينكروا الحديث المجمع عليه و الكتاب المحكم انه لن‏تجد لسنة اللّه تبديلاً و السنة جنس مضاف يفيد العموم و يؤيده الخبر المجمع عليه و دليل العقل المستنير بالنقل و شرط اخر لهما ان‏يكونا شهيدين علي الكتاب لقوله و كانوا عليه شهداء و قد قال اللّه لايملك الذين يدعون من دونه الشفاعة الاّ من شهد بالحق و هم يعلمون هل يملكون الشفاعة هؤلاء المنتحلون الذين تسموا باسم الربانيين و الاحبار و لا شك ان القرآن حق فالشاهد عليه شهد بالحق و يعلم لانه مستحفظه فالربانيون و الاحبار هم الذين يشفعون للناس بنص القرآن و هم الذين يتحسر عليهم الكفار يوم القيمة فيقولون فما لنا من شافعين و لا صديق حميم و نفي اللّه ذلك عن الظالمين و قال ما للظالمين من حميم و لا شفيع يطاع و الحميم هو الصديق و الرفيق و يمكن ان‏يكون المراد منه النجيب باعتبار و يكون المراد بالشفيع النقيب و يمكن ان‏يكون المراد بالشافعين النقباء و النجباء و الحميم هو الرفيق السالك مع المسافر السالك

 

«* مکارم الابرارعربی جلد 8 صفحه 293 *»

الي اللّه سبحانه و لكل وجه وجيه و لعل الثاني اولي و هذه ايضاً اية اخري دالة علي المراد باوضح بيان، و الشفيع المطاع هو مالك زمام الشفاعة و هو الذي شهد بالحق و هو يعلم علي ما نص اللّه عليه فافهم و قد سمي اللّه من لايملك الشفاعة الذين يدعون من دونه و لايقولن احد ان الرباني هو الامام لان اللّه سبحانه كلف الناس ان‏يكونوا ربانيين حيث قال ما كان لبشر ان‏يؤتيه اللّه الكتاب و الحكم و النبوة ثم يقول للناس كونوا عباداًلي من دون اللّه ولكن كونوا ربانيين بما كنتم تعلمون الكتاب و بما كنتم تدرسون و ورد في تفسيره كونوا علماء و لم‏يكلف اللّه الناس ان‏يكونوا ائمة و لم‏يكن الربانيون من قوم موسي ائمة حتي يكون في هذه الامة ائمة فافهم.

و الحبر ايضاً هو العالم فللعلماء مقامان مقام الربانيين و هم النقباء المهاجرون السابقون الاولون و مقام الاحبار و هم النجباء الانصار و روي انه لا علم الاّ من عالم رباني و قد قال الصادق7 انظروا الي علمكم هذا عمن تأخذونه فان فينا اهل البيت في كل خلف عدولاً ينفون عن ديننا تحريف الغالين و انتحال المبطلين و تأويل الجاهلين فلابد و ان‏يكون مأخذ العلم العالم الرباني ليحصل اليقين و الجزم بانه من اللّه سبحانه و تعالي.

و من الايات الدالة علي المراد قوله تعالي ياايها الذين امنوا اتقوا اللّه و كونوا مع الصادقين،و لفظة كونوا امر حقيقة في الوجوب فقد اوجب اللّه الكون مع الصادقين فانك ان‏تعديتهم صرت مع الكاذبين و لا شك ان الصدق امر نفساني لايعرفه كل احد الاّ اللّه سبحانه و المطلعون علي النفوس و ليس الصدق علامة بشرية تعرف في بشرة الرجل فلابد من تمييز اللّه الصادق الذي امر بالكون معه لئلا يكون تكليفاً بالمجهول فرأيناه فسر الصادق في كتابه في مقامين احدهما قوله تعالي انما

 

«* مکارم الابرارعربی جلد 8 صفحه 294 *»

المؤمنون الذين امنوا باللّه و رسوله ثم لم‏يرتابوا و جاهدوا باموالهم و انفسهم في سبيل اللّه اولئك هم الصادقون قل اتعلمون اللّه بدينكم واللّه يعلم ما في السموات و ما في الارض واللّه بكل شي‏ء عليم فشرط للايمان و الصدق اموراً، الايمان باللّه و رسوله و عدم الريبة بوصيه بعده و الجهاد في سبيله بالاموال و الانفس فهيهنا اجمل القول و لم‏يفصل النقباء و النجباء و جعلهما في عرض واحد و وصفهما بصفة واحدة لانهما اخوان في دين اللّه و الايمان به و برسوله و عدم الارتياب بوصيه من بعده فمن لم‏يكن فيه هذه الصفات الاربع ليس بمؤمن و لا صادق ثم فصل المقامين في اية اخري فقال للفقراء المهاجرين الذين اخرجوا من ديارهم و اموالهم يبتغون فضلاً من اللّه و رضواناً و ينصرون اللّه و رسوله اولئك هم الصادقون فهذا مقام المهاجرين علي ما مر في السابق و مقام النقباء السابقين الاولين ثم قال و الذين تبوؤ الدار و الايمان من قبلهم يحبون من هاجر اليهم و لايجدون في صدورهم حاجة مما اوتوا و يؤثرون علي انفسهم و لو كان بهم خصاصة و من يوق شح نفسه فاولئك هم المفلحون، فهذا مقام الانصار الذين اووا و نصروا و تبوؤ الدار و الايمان من قبلهم اي قبل هجرة المهاجرين اليهم لانهم كانوا في بيوتهم لازمون لمقامهم مؤمنون فاذا كملوا في ايمانهم و ذهب عنهم الشح و بلغوا مقام الايثار اتيهم المهاجرون و نزلوا اليهم فنصروهم الانصار و اووهم و اظهروا امرهم فاولئك هم المفحلون و قد مر حديث ابي‏جعفر7 قد افلح المسلمون ان المسلمين هم النجباء ثم ذكر بعد الانصار و الذين جاؤوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا و لاخواننا الذين سبقونا بالايمان كما قال اللّه سبحانه و السابقون الاولون من المهاجرين و الانصار و المراد السبقة في الاجابة في عالم الذر و لاتجعل في قلوبنا غلاً للذين امنوا فانهم ينظرون بنور اللّه و انهم حريون بان لايغل بهم ربنا انك رؤف رحيم و هم الذين سماهم اللّه في اية مرت و الذين اتبعوهم باحسان

 

«* مکارم الابرارعربی جلد 8 صفحه 295 *»

اي من غير غل اي حقد لانهم اولياء السابقين ثم عطف القول لمن لايكون معهم و لم‏يمتثل امر اللّه الذي امر و قال كونوا مع الصادقين فلم‏يكن مع هؤلاء و كان مع المنافقين الذين شهد اللّه انهم لكاذبون فقال الم تر الي الذين نافقوا يقولون لاخوانهم الذين كفروا من اهل الكتاب فجعل اخوة المنافقين الكفرة لئن اخرجتم لنخرجن معكم و لانطيع فيكم احداً ابداً فاتخذ المنافقون لانفسهم مهاجرين في مقابلة المهاجرين المؤمنين الذين اخرجوا من ديارهم و اموالهم و قالوا ان قوتلتم لننصرنكم اي ان قوتلتم علي بقاءكم علي دينكم و نصرتكم باطلكم و حفظكم اكابركم لننصرنكم فانزلوهم منزلة الانصار في الحق و ذلك كقوله مثل كلمة طيبة و مثل كلمة خبيثة فاراد المنافقون ان‏يكون لهم ايضاً نقيب و نجيب في طريقتهم فاتخذوا لانفسهم رؤساء ضلالاً و اكابر جهالاً في مقابلة الرؤساء الحقة و الاكابر المنصوبة من عند اللّه.

فبالجملة فقد عرف اللّه الصادقين انهم هم المهاجرون و الانصار و التابعون و قد اوجب اللّه علي من يدعي الايمان باللّه و رسله و اوصيائهم و يتقي عن الشرك و مشاقة الرسول و التخلف عن الاولياء ان‏يكون مع الصادقين مزيداً علي ايمانه و تقويه و هو الركن الرابع فقال ياايها الذين امنوا اتقوا اللّه و كونوا مع الصادقين و قد قال الصادق7 من دان اللّه بغير سماع عن صادق الزمه اللّه و من ادعي سماعاً من غير الباب الذي فتحه اللّه فهو مشرك و ذلك الباب المأمون علي سر اللّه المكنون و قال ابوجعفر7 من دان اللّه بغير سماع من صادق الزمه اللّه التيه الي يوم القيمة فالصادق هو الباب الذي فتحه اللّه و هو المأمون علي سر اللّه المكنون وليجب الكون معه بنص الكتاب الذي ليس فيه شك و لا ارتياب و لايمكن لجماعة يستحلون العمل بالظن ان‏يقولوا نحن من الصادقين فانهم ان يظنون الاّ ظنا و ليسوا بمستيقنين فهم عن ادعاء هذا المقام بمعزل بالكلية فانهم يظنون انهم صادقون فان

 

«* مکارم الابرارعربی جلد 8 صفحه 296 *»

اصابوا الواقع في قولهم قال اللّه او لم‏يقل اللّه خافوا ان‏يكونوا قد اخطأوا و يقول اللّه لهم كذبتم و ان اخطأوا رجوا ان‏يكونوا مصيبين و قد قال النبي9 ان الظن اكذب الكذب و قال اتقوا تكذيب اللّه قيل يا رسول اللّه و كيف ذاك قال يقول احدكم قال اللّه فيقول اللّه عزوجل كذبت لم اقله و يقول لم‏يقل اللّه فيقول عزوجل كذبت قد قلته و قال اميرالمؤمنين7 من عمي نسي الذكر و اتبع الظن الي ان قال و من نجا من ذلك فبفضل اليقين فالصادق العالم الذي شهد بالحق و هو يعلم احق ان‏يتبع ام من لايهدي الاّ ان‏يهدي فما لكم كيف تحكمون و ما يتبع اكثرهم الاّ ظناً ان الظن لايغني من الحق شيئاً ان اللّه عليم بما يفعلون و قد سمي اللّه العامل بالظن مفترياً و كذاباً فقال و من اظلم ممن افتري علي اللّه كذباً ليضل الناس بغير علم ان اللّه لايهدي القوم الظالمين و قال ارأيتم ما انزل اللّه لكم من رزق فجعلتم منه حراماً و حلالاً قل اللّه اذن لكم ام علي اللّه تفترون و ما ظن الذين يفترون علي اللّه الكذب يوم القيمة الاية و قال ما لهم به من علم ان يتبعون الاّ الظن و ان الظن لايغني من الحق شيئاً فصاحب الظن لايجوز له ان‏يدعي صدقه ابداً لانه يظنه و يحتمل علي نفسه الكذب و مخالفة الواقع فهم بمعزل عن الدعوي و وجب الكون مع الصادقين و قد فسرهم اللّه و قال في الاية الاجمالية التي مضت انما المؤمنون الذين امنوا باللّه و رسوله ثم لم‏يرتابوا و الريب هو الوهم و اول مقامات الشك و طرف مقابل الظن فالعاملون بالظن في ريبهم يترددون قال علي7 لاترتابوا فتشكوا فتكفروا فوجب الكون مع الصادقين و هم من عرفت ان عرفت ثم حذر اللّه سبحانه عن متابعة غير سبيل المؤمنين الصادقين فقال و من يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدي و يتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولي و نصله جهنم و ساءت مصيراً.

 

«* مکارم الابرارعربی جلد 8 صفحه 297 *»

و من الايات الدالة علي المقام قوله تعالي يرفع اللّه الذين امنوا منكم و الذين اوتوا العلم درجات واللّه بما تعملون خبير، و لايخفي ان المؤمن قليل اقل من الكبريت الاحمر كما قال اميرالمؤمنين7 المؤمنة اقل من المؤمن و المؤمن اعز من الكبريت الاحمر فمن رأي منكم الكبريت الاحمر و قال ابوجعفر7 الناس كلهم بهائم ثلثاً الاّ قليل من المؤمنين و المؤمن عزيز ثلث مرات و العزيز بمعني القليل و قال ابوعبداللّه7 لو اني اجد منكم ثلثة مؤمنين يكتمون حديثي ما استحللت ان اكتمهم حديثاً و قال العبد الصالح7 في حديث اما واللّه ان المؤمن لقليل و ان اهل الكفر لكثير اتدري لم ذاك قال سماعة راوي الخبر لاادري جعلت فداك فقال صيروا انساً للمؤمنين يبثون اليهم ما في صدورهم فيستريحون الي ذلك و يسكنون اليه و قال ابوالحسن7 ليس كل من يقول بولايتنا مؤمناً ولكن جعلوا انساً للمؤمنين هـ ، و ذلك لما قال ابوعبداللّه7 في حديث اذا اتي العبد كبيرة من كبار المعاصي او صغيرة من صغار المعاصي التي نهي اللّه عزوجل عنها كان خارجاً من الايمان ساقطاً عنه اسم الايمان و ثابتاً عليه اسم الاسلام فان تاب و استغفر عاد الي دار الايمان و لايخرجه الي الكفر الاّ الجحود و الاستحلال ان‏يقول للحلال هذا حرام و للحرام هذا حلال و دان بذلك الخبر، الي غير ذلك من الاخبار الناصة علي انه لايعصي العاصي و هو مؤمن فاذا قوله تعالي يرفع اللّه الذين امنوا ليس حظ كل من امن بلسانه و لما يدخل الايمان في قلبه و انما هذا المؤمن هو النقيب الذي هو السابق الاول الذي قلبه عرش الرحمن و البيت الذي اذن اللّه ان‏يرفع لانه بيت الولي و مأويه و مسكنه و قد اذن اللّه ان‏يرفع كما قال يرفع اللّه الذين امنوا، و يذكر فيه اسمه قال الصادق7نحن واللّه الاسماء الحسني فالمؤمن هو البيت الذي يذكر

 

«* مکارم الابرارعربی جلد 8 صفحه 298 *»

فيه اسم اللّه سبحانه قال عيسي7 للحواريين جالسوا من يذكركم اللّه رؤيته فالشيعي يذكر من يجالسه امامه لانه مذكور في قلبه و حواسه الباطنة و حواسه الظاهرة و منطقه و علمه امامه فهو بيته يذكر فيه اسمه و هم درجات رفيع الدرجات ذو العرش لان اللّه سبحانه يقول افمن اتبع رضوان اللّه كمن باء بسخط من اللّه و مأويه جهنم و بئس المصير و رضوان اللّه هو الامام7 و قد قال اللّه سبحانه قد جاءكم من اللّه نور و كتاب مبين يهدي به اللّه من اتبع رضوانه سبل السلام و يخرجهم من الظلمات الي النور باذنه و يهديهم الي صراط مستقيم و قال فيمن ترك الامام و اخذ غيره ذلك بانهم اتبعوا ما اسخط اللّه و كرهوا رضوانه فاحبط اعمالهم فالذي اتخذ غير الامام وليجة فقد باء بسخط من اللّه كما روي العياشي في من باء بسخط من اللّه هم الذين جحدوا حق علي و حق الائمة منا اهل البيت الخبر، ثم عطف القول علي تابعي الرضوان فقال هم درجات عند اللّه واللّه بصير بما يعملون اي تابعوا الرضوان يعني تابعوا علي7 درجات عند اللّه و هذه هي تلك الدرجات الرفيعة في قوله رفيع الدرجات فهي ظاهر المؤمن فظاهره درجة ذو العرش و العرش هو قلب المؤمن يلقي الروح من امره علي من يشاء من عباده كما قال كتب في قلوبهم الايمان و ايدهم بروح منه و هو الروح الايماني الذي قال اميرالمؤمنين7 ان في اصحاب الميمنة اربعة ارواح روح الايمان و روح القوة و روح الشهوة و روح البدن الخبر، و بالجملة المؤمنون المرفوعون هم النقباء و المهاجرون السابقون الاولون ربانيون و اما الذين اوتوا العلم هم النجباء الانصار و الاحبار و اليهم الاشارة في قوله تعالي نرفع درجات من نشاء و فوق كل ذي علم عليم و هذا المقام ليس حظ من يعمل بالظن و جميع فقهه مستنبط بالظنون فان اللّه نفي العلم عنهم فقال ما لهم

 

«* مکارم الابرارعربی جلد 8 صفحه 299 *»

به من علم ان‏يتبعون الاّ الظن و ان الظن لايغني من الحق شيئاً و بالجملة الايات في هذا الباب كثيرة تزيد علي الحصر و الاستقصاء و لو بنينا علي ان‏نسرد الايات الواردة في هذا الباب و نفسرها ليطال بنا المقال و ليس لي الان ذلك المجال و فيما ذكرنا كفاية لمن كان له قلب او القي السمع و هو شهيد.

و ان رأيت في ما اورد المفسرون في تلو بعض هذه الايات ذكر ما يدل علي ان نزولها في الائمة: فلاينافي جريها في شيعتهم لان القرآن كان ينزل في مورد خاص ثم يجري في كل من اتصف بتلك الصفة و قد قال ابوجعفر7 لو ان الاية اذا نزلت في قوم ثم مات اولئك القوم ماتت الاية لما بقي من القرآن شي‏ء ولكن القرآن يجري اوله علي اخره مادامت السموات و الارض و لكل قوم اية يتلونها هم منها من خير او شر هـ ، و شيعتهم من شعاعهم خلقوا من فاضل طينتهم و عجنوا بماء ولايتهم و هم اثار ائمتهم و لابد في الاثر ان‏يطابق صفة مؤثره و لابد للشعاع ان‏يوافق منيره اذ الشعاع في مقام لا فرق بينك و بينها الاّ انهم عبادك ذلك و قد استشهدنا في كل مقام بشاهد يدل علي جري الاية في شيعتهم ايضاً، ان افتريته فعلي اجرامي و انا بري‏ء مما تجرمون. قال الصادق7 لابي‏بصير في حديث طويل رواه في العوالم قال يا بامحمد ما من اية تعود الي الجنة و تذكر اهلها بخير الاّ و هي فينا و فيكم و ما من اية تسوق الي النار الاّ و هي في عدونا و من خالفنا واللّه ما علي دين محمد و ملة ابرهيم غيرنا و غيركم و ان ساير الناس منكم براء يا بامحمد هل سررتك قال نعم يابن رسول اللّه صلي اللّه عليك و جعلت فداك الخبر، الم تسمع قوله ان ذكر الخير كنتم اوله و اصله و فرعه فهم اصل كل خير و فرع كل خير فما يفسر القرآن فيهم انما يفسر في مقام الاصلية و الفرعية و ان خفي علي امرء بعد ما بيناه فليسئل اللّه ان‏يصلح وجدانه «و قد ينكر العين ضوء الصبح من رمد» و لولا عدم المجال و خوف طول المقال

 

«* مکارم الابرارعربی جلد 8 صفحه 300 *»

لرأيت ان القرآن لم‏ينزل الاّ في بيان احوال شيعتهم و عدوهم و ما من اية الاّ و من الركن الرابع فيها اصل او فرع و فيما ذكرنا كفاية لمن كان له دراية كيف و اية من الكتاب كافية لاولي الالباب واللّه الموفق للصواب و يأتي ايات كثيرة اخر فيما بعد في الاخبار و الادلة ان‏شاء اللّه فترقب.

فصـــل

و اما الاخبار الواردة في معني الركن الرابع و ولاية الاولياء فمنها ما قد مضي في الفصل السابق في تلو الايات و فيها بنفسها كفاية للمنصف المتدين لانها اخبار شهد بمعناها الكتاب و لنذكر هنا مزيداً علي ما مر ما تتم به الحجة علي النصاب و فيه ابواب:

 

بــاب

ما يدل علي لزوم معرفة الركن الرابع و ولايته و التسليم له الشيخ عبداللّه بن نور اللّه باسناده عن جابر بن يزيد الجعفي في حديث طويل انه قال لعلي بن الحسين7الحمد للّه الذي من علي بمعفرتكم و الهمني فضلكم و وفقني لطاعتكم و موالاة وليكم و معاداة اعدائكم قال صلوات اللّه عليه يا جابر او تدري ما المعرفة المعرفة اثبات التوحيد اولاً ثم معرفة المعاني ثانياً ثم معرفة الابواب ثالثاً ثم معرفة الامام رابعاً ثم معرفة الاركان خامساً ثم معرفة النقباء سادساً ثم معرفة النجباء سابعاً و هو قوله تعالي قل لو كان البحر مداداً لكلمات ربي لنفد البحر قبل ان‏تنفد كلمات ربي و لو جئنا بمثله مدداً و تلا ايضاً و لو ان ما في الارض شجرة اقلام و البحر يمده من بعده سبعة ابحر ما نفدت كلمات اللّه ان اللّه عزيز حكيم الحديث. و النقباء و النجباء هم الشيعة لصراحة الاخبار الاتية في هذا المضمار و هو ايضاً ظاهر من نفس الخبر بلا غبار اذ اثبتها بعد مقام الامام. و ما رواه في الكافي بسنده عن ابن‏اذينة قال حدثنا غير واحد عن احدهما8 انه قال لايكون العبد مؤمناً حتي يعرف اللّه و رسوله و الائمة كلهم و امام زمانه و يرد اليه و يسلم له ثم قال كيف يعرف الاخر و هو

 

«* مکارم الابرارعربی جلد 8 صفحه 301 *»

يجهل الاول و ذكر امام الزمان بعد الائمة المؤكدة بكلهم صريح في انه غيرهم، و ما رواه باسناده عن محمد بن عبدالرحمن بن ابي‏ليلي عن ابيه عن ابي‏عبداللّه7 قال انكم لاتكونون صالحين حتي تعرفوا و لاتعرفون حتي تصدقوا و لاتصدقون حتي تسلموا ابواباً اربعة لايصلح اولها الاّ باخرها ضل اصحاب الثلثة و تاهوا تيهاً بعيداً ان اللّه تبارك و تعالي لايقبل الاّ العمل الصالح و لايتقبل اللّه الاّ بالوفاء بالشروط و العهود و من وفي للّه بشروطه و استكمل ما وصف في عهده نال ما عنده و استكمل وعده الخبر، وهذه الابواب الاربعة هي التوحيد و النبوة و الولاية لائمة الهدي: و الولاية لاولياء اللّه و معاداة اعداء اللّه لانها التي اخذ اللّه العهد عليها يوم الذر الاول و هي الميثاق الذي اخذ علي جميع الامم و الشرط المشترط عليهم و مصداق ذلك ما يأتي في الباب الاتي.

بــاب

اخذ الميثاق بالركن الرابع علي الملئكة و الناس و الحيوان و النبات و كل شي‏ء في عالم الذر، في تفسير البرهان عن الكافي بسنده الي عمر بن اذينة عن ابي‏عبداللّه7في حديث اول وضع الاذان فذكر معراج النبي9 قال فلما عرج الي السماء الاولي قالت الملئكة يا محمد كيف اخوك اذا نزلت فاقرأه السلام قال النبي9 فتعرفونه قالوا كيف لانعرفه و قد اخذ ميثاقك و ميثاقه منا و ميثاق شيعته الي يوم القيمة علينا و انا لنتصفح وجوه شيعته في كل يوم و ليلة خمساً و كذا قالت الملئكة له في السماء الثانية فقالوا كيف لانعرفه و قد اخذ ميثاقه و ميثاقك و ميثاق شيعته الي يوم القيمة علينا و قال ملئكة السماء الثالثة كيف لانعرفه و قد نحج البيت المعمور كل سنة و عليه رف ابيض فيه اسم محمد و علي و الحسن و الحسين و شيعتهم الي يوم القيمة و كذا قال9اتعرفونه يعني علياً7 قالوا نعرفه و شيعته و هم نور حول عرش اللّه و ان

 

«* مکارم الابرارعربی جلد 8 صفحه 302 *»

في البيت المعمور رفاً من نور فيه كتاب من نور فيه اسم محمد و علي و الحسن و الحسين و الائمة و شيعتهم الي يوم القيمة لايزيد فيهم رجل و لاينقص منهم رجل و انه لميثاقنا و انه ليقرؤ علينا كل يوم جمعة هـ ، و لايخفي انه اخذ علي الملئكة ميثاق الشيعة لان الملئكة خدام الشيعة و الشيعة معلموهم دينهم و معرفوهم ربهم و نبيهم و امامهم و قد وردت بذلك اخبار كثيرة رواها في العوالم فمنها ما رواه عن كتاب الال لابن‏خالويه يرفعه الي جابر الانصاري قال سمعت رسول اللّه9 يقول ان اللّه عزوجل خلقني و خلق علياً و فاطمة و الحسن و الحسين من نور واحد فعصر ذلك النور عصرةً فخرج منه شيعتنا فسبحنا فسبحوا و قدسنا فقدسوا و هللنا فهللوا و مجدنا فمجدوا و وحدنا فوحدوا ثم خلق السموات و الارض و خلق الملئكة فمكثت الملئكة مائة عام لاتعرف تسبيحاً و لاتقديساً فسبحنا فسبحت شيعتنا فسبحت الملئكة و هكذا في البواقي فنحن الموحدون حيث لا موحد غيرنا و حقيق علي اللّه عزوجل كما اختصنا و اختص شيعتنا ان‏يزلفنا و شيعتنا في اعلي عليين ان اللّه اصطفانا و اصطفي شيعتنا من قبل ان‏نكون اجساماً فدعانا فاجبناه فغفر لنا و لشيعتنا من قبل ان‏نستغفر اللّه عزوجل و منه ما رواه من مجالس المفيد بسنده عن جيش بن المعتمر عن علي7 في حديث يا جيش من سره ان‏يعلم امحب لنا ام مبغض فليمتحن قلبه فان كان يحب ولياً لنا فليس بمبغض لنا و ان كان يبغض ولياً لنا فليس بمحب لنا ان اللّه سبحانه اخذ الميثاق لمحبينا بمودتنا و كتب في الذكر اسم مبغضنا الخبر، و منها ما قال العسكري7 في تلو قوله تعالي و علم آدم الاسماء كلها اسماء انبياء اللّه و اسماء محمد و علي و فاطمة و الحسن و الحسين و الطيبين من الهما: و اسماء خيار شيعتهم و عتاة اعدائهم و منها ما قال العسكري7 في تلو قوله الذين ينقضون عهد اللّه

 

«* مکارم الابرارعربی جلد 8 صفحه 303 *»

المأخوذ عليهم بالربوبية و لمحمد9 بالنبوة و لعلي7 بالامامة و لشيعتنا بالجنة و الكرامة الخبر، و يدل علي اخذ هذا الميثاق علي الامم السالفة ايضاً ما قاله العسكري7 في تلو قوله و اذ اتينا موسي الكتاب و الفرقان اوحي اللّه بعد ذلك الي موسي7 يا موسي هذا الكتاب قد اقروا به و قد بقي الفرقان فرق ما بين المؤمنين و الكافرين و ما بين المحقين و المبطلين فجدد عليهم العهد به فاني قد اليت علي نفسي قسماً حقاً لااتقبل من احد ايماناً و لا عملاً الاّ مع الايمان به و باخيه علي وصيه قال موسي ما هو يا رب قال اللّه تعالي يا موسي تأخذ علي بني‏اسرائيل ان محمداً خير النبيين و سيد المرسلين و ان اخاه و وصيه علياً خير الوصيين و ان اولياءه الذين يقيمهم سادة الخلق و ان شيعته المنقادين له المسلمين له اوامره و نواهيه و لخلفائه نجوم الفردوس الاعلي و ملوك جنان عدن قال فاخذ عليهم موسي7 ذلك فمنهم من اعتقده حقاً و منهم من اعطاه بلسانه دون قلبه فكان المعتقد منهم حقاً يلوح علي جبينه نور مبين و من اعطاه بلسانه دون قلبه ليس له ذلك النور فذلك الفرقان الذي اعطي اللّه عزوجل موسي و هو فرق ما بين المحقين و المبطلين، و ما قاله7 في تلو قوله و اذا اخذنا ميثاقكم و رفعنا فوقكم الطور قال اميرالمؤمنين7 ان اللّه تعالي ذكر لبني‏اسرائيل في عصر محمد9 احوال ابائهم الذين كانوا في ايام موسي7 كيف اخذ عليهم العهد و الميثاق لمحمد و علي و آلهما الطيبين المنتجبين للخلافة علي الخلايق و لاصحابهما و شيعتهما الي ان قال قال اللّه تعالي للموجودين من بني‏اسرائيل في عصر محمد9علي لسانه قل يا محمد لهؤلاء المكذبين بك بعد سماعهم ما اخذ علي اوائلهم لك و لاخيك علي7 و لالكما و

 

«* مکارم الابرارعربی جلد 8 صفحه 304 *»

لشيعتكما بئس ما يأمركم به ايمانكم ان‏تكفروا بمحمد و تستخفوا بحق علي و آله و شيعته ان كنتم مؤمنين هـ ، و قد شهد بذلك الاشجار حيث استشهدها النبي9، و مما يدل عليه ما قال العسكري7 في حديث حارث بن كلزة الثقفي الطبيب الذي جاء الي النبي9فقال يا محمد جئت لاداويكم من جنوبكم فقد داويت مجانين كثيرة فشفوا علي يدي و ذكر الخبر الي ان دعا النبي9شجرة فاتت قال فنادت اشهد ان لا اله الاّ اللّه ثم شهدت للنبي9 بالرسالة ثم شهدت لعلي7بالوصاية ثم قالت و اشهد ان اوليائك الذين يوالونه و يعادون اعداءه حشو الجنة و ان اعداءك الذين يوالون اعداءك و يعادون اولياءك حشو النار فنظر رسول اللّه9الي الحارث بن كلزة فقال يا حارث او مجنون يعد من هذه اياته فامن حارث و حسن اسلامه الخبر، و شهد بذلك الحيوانات و منه حديث الضب المشهور الذي جاء به الاعرابي يطلب اية و قد القي الضب فمرغ خديه في التراب ثم رفع رأسه و انطقه اللّه فقال اشهد ان لا اله الاّ اللّه وحده لا شريك له و اشهد ان محمداً عبده و رسوله و اشهد ان اخاك هذا علي بن ابي‏طالب علي الوصف الذي وصفته و ان اولياءه في الجنان يكرمون و ان اعداءه في النار يهانون فامن الاعرابي و قال انا اشهد بما شهد هذا الضب و امن اليهود الحاضرون الخبر، و قد كان الائمة:لمن يلقون اليه الشهادة بالاسلام ليسلم يدخلون ذلك فيها و يشهد بذلك ما رواه العسكري7 في حديث الطبيب اليوناني بعد ما قال الطبيب ان كفرت بعد ما رأيت فقد بالغت في الفساد و تناهيت في التعرض للهلاك اشهد انك من خاصة اللّه صادق في جميع اقاويلك عن اللّه

 

«* مکارم الابرارعربی جلد 8 صفحه 305 *»

فأمرني بما تشاء اطعك قال علي7 امرك ان‏تفرد اللّه بالوحدانية و تشهد له بالجود و الحكمة و تنزهه عن العبث و الفساد و عن ظلم الاماء و العباد و تشهد ان محمداً الذي انا وصيه سيد الانام و افضل رتبة اهل دار السلام و تشهد ان علياً الذي اراك ما اراك و اولاك من النعم ما اولاك خير خلق اللّه بعد محمد رسول اللّه و احق خلق اللّه بمقام محمد بعده و بالقيام بشرايعه و احكامه و تشهد ان اولياءه اولياء اللّه و ان اعداءه اعداء اللّه و ان المؤمنين المتشاركين لك فيما كلفتك المساعدين لك علي ما به امرتك خيرة امة محمد9 و صفوة شيعة علي7الخبر، انظر الي صراحته في الابواب الاربعة التي اخذ بها الميثاق علي الملئكة و الامم و ساتيك باخبار واضحة دالة علي ان ليس ولي علي7 كل من يدعي الحب و كل محب.

بــاب

ان الشيعة هم الركن الرابع من الايمان و الاقرار بهم فرض كالاقرار بساير الاركان، في الكافي بسنده عن يعقوب بن جعفر قال كنت عند ابي‏ابرهيم7 و اتاه رجل من اهل نجران اليمن من الرهبان و معه راهبة فاستأذن لهما الفضل بن سوار الي ان قال ثم ان الراهب قال اخبرني عن ثمانية احرف نزلت فتبين في الارض منها اربعة و بقي في الهواء منها اربعة علي من نزلت تلك الاربعة التي في الهواء و من يفسرها قال ذاك قائمنا فينزله اللّه عليه فيفسره و ينزل عليه ما لم‏ينزل علي الصديقين و الرسل و المهتدين ثم قال الراهب فاخبرني عن الاثنين من تلك الاربعة الاحرف التي في الارض ما هي قال اخبرك بالاربعة كلها اما اولهن فلا اله الاّ اللّه وحده لا شريك له باقياً و الثانية محمد رسول اللّه9 مخلصاً و الثالثة نحن اهل البيت و الرابعة شيعتنا منا و نحن من رسول اللّه9 و رسول اللّه من اللّه بسبب فقال الراهب اشهد ان لا اله الاّ

 

«* مکارم الابرارعربی جلد 8 صفحه 306 *»

اللّه و ان محمداً رسول اللّه9 و ان ما جاء به من عند اللّه حق و انكم صفوة اللّه من خلقه و ان شيعتكم المطهرون المستبدلون و لهم عاقبة اللّه و الحمد للّه رب العالمين الخبر، و مثل هذا ما روي ان حروف الاسم الاعظم اربعة الاول لا اله الاّ اللّه و الثاني محمد رسول اللّه و الثالث علي ولي اللّه و الرابع شيعتنا فتبين و ظهر لمن نظر و ابصر ان الابواب الاربعة التي عليها بناء الايمان هذه الاربعة و ضل اصحاب الثلثة و تاهوا تيهاً بعيداً، و منها ما رواه في العوالم من الخصال بسنده الي الفضيل عن ابي‏جعفر7 قال عشر من لقي اللّه عزوجل بهن دخل الجنة شهادة ان لا اله الاّ اللّه و ان محمداً رسول اللّه و الاقرار بما جاء من عند اللّه و اقام الصلوة و ايتاء الزكوة و صوم شهر رمضان و حج البيت و الولاية لاولياء اللّه و البراءة من اعداء اللّه و اجتناب كل مسكر، و منها ما رواه من محاسن البرقي بسنده عن ابي علي الطائي قال قال ابوعبداللّه7 اي عري الايمان اوثق فقال الحضار اللّه و رسوله اعلم ثم عدوا الصلوة و الزكوة و صوم شهر رمضان و الحج و الجهاد في سبيل اللّه فكان يقول في كل واحد ان له فضلاً و ليس به فقالوا اللّه و رسوله اعلم فقال قال رسول اللّه ان اوثق عري الايمان الحب في اللّه و البغض في اللّه و توالي ولي اللّه و تعادي عدو اللّه و منها ما رواه في الخصال عن الاعمش عن الصادق7 قال حب اولياء اللّه واجب و الولاية لهم واجبة و البراءة من اعدائهم واجبة و من الذين ظلموا آل محمد ثم عد اصنافهم الي ان قال و الولاية للمؤمنين الذين لم‏يغيروا و لم‏يبدلوا بعد نبيهم واجبة مثل سلمان الفارسي و ابي‏ذر الغفاري و المقداد بن اسود الكندي و عمار بن ياسر و جابر بن عبداللّه الانصاري و حذيفة بن اليمان و ابي‏الهيثم بن

 

«* مکارم الابرارعربی جلد 8 صفحه 307 *»

التيهان و سهل بن حنيف و ابي‏ايوب الانصاري و عبداللّه بن الصامت و عبادة بن صامت و خزيمة بن ثابت ذي‏الشهادتين و ابوسعيد الخدري و من نحا نحوهم و فعل مثل فعلهم و الولاية لاتباعهم و المقتدين بهم و بهديهم واجبة، و منها ما رواه في العيون فيما كتب الرضا7 الي المأمون من شرايع الاسلام مثله بتغيير ما و منها ما رواه في بلد الامين و المصباح للكفعمي في دعاء التوسل في صفة علي7 من لااثق بالاعمال و ان زكت و لااريها منجية لي و ان صلحت الاّ بولايته و الايتمام به و الاقرار بفضائله و القبول من حملتها و التسليم لرواتها و الي هذا المقام الاشارة في زيارة عاشورا و اسأل اللّه الذي اكرمني بمعرفتكم و معرفة اولياءكم و رزقني البراءة من اعدائكم، فهذه جملة مما يدل علي وجوب معرفتهم و ولايتهم.

بــاب

ان الشيعة في كل عصر موجود به يحفظ اللّه دينه و عباده و بلاده و وجودهم مطلقا، في الكافي بسنده الي ابي‏البختري عن ابي‏عبداللّه7 قال ان العلماء ورثة الانبياء و ذاك ان الانبياء لم‏يورثوا درهماً و لا ديناراً و انما اورثوا احاديث من احاديثهم فمن اخذ بشي‏ء منها فقد اخذ حظاً وافراً فانظروا علمكم هذا عمن تأخذونه فان فينا اهل البيت في كل خلف عدولاً ينفون عنه تحريف الغالين و انتحال المبطلين و تأويل الجاهلين و منها ما روي عن النبي9 يحمل هذا الدين في كل قرن عدول ينفون عنه تأويل المبطلين و تحريف الغالين و انتحال الجاهلين كما ينفي الكير خبث الحديد، و منها ما قال الصادق7 طوبي للذين هم كما قال رسول اللّه9 يحمل هذا العلم من كل

 

«* مکارم الابرارعربی جلد 8 صفحه 308 *»

خلف عدوله ينفون عنه تحريف الغالين و انتحال المبطلين و تأويل الجاهلين و هذا المقام ليس مقام كل من علم العربية و الاصول و الفقه و العلوم الظاهرة فان من لم‏يحط باطراف العلم و لم‏يحز نقطته ليس يقدر علي نفي تحريف كل من غلي في فنون المعارف و الحكم و الفضائل و المقامات فان الجمع المحلي بالالف و اللام يفيد العموم و لا مخصص و انتحال كل مبطل في اي مسئلة و اي علم كان و تأويل كل جاهل مقصر اي شي‏ء اوله من كتاب تكويني او تدويني و سنة تكوينية او تدوينية و انما ذلك حظ الخصيصين الذين عرفوا موصولهم و مفصولهم و عرفوا الكيف و الكم و لاترفع هذه الغوائل بعلم النحو و الصرف و الاصول و الفقه و حكمة اليونان و لو كان ذلك كذلك لكان اعدل العدول محمد بن مالك النحوي و الفخر الرازي و ابوعلي و مميت الدين نعوذ باللّه من عزوب الاحلام و زلة الاقدام الا تري انه وصفهم بالعدل و العدل لايكون الاّ المتوسط في جميع الاخلاق و الصفات و الطبايع فان كل من هو غير متوسط في الدائرة منحرف الي جهة و الا تري انه قال فينا اهل البيت فالعدل من اهل البيت و في اهل البيت كما ان سلمان من اهل البيت فافهم.

و منها حديث كميل المشهور عن علي7 و قال في اخره كذلك يموت العلم بموت حامليه اللّهم بلي لاتخلو الارض من قائم للّه بحجة ظاهر او خاف مغمور لئلا تبطل حجج اللّه و بيناته و كم و اين اولئك الاقلون عدداً الاعظمون خطراً بهم يحفظ اللّه حججه حتي يودعوها نظرائهم و يزرعوها في قلوب اشباههم هجم بهم العلم علي حقايق الامور فباشروا روح اليقين و استلانوا ما استوعره المترفون انسوا بما استوحش منه الجاهلون صحبوا الدنيا بابدان ارواحها معلقة بالمحل الاعلي يا كميل اولئك خلفاء اللّه و الدعاة الي دينه هاي هاي شوقاً الي رؤيتهم و استغفر اللّه لي و لكم، و عنه7 في خطبة له اللّهم و اني لاعلم ان العلم لايأزر كله و لاينقطع مواده و انك لاتخلي ارضك من حجة لك علي

 

«* مکارم الابرارعربی جلد 8 صفحه 309 *»

خلقك ظاهر ليس بالمطاع او خائف مغمور كيلا تبطل حججك و لايضل اوليائك بعد اذ هديتهم بل اين هم و كم اولئك الاقلون عدداً و الاعظمون عند اللّه جل ذكره قدراً المتبعون لقادة الدين الائمة الهادين الذين يتأدبون بادابهم و ينهجون نهجهم فعند ذلك يهجم بهم العلم علي حقيقة الايمان فتستجيب ارواحهم لقادة العلم و يستلينون من حديثهم ما استوعر علي غيرهم و يأنسون بما استوحش منه المكذبون و اباه المسرفون اولئك اتباع العلماء صحبوا اهل الدنيا بطاعة اللّه تعالي و اوليائه و دانوا بالتقية عن دينهم و الخوف من عدوهم فارواحهم معلقة بالمحل الاعلي فعلماءهم و اتباعهم خرس صمت في دولة الباطل ينتظرون لدولة الحق و سيحق اللّه الحق بكلماته و يبطل الباطل هاه هاه طوبي لهم علي صبرهم علي دينهم في حال هدنتهم و يا شوقاه الي رؤيتهم في حال ظهور دولتهم و سيجمعنا اللّه و اياهم في جنات عدن و من صلح من ابائهم و ازواجهم و ذرياتهم.

و منها ما قال العسكري7 رواية عن ابيه7 لولا من يبقي بعد غيبة قائمكم7 من العلماء الداعين اليه و الدالين عليه و الذابين عن دينه بحجج اللّه و المنقذين لضعفاء عباد اللّه من شباك ابليس و مردته و من فخاخ النواصب لما بقي احد الاّ ارتد عن دين اللّه ولكنهم الذين يمسكون ازمة قلوب ضعفاء الشيعة كما يمسك صاحب السفينة سكانها اولئك هم الافضلون عند اللّه انتهي. و لا شك ان بمعرفة مسائل الطهارة و النجاسة و خيار الحيوان و امثاله و ادائها و بيانها لايذب عن دين اللّه و لاينقذ الضعفاء من شباك ابليس و فخاخ النواصب و لايمسك به ازمة القلوب لان الشياطين يدخلون علي ضعفاء الشيعة من ابواب اصول العقائد ليضلونهم و هو الذي به يحصل الارتداد لا فروع المسائل و تارك الفروع مع صحة الاعتقاد فاسق لا مرتد فالعلماء الظاهريون المعروفون ليسوا بالذين يمسكون ازمة القلوب بحيث لولا هم لارتد الناس كلهم و هذا ظاهر

 

«* مکارم الابرارعربی جلد 8 صفحه 310 *»

ان‏شاء اللّه، و منها ما رواه في العوالم من بصاير الدرجات بسنده عن الحسين بن يونس عن ابي‏عبداللّه7 في صفة الامام فاذا كان الامر يصل اليه يعني الي الامام اللاحق اعانه اللّه بثلثمائة و ثلثة عشر ملكاً بعدد اهل بدر و كانوا معه و معهم سبعون رجلاً و اثني‏عشر نقيباً و اما السبعون فيبعثهم الي الافاق يدعون الناس الي ما دعوا اليه اولاً و يجعل اللّه في كل موضع مصباحاً يبصر به اعمالهم انتهي، و هذه السبعون هم العلماء الذين اشار اليهم في الحديث الاول و هم النجباء و النقباء هم النقباء المذكورون فيما مر، و منها ما رواه الكفعمي عن مهج الدعوات في دعاء العهد بعد ما ذكر امنت بك ثم ذكر النبي الي القائم امنت بالسابقين و الصديقين اصحاب اليمين من المؤمنين الذين خلطوا عملاً صالحاً و اخر سيئاً لاتولني غيرهم و لاتفرق بيني و بينهم غداً اذا قدمت الرضا بفضل القضاء امنت بسرهم و علانيتهم و خواتيم اعمالهم الي ان قال رضيت بك رباً و بالاصفياء حججاً و بالمحجوبين انبياء و بالرسل ادلاء و بالمتقين امراء و انا سامعاً لك مطيعاً يا ارحم الراحمين، و منها ما روي في الدعاء المروي عن الصادق7 في الصلوة علي النبي9 علي ما رواه في بلد الامين فيقول بعد الصلوة عليه و آله اللّهم صل علي محمد و آل محمد و علي ائمة المسلمين الاولين منهم و الاخرين اللّهم صل علي محمد و آل محمد و علي امام المسلمين و احفظه من بين يديه و من خلفه و عن يمينه و عن شماله و من فوقه و من تحته و افتح له فتحاً يسيراً و انصره نصراً عزيزاً و اجعل له من لدنك سلطاناً نصيراً، و لا شك ان ائمة المسلمين هنا غير الال و يشهد به سوق الكلام يعرفه من له ادني انس بالعربية، و منها ما رواه ايضاً الكفعمي عن صاحب الزمان في الصلوة علي النبي و

 

«* مکارم الابرارعربی جلد 8 صفحه 311 *»

الائمة: يقول في الصلوة علي صاحب الزمان7و صل علي وليك و ولاة عهده و الائمة من ولده و مد في اعمارهم و زد في اجالهم و بلغهم اقصي امالهم ديناً و دنيا و آخرة انك علي كل شي‏ء قدير و لا شك ان زمان الغيبة عهده و في زمان الغيبة ايضاً ولاة و هم النقباء و يحتمل ان‏يكون المراد بالائمة من ولده ساير الشيعة فانهم ولده حقيقةً و يحتمل النسل الظاهر و انه يلد له اولاد يكونون ائمة للخلق غير الاثني‏عشر و هم ايضاً من سنخ الشيعة، و منها في ادعية ايام شهر رمضان بعد ان صلي علي محمد و اهل بيته و الانبياء و المرسلين يقول و علي عبادك الصالحين الذين ادخلتهم في رحمتك الائمة المهتدين الراشدين و اوليائك المطهرين و علي جبرئيل و ميكائيل و اسرافيل الدعاء، و في الخصال عن خالد بن نجيح عن احدهما8 قال ليس تخلو الارض من اربعة من المؤمنين و قد يكونون اكثر و لايكونون اقل من اربعة و ذلك ان الفسطاط لايقوم الاّ باربعة اطناب و العمود في وسطه انتهي، و العمود هو القطب و الغوث الاعظم اي الحجة في كل عصر و المؤمنون شيعتهم الخلصون.

و منها ما قال العسكري7 رواية عن جده الصادق7 في قوله تعالي و اتقوا يوماً لاتجزي نفس عن نفس شيئاً هذا يوم الموت فان الشفاعة و الفداء لايغني عنه و اما في القيمة فانا و اهلنا نجزي عن شيعتنا كل جزاء لنكونن علي الاعراف بين الجنة و النار محمد و علي و فاطمة و الحسن و الحسين و الطيبون من آلهم: فنري بعض شيعتنا في تلك العرصات ممن كان منهم مقصراً في بعض شدايدها فنبعث عليهم خيار شيعتنا كسلمان و المقداد و ابي‏ذر و عمار و نظرائهم في العصر الذي يليهم ثم في كل عصر الي يوم القيمة فينقضون عليهم كالبزاة و الصقور و يتناولونهم كما يتناول البزاة و الصقورة صيدها فيزفونهم الي

 

«* مکارم الابرارعربی جلد 8 صفحه 312 *»

الجنة زفافاً و انا لنبعث علي اخرين من محبينا خيار شيعتنا كالحمام فيلتقطونهم من العرصات كما ملتقط الطير الحب و ينقلونهم الي الجنان بحضرتنا و سيؤتي بالواحد من مصري شيعتنا في اعماله بعد ان حاز الولاية و التقية و حقوق اخوانه و يوقف بازائه مائتين و مائة و اكثر من ذلك الي مائة الف من النصاب فيقال له هؤلاء فداؤك من النار فيدخل هؤلاء المؤمنون الجنة و اولئك النصاب النار و ذلك ما قال اللّه عزوجل ربما يود الذين كفروا يعني بالولاية لو كانوا مسلمين في الدنيا منقادين للامامة ليجعل مخالفيهم من النار فداؤهم الخبر، الخيار الاول النقباء لان الجماعة المسمين باعيانهم هم النقباء كما مر في الفصل السابق في تفسير اية المهاجرين و الانصار و الخيار الثاني النجباء و لذلك وصف الاولين انهم كالبزاة و الصقورة و وصف الاخرين انهم كالحمام و الذين ينقذونهم و يتناولونهم و يلتقطونهم هم ضعفاء الشيعة ولكن بعد ما حازوا الولاية و التقية و حقوق اخوانهم و حقوق الاخوان هي معرفة النقباء و النجباء و ساير الاخوان لان الكل اخوة لاب و ام ابوهم محمد و امهم علي8 الا ان النقباء و النجباء هم الاخوة الاكبرون و السايرين مساوون او اصغرون.

و منها ما في دعاء ام داود الذي املاه الصادق7 عليها يقول بعد الصلوة علي الملئكة و الانبياء و علي محمد و الاوصياء و السعداء و الشهداء و ائمة الهدي اللّهم صل علي الابدال و الاوتاد و السياح و العباد و المخلصين و الزهاد و اهل الجهد و الاجتهاد فالابدال هم النجباء الذين يصيرون بدل النقباء اذا مات احد منهم او هم النقباء الذين هم بدل ائمتهم: في كل عصر و قرن حيث لاتنالهم الايدي و الابصار و الاوتاد هم الاركان و السياح هم النجباء السبعون الذين يبعثهم الامام في كل عصر الي الاقطار كما مر و الباقون هم اتباعهم المسلمون لامرهم، و منها ما قال العسكري في المحتضر في كلام و وجد عند رأسه محمداً

 

«* مکارم الابرارعربی جلد 8 صفحه 313 *»

رسول اللّه9 من جانب و من جانب اخر علياً7 سيد الوصيين و عند رجليه من جانب الحسن سبط سيد النبيين و من الجانب الاخر الحسين7 سيدالشهداء اجمعين و حواليه خيار خواصهم و محبيهم الذين هم سادات هذه الامة بعد ساداتهم من آل محمد الخبر، و اخرجت هذا الخبر ليعلم انهم سادات الدنيا احياءً و امواتاً و كذا امثالهم و اشباههم في كل قرن لما ظهر من لزوم وجودهم، و في دعاء كنز العرش المروي في بلد الامين و اسألك بحق الاسم الذي دعاك به الانبياء و الاولياء و الاصفياء و الزهاد و العباد و الابدال عليك يا رب، و في ما رواه يونس بن عبدالرحمن عن الرضا7 و هو مذكور في بلد الامين بعد الدعاء للقائم7 اللّهم صل علي ولاة عهده و الائمة من بعده و بلغهم امالهم و زد في اجالهم و اعز نصرهم و تمم لهم ما اسندت اليهم من امرك لهم و ثبت دعائمهم و اجعلنا لهم اعواناً و علي دينك انصاراً فانهم معادن كلماتك و خزان علمك و اركان توحيدك و دعائم دينك و ولاة امرك و خالصتك من عبادك و صفوتك من خلقك و اولياؤك و سلائل اوليائك و صفوة اولاد نبيك و السلام عليهم و رحمة اللّه و بركاته، اقول اما ولاة عهده فهم الشيعة و من يوم تخلف من ابيه عهده الي ان‏يقتل فزمان الغيبة عهده و هو امام هذا العهد بلا شك و اما الائمة من بعده فسوق الدعاء و المقام يشهد ان المراد ايضاً الشيعة لانه يبعد ان‏يقرن الامام و الشيعة في صلوة واحدة ثم يوصفهما جميعاً بوصف واحد و متي قرن الشيعة بالدعاء للامام و وصفه فلما كان لايمكن ان‏يكون ولاة العهد الائمة المعصومين فالمراد بالائمة بعده ايضاً الشيعة و المراد بقوله بعده اي بعد رتبة العصمة فهم ايضاً في كل عصر و يشهد به دعاؤه و اجعلنا لهم اعواناً و ذلك ظاهر لمن كان له عينان، و في دعاء ثالث شعبان في صفة الحسين7 الممدود بالنصرة يوم الكرة المعوض من قتله

 

«* مکارم الابرارعربی جلد 8 صفحه 314 *»

ان الائمة من نسله و الشفاء في تربته و الفوز معه في اوبته و الاوصياء من عترته بعد قائمهم و غيبته حتي يدركوا الاوتار و يثأروا الثار و يرضوا الجبار و يكونوا خير انصار صلي اللّه عليهم مع اختلاف الليل و النهار اللّهم فبحقهم اليك اتوسل و اسئل الدعاء، و هذا الدعاء ايضاً صريح في ان بعد القائم و غيبته جماعة هم اوصياء آل محمد: و هم من عترة الحسين: لانهم من آل محمد: كما ورد في اخبار عديدة كما قال ابوعبداللّه7 لعمر بن يزيد بياع السابري انت واللّه منا اهل البيت قال جعلت فداك من آل محمد قال اي واللّه من انفسهم قال من انفسهم قال واللّه يا عمر اما تقرأ كتاب اللّه عزوجل ان اولي الناس بابرهيم الاية فالاوصياء من عترته لما ورد انا و علي ابوا هذه الامة و الدليل علي ان هذه الاوصياء من الشيعة قوله بعد قائمهم و غيبته لايقال ان الائمة يرجعون بعد القائم و هم الاوصياء فانهم الاوصياء بعد الظهور لا بعد الغيبة و ان قيل انهم ايضاً بعد الغيبة قلنا ليس ذلك من لحن العرب فانه اذا قيل اقرأ هذا الدعاء بعد طلوع الفجر ليس لاحد ان‏يقرأه بعد الظهر علي انه ايضاً بعد طلوع الفجر و كذلك اذا قيل بعد الغيبة لايفهم منه بعد الظهور ابداً فهم الاوصياء الذين في زمان الغيبة بعد ان غاب صاحبهم و هم الذين يدركون الاوتار و يثأرون الثار باطناً في زمان الغيبة فان اعظم الاوتار ما يصيب الائمة في دينهم من النواصب المريدين لاطفاء نورهم فهم يدركون تلك الاوتار بعلومهم و ظاهراً مع امامهم حين يرجعون الي الدنيا الي غير ذلك من الاخبار و الاثار الدالة علي وجودهم في كل عصر.

بــاب

وجوب تولاهم و القبول منهم و التسليم لهم و الرجوع اليهم و عدم جواز الرد عليهم، قال ابوعبداللّه7 في حديث ينظر ان من كان منكم ممن قد روي حديثنا و نظر في حلالنا و حرامنا و عرف احكامنا فليرضوا به حكماً فانه قد جعلته

 

«* مکارم الابرارعربی جلد 8 صفحه 315 *»

عليكم حاكماً فاذا حكم بحكمنا فلم‏يقبله منه فانما استخف بحكم اللّه و علينا رد و الراد علينا الراد علي اللّه و هو علي حد الشرك باللّه الخبر، و لا شك ان حقيقة ذلك و حقه عند النقباء و النجباء العدول الذين امرنا باخذ العلم عنهم كما مر، و منها ما رواه في الوسائل عن الصادق7 من دان اللّه بغير سماع من صادق الزمه اللّه التيه الي الفناء و من ادعي سماعاً من غير الباب الذي فتحه اللّه لخلقه فهو مشرك و ذلك الباب المأمون علي وحي اللّه، و ما رواه عن اسحق بن يعقوب الي المهدي7يسأله عن الحوادث الواقعة في زمن الغيبة فكتب الحجة7 و اما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها الي رواة حديثنا فانهم حجتي عليكم و انا حجة اللّه انتهي، و قد مر انه قال الامام7 انظروا الي علمكم هذا عمن تأخذونه الخبر، و قد مر في عدة روايات.

و منها ما قال الحسن بن علي العسكري7 ان من جحد ولاية علي لايري الجنة بعينه ابداً الاّ ما يراه مما يعرف به انه لو كان يواليه لكان ذلك محله و مأواه فيزداد حسرات و ندامات و ان من توالي علياً و بري‏ء من اعدائه و سلم لاوليائه لايري النار بعينه ابداً الاّ ما يراه فيقال له لو كنت علي غير هذا لكان ذلك مأواك الخبر، و التسليم لاوليائه هو القبول منهم و الرد اليهم و امتثال اوامرهم و اجتناب نواهيهم، و منها ما رواه العسكري7 في تفسيره ان رسول اللّه9 فسر همزات الشيطان قال اما همزاته فما يلقيه في قلوبكم من بغضنا اهل البيت قالوا يا رسول اللّه و كيف نبغضكم بعد ما عرفنا محلكم من اللّه و منزلتكم قال9 بان‏تبغضوا اولياءنا و تحبوا اعداءنا فاستعيذوا باللّه من محبة اعدائنا و عداوة اوليائنا فتعاذوا من بغضنا فان من احب اعدائنا فقد عادانا و نحن منه براء واللّه عزوجل منه بري‏ء هـ ، و منها ما رواه في العوالم من فقه الرضا روي ان اللّه اوحي الي بعض عباد

 

«* مکارم الابرارعربی جلد 8 صفحه 316 *»

بني‏اسرائيل و قد دخل قلبه شي‏ء اما عبادتك لي فقد تعززت بي و اما زهدك في الدنيا فقد تعجلت الراحة فهل واليت لي ولياً او عاديت لي عدواً ثم امر به الي النار نعوذ باللّه و ما رواه عن علي7انه قال رسول اللّه9 ذات يوم احب في اللّه و ابغض في اللّه و وال في اللّه و عاد في اللّه فانه لاتنال ولاية اللّه الاّ بذلك الي ان قال قال له رجل من ولي اللّه حتي اواليه و من عدوه حتي اعاديه فاشار الي علي7 فقال اتري هذا فقال بلي فقال ولي هذا ولي اللّه فواله و عدو هذا عدو اللّه فعاده وال ولي هذا و لو انه قاتل ابيك و ولدك و عاد عدو هذا و لو انه ابوك و ولدك، و منها ما قال العسكري7 في قوله تعالي و اذا لقوا الذين امنوا قالوا امنا يعني كايمانكم بمحمد9 مقروناً بالايمان بامامة اخيه علي بن ابي‏طالب و ان خلفاءه من بعده النجوم الزاهرة و الاقمار المنيرة و الشموس المضيئة الباهرة و ان اولياءهم اولياء اللّه و اعدائهم اعداء اللّه الخبر، انظر كيف عد الشهادة بالركن الرابع من ايمان المؤمنين، و منها ما ذكر في تلو قوله اتخذتم عند اللّه عهداً ان عذابكم علي كفركم بمحمد و دفعكم الامامة في نفسه في علي7 و ساير خلفائه و اوليائه منقطع غير دائم بل ما هو الاّ عذاب دائم لا نفاد له فلاتجترئوا علي الاثام و القبايح من الكفر، و منها ما رواه عن الصادق7 في تلو قوله و لما جاءهم رسول من عند اللّه مصدق لما معهم نبذ فريق من الذين اوتوا الكتاب كتاب اللّه وراء ظهورهم كأنهم لايعلمون قال لما جاءهم جاء اليهود و من يليهم من النواصب كتاب من عند اللّه القرآن مشتملاً علي وصف فضل محمد و علي8 و ايجاب ولايتهما

 

«* مکارم الابرارعربی جلد 8 صفحه 317 *»

و ولاية اوليائهما و عداوة اعدائهما نبذ فريق من الذين اوتوا الكتاب الخبر، و قد مر في دعاء التوسل ان القبول من حملة فضائلهم و التسليم لرواتها من شرط قبول الاعمال و الاّ فلاتقبل.

و منها ما رواه العسكري عن النبي9 معاشر الناس احبوا موالينا مع حبكم لآلنا هذا زيد بن حارثة و ابنه اسامة من خواص موالينا فاحبوهما فو الذي بعث محمداً بالحق نبياً لينفعكم حبهما قالوا و كيف ينفعنا حبهما قال انهما يأتيان يوم القيمة علياً7بخلق عظيم من محبيهم اكثر من ربيعة و مضر بعدد كل واحد فيقولان يا اخا رسول اللّه هؤلاء احبونا بحب محمد رسول اللّه و بحبك فيكتب لهم علي جوازاً علي الصراط فيعبرون عليه الي ان قال فاذا اردتم الجواز علي الصراط سالمين دخول الجنان غانمين فاحبوا بعد حب محمد و آله مواليه الي ان قال فانه تعالي اذا ادخلكم الجنة معاشر شيعتنا و محبينا نادي مناديه في تلك الجنان قد دخلتم يا عبادي الجنة برحمتي فتقاسموها علي قدر حبكم لشيعة محمد و علي و قضائكم حقوق اخوانكم المؤمنين فايهم كان للشيعة اشد حباً و لحقوق الاخوان المؤمنين احسن قضاء كانت درجاته في الجنان في اعلي جنتي الخبر، و منها ما قال رسول اللّه9لسلمان يا سلمان ان جبرئيل عن اللّه تعالي يقول يا محمد سلمان و المقداد اخوان متصافيان في ودادك و وداد علي اخيك و وصيك و صفيك و هما في اصحابك كجبرئيل و ميكائيل في الملئكة عدوان لمن ابغض احدهما و وليان لمن والاهما و والي محمداً و علياً عدوان لمن عادي محمداً و علياً و اولياءهما و لو احب اهل الارض سلمان و المقداد كما يحبهما ملئكة السماوات و الحجب و الكرسي و العرش لمحض ودادهما لمحمد

 

«* مکارم الابرارعربی جلد 8 صفحه 318 *»

و علي و موالاتهما لاولياء اللّه و معاداتهما لاعداء اللّه لما عذب اللّه احداً منهم بعذاب البتة قال الحسن بن علي8فلما قال ذلك رسول اللّه9 في سلمان و المقداد سر به المؤمنون و انقادوا و ساء ذلك المنافقون فعاندوا و عابوا الخبر، و منها ما رواه العسكري7 في حديث طويل قال اللّه لادم تسبحني بما انا اهله و تعترف بخطيئتك كما انت اهله و تتوسل الي بالفاضلين الذين علمتك اسماءهم و فضلتك بهم علي ملئكتي و هم محمد و آله الطيبون و اصحابه الخيرون فوفقه اللّه تعالي فقال يا رب لا اله الاّ انت سبحانك و بحمدك عملت سوء و ظلمت نفسي فتب علي انك انت التواب الرحيم بحق محمد و آله الطيبين و خيار اصحابه المنتجبين الي ان قال قال ادم يا رب ما اعظم شأن محمد و آله و خيار اصحابه فاوحي اللّه اليه يا ادم انك لو عرفت كنه جلال محمد عندي و خيار اصحابه و آله لاحببته حباً يكون افضل اعمالك قال آدم يا رب عرفني قال اللّه يا آدم ان محمداً لو وزن به جميع الخلق من النبيين و المرسلين و الملئكة المقربين و ساير عباد اللّه الصالحين من اول الدهر الي اخره من الثري الي العرش لرجح بهم و ان رجلاً من خيار آل محمد لو وزن به جميع آل النبيين لرجح بهم و ان رجلاً من خيار صحابة محمد لو وزن به جميع اصحاب المرسلين لرجح بهم يا آدم لو احب رجل من الكفار او جميعهم رجلاً من آل محمد و اصحابه الخيرين لكفاه اللّه عن ذلك بان‏يختم له بالتوبة و الايمان ثم يدخله الجنة ان اللّه ليفيض علي كل احد من محبي محمد و آل محمد و اصحابه من الرحمة ما لو قسمت علي عدد كعدد كل ما خلق اللّه من اول الدهر الي اخره و كانوا كفاراً لكفاهم و لاداهم الي عاقبة محمودة الايمان باللّه حتي يستحقوا به الجنة و ان رجلاً ممن يبغض آل محمد و اصحابه الخيرين او

 

«* مکارم الابرارعربی جلد 8 صفحه 319 *»

واحداً منهم لعذبه اللّه عذاباً ما لو قسم علي مثل عدد خلق اللّه لاهلكهم اجمعين الخبر، نعوذ باللّه من همزات الشيطان و نعوذ باللّه ان‏يحضرنا انه هو السميع العليم و قد مر ان مثل سلمان و ابي‏ذر و ا لمقداد و عمار الذين هم من خيار الصحابة الفاضلين يكون في كل عصر و زمان فوجب تولاهم و البراءة من اعدائهم و التمسك باذيالهم و ما لم‏نذكر من الاخبار اكثر و اوفر مما ذكرنا الاّ انا كنا في بعض القري و لم‏يحضرنا كتب الاخبار فاقتصرنا ببعض ما حضرنا خوفاً من الاطالة هذا مع ان الموالي يكفيه واحد من هذه الايات و الاخبار الواضحة المنار و المعاند لايكتفي بالف،

علي نحت القوافي من مواقعها   و ما علي اذا لم‏يفهم البقر

و لما كان في هذه الاخبار كثيراً ذكر الشيعة و الولي فخشينا ان‏يفهم بعض من لم‏يأنس بالاخبار ان الشيعة و الولي كل من احب آل محمد: فالتزمنا ان‏نذكر هنا بعض الاخبار المفسرة لمعني الشيعة المبينة لنوعهم لئلا يدعي هذا المقام كل احد و لايظن بكل احد و نسأل اللّه ان‏يجعلنا من محبيهم و معادي عدوهم.

بــاب

معني الشيعة و الفرق بينهم و بين ساير الموالين و انهم اناس مخصوصون، روي العسكري7 في تفسيره عن النبي9 قال قال رسول اللّه9 اتقوا اللّه معاشر الشيعة فان الجنة لن‏تفوتكم و ان ابطأت بكم عنها قبايح اعمالكم فتنافسوا في درجاتها قيل فهل يدخل جهنم احد من محبيك و محبي علي7 قال من قذر نفسه بمخالفة محمد و علي7 و واقع المحرمات و ظلم المؤمنين و المؤمنات و خالف ما رسم به من الشرايع جاء يوم القيمة قذراً طفساً يقول له محمد و علي8 يا فلان انت قذر طفس لاتصلح بمرافقة مواليك الاخيار و لمعانقة الحور

 

«* مکارم الابرارعربی جلد 8 صفحه 320 *»

الحسان و لا ملائكة اللّه المقربين لاتصل الي ما هناك الاّ بان‏تطهر عنك ما هيهنا يعني ما عليك من الذنوب فيدخل الي الطبق الاعلي من جهنم فيعذب ببعض ذنوبه و منهم من يصيبه الشدائد في المحشر ببعض ذنوبه ثم يلتقطه من هنا و من هنا من يبعثهم اليه مواليهم من خيار شيعتهم كما يلتقط الطير الحب و منهم من يكون ذنوبه اقل و اخف فيطهر منها بالشدايد و النوائب من السلاطين و غيرهم و من الافات في الابدان في الدنيا ليدلي في قبره و هو طاهر و منهم من يقرب موته و قد بقي عليه فيشدد نزعه و يكفر عنه فان بقي شي‏ء و قوي عليه و يكون له بطن و اضطراب في يوم موته فيقل من يحضره و يلحقه به الذل فيكفر عنه و ان بقي شي‏ء اتي به و لما يلحد فيرجع فيتفرقون عنه فيطهر فان كانت ذنوبه اكثر و اعظم طهر منها بشدايد عرصات القيامة فان كانت اكثر و اعظم منها في الطبق الاعلي من جهنم و هو اشد محبينا عذاباً و اعظمهم ذنوباً ليس هؤلاء يسمون بشيعتنا ولكنهم يسمون بمحبينا و موالين لاوليائنا و المعادين لاعدائنا ان شيعتنا من شيعنا و اتبع اثارنا و اقتدي باعمالنا، و قال الامام7 قال رجل لرسول اللّه9 يا رسول اللّه فلان ينظر الي حرم جاره فان امكنه مواقعة حرام لم‏يرع عنه فغضب رسول اللّه9 و قال ايتوني به فقال رجل اخر يا رسول اللّه انه من شيعتكم يعتقد موالاتك و موالاة علي7 و يتبرء من اعدائكما قال رسول اللّه9 لاتقل انه من شيعتنا فانه كذب فان شيعتنا من شيعنا و اتبعنا في اعمالنا و ليس هذا الذي ذكرته في هذا الرجل من اعمالنا، و قيل لاميرالمؤمنين7فلان مسرف علي نفسه بالذنوب الموبقات و هو مع ذلك من شيعتكم فقال اميرالمؤمنين7 قد كتب عليك كذبة او كذبتان ان كان مسرفاً بالذنوب علي نفسه يحبنا و يبغض اعداءنا فهو

 

«* مکارم الابرارعربی جلد 8 صفحه 321 *»

كذبة واحدة هو من محبينا لا من شيعتنا و ان كان يوالي اولياءنا و يعادي اعداءنا و ليس بمسرف علي نفسه كما ذكرت فهو منك كذبة لانه لايسرف في الذنوب و ان كان يسرف في الذنوب و لايوالينا و لايعادي اعداءنا فهو منك كذبتان، قال رجل لامرأته اذهبي الي فاطمة بنت رسول اللّه9 فاسأليها عني انا من شيعتكم ام لست من شيعتكم فسألتها فقالت قولي له ان كنت تعمل بما امرناك و تنهي عما زجرناك عنه فانت من شيعتنا و الاّ فلا فرجعت فاخبرته فقال يا ويلي و من لم‏ينفك من الذنوب و الخطايا فانا اذا خالد في النار فان من ليس من شيعتهم فهو خالد في النار فرجعت امرأته فقالت لفاطمة ما قال لها زوجها فقالت فاطمة3 قولي له ليس هكذا فان شيعتنا من خيار اهل الجنة و كل محبينا و موالي اوليائنا و معادي اعدائنا و المسلم بقلبه و لسانه لنا ليسوا من شيعتنا اذا خالفوا اوامرنا و نواهينا في سائر الموبقات و هم مع ذلك في الجنة ولكن بعد ما يطهرون من ذنوبهم بالبلايا و الرزايا و في عرصات القيامة بانواع شدايدها او في الطبق الاعلي من جهنم بعذابها الي ان‏نستنقذهم بحبنا عنها و ننقلهم الي حضرتنا.

قال رجل لحسن بن علي8 اني من شيعتكم فقال الحسن بن علي8 يا عبداللّه ان كنت لنا في اوامرنا و زواجرنا مطيعاً فقد صدقت و ان كنت بخلاف ذلك فلاتزد في ذنوبك بدعواك مرتبة شريفة لست من اهلها لاتقل انا من شيعتكم ولكن قل انا من مواليكم و محبيكم و معادي اعدائكم و انت في خير الي خير، و قال رجل للحسين7 يابن رسول اللّه انا من شيعتكم قال اتق اللّه و لاتدعين شيئاً يقول اللّه كذبت و فجرت في دعواك ان شيعتنا من سهلت قلوبهم من كل غش و غل و دخل ولكن قل انا من مواليكم و محبيكم، و قال رجل لعلي بن الحسين7 يابن رسول الله انا من شيعتكم الخلص فقال7 له يا عبداللّه فاذا انت كابرهيم الخليل الذي قال اللّه و ان من شيعته

 

«* مکارم الابرارعربی جلد 8 صفحه 322 *»

لابرهيم اذ جاء ربه بقلب سليم فان كان قلبك كقلبه فانت من شيعتنا و ان لم‏يكن قلبك كقلبه و هو طاهر من الغش و الغل و الاّ فانك ان عرفت انك بقولك كاذب فيه انك لمبتلي بفالج لايفارقك الي الموت او جذام ليكون كفارة لكذبك هذا، قال الباقر7 لرجل فخر علي آخر اتفاخرني و انا من شيعة آل محمد الطيبين فقال له الباقر7 علي ما فخرت عليه و رب الكعبة و غبن([3]) منك علي الكذب يا عبداللّه امالك معك تنفقه علي نفسك احب اليك ام تنفقه علي اخوانك المؤمنين قال بل انفقه علي نفسي قال فلست من شيعتنا فانا نحن ما ننفق علي المنتحلين من اخواننا احب الينا من ان‏ننفق علي انفسنا ولكن قل انا من محبيكم و من الراجين النجاة بمحبتكم، و قيل للصادق7 ان عمار الدهني شهد اليوم عند ابن ابي ليلي قاضي الكوفة فقال له القاضي قم يا عمار فقد عرفناك لاتقبل شهادتك لانك رافضي فقام عمار و قد ارتعدت فرائصه فاستفزعه البكاء فقال له ابن ابي ليلي انت رجل من اهل العلم و الحديث ان كان يسوءك ان‏يقال لك رافضي فتبرء من الرفض فانت من اخواننا فقال له عمار يا هذا ما ذهبت واللّه حيث ذهبت ولكني بكيت عليك و علي اما بكائي علي نفسي فانك نسبتني الي رتبة شريفة لست من اهلها و زعمت اني رافضي ويحك لقد حدثني الصادق7 ان اول من سمي الرافضة السحرة الذين لما شاهدوا اية موسي في عصاه امنوا به و اتبعوه و رفضوا امر فرعون و استسلموا لكل ما انزل بهم فسماهم فرعون الرافضة لما رفضوا دينه فالرافضي من رفض كل ما كرهه اللّه و فعل كل ما امره اللّه فاين في هذا الزمان مثل هذا فانما بكيت علي نفسي خشية ان‏يطلع اللّه علي قلبي و قدتلقبت هذا الاسم الشريف فيعاتبني ربي عزوجل و يقول عمار اكنت رافضاً للاباطيل عاملاً بالطاعات كما قال لك فيكون ذلك مقصراً بي في الدرجات ان سامحني و موجباً لشديد العقاب علي ان ناقشني الاّ ان‏يتداركني موالي بشفاعتهم و اما بكائي عليك

 

«* مکارم الابرارعربی جلد 8 صفحه 323 *»

فلعظم كذبك في تسميتي بغير اسمي و شفقتي الشديدة عليك من عذاب اللّه ان صرفت اشرف الاسماء الي ان جعلته من ارذلها كيف يصبر بدنك علي عذاب كلمتك هذه فقال الصادق7 لو ان علي عمار من الذنوب ما هو اعظم من السموات و الارضين لمحيت عنه بهذه الكلمات و انها لتزيد في حسناته عند ربه عزوجل حتي يجعل كل خردلة منها اعظم من الدنيا الف مرة، قال رجل لموسي بن جعفر8 مررنا برجل في سوق و هو ينادي انا من شيعة محمد و آل محمد الخلص و هو ينادي علي ثياب يبيعها علي من يزيد فقال موسي7 ما جهل و لااضاع امرء عرف قدر نفسه اتدرون ما مثل هذا هذا كمن قال انا مثل سلمان و ابي‏ذر و المقداد و عمار و هو مع ذلك يناجش في بيعه و يدلس عيوب المبيع علي مشتريه و يشتري الشي‏ء بثمن فيزايد الغريب بطلبه فيوجب له ثم اذا غاب المشتري قال لاازيده الاّ بكذا بدون ما كان طلبه منه ايكون هذا كسلمان و ابي‏ذر و المقداد و عمار حاش للّه ان‏يكون هذا كهم ولكن لانمنعه ان‏يقول انا من محبي محمد و آل محمد و من موالي اوليائهم و معادي اعدائهم.

قال و لما جعل الي علي بن موسي8 ولاية العهد دخل اليه آذنه فقال ان قوماً بالباب يستأذنون عليك يقولون نحن شيعة علي فقال انا مشغول فاصرفهم فصرفهم فلما كان من اليوم الثاني جاؤا و قالوا كذلك فقال مثلها فصرفهم الي ان جاؤا هكذا يقولون و يصرفهم شهرين ثم ايسوا من الرسول و قالوا للحاجب قل لمولانا انا شيعة ابيك علي بن ابي‏طالب7 و قد شمتت بنا اعداؤنا في حجابك لنا و نحن ننصرف هذه الكرة و نهرب من بلدنا خجلاً و انفةً مما لحقنا و عجزاً عن احتمال مضض ما يلحقنا بشماتة اعدائنا فقال علي بن موسي7 ائذن لهم ليدخلوا فدخلوا عليه فسلموا عليه فلم يرد عليهم و لم‏يأذن لهم بالجلوس

 

«* مکارم الابرارعربی جلد 8 صفحه 324 *»

فبقوا قياماً و قالوا يابن رسول اللّه ما هذا الجفاء العظيم و الاستخفاف بعد هذا الحجاب الصعب اي باقية تبقي منا قال الرضا7 اقرأوا و ما اصابكم من مصيبة فبما كسبت ايديكم و يعفو عن كثير فما اقتديت الاّ بربي عزوجل فيكم و برسول اللّه و باميرالمؤمنين و من بعده من ابائي الطاهرين عتبوا عليكم فاقتديت بهم قالوا لما ذا يابن رسول اللّه قال لدعواكم انكم شيعة اميرالمؤمنين علي بن ابي‏طالب7 ويحكم انما شيعته الحسن و الحسين و سلمان و ابوذر و المقداد و عمار و محمد بن ابي‏بكر الذين لم‏يخالفوا شيئاً من اوامره و لم‏يرتكبوا شيئاً من فنون زواجره فاما انتم فاذا قلتم انكم شيعته و انتم في اكثر اعمالكم له مخالفون مقصرون في كثير من الفرايض و تتهاونون بعظيم حقوق اخوانكم في اللّه و تتقون حيث لايجب التقية و تتركون التقية حيث لابد من التقية لو قلتم انكم مواليه و محبوه و الموالون لاوليائه و المعادون لاعدائه لم‏انكره من قولكم ولكن هذه مرتبة شريفة ادعيتموها ان لم‏تصدقوا قولكم بفعلكم هلكتم ان لم‏يتدارككم رحمة ربكم قالوا يابن رسول اللّه انا نستغفر اللّه و نتوب اليه من قولنا بل نقول كما علمنا مولانا نحن محبوكم و محبوا اوليائكم و معادوا اعدائكم قال الرضا7 فمرحباً بكم يا اخواني و اهل ودي ارتفعوا ارتفعوا فما زال يرفعهم حتي لصقهم بنفسه ثم قال لحاجبه كم مرة حجبتهم قال ستين مرة فقال لحاجبه فاختلف اليهم ستين مرة متوالية فسلم عليهم و اقرأهم سلامي فقد محوا ما كان من ذنوبهم باستغفارهم و توبتهم و استحقوا الكرامة لمحبتهم لنا و موالاتهم و تفقد امورهم و امور عيالاتهم فاوسعهم نفقات و مبرات و صلات و دفع معرات.

قال دخل رجل علي محمد بن علي بن موسي الرضا: و هو مسرور فقال ما لي اراك مسروراً قال يابن رسول اللّه سمعت اباك يقول احق يوم بان‏يسر العبد فيه يوم يرزقه اللّه صدقات و مبرات و سد خلات من اخوان له مؤمنين

 

«* مکارم الابرارعربی جلد 8 صفحه 325 *»

و انه قصدني اليوم عشرة من اخواني الفقراء لهم عيالات قصدوني من بلد كذا و كذا فاعطيت كل واحد منهم فلهذا سروري فقال محمد بن علي8 لعمري انك حقيق بان‏تسر ان لم‏تكن احبطته او لاتحبطه فيما بعد فقال الرجل كيف احبطته و انا من شيعتكم الخلص فقال هاه قد ابطلت برك باخوانك قال و كيف ذلك يابن رسول اللّه قال محمد بن علي8 اقرأ قول اللّه عزوجل ياايها الذين امنوا لاتبطلوا صدقاتكم بالمن و الاذي قال الرجل يابن رسول اللّه ما مننت علي القوم الذين تصدقت عليهم و لا اذيتهم قال له محمد بن علي8 ان اللّه عزوجل قال لاتبطلوا صدقاتكم بالمن و الاذي و لم‏يقل لاتبطلوا بالمن علي من تتصدقون عليه و بالاذي لمن تتصدقون عليه و هو كل اذي افتراك اذاك القوم الذين تصدقت عليهم اعظم ام اذاك لحفظتك و ملائكة اللّه المقربين حواليك ام اذاك لنا فقال الرجل بل هذا يابن رسول اللّه فقال فقد اذيتني و اذيتهم و ابطلت صدقتك قال لماذا قال لقولك و كيف احبطته و انا من شيعتكم الخلص ويحك اتدري من شيعتنا الخلص قال لا فقال شيعتنا الخلص حزقيل المؤمن من آل فرعون و صاحب يس الذي قال اللّه تعالي و جاء رجل من اقصي المدينة يسعي و سلمان و ابوذر و المقداد و عمار اسويت نفسك بهؤلاء اما اذيت بهذا الملائكة و اذيتنا فقال الرجل استغفر اللّه و اتوب اليه فكيف اقول قال قل انا من مواليكم و محبيكم و معادي اعدائكم و موالي اوليائكم فقال كذلك اقول و كذلك انا يا ابن رسول اللّه قد تبت من القول الذي انكرته و انكره الملائكة فما انكرتم ذلك الاّ لانكار اللّه عزوجل فقال محمد بن علي بن موسي: الان قد عادت اليك مثوبات صدقاتك و زال عنها الاحباط.

قال ابويعقوب يوسف بن محمد بن زياد و علي بن محمد بن سنان رضي اللّه عنهما حضرنا ليلة علي غرفة الحسن بن علي بن محمد: و كان

 

«* مکارم الابرارعربی جلد 8 صفحه 326 *»

ملك الزمان له معظماً و حاشيته له مبجلين اذ مر علينا والي البلد الي الحسن بن علي8([4]) و معه رجل مكتوف و الحسن بن علي8 مشرف من روزنته فلما راه الوالي ترجل من دابته اجلالاً له فقال له الحسن بن علي8 عد الي موضعك فعاد و و هو معظم له و قال يابن رسول اللّه اخذت هذا في هذه الليلة علي باب حانوت صيرفي فاتهمته بانه يريد نقبه و السرقة منه فقبضت عليه فلما هممت بان اضربه خمس مائة و هذا سبيلي في من اتهمه و في من اخذه ليكون قد سعي ببعض ذنوبه قبل ان‏يأتيني من لااطيق مدافعته فقال لي اتق اللّه و لاتتعرض لسخط اللّه فاني من شيعة اميرالمؤمنين7 و شيعة هذا الامام القائم بامر اللّه فكففت و قلت و انا مارّ بك عليه فان عرفك بالتشيع اطلقتك و الاّ قطعت يدك و رجلك بعد ان اجلدك الف سوط و قد جئتك به يابن رسول اللّه فهل هو من شيعة علي كما ادعي فقال الحسن بن علي8 معاذ اللّه ما هذا من شيعة علي7 و انما ابتلاه اللّه في يدك لاعتقاده في نفسه انه من شيعة علي7 فقال الوالي كفيتني مؤنته الان اضربه خمس مائة لا حرج علي فيها فلما نحاه بعيداً قال ابطحوه فبطحون و اقام عليه جلادين واحداً عن يمينه و اخر عن شماله و قال اوجعاه فاهويا اليه بعصيهما فكانا لايصيبان استه شيئاً انما يصيبان الارض فضجر من ذلك فقال ويلكم تضربون الارض اضربوا استه فذهبوا يضربون استه فعدلت ايديهم فجعل يضرب بعضهم بعضاً و يصيح و يتأوّه فقال لهم ويحكم امجانين انتم تضربون بعضكم بعضاً اضربوا الرجل فقالوا ما نضرب الاّ الرجل و مانقصد سواه ولكن تعدل ايدينا حتي نضرب بعضنا بعضاً قال فقال يا فلان يا فلان حتي دعا اربعة و صاروا مع الاولين ستة و قال احيطوا به فاحاطوا به فكان يعدل بايديهم و يرفع عصيهم الي فوق فكانت لاتقع الاّ بالوالي فسقط عن دابته و قال قتلتموني قتلكم اللّه ما هذا فقالوا ما ضربنا الاّ اياه ثم قال لغيرهم تعالوا فاضربوا هذا فجاؤا فضربوه بعد فقال ويلكم اياي تضربون قالوا لا واللّه لانضرب الاّ الرجل قال الوالي فمن اين لي هذه الشجات برأسي و وجهي و

 

«* مکارم الابرارعربی جلد 8 صفحه 327 *»

بدني افلم‏تكونوا تضربوني فقالوا شلت ايماننا ان كنا قصدناك بضرب قال الرجل يا عبداللّه للوالي اما تعتبر بهذه الالطاف التي بها يصرف عني هذا الضرب ويلك ردني الي الامام و امتثل في امره قال فرده الوالي بعد الي بين يدي الحسن بن علي8 فقال يا ابن رسول اللّه عجباً لهذا انكرت ان‏يكون من شيعتكم و من لم‏يكن من شيعتكم فهو من شيعة ابليس و هو في النار و قد رأيت له من المعجزات ما لايكون الاّ للانبياء فقال الحسن بن علي8قل او للاوصياء فقال الحسن بن علي8 للوالي يا عبداللّه انه كذب في دعواه انه من شيعتنا لو عرفها ثم تعمدها لابتلي بجميع عذابك له و لبقي في المطبق ثلثين سنة ولكن اللّه رحمه لاطلاق كلمة علي ما عني لا علي تعمد كذب و انت يا عبداللّه فاعلم ان اللّه قد خلصه من يدك خل عنه فانه من موالينا و محبينا و ليس من شيعتنا فقال الوالي ما كان هذا كله عندنا الاّ سواء فما الفرق قال الامام7 الفرق ان شيعتنا هم الذين يتبعون اثارنا و يطيعوننا في جميع اوامرنا و نواهينا فاولئك شيعتنا و اما من خالفنا في كثير مما فرضه اللّه عليه فليسوا من شيعتنا قال الامام7 للوالي تب فقد كذبت كذبة و لو تعمدتها و كذبتها لابتلاك اللّه تعالي بضرب الف سوط و سجن ثلثين سنة في المطبق قال و ما هي يابن رسول اللّه قال بزعمك انك رأيت له معجزات ان المعجزات ليست له انما هي لنا اظهرها اللّه فيه ابانةً لحجتنا و ايضاحاً لجلالتنا و شرفنا و لو قلت شاهدت فيه معجزات لم‏انكره عليك اليس احياء عيسي الميت معجزة فهي للميت ام لعيسي او ليس خلقه من الطين كهيئة الطير فصار طيراً باذن اللّه معجزة او هي للطائر ام لعيسي او ليس الذين جعلوا قردة خاسئين معجزة و هي معجزة للقردة ام لنبي ذلك الزمان فقال الوالي استغفر اللّه و اتوب اليه ثم قال الحسن بن علي8 للرجل الذي قال انا من شيعة علي7 انما لست من شيعة علي7 انما انت من محبيه انما شيعة

 

«* مکارم الابرارعربی جلد 8 صفحه 328 *»

علي7 الذين قال اللّه تعالي فيهم و الذين امنوا و عملوا الصالحات اولئك اصحاب الجنة هم فيها خالدون هم الذين امنوا باللّه و وصفوه بصفاته و نزهوه عن خلاف صفاته و صدقوا محمداً9 في اقواله و صوبوه في كل افعاله و والوا علياً7 بعده سيداً اماماً و قرماً هماماً لايعدله من امة محمد9احداً و لا كلهم اذا جمعوا في كفة يزنون بوزنه بل يرجح عليهم كما يرجح السماء علي الذرة و شيعة علي عليه الصلوة و السلام هم الذين لايبالون اوقع الموت عليهم او وقعوا علي الموت و شيعة علي عليهم الصلوة و السلام هم الذين يؤثرون اخوانهم علي انفسهم و لو كان بهم خصاصة و هم الذين لايراهم اللّه حيث نهاهم و لايفتقدهم من حيث امرهم و شيعة علي7 هم الذين يقتدون بعلي7 في اكرام اخوانهم المؤمنين ما عن قولي لك اقول هذا اقوله من قول محمد9 فذلك قوله و عملوا الصالحات قضوا الفرايض كلها بعد التوحيد و اعتقاد النبوة و الامامة و اعظمها فرضان قضاء حقوق الاخوان في اللّه و استعمال التقية من اعداء اللّه.

فتبين و ظهر لمن نظر و ابصر ان الشيعة هم قوم شايعوا ائمتهم: في كل اعمالهم و افعالهم و اقوالهم و احوالهم و لايخالفونهم في جزئي و لا كلي و اما من يقترف الماثم و السيئات و يجترح المعاصي و الخطيئات او يخالفهم في اقوالهم و احوالهم ليس بشيعة لهم و انما هو من محبي اوليائهم و معادي اعدائهم بل ادعاء التشيع مع اقتراف المعاصي من اعظم الخطيئات و يورث احباط الحسنات كما مر لان ادعاء التشيع ادعاء انه من شعاعهم كما قال الصادق7 انما سميت الشيعة شيعة لانهم خلقوا من شعاع نورنا فانت اذا ادعيت التشيع ادعيت انك من شعاعهم و نورهم فاذا كنت مقترفاً لما ليس فيه رضي اللّه سبحانه فقد ادعيت خلاف العصمة في ائمتك: لان كل شعاع لابد و ان يشاكل

 

«* مکارم الابرارعربی جلد 8 صفحه 329 *»

منيره و انت مقترف للسيئات و تدعي انك شعاعهم فلابد و ان‏يكون فيهم السيئات لتكون مطابقاً لهم شعاعاً لنورهم الا تري ان شبح الانسان في المراة علي هيئة الانسان و شبح الكلب علي هيئة الكلب فاذا ادعي شبح علي هيئة الكلب اني شبح فلان فذلك ادعاء كلبية فلان فكذلك ادعائك الشعاعية لال محمد: مع زعارة خلقك و سيئات اعمالك و موبقات افعالك ادعاء كون تلك الوصمات فيهم صلوات اللّه عليهم و ادعاء ذلك فيهم اثبات تلك العيوب في اللّه سبحانه فانهم قالوا يفصل نورنا من نور ربنا كما يفصل نور الشمس من الشمس كما قالوا شيعتنا منا كشعاع الشمس من الشمس فيرجع وصمة تلك الصفات الي اللّه سبحانه و سبحان ربك رب العزة عما يصفون و سلام علي المرسلين و الحمد للّه رب العالمين و كذلك اذا ادعيت التشيع لغيرك و هو ليس علي ما وصفنا و لذلك مضي انهم يتأذون بذلك و ان اذيتهم توجب احباط الصدقة لقوله تعالي لاتبطلوا صدقاتكم بالمن و الاذي كما مر و قد قال الصادق7 كل معروف صدقة فيبطل منك كل معروف عملته من صلوات و صوم و حج و زكوة و غيرها لان كلها معروف بل يورث محاربة اللّه سبحانه فان اللّه سبحانه يقول في القدسي من اذي لي ولياً فقد بارزني بالمحاربة و دعاني اليها بل توجب اللعن من اللّه سبحانه لقوله الذين يؤذون اللّه و رسوله لعنهم اللّه في الدنيا و الاخرة فالشيعة الذين مر في صفاتهم ان اللّه اخذ ميثاقهم علي الملئكة و انهم ركن الدين و جزء الايمان و اليقين و غير ذلك من صفاتهم فهم قوم مخصوصون لايوجد في كل عصر منهم الاّ معدودون و هم نظراء سلمان و صاحب يس و مؤمن ال فرعون و ابي‏ذر و المقداد و عمار و محمد بن ابي‏بكر و هم اصحاب القلوب السليمة و اشباه الانبياء و اشعة ال محمد: الذين سهلت قلوبهم من كل غش و غل و دخل و اين اولئك و كم اولئك هم اقل من الكبريت الاحمر قال ابوعبداللّه7 المؤمنة اعز من المؤمن و المؤمن اعز من الكبريت

 

«* مکارم الابرارعربی جلد 8 صفحه 330 *»

الاحمر فمن رأي منكم الكبريت الاحمر و قال ابوجعفر7 الناس كلهم بهائم الناس كلهم بهائم الناس كلهم بهائم الاّ قليل من المؤمنين و المؤمن عزيز و المؤمن عزيز و المؤمن عزيز فاذا كان غير المؤمن بهائم هل تري ان البهائم شيعة آل محمد: فلا واللّه ليس الشيعة الاّ المؤمن و المؤمن اعز من الكبريت الاحمر فالشيعة اقل من الكبريت و هم الذين قد عرفت صفاتهم و نزيدك ان سدير قال لابي‏عبداللّه7 في عدد شيعته فقال7 واللّه يا سدير لو كان لي شيعة بعدد هذه الجداء ماوسعني القعود قال سدير فنزلنا و صلينا فلما فرغنا من الصلوة عطفت الي الجداء فعددتها فاذا هي سبعة عشر و قال العبد الصالح في حديث اما واللّه ان المؤمن لقليل و ان اهل الكفر لكثير اتدري لم ذاك قيل لاادري جعلت فداك فقال صيروا انساً للمؤمنين يبثون اليهم ما في صدورهم فيستريحون الي ذلك و يسكنون اليه اقول قوله لم ذاك يعني لم اكثر المدعون للايمان المظهرون له و قال ابوالحسن7 ليس كل من يقول بولايتنا مؤمنا و انما جعلوا انساً للمؤمنين و اذا شئت ان‏تعرف صفات المؤمن فراجع كتاب الكافي في باب صفات المؤمن و علاماته ثم انظر في الناس و راجع نفسك هل ترضي بان‏تقول يكون عصر ليس فيه مؤمن ابداً لااظنك ان‏ترضي به و تقول لابد و ان‏يكون المؤمن في كل عصر و ذلك المؤمن الذي هو انسان و اقل من الكبريت الاحمر ليس فيه من صفات البهائم شي‏ء هو الشيعة و هو الذي موجود في كل عصر و هو الذي يجب موالاته و التسليم لامره و الموالاة لاوليائه و المعاداة لاعدائه لانه شعاع آل محمد الخالص: و لايستقيم ولاية مع بغض شعاعهم و ان كنت تقول لانبغضه و نواليه و انما الكلام علي الاشخاص فلذلك ايضاً علامات،

و كل يدعي وصلاً بليلي   و ليلي لاتقر لهم بذاكا
اذا انبجست دموع في خدود

 

  تبين من بكي ممن تباكا

 

 

«* مکارم الابرارعربی جلد 8 صفحه 331 *»

     
ثوب الرياء يشف عما تحته   و ان التحفت به فانك عاري

فذلك امر لايخفي لذي عينين و ان اللّه لايصلح عمل المفسدين و لايفلح الساحر حيث اتي و تفصيل ذلك له مقام اخر لسنا بصدد بيانه في هذه الرسالة و انما الغرض فيها اثبات وجود نوع الشيعة و لزوم تولاهم و التبري من اعدائهم و لزوم التسليم لهم و انهم الركن الرابع من الايمان و قد اتينا علي ادلة الكتاب و السنة علي ما يقتضيه الوقت مع اختلال البال فلنتوجه الي الفصل الثالث علي ما قررنا و التزمنا و تحدينا.

فصـــل

في دليل العقل المستنير بانوار اهل البيت: و عليك بالتدبر في هذا الفصل بالنصفة و ترك الانس بما انست نفسك به و اعتزال العادات و الطبايع و الشهوات و النواميس فان مع هذه الامور لايكاد يدرك الانسان حقيقة الحق اذ «قد تنكر العين ضوء الشمس من رمد» فان كنت طالباً للحق و اليقين ناظراً بنور اللّه الذي اعارك اياه لتعرف الحقايق كما قال رسول اللّه9 اتقوا فراسة المؤمن فانه ينظر بنور اللّه فاستمع لما يتلي عليك و اسأل اللّه ان‏يصلح وجدانك انه سميع قريب.

اعلم ان للعقل ثلث مراتب الاولي العقل المرتفع و هو اعلي العقل مما يلي الفؤاد و مبدء المعاني الكلية القريبة الي الحقائق البسيطة و حيث آئيته و جهته الي ربه و الثاني العقل المستوي و هو وسط العقل و اصل المعاني الكلية و الجهة البرزخية و الواصلة بين الاعلي و الادني و مبدء التفاصيل و الثالثة العقل المنخفض و هو اسفل العقل مما يلي الرقائق البرزخية و الصور المجردة و حيث انيته و جهته الي نفسه و غاية تفصيله و تعيناته الكلية و الجزئية و لكل من هذه المراتب نظر و دليل و نريد ان‏نستدل لك بالادلة الثلثة اتماماً للحجة و ايضاحاً للمحجة ليعلم كل اناس مشربهم و ينال كل قوم مطلبهم

 

«* مکارم الابرارعربی جلد 8 صفحه 332 *»

فان من الناس من ظهر في مجالي قلوبهم العقل المنخفض و لما يظهر لهم العقل المستوي و المرتفع فلايكاد يسكن قلوبهم بادلة المقامين الاّ بما يجانس مقامهم و مرتبتهم بل لايرون ادلة المقامين دليلاً كاشفاً عن المراد و كذلك الذين تجلي فيهم العقل المستوي لايكادون ينتفعون بادلة العقل المرتفع و انظاره و يرونها استحساناً ولكن ينتفعون بادلة العقل المنخفض لانه قد ظهر في مرات قلوبهم بواسطة نفوسهم و اما الذين ظهر فيهم العقل المرتفع فينتفعون بالجميع و يضعون كل شي‏ء موضعه و يحفظون المراتب لانهم مالكون لجميعها فالدليل الاول الناشي‏ء من نظر العقل المنخفض الظاهر في النفوس بها لها هو المجادلة بالتي هي احسن و الدليل الثاني الناشي‏ء من نظر العقل المستوي هو الموعظة الحسنة و الدليل الثالث الناشي‏ء من نظر العقل المرتفع هو الحكمة و الي هذه المقامات الثلثة اشار الداعي الي الحق ادع الي سبيل ربك بالحكمة و الموعظة الحسنة و جادلهم بالتي هي احسن فلنفرد لكل واحد من الادلة مقاماً ليتضح المراد و تتم الحجة علي العباد.

المـقام الاول

في الاستدلال علي الركن الرابع و الضياء اللامع بالمجادلة بالتي هي احسن، اعلم انك اذا نظرت في الموجودات بنظر البصيرة و قست الكاينات بباع غير قصيرة وجدت ان مراتب الوجود شتي و مقاماتها مختلفة فمنها جمادات عدمت الشعور الظاهري و النما فلاتكاد تنمو و تتحرك بارادة و لا ان‏تدرك الجزئيات و الكليات كما هو ظاهر و منها نباتات نامية عدمت الحركة الارادية و الادراك مطلقا و منها حيوانات متحركة بالارادة عدمت الشعور للكليات و العلم و الحلم و الذكر و الفكر و النباهة و منها انسان مدرك للكليات و العلم و الحلم و الذكر و الفكر و النباهة ولكن عدم التصرف في الكاينات بالارادة و الافعال الالهية و منها انبياء و اولياء لهم التصرف في الموجودات بكلية الهية مالكة للافعال الربانية و الصفات السبحانية فيتصرفون في الموجودات بنفوس الهية و ارواح ربانية بالتصرفات

 

«* مکارم الابرارعربی جلد 8 صفحه 333 *»

الجزئية الخاصة و ليس لهم التصرفات الكلية كما ان الحيوانات و لهم احسن المثل كانت مدركة للجزئيات دون الكليات و بذلك صارت من جنس اخر و صار الانسان من جنس اخر فكذا الانبياء لهم التصرف الجزئي في الكاينات علي حسب ذلك الرأس الخاص بهم من مشية اللّه الظاهرة فيهم لاظهار الاعجاز لقومهم و اثبات دعويهم و منها مقام خاتم الانبياء و الاولياء من ذريته فانهم صلوات اللّه عليهم اول الموجودات و اشرفها لايسبقهم سابق و لايلحقهم لاحق و لايطمع في ادراك مقامهم طامع و مقامهم فوق مقام الانبياء و الانبياء خلقوا من فاضل طينتهم كما ورد من طرق العامة و الخاصة و تواتر الخبر به عند الشيعة لاينكره الاّ معاند و كتاب البحار و العوالم و الكافي و الوافي و ساير الكتب المصنفة في هذا الفن مشحونة به بل يتجاوز حد التواتر معني فليسوا من جنس الانبياء اذا خلقوا من شعاع نورهم و فاضل طينتهم و هم: قد ظهر فيهم جميع مشية اللّه و اسمائه و صفاته فهم محال مشية اللّه و مظاهر صفات اللّه و فيهم تهدلت غصونها و تنشبت عروقها اذ المشية غير الشائي و الاسم غير المسمي و الصفة غير الموصوف بالبداهة و كل ما هو غير الذات حادث مخلوق و هم اول ما خلق اللّه باجماع العامة و الخاصة و اشرفها و اعظمها و اقربها الي اللّه و لايساويهم احد من خلق اله فتعلق بهم تمام مشية اللّه اولاً و بالذات ثم تعلق بهم بغيرهم ثانياً و بالعرض و هم: قد بعثوا علي الانبياء و الرسل و الاولياء فوجب ان‏يكون لهم نفس مهيمنة عليهم كهيمنة الانبياء علي رعاياهم فلو كان نبينا و ائمتنا: المبعوثون علي الانبياء ايضاً اصحاب التصرف الجزئي لكانوا كاحدهم فلما بعثوا علي الانبياء و جميع ذرات الوجود بنص الكتاب و السنة وجب في الحكمة ان‏يكون لهم نفس تقوي علي جميع رعيتهم و الاّ لكانوا اعجز من رعيتهم و العجز ليس الاّ من ضعف النفس و الضعف ليس يحصل الاّ من البعد عن المبدء فالقوي اقوي و اقرب الي اللّه من الضعيف لان القوة صفة اللّه و الاقوي اشبه بها بالبداهة و الاشبه اقرب الي المبدء بالبداهة كما تري في نور السراج كلما كان اقرب الي المبدء كان اشبه و اقوي فكذلك لو كان في الرعية احد اقوي من النبي لكان ذلك الاقوي

 

«* مکارم الابرارعربی جلد 8 صفحه 334 *»

اقرب الي المبدء و اشبه و ذلك الاعجز ابعد فوجب ان‏يكون النبي ابعد من اللّه من ذلك الحيث و ذلك الاقوي اقرب فوجب ان‏يكون ذلك المحجوج من تلك الجهة حجة و ذلك الحجة محجوجاً و هف لان الحجة اقرب الي المبدء من كل جهة و هو حجة علي الاطلاق و المحجوج محجوج علي الاطلاق فنبينا9 و اوصياؤه: المبعوثون علي جميع الموجودات وجب ان‏يكونوا اقوي من جميع رعيتهم و قد قال اللّه سبحانه تبارك الذي نزل الفرقان علي عبده ليكون للعالمين نذيراً و المهيمن علي جميع الجزئيات لابد و ان‏يكون كلياً فان لم‏يكن كلياً كان جزئياً و هو كاحد الجزئيات و النسبة بينه و بين الساير نسبة العزلة و التواطي و العرض و لايكون من في عرض القوم حجة علي القوم فافهم راشداً موفقاً.

فاذا عرفت ان للخلق مراتب شتي و مقامات مختلفه فاعلم انه لا شك و لا ريب ان اشرف هذه المراتب اقرب الي المبدء من اخسها كما اشرنا اليه و كل ما هو اقرب يصل اليه المدد و الفيض قبل ان‏يصل الي الاخص فالامداد و الفيوض تصل الي النبات قبل الجماد و الي الحيوان قبل النبات و الي الانسان قبل الحيوان و الي الانبياء قبل الاناسي و الي نبينا قبل الانبياء و لايصل فيض الي احد قبله و كذلك يجب في الحكمة ان‏يصل الامداد و الفيوض في كل رتبة الي اشرفها و اعليها و مبدئها ثم الاشرف فالاشرف و الاعلي فالاعلي لان العقليات لاتخصص و الحكمة معني واحد كلي و انت علمت كلية ان الاشبه بالمبدء اشرف من غيره و كل اشرف اشبه لابد و ان‏يكون اقرب و كل اقرب لابد و ان‏يصل اليه الفيض قبل الابعد مثال ذلك في انوار السراج فكل نور هو اقرب الي السراج هو اشبه به و اقوي و المدد المستطير المفاض من السراج يصل الي الاقرب قبل ان‏يصل الي الابعد كالماء الجاري في النهر انه يصل الي اعالي النهر قبل ان‏يصل الي ادانيه و لا شك و لا ريب ان جميع الاناسي ليسوا من مبدئهم بقرب واحد و نسبة واحدة اذ منهم عالم و منهم جاهل و منهم مؤمن و منهم فاسق و منهم اعمي و منهم بصير و

 

«* مکارم الابرارعربی جلد 8 صفحه 335 *»

اللّه سبحانه يقول هل يستوي الذين يعلمون و الذين لايعلمون و يقول افمن كان مؤمناً كمن كان فاسقاً لايستوون فلايستوي الاعمي و البصير و الضال و المهدي و الكافر و المسلم و هذا ظاهر بين فاذ لم‏يكونوا من مبدئهم علي حد سواء كان بعضهم اقرب اليه و بعضهم ابعد و بعضهم اشرف و بعضهم اخس و بعضهم اعلي و بعضهم ادني فاذا كان بعضهم اقرب و اشرف و اعلي وجب في الحكمة ان‏يصل المدد الي الاشرف الاقرب الاعلي قبل الاخس الابعد الادني و لولا ذلك للزم الطفرة في الوجود و الترجيح بلا مرجح و هو خلاف الحكمة و هو لايصدر عن الحكيم مع انه صرح به في كتابه و قال ام نجعل المتقين كالفجار و قال هل يستوي الذين يعلمون و الذين لايعلمون و قال مايستوي الاعمي و البصير و لا الظلمات و لا النور و لا الظل و لا الحرور و مايستوي الاحياء و لا الاموات فتقديم الاخس علي الادني لايخلو اما هو لسبب قدمه عليه و شرافة و باعث له ام لا ففي الاولي انقلب الفرض لان كلما كان اشرف هو اقرب و هو اجذب للمدد و احق به فلو كان شي‏ء يصل اليه المدد اولاً لباعث فيه لكان هو اشرف و اقرب و كان الفرض الاول باطلاً و ان كان لغير مرجح فهو محال علي الكامل الحكيم الغني علي الاطلاق و كذا تسويته مع العالي اي تسوية الداني في ايصال المدد مع العالي فان كان لباعث فهو المساوي مع العالي ذاتاً المستمد مثله ذاتاً و الفرض كان غلطاً و لا نقص فيه و ان كان لغير باعث فهو الترجيح بلا مرجح و هو باطل ممتنع صدوره عن الغني المطلق الذي لا باعث علي شي‏ء في نفسه فامتنع ان‏يصل المدد الي الاخس قبل ان‏يصل الي الاشرف او معه و وجب ان‏يكون اولاً واصلاً الي العالي و به يكون واصلاً الي الداني بعده كما ان الجزء الاقرب من نور السراج يستنير اولاً ثم يستنير الجزء الذي بعده به بعده فلو حيل بين متأخر و متقدم يفني المتأخر لامحه.

و بذلك قد نطق الاخبار في وصف الاخيار كما قال الصادق7 رحم اللّه زرارة بن اعين لولا زرارة و نظراؤه لاندرست احاديث ابي و قال7 ما احد احيي ذكرنا و احاديث ابي الاّ زرارة و ابوبصير ليث المرادي و

 

«* مکارم الابرارعربی جلد 8 صفحه 336 *»

محمد بن مسلم و بريد بن معوية العجلي هؤلاء حفاظ دين اللّه و امناء ابي علي حلال اللّه و حرامه و كانوا عيبة علمه و كذلك اليوم هم عندي هم مستودع سري و اصحاب ابي7 حقاً اذا اراد اللّه باهل الارض سوءً صرف بهم عنهم السوء هم نجوم شيعتي احياءً و امواتاً يحيون ذكر ابي7 بهم يكشف اللّه كل بدعة ينفون عن هذا الدين انتحال المبطلين و تأويل الغالين ثم بكي7 قال الراوي فقلت من هم فقال من هم صلوات اللّه عليهم و رحمته احياءً و امواتاً بريد العجلي و زرارة و ابوبصير و محمد بن مسلم و قال7 في تلو قوله تعالي و لولا دفع اللّه الناس الاية ان اللّه ليدفع بمن يصلي من شيعتنا عمن لايصلي من شيعتنا و لو اجتمعوا علي ترك الصلوة لهلكوا و ان اللّه ليدفع بمن يزكي من شيعتنا عمن لايزكي و لو اجتمعوا علي ترك الصلوة لهلكوا و ان اللّه ليدفع بمن يزكي من شيعتنا عمن لايزكي و لو اجتمعوا علي ترك الزكوة لهلكوا و ان اللّه ليدفع بمن يحج من شيعتنا عمن لايحج و لو اجتمعوا علي ترك الحج لهلكوا و هو قول اللّه عزوجل لولا دفع اللّه الناس و تلا الاية فواللّه مانزلت الاّ فيكم و لاعني بها غيركم، و عن النبي9 ان اللّه يصلح بصلاح الرجل المسلم ولده و ولد ولده و اهل دويرته و دويرات حوله لايزالون في حفظ اللّه مادام فيهم و قال الباقر7 لايصيب قرية عذاب و فيها سبعة من المؤمنين الي غير ذلك من الاخبار.

فتبين و ظهر ان اللّه سبحانه يمد الداني بواسطة العالي و يصل المدد اولاً الي العالي ثم منه ينزل الي الداني لئلا يلزم الطفرة في الوجود و لايلزم الترجيح بلا مرجح بل الذي يزعم احتمال تسوية الداني مع العالي او تقدمه يزعم عبث الشرايع و ارسال الرسل و انزال الكتب فان امتثاله امر اللّه سبحانه و اتباع كتابه و سنة نبيه9لو كان لايوجب لاحد تقرباً او لايوجب التقرب ثمرة فاي فائدة كانت في ارسال الرسل و انزال الكتب و وضع الشرائع اذا كان لايثمر ثمرة و لايوجب تقرباً فان كان يوجب تقرباً فما فائدة التقرب الاّ كثرة الاستنارة و

 

«* مکارم الابرارعربی جلد 8 صفحه 337 *»

تقدمها فاذا تقدم في الاستنارة لابد و ان‏يصل الي غيره بعد ما تجاوز عنه كما مثلنا بالانوار المفاضة من السراج مع ان الانوار كلها في عرض واحد و المنير للكل السراج و ذلك لايوجب تساوي رتبة النور المقدم مع السراج فان المنير للكل هو السراج و ان الحكمة اقتضت ان‏يكون بعض الانوار واسطة الفيض لبعض.

فاذا عرفت ذلك فاعلم ان الناس لهم مراتب شتي و لامحه بعض منهم اقرب الي اللّه سبحانه و بعض منهم ابعد و بعضهم اشرف و بعضهم اخس فان كنت لاتعلم ذلك و اردت شاهداً علي ما هنالك فالاداني وجودهم ادل دليل علي وجود الاعالي و الابعد وجوده اعظم شاهد علي وجود الاقرب فكل من رأي نفسه و اشباهه و اقرانه مع كثرة اضاعته و قلة بضاعته و علم من نفسه و اشباهه انه ليس بمن يستمد من الامام7 اولاً قبل جميع الخلق لما يري في نفسه من النقص و العجز المانع عن كونه اقرب الخلق الي الامام فليعلم ان اقرب منه و اعلي موجود لانه لو لم‏يكن موجوداً لما كان هذا الابعد موجوداً و لم‏يكن يصل اليه الفيض ابداً فاذا رأي الفيض جارياً اليه من حيوته و رزقه و قوته و صحته و علمه و عقله و ايمانه و غير ذلك من النعم التي لاتحصي فليعلم ان هناك من هو اقرب منه و تصل اليه تلك النعم بواسطته فوجودك ادل دليل علي وجود الاقرب لاتحتاج معه الي دليل خارج و جعل دليل ذلك في نفسك حتي لاتجهله عالماً كنت او جاهلاً قادراً او عاجزاً فتثبت الحجة عليك بوجودك و كذا قامت الحجة علي كل نفس بوجود اقرب منه لئلا يقولوا يوم القيمة انا كنا عن هذا غافلين او يقولوا انما اشرك اباؤنا من قبل و انا كنا ذرية من بعدهم ضعفاء افتهلكنا بما فعل المبطلون فلزمت الحجة علي كل نفس بوجودها علي وجود من هو اقرب منه الي المبدء بحيث لايمكن لاحد انكاره و لايعذر احد في جهله فالدليل علي وجود السابق في الوجود اوضح من كل شي‏ء «و قد ينكر العين ضوء الشمس من رمد».

فاذا تبين لك وجود مقدم عليك في الوجود فاعلم ان الامداد قسمان امداد كونية و امداد شرعية اما الامداد الكونية فلابد فيها من ارتباط كوني بين الممد و المستمد و بين العالي و الداني و هو موجود في جميع الذرات

 

«* مکارم الابرارعربی جلد 8 صفحه 338 *»

الكونية و الاّ لم‏يوجد المستمد ففي الكون جميع المكونات مرتبطة بمباديها و جميع الموجودات مستمدة من اعاليها استمداداً كونياً لان التوجه الكوني في المستمدين موجود و الاذعان و الاعتراف الوجودي في جميع المكونات ثابت و لذلك قلنا ان كل الموجودات مؤمنون باللّه سبحانه و برسوله و اوليائه و السابقين و لذا قال اللّه سبحانه و له اسلم من في السموات و الارض و قال و ان من شي‏ء الاّ يسبح بحمده و قال و للّه يسجد ما في السموات و ما في الارض و في الدعاء ذلت لقدرتك الصعاب و تسببت بلطفك الاسباب و جري بقدرتك القضاء و مضت علي ارادتك الاشياء فهي بمشيتك دون قولك مؤتمرة و بارادتك دون نهيك منزجرة الدعاء، ففي الكون جميع الموجودات مقرون لايخالف شي‏ء منها دينه و لايتجاوز شرعه و بذا و لذا كلها موجودة و اما الامداد الشرعية فلابد فيها من معرفة شرعية و توجه شرعي و استمداد و عبادة شرعية و لايكفي الكوني في النجاة ابداً الا تري ان الكفار كوناً كلهم منقادون لامر اللّه و حكمه كما بينا و ليسوا بناجين و ليس ذلك الاّ لاجل انهم لم‏يقرّوا شرعاً و لم‏يذعنوا و لم‏ينقادوا في الشرع للشارع فبذلك صاروا كفاراً و المقصود الكلي من خلق العالم و الجن و الانس ان‏يعبدوا اللّه و يعرفوه شرعاً كما قال ماخلقت الجن و الانس الاّ ليعبدون و لو كان الاذعان الكوني ينفعهم لكان بعث الرسل و انزال الكتب لغواً فظهر ان اللازم هو الاذعان الشرعي و ما يصل اليك المدد و ان كان يصل اليك بواسطة اذعانك الكوني بالسابقين الاّ ان اللازم الاذعان به في الشرع فكما ان من لم‏يذعن باللّه سبحانه و برسوله و الائمة: شرعاً هو حي مرزوق مستمد كوناً و ممدود كوناً الاّ انه لاينفعه كذلك الاقرار بالسابق كوناً لاينفعك و لابد و ان‏يكون اقراراً شرعياً حتي تنتفع به فانك اذا عرفت ان عليك سابقاً و كل ما يصل اليك من الامداد يصل بواسطته بحيث لو حال حائل بينكما لانقطع الفيض و المدد عنك يلزمك التوجه اليه و الاذعان و الاقرار و الايمان به و التسليم لامره و الانقياد لحكمه فانك ان ادبرت عنه و اعرضت و

 

«* مکارم الابرارعربی جلد 8 صفحه 339 *»

توليت لاظطلمت و انقطع عنك الانوار المفاضة عليك بسببه لامحه فان كان الادبار ادباراً كونياً انقطع الوجود و ان كان الادبار ادباراً شرعياً اورث الظلمة و الشقاوة و النار الخلود كما كان في الرسول و الائمة: و النور السابق ليس برسول و لا نبي ولكنه عبد رق لهم مقدم عليك وجوداً ام تحسدون الناس علي ما اتيهم اللّه من فضله فاذا قدمه عليك بدليل وجود نفسك لزمك الاقرار به و شكر نعمته فان شكر المنعم واجب عقلاً و نقلاً و الشكر يمتنع حصوله حتي تعرف المنعم و تحصل رضاه فربما تثني عليه ثناء لايليق به و يلزم منه الكفران و ربما تعمل عملاً يخالف رضاه و هو لايليق بالشاكرين فان الشكر استعمال النعمة في مرضات المنعم و هو الواسطة في المدد الواصل الي قلبك و حواسك و جوارحك بل عقلك و روحك و نفسك فما لم‏تستعمل النعمة الجارية عليك في مرضاته لم‏تشكره و روي من لم‏يشكر العبد لم‏يشكر الرب و هذا هو العبد المنعم عليك في الظاهر فما ظنك بالعبد المقدم وجوده عليك الذي شكره شكر الرب و كفران نعمة العباد الذين هم في عرضك و استعمال نعمتهم في سخطهم اقبح قبيح فما ظنك بكفران نعمة السابقين فاذا اذعنت انك بعيد عن المبدء و استدللت به علي قريب و اذعنت بان الامداد تصل اليه اولاً لانه اقرب و منه و علي يديه تجري عليك وجب عليك عقلاً و نقلاً شكر المنعم و شكره لايمكنك الاّ بمعرفته فوجب عليك معرفته و اتباعه و الانقياد له و التسليم لامره و الامتثال لحكمه و القبول منه و حبه و حب اوليائه و بغض اعدائه و محبي اعدائه فان لم‏تفعل كفرت نعمته و من لم‏يشكر العبد لم‏يشكر الرب فان جميع ما يريد اللّه منك ايضاً و يكلفك به ايضاً يصل اليه و منه يصل اليك فرضاه رضي الرب و سخطه سخطه و الكفر به الكفر به و حبه حبه و بغضه بغضه و يكفيك من دليل المجادلة ما ذكرنا و هو كاف لذي عينين و

علي نحت القوافي من مواقعها   و ما علي اذا لم‏يفهم البقر

و نحن لانريد من الركن الرابع الاّ معرفة السابق علي وجودك من الشيعة المكرمين و الاولياء الراشدين و السلام علي من اتبع الهدي و اجتنب الضلالة و الغوي.

 

«* مکارم الابرارعربی جلد 8 صفحه 340 *»

المـقام الثاني

في الاستدلال علي الركن الرابع و النور الساطع بالموعظة الحسنة، و هذا الدليل مخصوص السالكين و اصحاب العقل و اليقين و هذا الدليل اشرف من الدليل الاول بدرجة و لايحتمل فيه ما يحتمل في نوع الدليل الاول من النقض و الابرام و هو طريق السلامة و الروح و الراحة و النجاة في الدارين و هذا الدليل لايمكنك معرفته الاّ بعد التخلي من نحو الدليل الاول و بالنظر و الحزم في اصلاح امرك و الاخذ بالجزم فربك يحاكمك بهذا الدليل فاياك اياك لاتحكمن لنفسك علي ربك فتظلمه.

اعلم انك بعد ما عرفت ان لك رباً و نبياً و ائمةً و انهم كلفوك بتكاليف و امروك و نهوك و عدوك في اتباع اوامرهم جنة و اوعدوك في ارتكاب نواهيهم ناراً و حصرك اللّه سبحانه في كتابه و قال لاتقف ما ليس لك به علم ان السمع و البصر و الفؤاد كل اولئك كان عنه مسئولاً و قال لاتقولوا علي اللّه الاّ الحق و قال ان الظن لايغني من الحق شيئاً ثم عرفت من نفسك انك لم‏تصعد الهواء و لم‏تخرق الارض و لم‏تصل المشرق و المغرب و لم‏تسبح جميع البر و البحر و الجزاير ثم سمعت من قوم انهم يدعون ان

للّه تحت قباب الارض طائفة   اخفاهم عن عيون الناس اجلالاً

فيقولون ان جماعة موجودون في كل عصر عرفوا الكم الكيف و اللم و الحيث و الموصول و المفصول و هم اعلم الناس بعد ائمتهم و اقربهم الي اللّه منزلةً و ادناهم زلفةً و اجلهم عند اللّه قدراً و اعلاهم مكاناً بهم يرزق اللّه العباد و بهم يدفع اللّه عن البلاد و ليس في منع ادعاءهم اية محكمة مجمع علي تأويلها و لا سنة جامعة غير متفرقة و لا ضرورة من المذهب تدفعهم و لا اتفاق من الاسلام يمنعهم فذر قولهم في بقعة الامكان و لاتنكر عليهم ان كنت تحب نفسك و تريد امتثال امر ربك و لاتكن من الذين قال اللّه تعالي فيهم بل كذبوا بما لم‏يحيطوا بعلمه و لما يأتهم تأويله فاذا كان لايمتنع عقلاً وجود اشخاص هكذا و لامانع منه شرعاً و

 

«* مکارم الابرارعربی جلد 8 صفحه 341 *»

هو امر ممكن فقل ايها الاخوان دعواكم هذا امر ممكن لامانع منه لاني ما طفت بجميع البر و البحر و لااطلعت علي جميع النفوس يمكن ان‏يكون ما قلتم و يمكن ان لايكون و انا في حيز الشك و لاانكر عليكم و لااخطئكم و لااكفركم ولكني لاامتثل امركم و لااقر معكم الاّ ان‏تأتوني بسلطان بين فان اتيتم بسلطان اقررت معكم و ان لم‏تأتوني به فلست اكفركم ايضاً فان الامر في نفسه ممكن غاية الامر انكم عجزتم عن اثباته فلعل هناك قوماً اخرين يقدرون علي اثباته فانه امر امكاني.

فاذا نظرت لنفسك و انصفت ربك و صعدت من مهاوي الانكار الي فضاء الاحتمال فاعلم ان وجود اشخاص هكذا في كل عصر و زمان اكمل و اكملية وجودهم امر لاينكر اما في زمان حيوة الحجج المعصومين و ظهورهم: فان الائمة: كانوا في بلد من البلاد و لم‏يكونوا بمشهد جميع العباد بل كانوا غالباً في محابس اهل البغي و العناد او صامتين لغلبة اهل الفساد فلم‏يكن يمكنهم اظهار جميع الامور لجميع العباد و لما كان الناس غالباً اذا تصوروا عصر الامام يتصورون وجوده و يتصورون انفسهم في مجلسه و يسألونه عما شاؤوا و ارادوا ينكرون ما حققنا و ليس الامر هكذا فان الامام كان مثلاً بالمدينة و الناس في ساير البلاد فرب رجل في عصره لم‏يشاهده ابداً حتي مات بل رب اقوام لم‏يشاهدوه بل رب رجال كانوا في بلد الامام و لم‏يشهدوا الامام حتي ماتوا فلعلهم غرباء اتوا من اقاصي البلاد ليشهدوا الامام و يزوروه و قد جاؤا و هو في السجن و الحبس و بقوا سنين حتي ماتوا و هو في الحبس و ربما لم‏يكونوا يقدرون علي المكاتبات ايضاً لمنع الحرس و السجانين و اعين الخلفاء المنصوبة عليه و ربما لم‏يكن في الحبس و من خوف السلطان لم‏يكونوا يقدرون علي الوصول الي حضرته و التشرف بخدمته فاذا كان الامر كذلك الم‏يكن اكمل و احسن و اتم و اوضح ان‏يكون في شيعة كل امام رجال من الشيعة علماء حلماء ابرار اتقياء اطلعهم الامام علي اسرارهم الصعبة و استأمنهم علي حقائق علومهم و امرهم بتعليم مستعدي الشيعة و اهل الكتمان منهم و يكونوا غير معروفين عند العامة و عند جهلة الشيعة فانهم ان كانوا معروفين لاخذ برقابهم و قتلوا و اسروا

 

«* مکارم الابرارعربی جلد 8 صفحه 342 *»

كما كان يفعل بائمتهم فينقطع الفيض بالمرة فانصف ربك اليس ذلك بعد ما قال اللّه سبحانه اليوم اكملت لكم دينكم و اتممت عليكم نعمتي و رضيت لكم الاسلام دينا اكمل للدين و اتم للنعمة و اوضح للمحجة و ابلغ للحجة انصف ربك اليس ذلك باحسن لايسعك ان‏تقول ان ذلك ليس باكمل فانه خلاف البديهة و الفطرة السليمة لان اكملية ذلك معروف عند كل ذي مسكة بل بعدم ذلك يلزم النقص في الدين لعدم حصول الابلاغ للحجة و الهداية للمستعدين و لم‏يجر عادة اللّه سبحانه ان‏يكون هذه الامور بخرق العادة و هداية الامام بنفسه النفيسة كل من في المشرق و المغرب و لو كان في الحبس و الاسر و ان اتفق مرة منهم تصرف في الملك او طي ارض او خروج من الاسر و السجن فانما كان ذلك في امر لايسع غيره ان‏يفعله او في مقام معجز لهداية من لايهتدي الاّ بمعجز في اول اسلامه و اما هداية المسلمين فلم‏يكن يتفق بالمعجز عادةً اذ ليس ذلك امراً عادياً يتفق دائماً منهم فالاكمل ان‏يكون لهم شيعة كاملون بالغون عارفون باسرارهم مطلعون علي علومهم في اطراف الارض معاشرون للناس من حيث لايعرفون يجبرون الكسير و يهدون الاسير في ايدي الغرور و يوصلون المستعدين الي مطالبهم و يفعلون و يفعلون فلا شك ان وجودهم اكمل و اتم و لاينافي وجودهم ديناً و لا مذهباً بل في عدمهم نقص للدين و خلل في الايمان و اليقين اذا لم‏يجر عادة الائمة في الهداية بخرق العادة كما عرفت و من عرف طريق الهداية و السلوك بالناس و المشي بهم عرف انه ليس بامر يمكن ان‏يلازمهم الامام ليلاً و نهاراً و يسلك بهم و يمشي معهم حتي يترقوا و لايمكن ذلك لتلميذ ان‏يباحث مع ادني الاساتيد ليلاً و نهاراً و يسائله و يكالمه بل لابد له من خليفة لذلك الاستاد يستأنس به و يسأل عنه و يقرأ عليه و يسلك معه و يمشي فان للاستاد شئوناً كثيرةً غير ذلك و توجهات اخر و معاشرات عديدة لايسعه علي حسب العادة ان‏يسالكه و يماشيه و لم‏يجر العادة بخرق العادة في جميع الامور لعلل كثيرة فاذا لم‏يمكن ذلك مع ادني استاد فكيف يسألك الناس الامام و يماشيهم هيهات لايقدرون ان‏يسالكوه خطوة واحدة و لو كان في هذا المقام محله لبينت انه ليس حد احد ان‏يسالكه فمن سالكه احترق في

 

«* مکارم الابرارعربی جلد 8 صفحه 343 *»

اول خطوة ولكن ليس هنا محل بيانه فتبين و ظهر ان الاكمل وجود شيعة كملين يهدون الي الحق و به يعدلون في الخلق.

فاذا عرفت ذلك فاعلم ان اللّه سبحانه لايترك الاولي الي غير الاولي و هو قد عاقب النبيين بترك الاولي و قال و عصي آدم ربه فغوي اذ لو كان ترك الاولي من صفات الربوبية لكان آدم و ساير من ترك الاولي من الانبياء متبعين لصفات اللّه متخلقين باخلاق اللّه للاتصاف بصفات اللّه فلما رأينا ان اللّه سبحانه عاقبهم بترك الاولي عرفنا انه عاقبهم بترك التخلق باخلاقه و الاتصاف بصفاته و عرفنا انه لايترك الاولي فيكون لانبيائه عليه حجة فيقولوا يا رب انت كنت تترك الاولي و تعاقبنا عليه مع ان العدول عن الاولي الي غير الاولي ترجيح من غير مرجح و الحكيم الغني المطلق لايرجح ما لا ترجيح له و قد قال الصادق في تفسير العدل حين سئل عنه و اما العدل فالاّ تنسب الي ربك ما لامك عليه فما لام الانبياء و الاولياء عليه لايجوز عليه سبحانه، فتبين و ظهر لمن نظر و ابصر بحكم الموعظة الحسنة و الفطرة السليمة ان وجود الشيعة الكملين اكمل و ان اللّه لايعدل عن الاكمل الي غيره فخلقهم و اوجدهم و لابد من وجودهم في كل زمان لاسيما في زماننا هذا زمان فقد النبي و غيبة الولي و قصر الايدي و الانظار كلية عن الحجة7 فلو لم‏يكن في هذه الفترة هداة يهدون العباد و يعمرون البلاد لما بقي احد الا ارتد عن الدين كما مر في فصل الاخبار فاذا ثبت انهم موجودون في كل عصر وجب اتباعهم و الانقياد لهم و الاذعان بهم و التسليم لهم و القبول منهم و الائتمار بامرهم و الانزجار عن نهيهم فان اللّه لايمنع لطفه عباده و لايقطع فيضه عنهم و كذلك اذا عرفت انه لابد من وجود هؤلاء و هم الهداة الذين بهم يهدي اللّه من يهدي فالعدول عنهم عدول عن الحق و الرجوع اليهم رجوع الي الحق و من انكرهم فقد انكر الحق و من عرفهم فقد عرف الحق و الكفر بهم كفر بالحق و الايمان بهم ايمان بالحق لانهم علي الحق و دعاة اليه فالرد عليهم رد علي اللّه و هو علي حد الشرك و جهلهم جهل الحق و معرفتهم معرفته و هؤلاء موجودون لامحه و اما من هم فلسنا بصدد بيانه

 

«* مکارم الابرارعربی جلد 8 صفحه 344 *»

فانه لو كتب في الكتب منهم او ذكر عند الجهال لعرفوا و اخذ برقابهم و خيف عليهم ما يخاف علي سيدهم و المقصود من وضع هذه الرسالة اثبات وجودهم و من طلب شيئاً و جد و استأهل وجد و لانريد الان من القوم الاّ ان‏يذعنوا بوجود رجال هكذا و لايعيبوا علينا اذا اعترفنا بوجودهم و اقررنا ثم ان عرفوا منا ان اولئك الرجال من هم فلينازعونا و اني لهم بذلك و انا لانعرفهم من ينكرهم و يعاندهم فهذا نحو دليل الموعظة علي جهة الاختصار و الاقتصار.

المـقام الثالث

في الاستدلال علي الركن الرابع و الضياء المتشعشع بالحكمة و هي حظ الخصيصين الاخيار و الخلصين الابرار المجتنبين عن الاغيار المتمحضين في حب الاولياء الاطهار عليهم صلوات اللّه الملك الجبار و لايمكن درك ذلك للخواص و اولي النهي و انما ذلك حظ اولي الافئدة و الابصار الذين اخلصهم اللّه بخالصة ذكر الدار و ان رمت ان تجوس خلال هذه الديار و تغوص لجج هذه البحار فلاتركض في البوادي و القفار و انظر في ما اقول بنظر الاعتبار و استعن باللّه العزيز الجبار لعلك تفوز مع الفائزين الاطهار اولي الايدي و الابصار.

اعلم انه لا شك و لا ريب ان اللّه سبحانه احد فلايثني و لايجزي فلايميز فلايعرف بوجه من الوجوه و لاتحيط به الاوهام و لاتدركه الاحلام و لايدرك باحد المدارك لان كل مدرك يحد نفسه و يشير الي مثله و لا خلق الاّ و هو زوج تركيبي كما قال اللّه سبحانه و من كل شي‏ء خلقنا زوجين و قال الرضا7 ان اللّه لم‏يخلق شيئاً فرداً قائماً بذاته للذي اراد من الدلالة عليه فجميع مدارك الخلق مركب من جزئين واللّه سبحانه احد فلايشاكل خلقه و لايماثل ما اوجده فلاتدركه الابصار و هو يدرك الابصار و هو اللطيف الخبير و انتهي المخلوق الي مثله و الجأه الطلب الي شكله الطريق مسدود و الطلب مردود ان الي ربك المنتهي فيئست الاحلام عن دركه و قنطت الاوهام عن فهمه فكلما ميزتموه باوهامكم

 

«* مکارم الابرارعربی جلد 8 صفحه 345 *»

في ادق معانيه فهو مخلوق مثلكم مردود اليكم و انما زعمتموه انه كنه الذات و ليس به و اني لكم دركه و اني و حتي و متي فاذا رجع من الوصف الي الوصف و انتهت المعارف الي اوصافه و رجعت المعالم الي نعوته و لاوصافه ايضاً مراتب شتي و مقامات عديدة و هي المقامات و المعاني المشار اليها في دعاء شهر رجب اللّهم اني اسألك بمعاني جميع ما يدعوك به ولاة امرك المأمنون علي سرك المستبشرون بامرك الواصفون لقدرتك المعلنون لعظمتك اسألك بما نطق فيهم من مشيتك فجعلتهم معادن لكلماتك و اركاناً لتوحيدك و اياتك و مقاماتك التي لا تعطيل لها في كل مكان يعرفك بها من عرفك لا فرق بينك و بينها الاّ انهم عبادك و خلقك فتقها و رتقها بيدك بدؤها منك و عودها اليك الدعاء، فرجوع جميع الاوهام الي هذه المقامات و الايات ولكن لها مراتب عديدة كل مقام يخص مرتبة و قد تجلي اللّه تعالي به لها علي حسبها من عالم السرمد الي عالم الملك التي تفاصيلها الكلية الف الف مقام في الف الف عالم و تفاصيلها الجزئية بقدر ما خلق اللّه من شي‏ء و ما في علمه من شي‏ء و لايحصيها الاّ اللّه سبحانه فاقام سبحانه في كل مقام له تجلياً خاصاً يناسب تلك الرتبة للاداء عنه بلسان اهلها اذ كانوا و لاتدركه ابصارهم و لاتحيط به خواطر افكارهم و لاتمثله غوامض ظنونهم في اسرارهم بل لايدركون ساير مقاماته العليا و علاماته التي هي فوقهم لان الادوات تحد انفسها و الالات تشير الي نظائرها الا تري ان الحواس الخمس الظاهرة ليس من شأنها ادراك عالم المثال و ان تلطفت و الحواس الخمس الباطنة ليس من شأنها ادراك المعاني الكلية و ان تدققت و انما حظها ادراك الصور المثالية فقط و العقل ليس من شأنه الاّ ادراك المعاني الكلية و ليس له ادراك الحقايق البريئة عن المعاني و الصور المجردة و المشوبة فالمقام الذي تجلي به و تعرف لاهل عالم العقول ليس للنفوس ادراك ذلك المقام و لا قصد ذلك المرام فانها لاتدرك الاّ النفوس و الصور المجردة و المقام المتجلي به للعقول من المعاني الكلية و كذا المقام الذي تجلي به و تعرف لاهل عالم النفوس ليس للاجسام دركه فانه لابد من مناسبة

 

«* مکارم الابرارعربی جلد 8 صفحه 346 *»

بين المدرك و المدرك لامحه و كذلك المقام المتجلي به في عالم المؤثرات و المنيرات ليس لاهل عالم الاثار ان‏يحيطوا به خبراً فانه قد استحال في العرض ان‏يدرك الداني العالي فكيف يمكن في الطول درك الداني للعالي و ليس له مشعر من جنسه و لا مدرك من شكله.

فتبين و ظهر ان اهل كل مقام لايرجعون الاّ الي ما تعرف اللّه لهم بهم و بجنسهم و شكلهم و الاّ لم‏تبلغ الحجة للّه سبحانه علي خلقه قال اللّه سبحانه لايكلف اللّه نفساً الاّ ما اتيها قال الصادق7 يعني ما عرفها و هو سبحانه يقول ماخلقت الجن و الانس الاّ ليعبدون قال الصادق7 اي ليعرفون و قال سبحانه كنت كنزاً مخفياً فاحببت ان اعرف فخلقت الخلق لكي اعرف فكان العلة الغائية المعرفة و المعرفة لاتحصل الاّ بان‏يتجلي لاهل كل رتبة من الرتب العرضية و الطولية بما يمكنهم ادراكه فلذلك تعرف لكل شي‏ء حتي لايجهله شي‏ء الاّ انه تعرف للعالي بالعالي و تعرف للداني بالعالي بالداني لا بنفس العالي كما برهنا عليه فاذا اللازم علي اهل كل رتبة ان‏يأووا في كنف ذلك التجلي المخصوص بهم و ان يحلوا بفنائه و يسكنوا في معقله و يصدروا عن امره و نهيه و يشدوا اليه رحال احلامهم و يقصدوه بتمام اوهامهم فهو الباب المبتلي به اهل تلك الرتبة من اتاه فقد نجا و من لم‏يأته فقد هوي لان الي ما فوقه لاتصل ايدي اوهامه و مادونه لاينفعه في بلوغ مرامه فهو واللّه هكذا ضال لايجد حيلة و لايهتدي سبيلاً الم تسمع قول الصادق7 نحن الاعراف الذين لايعرف اللّه الاّ بسبيل معرفتنا و في الزيارة الذين من عرفهم فقد عرف اللّه و من جهلهم فقد جهل اللّه و في حديث المعرفة النورانية معرفتي بالنورانية معرفة اللّه عزوجل و معرفة اللّه عزوجل معرفتي بالنورانية و سئل الصادق7 عن معرفة اللّه فقال هي معرفة الامام و قال بنا عرف اللّه و لولانا ماعرف اللّه و قال من عرف مواقع الصفة بلغ قرار المعرفة الي غير ذلك من الاخبار المتواترة

 

«* مکارم الابرارعربی جلد 8 صفحه 347 *»

فمنتهي الحظ ما تزود منه الـ                 ـلحظ و المدركون ذاك قليل

فهم: المقامات و العلامات و القدس الذي ملأ الدهر بانفهسم و اشعتهم و انوارهم كما في دعاء رجب فبهم ملأت سماءك و ارضك حتي ظهر ان لا اله الاّ انت فمن عرفه فقد عرفه بهم و من وحده قبل عنهم و من قصده توجه بهم و من اراده بدأ بهم.

فاذا عرفت ذلك و تبينت ما هنالك و اغمضت النظر في طي الاشارات و امعنت التدبر في خوافي العبارات فاعلم ان اللّه سبحانه قد خلق محمداً و آل محمد:قبل ان‏يخلق العوالم بالف الف دهر حيث لا سماء مبنية و لا ارض مدحية و لا شي‏ء من ساير خلقه ثم خلق من شعاع انوارهم الانبياء و المرسلين و اوصيائهم المكرمين ليس لاحد في مثل الذي خلقهم منه نصيب ثم اصطفي من طين الانبياء و المرسلين طينة شريفة مكرمة بسبب سبق اجابتها اذ نادي الانبياء في الذر الاول علي احد المعاني في الخلق الاول عن يمين العرش و اوقد لهم ناراً فامرهم بدخولها فاجابت تلك الطينة المشرفة المكرمة قبل جميع الانبياء فدخلت النار و بوركت ثم بورك بها من حولها فكانت في هذا الخلق اول ما خلق و اسبقها فجعلها علي اربعة عشر جزءاً علي اربعة عشرة هيكلاً فانزل اللّه سبحانه نور محمد9فاسكنه في اوسط تلك الهياكل و اشرفها و اعدلها و اكملها فقام بين ظهرانيهم داعياً الي اللّه سبحانه ناطقاً بنور محمد9 بعد ما استولي عليه النور و افناه من حيث نفسه و اوجده به فاعطاه اسمه و رسمه و حده فهو محمد9 في رتبة الانبياء لايعرفون الاّ اياه و لايصلون الاّ اليه و لايهتدون الاّ به و اليه فهو نبيهم و داعيهم الي اللّه سبحانه و انزل الانوار الثلثة عشرة الي الاجزاء الثلثة عشرة فاعطي كلَ جزء كلُ نور اسمه و رسمه فلايعرفون اهل تلك الرتبة الاّ اياهم و لايهتدون الاّ بهم و اليهم و ذلك لانه ليس للانبياء مدرك من غير سنخ طينهم فلايعرفون الاّ ما هو من شكلهم و من طينهم و لو بادق اوهامهم فلذلك تجلوا بمثلهم لهم و قالوا انما نحن بشر مثلكم

 

«* مکارم الابرارعربی جلد 8 صفحه 348 *»

يوحي الينا انما الهكم اله واحد و لانه لو واجهوهم من غير حجاب مجانس لهم لاحرقت سبحات وجههم جميع اكوانهم و اعيانهم و لم‏يمكن لهم ان‏ينتفعوا منهم بوجه من الوجوه و لم‏يمكن ايضاً علي نهج الحكمة و الصواب ابلاغ الاوامر و النواهي اليهم لانهم ما كانوا يستطيعون السمع لهم و النظر اليهم لشدة حر اصواتهم و عظمها في لطافتها و خفائها فكانوا يتلاشون و يضمحلون بمحض استماع امرهم و نهيهم بلا واسطة فنظروا اليهم من وراء الحجاب و خاطبوهم من خلف الباب و غسلوا نار اوامرهم و نواهيهم في اليم العباب حتي اطاقوا الاستماع لها و الجواب فكلفوهم بلسانهم و واجهوهم بهياكلهم فساروا علي ذلك في جميع عوالم الخلق الاول و مراتبه في كل عالم بحسبه.

ثم خلق من شعاع الخلق الاول الخلق الثاني عن يسار العرش و لم‏يجعل لاحد في مثل الذي خلقهم منه نصيب فاصطفي من طينهم طينة شريفة لطيفة كاملة معتدلة فجعلها علي اربعة عشر جزءاً فاهبط تلك الانوار الاربعة عشر الملبسة عليها لباس الخلق الاول فاسكنها في هذه الهياكل الثانية و الاجزاء الدانية فاستولت عليها و مكنتها و احرقتها و كلستها و اعدتها فظهرت علي جميع ما فيها و احاطت بظاهرها و خافيها فاعطتها اسمها و رسمها و حدها و نعتها فكانت محمداً و علياً و الحسن و الحسين و ساير الائمة: حقيقةً و قاموا في ناديهم و دعوا الي اللّه سبحانه و كانوا ايضاً هيهنا في العالم الذر الثاني علي احد المعاني اول من سبقوا الي الاجابة و دخول النار نار التكليف فهم السابقون السابقون في كل مقام سابقون في الاجابة سابقون في الكينونة ثم اخذ طينة مما تأخر من السابقين في الاجابة فجعلها علي عدد المرسلين اجزاء ثلثمأة و ثلثة عشر فاسكن فيها انوار المرسلين فاستولت عليها و مكنتها و احرقتها و كلستها و اعدتها فظهرت علي جميع مراتبها فاعطيها اسمها و رسمها و حدها و نعتها فكانوا مرسلين ثم اخذ طينة اخري ادون منها فجعلها علي عدد الانبياء اجزاء تبلغ مأة الف و ثلثة و عشرين الف و ست مأة و سبعة و ثماين جزءاً فاسكن فيها انوارهم كما مر فكانوا انبياء ثم اخذ طينة اخري ادون منها فجعلها علي عدد الاوصياء اجزاء تبلغ مأة الف و اربعة و عشرين الفاً فاسكن فيها انوارهم كما مر فقاموا بين ظهراني المؤمنين الي

 

«* مکارم الابرارعربی جلد 8 صفحه 349 *»

اللّه يدعون و به يعدلون و للحق يهدون و لو هبطت انوار آل محمد: في هذه الهياكل قبل تلبسها بلباس الانبياء لاحرقت سبحاتها جميع اهل هذه الرتبة فاطفأ اللّه حرها في يم الخلق الاول ثم اطفأها في يم الخلق الثاني حتي قدروا ان‏ينظروا اليها و يستفيدوا منها و يسمعوا اوامرها و نواهيها و يمتثلوها فهم: من وجه الحكمة المحكمة و التدابير المتقنة لاينظرون اليهم و لايكلموهم و لايصغون اليهم الاّ من هيكلهم و هم ايضاً من عجزهم و ضعفهم لايقدرون ان‏ينظروا او يكلموا او يصغوا الاّ الي ذلك الهيكل الذي بناه اللّه لهم بحكمته و بيان هذين المقامين يكفي العالم الفطن عن بيان ساير مراتب سلسلة الخلق و لما كان غرضنا ينتهي الي هنا لانتعداه فهذه لك ايضاً مقدمة اخري تهدي الي الحق و الي طريق مستقيم.

و اخري ان المرايا تختلف بحسب اختلاف الشواخص فلاينطبع كل شاخص في كل مراة و لاتري كل مراة كل شاخص الا تري ان الاصوات و هياتها و الرياح و هبوبها لاتنطبع في الزجاجة ابداً و لاتري الزجاجة صوتاً ابداً و انما تري الالوان و الاشكال فقط و اما الريشة اللطيفة او الخرقة الرقيقة الشفيفة تنطبع فيها هيات الهواء و حركاتها و سكناتها و سرعتها و بطؤها و فتتحرك علي نحو حركاتها و كمها و كيفها و كذلك الاذن فانها مراة تنطبع فيها الاصوات و لاتنطبع في العين و اما العين فتنطبع فيها الالوان و الاشكال لا الاصوات و الانف تنطبع فيه الروايح لا غيرها و لاتنطبع في غيره و الطعم لاينطبع في غير الفم و لايري الفم الاّ اياه و هكذا مرات بنطاسيا لاتري الاّ البرازخ المثالية و الصور الجزئية البرزخية و المتخيلة لاتري الاّ الصور المثالية المحضة و لاتنطبع الاّ فيها و المتفكرة لاينطبع فيها الاّ الربط بين الصورتين و المرات المتوهمة لاينطبع فيها الاّ الصور الجزئية المتخذة من الامكان لا الاكوان الخارجية و العالمة لاينطبع فيها الاّ الصور الجزئية المجردة و العاقلة لاينطبع فيها الاّ المعاني الجزئية و هكذا ساير المرايا العرضية و كذلك المرايا الطولية فلا كل جماد ينطبع فيه الروح النباتي حتي يعتدل و يصفي و يرق فاذا اعتدل و صفي ينطبع فيه النفس النباتية و يريها و لا كل نبات ينطبع فيه النفس الحيوانية حتي يعتدل اعتدالاً

 

«* مکارم الابرارعربی جلد 8 صفحه 350 *»

ثانياً و يرق رقة الفلكيات و العلويات فاذا اعتدل و صفي و رق حتي شابه العلويات انطبع فيه روح الحيوة ثم يختلف مراتب الحيوان بحسب اختلاف رقته و لطافته و اعتداله فمهما كان برقة فلك القمر و اعتداله ينطبع فيه روح فلك القمر و يشاركه في الاسم و الرسم و لاينطبع فيه روح فلك عطارد حتي يرق ثانياً نحو رقته و يعتدل نحو اعتداله و هكذا فلك بعد فلك فكلما ترقي و اعتدل اكثر انطبع فيه روح فلك يماثله حتي اذا رق و صفي و اعتدل مثل رقة الكرسي و اعتداله و صفائه ينطبع فيه روح الكرسي و اذا رق و صفي و اعتدل كرقة العرش و اعتداله و صفائه ينطبع فيه روحه و هذان الاعتدالان لايكونان الاّ في الانسان ثم لا كل حيوان ينطبع فيه روح الانسان و النفس الناطقة حتي يعتدل ثالثاً و يصفي و يرق صفاءً و رقةً و اعتدالاً يمكن ان‏ينطبع فيه النفس الناطقة القدسية فعند ذلك يكون انساناً ثم لا كل انسان ينطبع فيه روح القدس و روح الوصاية للانبياء و روح الرسالة و النبوة حتي يرق و يصفي رقة اخري و صفاء اخر يناسب روح القدس بمراتبه ثم لا كل نبي ينطبع فيه الروح العلوي و المحمدي حتي يرق و يصفي و يعتدل غاية الرقة و الصفاء و الاعتدال فحينئذ ينطبع فيه تلك الروح و هكذا علي ما بينا و شرحنا و اوضحنا فهذه ايضاً مقدمة اخري فاحفظها و اعلم ان كل ما نذكره لك في هذا الفصل ابواب من العلم يفتح منها ابواب كثيرة واللّه الموفق للصواب.

و مقدمة اخري ان الفيض الفائض من المبدء الفياض من اول صدوره الي غاية بروزه و شهوده كوناً و عيناً متدرج بعضه ببعض مندمج بعضه في بعض متصل بعضه ببعض بين كل جزئين منه برزخ رابط لامحه لان الفيض لاينقطع و الوجود ليس فيه طفرة لان العدم البحت البات لايتخلل بين وجودين و عدم الكون و العين الامكاني لايحد بين الكونين و العينين فانه يحد بهما و يعيّن بالحدين فاذا حد فهو كون لا امكان محض مع ان الامكان الغير المتعين لاينزل في حد الكون المتعين الاّ بالتعين فالطفرة بين اجزاء الوجود غير معقولة و وجود البرازخ لازم واجب بين كل جزئين من الكون و العين و القوابل و المقبولات و المرايا و الاشباح و الشواخص و الجواهر و الاعراض من الزمان و المكان و الكم

 

«* مکارم الابرارعربی جلد 8 صفحه 351 *»

و الكيف و الجهة و الرتبة و الوضع و الاجل و غيرها في جميع مراتب الوجود فاذاً لابد و ان‏يكون المقبول مترامياً متدرجاً مترتباً من لدن المبدء الي غاياته و قوابله ايضاً مترامية متدرجة مترتبة من لدن المبدء الي غاياتها الاّ ان كلاً منهما يختلف بحسب القرب و البعد في اللطافة و الكثافة و الانورية و الاظلمية و مثال ذلك ظاهر في شعاع السراج فانه مترام من لدن السراج الي غايته متدرجاً مندمجاً مترتباً متبرزخاً علي نحو السيلان بلا انقطاع و لا انفصال اذ لايمكن ان‏يكون الاقرب الي مبدء النور مظلماً و الابعد مستنيراً فلو كان فصل بين جزئي الشعاع لكان الفاصل ظلمة و لكانت تلك الظلمة اقرب الي السراج من النور المنفصل بها عن المتقدم عليها و ذلك غير معقول و هو خلاف الحكمة فيستحيل الطفرة في الوجود و لايمكن ادراكه بل لو كانت طفرة لدلت علي تعدد المنير من الجهتين فان معه يمكن تخلل الظلمة بين النورين و اذا لذهب كل اله بما خلق و بطل النظام و ليس عدم جواز الطفرة منحصراً في الطول و العرض المرتب بل كذلك الامر في العرض الغير المرتب فان اللّه سبحانه يقول ماتري في خلق الرحمن من تفاوت و لو كان من عند غير اللّه لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً و العرضية الغير المرتبة هي تنزل العرضي المرتب و الطولي حرفاً بحرف و لان بين اللطيف غاية اللطافة و الكثيف لابد من رابط في اي رتبة كان فافهم فهذه لك مقدمة اخري سديدة يفتح منها ابواب كثيرة فاذا ضممت هذه المقدمات بعضها ببعض نتجت لك نتايج غريبة عجيبة لاتوجد في كتاب و لم‏يجر ذكرها في خطاب و منها ما نحن بصدده من امر الركن الرابع و الضياء اللامع و النور الساطع فاستعد لفهم ما اقول واللّه المرفق المأمول.

اعلم ان اللّه سبحانه بعد ما خلق المؤمنين من شعاع الانبياء و ترامي ذلك الشعاع من لدن المنير الي غايته لابد و ان‏يكون له مراتب عديدة متبرزخة في القوة و الضعف و كثرة النور و قلته و الاّ للزم الطفرة في الوجود و تلك كما عرفت مستحيلة فلذلك الشعاع المستطير مراتب و من البين ان مقام النبوة مقام العصمة و

 

«* مکارم الابرارعربی جلد 8 صفحه 352 *»

الطهارة و المراد بالعصمة استهلاك جهة الانية و ظلمتها و قوة جهة الرب و نوره في الشي‏ء حتي لايكون لتلك الظلمة اثر في ايجاد الاقوال و الاحوال و الافعال و الاثار و الصفات علي حسب مقتضاها كالبلورة الصافية الواقعة تحت الشمس التي ليس لها ظلمة و لا ظل علي حسب مقتضي انيتها و انما استهلكت و استفنت و اضمحلت و تلاشت في جنب الشمس فلا فعل الاّ منها و لا اثر الاّ لها ٭فكأنما خمر و لا قدح٭ و هنالك الولاية للّه الحق فالمعصوم هو الذي اضمحلت انيته و تلاشت ماهيته و فنت مشيته في جنب اللّه سبحانه فلاينطق الاّ باللّه و لاينظر الاّ باللّه و لايسمع الاّ باللّه و لايفعل الاّ باللّه كما ورد في القدسي مايتقرب الي عبدي بشي‏ء احب الي مما افترضته عليه و انه ليتقرب الي بالنافلة حتي احبه فاذا احببته كنت سمعه الذي يسمع به و بصره الذي يبصر به و لسانه الذي ينطق به و يده التي يبطش بها ان دعاني اجبته و ان سألني اعطيته و في القدسي ايضاً يابن آدم انا رب اقول للشي‏ء كن فيكون اطعني فيما امرتك اجعلك مثلي تقول للشي‏ء كن فيكون انتهي، فاذا كان المنير هكذا و الاثر ينبغي ان‏يكون علي هيئة مؤثره الاّ ان‏يلحقه برد البعد فيتكثف و يتنزل علي حسبه وجب ان‏يكون شعاعه في اول صدوره و قربه الاقرب مشاكلاً له لامحه لانه ليس في هذه الرتبة شي‏ء غير اثر ذلك المنير و نوره الاّ ما يحدث من نفس الاثر من البرد اللازم لتباعده عن مبدئه ففي اول صدوره هو اثر علي هيئة مؤثره و لا مغير له عن مشابهته فلابد و ان‏يكون علي هيئته ثم كلما بعد ضعف شيئاً فشيئاً حتي ينتهي الي غاياته علي نحو التدرج و الترتب و التبرزخ علي ما بينا و شرحنا و اوضحنا من غير طفرة و لاتخلل و الاّ لفسد النظام و بطل القوام.

فلابد و ان‏يكون بين ضعفة الشيعة المؤمنين و بين الانبياء جماعة اقوياء و يكونوا اشبه المؤمنين بالانبياء و اكثرهم علماً و اقربهم بالعصمة ثم يتدرج مراتب المؤمنين و يكون بعدهم من هو ادني منهم ثم بعد الادنين من هو ادني منهم و هكذا و يكون كل سابق اشبه بمبدئه من لاحقه و اكثر علماً و اشد حلماً و اقوي نوراً و هكذا و الاّ للزم الطفرة و هي كما عرفت مستحيل في الوجود و هذا هو الذي قاله الصادق

 

«* مکارم الابرارعربی جلد 8 صفحه 353 *»

7 ان اللّه سبق بين المؤمنين كما يسبق بين الخيل يوم الرهان ثم فضلهم علي درجاتهم بالسبق اليه فجعل كل امرء منهم علي درجة سبقه لاينقصه فيها من حقه و لايتقدم مسبوق سابقاً و لا مفضول فاضلاً تفاضل بذلك اوائل هذه الامة و اواخرها و لو لم‏يكن للسابق الي الايمان فضل علي المسبوق اذا للحق اخر هذه الامة اولها نعم و لتقدموهم اذا لم‏يكن لمن سبق الي الايمان الفضل علي من ابطأ عنه ولكن بدرجات الايمان قدم اللّه السابقين و بالابطاء عن الايمان اخر اللّه المقصرين لانا نجد من المؤمنين من الاخرين من هو اكثر عملاً من الاولين و اكثر صلوةً و صوماً حجاً و زكوةً و جهاداً و انفاقاً و لو لم‏يكن سوابق يفضل بها المؤمنون بعضهم بعضاً عند اللّه لكان الاخرون بكثرة العمل متقدمين علي الاولين ولكن ابي اللّه عزوجل ان‏يدرك اخر درجات الايمان اولها و يقدم فيها من اخر اللّه و يؤخر فيها من قدم اللّه الخبر، و قد مر في الفصل الاول و هذا ايضاً معني قول الصادق7 لو علم الناس كيف خلق اللّه تبارك و تعالي هذا الخلق لم‏يلم احد احداً فقلت اصلحك اللّه و كيف ذاك فقال ان اللّه تبارك و تعالي خلق اجزاء فبلغ بها تسعة و اربعين جزءاً ثم جعل الاجزاء اعشاراً فجعل الجزء عشرة اعشار ثم قسمه بين الخلق فجعل في رجل عشر جزء و في اخر عشري جزء حتي بلغ به جزءاً تاماً و في اخر جزءاً و عشر جزء و اخر جزءاً و عشري جزء و اخر جزءاً و ثلثة اعشار جزء حتي بلغ به جزئين تامين ثم بحساب ذلك حتي بلغ بارفعهم تسعة و اربعين جزءاً فمن لم‏يجعل فيه الاّ عشر جزء لم‏يقدر علي ان‏يكون مثل صاحب العشرين و كذلك صاحب العشرين لايكون مثل صاحب الثلثة الاعشار و كذلك من تم له جزء لايقدر علي ان‏يكون مثل صاحب الجزئين و لو علم الناس ان اللّه عزوجل خلق هذا الخلق علي هذا لم‏يلم احد احداً انتهي.

 

«* مکارم الابرارعربی جلد 8 صفحه 354 *»

فتبين للمنصف الخبير ان مراتب المؤمنين تختلف فمن كان فيه تسعة و اربعون جزءاً من الايمان اشرف و اعلي و اشبه بمبدئه ممن له ثمانية و اربعون جزءاً و كذلك من له ثمانية و اربعون جزءاً اشبه بمبدئه ممن له سبعة و اربعون جزءاً و هكذا الي ان من له عشر جزء ابعد من مبدئه ممن له عشران و من له عشران ابعد ممن له ثلثة اعشار و هكذا و السر في ان المراتب تسع و اربعون مرتبة ان الانسان يدور في ست دورات دورة جمادية و دورة نباتية و دورة حيوانية و دورة ملكية و دورة جنية و دورة انسانية و كل مرتبة من هذه المراتب لها ثمانية مقامات فؤاد و عقل و روح و نفس و طبيعة و مادة و مثال و جسم فذلك ثمانية و اربعون مقاماً و اما التاسع و الاربعون فهو مقام البرزخية الكبري و الوساطة العظمي بين الانبياء و المؤمنين و هي الغاية القصوي من الايمان و الدرجة العليا منه فذلك تسعة و اربعون مقاماً للايمان و قد جعلها اللّه سبحانه اعشاراً فجعل كل جزء علي عشرة اجزاء فان كل مرتبة منها مركبة من تسع قبضات من افلاكها و جزء من ارضها و قد خلق اللّه سبحانه كل واحد من المؤمنين في درجة و جعل في كل واحد منهم جزءاً و كل من له جزء اعلي له الاجزاء الدانية لامحه الي ان‏يبلغ الدرجة التسعين و اربع مأة فهو حائز لجميع المراتب واقف علي الطتنجين ناظر في المشرقين و المغربين مالك الرياستين و هو مجمع البحرين و المستولي علي العالمين.

فاذا عرفت ان الايمان له هذه الدرجات و المؤمنون مختلفون في حيازتها فالشيعة الكاملون البالغون الذين هم بمنيرهم شبيهون هم الذين حازوا جميع درجات الايمان و ارتقوا علي جميع مدارج الايقان كمثل سلمان حيث روي ان الايمان له عشر درجات و السلمان في الدرجة العاشرة و قد مر في صفات الشيعة انهم الذين يأتمرون اوامر ائمتهم و ينزجرون عن نواهيهم و لايخالفونهم في شي‏ء من اوامرهم و لايرتكبون شيئاً من فنون زواجرهم و هذه الرتبة اخت العصمة و شقيق الطهارة و اني لجميع المؤمنين مثل هذا المقام و لما بينا ان الطفرة في الوجود مستحيلة ثبت لزوم وجود جميع اقسام المؤمنين الواقفين في هذه المراتب فلو لم‏يكن مؤمن واقف علي الدرجة العليا لم‏يكن يوجد المؤمن

 

«* مکارم الابرارعربی جلد 8 صفحه 355 *»

الواقف علي الدرجة الدنيا لانقطاع الفيض و الطفرة بسبب فقد المؤمن السابق فلم‏يكن يصل الفيض الي المؤمن اللاحق حتي يوجد في الرتبة الدنيا فبذلك تبين لزوم وجود النقباء و النجباء في كل عصر كما نطق به الكتاب و السنة علي ما مر بحيث لايعتريه شك و لا ارتياب لمن دخل البيوت من الابواب.

بقي شي‏ء و هو تعيين درجة النقباء و النجباء و اصنافهما، اعلم ان النقباء و النجباء صنفان نقباء و نجباء برزخيون و نقباء و نجباء فؤاديون فالبرزخيون منهما صنفان نقباء كليون و نقباء جزئيون و النجباء صنفان نجباء كليون و نجباء جزئيون فالنقيب الكلي هو الواقف في مقام العرش من المقامات العشرة البرزخية الكبري و النقيب الجزئي واقف في مقام شمس ذلك العالم و النجيب الكلي واقف في مقام كرسي ذلك العالم و النجيب الجزئي واقف في مقام قمر ذلك العالم فالنجيب الكلي مستمد من النقيب الكلي و نسبته اليه كنسبة الكرسي الي العرش و هو نسبة الواحد الي السبعين و النقيب الجزئي مستمد من النجيب الكلي و نسبته اليه كنسبة الشمس الي الكرسي و هو نسبة الواحد الي السبعين الاّ انه في هذه الرتبة ظهور النقيب الكلي و ايته و دليله و جلوته في عالم الشهادة بالنسبة الي ذلك العالم و النجيب الجزئي مستمد من النقيب الجزئي و نسبته اليه نسبة القمر الي الشمس و هو نسبة الواحد الي السبعين الاّ انه يحكي النجيب الكلي و هو ظهوره و آيته و دليله و جلوته في عالم الشهادة فمقام النقيب الكلي مقام العقل الكلي و العرش المحيط بجميع الافلاك و العناصر و المقامات و المراتب و النجيب الكلي مقامه مقام النفس الكلية و الكرسي الواسع لجميع السموات و الارض و هما اخوان في اللّه بابان من ابواب الغيب كما قال ابوعبداللّه في حديث معني العرش ثم العرش في الوصل منفرد عن الكرسي لانهما بابان من اكبر ابواب الغيوب و هما جميعاً غيبان و هما في الغيب مقرونان لان الكرسي هو التأويل الظاهر من الغيب الذي منه مطلع البدع و منه الاشياء كلها و العرش هو الباب الباطن الذي يوجد فيه علم الكيف و الكون و القدر و الحد و الاين و المشية و صفة الارادة و علم الالفاظ

 

«* مکارم الابرارعربی جلد 8 صفحه 356 *»

و الحركات و الترك و علم العود و البدء فهما في العلم بابان مقرونان لان ملك العرش سوي ملك الكرسي و علمه اغيب من علم الكرسي فمن ذلك قال رب العرش العظيم اي صفته اعظم من صفة الكرسي و هما في ذلك مقرونان قال حنان جعلت فداك فلم صار في الفضل جار الكرسي قال انه صار جاره لان علم الكيفوفة فيه و فيه ظاهر من ابواب البداء و ابنيتها و حد رتقها و فتقها فهذان جاران احدهما حمل صاحبه في الطرف الخبر فالنقيب و النجيب بابان من اكبر ابواب الغيوب ولكن النجيب هو ظاهر العرش اي النقيب و تفصيله و تنزله لاعطاء كل ذي حق حقه و السوق الي كل مخلوق رزقه و النقيب عنده العلم الاجمالي و مبدء الاشياء علي الكلية و المعنوية و هو غيب الكرسي اي النجيب و ان كان معاً غيبان و في الغيب مقرونان و اما النقيب الجزئي فهو ظهور النقيب الكلي في عالم الشهادة و عنده علم اجمال الشهادة و كليات عالم الشهادة و علم المواد و النجيب الجزئي هو ظهور النجيب الكلي في عالم الشهادة و عنده علم الجزئيات و الصور المقرونة بالمواد.

و اما النقباء و النجباء الفؤاديون فهم ايضاً صنفان علي ما بينا و النقيب الفؤادي حاك للنقيب البرزخي كليه لكليه جزئيه لجزئيه و ان كان كليه تابعاً للنجيب الجزئي البرزخي مستمدا منه و النجيب الفؤادي حاك للنجيب البرزخي كليه لكليه جزئيه لجزئيه و ان كان النجيب الكلي الفؤادي تابعاً للنقيب الكلي الفؤادي و جزئيه تابعاً لجزئيه علي ما بينا فالنقيب الكلي الفؤادي و ان كان نقيباً ليس يحتمل ما يحتمله البرزخيون ابداً و ليس يكلف بما كلفوا به من علم التوحيد و ليس عليه في عدم احتماله ما يحتملونه لوم لانه لم‏يوضع فيه الاّ الدرجة الثامنة و الاربعون من الايمان و لايكلف اللّه نفساً الاّ ما اتيها و كذا النقيب الجزئي بالنسبة الي النقيب الكلي الا تري ما قال الصادق7 لو علم ابوذر ما في قلب سلمان لكفره او لقتله مع ان اباذر كان نقيباً و لو كان ابوذر في درجة سلمان و كان بحيث لو اطلع علي ما في قلب سلمان لكفره لكان يكفر قبل ان‏يطلع فان من كان في قلبه ان لو كلفني

 

«* مکارم الابرارعربی جلد 8 صفحه 357 *»

اللّه و رسوله بشي‏ء لاردنه و لاتركنه لكفر قبل ان‏يأمره اللّه و رسوله فمن تكفير ابي‏ذر لو اطلع و كونه نقيباً عرف انه لم‏يكن في درجته.

و بما ذكرنا يظهر ان ما يقوله لنا المذبذبون بيننا و بين من خالفنا ان انكار مخالفيكم عليكم لايورث فيهم كفراً كما كان ابوذر يرد علي سلمان لو اطلع علي قلبه و هو مع ذلك مؤمن فهؤلاء اطلعوا علي قلوبكم بتصريحكم و انكروا فلايقدح انكارهم فيهم كما لم‏يكن انكار ابي‏ذر قادحاً فيه، كلام نشأ عن صرف التلبيس علي امثالهم فان ما نظهره نحن من فضائل آل محمد: فضائل ظاهرة قد نزل بها الكتاب المقروء علي الخاص و العام و وردت في اخبار و خطب خطبها اميرالمؤمنين7علي المنابر بين النواصب و الخوارج و العامة و الشيعة و كلفهم بها فلو كانت من الفضائل الخفية المكنونة لما اظهروها علي رؤوس الاشهاد و لما ذكرها العلماء المسلمون في كتبهم و لاخرجوها عن زبرهم و طرسهم و اما الفضائل المكنونة فليس يجري ذكرها علي السنتنا و لا رسمها في طرسنا ابداً و قد قال علي7 بل اندمجت بمكنون علم لو بحت به لاضطربتم اضطراب الارشية في الطوي البعيدة و قد قال ابوعبداللّه7لابي‏بصير اما واللّه لو اني وجدت منكم ثلثة مؤمنين يكتمون حديثي ما استحللت ان‏اكتمهم حديثاً و انا نحن بمنّ اللّه و الطافه قد حزنا من فضائلهم اموراً يضيق الصدر باظهارها و لايضيق بكتمانها و لسنا نبديها لاحد من موالينا و معادينا، قال علي بن الحسين7:

اني لاكتم من علمي جواهره   كيلا يري الحق ذو جهل فيفتتنا
و رب جوهر علم لو ابوح به   لقيل لي انت ممن يعبد الوثنا
و لاستحل رجال مسلمون دمي   يرون اقبح ما يأتونه حسنا
و قد تقدم في هذا ابوحسن   الي الحسين و وصي قبله الحسنا

و قال الشاعر:

نلت ما لو استطع ان افشيه   لاضطربتم اضطراب الارشية

فمتي اطلع مخالفونا علي كوامن صدورنا حتي يكونوا بانكارهم علينا معذورين

 

«* مکارم الابرارعربی جلد 8 صفحه 358 *»

هذا و ما نذكره لهم امور نستشهد عليهم بالكتاب المجمع علي تأويله و السنة الجامعة الغير المتفرقة بل اقرّ بها العامة العمياء اعداء آل محمد: الكاتمين لفضائلهم ما استطاعوا و ما نذكره لهذا الخلق المنكوس امور قد اقر بها العامة و ما استطاعوا ان‏يكتموها و لو استطاعوا لكتموها و قد استشهدنا علي ما نقول بما ذكره النواصب في مدحهم في كتبهم في كثير من مباحثاتنا الخاصة و العامة فلم‏يزد الظالمين الاّ حنفاً و غيظاً و كبراً و عتواً قد بدت البغضاء من افواههم و ما تخفي صدورهم اكبر فان كان هؤلاء المخالفون لنا اقل ايماناً و ادني درجة من العامة العمياء فلايحتملون ما احتملوه فهم معذورون و الاّ فلا عذر لهم عند اللّه و هم من الذين قال اللّه سبحانه فيهم الذين يكتمون ما انزلنا من البينات و الهدي من بعد ما بيناه للناس في الكتاب اولئك يلعهنم اللّه و يلعهنم اللاعنون و قال تعالي و لما جاءهم كتاب من عند اللّه مصدق لما معهم و كانوا من قبل يستفتحون علي الذين كفروا فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به فلعنة اللّه علي الكافرين فكانوا من قبل ان‏نظهر علومنا بفضائل آل محمد: يستفتحون بالكتاب و بآل محمد: علي العامة العمياء فلما جاءهم رجل يظهر فضائل آل محمد: و انثال المحبون عليه يستريحون بسماعهم فضائل آل محمد: و يسكنون اليه لذكره فضائل محبوبهم و عرفوا انه محب لآل محمد:مقر بفضائلهم منهمك في ودادهم داع اليهم منقطع عن كل شي‏ء اليهم كفروا بالكتاب الذي كانوا مقرين به و بآل محمد: الذين كانوا ينسبون انفسهم اليهم فاني يعذرون بانكارهم و اني يثابون بتكفيرهم حاشا ثم حاشا بل هم مؤاخذون به اشد الاخذ يلعنهم اللّه و يلعنهم اللاعنون حتي انفهسم فانهم بانفسهم يقولون لعن اللّه منكر فضائل آل محمد: و هم المنكرون و اشباههم و اقرانهم فلنرجع الي ما كنا فيه من ذكر درجات النقباء و النجباء.

فالفؤاديون ليس لهم مقام البرزخيين و لايكلفون بتكليفهم قال اللّه سبحانه معاذ اللّه ان‏نأخذ الاّ

 

«* مکارم الابرارعربی جلد 8 صفحه 359 *»

من وجدنا متاعنا عنده انا اذاً لظالمون و لا نقيب و لا نجيب ادني من الفؤاديين الاّ بالمعني الاخس الادني و هو علي سبيل التجوز لا الحقيقة و هم العقليون فالنقباء العقليون مقامهم مقام عرش العقول و هم الكليون و النجباء العقليون مقامهم مقام كرسي عالم العقول و هم الكليون و اما النقباء الجزئيون فمقامهم شمس عالم العقول و النجباء الجزئيون مقامهم قمر ذلك العالم و هؤلاء النقباء و النجباء ليسوا بشي‏ء و انما هم برازخ بين الموحدين و المشركين و ذلك لان ميادين التوحيد اربع مأة و تسعون ميداناً عشرون منها ميدان نجاة و اربع مأة و ستون منها ميدان هلاك و عشرة منها برزخ بين النجاء و الهلاك و هي مقامات العقل تسعة من افلاكها و واحدة من ارضها و هذه الميادين ان سير فيها من حيث الرب و الاعلي فنجاة و ان سير فيها من حيث نفسها فهلاك و اما ساير الميادين الاربع مأة و الستين فهي ميادين هلاك ظلمات بعضها فوق بعض اذا اخرج يده لم‏يكد يريها و من لم‏يجعل اللّه له نوراً فما له من نور و ذلك لان جميعها مركب موصوف فمن عرف اللّه بها فقد عرفه بالتركيب و التوصيف و ذلك مستلزم للشرك في الذات و وصفه بصفات الحوادث كما حقق في محله فالواقفون مقام العقل ان كانوا يعرفون اللّه بما ظهر لهم بهم و نزهوه عن وصف المعاني الكلية و التركيب و التوصيف فسبيلهم سبيل خير و هم علي خير و الي خير و ان لم‏يكونوا من الخصيصين و ان كانوا يعرفونه بالمعنوية و الكلية و التركيب العقلي فهم ايضاً من الهالكين و المشركين لان اللّه سبحانه احد و الاحد ينافي التركيب في الذات فاذا عرفه و وصفه بالتركيب فقد الحد فيه و وحده بتوحيد خلقي اي وحده بالواحدية لا الاحدية و لسنا هنا بصدد بيان مقامات التوحيد فهؤلاء الواقفون في مقام العقل العارفون باللّه الموحدون اللّه بما ظهر لهم باعلي العقل و هو العقل المرتفع عن شائبة الكلية و المعنوية ايضاً علي علي قسمين منهم النقباء و منهم النجباء و كل من القسمين كلي و جزئي علي ما بينا و شرحنا فالنقباء و النجباء نوعاً اثناعشر كما تبين و ظهر.

فاذا عرفت ذلك فاعلم ان من انصف في ما ذكرنا و عرف ان مقام النقباء و النجباء مقدم في الخلق و انهم الوسائط بين الائمة: و رعيتهم كما

 

«* مکارم الابرارعربی جلد 8 صفحه 360 *»

قال اللّه سبحانه و جعلنا بينهم و بين القري التي باركنا فيها قري ظاهرة و قدرنا فيها السير سيروا فيها ليالي و اياماً امنين عرف ان معرفتهم لازمة فان من لم‏يعرفهم اما منكر لهم و اما ضال و كلاهما مدبران عنهم معرضان عن جهتهم فينقطع عنه الفيوضات الشرعية و انوارها باسرها فان جميع الفيوضات و الامداد يصل اليه اولاً و منه ينزل الي مادونه فما لم‏يكن القابل قابلاً مستمداً من مبدئه لم‏يصل اليه ابداً لان اللّه سبحانه هو الغني المطلق و قال قل مايعبؤ بكم ربي لولا دعاؤكم فمن لم‏يعرف لم‏يدع و من لم‏يدع لايعبؤ به و من لايعبؤ به كوناً لم‏يوجد و من لايعبؤ به شرعاً لم‏يسعد فتبين ان معرفتهم لازمة في الدين و ركن من اركان الايمان و اليقين لان اللّه سبحانه لم‏يتجل لاحد الاّ بسابقة له به و كذا رسوله و ائمته: لم‏يعرفوا انفسهم لاحد الاّ بسابقة له به كما يأتي فالنقباء و النجباء هم اركان الدين و اساطين الايمان و اليقين فمن عرفهم فامامه عليون و من انكرهم فامامه سجين و اما من جهله و كان مستضعفاً و لم‏يسمع الخلاف فيؤجل الي يوم القيمة و يعرض علي النار و هي المدد المفاض من السابق فان كل ما ينزل من العالي الي الداني هو نار الداني فان دخلها فهو من اهل النجاة و اليقين و ان امتنع منه فهو المقبل علي سجين و النازل اسفل سافلين و لانريد بالكفر الاّ ستر الحق و ستر الحق يكون بالباطل اذ ليس بعد الحق الاّ الضلال فمن اعرض عن الحق بكله و اقبل الي الباطل بكله فقد ستر الحق بالباطل و النور بالظلمة و الرب بالانية و الظلمة.

و اما من ستر بعض الحق ببعض الباطل فقد كفر بالبغض و لم‏يكفر بكله و الكفر بالبعض ليستره (ظ) لايلحق الذات فان الذات لاتبعض فالمبعض صفاتها و تجلياتها و لذلك قلما يكون انسان خالياً من الشرك و الكفر الجزئي و لذا روي ان ادني الشرك ان تقول للنواة حصاة و تدين اللّه به و من الشرك ان‏تظن ان الغذاء او الدواء او الشي‏ء نفعك او ضرك حتي ان من الشرك ان‏تعقد خيطاً علي اصبعك ليذكرك ما عقدته لاجله و من الشرك ان‏ترجو غير اللّه و تخاف غيره و تنظر الي غيره و تجد غيره و تقصد

 

«* مکارم الابرارعربی جلد 8 صفحه 361 *»

سواه و تنزل حاجتك الي غيره و تحب غيره و تجلل سواه و تعظم غيره و ترتكب معصية كبيرة او صغيرة و تتوكل علي غيره و تسلم لغيره و تفوض امراً الي سواه الي غير ذلك من امور ليس يخرج عنها احد الاّ قليل و لذلك قال اللّه سبحانه و مايؤمن اكثرهم باللّه الاّ و هم مشركون و قال قليل من عبادي الشكور و هذا النوع من الاشراك و الكفر ليس يلحق الذات و انما هو من الصفات و اما الادبار الكلي فهو كفر كلي لا نجاة فيه ابداً فالاعراض عن السابق بانكاره و عدم الايمان به هو الاعراض بالذات و الكل و هو موجب للكفر الكلي فان من تقدم عليك وجوداً و هو الواسطة بينك و بين اللّه سبحانه منه ينزل اليك جميع ما به قوام وجودك و عقلك و علمك و حواسك الباطنة و الظاهرة و قلبك و صدرك و جميع الامداد الكونية و الشرعية التي بها قوام كونك و قوام سعادتك فكما انك لو اعرضت عنه كوناً انقطعت امداد كونك و فنيت كذلك ان اعرضت عنه شرعاً بترك الاعتراف و التسليم له و القبول منه و التوجه اليه و الاخذ عنه و الرد اليه و الولاية له و لاوليائه و البراءة عن اعدائه و اعداء اوليائه و اولياء اعدائه انقطعت عنك الامداد الشرعية التي بها نورك و سعادتك و نعيمك و نجاتك في الدنيا و الاخرة فتكون موجوداً في زمرة المنكرين الكافرين اذ جميع الايمان و الاذعان و الاقرار باللّه و برسوله و بخلفائه و باقوالهم و احوالهم و افعالهم و فضائلهم و صفاتهم ينزل اليك من السابق عليك و انت معرض عنه مقبل الي غيره ممن يصعد اليك منه جميع الشقاوات و الخباثات و العذاب الابدي و الهلاك السرمدي و انكار الحق و الكفر و الشرك و انت مستمد جاذب منه دافع للامداد النورية الحقة فتكفر باللّه العلي العظيم.

و لايمكن الكفر بالسابق مع الايمان باللّه و برسوله فان اللّه الحق و رسوله و الخلفاء الراشدون انما تجلوا لك من وراء هذا الباب و عرفوك انفسهم من تحت هذا الحجاب و لم‏يذكروا و لم‏يسموا و لم‏يصفوا انفسهم الاّ من هذا اللسان و عرفوك انفسهم به فيه و جعلوه سبيلهم اليك و سبيلك اليهم فان عدلت عن هذا الطريق و تجاوزت هذا الباب فانما عدلت الي طريق جهنم و الي بابها فلم يصعد اليك الاّ فوحها و حرها و زفراتها فتسمي اسم اللّه سبحانه و اسم رسوله و خلفائه و

 

«* مکارم الابرارعربی جلد 8 صفحه 362 *»

لكن ما تعني و تقصد غير ما يعنيه المؤمنون و يقصدونه و انما هو اي ما قصدت في سجين و هو غير الاله الحق سبحانه الا تري انك لو رأيت رجلاً في الهند و سألت عن اسمه فقالوا زيد و رأيت انا رجلاً في العراق و سألت عن اسمه فقالوا زيد فاجتمعنا عند اخر فقلت انا رأيت زيداً و انا اعرفه و قلت انت رأيت زيداً و اعرفه اليس قد اجتمعنا في الاسم و اختلفنا في المقصود كذلك الناظرون الي جهة تعريف اللّه سبحانه و تعرفه و بابه و صراطه و دليله و مراته يسمون اللّه و رسوله و خلفائه: و يقصدون ما يقصدون و الناظرون الي سجين و الي جهة تعريف الشيطان و تعرفه الداعي انا ربكم الاعلي و بابه و صراطه و دليله و مراته يسمون اللّه و رسوله و خلفائه: و يقصدون غير ما يقصد الاولون و لذا قال اللّه سبحانه قل ياايها الكافرون  لااعبد ما تعبدون و لا انتم عابدون ما اعبد و انت تعلم ان اليهود كفار و هم يعبدون اللّه و كذا النصاري كفار و هم يعبدون اللّه بل العامة العمياء علي الحقيقة كفار نواصب مخلدون و ان كان حكم المستضعفين منهم في دار الدنيا الطهارة دفعاً للحرج و للتقية ولكنهم كفار مخلدون في النار و في الدعاء و العن اللّهم من دان بقولهم و اتبع امرهم و دعا الي ولايتهم و شك في كفرهم من الاولين و الاخرين و هم يعبدون اللّه بزعمهم و يؤمنون برسوله9 و انت تقرأ قل ياايها الكافرون لااعبد ما تعبدون فان ما يعبدون اله سجيني و من يؤمنون به رسول سجيني و انت تكفر بما امنوا به البتة لانهم لم‏يأخذوا توحيدهم عن باب تعريف اللّه سبحانه و تعرفه و لم‏يعرفوا رسولهم بما عرف نفسه في الولي، فاله لم‏يتجل بمحمد9 غير الهنا و رسول لم‏يتجل بعلي7 و الائمة الهداة الخلفاء الراشدين غير رسولنا9 و ائمة لم‏يتجلوا لنا بشعاعهم و نورهم و شيعتهم السابقين علي وجودنا غير الائمة الحق و انما اجتمعنا مع هؤلاء في اللفظ و ما في صدورهم غير ما في صدورنا.

و قد روي عن الاحتجاج نظير ما ذكرنا في امر حزقيل فعن ابي‏عبداللّه7 في حديث فقال حزقيل ايها الملك يعني فرعون هل جربت علي كذباً

 

«* مکارم الابرارعربی جلد 8 صفحه 363 *»

قط قال لا قال فسلهم من ربهم قالوا فرعون هذا قال و من خالقكم قالوا فرعون هذا قال و من رازقكم الكافل لمعايشكم و الدافع عنكم مكارهكم قالوا فرعون هذا قال حزقيل ايها الملك فاشهدك و كل من حضرك ان ربهم هو ربي و خالقهم هو خالقي و رازقهم هو رازقي و مصلح معايشهم هو مصلح معايشي لا رب لي و لا خالق و لا رازق غير ربهم و خالقهم و رازقهم و اشهدك و من حضرك ان كل رب و رازق و خالق سوي ربهم و خالقهم و رازقهم فانا بري‏ء منه و من ربوبيته و كافر بالهيته الخبر، انظر كيف اتفق الاسماء التي ذكرها حزقيل اعلي اللّه مقامه مع الاسماء الذين كانوا يذكرونه اولئك الاقشاب لعنهم اللّه و اختلف المعني و كيف كان يقصد منها حزقيل مراده و يقصدون مرادهم فان قلت ان المصداق هناك كان متعدداً و المفروض في هؤلاء غير ذلك قلت المصداق هيهنا ايضاً مختلف و امثل لك مثالاً تعرف منه المراد فلو كان عندك شي‏ء و زعمته رقيّاً فقلت هذا رقي و زعم غيرك ان هذا حنظل فوضفته بالحلاوة و الطراوة و وصفه هو بالمرارة و السمية اهذا الموضوع في الخارج مصداق كلتا الصفتين او احديها@ فلايمكنك ان‏تقول انه مصداق كلتا الصفتين لان الصفتين متضادتان و انما وصف كل واحد ما زعمه و احدكما صادق و الاخر كاذب فان كان رقياً في الواقع فوصفك صادق عليه و وصف صاحبك ليس بصادق عليه و انما مصداق وصفه زعمه و ما انطبع في مراة ذهنه علي حسب اعوجاجه لا الموضوع في الخارج فكذلك الامر في ما نحن فيه فان اللّه سبحانه واحد و رسوله واحد و الخلفاء: اشخاص معدودون معروفون فان كان وصفك لهم صادقاً علي ما وصفوا انفسهم و عرفوا فهم مصداق صفاتك و ان كان وصفك كذباً فانما يقع علي ما في ذهنك و هو مصداقه و ليس الذي في الخارج مصداقه قال اللّه سبحانه اذا جاءك المنافقون قالوا نشهد انك لرسول اللّه و اللّه يعلم انك لرسوله و اللّه يشهد ان المنافقين لكاذبون فالرسول9 كان مصداق وصف اللّه و لم‏يكن مصداق وصف المنافقين لانهم كانوا يصفونه علي زعمهم فالاله

 

«* مکارم الابرارعربی جلد 8 صفحه 364 *»

الذي يزعمونه الكفار و رسوله الذي يزعمونه ليس بالهنا و رسولهم ليس برسولنا لان رسولاً ليس علي خليفته و خليفته ابوالفصيل و حبتر ليس برسول بعثه اللّه علي خلقه و كلفهم الايمان به فالعامة الغير المقرين بولاية علي7 و ان شهدوا ان رسول اللّه9 رسول كاذبون في دعويهم لان شهادتهم بذلك المعني الذي يقصدون منها كاذبة غير موافقة للواقع و اجتمعنا في اللفظ و افترقنا في المعني و اللّه يشهد ان المؤمنين لصادقون و ان المنافقين لكاذبون و كذلك شهادة الزيدية و الواقفية و الفطحية و غيرهم من الفرق المفارقة للحق لعلي7 بامرة المؤمنين و للائمة بالامامة فاللّه يشهد انهم لكاذبون لان وصفهم مخالف للحق و يشهد اللّه للمؤمنين انهم لصادقون لان وصفهم يوافق الواقع فقل بقول مطلق ياايها الكافرون لااعبد ما تعبدون و لااومن برسول تؤمنون به و لااوالي اماماً توالونه مع ان الهنا و الهكم واحد و رسولنا و رسولكم واحد و امامنا و امامكم واحد و نحن لهم مسلمون و نعبد الهنا و نؤمن برسولنا و نوالي ائمتنا و نعادي اعدائهم فان امنوا بمثل ما امنتم به فقد اهتدوا و ان تولوا فانما هم في شقاق و في النار مخلدون.

فمن ادبر عن السابق الذي جعله اللّه باب تعريفه و تعرفه و باب تعريف رسوله و خلفائه فقد كفر بالذي انزل السبع المثاني و القرآن العظيم ذلك و ان اللّه سبحانه ليس ينزل بذاته ليعرفوه بذاته و ليس يصعد احد من الخلق من مقام الحدوث الي مقامه سبحانه فيشاهدوه و انما يعرفونه بما عرف نفسه لخلقه فما عرف نفسه به ان كان فوق شهادتهم فيكون المحذور باقياً علي حاله و ان كان مما يصل اليه اوهامهم فلابد و ان‏يكون من الحوادث مما يمكنهم الوصول اليه فلما كان للخلق مراتب عديدة لايمكن لادناهم الوصول الي اعلاهم فان من الخلق ما النسبة بينه و بين الذي فوقه نسبة الاثرية الي المؤثرية و لايمكن للاثر الوصول الي رتبة المؤثر فلابد و ان‏يعرف اللّه نفسه لخلقه بما يمكنهم الوصول اليه و هو لايمكن الاّ ان‏يكون ذلك الوصف في عرض الخلق لا فوقهم مؤثراً لهم و ذلك الوصف الذي في عرض الخلق هو مقام الشيعة فان الشيعة خلقوا من شعاع

 

«* مکارم الابرارعربی جلد 8 صفحه 365 *»

آل محمد: و ما في عرضهم يجب ان‏يكون شعاعاً و شيعةً و شعاعهم: وصفهم الذي وصفوا انفسهم به له و هم وصف اللّه الذي وصف نفسه لهم بهم و لغيرهم بهم بشعاعهم الذي هو ذلك الغير و قد قالوا يفصل نورنا من نور ربنا كما يفصل نور الشمس من الشمس و قالوا شيعتنا منا كشعاع الشمس من الشمس فمنزلة الشيعة منهم كمنزلتهم من اللّه و كلما يثبت لهم بالنسبة الي اللّه سبحانه من اسمية و وصفية و مشية و ارادة و قدرة و هيمنة و سلطنة و استيلاء و امر و حكم و غير ذلك يثبت لشيعتهم بالنسبة اليهم مثله الا ان ما يثبت لهم شعاع ما يثبت لائمتهم و ظهوره و ما فيهم لربهم و ما لشيعتهم لهم فافهم فكما انهم وصف اللّه الذي وصف نفسه به و لايعرف الاّ بهم كما قال الصادق7 بنا عرف اللّه و لولانا ماعرف اللّه و قال نحن الاعراف الذين لايعرف اللّه الاّ بسبيل معرفتنا و قال7 لما سئل عن معرفة اللّه هي معرفة الامام فبشيعتهم يعرفون هم: و لولا شيعتهم ما عرفوا و شيعتهم الاعراف الذين لايعرف الامام الاّ بسبيل معرفتهم و معرفة الامام هي معرفة الشيعة و لذا وردت اخبار متواترة في ان ما يضاف الي المؤمن يضاف اليهم و ما يضاف اليهم يضاف الي اللّه فما يضاف الي الشيعة يضاف الي اللّه و قد اوردنا كثيراً من تلك الاخبار في كتاب ابواب الجنان في حقوق الاخوان فمعرفة اللّه لاتحصل الاّ بمعرفة الامام و معرفة الامام لاتحصل الاّ بمعرفة الشيعة فمعرفة الشيعة هي معرفة اللّه عزوجل و معرفة اللّه عزوجل هي معرفتهم فمن عرفهم فامامه يقين و من انكرهم فامامه سجين فالانكار لهم هي انكار اللّه و الاقرار بهم هي اقرار اللّه و الولاية لهم ولاية اللّه و العداوة لهم هي عداوة اللّه و التسليم لهم تسليم للّه و الرد عليهم رد علي اللّه و هكذا فاذا عرفت ان معرفة الامام التي هي معرفة اللّه معرفة الشيعة فهم الشيعة الذين مقامهم فوق مقامك و بهم تصل اليك الفيوضات و الامداد الكونية و الشرعية لا الذين هم تحتك رتبةً فان الذي تحتك ابعد منك عن المبدء و اظلم و اكثف و بك تصل الامداد اليه فكيف يكون من هو تحتك رتبةً آية تعريف اللّه سبحانه و تعرفه لك و كيف تستدل

 

«* مکارم الابرارعربی جلد 8 صفحه 366 *»

علي ربك الغني عنك بمن هو في وجوده مفتقر اليك.

فتبين و ظهر لمن نظر و ابصر ان معرفة السابقين واجبة علي كل مسلم و معرفتهم من اركان الدين و اساطين الايمان و اليقين كما قال الصادق7 انكم لاتكونون صالحين حتي تعرفوا و لاتعرفوا حتي تصدقوا و لاتصدقوا حتي تسلموا ابواباً اربعةً لايصلح اولها الاّ باخرها ضل اصحاب الثلثة و تاهوا تيهاً بعيداً الحديث، و الابواب الاربعة هي التوحيد و النبوة و الامامة و الشيعة كما مرت في اخبار متواترة و هذه الاربعة هي الاسم الاعظم و الدين الاقوم و قد اتينا علي نحو دليل الحكمة بقدر الفرصة و الامكان فمن شاء ازيد من ذلك و الاطلاع علي حقايق ما هنالك فليراجع ساير رسائلنا و مصنفاتنا و قد اطلنا البحث عن هذا الركن في مباحثاتنا العامة و الخاصة بحيث لم‏نترك لذي مقال مقالاً و لا قوة الاّ باللّه العلي العظيم.

فصـــل

في الامثال الافاقية و الانفسية للزوم الايمان بالركن الرابع، و قد قال اللّه سبحانه سنريهم آياتنا في الافاق و في انفسهم حتي يتبين لهم انه الحق و قال و لقد صرفنا للناس في هذا القرآن من كل مثل فابي اكثر الناس الاّ كفوراً و قال للذين لايؤمنون بالاخرة مثل السوء و للّه المثل الاعلي الي غير ذلك من الايات الدالة علي ان اتباع الامثال الافاقية و الانفسية المحكمة حق لا مرية فيه و لا ريب يعتريه و ان مخالفتها كفور باللّه سبحانه و قد قال الرضا7قد علم اولوا الالباب ان الاستدلال علي ما هنالك لايعلم الاّ بما هيهنا و قال الصادق7 العبودية جوهرة كنهها الربوبية فما خفي في الربوبية اصيب في العبودية و ما فقد في العبودية وجد في الربوبية و قد قال علي7 ما معناه الحق يبين بالمثل و الباطل يبين بالجدل و قد شحن اللّه سبحانه كتابه بالامثال و كذلك شحنت سنة الرسول و اخبار آله: بالامثال و لولا ان المثل كاشف عن المراد

 

«* مکارم الابرارعربی جلد 8 صفحه 367 *»

لم‏يكن اللّه سبحانه يضرب هذه الامثال في كتابه و لا النبي9 بل طريقة الانبياء السلف ايضاً كذلك كما شحنت بها التورية و الانجيل فيعلم من ذلك كله ان المثل المحكم المطابق ايضاً من الادلة التي اراها اللّه عباده في الافاق و الانفس اتماماً للحجة و ايضاحاً للمحجة حتي لايكون لاحد من فاقدي المشاعر الباطنة الذين يعلمون ظاهراً من الحيوة الدنيا و هم عن الاخرة هم غافلون حجة علي اللّه سبحانه فيما دعاهم اليه و كلفهم الايمان بعد ما رأوه باعينهم و وعوه باذانهم.

و الاشارة الي سر الاعتبار بالامثال في معرفة الحق ان اللّه سبحانه قال و ان من شي‏ء الاّ عندنا خزائنه و ماننزله الاّ بقدر معلوم فجميع ما في الافاق و الانفس في هذا العالم نازل من الخزائن الغيبية و المقامات العلوية و لولا ان لها خزائن و مقامات غيبية للزم الطفرة في الوجود و قد عرفت انها محال لايمكن تعقلها و لاتتعلق القدر بها فكل شي‏ء في هذا العالم له خزائن غيبية تناسبه و الاّ لزم ان‏يكون اختصاص كل خزينة بكل شي‏ء من غير مخصص و يكون الحكيم الغني قد رجح الشي‏ء من غير مرجح و ذلك محال من الغني المطلق فلابد من مناسبة بين كل شي‏ء و بين خزائنه الغيبية و يكون كل شي‏ء تنزل تلك الخزائن و ظهورها فتلك الخزائن غيب الشي‏ء و ربوبيته و جهته الي ربه و ذلك الشي‏ء شهادتها و عبوديتها و انيتها و جهتها الي نفسها فما خفي في تلك الربوبية لابد و ان‏يصاب في العبودية و ما فقد في العبودية لابد و ان‏يوجد في الربوبية فالمخفيات في الربوبية هي هذه الكثرات و التفاصيل و الشئون و الجهات و الحدود و الاوصاف و المفقودات في العبودية هي تلك اللطافات و البساطات و الولاية و الاستيلاء و الهيمنة و القرب من المبدء فمن عرف ان هذه العبودية لاي ربوبية و ما خزائنها يستدل لها اي لربوبيتها بما يجد في عبوديتها فيثبت في ربوبيتها في مقام العلم جميع كثرات عبوديتها علي نحو اشرف و الطف و اعلي و يستدل لعبوديتها بربوبيتها في مقام العلم فيثبت فيها اي في عبوديتها جميع تلك اللطافات و البساطات غيباً و صلوحاً فيري كل واحد في كل واحد و يعرف من كل واحد كل واحد و لما كان اول الخزائن العقل و هو

 

«* مکارم الابرارعربی جلد 8 صفحه 368 *»

المعني الكلي ثم تنزل الي النفس و هي الصور العلمية ثم تنزلت الي الجسم و هو ما تري فجميع هذا العالم علم مجسم محسوس فمن عرف ان كل شي‏ء تنزل اي شي‏ء و تجسم اي علم يري ذلك العلم و تلك المسئلة و ذلك المعني بعينه من غير شك و لا ارتياب و لذلك سمي اللّه هذا العالم كتاباً و قال قد لبثتم في كتاب اللّه الي يوم البعث فهذا يوم البعث و انما لبثوا في قبورهم في الارض و صرح بان جميع ما في هذا الكتاب علم و قال قال فما بال القرون الاولي قال علمها عند ربي في كتاب و قال سبحانه افرأيتم النشأة الاولي فلولا تذكرون و قد حثهم اللّه سبحانه علي قراءة آياته و التدبر في كلماته و تراكيبه في كتابه بما لامزيد عليه فلما كان هذا العالم تجسم العلوم الباطنة كما قد اشتق اسمه من العلم ضرب اللّه الامثال لعباده و حثهم علي الايمان بها و الاعتبار منها و تطبيقها مع العلوم الباطنة و قد قدمنا هذه الكلمات في هذا الفصل لئلا تظن ان المثل لا عبرة به و هو امر اعتباري او كلام قشري عامي فاذا عرفت اعتباره و لزوم الاعتناء به و التصديق له و الايمان به و كفر من ابي عما دل منه علي العقايد الحقة فاعلم انا قدمنا في الفصل السابق كثيراً من الامثال المحكمة الدالة ما يكفي العاقل اللبيب ولكن نزيد هيهنا بعض الامثال لمزيد الاعتبار ففي هذا الفصل مقامان.

المـقام الاول

في بعض الامثال الافاقية، و لما كان المطلب اموراً كثيرةً لابد و ان‏يضرب لكل واحد منها مثل خاص به.

اما المثل للزوم وجود الكملين السابقين من الشيعة و امتناع عدم وجودهم فالسراج و الشمس و هو من اوضح الامثال فانك تري بعينك ان النور المشرق من المنير سواء كان شمساً او سراجاً لابد و ان‏يكون في مسافة ينبسط فيها علي التدرج و التبرزخ و يكون كلما يقرب منه من السراج انور و اشرف و اقوي و كلما يكون ابعد منه اظلم و اضعف و ذلك امر محسوس فما لم‏يكن الجزء الاقرب

 

«* مکارم الابرارعربی جلد 8 صفحه 369 *»

موجوداً لايكون الجزء الابعد موجوداً و وجود الابعد فرع وجود الاقرب فلو محي الاقرب و عدم بواسطة حيلولة شي‏ء بين ذلك الاقرب و بين المنير لعدم الابعد المتأخر عن ذلك الاقرب ايضاً فلو لم‏يكن وجوده تابعاً لوجود سابقه و كان يقدر علي الاستنارة من المنير من دون توجه الي سابقه و الدخول من بابه لكان يبقي بعد فقد الاقرب فلما وجدنا في الانوار الافاقية هكذا و رأينا الصادق7 قال انما سميت الشيعة شيعة لانهم خلقوا من شعاع نورنا و سمعناه قال شيعتنا منا كشعاع الشمس من الشمس و تواتر الاخبار بان الشيعة خلقوا من انوارهم و سمي اللّه النبي9 في كتابه بالسراج المنير عرفنا ان الائمة: مثلهم مثل المنير و مثل الشيعة النور و الشعاع و كذا نظرنا في شيعتهم فرأينا بعضهم اعقل من بعض و بعضهم اعلم من بعض و بعضهم اتقي من بعض و بعضهم اكثر فطانةً من بعض و بعضهم ابصر و بعضهم اخبر و هكذا فعرفنا انهم لايتساوون في الرتبة هذا مع ان اللّه سبحانه نفي التسوية بين خلقه فقال ام نجعل الذين آمنوا و عملوا الصالحات كالمفسدين في الارض ام نجعل المتقين كالفجار و قال هل يستوي الذين يعلمون و الذين لايعلمون و قال افمن كان مؤمناً كمن كان فاسقاً لايستوون و قال مايستوي الاعمي و البصير و لا الظلمات و لا النور و لا الظل و لا الحرور و مايستوي الاحياء و لا الاموات و قال لايستوي اصحاب النار و اصحاب الجنة اصحاب الجنة هم الفائزون و قال و مايستوي الخبيث و الطيب و قال لايستوي القاعدون من المؤمنين غير اولي الضرر و المجاهدون في سبيل اللّه باموالهم و انفسهم فضل اللّه المجاهدين باموالهم و انفسهم علي القاعدين درجة و كلاً وعد اللّه الحسني و فضل اللّه المجاهدين علي القاعدين اجراً عظيماً درجات منه و مغفرة و رحمة و

 

«* مکارم الابرارعربی جلد 8 صفحه 370 *»

كان اللّه غفوراً رحيماً و قال لايستوي منكم من انفق من قبل الفتح و قاتل اولئك اعظم درجةً من الذين انفقوا من بعد و قاتلوا و كلاً وعد اللّه الحسني الي غير ذلك من الايات و الاخبار الدالة علي اختلاف مراتب الخلق و درجات المؤمنين و دركات الكافرين.

فاذا كانوا كذلك و المؤمنون منهم من شعاع آل محمد: و درجاتهم مختلفة بنص الكتاب و السنة و ضرورة المشاهدة فمنهم اقرب الي السراج الوهاج و الشمس المنيرة و منهم ابعد بالضرورة لان اللّه سبحانه نفي التسوية علي الاطلاق و عموم نفي التسوية المستنبط من نفي التسوية علي الاطلاق يقتضي عدم تسوية درجاتهم و قربهم من اللّه سبحانه و بعدهم فاذا بعض اقرب و كلما كان اقرب الي المنير انور و كلما كان اقرب و انور يصل الفيض اليه اولاً  قبل المتأخر ثم يصل منه المدد و الفيض و الاشراق الي الجزء المتأخر من الانوار و ذلك بديهي محسوس الا تري انك لو فصلت بين الجزء المقدم و الجزء المؤخر بحاجب انعدم الجزء المؤخر من ساعته و ان رفعت الحجاب انوجد من ساعته فلو كان الجزء المؤخر يقدر علي الاستضاءة من المنير من غير واسطة الجزء المقدم لما انعدم بسبب الحيلولة بينه و بين سابقه و لاستضاء من غير واسطة و هذا بالمشاهدة خلاف الواقع فجميع الانوار المفاضة عليه و الامداد انما تصل اليه بواسطة السابق عليه فان ادبر المؤخر عن المقدم يظطلم بالمشاهدة و يجب عليه في شرع الانوار و الاستضاءات ان‏يكون دائماً متوجهاً الي السراج من منظرة الجزء السابق المضمحل المتلاشي تحت سطوة السراج المتبين منها السراج ساطع الانوار واضح المنار بلا غبار فمن اعرض من الانوار عن ذكر السراج الذي هو السابق فان نفس السراج هي نفسه و ذكره النور السابق فان له معيشةً ضنكاً ظلمة ضيقة بسبب البرودة اللازمة للادبار المستلزمة للضيق و التكاثف و نحشره يوم القيمة اعمي اعمي القلب فانها لاتعمي الابصار ولكن تعمي القلوب التي في الصدور و يحشر اعمي عن ادراك انوار السراج مظطلماً كالاعمي الذي هو في ظلمة العمي لايدرك الانوار و الاضواء اذا اخرج يده لم‏يكد يراها و من لم‏يجعل اللّه

 

«* مکارم الابرارعربی جلد 8 صفحه 371 *»

له نوراً فما له من نور قال رب لم حشرتني اعمي و قد كنت بصيراً في الدنيا و قد قال ذلك فانه كان يعلم ظاهراً من الحيوة الدنيا و كان عن الاخرة غافلاً قال كذلك اتتك اياتنا اي الانوار السابقة التي هي آية السراج و مقاماته و علاماته التي لا تعطيل لها في كل مكان و لا فرق بينه و بينها الاّ انهم نوره و شعاعه فنسيتها فنسيت تلك الايات بادبارك فكذلك اليوم تنسي يوم المكافاة و الجزاء و ذلك ان الدهر يومان يوم مقبول و هو يوم الجزاء و يوم قابل و هو يوم العمل فمن نسي الذكر في يوم العمل عمي في يوم الجزاء لان اللّه يقول كلاً نمد هؤلاء و هؤلاء من عطاء ربك و ما كان عطاء ربك محظوراً لكن منه عطاء محبوب جري بمقتضي المشية العزمية و محبته سبحانه و منه عطاء مبغوض جري بمقتضي المشية العزمية و غضبه ان اللّه لايرضي لعباده الكفر و ان تشكروا يرضه لكم.

فاذا عرفت ان ما لم‏يكن السابق موجوداً لم‏يوجد اللاحق عرفت ان اللازم في الحكمة ان‏يكون الشيعة الكملون موجودين في كل عصر و زمان حتي يصل بواسطتهم الامداد و الفيوضات و الوجودات الي الناقصين فهذا مثل محسوس محكم دل علي لزوم وجود الكملين و عرفنا كونه محكماً انه مطابق مع الكتاب التدويني الذي هو العالم الصغير باعتبار و الكبير باعتبار و الوسيط باعتبار و مطابق مع السنة و الاخبار المروية عن آل اللّه الاطهار عليهم صلوات اللّه الملك الجبار و مطابق مع دليل العقل و ما لم‏يكن المثل هكذا لايعبؤ به عندنا فان اللّه سبحانه يقول هو الذي انزل الكتاب منه آيات محكمات هن ام الكتاب و اخر متشابهات فاما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة و ابتغاء تأويله و هذا العالم هو كتاب اللّه التكويني الموافق للكتاب التدويني حرفاً بحرف فمنه ايضاً آيات محكمات و هي ما كان منها حقاً بيناً او باطلاً بيناً و اخر متشابهات تشبه الحق فاما الذين في قلوبهم زيغ عن الحق يتبعون ما تشابه منه مع ان رسول اللّه9 قال الامور ثلثة امر بين لك

 

«* مکارم الابرارعربی جلد 8 صفحه 372 *»

رشده فاتبعه و امر بين لك غيه فاجتنبه و امر اختلف فيه فرده الي اللّه عزوجل و هذا باب يفتح منه ابواب فمن العالم ايضاً محكم بين رشاده و غيه و من العالم مشتبه فمن اقتحم الشبهات وقع في الهلكات فالمثال المضروب ان كان من المحكمات يصح الاستدلال به و الدليل علي اِحكامه مطابقته مع محكمات الكتاب و السنة و الدليل العقلي الذي يعرف العقول السليمة عدله فمن تلك المحكمات ما ضربنا لك من المثل المطابق مع الثلثة المذكورة هذا مع ان الشمس و السراج في الدنيا اقل عرضاً من كل شي‏ء و لذا يكون الاستدلال بهما اوضح و التشابه انما يحصل من الاعراض لا من نفس الشي‏ء و كل شي‏ء في نفسه محكم بين رشده و غيه و انما يتشابه بواسطة ما يلطخ به من الاعراض الخارجة فيجب حينئذ في الاخذ به العرض علي المحكمات الخالية عن الاعراض.

 

«* مکارم الابرارعربی جلد 8 صفحه 373 *»

و اما المثل للزوم اتباع السابقين و حرمة التخلف عن امرهم و نهيهم كائناً ما كان امرهم و نهيهم هو ايضاً المثل المضروب سابقاً اذ لو لم‏يمتثل اللاحق امر السابق فيما ادي اليه من المنير لانه كان القائم مقامه في الاداء و لايؤدي الاّ النور لانه ليس المنير الاّ الضوء و النور لصار ظلمة و ليس شي‏ء من الحق بظلمة و ليس شي‏ء من الباطل بنور و ليس في الجنة ظلمة و لا في النار نور فالمظلم من اهل الباطل و سجين و الكفر و المستنار من اهل الحق و عليين و الجنة و ليس شي‏ء غير هذين و لا برزخ بينهما اذ ليس بعد الحق الاّ الضلال فاللاحق اذا لم‏يمتثل امر السابق لم‏يتوجه اليه و لم‏ينفعل بما فعله فيه و لايفعل الاّ الاضاءة و الاشراق و لا واسطة الاّ هو فاذ لم‏ينفعل لم‏يستنر و من لم‏يستنر يظطلم و من اظطلم كفر بالذي انزل السبع المثاني و القرآن العظيم فظهر لزوم اتباع اللاحق للسابق و امتثال اوامره اذا لايأمر الاّ بالنور و اجتناب نواهيه اذ لاينهي الاّ عن الظلمة.

و اما المثل للزوم الاتصال به و الارتباط هو ايضاً ما ذكرنا من المنير و النور و يفهم من نحو ما ذكرنا بيانه فلانطيل الكلام ببيانه ثانياً فمن لم‏يكن متصلاً مرتبطاً من اللواحق بالسوابق كان منقطعاً منفصلاً و من كان كذا كان مظطلماً و ليس الظلمة الاّ الكفر و النور الاّ الايمان.

و اما المثل للزوم محبته و معرفته فيعرف مما ذكرنا ايضاً فانه قد علم اولوا الالباب بالضرورة و العيان ان كل شي‏ء حيوته و بقاؤه بالامداد المشاكلة له و فناؤه و اضمحلاله بالامداد المضادة له كالنار مثلاً فان بقاؤها بالامداد الحارة فلو قطعت عنها و امدت بالامداد الباردة فنيت النار و عدمت و كل شي‏ء يتقوي بما يشاكله و يضعف بما يضاده فالنار اذا جالست النار تتقوي و تزيد و اذا جالست البرد تضعف و تنقص فالشي‏ء لايكاد يحب ما يخالف طبعه لانه ضد حيوته و وجوده و بقائه و ينقص و يضعف بالميل اليه و انما يحب الشي‏ء ما يتقوي به وجوده و ذلك ظاهر فلاتتحقق المحبة الاّ بين المتناسبين المتشاكلين و لاتتحقق العداوة الاّ بين المتضادين المتخالفين فاللاحق ان كان لايحب السابق و السابق نور و خير محض متلاش فان تحت سطوع السراج فهو ظلمة لامحه لان النور لايعادي النور البتة و الخير لايعادي الخير فعدم محبته له دليل علي انه ظلمة و شر و الظلمة و الشر كفر و نفاق كما عرفت اذ ليس شي‏ء من الايمان بظلمة ثم ان مدارك النار حارة لاتكاد تدرك البرودة ابداً اذ كل ما ينطبع فيها يحر و يتسخن فلايمكنها ادراك البرودة و مدارك البارد باردة لاتدرك الحرارة ابداً اذا كلما ينطبع فيها من الحرارة يبرد كالقمر فان ما انطبع فيه من نور الشمس الحار برد و الظلمة مداركها ظلمانية لاتكاد تدرك النور و مدارك النور نورانية لايدرك الظلمانية اذا الادراك لايكون الاّ الانطباع فاذا انطبع احدهما في صاحبه انقلب علي هيئة المراة فاللاحق ان كان غير مناسب مع السابق غير مجانس له و السابق نور و خير كان ظلمةً و شراً فمداركه ظلمانية و شر لامحه فلايدرك النور السابق و الخير السابق فما لم‏يدرك لم‏يعرف فما لم‏يكن هيئات مرات اللاحق مناسبة للشاخص السابق لم‏يعرفه حق معرفته و لذلك قال الصادق7 الحب فرع المعرفة اذ لولا المناسبة لم‏يحصل معرفة و لولا المعرفة لم‏يحصل محبة فمن لم‏يعرف السابق النوراني كان ظلمانياً و لظلمته لم‏يعرف السابق و لعدم معرفته به و ادراك محاسنه لم‏يحب فمن لم‏يحب السابقين و لم‏يعرفهم فان كان جاهلاً غير عدو و لا منكر فهو ضال و ان كان مبغضاً منكراً فهو كافر بالسراج في شرع السراج اي ظلمة و الضال

 

«* مکارم الابرارعربی جلد 8 صفحه 374 *»

ايضاً ينقلب بعد البيان فاما يحب و يعرف فهو مؤمن و اما يبغض و ينكر فهو كافر و ذلك حين عرض نار التكليف في الاخرة هو الذي خلقكم فمنكم كافر و منكم مؤمن و ليس بعد الحق الاّ الضلال فافهم راشداً موفقاً.

 

المـقام الثاني

في بعض الامثال الانفسية و له مراتب شتي اذ في كل مقام من مقامات الانفس يمكن ان‏يضرب الامثال الاّ انا نضرب المثل من ظاهر جسدك لانه يعم فيه اصحاب المدارك الظاهرة الذين لايعلمون الاّ ظاهراً من الحيوة الدنيا و اصحاب المدارك الباطنة فتدبر في جسدك فانك تجد ان لك قلباً هو منبع حيوة جسدك و فيه تتولد الحيوة و منه تنتشر في جميع جسدك و قد خلق اللّه لك بدناً منه اعضاء قريبة بقلبك و منه اعضاء بعيدة فصدرك اقرب الي قلبك من رأسك و رأسك اقرب اليه من رجلك و عضدك اقرب الي قلبك من زندك و زندك اقرب من كفك و اناملك و هكذا كل مفصل مفصل من اناملك و ذلك امر بين و معلوم ايضاً بالبداهة ان الحيوة تصل الي الاعضاء القريبة بقلبك قبل ان‏يصل الي الاعضاء البعيدة بالبداهة و ليس لاحد من الاعضاء البعيدة ان يستفيد الحيوة من القلب الاّ بواسطة الاعضاء القريبة و لذا لو عصبت علي زندك عصابة شديدة او شددته بحبل انتفخ الكف و انقطع عنها الحيوة و ماتت و فسدت و عدمت الحس و الحركة فلو كان تصل اليها الحيوة من غير واسطة الزند لما كان يموت بسبب الشد بل لو وضعت كفك علي قلبك لما تحيي الاّ ان‏يرفع المانع و تصل اليها الحيوة من ممرها فظهر ان في شرع الجسد يجب لكل عضو ان‏يكون متصلاً بالعضو السابق و الاّ ينقطع الفيض الجاري اليه منه و الحيوة السارية اليه منه و ذلك امر محسوس و يجب في الحكمة وجود العضو السابق لايصال الحيوة الي العضو اللاحق فان اللّه لم‏يقرب الي القلب الاّ ما كان من الاعضاء الطف و اشرف و لم‏يبعد عن القلب الاّ ما كان من الاعضاء اكثف و اخس اما تري ان كثافة رجلك لاتناسب القلب و لطافة صدرك تناسبه فبعد ما بعد لكثافته و قرب ما قرب للطافته و ما كان يمكن في الحكمة ان‏يستمد الكثيف من

 

«* مکارم الابرارعربی جلد 8 صفحه 375 *»

القلب بلا واسطة و يتصل به ابداً الاّ ان‏يكون بينه و بين القلب وسائط علي التدرج و الترتيب و يكون المتصل في اشد مناسبة و البعيد في غاية البعد في اقل مناسبة و يكون بينهما برازخ علي الترتيب.

فظهر ان وجود الكامل و المناسب للقلب في البدن واجب حتي يصل المدد به الي الاعضاء القليل المناسبة و يجب اتصال اللاحق بالسابق و الاّ ليموت و ينقطع عنه الفيض و يجب محبة اللاحق للسابق و معرفته به و اتصاله و ارتباطه به لانهما كاشفان عن مناسبة و لولا المناسبة كانت المخالفة و اذا جاءت المخالفة انقطع الفيض الا تري ان يد عمرو لاتستمد من قلب زيد و انما ذلك لاجل عدم الارتباط و الاتصال و المناسبة و معلوم انه يجب لكل لاحق ان‏يكون دائم التوجه الي العضو السابق دائم الاستفادة دائم الاستمداد في الليل و النهار فانه اذا ادبر ساعة عنه انقطع فيض الحيوة عنه بالبداهة و الحي في شرع الاعضاء مؤمن و الميت فيه كافر و قد سمي اللّه سبحانه الايمان بالحيوة حيث قال ياايها الذين آمنوا استجيبوا للّه و للرسول اذا دعاكم لما يحييكم يعني يحييكم بروح الايمان و قال او من كان ميتاً فاحييناه اي ضالاً فهديناه و قال يخرج الحي من الميت اي المؤمن من الكافر و قال انك لاتسمع من في القبور اي الضلال و الكفار الذين روح ايمانهم قد ماتت و دفنت في قبور اجسادهم فالعضو الميت كافر في شرع الجسد كما ان الكافر ميت في بدن الدين و الشرع و العضو اللاحق ان لم‏يتصل او يرتبط او يحب او يعرف او يمتثل امر العضو السابق علي ما شرحنا و بينا و اوضحنا كان ميتاً و كافراً بالبداهة و تلك الامثال نضربها للناس و ما يعقلها الاّ العالمون و يكفي بما ذكرنا في هذا الفصل لمن كان له قلب او القي السمع و هو شهيد فكشفنا عنك غطاءك و بصرك اليوم حديد و لعمري ما ادري و اني لفي حيرة انه ما اخرج معاندينا عن الانصاف لانفسهم اي شريعة من شرايع الاسلام هكذا اثبتوها و اي اصل من اصول دينهم هكذا بينوه و اي فريضة من فرايضهم هكذا اوضحوها و اي مطلب من مطالبهم هكذا شرحوه ما ادري ماذا يجيبون السائل

 

«* مکارم الابرارعربی جلد 8 صفحه 376 *»

عنهم يوم القيمة اذا سألهم عن هذه المسئلة و عن سبب انكارهم و ردهم هل تكون مسألة من مسائل الاسلام بوضوح هذه المسألة و هل شريعة من شرايعه ببداهة هذه الشريعة اي واللّه للّه الحجة البالغة و المحجة الواضحة و اني جزت من تحديهم بهذا الكتاب في الركن الرابع و ليقوموا للّه مثني و فرادي و ليدعوا شهدائهم ثم ليثبتوا امامة الصادق7 بهذه الادلة فان اثبتوها من الكتاب و السنة و الادلة الثلثة و الامثال الافاقية و الانفسية و اتفاق الملل انا اذعن لهم بالعلم و الايمان و ان ما ينكرون علينا من الركن الرابع لعلهم لا لعداوتهم و الاّ فليعلموا انهم لاينكرون الاّ من صرف العداوة و الشحناء و استعباد العبيد و الاماء و طلب الرياسة و الاّ فما نذكره عن هذه الادلة اوضح من الشمس في رابعة النهار و انه فيه لعبرة لاولي الابصار و لنعم شاهداً ما روي عن الصادق7 في هذا المقام:

علم المحجة واضح لمريده   و اري القلوب عن المحجة في عمي
و لقد عجبت لهالك و نجاته   موجودة و لقد عجبت لمن نجي

و للّه در الشاعر:

علي نحت القوافي من مواقعها   و ما علي اذا لم‏يفهم البقر

 

فصـــل

في اتفاق الملل و المذاهب علي وجود كامل بالغ في كل زمان، و لابد لنا ان‏نبين اتفاقهم بكتاب اللّه و سنة نبيه9 حتي لايقول الخصم انه تاريخ غير صحيح او نقل لم‏يثبت وقوعه او ذلك ادعاء محض و عليك باقامة البينة علي صدق وقوعه و اما اذا اتينا بشواهد من الكتاب و السنة ان هذا الامر كان في كل شريعة و في كل عصر لم‏يكن لاحد ان‏يكذبنا و يطلب البينة منا علي وقوعها.

قال اللّه سبحانه و ما ارسلنا من قبلك من رسول و لا نبي الاّ اذا تمني القي الشيطان في امنيته فينسخ اللّه ما يلقي الشيطان ثم يحكم اللّه آياته واللّه عليم حكيم ليجعل ما يلقي الشيطان فتنة للذين في قلوبهم مرض و القاسية قلوبهم و ان الظالمين لفي شقاق بعيد و ليلعم الذين اوتوا العلم انه الحق من ربك فيؤمنوا به

 

«* مکارم الابرارعربی جلد 8 صفحه 377 *»

فتخبت له قلوبهم و ان اللّه لهادي الذين آمنوا الي صراط مستقيم و في عدة روايات نزلت الاية هكذا من رسول و لا نبي و لا محدث و المحدث هو الامام و الائمة كانوا محدثين صلوات اللّه عليهم و قد استفاض به الخبر و قوله تعالي تمني بمعني اراد و مفعوله محذوف علي ما فسره علي7 في حديث فيذكر جل ذكره لنبيه9‏وسلم ما يحدثه عدوه في كتابه من بعده بقوله و ما ارسلنا من قبلك الاية يعني انه ما من نبي تمني مفارقة ما يعاينه من نفاق قومه و عقوقهم و الانتقال عنهم الي دار الاقامة الاّ القي الشيطان للعرض بعداوته عند فقده في الكتاب الذي انزل عليه ذمه و القدح فيه و الطعن عليه فينسخ اللّه ذلك من قلوب المؤمنين فلاتقبله و لاتصغي اليه غير قلوب المنافقين و الجاهلين و يحكم اللّه آياته بان‏يحمي اوليائه من الضلال و العدوان و مشايعة اهل الكفر و الطغيان الذين لم‏يرض اللّه ان‏يجعلهم كالانعام حتي قال بل هم اضل سبيلاً فظهر من هذه الاية الشريفة انه لم‏يكن نبي و لا رسول و لا امام من لدن آدم الي الخاتم الاّ انه بعد ما انتقل عن هذه الدنيا الي الاخرة القي الشيطان في امنيته و ذلك سنة اللّه التي قد خلت من قبل و لن‏تجد لسنة اللّه تبديلاً فيلقي الشيطان في كتاب النبي و الرسول و سنته و في اخبار الامام و طريقته بواسطة اوليائه من الانس المكذبين المفترين المحرفين و لابد بان‏ينسخ اللّه ما يلقي الشيطان من التحريف و التغيير و التبديل في الكتاب و السنة و الاخبار ثم يحكم اللّه آياته الحقة النازلة في الكتاب و الجارية علي لسان نبيه في سنته و علي السن الائمة: في آثارهم واللّه عليم حكيم علم بما يحرف و يغير و يبدل و بمن يحرف و يغير و يبدل حكيم يحكم آياته بما يشاء كيف يشاء و حكيم في تدبير تقديم ما يلقي الشيطان ليكون للباطل جولة و للحق دولة ليهلك من هلك عن بينة و يحيي من حي عن بينة كما قال ليجعل ما يلقي الشيطان فتنة للذين في قلوبهم مرض و

 

«* مکارم الابرارعربی جلد 8 صفحه 378 *»

القاسية قلوبهم و ان الظالمين لفي شقاق بعيد و ليعلم الذين اوتوا العلم انه الحق من ربك و يصيروا بذلك من اهل الشفاعة كما قال لايملكون الشفاعة الاّ من شهد بالحق و هم يعلمون فيؤمنوا به فتخبت له قلوبهم و ان اللّه لهادي الذين آمنوا الي صراط مستقيم فاثبت بعد كل نبي و رسول و محدث في اي عصر كانوا ثبوت التحريف في كتابه و سنته و ان اللّه ينسخ التحريف و يحكم الحق لفتنة القاسية قلوبهم و هداية العلماء.

فاثبت بعد كل نبي و رسول و محدث عالماً عنده علم المحكمات و الشريعة الغير المغيرة و المبدلة ثم وصفهم بانهم اوتوا العلم و بالايمان و الاخبات اما ما وصفهم بالعلم و الايمان فقد اشار اليه في كتابه يرفع اللّه الذين آمنوا منكم و الذين اوتوا العلم درجات و هم الذين لم‏يغيروا و لم‏يبدلوا و حفظوا الكتاب علي ما انزل و الدين علي ما شرع بعد رسولهم و بعد امامهم حتي زرعوهما في قلوب اشباههم و اهتدي بهم ضعفاء امة ذلك النبي و الرسول و ضعفاء موالي ذلك الامام و لعلك تعرف مما قدمنا ان المؤمن في كل عصر قليل اقل من الكبريت الاحمر و ساير الناس بهائم و ان اللّه لايوصف البهائم بالعلم و الايمان و الاخبات فتلك آية لاتنكر و لاينكرها الاّ معاند مكابر صريحة في اثبات جماعة اوتوا العلم و الايمان بعد كل نبي و رسول و امام في كل عصر ثم وصفهم بالاخبات و هو مقام تلو مقام العصمة و الطهارة و قد قال اللّه سبحانه في وصفهم بشر المخبتين الذين اذا ذكر اللّه وجلت قلوبهم و الصابرين علي ما اصابهم و المقيمي الصلوة و مما رزقناهم ينفقون فالاخبات مقام ليس اعلي منه مقام فانه ليس حظ كل موال الوجل عند الذكر و الصبر علي ما اصابه كائناً ماكان و اقامة الصلوة كما امر اللّه و اقامة الصلوة و الانفاق وصف يوصف به الائمة: كما في الزيارة اشهد انك قد اقمت الصلوة و اتيت الزكوة، فتبين و ظهر لمن نظر و ابصر ان في كل عصر كان جماعة علماء مؤمنون مخبتون هم اهل الشفاعة و الهداية الي صراط مستقيم و هو الولاية و قد اجتمع علي النبي9اهل الملل و النحل و الصحف و الكتب السماوية و

 

«* مکارم الابرارعربی جلد 8 صفحه 379 *»

سمعوا منه هذا القول و تحديهم و ضرب علي هاماتهم السيوف و اسرهم و نهب اموالهم و استعبد نساءهم و اولادهم فلو علموا انه قد جاء نبي لم‏يكن في امته من هو هكذا لانكروا عليه و اخرجوا كتابهم و لابطلوا دعويه و خلصوا انفسهم من ذل القتل و الاسر و النهب و الجزية فلما ثبت انهم لم‏ينكروا و لو بعد حين الي هذا الزمان الذي هم في فراغ و راحة ثبت انهم كانوا مقرين به في شرعهم واجدين اياه في كتبهم لايمكنهم الخروج عن دينهم علي زعمهم و لايقدرون علي الاغماض و ترك الانصاف من كثرة وضوحه عند عوامهم و خواصهم فبهذه الاية ثبت النقل عن عصر كل نبي و رسول و امام انه كان فيهم عالم مؤمن مخبت علي ما وصفنا و ثبت اجماع الامم علي ذلك و من اصدق خبراً من اللّه سبحانه. و اما يكون قوله تعالي تمني بمعني قرأ كما قال الشاعر:

تمني كتاب اللّه في كل ليلة   تمني داود الزبور لدي الذكر

و في القاموس تمني كذب و الكتاب قرأه و الحديث اخترعه فقوله الاّ اذا تمني يعني قرأ الكتاب علي امته و بينه و فسره القي الشيطان في امنيته اي في كتابه و لايختلف ما استشهدنا به من الاية بذلك.

و قال سبحانه شرع لكم من الدين ما وصي به نوحاً و الذي اوحينا اليك و ما وصينا به ابرهيم و موسي و عيسي و قال قل ما كنت بدعاً من الرسل و قال لتركبن طبقاً عن طبق و قد اجمعت الامة علي ان النبي9 قال لتركبن سنن من كان قبلكم حذو النعل بالنعل و القذة بالقذة حتي انهم لو سلكوا جحر ضب لسلكتموه و عن الصادق7في تفسير الاية اي سير من كان قبلكم و عنه7 لتركبن سنن من كان قبلكم من الاولين و احوالهم و عن القمي لتركبن سبيل من كان قبلكم حذو النعل بالنعل و القذة بالقذة لاتخطون طريقهم و لايخطي شبر بشبر و ذراع بذراع و باع بباع حتي ان لو كان من قبلكم دخل جحر ضب لدخلتموه قالوا اليهود و النصاري تعني يا رسول اللّه قال فمن اعني الخبر و

 

«* مکارم الابرارعربی جلد 8 صفحه 380 *»

قال تعالي سنة من قد ارسلنا قبلك من رسلنا و لاتجد لسنتنا تحويلاً فاذا كان الامر كذلك و القرون متشاكلة و الاعصار متشابهة ماتري في خلق الرحمن من تفاوت و قد بينا في ما سبق من الايات و الاخبار و الادلة العقلية و النقلية علي لزوم كون العلماء السابقين في كل عصر لاسيما في هذا العصر ثبت ان كل عصر كان كذلك و في كل عصر و في كل امة كان جماعة سابقين يحفظون دين نبيهم عن تحريف الغالين و انتحال المبطلين و تأويل الجاهلين و قد عرفت فيما سبق امر حزقيل مؤمن آل فرعون في عصر موسي7 و صاحب يس في عصر عيسي7 و امر ذي‏القرنين معروف قد حكي اللّه عنه و لم‏يكن نبياً و لا رسولاً و لا اماماً و انما كان عبداً صالحاً و امر لقمان معروف مشهور اوتي الحكمة و قد حكي اللّه عنه في كتابه و تلك اخبار لاتنكر و عن النبي9 الصديقون ثلثة حبيب النجار مؤمن آل يس الذي يقول اتبعوا المرسلين الاية و حزقيل مؤمن آل فرعون و علي بن ابي‏طالب و هو افضلهم و قال سباق الامم ثلثة لم‏يكفروا باللّه طرفة عين ثم عدهم و قال فهم الصديقون و علي افضلهم و عن الباقر7 السابقون اربعة ابن آدم المقتول و سابق امة موسي و هو مؤمن آل فرعون و سابق امة عيسي و هو حبيب النجار و السابق في امة محمد9‏وسلم و هو علي بن ابي‏طالب7.

فاذا ثبت وجود لقمان في عصره و حزقيل في عصره و صاحب يس في عصره ثبت وجود امثالهم في كل عصر فان سنة اللّه لاتغير و لاتبدل فان اللّه يقول لن‏تجد لسنة اللّه تبديلاً و لن‏تجد لسنة اللّه تحويلاً و قد عرفت مما سبق ان حزقيل و صاحب يس كانوا من الشيعة المخلصين و اتيا ربهما بقلب سليم و قد سمع اصحاب الملل و المذاهب هذه الايات و الاخبار المعروفة المجمع عليها و اذعنوا و سلموا و صبروا علي ذل الجزية و الاسر و النهب و القتل و لم‏ينكروا و لم‏يأتوا بصحف و لا بزبر يخالف ذلك و لم‏يردوا عليه فثبت اقرارهم و اتفاقهم و اجماعهم علي ذلك،

 

«* مکارم الابرارعربی جلد 8 صفحه 381 *»

و عن علل الشرايع باسناده عن المفضل بن عمر قال قلت لابي عبداللّه7 بم صار علي بن ابي‏طالب قسيم الجنة و النار الي ان قال المفضل يابن رسول اللّه فالانبياء و الاوصياء هل كانوا يحبونه و اعداؤهم يبغضونه فقال نعم قلت فكيف ذلك قال اما علمت ان النبي9 قال يوم خيبر لاعطين الراية غداً رجلاً يحب اللّه و رسوله و يحبه اللّه و رسوله فما يرجع حتي يفتح اللّه علي يده قلت بلي قال اما علمت ان رسول اللّه9‏وسلم لما اوتي بالطاير المشوي قال اللّهم ائتني باحب خلقك اليك يأكل معي هذا الطاير و عني به علياً7 قلت بلي قال يجوز ان لايحب انبياء اللّه و رسله و اوصياؤهم: رجلاً يحبه اللّه و رسوله و يحب اللّه و رسوله فقلت لا قال فهل يجوز ان‏يكون المؤمنون من اممهم لايحبون حبيب اللّه و حبيب رسوله و انبيائه: قلت لا قال فقد ثبت ان جميع انبياء اللّه و رسله و جميع المؤمنين كانوا لعلي بن ابي‏طالب محبين و ثبت ان المخالفين لهم كانوا له و لجميع اهل محبته مبغضين قلت نعم قال فلايدخل الجنة الاّ من احبه من الاولين و الاخرين فهو اذا قسيم الجنة و النار الخبر، فاذا محبوا علي7 كان في كل عصر و قد كان الانبياء يأخذون ذلك الميثاق علي اممهم فمن كان يقر كان من شيعة علي7 و قد مر ما يدل علي ذلك فعلماؤهم و كبراؤهم و من كان منهم اسبق اجابةً الي ذلك كان اقدم وجوداً و اعلي درجةً من المتأخرين في الاجابة لان الناس بحسب اختلاف صورهم في الظاهر يكون بواطنهم مختلفة و المختلفون لايتساوون ابداً فمنهم من هو اقرب الي مبدئه و منهم من هو ابعد فالمقدم المقرب هو السابق المقدم في كل رتبة و قد قال اللّه سبحانه و السابقون السابقون اولئك المقربون في جنات النعيم ثلة من الاولين و قليل من الاخرين ثم قال و اصحاب اليمين ما اصحاب

 

«* مکارم الابرارعربی جلد 8 صفحه 382 *»

اليمين الي ان قال ثلة من الاولين و ثلة من الاخرين فاثبت السابقين و اصحاب اليمين في الاولين كما اثبت في الاخرين و هو سبحانه اصدق الصادقين فلو لم‏تكن الامم مقرة بكون السابقين و اصحاب اليمين في مذاهبهم لانكروا عليه9 و آتوا بزبرهم و كتبهم و اخرجوا افتراه عليهم فلما عرفوا ذلك في مذاهبهم و كان امراً غير منكر اطمأنوا و قروا و قرروا و سكتوا.

و اخبر عن قوم موسي و قال انا انزلنا التورية فيها هدي و نور يحكم بها النبيون الذين اسلموا للذين هادوا و الربانيون و الاحبار بما استحفظوا من كتاب اللّه و كانوا عليه شهداء فان لم‏يكن اليهود مقرين بالربانيين و الاحبار فيهم علي ما شرحنا سابقاً لانكروا عليه9 بل لو كان يمكنهم رده و لو ببيان الخلاف لردوا عليه و لما عرفوا من مذهبهم انه امر لاينكر سكتوا عنه و قال في وصف النصاري لتجدن اقربهم مودةً للذين آمنوا الذين قالوا انا نصاري ذلك بان منهم قسيسين و رهباناً و انهم لايستكبرون و قسيسوهم هم العلماء النجباء و الرهبان هم الذين ترهبوا اي تعبدوا و وصلوا مقام الانزواء عن جميع ما سوي اللّه و الانقطاع عنهم الي اللّه سبحانه و هم النقباء المستخفون من الناس المستأنسون باللّه سبحانه فاثبت اللّه سبحانه في النصاري القسيسين و الرهبان فلو لم‏يكن فيهم هؤلاء الجماعة لانكر النصاري عليه صلي اللّه عليه مع ان ما ذكر في اليهود و النصاري معروف من مذهبهم يعرفه اليهودي و النصراني و غيرهم من ساير الامم و قد اخبر اللّه ان سنته في الاولين و الاخرين واحدة فاثبت وجود هؤلاء في كل عصر بما يناسب شريعة نبي الزمان و قد سمعت الامم كلها حكاية القرآن عنهم و لم‏يردوا عليه و لم‏يأتوا بكتابهم بما يخالف ما ذكر اللّه في هذا الكتاب و حكي عنهم مع انهم قرأوا فيه ان اللّه سبحانه قال ما يقال لك الاّ ما قد قيل للرسل من قبلك فلو لم‏تكن الامم متفقة علي ان ما في هذا الكتاب من الاخبار و القصص و الحكايات و اثبات الامور الكثيرة في الامم السالفة لردوه و ابطلوا مذهبه و لما صبروا علي محنة الجزية و ذلتها و علي مرّ القتال و الجهاد و مضض الاسر و النهب و لاخرجوا كتابهم و

 

«* مکارم الابرارعربی جلد 8 صفحه 383 *»

لكذبوه في حكايته عن الانبياء السلف و اممهم و كذلك ما اخبر النبي9 في سنته عن الامم السالفة و اخبر الائمة:مع انه كان يؤتي باصحاب الملل و المقالات و اصحاب المذاهب ليجادلوا الائمة:في كل عصر فلو كان اخبارهم كذباً او اخبار اللّه في كتابه عن الامم كذباً لابطلوه في هذه المدة المديدة و هم في فراغ و فرصة و فكر في ابطال ما في كتابنا و سنتنا ولكن كانوا متفقين فسكتوا و قرروا و ما استطاعوا ان‏يردوا عليه بوجه من الوجوه و هذه الجملة دليل علي وجود السابقين في كل عصر و اتفاق الامم عليه فاذا ثبت اتفاقهم عليه ثبت اتفاقهم علي لزوم تولاهم و اتباعهم و التسليم لهم و القبول منهم و الايمان بهم فانه لا احد من العقلاء يقول انهم اسبق مني ايماناً و لايجب علي تولاهم و اتباعهم في اعمالهم الحسنة و التسليم لهم و القبول منهم فيما رووا و ادّوا الي من المعصوم و التصديق لهم مع انهم عدول ثقات امين.

و يمكن لنا الاستدلال في هذا المقام ايضاً بالبديهيات الاولية و الضروريات الملية فانه اذا كان الامر من البديهيات لايسع احداً من اهل الملل و المذاهب انكاره الا تري انك لم‏تتتبع في الملل و لم‏تقرأ كتبهم ولكنك تعلم اتفاقهم علي ان السماء سماء و الارض ارض و النهار نهار و الليل الليل فلو ان رجلاً قال ان السماء سماء باتفاق الملل لاينكر و لايطلب البينة فانه امر واضح بديهي يستحيل عادةً انكار ذي‏عين عليه فاذا استدللنا علي امر الركن الرابع بالبديهيات الاولية و الضروريات الملية امكن لنا ادعاء اتفاق الملل عليه و لايسع خصمنا ان‏ينكر علينا او يطلب البينة منا ان شاء اللّه فنقول قد اتفقت الامم من اهل الملل النبوية و الكتب السماوية علي ان اللّه سبحانه غني عن عباده لاينتفع بطاعاتهم و لايتضرر بمعاصيهم و انما خلق الخلق رحمةً و جوداً و كرماً، و قد اتفقت علي انه حكيم في صنعه لايلغو و لايعبث و احكم صنعه علي احسن ما يمكن و وضع كل شي‏ء موضعه بحيث قد حارت عقول العقلاء عن درك حكمه و مصالحه و كلت السن البلغاء عن وصف اتقان صنعه و احكام امره، و قد اتفقت علي انه عليم بما يصلح خلقه و ما يفسده و ما

 

«* مکارم الابرارعربی جلد 8 صفحه 384 *»

ينتظم به امرهم و ما يخلل، و قد اتفقت علي ان الحكيم العليم لايصنع شيئاً لغير غاية و لا فائدة لانه لغو محض لايصدر عن الحكيم المطلق، و قد اتفقت علي ان الفائدة يستحيل ان تلحق الخالق الغني جل‏شأنه، و قد اتفقت علي انه حق و خلق لا ثالث بينهما و لا ثالث غيرهما فان لم‏يلحق الخالق الغني فوجب ان‏تلحق الفائدة خلقه اذا كان هو غنياً لايستفيد مما احدثه لا من شي‏ء احداثاً و ابتدعه ابتداعاً و اخترعه اختراعاً، و قد اتفقت علي انه اذا خلق الخلق لفائدة تلحق عباده فلايرضي بما يفسد امر خلقه و يمنعهم عن بلوغ تلك الفائدة و يرضي بما يصلحهم و يقويهم علي بلوغها فثبت ان له رضاءً و غضباً ولكن ليس رضاه و غضبه لنفسه و انما يرضي ما يرضاه لهم و يغضب علي ما يغضب عليه لاجلهم، و قد اتفقت علي ان جميع الخلق كلهم لايقدرون علي التلقي منه سبحانه رضاه و غضبه و لايقدرون كلهم علي الاخذ عنه ما يصلح امرهم و ما يفسده، و قد اتفقت علي ان اللّه سبحانه يصطفي من كل قوم اكملهم و اعدلهم و اقربهم و اطوعهم ممن يقدر علي تلقي الوحي و استماعه و الفهم منه سبحانه فيوحي اليه ما يحب لعباده و ما يبغضه لهم و يبعثه نبياً الي ذلك القوم و يكون ذلك معصوماً مطهراً مأموناً عن الخطاء فيما يبلغ عن اللّه اقلاً علي مذهب بعضهم و في كل امر علي مذهبنا، و قد اتفقت علي ان كل نبي انسان بشر مثلنا يجري عليه البداوات فيأكل و يشرب و يمرض و يصح و يحزن و يفرح و يضحك و يبكي و يحيي و يموت و يغلِب و يُغلَب كساير افراد البشر، و قد اتفقت علي ان لكل نبي عدواً شياطين الانس و الجن لايؤمنون به و يعاندونه و يسعون في اطفاء نوره و اخماد ذكره و ابطال امره ما استطاعوا كما كان في كل عصر و في كل قرن في حيوته او بعد وفاته، و قد اتفقت علي ان جميع الناس ليسوا في العقل و الفهم و الحفظ سواء و فيهم صبيان و نسوان و عبيد و موالي و عوام و اميون و عقلاء في اختلاف مراتبهم فلايقدرون كلهم علي حفظ شرع ذلك النبي عن التغيير و التبديل و الاندراس و الانطماس و لايقدرون كلهم علي دفع شبه الجاحدين و تحريف الغالين و انتحال المبطلين و تأويل الجاهلين و ضرر المتغلبين مع كثرتهم و ابداً هم اكثر من المؤمنين و ذلك امر محسوس لاينكر، و قد اتفقت علي ان اللّه سبحانه

 

«* مکارم الابرارعربی جلد 8 صفحه 385 *»

انزل الشرايع و بعث الانبياء لطفاً منه و كرماً و ليعلم الذين يؤمنون بهم و الذين يكفرون و قد انذروا و اعذروا و وعدوا و اوعدوا و ترحموا علي المؤمنين و انتقموا من الكافرين و انزلوا العذاب عليهم، و قد اتفقوا علي ان اللّه سبحانه لايمنع الكافر عن كفره و ميله الي هواه و معصيته بل يخذله و يخلي بينه و بين مراده و هواه و ميله كما فعل و يفعل فلما طغوا و بلغوا الغاية في طغيانهم انزل عليهم العذاب فاهلكهم و وفق المؤمنين للهداية و اتباع سبيل المعروف فلايمنع اللّه سبحانه عباده الكفار المعاندين للانبياء الابرار الساعين في اطفاء نورهم و اخماد ذكره عما يريدون من ذلك و لايحول بينهم و بين هواهم و يخليهم ان‏يفعلوا ما شاؤا الاّ انه لو تركهم مطلقا من غير مقيم لعوج الدين و مثقف لاوده لابادوا الدين و اهله و لم‏يتركوا له اسماً و لا رسماً في اسرع وقت و يضيع من في اصلاب الرجال و ارحام النساء من الذين فطرتهم فطرة الاسلام و الدين و الايمان و اليقين و لاتقوم الحجة علي الخلف بعدهم اذا لم‏يكن امر بينهم يبتليهم به فلابد و ان‏يكون بعد كل نبي و رسول من يقوم مقامه و يكون اشرف الامة و اعلمهم و احفظهم و اعقلهم و اطوعهم و اقضاهم و اعلمهم بالكتاب و السنة في كل عصر و يكون معصوماً باللّه اذ لو لم‏يكن معصوماً لكان كساير الرعية و لايحفظ الدين به و يكون كساير الرعية في عدم قدرته علي حفظ الدين و يكونوا الي غاية شرع ذلك النبي في كل قرن قرن و زمن زمن حتي ينتهي مدة شريعته و ايام بعثته و يجي‏ء نبي اخر بعده فهنالك لا حرج ان انقطع الحفظة و هؤلاء هم الاوصياء بعد كل نبي فمن تمسك بهم هدي و من تخلف عنهم غرق فهؤلاء يحفظون دين نبيهم في كل زمن عن الاندراس و الانطماس و يبطلون شبه الجاحدين و يمنعون ايدي المتغلبين و هؤلاء يعلمون بتكليفهم و اولئك يعملون بهويهم و يجري علي كل من الفريقين ما يقتضيه عملهم و كذلك تقدير العزيز العليم و كل هذه متفق عليها بين جميع اهل الملل من اهل الحل و العقد منهم و لانمنع ان‏يكون فيهم احمق او بليد لم‏يتنبه بما ذكرنا او اتبع هواه و خالف ما يقتضيه فطرته بل لنا ان‏نقول لا احد منهم يخالف فطرته في نوع ما ذكرنا و انما

 

«* مکارم الابرارعربی جلد 8 صفحه 386 *»

يخالفون في شخص الحفظة فيتخذ كل فرقة منهم رئيساً غير رئيس الاخر و اما في ما ذكرنا كلياً فلا خلاف، و قد اتفقت اهل الملل كلها علي ان بعث الرسل لابلاغ رضا اللّه و سخطه الي عباده و ان من اطاعهم فقد عمل برضا اللّه و نجا و من عصاهم و خالفهم فقد عمل بسخط اللّه و هلك، و قد اتفقت اهل الملل كلها علي ان من امن بالنبي9 افضل عند اللّه من الذي لم‏يؤمن بل كل الفضل و النجاة و القرب للمؤمنين و ليس للكافرين شي‏ء من ذلك و اتفقت علي ان من آمن بالنبي في اول بعثته بلا اكثرات من غير شك و لا ريب افضل عند اللّه و اعمل برضا اللّه ممن بقي علي كفره و عناده برهة من الزمان ثم امن و ممن حارب النبي و جاحده و سعي في اطفاء نوره دهراً ثم تاب و اجاب و ممن تردد في الريب و الشك مدة مديدة ثم تثبت علي الاقرار و ممن تأمل و تفكر فتأخر عن الذي بادر عن معرفة و يقين و كل ذلك امر بديهي فباتفاقهم لايستوون هؤلاء، و كذلك و قد اتفقت علي ان واحداً او جماعة من امة كل نبي يكون اسبق ايماناً بذلك النبي عن معرفة و يقين و ان تقدم في الايمان الظاهري عليه او عليهم جماعة كثيرون فان المراد بالاسبق الاسبق في الايمان الحقيقي لا الظاهري و الدليل علي ان في امة كل رسول مؤمن حقيقي لامحه قوله تعالي تلك الرسل فضلنا بعضهم علي بعض منهم من كلم اللّه و رفع بعضهم درجات و اتينا عيسي بن مريم البينات و ايدناه بروح القدس و لو شاء اللّه ما اقتتل الذين من بعدهم من بعد ما جائتهم البينات ولكن اختلفوا فمنهم من آمن و منهم من كفر الاية فظهر ان في امة كل نبي مؤمن و كافر ففي المؤمنين منهم من هو اسبق ايماناً و منهم من هو تابع في ايمانه لاحق، و قد اتفقت الامم علي ان من سبق الي الاجابة افضل و يستحق الفضل من اللّه و النعمة و اللطف و الفائدة اكثر من الذي بقي في الكفر و الشرك و عبد صنماً من دون اللّه بعد بعثة النبي زماناً كثيراً فالذي يستحق الفضل من اللّه و الرحمة اكثر لابد و ان‏يعطيه اللّه سبحانه اكثر من فضله و كرامته و الخير الذي عنده و يقربه منه

 

«* مکارم الابرارعربی جلد 8 صفحه 387 *»

و يزلفه لديه و لايمنعه ما وعد السابقين و المجيبين اولاً لان اللّه لايخلف الميعاد و الخلف قبيح علي اللّه سبحانه بالاتفاق و هو لايصدر عن الغني فمن تقدم في الاجابة و سبق غيره اعمل برضا اللّه سبحانه و احب اليه فان اللّه سبحانه يحب من اجاب دعوته و سبق الي الاجابة و لا احد يظن ان اللّه يبعث نبياً و يأمر الناس باتباعه ثم من اتبعه ابغضه فبالاتفاق من سبق الي اجابة الانبياء و الاوصياء احب الي اللّه من المتأخر و بالاتفاق من كان احب الي اللّه احب الي رسوله و نبيه و وصيه و بالاتفاق يجب محبة من احبه اللّه و رسوله و وصيه و بالاتفاق من ابغضه خالف رضا اللّه و رضا رسوله و وصيه و بالاتفاق اللّه و رسوله و وصيه لايفعلون غير رضا انفسهم و بالاتفاق من خالف رضا اللّه و رضا رسوله و وصيه و ما احبوا لانفسهم فقد تحول الي سخطهم و المتحول الي سخطهم مسخوط لامحه فبالاتفاق يجب استرضاء اللّه سبحانه و يحرم العمل بما يسخط فيجب موالاة المسارعين الي الايمان و السابقين الي الاجابة بالاتفاق و يجب موالاة من والاهم و معاداة من عاداهم لان مواليهم متبعون مرضات اللّه و مبغضوهم متبعون مساخط اللّه و هكذا و لو انجر الي سبعين مرتبة فيجب موالاتهم و موالاة اوليائهم و اولياء اوليائهم و اولياء اولياء اوليائهم و هكذا هلم جراً و كذا يجب معاداة اعدائهم و اولياء اعدائهم و اولياء اولياء اعدائهم و هكذا هلم جراً و جميع ذلك متفق عليه بين اهل الملل و المذاهب.

و كذلك قد اتفقت علي ان من سبق الي الاجابة و صار اقرب الي اللّه سبحانه يكون اكمل الرعية و اعلمهم بربهم و ما يرضيه و ما يسخطه و اعقلهم و اطوعهم لربه و نبيه و وصيه و اقدسهم نفساً و ازكيهم طبعاً فان اهل الملل قد اتفقوا علي ان كل الخير عند اللّه سبحانه و كل الشر في البعد عن اللّه فكل نور و خير و كمال و حسن و اعتدال يحصل في قربه سبحانه و كل ظلمة و شر و نقص و قبح و انحراف يحصل في البعد عنه سبحانه و ان اهل الملل قد اتفقوا علي ان اللّه دعاهم الي قربه لا الي البعد عنه فلو كان ثمرة القرب الظلمة و الشر و النقص و القبح و الانحراف نعوذ باللّه لكان اللّه سبحانه اصل كل ذلك نعوذ باللّه و كان قد دعا الخلق الي

 

«* مکارم الابرارعربی جلد 8 صفحه 388 *»

الهلاك و الفساد و كان بعث الانبياء لاهلاك ما خلق نعوذ باللّه و لايقول بذلك ملي ابداً فدعا الخلق الي قربه لينالوا فوايد النور و الخير و الكمال و الحسن و الاعتدال فمن كان اقرب الي اللّه سبحانه كان اولي بهذه الصفات من المتأخر البعيد عنه بدرجة و هكذا كل من كان اقرب بدرجة اولي بهذه الصفات من الابعد بدرجة كدرجات انوار السراج فكل جزء من النور اقرب الي السراج فهو انور و احر و ايبس و اشد صفرةً و ابقي و كل جزء من النور ابعد عنه فهو اقل نوراً و حرارةً و يبساً و صفرةً و دواماً و ثباتاً فبالاتفاق المؤمنون بكل نبي يحوزون هذه المحاسن و الانوار الساطعة عن سراج نبيهم المبعوث اليهم علي درجه سبقهم و كل مؤمن احب الي ذلك النبي من المتأخر عنه بدرجة و اقرب و لابد و ان‏يكون لقربهم و دعوته اياهم الي الايمان ثمرة و حسن فاقربهم اليه و اسرعهم اجابةً لابد و ان‏يحوز تلك الكمالات اكثر من المتأخر علي قدر درجة سبقه و تأخر غيره عنه فكل اسبق في الايمان و الاجابة لابد و ان‏يكون اقدس نفساً و ازكي عملاً و اكثر علماً و اوفر حلماً و اشد حباً لربه و ربه اشد حباً له بالاتفاق و بالاتفاق من كان كذا يجب اتباعه و يحرم مخالفته فان ما هو عليه فيه رضي اللّه فمتابعه متابع رضي اللّه و المدبر عنه و المخالف له المنكر عليه مخالف لرضا اللّه و متبع لسخط اللّه فانه اتخذ سبيلاً غير سبيل فيه رضا اللّه سبحانه و من يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدي و يتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولي و نصله جهنم فالراد علي السابق راد علي اللّه و المنكر عليه منكر علي اللّه و متبعه متبع اللّه و من احبه فقد احب اللّه و من ابغضه فقد ابغض اللّه بالاتفاق اما الرد عليه رد علي اللّه سبحانه فلانه اسبق اجابةً و احب الي اللّه من غيره و اقرب و قد استفاد بقربه من العلم اكثره و من الحلم اوفره و من النور اضوأه و ما يستفاد من العلم و الحلم و النور من قرب اللّه سبحانه فهو من اللّه و الي اللّه بالاتفاق فان العلم و الحلم الشيطاني لايستفاد من قرب اللّه سبحانه و النور ليس الاّ من اللّه فالراد عليه راد علي علم اللّه و نور اللّه و كذا المنكر عليه منكر علي اللّه و متبعه متبع اللّه و اما حبه حب

 

«* مکارم الابرارعربی جلد 8 صفحه 389 *»

اللّه فلانه يحبه اللّه بالاتفاق و حب محبوب اللّه سبحانه من حب اللّه و بغض محبوب اللّه سبحانه من بغضه فان محبك من احبك و احب من احبك و ابغض من ابغضك بالاتفاق و مبغضك من ابغضك و ابغض من احبك و احب من ابغضك بالاتفاق الا تري انك لو احببت رجلاً و ابغضه رجل و اذاه يسوءك ذلك و الاّ لم‏تكن محباً له فاذا اساءك ذلك لابد و ان‏تبغض من يسوءك فان الانسان لايحب الاساءة اليه فاذا ابغضت المسي‏ء يكون المسي‏ء بغيضك لامحه فاللّه سبحانه اذا احب رجلاً يبغض من اساء اليه و ابغضه و الاّ ليس بمحب له و من ابغضه اللّه فهو مبغض للّه لامحه فان اللّه سبحانه لايبغض محباً له فبالاتفاق حب السابقين حب اللّه و بغضهم بغض اللّه و التسليم لهم تسليم للّه و الرد عليهم رد علي اللّه و الايمان بهم ايمان باللّه و الكفر بهم كفر باللّه سبحانه اما هذان فلان الايمان به التصديق به و لا شك انه اذا صار اقرب الي اللّه و انور بنور اللّه و اعلم بعلم اللّه الايمان به و التصديق له تصديق للّه سبحانه و ايمان به و الكفر به اي ستر حقيته و كتمان حقيته و علمه و فضله ستر حقية اللّه و علم اللّه و فضل اللّه لانه قريب بقرب اللّه عليم بعلم اللّه فاضل بفضل اللّه بالاتفاق كما عرفت و لو شئنا ان نبين جميع فضائل الركن الرابع التي لايتحملها الاّ الخصيصون و نثبتها باتفاق الملل لاثبتنا و لا قوة الاّ باللّه العلي العظيم فان حجة اللّه بالغة و ادلته ظاهرة باهرة و ما منعنا ان‏نرسل بالايات الاّ ان كذب بها الاولون فلنقبض العنان الي اجل معلوم.

و اعلم ان اللّه سبحانه حكيم وضع كل شي‏ء علي قدر فما كان حاجة العباد اليه اكثر جعله اسهل تناولاً و اكثر و اوفر و ما كان حاجة العباد اليه اقل جعله ابعد تناولاً و اصعبه و اقل و انزر الا تري ان حاجة العباد الي الارض بقدر ما يستقلون عليه و يبنون لسكناهم و يزرعون ارزاقهم فجعلها تباع و تشتري و ترفع بقدر و كانوا يحتاجون الي الماء اكثر لشربهم و سقي دوابهم و مزارعهم و بساتينهم فجعله اسهل تناولاً و رفعاً بقدر و جعل مقداره علي قدر حاجتهم و لما كان حاجتهم الي الهواء اكثر و اوفر لاستنشاقهم و تروحهم في كل لحظة فجعله اكثر و اوفر و اسهل

 

«* مکارم الابرارعربی جلد 8 صفحه 390 *»

تناولاً يدخل اجوافهم و يخرج من غير حاجة الي رفع و وضع و لما كان حاجتهم الي الاضواء بقدر في وقت دون وقت جعله يطلع من غير كلفة و اخراج منهم و يغرب من غير تعب و ادخال منهم في الارض و لما كان حاجتهم الي العقاقير في بعض الاحيان و حاجتهم الي بعض اكثر و الي بعض اقل جعلها علي حسب حاجتهم فمنها ما ينبت في بلد كل صنف و منها ما يجلب بقدر الحاجة و كذلك تقدير العزيز العليم.

فكذلك الحكيم فعل في امر دينهم فاي مسئلة من دينهم كانوا يحتاجون اليها صغيرهم و كبيرهم و نساؤهم و رجالهم و عبيدهم و احرارهم و عوامهم و خواصهم جعلها اوضح دليلاً و اسهل تناولاً و ايسر استنباطاً و كل مسئلة لايحتاج اليها الاّ بعضهم من عوامهم جعله علي حسبهم او من خواصهم جعله علي حسبهم فاصول الدين من ما يحتاجون اليه في كل حال و يحتاج اليه جميع فرقهم و اصنافهم فجعل ادلتها اوضح من ادلة غيرها و سبلها ابين و تناولها و استنباطها اسهل لامحه و الاّ لاختلفت الحكمة و لم‏يناسب العدل و الصواب فيكلف الصبيان و النساء و البلهاء و يجعل ادلتها اصعب فاذا عرفت ذلك فاعلم ان الدين واسع و ان الخوارج ضيقوا علي انفسهم و الحكماء و المتكلمون اصعبوا الامر بشبهات شيطانية و ان دين اللّه اوضح من كل ذلك و من اصول الدين هذا الركن الرابع و الضياء اللامع فيجب ان‏تكون ادلته اوضح من الشمس في رابعة النهار فان الناس اليه احوج منهم الي الشمس اذ في الشمس صلاح دنياهم و في هذه الشمس المستنيرة من شمس الازل صلاح دنياهم و اخرتهم و لذا كان كثيراً ما يقول الصادق7:

علم المحجة واضح لمريده   و اري القلوب عن المحجة في عمي
و لقد عجبت لهالك و نجاته   موجودة و لقد عجبت لمن نجي

و قد كان اوضح من جميع المسائل حتي انه كان جميع مسائلها و ادلتها و مقدماتها اتفاقية كما رأيت فانشدك اللّه تدبر في ما ذكرت لك في هذه الفصول من الكتاب المحكم و السنة الجامعة الغير المتفرقة و دليل المجادلة و دليل الموعظة الحسنة و الحكمة المنيرة و الامثال الافاقية و الامثال الانفسية و اتفاق الملل و المذاهب

 

«* مکارم الابرارعربی جلد 8 صفحه 391 *»

و ارجع البصر هل تري من فطور ثم ارجع البصر كرتين ينقلب اليك البصر خاسئاً و هو حسير.

فهل تري او تظن ان مسئلة من المسائل قامت عليه هذه الادلة بهذا التفصيل او يمكن ان‏يقام علي باطل هذه الشواهد و البينات او هل يكون دين من الايمان او شي‏ء منها يثبت بهذا الاتقان و الاحكام فواللّه ما ينصفوننا خصماؤنا و يخاطرون بانفسهم اذ يردون علينا دعهم يثبتوا امامة الائمة بهذه البراهين و الادلة فاذ لايقدرون علي ان‏يأتوا بمثل هذه الحجج و لن‏يقدروا فليذعنوا لمن اتي بها علي دينه و كان مسدداً موفقاً من عند اللّه و ما ادري باي دليل اقروا بالتوحيد لم‏نأت به علي هذا الركن و باي برهان اعترفوا بالنبوة لم‏نقمه علي هذا الامر و باي حجة اذعنوا بالامامة لم‏نأت بها في اثبات هذا المدعا فان اقروا بالاركان الثلثة بالبرهان فهذا البرهان و ان قلدوا ابائهم من غير برهان فشأنهم و قد اتينا و الحمد للّه رب العالمين علي ما اردنا من اقامة البرهان علي هذا الركن الرفيع البنيان و ما علي العلماء الاّ اقامة الدليل و ايضاح السبيل فمن شاء فليؤمن و من شاء فليكفر و ان يكفر بها هؤلاء فقد وكل اللّه بها قوماً ليسوا بها بكافرين و صلي اللّه علي محمد و آله الطيبين الطاهرين و لعنة اللّه علي اعدائهم و منكري فضائلهم و ناصبي شيعتهم اجمعين.

و اعلم ان سؤالات السائل كان اكثر من ذلك و فيها تفاصيل ولكنه توفي رحمه اللّه بعد ما كتبنا من جواب سؤالاته كراسين و لما رأينا ان في اتمام هذا الجواب من الخير و البركة لساير المؤمنين ما لايحصي و طلب مني ساير الاخوان اتمامه بادرت الي اتمامه راجياً من اللّه حسن ختامه و قد وفقنا اللّه لاتمامه و الحمد للّه و فرغت من تسويده في عصر يوم الاحد ليوم بقي من شهر ربيع الاول من شهور سنة 1261 حامداً مصلياً مستغفراً. تمّت.