رسالة فی جواب السید حسین بن السید عبد القاهر
من مصنفات الشيخ الاجل الاوحد المرحوم
الشيخ احمد بن زينالدين الاحسائي اعلي اللّه مقامه
«* جوامع الکلم جلد 8 صفحه 270 *»
بسم اللّه الرحمن الرحيم
و به نستعين
الحمدللّه رب العالمين و صلي اللّه علي محمد و آله الطاهرين و بـعد فيقول العبد المسكين احمد بن زين الدين الاحسائي ان السيد السند حسين بن السيد عبدالقاهر ايده الله بمدده قد كتب الي مسألتين طلب مني جوابهما علي الحقيقة و هما مسألتان ينبغي التوجه لهما لصعوبة الجواب منهما لابتنائه علي لسان اولي الالباب فمن عرف لغة العلماء العارفين و فهم بذکاء المؤمنين الممتحنين وصل بهذا الجواب الي اليقين و کتبت سؤاله و تکلمت علي حسب ما يحضرني علي کل کلام بمآله و الله المستعان و هو حسبنا و نعم الوکيل.
المسئلة الاولي قال سلمه الله تعالي ما يقول شيخنا في قضية موسي علي نبيناوآله و عليهالسلام مع الخضر7 كيف يصح انيكون الخضر اعلم من موسي7 و هو حجة اللّه عليه و ليس طريق العلم بالمغيبات من امثال ما ذكر الا بصفاء العقل و قبوله للفيض الرباني و ليس الجهل بامثالها الا لعدم الاستعداد ضرورة فکيف يصح مع ذلك انيكون موسي7 افضل من الخضر7 و حجة عليه؟ فان قيل موسي7 اعلم بالامور التكليفية قلنا الاطلاع علي مراد اللّه من التكليف اعسر من الاطلاع علي غيره من المعارف و دقائق العلوم كما نص عليه العلماء فكيف يجوز استعداد العقل لمعرفة ما يحتاج الي زيادة مجاهدة و كشف و لايستعد لمعرفة ما هو دون ذلك فيما ذكر؟ ما هذا الاّ شيء نفر الطبع السليم عن قبوله و تحكم الفطرة بردّه.
جوابه: اعلم ان العلم قسمان قسم يتعلق بتكاليف مكلفين من الاعمال و الاعتقادات و الاداب الشرعية التي اسس الشارع7 بنيانها كعلم التوحيد و ما يتبعه من المعتقدات و ما يترتب علي ذلك من الادلة و الايات و كعلم الاخلاق و
«* جوامع الکلم جلد 8 صفحه 271 *»
توابعه كذلك و كعلم الشريعة و ما يتوقف علي ذلك من العلوم و قسم يتعلق باحوال البدا و العلل و الكيفوفة و ما يتعلق بالقدر و القضاء و ارتباطهما بالمقدرات و المقتضيات [المقضيات خل] و مظاهر العدل و تعلقاته و اسباب الخلق و امثال ذلك مما لايكون من المعتقدات و لا الاخلاق و لا التكاليف و لا مايرتبط بذلك و يتوقف عليه. فالاول هو الذي ارسل اللّه به الرسل و انزل به الكتب و اقام له الدلالات و نصب لاجل ابلاغه الحجج لعدم استغناء المكلفين عن ذلك و الثاني ليس كذلك. فيكون العالم بالاول حجة علي كل مكلف حتي علي العالم بالثاني اذا لميكن عالماً بالاول لعدم حاجة المكلفين الي الثاني و عدم استغنائهم عن الاول اذ به قوام دينهم و دنياهم و معتقداتهم فموسي علي نبيناوآله و عليهالسلام هو العالم بالاول و هو الحجة علي جميع اهل زمانه و منهم الخضر7 و هو يأخذ احكام دينه منه و الخضر7 قد علم بعضاً من العلم الثاني لمصالح يجريها في العالم بفتح اللام حسبما امر لكونه احد الاركان الاربعة للقطب الذي هو محل نظر اللّه و هو الغوث في اصطلاح اهل التصوف. و ان كان في احد الاصطلاحين الحاد في كثير من المواضع و هو ما يذهبون اليه من ان الغوث الذي هو محل نظر اللّه من العالم قد يكون جزئياً و هو الالحاد الذي اشرنا اليه لان الحق ان الغوث لايكون الا معصوماً بل في الحقيقة لايكون الا كلياً فافهم الاشارة.
فالخضر7 قد اودع بعضاً من الثاني لمصالح لاتتعلق بالمكلفين من حيث هم مكلفون و انما كان الخضر7 حجة علي موسي في تلك المسائل المذكورة لتكليفه بخصوصه بتلك المسائل لما كانت في حال من الاحوال بالنسبة اليه من علم الاخلاق رفعاً لشأن موسي7 و تزكية له. و ذلك انه خطب بني اسرائيل و ذكر ما انعم اللّه به عليه و فضله اقراراً بنعمة اللّه و طلباً لمزيد فاحب سبحانه لموسي مقاماً اعلي من ذلك المقام الذي هو مقام الشكر و هو مقام العبودية و الفقر جزاء لشكره لانه سبحانه يجزي الشاكرين كما يحب و يختار لهم لا كما يحبون و
«* جوامع الکلم جلد 8 صفحه 272 *»
يختارون فامره انيصحب الخضر و الهم الخضر ما لايعلمه موسي7 ليصدق فقر موسي و عبوديته لانه سبحانه يختار لمن انعم عليه و اراد رفعة درجته الانكسار علي مقام الشكر و ان كان الشكر يستوجب المزيد لان مقام الانكسار و الانحطاط اعلي و اشرف لاولي الفضائل و النعم و اوفر في طلب المزيد من مقام الشكر.
فكان الخضر7 حجة علي موسي7 في هذه المسائل لتحصل [لتحصيل خل] الغاية اذا كلف بقبولها و موسي7 كما تقدم حجة علي الخضر7 فيما يريد اللّه من العباد و اعلم من الخضر. و نظيره في التمثيل ان المجتهد العام القائم بجميع الاحكام للمقلدين فانه حجة عليهم و فيهم العالم بعلم الطب الذي يكون حجة علي ذلك العالم العام فيما يضطر اليه من معالجة المرض الذي هو فيه و ان كان ذلك العالم اعلم من الحكيم و حجة عليه في سائر الاحكام.
و قوله سلمه الله: و ليس طريق العلم بالمغيبات من امثال ما ذكر الا بصفاء العقل الخ
جوابه ان شرف العلم بشرف المعلوم و صفاء العقل بصفاء المعقول و كان معلوم موسي7 و معقوله و هو اللّه و صفاته و افعاله و احكامه و مراداته اشرف و اعلي و اصفي من معلوم الخضر و معقوله من هذه المسائل و امثالها و معرفته باللّه اعلي من معرفة الخضر باللّه و هذا ظاهر. و اما وجه صعوبتها و عدم الاطلاع الخلق عليها فلعدم حاجتهم اليها فحجب عنهم علم ما لايحتاجون اليه و لما جعل الخضر7موكلاً بذلك التوجه الي الاستعداد بقبوله و لو توجه موسي7 الي ذلك لناله باسهل من استعداد الخضر ولكنه ليس مما يعينه و لا مما يراد منه كما اريد من الخضر و الاصل في ذلك ان اعلي مراتب الامكان مرتبة الانسان و كل مرتبة في الامكان فهي تحت مرتبته فصح له انه يمكن فيه كل ما خرج عن صقع الربوبية. و قوله: فان قيل موسي7 اعلم بالامور التكليفية قلنا الاطلاع علي مراد اللّه من التكليف اعسر من الاطلاع علي غيره من المعارف او دقائق العلوم الخ مؤيد
«* جوامع الکلم جلد 8 صفحه 273 *»
لما قررناه لان الاطلاع علي مراد اللّه من التكليف هو مقام موسي7 لا الخضر لان الخضر7 انما يطلع علي مراد اللّه فيما يخصه و يعينه بتبعية موسي7 فافهم و راجع ففيما امليناه جميع ما يحتاج اليه في بيان هذه المسئلة و ما يتعلق بها.
المسئلة الثانية: قال سلمه الله تعالی: ما يقول شيخنا في الرجعة المعلوم ثبوتها ضرورة من السنة و من مذهب الائمة: ما حقيقتها؟ فان الظاهر منها رجعة الاجساد بعد التلاشي و ذلك معاد جسماني فهل تكون تلك الاجسام المعادة بمنزلة هذه الاجسام التي بين ايدينا في الكثافة؟ ام تكون كاجسام اهل الجنة في اللطافة التي قد قيل فيها لو برزت لنا في هذه النشاة لم تدركها ابصارنا؟ فان كان الثاني لميحصل لهم الانس مع اهل الارض من اخوانهم الذين لميموتوا بعد و لمينتظموا في سلكهم فكيف تتم بهم النصرة و تأتلف بهم الكلمة مع اهل هذه النشأة؟ و ان كان الاول فكيف يمكن تعقل العود كذلك من جهة العقل؟ و قصاري العقل انيدرك العود الجسمي بالمعني الاول اذا بلغ الغاية في التلطف و عرف الصناعة الاكسيرية.
اقول: اعلم ان الرجعة المذكورة و خروج الاموات عند خروج الحجة7 و خروج الحسين7 هي رجعة الاجساد بعد التلاشي و هو معاد جسماني فهي في الرؤية بمنزلة هذه الاجسام بمعني انهم يكونون مع من لميمت و يتزاوجون معهم و يستأنسون. و الاصل في هذا العود انه في الصورة بحكم هذه النشأة و ان الاجسام الاصلية التی هي الطينة تمتزج بمواد الاغذية و لطائف المطاعم و ذلك كله من هذا التراب الكثيف فاذا امتزجت تلك الاجزاء اللطيفة بالاجزاء الكثيفة كانت منها هذه الاجسام الكثيفة لكثافة اللخط فمادامت الارض كثيفة لايخرج منها الا الكثيف بخلاف بعث الاخرة لانهم انما يبعثون من الارض بعد تصفيتها بنفخة الصور الثانية فيكونون في غاية الصفاء.
نعم يكون العالم كله عند قيام القائم7 من الارض و الناس و الانعام و النبات اصفي من هذه الحالة التي نحن فيها مثل صفاء اجساد الاولياء و الانبياء في هذا الزمان بمعني انهم خفوا من اثقال الذنوب بحيث لو سار
«* جوامع الکلم جلد 8 صفحه 274 *»
انطوت له الارض لغلبة النور عليه و ان كان كثيفاً في الظاهر. و لاجل ذلك يرون الملائكة و الجان و يدركون اشياء نعجز عنها و يحصل للمؤمن قوة اربعين رجلاً الي غير ذلك. بل روي ان اخر الرجعات تظهر الجنتان المدهامتان عند مسجد الكوفة و ماوراء ذلك بما شاءاللّه. و كذلك النخل و الشجر يحمل كل سنة مرتين الي غير ذلك مما لايصح مع هذه الكثافة التي نحن الان فيها.
قوله ايده الله تعالي: فكيف يمكن تعقل العود كذلك من جهة العقل.
جوابه: ان العقل انما يتعقل العود علي هذا الوجه هو الاول المشاراليه في السؤال و هذا ظاهر.
و قوله ايده الله: و قصاري العقل انيدرك العود الجسمي بالمعني الاول اذا بلغ الغاية في التلطف و عرف الصناعة الاكسيرية.
جوابه: ان العقل يدرك الاول ببداهة كما بينا و انما يحتاج العقل الي التلطف و معرفة الصناعة الاكسيرية في ادراك المعني الثاني لان الصناعة الاكسيرية انما تمت لما دبرت علي هيئة العود الاخروي في التطهير لتلك الاجسام عن الغرائب و الكثائف بحيث تكون ارض الاكسير ارضاً مقدسة صافية كبرادة الفضة في البياض و كجرم البلور في الشفيف بكثرة الغسل بفتح العين المعجمة بالانثي الغربية بعد بلوغها و بحيث تكون تلك الارواح بالغة بالحرف و التفصيل و التزويج بالزوجات الاربع و التوليد للبنات الست و تقويتها باكليل الغلبة الي انتكون الارواح صابرة علي الجحيم و النعيم بكثرة التربية فيهما و تكون الارض مشاكلة للارواح بكثرة التمشية و تعلمها منها الصعود الي القوابل بكثرة الحل و العقد و ادراك العقل لذلك الذي هو مرءاة العود بالمعني الثاني يحتاج فيه الي التلطف بعد التوقيف لا المعني الاول و شرح الحال في هذا المجال يحتاج الي بسط كثير و توقيف من بصير.
قال سلمه الله تعالي: ثم نقول بعد ذلك كله هل يستقيم لمن منع المعاد الجسماني في الاخرة و اول ما ورد فيه من الايات و الاخبار انيعمل مثل ذلك فيما ورد في امر الرجعة ام لا؟ و هل نقل عن احد من علمائنا ام لا؟ افيدونا مما افاضه عليكم الحبيب و زكوا عرفناكم لتنموا و تطيب و لاتقولوا عليکم انتسإلوا
«* جوامع الکلم جلد 8 صفحه 275 *»
و ليس علينا اننجيب فان اليتيم لميجد له من تؤويه و الاسير لميجد له من يفديه و السلام. الي هنا انتهي کلامه اعلي الله مقامه آمين رب العالمين.
اقول: اعلم ان معاد الجسماني قد اجمع علماء المسلمين علي القول به و اعتقاده و انما اختلفوا في الدليل المثبت له هل هو الشرع لا غير؟ و لا طريق للعقل الي اثباته بحكمهم بعدم احساسه لذاته بعذاب و لا نعيم و لا شعور له حتي يصح توجه التكليف اليه المستلزم للجزاء المستلزم للاعادة؟ ام يكون اثباته كما يصح من جهة الشرع يصح من جهة العقل لانه شرع باطن كما ان الشرع عقل ظاهر. و علي الاول اكثر العلماء من المتكلمين و اهل العرفان حتي ان ملاصدرا في كتابه شواهد الربوبية ذكر ان اثبات المعاد الجسماني لا طريق الي اثباته من جهة العقل و انما الطريق الي اثباته هو الشرع. و بالثاني قال قليل من العلماء و الحكماء لصعوبة المسلك و سعة المأخذ و دقته و هو الحق لان العلة الموجبة لاعادة الارواح هي العلة الموجبة لاعادة الاجساد بعينها لا لمباشرة الاجسام للاعمال و ان الارواح لايمکن مجازاتها الا بکونها في الاجساد بل لان الارواح و الاجساد من هيولي واحدة بسيطة ففيها من الادراك و الشعور و الاحساس و الفهم و غير ذلك من الامور الموجبة للتكليف الموجب للجزاء الموجب للاعادة كما في الارواح بل هو فيهما من شيء واحد الا ان ما في الارواح اقوي مما في الاجساد بنسبة ما فيها من اللطافة و الكثافة علي حسب قوة الوجود و ضعفه فهو فيهما مشكك. و بالجملة فالعقل يشهد بالمعاد الجسماني و ان دقّ مأخذه و بيان ذلك لمن اراده مذكور في علم الصناعة فمن اراده طلبه هناك من عند اهله.
و اما من منع المعاد الجسماني فانما منعه من جهة العقل لا من جهة الشرع فلايأول احد من علماء المسلمين فيما اعلم ما ورد في الاخبار و الايات من المعاد الجسماني يوم القيمة الكبري نعم كان الجمهور ينكرون المعاد الجسماني في الرجعة و تابعهم قليل من هذه الفرقة. و قولي قليل استضعاف لقوله: و قد قال اللّه تعالي في كتابه و اقسموا باللّه جهد ايمانهم لايبعث اللّه من يموت بل وعداً عليه حقاً ولكن اكثر الناس لايعلمون ليبين لهم الذين يختلفون فيه و ليعلم الذين
«* جوامع الکلم جلد 8 صفحه 276 *»
كفروا انهم كانوا كاذبين انما قولنا لشيء اذا اردناه اننقول له كن فيكون و هذه الاية في التأويل نزلت في الجمهور الذين انكروا البعث الاول و القران مشحون به و الاخبار ناطقة به. و اولوا ما ورد منهما علي البعث الاخير فقال تعالي رداً عليهم وعداً عليه حقاً و الوعد الحق هو الحجة7 ولكن اكثر الناس لايعلمون ليبين لهم الذي يختلفون فيه. و الذي يختلفون فيه هو ظهور الصاحب7 و رجعة السفاح7 بعده الي آخر الرجعات. و ليعلم الذين كفروا و هم الذين كفروا ببعض الكتاب و ان آمنوا ببعض فهؤلاء يأولون ما ورد من القران و الاخبار و يحملون ذلك علي البعث الاخير. و لهذا رد الصادق7 علي من قال بذلك و اول قوله تعالي و يوم نحشر من كل امة فوجاً ببعث القيامة الكبري حيث قال7 يحشر من كل امة فوجاً و يدع الباقين. و بالجملة فالرجعة في الدنيا بعد الموت سر اللّه اوعزه الي نبيه و آله9 فبشروا به اوليائهم فامنوا بالغيب و فيهم افراد شاهدوا آياتها بعقولهم الطاهرة فشهدوا بالحق و هم يعلمون و الحمد للّه رب العالمين و لا حول و لا قوة الا بالله العلي العظيم و صلي الله علي محمد و آله الطاهرين. تمت بقلم منشئها في الثاني عشر من شهر الربيع الثاني سنة اربععشر بعد المأتين و الالف من الهجرة صلي الله علي مهاجرها و آله الطاهرين حامداً مستغفراً مصلياً مسلماً.