06-05 جوامع الکلم المجلد السادس ـ فوائد في مباني الاصول ـ مقابله

فوائد فی مبانی الاصول

 

من مصنفات الشيخ الاجل الاوحد المرحوم

الشيخ احمد بن زين‌الدين الاحسائي اعلي اللّه مقامه

 

«* جوامع الکلم جلد 6 صفحه 144 *»

بسم اللّه الرحمن الرحيم و به نستعين

الحمد للّه رب العالمين و صلي اللّه علي محمد و آله الطاهرين.

فائدة اذا وقع التكليف من الشارع الحكيم بفعل موقت في وقته فان كان ذلك الامر بذلك التكليف لسبب من المقبول المؤثر لزم دوام التأثر مادام السبب المؤثر موجودا سواء اتي المكلف بماكلّف به الذي يكون مانعا من التأثير ام لا و ذلك مقتضي موجودية المؤثر الملزومة للتأثير و الاّ لم‏يكن المؤثر من حيث المؤثر مؤثرا هف و مثاله اذا كلف الشارع الحكيم بصلوة الخسوف فان ايجاب الصلوة علي المكلف العالم القابل للتكليف مستمرّ في كل جزء من الوقت المنصوب لها و هو من حين الاخذ في الخسوف الي حين الاخذ في الانجلاء علي الاصح و قيل الي تمام الانجلاء و ربما قيل فيه قولاً و لقد وقفت عليه عن بعض الاصحاب و ظني انه انقرض و هو من حين الاخذ في الانجلاء الي تمام الانجلاء و انقراضه يدلّ علي فساده و انما كان الايجاب مستمرّاً لان المسبب كان مستمرا فلو ارتفع اثره بمجرد فعل المكلف الصلوة في اول الاخذ في الخسوف مرة واحدة لكان المؤثر غير الخسوف و المقطوع به هو لا غيره كما حقق في الحكمة و يأتي ان شاء اللّه التنبيه عليه في الجملة فان قلت لو كان الامر كذلك لما اهمل الشارع رعيته بل عليه ان يوجب عليهم الصلوة في كل جزء من اول الوقت الي اخره فلما لم‏يوجب ذلك علمنا انه لم‏يكن التأثير مستمرا لانه لايجهل و لايخل بالواجب قلت ان الاحكام التي تعمّ بها البلوي قد جرت بها عادة الملة الحنفية السمحة علي اسهل وجوهها فاكتفي منهم بمجرد الامتثال بفعل الصلوة واحدة لان العزم علي الامتثال قائم مقام الاعمال نية المؤمن خير من عمله و انما خلد اهل الجنة و اهل النار بنياتهم الخ معني الحديث فكان ترك الايجاب تخفيفا من الشارع علي رعيته مع انه قد ندبهم الي التكرير الي آخر الوقت فان قلت كيف يحسن الاكتفاء بالبعض من اثر الموجب مع انه دائم التأثير فان تلك

 

«* جوامع الکلم جلد 6 صفحه 145 *»

الصلوة الواحدة انما هو (هي خ‌ل) موجة من بحر اثره و لو حسن الاكتفاء بالبعض للعلة المذكورة التي هي جريان عادة الملة السمحة علي التخفيف عن المكلفين لحسن في نظائره من ابواب الفقه كالنزح من البئر للنجاسة و كطهارات المستحاضة و لو كثيرة مع ان الفقهاء اشترطوا في تطهير البئر اذا وقع فيه مايوجب اخراج عدد مخصوص من الدلاء اخراج النجاسة او لا ثم نزح العدد المأمور به و قالوا  لو نزح العدد قبل اخراج النجاسة لم‏يطهر البئر لاستمرار التأثير و قالوا يجب علي المستحاضة في وضوءاتها و اغسالها نية الاستباحة لا نية رفع الحدث لاستمرار التأثير نعم قيل لو نوت رفع الحدث السابق علي الطهارة جاز و امثاله و هذا الذي ذكرت من هذا القبيل و قول اهل الاصول من اصحابنا المحققين ره ان امتثال الامر يقتضي الاجزاء و الاجزاء يقتضي براءة الذمة في ظاهر الشرع من التكليف ففيه اطلاق و الاّ فهو ممنوع لحكمهم في مواضع بما يخالف ذلك كحكم بعضهم باعادة الصلوة المتيمم في مواضع كمن منعه الزحام يوم الجمعة اذا وقع منه حديث و من اهرق الماء بعد الوقت مع علمه بعدم الماء و كواجد الماء في اثناء الصلوة و من دعاه المالك لدخول ارضه و بعد شروعه في العبادة امره بالخروج و من جامع مع علمه بعدم الماء و فاقد الطهورين علي قول الي غير ذلك فاطلاقهم ان كان ارادوا به غير العموم و الاّ فبعضهم يمنع بعضا قلت المعلوم عندي من عرف شيئا من اسرار التكليف من اخبار اهل العصمة: و امداداتهم ان العلة الغائية التي لاجلها جري التكليف لاتقتضي اكثر من صلوة واحدة لان وجود الناشي‏ء من الصلوة وجود تشريعي و العلة التي جري لاجلها التكليف حصص وجود وجودي و الوجود التشريعي روح الوجودي و قليل الروح يقوم مقام كثير من الاجسام فلايحتاج ذلك الحسس و ان عظم الي اكثر من صلوة واحدة في المقابلة و امر الشارع المكلف بالاعادة انما هو للتكميل لان التأثير توجه الي جميع المكلفين فمن صلّي سقط عنه ما لابد منه لاسيما مع نية العزم علي الامتثال و في عمليه ما منه بدّ و هو الندب و التأثير المجدد بعد الواجب بالنسبة الي من صلي انما هو الندب و لا تضرّ وحدة الخطاب مع تعدد الارادة بخلاف الاستمرار التأثير في

 

«* جوامع الکلم جلد 6 صفحه 146 *»

نزح البئر فان اثر حسّي في جسم مائع ذائب رطب متساوي الاجزاء فاي جزء من الماء باشره مؤثر النجاسة انفعل و انفعلت به جميع الاجزاء فكل جزء مباشر النجاسة او مباشر المباشر فلاتتحقق في جزء منها مع وجود المنجس طهارة ابداً و كذلك في المستحاضة فان المحل قبل رفع الحدث لايتأثر باتصال الحدث كما مر و بعد رفع الحدث يعود بلاتجدد كحالة الاولي و قول اهل الاصول ان امتثال الامر يقتضي الاجزاء حق و الاّ لزم تكليف مالايطاق و اما حكم بعضهم باعادة الصلوة المتيمم في مثل المواضع المذكورة فلدليل آخر فصلوة المتيمم الاولي قد اجزئت في محلها لامتثال الامر هناك و الاعادة بامر آخر و قد اجزءت بامتثال امره و لو لم‏يقتضي امتثال الامر الاجزاء لما اجزئت الاعادة ايضاً و ان كان ذلك الامر بذلك التكليف لسبب من القابل المتأثر فائدة الامر بالفعل يقتضي ايجابه فقد و امتثال ذلك الامر مع الاتيان بشرايط الصحة يقتضي الصحة و براءة الذمة من التكليف و مع ترك الاتيان بها اختيارا يقتضي عدم صحة الامتثال للامر و عدم الصحة (الفعل خ‌ل) و عدم البرائة من التكليف و مع تعذّرها يقتضي صحة الامتثال و صحة الفعل في نفسه ثم ان شرط الصحة ان كان مع ذلك مرادا في نفسه بان يكون رافعا للمانع من الصحة كالطهارة فاذا تعذر اقتضي عدم البرائة من التكليف و لو وجد مع تعذره بدله و هو الذي لايراد لنفسه فلايكون رافعا للمانع من الصحة و انما يرفع المنع خاصة و هو المعبر عنه بالاستباحه مع وجود المانع كالتيمم فانه يرفع المنع من الحدث و المانع موجود و هو الحدث فاذا وجد البدل الذي هو التيمم مع عدم التفريط في مبدله كان ذلك مقتضيا لبرائة الذمة و لو فقد كحال فاقد الطهورين كان مخاطبا بسبب الوجوب و هو الامر بالفعل المقتضي امتثاله صحة الفعل في نفسه لوجود شرط الوجوب لكن لما فقد شرط الصحة و بدله لم‏يقتض وجود شرط الوجوب وجود البرائة من التكليف و لم‏يكن المانع من الصحة مقتضيا للمنع من الوجوب و لا من جواز امتثال الامر لانه اعمّ و ثبوت الاعم لايستلزم ثبوت الاخص و لهذا وجب عليه علي الاصح الصلوة لوجود شرط الوجوب و لم‏يمنع منه عدم

 

«* جوامع الکلم جلد 6 صفحه 147 *»

شرط الصحة الذي يقتضي البراءة لقوله7 اذا امرتكم (بامر خ‌ل) بشي‏ء فأتوا منه مااستطعتم و قوله7 لايسقط الميسور بالمعسور فان قلت انهم قالوا ان صحة الامتثال يقتضي الصحة قلت المراد انها يقتضي صحة الفعل في نفسه لا برائة المكلف لان المشروط عدم عند عدم شرطه و وجب عليه القضاء و عند التمكن من احدي الطهارتين الذي هو شرط الصحة و شرط حصول البرائة و ليس كلما صح الامتثال لحصول السبب حصلت الصحة و البرائة و لهذا قيل بوجوب الاعادة علي المتيمم بسبب الزحام يوم الجمعة و لسبب (بسبب خ‌ل) الجماع مع علمه لعدم التمكن من الماء و بوجوب غسل المس علي من مس الميت المتيمم لعدم الماء و الغسل (المغسل خ‌ل) بالماء بدلا من الخليطين او من احدهما و كثير منهم اوجبوا الصلوة علي من تعمد الجنابة مع وجود الماء بالتيمم اذا خاف التلف باستعمال الماء او مع عدم الماء و اوجبوا عليه الاعادة قضاء و هو بناء علي ان الصلوة في الوقت للامر بها و ان القضاء للبرائة و لم‏يكف التيمم في البدلية للتفريط و لهذا قال الشيخ في حق متعمد الجنابة بعد ان اوجب عليه التيمم و الصلوة اداء قال ففرضه الغسل علي كل حال فان لم‏يتمكن تيمم و صلي ثم اعاد اذا تمكن من (عن خ‌ل) استعماله و امثال (امتثال خ‌ل) ذلك و قد يكون المقتضي للبرائة مع فقد شرط الصحة حالا مانعا من النقيض (المقتضي خ‌ل) لعدمها و لولا عروض هذا المانع لم تحصل البرائة من (علي خ‌ل) اصل التكليف لقيام المقتضي لعدمها كحال من صلي الي محض اليمين و الشمال او الي عكس القبلة ظانا انها القبلة و استمر الاشتباه فانه هو المانع من الاعادة اذ لو ذكر الاول في الوقت لوجب (لوجبت خ‌ل) عليه الاعادة فلو (و لو خ‌ل) ذكر الثاني مطلقا وجبت عليه الاعادة في الوقت و خارجه و كذلك من دفن بغير غسل او غسل بماء مغصوب مع العلم او دفن الي غير القبلة او مع مخالفة الترتيب في الغسل او صلي عليه مقلوبا و لم‏يعلم الاّ بعد الدفن او غير ذلك فان من لم‏يوجب النبش لو كشفه السيل وجب عند (عنده خ‌ل) التلافي للمأمور به مع امتثاله الامر قبل ذلك الاّ في الصلوة مقلوبا فانه يكفي ذلك مطلقا الاّ اذا علم قبل الدفن و اهمل و لم‏يصلّ علي القبر و بالجملة لم‏يكن الامتثال

 

«* جوامع الکلم جلد 6 صفحه 148 *»

مقتضيا للبرائة و انما يمنعه من الاتيان بالفعل ثانيا عدم التمكن من الشرط المقتضي للصحة علي اصل التكليف فاذا زال المانع قام حكم المقتضي فافهم و اللّه الموفق.

فائدة: قالوا ان الامر بالفعل الموقت اذا خرج الوقت قبل ايقاع الفعل فيه لايقتضي ايجابه خارج الوقت و انما وجب القضاء بامر جديد و قالوا في الاستدلال علي ذلك انا نقطع بان الامر بصوم يوم الخميس لايدلّ علي صوم يوم غيره باحدي الدلالات الثلاث فلايجب بذلك الامر و الاّ لاقتضاه فان الوجوب اخصّ من الاقتضاء و ثبوت الاخص يوجب ثبوت الاعم و عدم الاقتضاء دليل علي عدم الوجوب لان انتفاء الاعم يوجب انتفاء الاخص و للقطع بانه اذا قال السيد لعبده ادخل السوق اليوم لايدل علي امر عبده بدخول السوق غدا او غيره من الايام و لان الامر بالفعل في وقت مخصوص يدلّ علي وجود مصلحة في الايقاع في الوقت المخصوص و الاّ لانتفت فائدة تعيين الوقت و لا دلالة في ذلك علي وجود المصلحة في غيره من الاوقات لتحصل (لتحصيل خ‌ل) الفائدة الاّ بامر جديد يدلّ علي وجود المصلحة في غير ذلك الوقت المعين فاذا فقد الامر الجديد علمنا عدم المصلحة بل ربما يدلّ علي ذلك وجود المفسدة و لان الامر لو اقتضي الفعل بعد الوقت لكان اداء لاقتضاء (لا قضاء خ‌ل) لانه بمنزلة افعل (افعله خ‌ل) كذا اليوم او في غده و هو يقتضي التخيير بين الوقتين و (او خ‌ل) الامر به فيهما و ان كان علي الترتيب فيكون الثاني اداء و لان الامر و النهي انما يقعان علي الافعال لحسنها او قبحها و من مقوّمات الحسن و القبح وقوعها علي وجوه و اعتبارات احدها (احدهما خ‌ل) التوقيت علي ماحقّق في الحكمة فعدم الامر دليل علي عدم الحسن الذي هو منشأ المصلحة و قال آخرون ان الامر الاول كافٍ في وجوب القضاء فلو لم‏يدلّ الامر الثاني علي عدم القضاء (الاقتضاء خ‌ل) فيما لاقضاء له كالجمعة و العيدين لوجب القضاء بمقتضي الامر الاول لان الامر بالصوم يوم الخميس امر بالصوم نفسه و بايقاعه يوم الخميس لماسيأتي فاذا فات يوم الخميس و لم‏يصم ذهب الامر بالقيد و بقي الامر بالصوم نفسه مقتضيا لايقاعه بعد و هو

 

«* جوامع الکلم جلد 6 صفحه 149 *»

الحق و قول الاولين انا نقطع بان الامر بصوم يوم الخميس لايدل علي صوم يوم غيره الخ انما يصحّ لو كان المقصود صوم الوقت المعين و ليس كذلك بل المقصود و نفس الصوم و ايقاعه في ذلك الوقت المعين و كان له خصوصية في صفة الصوم لانسلم اجراءها في ذاته بل الذي يعطيه النظر في اخبار اهل العصمة: ان خصوصية الوقت خارجة عن ماهية الصوم و انما ذلك في صفته كالمكان و اللباس و القبلة للصلوة و هو الظاهر عند الاطلاق فان المطلوب في الحقيقة انما هو نفس الصوم و توقيته لزيادة صفته لا ان المطلوب التوقيت نفسه و لا المركب منها (منهما خ‌ل) لا غير و بيان ذلك يأتي فلاقطع بعدم دلالة الامر الاول علي الفعل خارج الوقت بل يدلّ عليه في الحقيقة بالمطابقة لذاته و كذلك لانسلم ان امر السيد عبده بدخول السوق اليوم لايدلّ علي دخوله غدا اذ ليس مراد السيد نفس الدخول في اليوم المعين بل مراده الدخول لغرض فان كان ذلك الغرض يعلمه العبد انه لايصلح لغير ذلك اليوم بحسب العادة كان عدم اقتضاءه الدخول في غير ذلك اليوم انما هو للقرينة و ان علم ان سيده يريد تلك الحاجة و هي صالحة لذلك اليوم و غيره و لا قرينة معينة كان ذلك مقتضيا للدخول في غير ذلك اليوم اذ ليس مراد السيد (السيد نفس خ‌ل) الدخول في الوقت المعين و انما ذلك للحاجة فالامر لتحصيل الحاجة و ان كان في الوقت المعين فذمة العبد (فذمته خ‌ل) مشغولة بطلب الحاجة الاّ ان تدل القرينة فانها للوقت لا غير (لغيره خ‌ل) كصلوة العبد علي مايأتي بيانه و ذلك لان الامر بالفعل علي اربعة اقسام موقت و غير موقت و الموقت ثلثة فعل امر به و بهيئته (بهيئة خ‌ل) لنفسه و ضرب له وقت لايقاعه فيه لتحصيل كماله و فعل امر به لنفسه و ضرب بهيئته و لايقاعه وقت و فعل امر به للوقت المضروب لايقاعه فيه و فعل امر به لنفسه و لم‏يضرب لايقاعه و لا لهيئته وقت و هو غير الموقت فالاول كالصلوة اليومية فانها امر بها و بهيئتها لنفسها و امر بايقاعها في الوقت المعين لتحصيل كمالها فاذا خرج الوقت ذهب الامر بايقاعها كك و بقي الامر بها و بهيئتها لان ايجاب ذلك ليس لخصوصية الوقت فيجب القضاء خارج

 

«* جوامع الکلم جلد 6 صفحه 150 *»

الوقت لخصوصية نفسها و من الدليل علي ذلك ان الهيئة اشد اتصالا بها من الوقت مع انها ليس ذاتية لها بل قد تتقوم ذاتها بدون الهيئة و لهذا تسقط مع العجز و الضيق كحال المطاردة و المرض الموجب للايماء و لو كانت ذاتية كالنية لسقطت عند تعذرها فلايكون الوقت جزءا منها بالطريق الاولي فافهم الاشارة و لاتميل بك العبارات المحكية و لا الي الشهرة اذ رب مشهور لا اصل له و الثاني كصلوة الجمعة فانها من اليومية و هي صلوة الظهر غيّرت هيئتها للوقت فاذا ذهب الوقت الخاص بالهيئة بقي الوقت الخاص بالذات فتصلي فيه اداء و في خارجه قضاء و ليست بدلا من الظهر و الاّ لوجبت نية البدلية و لا واجبا مستقلا برأسه و الاّ لماتوجه التكليف بفرض الظهر الاّ بعد تعذر الجمعة فيحدث الامر بالظهر فيكون لابتداء الامر به وقت بعد التعذر و هو غير متعين للاختلاف في اخر وقت الجمعة الذي يبتدي وقت وجوب الظهر بانتهائه و لعدم تعين وقت التعذر و اذا لم‏يكن وقت الاول انتفي التوقيت لعدم تحققه و انتفي الوجوب لان تعين الوقت سبب في وجوب التوقيت و اذا انتفي السبب انتفي المسبب لان غير المعين لايصلح للسببية و ايضاً لم‏تحسن منك ان تقول اذا صليت الجمعه سقط عنك فرض الظهر لان السقوط فرض الثبوت (فرع الثبوت خ‌ل) و لو وجب اول الوقت مع وجود الجُمُعَة لاقتضي التخيير و هو ممتنع مع تعذر (تعين خ‌ل) الجمعة و وجوبهما معا و هو قطعي البطلان او كونه مشروطا بعدمها و تعذرها و هو يقتضي عدم الوجوب لان الشرط ح شرط الوجوب فلايتحقق الوجوب الاّ بعد وجوده و لو كان كذلك لكان الظهر غير موقت الاول و يأتي ماذكرنا و الثالث كصلوة العيدين فانها انما امر بها للوقت خاصة لا لنفسها و في اخبار اهل العصمة: تلويح و اشارة الي ذلك فتؤدي فيه فاذا خرج ذهب بما له و لم‏يبق في الفعل فائدة بعد الوقت و حيث شرعت في نفسها و في هيئتها للوقت كان من ادّاها لم‏تجب عليه الجمعة ذلك اليوم لقيامها بهيئتها مقام هيئته الجمعة لحصول الفائدة بالاجتماع و الوعظ في ذلك اليوم و هو التذكير ليوم الحساب و وجه استحباب من يصليها اربعا مفصولة او موصولة مع عدم استجماع الشرايط ليس لانها شرعت في الوقت بل ان مايشرع

 

«* جوامع الکلم جلد 6 صفحه 151 *»

للوقت لايخلو في نفسه من فائدة مع قطع النظر عن الوقت و ان لم‏تكن توجب القضاء لان هذه الفائدد انما لحظت ثانيا و بالعرض الاّ انها لاتنقص عن رتبة مطلق النافلة لان النافلة كذلك في الاصل انما تلحظ فيه (فيها خ‌ل) الفائدة ثانيا و بالعرض فافهم و الرابع غير الموقت امر به لنفسه و لا وقت له و لا قضاء و اذ لا اداء له الاّ بمعني ايقاعه و اما ذوات الاسباب كالكسوف و الخسوف فهي من الموقت عند السبب شرعت لنفسها عنده فليس بمحض السبب او خصوص وقته و الاّ لما وجب له قضاء بعد انقضاء وقتها و لا لمحض نفسها و الاّ لوجبت علي كل حال و لهذه الاسرار التي اشرنا اليها توضيحات تتوقف علي مقدمات و قد حقّقنا ذلك في مباحثاتنا و بعض الاجوبه لبعض المسائل و لو لم‏يخف الاطالة لكشفنا لك الامر حتي تعاينه فاذا عرفت ذلك ظهر الفرق بين ما للوقت و ما في الوقت فاذا خرج وقت ما شرع في الوقت وجب قضائه لشغل الذمة به بخلاف ما للوقت فان قلت ان هذا التقسيم لا دليل عليه ليتمّ مايتفرّع عليه قلت ان هذا معلوم تشهد به العقول و تشير اليه الاخبار بحيث من وقف عليه لا يرتاب فيه فان قلت ان الامر بالفعل في وقت مخصوص يدلّ علي وجود المصلحة و الاّ لانتفت فائدة التعيين و لا دلالة في ذلك علي وجود المصلحة في غيره الاّ بامر جديد يدلّ علي وجودها في غيره فاذا فقد دل علي عدم المصلحة بل ربما يدلّ (دل خ ل) علي وجود المفسدة قلت لا معني للشك في وجود المصلحة فيه اذا وقع خارج الوقت بعد بيان الفرق بين ما وجب في الوقت و بين ما للوقت للقطع لوجودها في ما وجب في الوقت ما وجد الامر به بل ما لم‏يوجد النهي عنه عملاً باستصحاب (باستصحاب نفس الشرع خ‌ل) لان الاصل بقاء ما كان علي ما كان علي ان ما شرع في الوقت انما شُرِع لذاته و ما كان كذلك لاتفارقه المصلحة لانها ذاتية له و انما شرع في الوقت لزيادة المصلحة و الفضيلة كالامر بايقاع الصلوة في المسجد و متعطّراً و ان سلّمنا ان فائدة الوقت ذاتية قلنا لا تنحصر فيها بل تكون الفائدة من شيئين احدهما لازم للذات و الثاني للوقت قام بدله مقامه و هو خارج الوقت و لو سلّمت وحدة المركب بحيث يذهب بذهاب جزئه (جزئيه خ‌ل) جاء ذلك في الامر الحديد فان تركب من

 

«* جوامع الکلم جلد 6 صفحه 152 *»

الوقت الثاني كان اداء و الاّ كان بالاول فان قلت ان الامر و النهي انما يردان علي الافعال لحسنها و (او خ‌ل) قبحها و من مقوّمات الحسن و القبح وقوعها علي وجوه و اعتبارات احدها التوقيت علي ما حقّق في الحكمة فعدم الامر دليل علي عدم الحسن الذي هو منشاء الفائدة و المصلحة قلت لانسلم انتفاء جميع مقوّمات الحسن لاسيما مع ثبوت اعواضها فان وقت القضاء عوض وقت الاداء و هو كافٍ في المدعي لان وقت القضاء وقت فان كان موقتا بالامر الاول و مترتبا عليه بمعني التعويض لوفات الاول تم المطلوب و ان كان بالثاني و لم‏يترتب علي الاول كان اداءً لانه ابتدائي و ان كان بالثاني و يترتب علي الاول فاما ان يكون مؤكدا او كاشفا او مبينا للفرق بين ما في الوقت و ما للوقت و يأتي بيان ذلك كله علي انا قد بينا ان الوقت انما هو من مقوّمات حسن الصفة لا الذات فراجع فان قلت (ان الامر خ‌ل) الامر الاول لو اقتضي الفعل بعد الوقت لكان اداء لاقتضاء لانه بمنزلة ان يقول افعل كذا اليوم او في غد و هو يقتضي الامر فيهما و ان كان علي الترتيب فيكون الثاني اداءً قلت ان الامر الاول انما اقتضي شيئين احدهما الفعل لنفسه و اقتضي الوقت المحدود لايقاع الفعل لئلا يقع الفعل لئلا يقع التقرير بالواجه لو كان واجبا لا وقت له مع تكريره في نفسه علي المكلف فاذا انقضي الوقت لاجل انحصاره بتحديد اوله و آخره لم‏يرتفع الفعل لان اثبات ايقاعه في وقت لاينفي ما عداه فليس في نفسه محصورا الاّ ان يكون اصل مشروعيته لذلك الوقت و لما كان الفعل مرادا في نفسه بالذات و ان يوقع في الوقت المخصوص و انقضي الوقت قبل الايقاع وجب ان يؤتي به و لما كانت الافعال لايمكن ايقاعها الاّ في وقت كان الوقت الثاني عوضا عن الاول فيكون فيه قضاء فالوقت الثاني ليس بالاول و لا بالاول (بالثاني خ‌ل) ليكون اداء و انما لزم وجوب فعله عند ذكره مثلاً و لايكون الاّ في وقت فهو بدل فيكون قضاء لا اداء فان قلت انما قلنا بالامر الجديد المترتب علي الامر السابق لانه مستقل غير مترتب علي شي‏ء ليكون اداء بل المراد ان ما وجب سابقا ان امر بفعله كان واجبا و انما كان قضاء لان وقت الفعل الذي امر به فيه قدخرج فامر بذلك الفعل الماضي فكان الموجب له هو الامر

 

«* جوامع الکلم جلد 6 صفحه 153 *»

الثاني و لما كان في غير الوقت (غير وقت خ‌ل) الاول كان قضاء قلت ان قولكم ان الامر الثاني مترتب علي الامر الاول لايخلو اما ان يراد من ذلك ان الثاني مؤكد للاول او مقرر له او كاشف عن ثبوت ما ثبت به او مشترك معه في ايجاب الفعل خارج الوقت او مبين لما بقي وجوبه بعد الوقت لكون الامر به في الوقت ممالم‏يبق وجوبه لارتفاعه بخروج الوقت لكون الامر به للوقت لا في الوقت او مؤسس فان كان مؤكدا او مقررا ثبت ان القضاء بالاول و كذا ان كان كاشفا اذ لا معني له الاّ انه كاشف عن بقاء اقتضاء الامر الاول للفعل في الوقت الثاني و ان كان مشتركا فان كان للثاني حظ في التوقيت الابتدائي المستقل لم‏يحسن ان يكون الفعل قضاء للامر الثاني و لا اداءً للامر الاول الاّ ان يوزّع الفعل علي الاداء و القضاء و هو ظاهر البطلان او ينفي مقتضي احدهما و هو ترجيح بلا مرجح او مقتضاهما معا فلايكون الفعل موقتا فلا اداء و لا قضاء و انما هو ايقاع و ان لم‏يكن له حظ في التوقيت الابتدائي فان تعلق مقتضاه بايقاع الفعل في الوقت الاول لزم التكليف بالمحال و الاّ لم‏يكن موقتا لعدم ضرب وقت له لا من الاول لانه خارج وقته و لا من الثاني متعلق (او يتعلق خ‌ل) بالفعل خاصة دون القيد و يلزم منه عدم التوقيت بنفسه و يلزم منه اعتبار الامر الاول في توقيت القضاء و يلزم منه عدم اعتبار الامر الثاني و ان كان مبينا كان القضاء بالامر الاول فيما كان في الوقت لا للوقت و ان كان مؤسسا فان تعلق بالقيد لزم الاداء لانه قيد جديد لم‏يترتب علي الاول فهو وقت التكليف و الاّ دل علي ان الاول لم‏يتعلق بالقيد لانه مثله فلا يعتبر الثاني بالتوقيت فلايكون موقتا و ان كان لاستدراك المصلحة الفائتة فان كانت الاولي فثبوتها متحقق بالاول فلايحتاج الي الثاني و ان كانت غيرها فهو تكليف جديد فيكون اداء او غير موقت و اما علي الاضراب في السؤال فنقول ان كان ما وجب في الاول باقيا كان الامر به لايخلو من احد الوجوه المتعلقة من التأكيد و التقرير و التبيين و التشريك و الكشف و هي المفروضة علي وجود وجوب الفعل بالاول و يؤل الامر الثاني الي بيان ما في الوقت مما للوقت كما مر و ان لم‏يكن باقيا بل ارتفع بخروج الوقت فكما مرّ و يلزم الاداء و قولكم و لما كان في غير الوقت الاول كان

 

«* جوامع الکلم جلد 6 صفحه 154 *»

قضاء فيه انه ان كان هذا الوقت الثاني بالامر الاول كان اداءا كما اعترضتم به و ان كان بالثاني فان كان وجوب الفعل بالثاني فهو مرادنا من التأسيس اللازم منه الاداء و ان كان وجوبه بالاول فان كان الوقت الثاني بالاول لزم الاداء و ان كان بالثاني لزم انفكاك الفعل في الامر به عن الوقت و بهذا يسقط حجتكم من اصلها لانا قد اشرنا الي ان المأمور به في الحقيقة شيئان بامرين امر بالفعل و امر بالوقت فلما ذهب الوقت انقضي الامر به و الامر بالفعل باق مستمر الي ان يأتي لمكلف بالفعل و لما جهل المكلف الفرق بين ما للفعل و ما في الوقت نبهه الشارع بان هذا الفعل مما في الوقت فكان الامر بالتنبه واقعا في وقت فكان ذلك الوقت خارجاً وقت الفعل فكان فيه قضاء و لان الفعل لاينخلع (لايتخلع خ‌ل) عن الوقت فان دلت لوكان القضاء بمقتضي الامر الاول علي فصّلتم لماتوقف القضاء علي الامر الجديد و عدمه علي عدمه قلت لما كان الامر بالفعل في الحقيقة علي انحاء امر بالفعل و هيئته في الوقت و هذا يقتضي ان المصلحة فيه ذاتيه و تقييده بالوقت لتحصيل كمال صفته و امر به للوقت و هذا ترجع المصلحة فيه الي الوقت خاصة كصلوة العيد و امر بهيئته للوقت كصلوة الجمعة كما مرّ و امر متردّد باعتبار جهتيه في الوقت و للوقت كذوات الاسباب لوقوع اسبابها في وقت و خفي التمييز بين مراتب الامر علي اكثر المكلفين وجب في الحكمة ان تجري علي ما تعرفه العوام كما هو حق (الحق خ‌ل) الامور التي تعمّ بها البلوي بحيث يشترك فيها العالم و الجاهل فعين لهم الشارع7 ما كان في للوقت مما كان للوقت فامر بقضاء ما فات من اليومية و بصلوة الظهر مع فوات الجمعة و بعدم القضاء لصلوة العيد و بقضاء الكسوف و الخسوف مع العلم  او مع احتراق القرص اكمالا للدين و اتماما للنعمة و مبالغة في اللطف اذ لولا التبيين من الشارع لما عرف الفرق في كل الافعال او جلها علي انهم قالوا انما يثبت القضاء اذا سبقه وجود سبب وجوب الاداء و لم يؤدّ المكلف حتي خرج الوقت اما لتركه عمدا او لمانع منه عقلا كالنائم حتي خرج الوقت او شرعا كالحائض في قضائها صيام ايام عادتها او لرخصة تمنن بها علي عباده المسافرين في ترك الصيام و في قضائه اذا علموا

 

«* جوامع الکلم جلد 6 صفحه 155 *»

قدومهم قبل الزوال و المريض اذا علم البرء قبل الزوال في جواز تناولهم و لو لم‏يقتض الامر عند وجود سبب الوجوب قضاء ذلك المتروك لما يترتب عليه و انما ترتب عليه و تفرع عنه لوجود سبب الوجود كالدلوك و الشهر في الامثلة المذكورة فان قلت انما قالوا الوجود سبب الوجوب دون الوجوب فان الحائض مأمورة بترك الصيام فلايكون واجبا عليها و لهذا خطّاءوا من زعم تحقق الوجوب عليها و كلامهم انما يتم اذا تحقق الوجوب و لم يتحقق لانها غير مخاطبة به في حال الحيض لان سبب الوجوب ليس هو الموجب للفعل و انما هو وقت للخطاب الذي هو منشأ الايجاب قلت لانسلم عدم الوجوب و لا عدم توجه الخطاب اليها بل هي مخاطبة بالصيام و انما مُنِعَت من الاداء لوجود المانع فذمّتها مشغولة بالواجب فاذا زال المانع ظهر اثر المقتضي لان هذا المانع ليس مانعا من الوجوب كحال ما قبل البلوغ و انما هو مانع من الايقاع و اليه الاشارة بقوله7 فتقعد (فتعتد خ‌ل) ايام اقرائها و لم‏يقل لم‏تؤمر ايام اقرائها فكان ذلك مانعا من ايقاع الفعل حينئذ المستلزم لصحته و لهذا وجب عليها قضاء ايام شهر رمضان لا ايام شهر شوال اذ لايعقل وجوب قضاء مالم‏يجب عليها و لو كان بامر جديد كان اداء لا قضاء و انما جدد الامر للمكلف بقضاء ما وجب عليه سابقا لما ذكرنا انفا من ان المكلف لايكاد يفرق في التكاليف الموقتة بين ما شرع لنفسه في وقت فيجب قضاء فائته و بين ماشرع للوقت فلايجب فكان من اتمام اللطف بالمكلف ارشاده فيؤمر بقضاء مايجب لنفسه دون ما للوقت لفوات فائدته و مصلحته بفوات وقته الذي شرع له فكان الامر الجديد كاشفا عن تحقق وجوب سابق فان قلت لو كانت مخاطبة بالصيام كانت مخاطبة بالصلوة فيجب عليها قضاؤها فعدم الامر بالقضاء دليل علي عدم الخطاب و حكمها حكم الصيام ثلت انا نقول بذلك و انما منع من الاداء عدم شرط الصحة و هو الطهارة و لهذا تفعل كلما لم‏تشترط (لم‌يشترط خ‌ل) فيه الطهارة كسجود التلاوة و صلوة الاموات و كثيرا من المناسك الغير المشروطة بها و غير ذلك و انما سقط عنها قضاء الصلوة تخفيفا من اللّه سبحانه فان قلت انكم قررتم انه اذا توجه الخطاب الموجب و فقد شرط (شرط

 

«* جوامع الکلم جلد 6 صفحه 156 *»

الصحة خ‌ل) كفاقد الطهورين وجب الاداء لوجود شرط الوجوب و ان وجب القضاء لتحصيل برائة الذمة فعلي ذلك يلزمكم القول بجواز صيام الحائض و صلاتها و ان وجب الصيام قضاء و سقط قضاء الصلوة تخفيفا لان ذلك مقتضي تقريركم قلت انما قلنا هناك بذلك لان المانع هو فقد الطهورين مع قبول المحل للتطهير الرافع او المبيح و هنا المانع امر مانع من القبول (قبول المحل خ‌ل) للتطهير مطلقا فليس فيه جهة من جهات التطهير بخلاف حالها بعد النقاء فان المحل قابل للتطهير و ذلك القبول نوع من الطهارة و لذا قال سبحانه و لا تقربوهن حتي يطهرن اي حتي يَنْقَيْنَ الاّ انه غير تامّ فاذا وقع عليه التطهير تمت الطهارة فالقبول هو الجزء الاسفل من الطهارة فاذا وُجِدَ و فقد الجزء الاعلي توجه اليه حديث فأتوا منه ما استطعتم لايسقط الميسور بالمعسور اما اذا فقد القبول و المقبول فلاميسور يبقي و لا مستطاع يؤتي فافهم ذلك فانه من مكنون العلم و اللّه يحفظ لك و عليك فان قلت ان منكم من يستدلّ علي مدّعاكم بان الوقت للفعل بمنزلة اجل الدَّين (الدين فكما ان الدين لايسقط اذا لم‌يؤد في اصله و يجب ادائه بعده كذلك الفعل الموقت اذا لم‌يؤد في وقت لايسقط و يجب ادائه بعده و هو قياس مع الفارق فان الدين خ‌ل) قد اشتغلت به الذمة في كل وقت و لهذا لو قدّمه علي الاجل صحّ بخلاف الفعل المأمور به فانه لايصحّ تقديمه علي وقته و هو الفارق قلت ليس مرادهم ان هذا دليلهم و انهم قاسوا هذا علي ذلك و انما هو تسهيل للاستدلال و تنظير للدليل و لا ضرر فيه علي دليلهم علي انه انما جاز تقديمه علي الاجل لوجوبه قبله و لو وجب الفعل قبله لجاز تقديمه عليه كما جعل وجوب اخراج زكوة غلة التمر اذا نضّت و قد وجبت عند الاحمرار و الاصفرار و لو اخرجها حينئذ صحت و لما اذن في تقديم الموقت جاز كتقديم صلوة الليل للشاب و غسل الجمعة لخائف الاعواز و الوضوء قبل الوقت و لما منع من تقديم الفريضة قبل وقتها لانها لم‏تشرع قبله لم‏يجز تقديمها بخلاف الدين لوجوبه قبل الاجل و ليست هذه حالة التنظير (التنظير و انما حالة التنظير خ‌ل) و جهة المشابه (المشهابهة خ‌ل) وجوب قضائه بعد الاجل اذ (اذا خ‌ل) لم‏يؤدّ عنده بالوجوب السابق لا بأمر جديد و لم‏يسقط

 

«* جوامع الکلم جلد 6 صفحه 157 *»

بذهاب الوقت و هذا بعينه شبيه بما نحن بصدده بل هو احد افراده فانا نقول ان الفعل يجب قضاؤه بعد الوقت الموقت فيه بالامر الاول لا بأمر جديد و هذا ظاهر و ربما بنيت المسئلة علي ان المأمور به شيئان فاذا ذهب احدهما بقي الاخر ام واحد ينتفي بذهاب (بانتفاء خ‌ل) جزئه و ربما بني ذلك علي ان الجنس و الفصل هل هما متمايزان في الوجود الخارجي ام لا و الحق ان ذلك لايبني علي مسئلة الجنس و الفصل لان القيد ليس جزء الماهية في المأمور به و الفصل جزء الماهية و الحق ان المأمور به بالذات هو الفعل و القيد مأمور به بالتبع و الامر الخاص بالقيد للتنصيص علي انه تبع و الاّ لم يبتن علي الفعل اصلاً علي ان قوله مالايدرك كله لايترك كله و فاتوا منه ما استطعتم و لايسقط الميسور بالمعسور يصدق علي متحد الماهية اذا بقي منها ما يصدق عليه (عليه مطلق خ‌ل) الاسم شرعا او عرفا او لغة مثل من ادرك ركعة من الوقت و صدقه علي المقيد بعد ذهاب القيد اولي بل لايلزم ذلك مع فرض الاتحاد لاحتمال خصوص الفائدة به دون القيد و ان اريدا معا لاحتمال ارادة التكميل من القيد و الاّ لم‏يكن قيدا و الحق ان الجنس و الفصل متمايزان في الخارج بدليل تمايز آثارهما اذ ليس المراد من التمايز الانفصال و التعدد بل حصول شيئين في الخارج و تخلف اثر احدهما عن اثر الاخر دليل التمايز خارجا لما تري ظاهراً من الحركة الحيوانية التي ليس فيها شي‏ء من آثار الناطقية و بالعكس بخلاف النار ظاهراً فان اثر يبوستها لايتخلف عن اثر حرارتها و هذا دليل الاتحاد ظاهراً و انما قلت ظاهراً لعدم الفرق في نفس الامر و لكن ليس هذا موضعه و اما الاستدلال بجواز حمل هو هو فمردود بارادة المركب ثم ان اصالة البرائة قد ارتفعت بالامر الاول فلاتعود لان محلها ليس فارغا بل هو مشغول بشغل الذمة بالتكليف فاصالته باقية يستصحب لا براءة بالذمة بدون القضاء و احتمال البرائة و عدم ارادة خصوص المقيد لاينفي ذلك لان الاحتمال التجويزي ليس بمساو و دعوي ان المتبادر من صم يوم الخميس وحدة (وحده خ‌ل) المكلف به بمعني ان المقيد و القيد جزءا ماهية المكلف به مصادرة و دعوي ان اجراء الاستصحاب فيه لايمكن لانتفاء الموضوع بانتفاء القيد مصادرة مفرّعة علي

 

«* جوامع الکلم جلد 6 صفحه 158 *»

المصادرة بقي سؤال ليس يجري علي لسان اهل الاصول و لا غيرهم و انما يجري علي لسان اولي الافئدة بدليل الحكمة و جوابه كذلك اما السؤال فمن المعلوم ان الاوقات مظاهر الافعال (للافعال خ‌ل) الالهية عند ادوار الاثار كماتظهر الحرارة و الرطوبة في فصل الربيع و الحرارة و اليبوسة في الصيف (في فصل خ‌ل) و البرودة و اليبوسة في فصل الخريف و البرودة و الرطوبة في فصل الشتاء و كما تظهر آثار الكسوف و الخسوف في العالم فيأمر الشارع7ان يصلي المكلف صلوة الكسوف ليدفع بها عنه آثار الغضب و يأمر الحكيم بالفصد في فصل الربيع لغلبة الدم و لم‏يأمر به في فصل الخريف فكان الاسباب التي لاجلها الاوامر و النواهي منشائها الاوقات لانها اوقات ظهورات الافعال الالهية فعلي هذا ثبت ان المأمور به حقيقة للوقت او هو مع الوقت لا الفعل خاصة و بهذا التقرير لايثبت القضاء الاّ بامر جديد و الجواب ان الذي اشرت اليه حق لا مرية فيه الاّ ان هذا هو مأخذ دليلنا و بيانه ان الشأن الذي نشأ به بسبب الوقت يتعلق بالمكلف و لا يرتفع (يرفع خ‌ل) عنه بخروج الوقت و ان كان ناشيا به فامر الشارع7 لطفا بالرعية بالفعل الذي يرفع ذلك فليس الفعل للوقت و انما الفعل لرفع ما لزم المكلف بسبب الوقت فلايكون مأمورا به لخصوص الوقت فاذا خرج الوقت بقي المكلف مطالبا بالفعل الا تري ان الشمس اذا انكسفت ساعة تأخر اثر ذلك سنة فلو لم‏يصلّ لم يسلم من ضرر ذلك الاثر و انما الاوامر (الاوامر الالهية خ‌ل) و النواهي الربانية لدفع مضار و جلب منافع لاتنقضي بانقضاء وقت الطلب كالدم الزايد علي (عن خ‌ل) الشخص في فصل الربيع فاذا امر بالفصد و تركه حتي خرج الوقت لم‏يذهب الدم الزايد بل يحتاج الي استفراغه بفصد او غيره و لو كان للوقت الذي هو السبب بحيث يذهب بذهابه لكان الفعل الذي هو الصلوة الكسوف (للكسوف خ‌ل) اذا تجلي (انجلي خ‌ل) القرص ذهبت الصلوة لذهاب السبب و الي هذا يشير الحديث و معناه اذا زالت الشمس نادي ملك من السماء قوموا الي نيرانكم التي او قدتموها علي ظهوركم فأطفؤها بصلوتكم و هذا ظاهر بان الصلوة لم‏تشرع لخصوص الوقت و انما شرعت لاطفاء نيران المعاصي و ان ذلك (المعاصي ان كان ذلك خ‌ل) في الوقت

 

«* جوامع الکلم جلد 6 صفحه 159 *»

المخصوص انحج لكن لايدلّ علي انها لايطفي (لاتطفي خ‌ل) الاّ فيه بل هي لذاتها كذلك قال تعالي و اقم الصلوة طرفي النهار و زلفا من الليل ان الحسنات يذهبن السيئات الاية و في هذه الاية اشارة لمن يفهم ان الصلوة اليومية للوقت لا الموقت (في الوقت لا للوقت خ‌ل) في قوله تعالي و اقم الصلوة حيث جعل طرفي النهار طرفا للاقامة و قوله ان الحسنات يذهبن السيئات فافهم.

بسم الله الرحمن الرحيم

اختلف الحكماء و العلماء في العلم هل يحدّ ام لا و من قال لايحدّ اختلفوا هل يمتنع تحديده لبداهته ام لاستلزام ذلك الدور فقال طائفة من الحكماء العلم صورة (صورة المعلوم خ‌ل) الذهنية الحاصلة عند المدرك و هو ان النفس المدركة تقابل المعلوم في زمان وجوده و مكان حدوده فتنتزع في مرءاتها صورة المعلوم علي ما هو عليه و تلك الصورة هي العلم و هي مجردة عن المادة و المدة فالعلم عندهم من مقولة الكيف و طائفة منهم قالوا ان العلم هو حصول تلك الصورة لا الصورة نفسها لانهم ينفون الوجود الذهني فلم يثبتوا فيه صورة فالعلم عندهم من مقولة الاضافة اي تعلق النفس الناطقة بصورة المعلوم الخارجي فالحكماء و المحققون من المتكلمين كالمحقق نصير الدين علي الاول و اكثر المتكلمين علي الثاني و منهم من مزج بين القولين و قال بالوجود الذهني كالاولين و قال ان العلم من مقولة الاضافة كالاخرين فقال ان العلم عبارة عن التعلق الخاص اي تعلق النفس الناطقة بالمعلوم الذهني و منهم من جعل العلم عبارة عن قبول الذهن لتلك الصورة الذهنية فهو من مقولة الانفعال و اكثر الاصوليين قالوا في تعريفه انه صفة توجب لمحلها تميزا لايحتمل النقيض اي توجب للنفس الناطقة تميزا في الصورة الحاصلة (الي صلة خ‌ل) عندها او في التعلق الحاصل بين العالم و المعلوم و المراد بالصفة قوه قامت بالناطقة قيام عروض و ارادوا بعدم احتمال النقيض في متعلق التميز لان التصورات لا نقيض لها و في التصديق هو الحكم بثبوت النسبة او نفيها و ربما قيل عليه ان التصور و التصديق هو ذلك التميز فاذا كان العلم هو الصفة الموجبة للتميز لم‏يكن شي‏ء منها

 

«* جوامع الکلم جلد 6 صفحه 160 *»

(منهما خ‌ل) علما هف فينبغي ان يقال ان العلم تمييز الخ و يمكن ان يقال ان التميز هو ادراك الناطقة للتصور و التصديق فيبقي الحدّ علي حاله سالما و ربما عبّروا في التصديق بانه الاذعان بوقوع النسبة و عدمه و قيل هو ادراك ان النسبة واقعة او ليست بواقعة و هذه العبارة و ان كانت مشهورة الاّ انه يدخل فيها التخيل و الشك و الوهم علي الاصح في تعريف الشك فان اريد بهذه الثلاثة و هي الحكم و الاذعان و الادراك هذا المعني رجع الاعتراض و المراد بها ان الحكم الذي هو الاعتقاد و الاذعان بمعني ادراك الصورة لكن الاقوي ان معني الاذعان هو انقياد العقل لوقوع النسبة اولاً وقوعها بمعني ان الواقع من احد حالي (حالتين خ‌ل) النسبة حكم بما هو عليه في نفسه فاطاعه العقل و معني التصديق ان الواقع اخبر العقل بما هو عليه فصدقه و الادراك ان العقل شاهد الواقع و اما الحكم فايجاب العقل لمقتضي الحال الواقع علي ماينسب اليه او يترتب عليه او علي ما دونه من القوي بحال النسبة فهو انشاء عنه و قضاء منه موجب لتصديق تلك القوي التي هي النفس و الخيال و الحس المشترك بحال النسبة فعلي هذا يكون تصديقا لانه موجب للتصديق و ان اريد بهذه الثلاثة اعني الحكم و الاذعان و الادراك هذه المعاني المذكورة لم‏يتجه الاعتراض الاّ علي الادراك و هو متروك لمايدخل فيه و قال بعض اهل الاصول ان هذا التعريف يدخل فيه الادراك الحس (الحسي خ‌ل) الظاهري فالاولي ان يقال فيه انه صفة ينجلي بها امر معنوي لمن قامت به فبقولنا معنوي يخرج ادراك المحسوسات الظاهرة و فيه ماقيل في الاول فان الامر المعنوي هو التصور و التصديق و العلم ليس مغايرا لهما و اجود التعاريف لمن اراد ان يقول بتعريف العلم هو الاول و هو صورة الانسان حاصلة عند المدرك و بيان ذلك و شرح اسبابه يطول به الكلام و لكن لابأس بذكر مراتب المشاعر للانسان علي سبيل التعذر (التعداد خ‌ل) فنقول ان اعلي مشاعر الانسان (ادراك خ‌ل) الحقيقة الانسانية بل كلها هو نور المعرفة و هو ينجلي في الفؤاد و به يعرف اللّه سبحانه لانه هو الذي يتجلي به للعبد و هو نور مجرد عن المادة و المدة و الصورة و المعني و الاشارة و الكيف و الحيث و من دونه مرتبة العقل و هو نور يشرق في القلب و هو معاني

 

«* جوامع الکلم جلد 6 صفحه 161 *»

المعلومات المجردة عن المادة و المدة و الصورة فالمعقولات بلاواسطة هي المعاني و لايدرك العقل غيرها الاّ بواسطة و لاتسمي تلك المعاني معلومات و انما تسمي معقولات و من دونه مرتبة العلم و هي (هو خ‌ل) يتحقق في الصدر اي صدر النفس و هو الخيال فانه لوحُها يكتب العقل فيه بواسطة الخيال و المعلومات صور المعلومات و معناه ان الخيال يقابل المعلوم فتنتقش فيه صورة ذلك المعلوم كماتنتقش فيه صورة ذلك المعلوم كماتنتقش صورة الوجه في المرآت فتلك الصورة هي العلم و لهذا لايمكنك ان تتصور شيئا غائبا عنك او تذكر امرا غير حاضر لديك حتي يلتفت قلبك بمرآة خيالك الي ذلك الشي‏ء في مكانه و زمانه فتنتقش في خيالك صورته في مكانه و زمانه و بدون ذلك لاتقدر علي ادراك معلوم قطّ و اما قول بعض ان العلم صورة في العقل و (او خ‌ل) ان العلم جودة الذهن من حيث استعداده لاكتساب المطالب او ان العلم هو الفهم او انه هو العقل او غير ذلك فهو مجازفة و مسامحة في العبارة او عدم معرفة بالفرق بين مراتب الشعور من الانسان و منهم من قال حدّ العلم مااقتضي سكون النفس و قيل انه اعتقاد للشي‏ء علي ما هو به مع سكون النفس و ذكر في العدة الاول و اختاره و جعله اولي من الثاني و علّل ذلك و قال لان الذي يبين العلم من غيره من الاجناس هو سكون النفس دون كونه اعتقادا لان الجهل ايضاً اعتقاد و كذلك التقليد و لايبين ايضاً بقولنا اعتقاد للشي‏ء علي ما هو به لانه يشاركه فيه التقليد ايضاً اذا كان معتقدا علي ما هو به و الذي يبين به هو سكون النفس فينبغي ان يقتصر عليه و ليس من حيث ان ما اقتضي سكون النفس لايكون الاّ اعتقاداً للشي‏ء علي ما هو به ينبغي ان يذكر في الحد كما انه لابد و ان يكون عرضا و موجودا و محدثا و حالا في المحل و لايجب ذكر ذلك في الحدّ من حيث لايبين به ذلك الخ و منهم من قال حدّ العلم علي ما هو به مع طمأنينة النفس و قيل هو اعتقاد يقتضي سكون النفس و ارادوا من العلم المذكور في هذه التعريفات العلم بالمعني الاخص اعني الاعتقاد الجازم المطابق الثابت و لا اشكال في جواز تحديده بهذا المعني عندهم لجواز تأليف حده من التصور و سيأتي تمام البيان و من منع تحديد العلم قال بعض منهم لانه بديهي فهو غني عن

 

«* جوامع الکلم جلد 6 صفحه 162 *»

التعريف لانه من الكيفيات الوجدانية كالالم و اللذة و الغم و الفرح لان ما يجد العاقل من نفسه لايحتاج في معرفته الي تحديد و انما يحتاج الي التحديد ما يجهله و لان كل احد له علم بانه موجود و ان لم‏يكن من اهل النظر فكان حاصلا له بلانظر و هو علم خاص و العلم العام اولي بالبداهة و اجيب بان الضروري الذي ذكرتم حصول ماهية العلم و المدعي تصور العلم و الحصول غير التصور و قال بعض منهم لانه يلزم من تحديده الدور لان غير العلم لايعرف الاّ بالعلم فلو عرف العلم بذلك الغير لزم الدور و استدلّ فخر الدين علي ذلك بانه لو كان مُعَرَّفاً لكان المعرّف له اما نفسه او غيره و القسمان باطلان فكونه معرفا باطل اما الملازمة فظاهرة و اما بطلان القسم الاول من قسمي التالي فلان المعرف للشي‏ء يجب ان يكون متقدما علي المعرف في المعرفة و اجلي منه و الشي‏ء يستحيل ان يكون متقدما علي نفسه و ان‌يكون اجلي من نفسه و اما بطلان القسم الثاني فلان ذلك الغير لايعرف الاّ بالعلم لان ما عدا العلم لايعرف الاّ به فلوكان معرّفا للعلم كان كل واحد منهما معرّفا لصاحبه و هو دور محال و يلزم كون كل واحد منهما اعرف من الاخر و اجلي منه (عنه خ‌ل) و ذلك ملزوم لكون منهما اعرف و اجلي من نفسه و انه محال انتهي و اجيب عن الكلام الاول بانك ان اردت ان تصور غير العلم يتوقف علي حصول (تصور خ‌ل) حقيقة العلم فهو باطل اذ ليس كل من تصور شيئا عرف حقيقة العلم و تصوره بل يتصور اشياء كثيرة من لايعرف حقيقة العلم و ان اردت انه يتوقف علي حصول علم جزئي انتفي الدور لان الحصول غير التصور علي تقدير ان حصول ذلك الجزئي يستلزم حصول ماهية (ماهيته خ ل) الكلي علي انا نمنع الاستلزام الكلي و عن القسم الاول من كلام الرازي في قوله ان المعرف للشي‏ء يجب ان يتقدم (ان يكون متقدما خ‌ل) عليه فتكون (فيكون خ‌ل) متقدما حينئذ علي نفسه بان المعتبر في التقدم هو ذات العلم و حصوله و المتأخر هو تصوره فلامحذور في تقدم حصوله و تأخر تصوره و توقفه عليه و عن القسم الثاني بمعني ما مرّ من ان تصور العلم يتوقف (توقف خ‌ل) علي ذلك الغير و ذلك الغير يتوقف علي وجود العلم لا علي تصوره فلا دور اقول هذا ملخّص ما

 

«* جوامع الکلم جلد 6 صفحه 163 *»

ذكروا و التحقيق ان يقال ان كان المراد بالتحديد و التصور تحديد نوع العلم و بعضه بان يكون قولهم العلم صورة حاصلة عند المدرك يراد به ان النوع العلم و جنسه هو صورة المعلوم الحاصلة عند المدرك فهو تحديد و بيان لبعض منه في الحقيقة يعرف بذلك ان العلم هكذا فلااشكال في صحة ذلك و وقوعه و ان كان المراد بذلك تحديد جميع مايصدق عليه العلم فلاشك في استحالته لاستلزامه الدور او التسلسل و بيانه ان العلم صورة المعلوم الذهنية و تحديده صورة ذلك العلم الذي هو تلك الصورة الذهنية و هي من ذلك العلم المحدود و تحديد ذلك صورته الذهنية و هي من المحدود و هكذا فيكون الشي‏ء حادّا لنفسه او يترامي الي غير النهاية فيستحيل تحديده الاّ ان يقال انا نحدّد (يقال تحدد خ‌ل) ذلك التحديد بنفسه كمايقال اوجد اللّه الوجود بنفسه لا بوجود اخر و الاّ لدار و (او خ‌ل) تسلسل و هذا و ان كان صحيحا في الواقع لكنهم لايريدونه و بقي شي‏ء احب ان اوقفك عليه ينفعك اذا قلت تحديد (بتحديد خ‌ل) العلم و اردت التحديد الحقيقي فان العلماء القائلين بتحديده انما رسموه (وسموه خ‌ل) ببعض خواصه و من حده بذاتياته ربما لايدري مايقول و انما هو كما قال الشاعر:

قد يطرب القمري اسماعنا   و نحن لانفهم الحانه

و بيان ذلك يحتاج الي تقديم كلمات و هي ان الحد التام الحقيقي ان يكون مشتملا علي جنس و فصل قريبين و هما مادة المحدود و صورته الذاتيان (الذاتيتان خ‌ل) فاذا اردت تحديد الانسان قلت حيوان ناطق فاخذت من الجنس الشامل للانسان و غيره و هو حقيقة الحيوان لابشرط علي الاصح حصة خاصة بالانسان لانها له بشرط لا و تلك الحصة من الحيوان هي مادة ذات الانسان فهي بالنسبة الي ذات الانسان كالخشب المهيا الصالح للسرير و لايكون ذلك الخشب المهيا سريرا الاّ بالصورة الشخصية الخاصة به فاذا ركّب الخشب علي الهيئة المعلومة كان السرير فحقيقة السرير الخشب المصور بتلك الصورة الخاصة به فالخشب و الصورة ذاتيان للسرير فتلك الحصة الخاصة من مطلق الحيوان مادة ذات الانسان فاذا

 

«* جوامع الکلم جلد 6 صفحه 164 *»

اضيفت اليه الناطق الذي هو الصورة الانسانية الخاصة تكملت حقيقة الانسان فالشي‏ء لاتتقوم ذاته الاّ بمادة و صورة فالحصة من الحيوان مادة و الناطق صورة فهما ذاتيان للانسان فافهم هذا البيان المكرر المردد بالفهم المسدد فاذا اردت حد العلم الحقيقي التام فحدده بمادته و صورته الذاتيين فاذا تحقق عندك ذلك فاعلم ان العلم علي القول المختار صورة المعلوم المرتسمة في مرآت الخيال و هي صورة انتزعها تلك المرآت من المعلوم الخارجي او من المعني المتولد من الفاظ الخطابات و غيرها من الدوال الاربع و غيرها او من المعني العقلي بعد نزوله الي الخيال و هي ايضاً معان خارجية بالنسبة الي ذهن المتصور (المتصورة خ‌ل) لانه خارجة عنه فمادة تلك الصور العلمية تخطيط ذلك المعلوم و هيئته و كيفه و وضعه و صورة تلك الصور العلمية ماتقومت به من نور الخيال و هيئته و كيفه و وضعه فتنتقش صورة المعلوم بنسبته الخيال و ذلك المعني علي قدر جامع للهيئتين و الوضعين و الكيفين كما تعاين (تغاير خ‌ل) صورة الوجه في المرآت واختلاف صورة الوجه في المرآة بالطول في الطويلة و بالعرض في العريضة و الاعوجاج في المعوجة و كمال الظهور في تامة الصقالة و الخفاء في العكس (بالعكس خ‌ل) و كذلك اللون لاختلاف هيئة المرآت و نورها و لونها (كونها خ‌ل) و وضعها و اختلاف كيف الوجه في المرآت بالبياض و الصفرة و الحمرة لاختلاف كيف المرآت و الوجه لم يتغير في كيفه و لم يحكه بتمامه الاّ المرآت المتعدلة في نورها و هيئتها و كيفها و سعتها بحيث تحيط به كذلك اختلاف العلوم بالنسبة الي العالمين و المعلوم لم‏يتغير فاذا اردت العبارة من (عن خ‌ل) حد العلم التام الحقيقي المشتمل علي الجنس و الفصل القريبين قلت ظل ملكوتي ذهني فقولنا ظلّ يخرج الذات و قولنا ملكوتي يخرج الظل الملكوتي (الملكي خ‌ل) و قولنا ذهني يخرج الملكوتي الخارجي و هي و ان كانت علم علي مانعلم داخلة في المحدود الاّ ان العبارة جارية علي المتعارف و الاّ ففي الحقيقة لايحتاج الي قيد ذهني فافهم و حيث تعرف ان المراد من تحديد العلم بيان نوع لتعرف به الكل كالانموزج للشي‏ء لاتحديد جميع مايصدق عليه العلم كما مرّ يظهر لك ان

 

«* جوامع الکلم جلد 6 صفحه 165 *»

الاقوي صحة تحديده كما ان الاقوي امتناع تحديد جميع ماصدق عليه العلم كله

فائدة: قد ذكرناه سابقا ان مشاعر الانسان الكلية ثلثة الفؤاد و القلب و الصدر و اما الذكر الاول للانسان فاعلي مراتبه في العقل و هو (فهو خ‌ل) ان يذكر به معني الشي‏ء المغاير لذاته و ذلك المعني ليس مغايرا له و الذكر الثاني في الصدر و هو ان يذكر فيه صفة ذلك الشي‏ء يعني صورته و هو مرتبة العلم فنقول الذكر النفسي و يزيد به الذكر الثاني و هو جنس يشمل العلم و الاعتقاد و الظن و الوهم و الشك و الجهل المركب فان كان ذلك الذكر و هو المتعلق بالنسبة اثباتا او نفيا لايحتمل النقيض اصلاً فهو العلم فيكون جازما مطابقا ثابتا فيخرج بالجازم مايحتمل النقيض كالظن و بالمطابق الجهل المركب لانه يتحقق بدعوي المطابقة مع عدمها و الجهل البسيط هو عدم الصورة فلايقابل بالمطابق و يحتمل البسيط و المطابقة (المقابلة خ‌ل) بين الصورة و عدمها و بالثابت علم المقلد للحق لانه و ان كان باعتبار معتقده بالنسبة الي علم مقلده بفتح اللام مطابقا لكنه في الحقيقة ظن و انما جاز له العمل به مع ان ظنه لايعتبر لاستناده الي ظن من يعتبر ظنه و علمه و لهذا اذا تيقن لم‏يجز له التقليد كما لو علم نجاسة الماء المحكوم بطهارته او تفرد برؤية الهلال مع عدم ثبوته عند الحاكم فعلم المقلد ليس مطابقا للواقع و انما هو تابع لحكم الحاكم الذي هو معرض الزوال و المراد الواقع (بالواقع خ‌ل) الواقعي التكليفي هنا سواء كان الواقعي الوجودي ام لا و يأتي تمام البيان و ان كان لايحتمل النقيض عند الذكر (الذاكر خ‌ل) فهو الاعتقاد فيكون جازما فقط سواء كان مطابقا كما لووافق الحكم عن الدليل الموجب القطعي ام لا لتمكن الحاكم من نقض متعلقه لعدم استناد ذلك الاعتقاد الي موجب معتبر و لهذا يشمل الجهل المركب و التقليد مطلقا اي سواء طابق تقليده نفس الامر ام لا و ان احتمل النقيض المرجوح عند الذاكر فهو الظن فان كان مستنده سببا شرعيا فهو متعين المصير اليه و مطابق للواقع التكليفي و الاّ فان استند الي قرائن حالية فحكمه علي حسب حال الظان في قبول اعتبارها منه و عدمه كحال المكلف بحكم قد فقد العلم فيه او الظن المستند الي سبب شرعي علي ما

 

«* جوامع الکلم جلد 6 صفحه 166 *»

فصّل في الفقه و الاّ فحكمه حكم الشك بل حكمه مطلقا مع معارضته لليقين حكم الشك كما سمّاه الباقر (الصادق خ‌ل)7 في صحيح زرارة مع معارضته لليقين شكا و ان احتمل النقيض الراجح عند الذاكر فهو الوهم و هو بعكس الظن كلما قوي الظن ضعف و كلما ضعف الظن قوي و ان تساويا بالنسبة الي وقوع النسبة و الاّ وقوعها فهو الشك بمعني تعاور (تعاود خ‌ل) وقوع النسبة و عدمه علي التعاقب بحيث لاترتسم صورة احد الطرفين حتي تدافعها الاخري قبل استقرارها و ذلك بسبب توجه الذهن الي كل واحد منهما علي التعاقب من غير استقرار في تغلبه و قيل الشك سلب الاعتقادين و فيه ان الاعتقاد لايطلق علي ما لايستقر و ان سلب الاعتقادين هو الجهل البسيط و الجاهل و العاقل (الغافل خ‌ل) لايقال لواحد منهما شاكّ و قيل هو تساوي الاعتقادين فان اريد علي سبيل التعاقب فحسن و االاّ فلا معني لتساويهما الاّ اجتماعهما و هو متعذر اذ المراد بالتساوي تعاقب الصورتين علي السواء و لهذا عبّر عنه بعضهم بانه تردد الذهن بين وقوع النسبة و اللاّوقوعها و الجهل المركب دعوي الذكر المطابق للواقع مع العلم بعدم المطابقة و انما سمي مركبا لانه تركب من دعوي العلم و من العلم بعدم المطابقة و معني هذه الدعوي حتي شملها الذكر النفسي ان النفس تحدث بتخيلها ما هو شبيه بحكم النسبة في الوقوع و عدمه فلاتقابل بمرآتها معلوما و انما تلتفت الي ما تنزل من تخيلها المجتث الذي يحسبه الظمان ماءً حتي اذا جائه لم‏يجده شيئا و انما هو شي‏ء سماه و لا اصل له في الوجود قال تعالي و تخلقون افكا اما دعوي الذكر المطابق مع عدم العلم بالمطابقة و مع عدم العلم بعدم بالمطابقة (المطابقة خ‌ل) فمع الجزم بالدعوي اعتقاد و مع عدم الجزم فالظاهر انه جهل مركب مع الظن بعدم المطابقة او مطلقا و الجهل البسيط هو عدم الصورة من التصور و التصديق مطلقا او عمن  (عما خ‌ل) شأنه ان يكون واجدا لها فهو جزء بعض افراد المركب فاذا وقفت علي ما ذكر فاعلم انهم ذكروا العلم في حد الفقه فقالوا الفقه في الاصطلاح العلم بالاحكام الشرعية الفرعية عن ادلتها التفصيلية و اورد علي اعتبار العلم في هذا الحد اعتراض مشهور و هو ان العلم قد عرفت مايريدون منه

 

«* جوامع الکلم جلد 6 صفحه 167 *»

عند الاطلاق بانه الذكر النفسي الجازم المطابق الثابت و الاحكام الشرعية انما هي (هو خ‌ل) نتايج الادلة و كلها ظنية و الدليل الظني لاينتج عنه القطعي و انما يتولد عنه ظن مثله بل اذا كانت المقدمات ظنية كانت النتيجة دائرة بين الظن لانها متولدة من الظنون و بين الشك لان راجحية النتيجة فرع راجحية المقدّمتين و الفرع يتطرّق اليه ما لايتطرق الي الاصل اذوصمة الفرع لاتدخل علي الاصل و وصمة الاصل تدخل علي الفرع و لانه لايساوي الاصل في التحقق لابتنائه علي اصالته و عليته و لما انتفي الشك هنا بالاجماع تحقق الظن فيكون (فتكون خ‌ل) الاحكام الشرعية الظنية لابتنائها علي الادلة الظنية فكيف تطلقون عليها العلم الجازم المطابق الثابت فان قلت انما قالوا العلم بالاحكام الشرعية و معناه ان يحصل للفقيه علم قاطع بحصول الحكم الشرعي الظني عن دليله التفصيلي و هذا امر وجداني لايشك فيه فوقوع الحكم الظني (الظني عن الدليل خ‌ل) ثابت مطابق للواقع قلت انهم لايريدون ان الفقه هو العلم بمايحصل عن الدليل علي اي حال حتي يلزم انه لو حصل له من الدليل احتمال مرجوح صدق عليه انه علم علما جازما مطابقا للواقع بحصول مرجوح عن الدليل فاذا كان العلم صورة المعلوم الذهنية و معني الجزم فيه انه بعد وقوع ماحصل عن الدليل غير متحمل لعدم وقوعه بل هو واقع و ثابت و مطابق صدق العلم بل المراد بان الفقه هو العلم بالاحكام الخ ان الصورة التي هي العلم صورة مااستنبط الفقيه من الاحكام الشرعية الفرعية عن ادلّتها التفصيلية علي النحو المقرر و لاتكون تلك الصورة جازمة ثابتة مطابقة للواقع حتي يكون الحكم المستنبط الذي ارتسمت منه تلك الصورة في الذهن مقطوعا بوقوع متعلقه من نفي او اثبات و هذا معني التصديق فان معناه ان يطابق اللفظ ما في نفس الامر بان يخبر الواقع بما هو عليه من الوقوع و اللاقوع باعطاء صورته فيصدّقه العقل بقبول تلك الصورة في مرآته و غير العلم من اقسام الذكر النفسي لايكون معلومه و متعلقه كذلك فلهذا توجه الاعتراض المشهور علي اخذهم العلم في حد الفقه فاجابوا عنه بثلثة اجوبة من ثلث طوايف كل علي حسب اختياره فقال قوم المراد بالعلم هنا الظن فان اطلاق العلم علي الظن كثير قد استعملوه غالبا حتي انهم

 

«* جوامع الکلم جلد 6 صفحه 168 *»

ذكروا بان تلك الادلة امارات شرعية فيستقيم بذلك الحد فانه ظن مستفاد من ظن و فيه ان ارادة الظن علي خلاف الاصل و يلزم منه استعمال المجاز في التعريف بلاقرينة و دعوي ان شهرة الاستعمال مسوّغة و كافية عن القرينة غير (ليس خ‌ل) مقبولة لكثرة الخلاف و قوّته و لعدم الشهرة المدعاة و خصوص الاستعمال علي تقديرها و استلزامه الالتباس الممنوع منه لاسيما في الحدود فحمل الاطلاق علي ارادة الظن بمجرد حصول الاستعمال او الشهرة مع مخالفة الظن له في ذاته في الصفات الثلث غير وجيه و قال قوم يراد به القطع بظهور الحكم من هذا الدليل فيكون معناه القطع بان هذا الحكم ظاهر من هذا الدليل الظني و فيه انه ان ارادوا بان العلم بالاحكام هو القطع بظهورها من الادلة فلااشكال و لكن العلم فيما نحن فيه ليس هو القطع بظهور الاحكام و انما القطع النافع هو القطع بوقوع متعلق الحكم لا مجرد ظهور الحكم مع امكان النقيض و اختلاف الموضوع و هذا القول ليس بشي‏ء ايضاً لما فيه من الحمل علي خلاف الظاهر المتبادر عند الاطلاق فان مثله لا يليق بالتعريفات و قال قوم يراد بالعلم بالاحكام القطع بتعين العمل بها بمعني انه اذا استدلّ علي حكم بدليل ظني معتبر و ادّاه اليه اجتهاده اي دلّ ذلك الدليل الظني عليه اي بوقوع النسبة اولا وقوعها بحيث لايكون عنده ارجح منه و لا مساو له فانه يتعين عليه ذلك الحكم الاجماع علي وجوب عمل المجتهد بظنه و هذا اوجه الثلثة و اقواها الاّ انه كذلك اذا اريد منه ما ستسمعه من التوجيه و الاّ فهو كالاولين فيما يرد عليهما فان القطع ليس هو العلم و انما العلم صورة المعلوم القطعي الوقوع فاذا اريد من العلم نفس تعين العمل بالحكم المظنون كان كالاولين و ربما قيل ان هذا المعني هو المشهور في تفسير قولهم و ظنية الطريق لاينافي علمية الحكم و الحق ان يقال في معناه ان كون الطريق ظنيا لاينافي كون الحكم الناشي عنه قطعيا و من فسر كون الحكم الناشي عنه قطعيا يتعين (بتعين خ‌ل) العمل علي قسمين منهم من اراد تعين العمل به و هو كما تري لا تصلح للتعويل (لايصلح عليه خ‌ل) عليه و منهم من اراد ان الحكم هو النسبة الحكمية المتحققة و الظن انما هو في الدليل فاذا حكمنا بصحة هذا الدليل الظني و تعين العمل بمقتضاه كما

 

«* جوامع الکلم جلد 6 صفحه 169 *»

هو اجماعي وجب القطع بتحقق النسبة الحكمية التي هي نفس الحكم فتنقش في الذهن صورته و هي صورة الحكم الواقعي الوجودي المتحد و ذلك هو العلم لايقال ان العلم هو الجازم الثابت المطابق للواقع و هو عبارة عن وقوع النسبة نفيا او اثباتا فيما لم‏يقطع بمطابقته للواقع لم يكن علما لانا نقول ان حكم هذه النسبة مطابق للواقع من حيث الدليل الواجب الاتباع شرعا و ليس لك ان تقول ان ذلك مخصوص بالحكم الواقعي الذي لاتكثر فيه لانا نقول الواقعي قسمان الواقعي الوجودي و الواقعي التكليفي فالاول واحد لاتكثر فيه و الثاني متكثّر و التكليف دائر مدار الواقعي المتكثر و هو في الحقيقة واقعي يكون العلم المتعلق به جازما ثابتا مطابقا لما في نفس الامر لانه صورة الواقعي الوجودي المتحد و سرّ ذلك ان المتحد في اللوح المحفوظ و هذا المتكثر في الالواح الجزئية و الالواح الجزئية بمشخصاتها في اللوح المحفوظ فهو مطابق كالمتحد و انما تعدد هذا لتعدد جهات الادلة المذللة لسلوك الطرق الموصلة الي الواحد المتحد فقد يتحد التكليفي و الوجودي لان الوجودي هو المطلوب لا غير و قد يتعددان و ذلك لانك اذا اوصلك الدليل الي حكم فاما ان تقطع باصابة المتحد او تظنّ اصابته و لايجوز غير هذين فعلي فرض الظن يجوز الاتحاد و علي فرض القطع فاقوي مظنته (مظنة خ‌ل) باصابته و لاتتحتم الاصابة عندك الاّ نادرا كما في الضروريّات بين المسلمين و اما في المتفق عليه عند الفرقة المحقة الخاصة فهو الظاهر و فيه  احتمال اشرنا اليه في رسالتنا الموضوعة في الاجماع في امكان تعاكس الطائفتين المجمعتين في الاجماع المركب و ان لم‏يكن هناك صريحا لبشاعته (اي لكراهته خ‌ل) عند الاسماع فالمدار كله علي المتحد و لم‏تؤمر الاّ بطلبه فان اصبته بعينه فذلك المطلوب و الاّ اصبت بدله الذي هو اقرب امثاله اليه بالنسبة الي حال الطالب و هو الواقعي التكليفي و هو ما في نفس الامر بالنظر الي الدليل و الامر بالطلب و لهذا لايراد منه غيره و ليس في نفس الامر باعتبار التكليف الخاص به غيره فهو جازم لقطعك بان اللّه سبحانه لايريد منك غيره ثابت لانه لايتغير و ان تغير ظنك عنه فيما بعد الي فرد آخر بحيث يجري فيه ماقلنا سابقاً في الاول لان المعدول عنه لم‏يتغير

 

«* جوامع الکلم جلد 6 صفحه 170 *»

لمطابقته لمراد اللّه في الدنيا و الاخرة حتي عند نفسك بعد عدولك عنه و لهذا لاتستدرك شيئا من اعمالك التي مضت عليه و انما عدلت عنه للدليل و قيام الحجة عليك فان اللّه امرك ان تعدل الي الثاني للدليل فهو في الحقيقة نسخ للاول و نظيره في حق النبي9 انه صلي الي بيت المقدس بامر اللّه ثم عدل الي الكعبة بامر اللّه و لايلزم من نسخ الاول فساده و لا اصابة غير الواقع في المنسوخ و لانعني بالثابت الاّ ما كان هكذا و هو مطابق للواقع لما مرّ من انه لا معني لكون الحكم مطابقاً للواقع الاّ انه مطابق لما امر اللّه به و هو صادق علي هذا المشار اليه حقيقة و بيان كون المتحد في اللوح المحفوظ و المتعدد في الالواح الجزئية و هي الواح المحو و الاثبات مذكور في محله و ليس هذا محل ذلك نعم هو فيما سيأتي من المثال في جواب الاعتراض بالتصويب فانه ممايستفاد منه علم ذلك لان التعدد و التكثر فيه انما هو بالنظر الي الدليل لتعدد جهاته و مداركه من المستدلين فان قلت هذا قول بالتصويب قلت ان القول بالتصويب هو ان احكام اللّه تعالي متعددة في الواقع بتعدد المستنبطين بمعني ان الواقعة لم‏يكن للّه فيها حكم الاّ مايظهر علي يدي المجتهدين فكل من استدلّ من اهل الاستدلال عليها اظهر سبحانه حكمه فيها علي حسب ما يقتضيه اجتهاده و هذا باطل من وجوه منها استلزامه نفي الواسطة بين اللّه و بين خلقه من قوله تعالي و جعلنا بينهم و بين القري التي باركنا فيها قري ظاهرة الاية فقالوا ربنا باعد بين اسفارنا الاية و منها توقف تعين حكمه فيها علي احكامهم الي غير ذلك من الموانع و اما نحن فنقول ان للّه تعالي فيها حكما واحدا لايتغير و لايتعدد في نفسه و ان تغير او تعدد فانما هو بتغير الموضوعات او تعددها فاختلاف الصفات (و اختلاف خ‌ل) و اما هذا الحكم المتعدد فانما هو ابداله مبنية و هي مبنية علي وجوده و انما تعددت لتعدد المرايا و اختلافها و مثاله مرآت صافية معتدلة في الجوهر و الصورة قابلت وجه انسان فحكت الوجه بتمام صفته و كمال صورته ثم وضعت في مقابلها عشر مرايا مختلفات في الجوهر و الصورة و المقدار فكل واحدة منهنّ حكت تلك المرآت الاولي و ما فيها من الصورة فاختلفت صورة المرآت الاولي في المرايا فكل حكت

 

«* جوامع الکلم جلد 6 صفحه 171 *»

علي قدر صورتها و جوهرها و قدرها فالوجه هو حکم الله الواحد الواقعي الوجودي و المراة الاولي هي قلب حجة اللّه صلوات اللّه عليه علي خلقه في كل زمان و المرايا هي قلوب المجتهدين و هذا الحكم من المجتهد اما ان يكون هو ذلك الواقعي الوجودي فهو اذن تكليفي وجودي او مثاله و بدله و هو التكليفي و كل منها (منهما خ‌ل) مطابق لما في نفس الامر الاّ ان الاول علي الاصالة و الثاني علي التبعية و لاريب ان ما في المرآت الثانية هو ما في الاول (الاولي خ‌ل) من الصورة و ان كان بالواسطة فالتغيير (فالتغير خ‌ل) و التبدل المحتمل علي تقديره فانما هو من بدل الي بدل فقد ظهر مما بيّنا و اوضحنا ان القول الثالث هو الاقوي و ان المراد من تفسير قولهم ان ظنية الطريق لاتنافي علمية الحكم ان الحكم هو النسبة الحكمية المتحققة و ان الظن انما هو في الدليل و انه بعد الحكم بصحته و وجوب العمل بمايعطيه تكون نسبة الحاكم بوقوعها قطعية و هو العلم كما قرّرنا فان الادلة الشرعية و ان كانت ظنية فانها تثمر القطعيات و هو المعبر عنه بتعين العمل بها علي تسامح في العبارة و ظني ان اكثرهم انما ارادوا بهذه العبارة ذلك المعني الاول الذي لاينبغي التعويل عليه لكن الحق الحقيقة (الحقيق خ‌ل) بوجوب الاخذ للطالب للصواب من ذلك هو مانبّهناك و دلّلناك عليه فخذه راشدا موفقا.