05-18 جوامع الکلم المجلد الخامس ـ رسالة فی جواب بعض الاخوان عن مسألتين ـ مقابله

رسالة في جواب بعض الاخوان

 

من مصنفات الشيخ الاجل الاوحد المرحوم

الشيخ احمد بن زين‌الدين الاحسائي اعلي اللّه مقامه

 

«* جوامع الکلم جلد 5 صفحه 538 *»

بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحيمِ

الحمدُ لِلّهِ ربّ العالَمينَ و صلّي اللّه علي محمد و آله الطاهرين .

اما بعد فيقول العبد المسكين احمد بن زين‌الدين الاحساۤئي قد سألني بعض الاخوان الذين تجب عليّ طاعتهم بمساۤئل منها مسئلتان فكتبت جوابهما علي جهة الاستعجال المقرون بالملال و تشويش البال و الاشتغال بافكار الحل و الارتحال و الحمد للّه علي كل حال.

قال سلمه اللّه تعالي : ما يقول شيخنا و مقتدانا في مسئلة اهل النار هل يكون تعذيبهم دائماً ام يؤل امرهم الي النعيم فان كثيراً من العلماۤء العارفين المحققين قائلون بذلك .

اعلم ان من قال بذلك اعني قولهم ان اهل النار مألهم الي النعيم حتي انهم يتنعمون بالتعذيب بل (لو ظ) ادخلوا الجنّة تألّموا منها فتكونون كالجمرة في النار انما تبقي و تصلح بالنار لانها تلائمها و تقوّيها و تزيدها مدداً من جنسها فهي تتلذّذ باللهب و تنطفي بالماۤء و تتألم منه لان كل شي‌ء يتنعم في جنسه و نوعه و يتألم في ضدّه و لهذا قال اللّه تعالي حكاية عن سليمن (ع‌) في حقّ الهدهد لاعذّبنّه عذاباً شديداً فقال فيه بعض المفسرين اراد انه يضعه مع غير ابناۤء جنسه و قالوا ايضاً في الدليل علي ذلك ان اللّه سبحانه تمدح بالعفو و المغفرة و لم‌يتمدّح بالتعذيب فمن تتبّع الايات الشريفة و الاخبار الصحيحة رءاها جارية علي هذا المنوال و قالوا ايضاً ان الايات التي تدل علي دخولهم في النار و تعذيبهم بحيث يتألمون بالتعذيب انما تدل علي الزمان الطويل لا علي التأبيد و ما هو يوهم التأبيد فمحمول علي الخلود لا علي التألم و ذلك مسلّم لايشك احد فيه و ما اشبه ذلك فمن قال بذلك فقد اخطأ الصواب و خالف نصّ الروايات و الكتاب و الاصل في هذا و مثله ان هذا المذهب في هذه المسئلة و في انّ المعلوم يعطي العالم بحيث يجعله عالماً و في انّ وحدة المشية تنافي الاختيار

 

 

«* جوامع الکلم جلد 5 صفحه 539 *»

بمعني ان ليس للّه في مشيته ان شاۤء فعل و ان (شاء ظ) ترك لانّه لايشاۤء الا ما علم و ليس في علمه الا حال واحد فليس له ان يشاۤء تركه لئلاينقلب علمه جهلاً و في انك انت اللّه بلا انت و لهذا يقول شاعرهم :

و ما الناس في التمثال الا كثلجةٍ       ** * **      و انت لها الماۤء الذي هو نابع
و لكن بذَوبِ الثلج يرفع حكمه       ** * **      و يوضع حكم الماۤءِ و الامرُ واقع
و امثال ذلك من الاراۤء الباطلة التي لاتجري علي طريقة عقل و لا نقل و قالوا ان علمنا هذا و هو التصوّف شرطه ان يكون علي مذهب السنة و الجماعة كما صرح به عبدالكريم الجيلاني في كتابه الانسان الكامل و العلة في ذلك ان اللّه سبحانه خلق الخلق في الكون علي هيكل التوحيد و هو قوله تعالي فطرة اللّه التي فطر الناس عليها و خلقهم في العين و هو الخلق الثاني بحكم الوضع لانه امرهم فمن اطاعه خلق طينته من الطاعة اي من عليّين و هي الانسانية التي هي صورة الربوبية اي الصورة التي اختارها و اصطفاها فلاتفعل بمقتضاها الّا محبته فتنطبق علي هيكل التوحيد لانّها صورته و من عصاه خلقه من المعصية اي من سجّين و هي طينة المسخ و الشياطين و هو قوله تعالي لا تبديل لخلق اللّه و قوله تعالي فليغيرنّ خلق اللّه فلاتفعل بمقتضاها الّا ما يكره ذلك بانهم اتبعوا ما اسخط اللّه و كرهوا رضوانه فاحبط اعمالهم فخلقهم كما سألُوه بعصيانهم و هذه الرتبة لهم و للمطيعين هي الطينة و فيها خلقوا هكذا و هو الخلق الثاني و هؤلاۤء سلكوا في علومهم طريق الضلالة و لهذا اشترطوا ان يكون علي هذا المذهب الخاص الذي هو الباطل قال تعالي الذين كفروا و صدّوا عن سبيل اللّه اضل اعمالهم الي ان قال تعالي ذلك بان الذين كفروا اتبعوا الباطل و ان الذين آمنوا اتبعوا الحقّ من ربهم ثم قال كذلك يضرب اللّه للناس امثالهم و هذه الايات لاتحتاج الي بيان في ضلالة مَن بني امرَ دِيْنه علي غير مذهب الحق . فان قلتَ ان هؤلاۤء الذين عنيتهم

 

 

«* جوامع الکلم جلد 5 صفحه 540 *»

انما دوّنوا ما حصل لهم بالكشف و الكشف انما هو اظهار ما في غيب الحقاۤئق التي هي اعيان الموجودات علي ما هي عليه و هي هياكل التوحيد فلاتكشف العقول المزكّاة الّا عما هو الواقع و لا خلاف بيننا ان الواقع هو التوحيد قلتُ مَن كشف عن حقيقته التي لم‌تبدل و لم‌تغيّر بالعقل المستنير بنور اللّهِ الذي هو اتباع مَن امر اللّه باتباعهم و جعل الحق معهم و فيهم و بهم و لهم و اليهم من غير التفات الي قواعد او مذاهب آباۤء او لزوم عادةٍ او غرضٍ ما بل بمحض ما يدركه العقل من غير التفاتٍ كما قال سبحانه و لايلتفت منكم احد و امضوا حيث تؤمرون فان ذلك لايخطئ الصواب لانه جاهد في اللّه اي من غير التفات الي شي‌ء غير الحق فان الالتفات من الشيطان فيكون محسناً و اللّه معه فهذا هو الذي كشف عن الواقع و لو انه بني علمه علي طريقة او غرض او مذهب لم‌يكن كاشفاً عن حقيقته بل هو يلتفت الي غرضه و ليس هذا الالتفات الا لتبديل خلقه و تغييره اذ لو لم‌تغيّر الفطرة لم‌يلتفت فاذا بدّلت الفطرة كانت هيئة ثانية غير هيئة التوحيد فاذا كشف عن حقيقةِ ما فيه ظهر له و بدا لهم سيّئات ما عملوا فيظهر له حقيقة التبديل و التغيير و هو خلاف التوحيد و هذا مما لا شكّ فيه عند آل اللّه لانه لايكشف الا عن حقيقته الثانية التي خلقها اللّه ثانياً و هي الام المشار اليها في تأويل قوله (ص‌) السعيد من سعد في بطن امه و الشقي من شقي في بطن امّه لان الحقيقة الثانية اما طينة الفطرة و هي طبق التوحيد بل هي هيكل التوحيد او طينة التبديل لخلق اللّه و هي طينة خبال طينة الالحاد ان الّذين يلحدون في آياتنا لايخفون علينا و طينة الجحود و كانوا باياتنا يجحدون و طينة الشقوة التي يقال لاهلها اخسئوا فيها و لاتكلمون و الاصل في ذلك بعد ما بيّنّا من علّة الميل الي هذه الاقوال الباطلة انّهم لمّا جاهدوا انفسهم تفجّرت ينابيع الحكمة من قلوبهم علي السنتهم و هذه في الحقيقة ليست حكمةً و انما شبيهةٌ بالحكمة و هي قوّة الذكاۤء فكانوا اذا عبّروا عن باطلهم بشبيهة الحكمة خرج في ادق مسلك لايكاد يدرك فضلاً عن ان يترك فياتي اُنَاس كانت القواعد و علوم التصوّف و الحكمة النظريّة قد سبقتِ الحقَّ علي قلوبهم فاَلِفوا بها و أنسوا بها فاذا اتاهم من كلام

 

 

«* جوامع الکلم جلد 5 صفحه 541 *»

ابن‌عربي و عبدالكريم و البسطامي و امثالهم ممن اظهروا الباطل في صورة الحق بدقّة تعبير كان مشابهاً لما عندهم من جهة الاخذ مع الالتفات و لم‌يقدروا علي تزييفه لان اُولۤئك اشدّ غوراً فاستحسنوه و اخذوا به حتي تكلّفوا في صرف ظاهر القرءان و النصوص الي التأويلات البعيدة اعتماداً علي فهم القوم لمّا رأوا منهم دقّة المسلك و ماعلموا من اَيْنَ اوتوا حتي انتهي بهم الحال الي ان استوحشوا من عرف اهل الحق (ع‌) فانهم (ع‌) قالوا انّا لانخاطب الناس الا علي ما يعرفون و المعروف من كلام اللّه تعالي مثل قوله تعالي كلّما نضجت جلودهم بدّلناهم جلوداً غيرها ليذوقوا العذاب عدم انقطاع التألّم فاذا قالوا يحتمل ان يراد به الزمان الطويل لا عدم التناهي و ان يُراد بقوله ليذوقوا العذاب عدم التّألم لانه قال ليذوقوا العذاب و لا شكَ في دوام صورة العذاب و لكنّهم يتنعمون بذلك كما مثّلنا سابقاً بالجمرة و كما قال ابن‌عربي ما معناه انهم لتضربهم عقارب النّار فتجري فيهم تلك السموم الشديدة حتي يتخدّروا بذلك فيَحصل لهم اعظم اللّذة و النعيم و انا اقول عظّم اللّه نصيبه من ذلك التخدير و هذا لازم كما قال سبحانه بلي وعداً عليه حقا و لكن اكثر الناس لايعلمون ليبيّن لهم الذي يختلفون فيه و ليعلم الذين كفروا انهم كانوا كاذبين .

و بالجملة الايات و الاحاديث في دوام التّأليم لاتكاد تضبط و لكنهم يؤلون كلّ شي‌ءٍ علي طبق مرادهم اذ ليس اصرح من الاية المتقدمة و هي لاتدلّ علي الدوام الغير المنقطع و اما ليذوقوا العذاب فيقولون يعذبون لكنهم يتنعمون بذلك التعذيب و لكن الحجّة عليهم الاحاديث الدالة علي انّ الحجة فيما يختلفون فيه الاِحَالةُ علي ما تعرف الناس و الذي تعرفه الناس من الايات و الروايات المتكثرة هو عدم انقطاع التأليم عنهم لانه صريح الايات مثل خالدين فيها ابداً و لهم عذاب مقيم لايفتّر عنهم و هم فيه مبلسون و نادوا يا مالك ليقض علينا ربّك قال انكم ماكثون فانهم لو كانوا في تنعم لماسئلوا الموت فان قيل ذلك اوّل الامر قلنا اجيبوا انكم ماكثون يعني علي هذه الحالة

 

 

«* جوامع الکلم جلد 5 صفحه 542 *»

فان قيل المكث لايقتضي عدم الانقطاع قلنا لو كان لايدل علي عدم الانقطاع لماحسُنَ جوابا لسؤالهم و بالجملة فهذا شي‌ء يطول فيه الكلام بلا طاۤئل لكن الحجة الاحالة علي العرف فانهم لايعرفون الا عدم انقطاع التألم و ذلك في كل الايات و الروايات فاذا نظرتها علي ما يفهم العرف الذي عليه مدار الخطابات و دلّت عليه الروايات .

و امّا قولهم انه سبحانه تمدّح بالعفو و لم‌يتمدّح بالتعذيب و لايتمدّح الا بما هو حسن عقلاً و ما هو حسن فواجب في الحكمة فجوابه ان العفو انما يحسن عن مستحقّيه و هم الذين خلطوا عملا صالحاً و آخر سيّئاً و ذلك لان اصل طينتهم من اسفل عليّين و عظم اللطخ فيهم من اصحاب الشمال فلمّا لم‌يكن ذلك من مقتضي حقيقتهم حسن العفو عنهم و لو حسن التمدّح بالعفو عمن لايستحقّه لحسن الّايدخلهم النّار و لايعذّبهم ابداً و هذا اولي بمناسبة التمدّح و ملاۤئمة عظيم الكرم فان قلت انما استحقوا دخول النار و التألم في الابتداۤء باعمالهم و الأن قد انقطع الاستحقاق منهم فلو عذبوا كانوا مظلومين قلتُ لم لايعفوا عنهم من هو غني عن عذابهم من اوّل الامر فان كان التمدح بمطلق العفو حسناً كان بالعفو عنهم من اوّل الامر اولي و ان كان لايحسن اوّل الامر لمنافاته لمقتضي العدل فهنا كذلك لانهم يستحقون العذاب و التألم بما يستحق به اهل الجنّة التنعم ابد الٰابدين لانّ اهل الجنّة ماعملوا اعمالاً يستحقون بها نعيم الابد الذي لاينقطع الا بنياتهم التي لا غاية لها بانهم لو بقوا ابد الٰابدين انهم يطيعون اللّه فبذلك استحقوا نعيم الابد عوضاً و جزاۤءاً بما كانوا يعملون من النيات الخالدة و اهل النار انما استحقوا العذاب و التأليم الذي لا نهاية له لان نيّاتهم انهم لو بقوا ابد الابدين انّهم يعصون اللّه فبذلك استحقوا التأليم الخالد عقوبة و جزاۤءً بما كانوا يعملون فان كان في حق اهل الجنة هذا استحقاقاً للتنعّم الذي لا نهاية له فهذا في حق اهل النار استحقاق للتألم الذي لا نهاية له فلايكونوا مظلومين لانه ثمرة نيّاتهم لان نية المؤمن خير من عمله و نيّة

 

 

«* جوامع الکلم جلد 5 صفحه 543 *»

الكافر شرّ من عمله و هذا من الوجوه الصحيحة في تفسير هذا الحديث فان قلت ليس في النيات ثمرة قلنا تنخرم القاعدة في حق اهل الجنّة فان قلت لعلّ اهل الجنة انما استحقوا التنعم الاوّل باعمالهم و اما الخالد الداۤئم فبالفضل فيكون العذاب علي اهله في اول الامر بالاعمال ثم يكون التنعّم بالنار بالفضل في كلّ بحسبه قلتُ ان الفضل قسيم العدل و عكسه و قد علم بالدليل الذوقي و النقلي ان الفضل لخصوص الجنّة و اهل المحبة فلايشمل بصفته اهل النار كما ان العدل لايشمل اهل الجنّة بل لخصوص اهل النار اهل غضب اللّه و بغضه فلو جاز فيما يختص ان يعم فيشمل اهل النار الفضل لجاز في العدل ان يعم اهل الجنّة و هو خلاف الضرورة من الدين عَلي انّ النصّ صريح في ان استحقاق اهل الجنّة التنعم الذي لايتناهي و استحقاق اهل النار التألم الذي لايتناهي انما هو بسبب نياتهم و هذا مما لاينبغي الشكّ فيه فان قلت ان النص لايدل علي مطلوبكم و انّما يدلّ علي الخلود خاۤصّة و نحن نقول بموجبه قلنا ان قلنا بقولكم لزم انقطاع النعيم لانه يلزم من ذلك ان اهل الجنّة يخلدون فيها بسبب نياتهم و النعيم لا موجب له و انتم لاتقولون به فان قلت ان اللّه يقول و رحمتي وسعت كل شي‌ء فيجب ان يسع اهل النّار و لا فاۤئدة في ذلك الا رفع التعذيب عنهم قلت ليس المراد بالرحمة الواسعة هي الثواب و الملاۤئم بل هي الوجود و نحن نقول بموجبه لان اهل النار موجودون و لو اريد به ايصال الملائم و الثواب لشملهم اوّل دخول النار لانها وسعت كل شي‌ء فلايعذب احد و هذا خلاف الضرورة فان قلت قوله و سبقت رحمتي غضبي يدل علي انقطاع الغضب لانه هو مقتضي المسبوقيّة

 

 

«* جوامع الکلم جلد 5 صفحه 544 *»

قلتُ معني السبق بيان العلّة و الاولويّة لا بيان الانقطاع علي انه لايلزم الانقطاع لكل مسبوق لان هذه الرحمة مسبوقة و الجنّة مسبوقة و ليس كل مسبوق منقطعاً و الّا لزم انقطاع نعيم الجنّة لانه مسبوقٌ فان قلت انهم اذا تطاولت الوصول استحالت ابدانهم و صورهم و ارواحهم الي حقيقة النار فلايتضررون بها و هذا معني ما نريد قلتُ انهم متميزون غير النار فان لم‌يتمايزوا عنها لم‌يكن فيها شي‌ء و ينفيه قوله تعالي انكم ماكثون و ايضاً هو خلاف الضرورة و ان كانوا مغايرين لها فليس ذلك الّا للتركيب و المشخّصات و النار ابداً بِطَبْعِها وَ هو ظهور اثرِها في كل ما يجاوره فهي ابداً تحرق و تفكك التركيب و هو التألّم الاعظم فاذا احالته اعاده سبحانه ليذوقوا العذاب كلّما نضجت جلودهم بدّلناهم جلوداً غيرها اي اعدناها ليذوقوا العذاب فان قلت انكم استدللتم علي دوام التألّم بالايات و الروايات و هي كما سمعتَ قابلة للتأويل و صرفها عمّا يفهم اهل العرف لايخفي و اذا قام الاحتمال بطل الاستدلال قلت قد اشرنا سابقاً انّ التأويل مخالف لما يفهم اهل العرف و الخطاب انّما يجري علي ما يفهم اهل العرف و قد وردت الاخبار بذلك فاذا كان امر لا بدّ ان يكون له حكم و هو البتّة في الكتاب و السنة اما ظاهراً و امّا خفيّاً كما قال (ع‌) ما من شي‌ء الا و فيه كتاب او سنة فاذا ورد فيه حديث فان كان نصّاً لايحتمل التأويل فذاك و الا فان كان ظاهره مراداً او يكون له معارض فلا بد ان يضعوا عليهم السلام في احاديثهم و اشاراتهم ما يدلّ علي الترجيح و ابطال الباطل و تصحيح الصحيح اما بنصّ اخر او باجماع او باثبات نورٍ من هدايتهم (ع‌) في قلوب من شاۤؤا حتي يقولوا به و لايخفي الحق او يحيلوا معرفته علي العرف مع انهم قالوا عليهم السلام انّا لانخاطب الناس الا بما يعرفون و مثله حديث الرضا (ع‌) مع سليمن المروزي في المشيئة و الارادة حيث قال اخبرني عنك و عن اصحابك تكلمون الناس بما يفقهون و يعرفون او بما لايفقهون و لايعرفون

 

 

«* جوامع الکلم جلد 5 صفحه 545 *»

قال بل بما يُفْقَهُ و يُعلم قال الرضا (ع‌) فالذي يعرف الناس ان المريد غير الارادة الحديث ، فاحال الحجة علي ما يعرف الناس و هذا لا اشكال فيه و نحن نقول الذي يعرف الناس اذا سمعوا هذه الٰايات و الاحاديث هو دوام التألّم و لو اريد غير ما يعرفون لنصب الحكيم عليه السلام لهم صارفاً عن تفاهم عرفهم و الا قصّر في التبليغ و لم‌يكمل الدين علي ان الاستدلال انما يبطل بقيام الاحتمال المساوي لا بالمرجوح فان الاحتمال المرجوح لايبطل الاحتجاج لحصوله بالراجح و الظاهر و ايضاً احتمالكم ليس له مستند و ما لا مستند له و هو مخالف للمعروف لايصار اليه لانه خلاف مقتضي العقول فان قلتَ انه قد ورد ان الجبّار يضع قدمه في جهنم فتقول قط قط فينبت موضع قدمه شجر الجرجير فتكون علي اهلها برداً و سلاماً و هذا الحديث و ان كان من طرق الجماعة لكن العلماۤء قبلوه و انتم كثيراً ما تقبلون احاديث العامة و تستدلّون بها في الاحكام اذا لم‌يعارضها ما هو اقوي منها و قد حصلت الشروط في هذا الحديث فيصلح ان يكون مستندا للدعوي لان ما سواه مطلق و هذا مقيّد و المقيد يحكم علي المطلق . قلتُ انّ هذا الحديث من الاحاديث المردودة التي لايجوز التعويل عليها و انما احتج به اهله و اوّله اهل التصوّف منهم لاستلزامه التجسيم و اما الحنابلة و الكراميّة فجارٍ علي اصولهم و اما اهل الظاهر من العامة فقالوا هذا من الاحاديث الصحيحة فمنهم من قال اذا ورد ما يخالف العقل فان فسّره الشارع (ع‌) وجب اتباعه و الّا وجب الايمان به من غير سؤال عن معناه و منهم ( من ظ ) قال يجب حمله علي ما لايخالف العقل كأن يقال له قدم يليق بالقديم لا كاقدام الخلق و لا علي جهة التشبيه و بالجملة فالحديث حديثهم و المعتقد معتقدهم و اللّه سبحانه سيجزيهم وصفهم امّا انتم معاشر الشيعة فما لكم فيه من نصيب ليس هذا حديثكم و لا الاصحاب اصحابكم فما لكم كيف تحكمون فان اردتموه مستنداً قلنا جهة اخذ المستند لاحد امرين امّا ان يكون حكم قد حكم العقل به فتجعل الحديث مستنداً له او يكون حديث لا معارض له فتفهم منه حكماً هو مستنده و

 

 

«* جوامع الکلم جلد 5 صفحه 546 *»

لايجري هذا علي شي‌ء من ذلك لان هذا مخالف للعقل كما قرّرنا و يأتي الدليل الذوقي الكشفي و الدعوي و المستند سواۤء في المخالفة بما ينبغي انكاره و لو كان هذا الحديث ممّا قبله العلماۤء لاعتنوا بتأويله لان اعتقاد ظاهره كفر و لكن المعروف منهم ردّ هذا الحديث في ظاهره و معناه لايؤلهُ احد منهم لان التأويل نوع من القبول هذا و المعارض له اقوي منه و اصح سنداً و متناً و دلالةً و هو علي الضد فلم يحصل شي‌ء من شروط القبول و التقييد انما يحكم علي الاطلاق اذا تساويا في رتبة القبول و لو كان احدهما مقبولاً و الاخر مردوداً فلايحصل التقييد لانّ التقييد فرع قبولهما علي ان الاطلاق المدّعي لا اصل له بل هي صريحة في دوام التألم من الادلّة ما هو صريح و منها ما يحتمل و لكن القراۤئن و الحمل علي الصريح يقويه و يلحقه بالصريح و قد ثبت الاعتقاد علي ذلك و النافي يُطالَبُ بالدليل و اللّه يهدي الي سواۤء السبيل و لو اراد ان يصرف الايات عن المقصود منها الي ذلك لقال في قوله تعالي لايفتّر عنهم و هم فيه مبلسون انّ لايفتّر لايدلّ علي الدّوام و انما يدلّ علي نفي مطلق المستقبل و كلما قالوا في الايات من هذا و لو تأملوا لعرفوا ان لايفتّر يفيد الدوام الذي لا نهاية له لانه نفي تفتير العذاب عنهم فلو كان له غاية لماحسن ان يقول فيه مبلسون لان الابلاس لايناسب الانقطاع لان الابلاس هو اليأس من روح اللّه و اذا كان يرجو الانقطاع لايبلس و ثانياً لايناسب قوله و ماظلمناهم في مقابلة لايفتّر عنهم و هم فيه مبلسون بل اقول ان نفس لايفتّر يفيد التأبيد لانه نفي المستقبل و لايصدق نفي المستقبل مع الاطلاق في منفي بعده مستقبل مثبت فمن عرف مطارح الخطابات لم‌يشك في شي‌ء ممّا قلنا و الدليل الكشفي الذي وعدناك به هو انا نقول ان الامكان الذي هو العمق الاكبر لا نهاية له و لا غاية فهو طبق المشيّة لايزيد احدهما علي الاخر فليس في المشيّة ما لم‌يكن ممكناً و ليس في الامكان ما لايمكن ان يشاۤء فكان اول مشاۤء الرحمة التي استوي بها علي عرشه و نريد بقولنا مشاۤء اي مشاء بنفسه لان المشية في التزييل الحقيقي لها اربع مراتب : الاولي هي هذه الرحمة المشار اليها

 

 

«* جوامع الکلم جلد 5 صفحه 547 *»

الثانية هي النفَس الرحماني بفتح الفاۤء الثالثة هي السحاب المزجي الرابعة هي السحاب المتراكم و ذٰلِكَ انها المخلوق الغير المتناهي فخلق منها الجنة و ما فيها من النعيم و لما كان المخلوق لايكون الا و له ضدّ خلق النار و ما فيها من العذاب المقيم فالجنة و ما فيها لايتناهي و لا انقطاع له و لا نفاد قال تعالي عطاۤء غير مجذوذ و النار ضدّ الجنّة و ما في النار ضدّ ما في الجنّة كل شي‌ءٍ مقابل لضدّه و كل شي‌ء من النار و ما فيها من قليل و كثير فهو ضدّ لما يشاكله من الجنّة فان كان نعيم الجنّة ينقطع و يتغيّر كان تألّم اهل النار ينقطع لانه ظلّه و من نفسه فاذا انتهي الظلّ دل علي انتهاۤء الشاخص و حيث امتنع انتهاۤء الشاخص و دلّ الدليل علي عدم تناهيه فلا غاية لنعيمه وجب ان يكون ظله و ضدّه لا غاية له بحكم المقابلة و اذا حكمتَ بانتهاۤء التّألم وجب الحكم بانتهاۤء التنعّم فافهم و اشرب صافياً و دع الاوهام و اتبع احسن الكلام و اللّه عزيز ذو انتقام .

مسئلة ما يقول شيخنا فيمن قال بايمان فرعون ما حاله و ما دليل شبهته فان هذا ينسب الي محيي‌الدين ابن عربي .

اقول اعلم ان حيوة الدين مبنية علي الحق لانه في الحقيقة هو الماۤء الذي جعل اللّه منه كل شي‌ء حيّ و من الحق ان فرعون كافر هو و من معه و تبعه و لقد دلّت الروايات علي ان من انكر نصّ القرءان انه كافر و الاجماع قاۤئم علي ذلك فلئن قال بذلك ابن‌عربي فهو اهل لذلك لانه مميت‌الدين و وجه شبهتهم انهم قالوا ما معناه انّ اللّه سبحانه غني عن العباد و انما امرهم و نهاهم ليعرفوه و هو الذي لايجهل لانه اظهر لكل شي‌ء من كل شي‌ء و فرّعوا علي ذلك سهولة التكليف و هوّنوا الخطب و قالو انّما التشديد تخويف للجهّال و ماكان فاعلاً بهم ما توعّدهم و لايستلزم هذا الكذب لانه اخبر انه ان شاۤء رحمهم و ان شاۤء عذّبهم و عذابهم لايزيد في ملكه شيئاً و العفو عنهم ثناۤء علي نفسه و هو يحبّ الثناۤء علي نفسه و لذلك خلقهم لانه حق يحبّ الحق و قالوا لو انه اظهر هذا لعباده لبغوا في الارض و لكنه كتمه عن الجهّال و اعثر عليه العارفين لانهم موضع سرّه

 

 

«* جوامع الکلم جلد 5 صفحه 548 *»

في خلقه و امثال ذلك لكنه بالاشارة لاهل الاشارة لانه وعد التائبين بالمغفرة و رحمته وسعت كل شي‌ء و لو صرّح للجهّال بالمغفرة لفرعون لارتدّ الناس و ذلك لايضرّ في ملكه و لكنه يحب لهم اليسر و الخير و الطاعة لا شك انّها خير و لو لم‌يلوّح بذلك للعارفين لقنط المذنبون و لمّا جرت عادته بمزج الحق بالباطل بان يؤخذ من هذا ضغث و من هذا ضغث تأديباً للجهال بقوله ان الساعة اتية اكاد اخفيها لتجزي كل نفس بما تسعي اشار الي قبول توبة فرعون بصورة التهديد و التبكيت و لانك لو تبت قبل ذلك لم‌يقع بك الغرق آلاۤن و قد عصيت قبلُ و كنتَ من المفسدين يعني انك كنتَ قبل هذا من المفسدين و لمّا غرقْتَ قلتَ آمنتُ فاليوم ننجيك ببدنك لتكون لمن خلفك اية يعني تخويفاً لهم كما قال تعالي و مانرسل بالايات الا تخويفاً و الاصل في تمويهاتهم كلها تسهيل التكليف علي انفسهم خاۤصّة فماوجدوا ما تستريح به انفسهم الّا هذا و مثله تسكيناً لحركة بقيّة الفطرة و اعداداً للحجة لمن عسي ان يردّ عليهم و هذا ما قال اللّه سبحانه في حق امثالهم فاما الّذين في قلوبهم زيغٌ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاۤء الفتنة اي الكفر و الضلالة و ابتغاۤء تاويله علي ما تشتهيه انفسهم لاجل شؤنهم و اغراضهم و هؤلاء اهل التصوّف الذين يتلوّنون بالوان الدين و الزهد طلباً للرياسة الكبري اي الولاية قال النبي(ص‌) يكون في آخر الزمان قوم يلبسون الصوف صيفهم و شتاهم يرون ان لهم الفضل بذلك علي غيرهم اولئك يلعنهم اهل السموات و الارض و كفي في ذمّهم و ما هم عليه ما رواه الاردبيلي في حديقة‌الشيعة بسنده عن محمد بن ابي‌الخطاب الزيات قال كنتُ مع الهادي عليه السلام في مسجد النبي (ص‌) فاتاه جماعة من اصحابه منهم ابوهاشمٍ الجعفري و كان رجلاً بليغاً و كانت له منزلة عنده ثم دخل المسجد جماعة من الصوفية و جلسوا في ناحية مستديراً و اخذوا بالتهليل فقال عليه السلام لاتلتفتوا الي هؤلاۤء الخدّاعين فانهم حلفاۤء الشياطين و مخرّبوا قواعد الدين يتنزّهون لاراحة الاجسام و يتهجّدون لتصييد الانام يتجوّعون عمراً حتي يذبحوا للاكاف حُمراً لايهلّلون الّا لغرور الناس و لايقلّلون الغذاۤء الّا لمَلْأِ الغُساس و اختلاسِ قلوب الدِنفاس باَحْلاۤئهم

 

 

«* جوامع الکلم جلد 5 صفحه 549 *»

 في الحُبّ و يطرحونهم باَدْلٰائهم في الجبّ اورادهم الرقص و التصدية و اذكارهم الترنّم و التغنية فلايتبعهم الّا السفهاۤء و لايعتقدهم الّا الحمقاۤء فمن ذهَب الي زيارة احدهم فكأنما اعان يزيد و معاوية و اباسفيان فقال له رجل من اصحابه و ان كان معترفاً بحقوقكم قال فنظر اليه شبه المغضب و قال دع ذا عنك من اعترف بحقوقِنا لم‌يذهب في عقوقِنا اماتدري ان اخس الطواۤئف الصوفيّة و الصوفية كلهم مخالفونا و طريقتهم مخالفة لطريقتنا و ان هم الّا نصاري او مجوس هذه الامّة اولۤئك الّذين يجهدون في اطفاۤء نور اللّه بافواههم و اللّه متم نوره و لو كره الكافرون ه‍ ، و الاكاف ككتاب و غراب الحمار و الغُساس كغراب داۤء في الابل و الدِنفاس بكسر الدال الحمقاۤء و الاَحلاۤء اما من الحلِيّ او من الحلاوة و الاَدلاۤء جمع دلاۤء و دلاۤء جمع دلو و فيه و من سمّي نفسه صوفيا للتقية فلا اثم عليه و علامته ان يكتفي بالتسمية و لايقول بشي‌ء من عقاۤئدهم الباطلة و فيه بسند صحيح عن الرضا (ع‌) من ذكر عنده الصوفية و لم‌ينكر عليهم بلسانه او بقلبه فليس منّا و من انكرهم فكأنما جاهد الكفّار بين يدي رسول اللّه (ص‌) و فيه بسنده قال قال رجل للصادق (ع‌) قد خرج في هذا الزمان قوم يقال لهم الصوفيّة فما تقول فيهم فقال انهم اعداۤؤنا فمن مال اليهم فهو منهم و يحشر معهم و سيكون اقوام يدّعون حبّنا و يميلون اليهم و يتشبهون بهم و يلقّبون انفسهم بلقبهم و يؤلون اقوالهم فمن مال اليهم فليس منّا و انّا منه بُرَءاۤء و من انكرهم و ردّ عليهم كان كمن جاهد الكفّار مع رسول اللّه (ص‌) ه‍ ، و روي شيخنا البهاۤئي في كشكوله قال قال رسول اللّه (ص‌) لاتقوم الساعة علي امّتي حتي يخرج قوم من امتي اسمهم صوفيّة ليسوا منّي و انهم يهود امّتي يحلقون للذكر رؤسهم و يرفعون اصواتهم للذكر يظنون انهم علي طريق الابرار بل هم اضل من الكفّار و هم اهل النار لهم شهقة كشهقة الحمار و قولهم قول الابرار و عملهم عمل الفجّار و هم منازعون للعلماۤء ليس لهم ايمان و هم معجبون باعمالهم ليس لهم من عملهم الّا التعب ، و في الامالي باسناده الي جابر عن ابي‌جعفر (ع‌) قال قلتُ له ان قوماً اذا ذكروا بشي‌ء من القرءان او حدّثوا به صعق

 

 

«* جوامع الکلم جلد 5 صفحه 550 *»

احدهم حتي يُرٰي انه لو قطِعت يداه و رجلاه لم‌يشعر بذلك فقال سبحان اللّه ما بهذا اُمِروا و انما هو اللّين و الرقّة و الدمعة و الوجل ه‍ ، و امثال ذلك في ذمهم كثير حتي ان الشيخ الحر (ره‌) في جواب بعض المساۤئل قال ان الاحاديث الواردة في ذمّ الصوفيّة عموماً و خصوصاً و في لعنهم و تكفيرهم و بطلان كل ما اختصوا به متواترة تقرب من الف حديث و ليس لها معارض انتهي ، فانظر ما في هذه الاحاديث و هي قليل من كثير ففي الاول لاتلتفتوا الي هؤلاۤء الخدّاعين فانهم حلفاۤء الشياطين و مخربوا قواعد الدين يتنزّهون لاراحة الاجسام و في اخره من اعترف بحقوقنا لم‌يذهب في عقوقنا الي ان قال كلهم مخالفونا و طريقتهم مخالفة لطريقتنا و في الثاني و لايقول بعقائدهم الباطلة و في الثالث الي ان قال و يؤلّون اقوالهم فمن مال اليهم فليس منا و انا منهم بُرَءاۤء فمن هذه حاله فيجب الاتتبّع اقواله فان قيل ان في اقوالهم حقا قلت ان الحق ليس من اقوالهم و لايقولون به و انما يتكلمون به تدليساً و ليلبسوا عليهم دينهم و لو شاۤء ربّك مافعلوه فذرهم و ما يفترون و ليصغي اليه افئدة الذين لايؤمنون بالاخرة و ليرضوه و ليقترفوا ما هم مقترفون و امّا حال مَن قال بايمان فرعون وَ اللّه قاۤئل بكفره فاعلم ان الامّة مجمعة علي تصديق نصّ القرءان و ان المنكر لنصّه رادّ علي اللّه و هو علي حد الشرك و فيما كتب علي بن محمد الهادي عليه السلام في رسالته الي بعض مواليه من اهل الاهواز في القدر قال عليه السلام و قد اجتمعت الامة قاطبة لا اختلاف بينهم ان القرءان لا ريب فيه عند جميع اهل الفرق و في حال اجتماعهم مقرّون بتصديق الكتاب و تحقيقه مصيبون مهتدون و ذلك بقول رسول اللّه (ص‌) لاتجتمع امّتي علي ضلالة فاخبر ان جميع ما اجتمعت عليه الامّة كلها حقّ هذا اذا لم‌يخالف بعضها بعضاً و القرءان حق لا اختلاف بينهم في تنزيله و تصديقه فاذا شهد القرءان بتصديق خبر و تحقيقه و انكر الخبر طاۤئفةٌ من الامّة لزمهم الاقرار

 

 

«* جوامع الکلم جلد 5 صفحه 551 *»

به ضرورة حيث اجتمعت في الاصل علي تصديق الكتاب فان هي جحدت و انكرت لزمَها الخروج من الملّة انتهي ، فاخبر عليه السلام ان القرءان اذا شهد لخبر فانكره شخص و جحده لزمه الخروج عن ملّة الاسلام هذا و القرءان نصّ في ان فرعون لعنه اللّه كافر و ظالم و جاحد الي غير ذلك و القرءان ينطق بما لايحتمل التأويل مثل قوله تعالي فاتبعوا امر فرعون و ما امر فرعون برشيد يقدم قومه يوم القيمة فاوردهم النار و بئس الورد المورود و اتبعوا في هذه لعنة يوم القيمة بئس الرفد المرفود و قال تعالي فحشر فنادي فقال انا ربكم الاعلي فاخذه اللّه نكال الاخرة و الاولي و امثال ذلك من الايات المحكمات الّتي اجمعت الامّة علي انها نصّ لاتحْتمل النقيض و علي ان منكر نصّ القرءان خارج عن ملة الاسلام و نصّ القرءان و نصّ احاديث اَهْلِ العِصْمة (ع‌) في ذلك كثير لايَكاد يُحْصٰي و الامّة مجمعة علي ذلك كما ذكره الهادي (ع‌) في الكلام المتقدم فمن اعتقد ايمان فرعون و هو يسمع كتاب اللّه يحكم بكفره و يلعنه فقد ردّ علي اللّه و خرج بذلك عن ملة الاسلام و كان مع فرعون في الدنيا بالحكم و في الاخرة بالمأوي و ان التجأ في ذلك الي تأويل الايات بحيث يصرف ظاهر القرءان و نصّه فقد ابتغي الفتنة و ابتغي تأويله و اذا جاز التأويل في مثل ما جاۤء في فرعون فلايجوز العمل علي شي‌ء مما في القرءان لان كلّ شي‌ء يقبل التّأويل علي وجهٍ يصرفه عن ما يفهم منه و يبطل وعد اللّه و وعيده و هذا اعظم خطراً و اشدّ ضرراً مثل ما اَوّلَ بعضهم قوله تعالي انّ الذين كفروا يعني بغير اللّهِ و امنوا به و جحدوا وجود ما سواه سواۤء عليهم ءانذرتهم ان يرجعوا الي ما سوي اللّه و يعاملوا الناس بما يعرفون ام لم‌تنذرهم لايؤمنونَ بما سوي اللّه ختم اللّه علي قلوبهم فلايعرفوا الّا اللّهَ و علي سمعهم فلايسمعوا الّا اللّه و علي ابصارهم غشاوة فلايروا الّا اللّهَ و لهم عذابٌ من المحبّة عظيم شأنه عند اللّه، و امثال ذلك فهذا الذي يفعل هكذا ان اعتقد ان القرءان ظاهره حجة و حقّ لا مرية فيه في اخباره و اسراره و وعده و وَعيده و امثاله لايأتيه الباطل من بين يديه و لا من خلفه تنزيل من حكيم حميد ثم انّه اوّلَ في مقامٍ بعض الايات لبعض المعاني بشرط اعتقاد المعني اللغوي من

 

 

«* جوامع الکلم جلد 5 صفحه 552 *»

القرءان و حقيّته و هذا بطن من بطونه و كان عارفاً بطرق التأويل عن اهل العصمة (ع‌) فلا بأس به و ان كان انّما فعل لزعمه انه ليس يريد اللّه الّا هذا كما يراه بعض السفهاۤء الذين لايعلمون او يقول ان اللّه عزوجل انزل القرءان بذلك الظاهر و بهذا التّأويل او يأول علي غير طريق اهل البيت (ع‌) بل بطريق اعداۤئهم كما ذكرنا نقلاً عن بعضهم بالمعني في آية ان الّذين كفروا الاية فقد ضل و سلك ذات الشمال فان تاويل هذه الاية المذكورة بهذا النمط ليس من لسان اهل الحق عليهم السلام و لا من فهم اتباعهم و لا علي دينهم و انما هو علي لسان اعداۤئهم و علي دينهم . فان قيل ان هذا التأويل لايخلو اما ان يكون علمه اللّه اوْ لا فان علمه فان كتابه يشتمل علي كل شي‌ء و هذا شي‌ء و لايجوز ان يكون اوجد قرءاناً اشتمل علي شي‌ء لايريده هو و ان اراده فقد ثبت المطلوب و ان قلت لم‌يعلمه فلا جواب لك قلتُ ما هذا الا كما نقل ان رجلاً تَنَبَّي في زمن علي (ع‌) و امر به فاحضر فقال له علي (ع‌) انت تدّعي النبوّة قال نعم قال (ع‌) ان الانبياۤء اذا ادّعوا النبوة اتوا بمعجزٍ يدل علي نبوّتهم فقال و انا عندي معجز قال (ع‌) و ما هو قال اعلم ما في الضماۤئر قال (ع‌) ما في ضميري قال في ضميرك انّي كاذب فضحك (ع‌) فهذا الاعتراض يريد به صاحبه اني اقول ما يعلمه اللّه او يعلمهُ و يريده كما فعل ذلك المتنبي يريد ان قالَ علي (ع‌) ليس هذا في ضميري قال قد اقرّ لي و ان قال هذا في ضميري قال قد ثبت معجزي و الالزامان باطلان غير لازمين فان الجواب في الاوّل انه علمه و احصي علمه في كتابه و اعلم اولياۤءه بيان ذلك في قوله تعالي القي الشيطان في امنيّته فينسخ اللّه ما يلقي الشيطان ثم يحكم اللّه اياته و اللّه عزيز حكيم ليجعل ما يلقي الشيطان فتنة للذين في قلوبهم مرض و القاسية قلوبهم و هم الّذين يتبعون ما تشابه منه ابتغاۤء الفِتنة و ابتغاۤء تاويله علي مذهبهم و ضلالتهم و هو التصوّف الذي هو مبني علي مذهب المخالفين و الجواب في الثاني ان يقول له علي (ع‌) مثلاً معجزك ان تعلم ما في القلوب هذه المرة او ابداً فان قال

 

 

«* جوامع الکلم جلد 5 صفحه 553 *»

هذه المرّة خاۤصّة قيل له اذاً انت لست بنبي علي احدٍ لان كلّ احد يعلم مرّة ما في الضمير بالاتفاق و بالقراۤئن كما عرفت انت فهو نبي و لستَ بنبيّ علي احد و ان قال ابداً قيل له فما في قلبي الأن فهو ينقطع فالحق لايخفي و طريقه لايجهل فمن لم‌يعرف الحق و لا طريقه لم‌يكن ملوماً فورد ليس علي العباد ان يعلموا حتّي يعلّمهم اللّه النّاس في سعةٍ ما لم‌يعلموا و ماكان اللّه ليضل قوما بعد اذ هداهم حتي يبيّن لهم ما يتّقونَ و علي اللّه قصدُ السبيل فالتأويل هداية من اللّه للمؤمنين فيما يخفي وجه الحق فيه كما في قوله تعالي و ماارسلنا من قبلك من رسول و لا نبيّ الّا اذا تمنّي القي الشيطان في امنيّته فينسخ اللّه ما يلقي الشيطان ثم يحكم اللّه آياته و اللّه عزيز حكيم ليجعل ما يلقي الشيطان فتنة للذين في قلوبهم مرض و القاسية قلوبهم و انّ الظالمين لفي شقاق بعيد و ليعلم الّذين اوتوا العلم انه الحق من ربّهم فيؤمنوا به فتخبت له قلوبهم و ان اللّه لهادي الّذين امنوا الي صراطٍ مستقيم اي و ان اللّه لهادي الذين آمنوا الي صراطٍ اي طريقٍ من التأويل مستقيم و ذلك فيما يخفي وجه الحق فيه و ذلك قوله القي الشيطان فانّ الحق ان الرسل و الانبياۤء ليس للشيطان عليهم سبيل ففي مثل هذا يجري التأويل لا صرف الحق الظاهر الذي ليس عليه غبار الي معنيً تخالفه العقول و الٰاثار كالمسئلة التي نحن فيها و كتأويل الاية التي ذكرناها تمثيلاً فهذا الذي سمعته هو حال فرعون و حال مَنْ قال بايمانه و انما ذلك علي غير طريق الحقّ و اللّه سبحانه يقول الحق و هو يهدي السبيل .

و كتب العبد المسكين احمد بن زين‌الدين في التّاسع من جميدي‌الثانية ١٢٢٣ الثالثة و العشرين و المأتين و الالف حامداً مصلياً مستغفراً تاۤئباً و الحمد للّه.