05-16 مکارم الابرار المجلد الخامس ـ رسالة في جواب الشاهزادة طهماسب ميرزا ـ مقابله

 

رسالة في جواب الشاهزاده طهماسب ميرزا

 

من مصنفات

العالم الرباني و الحکيم الصمداني

مولانا المرحوم الحاج محمد کريم الکرماني

اعلي‌الله مقامه

 

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 535 *»

بسم الله الرحمن الرحیم

الحمدلله و سلام علي عباده الذين اصطفي.

اما بعــد فيقول العبد الاثيم كريم بن ابرهيم انه قد ورد علي كتاب حين كنت في بعض القري عن الحضرة العلية و السدة السنية المؤيدية كلاها الله بكلاءته الابدية فيه السؤال عن مسألة عويصة و هي فقرة من الرضوية المعروفة في شأن يوم الغدير و كتبت عليها جواباً فلما وردت البلدة و تشرفت بتلك الحضرة امرني شفاهاً ان اكتب بياناً لما روي في معني حمرة آفاق السماء بقتل سيدالشهداء سلام الله عليه و قد كانت قبل و في معني ما نقل من تقطع جبل طور حين تجلي النور ثلثا فقطعة منها ساخت في البحر و قطعة ساخت في الارض و قطعة صارت هباء و انتثر في الهواء‌ فامتثلت امره و بادرت الي تصنيف هذه الرسالة و اسأل الله سبحانه ان يلهمني الصواب بحيث يستحسن في ذلك الجناب فاجعل هذه الرسالة ذات فصلين.

فصــل

في معني ما روي من حمرة آفاق السماء بقتل الحسين7 فعن قصص الراوندي عن ابي‌جعفر7 بكت الشمس عليهما اي علي يحيي و الحسين8 و بكاؤها ان تطلع حمراء و تغيب حمراء. و عن طريق العامة عن السدي لما قتل الحسين7 بكت عليه السماء و علامتها حمرة اطرافها. و عن محمد بن سيرين قال اخبرنا ان حمرة اطراف السماء لم‌تكن قبل قتل الحسين. و عن حماد بن زيد عن شهام عن محمد قال تعلم هذه الحمرة في الافق مم هو؟ ثم قال من يوم قتل الحسين7. و عن ارشاد المفيد روي يوسف بن عبده قال سمعت محمد بن سيرين لم‌تر هذه الحمرة في السماء الا بعد قتل الحسين صلوات الله عليه. و عن تفسير الثعلبي في تفسير هذه الآية فما بكت

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 536 *»

عليهم السماء الآية، ان الحمرة التي مع الشفق لم‌يكن قبل قتل الحسين. الي غير ذلك من روايات العامة و الخاصة.

فاعلم ايدك الله تعالي ان الله سبحانه واحد احدي المعني ليس له حال و حال و تغير اوقات و احوال بل هو ازلي لا اول له و لا آخر فما زعمته الحشوية ان الازل ما ذهب من اوقات الازل و الابد ما بقي و السرمد هو مجموع الوقتين غلط محض لان اختلاف الاوقات دليل التغير و لازم التركيب و الازل سبحانه سبوح عن التغير قدوس عن التركيب لملازمتهما الحدوث و هو سبحانه قديم فلايعتريه تغير الاحوال و الاوقات كما هو ظاهر لاسيما لمن اكثر من النظر الي كلماتنا في رسائلنا و مباحثاتنا و كذا هو سبحانه كامل بلانهاية لاينتظر لنفسه حدوث كمال و لاوجود جمال بل هو واجد لجميع الكمالات الغير المتناهية ازلاً ابداً سرمداً و من البين ان الكمال صفته و الصفة غير الموصوف و كلما هو غير القديم حادث لا بمعني انه لم‌يكن ثم كان بل بمعني انه غير قائم بنفسه بل قائم بربه سبحانه و انما مثل ذلك كنور السراج بالنسبة الي السراج فانه لاشك و لاريب في قيامه بالسراج و صدوره عنه ولكن ليس انه لم‌يكن للسراج نور ثم احدث السراج لنفسه نوراً بعد ان لم‌يكن له نور بل السراج كان ذا نور مادام سراجاً و كذلك كمال الله سبحانه فانه نوره و صفته قائم به و ليس الله سبحانه خلواً منه و لا هو خلواً من ربه و هذا معني ما روي ان الله سبحانه ليس خلواً من ملكه و لا ملكه خلواً منه و كذا هذا معني ما ينسبون الي اميرالمؤمنين7 و العهدة علي الرواة انه سئل7 هل العالم حادث؟ قال لو كان حادثاً كنت تكون انتهي، و قوله كنت تكون استفهام انكاري اي ما كنت تكون فالمعني انه لو كان وقت لم‌يكن العالم ما كنت تكون فان الله سبحانه لايعتريه تغير حال فاذا كان و لا ملك لم‌يكن باعث لاحداث الملك فاذ لاباعث لم‌يكن يوجد العالم ابداً و ما كنت تكون.

بالجملة كمال الله سبحانه تمام ملكه فانه بكله اسماؤه و صفاته و لذا قالت الحكماء ليس الا الله و صفاته و اسماؤه فالله سبحانه ازل قائم بنفسه و السرمد

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 537 *»

في مقامه موجود ابداً سرمدياً نعم لم‌يكن في القدم و لايكون ابداً كان الله و لم‌يكن معه شيء و ابداً هو علي ماكان و كذا الدهر في مقامه موجود ابداً دهرياً نعم لم‌يكن في رتبة السرمد و هو لازم لرتبته ابداً دهرياً و كذلك الزمان موجود في مقامه ابداً زمانياً لازم لمقامه نعم لم‌يكن في الدهر و لايكون فكل شيء لازم لحده و مقامه و لم‌يخل مقامه منه ابداً و الله سبحانه محيط بالكل و الكل حاضر لديه ابداً كما حققنا ذلك في ساير كتبنا و مباحثاتنا و هذا هو الذي اشار اليه السجاد7 في دعائه بعد صلوة الليل اللهم يا ذا الملك المتأبد بالخلود الدعاء. و في الدعاء اللهم اسئلك بملكك القديم. و في الزيارة السلام علي الاصل القديم. و في الخطبة انا صاحب الازلية الاولية. و في اخري كنا بكينونته قبل مواقع صفات تمكين التكوين كائنين غير مكونين موجودين ازليين. فتدبر في هذه الاخبار تجد ما ذكرت بلاغبار فالزمان بكله موجود كبحر راكد و الزمانيات تسير فيه كسفينة جارية‌ فتقارن شيئاً منه بعد شيء فتزعم انه يحدث شيئاً بعد شيء او كثوب مقلم بسواد و بياض و الزمانيات كنملة‌ دابة عليه و انت محيط به تجد جميع الثوب في نظر واحد و هي تمر علي قلم سواد بعد بياض و لا تري الا ما هي فيه فاذا تعدت قلم السواد زعمت انه انقضي و دخل بياض لم‌يكن و هكذا اذا تعدت البياض زعمت انه انقضي فاذا دخلت قلم السواد زعمت انه وجد بعد ان لم‌يكن و الكل موجود حاضر لديك و انت ناظر الي كله فكذلك الزمان بكله موجود عند الله سبحانه و عند الدهر لايتجدد شيء منه بعد ان لم‌يكن ولكن الناس سائرون في سواد ليله و بياض نهاره كالنملة و الله سبحانه يري ما تقدم من الزمان و ما هم فيه و ما يستقبلهم منه كما مثلت لك الا تري انك تلتفت بخيالك الدهري الي ما مضي من الزمان فتجده كما مر و الي ماسيأتي و تجده و كثيراً ماتري في المنام ماسيأتي منه ثم يأتي بعد ذلك بزمان بعيد فتجده كما رأيته في منامك و من البين ان الخيال كمرآت ينطبع فيها اشباح الاشياء و ما لم‌يكن شاخص لم‌ينطبع في المرآت شيء فما لم‌يكن مواضي الزمان و اواتيه موجودة لم‌يكن ينطبع في مرآت الخيال شيء فحصل من

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 538 *»

جميع ما ذكرنا ان الزمان موجود بكله كبحر راكد و انما الناس يمرون فيه كبحر راكد و لما كان نظرهم اليه بنظر زماني لم‌يكونوا يرون منه الا الحال فلو نظروا اليه بنظر الدهر لوجدوا كله الم‌تسمع ما روي عن الخرايج و الجرايح ان الحسين7 لما اراد العراق قالت ام‌سلمة لاتخرج الي العراق فقد سمعت رسول‌الله9 قال يقتل ابني الحسين بارض العراق و عندي تربة دفعها الي في قارورة فقال اني والله مقتول كذلك و ان لم‌اخرج الي العراق يقتلونني ايضاً و ان احببت ان اريك مضجعي و مصرع اصحابي ثم مسح بيده علي وجهها ففتح الله عن بصرها حتي اراها ذلك كله و اخذ تربة فاعطاها من تلك التربة ايضاً في قارورة اخري و قال7 اذا فاضت دماً فاعلمي اني قتلت الخبر. و انت تعلم انها لم‌تر كربلا الا بالعين الدهرية التي هي فوق الزمان فاذا ثبت ان الزمان بكله موجود منشور عند الله سبحانه كثوب منشور عندك تجده كله فاذا حدث في هذا البحر الراكد الموجود بكله حادث يؤثر الي ما قبله و الي ما بعده كما انك اذا رميت بحجر الي وسط البحر موج الماء من جميع الاطراف علي هيئة الدواير فلو فرضت بطةً سابحةً من بعيد الي جانب مرمي حجرك تجد الامواج اولاً فاولاً و تسبح في الامواج مدة حتي تأتي و تلقي مرمي الحجر فتري الحجر فلو قلت ان الامواج حدثت من صدمة هذا الحجر لكذبتك و قالت اني كنت اري الامواج منذ زمان و رأيت الحجر بعد ما رأيت الامواج بزمان بعيد ولكن انت تعلم ان جميع الامواج التي في البحر من صدمة ذلك الحجر و هي غافلة عنه لانها كانت تسبح بالتدرج و انت مطلع علي العلة و المعلول معاً.

فاذا عرفت هذه البيانات الشريفة فاعلم ان الامام7 هو قطب العالم و قلبه و الغوث الاعظم و محل نظر الله سبحانه لايجري من الله سبحانه الفيوض و الامداد الا اليه و لاتجري علي ساير الخلق الا منه7 و معلوم انه اذا اصاب القلب هم و غم او خوف او غيرها من البداوات اثر في جميع البدن كما تشاهد في نفسك ذلك بداهة و الحسين7 امام الخلق و قطب العالم و قلبه و محل

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 539 *»

عناية الله سبحانه منه فلما اصابه روحي له الفداء تلك المصيبة الكبري و الرزية العظمي التي تكاد السموات يتفطرن منها و تنشق الارض و تخر الجبال هداً اثرت تلك المصيبة في جميع ذرات العالم و اثرت فيما سبق و فيما يلحق من باب ما ذكرنا من الحكمة الالهية فاثرت فيما سبق من الزمان و هدت اركانه و اثرت فيما لحق و هدمت بنيانه و لاعجب و قد اجمع الحكماء ان القرانات الفلكية تؤثر في الزمان قبل ان تقع بايام و بعد ان وقعت بايام و ليس ذلك الا من جهة ما ذكرنا فاذا كان الامر في قران ليس الا من آثارهم: كذلك فكيف بهم في قوة تأثيرهم و كونهم علة العلل فالذي جري عليهم قد اثر في جميع سوالف الزمان و خوالفه و لاغرو.

و اما خصوصية الحمرة في السماء فاعلم ان السماء في العالم جهة الرب و وجهه و كما ان الانسان اذا غضب ظهر آثار الغضب في وجهه لان الغضب هو حركة الروح نحو الخارج دفعة لدفع المؤذي الذي تزعم امكان دفعه فاذا تحركت نحو الخارج تحرك حاملها الذي هو الدم بمشايعتها نحو الخارج و تحركت الحرارة الغريزية الكامنة في الدم ايضاً الي الخارج فتستسخن البشرة باقبال الحرارة الغريزية و يحمر الوجه باقبال الدم و ترتعش الاعضاء لغلبة الحرارة و تضطرب و تسرع حركاتها فكما كان الانسان الذي هو العالم الصغير هكذا كان العالم الكبير ايضاً كذلك علي طبقه فوجب ان يحمر وجه الرب الذي هو السماء عند شدة غضبه سبحانه لاقبال حرارة اخذه و بطشه سبحانه للانام الي الظاهر و ذلك يقتضي سرعة الافلاك و حمرة السماوات و لذا روي ان الله سبحانه يأمر الفلك في زمان العدل باللبوث و في زمان الظلم بسرعة الحركة فتقطع اعمارهم عن قريب، نقلته بالمعني.

و وجه حمرة السماوات ان الامام الذي هو قطب العالم و مركزه اذا اصابته تلك المصيبة الكبري تفتتت بنية الارض و قل استمساكها فكثر هباؤها و لما اشتد حرارة الافلاك لغلبة الغضب اشتدت حرارة شعلات الشمس و النجوم فاثرت في الارض اشد تأثير و صعدت الابخرة التي هي مركبة من اربعة اجزاء من الرطوبة و جزء من الهباء اكثر مما كانت تصعد قبل فلما كثرت الابخرة في الهواء و وقعت

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 540 *»

شعلة الشمس في تلك الابخرة الكثيفة المتراكمة اظهرت حمرة الشمس و لولا تلك الابخرة لم‌تظهر حمرة و قد يطلق السماء علي جهة العلو كقوله تعالي فليمدد بسبب الي السماء، يعني بحبل الي السقف فحمرة السماء حمرة جهة العلو و هي كرة الهواء و الابخرة فالمراد باحمرار السماء احمرار كرة البخار و لاشك ان احمرار كرة البخار من كثرة الابخرة و تكاثفها و تراكمها و تكاثفها من كثرة الاهبية و كثرة الاهبية من تفتت الارض و تفتت الارض من غلبة حرارة شعلات الكواكب كما ظهر ذلك علي جبل طور علي ما يأتي و من قلة استمساكها و قلة استمساكها من ضعف بنيتها و ضعف بنيتها من خضوع لحق المنير الذي هي من نوره فان الاثر تابع لصفة مؤثره كما هو مبرهن في محله فتبين و ظهر ان حمرة الآفاق من جهة قتل سيدالشهداء روحي لتربته الفداء بلاشك و لاريب و معني انها لم‌تكن قبل قتله7 فله معنيان حقيقي و ظاهري اما الحقيقي فالمراد بالقبلية القبلية الدهرية اي لم‌تكن الحمرة قبل ان يوجد القتل في عرصة الزمان فان علة الحمرة هو القتل و المعلول لايكون قبل العلة و اما الظاهري فاعلم ان تأثير الشيء قبل وجوده الزماني اقل و ان كان نسبة قبله و بعده اليه علي السواء كما تري ان تأثير القران قبل حدوثه في العالم اقل من تأثيره بعد حدوثه فان فيما بعده يجتمع اثران الاثر الدهري و الاثر الزماني علي ان جميع الزمان دهري فلذلك اشتدت الحمرة بعد حدوث الحادثة و ليس انها لم‌تكن قبل بل كانت ولكن قليلة ضعيفة و كانت لايعبؤ بها و اشتدت بعد و تكون شديدة الي ان يقوم القائم7 بطلب ثاره7 و ينتقم من قتلته حتي يسكن غضب الجبار و يظهر العدل في الديار و يأمر الله الفلك باللبوث و تعتدل القوابل و يتقوي استمساك الموجودات فيقل الهباء و البخار و الحمرة فتبين علي نهج الوضوح ان الحمرة من قتله7 و لم‌تكن قبل.

اما سر ظهورها عند الطلوع و الغروب فبحسب الطبيعة ظاهر فان بالليل يغلب البرودة علي الابخرة و تثقلها و تنكسها الي الارض فاذا قرب طلوع الشمس و ظهرت الحرارة في العالم بدت الابخرة في الصعود قليلاً قليلاً الي ان تطلع

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 541 *»

الشمس و هي ثائرة فوق الافق فتحمر فاذا صعدت الشمس حللت تلك الابخرة و صحي الهواء و تخفي الحمرة.

و اما سره في الباطن ان فورة الغضب تسكن بالليل لغلبة البرد علي الظاهرة و احتقان الحرارة في الباطن فترجع الحرارة قهقري فتسكن الحرارة و جعل لكم الليل سكناً لاجل ذلك فبمقتضي مطابقة الانسانين يسكن غضب الجبار في الليل قليلاً و يقوي عند طلوع الشمس فتظهر الحمرة علي ما بينا فاذا تعالي النهار و قرب الزوال و جاء وقت القائلة و قرب الصلوة التي هي رحمة الله سكن الغضب ايضاً و فتحت ابواب رحمة الله سبحانه و اذا جاء العصر و بدا الظل الذي هو سبب الغضب احمرت آفاق السماء ثانياً الي ان يغيب الشفق و يدخل الليل الذي هو سكن فعند ذلك يسكن الغضب فافهم فانه دقيق فتبين الاسرار بلاغبار حرم الله الاغيار و منعهم عن هذه الديار ان شاء الله.

فصــل

و اما معني ما نقل من اندكاك الجبل علي ما امرتم. فاعلم ايدك الله تعالي اني لم‌اجد ذلك في الاخبار نعم نقله الناقلون و الذي في اخبارنا انه ساخ في البحر و هو يهوي الي يوم القيمة و في رواية صار رميماً و هذه المسألة اصعب من تلك ان كان النقل صحيحاً لان عين الجبل كان موجوداً الي وقت الاندكاك و لم‌يكن قبله مندكاً حتي ينتشر في الهواء و لايكون الاهبية السابقة من اثر الجبل و لو كانت لم‌يكن قطعة من الجبل و اما الاهبية اللاحقة فيمكن القول فيها بوجه، لكني اقول ايدك الله و سددك ان القضية حق و اندك الجبل و صارت ثلث قطع فانتثرت قطعة منها في الهواء و بها قوام الحيوانات الهوائية التي حيوتها بالتنفس و قطعة منها صارت هباء و ساخت في الماء و بها قوام حيوانات البحر و قطعة منها ساخت في الارض و بها قوام الارض و ما فيها و المراد بسيخها في البحر علي ما في الخبر بحر الطبايع و هي العناصر و هو يهوي حتي تقوم الساعة يعني يهوي في بحر الطبايع و يشتد تفككه و تهبيه الي يوم القيمة.

و اما بيان حقيقة الامر فاعلم ايدك الله ان كل ما تري في هذه الدنيا

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 542 *»

مخلوق و المخلوق صادر من مشية الله سبحانه و المشية مبدؤ الاشياء و اقربها الي الله سبحانه و الطفرة باطلة فان من شيء الا عند الله خزائنه و مانزل الا بقدر معلوم فمن الاشياء جبل طور فهو نازل من لدن المشية و له حقيقة هناك و هي مبدؤه و خزائن بين المبدء و المنتهي لم‌يصل هنا الا بعد مروره علي تلك الخزائن فلما وصل هذه الدنيا لحقه اعراض هذه الدنيا و هذه الاعراض فيه و في كل شيء غير حقيقة الشيء كما تري في الانسان انه يتغير كمه و كيفه من اول نشوه الي آخر عمره في كل وقت و هو هو علي كل حال فالجسم الاصلي للانسان متقلب في كل هذه الاحوال و هو غير الاعراض كما ثبت في محله و كذلك جبل طور له اعراض محسوسة في هذه الدنيا و له حقيقة و حقيقة جبل طور لاتعرف الا بعد معرفة ظاهره.

فاقول ان جبل طور ربوة من الارض قد صعد عليها الكليم و ناجي الله سبحانه و استفاض منه سبحانه و افاض الله عليه عليها فباطن الارض و حقيقتها الانية الكلية العامة لكل شيء و الربوة المخصوصة منها بموسي علي نبينا و آله و عليه السلام انيته المخصوصة به فانها ربوة من الانية الكلية العامة قد صعد عليها الحقيقة الموسوية حين استفاضتها من الله سبحانه و حين مناجاته الله تعالي فلما سئل موسي ما سأل و توجه بحقيقته الي اعلي مراتبها و سأل الرؤية اشرق شعاع نور الحجب من بهاء العظمة عليه فلم‌يطق انيته التي هي الجبل ذلك الاشراق فتدكدك و تهبا لعظمته و جلاله و هيبته راهبة منه و ليس سؤال موسي بامر منكر كما يستوحش منه الجهال فانه قال رب ارني انظر اليك و لم‌يقل اللهم ارني او يا الله ارني و انما قال رب و الرب المضاف الي ياء المتكلم هنا هو وجه من وجوه الربوبية اذ مربوب الكلية‌ الخاصة به و بتربيته قال انظر اليك و لم‌يسأل منكراً فان الله يقول وجوه يومئذ ناضرة الي ربها ناظرة فاخبر المخبر الصادق ان يوم القيمة وجوه نضرة تنظر الي ربها و ربها هو مربيها و هو وجه من وجوه الرب اذ مربوب الكلي المتعلق بها و هو غير الله سبحانه فانه لايرتبط بشيء من خلقه و لايضاف الي احد فسأل موسي ربه اي مربيه ان يريه نفسه لينظر اليه فتمني ان يحصل له

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 543 *»

في الدنيا الكمال الذي يحصل له في الآخرة فقال الله سبحانه لن‌تراني مادمت في الدنيا لان جبل انيتك في الدنيا لاتطيق اشراق بهاء عظمة ربك قال ولكن انظر الي الجبل فان استقر مكانه فسوف تراني و المقصود انك لاتطيق رؤيتي بالعين الجسماني الدنيا و اني اشرق علي جسمك و انظر اليه فان استقر مكانه فسوف تراني و ليس انه علق الامر بالمحال بل اراد ان يخبر ان الجسم اذا استقر امكن الرؤية ففي الدنيا لايستقر فلايمكن الرؤية ولكن في الآخرة يستقر و يثبت و يصير نضراً فيمكن له ان‌ نظر الي مربيه معاينة فلاتحتاج الآية الي تأويل و لم‌يكن نبي الله موسي جاهلاً بان الله لايري و لم‌يكن مجسماً و انما قال رب بلغة الباطن فزعم الجاهل انه اراد الرب تعالي شأنه و الرب المحلي بالالف و اللام لايقع علي غير الله و اما المضاف يقع علي الله و علي غير الله كقوله سبحانه فانساه الشيطان ذكر ربه، و اراد مولاه و قوله اذكرني عند ربك، و اراد مولاه و لاشبهة في ذلك و لسنا بصدد بيانه هنا. و عن ابي‌عبدالله7 الكروبيون قوم من شيعتنا من الخلق الاول جعلهم الله خلف العرش لو قسم نور واحد منهم علي اهل الارض

لكفاهم فلما سأل موسي ربه ماسأل امر واحداً من الكروبيين تجلي للجبل فجعله دكاً انتهي. و لاشك ان الله يقول فلما تجلي ربه فاثبت ان المتجلي لموسي ربه و ظهر من الخبر ان المتجلي رجل من الكروبيين فتبين ان ذلك الرجل هو مربي موسي و لاشك ان الله يمسك الاشياء باظلتها و يربي الاشياء بحقيقتها و الكروبي مبالغة في القرب و الخلق الاول المقرب ليس غير الانبياء و هم من شيعتهم لانهم خلقوا من شعاعهم فالكروبيون هم حقايق الانبياء و هم من الخلق الاول لانهم اول صادر عن حقايق آل‌محمد: جعلهم الله خلف العرش و العرش آل‌محمد: فان قلب المؤمن عرش الرحمن و المؤمن المطلق الحقيقي هو محمد و آل‌محمد: و هم العرش وجههم الي ربهم و خلفهم من جانب الانبيا فهم جعلوا خلف العرش لو قسم نور واحد منهم علي اهل الارض

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 544 *»

لكفاهم فانهم في مقام المؤثر و اهل الارض في مقام الاثر و ذرة من نور المؤثر اقوي من جميع الاثر فلما سأل موسي ماسأل و لم‌يسأل الا الوصول الي الحقيقة و لم‌يسأل الا الوصول الي حقيقة ماسأل عنه كميل اميرالمؤمنين7 و اراد له البيان فاراد موسي العيان و استعجل ماكان سيصل اليه في الآخرة و لو كان ماسأل غير جايز لكان يسقط عن درجة النبوة بل هذا السؤال عن غيره كفر فضلاً عنه جل قدره فسأل امراً قد وعده الله الوصول اليه في الدنيا فقال انك لاتطيقه في الدنيا و ان الوصول الي هذا المقام في الدنيا شأن اناس مخصوصين لايشغلهم شئون الدنيا عن شئون الآخرة الاتري انه قال لن‌تراني و لم‌يقل لن‌يراني احد و لو كان لايصل اليه احد كان لن‌يراني احد ابلغ في الردع و الزجر و اليأس و افصح فاخبر بتخصيص لن‌تراني ان هناك قوماً يرون في الدنيا و يقولون لو كشف الغطاء ماازددت يقيناً. بالجملة الكلام يجر الكلام و لسنا في هذا المقام و لما كان موسي من الانبياء الكليين و كان من حملة العرش و كان في مقام المؤثر لزم ان يكون ظاهراً في كل شيء دونه و يكون قد ملأ الله به السموات و الارض التي دونه بحيث لايخلو منه مكان و يجده كل من يريده و ذلك قوله سبحانه و ان من شيء الا يسبح بحمده، و في الزيارة يسبح الله باسمائه جميع خلقه، و علل ذلك يطول بشرحها الكلام ولكن اشرنا هنا باشارات واضحة لاولي الاحلام فتبين و ظهر لمن نظر و ابصر ان نور موسي نافذ في كل شيء و لذا قال لو قسم نور احدهم علي اهل الارض لكفاهم فنور موسي7 نافذ في كل شيء و لايخلو منه مكان و من اي شيء من عالم الاعراض رقت الاعراض ظهر من ورائه ذلك النور و تجلي منه ذلك الاثر كما ان العقل و الروح و النفس من وراء هذه الاجسام فاذا زالت الاعراض الحاجبة للنفس عنها ظهر منها آثار النفس و اذا زالت الاعراض الحاجبة للروح عنها ظهر منها آثار الروح و اذا زال عنها الاعراض الحاجبة للعقل ظهر منها العقل فكذلك نور نافذ جميع الانبياء عليهم صلوات

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 545 *»

الله في العالم و عليه اعراض حاجبة لكل نور تناسب حجبه فاذا زال عنه اعراض حاجبة لنور ظهر ذلك النور خاصة فنور موسي و انيته سار في كل عالم فلما زال عن جبل طور اعراضه الحاجبة لنورانية موسي ظهر عليه نوره و صار في هذه الدنيا مصعد موسي7 و منزل فيوضه و امداده و لو زال عن غير ذلك الجبل من الجبال الاخر اعراضها ظهر عليها ما ظهر علي جبل طور فلما كان جبل انية موسي متدكدكة عند سطوع انوار عظمة الله سبحانه متهبية كما بينا ظهر نور تلك الانية المتدكدكة المتلاشية علي ما صفي من هذا العالم سواء كان في اوايل الزمان او اواسطه او اواخره و من تلك الاجزاء الصافية عن الاعراض الحاجبة لانية موسي7 الاهبية الهوائية و المائية و الارضية فانها في هذا الدنيا اجزاء لطيفة من الارض قد صعد الطفها و روحانيها في الهواء و اوسطها و نفسانيها في الماء و اسفلها و اغلظها و جسدانيها في التراب فلم‌تحجب بالمشاكلة انوار انية موسي الكامنة النافذة فيه فهي اي الاهبية حقيقة مرايا تجلي انية موسي المتدكدكة عند سطوع نور العظمة عليها حين سأل ما سأل فلو لم‌يسأل موسي و لم‌تتدكدك انيته لم‌يكن في الدنيا هباء فان كل شيء لابد له من خزانة ينزل عنها بمقتضي صريح الكتاب و هذا الذي ذكر سر من اسرار آل‌محمد: عرفه من عرفه و جهله من جهله فالاهبية السابقة المنبثة ليست بسبب اندكاك الجبل العرضي الظاهري بل هي بسبب حقيقة ذلك الجبل المساوية نسبتها مع الجبل و غيره من الاهبية فالجبل ايضاً احد مظاهرها اندك لاجل المظهرية كما ان الاهبية تهبأت لاجل المظهرية فصح ان الاهبية من وقت آدم الي زمان اندكاك الجبل و بعده لم‌يكن الا بسبب تجلي رب موسي علي موسي و الجبل و تلك الاهبية هي ذرات الطور اما حقيقة الطور لا ظاهره فلما تجلي الله سبحانه علي حقيقة الطور اثر فيما مر من الزمان و فيما يأتي كما بينا سابقاً و لان الزمان بكله تحت الحقائق فتدبر فيما ذكرت فانه مشكل و ليس علي حد ساير المسائل و اما انه صار سبب حيوة الحيوانات فلان الروح النباتية مركبة من خمسة اجزاء و الرطوبة جزءان و لابد فيها من الاجزاء الهبائية للاستمساك فلو لم‌يكن

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 546 *»

في الهواء الذي منه تروح الانسان هباء لافني عن قليل بالدخول و الخروج الروح و لم‌يبق لها استمساك البتة و كذلك الحيوانات في الماء.

و اما الحيوانات الارضية فهم علي عكس ذلك فهم يحتاجون الي اجزاء لطيفة يستمد ارواحهم منها و هذا ظاهر القول في المسألة.

و اما في التأويل فالمراد بالجبل الانية الكلية و المراد بالتجلي اشراق نور الوجود من المشية عليها فاندكت اي تنعمت و تهبأت و استعدت للحرث فزرع الله سبحانه حبة الاكوان و سقاها بماء رحمته حتي ربت و نمت و تلك الانية الناعمة عند تجلي ذلك النور تحصصت ثلثاً فحصة منها ساخت في ارض عالم الملك و الدنيا بافلاكه و ارضيه و هي سبب بقاء الموجودات الملكية لانها من غير انية لم‌تستقر و هذه الحصة هي رواسبها الغليظة و حصة منها ساخت في بحر المثال و البرزخ بافلاكه و اراضيه و هي سبب بقاء الموجودات البرزخية و العلة ما سبق و حصة منها انتثرت في هواء عالم النفوس و الذر الاول و صارت سبب بقاء الموجودات الاخروية و ذلك معني قوله تعالي انا نأتي الارض ننقصها من اطرافها. و من عرف سر هذا التحصص لايكاد يجهل شيئاً من اسرار المعاد و المعراج فتبين و ظهر بحول الله و قوته ان المسألتين حقان و لم‌يكن حمرة‌ في السماء قبل قتل سيدالشهداء سلام الله عليه و روحي لمواليه الفداء و لو لم‌يندك جبل الطور لم‌يكن في الهواء و الماء و التراب هباء و لم‌يكن يحيي شيء من موجودات هذه العوالم و لو كان لك بسط في الفلسفي لكنت اسمعك تغريد الورقاء علي الافنان بفنون الالحان و لكل كلام مع صاحبه مقام.

قد فرغ من تحريرها عصر تاسوعا من شهر محرم‌الحرام من شهور سنة 1266 مصنفه العبد الاثيم كريم بن ابرهيم الداعي لدوام الدولة العلية القاهرة حامداً مصلياً مستغفراً تمت.