رسالة في جواب الملا محمدحسين الاناري
من مصنفات الشيخ الاجل الاوحد المرحوم
الشيخ احمد بن زينالدين الاحسائي اعلي اللّه مقامه
«* جوامع الکلم جلد 5 صفحه 512 *»
بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحيمِ
الحمد للّه ربّ العالمين و صلي اللّه علي محمد و آله الطاهرين .
اما بعد فيقول العبد المسكين احمد بن زينالدين الاحساۤئي انه عرض جناب قرّة العين و العارف بلا مين جناب الاخوند الملا محمّدحسين الاناري الكرماني بلّغه اللّه غاية الاماني لمحبّه و مخلصه ببعض المسائل يريد جوابها و انا الأن ليس لي قوّة الجواب لكثرة الاشغال بالاعراض و ملازمة الامراض و لااقدر علي مطلوبه و لكن لايسقط الميسور بالمعسور و الي اللّه ترجع الامور فسارعتُ الي ما يمكن من اجابته و جعلتُ عبارته كالمتن و الجواب كالشرح كما هي عادتي في اجوبة المسائل .
قال سلّمه اللّه تعالي : ان فيما قاله دام ظله في جواب سؤال الشاه عن اوضاع عالم البرزخ و احواله الفاظا و مطالب غامضة منها لفظة هورقليا و عالمه و عناصره و افلاكه اوّلاً ما المراد بتلك اللفظة و ثانياً من ايّة لغةٍ هي و ثالثا ما المراد بعالمه و عنصره و فلكه و الرابع ما الدليل علي ذلك من الشرع او العقل .
اقول اما لفظة هورقليا فمعناها ملك آخر لان المراد به عالم البرزخ و عالم الدنيا هو عالم الاجسام اي عالم الملك و عالم النفوس عالم الملكوت و عالم البرزخ المتوسط بين عالم الملك و عالم الملكوت عالم اخر فهو ملك اخر يعني ان عالم الاجسام عالم الملك و هنا عالم ملك آخر و هو في الاقليم الثامن اسفله علي محدّب محدد الجهات في الرتبة لا في الجهة اذ لا شيء وراۤء محدب محدّد الجهات و لا وراۤء له و لكن عالم هورقليا اسفله علي اعلي فلك الاطلس في الرتبة و الصورة التي تراها في المرءاة من اسفل ذلك العالم ، و امّا انه من ايّ لغةٍ هي فهي من اللغة السريانية و هي لغة الصابئة الاۤن و هم في هذا الزمان يسمّون بالصَّبَّة و هم الاۤن في البصرة و نواحيها كثيرون لعنهم اللّه و امّا انه ما المراد بعنصره و عالمه و فلكه فاعلم انّ عالم البرزخ الواسطة بين الدنيا و الاخرة
«* جوامع الکلم جلد 5 صفحه 513 *»
هو عالم المثال الواسطة بين عالم الملكوت و عالم الملك و يطلقون هورقليا علي افلاكه و ما فيها من الكواكب و يطلقون جابلقا و جابرسا علي سُفلِيّه و يقولون جابلقا مدينة بالمشرق اي جهة الابتداۤء و جابرسا مدينة بالمغرب اي الانتهاۤء و من عناصره خلق الجسد الثاني الباقي و هو طينته التي تبقي في قبره مستديرةً و في مشرق هذا العالم نيران الدنيا و في مغربه جِنان الدّنيا جنان آدم عليه السلام و هي التي تأوي اليها ارواح المؤمنين و هي المدهاۤمّتَانِ المذكورة في القرءان .
و امّا الدليل عليه من جهة الشرع فالاحاديث الكثيرة الدالّة علي وجود عالم البرزخ و القرءان مثل قوله تعالي و من وراۤئهم برزخ الي يوم يبعثون و الاخبار الدالة علي وجود مُدُنِه و قد ذكرت في شرح الرسالة العرشية في المبدء و المعاد لملّاصدرا و غيرها احاديث مصرّحة بذلك و العقل شاهد بوجوده لان عالم الملكوت من المجرّدات و عالم الملك من الماۤدّياتِ و لابد ان يكون بينهما برزخ ليس في لطافة المجرّدات و لا في كثافة الماۤدّيات و الا وجدت الطفرة في الوجود و ما دلّ علي ثبوت الحالة التي بعد الموت و قبل القيمة اكثر من ان يحصي و لمينكره احد من العلماۤء و ان اختلفت مقاصدهم و عباراتهم فيه .
قال ايّده اللّه تعالي : و منها ان في تضاعيف كلماته الشريفة في ذلك الجواب ما يدلّ علي ان هذا الجسم العنصري يفني و لايعود في الاخرة و ذلك ظاهراً منافٍ لظاهر الاية الشريفة و صريح الاخبار الواردة .
اقول اعلم ان الجسد الذي في الانسان جسدانِ : احدهما الاول و هو فانٍ لايعود و الجسم فيه جسمان الاول لايعود و الجسد الثاني يعود و الجسم الثاني يعود و هذا هو الذي ذكرناه في تلك الاجوبة و المراد ان الانسان نزل من عالم الغيب من الخزاۤئن كما قال تعالي و ان من شيء الا عندنا خزاۤئنه فلمّا نزل الي الدنيا دار التكليف ليأخذ منها متاعه للٰاخرة كل ما وصل الي رتبة في نزوله تَلوَّثَ باعراض تلك الرتبة مثل جبريل عليه السلام اذا نزل الي الدنيا في زمان النبي صلي اللّه عليه و آله لَبِسَ صورة دحية الكلبي فاذا صعِد الي السماۤء لميصعد
«* جوامع الکلم جلد 5 صفحه 514 *»
بصورة دحية الكلبي و لاتعود معه و اذا نزل علي الانبياۤء كل نبي ينزل عليه في صورة رجل جميل من اهل زمانه فكذلك الانسان لمّا نزل بالجسم الاصلي الثاني الحامل للنفس و مرّ بعالم المثال لحقه من عالم المثال الجسم الاول و هذا لايعود لانه ليس من الانسان و انّما هو بمنزلة الوسخ الذي في ثوبك فانك اذا غسلته ذهب الوسخ و لايعود فلمّا نزل الي الدنيا لحقه الجسد الاول من العناصر و هو عرض لا ذات و انّما هو من وسخ هذا العالم فاذا مات و خرج من الدنيا و دفن في قبره اكلتِ الارضُ الجسدَ الاول و بقي الجسد الثاني في قبره الي يوم القيمة ، فاذا كان يوم القيمة اتته الروح و دخلت فيه و دخلت معه الجنة او النّار و هو العاۤئد الباقي و امّا الجسد الاوّل الدنيوي العنصري اعني الاعراض و الاوساخ التي من الدنيا ماكانت منه و لا معه و انما لحقته في هذه الدنيا فتعود الي اصلها كما ان ثوبك من القطن فاذا لحقه طين او وسخ و غسلته ذهب و لايعود و لاتقول انت و لا غيرك انه ذهب من الثوب شيء و انما ذهب عنه ما ليس منه فاذا كانت الروح في عالم البرزخ فهي في الجسم الاصلي و لحقه جسم من البرزخ ليس منه و انما هو عرض زائل فاذا كان يوم القيمة عاد الانسان كله و تخلّف عنه ما ليس منه الاتري انك اذا كسرتَ خاتمك ذهبت صورته فاذا صغته عاد الخاتم الاول بصورته بعينه مع ان الصورة الاولي لاتعود و هو معني قوله تعالي كلّما نضجت جلودهم بدّلناهم جلوداً غيرها ليذوقوا العذاب مع ان الجلود المبدّلة هي الاولي و انما سمّاها غيرها لان صورتها الاولي ذهبت و بدّلت صورة اخري و لهذا قال الصادق عليه السلام في الاية هي هي و هي غيرها ثمّ مثّل باللبِنَة تكسرها و ترّدها في قالبها فهي هي و هي غيرها فالجسد الاول و الجسم الاوّل اللذانِ قلنا لايعودانِ نريد بهما الاعراض التي تلحق الانسان من مراتب تنزّله و هذا الجسد الظاهر المحسوس المرئي الملموس هو الّذي لايفني و لايذهب منه شيء بل هو باقٍ الي يوم القيمة حتي يعاد و يحشر فيه الي الجنّة او الي النار نعم لابُدَّ مِنْ كسرِه و صوغه ثانياً فاذا كسر صفّي من كل شيءٍ ليس منه ثم يُصَاغ لانّه لو لميُصَفَّ منَ الاعراض لميصلح للبقاۤء لان امتزاجه بالاعراض في هذه
«* جوامع الکلم جلد 5 صفحه 515 *»
قال سلّمه اللّه تعالي : و منها ما المراد بانجذاب الروح الي ثقبها من الصُّور بَيْن النفختين و ما المراد بمخازنه الستة و ما الدّليل علي ذلك .
الدارِ هو المانع لهُ من البَقاۤءِ. اقول اعلم ان الروح قد قام الدليل علي انّها هي الانسان المخاطب المكلف و انّ هذه البنية الظاهرة بيت لها حبست فيه لمّا خيف عليها لو تركت في عالمها الفسيح ان تدّعي الربوبية كما دلت عليه الاخبار و لانها انزلت فيه لانه آلة لها تتوصّل بتوسطه الي العلوم الظاهرة و الباطنة المودعة فيها و لمّا اريد انزالها اقتضت طبيعة الكون توسط النفس الفلكية الحيوانية الحسّيّة لئلّاتقع الطفرة في الوجود و الفيض فلما حان الرحيل الي عالمها الاول عادت الواسطة اعني النفس الحيوانية الفلكية الي النفوس الفلكيّة عود ممازجة كعود قطرة الماۤء الي البحر و بقيت الروح ساهرة لاتنام كما قال الصّادق عليه السلام و هي اذا عادت تعود الي ما منه بُدِئت عود مجاورَةٍ لانها باقية فاذا نفخ في الصور النفخة الاولي نفخة الصعق بطَلتْ و عاد كل شيء الي اصله فهي مع جميع ثيابها تعود عود مجاورة و لمّا كانت اُنزِلَتْ مِنَ الخزاۤئِن تعود اليها و بطلانها تفكّكها لَا فناۤؤُها فلمّا تفكّكَتْ عاد مثالها الي خزانته التي نزل منها و هباۤؤها الي خزانته التي نزل منها و طبيعتها الي خزانته التي نزلت منها و نفسها الي خزانته التي نزلت منها و عقلها الي خزانته التي نزل منها و هي الخزاۤئن كما في الاية و ان من شيء الّا عندنا خزاۤئنه هي المعبّر عنها بالمخازن و مجموعها خزاۤئن الروح المعبّر عنها بثقبتها في الصور ، و امّا ادلّة ما ذكرنا فهي ليست في حديثٍ واحدٍ او عشرة بل في روايات متعدّدة و ايضاً مَدركها من طريق دليل المجادلة بالتي هي احسن لايمكن الّا بذكر كثير منها بل هو من دليل الحكمة و هو لايعرف كونه دليلاً الّا بتوفيق من اللّه تعالي خاۤصّ يهبه اللّه سبحانه للقلوب المجتمعة و من يؤت الحكمة فقد اوتي خيراً كثيراً.
قال ايده اللّه تعالي : و ايضاً ما ورد فيما ورد في احوال يوم القيمة و اهواله
«* جوامع الکلم جلد 5 صفحه 516 *»
انه خرج من جهنم كذا و لولا منعه لاحرق السموات و ظاهر الاية و صريح الاخبار ان السموات مطويات فانية فكيف التوفيق بين ذلك و هذه .
اقول انّ اللّه سبحانه خلق الفالف عالم و الفالف ادم انتم في آخر العوالم و اولۤئك الٰادميين و كل عالم فيه مثل ما في عالمنا من السموات و الارضين و الجبال و البحار و الحيتان و الاشجار و الثمار و الصحاري و ما فيها من الوحوش و الاطيار و الحشرات و هذه العوالم كلها في الدنيا و في الاخرة فيوم القيمة يحشر الناس في الارض و السموات حينئذ فوقهم و لقد روي ان يوم القيمة تنزل الشمس من السماۤء الرابعة الي السماء الدنيا فمعني طي السموات و تبديلها و كشطها هو كسرها و تَصْفيَتُهَا فكل شيء علي قياس الانسان فان كان جسدك يفني و لايعود فكذلك السموات فان كنت تعتقد ان جسدك هذا بعينه يعود بعد كسره فكذا السموات و كل شيء هكذا و قد قال تعالي في حق اهل الجنة خالدين فيها ما دامت السموات و الارض و قال تعالي و قالوا الحمد للّه الذي صدقنا وعده و اورثنا الارض نتبوأ من الجنة حيث نشاء و لذا ورد انه يوم القيمة خرج من جهنم عنق الخ و العنق طاۤئفة منها .
قال سلمه اللّه تعالي : و ايضاً ما المراد بنورانية انا انزلناه و الخيط الذي اعطاه السجاد الباقر عليهما السلام كما في الخبرين المرويّين في البحار في المجلد السادس الي اخر كلامه.
اقول هذه آخر كلامه اعلي اللّه مقامه ، المراد بنورانية انا انزلناه في ليلة القدر الذين اذا ارادوا عليهم السلام شيئا سألوه فاَتيهم بما سألوا هو روح القدس في قوله تعالي تنزل الملائكة و الروح فيها و هو روح القدس الذي يكون معهم يسدّدهم و يسألون منه كل ما يريدون و يأتيهم به و هو شريك القرءان و بدله لان النور الذي نزل من الدواة الاولي صلي اللّه عليه و آله و الدواة مَلكٌ يؤدّي الي هذا الروح و هو القلم و هو ملك يؤدي الي اللوح و هو ملك يؤدي الي اسرافيل عليه السلام و النور الذي انزل من الدواة الاولي صلي اللّه عليه و آله انقسم قسمين قسم ظهر ملكا و هو روحالقدس و هو نور انا انزلناه و قسم ظهر
«* جوامع الکلم جلد 5 صفحه 517 *»
كلاما و هو القرءان في قوله و كذلك اوحينا اليك روحاً من امرنا ماكنت تدري ما الكتاب و لا الايمان و لكن جعلناه نوراً نهدي به من نشاۤء من عبادنا و انك لتهدي الي صراط مستقيم ، و اما الخيط الاصفر في الحديث الذي رواه جابر بن يزيد عن علي بن الحسين عليهما السلام فهذا خيط النظام القيّومي الذي به قامت الاشياۤء به قيام تحقّق و هو خيط الاشراق المحمدي صلي اللّه عليه و آله الذي به قام كل شيء و انما كان اصفر لانه مظهر اسم الرحمن الذي استوي به الرحمن علي عرشه فاعطي كل ذي حق حقه و ساق الي كل مخلوق رزقه فاذا وصل الجواب الي هنا فقف و الحمد للّه رب العالمين و صلي اللّه علي محمد و آله الطاهرين.
وقع الفراغ بقلم مؤلفه احمد بن زين الدين الاحسائي ليلة الثامن و العشرين من جميدي الاولي سنة 1235 خمس و ثلاثين بعد المأتين و الالف من الهجرة علي مهاجرها و آله السلام حامدا مستغفرا مصليا مسلما تمت.