05-12 مکارم الابرار المجلد الخامس ـ رسالة في جواب المرحوم ميرزا جعفر القراجه داغي ـ مقابله

 

 

رسالة في جواب المرحوم ميرزا جعفر القراجه ‌داغي

 

من مصنفات

العالم الرباني و الحکيم الصمداني

مولانا المرحوم الحاج محمد کريم الکرماني

اعلي‌الله مقامه

 

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 495 *»

بسم الله الرحمن الرحیم

الحمدلله رب العالمين و صلي الله علي محمد و آله الطيبين و رهطه المخلصين و لعنة الله علي اعدائهم اجمعين الي يوم الدين.

و بعــد يقول العبد الاثيم كريم بن ابراهيم انه قد ارسل الي جناب الاكرم و الملاذ الافخم صاحب المكارم و المفاخر و مالك ازمة المآثر الجناب الافخر ميرزا جعفر بن المرحوم ميرزا رضي القراجه‌داغي بلغه الله منتهي آماله كتاباً كريما و خطاباً جسيماً و ادرج فيه بعض السؤالات و طلب الجواب مع السرعة ولكن الله اعذرني من التساهل في الامتثال لندرة من يحمل اليه الجواب من طرفنا فاشتغلت ببعض ما كنت مشغولاً به من تصنيف الكتب الي ان ذكر لي بعض الاخوان عزمه علي زيارة العتبات العاليات علي مشرفيها السلام و التحيات فرأيت ان التساهل في الجواب مع وجود الحامل من التقصير في اداء حقه فبادرت الي جوابه مسرعاً و اسأل الله ان يلهمني فيه الصواب انه كريم وهاب فاجعل فقرات سؤالاته كالمتن و جوابي له كالشرح كما جرت به العادة و لاحول و لاقوة الا بالله العلي العظيم و صلي الله علي محمد و آله الطيبين.

قـال سلمه الله بعد عنوان كتابه و بعد المستدعي من حضرتكم العلية و سدتكم السنية حل المشاكل عن بعض المسائل التي وردت في بالي و اختلت احوالي التي انحسرت عن فهم مغلقاته الافهام و كلت عن كشف معضلاته العقول و الاوهام لا بالاكثار الممل و لا بالاجمال المخل بحيث لايخفي علينا خافية و لايشتبه لنا صافية.

اقـول: ان من المسائل ما يحتاج الي رسم مقدمات و لو طوي المجيب عها حذراً عن الاكثار بقيت في حيز الخفاء و الاشكال فلابد من رسم مقدمات فيها و من المسائل ما هي غريبة فلو هذبت العبارة و اقتصرت علي الاشارة لايكاد

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 496 *»

يكشف لثامها و يوشك ان لايفض ختامها فلابد للانسان من الترديد و التكرير حتي يظهر المراد فلعل المراد ترك الاكثار و الاجمال في كل مسألة علي حسبها و هو معتمد علي ذهنه و اطلاعه علي المقدمات هذا و الطالب للعلم يشتاق الي التطويل اشتياق العطشان الي الزلال و الصائم الي الهلال فان الاكثار اذا كان كل فقرة منه مؤكداً ربما يمل و اما اذا كان مؤسساً و حاملاً لحكمة جديدة و مسألة بديعة فلايمل لطالب العلم المشتاق اليه و يقول بلسان حاله

اعد ذكر نعمان لنا ان ذكره   هو المسك ما كررته يتضوع

فعلي اي حال اني اسعي في ترك الاكثار الممل و الاجمال المخل امتثالاً لامره و تكلاناً علي فهمه و الله الموفق للصواب.

قـال سلمه الله: لاني باحثت مع كثير من العلماء الاجلاء لكن لسوء فهمي و قلة استعدادي ماسمعت جواباً يشفي علة صدري و يسكن غلة فؤادي و حر كبدي فمابقي الرجاء الا اليكم و المرجو ان شاء الله عدم النهر من المسئول و استكتاب الاجوبة و ارساله مع كمال السرعة و الاستعجال من منع الحكمة عن اهلها فقد ظلم كلا حاشاه ثم حاشاه فانه السيد الكريم و المولي الرؤف الرحيم لايرد سائليه و لايخيب آمليه.

الاولي: ما يقول سيدنا و مولينا اطال الله بقاه و رزقنا لقاه في العلل الاربع اي الفاعلية و المادية و الصورية و الغائية هل هي بطريق الوصفية في التركيب النحوي ام يصح الاضافة ايضاً و هل ياء هذه الالفاظ الاربعة ياء النسبة ام ياء المصدرية و علي التقدير الاول المنسوب و المنسوب‌اليه اي شيء هما و كيف كل هذه الاربع داخلة في الشيء كما قال به الشيخ المرحوم اعلي الله مقامه و رفع في الخلد اعلامه و كيف يجتمع العلة‌ مع المعلول.

اقـول: الكلام يختلف بحسب الاداء فان قلت علة الفاعلية او المادية او الصورية او الغائية فهو علي نحو الاضافة و لابد و ان تكون بيانية باضمار من و المعني علة من جنس المذكورات او الاضافة لبيان الحقيقة اي علة هي الفاعلية و

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 497 *»

هي المادية و هي الصورية و هي الغائية و لابد و ان يكون التاء مصدرية و كذا الياء كما تقول احدية الله و صمديته يعني كونه احداً صمداً فالفاعلية كون الشيء فاعلاً كالخالقية بمعني كونه تعالي خالقاً و ان قلت العلة الفاعلية فالفاعلية صفة العلة و الياء للنسبة و التاء للتأنيث كما تقول المرأة الهاشمية و لاوجه حينئذ للاضافة مع تعريف العلة و اما مثل الحسن الوجه فجاز حرف التعريف في المضاف لانه لم‌يتعرف بالاضافة و انما قصد بها التخفيف نحو مررت برجل حسن الوجه و كذا الضارب الرجل فانه شبه بالحسن الوجه و لا كذلك علة الفاعلية فانها عرفت بالاضافة و عينت عن ساير العلل فلايجوز ادخال المعرفة علي المعرفة.

و اما في قولك العلة الفاعلية فالمنسوب هو العلة تنسبها الي الفاعل و الفاعل هو المنسوب اليه كما تقول المرأة المدنية فالمنسوبة هي المرأة و المنسوب اليها هي المدينة.

و اما الجواب عن قولك و كيف كل هذه الاربع داخلة في الشيء و كيف يجتمع العلة مع المعلول.

فاعلم ان جميع ماسوي القديم القائم بنفسه لنفسه الغني عما سواه الواجب الوجود ممكن يسبقه امكانه و هو عدمه و لايجب ان يكون هذا السبق زمانياً بل يكفي فيه السبق الرتبي فكلما تدركه باحد مشاعرك فانما هو مسبوق بالامكان و هو فيه معدوم فكل شيء مسبوق بالعدم فالشيء حين يكون معدوماً لاكون له و لاعين و لايكاد يمكن ان يوجد المعدوم نفسه و يحدث لنفسه كوناً و عيناً فيحتاج الشيء المعدوم في وجوده الي موجود بالفعل يخرجه من ذلك العدم الي فضاء الوجود كما ان الفخار معدوم في الطين لاكون له و لاعين و يحتاج في وجوده الي فاخور يخرجه من عدم الطين الي فضاء الوجود. قال الله سبحانه خلق الانسان كالفخار و قال و ماخلقكم و لابعثكم الا كنفس واحدة و قال ماتري في خلق الرحمن من تفاوت. فكل ما خلقه خلقه هكذا فالمعدوم في خروجه الي عرصة الوجود احتاج الي موجود بالفعل يخرجه الي الوجود و هو العلة الفاعلية علي ما يأتي و الذي يخرج الي عرصة الوجود لابد فيه من مادة بها تحصله و صورة بها تميزه عما سواه بالبداهة و هما ركنا وجود كل موجود مما

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 498 *»

سوي الله عزوجل و بذلك قيل كل ممكن زوج تركيبي و قال الله سبحانه و من كل شيء خلقنا زوجين و عن الرضا7 ان الله لم‌يخلق شيئاً فرداً قائماً بذاته للذي اراد من الدلالة عليه. فالمادة هي المسماة بالعلة المادية و الصورة هي المسماة بالعلة الصورية علي ما يأتي و لما كان الفاعل الحكيم لايلغي و لايعبث و انما يفعل مايفعل لغاية مقصودة فلكل خلق غاية في ايجاده كانت ملحوظة قبل ان يوجده و تظهر بعد ما اتم صنعه و بلغ كمال ما اراد منه و هي المسماة بالعلة الغائية فكل ما يخرج من مكمن العدم الي عرصة الوجود لابد و ان يكون له هذه العلل متقدمة او مقارنة حتي يمكن خروجه الي عرصة الوجود و الا فليس يمكن و يبقي معدوما و لكل من هذه تفاصيل عديدة لم‌يكن سؤالكم عنها فلم‌نذكرها ولكنا نذكر من ذلك ما يتوقف عليه فهم الجواب.

فنقول انا قدمنا ان الشيء المعدوم لايخرج نفسه من العدم الي الوجود و يحتاج الي موجود بالفعل و مثلنا بالفاخور و الفخار فلنتدبر الآن ان الفاخور بذاته علة لخروج الفخار من العدم الي الوجود ام بفعله؟ و لاشك ان الفخار لايخرج الي الوجود بمحض كون الفاخور موجوداً و انما يخرج بحركته و فعله فالعلة هي حركة الفاخور لا ذاته كما روي خلق الله الاشياء بالمشية و روي علة ما صنع صنعه. و لم‌يقل بذاته و ذاته و حركة‌ الفاخور ايضاً حادثة تحتاج الي علة فاعلية و قد عرفت انها حركة الذات و حركة‌ الفاخور هي بنفسها حركة الذات الاولية لايسبقها حركة‌ اخري فهي من حيث كونها حادثة معلولة و من حيث كونها حركة الذات علة فاعلية فاجتمعت المعلول و العلة في الشيء الواحد و اما العلة المادية للفخار فهي الطين الذي به تحصله و تقرره في الخارج و لابد منه لاجل ان يستقر عليه صورة الفخارية و تخرج من كمونه و هي العلة‌ المقارنة و العلة المنفعلة القابلة و الاب كما ان العلة الفاعلة هي العلة‌ البعيدة المستعلية و اما العلة الصورية فهي تخطيط الفخار و حدوده و هي نهايات الطين و مقاطع حركته و غايات تحركه عند تحريك الفاخور اياه فلما رفع يده لم‌يتحرك و وقف حيث انتهي به و

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 499 *»

هذه العلة ايضاً علة مقارنة‌ منفعلة قابلة الا ان العلة المادية هي الاب و العلة الصورية هي الام و في مقام التقارن حملت العلة المادية العلة‌ الفاعلية و العلة الصورية العلة‌ الغائية فهما فاعلة و غاية مقارنة دون العلة الفاعلية و الغائية العَليَين و لو نظرت الي حركة الفاخور و انها حادثة ايضاً عرفت انها ايضاً تحتاج الي علة مادية و ليست هي ذات الفاخور فانها لم‌تصغ من ذات الفاخور و انما صيغت من اثرها و هي اول اثر صدر عنها فهي اي تلك الحركة التي هي اول صادر منها هي بنفسها العلة المادية اذ ليس بينها و بين الذات شيء آخر و تحتاج الي علة صورية و هي كما عرفت مقاطع المادة و نهاياتها فعلتها الصورية ايضاً هي كونها حركة فاجتمعت العلل الثلث في الشيء كما رأيت عياناً و اما العلة الغائية للفخار فهي شرب الماء مثلاً و هي التي هيجت الفاعل علي الفعل و هي قبل الفعل فانها المرجحة لوجود الفعل و خروجه من الامكان الي الكون و هي المقوية لضعف الفعل و المنبهة لرقدته و المحيية لميته و المحركة لسكونه و يخرج الفعل من القوة الي الفعلية علي حسبها من سرعة و بطؤ و قوة و ضعف و كمال و نقص البتة فهي مقدمة علي جميع العلل وجوداً و مؤخرة عنها شهوداً الا تري ان الفاعل اي الذات لما تصورت الشرب و وقع شبحه في مشاعرها اثر فيها و لقوته و فعليته عمل في امكان حركة الذات فاخرج منها فعلاً للذات علي حسبه كما اذا نظرت الي امرأة و وقع شبحها في حواسك و انطبع في خيالك اخرج ذلك الشبح من امكان خيالك الحركة اليها و الميل فذلك الشبح المكمل مقدم علي الميل و هو علة ميلك و مخرجه من القوة الي الفعلية كما شاهدت فالشرب اذا وقع شبحه في مرآة نفسك هيجها للميل الي صنعة الفخار و حملها عليه و اخرج من امكانها الميل الي صنعة الفخار فملت فاخذت الطين و صورته حتي اذا تم ظهر عليه الشرب المهيج.

و ان قلت ان كانت الغاية هي علة الفاعلة فكيف يكون الذات فاعلة لفعلها، قلت ان الفاعل فاعلان فاعل ظاهري هو في الحقيقة منفعل كالقائم و القاعد و فاعل حقيقي غير منفعل فالفاعل غير المنفعل ليس الا واحداً و كل ماسواه فاعل منفعل فالفاعل فاعلان فاعل تفعيل و فاعل فعل و جميع الحوادث فواعل فعل و لا

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 500 *»

ضير و ان كانت ايضاً فواعل تفعيل لما دونها فالذات تميل الي ما تميل و يحملها علي الميل ما يحملها و لاضير فالعلة الغائية هي الحاملة للفاعل علي الفعل فهي علة العلة الفاعلية و مكملتها و مخرجتها من القوة الي الفعلية الا تري ان النجار ينحت السرير لاجل جلوس السلطان فقبل ان يصدر منه حركة يخطر بباله جلوس السلطان فيحرك هذا الخاطر ميله و يبعثه علي الحركة الي اخذ الخشب و نحته فتصور جلوس السلطان هو الذي اخرج ميله و حركته من القوة الي الفعلية و لولاه لم‌يخرجا البتة و عمل تصور الجلوس في النفس كعمل النار في الدهن و هو من باب التكميل و اخراج ما في الكيان الي العيان فافهم و لو تصورت الامر في حركة الفاخور التي كان مثلنا فيها من ان تلك الحركة بنفسها ايضاً حادثة تحتاج الي علل اربع و قد بينا فيها ثلثاً منها و بقي الغائية لرأيت انها هي ايضاً نفس تلك الحركة لانا نقول اذا كان الحركة اول صادر من ذاتك و ليس بينها و بين ذاتك فاصل و هي ظهورك الكلي الاعظم و ذلك الظهور الاعظم كمالك و لم‌تكن بلاكمال ابداً فما دمت انت انت يكون ذلك الظهور كمالك و انما التغيرات تعرض في جهات ظهورات ذلك الظهور و تعلقاته فاما نفس الظهور فليس الذات تخلو منه ابداً مادام الذات ذاتاً فذلك الظهور ليس له غاية الا نفسه كما تري من ان نور الشمس من الشمس ليس لغاية و انما الظهور هو الغاية و ليس نور السراج من السراج لغاية يبعثه علي الانارة و انما النور كمال الشعلة و لم‌يهيج الشعلة علي الانارة‌ امر خارجي لان الانارة طباعها و كذلك نور السراج ليس بحركة غير ذلك النور و لا من مادة غيره و لا من صورة‌ سابقة و انما شعلة و نور احدثته لنفسه بنفسه من نفسه علي نفسه لايسبقه غاية و لافعل و لامادة و لاصورة فاجتمعت العلل في الشيء الواحد كما رأيت و كذلك لو تدبرت في ظهورك في المرآة تجده ليس بفعل خارج عن ذلك الظهور سابق عليه و ليس له مادة و لاصورة غيره و ليس له غاية مهيجة لك علي الفعل و انما هو كمالك كيدك منك و كذلك حال كل اثر عند مؤثره.

و ان قلت فلم لم‌يكن الامر في الفخار الذي مثلت هكذا و كانت العلل منفصلة بعضها عن بعض، قلت ان الفاخور ليس بمؤثر الفخار و انما هو مكمل و لذا

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 501 *»

تراه يموت و الفخار فخار بعده سنين و لو كان اثره يموت بموته و يفني بفنائه و انما اثر الفاخور حركته التي مثلنا لك و هي موجودة بوجوده معدومة بعدمه و هي كما ذكرنا من اجتماع جميع العلل فيه و اتحاد بعضه مع بعض و اما الفخار و امثاله فليس باثر لمن ظهر منه كالكتابة فان لها عللاً منفصلة ولكنها ليست باثر للكاتب و لذلك يبقي الخط في القرطاس دهراً و صاحبه رميم في التراب. و اما الآثار عند المؤثرات فجميعها علي ما وصفنا و كذلك جميع الخلق عند الله سبحانه ليس له علل غير نفسها اذ الازل لايكون علة و الممتنع ليس بشيء و الخلق نفسه خلق اجتمع فيه العلل هذا مجمل القول علي ما اردت من غير اكثار ممل و لا اجمال مخل و ان طلبت ازيد فراجع ساير كتبنا.

قـال سلمه الله: الثانية؛ ما تقول جنابكم في معني الحديث المشهور خلق الله الاشياء بالمشية و المشية بنفسها الشيء كيف يكون فاعلاً لنفسها و ما معني كونها كافاً مستديرة و كيف يجتمع الفاعل مع المفعول و الحال ان اتحاد العاقل و المعقول في مقام الضرورة من البطلان بالبداهة و الوجدان كما بين الشيخ المرحوم اعلي الله مقامه في شرح ملاصدرا باتم بيان و استدل عليه بالادلة المحكمة و البرهان.

اقـول: الحديث هو ما رواه الكليني بسنده عن عمر بن اذينة عن ابي‌عبدالله7 قال خلق الله المشية بنفسها ثم خلق الاشياء بالمشية انتهي. و ليس معني الخبر كما زعمت ان المشية لم‌تكن و كانت معدومة ثم خلق المعدوم نفسه فتعجبت و لو كان كذلك لكان محل الانكار لا العجب بل المشية هي ظهور الازل و تجليه و آيته و لم‌يأت وقت خلقي لم‌تكن المشية مشية نعم ليست قائمة بذاتها لذاتها و انما هي لغيرها ولكنها في محلها ثابتة دائماً و ليس معني الثبوت القدم و الغني عن الغير فانه يمكن ان‌يكون الشيء ثابتاً في محله محتاجاً الي الغير قائماً به الا تري انه لم‌يأت وقت يكون النور في محله مفقوداً و السراج سراج بل ما

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 502 *»

كان السراج سراجاً كان النور نوراً و مع‌ذلك ليس النور قائماً بذاته لذاته و انما هو قائم بالسراج و كذلك ليس شرط الحدوث ان‌يكون قد اتي زمان لم‌يكن هو موجوداً بل شرط الحدوث ان‌يكون الشيء قائما بغيره محتاجاً اليه سواء كان في محله ثابتاً دائماً او لم‌يكن فالمشية ليست من الحوادث التي لم‌تكن ثم كانت و لو كانت كذلك لامتنع خروجها الي الوجود فان الذات لم‌تك تتغير و لم‌تحدث فيها مقتض للايجاد ابداً و المفروض ان المشية ايضاً معدومة و لاشيء سوي الذات تقتضي وجود المشية فكانت يمتنع ان توجد لعدم المقتضي و عدم اقتضاء المعدوم شيئاً و عدم شيء آخر يقتضي وجودها و عدم تغير الذات عما كانت عليه البتة و انت تري الآن ان المشية موجودة و ليس المقتضي لوجودها من الذات الاحدية قطعاً و المشية حال كونها معدومة ايضاً لاتقتضي الوجود فهي موجودة في محلها ابداً تقتضي ان تكون هي هي ابداً و قد جعلها الله اياها ابداً أليس لابد و ان يكون المقتضي موجوداً و المانع مفقوداً حتي يوجد الشيء و انت تعلم ان غير المشية لم‌يكن و مفروضك ان المشية‌ ايضاً لم‌تكن و يقينك ان الذات ايضاً ليست باقتضاء المشية و لو كانت اقتضت قدم المشية فلابد و ان يكون مقتضي وجود المشية موجوداً حتي توجد و هي بنفسها مقتضية نفسها لاغير اذ لاغير فلابد و ان‌تكون موجودة فتبين و ظهر كالشمس لمن نظر ان المشية لابد و ان تكون في محلها موجودة ابداً و هي مع‌ذلك قائمة بالغير مفتقرة اليه فاذا صارت في محلها اي السرمد ابداً موجودة بطل ذلك الفرض الذي صار سبب عجبك و هو انها حين لم‌تكن كيف اوجدت نفسها.

و ان قلت فبعد انها كانت موجودة ابداً في محلها فما معني انها خلقت بنفسها، قلت معني ذلك انها حادثة و كل حادث مخلوق بفعل القديم و هي بنفسها فعل القديم لايسبقه فعل آخر فهي فعل بنفسه و امثلة ذلك كثيرة الا تري ان كل شيء يرطب بالماء و الماء رطب بنفسه و كل شيء يتدسم بالدهن و الدهن دسم بنفسه و كل شيء يظهر بالنور و النور ظاهر بنفسه و كل عمل تعمله بالنية و النية تعملها

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 503 *»

بنفسها فالخلق كل دان منه مخلوق بالعالي و المبدأ الذي لااعلي منه لايصلح ان يخلق بغيره فهو مخلوق بنفسه ابداً لا بعد عدم فان الله عزوجل جعلها يد نفسه في امساكها ابداً و الرب الازلي قادر علي خلق سرمدي لا اول له و لا آخر و المحدود المتناهي لايقدر علي درك خلق لا اول له و لا آخر.

و اما معني الكاف المستديرة علي نفسها؛ فاعلم انه لما عبر عن المشية بـ«كن» فهم العارفون من هذه اللفظة ان للمشية ثلث مراتب مرتبتان ظاهرتان فعليتان و مرتبة خفية بالقوة اما المرتبتان الظاهرتان فمرتبة‌ الفعلية و مرتبة‌ المفعولية علي انها خلقت بنفسها فلها حيث فعلية يعبر عنها بالمشية بالمعني الاخص و حيث مفعولية يعبر عنها بالامكان فعبر عن حيث الفعلية بالكاف و عن حيث المفعولية بالنون نظراً الي ان حيث الفعلية سماوات ذلك العالم و حيث المفعولية ارضه و اصول السموات اربعة العرش و الكرسي و فلك الامتثال و فلك الافلاك و ساير الافلاك وجوه فلك الافلاك و جهات تعلقه بالسفليات فالعرش و الكرسي اطلسان لانهما بابان من ابواب الغيب و فلك الامتثال و فلك الافلاك الذي هو ام الافلاك بابان شهاديان و هما مكوكبان و قد يعبر عن هذين بفلك البروج و فلك المنازل و هذه الافلاك الاربعة لما كان الغالب عليها جهة‌ الرب حكت مراتب التوحيد الخمس المذكورة في سورة‌ النسبة و هي قل هو الله احد الله الصمد فبلغت المراتب عشرين فاستنطق لها الكاف و اما مراتب ارض ذلك العالم فهي خمسون و ذلك ان مرادنا بالارض العناصر الاربع فاذا ائتلفت حصل منها طبيعة خامسة و هذه الطبايع الخمس تبلغ مبلغ الكمال في التصفية و التلطيف اذا دارت خمس دورات دورة معدنية و دورة‌ نباتية و دورة‌ حيوانية و دورة انسانية و دورة جامعية فذلك خمسة و عشرون مقاماً للارض و لكل عنصر منها طبعان و قوتان فذلك خمسون قوة للارض كلها مطارح انوار تلك المقامات الفلكية و لاتبلغ مبلغ الفعالية الا بعد استكمال هذه المراتب فاستنطق للارض «ن» و لما كان عالم الامر مستجمع هذه المراتب علي حسبه و مقامه عبر عنه بـ«كن» و المجموع سبعون و الاثر الصادر منه من اسفل مراتبه و شبح لادني

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 504 *»

مقامه فلذلك يقال ان الاثر نسبته الي المؤثر نسبة‌ الواحد الي السبعين فحيث فعلية الامر الكاف و حيث مفعوليته النون و اما الحيث الخفي فيه فهو حيث الحدود الستة التي هي الكم و الكيف و الجهة و الرتبة و الوقت و المكان التي هي اصول الكثرات و مبدؤ الاختلافات و هي مستنطقة بالواو فهي فيه مقدرة غير ظاهرة و تظهر في عالم يكون عالم الكثرة‌ و الاختلاف فلاجل ذلك الحدود في الامر بالقوة و في الخلق بالفعل و لاجل ان الواو تشير الي الايام الستة التي خلق فيها العالم و عالم الامر خلق دفعة و ليس فيها امتداد الايام و لان الواو حرف ظلماني و ظلمات الانية هناك مضمحلة متلاشية و الكاف و النون نورانيتان فالمناسب اخفاء الواو و اظهر الكاف و النون مع انه ليس هناك اختلاف للاشعار بانه مخلوق بنفسه و نوراني و ان شئت ان تنظر في الطبايع العشر الارضية انوار التوحيد الخمسة فبهذا اللحاظ ايضاً مقامات الارض تكون خمسين و لكل وجه و لعل هذا الوجه اولي لغلبة انوار التوحيد في عالم الامر سماء و ارضاً و لانه بكله نسبة الرب و جهته فجيء بالكاف و النون ظاهرتين لغلبة الانوار و ظهور الاسرار و اخفيت الواو لخفاء الظلمة و الكثرات فيه و اما سر استدارة‌ الكاف علي نفسها فان عبر بها عن المشية بالمعني الاخص فالكاف هي كاف كن و استدارتها علي نفسها فان الكرة اما ان تدور علي المحور و هو في عالم الزمان و اما ان تدور علي القطب و هو في عالم الدهر فاريد بذلك ان المشية ليست زمانية تدور علي المحور فيحدث عنه الاختلاف و الكثرة و ليست دهرية تدور علي القطب فانه ليس فيه اختلاف اجزاء بل كلها قطب و كلها كرة هي تدور علي نفسها علي خلاف التوالي بالامداد و تدور نفسها عليها علي التوالي بالاستمداد و كل ذلك لانها مخلوقة بنفسها فعبر عنها بالكاف لاجل كاف كن المعبر بها عن المشية بالمعني الاخص و ان اريد بها المشية بالمعني الاعم فكلها كاف لان لجميعها عشرين مقاماً و هي افلاكها الاحدعشر كما قدمنا و عناصرها الاربعة و ترقياتها الخمس فذلك عشرون مقاماً كلياً لها استنطق لها الكاف و الكاف بهذا المعني ايضاً تدور علي نفسها لانها مخلوقة بنفسها و ليست

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 505 *»

تدور دوران الاستمداد علي الذات فتكون قطبها و من جنسها و لاتدور علي مادونها لانها لاتستمد مما دونها و اما دوران الامداد فليس تدور علي ربها و لا علي غيرها فان بذاتها لم‌يخلق غيرها و انما خلق الغير باشراقها كما حققناه في محله فلاتدور الا علي نفسها امداداً و استمداداً.

و اما قولكم كيف يجتمع الفاعل و المفعول و الحال ان اتحاد العاقل و المعقول في مقام الضرورة من البطلان الخ. فجوابه ان الممتنع من ذلك اتحاد ذات الفاعل مع ذات المفعول و هو فرع من شجرة وحدة الوجود و اما اتحاد صفة الفاعل مع المفعول فهو الواقع اللازم في كل مقام و لايعقل غير ذلك الا تري ان الضارب ليس يعقل وجوده في مقام لايوجد فيه الضاد و الراء و الباء و صقع يوجد فيه الضاد و الراء و الباء يمكن صوغ كل كلمة عناصره و حروف اصوله منها فجميع ما يشتق من تلك العناصر في صقع يوجد فيه تلك العناصر انظر هل يمكن ان يوجد في الافلاك مولود مركب من العناصر و لاعناصر هناك و هل يمكن ان يوجد في عالم النفوس مولود مركب من الاهبية الجسمانية و لاجسم هناك و هل يمكن ان يوجد في السرمد مولود مركب من اهبية دهرية و ان يوجد في الازل مولود سرمدي حاشا و كل عقل يشهد بخلافية ذلك فكذلك لايوجد صفة الضارب في صقع ليس فيه الضاد و الراء و الباء بالبداهة و صقع توجد فيه هو صقع المصدر و الفاعل و المفعول و ما يشاكلها كلها مشتقة من المصدر حتي ان ضرب ايضاً اعلي درجات الضرب يعني ان الحركة المطلقة البسيطة لما تجلت في مرآة الضرب انصبغت فيها بصبغها و حدث ضرب هناك و ليس في عرصة الفعل المطلق ضرب كما ان نور الشمس اذا وقع في مرآة حمراء ثم وقع منها لحك علي الجدار هناك يحمر و ليس يحمر قبل الانعكاس من المرآة اذ ليس في نور الشمس قبل الانصباغ من المرآة حمرة فقولك حمر ليس في ذات الشمس و لا في نورها المطلق الصادر منها بل هو في بطن المرآة الحمراء و كذلك المحمرة بكسر الميم ليست في ذات الشمس و لا في نورها المطلق و انما هي في بطن المرآة بل اذا حمرت الجدار و انما في المرآة وجه التحمير و

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 506 *»

المحمرة فتبين لذي عينين ان وصف المحمر ليس في ذات الشمس و لا في نورها اذ ليس فيهما عناصر الحمرة حتي يصاغ عنها مولود المحمرة و انما صيغت حيث كانت عناصرها و هي في المرآة و بعدها فاذا العاقل ليس في الذات اذ ليس هناك عناصره و لا في رتبة الفعل المطلق بل هو في رتبة يوجد فيه العين و القاف و اللام و اذا وجدت امكن صوغ العاقل و المعقول معاً منها بل و عقل و ليس فوق تلك الدرجة عناصر يشتق منها عقل فاذا عرفت ذلك فانظر الي ظهورك في المرآة فانما فيها ظهورك لاشك فيه و ليس بينك و بين ظهورك فاصل و انما هو انت و ظهورك لاثالث بينكما و انت ذاتك ذاتك و ليس ذاتك فعل ظهر فان ظهر فعل ذاتك لا ذاتك و لا فاصل بينك و بين الظهور بالبداهة فذلك الظهور هو فعلك ظهر من حيث افتقاره اليك و هو ظهورك و هو وصفك فانك انت لست بذاتك بظاهر و انما انت به ظاهر فهو ظاهرك في المرآة و هو مفعولك فانه مصنوعك مفتقر اليك صنعته به فاذاً اتحد وصف الفاعل و المفعول المطلق الا انهما من حيثين و كذلك كل نور بالنسبة الي منيره فانه ليس بين الشعلة و النور فاصل بلاشك و ذلك النور هو نور السراج و هو فعله انار و هو وصفه المنير اذ هناك شوهد و عرف منيريته و هو مفعوله الذي اوجده فكذلك كل اثر بالنسبة الي مؤثره فكذلك المشية فان الشائي ليس ذات القديم جل‌شأنه بالبداهة و لاثالث فاصل فوصف الشائي هو المشية و هي المشاء الاول بالبداهة فاتحد وصف الفاعل و المفعول و كذلك يتحد وصف العالم و المعلوم و العاقل و المعقول فمن فهم من الشيخ اعلي الله مقامه غير ذلك لم‌يكن ولد بطنه فلم‌يفهم رطنه و انما الشيخ اعلي الله مقامه يمنع مما منع الله منه و هو اتحاد ذات العاقل مع ذات المعقول و اتحاد الواجب و الحادث و صفة الله غير الله لشهادة كل صفة انها غير الموصوف و غير الله حادث فوصف الفاعل حادث و كل حادث مفعول فاتحد الفاعل و المفعول و ذلك لانكر فيه ان شاء الله فالمشية هي فعل الله و هي مفعول الله و هي وصف الله الفاعل و هي حدث المشية المصدرية و الله يعلم و

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 507 *»

انتم لاتعلمون سبحانك لاعلم لنا الا ما علمتنا انك انت العليم الحكيم.

قـال سلمه الله: كيف التوفيق بين الحديث الذي ورد عموماً ان النفس النباتية النامية اذا فارقت عادت الي ما منه بدئت عود ممازجة لاعود مجاورة و بين الاخبار التي وردت عنهم: متواترة ان البدن العنصري للمؤمن لايبلي و لايفني بل يبقي في قبره طرياً كأول يوم وضع فيه و كيف يتصور هذا في البدن العنصري العرضي للامام7 من الله الملك العلام مع ان مدلول الاول مشاهد محسوس و قصة ابن‌بابويه و ثقة‌الاسلام مشهور معروف.

اقـول: اما الحديث الوارد ان النفس النباتية عودها ممازجة فمسلم رواه القاشاني و اصله من كتاب بحر‌العلوم المنسوب الي الصادق7 و الحديث بنفسه ايضاً يستشم منه رايحة الصحة و يفوح منه رايحة كلام اميرالمؤمنين7 و اما الاخبار المتواترة التي زعمتم فلم‌يصل الينا منها حديث واحد مع تتبعنا في الاخبار في آناء الليل و النهار بل مؤيدات رواية بحرالعلوم كثيرة في الاخبار. منها ما رواه في الكافي عن عمار بن موسي عن ابي‌عبدالله7 قال سئل عن الميت يبلي جسده قال نعم حتي لايبقي لحم و لاعظم الا طينته التي خلق منها فانها لاتبلي تبقي في القبر مستديرة حتي يخلق منها كما خلق اول مرة و من الفقيه عن الصادق7 ان الله اوحي الي موسي بن عمران ان اخرج عظام يوسف من مصر فاستخرجه من شاطئ النيل و كان في صندوق مرمر فحمله الي الشام الخبر.

فلو كان جسده باقياً علي حاله لم‌يقل عظام يوسف و تأويل العظام بالجسد علي خلاف الظاهر و يأول لاهل الظاهر عند الحاجة و يؤيد ذلك ما روي ان اميرالمؤمنين7 دفن في قبر نوح فلو كان جسده العنصري باقياً ماكان ينبش و يؤيد ذلك ما روي ان الامام يبقي في قبره ثلثة ايام ثم يرفع الي العرش فلو كان جسده العنصري الذي كان يري في حيوته باقياً لكان يري في قبره و هذه الاخبار مؤيدات واضحة لاهل الاستبصار و لااجتهاد بعد النص الذي رويناه عن

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 508 *»

الكافي.

و اما المنقول عن ابن‌بابويه و الكليني، فاعلم ان الميت اذا كان جاف البدن و كان المدفن غير ندي ربما يبقي الجسد دهوراً و لو كان من كافر و يمكن تطلية الجسد بعقاقير يبقي دهوراً و لو كان من كافر كما كان القدماء يفعلون باجساد الاكابر و بقاء الجسد العنصري لايدل علي سعادة و لاشقاوة و لايختص بمؤمن فلايغرنك امثال ذلك و لاامنع ان يمسك الله جسداً باسباب هو اعلم بها ليكون علامة يوماًما و ليس بممتنع الا انه لم‌يجر العادة علي ذلك ألم‌تر ان ذلك الصحن المقدس الحسيني بل مشهده من يوم صار مرجع الشيعة يدفن حوله اموات الشيعة و لعل في كل موضع قبر الف رجل في طول هذه السنين ألم‌يكن احد من هذه الشيعة الذين دفنوا حوله بل حول مشاهد ساير الائمة: ايضاً مؤمناً و انت تشاهد بعينك ان قبراً واحداً ربما نبش مرات لاتحصي و وضع فيه جسد آخر ثم بلي و وضع فيه جسد آخر و هكذا ألم‌يكن احد من كل اولئك الشيعة مؤمناً و انحصر الايمان في جسد ادعي انه جسد ابن‌بابويه و الكليني بل تري بعينك ان الصلحاء و العلماء و الاتقياء يموتون و يدفنون في الرواق المقدس و في كل موضع قبر ربما دفن الف تقي نقي عالم و ليس منهم عين و لااثر و هل تحتاج الي البرهان بعد العيان و ان شاهدت ذلك فاعلم ان الاعراض العنصرية تبلي و تتبدد و البدن من كل مؤمن يتفرق و انما يكسر ليصاغ صيغة لافساد فيها و الجسد الاصلي يبقي في القبر و من الامام يصعد الي العرش و الله المستعان.

قـال سلمه الله: الرابعة؛ ما معني قول الشيخ المرحوم جعلني الله من محبيه و تابعيه في شرح الفوائد و ساير كتبه ان الشيء يستمد من نفسه و يعود اليه ما يفارق منه و ان كل شيء محدث كرة مجوفة مستديرة مستمدة من نفسها مما له و اليه او نهر مستدير يستدير علي نفسه و يعود اليه ما منه بديء بينوا اطال الله بقاكم و كثروا الامثال و النظاير ليتضح غاية الوضوح و يفتح بابلغ فتوح توجروا ان شاء الله.

اقـول: هذه آخرة مسايله و معناها واضح و ذلك انا لما علمنا ان الله عدل

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 509 *»

لايجور و لايعذب شيئاً بجرم شيء آخر و لايعطي ثواب احد غيره و علمنا ان الشيء يحتاج الي المدد دائماً و يحتاج في بقائه الي امداد خالقه و علمنا ان البدن دائم التحلل و يحتاج في بقائه علي حاله الي مدد جديد بل كذلك كل مرتبة من مراتب الانسان كذلك و لذا قال الله سبحانه كلاً نمد هؤلاء و هؤلاء من عطاء ربك و ما كان عطاء ربك محظوراً. عرفنا ان المدد الجائي لو كان غير الذاهب لزم منه ان يثاب الذي لم‌يحسن بثواب المحسن الذي هو غيره و يعاقب الذي لم‌يسيء بسيئة المسيء الذي هو غيره فانه عمل الانسان باعضاء و جوارح و قد ذهبت و جاء غيرها و يجزيه الله سبحانه في الحال الثاني فالمجزي غير العامل و هو ظلم بين و تعالي الله عن ذلك و قد تحير في ذلك العقول و لم‌يدروا المخلص منه و قد من الله جل و عز علينا بمعرفة حقيقة ذلك ببركات آل‌محمد: و هي ان الله سبحانه كلف العباد بما كلف ليتقربوا اليه و لايتقربون اليه الا ان يتلطفوا حتي يصعدوا و يقربوا من المبدء الذي يكون التقرب اليه تقرباً الي الله جل و عز فالتكاليف سبب التلطيف و الترقيق و التنعيم و التصفية و الا لما كانوا يتلطفون بالعمل بها فاذا عمل العبد بما امره الله به و هو ذومدد و اصل تلطف ذلك المدد الواصل فاذا ذهب عنه لم‌يخرج من تحت يد القدير المحيط انها ان‌ تك مثقال حبة من خردل فتكن في صخرة او في السموات يأت بها الله فالله سبحانه يأخذ ذلك المدد الذاهب المتلطف بالعمل و يرده الي العبد فيرد الي البعد و هو اصفي من الحال الاول الذي وصل اليه فيأتيه مدد الطف فيصعد درجة و يتقرب الي ربه درجة فاذا عمل في الآن الثاني بتكليفه تنعم المدد الواصل مرة‌ اخري و تلطف فاذا ذهب عنه اخذه الله و رده اليه و هو الطف من الحال الاولي التي وصل اليه عليها فيصعد و يتقرب درجة و هكذا كلما يعمل الانسان يتلطف ما عنده فاذا ذهب عنه و ازيل عنه الاعراض ورد اليه كان ارق و الطف و انعم فصعد به درجة و لذلك قيل ان العبد يتقرب الي الله باقدام اعماله و الصلوة معراج المؤمن و قال الله سبحانه: و اسجد و اقترب. فاذا اثابه الله في الحال الثانية علي عمل الحالة الاولي لم‌يثب غير

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 510 *»

العامل و كذلك اذا عصي و كثف المدد الحاصل و ذهب اخذه الله و رده اليه اكثف مما كان حين وصل اليه اول فيهبط درجة و يبعد عن ربه درجة فاذا عصي كثف ثانياً فاذا ذهب عنه و اخذه الله و رده اليه رد من محل ادني فتنزل درجة اخري و هكذا فباقدام المعاصي يهبط الي مقام البعد و دركات الجحيم فاذا جازاه الله بعمله في الحال الثانية انما جازي الذي اساء اول مرة‌ فشبه ذلك بالنهر المستدير الذي يعود آخره الي اوله فالماء الواصل الي موضع هو الماء الذاهب عنه بدون تفاوت الا في التصفية فاعتبر و نمثل له ايضاً بالمولود الفلسفي انك اذا اخذته مرة اخري و سقيته الماء الالهي و حللته و اخذت عنه ارمدته و عقدته بعد ذلك ازداد نعومةً و لطافةً و نفوذاً و صبغاً ثم اذا اخذته ثانياً و حللته في ذلك الماء الالهي ثانياً و اخذت عنه الارمدة و عقدته ثانياً ازداد نعومةً و لطافةً و نفوذاً و صبغاً و هكذا كلما وضعت لهم حلماً رفعت لهم علماً ليس لمحبتي غاية و لانهاية و من البين ان الشيء كلما يزداد لطفا يعلو حيزه و مقامه درجة و يقرب من مبدئه فيحكي ما لم‌يك يحكي من فعالية المبدء و اسراره و قدرته و علمه و ساير صفاته و يزداد سعة و يصدق علي المدد الثاني انه غير الاول لزيادة نعومته و يصدق عليه انه هو هو فهو هو و هو غيره كما مثل الامام7 لتبديل الجلود في قوله كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلوداً غيرها برد اللبنة بعد الكسر في الملبنة فقال هي هي و هي غيرها فبملاحظة ان الثاني غير الاول مدد واصل و بملاحظة انه عينه يكون المجزي هو العامل ولكن هنا دقيقة ما لم‌تتنبه بها لم‌يسهل عليك فرض المسألة و هي ان المراد بالمدد هو المدد الذاتي و المستمد هو الذات و اما الاعراض الخارجة فهي الارمدة التي اريناك في المثل و لايجب رد الاعراض الذاهبة من الشيء اليه فاذا ذهب من الذاتي شيء مع الاعراض يصفيه الله من اعراضه و يأخذ ارمدته الخارجة التي ليست منه و لا اليه و يرد الذاتي الي الشيء فلعله يلحقه ثانياً اعراض اخري و لعل العرض الاول لم‌يرجع اليه ابداً و لعله رجع الي غيره فمن لم‌يعرف هذه الدقيقة فلعله يستغرب عود ما ذهب من البدن العرضي اليه و هو في محله

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 511 *»

فلانستوجب رد العرض ابداً فانه ليس منه و لا اليه.

و ان قلت ان كان كذلك فلعله عصي مع عرض و ذهب عنه و جائه عرض آخر فعذب مع العرض الثاني و اصاب العرض الثاني عقوبة ما عمله العرض الاول، قلت ان ما ينال الاعراض من الجزاء فانما هو لاعمال تخص بالاعراض فان الاعراض بانفسها عبيد لله سبحانه مكلفون و يستحقون بتكاليفهم ما يستحقون و انت محل لهم اما جنة او نار فينعمون فيك او يعاقبون و لايعاقبون بعملك و لايثابون فافهم ذلك فانه دقيق و بالتوجه حقيق غاية الامر ان العرض يعاقب فيك بمثل عقابك او يثاب فيك بمثل ثوابك و انما ذلك بعمله الخاص به بينه و بين ربك لابعملك و لاتزر وازرة وزر اخري.

بقيت مسألة اخري و هي ان المبتدي ربما اذا سمع منا النهر المستدير تخيل ان المدد الذاهب ينفصل انفصالا و يبعد عنك ثم يعود اليك بعد حين لانه سمع التمثيل بالنهر المستدير و فرض لدائرته سعة و ليس الامر كذلك بل المدد يذهب عنك بلاانفصال و يرجع اليك حين الذهب فهو نقطة تعطي نفسها كل آن و لاتملك نفسها في آن فبعدم استقلالها و مالكية نفسها ذاهبة دائماً و بالخلق الجديد المستمر آتية دائماً فكل ذرة من المدد ذهبت ردت في آنها الطف و اصفي و انعم و تعقل ذلك مشكل جداً ولكن علي البيان و الاشارة و لولا انك حتمت علي ترك الاكثار و اظهرت الملال به لرددت العبارة و كررت الاشارة حتي يتضح الامر لكل ذي عينين ولكن الجواب علي حسب السؤال و اما قولك ان الشيء يستمد من نفسه فخطاء ان الشيء يمد من نفسه و انما يستمد من ربه فيمده من نفسه و كذلك قولك كرة مجوفة مستديرة مستمدة من نفسها خطاء فان الشيء في ذاته كرة مستديرة علي قطبها و يستمد من قطبها علي انه وجه ربها فيستمد ربها و يمدها بها منها و لاحول و لاقوة الا بالله العلي العظيم.

كتبها مصنفها الاثيم كريم بن ابرهيم و فرغ منها ليلة الثلثاء التاسعة و العشرين من شهر صفر المظفر من شهور السنة السادسة و السبعين من المأة الثالثةعشرة من الهجرة حامداً مصلياً مستغفراً تمت.