05-11 مکارم الابرار المجلد الخامس ـ رسالة في جواب الشيخ محمد الوسيم الكردستاني و عالم آخر ـ مقابله

 

رسالة في جواب الشيخ محمد‌الوسيم الكردستاني و عالم آخر

 

من مصنفات

العالم الرباني و الحکيم الصمداني

مولانا المرحوم الحاج محمد کريم الکرماني

اعلي‌الله مقامه

 

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 467 *»

بسم الله الرحمن الرحیم

الحمدلله الذي كان قبل الكان و لامن شئ كون ما قدكان توحد في فردانيته و تفرد في وحدانيته ليست وحدانيته وحدانية العدد و لا لكينونته اجزاء تعد بل هو في ذاته فرد احد لايجري عليه ما هو اجراه و لايعود فيه ما هو ابداه قدتعالي عن صفات مخلوقاته فلاشئ منها يعادله و جل عن خواص مبروءاته فلاموجود منها يماثله ضلت الاحلام عن درك مائيته و حارت العقول عن فهم ماهيته امتنع عن المركبات باحديته و باينها بذاتيته فلايقال له جوهر اذ هو مجهر الجواهر و لايعرف له غريزة اذ هو مغرز الغرايز و لايدرك له امد اذ هو موقت الآجال و لايعقل فيه نعت اذ هو منعت النعوت و لايعبر عنه بلفظ في لسان و لايعقل له معني في جنان اذ كل مدرك معروف و كل معروف مميز و كل مميز محدود و كل محدود محصور و كل محصور مقصور و كل مقصور متناه و كل متناه موجود في حده مفقود وراء نهايته و كل ما يتصف بالوجدان و الفقدان ممكن و كل ممكن حادث و كل حادث فقير الي باريه محتاج الي مبديه فتعالي ربنا عن ادراك خليقته و فهم بريته و مشاكلة مذروءاته و مماثلة مبروءاته  علواً كبيراً و الصلوة علي المجتبي في القديم الاقدم و المصطفي في الازل الاول الاكرم صبح الازل الطالع عن افق السرمد و شمسه المختفية بحجاب وحدة الاحد الاول الاخر و الباطن الظاهر وجه الله الاحد و جنبه الصمد محمد الذي ابانه الله عن خصايص الكاينات بما جعله آية احديته و علاه عن لوازم الحادثات بما اتخذه علامة ازليته فكان بكينونته و تأزل بازليته و تقدس بقدسه و جل بجلاله و عظم بعظمته احاط بماسواه علماً و قهر ماعداه قدراً عبد الله الذي اتخذه الله سفيراً بينه و بين مذروءاته و حبلاً متصلاً بينه و بين مخلوقاته ارسله علي جميع ما برأ و ابتعثه الي كل ما ذرأ فلم‌يعجزه عن ابلاغ ما ارسل به مضي الامم السالفة و لم‌يمنعه عن ايصال ما امر به تأخر الامم اللاحقة اذ هو المشرف من البحبوحة العليا علي الدنيا و الاخري و

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 468 *»

اللاحقة و الاولي كما اخبر عنه جل جلاله و قال بلاالتباس و ماارسلناك الا كافة للناس فبلغ ما امر به الي القرون الخالية و الدهور الغابرة و قطع الاعذار و اكمل التبشير و الانذار ولكن كان في بدو الاعصار عند كلل الابصار مخفياً ضياءه الخاطف تحت الحجاب مظهراً امره و نهيه من الابواب متكلماً علي السنة النواب الي ان اكمل الله قوي الزمان و ازال عمش اعين العميان طلع شمس وجهه الزهراء و اضاء في الدهر الضياء قام بنفسه النفيسة فادي ما حمل و بلغ ما به ارسل قيوماً بما امر مضطلعاً بما اخبر فاكمل ما اعذر و اتم ما بشر ثم لما اشتاق لقاء الله و استأثر جواره لم‌يترك رعيته هملاً و امته سائمة يتخطفها ذياب الشياطين من كل صوب و يطمع في نقض فتله الابالسة من كل اوب حتي ترك فيهم من سماه الله نفسه في آية المباهلة تفخيماً و جعله ولي المؤمنين بولايته في آية الزكوة تكريماً فما فقد النبي من وجده نفسه و لم‌يتمتع بالحيوة من اوي رمسه و علي آله الطيبين و ذريته الاكرمين الذين بعضهم من بعض في الكتاب و مودتهم اجر الرسالة لدي جميع الامة في كل باب فلعنة الله علي من ظلم هذا الاجير الاعظم اجره و نصب العداوة لاهل المودة و جعلها ذخره.

و بعــد يقول العبد الاثيم و الفاني الرميم كريم بن ابرهيم عفي الله عن جرايمهما انه قدارسل شيخان سندان و حبران معتمدان علامان علمان محترمان مفخمان من علماء كردستان قدسمح واحدهما باسمه الشريف و هو جناب العلام بلاكلام الشيخ الممجد الفخيم الشيخ محمد الوسيم بن المرحوم المجيد الشيخ محمد سعيد و اخفي الآخر اسمه ولكن جلالته بينة من رسمه و هما ايدهما الله بحسن الختام من العلماء الشافعية و غزارة علمهما البينة في سؤالهما تكفي عن الاطراء في مدحهما فارسلا الي بسؤالات معضلة و مطالب مشكلة ‌فوردت الي حين تبلبل البال و اختلال الحال و الاشتغال باجوبة المسائل الواردة من كل جانب و مكابدة الهموم المحيطة بقلبي النازلة الي من الاقارب و الاجانب و لم‌يمكنني ان‌اؤدي حقهما ادام الله امدادهما كما احب و اشرح عن حقيقة مسئولهما كما يجب و ليت كتابهما ورد حين فراغ البال و انتظام الاحوال حتي اذن للقلم بالجولان في

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 469 *»

ميدان البيان و استنزف كوامن الصدور بقدر استعداد الزمان ولكن قدسبق المثل الساير في الاوايل و الاواخر:

لا كل ما يتمني المرء يدركه   تجري الرياح بمالاتشتهي السفن

ولكن الميسور و المقدور لايتركان بالمعسور هذا و قد اراحاني بكثرة علمهما عن تمام الايضاح و اغنياني عن غاية الشرح و الافصاح فاذكر سؤالاتهما و اذيل كل سؤال جوابه ليتبين حال كل سؤال و عادتي في كتبي علي هذا المنوال.

قـال الشيخ الممجد الفخيم الشيخ محمد الوسيم من الاقل المطروح في الشارع الي المولي المكمل البارع و من المبتذل المتردد في الطريق الي من يأتونه من كل فج عميق اهديكم بنفحات تحيات تعطر مشام الملكوتيين الذين هم ملازموا مجلسكم المنيف و بتسليمات تسكن قلوب الجبروتيين الذين هم حضار محفلكم الشريف و بعد فان والينا العالي مظهر المحاسن و المعالي مجمع بدايع الصور و المعاني امان الله خان الثاني مد ظله لما كان من بدو نشوه شايقاً الي اقتناص المعارف حريصاً علي اكتساب جلايل الغوارف و قدتشرف مدة بملاحظة كتابكم المسمي بـ«ارشاد‌العوام» الذي تلقاه بالقبول اخص الخواص من الانام و بذلك كان يهواك قبل ان‌يراك و عشقك قبل ان وجدك و قدقيل ملمعاً:

كسان ‌را مهر دل از ديده خيزد   و قلبي كان قبل العين يهواك

طلب منا فتحاً لباب الرسل و الرسايل و اخذاً للمطالب بالبراهين و الدلايل ان‌نسأل عنكم اسؤالة و السؤال ديدن المحتاجين و نداوي امراض جهالاتنا و شبهاتنا بما يترشح علينا مما هو عندكم من المعاجين.

اقـول: قد ذكرت عنوان كلامه الشريف بطوله مع انه ليس من عادتي رسم العنوانات و ما اصطلح بين اهل الزمان من الاطراءات و ان‌كان المكتوب اليه من ادني الموجودات مثلي لاجل ان‌يعرف المطلعون علي هذه الرسالة علي

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 470 *»

صدقه ادام الله امداده مع ربه و عدم اخذ الانفة و العصبية زمامه كساير من ينتحل العلم من ابناء الزمان و ليس ذلك الا ان درجات العلم ثلثة اولاها دار الكبر و الانفة و الحمية و العصبية و الفخر و الخيلاء و القال و القيل و الجدال و المراء و الخصومات و ثانيتها دار السكون و الاستقرار و السكوت عن المخالف و عدم الاستعلاء و الاستيلاء و التبختر و الخيلاء و القناعة بما رزقه الله و ثالثتها دار الخضوع و الخشوع و الاقرار بالجهل و القصور و عدم الانفة عن اقرار بالفضل لذوي الفضل و تمجيد من هو اعلي منه بل من ساواه او نزل عنه و الحرص لطلب ما ليس عنده عمن كان فان الحكمة ضالة المؤمن اينما وجدها اخذها كما يستغنم الجوعان الحُرُض ما اقتاته و ما حصله من اين حصله فذكرت ذلك لتعلم انه امده الله بامداده من البارعين الخاضعين الخاشعين لم‌يمنعه غزارة علمه عن السؤال و تبحره عن الفحص كالجهال.

قـال امده الله: فنسأل من جنابكم ان‌تتكلم بكلمات في باب الابداع و الايجاد و كيفية سريان الوجود علي السداد علي وجه يزيل عن قلوبنا الشبه في ان المجعول هو المهية او الوجود او لا هذا و لا ذاك.

اقـول: اعلم ان الله سبحانه هو الاحد الذي لايثني و لايجزي لا في الوجود و لا في العقل و الوهم و الفرض و الاعتبار اما في الوجود فانه لو كان مثني كان مركباً من شيئين حقيقيين مغايرين فاذاً اما يقوم كل شئ منهما قائماً بنفسه غنياً عن غيره فهما قديمان مستقلان و المفروض انه واحد و ان كان كل شئ منهما قائماً بالآخر فكل منهما قائم بالغير و المفروض ان القديم هو القائم بنفسه الغني عما سواه هذا فضلاً عن ساير المفاسد التي يلزم في تركيبه فلايعقل تركيب القائم بنفسه الغني عما سواه و اما في العقل و الوهم و الفرض و الاعتبار فانها ان‌كانت مخالفة مع الخارج فكذب و زور لايفيد حكمة و لا لله تعظيماً و لا للانسان ايماناً و ان‌كانت موافقة مع الخارج فيلزم ما ذكرنا و لسنا بصدد بيان التوحيد فلانزيد و هو ظاهر لمن القي السمع و هو شهيد فخلق جل شأنه مشيته بنفسها لا بغيرها و لا بذاته اما

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 471 *»

غيرها فان المفروض انها اول حادث و لو كان قبلها حادث لكان هو محل كلامنا لا الذي اثبت اولاً فالحادث المفروض اولاً لايعقل ان‌يكون مخلوقاً بحادث غيره و اما انها ليست مخلوقة بذاته سبحانه فان المخلوق به شئ لابد و ان‌يكون بينهما نسبة و مشاكلة و ارتباط و تعلق و ترتب و كل ذلك امور مفهومها غير مفهوم ذات القديم جل‌شأنه و هو احد ليس فيه حيث و حيث فلايعقل ان‌يكون ذات القديم آلة احداث الحادث مناسبة معه او مرتبطة به او متعلقة به لاستلزامها التركيب الممنوع في القديم الموجب للحدوث فالمشية هي اول خلق من الله سبحانه خلقت بنفسها و انما مثلها فيك انك تحدث جميع افعالك بنية و لاتحدث النية بنية اخري و انما تحدثها بها و ذلك هو صفة كل مبدأ الاتري ان كل شئ يستنير بالنور و النور نور بنفسه و كل شئ يترطب بالرطوبة و الرطوبة رطب بنفسها و كل شئ يتدسم بالدهن و الدهن دسم بنفسه و هذه امثال ظاهرة للاعتبار فالمشية هي اول ما خلق ليس قبلها حادث آخر تقوم به و لاتقوم بالذات بل بامر الذات و هي امر الذات و ليس بين القديم و الحادث شئ آخر فان ما ليس قائماً بنفسه يكون قائماً بغيره و ما ليس قائماً بغيره يكون قائماً بنفسه فحق و خلق لاثالث بينهما و لاثالث غيرهما اما الحق فهو احد لاينسب الي شئ و لاينسب اليه شئ و لايرتبط بشئ و لايرتبط به شئ و لايقترن بشئ و لايقترن به شئ لمنافات ذلك مع الاحدية و البساطة الحقيقية و اما الخلق فالمشية هي اول الخلق فوجب ان‌تكون قائمة بنفسها اي من حيث انها امر ربها فهي قائمة بامر الله و هي امر الله و هذه المشية هي واحدة كما قال سبحانه و ماامرنا الا واحدة و ليست باحدية فقيامها بنفسها ليس كقيام الاحد بنفسه فان الاحد قائم بنفسه لنفسه و هو بسيط حقيقة و اما الواحد قائم بنفسه لغيره فانه وحدته وحدة تركيبية كوحدة الجنس فانه و ان كان واحداً تكون وحدته وحدة تأليفية و ليس معني قيامها بنفسها مع تركيبها ان كل جزء منها قائم بالآخر فيلزم ان‌يكون الشئ موجوداً حال عدمه بل هي مركبة من جزئين مؤلفة منهما حقيقة و ذلك المجموع المؤلف قائم من حيث المفعولية بنفسه من حيث الفعلية فانه من حيث الفعلية مركب و من حيث المفعولية مركب فالمجموع المركب

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 472 *»

باعتبار فعل و باعتبار مفعول.

و ان قلت هب حيث مفعوليته قائم بحيث فعليته فحيث فعليته قائم باي شئ هل هو قائم بنفسه كالقديم او له حيثان ايضاً و اين ينتهي ذلك؟ قلت ان المشية هي امر الله و هي فعل الله هي فعل بنفسها و عبرت بانها مخلوقة بنفسها لتعلم انها غير الذات و انها في عرصة الخلق بالمعني الاعم الذي يشمل الصنع و المصنوع و الامر و المأمور و الخلق و المخلوق فماسوي الله سبحانه صنع و مصنوع اما المصنوع فهو المشاءات و اما الصنع فالمشية هي الصنع و هي صنع بنفسها لا بصنع آخر قبلها كماعرفت و هي مؤلفة مركبة لكن بتركيب هو ابسط ما يمكن في الامكان و قلنا بتركيبها لما رأينا في متعلقاتها من التركيب و الا فجميع التراكيب مخلوقة و كل مخلوق مخلوق بصنعه سبحانه و هي صنعه سبحانه فهي قدسبقت التراكيب و لايجري عليها ما هي اجرته و لايعود فيها ما هي ابدته فقلنا مع ذلك بتركيبها لانها غير الاحد القديم و لما شاهدنا في آثارها فلاكلام اتم من ان‌نقول هي صنع الذات بنفسه و هي غير الذات و ليس فيها جهة مصنوعية محضة ليست بصنع و جهة صنعية محضة ليست بمصنوعة بل حيث صنعيتها عين حيث مصنوعيتها و حيث مصنوعيتها هو عين حيث صنعيتها اذ هي الصنع الاول و هي غير الذات الاحد جل قدسها فافهم ان كنت تفهم فنعبر عن الذات بالوجود الحق و عن الصنع بالوجود المطلق و الوجود الحقيقي اما الذات فهي الوجود الحق لانها الوجود الثابت الازلي و اما الصنع فهو الوجود المطلق لانه غير مقيد بحادث قبله و لاحادث بعده و غير مقيد بعين الذات الاحد بل مقيد بامر الذات و هو امر الذات فهو مطلق عن كل قيد و مقيد بقيد الاطلاق بخلاف الاحد جل‌شأنه فانه مطلق عن قيد الاطلاق و التقيد فالحق وجود لابشرط و المشية وجود بشرط لا.

ثم خلق الله سبحانه بهذه المشية ساير الاشياء و هي الوجودات المقيدة بشرط سبق المشية و هي الحادث السابق و وجود غير ماهية و ماهية غير الوجود و تلازم بينهما فالوجودات المقيدة خلقت بالمشية قال الله سبحانه و من آياته ان‌تقوم السماء و الارض بامره و هي امره سبحانه و صفة صدور الاشياء عن المشية من المشكلات التي ضلت لديها الاحلام و زلت عندها اقدام الافهام من الحكماء الاعلام ولكني

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 473 *»

اشرحها لك بحول الله و قوته فاصغ لما اقول و اعرني لبك لتنال المأمول. اعلم ان الله سبحانه هو الاحد الازلي البسيط بالذات ليس له وقت غير ذاته و لامكان غيرها فليس هو سبحانه في وقت ينقضي عنه و يتحول فيه كما زعمته جهلة المتكلمين فقالوا ان الازل هو ما مضي من الله سبحانه و الابد هو ما يأتي و السرمد هو مجموع الازل و الابد بل هو سبحانه بذاته ازل و بذاته ابد و بذاته قديم احد و ليس له مكان غيره قل ائنكم لتشهدون ان مع الله آلهة اخري قل لااشهد قل انما هو اله واحد فلو كان له وقت و مكان لكانوا ثلثة و تعالي الله الاحد ان‌يكون معه سواه فهو احد و ازل و ابد و لامكان لمن يمكّن المكان ثم انه خلق المشية بنفسها و هي حادثة مركبة الم‌تسمع انه يجوز لك ان‌تقول ثم اذا شاء انشره و لايجوز لك ان‌تقول اذا كان الله. فالمشية حادثة لها وقت ومكان فوقتها السرمد و مكانها الامكان لان المشية في عرصة الامكان و الامكان و السرمد و المشية ثلثة عند التزييل الفؤادي ولكن في الخارج هي في غاية البساطة الامكانية لان الامكان غير الازل فهو حادث بالمشية لان كل شئ سواه قائم بامره فالامكان مخلوق بالمشية و المشية ليست بخارجة عن عرصة الامكان و هي ممكنة فالامكان مساوق للمشية و المشية مساوقة للامكان لايجوز تقدم احدهما علي الآخر و كذلك السرمد الذي هو وقت المشية و اول اوقات الحوادث هو شئ مخلوق بالمشية و ليست المشية سابقة علي السرمد فتكون قديمة فالثلثة مساوقة فلاجل ذلك نسمي هذا الامكان بالراجح في مقابلة ما عبرنا عن الازل بالواجب والحوادث بالجايزة فهذا الامكان لما لم‌يكن مقيداً بغيره و لم‌يكن قائماً بنفسه و كان امره بين الوجوب و الجواز سميناه بالراجح كماسمينا المشية بالوجود الراجح في مقابلة الوجود الواجب و الجايز فالامكان الراجح هو مكان الوجود الراجح و السرمد وقته و المشية لم‌تتعلق اولاً و بالذات الا بالامكان الراجح فان الامكان الراجح مكانها و مستقرها و الا بالسرمد فانه وقتها و هما عينها و لايمكّن بذلك الامكان الا نفس المشية و لايوقت بذلك الوقت الا هي و لم‌يخلق بنفسها

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 474 *»

الا هي و اما ساير الممكنات و الكائنات فانما هي ممكنة بالامكان الجايز يعني هي انعقاد ذائب الامكان الجايز و امواج بحره و اما في الامكان الراجح فهي موجودة بصلوح الايجاد لا بصلوح الانوجاد فليست هي حصصاً منه منعقدة بل هي آثارها و ظلها قدحدثت باشراقها كمايأتي فالكاينات في الامكان الجايز مثبتة و في الامكان الراجح منفية و في الازل الواجب ممتنعة و المراد بالامكان الجايز نفس الاكوان قبل الانعقاد كما ان المراد بالامكان الراجح نفس الوجود الراجح من دون ملاحظة الانعقاد كما ان الالف هي المداد قبل الانعقاد بالالفية و امكان ايجادك الكتابة هو حركة يدك قبل تصورها بصورة الكتابة فالالف مذكورة في المداد بذكر صلوح الانوجاد و في حركة يدك بذكر صلوح الايجاد و هو غاية اذكارها و ليست بمذكورة في ذاتك بوجه و لا جل ذلك تدل الكتابة علي حسن المداد و قبحه و علي استقامة حركة يدك و اعوجاجها و لاتدل علي سعادة ذاتك او شقاوتها.

فالامكان الجايز هي الطبيعة الكلية للكاينات الجايزة كل كاين حصة منها مفروزة قدفرزت منها ثم صورت بصورة نوعية فكانت تلك الحصة المفروزة حينئذ مادة نوعية فانعقدت في الصورة بعد ما كانت ذائبة منحلة في الطبيعة الكلية فالطبيعة الكلية هي مخباة تلك الصورة و تلك الصور هي غير مادة تلك الطبيعة قوة كانت او فعلية فتخرج بتكميل المكمل بعض ما كان فيها بالقوة من الصور الي الفعلية فتتصور حصة منها اي من فعليتها بتلك الصور فامكان هذه الصور هو مخباها الذي غيرها و هذه الصور و هذه المادة كلتاهما من الامكان الراجح لان كلتيهما صورتان مخبيتان في الامكان و هما بهذا الاعتبار مطلقان عن قيد المادة و الصورة صورتان فعليتان عن ذلك الامكان الاتري ان المادة ممكنة و الصورة ممكنة و المادة يصدق عليها الوجود كالصورة فالذي اعطيهما اسمه و حده هو الامكان الراجح اذ هما ظهوران له و ليس معني ذلك ان حصة من الامكان الراجح صارت مادة و حصة منه صارت صورة لتلك المادة فان الامكان المطلق لايتحصص و انما المراد بكونهما منه انهما فعلان لما فيه بالقوة و ظهوران لما فيه كامن من صلوح الايجاد لا صلوح الانوجاد بالمادة و الصورة معاً نعوذبالله و لو

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 475 *»

كانت الواقعة كذلك لكانت المشية تنكح و تلد و تأكل و تشرب و تزني و تفعل الفواحش نعوذبالله و هذا منكر من القول و زور بل المراد ان مادة تلك الطبيعة ظهور المطلق كما ان صورتها ظهوره و قدطواهما باحديته النسبية و هما منفيتان حيث هو موجودتان حيث هما في حدهما فلاتتجاوزان حد التقييد و لاتدخلان عرصة الاطلاق نعم هما محلان للمشية جايزان قدتعلق بهما المشية الكونية حين اراد الله احداثهما و صفة احداثهما ان الله سبحانه سلط شمس المشية و وجهها علي ارض الامكان الجايز التي هي الامكان الجايز من حيث الفعلية و الصورة المتممة و هي الامكان الراجح من حيث هي و هي الوجود الراجح من حيث الرب اذ امكانيته من حيث نفسه فلماتعلقت شمس المشية و تطلعت علي ارض الجواز و ادام اشراقها عليها جذب به منها اربعة اجزاء من رطوبات هوائها و جزءاً من يبوسة هبائها فحلت اليبوسة في الرطوبة و عقدت الرطوبة في اليبوسة فجعلهما بخاراً صاعداً و هذه الرطوبة و اليبوسة هما تفصيل المادة الاولي فهما المادة النوعية و الصورة النوعية للمولود بعدهما و المادة الاولي هنا هي مادة حجر الايجاد المعبر عنه بالفؤاد فصعد بهما متحدين منعقداً سحاباً نوعياً قطعاً فاخذ منها قطعاً فحلها بحرارة تلك الشمس فصارت بحراً متشاكل‌الاجزاء فعقدها ببرد دافعة مشيته فصارت ماء و هذا الماء هو الوجود الجايز و نطفة الاب للمولود ثم اخذ جل تقديره جزئين من هذا الماء بعد انزاله علي رحم ارض الجواز مع جزء من هباء الارض فحلهما و عقدهما فخلق منهما المولود المكون و الهباء هنا نطفة الام لانها لطايف الارض فتولد الولد الجايز من بين هاتين النطفتين و هما النطفة الامشاج ماتري في خلق الرحمن من تفاوت فارجع البصر هل تري من فطور ثم ارجع البصر كرتين ينقلب اليك البصر خاسئاً و هو حسير، هذا هو لسان الحكمة لاهلها.

و اما بلسان الظاهر فاعلم ان الله سبحانه خلق بمشيته جميع ماكان و مايكون بلانهاية و كل شئ شئ بمشيته و انما سمي الشئ شيئاً لانه مشاء قل الله خالق

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 476 *»

كل شئ و من زعم غير ذلك فقدخلع ربقة الايمان من عنقه فلايغرنك كلمات قوم اقتفوا آثار حكماء اليهود و النصاري و تركوا كتاب ربهم و سنة نبيهم و الحال ان كتابهم فيه تبيان كل شيء و لا رطب و لا يابس الا فيه و سنة نبيهم مكملة للدين و متممة للنعمة و ليس شئ ممايحتاج اليه الناس الي يوم القيمة الا و قدنزل في الكتاب و شرح في السنة عرفه من عرفه و جهله من جهله انما كان قول المؤمنين اذا دعوا الي الله و رسوله ليحكم بينهم ان‌يقولوا سمعنا و اطعنا فان تنازعتم في شئ فردوه الي الله و الرسول فالله سبحانه خالق كل شئ و كلما يمكن الاشارة اليه في الظاهر او الباطن فهو شئ والله سبحانه خالقه و ليس بين النفي و الاثبات منزلة فان كان فهو كاين و الا فليس بكائن فنقول ان كل ما تري في الغيب و الشهادة له مادة يشاركه فيها ما هو من نوعه و جنسه و له صورة مميزة له عماسواه في عرضه و الذي يشتركان فيه هو الوجود لصدقه عليهما و الذي يتميز كل واحد به عن الاخر هو الماهية و هما في الخارج موجودان لانه ان لم‌يكن الوجود موجوداً في الخارج كان الشئ عدماً في الخارج و ان لم‌يكن المميزة موجودة كانا شيئاً واحداً و القول بان الوجود من المعقولات و ليس في الخارج و الموجود في الخارج هو منشأ الانتزاع قول باطل و زبد مجتث زايل فان منشأ الانتزاع ان لم‌يكن مطابقاً كان عدماً و ان‌كان مطابقاً كان في الخارج وجوداً و هو المطلوب و الذهن كالمرآة لاينطبع فيه الا ماكان في الخارج فما لم‌يكن في الخارج وجود كيف ينطبع في الذهن فالماهية كماعرفت في الخارج موجودة مغايرة مع الوجود و هي شئ فهل هذا الشئ قديم ام حادث فان‌كان قديماً يتعدد القدماء مع انه يبطله اقترانه بالحادث و تركبه معه و ان‌كان حادثا فهل الله خالقه ام غيره ام نفسه احدثت نفسه فان‌كان الله خالقه فهو البغية و ان‌كان غيره لزم قائله الشرك و نقض قوله سبحانه قل الله خالق كل شئ و ان‌كان نفسه محدثة نفسه فهو القول المحال و ليس في محال القول حجة و لا في المسألة عنه جواب و لا لله في معناه تعظيم فوجب ان‌يكون المهية مخلوقة لله سبحانه كالوجود فانه ايضاً شئ مركب

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 477 *»

مع الماهية حادث و الشئ هو مجموع الوجود و الماهية.

فتبين و ظهر لمن نظر و ابصر و انصف و اعتبر ان المهية موجودة مخلوقة لله سبحانه كالوجود هذا هو الحق في المسألة ولكن القوم ابتلوا بالقال و القيل كالعميان و الفيل فمنهم من زعم ان الماهيات لاتحتاج الي الجعل و الايجاد و ان المجعول هو الوجود المفاض عليها زعماً منهم ان الشئ شئ بالضرورة و انما هو موجود بالامكان فكونه هو ‌هو ضروري واجب و انما الممكن الذي يحتاج الي مرجح وجوده حتي‌قال قائلهم حين كان يأكل مشمشاً و سئل عن ذلك «ان الله لم‌يجعل المشمش مشمشاً بل جعله موجوداً» و هذا القول لاينطبق علي القواعد الاسلامية اذ نسألهم ان المشمش قبل ان‌يجعله الله موجوداً موجود ام معدوم؟ فان‌كان موجوداً و كان واجب الوجود تعدد القدماء قل ائنكم لتشهدون ان مع الله آلهة اخري قل لااشهد قل انما هو اله واحد و ان‌كان معدوماً كيف يكون المعدوم مشمشاً بالضرورة بل يقولون ليس بموجود  و لا بمعدوم و انما هو ثابت فنقول ليس بين النفي و الاثبات منزلة و حصر الشئ بينهما حصر عقلي لايحتمل ثالثاً و انما تشير الالات الي نظائرها فهل مشاعركم غير موجودة و لامعدومة فتدركون شيئاً ليس بموجود و لا بمعدوم ام موجودة فتدرك غير جنسها ام معدومة و علي ما تقولون ان الوجود عرض للمشمش و لابد من المناسبة بين العارض و المعروض حتي‌يمكن الاقتران بينهما فكيف يعرض الوجود علي غير الوجود ان هو الا زور و بهتان هذا و جميع الكتاب يرد عليكم اذ نسب الله سبحانه في جميع كتابه الخلق الي اعيان الاشياء و يقول يخلقكم في بطون امهاتكم و يقول خلق السموات و الارض و جعل الظلمات و النور. و امثال ذلك و كذا في السنة و انتم تقولون لم‌يخلق السموات و الارض بل جعلهما موجودتين و لم‌يجعل الظلمة ظلمة بل جعلها موجودة و لم‌يجعل النور نوراً بل جعله موجوداً فهؤلاء يقولون نحن نعلم والله لايعلم و انا اقول الا يعلم من خلق و هو اللطيف الخبير و منهم من يقول ان الماهية ليست بشئ اصلاً و لم‌يتعلق به جعل ابداً و انما المجعول هو الوجود و اما

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 478 *»

الماهية فقدانجعلت بجعل الله الوجود وحده و لعمري يضحك منه الثكلي فاقول ما معني انها ليست بشئ فهل هي ليست بشئ قبل الانجعال او بعد الانجعال اما قبل الانجعال فلاشك فيه و اما بعد الانجعال فكيف ليست بشئ و تحكم عليها انها انجعلت و اللاشئ كيف ينجعل فانكان شيئاً هل الله خالقه و صادق قوله قل الله خالق كل شئ او تزعمون غير ذلك و كيف يعقل ان‌يتهيأ الجعل بهيئة الوجود ليحدثه كما يتهيأ حركة يدك بهيئة الالف حتي‌تحدثها ثم يحدث بها غير الالف و غير ما يطابق هيئتها و غير الشئ كيف يقترن بشئ و كيف غير الشئ و انها نواقص و اعدام فهل هي نواقص و اعدام اضافية فلاتنافي الوجود او حقيقية فلايعقل اقترانها بالوجود بالجملة لاينطبق كلامهم علي عقل و لاشرع.

و منهم من زعم ان الجعل تعلق بالوجود حسب و الماهية تحققت بنفسها و هو اقبح من اخيه فان الحادث الممكن كيف يحدث و يترجح من غير محدث و مرجح و كيف تأخر الي وقت معين ان هو الا زور من القول و مخالف لكتاب الله و سنة نبيه9 و العقل و منهم من زعم ان الله جعل الوجود و الماهية وجدت بالملازمة و ان الله سبحانه خلق الاربعة و الزوجية لازمة لوجود الاربعة لاتحتاج الي جعل جاعل و ذلك ايضاً باطل و عن حلية الاعتبار عاطل فان الزوجية صفة الاربعة و شئ غير ذات الاربعة فانك قدتلتفت الي الاربعة‌ و لاتلتفت الي الزوجية فالزوجية صفة خارجة عن ذات الاربعة و الجعل تعلق بالاربعة و خلقها و اما الزوجية فان كانت شيئاً كان الله خالقه بنص الكتاب و ان لم‌تكن شيئاً فليس الاربعة بزوج و لاتزعم اني استدل بمحض ظاهر الكتاب و ان‌كان كافياً للمؤمنين في كل باب بل لنا علي ذلك ادلة عقلية لما فتح الله اعين قلوبنا و بصرنا بحقائق الاشياء فوجدناها كما اخبر عنها منشئها و خالقها فان اردت ان‌تعرف ذلك بدليل العقل.

فاعلم ان‌كان ما هو سوي ذات القديم جل‌شأنه القائم بنفسه ممكن و كل ممكن يسبقه امكانه فانه ان لم‌يسبقه الامكان لم‌يكن قبل ان‌يكون ممكناً فاما كان ممتنعاً فيمتنع ان‌يكون او كان واجباً فيمتنع ان‌يصير حادثاً و يمتنع تعدد

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 479 *»

القدماء ثم ان لم‌يكن سابقاً فاما ان‌‌يساوقه و هو غيره فقد‌بطل الفرض فان الشيئين المتساوقين لايكون احدهما عين الاخر و لااحدهما عرض الاخر و لاجوهره و لا ذاته و لا صفته و لا مادته و لا صورته و لا امكانه بل هما شيئان مشتركان في وجود واحد ممتازان في الصورة و ليس احدهما اولي بما يحكم عليه من الاخر اذ هما اخوان و ان‌كان الامكان عينه فمن حيث غير معقول و من حيثين فيأتي حكمه و ان‌كان متأخراً عنه يلزم قدمه فالامكان هو مقدم علي الكون و ان‌كان حيث منه فهو حيثه الاعلي و الكون هو صورة عارضة علي الامكان و مثل الامكان و الكون المداد و الحروف فان الحروف ممكنة في المداد و يمكن ان‌يتصور حصة من المداد بكل حرف و الحرفية صورة عارضة علي حصة المداد و تلك الحصة قبل التصور امكان و بعده مادة للالف اذ الالف لها مادة هي الحصة من المداد المتصورة و صورة هي صورة الالفية و الالف الف بصورتها و تلك الحصة من حيث هي صالحة للالف و الباء و غيرهما من الحروف و المداد سابق علي الحروف لانه معروض صور الحروف بالبداهة.

فالامكان هو ما كان فيه الاكوان بالقوة و الابهام بلاامتياز بينها فالمداد هو امكان الحروف و الهيئات و الاشكال التي لانهاية لها و جميع الصور التي لانهاية لها فيها مستجنة بالقوة و الابهام بلاتمايز بينها فيه بوجه من الوجوه فهي من حيث نفسها ليس احديها اولي بالخروج الي الفعلية من غير مكمل خارجي فانه ليست احديها ممتازة عن الاخري حتي‌تصير اولي او غير اولي بالخروج فلابد من مكمل خارجي يكمل ذلك الامكان للتهيئ بهيئة فعل المكمل كحركة يدك فانك اذا اخذت المداد و حركته بفضل حركة يدك من الامام الي الوري تحرك المداد و امتد من الامام الي الوري لما فيه من صلوح الانفعال فظهر علي هيئة‌ الالف و ليست هذه الصورة اذا ظهرت نقص من قوة المداد صورة فليس فيه الالف بعد بل المداد علي امكانه الذي كان قبل تصوره و انما تصور بهذه الصورة لصلوحه للتصور و خرج هذا الفعل منه من تنقل نفس قوة الي الفعلية فان نفس قوة‌ الالف التي هي فيه هي بعينها نفس قوة الباء و الجيم و غيرها فهذه الفعلية اي صورة الالف قدحدثت عليه بفعل الفاعل

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 480 *»

فانفعل المداد بفعله فالذي من المداد هو الانفعال و الانفعال قبول الفعل و الفعل من الفاعل الاتري ان الانكسار هو قبول الكسر و الكسر اثر فعلك كسرت فانت تكسر اي توجد الكسر و الكاس ينكسر و كذلك انت توجد الالف و المداد ينوجد الفاً فالصورة اثرك عليه و هو قابل للاثر مفعول‌به كالمضروب و الضرب الذي هو به مضروب اثر فعلك ضربت فالمفعول به كالمرآة القابلة لان ينطبع فيها كل شبح و ينصبغ بصبغ كل شبح و الشبح من الشاخص يقع عليها و لربما ينصبغ فيها فيظهر علي حسب انصباغها لا علي حسب الشاخص فالمرآة بمنزلة المداد و الامكان الصالح للتصور بكل صورة فاذا ظهرت بصورة ليس انها نقص من قواتها واحدة و خرجت الي الفعلية فليست بعد في القوة بل هي علي ما هي عليه و الذي منها صرف قبول الصورة الحادثة بفعل الفاعل و كذلك ايجاد كلما اوجد من الامكان فالوجود و الماهية هما ممكنان ليسا بواجبين و لاممتنعين و الدليل علي امكانهما صلوح تبدلهما و تحولهما و وجودهما و عدمهما المشهودة او المحكومة بالعقل فاذا هما في الامكان بالقوة علي نحو الابهام فلايعقل ان‌يخرج واحد منها من القوة الي الفعلية من غير فاعل يحدث عليه صورتهما كما عرفت فاذا جاء الفاعل اخذ حصة من الامكان الجايز فجعلها وجوداً و حصة اخري فجعلها ماهية و لولا جعل الجاعل الامكان وجوداً و ماهية لامتنع خروجهما الي الفعلية فانهما كانا علي ما كانا باقتضاء من الامكان و من غير مغير و باعث لم‌يتغير المقتضي فلم‌يتغير الامكان عماكان و لم‌يصر كونا ابداً اللهم الا ان‌يأتي مرجح خارجي و فاعل من الخارج فيحدث بفعله شبحاً ينطبع في مرآة قابلية الامكان فيتصور الامكان بتلك الصورة و مرادي بالامكان امكان ذلك الشئ و الشباهة فالفاعل و فعله و شبه فعله ايضاً ليست بخارجة عن الامكان الا انها من الامكان الاعلي فافهم. فمحال ان‌يخرج كون من امكان بدون مكون كماعرفت فكيف يجوز ان‌يوجد المهية بدون موجد و كل موجد يوجد الشئ بفعله و ايجاده و الله سبحانه موجد كل موجود بايجاده و ايجاده هو فعله و مشيته كماعرفت فالمجعول هو الوجود بجعل خاص به و المهية بجعل خاص بها و تلازمهما ايضاً مجعول بجعل خاص به و كل

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 481 *»

جعل يناسب مجعوله و ان‌كانت كلها رؤساً من الجعل الكلي كماحقق في محله.

قـال امده الله: و ان المعطي هل هو واجد او فاقد و ان ما اشتهر منهم من انه واجد في مرتبة الفعل فاقد في مرتبة الذات هل يشفي العليل او هو قول من غير دليل و ان ما وجده هل هو من ذات الفاعل نفسه و مستتبعاته فيتركب او من عين القابل و لوازمه فيتأزل و يتأبد او من اللاشئ المحض فيلزم انقلاب العدم وجوداً.

اقـول: اعلم ان الله سبحانه كمابينا احد لايتجزي و لايتثني ليس له وقت و لامكان غير ذاته و لا له مادة و لاصورة بل هو احدي الذات احدي المعني يمتنع فيه ذكر ماسواه عيناً و كوناً و امكاناً نفياً و اثباتاً و ذلك ان ذكر الغير باي نحو كان ان‌كان امراً موجوداً و في الذات ان‌كان قديماً تعددت القدماء و ان‌كان حادثاً صار الذات القديمة محل الحوادث و المناسبة بين الحال و المحل والاقتران مشروطة. و اما الذكر بالنفي فذلك ايضاً شئ فان النفي شئ و هو فرع الاثبات و ذكر موجود للشئ بالليس و يجري عليه ايضاً ما جري علي صاحبه فليس في الذات ذكر شئ لا بالاثبات و لا بالنفي علي معني الامتناع لا النفي و كذلك يكون ربنا جل شأنه احداً و لو كان معه ذكر غيره لامتاز عنه و تركب و انقلب حادثاً و تعالي ربنا عن ذلك علواً كبيراً فالاشياء التي خلقها و اعطيها حلية الخلق ذكرها فيه ممتنع ليست الذات بفاقدة لها في ذاته و لا واجدة فان الفقدان نوع من الوجدان الاتري انك ان‌فقدت زيداً فقدت عينه و لكنك تذكره في ذهنك و تلتفت الي ان زيدا ليس بموجود عندك و هو وجود ذهني له عندك فالفقدان امر اضافي الي المفقود و الاضافة امر وجودي فالله جل جلاله ليس بفاقد شيئاً في ذاته لاستلزامه ذكر المفقود بالاضافة و ليس بواجد له فان ذكر الغير يورث التركيب في المذكور فيه فالله سبحانه اجل و اعلي من ان‌يوصف بوصف في ذاته لشهادة الوصف انه غير الموصوف و امتناع كون الغير مع الاحد لاستلزام التركيب المنافي للاحدية فالمعطي بالفتح ممتنع الذكر في ذات المعطي و اما فعل المعطي بالكسر فالمعطي بالفتح منفي فيه عيناً و كوناً و امكاناً مقارناً فالفعل فاقد له في

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 482 *»

ذات الفعل اي فاقد عينه و كونه و امكانه المقارن و الفعل هو محل وصف المعطي بالكسر فان المعطي لايكون معطياً الا باتصافه و اقترانه بالعطاء و لولا الاقتران لم‌يسم الشخص معطياً اذ لابد من وجود المبدأ لصدق المشتق و قدقدمنا اليك ان الذات احدية ليس فيها ذكر غيرها فاذ ليس فيها ذكر مبدأ كيف يشتق له في ذاته اسم قال سبحانه: سبحان ربك رب العزة عمايصفون و لفظة «ما» من ادوات العموم فهو منزه عن كل ما يوصف به فهو منزه في ذاته عن وصف المعطي و انما هو معط لما يعطي بفعله لا بذاته فموقع اسم المعطي هو الفعل المقارن بمبدأ العطاء لو سامحنا و الا لقلنا انه في عرصة العطاء و لماكان الفعل و لايصدر منه اثر الا و ان‌يتصور بصورة الاثر كما ان الحركة لايصدر منه الالف الا و ان‌تتصور بصورة الالف فيحصل للفعل عند التعلق من حيث التعلق صورة مشاكلة للاثر و هي الشبح المتصل به ينفصل عنه الشبح المنفصل الذي هو الاثر فبذلك الشبح المتصل الذي هو ذكر المبدأ لنا ان‌نقول ان اسم المعطي في مقام الفعل لكن عند التعلق من حيث التعلق ولكن المعطي الواقع فهو في عرصة العطاء بالجملة في رتبة ذات الفعل جميع الاشياء منفية اذ هو صلوح الايجاد الكلي فذات الفعل فاقدة للاشياء عيناً و كوناً و امكاناً قريباً و ذكراً في نفسها و واجدة فيها ذكراً عند تعلقها بآثارها و واجدة لها امكاناً في رتبة الماء الذي منه كل شئ حي و كوناً في رتبة المواد الكونية و عيناً في رتبة الصور و الماهيات فالله سبحانه واجد كل شئ عند وجود كل شئ لوجوب وجود المبدأ لصدق المشتق فلماكان لملكه ثلث مراتب كلية زمان و فيه جميع الاجسام الزمانية و دهر و فيه الاضلة و الاهبية و الطبيعة و النفوس و الارواح و العقول و سرمد و فيه المشية و رؤسها و شعبها و كل منها لازم رتبته و مقامه و هو مذكور بعينها و كونها فيها فالله سبحانه واجد الزمانيات في رتبة وجودها و واجد الدهريات في رتبة وجودها و واجد السرمد في رتبة وجوده.

فقولكم انه واجد في رتبة الفعل فاقد في مرتبة الذات منقوض بطرفيه فليس بفاقدها في مرتبة الذات لان الفقدان نوع من الوجدان و ليس بواجد في

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 483 *»

مرتبة الفعل في رتبة ذاته بل هنا موضع الفقدان نعم هو واجدها في مقام رؤس الفعل و تعلقها ذكراً لاامكاناً و كوناً و عيناً و واجدها عند الماء الاول امكاناً و عند المواد كوناً و عند الماهيات عيناً.

و قولكم ان ما وجده هل هو من ذات الفاعل و مستتبعاته فيتركب فليس بمعقول كما ذكرتم فان الله سبحانه لا من شئ كان و لا من شئ كون ما قدكان لم‌يخلقه من اصول ازلية فان تعدد القدماء باطل و الاحد لايتبعض فكيف يكون من ذات الفاعل و ليس للذات مستتبعات فان المستتبع ان‌كان حادثاً فهو من الخلق و ان‌كان قديماً لزم تعدد القدماء فلايعقل كون ما يجده من ذاته و لامستتبع له فيكون منه و صدقتم ان فرض هذه الامور يلزم منه تركب الذات و حدوثها.

و قولكم او من عين القابل و لوازمه فيتأزل و يتأبد يلزم التأزل و التأبد ان‌قلنا بان الله سبحانه واجد الاشياء في ذاته و اما ان‌قلنا بانه واجدها في محالها لاحاطته بها و مشاهدته لها فلايلزم تأزل الاشياء و تأبدها.

و قولكم او من اللاشئ المحض فيلزم انقلاب العدم وجوداً فجوابه ان الاشياء ليست من الشئ و لا من اللاشئ بل خلقها الله سبحانه لا من شئ بل اخترعها اختراعاً و ابدعها ابداعاً لا من مادة سابقة ازلية و لا علي احتذاء مثال يتبعه بل انما امره اذا اراد شيئاً ان‌يقول له كن فيكون فافهم راشداً موفقاً.

قـال امده الله: و هل انتم قائلون بالاعيان الثابتة في عدمها مع ان المعدوم ليس بشئ و لاثابت و لاواسطة بين الوجود و العدم او وجدتم لبيان ذلك غير ذلك طريقاً فاثبتموهما جمعاً او تفريقاً.

اقـول: هذا آخر سؤالاته ايده الله و يظهر منه غزارة علمه و زيادة فضله و قداشار الي طريق بطلان القول بالاعيان الثابتة و قداشرنا سابقاً اليه و نزيده ايضاحاً ان الاعيان شئ ام لاشئ محض و ليس بينهما منزلة كماقال ايده الله فاللاشئ المحض لايعقل ثبوته في الذات او حضرة العلم علي ما يقولون و ان‌كانت شيئاً فبأي نحو كانت و بأي معني اخذت هل هي حادثة ام قديمة ام بينهما فان‌كانت

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 484 *»

حادثة و لها تكثرها و لذلك جمعتموها و قلتم الاعيان فكيف يعقل ان‌يكون الاحد الصمد القديم محل الحوادث مقترناً بها و يلزم منه تركيبها و حدوثها البتة و ان‌كانت قديمة لزم تعدد القدماء المجمع علي ابطاله و امتناعه و ان‌قيل بمنزلة بينهما فهو ايضاً غير معقول فان القديم هو الاحد القائم بنفسه الغني عماسواه و المخلوق الحادث مركب قائم بغيره محتاج الي ماسواه فالمنزلة بينهما ينبغي ان‌يكون احداً مركباً قائماً بنفسه قائماً بغيره غنياً فقيراً و يلزم منه مجانسة القديم و الحادث لوجود الرابط الجامع فان الرابط متجانس الطرفين و الا لما كان شيئا واحدا فان‌كان شيئا واحدا متجانس الطرفين مركباً منهما واحد طرفيه قديم و الآخر حادث وجب ان‌يكون القديم يمكن تركبه مع الحادث و هو مستلزم الحدوث و الطرف القديم منه ان‌كان عين الذات لزم ما قلنا و ان‌كان غير الذات تعدد القدماء و ان‌كان ليس بقديم و لاحادث فغير معقول ان‌يكون الشئ الموجود لا قائماً بنفسه و لا قائماً بغيره فتبين بطلان وجود الاعيان الثابتة و ثبوتها في الذات و لماكان هذا السؤال مقطع كلامه كان هذا الجواب منا مقطع كلامنا و لو زاد في السؤال حرفاً لزدنا في الجواب حرفاً.

و اما ذكره الشيخ الاخر

قـال وفقه الله: قال تعاليكل يوم هو في شأن فلاشك انه تعالي عالم بالشئونات المتعاقبة من الازل الي زماننا هذا بل من الازل الي الابد.

اقـول: ينبغي ان‌يكون اراد بالشئون الشئون الخلقية بقرينة استشهاده بالاية فان معناها الرد علي اليهود القائلين يد الله مغلولة فرد الله سبحانه عليهم فقال كل يوم هو في شأن اي يخلق خلقاً و يميت حياً و يحيي ميتاً و يضع رفيعاً و يرفع وضيعاً و يغني فقيراً و يفقر غنياً و هكذا يدبر خلقه دائماً و لم‌يخله عن يده و ليس لذاته سبحانه شئون كما زعمه طائفة و حسبوا الخلق شئون الذات فان الذات الاحد سبحانه بنفسها لاتتجزي و لاتتثني و ليس لها مراتب و مقامات و حيوث و اعتبارات

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 485 *»

و كل ماسوي الاحد جل شأنه خلقه قائم بامره فالشئون التي يكون الله سبحانه كل يوم في شأن منها هي شئون خلقية و المراد بكونه في شأن يعني كل يوم يدبر شأناً لا انه يتقلب بذاته في شأن و يتصور بصور نعوذبالله كمازعمه قوم فان القديم لايتغير و لايتبدل و لايرتبط و لايتصل بشئ تعالي الله عما يقول المشبهون علواً كبيراً فالشئون شئون خلقية و ان الله سبحانه عالم بها اي بجميع خلقه و قوله من الازل الي زماننا ظرف للشئونات المتعاقبة و الظاهر منه انه اراد ان الشئونات المعلومة متعاقبة مترامية من الازل الي الابد فان اراد بالازل و الابد الذات القديمة فلايصح لان الشئونات ليس مبدؤها ذاته سبحانه و ليست مترامية من الذات القديمة الي عرصة الخلق بل الخلق انتهي الي مثله و الجأه الطلب الي شكله و رجع من الوصف الي الوصف و دام الملك في الملك و ليس مبدأ الخلق الحادث من لدن الذات القديمة فانها لاتقترن بغيرها و الاقتران دليل الحدث لملازمته التركيب في المقترنين و ان اراد بالازل سوالف الزمان او الدهر و بالابد غوايره جاز والله سبحانه عالم بجميع خلقه ماكان و مايكون.

قـال وفقه الله: و ان العلم نوع من الوجود و احاطة الوجود بالامور الغير المتناهية بالفعل علي التفصيل محال ضرورة ان اللاتناهي بالفعل ينافي الاحاطة.

اقـول: كماصرح اولاً و نفي الشك عنه الله سبحانه عالم بخلقه الايعلم من خلق و هو اللطيف الخبير و كذلك لاشك ان العلم نوع من الوجود يعني انه موجود ضرورة عدم امكان الاتصاف بالمعدوم المحض فالعلم موجود و الله سبحانه موصوف به و انما الكلام في ان العلم موجود شخصي متناه او موجود غير متناه و هل غير المتناهي ممكن او ليس ممكن فان‌كان ليس بممكن فكيف حكم بوجود الشئونات غير المتناهية فعلم انه ممكن الوجود فاذا كان وجود غير المتناهي ممكناً بالفعل فما المانع من ان‌يكون العلم ايضاً غير متناه فان‌جاز ان‌يكون العلم غير متناه جاز ان‌ينطبق غير المتناهي علي غير المتناهي و الواجب انطباق العلم علي المعلوم

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 486 *»

هذا و ما زعمه الشيخ وارد اذا كان العلم موجوداً مشخصاً و نحن نمنعه فان الموجود الشخصي لايعقل مطابقته مع اشخاص مختلفة المشخصات فانه ان‌وافق واحداً خالف الاخر و ان‌خالف المعلوم كان كذباً فلابد و ان‌يكون العلم مطابقاً للمعلوم و المعلومات متكثرة متعددة ‌فالعلم بها ايضاً متكثرة يعني علمه سبحانه بالاحمر غير علمه بالاصفر و علمه بالاصفر غير علمه بالاخضر و هكذا فلله سبحانه بكل معلوم علم فعلمه ايضاً غير متناه كما ان معلومه غير متناه هذا اذا اخذ العلم علمه الحادث الذي اشار اليه في كتابه قال فما بال القرون الاولي قال علمها عند ربي في كتاب و هذا هو العلم الحادث لان الذات لاتكون في كتاب و قال ام تنبئونه بما لايعلم في الارض، فهذا هو العلم الحادث الذي ان‌كان معلوم كان و ان لم‌يكن معلوم لم‌يكن لضرورة المطابقة بين العلم و المعلوم و الشريك ليس بموجود فالله سبحانه لايعلم لنفسه شريكاً و لو كان العلم موجوداً شخصياً ما كان يعقل فيه الوجود و العدم و علمه سبحانه الحادث لماكان متعدداً عقل فيه الوجود و العدم فانه سبحانه عالم بالسماء و ليس بعالم بوجود شريك له و ليس بعالم بوجود نبي شقي مثلاً و هكذا قوله ام حسبتم ان‌تدخلوا الجنة و لمايعلم الله الذين جاهدوا منكم و يعلم الصابرين. و هذا هو العلم الحادث و هو غير الذات فهذا العلم يدور مدار الجهاد و الصبر فان جاهد زيد و صبر يعلمه الله جاهداً صابراً و ان لم‌يجاهد و لم‌يصبر لم‌يعلمه الله مجاهداً صابراً الي غير ذلك من الايات الواضحات التي لامناص لاحد عن الاقرار بها فهذا العلم مختلف متعدد بعدد المعلوم و كل علم يطابق معلومه فكما انه يكون المعلوم متعدداً يكون العلم متعدداً و كما يكون المعلوم غير متناه يكون العلم ايضاً غير متناه و لاضير و ان‌كان المراد من العلم العلم الذي هو الذاتي للقديم و هو عين الذات فالله سبحانه غير متناه و غير مشخص بوجود شخصي واحدي فكما ان ذاته غير محدودة و غير متناهية فالعلم الذي هو عينها غير متناه و هو عالم بعلم غير متناه محيط بمعلوم غير متناه لايعزب عن علمه مثقال ذرة في السموات و الارض فاي ضرر في كون العلم غير متناه كالمعلوم فبحثه وفقه الله جار علي ما تخيله لا

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 487 *»

علينا و علي الواقع.

قـال وفقه الله: ثم لايخلو اما ان‌يكون العلم اضافة او صورة و علي الثاني اما ان‌تكون الصور العلمية قائمة بذواتها او بذاته تعالي او بامر آخر و الكل باطل. اما الاول فلان التعلق بين المدرك و العدم الصرف محال بحكم البديهة. و اما الثاني فلان تلك الصور القائمة بنفسها ان‌كانت مستغنية عنه تعالي تعدد الواجب و الا احتاج في صدورها عنه تعالي الي العلم بها و العلم بها علي هذا التقدير لايكون الا بصور اخر كذلك و هكذا و ذلك محال ايضاً بحكم بديهة العقل. و اما الثالث فلانه مع لزوم كون البسيط الحقيقي فاعلاً و قابلاً كان من تلك الصور ما هو صورة امر مقداري فلايصح قيامها بما ليس كذلك بديهة. و اما الرابع فلان الصور القائمة بغير الشئ لاتكون علماً به و ان‌فرض ان‌يكون ذلك الامر الذي قام به تلك الصور آلة لادراكه تعالي كما ان الحواس آلة لادراك نفوسنا كان الواجب محتاجاً في ادراكه الي غيره تعالي عن ذلك علواً ثم انه لايمكن ان‌يكون ايجاده تعالي لذلك الامر بالعلم لتوقف العلم عليه فالمرجو منكم اعلامكم الرأي الصائب منكم في جواب اشكالنا.

اقـول: قوله لايخلو اما ان‌يكون اضافة او صورة يعني به ان العلم اما حصول المعلوم للعالم و هو العلم الاضافي او صورة يعني به انه صورة حاصلة في نفس العالم فيكون من مقولة الكيف و العلم الكيفي في حقه سبحانه غير معقول فانه سبحانه لانفس له و لاذهن و انما هو هو ذات احدية و صور الاشياء ليست تنطبع فيه من وجهين الاول ان صور الاشياء اشباح منفصلة عنها تابعة لها آثار لاشباحها المتصلة كما ان صورة وجهك في المرآة اثر صورة‌ وجهك المتصلة بجلدك تابعة لها و اشباح الاشياء الحادثة التابعة لها ليست تصعد الي الذات الاحدية و تنطبع فيها و تتكيف بكيفيتها نعوذبالله و كيف يمكن للحادث ان‌يصعد عن الحدوث و ينطبع

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 488 *»

في ذاته سبحانه و الثاني ان الذات الاحدية لاتتكيف و لاتتغير و لاتصير محل الحوادث و لايعقل استحالة الاشباح الحادثة قديماً فهذا النحو من العلم في حق ذاته سبحانه من المحالات فانقطع جميع ابحاثه المتفرعة علي كون العلم صورة و ان‌اخذ ذلك من باب ما يقولون من الاعيان الثابتة في الذات فان‌اريد بها الاعيان المتعينة المتميزة و يقال هي ثابتة في الذات فيلزم ان‌يكون الذات محل الكثرات و الحوادث و يبطل بذلك قدمه سبحانه و ان‌قيل انها قديمة تعددت القدماء و هو ايضاً محال و ان‌قيل بوجود الاعيان في الذات علي نحو اشرف و علي كمالها الوجودي بحيث لاتنافي الوحدة كمازعم بعضهم فهو مع بطلانه ليس يحصل منه صورة في الذات فالعلم الكيفي الصوري في حقه سبحانه محال باطل و عن حلية الاعتبار عاطل.

و اما العلم الاضافي يعني حصول المعلوم للعالم او حضوره عنده فان اريد به في ذاته سبحانه يلزم منه وجود الكثرات في الذات و بطلانه كمامر واضح هذا و كل مضاف، فيه ذكر المضاف اليه و كل مضاف اليه فيه ذكر المضاف و ذات الاحد التي يمتنع فيها ذكر ماسواها لايعقل ان‌تضاف الي شئ او يضاف اليها شئ لان وجود ذكر شئ فيها يستلزم صيرورتها محل الحوادث او تعدد القدماء فتبين ان العلم الاضافي ايضاً ليس يعقل في ذاته سبحانه نعم الاشياء حاصلة في ملكه سبحانه حاضرة لديه في محال وجودها و مواقع شهودها و هي بانفسها علمه سبحانه و يعلمها الله سبحانه بها لانا نقول ان الكليات الحكمية لاتخصص فان لم‌يعلمها بها لابد و ان‌يعلمها بعلم غيرها و ذلك العلم لايخلو اما ان‌يكون حادثاً او قديماً فان كان حادثاً نسألك عن ذلك العلم الحادث هل يعلمه الله سبحانه فيعلم انه عالم بالاشياء او لايعلم انه له علم بالاشياء فان كان يعلمه فيعلمه بنفسه او بعلم آخر فان كان يعلمه بنفسه فكما يجوز ان‌يعلم حادثاً بنفسه و يكون بنفسه علماً له و معلوماً يجوز ان‌يعلم الكل بانفسها اذ لامخصص و ان‌كان لايعلم يلزمه الجهل بعلمه و هو منزه عن ذلك و ان‌كان يعلمه بعلم آخر حادث ننقل الكلام اليه و هلم جراً و ان‌كان يعلم الاشياء بعلم آخر قديم فان‌كان غير ذاته تعدد القدماء و ان‌كان عين ذاته

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 489 *»

فلابد من تكثر ذاته فان العلم لابد و ان‌يكون مطابقاً مع المعلوم فالعلم البسيط و المعلوم المركب كذب.

فتبين و ظهر لمن نظر و ابصر و انصف و اعتبر ان الاشياء بانفسها علمه سبحانه الحاصل له الحاضر لديه يعلمها بها و ليس بينه و بينها علم آخر و نسبته الي الكل علي السواء و لانسبة فليس علم آخر علي فرضه اقرب اليه من المعلوم و اظهر لديه و اولي به فهو يعلم الكل علي السواء بها اي بانفسها نعم له سبحانه علم ذاتي هو عين ذاته فكما ان ذاته غنية عن المخلوق علمه الذي هو عين ذاته غني عن المعلوم فلم‌يزل الله عزوجل ربنا و العلم ذاته و لامعلوم و السمع ذاته و لامسموع و البصر ذاته و لامبصر و القدرة ذاته و لامقدور فلايقال لايزال يعلم و يعلم فعل منه و لامعلوم و لامفعول و لايقال لايزال يسمع و لامسموع و لايقال لايزال يبصر و لامبصر نعم لما احدث الاشياء و كان المعلوم علمه و كان المسموع سمعه و كان المبصر ابصره نعم هو لايزال ذات علامة سميعة بصيرة فان‌اردت الاعتبار فاعتبر من نفسك اذ تكون في برية و لاصوت فلايقال انت تسمع ولكن اذا وجد صوت سمعته و كذلك ان لم‌يكن مبصر لايقال تبصر و اما اذا وجد مبصر ابصرته نعم يقال ان لك قدرة بحيث اذا وجد مبصر ابصرته او مسموع سمعته و اما ان‌تسمع بالفعل و لامسموع او تبصر بالفعل و لامبصر فلا و لايلزم من ذلك جهل اذ لو سمعت و لاصوت كذب سمعك و اخطأ و لو ابصرت و لالون كذب عينك و اخطأت و من كمال ابصارك و سمعك ان لاتري و لاتسمع ما لم‌يكن شئ و تري و تسمع اذا وجد و كذلك الله ربنا حيث يقول: سنريهم آياتنا في الآفاق و في انفسهم حتي‌يتبين لهم انه الحق و قال و في الارض آيات للموقنين و في انفسكم أفلاتبصرون فهو سبحانه ذات علامة سميعة بصيرة قديرة ولكن ما لم‌يخلق لم‌يقع فعله عليه فاذا خلق وقع السمع الفعلي منه علي المسموع و البصر الفعلي منه علي المبصر و العلم الفعلي منه علي المعلوم.

و ان‌قلت فان‌كان الله سبحانه لايعلم خلقه قبل ان‌يخلق الخلق فهو جاهل بما يخلق؟ قلت ليس حيث تذهب فان الله سبحانه لايعلم الخلق في ذاته

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 490 *»

ابداً و انما يعلمه في حد خلقه ابداً و لم‌يكن الله خلواً من ملكه ابداً و لم‌يكن فاقداً لعلم بخلقه في حد خلقه ابداً و ليس بينه و بين خلقه مدة لم‌يكن الخلق خلقاً فيها فان تلك المدة ان‌كانت قديمة تعدد القدماء و ان‌كانت حادثة فكلامنا فيه و لاشك ان رتب الخلق متفاوتة و كل شئ ليس بموجود في رتبة اعلي و انما هو موجود في رتبته و حده فالخلق ابداً خلقياً موجود في رتبة‌ الخلق و حدوثه ذاتي لا وقتي و انما الحدوث الوقتي في ابعاض الخلق لاجميع الخلق فلم‌يأت وقت لم‌يكن الخلق باجمعه خلقاً فلم‌يفقد الله سبحانه علمه به ابداً نعم لايعلم الاشياء مستقرة في ذاته و انما يعلمها ممتنعة في ذاته و يعلم الاشياء في الامكان السابق ممكنة لامكونة و لامعينة و يعلمها في مراتب اكوانها مكونة لامعينة و يعلمها في مراتب اعيانها معينة فلم‌يزل الله سبحانه عالماً بكليات خلقه و جزئياته في مراتب وجودها و مقامات شهودها لم‌يجهلها ابداً ابداً تعالي الله عما يقول الظالمون علواً كبيراً و سبحان ربك رب العزة عما يصفون و سلام علي المرسلين و الحمدلله رب العالمين.

قدفرغ من تسويد هذه الاوراق مصنفها كريم‌بن‌ابرهيم في الليلة الحادية عشرة من الشهر الحرام ذي‌الحجة من شهور سنة سبعين بعد المأتين و الالف حامداً مصلياً مستغفراً تمت.