رسالة في جواب الآقا محمد ابرهيم الشيرازي
من مصنفات
العالم الرباني و الحکيم الصمداني
مولانا المرحوم الحاج محمد کريم الکرماني
اعليالله مقامه
«* مکارم الابرار عربی جلد ۵ صفحه ۴۲۷ *»
بسم الله الرحمن الرحیم
الحمدلله رب العالمين و صلي الله علي محمد و آله الطاهرين و الهداة المهدين و لعنة الله علي اعدائهم ابد الآبدين.
و بعــد يقول العبد الاثيم كريم بن ابرهيم انه قد ارسل الي المولي الجليل و الاولي النبيل صاحب المفاخر و مالك ازمة المآثر السيد الفخيم و السند الكريم الآقا محمد ابرهيم الشيرازي من شيراز صانه الله بالمنع و الاعزاز بكتاب مستطاب قد سأل فيه عن مسائل لميجر ذكرها في خطاب و لمير لها اثر في كتاب و ورد الي في حين تبلبل البال و كثرة الهموم و الاشغال فاختلست من اوقاتي زمانا! قليلاً و توجهت الي ذكر الجواب كليلاً مع قلة البضاعة و كثرة الاضاعة راجياً من الله حسن الثواب و الهام الصواب و جعلت فقرات كتابه كالمتن و جوابي له كالشرح كما هو عادتي و عادة اسلافي انار الله برهانهم و لاحول و لاقوة الا بالله.
قـال سلمه الله في ضمن كتابه: و بعــد لايخفي علي جنابكم العالي اني اشتاق الي خدمتكم كشوق الصائم الي الهلال و العطشان الي الزلال و المحرم الي الحرم و المعدم الي الدرهم و ارجو منكم بعد وصول هذه العريضة ان تمنوا علي ببيان المسائل و هي هذه اولاً بيان علم التقارب و التباعد و الاشارة الي ما يترتب عليه.
اقـول: اعلم ان العلم علي القول المطلق هو صفة الكون و اما نفس الكون من حيث هو هو فليس بعلم و ذلك لان المعلمة لنفي الخلاف و هناك لاتمييز و لاخلاف و لاكيف و لااشارة فلاعلم هناك و لامعلوم فاعلي مقامات العلم هو ظهور الكون و مرادي بالظهور تجلي الكون سواء كان في الظهور او البطون من حيث الاعلي او الاوسط او الادني فلاجل ذلك تعددت العلوم و تكثرت علي حسب اختلاف التجليات في المراتب و المقامات و علي حسب الاوضاع في الرتب و
«* مکارم الابرار عربی جلد ۵ صفحه ۴۲۸ *»
الجهات و علي حسب الحيوث و الاعتبارات فنقطة جميع العلوم و مركزها واحد و هو الظهور المطلق و التجلي الحق و هو النقطة التي كثرها جهال القوابل و الاستعدادات و اختلافات الماهيات و هذا التكثير هو تكسير الجوهر الذي يزداد به نعومة و لطافة و نفوذاً و به يخرج ما في كيانه الي العيان و ما في قوته الي الفعل و ما في بطونه الي الظهور و ما في اجماله الي التفصيل فهذا التكثير هو التكثير المطلوب و تفصيل القول لعلهم يذكرون و اما التكثير المبغوض هو التكثير الذي يحصل من تكلم من ليس له باهل فيه و هو جاهل بظاهره و خافيه و يجادل فيه بغير علم و لاهدي و لاكتاب منير فيكثر من غير طائل و ذلك مبغوض ليس من الله و لا الي الله و لو كان من عند الله لما وجدوا فيه اختلافاً كثيراً و انا اذكر لك كيفية سريان ذلك السر الحقيقي في جميع العلوم حتي تعرف به هذا العلم المسئول عنه و غيره من العلوم.
اعلم ان الله سبحانه كان واحداً متفرداً بوحدانية غير متناه الي شيء سواه اذ لاشيء سواه فتجلي بكينونة ازلية ابدية و هي كينونته سبحانه اذ كان هو سبحانه اذ لاكان فكون الكان حتي قيل له كان فكان فيما لميزل و لايزال و كذلك يكون بلاانقطاع و لازوال و هذه الكينونة قبل مواقع صفات تمكين التكوين و هي كينونة الله القديم العامة التي لاتدركها الابصار و لاتحيط بها خواطر الافكار و تلك الكينونة كينونة بسيطة احدية غيرمتناهية الي شيء سواها و هي الربوبية اذ لامربوب عيناً و لاكوناً و لاامكاناً و لماكانت تلك الكينونة كاملة و الكمال تقتضي انبساط اللطيفة بقدر ما فيه منها و هو سبحانه لانهاية لقوته و لاغاية لكماله اقتضت ان ينبسط ما فيها من القوة في اصقاع الامكان و الاكوان فانبسط فملأ الدهر قدسه حتي ظهر ان لااله الا الله و ذلك المنبسط هو ظهور الكينونة و الرابطة بين الظاهر و المظاهر و مرادنا بالظاهر هو نفس ذلك الظهور من حيث الانية للكينونة و بالمظاهر هو نفس ذلك الظهور من حيث هو هو ففي الظهور ثلث اعتبارات و نظرات مرة تنظر اليه و تري فيه الظاهر و مرة تنظر اليه و تري نفسه و مرة تنظر اليه و تري فيه المظهرية فمن اطلع علي صفات الظاهر في المراتب و المقامات
«* مکارم الابرار عربی جلد ۵ صفحه ۴۲۹ *»
اطلع علي علم البيان و العلم الالهي بالمعني الخاص و علم الكلام و الوجود الحق و من اطلع علي صفات الظهور اطلع علي المعاني و العلم الامكاني الذي يستزيد منه النبي۹ بقوله رب زدني علماً و هو علم لانهاية له و لاغاية و اطلع علي حدود الفيض الاقدس و الاعيان الثابتة في حضرة العلم الامكاني الحادثة و اطلع علي العلم بعالم الامر و الوجود المطلق و من اطلع علي صفات المظاهر باختلافاتها اطلع علي شعب العلوم و انحاء الرسوم و ذلك لان المظاهر تختلف بحسب الغيب و الشهادة و المعاني و الرقائق و الصور المجردة و المادية و بحسب النسب و الارتباطات و الاقترانات و الاوضاع و الاحوال بما لانهاية له فمن صفات الذوات الغيبية يحصل العلم الالهي بالمعني الاعم و من صفات الذوات الشهودية تحصل الحكمة الطبيعية و من هيأت الذوات الشهودية و الصور المقدارية يحصل العلم الرياضي و من كيفيات خروج المعتدلات عن غير المعتدلات و الغرائب و الكدورات يتحقق علم الكيميا و من القرانات و الاوضاع الفلكية يحصل علم النجوم و من الكم المنفصل يحصل علم الحساب و من هيئات الانسان و الحيوان و النبات و الجماد يحصل علم القيافة بالمعني الاعم و علم الكف و الكتف و الرمل و امثالها و من ظهور الاشباح و الامثال في الاشياء يحصل علم المناظر و المرايا و علم الكتف و الرمل و ضرب الحصي و عقد الخيوط باعتبار و من الصفات الخارجية الحاكية لما في النفوس يتحقق علم الالفاظ فمن حيث صفاتها علم القرائة و من حيث طبايعها و موازينها و قراناتها و اقتضاءاتها يتحقق علم الحروف من الجفر و الاوفاق و التكسيرات و التصريفات و الهيميا و من مدلولاتها علم اللغة و من تركيبها و ادائها في محالها المعاني و البيان و من صفات اواخرها علم النحو و من موادها علم الصرف و من اوزانها علم العروض و من استنباط المعاني منها علم اصول الفقه و من اسباب دوام العباد و ترقيهم و نظام معاشهم الحكمة العملية فان كان متعلقها الحقيقة فهو علم الحقيقة و ان كان متعلقها القلب فهو علم الطريقة و ان كان متعلقها الجسم فهو علم الشريعة و ان كان متعلقها الاهلون فهو علم تدبير المنزل و ان كان متعلقها اقوام فهو علم سياسة المدن و ان كان متعلقها حفظ
«* مکارم الابرار عربی جلد ۵ صفحه ۴۳۰ *»
الصحة علي الاصحاء و دفع المرض عن المرضي فهو علم الطب و ان كان متعلقها تركيب العقاقير لحصول الاحوال الغريبة و الحركات الموحشة فهو الليميا و ان كان متعلقها الارواح الفلكية و استنزالهم فهو علم السيميا و ان كان متعلقها سرعة الحركات و الانتقالات و اظهار ما يشابه المعجزات فهو الريميا و ان كان متعلقها تقوية ما في كيان الارض و الماء حتي يخرج ما في قواهما الطبيعي من الكمون الي الظهور فهو علم الفلاحة و ان كان متعلقه الصور المتممة فهو علم الصنايع المعروفة من النجارة و الحياكة و الصياغة و العمارة و غير ذلك و ان كان متعلقها اوضاع الاشياء و حيزاتها و مراكزها و حركاتها الي حيزاتها و غيرها طبعاً او قصراً (قسراً ظ) فهو علم التقارب و التباعد و ان كان متعلقها تركيب المختلفات لتوليد الطبع المهيمن فهو علم الضم و الاستنتاج و ان كان متعلقه امساك الاشياء الثقيلة الغليظة باسباب دقيقة رقيقة فهو علم جرالثقيل و ان كان متعلقه صنعة آلات تطابق بما فيها من الخطوط و الرسوم الافلاك و مسير الكواكب فهو علم الرخايم الي غير ذلك من العلوم المتعلقة بكيفيات الاشياء و كمياتها و جهاتها و رتبها و ازمنتها و امكنتها و اوضاعها و احوالها فمن عرف سر الظهور و اطلع علي ذلك النور و حصلت له هيمنة علي المظاهر و المجالي فوقف علي الطتنجين و نظر في المشرقين و المغربين عرف جميع العلوم بحذافيرها لانه لاقوام لشيء منها الا بذلك الظهور و من آياته ان تقوم السماء و الارض بامره. فقوام جميع هذه العلوم بذلك الامر السرمدي و النور المحمدي فمن عرفه عرف جميع كمالاته و شئونه و اطواره و:
ما في الديار سواه لابس مغفر | و هو الحمي و الحي و الفلوات |
فافهم فمن تلك العلوم و اولئك الرسوم ما سألت عنه و هو علم التقارب و التباعد و ان شئنا ان نبحث عن جميع احوال هذا العلم و مسائله للزمنا ان نكتب له كتاباً كبيراً و الوقت اضيق من ذلك ولكن نذكر لكم تعريفه و فائدته و موضوعه و رتبته و بعض مسائله و ادلته.
اعلم ان علم التقارب و التباعد علم يبحث فيه عن احوال مقاربة الاشياء بعضها من بعض و مباعدة بعضها عن بعض و عن اسبابها و عللها و مايترتب عليها
«* مکارم الابرار عربی جلد ۵ صفحه ۴۳۱ *»
من الآثار و فائدته تقريب البعيد و تبعيد القريب باحداث عللهما و ازالة موانعهما و تزكية النفس بمعرفة تقارب الاشياء لما تقاربت و متي تقاربت و كيف تقاربت و معرفة تباعد الاشياء لما تباعدت و متي تباعدت و كيف تباعدت و اما موضوعه ففي الملك الاجسام و في الملكوت النفوس و في الجبروت العقول فان في كل عالم تقريب و تبعيد بحسبه كما سنبين شطراً منها و لنا في معرفة الموضوع كلام لمنسبق بمثله و هو ان كل ما في عالم الاجسام من العلويات و السفليات انما تنزل عن عالم الغيب كما قال سبحانه و ان من شيء الا عندنا خزائنه و ماننزله الا بقدر معلوم و هو مطابق للغيب حرفاً بحرف لانه تفصيل ذلك الاجمال و ظهور تلك الاحوال و جمود ذلك الذائب و شهود ذلك الغائب و لقد اوضح عن هذا المعني بقوله أفرأيتم النشأة الاولي فلولا تذكرون و بقوله ماتري في خلق الرحمن من تفاوت و بقوله سنريهم آياتنا في الآفاق و في انفسهم حتي يتبين لهم انه الحق. و ابان عن هذا البيان الصادق۷ بقوله العبودية جوهرة كنهها الربوبية فما خفي في الربوبية اصيب في العبودية و ما فقد في العبودية وجد في الربوبية و الرضا۷ بقوله قد علم اولواالالباب ان الاستدلال علي ما هنالك لايعلم الا بما هيهنا. فقد تطابق العقل و النقل علي لزوم تطابق الظاهر مع الباطن في ذاته و صفاته حتي انه كان الغيب شهادة لطيفة و الشهادة غيب كثيف فاذا كلما يجري علي الشهادة من الاحوال و كلما يتعلق بها من العلوم و الاحكام و النسب و الاضافات و الارتباطات و الدلالات كلها جارية في عالم الغيب علي نحو اشرف و كما تكون الشهادة شهادة ذلك الغيب كذلك الالفاظ و التعبيرات الشهادية الفاظ و تعبيرات للغيب و لاتعبير عن احكام عالم الغيب الا بهذه الالفاظ فاذا نطق الناطق علي نهج الحكمة و الصواب في علم من العلوم تجري تلك الالفاظ بعينها في عالم الغيب بحيث لو اراد امرء فصيح التعبير عن ذلك المطلب الغيبي لما كان يعبر الا هكذا و لذا حصل التأويل و الباطن و باطن الباطن الي سبعة بل الي سبعين و باطن التأويل و تأويل الباطن في كلام الله سبحانه و كلام الانبياء و الاوصياء و الاولياء
«* مکارم الابرار عربی جلد ۵ صفحه ۴۳۲ *»
لانهم ينطقون علي الحق و الصواب فيكون لكلامهم روح و روح روح و هكذا و كذلك لنفس عالم الشهادة غيب و غيب غيب و هكذا و له تأويل و باطن تأويل و تأويل باطن و هكذا فاذا لاينحصر موضوع علم في ما خصصوه من عالم الشهادة و يجري في عالم الغيب ايضاً كل ما نطقوا في ذلك العلم و تفوهوا به فذلك بيان حقيقي لعالم الغيب بحيث لو اراد امرء فصيح تعبير ذلك الشأن من عالم الغيب في عالم الشهادة عبر هكذا فان اردت تفصيل العلم و انبساطه فعمم الموضوعات و المسائل و الاحكام في كل مرتبة من المراتب العرضية في كل مرتبة من المراتب الطولية ينبسط كل مسألة باربعة و ستين مسألة نوعية و لو كان لك انبساط اكثر لانبسط لك كل مسألة الي ثمانية الف الف مسألة و ذلك لايمكن الا بتلطيف النفس حتي تنفذ في كل ما تتعلق به فموضوع علم التقارب و التباعد و ان كان في الشهادة الاجسام الا انه يجري في جميع العوالم في كل عالم بحسبه و اللفظ واحد للكل و رتبة هذا العلم بعد العلم الطبيعي و معرفة مباديها و الحكمة العملية من علم الشريعة و الطريقة و الحقيقة فما لميحصل للانسان العلم باصناف العلم الطبيعي و مباديها و الحكمة العملية لميعرف هذا العلم علي الحقيقة و من مسائل هذا العلم معرفة تقارب كل جنس مع ما يجانسه و تباعد كل شيء عما ينافره و منها معرفة اسباب تجنيس المنافر حتي يتقارب و اسباب تنفير المجانس حتي يتباعد و منها تقريب الداني بالتلطيف الي العالي و تبعيد العالي بالتكثيف عن العالي و تقريبه الي الداني و منها معرفة معراج الرسول الي السماء بجسمه العنصري و لباسه و مداسه و نزوله مع لطافته التي هي الطف من العرش الي العالم العنصري و تباعده من الارض و تقاربه من السماء و منها معرفة ان جسد الامام لايبقي في قبره الا ثلثة ايام ثم يصعد الي العرش و منها معرفة صعود سيدالشهداء و صعود علي۷ الي السماء و صعود ادريس و عيسي عليهما و علي نبينا و آله السلام و منها معرفة دخول اهل الجنة الجنة مع ان الجنة في السماء و الابدان عنصرية و المعاد جسماني كيف يصعد البدن العنصري الغالب عليه التراب في الهواء ثم في النار و لايحترق ثم في الافلاك و لايحترق مع انها احر من كرة النار و منها معرفة طي
«* مکارم الابرار عربی جلد ۵ صفحه ۴۳۳ *»
الارض كيف تطوي و يتباعد بعضها عن بعض و يتقارب بعضها من بعض و كيف يسير الساير فيها في طرفة عين حولها و علي سطحها و منها سر نزول الكثيف و صعود اللطيف و نزول الماء و التراب و صعود الهواء و النار و كيفية تنزيل الهواء و النار و تصعيد التراب و الماء و منها معرفة ان مدفن كل امام من ارض كربلا و مقتل كل شهيد من ارض كربلا كيف تباعدت هذه الاجزاء و كيف تتقارب يوم القيمة و منها معرفة ان وقت حلول كل مصيبة من يوم عاشورا و وقت شهادة كل شهيد من يوم عاشورا كيف تتقارب اجزاؤها و كيف تتباعد و كيف تكون من يوم عاشورا لرجل دون رجل و في مكان دون مكان و منها معرفة نزول جبرئيل للنبي مع انه في مكانه وحده لميخل ركنه المخصوص به من العرش و هو الركن الايسر من الركنين الاسفلين و منها معرفة ما روي في روايات مختلفة من نزول الله سبحانه الي السماء الدنيا كل ليلة جمعة و نزوله في بيت فاطمة مع انه سبحانه لايزول و لايتغير و لاينزل و لايصعد و منها انضياف علي۷ في ليلة في اربعين داراً و كان يري في كل دار بنفسه و كان في كل دار اماماً معصوماً عالماً بما كان و مايكون الي يوم القيمة و كان ابن ابيطالب و كذا يحارب في سبععشر كتيبة بسبععشر صورة و من وراء كل كتيبة هو هو امام معصوم ابن ابيطالب الي غير ذلك من المسائل الكثيرة العجيبة الغريبة التي قد ضل فيها الافهام و حار فيها الاعلام فما لميعلم الانسان هذا العلم الشريف بحقيقته لايعلم هذه المسائل و غيرها من مسائل هذا العلم و لهذا العلم كغيره باطن و باطن باطن و تأويل فتجري مسائله اذا حللتها في الامثلة و المواد و الطبايع و النفوس و الرقايق و العقول كما قدمنا و لانطيل الكلام بذكرها و لعل معرفة نوع العلم كافية لغرضكم.
و اما ادلة هذا العلم فيستدل فيه بكتاب الله و سنة نبيه و ادلة الحكمة و الموعظة الحسنة و المجادلة بالتي هي احسن و الامثال الآفاقية و الانفسية و الصنعوية اذ ما من شيء الا و فيه كتاب او سنة و الفؤاد محيط بالاشياء و مدركها كما هي و العقل مدرك للكليات و النفس محيطة بالاجسام و ماتري في خلق الرحمن من تفاوت و هذا
«* مکارم الابرار عربی جلد ۵ صفحه ۴۳۴ *»
المقدار من البيان كاف في الاشارة الي هذا العلم و ما يترتب عليه ان شاء الله لان العاقل يكفيه الاشارة و الجاهل لايتنبه بالف عبارة.
قـال سلمه الله: و ثانياً علم الضم و الاستنتاج و بيان الاعتدال الحقيقي في الامزجة و بيان معناه و بيان رفع المنافاة بينه و بين كلمات مولينا و مقتدانا اعلي الله مقامه و رفع في الدارين اعلامه في شرح الفوايد عند ذكر العناصر الاربعة في المشية و عدم تساويهما و التوفيق بين هذا.
اقـول: علم الضم و الاستنتاج هو من فنون علم الطب و لميذكروه اهل الطب في كتبهم و لميعنونوه في طرسهم و هو علم يبحث فيه عن تركيب العقاقير و الادوية و العناصر العبيطة لاستنتاج الطبيعة الحادثة و فائدته تحصيل المركبات و المعاجين لحفظ الصحة علي الاصحاء و دفع المرض عن المرضي و معرفة تركيب الابدان و امزجتها و تركيب ساير المركبات و امزجتها و معرفة ما يحرفها عن كيانها و تولد الاعراض و الامراض الظاهرة و الباطنة و معرفة امداد الابدان هل هي من الاغذية الظاهرة ام من غيرها و معرفة موازين المركبات و ما يولد الاعتدال و الانحراف و هو علم برأسه له فروع كثيرة و ادلة خارجة عن كتب الطب و مسائله و انما عرفوا الاطباء الاولون امزجة المركبات بالتجارب و بالخبر عن الانبياء و الاولياء و اما المتأخرون فوصل اليهم شيء و جربوا شيئاً و قاسوا شيئاً. اما ما وصل اليهم بالخبر فهو تقليد صرف ليس عن علم منهم. و اما ما جربوا فهو منهم مشاهدة الآثار و ليس منهم معرفة وجه الضم و سره و الاستنتاج و كيفية حدوثه و سر التفاعل في الاجزاء و كيفيته. و اما ما قاسوا علي ما جربوا فهو غير معتبر عندهم و عندنا و قد اعترفوا بعد القياس ان للعقاقير خواص اخر غير الطبع و مقتضاه و سموها الاثر بالخاصية لا بالطبيعة لما شاهدوا منه ما يخالف قياسهم. فمعرفة المزاج لاتحصل الا من هذا العلم الشريف.
و موضوعه العناصر ولكن اجر في هذا العلم ايضاً كما قدمنا اليك في علم التقارب و التباعد و عمم الموضوع و المسائل حتي تفوز مع الفائزين و رتبته بعد الطب النظري و مسائله كثيرة بعدد
«* مکارم الابرار عربی جلد ۵ صفحه ۴۳۵ *»
الامزجة و المركبات و الادوية و قد اخطأ الاطباء حيث راموا وضع قاعدة في معرفة المزاج في المركب بضبط الاجزاء الحارة و الباردة و الرطبة و اليابسة من مفردات المركب بقدر ما يخلط من شربة كل واحد ثم اخراج الاقل من الاكثر و قسمة الباقي علي سمي عدد الادوية الذي هو عدد الشربات و كون الخارج مزاج المركب و زعموا ان اجزاء الدواء البسيطة لايزيد علي اربعة فما كان في الرابعة حاراً ليس فيه جزؤ بارد و ماكان في الثالثة حاراً ففيه جزؤ بارد و ماكان في الثانية حاراً ففيه جزوان باردان و ماكان في الاولي حاراً ففيه ثلثة اجزاء باردة و ماكان بارداً ليس فيه اجزاء حارة و هكذا الامر في البارد و الرطب و اليابس فان ذلك مما تشهد التجربة و المشاهدة ببطلانه فانهم قالوا ان الافيون بارد يابس في آخر الثالثة ان كان من الخشخاش البري و في الرابعة ان كان من الخشخاش البستاني الابيض و قدر شربته عدسة و قالوا ان العسل حار يابس حار في آخر الثانية يابس في اوايلها و شربته خمسةعشر مثقالاً فلو شرب امرء اثنين و عشرين مثقالاً و نصف مثقال و هو شربة و نصف من العسل و بلع عدسة من الافيون يجد الحرارة لامحالة مع انه كان ينبغي ان لايجد حرارة بل يجد برودة في اوايل الاولي و تنبه بعضهم بذلك كالانطاكي فانكر عليهم قياسهم و قال انه بالتجربة و ليس ينطبق علي هذا القانون الامزجة ابداً و لقد احسن و اجاد في اختياره و كذلك اخطأوا في قولهم ان الدواء البارد في الرابعة ليس فيه جزؤ حار لان كل دواء مركب من العناصر الاربع لامحالة فكيف لايكون فيه جزؤ حار و لما كان بناء هذه القاعدة علي هذا الامر و هذا الامر باطل بالبداهة فقاعدتهم باطلة بالبداهة و انما تخلفت قاعدتهم لذلك و لاجل ان مزاج العقاقير تختلف بحسب اختلاف الزمان و المكان و مرور الكواكب عليها و طلوعها و غروبها و طالع الغرس و الزرع و اقتران بعضها ببعض و تقاربها و تباعدها و كثرة السقي و قلته و رطوبة الهواء و يبسه الي غير ذلك فكيف يمكن استخراج مزاج المركب بهذه القاعدة.
فتبين و ظهر لمن نظر و ابصر ان علم الضم و الاستنتاج علم برأسه و له قواعد و قوانين اخر غير ما ذكر في علم الطب و من مسائله الكلية ما ذكرتم من الاعتدال
«* مکارم الابرار عربی جلد ۵ صفحه ۴۳۶ *»
الحقيقي في الامزجة و قد اختلفوا في ذلك فزعم بعض الاطباء ان المركب لو تكافأ اجزاؤه و اعتدلت طباعه حقيقةً تفرقت اجزاؤه و تفككت و استدلوا له بان التركيب لايمكن بين شيئين الا ان يكون احد الجزئين غالباً مستقهراً للجزء الآخر حتي يستقر تحته فلو كان الجزءان متكافئين لايقدر احدهما علي الفعل في الآخر لمكافئة ضده في القوة و القدرة اياه فاذا لميحصل فعل من احد الطرفين لميحصل انفعال في احد من الطرفين فاذا امتنع الفعل و الانفعال بينهما امتنع حصول المزاج الثالث بينهما الا تري ان الرطب اذا لميحل اليابس و اليابس اذا لميعقد الرطب و الحار اذا لميسخن البارد و البارد اذا لميسخن (لميبرد ظ) الحار بقي الحار بصرافته و البارد بصرافته و الرطب بصرافته و اليابس بصرافته فاذا بقي كل بصرافته لميتركب مع ضده و لميحصل المزاج الخامس الذي هو برزخ بين الحار و البارد و الرطب و اليابس فامتنع الاعتدال الحقيقي في المركبات و هذا الاستدلال زخرف من القول غروراً لانهم يعلمون ظاهراً من الحيوة الدنيا و هم عن الآخرة غافلون. و الحق الحقيق بالتحقيق وجود المعتدل الحقيقي في المركب الا انه واحد في كل الزمان لما ذكرنا ان الزمان و المكان و الجهات و ممر الكواكب و البروج و طلوعها و غروبها دخيل في المزاج دخلاً تاماً فلايكون المعتدل التام الحقيقي في جميع الاعصار و الدهور الا واحداً كالمركز الغير المائل الي جهة من الدائرة و لايمكن اعتدال نقطة في الدائرة بحيث تكون نسبته الي جميع اجزاء الدائرة علي السواء الا نقطة واحدة غير قابلة للقسمة و هو المركز و القطب للدائرة و كل نقطة غيرها منحرف الي جهة لامحالة و يغلب عليها مزاج تلك الجهة فان كانت شرقية فالغالب عليه الحرارة و اليبوسة و ان كانت جنوبية فالغالب عليها الحرارة و الرطوبة و ان كانت مغربية فالغالب عليها البرودة و الرطوبة و ان كانت شمالية فالغالب عليها البرودة و اليبوسة و ان كانت في مابين الجهتين فبحسب تينك الجهتين او قريبة من جهة و بعيدة عن اخري فبحسبهما و ليس مهما اجتمعت اجزاء من العناصر متكافئة يحصل الاعتدال فانه تختلف بحسب اختلاف الوقت و الاقاليم و الامكنة و الفصول و تربية الكواكب و الاوضاع الفلكية و غيرها اختلافاً
«* مکارم الابرار عربی جلد ۵ صفحه ۴۳۷ *»
بيناً فالاستدلال علي امكان بقاء التركيب مع تكافي الاجزاء و الاعتدال ان الحار الشديد الحرارة كالماء الساخن مثلاً يمكن ان يبرد شيئاً فشيئاً حتي يبرد برودة شديدة بلاشك فلاشك ان بين كونه حاراً شديد الحرارة و بين كونه بارداً شديد البرودة حالة متوسطة بين الحالتين معتدلة بينهما اعتدالاً حقيقياً لبطلان الطفرة و كذا الرطب الشديد الرطوبة اذا اخذ في الجفاف و بلغ غاية الجفاف فلامحالة تحصل بينهما حالة متوسطة معتدلة اعتدالاً حقيقياً فهذا دليل علي امكان حصول الاعتدال الحقيقي و عدم امتناعه بل وقوعه غالباً كثيراً الا ان الاعتدالات تختلف بحسب اجزاء المركب فالاعتدال الحقيقي بين جزئين اكثر وقوعاً من الاعتدال بين ثلثة اجزاء و هو اكثر من الاعتدال بين اربعة و هكذا الي ان ينتهي الي الاعتدال بين جميع الملك فهو الذي لايحصل في اكثر من واحد في جميع العالم كما سنبينه ان شاء الله.
و اما الرد علي ادلة القوم و بيان خطائهم ان كل مولود في عالم الاجسام مركب من العناصر الاربعة الطبيعية و كل عنصر جسم و كل جسم حادث و الحادث لايوجد الا في اربع كيفيات لما برهنا عليه في مباحثاتنا و رسائلنا بانحاء الاستدلال من وجوه شتي و الدليل الاجمالي عليه ان كل شيء اثر فعل الفاعل له و الفعل هو حركة المسمي و الحركة محدثة للحرارة فالاثر مما يلي الفعل حار يابس بحرارة حادثة عن حركة المسمي و ذلك الاثر من حيث نفسه بارد يابس لفقدان حيث الاثرية فيه و عدم ذكر المبدء فيه و بين اعلاه و اسفله رابط يربط حيث الفاعل بحيث المفعول و الرابط لايكون الا رطباً يميل برطوبته كل واحد من الطرفين نحو الآخر فان كل واحد من الطرفين ليبسه الذاتي لايكاد يميل الي الآخر فالرابط الرطب يربط ما بينهما برطوبته و لابد من ان يكون الرابط مناسباً للاعلي من حيث الاعلي و مناسباً للاسفل من حيث الاسفل فلابد و ان يكون الرابط اعلاه حاراً رطباً و اسفله بارداً رطباً و هذا هو الذي ذكره الله في كتابه في قوله و ان خفتم شقاق بينهما يعني بين الذكر و الانثي و الذكر حار يابس في نفسه و هو جهة المبدء و الانثي باردة يابسة في نفسها و هي جهة المنتهي و نفس الشيء
«* مکارم الابرار عربی جلد ۵ صفحه ۴۳۸ *»
و الشقاق يحصل من يبسهما الذاتي المستلزم لعدم الميل و التفرق و الشقاق فابعثوا حكماً من اهله من اهل الرجل و هو الحار الرطب حكم برطوبته و من اهل الرجل بحرارته و حكماً من اهلها من اهل المرأة و هو البارد الرطب حكم برطوبته و من اهل المرأة ببرودته ان يريدا اي الحكمان اصلاحاً تأليفاً و ارادتهما رطوبتهما يوفق الله بينهما و يؤلف بينهما بين الذكر و الانثي فكل اثر لابد و ان يكون فيه هذه الطبايع الاربع فالجسم فيه هذه الطبايع الاربع الا ان الجسم لما ترامي من تحت الفلك الي المركز اختلفت مراتبه في الرقة و الغلظة علي التدرج فلما لطف اعلاه غاية اللطافة و ماس الفلك الدوار المتحرك المحدث للحرارة ظهر في اعلي الجسم الحرارة الكامنة فيه و قويت فكان ناراً.
فالنار حارة يابسة يعني ظهرت بالحرارة و اليبوسة و بقيت البرودة و الرطوبة كامنة ضعيفة و لذا لما اراد الله سبحانه ان لايحترق ابرهيم بالنار قوي ما فيها من البرد و ضعف ما فيها من الحر بقوله يا نار كوني برداً و سلاماً علي ابرهيم فظهرت بالبرودة و لمتحرق ابرهيم.
و اما التراب فلكثافته و غلظته و سكونه المستلزم للبرد قوي فيه البرودة و اليبوسة و كمن فيه الحرارة و الرطوبة فكل واحد من النار و التراب صاحب الطبايع الاربع و الفرق في القوة و الضعف و الظهور و الخفاء.
و كذا الهواء لماكانت ادني من النار و في الوسط مكان الربط و صارت اكثف من النار ظهرت بحرارة اضعف من النار و بالرطوبة و كمن فيه البرودة و اليبوسة.
و الماء لما كان في الطرف الادني و الطف من التراب و في مكان الربط ظهر بالبرودة و الرطوبة و كمن فيه الحرارة و اليبوسة و مثاله في الانسان ظاهر بين حيث ان فيه العناصر الاربع الصفراء حارة يابسة و الدم حار رطب و البلغم بارد رطب و السوداء باردة يابسة و كل واحد منها مركب من العناصر الاربع و الامزجة الاربعة بالبداهة و كذا الامر ظاهر بين في المولود الفلسفي حيث انه مركب من اربعة عناصر الفتي الكرشي الحار اليابس و هو الاحمر الشرقي و ناره و الماء الاصفر الفتي الشرقي و هو هواؤه و الفتاة الغربية و هي الماء الابيض الغليظ و هو ماؤه و الارض المقدسة و هي اكليل الغلبة و هو
«* مکارم الابرار عربی جلد ۵ صفحه ۴۳۹ *»
ترابه مع ان كل واحد من هذه العناصر مركب من العناصر الاربعة بالبداهة.
بالجملة كل واحد من العناصر الاربعة مركب من الطبايع الاربع الا ان الغالب في كل واحد ما ظهر به و يخصه فاذا اراد الانسان تركيباً معتدلاً مزج مابين الطبايع الاربع اي العناصر الاربعة فقوي الهواء و الماء برطوبتهما ما كمن في النار و التراب من الرطوبة حتي اخرجاها من الكمون الي البروز و من الضعف الي القوة و قوت النار و التراب بيبوستهما ما كمن في الهواء و الماء من اليبوسة حتي اخرجاها من الكمون الي البروز و من الضعف الي القوة و قوت النار و الهواء بحرارتهما ما كمن في الماء و التراب من الحرارة حتي اخرجاها من الكمون الي البروز و من الضعف الي القوة و قوت الماء و التراب ببرودتهما ما كمن في النار و الهواء من البرودة حتي اخرجاها من الكمون الي البروز و من الضعف الي القوة و ذلك لما بينا من امكان انتقاص حرارة الماء الساخن الذي قويت فيه الحرارة حتي ظهرت و كمنت فيه البرودة و ضعفت حتي يبلغ حد الاعتدال الحقيقي بين الحار و البارد فلما تقوي كل ضعيف في الاجزاء حتي بلغ مبلغ مقويه وقف الكل في حد الاعتدال و صارت ناره ناراً و هواءً و ماءً و تراباً و كذا هوائه و كذا ماؤه و كذا ترابه فصارت خاصية الكل في الكل و صار كل واحد مطابقاً للآخر في جميع ما له من الكمية و الكيفية و الجهة و الرتبة و الرقة و الغلظة فكأنما صار الاربع جوهراً واحداً معتدلاً فيمتزج بعضه ببعض كامتزاج الماء بالماء و الهواء بالهواء و انت اذا ادخلت ماءً في ماء لايتفككان لتكافئهما بل يمتزجان اشد انحاء الامتزاج لعدم التنافر و التنافي بين الاجزاء فالمعتدل الحقيقي لايتكاد يتفكك اجزاؤه ابداً لانه جوهر واحد فلذلك صار الذهب الذي هو اعدل الاجساد لايكاد يفني بالنار و التراب و الماء ابداً و كلما كان الشيء عدلاً بين الاكثر كان عدم تفككه و وجود تلززه اكثر و كان ادوم و ابقي فان المعتدل بين شيئين لايغلب عليه احد الشيئين فيميله الي حيزه و يفارق الآخر ولكن غير ذينك الشيئين يغلب عليه مثلاً اذا كان شيء معتدلاً بين الحرارة و البرودة لاتصعده الحرارة الي حيزه فتفارقها البرودة او تحترق اذا وصلت حيزها و لاتنزله البرودة فتفارقها الحرارة
«* مکارم الابرار عربی جلد ۵ صفحه ۴۴۰ *»
او تنطفي اذا وصلت حيزها و يبقي بين الحيزين في حيز الاعتدال و اما اذا لميكن في الرطوبة و اليبوسة معتدلاً و كان الغالب الرطوبة امالته الرطوبة الي حيزها و تحل اليبوسة في الرطوبة فيتفكك كونه و يفسد لان ذلك الشيء هو هو اذا كان معتدلاً في الحرارة و البرودة و كانت الرطوبة غالبة و اليبوسة ضعيفة لامعدومة محلولة سائلة فاذا غلبت غلبت الرطوبة و سالت و انحلت اليبوسة و ذابت فسد كونه و انفصلت اجزاؤه و كذا اذا كانت اليبوسة غالبةً و الرطوبة ضعيفة امالته اليبوسة الي حيزها و جففت الرطوبة و فككت اجزائها كما مر و اذا اعتدلت في الطبايع الاربع العنصرية و غلبت فيه العنصرية و ضعفت فيه الفلكية او قويت فيه الفلكية و ضعفت فيه العنصرية.
و بالجملة كلما كان الاعتدال بين الاكثرين كان المفسد لوجوده اقل و كلما كان الاعتدال بين الاقلين كان المفسد لكونه اكثر فالمعتدل الحقيقي بين جميع العالم لامفسد لكونه و لامفني لبقائه و لامعدم لوجوده فلا يفني ابداً و كما انه لامعتدل بين الحرارة و البرودة الا درجة واحدة و مقام واحد من حيث الحرارة و البرودة و ان تعدد من حيث غلبة الرطوبة و اليبوسة او الجهات او الامكنة او الازمنة او الرتب او غير ذلك لامعتدل بين جميع العالم الا فرد واحد اذ لامميز حينئذ يعدده و يكثره لان المعدد المكثر لابد و ان يكون من الامور الخارجة عن حيث الاعتدال كما مثلنا و لما لميكن شيء خارجاً عن الاعتدال في الكل ثبت الوحدة الحقيقية فالمعتدل بين الكل لابد و ان يكون واحداً بالبداهة و ذلك الواحد في جميع الملك هو محمد۹ حيث هو اشرف الخلق بضرورة الاسلام و الادلة العقلية التي طوينا الكشح عنها لعدم كونها من موضع السؤال فهو۹ المعتدل الحقيقي و كل ماسواه من جميع ذرات الوجود منحرف عن قصد الاعتدال لامحالة الا ان بعضاً منها اقرب الي الاعتدال و بعضاً منها ابعد فالاعتدال الحقيقي فيه۹ و كلما سواه ان اعتدل فمعتدل اضافي فدوامه و ثباته و بقاؤه دوام و ثبات و بقاؤ حقيقي و دوام غيره اضافي فلامفني لوجوده ابداً و كل شيء هالك الا وجهه و هو وجه الله الحقيقي
«* مکارم الابرار عربی جلد ۵ صفحه ۴۴۱ *»
و لماكان المعتدل هو الواقف علي الطتنجين و الناظر في المشرقين و المغربين و المهيمن علي النشأتين فهو۹ الواقف علي طتنجي الامر و الخلق و الناظر في مشرقيهما و مغربيهما و المهيمن علي نشأتي الامكان و الكون لما بينا و اوضحنا و شرحنا و اما ساير الائمة: فهم من نوره و من طينته و روحه اولهم محمد و اوسطهم محمد و آخرهم محمد و كلهم محمد ذرية بعضها من بعض فهم جميعهم واحد من حيث النور و الروح و الطينة الا انهم تعددوا في عالم التفصيل في ظهورهم لا في ذاتهم فظهر ذلك النور الواحد في اربععشرة مرآة باربععشرة صورة و لماكانت تلك المرايا ضعيفة الهيئة و الصبغ لمتغلب جهتها علي حيث اعتدالهم و لمتغيره كل التغيير فالغالب عليهم حيث الاعتدال و الوحدة فكان كلامهم واحداً و امرهم واحداً و حكمهم واحداً و فعلهم واحداً لاضمحلال جهة الكثرة فيهم مع ان كل واحد من تلك المرايا بعد تلك الجهة الاجمالية اعدل من جميع ذرات الوجود و لامفني لوجودهم من جميع ذرات الكون بوجه من الوجوه و لذلك لو لميرد النبي او الولي الموت و المرض و القتل لميغير وجودهما و لميفككه شيء ابداً ابداً فكان ذلك باختيار منهم صلوات الله عليهم و تمكين منهم لما شاء الله و اراد من حدوث الاعراض البشرية عليهم و تسليم منهم و الا فلميكن يغيرهم حدوث النوائب و لميكن يعتريهم ريب المنون بوجه من الوجوه و لو شئنا لاستدللنا بالبرهان الواضح الجلي علي لزوم كون اسم ذلك المعتدل الحقيقي محمداً و علي لزوم كون ظهوره باربععشرة صورة و اسم كل واحد منهم ببرهان لايشوبه شك و لاارتياب بل لو شئنا استدللنا علي جميع ما يخصهم و ظهروا به و لاقوة الا بالله و لما لميكن من متعلقات السؤال اعرضنا عنه و لو زدتم في السؤال حرفاً واحداً لزدنا في الجواب حرفاً واحداً. بقي شيء هنا و هو ان المزاج الوحداني المستنتج من ضم الاجزاء هل هو متأخر وجوداً عن الاجزاء ام متقدم عليها فمقتضي الحكمة الربانية ان يكون الاشرف في الامكان مقدماً في الوجود و مؤخراً في الظهور و لاشك ان الوحدة اقرب الي المبدأ و اشرف و احكي للمبدأ من الكثرة و المزاج احدية الكيفية
«* مکارم الابرار عربی جلد ۵ صفحه ۴۴۲ *»
بالنسبة الي الاجزاء فيجب ان يكون المزاج الوحداني مقدماً في الوجود و الكثرات مؤخرة و كل فرد من افراد الاجزاء في الحقيقة حاك لشأن من شئون ذلك الامر الوحداني فهو نسبته اليها نسبة الرحمن الي العرش و كل واحد من افراد انوار العرش حاك لجهة من جهات الرحمن فان الرحمن هو ذوالرحمة الواسعة لجميع الخلق و جهات الخلق مذكورة في الرحمة الرحمانية ذكر صلوح التعلق و الرحمن هو المتصف بتلك الرحمة فكل واحد من النور الابيض و النور الاصفر و النور الاخضر و النور الاحمر مذكور في رحمانية الرحمن ذكر صلوح الافاضة و الاشراق و كذلك المزاج الوحداني مقدم في الوجود مستو علي عرش الكثرات حاو له و مهيمن عليه و طاو لجميع ذراته و كل جهة من جهات الكثرة حاك لشأن من شئون ذلك الامر الوحداني ولكنه مؤخر في الظهور عن الاجزاء ولكن لماكان اكثر الناس يعلمون ظاهراً من الحيوة الدنيا و هم عن الآخرة هم غافلون يعلمون المزاج الحاصل من بعد الاجزاء و هم عن تقدم وجوده غافلون انهم يرونه بعيداً و نريه قريباً فالطعم الوحداني السكنجبيني بالوجود كان مقدماً علي طعم الخل و الانجبين و كان في الغيب لايظهر للطافته فلما اختلط الخل و الانجبين و امتزجا حصل من بينهما مرآة وحدانية قابلة لانطباع ذلك الطعم الوحداني فانطبع فيه نور من حجاب الوحدة فظهر علي ماتري و الطبيعيين لماكانوا عن الغيب عميانين رأوا ظاهره و زعموا تأخر حصول المزاج عن الاخلاط و لميروا ذلك النور المشرق من تحت حجاب الاحدية و ما ذكرنا دليل و آية علي تقدم وجود المعتدل الحقيقي علي جميع الاكوان و تأخر ظهوره كماقال الله سبحانه في وصفه انا اول العابدين و خاتم النبيين و في الزيارة بكم فتح الله و بكم يختم.
و ان قلت علي ذلك كان الواجب ان يظهر النبي مقارناً للقيامة لا في وسط الزمان، قلت ان ظهوره۹ في هذا العالم عالم اللطخ و الخلط و الاعراض كساير الظهورات علي غير النهج الطبيعي الذي يقتضيه قوس الصعود و الظهور لاجل الاعراض الطارية و اللطخ و الخلط الحاصل من امتزاج
«* مکارم الابرار عربی جلد ۵ صفحه ۴۴۳ *»
النور و الظلمة و عليين و سجين منشأ الاحكام النفس الامرية و ما ذكرنا يجري في عالم طالع كونه السرطان و الكواكب في اشرافها و لاتمانع و لاتصادم هناك و يجري هناك الاحكام الواقعية الاولية و لولا هذا التغير و الخلط لكان يسع الحكيم ان يعرف جميع ذرات الامكان لانه ماتري هناك في خلق الرحمن من تفاوت و اما هنا فصار علي طبق الكتاب التدويني الذي منه آيات محكمات هن ام الكتاب و اخر متشابهات و لايعلم تأويل تلك المتشابهات الا الله و الراسخون في العلم و من الآيات المحكمة في الكتاب التكويني القلب في الانسان فانه اول ما يحيي من بدن الانسان العالم الصغير و آخر ما يموت من بدن الانسان فبه فتح الله و به ختم في العالم الصغير كما ان بمحمد۹ فتح و به يختم و يظهر الختم به حيث يظهر في الرجعة ثانياً و يبقي الي ان ترتفع فاطمة ثم الائمة: و يرتفع بعدهم صلوات الله عليهم فيبقي العالم في الهرج و المرج كما انه اذا مات القلب يقع البدن في الهرج و المرج فافهم راشداً موفقاً فان يسر الله شرف الملاقات عرفتم تأويلات ما ذكرنا و بواطنها بالمشافهة.
و اما بيان رفع المنافات بين الاعتدال الحقيقي و بين كلام الشيخ اعلي الله مقامه و رفع في الخلد اعلامه في شرح الفوائد عند ذكر العناصر الاربعة في المشية و عدم تساويهما و التوفيق بين هذا؛ فاعلم انه لاتنافي بين كلامي الحكيم اذ هو ماينطق عن الهوي ان هو الا وحي يوحي و قد قال في محكم كلامه الذي هو تحت كلام الائمة و فوق كلام ساير الخلق في صفة بدء الوجود المطلق ان الله سبحانه قبض من رطوبة الرحمة بتلك الرطوبة نفسها بها اربعة اجزاء بها و من هبائها به جزءاً به فقدرهما بهما في تعفين هاضمتها فانحلا بهما و انعقدا بهما و تراكما بهما و هذا هو المشية.
اعلم انه اعلي الله مقامه و رفع في الخلد اعلامه ذكر في هذا المقام صفة بدء مادة المشية المادة النوعية و لميذكر صفة كونها الشخصي بنسبتها في تزييل الفؤاد و تتمة ما ذكره اعلي الله مقامه ما اذكره لك انه بعد الحل و العقد انعقد بخاراً
«* مکارم الابرار عربی جلد ۵ صفحه ۴۴۴ *»
فارتفع سحاباً مزجي في فضاء الرحمة فتراكم في اعلاه تحت الاسم المحيط فانحل من ذلك السحاب المتراكم بحرارة النار المشرقة من ذلك الاسم ماء فدفعه باسم الباعث الذي هو عين ذلك الاسم المحيط فوقع علي البلد الميت الذي هو نفس ذلك البخار و ذلك الفضاء و ذلك الاسم فانحل منه جزءان بما يشاكله من ارض هي هما و هما تمامها بجزء فاخرج منهما شجرة مباركة زيتونة لاشرقية و لاغربية بل نابتة علي سواء جبل الامكان علي اعدل مايمكن و نحن ايضاً نقتصر بدورته النباتية و الا فله دورة حيوانية و دورة انسانية علي حسبه و لايتم الا باربع دورات ولكن المقصود منا يحصل بهذا المقدار و هو بيان عدم المنافاة بين الاعتدال الحقيقي و بين الفعل مع انه في دورته الاولي خلق من اربعة اجزاء من الرطوبة و جزء من اليبوسة و في الدورة الثانية من جزئين من الرطوبة و جزء من اليبوسة. اعلم انه ليس يمكن الاعتدال الحقيقي في جميع اجزاء الشيء من اول التركيب و في جميع اوقات التدبير فان الاجزاء يخلط بعضها مع بعض شيئاً بعد شيء في وقت دون وقت و انما يحصل الاعتدال بعد التركيب التام و التأليف الكامل و الحلين و العقدين اللازمين في خلق كل مكون ففي الحل الاول تكون الرطوبة اكثر و العقد الاول يكون الين من العقد الثاني فان التدبير في العقد الاول لميتم فيحتاج الي لين قابل للتدبير و لايجب ان يكون الشيء معتدلاً في مبادي تكونه و الا لكان الشيء تاماً قبل ان يتكون و هو باطل بالضرورة فماسمعت من كثرة الرطوبة في الحل الاول فلاجل انه يحتاج اليها في حل الجزء اليابس في العقد الاول و في حل الجزء اليابس في الحل الثاني فما لمتكن الرطوبة غالبة لمتحصل الحل ابداً لان الحل لايكون الا بحرارة و رطوبة فاذا لمتكن الرطوبة زائدة جففتها الحرارة قبل ان تحل اليبوسة فغلبت علي اليبوسة فاحرقتها فاحتيج الي رطوبة زائدة تقاتل النار عن اليبوسة في العقد الاول و في العقد الثاني و تنحل في هاضمة الحرارة و الرطوبة تلك الجزء اليابس و تغلظ الرطوبة و تكون الرطوبة مقداراً اذا غلظتها الجزء اليابس بقي لها رطوبة غالبة ايضاً تقاتل النار عن الجزء اليابس الثاني
«* مکارم الابرار عربی جلد ۵ صفحه ۴۴۵ *»
الذي هو بالنسبة الي اليابس الاول ضعفان كما مر فلذلك احتيج الي اربعة اجزاء من الرطوبة في مبدء التكوين و لميزد علي الاربعة اجزاء لسر قد كتمه الشيخ اعلي الله مقامه و مثل له بتمثيلات علي الابهام و انا اشير لك اليه ان شاء الله تعالي ببيان سهل ممتنع.
اعلم ان الكائن الاول لما تجلي حصل لتجليه اربع جهات الجهة الاولي جهته الي ربه و هي حيث حكايته له و حيث فنائه في نفسه و بقائه بربه فهو الكائن بكينونة ربه قبل مواقع صفات تمكين التكوين كنزاً مخفياً. و الجهة الثانية جهة ميل تلك الكينونة الي الاسفل و محبته للمعرفة و المعروفية و مقام احببت ان اعرف. و الجهة الثالثة جهة المعرفة و ظهور المعروف للخلق بالخلق. و الرابعة جهة الخلق و جهة الشيء الي نفسه فلما قام عرش التجلي علي قوائمه الاربع استوي عليه الرحمن برحمانيته و اظهر منه آثار قدرته و اليه الاشارة في قوله تعالي قل مايعبؤ بكم ربي لولا دعاؤكم، فلما ظهرت هذه الجهات الاربع علي نهج الاعتدال تركبت و اعتدلت لانه اول شكل التركيب و التأليف و ظهر فيه سر الوحدانية لظهور الالتيام التام في الاجزاء بسبب الاربعية و لهذه الجهة صار المربع في الاشكال الوفقية شكل التأليف و التركيب و قامت زواياه و ليس شكل من الاشكال يقوم جميع زواياه الا المربع و لعلك تعلم ان الزاوية لاتكون معتدلة الا ان تكون قائمة فان الحادة ناقصة و المنفرجة زائدة و التامة التي لازايد فيها و لاناقص هي القائمة فالمعتدل من كل جهة لابد و ان يكون جميع زواياه معتدلاً قاسطاً و يكون كل ضلع قائماً علي الضلع الآخر غير مائل الي جهة من الجهات لانه لايقرب من جهة الا و يبعد عن الاخري و يخرج عن قصد السواء فاذا اعتدل كل ضلع قام الشكل مربعاً قائمة الزوايا و تعلقت به روح الالفة بخلاف الزاوية المنحرفة فانه لايتعلق به روح التقريب و التأليف من جهة الا و يتعلق به روح التبعيد و التفريق من اخري فهو و ان كان يقتضي التأليف من جهة الا انه يقتضي التفكيك من اخري فلذلك انحصر شكل التأليف في المربع القائمة الزوايا و
«* مکارم الابرار عربی جلد ۵ صفحه ۴۴۶ *»
كذلك اجزاء التجلي تكون مقتضية للتأليف الجاذب لروح الوحدة و الاتحاد اذا كانت اربعة و يكون كل ضلع قائماً علي الضلعين من جهتيه و تكون معتدلة في طبايعها كما مر و كما نمثل له في الهامش فاذا كانت الزاوية الحارة حادة تصير الحرارة زايدة لامحالة و كذا اذا كانت اليابسة حادة فاليبوسة او الباردة فالبرودة او الرطب فالرطوبة و اذ كانت احدي الزوايا منفرجة صار طبع تلك الزاوية اضعف لامحالة فان كل طبع يتقوي بمثله و يضعف بضده فيكون طبع الشكل معتدلاً في الطبايع الاربع اذا كان معتدلة الزوايا فلما احب الله ان يعرف و خلق الخلق ليعرفوه و ماكانوا يعرفوه الا بظهور سر الاحدية فيهم و لايظهر سر الاحدية في شيء الا ان يكون كاملاً جامعاً لجميع ما به قوامه و ثباته في تلك الرتبة ظهر كل اثر مربع الكيفية جامعاً لجهة المبدء و المنتهي و الربط بينهما بالقابلية و المقبولية فظهر فيه سر الواحدية و استوي علي عرش كينونته الرحمن برحمانيته فعرفوه بما عرفهم من نفسه و اراهم من آيات احديته و ليس سر التربيع منحصراً في وجه او وجهين بل له اسرار غريبة و جهات عديدة طوينا الكشح عن ذكرها خوف الاطالة و ارجو ان تكون الاشارة كافية لذلك الجناب. فلما كان الاعتدال الحقيقي في الاربعة احتيج الي اربعة اجزاء من الرطوبة و حصل فيه ذكر القابض و القبض و الانقباض و المقبوض فقبضه الحكيم باربع اصابعه و وضع عليه ابهامه المهيمن علي الكل فانقبض في يد الحكيم بمقاماته الخمسة و لذلك لما اراد الفلسفي حل حبره ارسل علي الحبر اربعة اضعافه ماء و استنبطه بعد الحل فحصل له الماء الغليظ المسمي عنده بنطفة الرجل فقول من قال بارسال ثلثة اضعافه خارج عن الرشد و الصواب و الحق ما ذكرنا فتدبر فقبض الله سبحانه اربعة اجزاء من رطوبة الرحمة لانيحصل به الاعتدال الحقيقي و لايزيد علي ما يحتاج اليه و لاينقض (ينقص ظ) فحل اولاً في هذه الاربعة
«* مکارم الابرار عربی جلد ۵ صفحه ۴۴۷ *»
اجزاء جزءاً يابساً فغلظ قليلاً و انعقدت الرطوبة فيه و تم به الخلق النوعي ثم اخذ نصف هذا المجموع اليبوسة للتركيب الشخصي كما بينا و جعلت الرطوبة في هذه المرة ضعفي اليبوسة لحل اليبوسة و مقاتلة الرطوبة عن اليبوسة النار و تصير نار اسم القابض بفضل هذه الرطوبة حارة رطبة و تحصل به القوة الهاضمة الكيموسية و يكون للمركب فضل رطوبة بها يتشكل كيف ما يريد الحكيم و كذلك الحكيم يدخل علي المركب ضعف وزنه من النفس المدخرة عنده ثم يعفنه في زبل الخيل الرطب اربعين يوماً و كذلك تقدير العزيز العليم في تركيب النبات فيجعل الرطوبة ضعفي اليبوسة لحل اليبوسة و بقاء رطوبة للتشكل فلما صاغها كيف ماشاء عقدها تحت الشكل علي ما شاء فحينئذ يحصل الاعتدال بين الاخلاط الاربعة الرطوبة و اليبوسة و الحرارة و البرودة فيكون المركب معتدلاً يظهر منه آثار الكيفيات الاربع فيصعد بحرارته و يشيعها الاخلاط الثلثة الاخر و ينزل البرودة و يشيعها الاخلاط الثلثة الاخر و يمتد برطوبته و يشيعها الاخلاط الثلثة الاخر و يتمسك بيبوسته فيشيعها الاخلاط الثلثة الاخر فيحصل بذلك النماء الي ما شاء الله فينبت به شجرة طيبة معتدلة اصلها ثابت و فرعها في السماء تؤتي اكلها كل حين باذن ربها فلااختلاف بين كلامي الحكيم باذن الله سبحانه و احد كلاميه بيان المنتهي و الآخر بيان المبدء و الحمدلله اولاً و آخراً.
قـال سلمه الله: و مسألة الوجود و الماهية و كون جعل الماهية مترتباً علي جعل الوجود و قول مولينا ان الماهية نسبتها الي الوجود نسبة الواحد الي السبعين بياناً شافياً ان شاء الله حتي نستفيض من كلماتكم الشريفة و تحقيقاتكم المنيفة الكتاب.
اقـول: اعلم ان هذه المسألة ايضاً من مشكلات المسائل التي لميفض ختامها و لميكشف لثامها و لميجب عن حقيقتها الا بقدر ما يتحملها الزمان و يقتضيه المكان و نحن ايضاً نذكر لك ان شاء الله ما يقتضيه الوقت و لعل الزمان صار انضج و اعدل مما سلف فنزيد في البيان بقدر انتضاج الزمان و لاقوة الا بالله العلي
«* مکارم الابرار عربی جلد ۵ صفحه ۴۴۸ *»
العظيم.
اعلم ان الله سبحانه كان في عز جلاله و قدس كماله واحداً احدي المعني ليس فيه ذكر شيء لا بوجود و لا بعدم و لا بنفي و لا باثبات لا عيناً و لا كوناً و لا امكاناً و كان سبحانه باحديته غيرمتناه الي شيء سواه اذ لاشيء سواه و لايحويه مكان و لايحيط به زمان و لميكن خلواً من ملكه قبل تكوينه و لافاقداً لسلطانه قبل ايجاد خلقه ثم تجلي من غير ان يتغير عن كيانه و من غير ان يشوبه شيء لا في مكان و لا في زمان و لا بكيف و لا علي كم و لا في رتبة و لا في جهة اذ جميع ذلك من حدود تجلياته فلميكن قبل تجليه حتي يقع فيه و ليس قولي انه تجلي علي معني انه تحرك بعد سكون او نطق بعد سكوت او لميكن تجليه في حد التجلي فحدث في ذلك الحد تجل بعد ان لميكن بل قولي انه تجلي تعبير عن كيان خلقه الذي هو جلوته بلاارتباط به و لااقتران و لااضافة و لانسبة لان احديته سبحانه قد طوت جميع ذلك فلايجري عليه ما انطوي تحت احاطته و سلطانه فكيان خلقه في حد خلقه هو المراد بقولي تجلي فلايلحظ فيه الفعلية لان الفعل ليس الا حركة المسمي و الحركة لابد و ان تكون بعد سكون و لاحركة و لاسكون هنا و ليس هذا التجلي في قطر و هو سبحانه في قطر آخر و لا في رتبة و هو في رتبة اخري و لا في حيز و هو في حيز آخر و لا في جهة و هو في جهة اخري بل هو سبحانه داخل فيه لا بممازجة و خارج عنه لا بمفارقة طاوله لا باتحاد و مباين عنه لا بافتراق و قد طوي باحديته جواهر الخلق و اعراضه و ذواته و صفاته و حاده و محدوده فلميبق مكاناً وجودياً من الخلق الا و هو سبحانه فيه بلاتحديد و لانهاية فهو اذ ذاك هو ليس معه شيء سوي ذاته القديمة الاحدية و تجليه اذ ذاك تجل خلق ليس بحق ابداً و ليس هو سبحانه مع ذلك بكل خلقه و لا بعضه و لا حده و لا محدوده و قد طوي الكل و البعض باحديته و لماكان هو سبحانه احداً حقيقياً وجب ان يكون تجليه كاملاً اذ كمال التجلي دليل الاحدية الحقيقية فلو كان ناقصاً لدل علي الواحدية او الاثنينية او الثلثية الي غير ذلك و هذا امر دقيق و بحر عميق فباحديته سبحانه كمل تجليه ليدل عليه و لو كان تجليه ناقصاً لدل علي ان الخلق
«* مکارم الابرار عربی جلد ۵ صفحه ۴۴۹ *»
خلق غيره تعالي الله عن ذلك علواً كبيراً و مع ذلك لارابطة بين تجليه و بين احديته لان بوجود الرابطة يثني الاحد و يجزي و كذا لانسبة و لااضافة لتلازم كل ذلك التجزية في الله سبحانه فهو احد و خلقه كامل لانهاية له و غاية دلالة كما له علي ما اشرق عليه من نور الاحد فالدال و المدلول عليه متصاقعان لامحالة و الاحدية اضافية هنا لاحقيقية فانها مخصوصة بذات الحق سبحانه فاذا صار التجلي كاملاً كان فيه ما هو هو به و فيه و منه و له و عليه و جميع ما يحتاج وجوده و دوامه به فبكماله دل علي الغناء المطلق و رجع من الوصف الي الوصف و دام الملك في الملك فلايرتبط بغيره و لاينتسب الي غيره و لايستمد من غيره و لايكون من غيره و لايؤل الي غيره الا انه مفتقر الي ربه بلاكيف و ربه جابر لكسره به و ساد لفاقته به بلاكيف و لاجهة و لاحيث و لايدرك هذا الافتقار من الكل اليه سبحانه بلااضافة و لاكيف الا الفؤاد الفقير الخاضع لربه فلذلك قد ضلت الاوهام و حارت الاحلام و زلت الاقدام فضلوا ضلالاً بعيداً و لميهتدوا سبيلاً لان المنزه عن الكيف لايدرك بالمدارك المكيفة فلما كان التجلي كاملاً واجداً لجميع مايقف عليه و به وجوده دل علي اتحاد التدبير و احدية المدبر و كان فيه العلل و المعلولات و الاسباب و المسببات و المبادي و المنتهيات و الدوال و المدلولات و الحدود و المحدودات و الاوصاف و الموصوفات و الاشعة و الذوات فبذلك رجع من الوصف الي الوصف و دام الملك في الملك و لميفتقر الي غيره ابداً الا الي باريه و منشئه به بلاكيف و لانسبة و لاارتباط فهذا التجلي لماكان حائزاً لجميع ما يفتقر اليه وجوده و لابد لكل موجود ان يكون فيه جهة البساطة و جهة الانبساط ليكون هو هو ببساطته كاملاً فيما هو به هو بانبساطه كان هذا التجلي بسيطاً من حيث الاحدية و منبسطاً من حيث نفسه و حيث بساطته طاو لحيث انبساطه فهو بكله بسيط و بكله منبسط و صار منبسطاً لكمال بساطته و صار بسيطاً لكمال انبساطه و لولا كمال انبساطه لميكن بسيطاً و لولا كمال بساطته لميكن منبسطاً. امثل لك في هذا المعني مثالاً و هو ان الذي ينبسط الي عشرة افراد او خمس اثنينات او خمسين
«* مکارم الابرار عربی جلد ۵ صفحه ۴۵۰ *»
ليس الا العشرة و الذي ينبسط الي مأة افراد او خمسينين او اربع خمسعشرينات او خمسعشرينات مثلاً ليس الا المأة و الذي ينبسط الي الف فرد او عشر مآت او عشرين خمسينات مثلاً ليس الا الالف فلاينبسط الي المحدود الا المحدود و اما الذي ينبسط الي افراد لانهاية لها فهو الاحد الغير المحدود فالاحد لبساطته التامة انبسط الي ما لانهاية له و الاعداد لانبساطها الغير المتناهية صار كلها احداً و لماكان الكل احداً و كان الاحد بسيطاً لاجزء له صار كل فرد من الاعداد احداً تاماً فالاثنان احد و الثلثة احد و لاتمايز في الاحد و انما التمايز في الاثنين و الثلثة من حيث انفسها و لاتنافي هذه التمايزات الاحدية و لاتجزيها و لاتكثرها فالاثنان بمادته و صورته و الثلثة بمادتها و صورتها احد بسيط لامادة فيه و لاصورة و هذا امر مبهم و سر منمنم لايعرفه الا الخصيصون فكذلك جميع هذا التجلي احد بسيط و من حيث نفسه كثير منبسط و لاينافي هذا الانبساط تلك البساطة بل لكمال بساطته انبسط الي ما لانهاية له و بذلك الانبساط تحققت بساطته و لعدم تناهيه من حيث الانبساط صار احداً بسيطاً فكل جزء من اجزائه احد بلاتمايز في الاحدية و كل جزء هو هو ممتاز عن غيره بما يخصه من الصور و لاتنافي تلك التمايزات الاحدية بل بعدم تناهي كثرة تلك التمايزات صار الاحد احداً كماقلنا من انه لكمال الانبساط صار بسيطاً و لكمال البساطة صار منبسطاً فكيف تنافي هذه التمايزات الاحدية فتبين لاصحاب الادراك الاحدي ان هذه الكثرات من نفس الاحدية و من متمماتها و مكملاتها و ليس انها لمتكن ثم كانت بل كانت بكينونة التجلي و هذا الاحد البسيط هو الذي نعبر عنه لاصحاب المجادلة بالوجود و تلك الحدود هي التي نعبر عنها لاولئك بالماهية و نعبر عنهما لآخرين كما عبر عنهما الرضا۷ حق و خلق لاثالث بينهما و لاثالث غيرهما و هذا الوجود الحق الذي شرحنا و اوضحنا هو اجل و اعز من ان يقال له الجعل او المجعول اذ لاجعل هناك و لاحركة و لااحداث و هو العنوان الحق و المجهول المطلق و اللاتعين و المجهول النعت و اما الوجود الجعلي فهو الوجود الكلي المعنوي الذي لاقوام له الا بالحدود
«* مکارم الابرار عربی جلد ۵ صفحه ۴۵۱ *»
المعنوية و ذلك مما اشتبه علي كثير ممن يتكلم في العلم بغير علم و هو الوجود المطلق و فلك الولاية و الحقيقة المحمدية و اما الوجود المجعول فهو مادون ذلك من الوجودات الي ما لانهاية له فالوجود له مقامات عديدة اولها فوق الجعل و المجعول بل الجاعلية و هو في مقام البيان و اما الوجود الثاني فهو مقام الجعلية و مقام المعاني ولكن الوجود هيهنا مجعول بنفسه دون غيره و الثالث مقام المجعولية بالغير و لهذا الوجود مقامات عديدة فمنها الوجود القدسي و منها الوجود الطبيعي و منها الوجود الهبائي و منها الوجود المثالي و منها الوجود الجسماني و منها الوجود الفلكي و منها الوجود العنصري و منها الوجود الصناعي و كل هذه الوجودات وجودات مقيدة مشروطة بشروط علي حسب مراتبها فكل ما قرب من المبدء قلت شروطه و كل ما بعد عن المبدء كثرت شروطه.
فاول الوجودات هو الوجود الحق ليس له شرط و لاقيد لا بنفي غيره و لا باثباته و لا بعدم غيره و لا بوجوده بل هو هو اذ ذاك هو لاسواه علي معني الامتناع الوجداني.
و الوجود الثاني هو الوجود المطلق فهو مشروط بتجلي الوجود الحق له به لا بنفس الوجود الحق اذ لايكون مشروطاً حتي يكون الوجود الحق شرطاً و لايكون الوجود الحق شرطاً الا ان يكون توقف وجود غيره به مذكوراً فيه و لو بالصلوح. فظهر ان الوجود المطلق ليس مشروطاً بذات الوجود الحق و انما هو مشروط بفاعليته الظاهرة في الوجود المطلق به فهو اذاً مخلوق بنفسه مشروط بنفسه و لذا سميناه الراجح لكونه برزخاً بين الوجوب و الجواز فالواجب هو هو لاشرط و لامشروط لانفياً و لااثباتاً و الجايز مشروط بالغير و اما الراجح فمشروط بفاعلية الواجب الظاهر له به فاذاً يرجح وجوده لوجود المقتضي و فقد المانع.
و الوجود الثالث هو الوجود المقيد و هو مشروط بالوجود المطلق و الوجود المطلق شرطه فهو مذكور فيه بصلوح التعلق فلذلك صار الوجود المطلق مقام الواحد المذكور فيه النصف و الثلث و الربع الي آخر الكسور و التضاعف مرة بعد
«* مکارم الابرار عربی جلد ۵ صفحه ۴۵۲ *»
اخري و حصول الاعداد المتكثرة منه بالتكرار فان جميع الاعداد آحاد متكثرة و يمكن تكرره و اقتران بعضه ببعض فكلها مذكورة في الواحد بالصلوح و الواحد برزخ بين الاحد و الاعداد.
و اما ساير الوجودات فهو مقام الاعداد الحاصلة من تكرر الواحد و لعلك تعلم ان الشيء لايتكرر في رتبة ذاته و انما تكرره في تجلياته و ظهوراته فالاعداد ليست في رتبة الواحد و انما هي تنزلاته و ظهوراته علي حسب القوابل فالواحد واحد و كل واحد من افراد الاعداد في نفسه واحد و انما الثلثة و الاربعة و الخمسة اسم لاقتران الآحاد فكما انه لاشيء الا الاحد لاشيء الا الواحد و كما ان الاحد طاو لجميع الاعداد كذلك الواحد بعده طاو لجميع الاعداد و انما الفرق بينهما بذكر صلوح الاعداد و عدمه فلذلك ينفي الكل بنفي الاحد و الواحد كما اذا قلت ليس في الدار احد و ليس في الدار واحد و لاينفي الكل بنفي الثلثة فاذا قلت ليس في الدار ثلثة يحتمل ان يكون اثنان و لهذا السر ينفي نفي كل اقل الاكثر فنفي الثلثة ينفي الاربعة فاذا لميكن في الدار ثلثة يمتنع ان يكون اربعة لان الاربعة كل واحد منهم واحد و واحدان منهم اثنان و ثلثة آحاد منهم ثلثة و الكل الاربعة فاذا نفي العالي نفي الداني لامحالة اللهم الا ان يقصد بالعدد تمام ما في الدار و ينفي فحينئذ لاينافي وجود الاقل و الاكثر فاذا قال ليس في الدار ثلثة و اراد تمام من في الدار فيحتمل ان يكون من في الدار اثنان او اربعة او ازيد لان جميع من في الدار ليس ثلثة و اما اذا اريد وجود نوع الثلثة و لو في ضمن الاكثر ينفي بنفي الاقل الاكثر لامحالة فبنفي الاحد و الواحد ينفي كل الاعداد و بنفي غيرهما لاينفي الكل و هذا دليل ظاهر محسوس علي ان الواحد ايضاً طاو لوجود جميع الاعداد كما ان الاحد طاو لها و الفرق بينهما بذكر صلوح التكرر و عدمه فافهم فالواحد في نفسه لايتكرر و لايتعدد و انما هو في مقامه بحسبه جوهر لااختصاص له بظهور دون ظهور فاين ما وجد له مظهر يظهر فيه اذ هو فوق المكان مهيمن عليه فيظهر في دفعة واحدة في امكنة متعددة اذ نسبته الي الامكنة علي نهج سواء فاين ما وجد مظهر يظهر فيه بكله من غير تبعيض لان الذي في المكان تختلف نسبته الي
«* مکارم الابرار عربی جلد ۵ صفحه ۴۵۳ *»
الامكنة و لايمكن ان يظهر بكله في مكانين في آن واحد الا ان يتبعض و اما الذي هو فوق المكان فلنسبته الي الامكنة علي حد سواء فيظهر بنفسه بتمامه و بكله في كل الامكنة و ربما نمثل لجامدي المدارك لهذا الظهور بالشمس و النور فيتصور المنير و النور في عالم واحد كالشمس و نورها فيتصور المنير في جهة و النور في اخري و حاشا ان يكون كذلك ظهور الظاهر في ظهوراته بل ظهور الظاهر علي قول مطلق في ظهوراته بنفس تلك الظهورات المنطوية تحت الظاهر الطاوي لها النافذ فيها اي في جميع امكنتها الوجودية فلاظهور الا له و لاظاهر الا هو و ليس نفس الظاهر يتفصل بنفسه و يتجزا اذا ظهر في ظهوراته لان الشيء يتجزا بحدود غيره و يتمايز كل شيء عماسواه بماسواه و لاشيء سوي الظاهر في رتبته و في رتبة ظهوره فكيف يتجزي نفس الشيء بعين نفسه دون غيره بالجملة كذلك نسبة الوجود المطلق الي ساير الوجودات المقيدة فليس شيء الا الوجود المطلق اذ ذاك وجود مطلق و لاشيء الا ظهوره اذ ذاك ظهوره و لامعني للظهور الا ما ذكرنا فجميع الوجودات المقيدة منطوية تحت الوجود المطلق انطواء الاعداد تحت الواحد و الواحد منطو تحت الاحد فهو اذ ذاك احد لاشيء الا الاحد و هو اذ ذاك واحد لاشيء الا الواحد و هو اذ ذاك اعداد لاشيء الا اعداد و وجودات مقيدة و تلك الوجودات ايضاً بعضها مقدم علي بعض تقدم بعض الاعداد علي بعض كما مر بحيث ينفي كل ادني بنفي كل عال لانه اذا نفي الطاوي ينفي المنطوي لامحالة فالاثنان مثلاً طاو لجميع الستةعشر فانه ثمانية اثنينات و كل واحد من هذه الثمانية اثنان يصدق عليه الاثنان بتمامه و بكله و الاثنان حقيقة مجردة عن كثرات هذه الثمانية اثنينات بل هو حقيقة سارية في كلها طاو لجميعها و جميعها منطو تحته و هو نافذ باحديته و واحديته الاضافية في جميع محدودها و حدها و موصوفها و وصفها فلاشيء الا اثنان اذ ذاك هو اثنان و لاشيء الا الستةعشرة اذ ذاك ستةعشرة فنسبة الاثنان الي الستةعشرة كنسبة كل واحد من الوجودات المقيدة الي ظهوراتها و انوارها و آثارها و انت تعلم ان الظهور ظهوران ظهور كلي و ظهور جزئي فالظهور الكلي هو الماهية الكلية و
«* مکارم الابرار عربی جلد ۵ صفحه ۴۵۴ *»
الظهورات الجزئية هي شئوناتها و اطوارها و ابعاضها فالظهور الكلي هو الماهية المطلقة الكلية و الظهورات الجزئية هي شئون الماهية و اطوارها و جميع هذه الماهيات ظهورات ذلك الامر الوحداني النافذ باحديته في جميع امكنة هذه الظهورات الوجودية علي انه لاشيء الا ذلك الامر الوحداني حين هو ذلك الامر و لاشيء الا هذه الظهورات حين هي ظهورات و الماهية غير الوجود و تحته تابعة له و حقيقتها مبهمة علي كثير ممن ينتحل العلم و انا اشير لك هيهنا و لاقوة الا بالله.
اعلم ان الماهية بقول مطلق هي انية الاشياء من حيث هي هي فهي تابعة للوجود متأخرة عنه لضرورة انها لايمكن ان تتقدم علي الوجود لان غير الوجود عدم و العدم لايتقدم علي شيء و لايمكن انتساوق الوجود فانها غير الوجود و ليس في رتبة الوجود غيره لانه جوهر غير محدود و لامتمايز و ليست بعين الوجود من كل جهة لانه خلاف المحسوس فهي متأخرة عن الوجود فهي تابعة له و قد اختلفت الحكماء في الشيء انه ما هو فمنهم من زعم ان الشيء هو الوجود و الماهية عرض حال به و ارادوا بالوجود وجود الحق سبحانه و هذا قول جميع من الصوفية خذلهم الله. و منهم من زعم ان الشيء هو الماهية و الوجود عارض عليها كالمشائين و المتكلمين. و منهم من زعم ان الشيء هو الوجود و الماهية انما وجدت بتبعية الوجود و هي لمتشم رايحة الوجود كبعض الاشراقيين.
و الحق الذي يساعده الكتاب و السنة و دليل العقل المستنير الموزون بهما ان الشيء مركب من الوجود و الماهية قائم بهما قيام ركن و الوجود قائم بالماهية قيام ظهور و الماهية قائمة بالوجود قيام تحقق و هما قائمان بامره قيام صدور و من آياته ان تقوم السماء اي الوجود و الارض اي الماهية بامره قال الله سبحانه و من كل شيء خلقنا زوجين و قال الرضا۷ ان الله سبحانه لميخلق شيئاً فرداً قائماً بذاته دون غيره للذي اراد من الدلالة عليه، نقلته بالمعني و لعل في لفظه تغيير جزئي. و قد قال محققوا الحكماء ان كل ممكن زوج تركيبي و دل العقل القاطع عليه كما قدمنا آنفاً من انه لايمكن ان يكون شيء الا و له جهة الي ربه و هو جهة بساطته
«* مکارم الابرار عربی جلد ۵ صفحه ۴۵۵ *»
و جهة الي نفسه و هي جهة بسطه و انيته و ذلك محسوس في الاشياء الصناعية و الطبيعية الا تري ان السرير مركب من خشب و هيئة خاصة و السكين مركب من حديد و هيئة خاصة و هكذا ساير الاشياء الصناعية فليس شيء منها الا و له مادة و صورة تلقي عليها و قوام الشيء بهما و هما ركنا كونه في الخارج فلا لمادته ظهور من غير صورته و لا لصورته تحقق بغير مادته و كذا الامور الطبيعية فكل نبات مركب من العناصر الاربعة و هيئة خاصة و كذا كل حيوان و كل انسان و كذا نفس العناصر فكل عنصر مركب من جسم قابل للابعاد و كيفية خاصة و هكذا الافلاك فكل فلك مركب من جرم قابل للابعاد و هيئة خاصة و قد علم اولواالالباب ان الاستدلال علي ما هنالك لايعلم الا بما هيهنا. فهنالك ايضاً كذلك و المادة هي الوجود علي اختلاف مراتبه لانها الركن الاقوي و الصورة تقوم بها و الصورة هي الماهية لانها هي الركن الاضعف و تابع للمادة فكل شيء مركب من وجود و ماهية و مادة و صورة و الصورة هي انية السرير و ما به السرير سرير و ليس الخشب كذلك اذ السرير منه لا به و لو كان السرير بالخشب سريراً لكان الضريح ايضاً سريراً لان الخشب الذي به السرير سرير موجود هنا فالسرير من الخشب و بصورته الخاصة فانية السرير و ما به هو هو الصورة و هي جهة تمايزه بها عن غيره و اما الخشب فهو جهته الي ربه و جهة بساطته و عدم امتيازه عن غيره عما يصنع من الخشب فالخشب جهة البساطة و الصور جهة الانبساط اما الوجود فهو المفاض من الامر الالهي اي جهة الاشياء الي الامر الالهي اي اعليها و بساطتها و هو اثر له و شبح منفصل منه مفتقر اليه منطو تحته علي ما مر و لااشكال في تكونه و اما الماهية فهي نفس ذلك الوجود و ما بها ذلك الوجود ذلك الوجود كما قدمنا آنفاً ان كمال الانبساط سبب البساطة و بساطة كل بسيط بقدر انبساطه و قد قدمنا ذلك و شرحنا و اوضحنا فالماهية منطوية تحت الوجود انطواء الاثنينية تحت الاحد علي ما مر علي ما معني انك لو كسرت الحدود و الصور و اذبتها و حللتها لميبق الا الوجود كما انك لو كسرت الحروف و اذبتها و حللتها لميبق الا المداد و المداد هو الوجود و الصور الحرفية هي الماهية و كل حرف مركب من
«* مکارم الابرار عربی جلد ۵ صفحه ۴۵۶ *»
وجود و ماهية اي من مداد و صورة خاصة فالمداد طاو لجميع الحروف ببساطته و الحروف هي انبساط ذلك البسيط و قد اخطأ القوم حيث اجروا ذلك في الله سبحانه و انما هو وصف المادة و ليس الله سبحانه بمادة خلقه فان المداد و ان كسرت فيها الحروف و اذيبت فاتحدت الا ان المداد فيه صلوح التطور بجميع التطورات الحرفية و ذلك الصلوح هو الماهية الكلية النوعية للمداد و ليس في الله سبحانه صلوح التطور بالاطوار الخلقية و ليست فيه الماهية الكلية النوعية اذ هو سبحانه احد غير مركب فهذا الوصف لايطرد الا في المواد و لابأس به فيها لان الشيء مركب من مادتين و صورتين المادة الاولي هي المادة النوعية و الصورة الاولي هي الصورة النوعية و فيهما خلقة المداد الكلي و الخشب الكلي و الحديد الكلي و كل نوع و المادة الثانية هي قبضة من هذه المادة الكلية و الصورة الثانية هي الصورة الشخصية و مثالهما القطعة من المداد و صورة الالف اي الطول مثلاً فالصور الشخصية لو كسرت و اذيبت صارت صورة نوعية مدادية كما ان القطعات المدادية لو كسرت و اذيبت صارت مادة نوعية متلبسة بصور نوعية و تعالي الله انيكون كذلك علواً كبيراً و هم لايجرون في حق الواجب الا هذا انظر الي شعر شاعرهم:
و ما الناس في التمثال الا كثلجة | و انت لها الماء الذي هو نابع | |
ولكن يذوب الثلج يرفع حكمه | و يوضع حكم الماء و الامر واقع |
و قال آخر:
انظر فما رأيت سوي البحر اذ رأيت | موج بدا و فيه بدا منه ما بدا |
فالماهية هي نفس الوجود في كل مقام و بسطه و ما به هو بسيط و جوهر واحد و لولا الماهية ما ظهر للوجود في عالم تلك الماهية فان كانت نوعية لميظهر الوجود لولاها في النوع و ان كانت شخصية لميظهر لولاها في الاشخاص و هي في كل عالم انبساط الوجود و ظهوره و هو طاو لظهوره طي الاحد للاعداد و البحر للامواج و نافذ في جميع حدودها فهو اذ ذاك وجود و لاماهية حين هو وجود و هي اذ تيك ماهية و لاوجود و لاشمت رائحته حين هي ماهية كالاثنين الذي هو احد
«* مکارم الابرار عربی جلد ۵ صفحه ۴۵۷ *»
حين هو احد و لاكثرة و لاتمايز و لااقتران و لاشيء سواه و هو اثنين متكثر ممتاز حين هو اثنين و لميشم رايحة الاحد و لولا حدود الاعداد لميظهر الاحد ابداً فهو اي الاحد لكمال انبساطه صار بسيطاً و لكمال بساطته صار منبسطاً و كذا الوجود لكمال بساطته ظهر في الانواع و الاشخاص و الانواع و الاشخاص كماله و لو كان الوجود تاماً لكان واجداً لما به هو هو و لميظهر في معني و لاصورة و لا في نوع و لافصل فبكماله ظهر و ظهوره ماهيته و لقد كررنا العبارة و رددنا الاشارة لما فيها من الخفاء و الدقة و معذلك لو فهم امرء فهو هو اذ دونه خرط القتاد و اما كون جعل الماهية مترتباً علي جعل الوجود و ان كان ظهر مما بينا و شرحنا لمن كان له قلب او القي السمع و هو شهيد الا انه نبينه ايضاً لآخرين ليعلم كل اناس مشربهم.
اعلم انك بعد ما عرفت ان الوجود المقيد مجعول اي مخلوق بمشية الله سبحانه بمادته و صورته اذ لولا كونه مخلوقاً لكان قديماً اذ الممتنع ليس بشيء و لاكلام عنه و لاواسطة ايضاً بين الحق و الخلق كما قال الرضا۷ حق و خلق لاثالث بينهما و لاثالث غيرهما، و المفروض المعروف عندكم انه مخلوق و عرفت ان الاثر لابد و ان يكون مشاكلاً لصفة مؤثره اذ لولا التشاكل لامتنع صدور الضد عن ضده و للزم ان يكون الشيء علي خلاف ما اراد الله فاذاً هو اما قديم و اما مخلوق لغيره سبحانه و تعالي الله عن ذلك علواً كبيراً بل هذا كلام قشري ظاهري و المؤثر ليس بمؤثر الا بنفس ذلك الاثر في صقع ذلك الاثر للزوم اتحاد صقعي المشتق و المبدء بل اتحادهما من كل وجه فلايعقل اختلاف الاثر و المؤثر و تضادهما لابد و ان يكون كل واحد من الوجود و الماهية مخلوقاً مجعولاً له سبحانه و لما كان الوجود بالضرورة غير الماهية لانه جهة البساطة و الوحدة و الاشتراك. و الماهية بالبداهة غير الوجود لانها جهة الانبساط و الكثرة و التمايز كما بينا و شرحنا فلابد و ان يكون الجعل المتعلق بالوجود مشاكلاً له و الجعل المتعلق بالماهية مشاكلاً لها و يكون النسبة بين الجعلين كالنسبة بين المجعولين لامحالة و الا لزم المحذور الذي ذكرنا فكما ان الوجود قائم بالماهية قيام ظهور كذلك جعله قائم بجعلها قيام ظهور و كما ان الماهية قائمة بالوجود قيام تحقق كذلك
«* مکارم الابرار عربی جلد ۵ صفحه ۴۵۸ *»
جعلها قائم بجعله قيام تحقق و كما ان الوجود جهة الشيء الي ربه و الماهية جهته الي نفسه كذلك جعله لابد و ان يكون جهة الرب و جعلها جهة النفس بل كما ان بينهما تلازم لابد و ان يكون بين الجعلين جعل ثالث متعلق بتلازمهما و كما انه يحصل من تركيبهما الشيء و هو امر ثالث بل رابع كذلك لابد و ان يكون في مقام الجعل جعل آخر يتعلق بالشيء المركب فكما ان الشيء لايتم الا بهذه المراتب الاربع كذلك لايتم جعل الشيء الا بهذه المراتب الاربع فتبين و ظهر ان الجعل المتعلق بالماهية مترتب علي الجعل المتعلق بالوجود ترتب الماهية علي الوجود و هذا كلام اجريناه علي حسب الظاهر بالمجادلة بالتي هي احسن و اذا اردت الحقيقة فاعلم ان جميع المشتقات لابد و ان يكون في صقع المبدء لامتناع تخلف الولد عن صقع والده اذ الولد جزء والده كما قال الله سبحانه للذين قالوا ان الملئكة بنات الله و جعلوا له من عباده جزءاً. و الجزء لابد و ان يكون في صقع الكل لامحالة و المشتق ولد المبدء قد تولد منه و هو جزؤه و لايكون الا في صقعه فالضارب مثلاً و المضروب و المضرب بالفتح و بالكسر و ضرب و يضرب و غيرها لايكون الا في عالم يوجد فيه الضاد و الراء و الباء فعالم ليس فيه ضاد و لا راء و لا باء لايكون فيه واحد من هذه المشتقات و كل واحد من هذه المشتقات مركب من قطعة من المادة التي هي الضاد و الراء و الباء و ما يخصه من الصورة الخاصة و المادة متشاكلة الاجزاء لامحالة فكل قطعة منها ضاد و راء و باء و هذه المادة غير الحركة الايجادية الكلية لانها لو كانت عينها لامتنع صدور غير الضرب عن الذات فلما رأينا انه يصدر عن الذات افعال متعددة علمنا ان الحركة الايجادية المطلقة في نفسها معراة عن صفة هذه المواد جملة و هذه المواد هي مرايا تحت تلك الحركة ينطبع فيها مثالها الملقي فيظهر هذه الافعال المتغايرة كالضرب و النصر و الفتح و العلم و القيام و القعود و غير ذلك و مثاله كشعاع الشمس المعري عن جميع الوان المرايا فلما انطبع فيها ظهر من وراء المرايا الوان مختلفة و تلك الالوان هي مواد يشتق منها ما يشتق كقولك حمر و صفر و خضر و المحمر و المصفر و المخضر و غير ذلك فمرجع جميع تلك المشتقات الحمرة
«* مکارم الابرار عربی جلد ۵ صفحه ۴۵۹ *»
التي في المرآة و صفرتها و خضرتها ليس في الشمس منها شيء.
فتبين و ظهر لمن نظر و ابصر ان الذات و الظهور الكلي بالحركة المطلقة الايجادية معراة عن جميع الافعال المخصوصة و مشتقاتها و انما جميع ذلك موجود في عالم يوجد فيه المادة المخصوصة فالمشية الكلية و الجعل الكلي الاولي المطلق ليس بمنير و لابمظلم بل ليس بفاعل و لاتارك و لاذاري و لاباري و لامصور و لاموجد و لامعدم و لاغير ذلك اذ جميع ذلك مواد و مرايا تحت الجعل الكلي بل نفس الجعل و ما يشتق منه انما هي مرآة تحت ذلك الظهور الكلي و تسميتنا له بالجعل لانه احكي له و انسب لغلبة ما فيه من الجهة الربانية و كذلك المشية فلما تجلي في مرآة الوجود التي هي نفس ذلك التجلي استحق اسم الايجاد و حصل الفعل اوجد و الاسم الموجد و المفعول الموجود و غير ذلك و لما تجلي في مرآة الماهية التي هي نفس ذلك التجلي استحق اسم التصوير و حصل الفعل صور و الاسم المصور و المفعول المصور بالفتح و غير ذلك فالجعل المتعلق بالوجود هو نفس ذلك الوجود من حيث الاعلي و الاضمحلال تحت سطوع الظهور الكلي المعري عن الاسم حتي الظهور فانه قد يبطن و الجعل المتعلق بالماهية هو نفس تلك الماهية من حيث الاعلي و الاضمحلال تحت الظهور الكلي و هما من حيث حكاية الذات الظاهرة اسما الموجد و المصور لله سبحانه و لذا قال العرفاء ليس الا الله و صفاته و اسماؤه و لاتزعمن ان الماهية حيث كانت شراً و ظلمة و نقصاً لايجوز ان تكون اسماً لله سبحانه فانها من حيث الرب ليس بشر و لاظلمة و لانقص و انما هذه الصفات صفات اضافية في الخلق بنسبة بعضه الي بعض حتي ان الشيطان اسم بذلك الاعتبار من اسماء الله سبحانه و هو اسم المضل الا تري انه قال يضل من يشاء و يهدي من يشاء، و المتسمع ان الله ابي ان يجري الاشياء الا باسبابها. و جعل لكل شيء سبباً فهو سبحانه يضل من يشاء بمايشاء و مايشاء هو الشيطان فالله سبحانه يضل من يضل به فهو المضل به و في الدعاء سبحان الضار النافع سبحان القاضي بالحق فالله يضر من يشاء بمايشاء كالسم مثلاً و ينفع
«* مکارم الابرار عربی جلد ۵ صفحه ۴۶۰ *»
من يشاء بمايشاء كالفادزهر مثلاً فالسم هو مادة الضاد و الراء و الراء و جميع ما من هذه المادة في صقعها و الفادزهر مثلاً هو النون و الفاء و العين و جميع ما من هذه المادة في صقعها فالله ضار في السم بالسم و نافع في الفادزهر به و هاد بالاولياء مادة الهداية و مضل بالشيطان مادة الضلالة و موجد بالوجود و مصور و مميز بالماهية فالجعل المتعلق بالماهية تابع للجعل المتعلق بالوجود و قائم به قيام تحقق و الجعل المطلق بالوجود قائم بالجعل المتعلق بالماهية قيام ظهور و بروز و الجعل المتعلق بالمجموع المركب قائم بهما قيام ركن و الجعل المتعلق بتلازمهما قائم بهما قيام الفرع بالاصل و لاتكن بعون الله و منه من الذين زعموا فراغ فضاء في الملك من الخلق ثم احدث الله فيه ما احدث فيشكل عليك فهم هذه المقامات العلية و المطالب السنية بل استشعر دوام الملك و خلوده و تأبده في حده و مقامه و افتقاره مع تأبده الي مبدئه فهو نور لاانقطاع له و لازوال فلامبتداء له كما لامآل فكل ذرة من ذراته اسم و صفة له سبحانه و كمال و لايكون القديم جل شأنه قديماً الا بتأبد الجمال فافهم راشداً موفقاً.
و اما معني قول مولينا اعلي الله مقامه و رفع في الخلد اعلامه: «ان الماهية نسبتها الي الوجود نسبة الواحد الي السبعين»،
فاعلم وفقك الله ان لهذه النسبة معنيين ظاهراً و باطناً اما المعني الظاهر فهو مثل يضرب في بيان قوة الشيء بالنسبة الي ضعف الآخر فالسبعين مثل يضرب في بيان الكثرة و ليس خصوص العدد ملحوظاً كقوله تعالي ان تستغفر لهم سبعين مرة فلنيغفر الله لهم و المراد كثرة الاستغفار ظاهراً سواء استغفر سبعين مرة او ازيد فلنيغفر الله للمنافقين و الكافرين فالوجود اقوي من الماهية بسبعين مرة يعني ان الوجود في غاية القوة و الماهية في غاية الضعف حتي قيل ان الماهية ماشمت رايحة الوجود و ذلك لان الماهية جهة النفس و الوجود جهة الرب و لاحول و لاقوة الا بالله.
و اما المعني الباطني فهو ان الماهية كما ذكرنا مخلوقة بنفس الوجود و الوجود هو يد الفاعل في خلقة الماهية فان الفيض و المدد يصل اولاً الي نفس
«* مکارم الابرار عربی جلد ۵ صفحه ۴۶۱ *»
الوجود ثم يصل منه الي الماهية و لاتقدر ان تنفعل من المشية و لاتدركها و لاتطيق النظر اليها الا بعد انطباعها في الوجود و انصباغها بصبغه فاذا ظهرت في الوجود و احتجبت بحجابه و نفذ نورها منه يصل الي الماهية و تنفعل منه و تدركه كوناً فالوجود يد المشية في خلقة الماهية و المشية ما عبر الله عنها بقوله كن و قال انما امرنا لشيء اذا اردناه ان نقول له كن فقوله ان نقول ينقلب مصدراً لمكان «ان» فمعناه ان امرنا قول كن فكن هو المشية كما قال الرضا۷ في حديث عمران في خلقة الحروف ثم جعل الحروف بعد احصائها و احكام عدتها فعلا منه كقوله كن فيكون و كن منه صنع و ما يكون به المصنوع الخبر. فلفظة كن فعل لفظي منه سبحانه يدل علي معني كوني مناسب له فالمشية هي كن كوناً كما ان كن مشية لفظاً و المعني في اللفظ كالروح في الجسد و كل روح مناسب لجسده لامحالة فكما ان قوي لفظة كن سبعون لان الكاف عشرون و النون خمسون و تمام ذلك سبعون فلابد و ان يكون قوي المشية الكونية و مقاماتها سبعون و كما ان لفظة كن سبعون في حرفين لابد و ان يكون مقامات المشية سبعين في عالمين و رتبتين فالعالم الاول منه له عشرون مقاماً و العالم الثاني له خمسون مقاماً اما العالمان فهما مقام المشية من حيث الآئية لله سبحانه و مقام المشية من حيث الارتباط و التعلق بالمفاعيل اما هي من حيث الآئية فلها عشرون مقاماً لان لها بهذا الاعتبار اربع مقامات مقام الكلمة و الحروف و الالف اللينة و النقطة و في كل واحد ظهر المقامات الخمسة التوحيدية مقام الذات و الهوية و الالوهية و الاحدية و الواحدية فحصل لها من هذا الوجه عشرون مقاماً و هذه العشرون اشرف مقامات الموحدين و اسناها و اعليها و اما من حيث التعلق فلها خمسون مقاماً فان متعلقها خلق من عشرة قبضات تسع من سماوات مباديه و واحدة من ارض منتهاه و كل واحدة من هذه القبضات مركب من عناصر اربعة و مجموع مركب و هو الكيفية الخامسة لها فذلك خمسون مقاماً لها من حيث المتعلق فظهر
«* مکارم الابرار عربی جلد ۵ صفحه ۴۶۲ *»
في حرفين و قوي الكل خمسون و عشرون و ذلك سبعون فلذلك عبر عن المشية بلفظة كن و لما كان الوجود علي ما بينا حجاب المشية و مظهرها للماهية ظهر فيه تلك المقامات السبعون فصار مقام الوجود مقام السبعين و لماكان الاثر يصدر عن اسفل مقامات المؤثر و ينفصل عن اسفله بعد كماله تام المراتب مشروح العلل مبين الاسباب اشرقت الماهية عن ادني مقامات الوجود فهي اثر قبضته الدنيا السفلي فصار لاجل ذلك نسبة الماهية الي الوجود نسبة الواحد الي السبعين و اكتفي بهذا المقدار من البيان لاني في غاية تبلبل البال و اختلال الحال و لايمكنني ازيد من هذا المقال و ان شاء الله المتعال ذلك كاف لذلك الجناب المفضال و قد فرغ من تسويده مصنفه و كاتبه في قريب من زوال يوم الاربعاء الثامن و العشرين من شهر المحرم سنة الواحد و الستين بعد المأتين و الالف من الهجرة النبوية في حين ازدحام الخلق و ضوضاهم و تبلبل البال بغوغاهم و المرجو ان يغمض الاخوان عن ما عثروا عليه من سهو او نسيان.
و من ذا الذي ترضا سجاياه كله | كفي المرء نبلاً ان تعد معايبه |
تمت حامداً مصلياً مستغفراً و صلي الله علي محمد و آله اولاً و آخراً و ظاهراً و باطناً.