05-08 مکارم الابرار المجلد الخامس ـ رسالة في شرح الخطبة العلوية ـ مقابله

 

رسالة في شرح الخطبة العلوية

 

من مصنفات

العالم الرباني و الحکيم الصمداني

مولانا المرحوم الحاج محمد کريم الکرماني

اعلي‌الله مقامه

 

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 335 *»

d

*« نقل الخطبة العلویة بتمامها قبل شروع الرسالة »*

الحمدلله الذي جعل الحمد من غير حاجة منه الي حامديه و طريقاً من طرق الاعتراف بلاهوتيته و صمدانيته و ربانيته و فردانيته و سبباً الي المزيد من رحمته و محجةً للطالب من فضله و كمن في ابطان اللفظ حقيقة الاعتراف له بانه المنعم علي كل حمد باللفظ و ان‌عظم و اشهد ان لااله‌الاالله وحده لاشريك له شهادةً نزعت عن اخلاص الطوي و نطق اللسان بها عبارة عن صدق خفي انه الخالق البارئ المصور له الاسماء الحسني ليس كمثله شئ اذا كان الشئ من مشيته و كان لايشبهه مكونه و اشهد ان محمداً عبده و رسوله استخلصه في القدم علي ساير الامم علي علم منه انفرد عن التشاكل و التمثال من ابناء الجنس و انتجبه آمراً و ناهياً عنه اقامه في ساير عوالمه في الاداء مقامه اذ كان لاتدركه الابصار و لاتحويه خواطر الافكار و لاتمثله غوامض الظنون في الاسرار لااله الا هو الملك الجبار قرن الاعتراف بنبوته بالاعتراف بلاهوتيته و اختصه من تكرمته بما لم‌يلحقه فيه احد من بريته فهو اهل ذلك بخاصته و خلته اذ لايختص من يشوبه التغيير و لايخالل من يلحقه التظنين و امر بالصلوة عليه مزيداً في تكرمته و طريقاً للداعي الي اجابته فصلي الله عليه و كرم و شرف و عظم مزيداً لايلحقه التنفيد و لاينقطع علي التأبيد و ان الله تعالي اختص لفنسه بعد نبيه9 من بريته خاصةً علاهم بتعليته و سما بهم الي رتبته و جعلهم الدعاة بالحق اليه و الادلاء بالارشاد عليه لقرن قرن و زمن زمن انشأهم في القدم قبل كل مذروء و مبروء انواراً انطقها بتحميده و الهمها شكره و تمجيده و

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 336 *»

جعلها الحجج علي كل معترف له بملكة الربوبية و سلطان العبودية و استنطق بها الخرسات بانواع اللغات بخوعاً له بانه فاطر الارضين و السموات و اشهدهم علي خلقه و ولاهم ما شاء من امره و جعلهم تراجم مشيته و السن ارادته عبيداً لايسبقونه بالقول و هم بامره يعملون يعلم ما بين ايديهم و ما خلفهم و لايشفعون الا لمن ارتضي و هم من خشيته مشفقون يحكمون باحكامه و يستنون بسنته و يعتمدون حدوده و يؤدون فرضه و لم‌يدع  الخلق في بهم صماً و لا في عمياً بكماً بل جعل لهم عقولاً مازجت شواهدهم و تفرقت في هياكلهم و حققها في نفوسهم و استبعد لها حواسهم فقرر بها علي اسماع و نواظر و افكار و خواطر الزمهم بها حجته و اراهم بها محجته و انطقهم عما تشهد به بألسن ذربة بما قام فيها من قدرته و حكمته و بين عندهم بها ليهلك من هلك عن بينة و يحيي من حي عن بينة و ان الله لسميع عليم بصير شاهد خبير. ثم ان الله تعالي جمع لكم معشر المؤمنين في هذا اليوم عيدين عظيمين كبيرين لايقوم احدهما الا بصاحبه ليكمل عندكم جميل صنيعته و يقفكم علي طريق رشده و يقفو بكم آثار المستضيئين بنور هدايته و يسلككم منهاج قصده و يوفر عليكم هنئ رفده فجعل الجمعة مجمعاً ندب اليه لتطهير ماكان قبله و غسل ما أوقعته مكاسب السوء من مثله الي مثله و ذكري للمؤمنين و تبيان خشية المتقين و وهب من ثواب الاعمال فيه اضعاف ما وهب لاهل طاعته في الايام قبله و جعله لايتم الا بالايتمار لما امر به و الانتهاء عما نهي عنه و البخوع بطاعته فيما حث عليه و ندب اليه فلايقبل توحيده الا بالاعتراف لنبيه9 بنبوته و لايقبل ديناً الا بولاية من امر بولايته و لاتنتظم اسباب طاعته الا بالتمسك بعصمته و عصم اهل ولايته فانزل علي نبيه9 يوم الدوح ما بين به عن

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 337 *»

ارادته في خلصائه و ذوي اجتبائه و امره بالبلاغ و ترك الحفل بأهل الزيغ و النفاق و ضمن له عصمته منهم و كشف من خبايا اهل الريب و ضماير اهل الارتداد ما رمز فيه. فعقله المؤمن و المنافق فأعنّ مُعنّ و ثبت علي الحق ثابت و ازدادت جهالة المنافق و حمية المارق و وقع العض علي النواجذ و الغمر علي السواعد و نطق ناطق و نعق ناعق و نشق ناشق و استمر علي مارِقيّتِه مارق و وقع الاذعان من طائفة باللسان دون حقايق الايمان و من طائفة باللسان و صدق الايمان و كمل الله دينه و اقر عين نبيه9 و المؤمنين و المتابعين و كان ما قد شهده بعضكم و بلغ بعضكم و تمت كلمة الله الحسني علي الصابرين و دمر الله ما کان صنع فرعون و هامان و قارون و جنودهم و ما كانوا يعرشون و بقيت حثالة من الضلال لايألون الناس خبالاً يقصدهم الله في ديارهم و يمحو الله آثارهم و يبيد معالمهم و يعقبهم عن قرب الحسرات و يلحقهم بمن بسط اكفّهم و مدّ اعناقهم و مكنهم من دين الله حتي بدلوه و من حكمه حتي غيروه و سيأتي نصر الله علي عدوه لحينه و الله لطيف خبير و في دون ما سمعتم كفاية و بلاغ. فتأملوا رحكم الله ما ندبكم الله اليه و حثكم عليه و اقصدوا شرعه و اسلكوا نهجه و لاتتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ان هذا يوم عظيم الشأن فيه وقع الفرج و رفعت الدرج و وضحت الحجج و هو يوم الايضاح و الافصاح عن المقام الصراح و يوم كمال الدين و يوم العهد المعهود و يوم الشاهد و المشهود و يوم تبيان العقود عن النفاق و الجحود و يوم البيان عن حقايق الايمان و يوم دحر الشيطان و يوم البرهان هذا يوم الفصل الذي كنتم به تکذبون هذا يوم الملأ الأعلي الذي انتم عنه معرضون هذا يوم الارشاد و يوم محنة العباد و يوم الدليل علي الرواد هذا يوم ابداء خفايا الصدور و مضمرات الامور هذا يوم

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 338 *»

النصوص علي اهل الخصوص هذا يوم شيث هذا يوم ادريس هذا يوم يوشع هذا يوم شمعون هذا يوم الامن و المأمون هذا يوم اظهار المصون من المكنون هذا يوم ابلاء السرائر فلم‌يزل7 يقول هذا يوم هذا يوم. فراقبوا الله عزوجل و اتقوه و اسمعوا له و اطيعوه و احذروا المكر و لاتخادعوه و فتشوا ضمائركم و لاتواربوه و تقربوا الي الله تعالي بتوحيده و طاعة من امركم ان‌تطيعوه و لاتمسكوا بعصم الكوافر و لايجنح بكم الغي فتضلوا عن سبيل الرشاد باتّباع اولئك الذين ضلوا و اضلوا. قال الله عز من قائل في طائفة ذكرهم بالذم في كتابه انا أطعنا سادتنا و كبرائنا فأضلونا السبيلا ربنا آتهم ضعفين من العذاب و العنهم لعناً كبيراً و قال تعالي و اذ يتحاجون في النار فيقول الضعفاء للذين استكبروا انا كنا لكم تبعاً فهل انتم مغنون عنا من عذاب الله من شئ؟ قالوا لو هدينا الله لهديناكم. افتدرون الاستكبار ما هو؟ هو ترك الطاعة لمن امروا بطاعته و الترفع علي من ندبوا الي متابعته. و القرآن ينطق من هذا عن كثير ان تدبره متدبر زجره و وعظه و اعلموا ايها المؤمنون ان الله عزوجل قال ان الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفاً كأنهم بنيان مرصوص أتدرون ما سبيل الله؟ و من سبيله؟ و من صراط الله؟ و من طريقه؟ انا صراط الذي من لم‌يسلكه بطاعة الله فيه هوي به الي النار و انا سبيله الذي نصبني للاتّباع بعد نبيه9 انا قسيم الجنة و النار و انا حجة الله علي الفجار و انا نور الانوار. فانتبهوا من رقدة الغفلة و بادروا بالعمل قبل حلول الأجل و سابقوا الي مغفرة من ربكم قبل ان‌يضرب بالسور بباطن الرحمة و ظاهر العذاب فتنادون فلايسمع نداؤكم و تضجون فلايحفل بضجيجكم و قبل ان‌تستغيثوا فلاتغاثوا سارعوا الي الطاعات قبل فوت الاوقات. فكأن قد جاءكم هادم اللذات فلامناص نجاء و لامحيص

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 339 *»

تخليص. عودوا رحكم الله بعد انقضاء‌ مجمعكم بالتوسعة علي عيالكم و البر بإخوانكم و الشكر لله عزوجل علي ما منحكم و اجمتعوا يجمع الله شملكم و تباروا يصل الله ألفتكم و تهادوا نعم الله كما منّاكم بالثواب فيه علي اضعاف الاعياد قبله و بعده الا في مثله و البر فيه يثمر المال و يزيد في العمر و التعاطف فيه يقتضي رحمة الله و عطفه. و هيئوا لأخوانكم و عيالكم من فضله بالجهد من جودكم و بما تناله القدرة من استطاعتكم و اظهروا البشر فيما بينكم و السرور في ملاقاتكم و الحمدلله علي ما منحكم و عودوا بالمزيد من الخير علي اهل التأميل لكم و ساووا ضعفائكم في مآكلكم و ما تناله القدرة من استطاعتكم و علي حسب امكانكم فالدرهم فيه بمأة الف درهم و المزيد من الله عزوجل و صوم هذا اليوم مما ندب الله تعالي اليه و جعل الجزاء العظيم كفالة عنده حتي لو تعبد له عبد من العبيد في الشبيبة من ابتداء الدنيا الي تقضيها صائماً نهارها قائماً ليلها اذا اخلص المخلص في صومه لقصرت اليه ايام الدنيا عن كفاية و من اسعف اخاه مبتدياً و بره راغباً فله كأجر من صام هذا اليوم و قام ليلته و من فطر مؤمناً في ليلته فكأنما فطر فئاماً و فئاماً يعدها بيده عشرة. فنهض ناهض فقال يا اميرالمؤمنين و ما الفئام؟ قال مأة الف نبي و صديق و شهيد فكيف بمن تكفل عدداً من المؤمنين و المؤمنات و انا ضمينه علي الله تعالي الأمان من الكفر و الفقر و ان يأت في ليلته او يومه او بعده الي مثله من غير ارتكاب كبيرة فأجره الي الله تعالي و من استدان لاخوانه و اعانهم فانا الضامن علي الله ان بقاه قضاه و ان قبضه حمله عنه و اذا تلاقيتم فتصافحوا بالتسليم و تهاونوا النعمة في هذا اليوم و ليبلغ الحاضر الغايب و الشاهد البائن و ليعد الغني علي الفقير و القوي علي الضعيف امرني رسول‌الله9 بذلك ثم اخذ9 في خطبة

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 340 *»

الجمعة و جعل صلوة جمعته صلوة عيده و انصرف بولده و شيعته الي منزل ابي‌محمد الحسن بن علی8 بما اعد له من طعامه و انصرف غنيهم و فقيرهم برفده الي عياله.

 

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 341 *»

بسم الله الرحمن الرحيم

هذه تعليقات كتبها العبد الاثيم كريم بن ابرهيم علي الخطبة الشريفة العلوية علي قائلها السلام.

قــال7: الحمدلله الذي جعل الحمد من غير حاجة منه الي حامديه.

الحمد هو الكمال المطلق القاهر لجميع الكمالات و الوصف الكلي المهيمن علي جميع الصفات و هو من مقام المعاني في اعلي الدرجات و هو اثر لفعل الحامد به من حيث هو حامد به. فهو ركن للحامد به. بالنظر الي ان الفاعل المطلق لم‌يسمّ حامداً الا بعد ظهوره في صورة الحمد. فاذا ظهر فيه سمي حامداً كما انه لو ظهر في القيام سمي قائماً او في القعود سمي قاعداً. فالحمد و القيام و القعود مثلاً مبادي لاشتقاق الحامد و القائم و القاعد و ركن لهما. فالحامد مركب من شيئين من ظهور الفاعل المطلق و الاثر الذي هو المصدر و المفعول المطلق للفعل. و هو عينه بالنظر الي كون نفسه ظهور الذات في ظهورها له به. لان الذات لم‌تظهر بصفة الحمد الا في رتبة الحمد و هو اثرها متأخرة رتبته عن الذات برتبتين. و ليس في رتبة الذات عنه ذكر و كذا في رتبة الفعل. و لم‌تكن الذات ايضاً حامدة به الا به في رتبته. فلزم ان‌يكون الحامد هو عين الحمد. فلو كان حامداً في غير هذه الرتبة لكان حامداً بغير هذا الحمد. لانه كان له ظهور غير هذا الظهور، مثال ذلك ظهورك في المرآة. فان ظاهرك لظهورك فيها ليس الا ظهورك. الا تري ان الاحمر بالحمرة التي فيه و الطويل بالطول الذي فيه ليس الا نفس تلك الحمرة و الطول، من حيث انهما ظاهران للاحمر و الطويل. و اما الحمرة بالحمرة المتصلة بالشاخص فهي الشاخص. فليس الشاخص، الاحمر بالحمرة التي في المرآة ابداً بل الاحمر بها هو نفس الشبح المنفصل الواقع فيها من حيث انه ظاهر لحمرة الشاخص. فافهم تغتنم. فالحامد بالحمد ليس الا الحمد و الظاهر بالظهور ليس الا الظهور و هذا هو

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 342 *»

السر في جميع المشتقات.

فاذا تمهدت عندك هذه القاعدة الشريفة القائمة بالحجة تعلم انه ليس لاحد ان‌يحمد الله سبحانه حق حمده الا فان حمد كل احد يقصر عن رتبة نفسه و ان لم‌يقصر فهو نفسه قاصرة عن بلوغ وصفه سبحانه علي ما ينبغي لكرم وجهه و عز جلاله الا تصغي الي رسول‌الله9 حيث قال لااحصي ثناءً عليك انت كما اثنيت علي نفسك فلاينبغي لكرم وجهه حمد حامد و لاثناء مثن ابداً الا ما اثني علي نفسه، و حمده و ثناه عليه هو ايجاد تلك الصفة الكمالية الكلية السارية في جميع ذرات الاكوان و الاعيان في المطلق باطلاقه و في المقيد بتقيده و في الذوات بحقيقتها و في الصفات بظهوراتها و في الافعال بظهورها لها بها و في الآثار بظهورها بافعالها بها و هكذا في كل واحد من مراتب الوجود بما هو عليه. فكل نعت و وصف ذاتي او فعلي او اثري قطرة من بحار احاطته و رشحة من سحاب افاضته يسقط دونها وهم كل متوهم و يسفل عنها فهم كل متفهم ينحدر عنه السيل و لايرقي اليه الطير. و هذا الحمد هو لواء اعطي محمد9 الذي تحتها جميع المذروءات و المبروءات و علي7 حاملها فانها به تفصل و سري في جميع الاكوان و الاعيان و علي يده جرت جميع تلك الفيوضات علي جميع المذروءات و المبروءات.

فهو الحقيقة المحمدية و فلك الولاية و العرش المستوي عليه الرحمن. فانه صلوات الله عليه هو اول المظاهر لله سبحانه الذي به بدأ الله و به فتح الله. فهو اعلي من كل شئ و فوق كل شئ بحيث لايلحقه لاحق و لايفوقه فائق و لايسبقه سابق و لايطمع في ادراكه طامع. فهو اول وصف وصف الله نفسه به لخلقه ليعرفوه و اول ثناء اثني به عليه و اول حمد حمد نفسه به. فان الله سبحانه في رتبة ذاته ليس له حمد و لا ثناء. هو نفسه و نفسه هو. فانما جعل الحمد لافتقار الخلق اليه فهو خلق من خلق الله سبحانه. و لماكان وصفاً لله سبحانه وجب ان‌يكون فوق جميع الاكوان و الاعيان حتي ينبغي لكرم وجهه الذي هوهو. فهم الذين فاقوا جميع المذروءات و علوا علي جميع المخلوقات صلوات الله و سلامه عليهم مادامت الارضون و السموات.

و كون هذا الحمد له سبحانه علي التخصيص

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 343 *»

فلانه صلوات الله عليه لم‌يكن لنفسه ابداً بل كان لله سبحانه في جميع الاطوار و الاحوال و الاعمال و الافعال دائماً ابداً سرمداً. و هذا ما تشهد به فتقول اشهد ان محمداً عبده و رسوله فانه سلام الله عليه هو البالغ في العبودية مقاماً لايمكن لله اطوع منه و لااخلص له و هذا قول الله تعالي فيه قل اني امرت ان اعبد الله مخلصاً له الدين و كان9 قائلاً لهذا المعني بلسان حقيقته و اعماله و افعاله و اقواله. و ذلك ان الله العدل الحكيم خلق الاشياء علي ما هم عليه و ذلك من عدله و قدرته و حكمته. فلو خلقهم علي غير ما هم عليه لم‌يكونوا هم هم بل كانوا غيرهم و هف. فالذي محمد و آله: عليه ان لايكونوا لانفسهم ابداً و يكونوا لله دائماً سرمداً فخلقهم الله كذلك. فمعني الحمدلله هو حقيقة الشهادة بهذا المقام له9 و لذا ورد عن ابي‌عبدالله7 ان احب الاعمال الي الله عزوجل ان‌تحمده و ذلك ا نه9 هو حبيب الله و الواقف مقام احببت ان اعرف، فهو المحبوب و الحبيب و المحبة لله عزوجل و الاقرار بمقامه احب الاعمال اليه سبحانه. فهو الحمد لله كماينبغي لكرم وجهه و عز جلاله لانه هو الوجه الكريم و الجلال العزيز و ليس شئ احري للشئ من نفسه و لا اليق له منه و هذا هو الحمد المطلق و الثناء الحق.

و اما ما اذا حمده به الحامدون و اثني عليه المثنون فهو علي اختلاف مراتبهم يليق بما ظهر لكل واحد بكل واحد، و كل واحد رشحة من رشحات ذلك البحر و قطرة من قطراته و مع‌ذلك كله، لكل واحد مراتب منها ما حمد الله به نفسه بهذا الشئ بحقيقته و نفسه فهو ما حمد الله به نفسه في هذه الرتبة بهذا الشئ. فهذا الحمد آية و دليل لذلك الحمد الكلي الاولي الحقيقي و اثر لوجه من وجوه فعله و هو ما حمد الله به هذا الحامد علي طبق ما ذكر. و ذلك لان المفعول هو فاعل فعل الفاعل له به، فيجوز لك ان‌تقول به حمد الله نفسه. و يجوز ان‌تقول هذا ما حمد به الحامد ربه. فهو افضل ما حمد به الحامد ربه و اخلصه الله سبحانه الا انك متي ما اعتبرت في حقيقتك الحامدية و الحمد و المحمودية لم‌تحص ثناء

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 344 *»

عليه فلاينبغي لكرم وجهه و عز جلاله. فاذا محوت هذا الغبار و قطعت النظر عن هذا الاعتبار فهو كما اثني علي نفسه في هذا الرتبة فهو ينبغي لكرم وجهه هذا و عز جلاله هذا.

و منها بافعاله و اعماله فمنها الاعتقادات الحقة الطيبة التي اصلها ثابت و فرعها في السماء، و منها العمل باركانه باداء الفرايض و السنن و التخلق باخلاق الله و اخلاق الروحانيين، و منها الاقرار باللسان باظهار لفظ الحمد و انتشار العلوم و الامر بالمعروف و النهي عن المنكر و طيب الكلام و التحدث بنعم الله. فان كل ذلك آثار ذلك الحمد التي ظهرت في مراتبه التنزلية و تشعبت و تشتتت بحسب كل رتبة فكل ذلك ثناء و كمال مخلوق لله سبحانه فاذا انتسب العبد الي الله في جميع ذلك الاحوال يكون حامداً لله سبحانه حقيقة. فاذا خالف شيئاً من ذلك خولف به، و منها بآثاره فذلك بما ظهر منه من الآثار الوجودية من مادونه من الاكوان و الاعيان بالكمالات المخلوقة فيها بمراتبها علي ما ذكر من الذوات و الصفات و الافعال و الآثار، كل بتشتت شئونه و اطواره و تفرق اوطاره في جميع ادواره و اكواره. فانها ايضاً نشر لحمد الله سبحانه و ثنائه في تلك الرتبة بلسان آثاره الي تلك الرتبة.

فبجميع هذه المعاني محمد9 رئيس الحامدين و سيد الواصفين و مولي المثنين لله سبحانه. لانه اول الوجود و منبع الفيض و الجود و مبدأ الظهور و فوارة النور و جميع من سواه من الاولين و الآخرين تحت رتبته و دون مقامه. فجميع محامد من دونه باقصي ما عندهم نقص لله سبحانه و هو منزه عنها الا ما حمد الله به نفسه الذي هو حقيقته9 فانه يليق بكرم وجهه و عز جلاله سبحان ربك رب العزة عما يصفون و سلام علي المرسلين و الحمدلله رب العالمين.

ثم اعلم ان الحمد هو المحمود و هو الحميد. فان الذي هو فوقه او فوق الحمد لايتصف به وصفاً ذاتيا.ً و اما الذي هو دونه فخف ان‌يكون موصوفاً لفوقه. فوجب ان‌يكون الحمد و الحميد و المحمود في رتبة واحدة. فاذا اتفقا في الرتبة فنقول لابد و ان‌يكون الكل شيئاً واحداً لانه لو كانا في رتبته و كانا غيره لكانا مميزين عنه بغيره و كان لهما صفة دونه. فكانا موصوفين بصفتهما دون هذا و كان يشتق لهما

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 345 *»

اسم دون اسميهما او كان لهما اسميهما و كان مبدأ اشتقاقهما غير هذه الحقيقة. قال الله تعالي و من الليل فتهجد به نافلة لك عسي ان‌يبعثك ربك مقاماً محموداً و قال صراط الله العزيز الحميد الله الذي @الآية قال7 يعني علياً

و «الحمد» هو محمد لانه هو اصل الخصال و مبدئها و معدنها. و كل هذه الاسماء يطلق عليه باختلاف الانظار مثلاً اذا نظرت اليه بانه ثناء لله سبحانه و كمال اوجده الله سبحانه سميته حمداً. و اذا نظرت اليه بظهور الفاعل به فيه و غلبة ظهوره بنفسه و اضمحلال نفس الظهور عند ظهوره قلت حامد. و اذا نظرت اليه باعتبار انه المتصف بهذا الوصف نظراً الي قوله7 الصفة علي مثلها تدل و في مثلها تحل قلته محمود. و اذا نظرت اليه بنظر هيمنته علي كل كمال و غلبته علي كل ثناء و تمحضه في الكمال قلت علي المبالغة حميد. و اذا نظرت اليه بانه اصل الخصال المحمودة و معدنها و مأواها و منتهاها و انه كل خير و كمال منه و له و اليه سميته محمداً. فكل هذه الاسماء يطلق علي هذه الحقيقة المحمدية العلوية الكلية الرفيعة الشريفة صلي الله علي صاحبها و حاملها و آلهما باختلاف الانظار و الحيوث و الاعتبار فافهم و تبصر.

فاذا عرفت ان هذا الحمد هو اول الاكوان و بدء المظاهر لله سبحانه في التكوين كما افتتح به كلام الله التدويني المطابق للكتاب التكويني و كما سمّي بفاتحة الكتاب في التدوين و التكوين، فاعلم انه هو آخر الاكوان لان العود مثل البدء و الصعود علي طبق النزول حرفاً بحرف. قال الله تعالي كما بدءكم تعودون و قال و اخر دعويهم ان الحمدلله رب العالمين و قال و تري الملئكة حافين من حول العرش يسبحون بحمد ربهم و قضي بينهم بالحق و قيل الحمدلله رب العالمين و ذلك كماورد في دعاء يوم الجمعة علي ما رواه الشيخ في مصباحه و لك الحمد كما توليت الحمد بقدرتك و استخلصت الحمد لنفسك و جعلت الحمد من خاصتك و رضيت بالحمد من عبادك و فتحت بالحمد كتابك و ختمت

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 346 *»

بالحمد قضاءك و لم‌يعدل الي غيرك و لم‌يقصر الحمد دونك فلامدفع للحمد عنك و لامستقر للحمد الا عندك و لاينبغي الحمد الا لك. تأمل في هذه الكلمات تجدها حاوية لاطراف معني الحمد علي ما هو الواقع. و هذا الحمد هو السبع المثاني الذي فيه جميع ما في القرآن العظيم و الذي منّ الله به علي رسول‌الله9 بإيتائه اياه و ذلك ان كل شئ له ثلثة وجوه: وجه الي مبدئه و حقيقته و وجه الي نفسه و @ حقيقته جامعة بين هذين الوجهين، و اربع كيفيات: كيفية هي من ظهور الفاعل في المفعول و هي الحرارة و اليبوسة و كيفية من جهة‌ المفعول نفسه و هي البرودة و اليبوسة و كيفية حصلت من ميل ذلك الاثر الي المفعول و كيفية اخري حصلت من ميل المفعول الي الفاعل. فاذا جمعت هذه الوجوه كانت سبعة. فاذا ثنيت هذه الوجوه في الغيب و الشهادة كانت السبع المثاني التي تجمع جميع ما في الكتاب التكويني.

قوله7 لله اعلم ان هذه اللفظة الشريفة اسم للذات الظاهرة بالالوهية المستجمعة لجميع الصفات الكمالية الجلالية و الجمالية القدسية و الاضافية و الخلقية و هذه اللفظة صفة من صفاتها و سمة من سماتها و علامة من علاماتها و هي غير المسمي، و المسمي غير الذات القديمة كما قال7 فانه هو لاربط بينه و بين شئ بوجه من الوجوه. و المسمي هو الموصوف بصفة الاسم. كما ورد عن الرضا7 ان الاسم صفة لموصوف و تشهد الصفة و الموصوف بالحدث كما ورد عنه7 ايضاً و [ظ. لشهادة] شهادة كل صفة و موصوف بالاقتران و شهادة الاقتران بالحدث و شهادة الحدث بالامتناع من الازل الممتنع من الحدث الحديث. مع انه قد ثبت عند العارفين انه لابد بين الاسم و المسمي من مناسبة ذاتية لان المعني في اللفظ كالروح في الجسد كما قال به اميرالمؤمنين7 فكما ان الارواح تناسب الاجساد فلايصح ان‌يحل روح الانسان في جسد الفرس، كذلك لايحل معني لفظ في لفظ آخر ابداً و لهذا بحث شريف

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 347 *»

يطول بذكره البيان و ليس لنا مجال لذلك الا بالاشارة فانها الميسور و لايسقط بالمعسور.

اعلم ان الله سبحانه يقول و ماخلقكم و لابعثكم الا كنفس واحدة و يقول ماتري في خلق الرحمن من تفاوت و قال تعالي و في انفسكم افلاتبصرون و قال سنريهم آياتنا في الافاق و في انفسهم حتي يتبين لهم انه الحق. فاذا نظرت انت بعين البصيرة تري انك تدرك المعاني بنظر عقلك و تسمع الالفاظ باذن جسدك و انك تري ما قاله اميرالمؤمنين7 انما تحد الادوات انفسها و تشير الالات الي نظائرها فوجب ان‌يكون تلك المعاني من عالم العقول و تلك الالفاظ من عالم الاجساد، و تري نسبة هذه المعاني الي الفاظها كنسبة عقلك الي جسدك حرفاً بحرف قال اميرالمؤمنين7 كلما ميزتموه باوهامكم في ادق معانيه فهو مخلوق مثلكم.

فبدليل الحكمة المستلزمة للعيان و المشاهدة ظهر ان اللفظ هو تنزل المعني و اثره و الاثر لابد و ان‌يكون مطابقاً لصفة مؤثره و هو صفة المؤثر في رتبتها. فظهر لمن نظر و ابصر ان الربط بين الاسم و المسمي مما لايستطاع انكاره. فاذا كان الامر كذلك لايمكن ان‌يكون المسمي قديماً. فان الاسم يدل علي المسمي و يعينه و القديم المجهول اللاتعين لايدل عليه شئ سوي ذاته و لايتعين لاحد غيره. الا تصغي الي مولينا الرضا7 مجيباً لمن سأله هل كان الله عارفاً بنفسه قبل ان‌يخلق الخلق؟ قال نعم قال يراها و يسمعها؟ قال ماكان محتاجاً الي ذلك لانه لم‌يكن يسألها و لايطلب منها هو نفسه و نفسه هو قدرته نافذة فليس يحتاج الي ان‌يسمي نفسه ولكنه اختار لنفسه اسماء لغيره يدعوه بها لانه اذا لم‌يدع باسمه لم‌يعرف الحديث.

و لاتتوهم من قوله7 اختار لنفسه ان القديم المجهول صار مسمي فان هذه النفس مخلوقة مضافة اليه سبحانه و هو قوله7 السلام علي نفس الله القائمة فيه بالسنن و عينه التي من عرفها يطمئن قال تعالي و لاترغبوا بانفسكم عن نفسه و قال قل ادعوا الله او ادعوا الرحمن اياًما تدعوا فله

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 348 *»

 الاسماء الحسني قال الصادق7 نحن والله الاسماء الحسني التي لايقبل الله من العباد عملاً الا بمعرفتنا قال ابوالحسن7 ما معناه الاسماء هي دليل علي المسمي فكل ما دل علي شئ فهو اسمه و صفته. فهم الاسماء الحقيقية لله سبحانه حيث لم‌يكن لله سبحانه ادل منهم عليه. و آثارهم و صفاتهم اسماء لهم و هم المسمي بهذه الاسماء و معان لها لانها تدل عليهم. فكل شئ اسم لفوقه و مؤثره و مسمي لمن دونه و صفة للعالي و موصوف لاسفل منه.

فاذا عرفت هذه المقدمة الشريفة و الدقيقة اللطيفة عرفت بان القديم اللاتعين لااسم له و لارسم و لاحد و لاوصف و عرفت ان كمال معرفته نفي الصفات عنه لشهادة كل صفة انها غير الموصوف و شهادة الموصوف انه غير الصفة و محل لها و مقترن بها و شهادتهما جميعاً بالتثنية و التركيب الممتنع منه الازل. فليس له حد ينتهي الي حده و لا له مثل فيعرف بمثله. سبحان من هو هكذا و لا هكذا غيره سبحانه و تعالي عما يقول الجاهلون علواً كبيراً.

فاعلم ان المسمي بهذا الاسم الشريف هو الذات الظاهرة بالالوهية المستجمعة لجميع الصفات اللازمة للمعبود المطلق و المقصود الحق و هي صفات التنزيه مثل الكامل و القدوس و السبوح لان المعبود لابد و ان‌يكون منزهاً عن صفات عباده حتي يستحق منهم العبادة. فلولا ذلك ماكان يستحق من عباده شيئاً لانهم كانوا مثله في الصفات و ماكان له مزية عليهم في جهات الاشتراك و هذا خلف. لانه ستلزم النقص المستلزم للحدوث الممتنع من الازل و هذا خلاف المفروض.

و صفات الاضافة مثل السميع و البصير و القدير و العليم و امثالها و سمينا هذه الصفات بالاضافة من وجهين اما بان هذه الصفات معناها الذات الظاهرة و مسماها هي. لان الذات اللاتعين لاصفة لها و لاوصف و لا حد. انما هي نفسها و نفسها هي و انما تضاف هذه الصفات اليه سبحانه لانها صفات كمال. و اما بانه تعالي هو هو، هو ذاته و ذاته هو لاتغاير فيه و لاتخالف و انما تسمي بهذه الاسماء

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 349 *»

نظراً الي قدرته و احاطته باصناف الخلق. فلماكان في خلقه اصوات مثلاً و كان كلها خلقاً لله سبحانه و هو محيط بها و هي منقادة تحت ارادته و اراد سبحانه ان‌يعرف خلقه ذلك ليعرفوه بهذه الصفة، قال انه سميع. و كذا كان في خلقه الوان و اشكال و اوضاع و اراد ان‌يعرف نفسه لخلقه بالقدرة عليها و ان كل ذلك مقهورون تحت سلطنته قال انه بصير و هكذا ساير الاسماء. فليس هذه الاسماء له سبحانه من حيث نفسه لعدم احتياجه الي شئ من ذلك فتسمي بهذه الاسماء مضافة الي ما يناسبها من خلقه. و مسميات هذه الاسماء كلها حادثة فان الذات اللاتعين لايلاحظ معها شئ حتي يتسمي بما يناسبها و هو نفسه لايحتاج الي اسم من حيث. فالذات لايلاحظ معها المسموعات و الاصوات حتي يقال له سميع و هو بنفسه ايضاً في نفسه لايحتاج الي سمع لانه هو هو فلايحتاج الي ان‌يسمع نفسه فافهم.

و صفات الخلق مثل الخالق و الرازق و الباري و المصور و غيرها من الاسماء فانها كلها اسماء لله سبحانه اشتقت له حين الخلق عند الخلق من ذلك الخلق. فحين خلق سمي خالقاً و كان قبله له معني الخالقية و حين رزق سمي بالرازق و كان قبله له معناه و معناه هو القدرة الكاملة البالغة التي هي الذات الظاهرة. قال الرضا7 في خطبة خطب بها عند المأمون له معني الربوبية اذ لامربوب و حقيقة الالهية اذ لامألوه و معني العالم و لامعلوم و معني الخالق و لامخلوق و تأويل السامع و لامسموع ليس منذ خلق استحق معني الخالقية و لا بإحداثه البرايا استفاد معني البارئية الخطبة.

فافهم قوله7 له معني الربوبية و هذا المعني اول الظهورات للهوية المطلقة و هو احد من مقاماته تعالي التي لاتعطيل لها في كل مقام يعرفه بها من عرفه لافرق بينه و بينها الا انهم عباده و خلقه فتقها و رتقها بيده بدئها منه و عودها اليه كمااشار اليه الحجة7 في دعاء كل يوم من شهر رجب و كماافصح عنه ابوجعفر7 حيث قال يا جابر عليك بالبيان و المعاني قال فقلت و ما البيان و المعاني؟ قال / قال علي /  اين قسمت در مشارق ا لانوار نبود@)7 اما البيان فهو ان‌تعرف الله سبحانه ليس كمثله شئ فتعبده و لاتشرك به شيئاً و اما المعاني فنحن

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 350 *»

معانيه و نحن جنبه و يده و لسانه الحديث. و اوضح عنه مولينا الصادق7 علي ما رواه المفضل في رسالته الرتق و الفتق ان كنت تريد الله الذي خالق كل شئ فانا و ان كنت تريد الله الذي ليس كمثله شئ فذلك لايعلمه الا هو و هو قوله جل جلاله «عالم الغيب فلايظهر علي غيبه احداً الا من ارتضي من رسول» الحاصل كل ما عبرته الالسن او ادركته الافهام او ميزته الاوهام فهو مخلوق مربوب قال ابوعبدالله7 اسم الله غيره و كل شئ وقع عليه اسم شئ فهو مخلوق ماخلا الله فاما ما عبرته الالسن او عملت الايدي فهو مخلوق و قال اميرالمؤمنين7 كلما ميزتموه باوهامكم في ادق معانيه فهو مخلوق مثلكم و قال7 انتهي المخلوق الي مثله و ألجأه الطلب الي شكله و هجم به الفحص الي العجز و البيان علي الفقد و الجهد علي اليأس و البلاغ علي القطع و السبيل مسدود و الطلب مردود دليله آياته و وجوده اثباته و معرفته توحيده و توحيده تنزيهه من خلقه

و انت ايها الناظر ان كنت لاتعرف هذا المقام و لاتدركه و تحسبه الذات التي ليس كمثلها شئ فهو من قصور مقامك و قلة فهمك فلاتلم من يثبت رباً فوق هذا المقام ليس كمثله شئ و يري ماتقول تشبيهاً لله سبحانه و تعالي بخلقه و يري هذا المقام، مقام العبيد له سبحانه. فليس لك الا ان‌تسئل الله ان‌يصلح وجدانك و تخفض جناحك لمن يفهم ذلك و تقول ان فوق كل ذي علم عليم و لاينبغي لك الا ان‌تتذلل عند من ادركه و تقول ليس لمن لايعلم حجة علي من يعلم و ترد اليه بالتسليم سبحان ربك رب العزة عمايصفون و سلام علي المرسلين و الحمدلله رب العالمين. فلنرجع الي ما كنا فيه من بيان المسمي و الكشف عن حقيقته.

اعلم ان المسمي لهذا الاسم الشريف هو اول المظاهر لله سبحانه بعد الهويّة المطلقة و هو الحاوي لجميع الصفات الاحدية و الواحدية بأجمعها و هو الذات الظاهرة

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 351 *»

بالالوهية المستجمعة لصفات القدس و الاضافة و الفعل و الخلق كمامرت الاشارة اليه. لان المعبود هو المتنزه عن جميع صفات العبيد و المهيمن علي جميع الخلق و القادر عليهم. و هذه الذات المقدسة هي ظاهر الله الذي انتجبه لنفسه و ملّكه مشيته و ارادته و ملكه و ملكوته. فامره امر الله و حكمه حكم الله و هو القائم مقام الله في ساير عوالمه اصطنعه الله لنفسه و اختصه من ساير بريته. لانه سبحانه ماكانت تدركه دقائق الاوهام و لاتصله غوامض الافهام. فمن اراد الله بدء به و من وحده قبل عنه و من قصده توجه اليه. و هو نور الله و وجهه و عينه و يده و لسانه و جنبه و قلبه و نفسه و ذاته و ظاهره. فليس فوق ذلك الا مقام الهوية فانها هي محض الاشارة الي ثابت و ليس فيه حيث الظاهرية و المألوهية. فانها هي المضمحلة تحت جلال عظمة الله سبحانه و الفانية عند ظهور كبريائه. فليس فيها حيث تعين و تذوت بل هي محض اشارة الي ثابت غايب عن درك الاوهام و عن وصول الافهام. لان حيث المألوهية لازم لوجود الاله. فلولا الاله لم‌يكن المألوه مالوهاً، بل له معناه الذي هو الهوية المطلقة. و قد مرت اشارة في بيان المشتق فراجع ان ابهم عليك امره. و كذا حيث الظاهرية لانه لازم للظهور فلولا الظهور لم‌يكن ظاهراً فالظهور ركن منه فهو قبل حيث الظاهرية له معناه الذي هو تلك الهوية.

ثم انك اذا امعنت النظر و دققت الفكر و استعنت بالاثر تري فوق الهوية مقاماً تحير دونه عقول البشر و تضل عنده الالباب و الافئدة من ارباب الخبر و هو ان هذه الهوية هي ايضاً لها تعين الاشارة و الدلالة علي مدلول فوقها و لها ايضاً حد به تحققت الاشارة و تمايزت عن المشاراليه. و هذه ايضاً ليست عنواناً للقديم سبحانه فانه المنزّه عن كل تعين و صفة و المبرّي عن كل تمايز و اشارة. قال علي7 لما سئل عن الحقيقة كشف سبحات الجلال من غير اشارة و قال7 ان قلت هو هو فالهاء و الواو كلامه و قال صفة استدلال عليه لاصفة تكشف عنه. انظر بعين البصيرة الي ما أبانه7 في قوله فالهاء و الواو كلامه الخ. فانه و ان ذكر القاعدة في عالم الحروف و الاصوات ولكنك اذا

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 352 *»

اجريت كلام نجله الرضا7 يظهر لك سر الامر بالزبر و البينات. قال7 قد علم اولوا الالباب ان الاستدلال علي ما هنالك لايعلم الا بما هيهنا. فيعلم من ذلك ان المسمي بهذا الاسم الشريف ايضاً مركب من حرفين كونيين الهاء التي هي اشارة الي تثبيت ثابت و الواو و هي اشارة الي غايب عن درك الحواس. فكل ما يجري علي حروف الاسم في عالم الاسماء يجري علي مسماه في عالم السمي حرفاً بحرف. فاذا لما نظرنا الي لفظ هو رأيناه مركباً من حرفين الها و هي بالعدد خمسة.

فاشير بذلك الي ان الهوية من المقامات التي هي آخر مراتب التوحيد و فوقها اربعة وجوه اخر يعبد الله بها و هذه خامستها. فالوجوه هي الباطن و الباطن من حيث الباطنية الذي هو جهة ظهوره بالبطون و الظاهر من حيث الظاهرية و المقامات التي هي المعرفة بالعنوان من حيث انه عنوان. فهذه خمسة وجوه يعبد الله بها و استنطاقها الهاء. فلما كان مسماه اول مظاهر الذات الغيبية و لم‌يظهر شئ الا في هذه المراتب الخمسة جئ (جيیء ظ) بالهاء ليدل علي ذلك. و الدليل علي ان الشئ لم‌يظهر الا في هذه الخمسة ان الشئ الظاهر لابد في خلقها و تحققها من ان‌يكون له غيب و شهادة، و بعبارة اخري خلق اولي و خلق ثانوي او باطن و ظاهر او حلاّن و عقدان. فالغيب و الخلق الاولي و الباطن لابد له من جهتين جهة تقوّم التي هي المادة و جهة تحقق التي هي الصورة و الصبغ. فيعبر عن المادة بالحل الاولي و بالصورة بالعقد الاولي. فهذان هما الباطن و الباطن من حيث الباطن، و الرحمة و الرياح في خلقه السحاب، و النقطة و النفس في خلقه الكلمة. و الشهادة و الخلق الثانوي و الظاهر لابد له من مادة و صورة ايضاً التي هي المسماة بالحل الثانوي و العقد الثانوي و هي الظاهر و الظاهر من حيث الظاهر و السحاب المزجي و الركام و الحروف و الكلمة. و لابد لهذين المقامين اذا كملا و تمّا من دلالة في المثال بالكلمة و ودق يخرج من خلاله في المثال بالسحاب و تأثير بالمثال بالمولود الفلسفي و مقامات في المثال بمراتب ظهورات الشئ.

فلماكان اول مظاهر الله سبحانه هو الهوية و هي مخلوقة بنفسها فكان لها هذه الخمسة مقامات. فجئ بالهاء لتدل علي ذلك المقام. فاذا اضيف الي هذه الهاء الالف التي هي جهة ظهور المبدأ

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 353 *»

لانها و ان كانت في التزييل خمسة ولكنها في نفسها واحدة منسوبة الي المبدأ صارت ستة، و استنطاقها الواو فجئ بالواو بعد الهاء لتدل علي هذا المقام فكان الواو ظهور الهاء. فسري هذا السر في جميع الآثار و صار الظهور في الكل بستة حدود. فهذا معني قوله7 فالهاء و الواو كلامه و قوله صفة استدلال عليه لا صفة تكشف عنه. فكان المسمي بهذا اللفظ الشريف في الخارج ايضاً مركباً من هذين الحرفين علي ما سمعت حرفاً بحرف. بل هذا السر جار في جميع اسماء الله سبحانه. فليس منها شئ الا و يطابق حروفه الظاهرة حروفه الباطنة مثلاً لماكان الواو ظهور الهاء ظهرت الهاء في جميع افرادها و جميع شئونها و اطوارها، فتحقق اللام التي هي وسط عليّ الذي هو اول اسم اختار الله لنفسه. و يشهد بذلك ما اذا ظهر هو في الرتبة الثانية فيكون مأة و عشرة و هي عدد اسم عليّ.

و هذه اللام اذ شددت و كررت بالنظر الي كونها ظهور هو و بالنظر الي ربطها الي ما تحتها من الآثار كانت وسط الله. و يشهد بذلك ان اللامين حصلتا من آلة التعريف و من لفظ إله. اما اللام الاولي فهي جهة ربطه بالاعلي و جهة تعريفه. فانه هو الذات الظاهرة التي عرف الله للآلهين نفسه بها و هي المعرفة المحبوبة. و اللام الثانوية فهي جهة ربطه بالآلهين و جهة كونه من حيث المألوهية. فانه لولا الإله لم‌يكن المألوه مألوهاً للزوم وجود المبدأ في صدق المشتق. و ظهر الالف في الاول لظهور المبدأ فيها و انتسابها اليه. و ظهر الهاء في آخره لتدل الي جهات عبادة‌ العابدين اياه و جهة معرفتهم له لا من حيث تحققه في نفسه كماكان في هو. فظهر لفظ الله من الواو من حيث انها ظاهر الهاء.

و اذا اضفت الي الواو ظهورها الذي هو الالف التي هي ظهورها بالوحدة و الانتساب الي المبدأ و حدودها التي هي الواو صار ثلثة عشر، و هي استنطاقها أحد و هو مقام الأحدية. و اذا اضفت اليه الواو التي هي اشارة الي حدود اخر في المرتبة الثانية صار واحد و هو مقام الواحدية و هكذا جميع الاسماء و الصفات. و قد اطلنا في ذلك و ان لم‌نكن فيه لبيان نوع الاستدلال في معني كلام الامام7. ثم لاتحسبن ان امثال هذه الاستدلالات استحسانات و ليس لها اصل بل لها اصل و حقيقة فان الاسماء ظواهر لمعانيها و هي كالارواح لها و لابد

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 354 *»

بينهما من مناسبة ذاتية و قد اشرنا الي شئ من ذلك قبل فراجع.

فاذا كشفت عن الهوية حجاب الوصفية و الاشارة و قطعت النظر عن التعين و العبارة فهو الذي لاعبارة عنه و لا كيف له و لا رسم و لا اسم و لا حدّ و لا صفة و لا لفظ و لا اشارة و هناك مقام كشف سبحات الجلال من غير اشارة و هتك الستر و غلبة السر و محو الموهوم و صحو المعلوم، و مقام الذي فات الوهم نيله و جاوز الغاية قدره و الظن حقيقته و الاعتبار كنهه و القياس عظمته و التشبيه تنزيهه. قال ابوجعفر7 قال علي7 اما البيان فهو ان‌تعرف الله سبحانه ليس كمثله شئ فتعبده و لاتشرك به شيئاً قال الله تعالي ان الي ربك المنتهي فلايجوز البيان اكثر من هذا البيان و لاينبغي الجولان في هذا الميدان. فلنقبض العنان فان للحيطان آذاناً.

و تحت مقام الألوهية مقام الأحدية التي هي احد صفات التنزيه و من اعلي درجاتها. فاذا تنزلت عن الألوهية فالمهيمن علي جميع الصفات هو الأحدية. فان مادونها من الصفات كلها مركبة‌ من مبدأ الاشتقاق و ظهور الفاعل كالرازق مثلاً فانه مركب من الرزق الذي هو مفعوله المطلق و مبدأ اشتقاقه و من ظهور الفاعل به اي بالرزق، او ملحوظ فيه جهة الخلق فمن اجلها تسمي به مثل السمع و البصير. فانه و ان لم‌يكن فيه ركن من غيره من ساير الخلق قبل التعلق الا انه ملحوظ في خصوص التسمية ما يناسبه من الخلق كالسميع فانه سمي به بملاحظة ما في خلقه من المسموعات، و سمي بالبصير بملاحظة ما في خلقه من المبصرات و هكذا ساير الاسماء و الصفات. فكلما كان عن ملاحظة الخلق اجل كان في الرتبة اعلي و اشرف. فبعد الالوهية اجلّ الصفات و اعلاها و اشرفها و اسنيها الأحدية لانه لو لوحظ فيه شئ غيره لم‌يكن احداً بل كان متعدداً.

و بعده الواحدية التي هي من صفات الفعل مركبة من جهة الوحدانية و جهة ظهور الفاعل فيه و الواحد هو من العدد بخلاف الأحد فانك متي ما لاحظت الشئ قبل كل شئ قلته واحد و اذا لاحظت قبله غيره قلت ثاني بالنسبة الي قبله

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 355 *»

و اذا لاحظت قبله اثنين قلت ثالث و هكذا. و ان كان الشئ بالنسبة الي نفسه لا اسم له من هذه المراتب و يتسمي بهذه الاسماء بالنسبة الي الغير. و ليس هكذا أحد فانك اذا لاحظت معه غيره لم‌يبق علي الأحدية و صار بنفسه اثنين و ازيد لحصول تعدد الجهات فيه. و لايقدح هذه الجهات في كونه واحداً فان الواحدية امر اعتباري يعتبر في الشئ بالنسبة الي الغير و لهذا يزول و يصير ثانياً و ثالثاً و رابعاً عند تقدمه و تأخره عن غيره و ملاحظته مع غيره. و اما الأحد فلايمكن ان‌يلاحظه فيه النسبة الي غيره ابداً بوجه من الوجوه فانه حينئذ يصير اثنيناً و ثلثاً و اربعةً و خمسةً و هكذا و هذا خلف. و لهذا قد كفر الذين قالوا ان الله ثالث ثلاثة و آمن الذين قالوا ما من نجوي ثلاثة الا هو رابعهم و لاخمسة الا هو سادسهم و لاادني من ذلك و لااكثر الا هو معهم. فان ثالث ثلاثة جزء لها بخلاف ثالث اثنين فانه شئ خارج عن الاثنين لوحظ بعدهما فسمي ثالثاً فلو لوحظ بعد الواحد كان ثاني الواحد و لو لوحظ قبل الكل كان واحداً. بخلاف الثلاثة فانها لايمكن ان‌يصير اثنيناً ابداً و الاثنين لايمكن ان‌يصير احداً ابداً.

و اما ما ورد من ان الله سبحانه واحد لا بتأويل عدد فعلي معني ان الواحد اذا ألحق به مثله يصير المجموع اثنيناً و ان كان الآخر وحده ثاني الواحد. و كذا اذا ألحق به واحد آخر يصير المجموع ثلثاً و ان كان الملحق ثالث اثنين و هكذا. و اما هو سبحانه فلايمكن ان‌يصير اثنيناً و ثلثاً بلحوق الغير لانه ليس معه غيره يلحقه و لايلحقه من هو دونه. فالواحد الذي لايلحقه غيره واحد لابتأويل عدد ولكن له وحدانية العدد و ثانويته للواحد و ثالثيته للاثنين و هكذا فانه لايحلقه نسبة من ذلك فلايقدح في أحديته لان ذلك بالنسبة الي ملاحظته قبل شئ و بعد شئ و هو نفسه و نفسه هو في جميع هذه الملاحظات. و قد جمعت هذه المراتب الخمس التي ذكرناها سورة التوحيد قال تعالي بسم الله الرحمن الرحيم قل هو الله احد الله الصمد لم‌يلد و لم‌يولد و لم‌يكن له كفواً احد فالقائل آية الذات القديمة. فان المراتب التي دونه قوله و كلامه في التكوين و هو اشارة الي الهوية المطلقة و الله اشارة الي الألوهية و أحد الي

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 356 *»

الأحدية و الصمد الي الواحدية كما فسره علي بن الحسين8 حين سئل عن الصمد فقال الذي لاشريك له. و اما مقام الذات فلما لم‌يكن عنه عبارة و لا اليه اشارة و كان كنزاً مخفياً و لا تعين له و لا ظهور له عند احد من خلقه و كان لايدرك بشئ من المدارك عبر عنه بغير تعبير و اشار اليه من غير اشارة. فكأنه بيان في اعماء و ظهور في الخفاء و علم في جهل و وجدان في فقدان و ذلك لئلاتنالها ايدي الذين قصرت باعهم عن بلوغ هذا المقام و تقصر حظهم عن نيل هذا المرام. فان فهمته بهذا البيان فاحمد الله المستعان و الا فجز عنه فلست من فرسان هذا الميدان.

قولــه7 الذي جعل الحمد اعلم ان الجعل يستعمل في معان و كلها مرادة له7 في هذا المقام:

الاول بمعني خلق و برء و صور و قضي و أمضي كقوله تعالي و جعل فيها رواسي

و الثاني بمعني جعل اللوازم لملزوماتها اما لزوم الآثار لمؤثرها او لزوم نفس للشئ من حيث نفسه كقوله تعالي و جعل الظلمات و النور فان المراد بجعل الظلمات الزامها لنفس النور فانه من حيث نفسه ظلمة و انما هو نور ما لوحظ فيه الاثرية للمنير و بجعل النور الزامه للمنير من حيث علة ايجاده الذي هو ذلك النور.

و الثالث بمعني التصير و التغير كقوله تعالي و جعلناهم حصيداً.

فقوله7 جعل اذا أخذ بالمعني الاول فمعناه ان الله سبحانه خلقه او برءه او صوره او قضاه و اتمه او بمعني المجموع كماتقول خلقه، و تريد خلقه مشروع العلل مبين الاسباب تام المراتب و لم‌تلاحظ فيه هذه الخصوصيات لان الحمد هو اثره و خلقه رتقه و فتقه بيده بدئه منه و عوده اليه.

و اذا اخذ بالمعني الثاني فهو اما بانه اثر لازم لعلة ايجاده من الفعل لزوم النور لمنيره من حيث العلية الذي هو ارتباطه و تعلقه بالمفعول و ظهوره له به و هو هو ذلك الحمد من حيث انتسابه الي مؤثره. و اما بانه نفس الحامد به و ركنه فهو لازم له لزوم الظلمة لنفس النور و المراد بجعله الزامه لنفس الحامد به.

و اذا اخذ بالمعني

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 357 *»

الثالث فمعناه انه سبحانه جعله للحامدين و انحلهم اياه و دلهم اليه و وضعه لهم حتي يصفوا الله سبحانه به فيزيدهم الله من فواضل نعمائه و سوابغ آلائه علي معني قوله تعالي لئن شكرتم لأزيدنكم. او يوصلهم الله به الي معالي الدرجات و اعالي الخيرات و المقامات و ينجيهم به من حضيض الدركات و اسافل الطبقات و يمدهم بفواضل الامدادات و يسقيهم من كأوس@ الفيوضات لانه هو السؤال للعطيات و الاجابة للتكليفات و الدعوات علي ما سيجئ شطر منه و ذلك علي معني قوله تعالي قل ما يعبؤ بكم ربي لولا دعاؤكم فقد كذبتم فسوف يكون لزاماً

فاذا عرفت هذا المقام و نلت هذا المرام فاعلم ان هيهنا مقامين آخرين يجب التنبيه عليها. الاول: بيان حقيقة الجعل و منشأه و مبدئه و الثاني: بيان حقيقة اثرية الحمد له و بيان صدوره عنه.

فالاول اعلم ان الجعل بجميع معانيه هو الفعل و هو الحركة الايجادية التي اوجدها الله سبحانه بنفسها ليس فيها تكثر و لااختلاف و لاتغاير و لاتمايز من حيث نفسها و انما يختلف اسماؤها باختلاف المتعلقات كما سيجئ شرح ذلك. قال الرضا7 المشية و الارادة و الابداع اسماؤها ثلثة و معناها واحد قال الله تعالي و ما امرنا الا واحدة. و ان اردت بيان هذا الحال و تفصيل هذا الاجمال و ان كان يستدعي الي طول المقال و يمنع عنه بلبال البال و ضيق المجال فاصغ لما اقول بعون الله ذي‌الجلال.

اعلم ان الله سبحانه كان كنزاً مخفياً لاتعين له بوجه من الوجوه كما هو الآن فأول ما ظهر ظهر بالمحبة لان‌يعرف و هذه المحبة هي امر بسيط ليس في الامكان ابسط منه فليس لها كم و لاكيف و لاغاية و لانهاية و لاحدّ و لاوصف و لاجهة و لاحيث و لامكان و لازمان لان كل ذلك مخلوق بها فلايجري عليها ما هي اجرته و لايعود فيها ما هي ابدته. و ذلك لانها هي ظاهر الله في بلاده و وجه الله في عباده و وصف الله لخلقه. و الوصف لابد و ان‌يكون

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 358 *»

علي طبق صفة الموصوف به فلولا ذلك لم‌يكن وصفاً له فاذاً ينبغي ان‌لا‌يكون كمثله شئ. فلو كان كمثله شئ لكان الله معروفاً بالتشبيه و تعالي عن ذلك علواً كبيرا.ً فكان ذلك الوصف كمايحب الله سبحانه ان‌يوحد و يهلل و يسبح و يقدس و يكبر و يمجد و يعرف به كما ينبغي لكرم وجهه و عز جلاله.

و هذه المحبة هي عالم الامر و المشية المخلوق بنفسها و الفعل الذي هو الحركة الايجادية و الابداع و الاختراع لان الفعل هو اول مظاهر الذات بعدها فتظهر به لكل ما يشاء بعد ذلك ثم خلق الله ما خلق بهذه المشية و هذا الفعل. و لماكان لكل من هذه المشاءات جهتان جهة من ربه التي هي جهة النور و الخير و البساطة و الوحدة و جهة من نفسه التي هي جهة الظلمة و الشر و التركيب و الكثرة و كان من مبدأ اكوانه الي منتهي ظهوراته له اطوار و اكوار و شئون و ادوار و مراتب و اعراض و كان كل ذلك حادثاً ممكناً مخلوقاً لايوجد شئ منها الا بالله سبحانه و بفعله تغيرت الاسماء للفعل بحسب تعلقه بكل واحد من هذه المراتب. فمن حيث تعلقه بحقيقة الشئ و مادته سمي مشية و هو الذكر الاول كماقال الرضا7. و من حيث تعلقه بالعين و ما به الشئ شئ سمي ارادة ‌و العزم كماقال7. و من حيث تعلقه بمقادير الاشياء من جهة الكم و الكيف و الجهة و الرتبة و الزمان و المكان سمي قدراً و الهندسة الايجادية (کماظ) قال7. و من حيث تعلقه بتمام الشئ و تركيب بعضه مع بعض و تحققه مجتمعاً سمي قضاء. و من حيث تعلقه بالاجراء و الاظهار في الخارج سمي امضاء. و من حيث ان كل شئ واقف بباب الاذن منه سبحانه في كل تلك الاحوال و المراتب سمي اذناً. و من حيث انه خلق الاشياء من غير مادة و لا مدّة سمي اختراعاً. و من حيث انه احداث لما لم‌يكن و ابرازه جديداً سمي ابداعاً. و اذا قطعت النظر من افناء حالة و ايجاد اخري و نظرت الي الثانية بالنسبة الي الاولي سمي جعلاً و تصييراً ظ و تغييراً و هكذا، و في جميع تلك الحالات الفعل هو هو بلاتغير و انما يسمي بهذه الاسماء لهذه المتعلقات.

نعم للفعل رؤوس من حيث تعلقه بالمشاءات كل رأس

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 359 *»

مختص بما يشاكله من المتعلقات و لذلك الرأس صفة و وجه انفصلت حقيقة ذلك المتعلق منها. فالرؤس من حيث تعلقها الي متعلقاتها مختلفة كل واحد غير الآخر و اما من حيث انفسها فواحدة بلااختلاف و لاتكثر بوجه من الوجوه مثلاً حركة يدا (يد ظ) الكاتب حيث تصدر عنه الحروف فانه لاشك و لاريب ان الحركة متي ما لم‌يتصف بصفة الطول لم‌يصدر عنه الالف و ما لم‌يتصف بصفة العرض لم‌يصدر عنه الباء و هكذا ساير الحروف. فاذا لاحظت الرؤس من حيث تعلقها الي الحروف رأيت فيها اختلافاً و تمايزاً فان الرأس المتصف بالطول غير المتصف بالعرض لامحالة و هكذا. و اما اذا ما لاحظتها من حيث نفس الحركة رأيت الكل حركة بلااختلاف و تغاير و تمايز بوجه من الوجوه لان الحركة هي نفسها الانتقال من جهة الي جهة مطلقاً. فاذا تعينت بالطول او العرض لم‌يخرج عن الانتقال بل الطول و العرض و الاستدارة انفسها مختلفات متمايزات كما هو ظاهر.

فظهر لمن نظر حاقّ الامر و حقيقته في نوع اختلاف الاسماء من الفعل و اتحادها بحث مابقي عليه خفاء و ظهر بطلان ما يموهون من جعل المركب و البسيط و اختلافهم فيه فتبصر. و هذا المثال الذي ذكرنا تقريبي فان المشية الكلية الاولية ماتعلقت الا بالحقيقة المحمدية صلي الله عليها و آلها و ليس لها رأس و وجه و حيث الا رأس واحد و وجه واحد و حيث واحد. و مشيتهم المتعلقة بالانبياء ليست في رتبة تلك المشية كما هو بيّن. و لها ايضاً وجوه و رؤوس بعددهم: فلم‌يخلق من دونهم بها ابتداء بل بمشية دونها.

فظهر ان الرؤس التي ذكرنا ليست في رتبة واحدة بل بعضها اثر بعض و بعضها دون بعض، و كذلك المشيةی المتعلقة بالحقايق و الاعيان و الحدود ليست في صقع واحد بل بعضها دون بعض و مترتب علي بعض، نسبة كل واحدة الي الاخري نسبة متعلقها الي متعلق الاخري. فكما ان الحدود و الاعراض و الهندسة الايجادية رتبتها دون الحقيقة بل هي في رتبة الوصف للذات، كذلك ينبغي ان‌يكون المشية المتعلقة بها في رتبة الوصفية للمشية المتعلقة بالحقيقة. و هذا ظاهر بين لكل ناظر متفطن. فلولا ذلك لكان الكل شيئاً واحداً فان الفعل بنظر واحد في رتبة واحدة ليس فيها اختلاف و لاتكثر.

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 360 *»

فاذا اعترض في بالك لهذا المقال تناقض مع ما قررنا سابقاً في ظاهر الحال من قوله تعالي و ماامرنا الا واحدة و حديث الرضا7 المشية و الارادة و الابداع اسمائها (اسماؤها ظ) ثلاثة و معناها واحد فاصغ لمااقول و التوفيق من الله المأمول.

اعلم ان المشية و الامر كماقال الله تعالي واحدة ليس فيها اختلاف و تغاير و تمايز و تعدد لان غيره صادر عنها راجع اليها و لايلحقها ما صدر عنها و بدئه (بدؤه ظ) منها فلاوجه لتعددها ابداً و كماقاله الرضا7 اسمائها متعددة و معناها واحد. و كماقلت انا (ان ظ) جميع الرؤس بالنسبة الي المشية الكلية اما آثار لها و اما تنزلاتها و اوصافها لااختلاف في شئ من ذلك بحمد الله سبحانه و منه.

و الوجه فيه انه لماعرفت ان كل ماسوي فعل الله سبحانه مخلوق به صادر عنه و هو علي كمال البساطة الامكانية بحيث لايوجد شئ ابسط منه بل لايدرك و لايعقل و لايفهم اشرف منه فانه لايجري عليه ما هو اجراه و لايعود فيه ما هو ابداه و كل حيث و كيف و جهة و اعتبار ساقطة عنه و هو منزه عنها و هو وحداني الجهات و الحيوث و كذلك ما يصدر منه فانه يشابه صفة مؤثره و يحكي اياه لامحالة، عرفت انه لايمكن ان‌تتحقق له رؤس متعددة مختلفة باختلافه و تعدده ابداً. فاعتبار الرؤس فيه بان جميع الافعال المتعلقة بالمفاعيل بجميع مراتبها كلها آثار هذا الفعل الكلي الاولي و هو مبدئها (مبدؤها ظ) و مصدرها و مأواها و منتهاها كلها قائمة بها صادرة عنها اما بواسطة او وسائط. فجميعها بجميع شئونها و اطوارها مذكور فيها بالذكر الصلوحي الامكاني الرجحاني كماتري ان هيئات جميع الحروف بجميع اقسامها و شئونها مذكورة في الحركة بالذكر الصلوحي بحيث ان العالم المحيط بها يعلم جميع حركات الحروف و هيئاتها قبل ان‌يصدر عنها شئ من تلك الحروف. فجميع الافعال بتمام مراتبها مذكور فيه بالصلوح. فصح حينئذ ان تسميه بجميع تلك الاسماء و تنسب اليه جميع الآثار قال تعالي يعذبهم الله بايديكم فالله هو المعذب و ان كان المباشر ايدي الناس. فهو المشية و الارادة و القدر و القضاء و الامضاء و الاذن في جميع ذرات الموجودات ممادون العرش الي قرار الارض السابعة السفلي و من

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 361 *»

الدرة الي الذرة. فالرؤس المعتبرة فيه رؤس صلوحية امكانية رجحانية علي ماتبين و ظهر فافهم و تبصر.

و لمراتب الفعل ابحاث طويلة و مطالب شريفة ليس هيهنا مقامه اعرضنا عنه و انما اطلنا في ذلك ايضاً استطراداً لبيان حقيقة الجعل و تبيين ما وقع في الاوهام من تسمية الجعل بالمركب و البسيط فان مد الله لنا في تسطير هذا الشرح لعلنا نذكر شيئاً منها بما علمنا الله سبحانه ببركة اوليائه بالسنة شيوخنا ادام الله اظلالهم علي رؤسنا.

و اما الثاني من المقامين الموعودين اللذين انجزنا واحداً منهما فاعلم ان الحمد هو اثر فعل الحامد به و هو الشبح المنفصل من الشبح المتصل بفعل المتعلق به الذي هو حَمِدَ و هو المفعول المطلق لذلك الفعل. و لو كان الفعل في هذا المقام من غير مادة لفظه فانه من قبيل خلق زيداً. فكما ان زيداً هو الخلق و هو المفعول المطلق لخَلَقَ في الواقع و انما لم‌يقل مثلاً زَيَّدَ زيداً لعدم استعماله في ظاهر اللغة و لم‌يقل خلق خلقاً لعدم ظهور شخصية زيد عنده، كذلك في الجعل فلم‌يأت7 بفعل يناسب الحمد لعدم افادته ماكان يفيده لفظ جعل من المعاني المذكورة و لم‌يأت بمفعول يناسب جعل لعدم تأديته معني الحمد، فلهذا غير اللفظين لافادة المعنيين. و كذلك لم‌يقل خلق او اوجد لعدم افادتهما معاني الجعل علي ما عرفت. و هو المشتق من حمد. فانه هو اثره الصادر عنه المخلوق به و كل ذلك في تزييل الفؤادي و الا هو حَمِدَ و الحامد و الحميد و المحمود و محمد علي ما تقدم شطر من ذلك.

و له جهتان جهة من ربه التي هي حيث اثريته و شبحيته لظهور الفعل المتعلق به و جهة من نفسه التي هي حيث انيته و ماهيته و صورته التي بها تختلف مراتبه و مقاماته و تتمايز اشخاصه بحسب انواع الكمالات و افراد الصفات و الخيرات في كل مقام و رتبة علي حسبها فهو في كل رتبة حقيقة كلية لها رؤس و مظاهر يظهر بها كالطاعة فانها حقيقة كلية كمالية اصلها التوجه الي الله و تتمايز رؤسها و وجوهها و مظاهرها بحدود الصلوة و الزكوة و الحج و الجهاد

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 362 *»

و غير ذلك من الطاعات. و كذلك امثال تلك الحقايق وجوه و رؤس بالنسبة الي الكلي فوقه و هكذا نسبة تلك الكليات الي فوقها حتي تنتهي الي حمد الله سبحانه الذي حمد الله به نفسه و ينبغي لكرم وجهه و عز جلاله فكل ذلك حمد لله سبحانه يحمد به الحامد ربه.

و معني جعل الله اياه امره التشريعي التكليفي حيث قرر ذلك للمكلفين و علمهم سبيله حتي يعبدوه و يحمدوه به و هذا علي المعني الثالث او الزامه هذا الحمد حقيقة المكلف و جعله اياه من تنزلاتها و آثارها بحيث يعرف المكلف البصير المؤمن من نفسه ان كل هذه التكاليف هي من اطواره و تنزلاته و آثاره و المناسب لحقيقته، و ماسوي ذلك من الآثام و المعاصي هي من الاعراض الملحقة به و لايناسبه و لايماثله. فيكون احلي شئ و احسن شئ و الذ شئ عنده هذه الطاعات. و امر شئ و اسوء شئ و اكره شئ عنده المعاصي حيث لم‌يناسبه و لم‌يماثله و ليس منه و لا اليه و لا عنه و انما مبدئها الاعراض و ا لكثافات الملحقة الحاصلة من القرانات و الاضافات و هذا علي المعني الثاني. او خلقه الله سبحانه و اوجده بمشيته و ارادته و قدره و قضائه و امضائه و اذنه و اجله و هذا علي المعني الاول.

قولــه7 من غير حاجة منه الي حامديه

اعلم ان الله سبحانه هو الواحد الحق و الغني المطلق قائم بذاته قديم بنفسه قد كان اذ لم‌يكن معه سواه كمايكون الآن، ليس وجوده بمستفاد من غيره فيتقوي بالتوجه اليه و ليس شئ سبب وجوده فيعدم بانقطاعه عنه، ليس بناقص فيرجي كماله و لابزايد فيخشي نقصانه اذ كان الزيادة و النقصان من صفات خلقه الممتنعة عن الحلول في خالقه و ليس بمستربح بخلقه فيربح بزيادتهم او يخسر بنقصانهم. فلايتوهم عاقل عرف شيئاً من التوحيد الاحتياج لعلة الشئ في الشئ فان وجودها سابق عليه و هي قائمة بنفسها دون غيرها فتستحيل ان‌تقوم بمعلولها المحدث بها.

فاذا كان الامر كذلك لقائل ان‌يقول من بادي رأيه لو لم‌يكن الاحتياج في الخالق و من البين ان الخلق ايضاً لم‌يكن شيئاً مذكوراً اذ تقول وجود الخالق قبل وجود المخلوق بل

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 363 *»

الخالق ابدعه ابداعاً لا من شئ و اخترعه اختراعاً لا علي احتذاء شئ، فكيف الاحتياج و لمن الاحتياج و الي من الاحتياج و فيما الاحتياج و بما الاحتياج؟ فهيهنا حري ان‌يتحير المتحير و يضطرب العاقل المتفكر. فنزيل عن مرآة باله غبار الوهم و له ان‌يسئل الله سبحانه ان‌يرزقه الفهم. و ليعلم ان الله سبحانه كان كما هو الآن و لم‌يكن معه شئ لاوجود و لاعدم و لانفي و لااثبات اما الوجود فظاهر و اما العدم فانه لو اريد منه معني الامتناع فليس بشئ حتي يكون مع شئ. و ان اريد منه نفي شئ آخر فانه شئ كماقال الرضا7 في الحكم بين زرارة و هشام. و كذا النفي و الاثبات. فكان هو هو سبحانه في قدس كماله و عز جلاله ثم خلق الخلق لماسألوه بماسألوه كماسألوه كل في مكانه و حده. فكانوا لماشاء الله بماشاء الله كماشاء الله كل في مكانه و حده. فلم‌يمتنع شئ منها عما اراد الله و لم‌يرد الله الا ما سألوا. فلولا مشية الله ما كانوا و لو لم‌يسألوا لم‌يشأ الله كالكسر و الانكسار لولا الكسر لم‌ينكسر و لولا الانكسار لم‌يحصل الكسر. فكان الامر بالتساوق بحيث لم‌يتقدم شئ منهما علي شئ بوجه من الوجوه.

فان امتنع عنك فهمه و استصعب عليك ادراكه و قلت هذا الفعل و الانفعال بعد ما فعل الفاعل و ليس الانفعال قبل حركة الفاعل، فقبل الحركة لابد من باعث عليها و هو ميل الفاعل.

اقول ان الامر كماقلت ان الانفعال بعد وقوع الاثر رتبةً و معه وجوداً و الاثر بعد التأثير رتبة و وجوداً. و لابد في التأثير من ميل المؤثر ولكن ليس حيث ذهبت من ان هذا الميل في ذات الله سبحانه و تعالي و هو الاقتضاء منها. لان هذا الميل هو الارادة المخلوقة بنفسها و هي ايضاً خلق من خلق الله سبحانه خلقه الله بسؤاله الايجاد حين الايجاد بنفس ذلك الايجاد. و خلق الله الاشياء بها بعد ذلك بسؤالهم للايجاد حين الايجاد. و هي التي عبر عنها بأحببت ان أعرف و هي عالم الامر و عالم المشية. و انا اجمل لك القول بكلمات عديدة ان فهمته منها غنمت و الا فلك حظك.

اعلم ان الله سبحانه خلق عالم الامر و هو اول ظهوراته سبحانه ليس قبل ذلك خلق لله سبحانه فهو هو في قدسه لا شئ معه ظهر اولاً و بالذات بتلك الحقيقة و

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 364 *»

هي وقته السرمد فلم‌يكن وقت سرمدي لم‌تكن تلك الحقيقة فيه نعم لم‌تكن في الذات. و اما في السرمد الذي هو اول الخلق كان دائما سرمدياً اذ الشئ دائماً هو هو فلم‌يكن و لايكون هو غيره ابداً. ثم خلق الاشياء بهذه الحقيقة الشريفة فكان كل شئ هو هو في حده و مكانه و زمانه و مميزاته عن غيره فكان كل شئ دائماً بدوامه في حده هو هو لاغيره فلم‌يكن وقت من وقته ان لم‌يكن هو هو. نعم ماكان في وقت‌ٍما هو فوقه في الرتبة. و لنقبض العنان فان للحيطان آذاناً.

فاذا عرفت ذلك يسهل عليك امر الفعل و الانفعال ان‌شاء الله و هذه المسألة طريق مظلم و بحر متلاطم كماقال علي7 علي ما رواه في التوحيد الا ان القدر سر من سر الله و ستر من ستر الله و حرز من حرز الله مرفوع في حجاب الله مطوي عن خلق الله مختوم بخاتم الله سابق في علم الله، وضع الله عن العباد علمه و رفعه فوق شهاداتهم و مبلغ عقولهم لانهم لاينالونه بحقيقة الربانية و لابقدرة الصمدانية و لا بعظمة النورانية و لا بعزة الوحدانية‌ لانه بحر زاخر خالص لله عزوجل عمقه ما بين السماء و الارض عرضه ما بين المشرق و المغرب اسود كالليل الدامس كثير الحيات و الحيتان يعلو مرة و يسفل اخري في قعرها شمس تضئ لاينبغي ان‌يطلع عليها الا الله الواحد الفرد فمن تطلّع عليها فقد ضاد الله عزوجل في حكمه و نازعه في سلطانه و كشف عن سره و ستره و باء بغضب من الله و مأواه جهنم و بئس المصير. ذلك من سبقت له من الله الحسني ولكن كل بقدره و ذلك بتعليم الله سبحانه بواسطة اوليائه صلوات الله عليهم. الحاصل، فليس الاحتياج لله سبحانه الي خلقه بل الخلق محتاجون اليه و باحتياجهم و افتقارهم خلقهم و رزقهم و احياهم كماعرفت و اما الحامدون فهم الواصفون بالحمد محمودهم.@

و قد عرفت ان اول الحامدين و اعظمهم و اكبرهم هو اول مظاهر الله سبحانه و اول مقاماته و هو

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 365 *»

ظهوره للحمد بالحمد. و قد عرفت معني الحمد و حقيقته قبل ذلك فراجع ان شئت. و هذا الحامد هو الحامد الحقيقي الاولي و حمده هو الذي ينبغي لكرم وجهه و عز جلاله و هو الذي لله سبحانه خالصاً كماقال رسول‌الله9 انت كما اثنيت علي نفسك و الحامد هو ذلك الحمد من حيث الظاهرية للذات فالحمد هو اول ظهورات الذات بل هو الذات الظاهرة في رتبته، مثال ذلك شبحك في المرآة هو اول ظهوراتك و هو ظاهرك في تلك الرتبة، اي رتبة‌ الشبح. فانه ليس منك في رتبة‌ الشبح شئ يحكي وجهك الا نفس الشبح فهو ظاهرك له. فالحمد هو الحامد و صار الحامد ذاجهتين: جهة حمدية و جهة حامدية يعني اذا نظرت اليه من حيث انه ظهور الذات سمي حمداً و اذا نظرت اليه من حيث انه فاعل فعل الفاعل له به سمي حامداً. فالحمد ركن له من حيث نفسه و الحامدية ركن آخر من حيث ربه. فلم‌يتحقق الحامد الا بالحمد و لم‌يوجد الحمد الا بالحامد. فوجود الحمد في تحقق الحامد شرط واجب و هذا هو السبيل في جميع المشتقات.

و الدليل علي اتحاد الحمد و الحامد هو ان الحامد هو الظاهر بالحمد لانه لو كان ظاهراً بغيره لسمّي باسم ذلك الغير كالقائم و القاعد. فاذا كان حامداً بالحمد و ظاهراً به لايخلو اما ان‌يكون في رتبة‌ هذا الحمد او في غيرها. فان كان في غيرها لكان له فيها صورة تتحقق بها و تتميز عن غيره و هو قائم بها فيها فهو يتسمي باسمها دون هذا الحمد. و ان كان في رتبة هذا الحمد و هو غيره فله حده و له اسمه الذي يناسبه. فوجب ان‌يكون هو هو حتي يتسمي به، مثل زيد حيث ان مادته لاتتسمي باسم زيد حتي تتشخص بتشخصاته و تتميز بتميزاته فتتسمي بمايناسب حده و صورته فافهم تغتنم.

الحاصل، قد عرفت ان اول الحامدين هو الله سبحانه و هو كما حمد نفسه و حمده ينبغي له لا احد يحصي ثناءً عليه هو كما اثني هو علي نفسه دون غيره. ثم محمد و آله عليه و عليهم السلام سيد الحامدين و اولاهم و افضلهم فلايبلغ حمدهم حمد حامد و لامدح مادح. ثم الانبياء و الاوصياء: فهم اولي الخلق بحمد الله سبحانه. ثم المؤمنون و هكذا مراتب الخلق جيلا بعد جيل. و ان كان

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 366 *»

لاينبغي شئ من هذه المحامد لوجه الله سبحانه سوي حمده و ما اثني علي نفسه فليس خلق الله سبحانه و جعله للحمد لحاجة ابداً الي هؤلاء الحامدين بوجه من الوجوه فانك قد عرفت ان المراد بالحمد في كل رتبة‌ حقيقة اولية حقيقة الشئ و مبدئه و اصله.

و قد عرفت ان الله سبحانه لم‌يخلق الخلق لحاجة منه اليهم فليس جعل الله للحمد لحاجة الي الحامدين الذين هم نفس ذلك الحمد. و اذا اردت بالحمد تنزلات تلك الحقايق و ظهوراتها و افعالها و صفاتها كما قدعرفت سابقاً فهو ايضاً كذلك فليس خلق الله اياه لحاجة منه الي حامديه. فانه خلق الخلق حيث خلقهم غنياً عن طاعتهم آمنا بمعصيتهم لاتنفعه طاعة من اطاعه و لاتضره معصية من عصاه

قــال7: و طريقاً من طرق الاعتراف بلاهوتيته و صمدانيته و ربانيته و فردانيته

اقــول: الطريق في اصطلاح الائمة: هو ما به تنزل الامداد و الفيوضات الي الخلق و منه يصعد الكلم الطيب و الاعمال الصالحة من الخلق الي الله سبحانه. فبهذا الوجه الطرق الي الله بعدد انفاس الخلائق. لان كلا من الذوات و الافعال و الصفات له وجه الي ربه به تنزل الامداد و الفيوضات اليه و الي من دونه. فان الله سبحانه يمد كل شئ به و ان كان بوسائط قبله سابقة عليه. فكل صارد عند مصدره الاقرب مخلوق بنفسه يمده ذلك المصدر به كما هو محقق في محله. و فيه تتصاعد تلك الحقيقة التي هي الكلمة الطيبة الي مدارج القرب و يسلك في مسالك الحيرة و المزيد و به تترفع الاعمال الصالحة التي هي آثار تلك الحقيقة لانه كلما صعدت تلك الحقيقة‌ رفعت آثاره و اعماله في مدارج عليين و مراقي القرب. و صعود تلك الحقيقة ليس بتجاوزها عن حدها و رتبتها بل تتصاعد دائماً في نفسها و تترقي في مدارج نفسها دائماً ابداً بلانهاية. لانه سبحانه خلقه عبداً و علمه سبيل القرب و الوصول و عرفه الدليل و المدلول فكلما عمل بما علم ورثه الله علم ما

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 367 *»

لم‌يعلم كلما وضعت لهم علماً رفعت لهم حلماً ليس لمحبتي غاية و لانهاية فكلما ازداد علمه ازداد قدره و قيمته و رتبته و كمل ايمانه و قيمة كل امرء ما يحسنه قال تعالي يرفع الله الذين آمنوا منكم و الذين اوتوا العلم درجات. اليه يصعد الكلم الطيب و العمل الصالح يرفعه و لايزداد العلم و الايمان الا بان‌يحدث له في رتبة‌ المعلوم رتبة يعرفه بها فانما تشير الآلات الي انفسها. فكلما علت رتبتهم ازدادوا علماً و كلما ازدادوا علماً ازدادوا عملاً و كلما ازدادوا علماً و عملاً ازدادوا ايماناً و كلما ازدادوا علماً و عملاً و ايماناً رفعهم الله الي اعلي من ذلك و هكذا. ففي كل مقام يعملون بعمله و يعلمون ما علمهم الله و يصدقون بما اراهم الله فيجزيهم الله احسن ما عملوا و لديه مزيد بحيث لاانقطاع له و لاانصرام. فهم في تلك المدارج متدرجون و في تلك المسالك سالكون و بتلك النعم متنعمون و في جناته خالدون. فهذا سبيل صعود الحقايق في رتبتها.

و لماكان هذا الحمد هو احد سبل الذي هدي الله عباده اليه و دلهم عليه ليزيدهم من فضله اذا توجهوا اليه به و توسلوا اليه بادائه ذكر7 انه سبحانه جعله احد الطرق الموصلة اليه المقربة منه التي اذا سلكها العبد يكون معترفاً به سبحانه. فان جميع ما ندب الله اليه سبحانه من التكاليف انما هو سبيل الاعتراف بالله سبحانه و سبيل الاقرار بوحدانيته و ربوبيته، بل جميع الذوات و الافعال و الصفات و الاسماء انما هي سبيل الي الاعتراف به سبحانه و الي الاقرار بالوهيته لا الي ذاته و كنهه. قال علي7 انتهي المخلوق الي مثله و الجأه الطلب الي شكله الطريق مسدود و الطلب مردود فلم‌يكن هو سبحانه غاية ‌شئ لان الغاية موصوفة و كل موصوف مصنوع لاقترانه بصفته، و شهادة الاقتران بالحدوث فصانع الاشياء غير موصوف بحد. فهو سبحانه لم‌يعرف بحقيقة ذاته و لم‌يحط به شئ من خلقه بل بما دل عليه من تعريفه و وصفه. فعرفه بما وصف به نفسه فكل شئ بحسبه. فاعترف كل شئ بتلك المعرفة حين خاطبهم بالسنة حقايقهم و ذواتهم فقال الست بربكم قالوا بلي فقولهم بلي هو اعترافهم بتلك المعرفة و اقرارهم بذلك

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 368 *»

الوصف. فكان اعتراف كل شئ بحسبه من الذوات و الافعال و الصفات و الاعراض فان كل ذلك حقايق متأصلة و ذوات حقيقية بالنسبة الي انفسهم. عرف الله سبحانه بهم نفسه لهم بهم. فمااختلف في هذا الاعتراف و الاقرار احد في السموات و الارض. فكل شئ يسبح بحمده و ان كان لايفقه تسبيحهم. قال9 ليس الاختلاف في الله و لا فيّ. فسبحان من دانت له السموات و الارض بالعبودية و أقرت له بالوحدانية و شهدت له بالربوبية.

فكون الحمد طريقاً له مقامات، منها اذا اخذ الحمد فاتحة الكتاب و باب الابواب و فصل الخطاب الذي حمد الله به نفسه و ينبغي لكرم وجهه و عز جلاله فهو الطريق الاقوم و السبيل الاعظم و الصراط المستقيم و المسلك القويم و جميع ماسواه من الطرق و السبل انما هو شعبة منه و فرع له.

و اذا اخذ الحمد ما حمد به الحامدون من اعمالهم و افعالهم و اقوالهم فهناك احد الطرق المؤدية الي الاعتراف به سبحانه لان السبل اعتراف الخلق به سبحانه بعدد انفاس الخلايق بل بعدد ذرات الوجود فمنها هذا الحمد. و ان كان سبيل الله الي خلقه واحداً و انما تتشعب بعدد ذراتهم عند التعلق بهم فاصل الاختلاف و التعدد منهم. فاذا اخذ الحمد سبيل الله الي خلقه هو طريق واحد و سبيل واحد، و اذا اخذ سبيل الخلق اليه فهو احد الطرق. و ان كان جميع تلك الطرق باعتبار و نظر كلها حمداً له سبحانه ايضاً ولكنها عند النظر اليها بنفسها من غير اقتران بالغير فانها حينئذ كلها ذوات متأصلة حمد الله بها نفسه لديها. و اما عند الاقتران فيحصل الافتراق فيكون الحمد غير مادونه من الاعمال و الافعال. فحينئذ احد الطرق للاعتراف به سبحانه.

فهذا الحمد الذي حمد الله به الحامدون له مراتب فربما يكون من الذوات فانها ذوات بالنسبة الي انفسها و انما هي افعال بالنسبة الي مؤثرها. و ربما يكون من الاسماء و الصفات و الافعال فان كل شئ بحقيقته وصف لله سبحانه اما بغير واسطة او بواسطة او بوسائط. فاما ماكان بغير واسطة فهو وصف و حمد وصف الله به نفسه و حمده. و اما ما بواسطة و وسائط فانما هو وصف و حمد وصف تلك الواسطة له به ربه و حمدت ربه له به. و ان كان ذلك الوصف و الحمد عند الواسطة مماينزه الله سبحانه منه، و

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 369 *»

لكنه عند ذلك الشئ وصف لربه به.

فبكل تلك المعاني هم: الطريق الاقوم و السبيل الاعظم و الصراط المستقيم و المسلك القويم. و ساير الطرق انما هي شئوناتهم و ظهوراتهم و اطوارهم و اوصافهم ظهروا بها كيف شاؤا كماشاؤا. قال تعالي هذا صراط علي مستقيم و قال الذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا و قال يا قومنا انا سمعنا كتاباً انزل من بعد موسي مصدقاً لمابين يديه يهدي الي الحقو الي طريق مستقيم7 فهم الطريق بين الطرق و السبيل بين السبل صلوات الله عليهم اجمعين.

قولــه7: بلاهوتيته

اعلم ان هذا المقام مقام الذات و منقطع الاشارات و كشف السبحات و البيان و التوحيد و السر المقنع بالسر و السر المستسر و باطن الباطن و غير ذلك من التعبيرات الواقعة علي عنوانه، و هو اول ما وصف الله به كينونته و قدسه به. فهو اذ ذاك ذات ظاهرة و صفة باهرة. وصف الله نفسه لها بها و عرفها كينونتها و قدسها لها بها. فانه هو سبحانه بنفسه لايقع عليه اشارة ‌و لايعينه عبارة بل لااسم له و لارسم. فكل ما يقع عليه اسم شئ ماخلا الله فهو مخلوق كمااشار اليه7. و قوله ماخلا الله ليس معناه ان الله سبحانه يقع عليه اسم شئ الا انه ليس بمخلوق بل هو صفة لما@. فالمعني ان كل ما خلا الله الذي يقع عليه اسم شئ فهو مخلوق. فهذه الكينونة الظاهرة‌ المسماة بالذات انما هي آية من آيات الله و مقام من مقاماته التي لاتعطيل لها في كل مكان التي يعرفه بها من عرفه لافرق بينه و بينها الا انها عبده و خلقه و آيته و دليله و لذلك يضاف الي الضمير الغائب و يقال ذاته.

و قال7 لاهوتيته و لو كان مصداقه هو اللاتعين لماكان يضاف الي شئ فان الشئ لايضاف الا الي المهيمن عليه و المالك عليه و ليس فوقه سبحانه شئ حتي يضاف اليه. فظهر لمن نظر ان المسمي بالذات هو عنوانه سبحانه و آيته التي عرف بها نفسه لخلقه حتي يعرفوا تذوته و لو عرف نفسه بغيره لعرفوه به و هو خلاف الواقع. فلماكان هو سبحانه حقيقة قائمة بذاتها و

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 370 *»

ثابتة بنفسها منزهة عن كل صفات خلقه وصف نفسه هكذا حتي يعرف كماكان.

فان قلت ان الاضافة هي النسبة‌ بين شيئين متحدين في الرتبة يمكن للناظر النظر اليهما معاً ليميز النسبة بينهما و اما المؤثر و الاثر فلايمكن النظر اليهما معاً فلاتتحقق النسبة بينهما ابداً فكيف نقول ان الشئ يضاف الي فوقه.

اقول ليس المراد بالفوق و المهيمن المؤثر للشئ الذي ليس للشئ ذكر هناك بل فوقه من رتبته و المهيمن عليه من مقاماته الذي هو فاعل فعل الفاعل له فيه و يد القابضة لزمامه لمالكه عنده الذي هو غائب عن مشاهدته و خفي عن ادراكه فهو مادام هو هو لايقدر علي مشاهدة ذلك الفاعل و لثم تلك اليد. فهو غائب عن درك حواسه حتي يكشف جميع سبحات الجلال من غير اشارة و ينظر اليه من غير جارحة و آلة‌ بل نظر اليه به و توجه اليه به فرآه به و عرفه به فانه حينئذ هو هو و هو المالك للزمام و منتهي المطلوب و المرام و الظاهر الشاهد في ذلك المقام. فلايضاف الي شئ بل يضاف اليه كل شئ و هو المضاف اليه لكل شئ. فمرجع الضمير في قوله7 هو الغائب عن مشاهدته و المالك لزمامه و المهيمن عليه فوقه الذي هو خالقه و مقدره و رازقه و محييه فهو ايضاً احد مقاماته تعالي المضاف الي فوقه غائب عنه و هكذا الي ما لانهاية له و لاغاية ‌فليس لمحبته غاية و لانهاية. قال9 رب زدني فيك تحيراً

فكل ذلك مقامات تعريفه و تعرفه لخلقه و وصفه و توصيفه لعباده. انتهي المخلوق الي مثله و الجأه الطلب الي شكله الطلب مردود و الطريق مسدود. فكل مضاف و مضاف‌اليه مخلوق مربوب. لانه سبحانه ليس معه غيره ليضاف اليه و لايضاف الي الشئ الا ما هو من رتبته و مقامه. بلي هو سبحانه جعل لنفسه في خلقه آية و اقامها مقامه ليضاف اليها جميع ما في يده و في قبضته من ملكه و خلقه. فيكون الاضافة اليها الاضافة اليه سبحانه و يكون كل منسوب اليها منسوباً اليه تعالي. و ليست هي آيته سبحانه التي عرف بها نفسه لخلقه. فلو كان هي هي لعرف بانه سبحانه يضاف اليه و ينسب اليه شئ و سبحانه عن هذا بل الذي عرف به نفسه لخلقه هو لايضاف اليه شئ و لايضاف الي شئ و ليس معه شئ

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 371 *»

لااسم له و لارسم و لااشارة اليه و لاعبارة عنه، ليس فوق شئ و ليس فوقه شئ لاذكر له في خلقه كما لاذكر لخلقه فيه، كذلك الله ربنا كذلك الله ربنا كذلك الله ربنا. فاما تلك اليد المضاف اليها فهي آية هيمنته و سلطنته و تملكه و قدرته و قاهريته لا آية كنهه و حقيقته. فالذات الظاهرة‌ هي حقيقة ثابتة متأصلة و آية محكمة مضافة الي ذات باطنة و حقيقة غيبية، عرف الله تذوته و ثباته به لخلقه ليعرفوه به و ينظرون اليه بعينه.

و هذا المقام فوق الهوية فانها مقام التعين و الاشارة ‌و التمايز. و هذا المقام منفية عنه هذه الصفات و لذا عبر7 عنه بلاهوتية اي لاهوية له. ثم لايخفاك ان هيهنا مقامين الاول اللاهوت و الثاني اللاهوتية و الثاني صفة للاول و ظهور له ظهر به و هو ركن له فلولا الثاني لم‌يظهر الاول و لولا الاول لم‌يتحقق الثاني. فاللاهوت هو الذات الظاهرة باللاهوتية فهي هي اللاهوت من حيث الظاهرية‌ و الوصفية و الاسمية للذات الغيبية و هو هو اللاهوتية من حيث الظهورية و الاثرية و المعلولية.

فقوله7 و طريقاً من طرق الاعتراف بلاهوتيته و لم‌يقل بلاهوته و لا به. فان الحمد هو مقام الظهور لا الظاهر و الاثر لا المؤثر. و الظهور و الاثر لايؤدي الي الظاهر و المؤثر الا بالاستدلال، و هو غير الاعتراف و الاعتراف هو سبيل الكشف و المعرفة. فلايكشف عن الظاهر الظهور و لا عن المؤثر الاثر. فليس الحمد الا طريقاً الي الاعتراف بلاهوتيته دون لاهوته. و لذا كان لوائه بيد علي7 دون رسول‌الله9 و ان كان اللواء لرسول‌الله9 و لولاه لم‌يظهر بيد علي7. فاما الاعتراف باللاهوت ليس الا له دون غيره فانه لم‌يعرفه سواه و لم‌يحط به غيره. قال9 بك عرفتك و انت دللتني عليك و لولا انت لم‌اعرف ما انت و قال اعرفوا الله بالله و يا من دل علي ذاته بذاته فافهم.

قولــه7: و صمدانيته

اقــول: هذا المقام مقام الالوهية اذ مألوه و

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 372 *»

مقام السلطنة و الاستقلال و هو القائم مقام الله اذ لامألوه في المألوهين، و القبلة الموضوعة لجميع المتوجهين و الآمّين و السيد المطاع الذي ليس فوقه آمر و ناه و المليك المقتدر الذي لايبلغ اقصي سلطانه و لامنتهاه. و قد ورد عن الباقر7 ان الصمد السيد المطاع الذي ليس فوقه آمر و لا ناه و قيل لابي‌جعفر7 جعلت فداك ما الصمد؟ قال السيد المصمود اليه في القليل و الكثير و ما ورد فيه انه الذي لاجوف له فالمعني انه ليس وعاء لشئ فيكون فيه غيره من خلقه من الاعيان و الاكوان و الماهيات و الصور و ليس بمركب ذي‌حدود فيكون له جهات و حدود كمافسره الله تعالي فقال لم‌يلد و لم‌يولد و لم‌يكن له كفواً احد بل هو السيد المطاع المنزه عن صفات خلقه و مصنوعاته كماسئل علي‌بن‌الحسين عنه فقال الصمد الذي لاشريك له الحديث. فهذا المقام هو دون الاحدية فانها لايلاحظ فيها جهة الخلق بوجه من الوجوه و لاجهة التعلق بها، ولكن في هذا المقام يذكر التعلق و يلاحظ فيه جهة الخلق فان المشتق يصدق عند وجود المبدأ فلولا المبدأ لم‌يكن المشتق ظاهراً. و هو السيد المطاع فلايصدق ذلك الا بعد وجود المبدأ و هو الاطاعة و ذلك جهة الخلق.

و قد انبأ الله عن مقامه حيث قال قل هو الله احد الله الصمد فبالاطاعة يطاع الله و لولاها لم‌يطع. قال7 بعبادتنا عبد الله و لولانا ما عبد الله لانهم: عباد مكرمون لايسبقونه بالقول و هم بامره يعملون بحيث ليس في الوجود اطوع منهم و لااعبد منهم فهم الطائعون لله حق الطاعة و العابدون له حق العبادة. و اما عبادة ماسويهم فهي من فاضل عباداتهم و انوار طاعاتهم لاحت علي هياكل الكون و سطعت فاشرقت حقايق الخلق. فهم المطيعون لله حقيقة و العابدون له و انما يطلق علي من سويهم بالعرض و التبعية فلولا عبادتهم لم‌يعبد الله قط. و هم الطاعة‌ الحقيقية التي ارادها الله و هي ان‌يكونوا له في جميع الاحوال و الاطوار و الاكوار و الادوار فكانوا كما امرهم فانهم بامره يعملون فكانوا له في جميع تلك الاحوال. فظهرت المطاعية لله و بهم، فهو المطاع

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 373 *»

المطلق الذي لاراد له في ملكه و لامنازع له في امره و لامضاد له في قضائه بحيث اذا اراد شيئاً و قال له كن فيكون. فجرت بهذه الطاعة السارية في جميع الاكوان مقادير الله و احكامه علي كل مذروء و مبروء. فهو المطاع المطلق بهذه الطاعة المطلقة و مطاع بكل طاعة طاعة عند تلك الطاعة بتلك الطاعة التي هي فاضل تلك الطاعة الحقيقية. فلم‌يطع الله في صغير و لاكبير الا هم و لم‌يعبد الله سواهم فانه لامطاع غير الله و لامعبود سواه، و هذه الطاعة المطلقة هي المحبة الحقيقية التي احب الله بها رسوله لانه كمايحب و احب رسوله بها الله لانه كمايريد. قال علي7 اللهم انت كمااريد فاجعلني كماتريد.

و بذلك سمي رسول‌الله9 حبيباً بمعني الفاعل و المفعول. فبذلك ساد علي جميع ماسوي الله و اطيع باذن الله في ساير بلاده و عباده. قال تعالي و ماارسلنا من رسول الا ليطاع باذن الله فانتجبه الله آمراً و ناهياً عنه و اقامه في ساير عوالمه في الاداء مقامه كماقال تعالي قم فانذر. حيث لم‌يجعل لقيوميته علي رعاياه حداً فكان قائماً مقام من لاحد له و لانهاية و لارسم له و لاغاية. فهو السيد المطاع الذي ليس فوقه آمر و ناه لله سبحانه امر الله باطاعته جميع من سواه. فقال ما آتيكم الرسول فخذوه و ما نهاكم عنه فانتهوا فانه ليس امرهم الا امر الله و لانهيهم الا نهي الله و بذلك من اطاعهم فقد اطاع الله و من عصاهم فقد عصي الله. فهم الآمرون و الناهون لله و بالله و في الله. فهم الصمدانية التي هي ركن للصمد و ظهور له و هي هو من حيث الظاهرية لله سبحانه كماهو سبيل جميع المشتقات و قد وصفناها مكرراً فراجع.

و اما ان الحمد طريق من طرق الاعتراف بها فلان الحمد في جميع المراتب و المقامات هو ظهور الحامد له به و ركنه الذي به ظهور. و الظهور كائناً ماكان و بالغاً مابلغ لايؤدي الا الي مثله و لايدل الا علي شكله. فلايعرف الظاهر بالظهور@ فانه هو الحجاب بين العارف و معروفه قال7 المحبة هي الحجاب بين المحب و المحبوب فلايؤدي الي الصمد بوجه من الوجوه فانه بنفسه حجاب فاذا

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 374 *»

ارتفع الحجاب عرف العارف معروفه بعينه و احب الحبيب محبوبه به. انما تحد الادوات انفسها و تشير الآلات الي نظائرها. و قال7 اعرفوا الله بالله و قال يا من دل علي ذاته بذاته فمؤدي الحمد هو الاعتراف بمعرفته الصمدانية التي هي هي. فكماسرت سر الصمدانية في جميع ذرات الوجود من الغيب و الشهود علي ما اشرت اليه سرت (سري ظ) الحمد فيها علي ما شرحنا سابقاً. ففي كل مقام هو طريق الاعتراف بها فافهم و تبصر.

قولــه7: و ربانيته

اعلم ان هذا المقام دون مقام الصمدانية و جهة من جهاته و وجه من وجوهه. فهو و ان كان من حيث المتعلق عاماً ولكنه من حيث الوصفية خاص بالنسبة الي الصمدانية. لان الصمد كماورد الذي انتهي سودده و الذي لاشريك له و القائم بنفسه الغني عن غيره فهو مقام الاجمال و الوصل و هذا مقام التفصيل و الفرق و هو مقام السفارة الحقيقية و هذا مقام الولاية الكلية و السلطنة العامة و اعطاء كل ذي‌حق حقه. قال الله سبحانه ربنا الذي اعطي كل شئ خلقه ثم هدي في جواب فرعون اذ سئل@ موسي قال فمن ربكما يا موسي و وصفه بالرحمانية قال ربنا الرحمن المستعان علي ما تصفون. فالرب هو ظل الكينونية الحقة الذي له هيمنة و سلطنة علي جميع صفات الاضافة و الخلق كمااشار الله اليه و قال ان ربك حكيم عليم و قال و كان ربك قديراً. فان كل صفة فيها اضافة الي الخلق انما تتحقق عند التوجه الي الايجاد و الاحداث فيكون كل ما فيها اضافة يداً لله سبحانه علي الايجاد و ظهوراً من ظهوراته عند ايجاد المتعلق. فكلها صفات الرب الذي هو الولي علي من دونه مطلقاً و ظهور من ظهوراته عند توجهه الي ما يريد من خلقه. فليس شئ مماسوي الله سبحانه الا و هو مربوب لله سبحانه و عبد له و ما من شئ الا و ظهر آثار الربوبية فيه و بذلك سمي رب العالمين.

فالمربوب الحقيقي هو الذي لم‌يمتنع عن مراد الله سبحانه و تربيته و محبته بوجه

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 375 *»

من الوجوه و كان علي حسب ارادة الله و تربي كماشاء الله بحيث لايوجد في شأن من شئونه و لا في طور من اطواره ما يخالف مقتضي الربوبية لكمال ظهور العبودية في جميع تلك الشئون و الاطوار. و تعلم جميع الصفات التي عليها معلمه كما هو حقه و حقيقته لتمحضه في التوجه الي معلمه حتي حوي جميع علومه و حاز جميع رسومه و اتصف بجميع صفاته و ظهر بكل كمالاته و هو محمد9 الطيبون الطاهرون فانهم الذين لايسبقونه بالقول و هم بامره يعملون. فظهر فيهم آثار الربوبية و بدا فيهم انوار الالوهية لاضمحلال انياتهم و اصطفاء قوابلهم بحيث لم‌يبق لهم وجهة الا الله و لم‌يكونوا الا لله قال الشاعر في مدحه لاميرالمؤمنين7:

تقيّلت افعال الربوبية التي   عذرت بها من شك انك مربوب

و قال الصادق7 العبودية جوهرة كنهها الربوبية فماخفي في الربوبية اصيب في العبودية و ما فقد في العبودية وجد في الربوبية.

و قد عرفت قبل ذلك ان الوصف لايصدق الا عند وجود المبدأ و عرفت انهم: اول مربوب رباهم الله بهم فتربوا بتربيته كمارباهم. و تربية الله هي ايجاده للربوبية و تربيهم هو اعترافهم بالربوبية لله سبحانه فان الله لايربي احداً الا علي الاعتراف بربوبيته. فانه مجمع الخيرات و منبع الكمالات. فاول ربوبية اوجده الله سبحانه هو لهم و فيهم و بهم. فاول ما ظهر الرب ظهر بهم و هو اول المصداقات و اولاها و احقها. فاول من تربي بتلك الربوبية هو هم: فظهرت ثانياً آثار الربوبية بفاضل ما ظهر لهم بهم. و تربوا بتلك الربوبيات ماسويهم بفاضل تربيهم فاستجنت تلك الربوبيات في مستسرات العبوديات و احتجبت بحجابها و استترت بسترها فلم‌يصل اليها احد الا بالخوض في لجج بحارها و لم‌يبلغها احد الا بالغوص في تيارها. فكل من وصل الي العبودية مقاماً ظهر له من الربوبية مرام و كل من ارتقي من مرتقاها مرقاة ظهر له منها صفات حتي اذا وصل كنه العبودية شاهد حقيقة الربوبية. و هذا معني قول الصادق7 العبودية جوهرة الحديث. قال

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 376 *»

الله تعالي انا رب اقول للشئ كن فيكون اطعني فيما امرتك اجعلك مثلي تقول للشئ كن فيكون. و لم‌يأمر الله سبحانه الا بالتخلق باخلاقه و الاتصاف بصفاته فافهم و تبصر.

فالربوبية هي ظهور الرب سبحانه بها ظهر للمربوبين فلولاها لم‌يظهر و انوجدت بالرب سبحانه فلولاه لم‌تتحقق فهي ركن له و الظاهر به هو الرب جلت عظمته. فكون الحمد طريقاً الي الاعتراف بالربوبية لما عرفت من ان كل شئ يدل علي مثله و يحل في شكله و لايتجاوز شئ عن مبدئه و مبدئه هو الظهور و الظاهر اجل من ان‌يعرف بالظهور. و لماكان مصداق الحمد هو اول المظاهر و حقيقة الظهورات و يطلق علي ماسواه من اشعته و انواره ثانياً و بالتبع علي الحقيقة بعد الحقيقة و في كل مقام لم‌يتجاوز رتبة الظهور لم‌يكن طريقاً الي الرب سبحانه و انما كان الي الاعتراف بربوبيته الذي هو التربي بالربوبية علي ما شرحنا. ففي كل مقام الحمد و ساير ما امر الله به عباده من اخلاقه و صفاته كلها طرق الاعتراف بربوبيته سبحانه فافهم و تبصر.

قولــه7: و فردانيته

هذا المقام مقام الواحدية و مقام الاسماء و الصفات و مقام المبادي و العلل و مقام الاضافات و التعلقات و الاشتقاقات و مقام المعاني و غير ذلك من الاسماء التي تقع عليه. و ذلك لان الفرد هو الذي ليس معه ثان من رتبته ليكون المجموع اثنيناً و لم‌يقترنه سواه فيكونا بذلك زوجاً فكونه سبحانه فرد اعلي انه مجري كل شئ و ليس معه شئ و قبل كل شئ فلايساوقه شئ و هو معني الواحد اذ الواحد هو الذي ليس معه سواه و لم‌يقترنه غيره. فاطلاق الثاني و الثالث و الرابع و غير ذلك عليه امر اضافي فانك اذا لاحظته قبل كل شئ كما هو عليه قلت واحد و اذا لاحظت قبله شيئاً قلته ثاني. و لايمكنك ان‌تقول اثنان فانهما ليسا في رتبة واحدة. و اذا لاحظت قبله اثنين قلت ثالث و هو بالنسبة الي نفسه في كل تلك الحالات فرد و واحد. فانه في الواقع قبل كل شئ. و لايقدح في واحديته هذا اللحاظ لعدم تنافي تعدد النسب في الواحد لانه هو الكائن قبل كل

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 377 *»

شئ و ليس عدم التركيب ملحوظاً فيه. بخلاف الاحد فانه لايمكن فيه ملاحظة الجهات و النسب لخروجه بذلك عن الاحدية و كذلك اي مثل الواحد الفرد فلايقدح فيه تعدد النسب لعدم الاشتراط فيه ذلك. و ذلك ان الواحد هو الظاهر بالوحدة فلايظهر الا عندها و هي صفة حادثة لكونها غير الواحد‌ متحققاً مقترناً به و شهادة اقترانهما بالحدث الممتنع من الازل فلذلك لايقدح فيه التركيب و التعدد. فالواحدية ركن للواحد و متحققة به و الواحد هو ظاهر بها فلولاها لم‌يظهر و لولا الواحد لم‌تتحقق الواحدية.

فهذا الواحد هو اول ما ظهر الله به سبحانه في مقام الافعال فخلقه بنفسه و اقامه في ظله فلايخرج منه الي غيره و جعله خلقاً ساكناً لايدرك بالسكون فجعله ينحدر عنه السيل و لايرقي اليه الطير. لان كل ما يمكن تحققه في صقع الامكان و الاكوان مماخلاه سبحانه هو مخلوق به و جار من ينبوع فيضانه فلايكون معه شئ سواه باي وجه لاموهوم و لامعلوم لاكون و لاامكان. فهو الواحد الذي وصف الله نفسه به له اولاً به لخلقه ثانياً. و هو الواحدية التي ظهر بها الواحد الحق و الفردانية التي ليس لها نظير علي الوجه المطلق.

و قد علمت ان محمداً9 هو اول ماخلق الله سبحانه و اول مظهر ظهر به الله عزوجل فلايسبقه في كبريائه سابق و لايلحقه في عزه لاحق فهو معني كل مايدعو الله به عباده و المصاديق لكل ما يطلق عليه من اسمائه. و قد اشار اليه7 في هذه الخطبة بقوله استخلصه في القدم علي سائر الامم علي علم منه انفرد عن التشاكل و التماثل الخطبة. و لذلك نسبت سورة التوحيد الي رسول‌الله9 و هو مقام جميع الاسماء و الصفات فانه مبدأ جميع الخيرات و الكمالات و مبدأ الرحمة و النعمة و الهيمنة و السلطنة و انه الذي ملأ اركان كل شئ و النور الذي اضاء به كل شئ و القدرة التي قهرت كل شئ و الرحمة التي وسعت كل شئ و السلطان الذي اذل كل شئ و العز الذي طأطأ دونه كل شئ. فاشتق الله سبحانه منه من كل وجه من وجوهه اسماً فخلق به ماشاء ممايتعلق بذلك الوجه. فكتب

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 378 *»

ذلك الاسم علي ماشاء من خلقه فاقامه به فظهر باحاطته لكل شئ و استوائه علي كل شئ. فاشتق منه المحيط فخلق به العرش فكتب عليه ذلك الاسم و حفظه به. و ظهر باعطائه كل ذي‌حق حقه و سوقه الي كل مخلوق رزقه الذي هو شكره سبحانه لعمل كل عامل من ذكر و انثي فسمي نفسه باشتقاقه منه الشكور. فخلق به الكرسي و كتب ذلك عليه و اقامه به ثم ظهر بحفظه لكل شئ و انه لايعزب عنه شئ و انه لايؤده حفظ شئ اشتق منه الحفيظ. و خلق به اللوح و كتبه عليه و حفظه به و ظهر باستغنائه عن كل شئ و هيمنته علي كل شئ فاشتق له الغني فخلق به فلك البروج و كتبه عليه و هكذا يظهر بكل وجه من وجوه هذه الحقيقة الشريفة فيشتق له اسماً منه فيخلق بذلك الاسم مايشاء من خلقه و يكتب ذلك الاسم عليه. فهو الاسم الذي خلق بالحروف غير مصوت و باللفظ غير منطق الحديث.

فكل هذه الاسماء تصدق علي هذه الحقيقة الشريفة لان الوصف هو الموصوف به لاغيره و الظاهر هو الظهور لاسواه الا انه من حيث ربه و مبدئه. فان كل ظهور هو ظاهر الظاهر به له لاغيره فليس ظاهراً له غيره فكل شئ هو ظاهر مبدئه له. فان الله سبحانه وصف نفسه لكل شئ بكل شئ فالموصوف ان كان فوق الوصف فهو له وصف في رتبته به يمتاز عن غيره و ان كان دونه فخلف و ان كان معه و غيره فله ما يمتاز به دونه و ان كان هو هو فهو المطلوب فهو سبحانه هو المراد و هم: اسماؤه حيث قالوا نحن الاسماء الحسني التي امر الله ان‌تدعوه بها و المعاني لتلك الاسماء حيث قالوا في حديث جابر و نحن معانيه و في دعاء شهر رجب اللهم اني اسئلك بمعاني جميع مايدعوك به ولاة امرك الدعاء. و هم الذين كتب الله اسماءهم علي كل شئ فاقامه بها فتلك الاسماء اظلة الاشياء و بها تمسك الاشياء و الاحاديث في ذلك مستفيضة و لله درّ ابن ابي‌الحديد حيث يقول في رائيته:

صفاتك اسماء و ذاتك‌جوهر   برئ المعاني من صفات الجواهر

و ذلك لان كل ماسويهم من الدرة الي الذرة فهو من شعاع انوارهم و كلها قد

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 379 *»

اقيمت باسماء خلقها الله بها و تلك الاسماء هي صفات عرف الله نفسه لهم بهم حتي يعرفوه بها و تلك الصفات هي اسماء الله سبحانه حادثة خلقت من شعاع انوارهم فان اسماؤه (اسماءه ظ) سبحانه كلها حادثة و قد احاط بجميعها رسول‌الله9 الا بواحد اختص به الله سبحانه فلايعلمها الا هو و هو اسم خلق به رسول الله9 فهو علم لله سبحانه لا لرسوله فانه9 هو ظهور ذلك الاسم. و الاسم هو الظاهر و لايحيط الظهور بالظاهر ابداً يعني لم‌يحط به من حيث الظهور لان كل شئ يدرك بمجانسه و كل اداة يحد نفسه فالظاهر لايدرك الا به و الظاهر هو الله سبحانه فلايعلمه الا الله. و قد عرفت سبيل المشتقات قبل ذلك. فبذلك ورد انهم: اركان التوحيد و انك لتعلم ان هذا الاسم مخلوق مرزوق و ليس عينه سبحانه و ذاته فلايقدح في ما ذكرنا شئ.

نعم العجب في ان هذا الاسم مخلوق مرزوق و هو9 اشرف من كل شئ و ليس فوقه شئ و اعظم من كل مخلوق فليس اعلا منه مخلوق، كيف لايعلم ذلك؟ فالجواب: علي سبيل الاشارة ان لهذه الحقيقة الشريفة مقامات و لكل مقام اسم له فيه فمادام يسمي بالرسول لم‌يعرف ذلك الاسم فا نه في مقام السفارة و الوساطة و الابلاغ و هو في مقام الانفعال و الظهور. و اما هو9 في مقام الارسال و المبادي و الافاضات و الامدادات و الفاعلية يسمي بغير ذلك الاسم فتفطن و اغتنم.

و اما ما ذكرنا انه مقام المبادي و العلل فان كل ماسواه عنه صدر، منه بدأ و اليه يعود و هو الفاعل الذي به صنع ما صنع، و الحقيقة التي بها من شعاعها خلق ما خلق، و الرحمة التي فيها صبغ ما صبغ، و النقمة التي بها لون ما لون، و الملك الذي لاجله اوجد ما اوجد و هيئ ما هيئ من ساير الملك، و مقام الاضافات و التعلقات و الاستقامات فانه هو الوجه الذي به يتوجه الله الي عباده، و العين التي بها ينظر الي مايشاء من خلقه، و الرحمة التي بها يعطف الله علي ما يشاء من ملكه. كل ذلك انه سبحانه اجل و اعز و اكرم من ان‌يباشر الاشياء و يعاينها بذاته بل خلق لنفسه اولياء و جعلهم عينه و لسانه و يده و وجهه و نفسه و قلبه و سمعه فبذلك يتوجه الي خلقه.

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 380 *»

ثم جعلهم رحمته و نقمته و فيضه و حكمته و مشيته و ارادته و حكمه و قضاءه و قدره فبذلك يخلق ما يخلق و يوجد ما يوجد و يعطي ما يعطي و يمسك ما يمسك.

فجعلهم كلمة تامة و جعلها مبدأ جميع الاسماء و الصفات فاشتق من كل وجه من وجوهه اسماً متعلقاً الي ما توجه به الي ماشاء من خلقه. فمن وجهه المتعلق الي الخلق اشتق الخالق و من وجهه المتعلق بالرزق اشتق الرازق و من وجهه المتعلق الي الحيوة اشتق المحيي و من وجهه المتعلق الي الموت المميت و هكذا. و المسمي بهذه الاسماء هو الله سبحانه عند ذلك الوجه و قبل ذلك فله معناه و المراد منه. و هذا الاسم الاعظم و الحقيقة الكرمي هو الرحمن لانه هو الذي قد حاز جميع صفات الاضافة و الخلق و هو اسم لله سبحانه و به استوي علي العرش فلم‌يكن شئ منه اقرب من شئ. و قد اشار الي ذلك في سورة الملك حيث قال قل هو الرحمن آمنا به و عليه توكلنا فستعلمون من هو في ضلال مبين منضمة الي آيات قبلها.

و مقام المعاني لانها هي المقام الذي يصدق عليه جميع الاسماء، و المسمي الذي سمي بجميع تلك الاسماء، و الموصوف الذي تحل فيه كل تلك الصفات. قال الباقر7 في حديث جابر و اما المعاني فنحن معانيه و نحن جنبه و يده و لسانه و امره و حكمه و علمه و حقه اذا شئنا شاء الله و يريد الله ما نريده و قال الحجة7 في دعاء كل يوم من شهر رجب اللهم اني اسألك بمعاني جميع ما يدعوك به ولاة امرك المأمونون علي سرك الي ان‌يقول فجعلتهم معادن لكلماتك و اركاناً لتوحيدك و آياتك و علاماتك و مقاماتك التي لاتعطيل لها في كل مكان يعرفك بها من عرفك لافرق بينك و بينها الا انهم عبادك و خلقك الدعاء.

فكون الحمد من طرق الاعتراف بهذا المقام فلان الحمد هو الثناء و هو ظهور المثني و الظهور لايؤدي الي الظاهر بل الي نفسه فان الادوات لاتحد الا انفسها فالفرد هو الظاهر بالفردانية و الله سبحانه هو الحامد نفسه بها اي بالفردانية عندها بها، فهي حمده لنفسه و هو الحامد نفسه به فلايؤدي الحمد الا الي الفردانية كمابينا مكررا.ً فهذه اربعة مقامات اشار اليه7 و هي تحتوي جميع مراتب التوحيد

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 381 *»

الاربع و هي:

توحيد الذات الذي اشار اليه باللاهوتية فانها كمابينا مقام الذات و مقام اللاهوتية و منقطع الاشارات و اللاتعين.

و توحيد الصفات الذي اشار اليه بالصمدانية فانها هي مقام ليس كمثله شئ و مقام لم‌يلد و لم‌يولد و لم‌يكن له كفواً احد كمااشرنا اليه.

و توحيد الافعال الذي اشار اليه بالربوبية فانها هي مقام الهيمنة و السلطنة علي كل مذروء و مبروء التي دونها جميع صفات الاضافة و الخلق و لذلك يضاف الرب الي العالمين و هو مادونه سبحانه و كذلك قال الله سبحانه ربنا الذي اعطي كل شئ خلقه ثم هدي.

و توحيد العبادة الذي اشار اليه بالفردانية فانها مقام معرفة المعبود و مبدأ الوجود و معرفة الاسماء و الصفات و المعاني و المسميات و اشار الله سبحانه الي الاول بقوله انما الهكم اله واحد و الي الثاني ليس كمثله شئ و الي الثالث هو الذي خلقكم ثم رزقكم ثم يميتكم ثم يحييكم هل من شركائكم من يفعل من ذلك من شئ سبحانه و تعالي عما يشركون و الي الرابع فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملاً صالحاً و لايشرك بعبادة ربه احداً.

فبين7 ان الحامد اذا حمد ربه فقد وحد الله في هذه المراتب الاربع فانه اذا قرأ ان الحمد لله اي ملك (الملک ظ) لله سبحانه و هو مستحقه و لاينبغي الا له، فقد اقر بان كل ظهور من اول ما ظهر الله سبحانه لخلقه الي ما انتهي نظره اليه من خلقه فهو مخلوق مرزوق عبد لله سبحانه لايملك لنفسه نفعاً و لاضراً و لاموتاً و لاحيوةً و لانشوراً. فاول ما عرف الله سبحانه من نفسه لخلقه به، توحده في ذاته و تنزهه عن جميع صفات خلقه بقول مطلق. فالحامد قد اقر بان هذا التعريف خلق له و ملك. و هو اجل من هذا و اعظم و منزه عن مثل هذا و هذا معني قول المصلي سبحان ربي العظيم و بحمده فان الحامد عند تحميده ينزه الله عن المشابهة بخلقه

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 382 *»

و يسبحه باقراره بان هذا التجلي الاعظم و الظهور الاعلي له سبحانه و ملكه و خلقه و هو غير هذا فلايكون تسبيح اعظم من التحميد. و الثاني مما عرف من نفسه، توحده في صفاته الذاتية و كذلك قد اقر الحامد بملكيته لله سبحانه. و الثالث توحده في افعاله. و الرابع توحده في المعبودية. فالحامد بحمده قد اقر بجميع تلك المراتب بانه لله سبحانه و حده و هو المالك لازمتها و المتفرد بتملكها. فمن حمد الله سبحانه فقد هلله و كبره و مجده و قدسه و سبحه. و لذا قال ابوعبدالله7 كما في الكافي ان احب الاعمال الي الله عزوجل ان‌تحمده. فهذا معني كون الحمد طريقاً من طرق الاعتراف بلاهوتيته و صمدانيته و ربانيته و فردانيته فافهم و تبصر.

قــال7 و سبباً الي المزيد من رحمته

اقــول: اصل السبب، الحبل يشد بالشئ فيجذب به. ثم جعل لكل ما جري(اجري ظ) شيئاً او يوصل الي شئ. كقوله تعالي و تقطعت بهم الاسباب اي الوصلات. و كقوله و آتيناه من كل شئ سبباً اي وصلة. و في الحديث ابي الله ان‌يجري الاشياء الا بالاسباب. فجعل لكل شئ سبباً و جعل لكل سبب شرحاً و جعل لكل شرح علماً و جعل لكل علم باباً ناطقاً يعني بوصلات و وسائط و آلات.

و ذلك لان الله سبحانه غني مطلق و كامل حق لااحتياج له الي شئ من خلقه بل الخلق محتاجون اليه فكلاً منهم مستمد عن الله سبحانه بلسان قابليته و استعداده و يمده الله بحسبها. و لماكان الخلق ذامقامات مختلفة و مراتب متعددة امتنع بنفسه عن قبول المدد الا بواسطة و وسائط و وصلات و اسباب. فابي سبحانه ان‌يعطيهم الا ما يريدون لغنائه المطلق و عدم الباعث من نفسه فاجريهم بالاسباب. فجعل منها في الطول كسببية المؤثر للاثر كقوله7 و خلق الاشياء بالمشية و منها في العرض كقوله يعذبهم الله بأيديكم. و يخربون بيوتهم بأيديهم و امثالها. و لذلك قال اميرالمؤمنين

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 383 *»

انما تحد الادوات انفسها و تشير الآلات الي نظائرها فانه امتنعت المدركات ان‌يدرك الا بنظائرها و مايكون معها في رتبتها، و تمانعت ان تحد الا بانفسها فجعلهم كما سألوا. قال تعالي و آتيكم من كل ما سألتموه. ربنا الذي اعطي كل شئ خلقه ثم هدي. و هو سبحانه سبب كل ذي‌سبب لان كل سبب متحقق به و متذوت بامره و مسبب الاسباب من غير سبب يعني من غير نفسها فانها خلقها بها. كماقال7 ان الله خلق المشية بنفسها ثم خلق الاشياء بالمشية فالله سبحانه خلق كل شئ و اجري كل شئ بالاسباب و سبب الاسباب بغير اسباب اخر بل بنفسها. و الاسباب هم محمد و آل‌محمد: علي القول المطلق فانهم اول ماخلق الله و اول ما بدأ الله. و هم سبب الاسباب و السبب من غير سبب دونهم لعدم سبق شئ عليهم غير الله سبحانه، فلاسبب لهم غير الله سبحانه و هو مسببهم بهم بغير سبب دونهم. فهم سبب الاسباب و علة العلل.

فاصل السبب هم: و ساير الاسباب انما تسببت من شعاع انوارهم و تحققت بفاضل سببيتهم كماقال القائم عجل الله فرجه في ما خرج علي يد ابي‌جعفر محمد بن عبدالله الحميري; من الزيارة و من تقديره منائح العطاء بكم إنفاذه محتوماً مقروناً فما شئ منا الا و انتم له السبب و اليه السبيل خياره لوليكم نعمة و انتقامه من عدوكم سخطة الزيارة. فهم سبب الاسباب و السبب بلاسبب. فالله سبحانه سبب كل ذي‌سبب بهم و بسببيتهم، و مسبب الاسباب بهم. و كل وصلة الي شئ دونهم و كل سبب سويهم فهو من فاضل نورهم و آيات ظهورهم. فعلي هذا جميع الاعمال و الاحوال و الاقوال و الافعال و الاوضاع كلها سبب الي ما يقتضيه من الخير و الشر و الثواب و العقاب و الصلاح و الفساد. فكل شئ مسبب لشئ و سبب لشئ آخر فان كلا يقتضي شيئاً و يصل الي شئ و اوصل اليه شئ و اقتضاه شئ. و لكل من هذه الاسباب شرح شرحه الله و بينه في محكم كتابه التدويني و التكويني باحواله و اوضاعه و مبدئه و منتهاه و موصوله و مفصوله و مايؤل اليه امر. و جعل لذلك الشرح علماً بظاهره و باطنه و تأويله و مجراه و مورده و مصدره. و

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 384 *»

جعل لذلك العلم باباً ناطقاً يفسر العلم و يظهره فيؤتي كل ذي‌فضل فضله و يعطي كل شئ خلقه و يسوق الي كل احد رزقه فهو مستو‌ٍ عليهم بحيث لم‌يكن شئ منه اقرب من شئ فينزل من سماء فضله و رحمته ماء العلم فتسيل اودية بقدرها صنوان و غير صنوان يسقي بماء واحد و نفضل بعضها علي بعض في الأكل.

فالباب هو اميرالمؤمنين7 و العلم هو رسول‌الله9 كما في الحديث انا مدينة العلم و علي بابها و قال تعالي فضرب بينهم بسور له باب باطنه فيه الرحمة و ظاهره من قبله العذاب. و الشرح هو كتاب الله سبحانه التدويني و التكويني اللذان شرحهما الله سبحانه مبين العلل مشروح الاسباب @ فلارطب و لايابس الا في كتاب مبين. مافرطنا في الكتاب من شئ، و كل شئ احصيناه في امام مبين. و السبب هو الله سبحانه فانه سبب كل ذي‌سبب و مسبب الاسباب من غير سبب و سبب من لاسبب له علي ما شرحنا اولاً فافهم.

قولــه7 الي المزيد من رحمته

اعلم ان عطايا الله سبحانه و امداده و نعمائه و آلائه علي قسمين: قسم يجري علي العباد بمقتضي الاستعداد التكويني الذي هو متعلق الرحمة الواسعة الرحمانية و يشارك في ذلك المدد جميع الخلق من الدرة الي الذرة فلايستغني عن ذلك المدد احد من الخلق فلايمسك عن احد و هو ما اقتضاه الرحمة الرحمانية التي بها استوي الرحمن علي عرشه من الخلق و الرزق و الحيوة و الموت فلاتمسك عن احد و لاتمنع عن شئ. و قسم يجري علي العباد بمقتضي الاستعداد و الاستعداد التشريعي الذي هو متعلق الرحمة الرحيمية التي هي مختصة بالمؤمنين فلايشارك في هذه احد من الخلق الا من اتخذ عند الرحمن عهداً و وفا بعهده و ادي ما تحمل في الاجابة التشريعية.

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 385 *»

و اشار الله سبحانه الي هذين القسمين بقوله قل من حرم زينة الله التي اخرج لعباده و الطيبات من الرزق قل هي للذين آمنوا في الحيوة الدنيا متأصلاً و بشراكة من خالفهم متفرعاً خالصة يوم القيمة و الي الاول بقوله الرحمن علي العرش استوي يعني من كل شئ فليس شئ اقرب اليه من شئ فاعطي كل شئ خلقه ثم هدي. و الي الثاني بقوله قل بفضل الله و برحمته فبذلك فليفرحوا  فبذلك فليفرح المؤمنون. و هذا القسم الثاني هو المزيد من رحمة الله سبحانه اذ يزيد ذلك علي الامداد الكونية بمقتضي الاستمدادت الشرعية و الي ذلك اشار بقوله عز من قائل لئن شكرتم لازيدنكم و الشكر هو استعمال النعمة في مراضي الله سبحانه و العلم بان النعمة منه سبحانه و الاقرار بذلك، فعلي ذلك جميع الطاعات و العبادات شكر لله سبحانه استعمل في كل واحد منها ما يناسبها من الجوارح اداء لشكر نعمة تلك الجارحة. و اما العاصي لله سبحانه المتقوي بنعمته علي معصيته فهو كافر لنعمة الله سبحانه ساتر لكونها من الله سبحانه غير محدث بها. و ذلك لان الشكر هو ثناء المنعم علي انعامه و افضل الثناء و اكمله هو اظهاره للافتقار و الاضمحلال و عدم الاستقلال لنفسه بحال من الاحوال فانه ح بافتقاره و اضمحلاله يظهر ان العظمة و الكبرياء و الاستقلال و التذوت لله سبحانه عزوجل لاشريك له في جميع ذلك. و العاصي حين المعصية ينبئ بافعاله و اعماله عن استقلاله و تذوته و انه لامعبود له و لا اله فوقه فلايري تلك النعم التي تقوي بها علي تلك المعصية في ذلك الحين من الله سبحانه و هذا هو عين الكفر للنعمة.

فظهر مما ذكر ان الشكر هو الاتيان بجميع ما امر الله سبحانه و صرف نعمه في طاعته كل نعمة بحسبها. او ما اصغيت الي ما روي ابوبصير عن ابي‌جعفر7 قال كان رسول‌اللهعند عايشة ليلتها. فقالت يا رسول‌الله لم‌تتعب نفسك و قد غفر لك ما تقدم من ذنبك و ما تأخر؟ فقال يا عايشة الا اكون عبداً شكوراً؟ قال و كان رسول‌اللهيقوم علي اطراف اصابع رجليه فانزل الله سبحانه

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 386 *»

طه ماانزلنا عليك القرآن لتشقي و ما روي ميسر عن ابي‌عبدالله7 شكر النعمة اجتناب المحارم و تمام الشكر قول الرجل الحمدلله رب العالمين و الي قول الله تعالي اعملوا آل‌داود شكراً و قليل من عبادي الشكور. و ذلك هو الثناء علي الله سبحانه حقيقة كمابينا شطراً من ذلك في معني الحمد.

و هنا نذكر مجملاً ان اعظم الثناء علي الله عزوجل عند الشئ هو ما وصف الله به نفسه له و هو حقيقته فهو الذي ينبغي لكرم وجه الله. ثم جميع الخيرات و الحسنات من اشعة انواره و اظلة شعاعه قد لاح علي كل مرتبة و عضو فهو يشابه صفة مبدئه و مؤثره فكلها ثناء و شكر لله سبحانه. فلهذا الشكر الذي هو الاستمداد الشرعي مراتب من الحقايق و العقايد و الصفات و الاعمال و الافعال و الآثار فاستعمال كل ذلك في مراضي الله سبحانه و وضعه في موضعه الذي امر الله به شكر لله بذلك العضو و تلك الرتبة. و ذلك الشكر هو استمداد و دعاء و سؤال لمزيد فضل الله و رحمته و يمدهم الله بفضله و رحمته مزيداً علي الامداد الكونية بما سألوا كماسألوا. قال تعالي و اسألوا الله من فضله و قال قل مايعبؤ بكم ربي لولا دعاؤكم فقد كذبتم فسوف يكون لزاماً و قال تعالي و لدينا مزيد و قال و اذا سألك عبادي عني فاني قريب اجيب دعوة الداع اذا دعان فليستجيبوا لي اي يدعوني و ليؤمنوا بي اي يصدقوني في قولي اجيب دعوة الداع لعلهم يرشدون.

و هذه الرحمة هي الرحمة الرحيمية و الرحمة‌ الخالصة و الرحمة‌ المكتوبة و هي نور بسيط قد تشعب و تفرق في فنون الشريعة كالصلوة ‌و الصوم و الحج و الجهاد فهو كالمادة ‌و تلك الشرايع كالصورة لها فذلك مادة نوعية و تلك صورتها نوعية.@ فلماكانت هي الكون الثاني و الوجود الشرعي كان الخطاب هو الامر الشرعي و المشية الشرعية التي يعبر عنها بمشية عزم و عبر عنها بصلّ و صم و زكّ و حجّ و امثالها كماعبر عن الامر الكوني و المشية الكونية المعبر عنها بمشية حتم بكن و احي و مت و هكذا. فالحامل و المحل لهذا الامر الشرعي هو الحامد لذلك الامر الكوني و هو رسول‌الله9 و المؤدي عنه و الموصل الي المكلفين

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 387 *»

هو نفسه و خليفته الذي هو اميرالمؤمنين7 فكما ان ذلك الامر الكوني مركب من مادة و صورة نوعية فاذا تعلق بشئ من الاشياء تخصص و لبس تلك الصورة الشخصية كالحركة في يد الكاتب انها عامة لها مادة و صورة نوعية فاذا تعلقت بألف مثلاً تشخصت و صار لها صورة شخصية فامتازت بذلك عن الرأس الذي تعلق بالباء. ثم ان ذلك الرأس المخصوص عام لكل ألف فاذا اجاب احد لحقه شعاعه و نوره، هكذا الامر الشرعي له مادة و صورة نوعيتان تخصص و تشخص بشخص الصلوة و الصوم و الزكوة و هذه الامور هي الصورة الشخصية و هذا الشخص المعين ايضاً عام لكل احد من المكلفين. فاذا اجاب احد منهم الدعوة لحقه النور الذي يسطع منها فيستنير بذلك المجيب و هو جزاؤه و ثوابه الذي يعطيه الله تعالي فذلك العمل هو اجابة لتلك الدعوة و جاذب لنوره و قابلية لمدده و استعداد لفيضه. فاي عبد اجاب الدعوة و استعد للفيض باتيانه بذلك العمل لحقه ذلك النور لامحالة.

فهذه الاعمال الشرعية هي الرحمة التي مخصوصة بالمؤمنين و ينصبغون فيها كمااشار اليه الصادق7 ان الله خلق المؤمنين من نوره و صبغهم في رحمته فلم‌ينصبغ في هذه الرحمة من سواهم من الكافرين. بخلاف الرحمة العامة الرحمانية فانه قد انصبغ فيها جميع الخلق و الرحمة مطلقاً هي مقام الفيض و المدد و اعطاء كل ذي‌حق حقه و السوق الي كل مخلوق رزقه و مقام التفصيل و مقام الصبغ. و هذه الامور من لوازم الولي فانه المؤدي عن النبي الذي هو مقام الكلية و الاجمال و مقام الاخذ و الاداء الي الولي و الولي هو الموصل الي كل احد احد و المؤدي عن الرسول9 كما روي عنه9 ما معناه اعطيت لواء الحمد و عليّ حاملها و اعطيت الحوض و عليّ ساقيه و اعطيت الجنة و النار و عليّ قسيمها و هو الباب الذي اشار الله تعالي اليه فضرب بينهم بسور له باب باطنه فيه الرحمة و ظاهره من قبله العذاب و قوله فتحنا عليهم باباً ذاعذاب شديد اذا هم فيه مبلسون و قال9 انا مدينة العلم و علي بابها و قال انا و علي ابوا هذه الامة فالنور من

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 388 *»

شعاع رسول‌الله9 الذي هو المادة للمؤمنين و الرحمة من شعاع علي7 التي هي الصورة و الاعمال الحسنة التي هي التخطيطات الصورية للانسان الحقيقي. فصار المؤمن اخ المؤمن لابيه و امه ابوه النور و امه الرحمة و هما الوالدان اللذان قرن الله الاحسان بهما بتوحيده فقال تعالي ان لاتشرك بي شيئاً و بالوالدين احساناً فاما يبلغن عندك الكبر اي الضعف من الامر الظاهري احدهما او كلاهما فلاتقل لهما اف و لاتنهرهما بان تنكر عليهم شيئاً لايوافقك فانهم اعلم بامرك و بك و يحبونك فلايحملونك علي ما يضرك و قل لهما قولاً كريماً و اخفض لهما جناح الذل من الرحمة و قل رب ارحمهما كما ربياني صغيراً اي جاهلاً حيث اخرجكم من بطون امهاتكم لاتعلمون شيئاً فربياكم الي ان ادركتم. ثم قال ربكم اعلم بما في نفوسكم ان‌تكونوا صالحين فانه كان للاوابين غفوراً. فافهم الاشارة.

فالولي7 هو الام للولد و هي المربية له و المرضعة له و المتوجهة الي اموره و شئونه و احواله في ليله و نهاره و هي الراحمة الرؤفة العطوفة علي الولد الصغير الضعيف و كذا تربيه و تحمله في بطنه زماناً حتي يتصور في بطنه ذكراً و انثي و احمر و اصفر و ابيض و غير ذلك من الصور و ان كان اصل المادة و النطفة من الاب. فكانت الرحمة من آثار الولي7 و لذلك ورد ان الصلوة هو اميرالمؤمنين7 في قوله تعالي استعينوا بالصبر و الصلوة و في قوله قالوا لم‌نك من المصلين اي من المقرين باميرالمؤمنين.7 فكل مقصر في شئ ممادعا اليه الشارع قد قصر في ولايته7 فان الشرائع كماعرفت من شعاع انواره و شئون ظهوراته فهو7 هو الرحمة الكلية علي جميع الخلق من الدرة الي الذرة في التكوين و الرحمة المكتوبة علي المؤمنين في التشريع و لايخص احد منهما بدنيا و لاآخرة لحصول كل واحد منهما فيهما جميعاً كماورد يا رحمن الدنيا و الآخرة و رحيمهما. و ان كان الرحمن اشمل و اعم كمايدل عليه زيادة مبانيه. فالرحمن هو الظاهر بالرحمة الكلية و الرحيم هو الظاهر

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 389 *»

بالرحمة المكتوبة الخاصة و هو7 الصادر عن الله سبحانه بالنبي9 فانه اول من آمن به. فوصف الله سبحانه بالنبي نفسه للولي7 فكان هو وصف الله عنده و ظاهره لديه به يعرف الله سبحانه و يتوجه به اليه فهو الرحمن تبارك و تعالي و هو7 الرحمة كمابينا مراراً في صدور الاسماء من مباديها فراجع.

فالله سبحانه هو الرحمن بهذه الرحمة عند هذه الرحمة لهذه الرحمة بنفسها و لآثارها بآثارها. فعند ذلك تعرف معني قوله الرحمن علي العرش استوي من كل شئ فليس شئ اقرب اليه من شئ. و هو الرحيم عند الرحمة المكتوبة لاقبلها و لابعدها بتلك الرحمة لها بها و لآثارها بها بآثارها. و قد يعبر عن هذه الرحمة بروح القدس التي يعبر عنها بالعقل و يؤيد به المؤمنين و الاولياء كماقال علي7 مشيراً اليه العقل ما عبد به الرحمن و اكتسب به الجنان و هو مع رسول‌الله و الائمة: بكله و مع الانبياء و المؤمنين بوجه من وجوهه. فهو لايزال معهم يسددهم فمن يوم نزل الي رسول‌الله9 ما صعد الي السماء و هو مع الائمة: واحداً بعد واحد. و قد يعبر عنه بعمود من نور يرون اعمال الخلايق فيهم فبذلك يشهدون لهم و عليهم كماقال الرضا7 في مجلس مأمون ان الله تبارك و تعالي قد ايدنا بروح القدس منه مقدسة و مطهرة ليست بملك لم‌تكن مع احد ممن مضي الا مع رسول‌اللهو هي مع الائمة منا تسددهم و توفقهم و هو عمود من نور بيننا و بين الله عزوجل و ورد انه ملك و ورد عن ابي‌عبدالله في الكافي انه خلق اعظم من جبرئيل و ميكائيل و يجمع انه ليس بملك يكون جزواً للشئ كساير الملائكة و ملك اي ليس ببشر. و اشار الله الي المراتب الثلثة بقوله في اول الانجيل باسم الاب و الابن و روح القدس@ و اشار اليه باكمل البيان في القرآن بسم الله الرحمن الرحيم و كلا المعنيين واحد.

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 390 *»

قــال7 و محجة للطالب من فضله

اقــول: المحجة في اللغة جادة الطريق و هي وسط الطريق و معظمه الذي يجمع الطرق و لابد من المرور عليه و الجمع المحاج كذا في المجمع. و في الاصطلاح هي الطريق الواضح العام الي الله سبحانه و ما في الحديث لم‌يخل الله خلقه من نبي مرسل او كتاب منزل او حجة‌ لازمة او محجة قائمة فهي المحجة التي تسلك و تقام عليها كالسنة القائمة و اسناد القيام اليها فمن وجهين و كثير من هذا القبيل كسرّ كاتم و مكان عامر و ماء دافق و امثال ذلك.

الاول فلبيان كثرة ثبوت الصفة لها و كثرة القيام عليها و السلوك فيها حتي كأنها هي قائمة علي غيرها و كذا في السر فكأنه من كثرة كتمانه صار كاتماً لغيره و كذا المكان فلكثرة معموريته كأنه صار عامراً لغيره و هكذا و ذلك مثل الحديدة المحماة مثلاً فانها من كثرة محماتيّتها تصير محمية لغيرها لماتزيد لطيفتها علي نفسها فتؤثر في غيرها فالمحجة القائمة فهي من كثرة القيام عليها عند السلوك فيها كأنها صارت هي قائمة شاخصة علي غيرها لما ظهر فيها من اثر القيام كماتقول قد قامت الصلوة و اقيموا الصلوة فهي قائمة بقيامك. و المحجة التي هي الاوامر و النواهي انما تقام و تقوم باقامتك اياها فكأنها اشباح أقمتها لماكنت لابسها كقيام ثوبك و قعوده و حركته بقيامك و قعودك و حركتك، او من باب ان المفعول هو فعل الفاعل له فالفاعل له فالفاعل هو المفعول و القائم هو القيام المقام كمااشار اليه تعالي بقوله كن فيكون فكن اشارة الي فعله و مشيته تعالي و فاعل كن انت و هو فاعل يكون فان الخطاب متوجه اليه و هو الذي يكون و الذي خلقه الله بقوله كن ففاعل يكون هو المفعولٰ و هذا اللفظ لفظ عام نمثل لك بخاص و هو حين ايجادك للضرب تقول بفعلك الذي هو اضرب، كن ضرباً فيكون الضرب ضرباً و هو مفعولك و الذي توجد الضرب به الذي هو هو نفسه ضارب بالضرورة فانك خلقته بنفسه لابغيره فخلقت الضرب بضربك لا بنصرك و هذا ضربك. فانت ضارب اي موجد للضرب بالضرب فهو ضاربيتك له.

فالمحجة القائمة هي المحجة المقامة كماتقول الصلوة المقامة هي

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 391 *»

الصلوة القائمة فتقول اقيموا الصلوة و قد قامت الصلوة او اقمت زيداً فقام، يعني اقمت قيام زيد فقام قيامه. فالمحجة هي السنة التي سنها رسول‌الله9 في التكوين و التشريع من الطرق الي الله سبحانه من الذوات و الصفات و الاعمال و الافعال و الاقوال و الآثار فكلها شريعة شرعها رسول‌الله9 في الشرع الوجودي و الوجود الشرعي و هي المحجة القائمة و الصراط المستقيم و السنة العادلة و الطريق الواضح الي الله سبحانه. فهذه المحجة مختلفة بحسب اختلاف مراتب الموجودات في الطول و العرض يسلك اهل كل مرتبة الي الله سبحانه في تلك المحجة المخصوصة به و هي طريقه الي الله و طريق الله اليه فينزل اليه الامداد من ذلك الطريق و يصعد الي ربه منه و يستمد به و هي الرحمة المكتوبة التي هي من آثار الولاية فهي الولاية الظاهرة و الولاية هي المحجة الباطنة. فمن سلك في هذه المحجة نجي و من تاه عنها هوي و انما هلك من هلك للتخلف عن هذه الطريقة و نجي من نجي بالتمسك بها بل ابتلي من ابتلي من الانبياء بالتقصير فيها و تقرب من تقرب بالسلوك فيها.

و الاحاديث في ذلك كثيرة منها ما رواه ابوحمزة الثمالي; «انه دخل عبدالله بن‌ عمر علي زين‌العابدين7 و قال يا علي‌بن‌الحسين ءانت الذي تقول ان يونس بن متي انما لقي من الحوت ما لقي لانه عرضت عليه ولاية جدي فتوقف؟ قال بلي ثكلتك امك قال فأرني انت ذلك ان كنت من الصادقين. قال فأمر بشد عينيه بعصابة ثم امر بعد ساعة بفتح اعيننا فاذاً نحن علي شاطئ البحر تضرب امواجه. فقال ابن‌عمر الله الله في نفسي. فقال اهيه و اريه ان كنت من الصادقين. ثم قال ياايتها الحوت قال فاطلع الحوت من البحر مثل الجبل العظيم و هو يقول لبيك لبيك يا وليّ‌الله فقال من انت؟ قالت انا حوت يونس يا سيدي قال ائتنا بالخبر. قالت يا سيدي ان الله لم‌يبعث نبياً من آدم الي ان صار جدك محمد الا عرضت عليه ولايتكم اهل‌البيت فمن قبلها من الانبياء سلم و تخلص و من توقف عنها و تمنع في حملها. لقي ما لقي آدم من المعصية و

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 392 *»

ما لقي نوح من الغرق و ما لقي ابرهيم من النار و ما لقي يوسف من الجب و ما لقي ايوب من البلاء و ما لقي داود من الخطيئة الي ان بعث الله يونس فاوحي الله اليه ان يا يونس تول اميرالمؤمنين علياً و الائمة الراشدين من صلبه في كلام. قال و كيف أتولي من لم‌أره و من لم‌أعرفه؟ و ذهب مغتاظاً. فاوحي الله الي ان ألقمي يونس و لاتوهني له عظماً. فمكث في بطني اربعين صباحاً يطوف معي في البحار في ظلمات ثلاث ينادي لااله الا أنت سبحانك اني كنت من الظالمين قد قبلت ولاية علي بن ابي‌طالب و الائمة الراشدين من ولده. فلما ان آمن بولايتكم أمرني ربي فقذفته علي ساحل البحر. فقال زين العابدين7 ارجعي ايتها الحوت الي وكرك و استوي الماء» الحديث. و مثل قول الحسن العسكري7 فيما وجد بخطه الشريف و الكليم ألبس حلة الاصطفاء لماعهدنا منه الوفاء الحديث.

فلم‌يقم هذه المحجة الشريفة حق قيامها الا محمد و ال‌محمد فانهم هم المحجة: و جميع محاج الذوات و الصفات و الافعال مما لها و بها هي شعبة من تلك المحجة الحقيقية و وجه من وجوهها و جادة‌ من جوادها و هم: هم السبل و هم مسالك السبل و هم علي ما هم عليه فلم‌يعدلوا عما هم عليه ابدا. و ما هم عليه كونهم طريقاً الي الله و محجة اليه فلم‌يعدلوا عن المحجة ابداً. و اما من سويهم فما اقامها حق اقامته ابداً و لذلك تثني عليهم و تقول و اشهد انكم اقمتم الصلوة و آتيتم الزكوة و امرتم بالمعروف و نهيتم عن المنكر و جاهدتم في الله حق جهاده فهم الحاكون لجميع شئون الربوبية بحقايقهم و صفاتهم و افعالهم مما لهم و بهم. و كل من سويهم يحكي وجهاً من وجوهها و رأساً من رؤسها. و لذلك كفر الذين قالوا ان عيسي بن مريم هو الله و رد الله عليهم و قال لاتقولوا علي الله الا الحق انما المسيح عيسي‌بن‌مريم رسول‌الله و كلمته القيها الي مريم و روح منه فلايجوز اطلاقه الا علي الحاكي جميع شئونه و اطواره من صفاته القدسية و الاضافة و الخلق، و لاحاكي لشئ اصدق من حقيقة الشئ و هم

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 393 *»

اصدق حاك فان الله خلقهم علي ما هم عليه.

فمن تلك الوجوه الحمد الذي جعله الله محجة اليه و طريقاً الي معرفته بجميع مراتبه من الذوات و الصفات و الافعال و الآثار فانه بجميع مراتبه طريق الله الي خلقه و طريق خلقه اليه، فبه ينزل عليهم الرحمة و منه يصعد الكلم الطيب. و ذلك لكل هذه المراتب حيوث و اعتبارات و من تلك الحيوث حيث كون الشئ حمداً و ثناءاً لمؤثره عنده. فحقيقته و ذاته هي ما اثني الذي فوقه نفسه لها بها. فذلك الثناء ابلغ ثناء للمؤثر عنده فانه ثناء كما هو هو و كماينبغي لكرم وجهه و عز جلاله و لذلك قال النبي7 انت كما اثنيت علي نفسك فان الشئ اذا اثني نفسه يثنيها كما يعلمها علي ما هي عليه عند من يثني عنده لمن يثني عنده. فان الشئ لايثني نفسه لنفسه و انما يثنيها لغيرها. و يثنيها لغيرها بما يظهر لديه من صفات نفسه. فاذا اظهر لديه ما هو دونه فلايكون وصفاً له لديه و لايمكن ان‌يظهر له مافوقه كما هو فوقه. فلابد ان‌يجعل حقيقته و ذاته صفة له و يثني نفسه لديه به حتي يعرفه بما وصف نفسه له و يعرف مجده بما مجد نفسه له عنده به و هو تلك الحقيقة كماعرفت. و لهذه الحقايق و الصفات و الافعال و الآثار في دلالتها علي مبدئها شئون و حيوث و اعتبارات. فهذا الاعتبار الذي كشف عنه الغبار جميع الاشياء بمراتبها حمد و ثناء لله سبحانه و هو محجتهم الي الله سبحانه فان كل شئ انما طريقه الي مبدئه و مؤثره انما هو وجهه منه الذي به يمده الله و فيه يترقي الي ما لانهاية له بما لانهاية له و هو طريقه الي ربه و طريق ربه اليه. و ليس للشئ دون وجهه الي ربه طريق آخر اليه. و تسميته بالطريق لانه يترقي فيه دائماً شيئاً فشيئاً و يصل الي شئ لم‌يكن عنده و تجاوزه عن شئ كان عنده فدائماً يحسب ربه في مقام اعلي فلماترقي رآه مقامه و زعم ربه فوقه و هكذا. قال7 تدلج بين يدي المدلج من خلقك و قال و بمقاماتك التي لاتعطيل لها في كل مكان يعرفك بها من عرفك.

فالحمد الذي هو حقيقة الشئ من حيث انه وصف لله سبحانه و ثناء عليه

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 394 *»

محجة الي الله سبحانه فهو في كل عالم بحسبه ففي الحقايق في غاية البساطة و الوحدة و في العقول مفصل بتفصيل معنوي كلي و في النفوس مفصل مشروح بتشريح صوري و في الافعال و الآثار مفصل بتفصيل عرضي. فكل الاعمال الحسنة انما هي من شعاع ذلك الحمد الكلي الحقيقي و انما هي حمد في عالمه و ثناء في عالمه عنده له لربه و هو ما اثني ربه نفسه لديه به. و انما امروا@ الناس باتيان هذه المحامد من الافعال و الاعمال حتي يدل ذلك علي صيرورتهم كالحديدة المحماة عند ربهم فانه اذا اخذ يظهر عنهم آثار الربوبية و علامات المحمودية ينبئ عن ظهور المحمود لهم بهم و صيرورتهم حمداً لله و ثناءً عليه و صيرورتهم مبعوثين مقاماً محموداً عند ربهم. فاذا بعث العبد في المقام المحمود تفوح عنه رائحة الحمد و تصدر عنه آثار الحميد فيصير العبد بذلك حميداً محمودا.ً قال تعالي أنا رب اقول للشئ كن فيكون أطعني فيما أمرتك اجعلك (مثلی ظ) ان‌تقول للشئ كن فيكون

و لماكان الناس في القوس الصعودية انما كلفوا بان‌يأتوا بالمحامد و الا في الحقيقة ما لم‌يبعث العبد في المقام المحمود لم‌يظهر عنه افعال الحميد لان المحامد كلها نور و خير، و النور و الخير كلها من الله سبحانه. و قد ذكرنا سابقاً ان الحمد علي الحقيقة الاولية يطلق علي محمد و آله فانهم اول ثناء اثني الله به علي نفسه، و الله هو الحامد نفسه بهم و المحمود بحمدهم. و اما ساير الحقايق و الذوات و الصفات و الافعال و الآثار فانما يطلق عليها الحمد ثانياً و بالعرض عند ملاحظته فيها و علي الحقيقة بعد الحقيقة عند ملاحظتهم له، حاكية عنه فهو الحميد و المحمود بهم تعالي شأنه و جلت عظمته. قال تعالي و من الليل فتهجد به نافلة لك عسي ان‌يبعثك ربك مقاماً محموداً. و هذا اعلي المقامات للعبد فليس وراء عبادان قرية يعني فيما له ذكر للخلق فيه. و اما المقامات التي لاذكر لشئ دونه فيه فكثير لايتناهي.

و اما الطالب، من طلبت الشئ اطلبه: اذا اردته و ابتغيته. فانا طالب اي مريد مبتغ. فهو القابل المستعد بجميع مراتبه و اطواره و اكواره و اوطاره و ادواره و

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 395 *»

مقاماته. فان مثل هذا هو الطالب حقيقة الذي لايرده الله عن طلبته و حاجته ابداً.

و اما الطالب بلسانه وحده او بشهوته او بمقام دون مقام و بمرتبة دون مرتبة فانه ليس بطالب حقيقة و لذلك لم‌يعط طلبته و يؤخر حاجته. و حقيقة الطلب لايمكن و لايحصل الا باقتضاء الهوية و استعداد الحقيقة. فانها الذي اذا اراد شيئاً تابعته جميع الاركان و الاعضاء و الجوارح في جميع المقامات و المراتب. و اذا امتنعت يمتنع الجميع فانه هو السلطان في كل تلك المملكة. فاذا طلب شيئاً و كان في ملكه مانع عن ذلك احرقت نار سطوته و طلبه جميع تلك الموانع و اقبلت جميع الاطوار و الشئون و الاوطار متوجهين الي مبدئهم سائلين له ذلك مؤمّنين دعوته. و ان امتنعت ارادته و ميله عن ذلك فلاينفع طلب جزو ضعيف من مملكته و لايصل الي مراده ابداً. و ذلك كماسئل عن احدهم: ما معناه «انه سئل ما بالنا ندعو الله فلانجاب؟ قال لانكم تدعون من لاتعرفونه و ذلك هو الدعاء بالمعرفة ان‌تتوجه اليه بوجهه الذي عرفك نفسه به و امرك ان‌تعرفه به. فاذا توجهت الي وجه معرفته عرفته فصرت معروفاً عنده فدعوته عن معرفة. و يؤمّن لك جميع من دونك من ذرات الوجود من صفاتك و افعالك و آثارك من جميع من في السموات و الارض بلاتمانع من احد منهم فاذاً يستجاب الدعاء. و اما من غير ذلك فقد يقع و قد لايقع.

و انك لاتقدر علي التوجه الي وجهه الكريم الا ان‌تعرف وجه الله و هم الذين من اراد الله بدأ بهم و من وحده قبل عنهم و من قصده توجه بهم و من يجب ان‌يقدمهم العبد بين يدي طلبته و حوائجه في جميع احواله و اموره، كماأورد الكافي في دعاء التوجه عن الامام7 أللهم اني اتوجه اليك بمحمد و آل‌محمد و اقدمهم بين يدي صلواتي و اتقرب بهم اليك فاجعلني بهم وجيهاً في الدنيا و الآخرة و من المقربين الدعاء. فهم وجه الله الذي يتقلب بين اظهر الخلق الذي بهم يتوجه الله الي خلقه و بهم يري خلقه و يسمعهم و يعطيهم و يمنعهم و يحييهم و يميتهم و يرزقهم و يخلقهم. فانهم عين الله الناظرة و اذنه الواعية و يده الباسطة و قدرته الكاملة و رحمته الواسعة و نعمته الشاملة و بابه الاوسع و طريقه المهيع.

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 396 *»

فكيف يمكن ان‌يتوجه احد الي الله الا بهم و قد امر الله ان‌يؤتوا البيوت من ابوابها و هم الابواب. فوجب للطالب الصادق في طلبه ان‌يتوجه بهم اولاً ثم بهم يتوجه الي الله كمايتوجه الله اولاً بهم ثم بهم يتوجه اليك. فيكون توجهك الي الله اثر توجه الله اليك، كماتري من الشجرة علي شفير الماء من انعكاس الشبح. قال تعالي فاذكروه كما هداكم و هو هداك حين اراد ان‌يذكرك ان بدأ بهم ثم بك. فانت اذا اردت ان‌تذكره ابدء بهم ثم به فافهم المثل. و كذلك لماكانوا: فوق حقيقتك و مبدئك و اعلي من اعلي مذاكيرك و ذاتك و لست تصل اليهم و تتوجه بهم ابداً فان الشئ لايصعد فوق مبدئه و لايدرك فوق حقيقته. و اذا اردت ان‌تتوجه بهم بما ظهر لك بك فيك لايسوغ لك ذلك فانه ما وصف من نفسه لك بك الا شأناً من شئونه و جهة من جهاته و صفة من صفاته. و ليس ذلك وجه الله المعبود الكلي و انما امرت ان‌تعبد الله وحده و مظهر الالوهية هو المعبود الحق الذي اله اليه الخلق و هو ليس حقيقتك و طويتك بل له مظهر آخر غير ذاتك ينبغي التوجه اليه و التقرب به.

قال الله تعالي ألم‌يؤخذ عليهم ميثاق الكتاب الاّ يقولوا علي الله الاّ الحق انّما المسيح عيسي بن مريم رسول الله و كلمته و ماكان الله و لانفسه التي هي كتاب الله بل كان رسولاً من الله و ظاهره و كلمة من ذلك الكتاب فلايجوز التوجه بغير ظاهر مظهر الكل الذي يأله اليه من دونه من الخلق و به يعبد الله و لولاه ماعبد الله. فهو حقيقة الوجود و سر الشهود و مظهر المعبود و هو القائم مقام من قام مقام الله في ساير عباده و بلاده الذي به يتوجه الله الي خلقه و به يتوجهون اليه. فهو مفزع نازلتهم و منار محجتهم و مدر (مدار@ سنتهم و هو الذي لايقبل الله من عباده عملاً الا بالقبول منه و التسليم له و الرد اليه. و هو نقطة دائرة الوجود و مركز كرة الشهود و قطب رحي الاكوان و قلب جسد الاعيان الذي ينحدر عنه السيل و لايرقي اليه الطير. و هو محل نظر الامام7 من جميع الانام و محط فيضه و نوره و خيره فلايفرق الي الخلق شيئاً الا به و لايفيض الي احد شيئاً الا ببركته. فهو الجالس علي الكرسي الرفيع و المتحصن

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 397 *»

بالحصن المنيع يعطي كل ذي‌حق حقه و يسوق الي كل مخلوق رزقه فهو مظهر الرحمن و تجلي الملك المنان و هو الذي به يبدأ ما يبدأ و اليه يعود ما يعود. و هو الصور و الكتاب المسطور و البيت المعمور و السقف المرفوع و البحر المسجور و هو السبيل الاوسع و الطريق المهيع و هو الذي ٭ ما في الديار سواه لابس مغفر ٭

ما عسي‌ان‌اقول في ذي‌معال   علة الدهر كله احديها

فالاحسن ان اعطف العنان فاني لست من فرسان هذا الميدان و اكتفي بالحمد علي ما متعني بلقائه و جعلني من احبائه و اودائه و خصني بالكرامة و الزلفي لديه و اكرمني بالتسليم و الرد اليه فهو المبدأ و اليه الرجعي ان لله الهدي و ان له الآخرة و الاولي.

الحاصل، فيجب للطالب الصادق ان‌يتوجه الي مثل هذا المظهر العظيم و هذا النور الفخيم الذي هو مظهر الكل بالنسبة الي ساير البرية ممن دونه و يري فيه التجلي الاعظم و النور الافخم و يري فيه ما لايري بعين لاتري فانه لايدركه الابصار و قد دل علي ذاته بذاته و تنزه عن مجانسة مخلوقاته. فعند ذلك يتحقق له المعرفة فيستجاب له الدعوة و تجاب طلبته و تعطي بغيته و ارادته فانه اذا توسل الي هذا الركن العظيم يدعو له كل من دونه. فان توجهه الي الله به دليل توجه الله اليه به. فاذا توجه الله اليه به، توجه كل ما به ممن دونه به الي الله في ذلك الامر الخاص. والله اعز من ان‌يدعوه جميع خلقه في شئ فلايستجيب و لو دعا اربعون مؤمناً يستجيب و هذا الوجه هو الاربعون مؤمناً الذين اذا دعوا يستجاب دعاؤهم. الا ان هنا ليس مقام تفصيل هذا الامر لانه سر مقنع بالسر و سر لايفيده الا سر و سر مجلل بالسر فلاينبغي ان‌يطلع عليه كل احد و ان ما ذكرته انا ايضاً من باب الوصف كماورد ان اكثر شيعتنا الوصافة و الا فاني لي الصعود الي هذا المرقي و الترقي الي هذه الذري.

الحاصل، فمعرفة هذا المقام من تمام المرام كما حصر الامام7 الامر في معرفة هذا المقام، فقال المعرفة اثبات التوحيد اولاً ثم معرفة المعاني ثانياً ثم معرفة الابواب ثالثاً ثم معرفة الامام رابعاً ثم معرفة الاركان

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 398 *»

خامساً ثم معرفة النقباء سادساً ثم معرفة النجباء سابعاً. و هناك قال لانكم تدعون من لاتعرفون فاذا حصلت المعرفة بماحصرت فيه المعرفة تجاب الدعوة و تقضي الطلبة بلامهلة في ساعتك و مكانك. فابذل جهدك و شمر عن ساقك في المعرفة حتي تكون من الطالبين و الحمدلله رب العالمين. و لو بسطنا في معرفة هذا المظهر العظيم و التجلي الفخيم لقيل فلان جن او كفر و:

اني لأكتم من علمي جواهره   كيلايري الحق ذوجهل فيفتتنا
و قد تقدم في هذا أبوحسن   الي الحسين و وصي قبله الحسنا
بل اندمجت بعلم لو ابوح به   لقيل لي انت ممن تعبد الوثنا
قد استحل رجال مسلمون دمي   يرون اقبح ما يأتونه حسنا

فالكتمان لذلك اولي و الاعراض عنه اجمل فنخفيه كما اخفي نفسه و اخفاه الله عن عيون خلقه و:

لله تحت قباب الارض طائفة   اخفيهم عن عيون الناس اجلالاً

الحاصل، و اما قولــه7: من فضله

الفضل هو الزيادة يقال فضل يفضل من باب قتل فضلاً و فضالةً بالضم اي زاد. و الفضل من الله سبحانه: نعمه و آلاؤه في الدنيا و ثوابه و اجره في الآخرة. فان الله سبحانه كل نعمه ابتداء و احسانه تفضل ليس لاحد عليه حق و لا منه طلبة و لا عليه قهر و سلطنة. و فقر الخلق و فاقتهم ليس جابراً له سبحانه علي العطاء و لامانعاً له عن المنع. فما اعطي انما اعطي مناً منه و فضلاً و ما منع من ذلك انما منع عدلاً و قسطاً. ففضله رحمته و عدله غضبه فان كل ما اعطي فهو بمقتضي كرمه و فضله و ما منع فبمقتضي الاستعدادات و القوابل، كماقال7 يا من لايرجي الا فضله و لايخشي الا عدله و قال ربنا عاملنا بفضلك و لاتعاملنا بعدلك. فبهذا المعني انما جعل الحمد محجة للطالب من فضله كماقال تعالي لئن شكرتم لازيدنكم. لان الحمد هو توجه العبد الي الرب بما وصف نفسه

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 399 *»

به و رضي به وصفاً فاذا توجه العبد بهذا الوصف الي الله تعالي استحق للاستضاءة و الاستنارة‌ و ذلك النور هو مبدأ كل نور و خير و فضل و نعمة و اذا كفر النعمة بان ادبر عن هذا الوجه و عن هذا النور اضطلم و تلك الظلمة مبدأ كل شر و نقمة و ضنك.

و لهذا توجه مراتب و مقامات و كمال الحمد هو القول باللسان بان‌تذكر لله ما وصف به نفسه و رضي به قولاً و العمل بالاركان بل لاتستعين بنعمته علي معصيته و الاعتقاد بالجنان فبأن تري النعمة لله سبحانه و انه هو المنعم عليك بهذه النعمة و لاشريك له في فعله و انه انعم عليك لا عن استحقاق منك بل بفضل منه و طول، كماقال السجاد7 في دعائه اذ جميع احسانك تفضل و اذ كل نعمك ابتداء و قال لايجب لاحد ان‌تغفر له باستحقاقه و لا ان‌ترضي عنه باستيجابه فمن غفرت له فبطولك و من رضيت عنه فبفضلك. و قد اشار ابوعبدالله7 الي هذا المقام ماانعم الله علي عبد من نعمة فعرفها بقلبه و حمد الله ظاهراً بلسانه فتم كلامه حتي يؤمر له بالمزيد و قال شكر النعمة اجتناب المحارم و تمام الشكر قول الرجل الحمدلله رب العالمين. هذا اذا كان الفضل علي معني الظاهر و يراد منه نور الله الذي خلق به المؤمن كماقال7 اتقوا فراسة المؤمن فانه ينظر بنور الله و قال ان الله خلق المؤمن من نوره و ذلك لان فضل الشئ هو مازاد عنه و مازاد عن فعل الله سبحانه هو اثره و نوره كماقال ابوجعفر7 في حديث له يفصل نورنا من نور ربنا كشعاع الشمس من الشمس و قال الحجة7 اللهم ان شيعتنا خلقوا من فاضل طينتنا و قال اميرالمؤمنين7 خلقنا من نور الله و خلق شيعتنا من شعاع نورنا

ففضل‌ الله هو ما فضل منه من اثره و نوره و هو محمد9 لانه اول فاضل من الله سبحانه اي من نوره و فعله كماورد في تفسير قوله تعالي قل بفضل الله و برحمته فبذلك فليفرح المؤمنون في المجمع و الجوامع عن الباقر7 فضل الله رسول‌الله

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 400 *»

و رحمته علي بن ابي‌طالب اما الاول فلان الله سبحانه قال في نبيه و كان فضل الله عليك عظيماً. فما وصفه الله العظيم بالعظمة هو اعظم من كل شئ فاول ما يطلق الفضل عليه بقول مطلق اولاً و بالذات هو رسول‌الله9 و اما الثاني فلأنه قال في حقه انه الباب الذي باطنه فيه الرحمة و قال7 ما معناه ان الله خلق المؤمنين من نوره و صبغهم في رحمته فالمؤمن اخو المؤمن لابيه و امه ابوه النور و امه الرحمة. و قال رسول‌الله9 انا و علي ابوا هذه الامة. فالنور هو رسول‌الله9 فانه هو الفاضل عن الله سبحانه و هو نور الله اولاً و بالذات لأنه اول مخلوق لله سبحانه و قال علي7 اتقوا فراسة المؤمن فانه ينظر بنور الله. و الرحمة هي علي7 فانه رحمة الله علي الابرار و نقمته علي الفجار فبذلك فليفرح المؤمنون اي الشيعة.

فبهذا المعني جعل الحمد الذي هو ظهور الحامد و ركنه  محجة للطالب اي القابل المستعد من فضله الذي هو ذلك النور نور رسول‌الله9 الذي خلق منه المؤمن. و ذلك لان الحمد علي ما شرحنا مفصلاً هو ظهور الحامد و جهته من نفسه و هو محجة الطالب الذي هو نفس ذلك الظهور و هويته. فان كل شئ يسير في درجات نفسه لايتجاوز مبدئه فهو يصعد في مراقي حقيقته الي مالانهاية له بما لانهاية له فهو نفسه محجة نفسه و هو السالك و السلوك و المسلك. و ذلك الظهور الذي هو الحمد و هو الطالب و هو المحجة استعداد و قبول للفضل الذي هو ظهور الفاضل الذي هو نفس ذلك الطالب و الحمد و المحجة. و هذا الفضل هو ركن الفاضل الذي هو اسم لله سبحانه و ظهوره و نفسه من حيث الاثرية و المفعولية كماكان الحمد ركن الحامد و الطلب ركن الطالب. و ذلك ان كل شئ هو استعداد و قبول لنفسه لان كل شئ بلسان شيئيته يطلب عن الله نفسه لاغيره. فبعد ان اعطاه الله نفسه يشفع غيره فيعطي به و بغيره نفس غيره لذلك الغير كما ان الله يخلق الوجود اولاً و بالذات بذلك الوجود و يخلق الماهية

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 401 *»

بشفاعة ذلك الوجود و بطلب الماهية و لو خلقت بشفاعة الوجود لكانت نوراً او لو خلق الوجود بقابلية الماهية لكان ظلمة. فاذا شفع الوجود الماهية انما يشفعها فيما تقتضيها يعني يسأل الوجود عن الله ان‌يعطيها الله سؤلها و هو الظلمة، كماتري في ظل الجدار انه لايوجد الا بالشمس و ان كان من الجدار. فالله سبحانه حقيقةً يخلق كل واحد من الوجود و الماهية بنفسه لابشئ غيره. فخلق الله الوجود اولاً و بالذات بنفس الوجود و خلق الماهية ثانياً و بالعرض بنفسها لابشئ غيرها فان كل اثر يشابه صفة مؤثره و هي بنفسها مبدأ الظلمة. فكما ان الوجود الاول خلق بنفسه عند مبدئه سبحانه فهو الفعل و المفعول و هو من حيث المفعولية يشابه نفسه من حيث الفعلية و كل اثر يصدر عنه يشبهه، كذلك الماهية الاولي مخلوقة بنفسها عند المبدأ سبحانه فهي الفعل و المفعول و هي من حيث المفعولية تشابه نفسها من حيث الفعلية. فهما اي الوجود الاول و الماهية الاولي يدان لله سبحانه و ان كان احد منهما مرتباً علي الآخر و انما خلقهما الله سبحانه برجحان منهما في كونهما علي ما هما عليه. فلنقبض العنان عن ازيد من ذلك البيان فللحيطان آذان و ان كان فيما ذكرنا غنية لمن له قلب او القي السمع و هو شهيد.

فظهر مما قدمنا ان الحمد هو الظهور و المحجة و الطلب و الفضل و انهم طلبوا فيض الله عليهم ان‌يجعلهم كما هم عليه. فاذا استعدوا و صفوا ظهر فيهم الحامد و الظاهر و الطالب و الفاضل الذي كان غيباً و خلقوا اولئك به فاذا خلقوا ظهر بهم فافهم ترشد.

قــال7: و كمن في ابطان اللفظ حقيقة الاعتراف له بأنه المنعم علي كل حمد باللفظ و ان عظم

اقــول: كمن بمعني اخفي و ستر من كمن كموناً من باب قعد اذا تستر و استخفي عدّي بباب التفعيل دون الافعال لزيادة ما في التفعيل من بيان الشدة و الكثرة. و ابطان بكسر الهمزة من بطن بطوناً اذا خفي و استتر و منه الباطن اي الخفي نقله الي باب الافعال لاداء الصيرورة. فقولك ابطن: اذا صار ذابطون من

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 402 *»

باب اغد البعير اذا صار ذاغدة. و صار هنا بيان الانفعال عند فعل الفاعل له كماتقول صيرته كذا فصار كذا و مفهوم الانفعال مأخوذ في صار.

و اللفظ في اللغة الرمي و في الاصطلاح ما يتكلم به الانسان. و هنا جار علي اصطلاح العرف العام و المراد منه هيهنا ما يدل منه علي الثناء لله سبحانه مطلقاً. و الالف و اللام فيه للعهد الذهني او الخارجي و المراد منه ما ذكره من الثناء علي الله سبحانه.

و حقيقة الاعتراف الحقيقة في اللغة هي الثابت الواقع من الشئ و في الاصطلاح نفس الشئ و جهته من ربه التي خلقت اولاً و بالذات و هي الوجه الذي يهلك دونه كل شئ. و الاعتراف في اللغة هو الاقرار و في الاصطلاح هو القابلية المستعدة القابلة لما عرف الله نفسه له به فهو معترف بتلك المعرفة. و قد اشرنا الي معني الاعتراف في ما سبق بازيد من ذلك في مطاوي الكلمات.

فالمعني ان الله سبحانه كمن و اخفي في صيرورة اللفظ ذابطون و في انفعاله له حقيقة الاعتراف. فحقيقة الاعتراف هو باطن اللفظ و مكمون سره فحينئذ يكون الجار ظرفاً محلياً@ لاثر الفعل فان الانفعال محل الفعل و متعلقه كمن. و ذلك لان التمكين لايمكن الا في قبول القابل و انفعال المنفعل. و اللفظ للمعني كالجسد للروح فاللفظ هو مركب المعني و ظاهره و حامله و محله. فلولا اللفظ لم‌يظهر المعني و لولا المعني لم‌يوجد اللفظ. فتكمين الله الحقيقة في اللفظ ليس الا بقبوله ذلك و انفعاله له. و ظهور الحقيقة التي هي المفعول المطلق و التأكيد لكمن الذي تعبر عنه بالتمكين هنا ليس الا في اللفظ بقبوله فالتكمين في التكمن الذي هو صيرورته كما اذا قلت كسرته في انكساره.

و الحاصل مراده7 ان الله عز ذكره اخفي حقيقة الاعتراف الذي هو قبول المخلوق لما القي اليه من معرفة الله سبحانه و وصفه الذي وصف نفسه له به و هو مقام الظهور للظاهر و القابل للمقبول في اللفظ فجعلها اي تلك الحقيقة باطناً من بواطن اللفظ و خزينة من خزائنه الذي انزل منها و جعله دالاً عليها و ظاهراً لها كماجعل الجسد للروح فهو علي طبقها دالاً عليها بمادته و هيئته من الحركات و السكنات و التراكيب و القرانات و القرائن و الاوضاع بما هو معين

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 403 *»

في محله كمايطابق الجسد الروح فلايصلح روح الانسان لجسد الكلب و لاتحله و كذا العكس فان ذلك محقق عند اكثر العلماء، من علماء الجفر و النجوم و الرمل و الاوفاق و الاعداد و علماء السيميا و الهيميا و الريميا و عند السابقين في عصر النبي و الائمة الطاهرين، و في المتأخرين بعضهم ايضاً قائلون بذلك و هو ان دلالة اللفظ علي المعني بمناسبة ذاتية بينهما.

و كذلك يدل علي ذلك الاحاديث و الايات و قد شرحنا ذلك في رسالتنا في مبادي اللغة و الاشارة هنا لاهل الحكمة و اولي الالباب بدليل الحكمة انه لاشك ان الادوات تشير الي نظائرها و انك تري انك تسمع الالفاظ بأذن جسدك و تدرك المعاني بعقلك و نفسك و لاشك انهما لايدركان الا نظائرهما و ايضاً لاشك ان العالم الكبير ايضاً علي طبق العالم الصغير و ليس في خلق الرحمن من تفاوت فكما ان جسدك نازل عقلك و نفسك و هذا الجسد الكل نازل العقل الكل و النفس الكلية و ما امر الله الا واحدة و ماخلقكم و لابعثكم الا كنفس واحدة فلزم من هذه الادلة الواضحة البينة ان الالفاظ تنزلات معانيها و ظواهرها و كل يناسب باطنها. و كأني بمن يستهزء بمثل هذا الدليل و يراه استحساناً لابرهاناً و هو غافل عن ان دليل الحكمة ليس مشرعة لكل خائض و انما يتذكر اولواالالباب.

فهب اني اقول الصبح ليل   أيعمي الناظرون عن الضياء

بل هذا دليل قاطع باتّ لاهله بل هو دليل عياني لا بياني فان فهمته فلك حظك و ان حرمته فذره في سنبله لاهله والله هو ملهم الصواب.

فاذا تبين ذلك علم ان حقيقة الاعتراف هي المعني الباطني الحقيقي قد تنزلت في عالم الاجساد الي اللفظ و هو يدل عليها دلالة ذاتية مناسبة ذاتية بما جعل الله فيهما من المناسبة. فعند ذلك تختلف الالفاظ باختلاف مراتب الاعتراف و اعتباراته فان تعريف الله سبحانه ليس له غاية و لانهاية تعرف لكل شئ في كل شئ و ظهر لكل شئ بكل شئ. فيجري ذلك في كل رتبة و في كل عالم بحسبه ففي عالم التوحيد و رتبة التفريد بحسبه من اعترافه سبحانه لنفسه بالوحدانية و

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 404 *»

شهادته لنفسه الفردانية. و في قصبة الياقوت و قدس جلال الماهوت بحسبه من شهادة محمد و آله الطاهرين و اعترافهم بذلك بمراتب لاتحصي و مقامات لاتعد بألسنة شتي و لغات مختلفة. و عند ملائكة العالين و ملائكة‌الكروبين بحسبهم. و في عالم الجبروت و الملكوت و الملك من ساير الخلق لكل منهم في كل مقام اعتراف هو اثر المعترف به و فعله الي ان‌ينتهي الي عالم الاجساد فاعترافهم في هذا العالم بالالفاظ و هي تختلف باختلاف الاشخاص و الاحوال و الاوضاع و الجوارح و الاعضاء. فهي في كل شئ بحسبه الفاظ اخفي فيها حقيقة الاعتراف بل كل رتبة من هذه المراتب الالف‌الف المتنزلة من عالم واحد لفظ لما فوقه من الرتبة و ذلك يجري في كل العوالم الذي لايحصي عددها الا الله. و ذلك قوله سبحانه و ان من شئ الا يسبح بحمده ولكن لاتفقهون تسبيحهم و قال7 سبحان الله ذي الملك و الملكوت يسبح الله باسمائه جميع خلقه.

فبهذا الاعتبار كل دان لفظ لما فوقه من المعني فان الباطن هو معني الظاهر فمراده بالالفاظ جميع المراتب الالف‌الف في العوالم الالف‌الف كل رتبة مضافاً الي فوقه لان كل ذلك حمد لله سبحانه حمد به نفسه و هو لفظ لما كمن فيه من حقيقة الاعتراف فان باطن كل حمد هو حقيقة الاعتراف من الحامد له سبحانه بما انعم عليه و ان كان لفظه ايضاً اعتراف منه له لكنه ظاهر الاعتراف اي اعتراف لفظي لا قلبي باطني و ان كان هو باطنياً بالنسبة الي مادونه. فالألف و اللام في الالفاظ للاستغراق و يفيد العموم اي جميع ماسوي الله سبحانه في جميع مراتبه كمن الله فيه حقيقة الاعتراف فافهم و تدبر.

و اما قوله7 بانه المنعم علي كل حمد باللفظ و ان عظم فهذا هو المعترف به الذي كمنت حقيقته في سر اللفظ و باطنه الذي كمن فيه حقيقة الاعتراف فالاعتراف و المعترف به في كل عالم بحسبه في الظاهر علي ظهوره و في الباطن علي بطونه. و في كل مقام الاعتراف ركن للعارف و العارف مركب

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 405 *»

من الظهور الذي هو الاعتراف و من جهة الظاهرية و الدلالة التي هي المعترف و العارف. فالاعتراف نفس المعترف و الشهادة نفس الشاهد في كل مقام. و اما النعمة فكل شئ ماسوي الله نعمة انعمها بها بفيض جوده و فضل كرمه و حدث بها بالسنة ارادته و تراجمة‌ قدره (قدرته‌ظ) حيث خاطبه بلطيف قوله عز من قائل و اما بنعمة ربك فحدث. و اشار اليه بكلامه جل من متكلم فقال هذا عطاؤنا فامنن او امسك بغير حساب.

فكل شئ نعمة من الله انعمها نفسها و نفسها هي المنعمة عليها و المنعم هو الله سبحانه عند النعمة بالنعمة لاقبلها و لابعدها. فلماكان محمد9 و عترته الاطهار اكمل النعم و اعظمها و اجلها و اكبرها بحيث لايفوقهم فائق و لايسبقهم سابق كمااشار الله اليهم بقوله تعالي يعرفون نعمة الله ثم ينكرونها و المراد منها هم: و قد اشار اليهم ايضا بقوله و ان تعدوا نعمة الله لاتحصوها فانها استعملت علواً سقطت الاشياء دون بلوغ امده و لايبلغ ادني ما استؤثر منها اقصي نعت الناعتين ظهر فيهم سر المنعم سبحانه بهم فكان الله منعماً عليهم بهم ما هم عليه من كونهم نعمة له سبحانه. فهم النعمة و المنعم عليهم و المنعم. فاذا ظهر فيهم سر المنعم سبحانه حتي صاروا بذلك كالحديدة المحماة حدثوا بنعمة الله سبحانه كماامرهم الله. فكان كل ماسويهم نعمة من الله حدثوا بها فهي منهم كالحديث من المحدث. فاصل النعمة لرسول‌الله9 و علي حاملها استوي عليها. فهو يؤدي الي كل فرد فرد لانه هو الولي يوصل الي كل ذي حق حقه و يسوق الي كل مخلوق رزقه. فهو لسان النبي في التحديث بالنعمة لانه هو نعمة الله علي الابرار و نقمته علي الفجار. فاولاً يحدث النبي بالولي نعمته له و يحدث به لغيره بعد ذلك. والله هو المنعم وحده لكل نعمة بتلك النعمة للمنعم عليه الذي هو هي كما في الدعاء اللهم اني اسألك نفسي@.

فاذا عرفت هذه المقدمات عرفت ان الحمد اللفظي نعمة من الله انعم عليها اياها و الحمد الحقيقي المعنوي كذلك فالله سبحانه كمن في اللفظ حقيقة الاعتراف اي في ابطانه و اظهر في ظاهره ظاهر الاعتراف فباطنه حقيقة الاعتراف

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 406 *»

بانه المنعم علي كل حمد باللفظ الذي هو ذلك الحمد الباطني الحقيقي فان الحمد هو ظهور و اسم و لفظ للظاهر و المسمي و المعني به. و ظاهره ظاهر الاعتراف بانه المنعم علي كل حمد لفظي ظاهري باللفظ الظاهري فافهم و تبصر و هذا معني دقيق و شرح انيق رشيق.

انتهي كلام الشارح ادام الله تعالي ايام افاضته و انارته و كفي هذا التعليق الرشيق الانيق علي الخطبة السنية العلية مدحاً كونه علي حسب ارادة قائلها عليه آلاف التحية و الثناء و وقوعه علي مقتضي مشيته و محبته اذ قد خرج مبيناً لمراداته7 و موضحاً لاراداته و لم‌يكن ذلك الا لاجل كون الشارح انار الله برهانه عارفاً بمعاريض كلام ساداته: و عالماً بلحنهم بتعليمهم.

و قد كتب ادام الله ظله العالي ما كتب من هذا الشرح اللطيف في حدود سنة‌ تسع و اربعين من المأة الثالثة عشرة من الهجرة النبوية علي مهاجرها السلام و لم‌يوفق ادام الله بقاه بعد للاتمام و لعل الله يمن علي عباده باتمام ذلك بتوفيقه الاسباب فانه هو الموفق للصواب. و وقع الختم هيهنا علي يد العبد الجاني علي بن الحسن البحراني عفي الله عن جرائمهما بجاه ساداتهما: في سنة 1273 حامداً مصلياً مستغفراً.