05-08 جوامع الکلم المجلد الخامس ـ جواب السيد شريف ـ مقابله

رسالة في جواب السيد شريف

 

من مصنفات الشيخ الاجل الاوحد المرحوم

الشيخ احمد بن زين‌الدين الاحسائي اعلي اللّه مقامه

 

 

«* جوامع الکلم جلد 5 صفحه 162 *»

بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحيمِ

الحمد للّه رب العالمين و صلي اللّه علي محمد و اله الطاهرين .

اما بعد فيقول العبد المسكين احمد بن زين‌الدين الاحساۤئي انه قد انهي اليّ السيد العفيف و السند المنيف السيد شريف بن الطاهر الفاخر المرحوم السيد جابر احسن اللّه اليه و ازلف درجته لديه مسئلة نقلت اليه قد تعصّبت علي الافكار و تمنعت علي اولي الابصار طلب من محبه الجواب عنها لانها من مهمات الدين و ركن من اركان اليقين فكتبت ما سنح علي البال المتشوش بالحل و الارتحال و ذكرت ما يتفرع عليها من السؤال بشهادة الحال تتميماً للمقال و حسماً للداۤء العضال ليأتي الجواب مبيناً لاولي الالباب و هي: ما حاجة المكلفين الي عصمة المعصوم (ع‌) و يتفرع عليه انه ان كانت الحاجة الي ذلك للامن من الخطأ في التبليغ الي المكلفين ليعبدوا ربّهم باليقين لانه لايعبد بالشك و التخمين لانه اذا امكن عبادته بالصِرف و لايقبلها علي حرف لزم عدم جواز خلو الزمان في كل آنٍ من معصوم ظاهر يتلقون عنه النواهي و الاوامر لان ذلك لطف في التكليف و رأفة عند التعريف و لزم عدم جواز الأخذ عن غير المعصوم للعلة المذكورة و هذا خلاف الواقع في هذا الزمان و وقوع ذلك مع اعتقاد انه تعالي لايخل بواجب في الحكمة دليل علي عدم احتياجهم الي متّصفٍ بالعصمة و ثبوت ذلك دليل علي جواز الخطاء و الغفلة علي الوساۤئط بين اللّه و بين خلقه المستلزم لهدم بنيان مثبتيها و تزعزع اركان مدّعيها .

الجواب اعلم ان جواب هذه المسئلة المشكلة مع جميع ما يتفرع عليها يتوقف علي تقديم اشارة الي كلمات ينكشف بها لاولي الالباب صريح الجواب ، فاقول و من اللّه اِلهام الصواب و اليه المرجع و المأب اعلم ان اللّه سبحانه لما كان كنهه تفريقاً بينه و بين خلقه و غيوره تحديداً لما سواه كان

 

 

«* جوامع الکلم جلد 5 صفحه 163 *»

لايعلم احدٌ كيف هو في سرّ و لا علانية الّا بما دلّ علي ذاته بذاته و لايعرفه احد الّا بما تعرّف به اليه فهو الدليل و المدلول عليه و كل ما وصلت اليه الافهام و حامت حوله الاَوْهام فهو مثلها مردود عليها و حيث احبّ من عباده ان يعرفوه و طلب منهم ان يعبدوه تأصيلاً للرحمة و اسباغاً للنعمة و كانوا لايعرفون مايليق بعز جلاله و انما يعرفون ما يليق بهم وجب في الحكمة ان يبعث اليهم روحاً خميصةً من امره و ان يلبسه قالباً من بشريّتهم ليجانسهم و يوانسهم بظاهره كاملاً قويا في باطنه يقدر علي التلقي و التعريف الالهي تاماً قوياً في ظاهره يقدر علي ترجمة التعريف بلسانهم قال تعالي و لو جعلناه ملكا لجعلناه رجلاً و قال تعالي و ماارسلنا من رسول الّا بلسان قومه ليبين لهم و المراد بوجوب ذلك في الحكمة وجوبه في عالم الامكان و الحدوث و معناه انه لايجري الامكان الّا علي مقتضي الحكمة و لايخرج الموجود الحادث في كل رتبة من تطوراته الا مبيّناً مشروحاً علي اكمل وجه في البيان في كل رتبة بحسبها فما بطن خفي ظاهراً بيانه و ما ظهر استعلن برهانه و حيث كان ذلك التعريف الذي هو مبدأ التكليف سبباً و سبيلاً بين مختلفين في كل جهة من كل جهة لما لوّحنا لك ان الوجوب بخلاف الحدوث و لانريد انه بعكسه فيعرف بضده اذ لا ضدّ له فان الحرارة تعرف بالبرودة و الرطوبة باليبوسة علي انه لو كان كذلك لم‌يكن عنه شي‌ء منه بل نريد انها ليست كمثله اذ لا ند له فيكون في عزه و غناه مشاركاً و في ذاته و صفاته و افعاله مماثلاً سبحان ربك رب العزة عما يصفون و كان الترجمان الواسطة بين المختلفين موافقاً بجهته العليا للتكليف و مبدئه و تلقيه و بجهته السفلي للتبليغ و التعريف و كان ذلك التكليف عِلل مَا هم عليه و مذكورون به في المشيّة فجري هناك بذكرهم علي ما لايعرفونه من انفسهم هنا لانه في الحقيقة ثناۤء علي من لايعرفونه الّا بما وصف لهم نفسه علي لسان الترجمان وجب في الحكمة ان تعتبر عصمة الترجمان في التبليغ اذ لو جاز عليه الخطاء لجاز ان يكون فيما بلّغ غير ما امر به و هو غير ما يراد منهم فلايجب قبول شي‌ء من قوله لانه اذا جاز في مسئلة جاز في اخري فامّا ان يلزم من ذلك قول

 

 

«* جوامع الکلم جلد 5 صفحه 164 *»

البراهمة او يَرتفع التكليف اذ لا فرق حينئذ بينهم و بينه و قد ثبت بطلان مذهب البراهمة و ثبث بقاۤء التكليف و به دار الفلك فثبتت الحاجة الي عصمة الترجمان عن اللّه تعالي ثم لمّا كان مقتضي القدر و القضاۤء الالهيين الجاريين علي مقتضي الحكمة في ايجاد الموجودات عدم بقاۤء هذا الترجمان الي انقضاۤء وقت التكليف لسبب يطول ببيانه الكلام و كانت الاوامر و النواهي المتعلِّقَانِ بافعال المكلفين غير محصورة لكثرتها لتجدد الحوادث و الوقائع ما دام التكليف باقياً وجب في الحكمة ان يكون لها حافظٌ عن التغيير و التبديل و التلف بسهوٍ او نسيانٍ او جهلٍ او موتٍ او غير ذلك و من كان كذلك وجب ان يعتبر فيه ما يعتبر في الترجمان من الحفظ و الفهم و قوّة الباطن في التحمل و التلقي عنه لانه يأخُذُ عنه بالجهة التي اخذ بها الترجمان عن اللّه تعالي و قوّة الظاهر في الاداۤء و العصمة للامن من الخطأ و الاخلال بالواجب كما ذكر في الترجمان و ذلك لأن الترجمان لمّا وجب عليه ان يلقيها الي الحافظ لئلّايضيّع من في الاصلاب و الارحام و يرتفع التكليف و كانَتْ لٰاتنحصر بالعدّ و لايضبطها حدّ وجب عليه ان يلقيها اصولاً و قواعد كما اُلقِيت اليه كذلك في جوامع الكلم الي الحافظ و قد فعل و لهذا قال الحافظ لمّا سئل عمّا اوعز اليه حين ناجاه طويلاً قال علمني الف باب من العلم ينفتح لي من كل بابٍ الفُ بابٍ و كذلك ما اشتمل عليه الجفر و الجامعة و الغابر و المزبور و مصحف فاطمة (ع‌) و نور ليلة القدر و العمود النور و الاسم الاكبر و الرجم و غير ذلك مما كتب عنه باملائه و كلّها اصول و ضوابط تنطبق علي افراد من المساۤئل لاتكاد تتناهَي و اخراجها من اكمام غيوب الضوابط و الكليات علي طبق الواقع لايمكن الّا بتلك القوة الالهيّة مع العصمة و تسديد الملك المحدث و الّا جاز عليه التغيير و التبديل فلايكون حافظاً و لايجب الاخذ عنه كما مر في الترجمان حرفاً بحرف لان تفصيل تلك الجمل علي طبق مراد اللّه الذي هو حكم اللّه في نفس الامر ليس في وسع البشر ليستغني عن الكشف الربّاني الملابس للعصمة و هكذا حكم كل مستحفظ بعد مستحفظ و هذه سنة اللّه التي قد خلت في عباده و لن‌تجد لسنة اللّه تبديلاً و

 

 

«* جوامع الکلم جلد 5 صفحه 165 *»

لن‌تجد لسنة اللّه تحويلاً و فيما رواه ابوليث الواقدي عن النبي في غزوة اوطاس قال (ص‌) لتركبن سنن من كان قبلكم حذو النعل بالنعل حتي لو سلكوا جحر ضبٍّ لسلكتموه الحديث ، و كانت الانبياۤء مع اوصيائهم علي هذا السنن منذ اهبط اللّه آدم الي زمن نبينا (ص‌) فكان كذلك حتي امره اللّه ان يخبر عن نفسه بجريه علي ذلك السنن فقال قل ماكنتُ بدعاً من الرسل فكانت الحجة للّه علي عباده قائمة من العقول و الرسل قبل الخلق و مع الخلق و بعد الخلق اذ في كل وقتٍ لايخلو العالم من غوثٍ هو محل نظر اللّه من العالم و هو المستحفظ المشار اليه و امّا في هذا الزمان فانا انما لم‌نشترط العصمة في كل واحد من العلماۤء الذين هم وساۤئط بين الرعية و الداعين كما اشار اليه تعالي بقوله و جعلنا بينهم و بين القري التي باركنا فيها قري ظاهرة و القري الظاهرة هم العلماۤء علي احد التأويلين لانهم لايُرٰادُ منهم التلقي عن اللّهِ و تفصيل الجمل علي طبق مراد اللّه في نفس الامر كما في الترجمان و الحافظ و انما يراد منهم نقل ما فصّل لهم و حمل ما وصل اليهم و ان كانوا يستنبطون الاحكام من كلام الترجمان و الحافظ المنقول اليهم بالنقل المعتبر لان افهامهم تدور مدار مرادهما و تحوم حول كلامهما لتحصيل ما قصداه فافهامهم محبوسة علي ما هو مرادهما بحسب ما يفهمون لم‌يطلبوا غير ما ارادا بكل ما يقدرون عليه قد قصروا نظرهم في اتّباعهما فاغني وجود العصمة في المتبوع و الاصل عن وجودها في التابع و الفرع فان ذلك اذا كان محفوظاً مفصّلاً عند المتبوع لايضرّ تجويز خطأ التّابع لانه اذا اخطأ واحد منهم لم‌يخط غيره فلم‌يخرج الحق عن مستقره نعم نشترط حصول اثرها اعني اصابة الواقع في المجموع و هو قطعي الحصول لانهم قد حصروا بعقولهم جميع ما يحتمله كلامهما علي ما ضبطاه لهم من الاصول فلم‌يخرج مرادهما عن اقوالهم و قد نص الترجمان (ص‌) علي هذا بقوله لاتزال طائفة من امّتي علي الحق حتّي تقوم السَّاعةُ كما نشترط حصولَها في المستحفظ لاتّحادِهِ و الاصل في ذلك اعني الاكتفاۤءَ بالتَّكْليف المنقول المفصّل من دون اعتبار العصْمَةِ في هذا الحامل انّه و ان كانَ مُفَصِّلاً و مُفَرِّعاً الّا انّه طالب لمراد

 

 

«* جوامع الکلم جلد 5 صفحه 166 *»

المُسْتَحْفَظِ من الجهة الجامعة بينهما و هي الجهة البشريّة الَّتي قُلْنا انها جهة المجانسة و الموانسة لانهم يعرفون احكامها بخلاف الجهة العُلْيٰا من المستَحْفَظِ التي لايعرفون احكامها فان شرط قبول التكليف بما لايعرفون وجود العصمة ليلتزموا باَحْكامها فلما قرّرنا اشترطنا وجود العصمة في التلقي من جهة الوحي لئلّايجوز عليه تلقّي ما لايفهم و ما لايراد منه و في الاداۤء و التبليغ لئلايجوز عليه تبليغ ما لايراد منه من تفصيل تلك الجُمَل اذ لايعرف تفصيلها غيره فيريدُ غير المراد و لو كنا نعرف تفصيلها لم‌نشترط فيه لها العصمة لانا نقوّمه اذا اعوجّ و نسدّده اذا زاغ و لم‌نشترط ذلك في تلقّي ما فصّله الحافظ لما قلنا من انا نعرف احكام جهتنا و هو انما فصّلها لنا علي ما نفهم و لانه مسدّد لنا كما قال الصادق (ع‌) ان الارض لاتخلو من حجة كيما ان زاد المؤمنون ردّهم و ان نقّصوا اتمّه لهم ه‍، هذا مع حفظ اصله علي ان الدليل القاطع قد قام علي وجود المستحفظ في هذا الزمان لما قلنا ان العالم لايجوز ان يخلو عن قُطبٍ و غَوْثٍ هو محلّ نظر اللّه من العالم و للاخبار المتواترة مَعْنيً بِذٰلكَ و اِنْ كٰان مُسْتَتِراً بِعَيْنِه عنهم فان نور وجوده في قلوبهم و لقد ورد في الاثر المعتبَر انهم ينتفعون في غيبته بوجودِه كما يَنتفع الناسُ بضوء الشمس اذا غيّبها السحاب يعني انّه في غيبته كالشمس اذا غيّبها السحاب فان النهار موجود لوجود ضياۤئها و لو لم‌تكن موجودة لم‌يوجد ضياۤء النهار عادة فعلي هذا لم‌يستغن عن العصمة امّا بعينها و ضياۤئها كما في الترجمان و المستحفظ و امّا بضياۤئها كما في العلماۤء الاخذين عنه و لو فقدت اصلاً فقد الادراك المجزي لعدم النور اصلاً و من لم‌يجعل اللّه له نوراً فما له من نور .

و كتب العبد المسكين احمد بن زين‌الدين و الحمد للّه رب العالمين و صلي اللّه علي محمد و آله الطاهرين و صحبه الميامين و سلم تسليماً كثيراً.