05-06 جوامع الکلم المجلد الخامس ـ الخاقانية في جواب السلطان فتح‌علي شاه ـ مقابله

الرسالة الخاقانية

في جواب سؤالات السلطان فتحعليشاه

 

من مصنفات الشيخ الاجل الاوحد المرحوم

الشيخ احمد بن زين‌الدين الاحسائي اعلي اللّه مقامه

 

«* جوامع الکلم جلد 5 صفحه 124 *»

بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحيمِ

الحمد للّه رب العالمين و صلي اللّه علي محمد و آله الطاهرين.

اما بعد فيقول العبد المسكين احمد بن زين‌الدين الاحساۤئي ان حضرة الجناب العالي الشأن الوثيق الاركان حاوي السلطنتين سلطنة العقل و الفهم و سلطنة الملك و السلطان زينة الزمان و فخر ملوك الرياسة و السلطان و فجر النور اذا استبان معز المؤمنين ببسط الاحسان و مذلّ كل متمرّد فتّانٍ ظل اللّه علي عباده المؤمنين بالامان و حِصنه المنيع البنيان الحائط لحوزة هذا الدين عن استيلاۤء اهل الاديان و حافظ الاسلام و الايمان المحفوظ بعين الملك الديان من شرّ كل جبار و شيطان من مردة الانس و الجاۤنّ السلطان ابن السلطان بن السلطان و الخاقان بن الخاقان بن الخاقان السلطان فتحعليشاه الممدود بالنصر من مدد الرحمن ادام اللّه دولته و خلّد سلطنته و حفظ مهجته و القي في قلوب العباد محبّته و رفع علي ملوك اهل الارض رتبته اللهم فكما وهبتَ له الحكمتين حكمة الفطنة و حكمة السلطنة فهب له من فضلك في هذه الدنيا طول البقاۤء و مكّنه في ارضِك كما يشاۤء و اجعل له عندك حسن اللقاۤءِ و تَوِّجْهُ بتاج النصر من مددِ قوّتك القاهرة و البسه جمال هيبتِك الباهرة و اجعل عاقبة امره الي نعيم جنّة الدنيا و نعيم جنّة الاخرة فان ذلك عليك سهل يسير و انت علي كل شي‌ء قدير و بالاجابة جدير اۤمين رب العالمين قد القي الي داعيه الفقير المقر بالقصور و التقصير مسائل عظيمة تشتمل علي فروع كثيرة و مطالب دقيقة منيرة تشهد لذلك الجناب المحترم بدقة النظر و استقامة الفكر و قوّة المعتبر و تدل من حضر و نظر علي صحة المثال الذي اشتهر كلام الملوك ملوك الكلام فهذا العيان لذاك الخبر طلب حرسه اللّه من الداعي له بحسن الهداية و التوفيق الي سواۤء الطريق و السلامة من التعويق بيانها علي جهة التّحقيق و شرحها علي طور التعمق و التّدقيق فقمتُ علي ساق الامتثال علي سبيل الاستعجال مع ما في القلب من دواعي الاشغال و الاشتغال بمعاناة الحلّ و الارتحال بما يَضيق به المجال

«* جوامع الکلم جلد 5 صفحه 125 *»

ساۤئلاً من اللّه المدد في الاقوال و الافعال انه سميع الدعاۤء لطيف لما يشاۤء .

قال ادام اللّه دولته و خلّد سلطنته : اذا فارق الانسان هذه الدار و قد كان من المؤمنين الاخيار لحقت روحه بالجنة كما تدل عليه ظواهر الاخبار يتنعم فيها فما الذي يلحق بالجنة هل هي صورة الروح وحدها ام هي مع مثاله ام هما مع جسمه ايضاً فان كانت الروح وحدها كانت لذتها معنوية كلذّة التصوّر و هذه لذة ناقصة و مثل ذلك لايكون فيه ترغيب للمكلّفين و ان كانت مع المثال فكذلك لان المثال صورة برزخية لاتتقوّم الا بغيرها و تقوّمُها بغير الاجسام محال لانها تحت رتبة الارواح فاذا لم‌تكن في جسمٍ لم‌تُفِد الروحَ زيادة احساسٍ و ان كان ذلك مع الجسم تمّ النعيم و حسن به ترغيب المكلّفين و لكن المعروف ان الاجسام تبقي في قبورها رهينة الي ان ينفخ في الصور فيبعث من في القبور ثم التّنعم هل هو مشابه لتنعم الدنيا ام طور آخر و هل فيها نكاح ام لا و هل نكاح اهل الجنّة كنكاح اهل الدنيا ام لا.

اقول ان المؤمن اذا حضره الموت حضره محمد و علي و الائمة عليهم السلام و ملك الموت و جبرئيل فيقول جبريل يا محمد انّ هذا من محبيكم فارفق به فيقول محمد (ص‌) يا علي ان هذا من محبيك فارفق به فيقول علي يا ملك الموت ان هذا من محبّينا فارفق به فيقول ملك الموت انّي لاشفق عليه من الام الشفيقة ثم تأتي المؤمن ريح من الجنّة يقال لها المُنسية تنسيه الدنيا و اهله و ماله ثم تأتيه ريح من الجنّة اخري يقال لها المُسخية تسخّيه ببذل روحه و تشوّقه الي لقاۤء اللّهِ ثم يكشف له ملك الموت عن بصره فيقول له ملك الموت هذا قصرُكَ في الجنّة فيصعد محمد و اهل بيته فيقعدون في ظل القصر فيقول له ملك الموت هؤلاۤء اولياۤؤك في ظل قصرك اتحبّ ان انقلك اليهم فيقول عجّل بذٰلك فيظهر له ملك الموت بصورة جميلة لايُرَي مثلها فيراه المؤمن فَتنجذب اليه روحه تعشّقا كانجذاب الحديد للمقْناطيس و ورد عن اهل العصمة عليهم السلام ان روح المؤمن حال قبض ملك الموت لها تخرّ ساجدة تحت العرش للّه تعالي ثم يأذن لها فتأتي الي جسده فتحضره عند التغسيل و التكفين و انها لتري من يبكي عليه

 

 

«* جوامع الکلم جلد 5 صفحه 126 *»

فاذا نقل الي قبره سارت امام حامليه و في رواية ترفرف علي الجنازة و معني انها تخرّ ساجدة انها حال قبض ملك الموت لها لا تحسّ بنفسها و لاتشعر و نظيره ان الانسان حال الدخول في النوم لاتحس و لاتشعر و حال الخروج منه كذلك الانسان حال الموت و حال البعث قال (ص‌) كما تنامون تموتون و كما تستيقظون تبعثون فاذا وضع في قبره و شرج عليه اللبن و الطين اتاه رُومان فتّان القبور فيقعده و تردّ روحه فيه الي صدره فيقول له اكتب اعمالك فيقول ليس عندي قرطاس فيقول خذ قطعة من كفنك فيقول ليس عندي دواة فيقول ريقك فيقول ما عندي قلم فيقول اصبعك فيقول مااعرف اعمالي فيقول انا اذكرك بها قلتَ كذا و فعلتَ كذا في اليوم الفلاني و الساعة الفلانية فلايترك صغيرة و لا كبيرة الّا ذكرها و هو قوله تعالي يا ويلتنا ما لهذا الكتاب لايغادر صغيرة و لا كبيرة الّا احصاها ثم يأخذ ذلك الكتاب و يضعه في عنقه فيكون عليه كجبل احد و ان كان مؤمنا يسترّ به لانه مملوء حسنات و ذلك قوله تعالي و كلّ انسان الزمناه طاۤئره في عنقه و نخرج له يوم القيمة كتاباً يلقاه منشوراً ، فاذا فرغ رومان فتّان القبور اتي منكر و نكير و هما العبدان الاسودان الازرقان رأساهما في السماۤء السابعة و ارجلهما في الارض السابعة يطئان في شعورهما يخطان الارض خطا بيد كل واحدٍ مُدية من نار فان كان الميت مؤمناً حضر عنده علي بن ابي‌طالب (ع‌) و يسألانه عن جميع ما اريد منه و عليّ يلقّنه فيقولان له نم نومة العروس نومةً لا حلم فيها.

و اعلم ان العبدين منكراً و نكيراً يأتيان الميت بهذه الصورة الهائلة فان كان مؤمناً كانت روعته منهما آخر ما يكره و كفارة لجميع ذنوبه و ان كان منافقاً كان ذلك اوّل عذابه فاذا فرغ من الحساب لحقت روحه بالجنّة جنّة الدنيا فاذا قدم اجتمعت الارواح فيقولون لبعضهم بعضا دعوه يستريح فانه خرج من هولٍ فاذا استراح سألوه عن اهل الدنيا ما حال فلان و ما حَال فلانة فان قال قد خرج من الدنيا فيقولون هوي هوي لانهم لم‌يروه و ان قال تركته في الدنيا ترجّوه فاذا كان يوم الجمعة و يوم العيد عند طلوع الفجر اتتهم الملاۤئكة لكل

 

 

«* جوامع الکلم جلد 5 صفحه 127 *»

واحد بناقة من نوق الجنّة و عليها قبّة زمرّد يري ظاهرها من باطنها و باطنها من ظاهرها و يركب فيصيح بهم جبرئل (ع‌) فيطيرون في الهواۤء ما بين الارض و السماۤء حتي يأتوا النجف الاشرف عند قبر اميرالمؤمنين (ع‌) فيبقون هناك الي الزوال و عند الزوال يستأذنون جبرئيل (ع‌) في زيارة اهاليهم و مواضع حفرهم و معهم ملاۤئكة يسترون عنهم من اهاليهم و احوالهم كلّما يكرهون حتي لايروا الا ما يحبّون و يبقون الي ان يصير ظلّ كل شي‌ءٍ مثله ثم يصيح بهم جبرئل فيركبون مطاياهم فيطيرون الي روضات الجنان يتنعمون فيها و منهم مَن ياتي وادي‌السلام و يزور قبره و اهله كل يوم لقوة ايمانه و منهم من لايزورهم الا في الاعياد و ذلك علي حسب ايمانهم من القوة و الضعف و ذلك قوله تعالي الا من تاب و آمن و عمل صالحاً فاولۤئك يدخلون الجنّة و لايظلمون شيئا جنّاتِ عدنٍ التي وعد الرحمن عباده بالغيب انه كان وعده مأتياً لايسمعون فيها لغواً الا سلاماً و لهم رزقهم فيها بكرة و عشيا و هذه جنّة الدنيا عند مغرب الشمس و لهذا قال بكرة و عشيّا لان جنات الٰاخرة ليس فيها عَشِيٌّ و لا غدوّ و لا بكرة و انما هي نور موجود و ظل ممدود و لايزالون كذلك يقولون ربّنا عجل قيام الساعة لما ظهر لهم مما اعدّ لهم من النعيم المقيم و لايزالون كذلك الي رجعة آل‌محمد (ص‌) فيكرّون معهم لانهم محضوا الايمان محضاً و معني انهم محضوا الايمان محضاً انهم عرفوا اميرالمؤمنين (ع‌) بالمعرفة النورانية و اقرّوا بجميع فضاۤئله (ع‌) و معني معرفته النورانية انهم يعرفون انه الصراط المستقيم و سبيل اللّه و رحمته و وجه اللّه و عينه الناظرة و اذنه الواعية و يعلمون ان مَنْ مات عارفاً بذلك ممتثِلاً لامر اللّه و نهيه انه يموت شهيداً و ان مات مريض فراشه سنة و هو معني ما روي عن الباقر (ع‌) ان ما من مؤمن يؤمن بتاويل قوله تعالي و لئن قتلتم في سبيل اللّه او متم لمغفرة من اللّه و رحمة خير مما يجمعون و لئن متم او قُتِلتم لالي اللّه تحشرون اِلّا وَ لَهُ م۪يتة و قتلة انه من مات قتِل و من قتل بعث حتي يموت و قد سئل عن تأويلها فقال ما معناه ان سبيل اللّه هو علي (ع‌) و القتل في سبيل اللّه هو القتل في سبيل علي (ع‌) و

 

 

«* جوامع الکلم جلد 5 صفحه 128 *»

اصحاب الشمال و هم المنافقون علي العكس من كلّ ما سمعت و انّ ملك الموْت يتصوّر للمنافق بِاَخْوَفِ صورةٍ تكون بعد ان يحضره محمد و اهل بيته (ص‌) فيوصون ملك الموت باَنَّ هذا عدوُّنا فشدِّدْ عليه فيظهر له ملك الموْت باَشْوَهِ صورةٍ فاذا رءاهُ انجذبت روحه اليه كانجذاب الفريسة الي الاسد من شدّة الخوف و بعد الحساب يضربه منكر و نكير بمِرْزَبةٍ من حديد قد حميت في النار سبعين سنة ثلاث مرات كل مرّة يتطاير جسده كالهباۤء فيعيده اللّه ثم يضربه ثانية و ثالثة و تلحق روحه بنار الدنيا عند مطلع الشمس يعذبون عند طلوعها و عند غروب الشمس تأتي بهم ملاۤئكة العذاب يسحبونهم بسلاسلَ من نارٍ الي عند بئر برهوت في حضرموت من اليمن يعذّبون و لقد رأيتُ في الطيف ان بعض المنافقين[1] و رئيسهم انه اُتي به في عيونِ بَقَر يعذّب فيه و كنت سمعتُ ذلك الاسم و لااعلم موضعه فكنت في اليقظة قاعداً مع جماعة و معنا رجل كبير من العرب فذكر شخص منّا عيونَ بقر فقال الرجل هل تعرفون عيون بقر فقلنا لانعرف ذلك فقال هو وادٍ في ناحية الشّامِ و كنّا نقرب منه مِنْ بعيد و هو مُنْخَفِضٌ لايمكن ان ينظر اليه و له دويّ شديد و دخان يصعد منه و لا شك انّه من اوديَة جهنم و انّ لكل وادٍ منها سُكّاناً و المثل عندنا بذلك مشهور فانهم اذا غضبوا علي شخص قد ولّي عنهم قيل له في سقر و عيون بقر و لا كنا نعرف ذلك الا من هذا الطيف انّه يعذّب فيه ذلك المنافق لعنه اللّه و من هذا الرجل الذي وصفه ابتداۤءً منه بما تدل القراۤئن الحالية علي صدقه و كان ذلك الطيف في زمان المكاشفات و المبشّرات التي ترد عليَّ و لايزالون يقولون يا ربَّنا اخّر قيامَ الساعة لما ظهر لهم مما اعد لهم فيها من العذاب الاليم و لايزالون كذلك الي رجعة آل‌محمد (ص‌) فيرجعون معهم لانهم محضوا الكفر محضاً هذا صورة الموت و ما بعد الموت قبل القيمة علي سبيل التعداد ليبتني عليه المراد و باللّه الهداية الي سبيل الرشاد.

 

 

«* جوامع الکلم جلد 5 صفحه 129 *»

فاقول قوله ادام سلطنته و رفع علي جميع الملوك رتبته فما الذي يلحق بالجنة الخ ، اعلم ان الذي يلحق بالجنّة جنّة الدنيا هو الذي يقبضه الملك و هو الانسان الحقيقي و اصل وجوده مركب من خمسة اشياۤء عقل و نفس و طبيعة و مادة و مثال فالعقل في النفس و النفس بما فيها في الطبيعة و الكل في المادة و المادة بما فيها اذا تعلق بها المثال تحقق الجسم الاصلي و هو الغائب في العنصري المركب من العناصر الاربعة النار و الهواۤء و الماۤء و التراب و هذا العنصري هو الذي يبقي في الارض و يفني ظاهره فيها و هو ينمو من لطاۤئف الاغذية و انّما قلت يفني ظاهره في الارض لان باطنه يبقي و هو الجسد الثاني و هو من عناصر هُورقِلْيا الاربعة و هي اشرف من عناصر الدنيا سبعين مرّة و هذا هو الذي يتنعم لان المؤمن بعد الحساب في قبره يخدّ له خدّاً مِن قبره الي الجنّة التي في المغرب يدخل عليه منها الروح و الريحان و هو قوله تعالي فامّا ان كان من المقربين فروح و ريحان و جنّة نعيم و الذي يتنعم بهذا الرَوْح هو الجسد الثاني الذي هو العنصري في هُوْرقِليا و هو في باطن الجسد الاول الظاهري الذي هو من العناصر المعروفة و امّا الذي يخرج مع الروح فهو الجسم الحقيقي المركب من الهيولي و المثال و هو الحامل للطبيعة المجرّدة و النفس و العقل و هو الانسان الحقيقي و هذا الجسم من جنس جسم الكل و رتبته في رتبة محدّب محدد الجهات و قوة لذّته في الأكل و الشرب و الملبس و النكاح بقدر قوة لذّة الجسد العنصري سبعين مرّة و هذا الجسم الحقيقي لاتفارقه الروح و لايفارقها الّا بين النفختين فانه اذا نفخ اسرافيل في الصور نفخة الصعق و هي نفخة الجذب انجذبت كلّ روح الي ثقبها من الصور و له ست مخازن فاول دخولها تلقي في المخزن الاول مثالها و في الثاني هيولاها و في الثالث طبيعتها و في الرابع النفس و في الخامس الروح و في السادس العقل فاذا تفكّكت بطلت و بطل فعلها فهي ليست بفانية الّا بهذا المعني و لا ممازجةٍ لانّ الممازجة انما هي في النفوس النباتية و الحيوانية اما النباتيّة فلانها من نار و هواۤء و ماۤء و تراب فاذا فارقت عادت الي ما منه بدئت

 

 

«* جوامع الکلم جلد 5 صفحه 130 *»

عود ممازجة لا عود مجاورة فتعود الاجزاۤء النارية الي النار و تمازِجُها و الهواۤئيّة الي الهواۤء و الماۤئيّة الي الماۤء و الترابيّة الي التراب و كل واحد يمازج ما مِنْه اُخِذ و كذلك النفس الحيوانية فانّها اخذت من حركات الافلاك فاذا فارقت عادت الي ما منه بُدأت عود ممازجة لا عود مجاورَة لانها قُويً اُلِّفت من قوي الافلاك بتقدير حركاتها تعلّقت بالطباۤئع التي في الدّم الاصفر تعلّق ارتباط و الدم الاصفر في العلقة التي في تجاويف القلب و الدم الذي في البدن تقوّم بالعلقة و البدن تقوّم بالدم و معني تعلّقها بالطباۤئع ان الطباۤئع البسائط لمّا تألّفت علي هذا الترتيب حرارة و يبوسة و برودة و رطوبة و كانت معتدلة في الوزن الطبيعي بان تكون الاربعة خمسة اجزاۤء لان البرودة جزئانِ حصل منها بخار معتدل فكرّت عليه الافلاك فاعتدل في نُضجه فناسبها فاكتسب من قواها قوّة الحيوة بواسطة حركاتها و اشعة كواكبها فذلك البخار المعتدل نضجه بمنزلة الاجزاۤء الدخانية من الاجزاۤء الدهنيّة في السراج اذا قاربت في الاحتراق الدخان و الروح الحيوانية بمنزلة استنارة تلك الاجزاۤء الدخانية عن النار فكما ان الاستنارة انما هي من الكثافة المنفعلة بالضوء عن النار كذلك ذلك البخار المعتدل نضجه انفعل بالحركة و الحيوة الحيوانيّة عن نفوس الافلاك من طباۤئعها السَّارية بواسطة حركاتها و اشعة كواكبها فاذا فارقت عادت الي ما منه بدأت عود ممازجةٍ لا عود مجاورةٍ لانها في الحقيقة تالّفت من طباۤئعها التي هي صفات نفوسها فمع المفارقة يرجع كلّ الي اصله ممتزجاً معه كالقطرة في الماۤء فافهم و هاتين النفسين بعد الموت و تلحقان باصلهما هذا حكم ظاهرهما و امّا حكم باطن النباتية فانها تبقي في القبر و هي عناصر هُورقليا و يأتيها الرَّوح و الريحان من الجنّة و امّا باطن الروح الحيواني فانها من طباۤئع نفوس افلاكِ هورقليا و هي تلحق بالجنّة جنّة الدنيا كما مر و الحاصل ان الروح لاتنفك عن الجسم الاصلي الا بين النفختين نفخة الصعق و نفخة البعث فجواب قوله ادام اللّه تأييده و نصره ، الروح وحدها ام مع المثال ام مع الجسم هو ان الذي يمضي الي جنّة الدنيا الروح مع الجسم الاصلي لان الروح فيها العقل و هي في الطبيعة و الجسم

 

 

«* جوامع الکلم جلد 5 صفحه 131 *»

هو الهيولي و المثال و لهذا كان احساسه و لذته اقوي من الدنيا سبعين مرّةً لان لذته حسيّة معنويّة و علي هذا يحسن به ترغيب المكلّفين و امّا الذي يبقي في القبر فهو الجسد الثاني الذي من عناصر هورقليا و امّا الذي من هذه العناصر فانه يفني و لذلك امثلة كثيرة نذكر بعضاً منها مثاله الزجاج فانه من الصّخر و القلي و هما كثيفان بمنزلة الجسد العنصري المعروف عند العواۤمّ فلمّا اُذ۪يب ذهبَتْ منه الكدورة فكان هو بنفسه زجاجاً شَفَّافاً يُري ظاهرُه من باطنه و باطنه من ظاهره و هو نظير الجسد الثاني الذي يبقي في القبر يدخل عليه من الجنّة رَوح و ريحان و الكثافة نظير الجسد العنصري انظر كيف خرج من الصخر و القلي الكثيفين جسداً شفّافاً لطيفاً و هو ذلك الصخر و هو غيره و هذا الزجاج اذا اُذيبَ و اُلقِي عليه دواۤء يجمع لجسمه في الطبع كان بلوراً كما لو القي عليه دَواۤء الحُكَماۤء الذي هو اكسير البياض فيكون بَلّوراً يحرق في الشمس لانه يجمع الاشعّة التي تقع عليه من الشمس و هذا من الزّجاج بل هو غيره بل هُوَ هُوَ و انّما اَتَاهُ شي‌ء صفّاه حتي كان اعلي رتبةً من الاوّل و هذا نظير الجسم الذي يخرج مع الروح و يدخل جنّة المغرب جنّة الدنيا و هذا البلّور اذا اُذ۪يب و اُلقي عليه الاكسير الابيض مرّةً اخري كان اَلْمٰاساً هو من البلّور بل هو غيره بل هو هو و قد كان صخراً كثيفاً فلمّا اُذ۪يب كان زجاجاً شَفَّافاً فلمّا اُذ۪يب و القي عليه الدواۤء الابيض كان بلّوراً محرِقاً و لمّا اُذيب ثانياً و القي عليه الدواۤء ثانياً كان اَلْمٰاساً اذا وضع علي السندان و ضرب بالمطرقة غاص فيهما و لم‌ينكسر و اذا ضُرِب بالاسرب و هو الرصاص الاسود انكسر اجساماً مثلّثةً مكعّبةً و كلّ مكَعّبٍ اذا كسِرَ بالاسرب انكسر مثلّثاً مكعّباً و هذا علامة صحةِ كونه اَلْمٰاساً و كونه اَلْماساً دليل علي انّه كان غاۤئباً في حقيقة الصخر لانه قد تركّب من الاصلين المعروفين و هما الزيبق و الكبريت علي ما قرر في الطبيعي و هذا الاَلماس المتخلّص من البلّور المتخلّص من الزجاج المتخلص من الصخر نظير اجسام المؤمنين في جنة الٰاخرة و مثاله ايضاً القلعي

 

 

«* جوامع الکلم جلد 5 صفحه 132 *»

مثلاً فانه بمنزلة الجسد العنصري الاول المعروف في الدنيا و اذا القي عليه الأكسير الابيض كان فضّةً صافيةً و كان بمنزلة الجسد الثاني الذي يبقي في القبر يدخل عليه من جنّة الدنيا الرَّوح و الريحان و اذا القي عليه الاكسير الاحمر كان ذهباً خالصاً و كان بمنزلة الجسم الذي يخرج من الجسد مع الروح الذي يلحق بعد الموت بجنّة الدنيا يتنعم فيها و اذا القي عليه الاكسير الاحمر مرة ثانيةً كان اكسيراً و كان بمنزلة الجسم الذي يدخل جنّة الٰاخرة و كونه اكسيراً علامةٌ و دليل علي انه كان غاۤئباً في حقيقة القلعي لانه قد تركّب من الاصلين المعروفين و هذا الاكسير المتخلّص من الذهب المتخلّص من الفضّة المتخلص من القلعي نظير جسم الاجرة (الاخرة ظ) و لذلك امثال كثيرة يعرفها اهل البصيرة.

و قوله اعلي اللّه شأنه و شدّ اركانه ثم التنعم هل هو مشابه لتنعّم الدنيا ام طَوْرٌ آخر ؟ جوابه ان نعيم جنة الدنيا مشابه لنعيم الدنيا بمعني انّ جميع ما في الدنيا من الفواكه و المطاعم و الملابس و السلطنة و العزّة مشابه لما في جنّة الدنيا لان تلك هي الاصل و انما هذه مثال و تذكرة و ذكري للذاكرين و كذلك ما في جنّة الدنيا مثال و تذكرة لجنّة الاخرة و الي ذلك الاشارة بقوله تعالي كلّما رزقوا منها من ثمرة رزقاً قالوا هذا الذي رزقنا من قبل و اُتوا به متشابها و قوله (ص‌) الدنيا مزرعة الاخرة فلايكون شي‌ء هناك الّا و له مثل آية يستدلّ بها عليه في الدنيا و لهذا لمّا سئل الحبر النصراني محمد بن علي الباقر (ع‌) عن اهل الجنة كيف يأكلون و لايتغوّطون فاجابه (ع‌) فقال له فما نظيره في هذه الدنيا فقال الجنين في بطن امّه يغتذي و لايتغوّط حتي انّه لما ثبت ان في الجنّة اشجاراً تنبت بنساۤءٍ معلّقات بشعورهن خلق اللّه لذلك مثلاً و هو ما في جزاۤئر الواق‌واق فانّ هنالك اشجاراً تحمل بنساۤء اجمل ما وجد في الدنيا و لقد نقل المورخون ان بعض المسافرين الي تلك النواحي دخل هذه الجزيرة و قطف منها نساۤءً و واقعها و وجد لذّة لم‌يجدها في نساۤء اهل الدنيا و ذكروا انها اذا رأت الرجل اومأت اليه بيدها ان اقبل و تقول في كلامها واق‌واق و لهذا سمّيت جزيرتهم جزاۤئر الوقواق.

 

 

«* جوامع الکلم جلد 5 صفحه 133 *»

و قوله ادام اللّه جميل بقاءه و امدّه بتأييده من نصره و عطاۤئه و هل فيها نكاح ام لا ، جوابه انّ تلك الجنّة مظهر لجنّة الاخرة و الدنيا مثال لها فكل ما يوجد في الدنيا يوجد في جنّة الدنيا و ما يوجد في جنّة الدنيا يوجد في جنة الاخرة فكما في الدنيا و الاخرة نكاح ففي جنّة الدنيا نكاح لكن بعض العلماۤء سئل عن ذلك فقال الادلّة خالية من ذلك و توقف في الجواب و لكن اقول ان الادلّة مصرحة بذلك منها ما اشار اليه (ص‌) بقوله (ص‌) الدنيا مزرعة الاخرة و قوله تعالي كلّما رزقوا منها من ثمرة رزقاً قٰالوا هذا الّذي رزقنا من قبل و اتوا به متشابهاً و كذلك من الادلة انّ آدم و حوي خلقا في الجنّة و سكنا فيها و نكح فيها و كذلك في رواية المفضل ابن عمر الطويل في الرجعة قال في آخره بعد ذكر انّ المؤمنين يكونون في نعيم بعد قتل ابليس و جنده و لايموت الرجل حتي يري من نسله الف ولدٍ ذكر قال (ع‌) و عند ذلك تظهر الجَنّتان المدهامتان عند مسجد الكوفة وَ ما وَرٰاۤء ذلك بما شاۤء اللّه و الجنّتان المدهاۤمّتان هي جنّة الدنيا لا جنّة الٰاخرة و قوله (ع‌) عند مسجد الكوفة يريدُ به النجف الاشرف لانه هو الذي يأوي اليه الارواح من جنّة الدنيا فالنجف قطعة من تلك الجنّة في الظاهر و امّا في الباطن فالجنّة التي في المغرب التي تأوي اليها الارواح قطعة من النجف الاشرف فتظهر الجنّة في آخر الرجعات في النجف الاشرف و هي الجنتان المدهاۤمتان اللّتان ذكرتا في القرءان و فيه فيهنّ خيرات حسان فبأي الاۤء ربكما تكذّبان حور مقصورات في الخيام فباي الاۤء ربكما تكذبان لم‌يطمثهن انس قبلهم و لا جاۤنّ الخ ، و الي انّ هذه الجنتين المدهاۤمتين من جنان الدنيا الاشارة بقوله تعالي و لمن خاف مقام ربّه جنتان يعني في الاخرة ثم عطف علي الكلام فقال و من دونهما اي من دون جنّتي الاخرة اي لمن خاف مقام ربّه جنّتان مدهامتان بعد الموت من دون جنّتي الخلد اي من قبلهما فمعني دون قبل باعتبار و اقل باعتبار لانّ جنتي الدنيا اقل من جنّتي الاخرة في الرتبة و الشرف و غير ذلك و هذا المعني و ان لم‌يذكره المفسِّرون الا انّ اهل العصمة عليهم السلام نبّهوا علي ذلك من كان حيّاً و هو من القي السمع و هو شهيد نعم جنّة الدّنيا هي

 

 

«* جوامع الکلم جلد 5 صفحه 134 *»

ظاهر جنة الاخرة و نار الدنيا هي ظاهر نار الاخرة و الي ذلك اشار سبحانه في كتابه العزيز قال في حكم الجنّة الي ان قال و لهم رزقهم فيها بكرة و عشيّاً يعني جنة الدنيا ثم قال تعالي تلك الجنة التي نورث من عبادنا من كان تقياً يعني في الٰاخرة فدلّ علي انّ جنّة الدنيا هي التي نورث في الٰاخرة و قال في حكم النار و حاق بٰال فرعون سوۤء العذاب النار يعرضون عليها غدوّاً و عشِيّاً و يوم تقوم الساعة اجمع القراۤء علي الوقف علي السّاعة و علي عَدَمِ الوقف علي عَشِيّاً فقال يعرضون عليها غدوّا و عشيا يعني في الدنيا و قوله تعالي و يوم تقوم الساعة يعني في الٰاخرة فكانوا يعرضون علي النار في الدنيا غدوّا و عشيا و في الٰاخرة يوم تقوم الساعة و هذا ظاهر لمن تدبّر و قوله تعالي ادخلوا آل فرعون اشد العذاب كلام مستأنف .

و قوله اطال دوام دولته و بقاۤء سلطنته : و هل نكاح اهل الجنّة كنكاح اهل الدنيا ام لا ، جوابه ان الادلّة السابقة تدلّ علي ان نكاح اهل الجنّة كنكاح اهل الدنيا بهيئته المعروفة الا ان اللّذة في جنّة الدنيا بقدر لذة نكاح الدنيا سبعين مرّة و لذّة نكاح اهل جنّة الاخرة بقدر لذّة نكاح اهل الدنيا اربعة اۤلاف مرة و تسعمائة مرّة و سئل الصادق (ع‌) عن نساۤء اهل الجنّة كيف يبقينَ ابكاراً فقال (ع‌) ما معناه انّهن اذا اتاهنّ المؤمن لم‌يكن لفروجهن فرجة الّا مولج الذكر خاۤصّة و لم‌تكن زيادة فيدخل الهواۤء في الفرج بخلاف نساۤء اهل الدنيا فانه اذا دخل فيهن الهواۤء فسدت البكارة و هذا المعني عنه (ع‌) صريح في ان نكاح اهل الجنّة كنكاح اهل الدنيا و وجه اخر انهن لمّا كانت ابدانهن في كمال اللطافة كانَ فرج الحورية اذا اخرج ذكره زوجها اجتمع فرجها كالماۤء اذا ادخل اصبعه فيه ثم اخرجه اجتمع كمثله قبل الادخال و ليس ذلك لان اجسامهن ذائِبة و لكن لان اجسامهن حيّة لا موت فيها و لشدّة صفاۤئها فقد روي عنهم عليهم السلام ان المؤمن اذا جامع حوريته يري وجهه في صدرها و تري وجهها في صدره و روي عنهم عليهم السلام انه يُرَي مخ ساقها من خلفِ سبعين حلّة.

بقي سؤال ينبغي التنبيه عليه و هو انّه قد روِي عنهم عليهم السلام ان

 

 

«* جوامع الکلم جلد 5 صفحه 135 *»

الحوريّة عرض عجزها الف ذراع و الرجل في الجنّة يكون بقدر ابينا آدم (ع‌) و هو سبعون ذراعاً بل قيل ثلاثون ذراعاً فكيف يتوصل الي نكاح الحوريّه التي عجزها الف ذراع الجواب انه قد علم من ضرورة الدّين انّ اهل الجنّة لهم فيها ما يشاۤؤن و ان الاشياۤء تجري علي حسب ما يخطر ببالهم فاذا اراد مواقعة مثل هذه تطول اۤلته علي قدرها حال الفعل و اذا فرغ رجع علي حالته الاولي عند الفراغ ذلك تقدير العزيز العليم و هو تأويل قوله تعالي قدروها تقديرا ، و اذا اراد ان يَكُونَ هو بقدر الحوريّة كان كما يشاۤء و اذا اراد ان تكون الحورية بقدره كانت كما يشاۤء .

و بقي تنبيه آخر يتعلّق بهذا الفرع هو انه قد ورد عن اهل العصمة (ع‌) بينما المؤمن في قصره في الجنّة اذ رأي النور يسطع في قصره فينظر و اذا قد اشرفت صورة يراها كما يري احدكم النجم فيقول من انتِ فاني مارأيتُ احسن منك فتقول انا من الذي قال اللّه تعالي و لدينا مزيد فتنزل اليه فيجامعها اربعمائة سنة ثم يفترقان لا عن ملالة قال و بينا المؤمن في قصره اذ رأي نوراً يتلألأ في قصره فيظنّ انه نور الربّ قد تجلّي عليه فينظر و اذا قد اشرفت عليه صورة يراها كما يري احدكم النجم فيضطرب و يقول مَن انتِ فانّي مارأيتُ احسن منك فيقول انا من الذي قال اللّه سبحانه فلاتعلم نفسٌ ما اخفي لهم من قرّة اعين فيهمّ ان يقوم اليها فتقول لاتقم يا وليّ اللّه انّما انَا لك فتنزل اليه قال فيعتنقها اربعمائة سنة في قوة مائة شاۤبٍّ ثم يفترقان لا عن ملالةٍ و في هذا سؤالات كثيرة :

منها انه كيف يجامعها اربعمائة و قد خلق اللّه ابن آدم اجوف لايستغني عن الطعام و الشراب كما هو معلوم بالوجدان و الاخبار و الجواب انه في حال جماع الحوريّة يأكل منها كل فاكهةٍ و كل طعام و يتعلّم منها كلّ علم و يحصل له منْها كل قوّة لانّه يقتطفُ من خدّها اذا قبّلها كلّ ورد و ريحان و كل فاكهة من فواكه الجنان و من فمِها اذا قبّله كل شرابٍ و كل طعام و من موضع الجماع كل قوّةٍ و نشاطٍ و جدّة كما يغتذي الطفل من امّه من سرّته النشاط و القوة و الجدّة كما ذكره صاحب عين‌الحيوة و هو كتاب في الحكمة ذكر فيه الاشياۤء التي

 

 

«* جوامع الکلم جلد 5 صفحه 136 *»

تطيل العمر و تقوي الحرارة الغريزيّة قال: و منها جماع الشاۤبّة الجميلة المحبوبة فانه يقوّي الحرارة الغريزيّة و يزيد في العمر و الي ذلك الاشارة بتأويل قوله تعالي و انّ الدار الاخرة لهي الحيوان فهو في حال الجماع ابلغ في تحصيل ما ذكر من جميع احواله الا حالةَ الزيارة عند مليكٍ مقتدرٍ و الي ذلك الاشارة بقول تعالي انّ اصحاب الجنة اليوم في شغلٍ فاكهون فقال تعالي فاكهون بالطف اشارة الي ما ذكرنا فروي عنهم عليهم السلام في شغلٍ بافتضاضِ الابكار و بالجملة فهذا الجواب بالتلويح و هذا الدليل بالاشارة .
و منها انه كيف يكون معها و قد ورد انّ قصور اهل الجنّة من ياقوتة حمراۤء و زمردة خضراۤء و زبرجدة زرقاۤء و درّ ابيض و كل ذلك يري ظاهره من باطنه و باطنه من ظاهره و ان كان من ذهب و فضّة فكذلك لان ذهب الجنّة و فضّتها شفّافة كذلك و اليه الاشارة بقوله تعالي قوارير من فضّةٍ فاذا كانت قصورهم كذلك كيف يمكنه الجماع فان اهل الجنّة يرونهم لعدم الحجاب و الجواب انّه روي عنهم عليهم السلام انه اذا اراد المؤمن الجماع نزل عليه مع الحورية نور يغشيٰهما و يحجب عنهما بصر كل ناظرٍ الا انفسهما حتي يفرغا و هذا ظاهر.

و منها انه قد ورد ان اهل الجنّة اخوان علي سررٍ متقابلين لاينظر احدهم في خلفِ صاحبه و ظاهر ذلك انه في جميع الاحوال فاين وقت الجماع و الجواب امّا في الظاهر فان المراد بتلك المقابلة للاخوان غير حال الجماع لان ذلك مستثني و اما في الباطن فلان المؤمن في الجنّة احواله تجمع بين افعال الروح و افعال الجسم فكما انّك في الدنيا تأكل و قلبك متوجه الي شي‌ء اخر غير الاكل و كذلك في الجماع فهذه الحالتان تحصل لروحه و لجسده معاً و تكون هذه الحالتان له فهو مع الحوريّة و مع اخوانه لانه اذا شاۤء ظهر لهم بصورته و هو مع الحورية بحقيقته كما كان علي (ع‌) و الائمة (ع‌) يفعلون يكونون في امكنة

 

 

«* جوامع الکلم جلد 5 صفحه 137 *»

متعدّدة لايفقد احدهم منها لانهم الان في الجنّة.

و منها اذا كان المؤمن كذلك فكيف الجمع بين هذا و بين ما ورَد في تفسير قوله تعالي و اذا رأيتَ ثم رأيتَ نعيماً و ملكاً كبيراً ، فانه ورد ما معناه ان الملاۤئكة المقرّبين يأتون الي قصر ولي اللّه بنجْبٍ من نورٍ يستأذنون عليه بان الربّ يدعوه للزيارة فيضربون حَلقة باب القصر فتَطُنُّ و يقول يا علي فيقول البوّاب مَنْ بالباب فتقول الملاۤئكة نحن رسل الربّ الي ولي اللّه نستأذنه في الزيارة فيقول قفوا حتي استأذن عليه فيضرب حلقة الباب فتطُنُّ و يقول يا علي فيقول البوّاب الاخر من بالباب فيقول له البوّاب الاول ان الملاۤئكة المقربين بالباب يستأذنون علي ولي اللّه للزيارة فيقول قل لهم يقفوا و هكذا حتي ينتهوا الي الاخير فيقول ان ولي اللّه مع زوجته الحوريّة فتقف الملاۤئكة ما شاۤء اللّه حتي يفرغ فيأذن لهم فيدخلون عليه من ابواب غرفته و يسلمون عليه و يقولون له ان ربّك يدعوك للزيارة الخ و هو قوله تعالي و الملاۤئكة يدخلون عليهم من كل باب سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبَي الدار فاذا كان المؤمن كذلك فكيف يشتغل عن الملاۤئكة بالحوريّة لم لايكون معهم و هو معها قلت لو شاۤء الجمع بين ذلك انه لو شاۤء لامكنه و هو سهل عليه و لكن في ذلك اظهار السلطنة الكبري و الملك العظيم بان الملاۤئكة المقربين يقفون علي بابه اربعمأئة سنة حتي يفرغ من جماع زوجته و ذلك قوله تعالي و اذا رأيتَ ثَمّ رايت نعيماً و ملكاً كبيراً قد روي ما معناه انّ الملاۤئكة تاتي وليّ اللّه كل جمعة بركاۤئب من نور و تقول للمؤمن يا ولي اللّه انّ ربّكَ يدعوك لزيارته فيركبُ و تطير به تلك الركاۤئب حتي يأتي ربّه فيعطيه ضعف ما عنده و لايزال كذلك في كلّ جمعةٍ يركب للزيارة و يُعْطَي ضعف ما عنده حتي انه ليقول يا ربّ لا حاجة لي بالممَالِكِ فيقول بلي رضاۤيَ عنك و لايزال كل جمعة يركب و يعطي ضعف ما اعطي من الرضي عنه و لا انقطاع لذلك و لا نهاية و هو الذّ ما في الجنّة من النعيم و الرب هو الصاحب و الوليّ و المربّي و المراد محمد او علي عليهما الصلوة و السلام و يجوز ان المراد بالرب هو المعبود سبحانه و معني زيارته زيارة محمد و آله (ص‌) فان من

 

 

«* جوامع الکلم جلد 5 صفحه 138 *»

زارهم فقد زار اللّه و من اطاعهم فقد اطاع اللّه و من عصاهم فقد عصي اللّه فالرب بهذا المعني و يقال رب الدار اي صاحب الدار فاذا كان في كل جمعة يركب المؤمن للزيارة فكيف يكون مع الحورية في مرّة واحدة اربعمائة سنة و الجواب ان المراد بالجمعة مقدار ما بين الجمعة الي الجمعة من جُمَع الٰاخرة و هي سبعة ايّام بقدر سبعة‌اۤلاف سنة من سني الدنيا كما دلّ عليه القرءان و وردت به الروايات عنهم عليهم السلام لان اليوم كالف سنة من سني الدنيا و الساعة منه قدر ثلاث و ثمانين سنة و خمسة اشهر و الحالة التي تكون فيها من الحورية خمسي يوم من ايام الٰاخرة و هي قدر اربعمائة سنة من سني الدنيا فالسنة في الاخرة ثلثمائة و ستون‌الف سنة من سني الدنيا و الشهر ثلاثون‌الف سنة و هكذا و ليس في الجنة ليل و لا نهار قال اللّه تعالي لايرون فيها شمساً و لا زمهريراً و انما هو نور موجود و ظل ممدود نعم مراتب اهل الجنّة تزيد في الحسن و الجمال و الجدّة و الشباب بعكس الدنيا كل وقتٍ علي سبيل التدريج سيّالاً و هكذا فاذا مضي عليهم قدر اثناعشر الف‌الف سنة من سني الدنيا صعدوا عن الرفرف الاخضر الي الكثيب الاحمر و يمكثون فيه قدر اثني‌عشر الف‌الف سنة من سني الدنيا و يصعدون الي الاعراف و يمكثون فيه قدر اثني‌عشر الف‌الف سنة من سني الدنيا و يصعدون الي مقام الرضوان فلايزالون فيه ابد الابدين بلا غاية و لا نهاية يزدادون شباباً و جدّة و جمالاً و ملكاً و حوراً عيناً و كل مقام صعدوا اليه كان اعلي من الاول بمثل الفرق بين نعيم الدنيا و الاخرة يطوف عليهم ولدان مخلدون باكواب و اباريق و كاس من معين لايصدّعون عنها و لاينزفون و فاكهة مما يتخيّرون و لحم طير مما يشتهون و حور عين كامثال اللؤلؤ المكنون جزاۤء بما كانوا يعملون لايسمعون فيها لغوا و لا تأثيماً الا قيلا سلاماً سلاماً ، اللّهم لاتحرمنا الجنة يا كريم.

قال ادام اللّه دولته و رفع رتبته : ما السبب في الاحوال المختلفة التي تتعاقب علي الانسان فمرّة يسترّ و لايعلم سبب السرور و تارة يحزن و لايعلم السبب و تارةً يقبل علي الطاعات و تارةً يقبل علي المعاصي و قد يقف فلا

 

 

«* جوامع الکلم جلد 5 صفحه 139 *»

سرور و لا حزن و لا اقبال علي طاعة او معصية و ايضاً هذه الطاعة التي يقبل عليها ان كانت من ذاته فما باله في بعض الاحوال يقبل علي المعصية و كذلك المعصية و ان كانت من غيره فلا ثواب له في طاعة و لا عقابَ علَيه عَلَي معصيةٍ لانه ليس بمقصّر.

اقول اما السبب في ان الانسان يحصل له سرور و لايعلم السّبب او يحصل له حزن و لايعلم السّبب فقد اشارت الاخبار عن الائمة الاطهار عليهم السلام الي ذلك : منها انه روي ما معناه ان الامام عليه السلام يدخل عليه السرور لاَعْمَالٍ صالحةٍ وقعت من بعض شيعته فاذا دخل عليه ذلك دخل علي كثير من شيعته في مشرق الارض و مغربها و بيان ذلك ان الشيعة انما سموا الشيعة لانهم من شعاع ائمتهم عليهم السلام او من مشايعتهم لهم فعلي الاول يكون الامام (ع‌) بمنزلة المنير و لا ريب ان كل ما يدخل علي المنير من صفاۤء ذاتي كقوة نوره او عرضي كصفاۤء الهواۤء فانه يزيد في نور الاشعة و كذلك ما يدخل عليه من ظلمة او كدورة فانها تدخل علي الاشعة و كذلك اذا قلنا انه من المشايعة فان ما يدخل علي المتبوع من الانبساط و الانقباض يدخل علي المشايع و لا ريب فيه و انما قلنا علي كثير من شيعته لانّ بعض شيعته قد لايحسّون بذلك و الا فانه يدخل علي الكل الاستنارة و عدمها ثم لهذا وجهان احدهما دخول السرور علي الامام (ع‌) من عمل المؤمن الطاعة و الحزن من عمل المعصية هل ذلك بواسطة ام بلاواسطة اما رجوع اثر الطاعة و المعصية فلايتحقّق الا من العامل بعد العمل مع العمل و يرجع السرور الي الامام حينئذٍ قبل العمل اذا عمل العامل لا قبله و امّا الواسطة فمنهم من يكون ذلك بالواسطة و منهم بغير الواسطة و الواسطة كالانبياۤء عليهم السلام فانهم وساۤئط بين الامّة و بين الامام (ع‌) ثانيهما هل مبادي اسباب السّرور و السرور من الامام و مبادي اسباب الحزن و الحزن من تخلية الامام ام لا ؟ الظاهر ان ذلك منه عليه السلام السرور مبدأ سببه و مبدءه من جهة عقل الامام (ع‌) و ان الحزن و سببه بتخلية الامام (ع‌)

 

 

«* جوامع الکلم جلد 5 صفحه 140 *»

للعبد في المعصية و عدم تكملته و اعانته حتي واقع ذلك العبد المعصية و لولا ان ذلك عنه لماعاد اليه فافهم .

و منها انه ما من مؤمن في مشرق الارض او مغربها الا و له اخ مؤمن يعمل كعمله و يفعل كفعله حتي انه ليختار من اعمال الدنيا ما يختاره اخوه لشدّة المشابهة بينهما و ان كان احدهما من اهل الجنة كان الاخر معه في درجته لانه خلق من الطينة التي خلق منها الاخر و اذا دخل علي احدهما فرح او حزن دخل علي الاخر و ان كان بينهما بعد المشرقين لان المؤمنين كالجسد الواحد اذا تألّم منه عضو تألّم منه العضو الذي يقرب منه او تتصل ماۤدّته به و هذا ظاهر.

و منها انه روي عنهم عليهم السلام ان الانسان اذا فتحت صحاۤئف حسناته في وجه نفسه دخل عليه السرور و هو لايعلم و اذا فتحت صحاۤئف سيّئاته في وجه نفسه دخل عليه الحزن و هو لايعلم و السر فيه انّ الحسنات اذا شاهدتها النفس انبسطت لانّ الحسنات نور و وجود و حياة فتقوي بذلك النفس و تنبسط و هو السرور و محله جلدة البطن و اذا شاهدت السّيئات انقبضت لان السيئات ظلمة و عدم و ضعف و ممات فتضعف بذلك النفس و تنقبض في القلب فان كان لما مضي سمّي غمّاً و هو ضغط القلب لاجتماع النفس الحيوانية في القلب عن الامر الذي تصوّرته فيما مضي و ان كان لما يستقبل سمّي همّاً و هو عصر القلب و هو اضرّ من الغمّ لانه ربّما قتلَ لشدّة اجتماع النفس الحيوانية في القلبِ بقوّة عن الامر المتصوَّر فيما يستقل و اشفاقها منه و الغم و الهم هما الحزن و ذلك للمعصية .

و اما وجه اقباله علي الطاعات في بعض الاحيان فاعلم اَنّ الانسان خلق من وجودٍ و ماهيّةٍ و الوجود قبل اجتماعه بالماهية صورته صورة ملك و هو ملك من الملاۤئكة العلويّين و الماهية قبل اجتماعها بالوجود صورتها صورة شيطان و هي شيطان من سكّان سجّين فنزلت تلك الصّورة العالية و صعدت تلك الصورة السافلة و اجتمع مظهراهما لما بينهما من حاجة كل واحد منهما الي الاخر في الظهور و لتشابه كل واحد منهما بالاخر في تعاكس الجهات و الاطوار و الشؤن

 

 

«* جوامع الکلم جلد 5 صفحه 141 *»

مثلاً اذا ارتفع الوجود عشر درجات انحطت الماهية عشر درجات و اذا مال الوجود للاكل الحلال مالت الماهية للاكل الحرام و كل شي‌ء منه يقابل ضدّه منها فلمّا اجتمَعا كان الانسان منهما اي من المظهرين و الوجود هو السلطان الحاكم علي الخيرات و العقل وزيرُه و الماهية هو السلطان الحاكم علي الشرور و النفس الامّارة وزيره و معني كون الوجود سلطان الخيرات انّ الخيرات من جنسه و استمدادها منه و جنودها منه و معني كون الماهية سلطان الشرور كذلك انها من جنس الماهية و استمدادها منها و جنودها منها فلما كان الانسان مركباً من الوجود الذي هو النور و الماهية التي هي الظلمة كان له ميل الي الطاعات و الخيرات من جهة الوجود و له ميل الي المعاصي و الشرور من جهة الماهية و اصل هذا الوجود في الملأ الاعلي صورة ملك مع الملاۤئكة و اصل هذه الماهية في الملأ الاسفل صورة شيطان مع الشياطين فاذا عرض له الفعل طلبه العقل لسلطانه من جهة الطاعة و معه ملاۤئكة تعينه و طلبته النفس لسلطانها من جهة المعصية و معها شياطين تعينها فان مال الوجود و اصله مع العقل قوي علي النفس و جندها و غلب فعمل العبد الطاعة و ان مالت الماهية و اصلها مع النفس قويت علي العقل و جندها و غلبت فعمل العبد المعصية فمعني اقبال العبد علي الطاعة انّ عقله يستعين بالوجود الذي هو السلطان و يغلب النفس الامّارة و كذلك معني اقبال العبد علي المعصية ان نفسه الامّارة تستعين بسلطانها و تغلب العقل و قد قلنا ان الانسان مركب في اصل خلقته من الوجود و الماهية فاذا قلنا السبب في ميل الانسان الي الطاعة ان صورته التي مع الملاۤئكة تعمل ذلك العمل و هي موجودة مع الملاۤئكة و تلك الصورة هي اصل الوجود الذي في الانسان بل هو هو نريد به معني ان الوجود اعان العقل و جنوده علي فعل الطاعة فغلب عدوّه و اذا قلنا السبب في ميل الانسان الي المعصية ان صورته التي مع الشياطين تعمل ذلك العمل و هي موجودة مع الشياطين و هي اصل الماهية التي في الانسان بل هي هو نريد به معني ان الماهية اعانت النفس و جنودها علي فعل المعصية و معني ان عمل الوجود لذلك العمل في عالم الاسرار هو اعانة العقل في عالم

 

 

«* جوامع الکلم جلد 5 صفحه 142 *»

الانوار علي الطاعة و فعلها في عالم الملك ان الوجود اذا لم‌يعمل لم‌يقدر العقل علي العمل لانه اصل العقل و العقل انما تقوّم به و عمله هو امداده بالالطاف الربانية للعقل لان كل شي‌ء عمله بحسبه و معني قولنا ان الوجود اذا لم‌يعمل فقدته الملاۤئكة لانه لا انّيّة له الا بالعمل و كذلك الماهية في مقامها فافهم فقد ردّدت في العبارة كثيراً لاجل الافهام فان صعب عليك ذلك فاعلم انه ليس لنقص في التفهيم و لا لضعفٍ في فهم الناظر و لكن لصعوبة هذا المطلب فعليك بالتأمل و التردّد فيه حتي يفتح اللّه عليك و هو خير الفاتحين و هذه الاشارة كافية لما تطلب لاشتمالها علي كل معني الّا حرفاً واحداً و هو الذي امر بكتمانه و هو سرّ الخليقة و حقيقة الكون لا من شي‌ء.

و قوله ادام اللّه بقاۤءه و اسبغ عليه عطاۤءه ان كان الاقبال علي الطاعة من ذاته فما باله يقبل في بعض الاحيان علي المعصية و ان كان من غيره فلا ثواب له و لا عقاب عليه ، جوابه ان ذلك الاقبال و الميل من ذاته في الحالين لانّ ذاته مركبة من وجود يميل الي الطاعة بطبعه و هواه و من ماهية تميل الي المعصية بطبعها و هواها فالميل الي الطاعة و الي المعصية من ذاته لا من غيره فالثواب له و العقاب عليه لانه مقصّر .

قال ابقي اللّه مهجته و ادام سلطنته : هل لاهل الجنة التزويج باكثر من اربع نساۤء ام ليس لهم الا الاربع كما هو حال اهل الدنيا .

اقول انّ الاربع انّما هو لهذه الامة بالعقد الداۤئم و لهم ما يشاۤؤن بالمنقطع و بملك اليمين و لم‌يكن هذا التقدير في الامم الماضية لشدة الاعتناۤء من اللّه بهم لانهم خير الامم فاقامهم علي الاستقامة و العدل ففرض عليهم القسمة بين الزوجات بالعقد الداۤئم رحمة بهم يريد بهم اليسر و لايريد بهم العسر فقلّل عدد ما تجب فيه العدل لان كل ما زاد صعب العدل فيه و انما حصره في الاربع لمراعات الكمال بمطابقة الظاهر للباطن و الصفات للذوات و ذلك لان ادوار الوجود و اكواره اربعة و لاتتم رتبة من مراتبه الّا في اربعة فحصر الزيادة فيها لتلك المطابقة تسهيلاً لتناولهم لمراتب الكمال و لهذا قال تعالي فان خفتم

 

 

«* جوامع الکلم جلد 5 صفحه 143 *»

الّاتعدلوا فواحدة لعدم الجور فيها في القسمة او ما ملكت ايمانكم لعدم القسمة فيهنّ و احلّ لهم ما شاۤؤا بالمنقطع لعدم اشتراط القسمة و العدل في ذلك لانهن مستأجرات و امّا الامم الماضية فلم‌يكونوا اهلاً لشدة الاعتناۤء بهم لعدم قابلية ذواتهم و اما الانبياۤء (ع‌) فلايجري عليهم للامن من جورهم و اما نبينا محمد (ص‌) فلانه علي سنة النبيين (ص‌) قال اللّه تعالي في حقه قل ماكنت بدعاً من الرسل و قال تعالي سنة اللّه في الذين خلوا من قبل و كان امر اللّه قدراً مقدوراً الذين يبلغون رسالات اللّه و يخشونه و لايخشون احداً الّا اللّه و للوثوق بعدله لو اريد منه و لعدم ارادة ذلك منه قال تعالي ترجئ من تشاۤء منهن و تؤوي اليك من تشاۤء و من ابتغيت ممن عزلت فلا جناح عليك و لما كانت هذه الدار دار التكليف لمقتضي الاخلاط الاعوجاج و عدم الاستقامة جري عليهم ما فيه صلاحهم لا ما يشتهون و الاخرة لهم فيها ما يشاۤؤن لعدم الاخلاط المقتضية للاعوجاج بل جميع ما يشتهون موافق للحق لاستقامة طباعهم فلهم ان ينكحوا ما شاۤؤا من هذه الامّة و من الامم الماضية و اما رجال الامم الماضية غير الانبياۤء و الاوصياۤء و الاولياء فالذي يخطر ببالي انهم ليس لهم ان يأخذوا من هذه الامة لان هذه الامة اشرف من الامم الماضية فان قيل اذا كان انما نهوا عن الزيادة علي الاربع لمصلحتهم فلعلّ ذلك جار في الاخرة و ان كان لهم ما يشاۤؤن لكنهم لايشاۤؤن الا الاصلح قلنا ليس كل اصلح في الدنيا اصلح في الٰاخرة بل قد ينعكس فان الاصلح في الدنيا المنع من شرب الخمر و تحريم لبس الحرير و الذهب للرجال و في الاخرة بالعكس مع انه لا مانع من الزيادة علي الاربع الا خوف عدم العدل و لهذا يأخذ اربعة اۤلاف بالمنقطع و الملك و هذه العلة تزول في الاخرة من جهة الرجل لعدم الجور هناك و عدم ارادة المساواة منه لعدم الغلّ و الحسد و الغيرة من جهتهِنّ فجميع الموانع الدنياوية منتفية في الاخرة فتجوز لهم الزيادة لوجود المقتضي و عدم المانع و لو سلّمنا المنع بالداۤئم قياساً علي الدنيا اجزناه بالمنقطع

 

 

«* جوامع الکلم جلد 5 صفحه 144 *»

و ما ورد بانّ اقل ما يعطي ادني المؤمنين حوريتين غير النابتات من الاشجار فالمراد به اقل مراتب المؤمنين و لعلّ ذلك لضعف ايمانه لايشتهي اكثر من اثنتين من عليّين و ان اشتهي من النباتيات كثيراً و الي ذلك الاشارة بقوله (ع‌) ماازداد اَحدٌ حُبّاً في ولايتنا الا ازداد حبّاً في النساۤء و المفهوم ان من لم‌يزدد حبّاً في الولاية لم‌يزدد حبّاً في النساۤء و الولاية هي الجنّة و لهذا قال الصادق (ع‌) لمن سمعه يقول اللهم ادخلنا الجنة قال (ع‌) لاتقل هكذا انتم في الجنة و لكن اسألوا اللّه الّايخرجكم منها انّ الجنّة هي ولايتنا فيرجع المعني المفهوم الي ان من لم‌يزدد حبّاً في الجنّة لم‌يزدد حبّاً في النساۤء فتقنع نفسه بالاقل بحيث لاتريد الزيادة و ليس لحبس ارادته بل لان ذلك غاية ميل ذاته و قابليته و هذا ظاهر فانّ اختلافَ الخلقِ انّما كان لنقص القابليّة لا لقلّة المقبول ، مثاله الشمس اذا اشرقت علي الارض كان الشعاع المنعكس عن المرءاة اشد من انعكاسه عن الجدار مع ان الشمس لم‌تعط المرءاة اكثر مما اعطت الجدار و لكن اختلفت لاختلاف القابلية و العلّة في قلّة اشتهاۤء اخذ النساۤء و كثرته ان المرأة خلقت من بقيّة طينة الرجل فمن خلق من بقيّة طينته واحدة اخذها و ان كان اثنتين اخذهما و ان كان اكثر اخذهن و امّا النباتيات فان الاشجار التي تحمل بالنساۤء مخلوقة من بقيّة البقيّة اي من فاضل طينة النساۤء و النساۤء من فاضل طينة الرجل فتكثرت الاشجار و ان كانت من واحد لان الصفات تكون كثيرة لذات واحدة و هذه الاشجار تحمل بنساۤء معلقات بشعورهن في تلك الاشجار فاذا مرّ بهن المؤمن كلّ واحدة تدعوه الي نفسها فاذا اخذ واحدةً نبت محلها اخري سبحان من لاتفني خزاۤئنه و لاينقص فضله و لايقل عطاۤؤه لا اله الا هو اليه المصير.

الي هنا انتهي الجواب لخدمة الحضرة المحترمة السلطانية مدّ اللّه ذلك الظل الظليل علي البلاد و رحم ببقاۤئه العباد علي يد الداعي للحضرة السلطانية بالدوام اقل الانام العبد المسكين احمد بن زين‌الدين بن ابراهيم الاحساۤئي في اواۤئل شهر رمضان سنة ثلث و عشرين بعد المائتين و الالف من الهجرة النبوية علي مهاجرها افضل الصلوة و ازكي السلام و الحمد للّه رب العالمين ، تمت.

[1] هو الثاني ، منه