05-03 مکارم الابرار المجلد الخامس ـ رسالة في شرح الدعاء المروي في مصباح المتهجد ـ مقابله

 

رسالة في شرح الدعاء المروي في مصباح المتهجد

 

من مصنفات

العالم الرباني و الحکيم الصمداني

مولانا المرحوم الحاج محمد کريم الکرماني

اعلي‌الله مقامه

 

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 247 *»

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمدلله رب العالمين و الصلوة علي محمد و آله الطاهرين.

و بعد فيقول العبد الاثيم کريم بن ابرٰهيم الکرماني ان هذه کلمات وجيزة کتبتها تبييناً لبعض معاني الدعاء الجليل القدر العظيم الشأ‌ن المروي عن الصادق عليه السلام علي ما رواه الشيخ في المصباح و قد بعث به من دار المرز مازندران بعض الاصدقاء و الاخوان بل العلماء الاعيان الي حضرة من يشد اليه الرحال و يفد اليه الرجال الحبر العالم و السيد البارع القمقام من آل‌هاشم سيدنا و مولانا و ثمالنا الحاج السيد کاظم اطال الله بقاه و عمر بنور ضيائه الايام و امد برشح ما طفح من فواضل علومه الانام و وصل بقاءه الي ظهور القائم من الائمة الکرام عليهم صلوات الله الملک العلام حتي يبين ما خفي من معانيه و يوضح ما استشکل من مبانيه فامر هذا الادني من ان يلتفت اليه و الاقصر من ينال التوجه اليه ان اکتب عليه مما وصل الي من اشعة‌ اشراق نور ضياء ما ظهر من صفات علومه اللدنية فانا و ان کنت ادني من ذلک لکن لما استنار بتوجهه المدارک و استشرق بالتفاته المشاعر نهضت قائماً بما امر و اضطلعت آتياً بما استطعت و لا قوة الا بالله و اسأل الله التسديد بما يحب و يرضي و ان يکون جارياً علي مقتضي ارادته و محبته انه بالاجابة جدير.

قال الشيخ في المصباح في ادعية الحاجات و صلواتها روي عن الحسن العسکري عليه السلام عن ابيه عن آبائه عن الصادق جعفر بن محمد عليه السلام قال من عرضت له حاجة الي الله تعالي صام الاربعاء و الخميس و الجمعة و

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 248 *»

لم‌يفطر علي شيء کان فيه روح و دعا بهذا الدعاء قضي الله حاجته و الدعاء هذا و هو جليل القدر عظيم الشأن:

قال عليه السلام اللهم اني اسألک باسمک الذي به ابتدعت عجائب الخلق في غامض العلم بجود جمال وجهک في عظيم عجيب خلق اصناف غريب اجناس الجواهر فخرت الملائکة سجداً لهيبتک من مخافتک فلا اله الا انت.

المراد بهذا الاسم الاسم الاعظم الذي به فتح الله الخلق و به يختم و هو النفس التي خلقت المشية بها القائمة في الله بما يحب و يرضي و مقتضي ما تعطي الاخبار انه هو العلي العظيم کما ورد عن الرضا عليه السلام اول ما اختار لنفسه العلي العظيم لانه اعلي الاشياء کلها فمعناه الله و اسمه العلي العظيم فبه ابتدع و ابتداعه مشيته کما ورد عن الرضا عليه السلام ان المشية و الاردة و الابداع اسماؤها ثلثة و معناها واحد و سميت المشيه بالابداع لان الله سبحانه بها يظهر شيئاً حادثاً لم‌يکن فالله سبحانه هو مبدع الاشياء بمشيته في غامض العلم و المراد به هو علمه سبحانه بامکانات الاشياء الراجحة في عالم الامر فهو العلم الغامض الذي لم‌يطلع عليه احد من خلقه فهو مغموض عنه عين کل احد سوي عينه سبحانه و هو متعلق بقوله ابتدعت فکان ابتداعه سبحانه في عالم الامر المغموض عنه.

بجود جمال وجهک المراد بالوجه هو ذلک الاسم الذي هو اول ما ظهر له به الذي کل شيء هالک الا هو فانه به يهلک من يهلک و يحيي من يحيي و لايجري عليه شيء مما اجراه و جماله هو مشيته و ارادته و ابداعه سبحانه فان الجمال صفة الوجه و الصفة عرض بالنسبة الي المعروض و ظهور له فکمايظهر الوجه بالجمال فانما يظهر ذلک الاسم بالفعل و جود الجمال نوره و بهاؤه و اشعته فالله سبحانه ابتدع عجائب الخلق الکائن امکانه في العلم الغامض الظاهر بالشمس التي تحت بحر القدر لم‌يطلع عليها الا الواحد الفرد فمن تطلع عليها فقد ضاد الله في ملکه و

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 249 *»

نازعه في سلطانه و باء بغضب من الله و مأويه جهنم و بئس المصير و هناک محل البداء و علل الاشياء و امداداتها و مخزن المدد و اصل السرمد و الاسم المستقر في ظله الغير الخارج الي غيره و هو المکنون المخزون عنده لم‌يطلع عليه احد حتي محمد و اهل‌بيته الطاهرون سلام الله عليهم اجمعين و لذا کان غامضاً و منه مددهم عليهم السلام فلو احاطوا لاستغنوا عن المدد و ذلک الابتداع علي الوجه المذکور حاصل بشعاع مشيته و ارادته التي هي جمال وجهه سبحانه فمادة الاشياء کلها من شعاع مشيته و ارادته و نسبة کل مخلوق الي مشيته کنسبة شعاع الشمس اليها.

في عظيم عجيب خلق اصناف غريب اجناس الجواهر تنبي هذه الفقرة عن تعدد اجناس الجواهر و اختلاف المواد و عدم کون الکل في رتبة واحدة کما قيل و کون الخلق له جواهر متعددة لها اجناس و اصناف يختص کل صنف بجنس جوهر لايشارکه فيه غيره کما قد ثبت عندنا بالبرهان النقلي المؤيد بالعقلي ان صنف الانبياء لهم جنس جوهر لايشارکهم فيه المؤمنون و لصنف المؤمنين جوهر لايشارکهم فيه الجن و هکذا الي آخر ما ينتهي اليه التراب فبين عليه السلام ان للخلق جواهر اي مواد متعددة و تلک الجواهر اجناس غريبة و لتلک الاجناس اصناف مخلوقة و هي عجيبة غريبة عظيمة من کمال التدبير و تمام التقدير بحيث قد تقاصر عن فهم حقائقها اوهام الفحول و تحير في ادراک کنهها معالي العقول اما انها عجيبة فلانها صفة فعل العجيب و هو الله سبحانه و في الدعاء يا عجيب فلاتنطق الانس بکل آلائه و الصفة تحکي فعل الموصوف و الا لم‌تکن صفة اما انها غريبة فلانها طرية دائماً ليست بثابتة دائمة مستأهلة بل هي متجددة مشتملة علي ما لا عين رأت و لا اذن سمعت و لا خطر علي قلب بشر و اما انها عظيمة فلتجلي نور العظمة فيها مقدار سم الابرة کما ورد في النبي صلي الله عليه و آله ففي غيره بالطريق الاولي فعظمة الخلق من جهة انه ظهور عظمة الخالق و الا فلا عظمة و لا کبرياء في المخلوق و ان عظم و جل و قوله عليه السلام في عظيم متعلق الي صفة

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 250 *»

الخلق المحذوفة فهي بيان اصناف عجائب الخلق فکأنه قال ابتدعت عجائب الخلق الظاهر في عظيم عجيب خلق اصناف الخ.

فخرت الملائکة سجداً لهيبتک من مخافتک يعني لما ظهر جود جمال وجهک في عرصات الاکوان و بدا سبحات جلالک في اقطار الاعيان خرت الملائکة و هي عبارة عن حقايق الذرات الوجودية الکونية و العينية و هي المعبر عنه بعظيم اجناس اصناف الخلق من حيث حاصليتها للتجليات القدسية سجداً لهيبتک الظاهرة في صفحات اصناف الکائنات من القوابل و المقبولات و خشعت الاصوات للرحمن فلاتسمع الا همسا و لله يسجد من في السموات و من في الارض و الشجر و الدواب فان من شيء الا يسبح بحمده و الملائکة يسجدون من خيفته.

فلما التفت الداعي الي العوالم في اصناف الخلق و اجناسه و سجود الملائکة کلها من خيفته و نظر الي العوالم کلها و السموات و الارض و قد ملأت من انواره و اشعة‌ اشراق ضيائه و ظهر له ما ملأ بما ملأ فيما ملأ علم ان لا اله الا هو فقال لا اله الا انت کماقال الامام عليه السلام في دعاء شهر رجب فبهم ملأت سماءک و ارضک حتي ظهر ان لا اله الا انت.

قال عليه السلام و اسألک باسمک الذي تجليت به للکليم علي الجبل العظيم فلما بدا شعاع نور الحجب العظيمة اثبتت معرفتک في قلوب العارفين بمعرفة توحيدک فلا اله الا انت.

هذا الاسم حامله الخلق الاول في الرتبة الثانية من الکروبيين([1]) الذي به يمد الله موسي عليه السلام فهو جزئي بالنسبة الي الاسم الاول بل لا نسبة بينهما و انما هذا الاسم شعاع من اشعة اشراق

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 251 *»

جمال وجه ذلک الاسم و هو الذي تجلي الله لموسي عليه السلام به فخر صعقا و قد ظهر من شعاعه له مقدار سم الابرة.

و الجبل العظيم هو الطور و هو جبل بشام کان يناجي الله سبحانه عليه موسي عليه السلام علي سياق الظاهر و في الباطن هو جبل الولاية فانها هي مظهر اسم الله العظيم و بها تظهر عظمة الله سبحانه في خلقه.

فلما بدا شعاع نور الحجب العظيمة صلوات الله عليهم و هم اي الحجب العظيمة هم محمد و آله عليهم السلام کمااشار اليه الامام عليه السلام في الحديث و هو المحتجب و نحن حجابه و في زيارة الرجب و صلي الله علي محمد المنتجب و علي اوصيائه الحجب فهم الذين بهم احتجب الله عن جميع الخلق فلايتجاوز حجابه احد بل و لايصل الي حجابه احد من جميع خلقه فلما بدا شعاع نور هذه الحجب و نورها هو ذلک الاسم الکروبي و شعاعه ما ظهر علي الجبل.

اثبتت معرفتک في قلوب العارفين بمعرفة توحيدک بانک فوق ان ينظر الي شعاع نور جمال وجهک طامحات العقول او يدرک شيئاً من آلاء جود جلال قدرتک اوهام الفحول هذا ظاهر المقال و اما حقيقة الامر فاعلم ان شعاع نور الحجب هو حقائق الرعية من ساير الخلق من الجنة و الناس و ذلک الشعاع هو حامل المثال الملقي في هويات الاشياء الذي يعرف به الله سبحانه و هو النفس التي من عرفها فقد عرف الله لان الشيء لايتجاوز ماوراء مبدئه فبذلک الشعاع ظهر التوحيد الخالص لله تعالي لجملة الکائنات فثبتت معرفته في القلوب لان الشعاع في الفؤاد و هو باطن القلب فافهم.

فلما التفت الراعي من الرعية الي هذا الاسم الظاهر بالشعاع بلا کيف و لا اشارة ظهر محض التوحيد و ارتفعت الکثرات و اضمحلت الانيات فلم‌ير الا صرف التوحيد فقال فلا اله الا انت و انما قيدنا بالرعية لان الانبياء نظرهم الي نفس ذلک الاسم لا من حيث الظهور بالشعاع و السابقون الاولون نظرهم الي

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 252 *»

الاسم الاول و هو الجامع الکلي فلايحتاجون الي النظر الي الاسم الثاني.

قال عليه السلام و اسألک باسمک الذي تعلم به خواطر رجم الظنون بحقايق الايمان و غيب عزيمات اليقين و کشف الحواجب و اغماض الجفون و ما استقلت به الاعطاف و ادارة لحظ العيون و الحرکات و السکون فکونته مما شئت ان يکون مما اذا لم‌تکونه فکيف يکون فلا اله الا انت.

هذا الاسم هو الاسم الکلي الساري في حقايق جميع المخلوقين المالي لارکانهم کما في الدعاء و باسمائک التي ملأت ارکان کل شيء و هو جمع في مقام و مفرد في مقام و هو باطن اسم الله البديع و معني الاسم المبارک الله و ظاهر الاسم الاعظم الاعظم هو و به يظهر کونه سبحانه عليماً بما کان و ما يکون فالله سبحانه کان فيما قبل ايجاد العلم و العلة فلما اراد ايجاد العلم في الخلق و للخلق و اظهاره لهم اوجد بهذا الاسم العلم بما ذکر من خفايا الخلق الباطنية کما يخطر بالبال من رجم الظنون بحقايق الايمان و مراتبه و مقاماته و انما خص العلم برجم الظنون بحقائق الايمان لعدم الاعتناء بغيرها بحکم نسوا الله فنسيهم و الا فبذلک الاسم الشريف ظهر العلم بکل شيء علي کل وجه من ايمان و کفر و حق و باطل و نور و ظلمة و کغيب عزيمات اليقين و من خفايا الخلق الظاهرية ککسر الحواجب عند الاشارة و اغماض الجفون و ما استقلت اي رفعت بسببه الاعطاف و هي طرفا الرقبة و الجوانب عند الاعراض و الاقبال و الرضا و الغضب و ادارة لحظ العيون الظاهرية و الباطنية و الکينونية عند النظر و الحرکات و السکون…

ثم قال عليه السلام في وصف ذلک الاسم فکونته مما شئت ان يکون و هو نور جمال وجهه الذي هو مادة جميع ما کان و ما يکون فهذا ان لم‌يکونه کيف يکون يعني لايکون ابداً و الضمير في کونته کما احتمل ان يکون راجعاً الي الاسم

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 253 *»

يحتمل ان يکون راجعاً الي العلم و يحتمل ايضاً ان يکون راجعاً الي ما ذکر و علي کل حال لايصح نسبة هذا العلم الي الذات الاقدس فان الله سبحانه لايعلم الشيء بآلة اسماً کان او غيره لان العلم ذاته و الاسم لا شک انه حادث لماثبت بالمعلوم من المذهب ان الاسم غير المسمي و کلما هو غير الله حادث فيجب ان يکون هذا هو العلم الذي علمه محمداً و آله صلوات الله عليهم و انما نسبه الي نفسه تشريفاً و تفخيماً لمقامهم عنده سبحانه حتي قرنهم بنفسه کما في الدعاء لا فرق بينک و بينها الا انهم عبادک و خلقک و نسبة هذا العلم الي نفسه کنسبة ساير الاشياء التي لايليق لجلال قدسه اليه تعالي کماقال و نفخت فيه من روحي و طهر بيتي و لماآسفونا انتقمنا منهم و فليعلمن الله الذين صدقوا و ليعلمن الکاذبين معني و ليعلمن اولياؤنا و الروح مخلوقة حادثة نسبها الي نفسه تشريفاً و کذلک علم اوليائه نسبة الي نفسه و ذلک العلم انما يحصل لهم بهذا الاسم الشريف و عموم العلم علي هذا الوجه المذکور لايمکن الا لمحمد و اهل‌بيته الاثني‌عشر و فاطمة الصديقة صلي الله عليهم اجمعين و الکلام في هذا المقام واسع الذيل و الاشارة لجنابک کافية.

فلماتوجه العبد الي هذه السعة و هذا العلم و هذه الاحاطة و ان ذلک حاصل لمخلوق مربوب لايملک لنفسه نفعاً و لا ضراً و لا موتاً و لا حيوة و لا نشوراً و له هذه الهيمنة و الاستيلاء فتوجه الي عظمة الخالق و تفرده و توحده فاضمحل في بحر التوحيد و قال فلا اله الا انت.

قال عليه السلام و اسألک باسمک الذي فتقت به رتق عقيم غواشي جفون حدق عيون قلوب الناظرين فلا اله الا انت.

المراد بهذا الاسم هو الاسم الباسط الذي به التمييز و التشخيص و هو تحت الاسم السابق فان الاول هو الاسم الساري الوحداني الذي شأنه الاحاطة و هذا الاسم هو الاسم الذي به الفرق و تکون الماهيات و به فتق الله کل رتق اي فتقه بايجاده في عالم الکون مشروح العلل مبين الاسباب متمايز الحدود بعد

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 254 *»

ما کان رتقاً في الخلق الاول مقام الاجمال و الوحدة و المراد بالناظرين جميع الخلق في اصنافها و اجناسها فانها کلها الي ربها ناظرة و اياه عارفة و به دانية و له حامدة مسبحة کما صرحت به کلمات الکتاب و السنة و قلوبها حقائقها التي تعرف الله لها بها و هي المعبر عنها بانا و عينها الفؤاد المستکن في القلب و حدق العين هي المثال الملقي في هوية المخلوق فالحدق للعين و العين للقلب و الجفن الماهية الاولي الاعلي الحجاب الرقيق في رتبة العقل الکلي و الغواشي تراکم الماهيات المستدعية لتعدد العوالم الغيبية و العقيم هو حدود عالم الشهادة عالم الاجسام و لک ان تجعل اضافة العقيم الي الغواشي و اضافتها الي الجفون بيانية فيکون الغواشي هي الجفون و العقيم هو الغواشي و المعني فيها واحد و هي الماهية و الانية و المعني انه سبحانه فتق بذلک الاسم الشريف رتقم العقيم و هو الغواشي و الحجب الغليظة المانعة لظهور الانوار الالهية الظاهرة في حدق عيون القلوب اي في الآية العظمي و المثل الاعلي الملقي في هوية الفؤاد المستکن في القلب المعبر عنه بالحقيقة و ذلک النور هو المخفي بحجب الماهيات فاظهره من جهات تلک الحجب حتي ظهر ذلک النور بحسب ذلک المقام ففي العالم العقلي بالعقائد الحقة الظاهرة بالاسماء و الصفات الکلية و في عالم الملکوت بالعبادات و الاعمال القلبية السرية و في عالم الملک و الشهادة بالاعمال الظاهرة الجسمانية و بهذا الفتق انبتت الاشجار و اينعت الثمار و اختلف الليل و النهار و اليه الاشارة بقوله تعالي أو لم‌ير الذين کفروا ان السموات و الارض کانتا رتقاً ففتقناهما و جعلنا من الماء کل شيء حي و تفصيل هذا الکلام يطول و الاشارة کافية لجنابک.

فاذا التفت الداعي الي ان الکثرات و الانيات الظاهرة بالشئون الکلية و الجزئية الحقيقية و المجازية و الظاهرة و الباطنة و الذاتية و الوصفية و الماهيات المستقلة الظاهرة بالآثار العجيبة القريبة کلها فانية مضمحلة باطلة عند ظهور هيمنة هذا الاسم الذي هو تحت اسماء کثيرة کلها مقهورة تحت هيمنة الفعل المستقهر المضمحل عند سلطان الذات الاقدس استشعر التوحيد و قال فلا اله الا انت.

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 255 *»

قال عليه السلام و اسألک باسمک الذي خلقت به في الهواء بحراً معلقاً عجاجاً مغطمطاً فحبسته في الهواء علي صميم تيار اليم الزاخر في مستفحلات عظيم تيار امواجه علي ضحضاح صفاء الماء فغرلج الموج فسبح ما فيه لعظمتک فلا اله الا انت.

هذا الاسم تحت ذلک الاسم الشريف و به خلق الله سبحانه الخلق الثاني عالم الشهادة عالم الاجسام عالم النقش و الارتسام و لماکان الوجود في عالم التنزل کلما قرب من المبدأ خفي و اضمحل و ما بعد عنه ظهر و استقل بشئونه و اطواره ذکر عليه السلام شرح هذا العالم بجميع مراتبه و مقاماته علي ما هو عليه من الکثرات و الانيات فقال عليه السلام و اسألک باسمک الذي خلقت به في الهواء بحراً و هو فضاء عالم الشهادة و کينوناتها من حيث هي بحراً معلقاً و هو البحر الذي حصل من ذوبان الياقوتة الحمراء التي غلظها غلظ السموات فنظر سبحانه اليها بعين الهيبة فذابت و ماعت فکان بحراً مواجاً و هو المادة المطلقة الجسمانيه الصالحة لتعلق الصور و الهيئات و هو المعلق بذلک الاسم في هذا العالم و هذه المرتبة الدائرة علي قطبه و مرکزه من غير اتصال صوري بعالم آخر علي الظاهر.

عجاجاً مغطمطاً و ذلک اول تعينات تلک المادة فانها اول ما تعينت بالعرش المحيط محدد الجهات و بهذا ظهر وصفه بانه عجاج فانه الماء الذي له صوت و صوته حرکته السريعة المسخرة للحرکات فان الماء شأ‌نه الجريان و الحرکة الظاهرة بآثارها صوته و ثاني تعينها بالکرسي و بذلک ظهر وصفه بانه مغطمط فانه البحر المواج الکثير الماء الذي فيه صوت و اضطراب و امواجه الکثيرة المتراکمة و اصواته العالية هي ظهوره بالبروج الاثني‌عشر و المنازل الثمانية و العشرين و الکواکب الثابتة المرکوزة کل واحد منها في تدوير خاص و اضطرابه کثرة التداوير و تداخلها و تعارضها في حرکاتها و ضم بعضها ببعض و کونها سبباً لبطؤ حرکة الکرسي لتصادم حرکات تلک التداوير و ظهور فضل الحرکات بعد

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 256 *»

التعارض و التعادل و لماکان الکثرات الارضية لکونها بعيدة عن المبدأ الاول بعداً کلياً مايمکنها التلقي من العرش و الکرسي من غير واسطة خلق الله سبحانه لتکميل قابلياتها السموات السبع تتلقي من العرش و الکرسي و توصلها الي تلک القوابل السفلية فاشار عليه السلام الي هذه الدقيقة بقوله فحبسته في الهواء اي حبست ذلک البحر في فضاء العالم المذکور بحکم و ما منا الا له مقام معلوم او حبست البحر و هو البحر الثاني و هو مادة السموات السبع و هو المعبر عنه بالوجود الثاني و الهواء هو الفضاء المحيط به العرش و الکرسي و حبسه سبحانه بذلک الاسم.

علي صميم تيار اليم الزاخر اي اليم التيار الزاخر الصميم هو الخالص الصافي في هذا العالم و هو فلک الشمس و السموات السبع تدور کلها عليه و هو بمنزلة‌ القطب و الاصل لها و هو باب الفيض الظاهر للعوالم السفلية و لذلک وصفه بالتيار و هو الموج الذي له نضح و نضحه ايصال المدد الظاهر في المقامات السفلية و بالزاخر و هو الطامي العالي لظهور استعلائها بالمدد فيکون طامياً لامحالة فظهرت آثار ذلک الصميم التيار.

في مستفحلات عظيم تيار امواجه يعني في الامواج العظيمة المستفحلة التي لها نضح و رشح فلماعبر عن الافلاک و السموات من حيث وحدتها بالبحر فيکون الموج الاکوان و الحقائق المنشعبة عنه و المراد بها الکائنات المستقلة التامة و هي المواليد الثلثة و من ثم وصفه بانه استفحل و هو الموج القوي الشديد و هو عبارة عن کمال انعقاده و تذوته و عدم تشتته کالبخار و الدخان و الشهب و النيازک مما يتشتت عاجلا.

فلماذکر عليه السلام تکون المواليد الثلثة و ما يتبعها اراد عليه السلام ان يبين مقرها و مقامها فقال عليه السلام علي ضحضاح صفاء الماء و صفاء الماء هو لطيفه و صافيه و اصله و هو الطبقة الاولي من فلک القمر علي ما في الحديث عن مولانا الباقر عليه السلام و الضحضاح هو الحظيرة و هو الطرف من الشيء و

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 257 *»

هو العناصر التي استقر فيها و منها المواليد الثلثة و لواحقها و توابعها فيکون تلک المستفحلات العظيمة مستقرة علي ضحضاح صفاء الماء و انما وصفها بالتيار و هو الموج الناضح لبيان الآثار الصادرة من تلک الامواج اي المواليد.

فلماذکر خلق العالم الجسماني و مبدئها و منشأها و علويها و سفليها و قوابلها و مقبولاتها اراد ان يبين حيوتها و شعورها و انها تسبح الله تعالي فقال فغرلج الموج فسبح ما فيه لعظمتک اي التطم الماء و تموج بقرانات بعضها ببعض و صار کل قران لسانا يسبح الله تعالي لعظمته اي ظهرت له بمقدار سم الابرة من نور العظمة و محي کل ماسواه فنادي کل ذرة من ذرات هذا العالم عند استشعار تلک العظمة باندکاک جبال الانية لا اله الا انت.

قال عليه السلام و اسألک باسمک الذي تجليت به للجبل فتحرک و تزعزع و استفرک و درج الليل الحلک و دار بلطفک الفلک فهمک فتعالي ربنا فلا اله الا انت.

هذا الاسم من الکروبيين و هو مربي موسي عليه السلام قد ظهر من شعاعه مقدار سم الابرة للجبل فتدکدک و تزعزع و تحرک فصار ثلثة اثلاث ثلث تفرق في الهواء فصار غذاء للحيوانات البرية و ثلث غاص في البحر فصار غذاء لما فيه من الحيوانات و ثلث غاص في الارض فصار غذاء لما فيه من الخلق و الجبل هو جبل طور في الظاهر و في الباطن هو انيته و ماهيته فتزعزعت و اضطربت و بطلت حکمها و انصدعت فصارت ثلثة اثلاث ثلث صعد الي هواء الروح فصار غذاء و قواماً لها و ثلث غاص في بحر النفوس فصار قواماً لما فيها و ثلث غاص في ارض الجسد فکان غذاء لاهلها و بدلاً لما يتحلل منه و التزعزع الحرکة الشديدة و استفرک و في بعض النسخ و استقر فعلي الاول يعني تقشر و تنثر و تفرق اجزاؤه بعض عن بعض و علي الثاني يعني اطمأن و ثبت بعد ما تدکدک و خضع و اقر بما ظهر عليه من انوار قدس الجبروت و هذا ظاهر المقال.

و اما حقيقة الامر فاعلم ان الامام عليه السلام لمافرغ من ذکر العظمة الظاهرة في ايجاد العوالم العلوية

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 258 *»

و السفلية و المجردية و المادية و الغيبية و الشهودية و کائنات الجو و دعي الله سبحانه بالاسماء المظهرة لتلک العظمة المحقة لتلک الحقيقة اراد ان يبين اضمحلال الاشياء و استمدادها و حرکاتها الذاتية الامدادية و الاستمدادية و حال الکائنات بعد کينونتها في العالم الاول حتي يظهر بذلک في العالم الآخر ليکون دعاؤه عليه السلام جامعاً لحکم البدو و العود و الدنيا و الآخرة قبل عروض الحکم النفس الامري و تحقق الاعراض الغريبة و الغرائب الکائنة المغيرة للحقيقة في الصورة الظاهرة فاشار عليه السلام الي ذلک فقال و اسألک باسمک الذي تجليت به للجبل فتحرک و هذا الاسم هو تحت الاسم الاول و هو الاسم المميت و الجبل هو جبل قاف الذي عليه اکناف السماء و اطرافها و هي من زمردة خضراء و خضرة[2] السماء منها و هو الذي تحرک بذلک الاسم و تزعزع علي قطبه و استمد منه و دار علي مرکزه و هو قوله تعالي و تري الجبال تحسبها جامدة و هي تمر مرّ السحاب و هذه الحرکة هي المراد في الدعاء و هي الحرکة الجوهرية الکينونية الاستمدادية و هي الحرکة القوية العظيمة المعبر عنها بالتزعزع و هي الحرکة بکله فتکون عظيمة شديدة ثم اشار الي اضمحلاله و استقهاره تحت نور العظمة و نور التجلي بقوله و استفرک اي تقشر و انتثر و تفرق اجزاؤه اي ازال القشر حيث انه متحرک علي القطب دون المحور فنظره الي الباطن دون الظاهر و لذا تراه في الظاهر ساکناً و في الباطن متحرکاً و هو قوله تعالي تحسبها جامدة کالنائم اما تفرقه و تفرق اجزائه فهي اشارة ‌الي استمداده و انه دائماً يأتيه اجزاء و تذهب اجزاء بدلاً لما يتحلل و ترجع الذاهب و يذهب العائد الآتي لکمال قوسيه الصعودي و النزولي فاجزاؤه دائماً متفرقة في عين تماسکها و ذاهبة في عين ثباتها کالنهر المستدير و ذلک تقدير العزيز القدير فافهم فان بيان هذه الکلمات و شرح هذه الاشارات صعبة فان وفقک الله للمشافهة لحضرة الاستاد دام ظله ربما تحظي

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 259 *»

بالنصيب الاوفي من الرقيب و المعلي.

ثم اشار عليه السلام الي فائدة هذه الحرکة بالتجلي بهذا الاسم الشريف فقال و درج الليل الحلک اي ذهب الليل الظلماني الخالص في الظلمة و السواد فان الليل من ظل الارض الحاصل من اشراق الشمس عند کثافة الجبل الذي هو سر الارض و صفوها المعبر عنها بجبل قاف فاذا تحرکت علي وجه مبدئها تزول عنها الغرائب و الاوساخ فکانت صافية طيبة طاهرة اصفي من البلور الصافي فلم‌يبق کدوره و لا کثافة و هي الارض النقية البيضاء الصافية کما في الحديث فلايکون لها ظل و لايکون ليل فلاتحرک الجبل بتجلي ذلک الاسم درج الليل الحلک و ذهب و اضمحل.

و لما استقامت السفليات بحرکتها علي مباديها و تجلي ربها عليها ظهرت العلويات علي ما هي عليه من غير تفاوت و تخالف و اضطراب کما هي شأن ظهورها عند اختلاف السفليات لان ظهور العالي انما ينصبغ بصبغ السافل کمابرهنا عليه فقال عليه السلام و دار بلطفک الفلک فهمک اي تلجج في الدوران و انهمک و ذلک اشارة ‌الي اتيانه بطاعة الله و امره بنهايه الجد و التلجج.

فتعالي ربنا يعني بعد ما صفت ارض القوابل و جرت المقبولات علي مقتضي ارادته و لطفه و رحمته ظهر علوه سبحانه و عظمته و کبرياؤه علي اکمل وجه لان الامور تجري ذلک الحين علي ما هو عليه فتظهر عظمته سبحانه حينئذ علي ما هي عليه.

فلماتوجه الداعي الي هذا المقام قال فتعالي ربنا فلا اله الا انت و سر الغياب في قوله تعالي هو ان علوه سبحانه يظهر باسمائه و صفاته و آياته لا بذاته کما ذکر ان اول اسم اختار الله لنفسه العلي العظيم فبعد تصفية القوابل و المقبولات تظهر سبحات هذا الاسم و هو انوار العلو و العظمة فتقول تعالي ربنا الذي اشرقت الارض بنوره و تشعشع القوابل بظهوره و لا اله الا انت.

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 260 *»

قال عليه السلام و اسألک باسمک يا نور النور يا من برء الحور کدر منثور بقدر مقدور لعرض النشور لنقرة الناقور فلا اله الا انت.

لما ذکر عليه السلام الکائنات من جهة تجليه سبحانه باسمائه لها بها و نورانيتها و صفائها و ذهاب الظلمات باشراق اسمائه عليها اراد ان يذکر العود و احوال النشأه الاخروية ليتم بالدعاء تمام الظهور في النشآت و يظهر سر اسم الله الاعظم بانحاء الاجابات فقال عليه السلام و اسألک باسمک يا نور النور و هذا هو سر الاسماء المتقدمة و اصلها و محله و مظهره الحقيقة المحمدية الظاهرة في الحقيقة الحسينية عليهم السلام فنور النور اسم من اسماء الله تعالي يدعوه به سيدنا الحسين عليه السلام فحقيقة النور هي التي في الجنة و الحور و نورها مقوم وجودها و محقق حقائقها و ذلک هو الاسم الاکبر الذي ذکرنا.

ثم ذکر عليه السلام متعلق الاسم باسم آخر فقال يا من برء الحور اي خلقها باسم النور و لذا کانت کلها نوراً ثم وصفها عليه السلام بنور العقل لبيان انها انما کانت بنوره لا بنور النفس فقال عليه السلام کدر منثور و لما وصفها عليه السلام بصفة‌ العقل اراد ان يذکر انها من شئون النفس و شعبها و جهاتها فقال عليه السلام بقدر مقدور فان القدر و التقدير في مقام الصورة و هي مقام النفس و اقتصر عليه السلام بذکر الحور من احوال الآخرة دون غيرها من نعيمها لانها هي العمدة من ملاذ الجنة فاشار اليها باحسنها و اشرفها و مقادير الحور مختلفة علي حسب اختلاف العاملين من اهل الجنة يطول الکلام بشرحها.

ثم اشار عليه السلام الي مقدمات الآخرة و البرازخ بين الدنيا و دخول الجنة فقال عليه السلام لعرض النشور اي عند اظهار الحشر و النشر ثم ذکر عليه السلام مقدمة النشر و الحشر فقال عليه السلام لنقرة الناقور اي عند نقرة الناقور اي نفخة الصور و هما نفختان نفخة الجذب و هي مقدمة الثانية التي هي نفخة الدفع و بها يکون عرض النشور فاشار عليه السلام الي جميع احوال الآخرة بالنسبة الي العالم الاکبر الحي.

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 261 *»

و هذا ما يتعلق بحل ظاهر العبارة و الا فکل فقرة تحتها من کنوز العلم ما لاتحتمله الدفاتر و مقصودنا معني ظاهر العبارة و لماکان باقي الدعاء جار علي سياق الظاهر و لم‌يکن في الفاظه اغلاق ترکنا ايرادها و شرحها و الحمدلله اولاً و آخراً و ظاهراً و باطناً. تمت.

(النسخة الاصلية من الرسالة مختومة بخاتم السيد اعلي الله مقامه: عبده الراجي محمدکاظم الحسيني)

 

[1] في بصائرالدرجات عن الصادق عليه السلام و قد سئل عن الکروبيين قال عليه السلام قوم من شيعتنا من الخلق الاول جعلهم الله خلف العرش و لو قسم نور واحد منهم علي اهل الارض لکفاهم و لماسأل موسي ربه ما سأل امر رجلاً منهم فتجلي له بقدر سم الابرة فدک الجبل و خرّ موسي صعقا. منه اعلي الله مقامه

[2] اما الخضرة فلاختلاط الاجزاء الارضية الباردة اليابسة باشعة اشراقات الکواکب و الاجرام العلوية فصارت بذلک اخضر دلالة علي کمال لطافته و خضرة السماء و هي الابخرة لهذه العلة فافهم. منه اعلي الله مقامه