05-02 مکارم الابرار المجلد الخامس ـ رسالة في شرح بعض فقرات اللوامع الحسينية ـ مقابله

 

رسالة في شرح بعض فقرات اللوامع الحسينية

 

من مصنفات

العالم الرباني و الحکيم الصمداني

مولانا المرحوم الحاج محمد کريم الکرماني

اعلي‌الله مقامه

 

 

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 183 *»

d

«هذه ﺗﻌﻠﻴﻘ[ كتبها العبد الاثيم كريم بن ابرهيم علي اللوامع»

 

قال مد اللّه ظله: الاشراق الرابع علمنا هذا علم يبحث فيه عن المعارف الالهية و الحقايق اللاهوتية و الامثلة الملقاة في هويات الاشياء علي ما هي عليه في نفس الامر بقدر الطاقة البشرية علي النهج المقرر من مبادينا و اوائل جواهر عللنا،

اقول: اخذ مد اللّه ظله علي رؤوسنا يعرف الحكمة علي ما عرفه اللّه بتعريفاته الحالية و المقالية مما شاهد في الايات الافاقية و الانفسية و مما استنبط من كتاب اللّه و سنة ساداته اهل العصمة و الطهارة فانه اطال اللّه بقاه بان في اموره و احواله و اقواله و اوضاعه كلها علي المشايعة الحقيقية و المتابعة الواقعية لساداته: و لذلك تفوح عنه في جميع احواله رايحتهم و تظهر عنه سجيتهم و شيمتهم فاراد ان‏يكون تعريفه علي لحنهم و تحديده علي طريقتهم لكي‌يلحن له كما عرف اللحن.

فقال: علمنا هذا، و هو علم البيان و المعاني و علم الاية المحكمة و الفريضة العادلة و السنة القائمة و علم الحكمة و الموعظة الحسنة و المجادلة بالتي هي احسن و علم التحير و علم الهدي و الكتاب المنير و علم الابواب و فصل الخطاب و علم اللدني و علم المحبة و الرجاء و الخشية و علم المعرفة و حق اليقين و عين اليقين و علم اليقين و علم الحقيقة و الطريقة و الشريعة و علم الفراسة و علم التوسم و علم الباطن و باطن الباطن و علم السر و السر المستسر و السر المقنع بالسر و علم الحق و حق الحق نسب هذا العلم اليهم دون غيرهم فانهم رفع اللّه اعلامهم في الدارين تفردوا في هذه الطريقة و توحدوا في هذه الحقيقة فاستلانوا منها ما استوعره المترفون و استأنسوا بما استوحش منه المكذبون فمشوا في هذه الطريقة بنور

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 184 *»

مشكوة الهدي و دلالة ادلاء الوري و اقدام الولاية و زاد التقي و صعدوا ذري هذه الحقيقة متعلقا بالعروة الوثقي و طاروا في معارجها بجناحي الخوف و الرجا فوصلوا الي الغاية القصوي من الافق الاعلي فاوحي اليهم ربهم ما اوحي ماكذب الفؤاد ما رأي و ما زاغ البصر و ما طغي فرأي من آيات ربهم الكبري عند سدرة المنتهي فما نطقوا عن الهوي ان هو الا وحي يوحي و النجم اذا هوي فربك اعلم بمن ضل عن سبيله و اعلم بمن اهتدي يجزي الذين اساؤا بما عملوا و يجزي الذين احسنوا بالحسني قال تعالي الذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا، و ان اللّه لمع المحسنين. و اما من قبلهم فكانوا بين خابط عشواء مدلج في الظلماء يلتمس بيده الطريق اعمي فيقع تارة و يقوم اخري فهو في صيب من السماء فيه ظلمات  و رعد و برق كلما اضاء لهم مشوا فيه و اذا اظلم عليه قام و بين ضال تامة لايزيد بسرعة سيره عن الحق الا بعداً او غريق في لجة لايزيده كثرة الاضطراب الا تعباً فهو في ظلمات في بحر لجي يغشاه موج من فوقه موج من فوقه سحاب ظلمات بعضها فوق بعض اذا اخرج يده لم‏يكد يراها و من لم‏يجعل اللّه له نوراً فما له من نور و بين جاهل صامت لايستطيع حيلة و لايهتدي سبيلاً ما عض علي العلم بضرس قاطع و لااستنار باشراق نور ساطع فهو من المستضعفين من الرجال و النساء و الولدان لايستطيعون حيلة و لايهتدون سبيلا و بين غافل معرض يعيش جاهلاً و يموت مقصراً فكان له معيشةً ضنكا و يحشر يوم القيمة اعمي قال رب لم حشرتني اعمي و قد كنت بصيرا قال كذلك أتتك آياتي فنسيتها و كذلك اليوم تنسي و بين معاند مكابر حيث جحد بالحق و استيقنته نفسه ظلماً و عتواً فاستكبر في نفسه و ضل و اضل ضلالاً بعيداً حتي اذا القي اليه الحق استكبر و اذا جحد حقا افتخر فلاجرم ان له النار دار البوار جهنم يصليها صاغرا و بئس القرار حتي اذا بدا للّه ظهورهم انار اللّه برهانهم و اراد اتمام نورهم امرهم باظهار

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 185 *»

ما اودع فيهم من اسرار محمد و آل‏محمد9 و ابراز ما كتم في ضمايرهم من علوم الغيبية فاضطلعوا قائمين بالابلاغ و سددهم بروحه فابلغوا ما انزل اليهم من ربهم و ما علي الرسول الا البلاغ فتمت كلمة ربك صدقاً و عدلاً لامبدل لكلماته فكانوا بذلك اهلا لهذا العلم الشريف و معدناً لذلك السر اللطيف بحيث يصدر عنهم ما ظهر و يرد عليهم ما صدر لانوع من العلم الا و هم له مستقر و لاضرب من الفنون الا و هم المأوي و المقر لانهم هم الذين قالوا ربنا اللّه ثم استقاموا فتنزلت عليهم الملائكة بكل امر مستطر و هم القري الظاهرة للسير الي القري الباطنة آمناً من كل خطر و هم المتخلقون باخلاق اللّه الواقفة قلوبهم علي فوارة النور و القدر و البالغون اشدهم مستوون الموتون علم الكتاب و الاثر و الذاكرون المذكرون للبينات و الزبر فاني لي قدرة في تعداد اوصافهم فارجوها و ان تعدوا نعمة اللّه لاتحصوها بل تعجز ابناء الجنس عن معرفتهم و لو اضيف الي عددهم عدداً لو كان البحر مداداً لكلمات ربي لنفد البحر قبل ان‏تنفد كلمات ربي و لو جئنا بمثله مدداً الحاصل فلذلك اضاف الي انفسهم هذا العلم و هم استاده و سناده و ملاذه و عماده و دليله و رشاده نور الدنيا و الدين و زين الايمان و اليقين عضد الاسلام و المسلمين مزيل تحريف الغالين و انتحال المبطلين مربي ايتام المؤمنين في التشريع و التكوين قطب الملة و الدين الكهف الحصين و البلد الامين و ملجأ الخلق اجمعين الشيخ الاوحد و الامام الامجد الشيخ احمد بن زين الدين الاحسائي اعلي اللّه مقامه و رفع في الخلد اعلامه و نفسه الشريفة ذات الهمم العلية و السجية السنية اطال اللّه بقاه و ادام ظله علي رأس من والاه فهم كهف العلوم و معدن الرسوم و جلاء الموهوم انار اللّه برهانهم و اتم نورهم و لو كره المشركون و حري ان اقول في هذا المقام و افتخر عند هذه المنن العظام فاقول اولئك آبائي فجئني بمثلهم اذا جمعتنا يا جرير المجامع فانهم هم الحملة لهذا العلم الغزير و الجم الغفير و الفهم الكثير دون غيرهم فانه

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 186 *»

منهم نشأ و منهم بدء و اليهم يشد الرحال و يلجأ الرجال فما من المسائل الا و هم له المرد و ما من العلوم الا و اليهم يرد.

قوله مد اللّه ظله السامي: علم يبحث فيه عن المعارف الالهية،

اقول: للعلم اطلاقان مرة يطلق و يراد به مطلق ظهور الشي‏ء عند العالم و هذا الاطلاق يعم المعرفة و اليقين و العلم الاصطلاحي لان كلاً من متعلقاتها حاضرة و ظاهرة عند المطلع عليها كالحقايق و الذوات فانها حاضرة لدي العارف بها الواصل اليها فهي علم له في تلك الرتبة ولكنه يقابله الانكار كالمعرفة و كالمعاني الكلية فانها حاضرة لدي المتيقن بها الذاري مقامها فهي علم له في تلك الرتبة ولكن يقابله الشك كاليقين و كالصور الجزئية النفسانية فانها حاضرة لدي العالم بها القائم في مقامها فهي علم له في تلك الرتبة و يقابله الجهل و كذلك كل من المعرفة و اليقين يطلق علي اخويه عند التفريق و مرة يطلق العلم و يراد به حضور الصور الجزئية النفسانية المتكثرة خاصة فيقابله الجهل و منه في قوله تعالي هل علمتم ما فعلتم بيوسف و اخيه اذ انتم جاهلون و ذلك عند الجمع فيتخصص المعرفة بظهور الحقايق الكلية و الذوات الالهية فهي المعروف و هي المعرفة و هي العارف فلايقابلها الا الانكار و منه قوله تعالي يعرفون نعمة اللّه ثم ينكرونها و يتخصص اليقين بحضور المعاني الكلية العقلانية فهي المتيقن و هي اليقين و هي المتيقن بكسر القاف للذات يعني ان الذات توقن تلك المعاني بها لابغيرها و ان كان بواسطة آلة معنوية عقلية ولكنها لادخل لها في المدركية بالكسر و المدركية بالفتح فانها كالعين للنفس فالذات تدرك المعاني الكلية بها فهي المدرك و المدرك و الادراك و ذلك ان المدرك في كل مقام لايصدق علي الذات الا عند تحقق الادراك و بعد تحقق الادراك لاتنصبغ الذات بالادراك صبغاً ذاتياً فتنفي الذات بانتفائه بل الادراك كما ذكرنا هو حضور المدرك و هو عينه من جهة المدرك فلاتتحقق المدركية الا عند الادراك و ليس في رتبة المدرك الذي

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 187 *»

هو عين حضوره الذي هو عين الادراك غير نفس المدرك فهو المدرِك و المدرَك و الدراك([1]) للذات فلايقابل هذا اليقين الا الشك و منه قوله تعالي ليستيقن الذين اوتوا الكتاب و يزداد الذين آمنوا ايماناً و لايرتاب الذين اوتوا الكتاب.

و اما العلم فهو حضور الصور الجزئية المتكثرة النفسانية و هو عينها مادامت عندك حاضرة فاذا غابت عنك بالتفاتك عنها او بانتفائها عن حضورك فشبحها المكتوب في غيب مكانها و وقتها بحدودها و كيفيتها فانه هو الحاضر عندك بعد غيبوبة العين دون غيرها فهو علمك و معلومك ح و اما العالم فهو ايضاً نفس ذلك من حيث ظاهريته لك بالعلمية لك فانت عالم بنفسك بك و عالم بذلك العلم به فانه هو ظاهرك في رتبته و انت به علمته لابغيره و لو علمته بغيره لكان علمك مخالفاً معه في وجه فانت لما كان علمك مطابقاً للواقع في المكان و الزمان و الكم و الكيف و الجهة و الرتبة فلو كان علمك هو هو فنعم التطابق و الا لو كان علمك في مكان غير ذلك المكان او في زمان غير زمانه و كم غير كمه و كيف و جهة و رتبة غير ما له منها لكان كذبا غير مطابق للواقع فكانك عرفت زيداً الذي في المسجد في السوق او الذي كان امس غدا و غير ذلك و ذلك مخالف للواقع و لما لم‏يكن اوفق للشي‏ء من نفسه و كنت تعلمه كما هو هو في الواقع الخارج لزم ان‏يكون العلم عين المعلوم و قد ذكرنا قبل دليل ذلك ايضاً بالحكمة فراجع.

و دليل آخر لو كان العالم هو الذات لكان نفي العالمية نفي الذات فلما رأينا ان العالمية قد تنفي من الذات علمنا ان العالم غير الذات و ليس غيره الا آثاره و هي علمه و معلومه في كل رتبة بحسبها اما في فعله فهو علمه و معلومه و هو عالم به بنفسه اي بنفس ذلك العلم و اما في آثاره فهي علمه و معلومه و هو عالم بها بفعله بها فعالميته بالفعل غير عالميته بالاثار و ان كان الاثار مذكورة في الفعل فانه عالم هناك بذكر الاشياء دون اعيانها و انما يعلم الاعيان في مواقعها فاتحد كل مدرِك و مدرَك و ادراك في كل مقام و ان كان كل واحد من جهة و حيث الا انك ليس لك ان‏تنسب المدركية الي الشي‏ء فانها ح ترجع الي فعل ذلك الشي‏ء و انما المدرك هو الذات و هذا مدركيتها فليس شي‏ء بمدرك بوجه من الوجوه بلي هو

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 188 *»

هو و ذاته ليست بمفقودة عنه هو نفسه و نفسه هو فلايحتاج الي ان‏يدرك نفسه فالذات هي مدركة للشي‏ء و الشي‏ء مدركيتها فاذا تمهد هذا نقول ان المصنف اطال اللّه بقاه عدل عن طريق المشهور ليشير الي اتحاد المبحوث عنه مع العلم بخلاف الحدود المشهورة فانها لاتؤدي ذلك و كذلك قال علم يبحث فيه عن المعارف و ما قال هو المعارف ابانة منه علي ان الالفاظ موضوعة علي معانيها من حيث معلوميتها عند مستعملها لا عليها في نفس الامر و ان لم‏يكن معلوماً حيث اختلفوا ان الحكمة مثلاً هو عين احوال اعيان الموجودات ام العلم بها فذهب المشهور الي انها هي العلم باحوال الاعيان لا نفس الاحوال في واقع الامر و كذلك كل لفظ من الالفاظ لغوياً كان ام عرفياً و بعضهم قالوا انها كذلك في الالفاظ الاصطلاحية العرفية لا اللغوية و هذا خطأ منهم و سفه في رأيهم لان اللفظ هو صفة المعني كما قال الامام7 اذ سئل عن الاسم فقال صفة لموصوف و انما يحتاج الي الصفة في مقام الفرق و التمايز و التعارف و المعاني في انفسها لاتفقد انفسها و لاتحتاج الي تعريفها فلاتحتاج الي صفة هي نفسها و نفسها هي و اما الصفة و الصورة للتمايز و التفارق و هذا عند العلم و المعرفة بها مثلاً اذا كان رجل واحد في برية هو عالم بنفسه مدرك له لايحتاج الي اسم لنفسه و اذا كان في بلد و احتاج الناس الي معرفته احتاجوا الي آلة التعريف له و هي وصف له و مع‏ذلك هو بنفسه في نفسه لايحتاج الي معرف و وصف فالعالم يحتاج الي وصف المعلوم عند العلم به فيوضع الاسم به من حيث معلوميته له عند احتياجه الي العلم به و هو في نفسه مع‏ذلك لايحتاج الي وصف في نفسه بل بالنسبة الي معلوميته للعالم به فاذا لايوضع اللفظ الا للمعني المعلوم لايقال انها تجب ان‏تكون معلومة عند الواضع و هي معلومة عنده ولكن كيف في المستعمل فانا نقول ان الواضع لم‏يضع اللفظ للمعني من حيث معلوميته له خاصة بل لعامة المستعملين فكل من لم‏يعرف معني لااسم له عنده فاذا اراد ان‏يعرفه احتاج الي اسمه فعرفه به و ميزه به عن غيره.

و قوله: يبحث فيه عن المعارف، البحث التفحص عن الشي‏ء و التفتيش

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 189 *»

و يقال بحث فيه اي طلب و لما كان علمهم معدناً للمعارف الالهية و الحقايق اللاهوتية صار يبحث فيه عن هذه المسائل و قوله عن المعارف الالهية المعارف جمع المعرفة و هي متعلق الفؤاد كما ان اليقين متعلق القلب و العلم متعلق الصدر و قد اشار الصادق7 الي هذه المقامات في حديثه فاذا تحقق العلم في الصدر خاف و اذا صح الخوف هرب و اذا هرب نجا و اذا اشرق نور اليقين في القلب شاهد الفضل الي قوله و اذا تجلي ضياء المعرفة في الفؤاد هاج ريح المحبة الحديث و هي ادراك الشي‏ء حقيقة معراة عن كل الاعراض و الاشارات حتي الادراك فانه حجاب كما ورد ان المحبة حجاب بين المحب و المحبوب و قد اشار الي هذا المقام اميرالمؤمنين7 في حديث كميل اذ سئله عن الحقيقة فقال كشف سبحات الجلال من غير اشارة و قال محو الموهوم و صحو المعلوم و قال هتك الستر بغلبة السر و قال جذب الاحدية لصفة التوحيد و قال نور اشرق من صبح الازل فيلوح علي هياكل التوحيد آثاره و قال اطفي‏ء السراج فقد طلع الصبح. و ذلك لان المعرفة هي العلم بحقيقة الشي‏ء من حيث هو هو بحيث لايلاحظ حين التوجه اليه شي‏ء من الحدود و العوارض و ماسوي حقيقة ذاته بوجه من الوجوه و ذلك لايكون و لايتحقق الا بمدرك يشابه ذلك لان الادوات تحد انفسها و تشير الالات الي نظائرها فكما انك تدرك الجسماني بالمدارك الجسمانية و النفساني بالمدارك النفسانية و العقلاني بالمدارك العقلانية كذلك يجب ان‏تدرك الذوات بالنظر الذاتي و هي المعراة عن الحدود و الاعراض و الاشارات لان كل ذلك غيره و دون رتبته و لايلاحظ معه فكل شي‏ء تجده علي الحقيقة من الذوات و الافعال و الصفات و الاعراض و الحدود انما عرفته بحقيقة ما يماثله في الرتبة كمعرفة ذاتك للذوات يعني اذا نسبت ادراك الصور الي نفسك تسميه معرفة النفس ولكن اذا نسبت ادراكها الي ذاتك بنفسك سميته العلم فافهم المثل فكل مرتبة من مراتبك تعرف ما يقارنه في

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 190 *»

الرتبة بحقيقته الا انك اذا اضفته الي فوقه يكون عرضاً و صفة فاذا عرفت الحقيقة بصورتها تسمي علما او بمعناها تسمي يقينا او بحقيقتها تسمي معرفة و ذلك العلم و اليقين معرفة للنفس و العقل فاذا اطلقت المعرفة تشمل هذه المراتب فاذا اخذ متعلق المعرفة علي اصطلاح القوم فتشمل جميع العنوانات و الصفات و الافعال و الذوات و المجردات عن المواد و الصور الجسمانية و المبادي و العلل يكون المقصود من المعارف الالهية العلم بجميع ذلك كما يعدون القوم جميع ذلك من العلم الالهي كما رأيت في تقسيمهم في الحكمة العلمية انها اذا ابحث عن اشياء لامادة جسمية لوجودها فانها تسمي بالعلم الالهي و ذلك تشمل جميع ما قلنا و اذا اخذ متعلق المعرفة ما ذكرناه من الحقايق و الذوات مكشوفة السبحات معراة عن الاشارات يكون المقصود من العلم الالهي و المعارف الالهية معرفة وصف اللّه سبحانه الحالي الذي وصف اللّه نفسه للخلق به حتي يعرفوه به و ذلك ينبغي ان‏يكون علي طبق موصوفه لانه لو وصف نفسه بغير ما هو عليه عرفته بما وصف نفسه به و هو اغراء بالباطل و تعالي اللّه عن ذلك لانه ليس بعد الحق الا الضلال و بعد التوحيد الا الشرك فمعرفة هذا الوصف هي المعرفة الحقيقية الالهية لا ما ذكروا و ان كان ذلك ايضاً يبحث فيه عن جميع ما ذكروا لكن لا من حيث ما ذكروا فانها هي جهات الانيات و الظلمة و لاذكر للّه فيها حتي تنسب الي اللّه ولكن اذا لوحظت من حيث انها وصف اللّه بالمدرك الذي يقارنها في الرتبة و يكون نظيرها فهي المعرفة الالهية له و التي ذكر اسم اللّه عليها و ليس اكلها بفسق بخلاف ما ذكروا و قلنا بالذي يقارنها و يكون نظيرها فهي المعرفة الالهية له لانه اذا لاحظت الذات مثلاً الحدود و الصور و الاثار و ان كان بما يماثلها ليس وصفاً للّه لها اي للذات بل لتلك الحدود فتوصيف الذات للصور ليس من معرفة اللّه لها بل للآلة التي تقارنها في حده و رتبته فعلي هذا الاعتبار نذكر جميع ما يذكرون بل نبحث عن جميع ماسوي ذات اللّه سبحانه و كينونته من حيث الوصفية و الآئية للّه سبحانه فانها من هذه الجهة نور و خير و من تلك الجهة ظلمة و شر و نحن قوم مؤمنون و اللّه اخرجنا من الظلمات الي النور و اما هم فمن لم‏يجعل اللّه له نوراً فما

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 191 *»

له من نور فهذه هي الحكمة التي من يؤتها فقد اوتي خيراً كثيراً و ما يذكر الا اولوا الالباب و هذه هي التي سألها رسول اللّه ربه فقال اللّهم ارني الاشياء كما هي و ما هي عليه هو وصفيتها للّه سبحانه و آئيتها و من غير هذه الجهة هي ظلمات بعضها فوق بعض لاتذوت لها و لاتحقق حتي يعتني بها العالم و الحكيم.

و اما وجه اتيانه بلفظ الجمع مع ان المعرفة لاتتحقق في اي مقام الا متوحدة متفردة بسيطة لانها لاتحصل الا بالفؤاد و نور اللّه و هو وحداني الجهات معري عن السبحات مبعد عن الاشارات فانه اسم خلق بالحروف غير مصوت و باللفظ غير منطق و بالشخص غير مجسد و بالتشبيه غير موصوف و باللون غير مصبوغ منفي عنه الاقطار مبعد عنه الحدود محجوب عن حس كل متوهم مستتر غير مستور فاذا كان محلها كذلك لاتدرك الا واحداً و لايلتفت و لايتوجه الا الي شي‏ء واحد فكيف وجه الجمع.

اقول: نعم و ان كان كل احد في المقام الذي هو فيه و بمشعره الذي يعرف به الاشياء لايعرف الاّ شيئاً واحداً ولكنه انار اللّه برهانه اراد ان‏يبين بهذا ان مراتب الاشياء كثيرة مختلفة و لكل شي‏ء في مقامه و رتبته جهة الي ربه بها يعرف ربه و يصفه و علمهم هذا ينبئ عن جميع تلك المراتب و المقامات و يبين وجه التعريف و المعرفة في كل مقام كما ذكرنا قبل ذلك و اشرنا اليه من ان الانسان ذو مراتب عديدة و مقامات مختلفة له في كل مقام و رتبة حد معلوم و مدرك و مشعر معلوم معين به يدرك ما يجانسه و يماثله في ذلك المقام كل واحد من تلك المشاعر و المقامات لايتجاوز حده و رتبته و مقامه و لكل وجه الي ربه وصف اللّه نفسه له به في ذلك المقام به يعرف ربه و هو وجه معرفته لربه فبذلك تعدد مراتب المعرفة و كذلك لكل شي‏ء يكون مراتب و اطوار و اوطار و اكوار و لكل حد لايتجاوزه و وجه الي ربه به يعرفه هذا من الدرة الي الذرة فهذا وجه الجمع بين المقامين فلكل مقام لايمكن المعرفة الالهية الا متوحدة متفردة ولكن هو انار اللّه برهانه لما كان محيطاً بجميع الاكوار و الادوار من مرتبة الانسانية و قارياً حروف نفسه الشريفة

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 192 *»

و شاهداً لخلق نفسه و اطواره و اوطاره اراد ان‏يعرف هذا المعني و يكشف عن هذا المعني.

و اما وجه نسبة هذه المعارف الي اللّه سبحانه فمما قد ظهر برهانه و استبان سره ان كل الاشياء وصف للّه سبحانه و اسم له في مقامه و حده فليس الا هو سبحانه و صفاته و اسماؤه فلاتذوت لشي‏ء من الاشياء و لاتحقق لها و لاذكر الا بهذه الحيثية و هذا الوجه و اما الانيات و الماهيات فانما هي اعدام و اعتبارات و همية يحسبه الظمآن ماء اي وجوداً متأصلاً حياً حتي اذا جاءه لم‏يجده شيئاً من حيث نفسه و وجد اللّه عنده لانه هو اسم اللّه و وصفه و صفته و تعريفه و مثله بفتح الميم و الثاء فوفيه حسابه و اللّه سريع الحساب فلاذكر لشي‏ء من الاشياء مع ذكره و لاظهور لشي‏ء مع ظهوره قال الحسين7 أيكون لغيرك من الظهور ما ليس لك حتي يكون هو المظهر لك و قال و من كانت حقايقه دعاوي فكيف لاتكون دعاويه دعاوي و قال ابنه علي بن الحسين8ما انا و ما خطري. الحاصل فكل الاشياء بحقايقها و ذواتها انما هي اسماء للّه سبحانه و صفات له منسوبة اليه ليس لغير اللّه ذكر في الكون و ما فيه فلاصوت الا صوته و لاذكر الا ذكره و لاامر الا امره و لاحكم الاّ حكمه قال علي بن محمد8ذكركم في الذاكرين و اسماؤكم في الاسماء و اجسادكم في الاجساد و ارواحكم في الارواح و انفسكم في النفوس و آثاركم في الاثار فافهم و تبصر أولم‏يكف بربك انه علي كل شي‏ء شهيد. الحاصل فكل الاشياء له و به و منه و اليه لاتري في خلق الرحمن من تفاوت فارجع البصر هل تري من فطور ثم ارجع البصر كرتين ينقلب اليك البصر خاسئاً و هو حسير.

و قوله مد ظله العالي: و الحقايق اللاهوتية،

اقول: الحقايق جمع الحقيقة و هي في اللغة ما حق و ثبت و حقيقة الشي‏ء

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 193 *»

ما به ثباته و واقعيته في الخارج و في الاصطلاح ما فسره الامام7 في حديث كميل و هو ما سأله كميل و كان رديفاً له علي ناقته و قال ما الحقيقة قال7 مالك و الحقيقة فقال ألست صاحب سرك قال بلي ولكن يرشح عليك ما يطفح مني فقال كميل أومثلك يخيب سائلاً قال اميرالمؤمنين7 كشف سبحات الجلال من غير اشارة فقال زدني بيانا قال7 محو الموهوم و صحو المعلوم فقال زدني بيانا قال7 هتك الستر و غلبة السر فقال زدني بيانا قال7 جذب الاحدية لصفة التوحيد فقال زدني بيانا قال7 نور اشرق من صبح الازل فيلوح علي هياكل التوحيد آثاره قال زدني بيانا قال7 اطفي‏ء السراج فقد طلع الصبح هـ

اقول: المراد بالكشف في قوله7 الازالة من موضع نظر البصيرة و هو معني المحو و الهتك و المراد ان القلب في كل مقام يلاحظ الشي‏ء محدوداً بحدود ذلك المقام فهو محجوب عن حقيقة الشي‏ء بتلك الحجب فلايصل اليها الا بازالة الحجب و السبحة النور و الجلال هو حجب الصفات القهارة علي مادونها و هي سبعون الف حجاباً لو كشفت لاحرقت سبحات وجه اللّه ما انتهي اليه بصره من خلقه و سبحات الجلال هي آثاره و انواره من الحدود و القيود و المشخصات و المظاهر و الصفات فانها هي انوار ظاهرة مظهرة لوجه اللّه جل جلاله من غير اشارة عقلية كانت او روحية او نفسية فانها تشعر بجهة الاثنينية و الحيثية و هي من السبحات فاذا كشفت هذه السبحات تبقي حقيقة وجه اللّه سبحانه المخلوق الذي وصف اللّه نفسه به للخلق فيعرفه بما وصف به نفسه و هو الجلال الذي احتجب اللّه سبحانه عنك به فلايمكن رفع هذا الحجاب و كشفه ابداً فلايمكن وصولك الي ذاته تعالي ابداً بل بما تجلي لك به قال سيد المرسلين7 لاتحيط به الاوهام بل تجلي لها بها و بها امتنع منها و اليها حاكمها و المحو هو الكشف الا ان المحو ابين لنفي الشي‏ء و الموهوم هو السبحات الموهومة الاستقلال و التذوت و هي الذوات و الصفات و الاعراض و

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 194 *»

الحدود و القيود و المشخصات و غيرها فانها كلها موهومة لااستقلال لشي‏ء منها و الصحو هو الظهور و المعلوم هو الجلال فانه هو الثابت المحقق باللّه سبحانه ليس كالموهومات الغير القارة الثابتة و ان كان في رتبتها ثابتة قارة ولكنها لها ليس لمن فوقها و الهتك هو المحو و ابين لكون السبحات حجباً و مانعاً من المحو و الكشف فان الكشف هو الاطلاع عما وراء الحجاب دون رفعه و المحو رفع و لايظهر منه الحجابية و الهتك يشمل الطرفين و الستر هو السبحات و الموهوم و كذا هو اظهر للمطلوب منهما لشموله الحجابية و عدم الاصالة الذاتية لغلبة السر و هو ظهور الجلال و المحرق لما انتهي بصره من الخلق و الاحدية هي الجلال و المعلوم و السر فانه صفة الاحد و ظهوره و صفة التوحيد هي سبحات و الموهوم و الستر فانها صفات الاحدية و التوحيد منها بدئت في الدفع و اليها تعود في الجذب يعني كما دفعه التوحيد من غيب الامكان الي شهادة الاعيان يجذبها من شهاد الوجدان الي غيب الفقدان فصفة التوحيد هي السبحات و الموهوم و الستر و له زيادة افادة من جهة افادته لكيفية الكشف و المحو و الهتك و معرفة الكاشف و الماحي و الهاتك و نسبة المزال مع المزيل بخلاف ما سبق من الاوصاف و النور هو الجلال و المعلوم و السر و الاحدية و الصبح هو المشية و الشمس آية الازل و هياكل التوحيد هي مظاهر صفة ذلك النور التي هي تجريده و توحيده عن الكثرات فالتوحيد صفة النور و مظهره و هو بالوحدة و الهياكل صفات التوحيد و مظاهر له فيظهر ذلك التوحيد بتلك الهياكل و هي الصورة الانسانية و الاثار هي صفات الهياكل و افعالها فبين7 في هذا البيان ان التوحيد و الهيكل و الاثار كلها صفات و سبحات و ستر و موهوم يجب كشفه و ما فيه من زيادة البيان مزيداً علي ما سبق معرفة المبدء و ابداعه و معرفة الحقيقة و معرفة حقايق سبحات و كيفية ايجادها بما لامزيد عليه و السراج هو المشاعر الظاهرة و الباطنة و جميع المدارك ممادون حقيقة النور الساطع من الصبح و الصبح هو المشية و طلوعه هو ظهوره بذلك النور و المراد انك تحتاج بالسرج مادمت في ظلمات الكثرات ولكن اذا طلع الصبح و فاضت الانوار و ذهبت الاكدار فلاتحتاج الي السراج لوضوح الامر

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 195 *»

و عدم الالتباس و زيادة البيان في هذا ان الكشف و المحو المأمور به لايكون الا باضمحلال السبحات عند سطوع ضياء الجلال كما يضمحل السراج الي الشمس لا انه يفني و يعدم رأساً بل المعني انك اذا امتلأت عينك من نور الصبح لاتري السراج بكمال ضوئه بل تراه مضمحلاً بحيث لافائدة لوجوده الحاصل فهذه صفة الحقايق بحيث لامزيد ولنعد الي ما كنا فيه و هو ان هذا العلم الشريف و الفن اللطيف علم يبحث فيه عن هذه الحقايق فهذه الحقايق هي علمهم و معلومهم فيتفحص في علمهم عن هذه فانه معدنها و محلها و محتدها و سر الجمع فيه ما بينا لك سابقاً ان المصنف انار اللّه برهانه هو المحيط بجميع المراتب الوجودية ممادون رتبته التي هي رتبة المؤمنين من الدرة الي الذرة و مطلع عليها و ناظر اليها و لها في كل مقام حقيقة بها تعرف ربها و وصف اللّه نفسه لها بها و علمهم هذا ايضاً سار في جميع تلك الذرات و جار علي جميعها فبهذا الاعتبار يبحث في علمهم عن جميع تلك الحقايق كل في مكانه و حده و زمانه و في الحقيقة جميع تلك الالواح هي اوراق كتابه و صور علمه ناظر الي كل واحد واحد بعينه و مطلع عليه به يراه في حده و مكانه و رتبته فتلك الحروف هي علمه و معلومه و تلك الحقايق هي موضوع علمه و انما ما رسمه من الكتاب التدويني في صورة رسم لتلك العلوم و صفة بيان لتلك الرسوم كذلك يبينها لقوم يعلمون و اما علمهم بربهم فليس الا حقيقة واحدة بسيطة ليس كمثلها شي‏ء علي طبق ما قررنا لك في المعارف فافهم.

و اما اللاهوتية، فاعلم ان اللاهوت مشتق من لا هو و التاء للغلبة كالملكوت و الجبروت و الناسوت و هو مقام لاهوية له و لاماهية و لامائية و لاتعين و لاتشخص بلااشارة و هو صفة الحقايق و هي كما قد عرفت لاتعين لها و لااشارة اليها بوجه من الوجوه و هذا المقام هو الذات الظاهرة و الكينونة المتجلية و اللاهوية المطلقة و هو اعلي المقامات فيما يطلق عليها لفظ و ان كان فوقه ايضاً مقامات اخر ولكنها لااسم لها و لارسم فاما ما يعبر عنه باللفظ فاعلي مقاماتها الذات و هي فوق الهوية و الالوهية و مادونها من المقامات فليس فوقه الا المجهول المطلق و اللاتعين البحت و لهذه الذات ايضاً مراتب ثلث و هي كونها مظهراً و ظهوراً و ظاهراً و

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 196 *»

لظاهريتها مقامات الظاهر من حيث انه ظاهر و الظاهر لا من حيث و لكل ظاهر باطن و له مقامان الباطن من حيث انه باطن و الباطن لا من حيث و لكل مقام ظهور لنفسه و هو ظاهر لفرقه و يجري في كل واحد مقامات بلانهاية فهيهنا مقام التحير و طلب المزيد و الادلاج بين يدي المدلج و رفع العلم و وضع الحلم و للمسافر في كل مقام نظر واحد و لايدرك الا حقيقة واحدة ولكنه يسير في تلك المدارج و يصعد في تلك المعارج رفيع الدرجات ذوالعرش يلقي الروح من امره علي من يشاء من عباده و سيجيئك زيادة بيان لكل هذه المقامات في مبحثه و مقامه فترقب.

و قوله انار اللّه برهانه: و الامثلة الملقات في هويات الاشياء علي ما هو عليه في نفس الامر،

اقول: هذه الفقرة اقتباس من قوله7 و القي في هويتها مثاله الحديث، و الامثلة جمع مثال قال صاحب القاموس المثال المقدار و القصاص و صفة الشي‏ء جمع امثلة و مثل و الملقاة تأنيث الملقي و هو المطروح المرمي و المراد بالامثلة الملقاة علي اصطلاحه مد اللّه ظله هو ما اجاب عنه سيدنا و مولانا اميرالمؤمنين7 اذ سئل عن العالم العلوي صور عارية عن المواد خالية عن القوة و الاستعداد تجلي لها فاشرقت و طالعها فتلألأت و القي في هويتها مثاله و اظهر عنها افعاله و خلق الانسان ذانفس ناطقة ان زكيها بالعلم و العمل فقد شابهت اوائل جواهر عللها فاذا اعتدل مزاجها و فارقت الاضداد فقد شارك بها السبع الشداد فتلك الصور هي الامثلة الملقاة و هي تلك المعارف الالهية و الحقايق اللاهوتية التي اشرنا الي شي‏ء منها و هي الشبح المنفصل من الشبح المتصل بالفعل و هي تأكيده و اثره و آيته و دلالته و الماء الذي حييت به ارض الجرز ارض القوابل و هو المصدر من حيث الاعلي و ذلك لان الفعل اذا تجلي للمفعول به تشرق منه سبحة و نور هو ظهوره في تلك الرتبة و كينونته فيها و هو علي ما تجلي بلازيادة و لانقصان و ما تجلي الا علي ما هو عليه بلازيادة و لانقصان فكان هذا الاثر هو

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 197 *»

ذلك المؤثر في هذا المقام و هذا النور هو ذلك المنير في هذه الرتبة فكان تأكيده بهذا الاعتبار و تابعاً له في جميع اطواره و شئوناته و احواله و قبوله لكونه تجليه هو اشراقه فبتجليه للمفعول حصل الكون و باشراقه بالفعل حصل العين و هذا في الخلق الاول خلق النوعي و خلق المادي و طالعها اي لما تحققت المادة فنظر اليها بها و نظرت اليه بعينه فتحقق بهذا التوجه العين فاراد باطلاعه عليها و ظهوره لها بها تعينها و تذوتها و تثبتها فتلألأت اي لمعت و اضاءت فقبلت بهذه الاضاءة و اللمعان التعين لان اللّه سبحانه طالعها بوجهه العزيز عنده الذي هو تجليه له و هو ضياء و نور فتلألأ و لمع و اضاء كما شاء و كان كما اراد و ظهر كما اظهر و بدا كما ابدا فلما تم الكون و ظهرت العين القي في هويتها التي هي ماهيتها مثاله الذي هو حدود القدرية الهندسية الايجادية التي هي علي طبق شئون المبدء و اطواره فهي تفصيل ما اجمل في المبدء و ظهور ما ابطن فيه فما خفي في المبدء اصيب في هذا الاثر الذي هو عبودية تلك الربوبية التي هي المبدء و مافقد في العبودية من الاجمال و البساطة وجد في الربوبية و بذلك قال7 الصورة الانسانية هي اكبر حجة اللّه علي خلقه و هي الكتاب الذي كتبه بيده و هي الهيكل الذي بناه بحكمته و هي مجموع صور العالمين و هي المختصر من اللوح المحفوظ و هي شاهد علي كل غايب و هي الحجة علي كل جاحد و هي الطريق المستقيم الي كل خير و هي الصراط الممدود بين الجنة و النار فتختلف مراتب هذه الصورة بمراتب الشي‏ء و مقاماته و ماهياته فاعلي مراتب هذه الصورة هي نفس الشي‏ء و حقيقته من حيث الاثرية و الصدور من جهة الاعلي فان لحقيقة الشي‏ء من حيث الاثرية ثلثة مقامات الاول مقام التأكيد و المثالية و الوصفية التي وصف اللّه نفسه بها حتي تعرفه بها و هي عينه سبحانه في رؤيته اياها و رؤيتها للّه فيراها اللّه بها و تري اللّه به كما

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 198 *»

قال الشاعر:

رأت قمر السماء فذكرتني   ليالي وصلها بالرقمتين
كلانا ناظر قمراً ولكن   رأيت بعينها و رأت بعيني

و هي هذه هي المعارف الالهية و الحقايق اللاهوتية.

و الثاني مقام الفاعل و هو ما حكي به الفعل عدم استقلال نفسه له الذي هو فاعلية الذات له و هو الظهور من حيث الظاهرية له فالظهور هو ظاهر اللّه للظهور و الظهور هو الصفة و التأكيد فالظاهر و ان كان ادل علي المبدء و الذات لكنه اسفل مقاماً من الوصف و الظهور لما في الظهور من الفناء و الاضمحلال و الفقر فانه ليس فيه ذكر لنفسه بوجه و انما هو ذكر اللّه سبحانه فهناك لامذكور الا اللّه و لايري الا اللّه فهناك اللاهوتية و اما الظاهر فهو للوجه المتعلق منه من حيث التعلق ففيه تعين و تذوت و تثبت بالنسبة الي الظهور.

و الثالث هو مقام المفعولية و المعلولية و هو و ان كان دالاً علي اللّه سبحانه ولكنه باللازم لما يري فيه من عدم الاستقلال بنفسه في وجوده و اضمحلاله و دثوره فهذا الاستدلال لاهل العلم و المجادلة بالتي هي احسن و الوجه الثاني هو لاهل الموعظة الحسنة و اهل اليقين فانه محل المعاني و الوجه الاعلي هو لاهل الحكمة و المعرفة فانه محل البيان فالمراد بقوله7 صور عارية عن المواد خالية عن القوة و الاستعداد هو ذلك الوجه الاعلي الذي هو صفة المبدء و صورته و مثاله و هي عارية عن المواد بهذه الحيثية فلامادة له غير نفسه و هو نفسه صورة للمبدء فلامادة له و كذا لاماهية له غيره لانه هو نفس ظهور غيره و ظهوره غيره و ليس موجوداً معه في رتبته فيكون عارياً عن القوة و الاستعداد و الي هذا اشار7 خلق اللّه آدم علي صورته بحسب ما هو عليه و اشار اليه في الحديث السابق الصورة الانسانية الحديث.

و المراد بالهوية هو الحقيقة الكلية الواحدة الخارجة الظاهرة بالاضداد الملتئمة و هي اشراق الحجاب الواحدية التي كانت كامنة تحت حجابها فظهرت

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 199 *»

حين التئمت الاضداد علي مجموعها المركب الذي لاتمايز في اجزائه فيه بوجه من الوجوه و لاذكر لها فيه و هذا اعلي مقاماتها و مقام اخر منها فيها ذكر للاجزاء صلوحاً يعني تصلح ان‏يكون له اجزاء فتسمي في هذا المقام بالمائية فانها مشتق من ما و هو سؤال عن الشي‏ء لا من حيث الاجزاء بل عن الشي‏ء الحاصلة عن الاشياء و مقام آخر منها تسمي بالماهية و هي المركب من حيث الاضداد و الاجزاء بحيث يكون ملحوظاً فيه جميع الشئون و الاطوار و الاجزاء بتفاصيلها فالحجاب الاول هو الحجاب الابيض ابيض من اشراق ركن الايمن الاعلي من العرش بواسطة ميكائيل و اعوانه التسعين في العوالم الثلثة و الثاني هو الحجاب الاصفر اصفرّ من اشراق ركن الايسر الاعلي من العرش بواسطة اسرافيل و اعوانه التسعين في العوالم الثلثة و الثالث هو الحجاب الاخضر اخضرّ من الايمن الاسفل من العرش بواسطة عزرائيل و اعوانه التسعين في العوالم الثلثة و هنا حجاب آخر و هو نفس الطبايع المضادة قبل الالتيام فهو الحجاب الاحمر الذي احمرّ من الركن الايسر الاسفل بواسطة جبرئيل و اعوانه التسعين في العوالم الثلثة فهذه اربعة مقامات في كل شي‏ء بحسبه و اعلي هذه المقامات هو هوية الشي‏ء و هي كما قلنا كانت تحت حجاب الواحدية الجسمانية او النفسانية او العقلانية في كل عالم بحسبه فلما التئمت الاجزاء و استعدت لظهور الوحدة و صفت و اعتدلت ظهر سر تلك الوحدة فيها فلما تحققت الوحدة ظهر عليها اشراق الاحد الذي هو مبدئه و هو ما قاله الامام7 تجلي لها بها و قال تجلي لها فاشرقت و هذا التجلي هو الصورة العارية عن المادة و الاستعدادات و هو المثال الملقي في الهويات و هو وصف اللّه الحالي الذي وصف اللّه نفسه به للخلق حتي يعرفوه به و هو الحقيقة اللاهوتية التي لاتدرك الا بعد كشف سبحاتها من الهويات و المائيات و الماهيات و الطبايع و هو المعلوم و الاحدية و السر و النور و هو المعارف الالهية التي عرف اللّه نفسه بها لخلقه ليعرفوه بها و هذه الهوية التي كانت تحت حجاب الواحدية هو تنزل هذا المثال و هذا المثال هو حجاب الاحدية التي امتنع عنها بها و هي المحبة التي هي حجاب بين المحب و المحبوب و هي الربوبية التي وجد فيها ما فقد في

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 200 *»

العبودية و هي الاحدية الجاذبة لصفات التوحيد و غير ذلك من الاسماء الواقعة عليها.

و اما قوله مد اللّه ظله: علي ما هو عليه في نفس الامر،

فاعلم ان الاشياء علي قسمين منها هو حقيقة العارف فمادونها من الصفات و الافعال و الآثار و آثار الآثار و هكذا الي ما لانهاية له و منها فوق حقيقة العارف و ما علاها فالاول فله حكمان حكم اولي واقعي و حكم ثانوي نفس الامري و ذلك لان للاشياء مقامان و لكل مقام حكم الاول الاولي الواقعي و هو ما تعلق به الجعل اولاً و بالذات بحسب استعداده و قابليته في نفسه من غير اقترانه لغيره من الاشياء الغير اللازمة لحقيقة ذاته من حيث هي فمن هذه الجهة له حكم و هو مكتوب في الورقة العليا من اللوح المحفوظ فلاتغير في شي‏ء منها و لاتبدل فان اللّه سبحانه لايغير ما بقوم حتي يغيروا ما بانفسهم و هم بانفسهم ما يغيرون ما بهم لان الشي‏ء لايتغير عما هو به هو و الا لكان غير ذلك الشي‏ء و هذا خلف فلايجوز ان‏يتغير شي‏ء مما كتب في ذلك اللوح ابداً و هذا الحكم لايعرف الا بعد كشف جميع السبحات و هتك جميع الموهومات و جذب جميع الصفات و قطع النظر عن جميع القرانات حتي ينظر الي حقيقة الشي‏ء من حيث هو هو من غير اشارة في كل رتبة بحسبها فاذا وصل الي هذا المقام نال ذلك المرام بفضل اللّه الملك العلام و الثاني و هو ما تعلق به الجعل ثانياً و بالعرض بحسب استعداده و قابليته في نفسه من اقتران الغير به و هو من باب الحكم الوضعي عند اهل الاصول فذلك مكتوب في الورقة السفلي من اللوح المحفوظ و هو الفطرة المغيرة و الطبيعة الثانية و اول حصول هذه الطبيعة حين صدر من آدم7 ما صدر و يمتد هذا الي زمان الرجعة علي اصحابها السلام فيرجع الزمان كهيئتها يوم خلق و تتقوي البنيات و تصفي الامزجة و تعتدل الطبايع فيظهر في كل واحد ما يقتضيه و يرتفع الموانع و يجري الحكم الاولي فيهم و اما الآن فلما كانت الدنيا في الادبار و

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 201 *»

عصوا اهلها و غلب عليها البرد و اليبس من الانجماد و الركون و التثاقل و البرودة و الرطوبة من ميلهم علي خلاف رضي اللّه و الي جانب الشهوات ضعفت بنيتهم و تكدرت امزجتهم فلم‏تقدر علي دفع ما ورد عليها و لما كانوا غافلين عن المبدء الذي هو كالاكسير في رفع امراضهم اشتغلوا بمعالجة تلك الموانع باضدادها من جهة انفسهم غير ناظرين الي المبدء فاصطفقت الاضداد و تركبت الانداد و حصلت الكثرات و وقعت القرانات و ظهرت المدافعات و بدت التراكيب و برزت الاعاجيب حدثت الطبايع المختلفة و الاحوال المتشتتة و الاوضاع المتبددة فاقتضي كل واحد شيئاً و استعد كل واحد لشي‏ء لان كل واحد بنفسه و هويته متوجه الي مبدئه سائل بلسان استعدادها ما هو له و يمده اللّه بما يسأله فيحصل فيه اهواء متشتتة و آراء مختلفة بحسب تلك المقترنات و الاجزاء المختلفة في الاستعدادات و يحصل الخلط و اللطخ و المزج ليهلك من هلك عن بينة و يحيي من حي عن بينة فلو خلص الحق لم‏يخف علي ذي‌حجي ولكن يؤخذ من هذا ضغث و من هذا ضغث فاما الذين في قلوبهم مرض فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة و ابتغاء تأويله و ما يعلم تأويله الا اللّه و الراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا و ما يذكر الا اولواالالباب و لو تزيلوا لعذبنا الذين كفروا و ليميز اللّه الخبيث من الطيب و يجعل الخبيث بعضه علي بعض فيركمه جميعاً فيجعله في جهنم فيحصل لك من بين تلك الكثرات هوية ثانية و مثال ثان و حقيقة ثانية و طبيعة ثانية و يجري له حكم بحسب ذلك الاقتضاء الثاني فهذه الهوية هي ما الشي‏ء عليه في نفس الامر و ذلك هو ما الشي‏ء عليه في الواقع فاذا عرفت هذين المقامين تعرف حقيقة ما تري من الاختلاف في الكشوف التي تحصل لهذه المرتاضين من اهل الحق و الباطل فيقول هذا قد انكشف لي حقيقة هذا الامر و رأيته رأي العين و يقول واحد آخر قد انكشف لي حقيقة هذا الامر و رأيته رأي العين بخلاف صاحبه الاول و ذلك لان مرايا الهويات الحاصلة من هذه الطبيعة الثانية و الماهية العارضة تختلف باختلاف مراتب

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 202 *»

الامكان الي ما لانهاية له فيري كل واحد المقصود بحسب مرآته من الاستقامة و الاعوجاج و الصفا و الكدورة و اختلاف الالوان و غيرها و يصدق كل واحد فيما رأي و ذلك ان كل من عزل نفسه عن هذه الكثرات و كشف حجاب هذه السبحات يصل في نفسه الي اعلي المقامات و هو علي ما هو عليه في هويته من الاستقامة و الاعوجاج فيحكم بمايري ولكن ليس كل هذا حقا و صدقا فان الواقع يري من كل ما هو بخلافه كما انك لو تجليت لمرايا مختلفة متشتتة و ظهر في كل واحدة شبح بحسب قابليتها و كلها بخلاف وجهك تتبرء منها جميعاً و تنسبها الي المرايا و اذا كان مرآة صافية مستقيمة عديمة اللون من نفسها تري وجهك و تنسبها الي نفسك و ترضي به مثالاً فليس كل ما يرون كاشفاً عن الواقع بل عن نفس الامر الثانوي فلاكل من حاز الجمال بيوسف فليسوا هؤلاء عن المبدء و الواقع بشي‏ء بخلاف الذين ارتاضوا بما قرر لهم الشارع الذي هو حدود صورة المبدء و الواقع فان هذه الشرايع المقررة هي حدود صورة الانسانية و هندستها التي هي حدود صورة المبدء و صفته و هندسته كما قال7 ان اللّه خلق آدم علي صورته و قال الصورة الانسانية هي اكبر حجة اللّه علي خلقه الي ان قال و هي الهيكل الذي بناه بحكمته الحديث. و ذلك هو هيكل التوحيد في حديث كميل فاذا ارتاض العبد بهذه الرياضة و تشرع بهذه الشريعة و اعتدلت منه الهوية و صفت من الطبيعة يظهر فيها سر الحقيقة الواقعية الاولية لما فيه من الاستعداد المعتدل الجاذب لما يشابهه من صفة المبدء فان صور جواذب الامداد و الحقايق بحسبها فالصورة السبعية تجذب نفسها و الصورة الانسانية تجذب نفسها مع انهم يأكلون من طعام واحد و شراب واحد فهذه الفرقة لما عدلوا مزاجهم و صفوا طبيعتهم و تصوروا بصورة الانسانية في باطن الهوية جذبت هذه الصورة ما يناسبها من الحقيقة الواقعة الاولية و اولئك لما كشفوا عن السبحات و فارقوا القرانات و تجنبوا عن كل ماسوي حقيقتهم و هويتهم و هي علي ما هي عليه من الاعوجاج و الكدورة جذبت بصرافتها ما يناسبها من النفوس من المبدء و ان لو استقاموا علي

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 203 *»

الطريقة لاسقيناهم ماءً غدقاً ولكن ابوا عن الاستقامة و مشوا مكباً علي الطريق فجذبوا بمزاج طبيعتهم و سألوا بلسان استعدادهم ما يناسبهم من النفوس الحيوانية و الارواح الشيطانية فاعطاهم اللّه ذلك و ما كان عطاء ربك محذوراً كلاً نمد هؤلاء و هؤلاء من عطاء ربك الاية. فمراده مد اللّه ظله و انار برهانه ما هو حقيقة الواقع الاولي في الاولي و الثانوي كما هو في الواقع الخارج علي ما خلقه اللّه عليه كما قال النبي9 اللّهم ارني الاشياء كما هي و لذا لاتري يختلف علمهم ابداً و لو كان من عند غير اللّه لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً. فما من عند اللّه ليس فيه اختلاف و علمه هذا مأخوذ ممن علم اللّه من لدنه علما فلااختلاف في علمه ابدا كما تري علوم الانبياء و الملئكة و اهل الجنة لاتختلف ابداً و ان اختلف مراتبها ولكن فيما يشاركونه لااختلاف فيه بوجه لان المرايا المتعددة اذا صفت و اعتدلت و ان كانت الي مالانهاية له اذا قابلت شيئاً واحداً تحكي كل واحدة بصفة ان كانت من جهات متعددة و اذا قابلتها واحدة واحدة بجهة واحدة لاتختلف حرفاً واحداً.

و انما النبي9 جاء ليتلو عليهم آياته و يزكيهم و يعلمهم الكتاب و الحكمة فاذا زكيهم بتلاوة الايات: و علمهم بعد التزكية الكتاب و الحكمة لايختلفون بعد ذلك و هم مأمورون ان‏يستقيموا كما امروا فما تري اذا في خلق الرحمن من تفاوت فارجع البصر هل تري من فطور ثم ارجع البصر كرتين ينقلب اليك البصر خاسئاً و هو حسير. فمراده هنا الاشياء علي ما هي عليه في كل رتبة بحسبها فيكشف علمهم هذا عن الامثلة الملقاة في هويات الاشياء علي ما هي عليه في الواقع الاولي و في نفس الامر الثاني جميعاً فانهم هم المزكون المستقيمون البالغون حقيقة الامر في العلن و السر فما خفي عليهم شي‏ء فما كذب الفؤاد ما رأي أفتمارونه علي ما يري فمن خصص الوصول الي نفس الامر الثاني فكمن قال و بئس ما قال انا جرنا الدليل الي ان اميرالمؤمنين هو خليفة الرسول بلافصل و

 

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 204 *»

ما ادراني هل هو في الواقع كذا ام لا و حاش للّه و رسوله و اوليائه و شيعتهم ان‏يكون علمهم كذلك بل هم علمهم مطابق الواقع و مفهوم موافق المصداق بحيث لاشك فيه و لاارتياب كما ظهر لك من الآيات الآفاقية و الانفسية و الكتاب و دليل العقل المستنير و من الناس من يجادل في اللّه بغير علم و لاهدي و لاكتاب منير فالعارف كل العارف ان‏يري كل شي‏ء في الواقع الخارج كما هو حقه علي ما هو عليه في الواقع كل شي‏ء في مكانه وحده في التكوين و التشريع ولكن لما لم‏يظهر الحقايق الواقعية و الذوات الاولية علي صرافتها لم‏تظهر احكامها الشرعية كما هي في الواقع الاول و انما ظهرت علي طبق ظهور الحقايق فيرجح الفقيه البصير بتسديد العليم الخبير من قرانات الفروع و الاصول و المعقول و المنقول ما ترجح منها فيكون ذلك حكما ثانوياً لتلك الحقايق الثانوية و ذلك لان الكتاب و السنة علي طبق الحقايق الخارجية حرفاً بحرف فكل ما تغيرت الحقايق في الخارج غيروا الاحكام فيهما فصارت تلك المعاني و الكلمات للاحكام كالاسطقسات للحقائق فكلما اختلفت الحقايق باختلاف الاسطقسات و ظهرت من تراكيبها نتيجة حادثة و حقيقة بديعة بتقليب مقلب الاحوال عليه صلوات اللّه ذي‌الجلال كذلك تختلف الاحكام باختلاف القرانات في المعاني و الكلمات و تظهر من تراكيبها نتيجة حادثة و حقيقة بديعة و حكم جديد بتقليب ذلك المقلب سلام اللّه عليه و لولا ان كان المقلب واحداً لاختلف الحكم و الحقيقة و بطل النظام و فسد العالم و لم‏يكن فيهما اله غير اللّه و لو كان فيهما آلهة الا اللّه لفسدتا فسبحان اللّه عما يصفون. و كذا لو كان مهملاً الي الفقيه لكانوا هملاً أفحسبتم انما خلقناكم عبثا. أيحسب الانسان ان‏يترك سديً حاشا ثم حاشا ان هم الا رعايا ترعي و تحسبهم ايقاظاً و هم رقود و نقلبهم ذات اليمين و ذات الشمال بل اقول ان مخالفينا في المذهب و الملة ايضاً يعملون بعمل ينبغي لهم و يناسب طينتهم و حقيقتهم فانه كما عرفت مقلب التكوين و التشريع واحد بلاتفاوت قال تعالي كل يعمل علي شاكلته و كل عمل هو شريعتهم و لكل جعلنا

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 205 *»

منكم شرعة و منهاجاً الا ان من الشرعة رحمة و هي ما بالفرقة الناجية قال7 ان اللّه خلق المؤمنين من نوره و صبغهم في رحمته و ما بساير الفرق نقمة قال تعالي سيجزيهم وصفهم فكل الشرايع هو شريعة رسول اللّه صلي اللّه عليه و هو منذرهم و لكل قوم هاد اما الي الجنة و اما الي النار باب باطنه فيه الرحمة و ظاهره من قبله العذاب اعطيت الجنة و النار و علي قسيمهما فكما ان التكوينيات كلها بهم و منهم لايملك شي‏ء منهم ضراً لنفسه و لانفعاً كذلك في التشريعيات لايملك احد منهم ان‏يروح الي جهة و يذهب الي شي‏ء الا بهم و بتسديدهم كلا نمد هؤلاء و هؤلاء من عطاء ربك و ما كان عطاء ربك محظورا. فيا اخي لاتحسب الدنيا خالية عن المدبر و لامهملة عن المقدر بل ما من شي‏ء منها الا عن عمد و تدبير و تقدير كل بسببه و ما من سبب الا و له شرح و ما من شرح الا و له علم و ما من علم الا و له باب فان اتيت البيت من بابها دخلت و ان صعدته من ظهره وقعت قد اطنبنا في ذلك مع عدم ربط كثير هيهنا لما جرنا الكلام لقلة اعتناء القوام به مع دخله العظيم في الامور فاردنا اظهاره و نصرته فخذ به و كن من الشاكرين و الحمد للّه رب العالمين فعلمهم انار اللّه برهانهم في كل شي‏ء علي ما هو عليه في الواقع الاولي و نفس الامري الثانوي كما هو عليه في ذلك المقام كل بحسبه فيعلمون الحقيقة الكونية الواقعية الاولية و الثانوية النفس الامرية و كذا الاحكام الاولية و النفس الامرية كل واحد علي ما هو عليه في الواقع و اما الثاني فله حكمان حكم اولي واقعي فهو ما هو عليه في الواقع الخارج من حيث ذاته و حقيقته و حكم ثانوي نفس الامري فهو ما ظهوره عليه من حيث انه ظهوره و آيته و دليله و عنوانه فلايحيطون بشي‏ء من ذلك الحكم الاولي الواقعي بوجه من الوجوه بل يعرفون ظهوره و عنوانه الذي هو نفس الامري الثانوي و هيهنا يتفاوت مراتب العارفين و مقامات الموحدين و تلك المراتب هي المقامات التي لاتعطيل لها و مراده انار اللّه برهانه من نفس الامر هذا لانفس الامر في ما

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 206 *»

ذكرنا من الشق الاول فلايعرفون الواقع مما هو فوقهم بذاته و كينونته الغيبية مما عنده و ما هو عليه في لاتعينه و يعرفون مادون ذلك من عنواناته الظاهرة بجميع مقاماتها من اللاتعين و الذات و الصفات و هذا هو نفس الامر و الواقع عند العارف فلايصل الي غير ذلك فهذا الذي قاله انار اللّه برهانه و الامثلة الملقاة في هويات الاشياء علي ما هو عليه في نفس الامر لاالواقع فسر الجمع في ذلك ما ذكرنا في المعارف و الحقايق فهم في كل رتبة يعرفون باعلي مقام تلك الرتبة نفس الامر لما هو فوقها لاواقعه و يعرفون باعلي مقاماتهم ذلك المقام و مادونه كما هي في الواقع و في نفس الامر علي ما هي عليه.

قوله مد اللّه ظله: بقدر الطاقة البشرية،

اقول: اعلم ان للشخص المسمي بالانسان في ظاهر القول مراتب عديدة و مقامات متشتتة من بدو ظهوره في الجمادات الي منتهي صعوده في الدرجات و المقامات فاول مقاماته مقام الجمادية و هو مادام نطفة فانه من نوع الجمادات لانماء فيه و لاحركة و لاشعور في بادي النظر فادراكه و تعقله كادراك الجمادات في الضعف فاذا ترقي من هذا المقام و تلطف بتدبير الملك العلام و صار لائقاً للنماء يتعلق به ظهور النفس النباتية و بدو ظهورها عند اختلاط النطفتين و حصول طبع ثالث و انتضاجه ففي هذا المقام يظهر فيه اثر المبادي العالية و هو الحركة ولكنها بحسبها من الضعف و يظهر قليل تمايز بين ما يناسبه و ما يضاده بادراك ضعيف يشبه الطبيعة فاذا لطف و ترقي بكرور الافلاك عليه و دورانها يحصل له استعداد لنفسه الفلكية الحيوانية و هو عند اتمامه و ولادته الجسمانية في تمامه جنيناً و هو انشائه خلقاً آخر فيظهر فيه اثر النفس الحيوانية من الحركة و الحس و الرضا و الغضب و التألم و الالتذاذ و هكذا فاذا ترقي من هذا المقام بتولده الدنياوي و صلح لتعلق النفس الناطقة القدسية و لطف و رق تعلق به النفس الناطقة فيشتد شيئاً فشيئاً حتي يقوي شعوره و ادراكه للعلوم و الاحوال و يحصل ذكر و فكر و علم و حلم و نباهة و فقه و نزاهة و هكذا من ساير خواص الانسانية فيصير انساناً ولكن

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 207 *»

لايخفي عليك انه لما كان كل اثر لابد له من ان‏يحكي صفة مؤثره مما هو عليه و مما يحكي عن فوقه ان كان كالمرآة المقابلة للمرآة فانه يظهر فيها المرآة الاولي مع ما فيها من الشبح فلو قابلتها بواحدة اخري يتبين فيها شبح المرآتين السابقتين و الشبحين المنطبعين فيهما و هكذا فكل اثر يحكي صفة مافوقه و ما حكي فيه فالجسم الجمادي مثلاً يحكي النبات و ما يحكي النبات عن الحيوان و ما يحكي النبات عن حكاية الحيوان للانسان و ما ذكرنا من ظهور المراتب انما كان في رتبة الجمادية فمن الناس ما بقوا في الجمادية و ان كانوا حاكين للمراتب الفوقانية فادراكاتهم منجمدة و حركاتهم ضعيفة بطيئة لايدركون المطالب اللطيفة الدقيقة بحال من الاحوال فهم و ان كانوا حاكين لساير المراتب ولكن لاكل من حاز الجمال بيوسف يقول المجنون مخاطباً للخشف

فعينك عيناها و جيدك جيدها   ولكن عظم الساق منك دقيق

فالصورة في المرآة و ان كانت انساناً لكنها اين لها من الادراك و الشعور و الحس و الفهم مثل ما للانسان تتحرك بحركتك و تقوم و تقعد ولكنها علي ما تري و ان كان بعض الحاكين له نوع اثر كالبلورة في احراقها ولكنها حاكية لغيرها و الاثر لغيرها و انما هي لما اعدمت نفسها في الجملة و انقطعت عنها صار يظهر فيها اثر غيرها و ليست به و قد عبر اللّه عنهم بقوله فهي كالحجارة او اشد قسوة و كذلك من الناس ما هم في رتبة النباتية حقيقة حاكين لما فوقهم من المراتب و ليسوا في شي‏ء من الادراك و الشعور علي الحقيقة و ان كانوا ادق نظراً و اعلي خطراً من الاولين ولكنهم محض حكاية فهم يقولون ما لايفعلون و لايتبعهم الا الغاوون الذين هم في كل واد يهيمون و ليسوا بانسان. ايضاً و قد عبر اللّه عنهم بقوله كانهم خشب مسندة و منهم ترقوا عن هذا المقام و صعدوا اعلي من هذا السنام و وصلوا الي رتبة الحيوانية حقيقة لاحكاية كالاولين و حاكية لما فوقهم من الانسانية فهؤلاء يحسون بعض الجزئيات الصورية مقاماً و عياناً و يدركون بعض الخفيات بالنسبة

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 208 *»

الي الاولين و ليسوا بشي‏ء ايضاً و قد عبر اللّه عنهم في اختلاف مقامهم بقوله ان هم الا كالانعام بل هم اضل لشدة نضجهم و قوة حيوانيتهم ما ليس في ساير الانعام لانها خلقت مركباً للانسان فقصرت و من الناس من وصل الي رتبة الانسانية حقيقة و عياناً لاحكاية فصار موجوداً بما هو انسان دون ان‏يكون موجوداً بما هو حيوان فهؤلاء يدركون المعاني و الحقايق و العلوم و الدقايق فهم اهل العلم و الحلم و الذكاء و الفهم و الذكر و الفكر و النزاهة و العفة كل ذلك مشاهدة عيان لما في رتبتهم فان الادوات تحد انفسها و الآلات تشير الي نظائرها فاهل كل رتبة يدركون ما في رتبتهم بعين تلك الرتبة و قد قال الامام7 ما معناه الناس كلهم بهائم الا المؤمن و المؤمن قليل المؤمن قليل ثم لذلك الانسان مراتب و مقامات من ادني مراتبه الجسمية الي اعلي مراتبه الحقيقة النورية فالانسان بنوره و حقيقته يدرك المعارف الالهية و الحقايق اللاهوتية و الامثلة الملقاة في هويات الاشياء علي ما هي عليه بقدر الطاقة البشرية فهذا المقام هو غاية طاقة البشر و ليس وراء عبادان قرية و اما مادون ذلك من المقامات و ماسوي ذلك من المراتب فليس ادراكهم كاشفاً عن حقايق الاشياء و انوارهم ابداً فليس لهم حكمة بحال من الاحوال و لامعرفة بشي‏ء بلي في مراتب النفسانية الشيطانية لهم علوم فربما يصلون الي غاية يدركون بها مبادي السجينية و الحقايق الظلمانية و الاوصاف الشيطانية فهي كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتي اذا جاءه لم‏يجده شيئاً و وجد اللّه عنده فوفيه حسابه و اللّه سريع الحساب. فليس هو حقيقة بحكيم بل هو جاهل و انما الحكيم من بني اللّه هيكله بحكمته فهو مظهر الحكيم و هو الانسان فان الصورة الانسانية هي ذلك الهيكل و كيف لا و قد قال اللّه تعالي و من يؤت الحكمة فقد اوتي خيراً كثيراً و اولئك ما لهم الي الخير سبيل فهم في ظلمات في بحر لجي يغشاه موج من فوقه موج من فوقه سحاب ظلمات بعضها فوق بعض اذا اخرج يده لم‏يكد يراها و من لم‏يجعل اللّه له

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 209 *»

نوراً فما له من نور فاني لهم الحكمة و هي خير و نور و هي ما يعلم اللّه عباده بعد التزكية و علم الكتاب فالحكمة مخصوصة بالانسان دون غيره و هي التي كرم اللّه بني‏آدم بها و هي علم البيان الذي علم الانسان بتأييد الرحمن و هي علم المرسلين و النبيين و علم الائمة الوصيين و علم الشيعة الصالحين فاني للملحدين المشركين و الظالمين المنافقين فهذا معني قوله انار اللّه برهانه «بقدر الطاقة البشرية» و الطاقة هي اعلي ما يقدر الانسان علي التحمل و هي فوق جميع المراتب و المقامات فهي اعلي المذاكير للانسان بحيث ليس له فوقه ذكر و لابيان و هو حقيقته و نوره الذي يشير اليه7 اتقوا فراسة المؤمن فانه ينظر بنور اللّه و هو التوسم الذي اشار اللّه اليه ان في ذلك لآيات للمتوسمين فهذه الطاقة هي محل تلك المعارف و الحقايق و الامثلة الذي هو الفؤاد و طاقته هي عينه كما ذكرنا فافهم.

و اما قوله ادام اللّه ظله: علي النهج المقرر من مبادينا و اوائل جواهر عللنا،

اقول: النهج بفتح الفاء و سكون العين الطريق الواضح و المبادي هو جمع مبدء و المراد منه هو ما ظهر به المبدء الازل سبحانه بمقاماته و آياته و علاماته لهم بهم. و الاوائل جمع اول و المراد به الوسائط التي خلقوا بها و هي محال فعل اللّه سبحانه في ايجادهم و مظاهر لهم علي ما ظهرت فيهم بعنوانها. و الجواهر جمع جوهر و هو في اللغة كل حجر يستخرج منه شي‏ء ينتفع به و من الشي‏ء ما وضعت عليه جبلته و في اصطلاحهم من الشي‏ء ما خلق لذاته فهو من كل شي‏ء مادته فهو امر اضافي بالنسبة الي مادونه من الاعراض فكل شي‏ء جوهر بالنسبة الي اعراضه التي هي دونه و عرض بالنسبة الي مافوقه فجوهر الجواهر الذي خلق بنفسه ليس فوقه شي‏ء و لايسبقه شي‏ء حتي يكون عرضاً عليه و المراد منه هيهنا هو المفارقات التي لاانبعاث لها في الجسد العرضي العنصري الدنياوي كالعقول و النفوس و الارواح الي المثال و مواد الاجسام الاصلية التي هي فوق الاعراض الفلكية و العنصرية. و العلل جمع علة و هي السبب و كل ما يتوقف الشي‏ء عليه في تكونه فهو اربعة الفاعل و المادة و الصورة و الغاية فلايوجد الشي‏ء اذا فقده

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 210 *»

شي‏ء من هذه العلل و المراد منه هنا العلة المادية التي اوائلها و مباديها هم الانبياء و الائمة: الذين هم صفوة الخلق و خلق ماسويهم من شعاع انوارهم و قد اشار ادام اللّه ظله بهذه الكلمات الي قول علي7  خلق الانسان ذانفس ناطقة ان زكيها بالعلم و العمل فقد شابهت اوائل جواهر عللها الحديث. و مراده اطال اللّه بقاه من نهج المقرر من المبادي ما سنه الشارع و وضعه من الكتاب و السنة و الاجماع و دليل العقل بالحكمة و الموعظة الحسنة و المجادلة بالتي هي احسن و آيات الآفاقية و الانفسية التي هي موازين العلوم و اصول الرسوم التي ما وافقها حق و صدق و نور و ما خالفها باطل و كذب و ظلم فانهم: اصل كل خير و معدنه و مأواه و منتهاه و ان ذكر الحق فهم حقيقته و اصله و فرعه و مهبطه و مظهره و بابه فان كان العلم خيراً و حقاً فهم له المأوي و المرد و ان كان شراً و باطلاً فمن النار و الي النار يرد و ليس كلامنا فيه و القول بان كل شي‏ء لايوجد في الكتاب و السنة حتي يوازن به باطل و زور فان اللّه تعالي يقول لارطب و لايابس الا في كتاب مبين و كل شي‏ء احصيناه في امام مبين و مافرطنا في الكتاب من شي‏ء و عن ابي‏عبداللّه7 قال ان اللّه تبارك و تعالي انزل في القرآن تبيان كل شي‏ء حتي واللّه ماترك اللّه شيـئاً يحتاج اليه العباد حتي لايستطيع عبد يقول لو كان هذا انزل في القرآن الا و قد انزل اللّه فيه و عنه7 ولدني رسول اللّه9 و انا اعلم كتاب اللّه و فيه بدء الخلق و ما هو كائن الي يوم القيمة و فيه خبر السماء و خبر الارض و خبر الجنة و خبر النار و خبر ما  كان و ما هو كائن اعلم ذلك كما انظر الي كفي ان اللّه عزوجل يقول فيه تبيان كل شي‏ء و عن ابي‏الحسن موسي7 في حديث كل شي‏ء في كتاب اللّه و سنة نبيه9. فاذا كان جميع الامور في الكتاب و السنة مشروح العلل مبين الاسباب معين الحدود فالتخلف عنهما زندقة و التولي عنهما كفر فليس لاحد مناص عن الرد اليهما و الايمان بهما و هما الميزان الذي امر اللّه ان‏يوزن بهما و

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 211 *»

هما القسطاس المستقيم و الميزان القويم فالكتاب هو الثقل الاكبر و السنة هي الثقل الاصغر الذي حامله الائمة بعده: اللذان تركهما رسول اللّه ما ان تمسكت الامة بهما لن‏تضل و قال تعالي فيهما ماكان لمؤمن و لامؤمنة اذا قضي اللّه و رسوله امراً ان‏يكون لهم الخيرة من امرهم و قال و ان تنازعتم في شي‏ء فردوه الي اللّه و الرسول و قال و لو ردوه الي اللّه و رسوله و الي اولي الامر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم و قال و اسئلوا اهل الذكر ان كنتم لاتعلمون بالبينات و الزبر. و لما كان الولي هو الكتاب الناطق و القائم بسنة رسوله الصادق خاطبه اللّه بقوله فلا و ربك لايؤمنون حتي يحكموك فيما شجر بينهم ثم لايجدوا في انفسهم حرجاً مما قضيت و يسلموا تسليما فوجب التوزين بهذا الميزان القويم في جل الامور و خفها و كبيرها و صغيرها.

و اذا قلت فقد ظهر مما بينت ان كل شي‏ء في الكتاب و السنة موجود و لكن هذا واضح ظاهر و بديهي باهر انهما ليسا مشرعة لكل خائض و لاكل احد يقدر علي الاستنباط منه بل ذلك لاناس مخصوصين خصهم اللّه بذلك من بين البرايا فاين الثريا من يد المتناول؛ اقول صدقت و انصفت ليس بكل من هوي ذلك بظاهر قلبه وجده بل يحتاج ذلك الي جهاد و طلب حتي اذا عرف اللّه من قلب امرء صدقه و كان مع ذلك متخلقاً باخلاق اللّه مستمداً متضرعاً الي اللّه فانه سبحانه يهديه الي ذلك و قد اشار الي ذلك في كتابه بقوله الذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا و ان اللّه لمع المحسنين و قال حتي اذا بلغ اشده و استوي آتيناه حكماً و علماً و كذلك نجزي المحسنين و قال ان هذا القرآن يهدي للتي هي اقوم و قال ياايها الذين آمنوا ان تتقوا اللّه يجعل لكم فرقاناً يعني علماً تفرقون به بين الحق و الباطل و قال ان علينا بيانه. الحاصل لاينال ذلك الا باخلاص الدين بالانقطاع المحض عماسويه و طريق ذلك مسطور في مواضعه فليطلب منها و قد انقطع اناس و عرفوا و عرفنا صدق هذا المقام بقدر ما

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 212 *»

انقطعنا و ان لم‏نصل بما يشفي الغليل و يبرئ العليل ولكن عرفنا ذلك ايضاً انه كان بتقصير منا و اتباع هوي قد عاقنا فاقول متحسراً كما قال الشاعر:

ظفر الطالبون و اتصل الوصل   و فاز الاحباب بالاحباب
و بقينا مذبذبين حياري   بين حد الوصال و الاجتناب
فاسقنا منك شربة تذهب الغم   و عقدي الي طريق الصواب

و اسئل اللّه ان‏يصلح لي و لكم مفاسد الامور و يحفظ لنا ما اصلحه لنا و علينا ما نخاف حلوله و يأتي تمام الشرح ان شاء اللّه في بيان الموازين فترقب ذلك.

قال مد اللّه ظله علي رؤوس العباد و عمر باشراق فيوضه البلاد: فشمل الحد المراتب باسرها اذا عممت الحقايق اللاهوتية انما يشمل المراتب التنزلية كينوناتها و اسباب ترقياتها و دوامها و ثباتها و حفظها عن اعدامها،

اقول: الحد كما ذكروا هو التعريف بالفصل القريب فان كان مشتملاً بالجنس القريب ايضاً فهو تام و الا فناقص فهذا التعريف الذي ذكره زيد بقاؤه هو الحد التام لاشتماله علي الجنس القريب الذي هو العلم و علي الفصل القريب الذي هو قوله «يبحث فيه الخ» و مراده من المراتب هو مراتب الخلق الالف الف التي اخبر عنها الامام7 ان اللّه خلق الف الف عالم و الف الف آدم و انتم في آخر تلك العوالم و اولئك الآدميين و انما هذا العدد بحسب الانواع الكلية منها و لايعلم عدد الاشخاص منها الا اللّه سبحانه.

قوله مد اللّه ظله «اذا عممت الحقايق اللاهوتية» المراد بالتعميم اخذها لابشرط صفة خاصة و رتبة خاصة فان في كل رتبة من المراتب حقيقة لاهوتية اضافية معراة عن انيات تلك الرتبة و هوياتها و ماهيتها و متممات قابليتها فهي آية اللّه لتلك الرتبة و عنوانه لها و مثاله الملقي في هويتها وصف تعريفي عرف نفسه لها بها و ان لم‏تكن تلك الحقيقة عرضاً بالنسبة الي فوقها من المراتب و ذلك اعم من الجواهر و الاعراض كلها فلاتخص بواحد من الذوات و الافعال و الصفات

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 213 *»

و الاعراض بل تعمها كلها كل رتبة بحسبها كما ذكرنا شطراً من ذلك في تلو الحقايق اللاهوتية في التعريف.

و قوله انار اللّه برهانه «كينوناتها الخ» المراد بالكينونات هو الحقايق المكشوفة السبحات المهتوكة الاستار المجردة عن الاغيار و وجه الجمع تعدد المراتب التنزلية منها الحاصلة بادبارها عن المبدء الاصلي حين خاطبها اللّه تعالي بقوله ادبر فادبر مولياً الي جهة انيته و ماهيته فشملته الكثرات المستلزمة للظلة و البرد و البعد عن المبدء الواحد فتعددت اوصافه في كل رتبة بما يخص تلك الرتبة من العوارض و الحدود و الصور و لاشك ان التمايز بالصور و الحدود فتعددت الكينونات في المراتب التنزلية متمايزة متعددة الي مالانهاية له و صارت كل واحدة من تلك الكينونات مركبة من مادة و صورة فاصل الحقيقة تلك المادة هي جوهر بالنسبة اليها و ان كانت عرضاً بالنسبة الي ما فوقها و المراد باسباب ترقياتها ما يرقي الشي‏ء الي مدارج الصعود و ذري الارتقاء و يتم القابلية و يصفيها و يعدها لقبول ما يرد عليها من الامداد و الفيوضات و ذلك يعم جميع المرقيات و المتممات في جميع مراتب الخلق و صنوفها و انواعها و اشخاصها كل بحسبه و مقامه و رتبته و المراد بدوامها و ثباتها دوام نوع الشي‏ء و ثباته عن الزوال و الاضطراب و الانقلاب لاخصوص الشخص فلعل يعدم بعض الاشخاص و يفسد لبقاء النوع و دوامه او لثبات الجنس و حفظه فلايلاحظ الشخص في الصنف و لاالصنف في النوع و لاالنوع في الجنس و هكذا و المراد بحفظها عن اعدامها ما يحفظ الشخص عن الانعدام و الفناء اما باستدامة ما به من المطلوب او استجلاب نفع جديد او دفع ضرر حديث فذلك اخص من الادامة و الاثبات. و وجه آخر ان الشي‏ء بعدم الدوام و الثبات يزول عن حاله و ينقلب و ان لم‏يفن و يعدم ولكن بعدم الحفظ عن الانعدام يفني و يعدم فالثاني اخص من الاول بكلا المعنيين.

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 214 *»

قال ادام اللّه حفظه و انار برهانه: و خرجت الحكمة المصطلحة عندهم بالاخير لكونهم لايلاحظون ذلك و ان لم‏يلاحظوا عدمه ايضاً و كذلك ايضاً بقيد المثال الملقي فانهم يبحثون عن الوجود مطلقاً في العالم و الحق في الخاص و خرج الكلام بالقيد الثاني المعمم،

اقول: الحكمة المصطلحة عندهم اي عند الحكماء السالفة من اليونانيين و اتباعهم هي العلم باحوال اعيان الموجودات علي ما هي عليه بقدر الطاقة البشرية سواء ان‏يوافق ما جائت به الشريعة من اللّه سبحانه او يخالف فهي لابشرط الشريعة و تخرج هذه الحكمة عن حدنا لهذا العلم لاشتراطنا المطابقة للنهج المقرر من مبادينا و اوائل جواهر عللنا و كذلك تخرج بالقيد الثالث الذي هو المثال الملقي فانهم لايلاحظون حقايق الموجودات من حيث الوصفية و الآئية و المثالية للّه سبحانه و انما يلاحظونها بحسب اعيانها و حقايقها من نفسها فلذلك وقعوا في ظلمات الوهم فحرموا نور الفهم فبقوا يلتمسون الطريق بغير مصباح النبوة و مشكوة الولاية و لايشترطون توافق ما يفهمون لبيان الذين شهدوا خلق انفسهم و شاهدوا خلق السموات و الارض بنور ربهم و يزعمون انهم مهتدون فبقوا في ظلمات في بحر لجي من فوقه موج من فوقه سحاب ظلمات بعضها فوق بعض اذا اخرج يده لم‏يكد يريها و من لم‏يجعل اللّه له نوراً فما له من نور. و اما المصنف ادام اللّه ظله علي رؤوس العباد و عمر به و بفيوضه البلاد و الذين اهتدوا بهداه ليسوا كذلك بل يلاحظون الحقايق من حيث الآئية و العنوانية و الوصفية و المثالية للّه سبحانه فيلقونها نوراً ظاهراً و شعاعاً باهراً ثم يجدونه مطابقاً لقوانين الشريعة و نهج الطريقة التي جاء بها شمس الحقيقة رسول اللّه9 فان التشريع صفة التكوين و بيانه و شرحه باللسان كما ان التكوين حقيقة التشريع و اصله بالوجود الخارجي فالتشريع علي طبق التكوين بلااختلاف نعم لو كان من عند غير اللّه لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً ولكنها من حكيم عليم ما فرط في الكتاب من شي‏ء و كذا ما تساهل رسوله في الاداء و ما قصر أيظنون انهم يعرفون

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 215 *»

الحقيقة و يصلون اليها و الذي شاهد خلقها و شفعها لايجادها يقصر عنها تعالي عما يصفون فلما كان صاحب الشريعة من كمال فضله و تمام جوده بين و اظهر و دل و شرح بظاهر القول و واضح البيان جميع الحقايق الكونية و الآيات الوجودية و كان معصوماً عن الخطاء في البيان و الاداء و كان غيره لايأمن الخطاء و ان كان يأمن الخطاء بتسديد صاحب المسمع و المرأي لكن كان و لابد من مستند في الالقاء شرطوا التطبيق و التوزين بالميزان القويم و القسطاس المستقيم حتي يطمئن به نفوسهم و يركن الي الحق من استمع اليهم و سيجي‏ء وجه الاضطرار الي الميزان ان شاء اللّه تعالي و كذلك يقولون في العلم الالهي الاعلي ان كان يبحث فيه عن الاله و احواله و صفاته فهو الالهي بالمعني الاخص و ان كان مطلقاً عن اللّه و عن غيره فهو الالهي بالمعني الاعم فيخرج ذلك ايضاً بما قيده زيد فضله ثالثاً فان علمنا هذا لايبحث فيه عن غير المثال الملقي الذي هو آية اللّه سبحانه فليس ذلك حقاً حتي نجعل له عوارض و نبحث عنها و لامطلقاً فيكون الحق فرداً منه كما سيجيئك زيادة بيان يذهب عنها الغبار فترقب.

و كذلك خرج علم الكلام بالقيد الثاني المعمم فانهم جعلوا موضوع ذلك ذات اللّه سبحانه و بزعمهم انهم يبحثون عن اسمائه و صفاته و افعاله علي نهج الشرع و انهم يقولون ان الموضوع ما يبحث في العلم عن عوارضه الذاتية فخرج الكلام باصطلاحهم بقوله زيد فضله و الحقايق اللاهوتية فانها غير ذات اللّه سبحانه و نبحث نحن عن عوارضها لا من حيث الآئية و العنوانية للذات سبحانه عزوجل بل من حيث انفسها لان عنوانه و وصفه سبحانه منزه عن الاعراض و الصفات فضلاً عن ذاته سبحانه تعالي عما يقولون علواً كبيراً.

فليس انا لانتكلم فيما يتكلمون و لانبحث فيما يبحثون بل نحن ابوها و امها و مصدرها الذي الينا ترد و موردها الذي منا تصدر بل نتكلم لكن لا من حيث يقولون و يزخرفون بل من حيث التنزيه و التقديس و التسبيح للّه عزوجل فننزهه عن الصفات بكمال التوحيد و نسبحه عن الاعراض بقدس التفريد و نقول سبحان ربك رب العزة عما

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 216 *»

يصفون و سلام علي المرسلين و الحمد للّه رب العالمين.

قال مد اللّه ظله: و دخل الطبيعي و الرياضي في المعمم بالكينونة في تنزلها الي المواد الجسمية و ان كانت بنفسها ليست منهما و هي و مافوقها تدخل في العلم الالهي بالمعني الاعم و دخل في المعمم باسباب الترقي اقسام الحكمة العملية فالاخلاق و النواميس باسباب الترقي في الالهي و ان كان في الطبيعي و السياسة المدنية و تدبير المنزل بالدوام و الثبات و علم الطب و اضرابه بالحفظ عن الاعدام الظاهري كذلك ساير العلوم يمكنك تستنبط من الاصل علي الفرعية بل كلما في الوجود باي نحو منه يدخل فيها بالفرعية،

اقول: علم الطبيعي هو علم جزئي و موضوعه الجسم المحسوس من حيث التغيير و يبحث فيه عن الاعراض اللازمة لذلك سواء كانت ذاتية لها او عرضية حدثت بالقرانات و الاوضاع فهذا العلم ايضاً داخل في الحد بالقيد الثاني المعمم بتنزل الكينونة الي عالم الاجسام فان مادة الاجسام هي انجماد تلك الحقيقة اللاهوتية و تنزلها بعينها فهي هنا هي هنالك الا انه نزلت و ادبرت فلحقها برد البعد فجمدت و تكثرت فالحقايق اللاهوتية نور بسيط لاهوتي غيبي و مادة الاجسام نور جامد كثيف زماني شهودي فالبحث عن الحقايق يعم هذه الكينونة الجسمانية ايضاً الا انهم يبحثون عن عوارضها بنفسها و من ماهيتها و نحن نبحث عنها و عن احوالها و اوضاعها من جهة دلالتها علي اللّه و انتسابها الي فعله سبحانه لكون نظرنا بعين اللّه سبحانه و من جهة العليا و كون نظرهم بعينهم و من جهة السفلي فرأينا بذلك نوراً و روحاً و ريحاناً و جنة نعيم و رأوا بذلك ظلمة و ضيقاً و ضنك جحيم.

و اما علم الرياضي فهو علم جزئي يبحث فيه عن عوارض الاجسام كمياتها و كيفياتها و اوضاعها و مقاديرها و نسبها و قراناتها و احكامها و احوالها اما كمياتها كعلم الحساب و الاوزان و كيفياتها كعلم الامزجة و الطبايع و المناظر و المرايا و الانطباعات و اوضاعها كعلم الشطرنج و النرد و اضرابها من الملاعب و علم الطرح و التوضيع و الاوفاق و مقاديرها كعلم الهيئة و الهندسة و نسبها و قراناتها

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 217 *»

كعلم النجوم و الرمل و الحروف و احكامها كاحكام النجوم و الرمل و الحروف و ساير العلوم المتقدم ذكرها و احوالها كعلم الطب باصنافه علي وجه فكل هذه العلوم و ما ضاهاها متعلق علم الرياضي فهو يدخل في القيد الثاني المعمم بالكينونة المتنزلة الي المواد الجسمية.

و قوله «و ان كانت بنفسها ليست منهما الخ»، لانها موضوع علم الطبيعي و انما يبحث في العلم عن عوارض الموضوع لانفسه فمواد الاجسام ليست منهما و انما هي و مافوقها من العلم الالهي الاعلي بالمعني الاعم الذي يبحث فيه عن الوجود المطلق و سبيل دخولهما مع ذلك في القيد الثاني لانهما كليهما من تنزلات الكينونة اما موادها فظاهر و اما اعراضها فانها ايضاً كينونة ذاتية ايضاً بالنسبة اليها و الي مادونها و ان كانت عرضية وصفية بالنسبة الي مافوقها و هذه سبيل جميع المراتب التنزلية فكلها بالنسبة الي مافوقها اعراض ولكنها جواهر بالنسبة الي مادونها و كلها تنزلات تلك الحقيقة اللاهوتية الاولية.

و قوله «و دخل في المعمم باسباب الترقي الخ»، فان ما ذكره من اسباب الترقي و الدوام و الثبات و الحفظ عن الاعدام هذه كلها اسباب وجودية و كينونة حقيقية كل في مقامه و حده علي طبق ما ذكرنا في الاعراض فهذه الاسباب كلها كينونات تنزلت من اللاهوت و ظهرت في كل عالم بحسبه في الذوات بالذاتية و في الافعال بالفعلية و في الاوصاف بالوصفية و في الاعراض بالعرضية فكل واحد منها سبب لشي‏ء و مسبب لشي‏ء و دال علي شي‏ء و مدلول لشي‏ء و هكذا فيدخل جميع الحكم العملية في هذه الاسباب فعلم الاخلاق و الطريقة الذي موضوعه النفس و يبحث فيه عن اعراضها من الصفات الحميدة الموجبة لرفعها الي الدرجات العلي الي عليين و من الاوصاف السيئة المستلزمة لدخولها في الدركات السفلي الي سجين و اشار اللّه الي هذا العلم بقوله و نفس و ماسويها فالهمها فجورها و تقويها قد افلح من زكيها و قد خاب من دسيها. و علم النواميس و الشريعة الذي موضوعها ظاهر الحيوة الدنيا يعني هذا البدن و يبحث فيه عن اعراضها و عن قراناتها و احوالها يدخلان في اسباب الترقي و كل واحد من هذين

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 218 *»

العلمين في كل شي‏ء بحسبه فان لكل شي‏ء اسباباً لترقيه الي معارج حقيقته بحسبه فهي طريقته و شريعته و هي الحكمة العملية المستلزمة للترقي فيه سواء كان فينا و باختيارنا او في غيرنا من ساير الاشياء باختياره الذاتي الكوني و كذا السياسة المدنية و تدبير المنزل باسباب الدوام و الثبات و علم الطب الذي موضوعه بدن الانسان و يبحث فيه عن عوارضه من الصحة و حفظها و المرض و دفعه و اضرابه مثل العمل باليد و الادعية و الاوراد و الرقي و العوذات و العزايم و الاوفاق و التكاثير و غيرها الحافظة للصحة و الدافعة للامراض كلها يدخل في المعمم بالحفظ عن الاعدام الظاهري و قيد الظاهري لان الحفظ عن الاعدام الحقيقي ليست باختيارنا اي من عملنا بل هو بمدد اللّه سبحانه فهذه العلوم كلها تدخل في العلم الالهي باصطلاحنا بالقيد الثاني المعمم بالكينونة المتنزلة الي عالم الصفات و الاعراض و ان كانت في الطبيعي باصطلاحهم لكونها من عوارض الاجسام.

و قوله رفع اعلامه «كذلك ساير العلوم الخ»، كعلم قرانات الوقايع و استنباط الاحكام منها و ذلك علم واسع كلي له تشعبات و فروع بعدد الاجناس و الانواع و الاصناف و الاشخاص و علم الخيوط و علم التعبير و ذلك ايضاً علم واسع لايختص بالرؤيا بل في اكثر الاشياء و علم زجر الفال و علم الاختلاجات و علم الموسيقي بآلاتها و اسبابها و علم الموازين و علم الصنايع و المكاسب المعروفة من الصياغة و الصباغة و الحياكة و الخياطة و النقش و النجارة و الحك و الزرع و هذا علم واسع فيه عجائب من التصاريف و علم الخطوط و علم المزج و التركيب و علم الاستنطاق و ذلك باب واسع و غير ذلك من العلوم معروفها و عجيبها كلها يستنبط عن الاصل المعمم المتنزل بالفرعية التنزلية في كل مرتبة بحسبها من الاعراض و اعراض الاعراض و اعراض اعراض الاعراض و هكذا فكلها كينونات متنزلة لاهوتية قد تنزلت و تلبست بلباس تلك الرتبة بل لكل مرتبة رتبة لاهوتية في مقامه و رتبته و ان كانت بالنسبة الي مافوقه عرضية فيصدق الحقيقة اللاهوتية علي جميع المراتب علي التشكيك بل جميع ما في الوجود يدخل في حدنا هذا اما بالاصالة او بالفرعية فتدبر تغتنم.

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 219 *»

قوله زيد فضله و انير برهانه: و كذلك ايضاً علم الصناعة الفلسفية و السيميا و الريميا و الهيميا و الليميا و يدخل علي القيافة و الكف و الكتف بالكينونة و كذلك البحث عن الالفاظ صورتها و مادتها و دلالتها و الاحكام الحاصلة من اقتران بعضها مع بعض تدخل فيها بالكينونة الصفتية،

اقول: الصناعة الفلسفية هي صنعة تسمي باليونانية كيميا و قيل اصله حيميات و معناه التحليل و التفريق و تسمي بالصناعة الهرمسية تسمية باسم من اخترعها اولاً و ظهرت علي يده و هو هرمس المثلث المصري و تسمي بسر الكهنة لما علمهم الهرمس اياها اولاً ثم وصلت الي يونان منهم فسميت الصناعة الفلسفية و فلسف لفظ يوناني مشتق من فيلسوف و هو محب العلم هكذا قيل في معناه و السيميا هو لفظ يوناني موضوع لعلم يبحث فيه عن ما يحصل به تسخير الملئكة الثلثة شمعون و زيتون و سيمون و اعوانهم في اظهار الخيالات و الامثال المنزلة من السماء الثانية مما اودع في سر فلك عطارد من القوة الفكرية و الريميا هو ايضاً لفظ يوناني وضع لعلم يبحث فيه عن عجائب المعالجات و سرعة الحركات و اظهار ما يشابه المعجزات مما اودع في بنية الانسان من احوال الامكان و الهيميا لفظ يوناني يراد به علم يبحث فيه عن اسرار الحروف في حقايقها الفكرية و قواها العددية و صفاتها اللفظية و اشكالها الرقمية و الليميا كلمة يونانية و علم لعلم يبحث فيه عن العجائب المودعة في خواص العقاقير من الرفع و الوضع و الضر و النفع و الجذب و الدفع و الصور و الخيالات و ايهام الكرامات من الدخول في النار و عدم التأثر به و غير ذلك و يجمع جميع هذه العلوم الخمسة قوله «كله سر» فهذه العلوم و ان كانت في الطبيعي باصطلاحهم داخلة في القيد الثاني المعمم بالكينونة المتنزلة الي عالم الاجسام علي ما قررنا و بالكينونة الوصفية التي هي ايضاً من تنزلات تلك الكينونة اللاهوتية فانها حين اخذت في الادبار و التنزل اول ما تنزلت صار لها جهتان جهة اصلية و جهة فرعية و جهة مادة و جهة صورة جهة قابلية و جهة مقبولية فتنزلت الذوات الكينونية بعدها من ذلك الاصل و المادة المقبولة و تنزلت الصفات من ذلك الفرع و الصورة و القابلية فالصفتية و الذاتية

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 220 *»

امور اعتبارية اضافية نسبية و الا فالكل ذوات متأصلة و ان كان بعضها سابقاً علي بعض و بعضها سبباً لبعض و بعضها شرطاً لبعض فهذه العلوم كلها علي ما قررنا و اوضحنا داخل في علم الالهي باصطلاحنا فانا لانبحث عنها ابدا الا من جهة كونها آية اللّه و وصف اللّه و دليل اللّه لتلك الرتبة في تلك الرتبة.

و قوله انار اللّه برهانه و شرف بافاضاته زمانه «و يدخل علم القيافة و الكف و الكتف الخ»، فالقيامة لغة من قاف اثره اذا تبعه و القائف من يعلم الاثار و يعرفها و القيافة هي معرفة الآثار و اما في الاصطلاح هي علم يبحث فيه عن الاستدلال بالآثار الجسدانية الظاهرة من صغرها و كبرها و كمها و كيفها و حركتها و سكونها و اعتدالها و اعوجاجها و احوالها و اوضاعها علي الاحوال النفسانية الباطنة من سعادتها و شقاوتها و خبثها و طيبها و احوالها و اعراضها و صفاتها.

و الكف هو لغة اليد او الي الكوع و المراد به هنا علم الكف و هو علم يبحث فيه عن معرفة الخطوط المثبتة فيه و الاستدلال بها علي الاحوال النفسانية مما ذكرنا بل و علي الاعراض الخارجة الجسدانية و الاوضاع الخارجة عن الجسد من القرانات مع ما سواه و ساير اطوارها و اعراضها و الكتف هو عظم مخروط عريض في مؤخر العضد متصل بالكاهل و المراد به علم الكتف و هو علم يبحث فيه عن خطوط و الوان ظاهرة في الكتف و عن الاستدلال بها علي الاحوال الكائنة و التي تكون الي آخر العمر و ذلك علم عجيب فيه مسائل عجيبة و لربما يحكم عن كتف الغنم او غيره من الحيوانات علي احوال الانسان ما كان منها و ما يكون و علي الحوادث الواقعة في الزمان و لايتخلف بوجه فيدخل هذه العلوم كلها في المعمم بالكينونة الصفتية كما ذكرنا مكرراً ان كل ما في هذا العالم من الذوات و الصفات و الاعراض كلها اشياء انزلها اللّه من الخزاين العالية التي هي عنده سبحانه و كل هذه الخزاين ظهورات و شئونات و اطوار لتلك الحقيقة اللاهوتية و تنزلات لها اما بذاتها او بظهورها او بآثارها و اشعتها فيدخل كل هذه العلوم و امثالها في الحقايق اللاهوتية بالكينونة الوصفية المتنزلة او الذاتية اذا اعتبرتها في نفسها من غير ربطها و انتسابها الي محلها من المواد الجسمية فان كل شي‏ء بالنسبة الي نفسه

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 221 *»

ذات متأصلة و انما يطلق علي بعضها الصفة بالنسبة الي ارتباطه الي غيره و توقف وجود به و ذلك امر خارج عن الحقيقة فافهم.

و قوله مد اللّه ظله «و كذلك البحث عن الالفاظ الخ»، فكذلك فان الالفاظ انما هي ايضاً اكوان وجودية متكونها الهواء لها مادة و صورة و دلالة علي ما يراد منها من المعاني و ذلك علم شريف لنا فيه ابحاث لطيفة غير ما قرره القوم من اراد ذلك يطلبه من مظانه فهذا العلم ايضاً داخل في القيد لان من يبحث عن الحقايق من حيث دلالتها علي اللّه يبحث عن كل ماخلق اللّه سبحانه فانها كلها موجودة مكونة خلقها اللّه سبحانه بمشيته و ارادته و قدره و قضائه و امضائه و اذنه و اقامها في محله و مكانه و وقته و جعل لها مادة تقوم بها و صورة تتميز بها عن غيرها و لها جهة الي ربها تدل بتلك الجهة عليه فهي حقيقتها اللاهوتية و هي اما في اول ماخلق اللّه سبحانه اولاً بذاته او من ساير ماخلق اللّه بتلك الحقيقة من شئونه و اطواره فعلي اي حال هي التي يبحث عنها العارف فلايبقي شي‏ء لايكون عن احوال موضوع علمه.

و قوله انار اللّه برهانه «و الاحكام الحاصلة الخ»، كالتصديقات المنطقية و النتايج المأخوذة من اشكالها الموضوعة و كعلم الالفاظ من علم القرانات و ذلك علم بسيط لايحيط باطرافه و لايجمع شتاته الاّ الواحد الفرد و ذلك علم يبحث فيه عن قران كل شي‏ء مع كل شي‏ء و عن دلالته علي جميع ماكان و مايكون و علي الاحوال و الضماير و الخبايا و الدفاين و الخير و الشر و النفع و الضر و كل حال من الاحوال منها قران الالفاظ مثلاً يستنبط من قران الكلام بعض الفاظه مع بعض و من قران الحصي المرمات و الخيوط المعقودة و الرمل و الحبوب المقسمة بل و من المجالس المجتمعة علي جميع احوال الدنيا شرقها و غربها برها و بحرها و لاهله فيها تصاريف عجيبة غريبة و ادلة واضحة و تجربات بالغة فعلمنا هذا يبحث فيه عن امثال ذلك ايضاً لما ذكرنا من كونه داخلاً في الكينونة الوصفية المنزلة في عالم الاجسام فلااحتياج الي اعادة دليلها فافهم و تدبر.

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 222 *»

قال انار اللّه برهانه و اشرق بنوره زمانه: و مجمل القول ان كل علم من العلوم و كل رسم من الرسوم انما هو منشعب منها اذا البحث في العلوم لايخلو اما ان‏يكون عن كينونات ذواتها او كينونات صفاتها او ما يحصل به ثباتها او ترقيها او تنزلها علي كلا الاعتبارين و الجامع لها الحكمة الالهية الحقة فلمثلها فليعمل العاملون و لادراكها فليتنافس المتنافسون،

اقول: فصل القول في تقسيم العلوم بحيث لايفوقه قول ما وجدته في بعض كلماته الشريفة و انقله بلفظه الشريف فانه لايمكن لاحد التعبير باحسن منه و لو غيرت العبارة فلاأجوزن ماحوت من لطيف الاشارة فالاحسن ايرادها بلفظها ليكون اتم و ابلغ في كلا القصدين و هو اعلم ان الاكوان و الامكان و ما صدر عن الخالق المنان انما يتقوم بامره و يتحقق بظهوره و ظهر لها به و العلوم ليست الا صفة الاكوان و احواله المختصة بمقام من مقاماتها فتكون العلوم من الالهية الحقية و الخلقية الحقيقية و غيرها كلها متقومة بالعلم بذلك الظهور و متحصلة عن ذلك النور و هو النقطة الواحدة التي كثرها الغيور و الغرور و بيان ذلك ان الظهور هي الرابطة بين الظاهر و بين المظاهر ففيه ثلث نظرات نظر اليه بالنسبة الي الظاهر و نظر اليه بالنسبة الي نفسه و نظر اليه بالنسبة الي صلوح تعلقه بالمظاهر. فبالنظر الاول يتحقق علم البيان و العلم الالهي الخاص و علم الكلام علي اختلاف المقام. و بالنظر الثاني يتحقق العلم الامكاني و حدود الفيض الاقدس و الاعيان الثابتة الحادثة و علم بوجود المطلق. و بالنظر الثالث ينشعب باقي العلوم من الحقايق و الرسوم و ذلك لان المظاهر علي قسمين غيبية و شهودية و كلاهما تشتمل علي ذات و هيئة و صفة و النسبة الارتباطية الحكمية ثم النظر اليها اما من حيث نفسها او من حيث نظر اليها و اصابة الحق منها فالنظر في الذوات الغيبية يتحقق منه العلم الالهي العام لا كما يزعمون و من حيث نظر الناظر يتحقق علم الميزان و الدليل و لماكانت الهيئة الغيبية و الاقترانات الغيبية المحضة مما لايحتاج النظر اليها ازيد مما ذكر في ذلك العلم الواسع الكلي مما افردوا لها علماً خاصاً و ان افردوا و بحثوا في الرموز الخفية. و بالنظر في الذوات الشهودية التي هي الاجسام من حيث

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 223 *»

هي و احوالها الذاتية و العرضية اللازمة يتحقق العلم الحكمة الطبيعية. و بالنظر الي الهيئات و الصور المقدارية يتحقق علم الرياضي. و بالنظر الي استخراج الذوات النورية الجسمية من الاعراض الغريبة الكدرة و العوارض يتحقق علم الكيميا. و بالنظر الي القرانات و الاوضاع الفلكية يتحقق علم النجوم. و بالنظر الي الكم المنفصل يتحقق علم الحساب و المساحة. و بالنظر الي الهيئات و الاوضاع الجسمية في عالم الانسانية يتحقق علم القيافة و علم الكف. و بالنظر الي ظهور الاشباح و الامثال في الاشياء يتحقق علم المرايا و المناظر و علم الكتف و الرمل و ضرب الحصي و امثالها من العلوم و مما يتحصل من الهيئات و الكيفيات اللازمة او الخارجة المنطبعة في الاشياء علي اختلاف جهاتها و حيثياتها. و بالنظر الي الصفات الحاكية الخارجة يتحقق علم الالفاظ فمن حيث صفاتها يتحقق علم القراءة و من حيث طبايعها و ذواتها و قراناتها الذاتية الطبيعة و موازينها و مقاديرها يتحقق علم الحروف من الجفر و الاوفاق و التكسير و الهندسات و الهيئات. و بالنظر الي قواها و ارواحها يتحقق علم العدد و الاوفاق. و بالنظر الي مدلولاتها الوضعية يتحقق علم اللغة. و بالنظر الي ملاحظة حسن التعبير و التأدية و لطائفها يتحقق علم المعاني و البيان. و بالنظر الي صفات اواخر الكلمة يتحقق علم النحو. و بالنظر الي احكام موادها يتحقق علم الصرف. و بالنظر الي اوزانها و قوافي منظوماتها يتحقق علم العروض. و بالنظر الي استنباط المعاني منها مع اختلافها في الاوضاع و الاستعمالات يتحقق علم اصول الفقه. و بالنظر الي اسباب الدوام و الترقي و التنزل يتحقق الحكمة العملية. فالعلم بالتكاليف الحقيقية الذاتية السرية الفؤادية يتحقق علم الحقيقة. و بالعلم بالتكاليف الالهية القلبية العقلية و النفسية و الروحية يتحقق علم الطريقة. و بالعلم بالتكاليف الكينونية و الجسمية يتحقق علم الشريعة. فبالنظر الي الشخص من حيث الاهل و الاولاد و الغلمان يتحقق علم تدبير المنزل. و بالنظر الي السلطنة و الرياسة يتحقق علم السياسة المدنية. و بالنظر الي اسباب المعالجات الجسمية يتحقق علم الطب. و بالنظر الي تركيب الادوية و العقاقير ليحصل من اقتراناتها احوالاً غريبة يتحقق علم الريميا و قس علي ذلك ساير العلوم و بالجملة

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 224 *»

فالاصل الكلي في هذا المقام ان العلوم كلها انما يتشعب من احوال المظاهر حسب اعطاء الظاهر كل ذي‏حق حقه و اشرت الي بعض طرق الاستنباط فاعرف منها باقيها و اللّه الموفق للصواب انتهي كلامه رفع اللّه قدره و مقامه.

و قوله «منشعب منها» اي من الحقائق اللاهوتية.

و قوله «كينونات ذواتها» اي ذوات الحقائق و كذا صفاتها و مراده رفع اعلامه بالكينونة الذاتية هي اصل الحقيقة معراة عن جميع السبحات و الاشارات فانها هي التي خلقت اولاً و بالذات و هي التي يعبر عنها الشي‏ء بانا و هي آية اللّه و صفة اللّه و مثال اللّه و بالكينونة الصفتية هي ظهوراتها و شئوناتها و اطوارها و حدودها في مراتبها و مقاماتها في ادبارها.

و قوله انار اللّه برهانه «او تنزلها علي كلا الاعتبارين»، اي الذاتية و الصفتية فان كل مقام من وراء الحقيقة تنزلها و تطورها و كل مقام منها مركب من مادة و صورة فمادته اذا لوحظت بنفسها تري ذاتاً مستقلة بالنسبة الي اعراضها و ان كانت عرضاً بالنسبة الي مافوقها و صورتها فهي صفتها نابعة لها([2]) فالمادة بهذا اللحاظ كينونة ذاتية متنزلة و صفتها كينونة صفتية و كلتاهما تنزل مافوقهما من الخزائن و المقامات.

و قوله زيد فضله «و الجامع لها الحكمة الالهية»، باصطلاحنا لانا نبحث عن كل ذلك لدلالته علي اللّه سبحانه فظاهريته و وصفيته له و اما باصطلاحهم فليس كذلك فانه يخرج كثير من العلوم عن العلم الالهي و ان كان علمهم الالهي ايضاً ظلمانياً لانه ليس مأخوذاً عن النور و من لم‏يجعل اللّه له نوراً فما له من نور و وجه ظلمانيته قد ذكر شي‏ء منها و سيذكر و فيما ذكرنا كفاية لمن كان له قلب او القي السمع و هو شهيد.

و قوله ادام اللّه فيوضه «فلمثلها فليعمل العاملون»، فذلك اقتباس عن القرآن في صفة الجنة و لعمري ما اوقعها في هذا المكان فان علمهم هذا هو الجنة بل اعلي مقاماتها فانه قد ورد ان الجنة اسفلها اكل و اعلاها علم و ذلك العلم هو

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 225 *»

ذلك العلم فان هذا العلم موضوعه هو الشجرة التي اصلها في بيت علي7 و فروعها و اغصانها و اوراقها في بيوت ساير مواليه و شيعته كل بحسبه و ما يبحث عنه فيه هو تطورات ذلك الاصل و شئوناته و ظهوراته و احواله في تلك الفروع و الاغصان و الفنون و الاوراق فهو الجنة التي هي دار المتقين و اما اذا لم‏يؤخذ العلم منهم فهو الجحيم و موضوعه هو الشجرة التي اصلها في تابوت بيت فلان و فلان و يبحث فيه عن فروعها و اغصانها و اوراقها المنتشرة في مهوي كل واحد من مواليهم و شيعتهم. كلا ان كتاب الابرار لفي عليين كتاب مرقوم يشهده المقربون و كتاب الفجار لفي سجين كتاب مرقوم يلزم علي اعناق المكذبين قال تعالي و مثل كلمة طيبة كشجرة طيبة اصلها ثابت و فرعها في السماء تؤتي اكلها كل حين باذن ربها كذلك يضرب اللّه الامثال لعلهم يتذكرون و مثل كلمة خبيثة كشجرة خبيثة اجتثت من فوق الارض ما لها من قرار يثبت اللّه الذين آمنوا بالقول الثابت في الحيوة الدنيا و في الاخرة و يضل اللّه الظالمين و يفعل اللّه ما يشاء.

قال انار اللّه برهانه و اشرق بفيوضه زمانه: بيان واقعي موضوعها مطلقاً هي الحقايق الخلقية و الاعيان الوجودية كما سبق و اما موضوع ما خصصناه بالذكر في هذه الاوراق الذي هو الالهي بالمعني الاخص هو المثال و التجلي المشار اليهما في الحديث تجلي لها فاشرقت و طالعها فتلألأت و القي في هويتها مثاله،

اقول: اشار بقوله زيد فضله بيان واقعي ان هذا التحقيق المندرج في هذا الفصل هو من الامورات النفس الامرية الواقعية الاولية التي ما شابتها العوارض المغيرة و لا الاكتسابات المبدلة بل هو علي ماخلق اللّه الاشياء عليه و بني حكمته عليه فان الموضوعات و المحمولات الظاهرة تتغير بتغير الاكتسابات و الاعتبارات كما هو ظاهر لكل ناظر.

قوله ادام اللّه عليه فيضه و ادام فيضه علي ساير خلقه «و موضوعها»، موضوع كل علم ما يبحث في ذلك العلم عن احواله و اطواره و شئوناته و تنزلاته و افعاله

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 226 *»

و ظهوراته و هذه المبحوثة عنها هي محمولات لذلك الموضوع تحمل عليها حملاً حقيقياً اولياً اما في ما هو سار فيه بذاته و تنزلاته فظاهر و اما ما هو سار فيه بآثاره و افعاله فانها صفات مغيبة في سطوع نوره و اوصاف مضمحلة في كبرياء ظهوره فلاتذوت لها عند تحقق جبروته و لاتثبت لها عند بروز قهاريته بل كلها اعراض و صفات قائمة به صادرة عنه راجعة اليه محمولة عليه منسوبة اليه و انما تذوتها و تثبتها اذا قطعت النظر عن مؤثرها و فاعلها و هي في نفسها لاذكر لها و لاوجود لها عند موثرها الا بالوصفية و العرضية فهي ايضاً تحمل عليها و تنسب اليها كما تنسب الي الشمس شعاعها و الي السراج نوره و لايجب ان‏يكون المحمول عرضاً لذات الموضوع كما قالوا فيكون ركناً للذات و تكون قائمة به بحيث تنفي و تعدم بانتفائه فانهم يقولون ان الموضوع للعلم ما يبحث فيه عن عوارضه الذاتية فلو كان كذلك لكان ما يبحثون عنه في علم الكلام من الصفات و الافعال عرضاً لذات اللّه سبحانه بحيث تنفي بانتفائها فانهم يزعمون ان موضوعه ذات اللّه و كذا في الحكمة الالهية بالمعني الاخص فانهم يزعمون ان موضوعها وجود الحق و يبحثون فيها عن الصفات الحادثة و الافعال و يلزمهم من هذا ان‏تكون الافعال ذاتية للّه سبحانه فيعدم بانعدامها و يفني بانتفائها و يتغير و يتبدل بتغيرها و تبدلها و ذلك لان الذاتي لايكون الا مساوق الذات فان كان معها و غيرها حادث فخلف او واجب فباطل و ان كان عينها فهو هو و ليس بمتكثر و لامتعدد فيبحث عنها و لكان ينبغي ان‏يبحث عنها في العلم الاعلي في معرفة الموضوع فذاتي الذات و الوجود الحق سبحانه هو هو ليس معه غيره.

و ان قلت متأخر عنها فليس بذاتي لها و انما هو ظهورات و شئونات حادثة فعلية شعاعية و هي اما متصلة بها كالظهورات التنزلية او منفصلة عنها كالآثار الايجادية فما شي‏ء منها تعرض ذات الموضوع بوجه من الوجوه، فقوله انار اللّه برهانه «و موضوعها مطلقاً» اي موضوع هذه العلوم المذكورة و الحكمة مطلقاً اي عن القيد بالعملي الالهي بالمعني الاخص علي اصطلاحهم او الاعم او العلم الاسفل من الطبيعي او العملي باقسامه و شقوقه فانها كلها في صقع

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 227 *»

واحد لها موضوع واحد كما سمعت و هو ما يبحث في هذه العلوم عن احوالها و ظهوراتها و اطوارها فقوله مطلقاً حال عن الموضوع.

و قوله اشرق اللّه بوجوده زمانه «هي الحقايق الخلقية و الاعيان الوجودية كما سبق»، فالحقائق الخلقية هي الحقيقة الكلية السارية في جميع الذرات الوجودية من الذوات و الصفات و الافعال و الآثار و صفاتها و اعراضها و اعراض اعراضها و هكذا الي مالانهاية له فهي الموضوع الذي نبحث في علمنا هذا عن احوالها هذه فهذه الحقايق لها اعتباران اعتبار وحدة و هو من جهتها العليا فهي ح واحد احدي المعني لاتكثر له بوجه من الوجوه فهو آية اللّه سبحانه و عنوانه و ظاهره و لايلاحظ فيه احوال و شئون و اطوار لاوجوداً و لاذكراً و لااعتباراً و لاصلوحاً بوجه من الوجوه فلايصلح ذلك للموضوعية لعدم كون حال و طور معه و انقطاع كل اعتبار دونه فهو آية اللّه الكبري و صفته العظمي و المثل الاعلي فلو عرف بحال و طور و سريان و كلية او جزئية لكان اللّه يعرف به و سبحانه عن ذلك و اعتبار كثرة و كلية و سريان في كل شي‏ء و هو من جهتها السفلي فهي حينئذ كلية سارية فهي حينئذ اعضاء و اشهاد و مناة و اذواد و حفظة و رواد الذين بهم ملأ اللّه سمائه و ارضه حتي ظهر ان لااله الا هو و هي حينئذ اركان البلاد و عناصر العباد فبهذا الاعتبار تصلح للموضوعية و عروض الاعراض و طروء الاطوار و التقلب في الاحوال و لهذا تراه اطال اللّه بقاه قد جمع اللفظة و لم‏يفردها و كذلك القوم جامعين له من حيث لايعرفون حيث قالوا هي العلم باحوال اعيان الموجودات و لايريدون منها ما نريده و ان كانوا يبحثون عنها من حيث انفسها فلذلك هم في ظلمات في بحر لجي و نحن في نور علي نور و يهدي اللّه لنوره من يشاء و يضرب اللّه الامثال للناس لعلهم يعقلون و قيد الخلقية لها لئلايتوهم جهتها العليا جهتها من ربها لما ذكرنا و الاعيان الوجودية العين هو الشي‏ء المتأصل التام و الوجودية هي الكونية و المراد بهذه الاعيان هي الحقيقة الولوية الكلية المهيمنة علي جميع المذروءات و المبروءات من جميع ماسويهم صلوات اللّه عليهم السارية في

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 228 *»

اركان كل شي‏ء القائمة به كل شي‏ء فهي تعبير ثان للحقايق الخلقية و ان كانت اعم.

و قوله ادام اللّه عزه «كما سبق»، اي في عوالم الالف الف السابقة التي كانوا في جميع تلك العوالم اركانها و اعضادها و قوامها و سنادها و غياثها و كانت جميع الكثرات و الاطوار و الاوضاع و الاحوال السالفة فيها جميعها تطورات حقيقتهم و شئونات طبيعتهم و اشعة انارتهم و انوار اضائتهم و صفاتهم و فضائلهم و علمهم و حكمهم و ظهوراتهم فكما سبق لهم في تلك العوالم تقدم الاجابة و التسارع الي طاعة اللّه سبحانه سبقوا كل مخلوق و مبروء و مذروء بحيث لايلحقهم لاحق و لايطمع في ادراك مقامهم طامع حتي لايبقي ملك مقرب و لانبي مرسل و لاصديق و لاشهيد و لاعالم و لاجاهل و لادني و لافاضل و لامؤمن صالح و لافاجر طالح و لاجبار عنيد و لاشيطان مريد و لاخلق فيما بين ذلك شهيد الا عرفهم حين عرفهم و عرف لهم و تعرف عندهم جلالة امرهم و عظم خطرهم و كبر شأنهم و تمام نورهم و صدق مقاعدهم و ثبات مقامهم و شرف محلهم و منزلتهم عنده و كرامتهم عليه و خاصتهم لديه و قرب منزلتهم منه فصار ان ذكر الخير كانوا اوله و اصله و فرعه و معدنه و مأواه و منتهاه و كل حق معهم و فيهم و منهم و بهم و لديهم فكما سبق لهم ذلك كذلك في العوالم السابقة و الدهور الخالية السالفة صارت حقايقهم موضوعاً لكل علم و اصلاً لكل خير و منبعاً لكل حق و قد اشار الي ذلك رسول اللّه9 في حديث جابر كما روي في رياض الجنان عن جابر بن عبداللّه قال قلت لرسول اللّه9 اول شي‏ء خلق اللّه تعالي ما هو فقال نور نبيك يا جابر خلقه اللّه ثم خلق منه كل خير ثم اقامه بين يديه في مقام القرب ماشاء اللّه ثم جعله اقساماً فخلق العرش من قسم و الكرسي من قسم و حملة العرش و خزنة الكرسي من قسم و اقام القسم الرابع في مقام الحب ماشاء اللّه ثم جعله اقساماً فخلق القلم من قسم و اللوح من قسم و الجنة من قسم و اقام القسم الرابع في مقام الخوف ماشاء اللّه ثم جعله اجزاء فخلق الملئكة من جزء و

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 229 *»

الشمس من جزء و القمر و الكواكب من جزء و اقام القسم الرابع في مقام الرجاء ماشاء اللّه ثم جعله اجزاء فخلق العقل من جزء و العلم و الحلم من جزء و العظمة و التوفيق من جزء و اقام القسم الرابع في مقام الحياء ماشاء اللّه ثم نظر اليه بعين الهيبة فرشح ذلك النور و قطرت منه مأة الف و اربعة و عشرون الف قطرة فخلق اللّه من كل قطرة روح نبي و رسول ثم تنفست ارواح الانبياء فخلق اللّه من انفاسها ارواح الاولياء و الشهداء و الصالحين انظر الي هذا الحديث الشريف كيف اوضح و شرح كون نوره صلوات اللّه عليه اصل كل شي‏ء و بين ان كل شي‏ء من تطورات ذلك النور الشريف و شئوناته و احواله و نحن لانريد من الموضوع الا هذا و هذا هو الامر الوحداني الساري المتكثر و الفرد المجتمع فتدبر. و قد اشار اللّه سبحانه في عدة آيات الي اجتماعهم في تفردهم قال فاولئك مع الذين انعم اللّه عليهم من النبيين و الصديقين و الشهداء و الصالحين و حسن اولئك رفيقا. قال النبي9 النبيين فأنا و الصديقين فأخي علي و الشهداء الحسن و الحسين8و الصالحين الائمةو حسن اولئك رفيقاً القائم من آل‏محمد9 و قال انما وليكم اللّه و رسوله و الذين آمنوا الذين يقيمون الصلوة الآية. و لايراد بالذين آمنوا الا علي7 و هكذا كثير من هذا القبيل لمن تتبع تفاسير اهل البيت: و يراد من قوله ادام اللّه عزه «كما سبق» اي في الحد من الاشارة الي الموضوع اذ قال «يبحث فيه عن المعارف الالهية و الحقايق اللاهوتية و الامثلة الملقاة الخ.»

و قوله انير برهانه «و اما موضوع ما خصصناه الخ»، فان لكل نوع من الانواع موضوع عليحدة ذلك الموضوع اصل لما يتفرع اليه من المحمولات من احوال ذلك الاصل و اطواره و اوضاعه و ان كان هذا الاصل بنفسه اذا لوحظ بالنسبة الي فوقه طور من اطواره و حال من احواله فاصل جميع العلوم هو تلك النقطة الاولية و كل حال من احواله اصل و موضوع لعلم آخر يبحث فيه عن احوال ذلك الطور

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 230 *»

و هكذا كل طور من هذه الاطوار اصل و موضوع لاحوال و اطوار اخر يبحث في علمه عن تلك الاحوال و هكذا فبذلك تكثرت العلوم و تشتت و بوبت كل علم و فصلت.

و قوله رفع اعلامه «هو المثال و التجلي الخ»، هو اقتباس من حديث علي7 كما ذكره في المتن و المراد بالمثال هو الوصف الاستدلالي العنواني الملقي بفعله سبحانه المتعلق بالشي‏ء في هويته و التجلي هو ظهور الذات باثر فعله للشي‏ء فهو ايضاً ذلك المثال فهذا المثال هو موضوع علم الالهي بالمعني الاخص الذي يبحث فيه عن احوال هذا المثال فكل ما يذكره المصنف زيد فضله في ادق معانيه و اعلي مقاماته فهو احوال هذا المثال الشريف و التجلي اللطيف فترقب و قد مر اشارة الي بيان المثال في ذيل قوله «و الامثلة الملقاة» و كذا مر تفسير الحديث فلانعيده.

قال ادام اللّه بقائه و اطال ظله علي رأس من والاه: او المقامات و العلامات المشاراليهما في الدعاء فجعلتهم معادن لكلماتك و اركاناً لتوحيدك و آياتك و مقاماتك التي لاتعطيل لها في كل مكان يعرفك بها من عرفك لافرق بينك و بينها الا انهم عبادك و خلقك و هو ما قلنا لك من المثال الا ان المثال اصطلح في المقام الخامس و العلامة الخامسة كما سيأتي ان شاء اللّه تعالي و هو و ان كان من الموضوع الا انه علي التفصيل من المحمول فافهم و تيقن.

اقول: المقامات جمع مقامة كعلامات جمع علامة و المراد ظواهر اللّه سبحانه في خلقه و دلائله في عباده الذين هم القائمون مقام اللّه في كل رتبة رتبة و الدالون علي اللّه في كل مقام مقام بحيث لافرق بينه و بينها في شي‏ء من الاشياء و في وصف من الاوصاف بحيث ان مشيتهم مشيته و ارادتهم ارادته و فعلهم فعله و قولهم قوله و حكمهم حكمه و صفاتهم صفاته بحيث من رآهم فقد رأي الحق في ذلك المقام فلافرق بينه و بينها في شي‏ء من هذه الاشياء الا انهم عباده و خلقه فتقها و رتقها بيده بدؤها منه و عودها اليه قال علي7 في خطبة يوم الغدير

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 231 *»

و الجمعة اقامه في ساير عوالمه مقامه اذ كان لاتدركه الابصار و لاتحويه خواطر الافكار و لاتمثله غوامض الظنون في الاسرار و عن الصادق7 ان اللّه تبارك و تعالي لايأسف كأسفنا ولكن خلق اولياء لنفسه يأسفون و يرضون و هم مخلوقون مربوبون فجعل رضاهم رضا نفسه و سخطهم سخط نفسه و ذلك لانه جعلهم الدعاة اليه و الادلاء عليه فلذلك صاروا كذلك الحديث و قال الهادي7 من اراد اللّه بدء بكم و من وحده قبل عنكم و من قصده توجه بكم. و هذه المقامات و العلامات و الظواهر و الادلاء هي مقام اسم الفاعل و الممثل بالحديدة المحماة فانه هو الوصف التعريفي الذي عرف اللّه نفسه به للخلق و الذي اقامه مقامه و اجري عن يده افعاله و أدي عن لسانه اقواله و هو اي اسم الفاعل كما قررناه في محله مشتق من المصدر بل هو ثان الوجوه من وجوهه الذي حكي الفعل له به عدم استقلاله بنفسه و افتقاره الي مبدئه فبكثرة الافتقار ظهر بالاستغناء و الافتخار و بكثرة الاضمحلال ظهر بالعز و الجلال بل هو افتخار الجبار و جلال ذي‏الجلال فلما اعدم هذا نفسه و افني شخصه لم‏يحجب عن نور مبدئه و بهاء ضيائه سبحانه فصار الذات غيبت الصفات فصار كما قال سيدالشهداء7 أيكون لغيرك من الظهور ما ليس لك حتي يكون هو المظهر لك متي غبت حتي تحتاج الي دليل يدل عليك و متي بعدت حتي تكون الآثار هي التي توصلني اليك عميت عين لاتراك و لاتزال عليها رقيبا الدعاء. و اما سبيل الاشتقاق فلنقبض عنه العنان فانه للحيطان آذان و اشرنا قبل ذلك الي شي‏ء منها فراجع ان عثرت عليها.

قوله زيد فضله «كما في الدعاء»، هو دعاء كل يوم من شهر رجب لمولانا صاحب الزمان عجل اللّه فرجه و سهل مخرجه المروي في مصباح الكفعمي و غيره من كتب الاصحاب.

و اما قوله7: و معادن لكلماتك، المعادن جمع معدن بكسر الدال مركز كل شي‏ء و كلمات اللّه سبحانه خلقه من الاسباب و المسببات و العلل و المعلولات قال تعالي بكلمة منه اسمه المسيح و قالوا:

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 232 *»

في قوله تعالي لو كان البحر مداداً لكلمات ربي لنفد البحر قبل ان‏تنفد كلمات ربي الآية، نحن الكلمات التي لايستقصي فضلنا الحديث. و تسمية المخلوقات بالكلمة كثير في عبارات اهل البيت: فهم: معادن لكمات اللّه اذ جميع الكلمات انما نشأت منهم و وجدت بهم بل هي ظهور من ظهوراتهم و شأن من شئونهم و طور من اطوارهم و معدن كل هذه الكلمات و ينبوع كل هذه الانهار هم: فهم الينبوع المتشعب في الانهار و المعدن المتشتت في الجواهر فكل شي‏ء قائم بهم بدء منهم و عايد راجع اليهم و قد اشار اللّه سبحانه و من آياته ان‏تقوم السماء و الارض بامره فهم الامر الذي تقوم السماء و الارض بهم قيام صدور و قيام ركن و قيام تحقق و قيام ظهور لانهم العلل في جميع الخلق خلقها اللّه بهم و منهم و لهم و فيهم فهم المعادن للكلمات بكل واحد من المعاني الاربعة التي لانطيل بذكرها البيان و انما يتذكر من كان له قلب او القي السمع و هو شهيد.

و قوله7: و اركاناً لتوحيدك و آياتك و مقاماتك التي لاتعطيل لها في كل مكان، فانهم: هم المعاني لاسمائه سبحانه و ظهوره في ساير خلقه الذي بهم ظهر لمن ظهر اما بانفسهم او باشعتهم و آياتهم و آثارهم و الظهور هو ركن الظاهر الذي لايتحقق الا به فان الظاهر لايوجد و لايتحقق الا بالظهور فلولا الظهور لم‏يكن الظاهر ظاهراً فلايقال للشي‏ء ظاهر الا لظهوره بظهوره عند ظهوره فلما لم‏يوحد اللّه نفسه و لم‏يعرف الا بما ظهر لخلقه و لم‏يظهر الا بظهوره كانوا بذلك اركاناً لتوحيده و آياته و مقاماته و اما انه لاتعطيل لها في كل مكان فلانه ليس شي‏ء من الموجودات من الدرة الي الذرة الا و يجده عنده و قد يدلج بين يديه مدلجاً سائراً ماسار و بالغاً مابلغ فلايفقده ابداً و لايدركه سرمداً.

و قوله7: يعرفك بها من عرفك لافرق بينك و بينها الا انهم عبادك و خلقك، فان الشي‏ء يعرف بصفته فلو عرف بغير صفته لعرف غيره الموصوف بها كما اذا عرف احد الرمح بالعرض و القصر ما عرفه او عرف الزنجفر بالسواد فقد جهله و هي اي تلك الكلمات و الآيات و المقامات هي صفات اللّه التي عرف

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 233 *»

نفسه لخلقه بها فمن عرفها فقد عرف اللّه سبحانه كما عرفه و امامه يقين و من انكرها و اراد ان‏يعرف اللّه بغير ما عرف نفسه له فقد جهله و امامه سجين و لافرق بين هذه الصفات و بينه الا انهم عباده و خلقه لان كل ما للّه سبحانه لهم فانهم كانوا له فجعل اللّه سبحانه كل ما له لهم فبذلك صار امرهم امره و قولهم قوله و حكمهم حكمه و سمعهم سمعه و بصرهم بصره و قلبهم قلبه و نفسهم نفسه و لسانهم لسانه و روحهم روحه و حبهم حبه و بغضهم بغضه و معرفتهم معرفته و انكارهم انكاره قال علي7 و اما المعاني فنحن معانيه و نحن جنبه و يده و لسانه و امره و حكمه و علمه و حقه اذا شئنا شاء اللّه و يريد اللّه ما نريده الحديث و عن الصادق7 لنا مع اللّه حالات نحن فيها هو و هو نحن و نحن نحن و هو هو، فلافرق بينهم و بين اللّه سبحانه الا انهم عباده و خلقه مربوبون مخلوقون مضمحلون تحت كبرياء سلطان اللّه جل جلاله و عظم قدره.

و قوله مد اللّه ظله و انار برهانه «و هو ما قلنا لك من المثال الخ»، يعني المقامات و العلامات هي المثال الملقي فانه هو ماظهر اللّه سبحانه به لخلقه اذا قطع النظر عن كونه مثالاً فانه جهة الخلقية و لايكون ظاهر للّه سبحانه و آية من هذه الحيثية بل اذا نظرت اليه قاطعاً النظر عنه مرفوع الهمة عن الاعتماد عليه و رأيت اللّه به فانه ح هو الظاهر و هو العنوان و هو الصفة لا من حيث انه ظاهر له و عنوان و صفة له ارجع من قولي هذا الي ما اريده من الحقيقة فلاتركن الي اللفظ فلاتصل الي ما اريد.

و قوله زيد فضله «الا ان المثال اصطلح الخ»، المقام الخامس هو مقام الاثر و مقام المصدر من الفعل و الدلالة من الكلمة و الودق من السحاب و ذلك ان كل شي‏ء من اول تكونه الي آخر تمامه و امضائه له مراتب اربع يخلق في تلك الاطوار و يوجد في تلك الادوار و الاكوار الاولي مقام النقطة في الكلمة و الرحمة في السحاب و هو المسمي عند اهل البيت بالسر المستسر و السر المجلل بالسر و السر المقنع بالسر و المادة الاولي عند الفلاسفة و الثانية الالف في الكلمة و الرياح في

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 234 *»

السحاب و هو المسمي عند اهل البيت: بباطن الباطن و سر السر و هذا هو الانحلال الاول و الثالثة الحروف في الكلمة و السحاب المزجي و هو المسمي عندهم: بباطن الظاهر و السر و هو الانعقاد الاول و الرابعة الكلمة و السحاب المتراكم و هو المسمي عندهم: بالظاهر لانه هو الظاهر الممضي مشروح العلل مبين الاسباب و لايلحظ فيه الحل الثاني الذي هو سوق الحروف و السحاب كل واحد الي الآخر و مزج بعضها مع بعض لخفائه ففي الحقيقة للشي‏ء خمس مراتب المادة الاولي و حلان و عقدان و انما قلنا اربع لما ذكرنا فلما كان اول ماخلق اللّه سبحانه هو الفعل خلقه بنفسه اولا و خلق ماسواه به و ليس لسنة اللّه تبديلاً و ما خلقكم و لابعثكم الا كنفس واحدة و ماتري في خلق الرحمن من تفاوت كان الفعل له هذه المراتب الاربع و بعد التمام هو الكلمة التي انزجر لها العمق الاكبر و السحاب المتراكم المساق الي الارض الجرز ارض القوابل و لما كان المثال المذكور و المقامات المذكورة و العلامات المسطورة وصف اللّه سبحانه و صفته التي بها وصف نفسه لعباده و انما وصف سبحانه ما وصف بفعله و مشيته و ارادته و اختراعه لابنفسه فكان واقعاً في خامس المقام و هو كالدلالة للكلمة و الودق للسحاب المساق و الاثر للمولود الفلسفي فمراده زيد فضله «ان المثال» و ان كان في هذا المقام الذي هو مقام الخامس الا انا اردنا به هيهنا المقامات و العلامات التي هي مقام اسم الفاعل و هو اعلي المقامات ليس للمخلوق مقام اعلي منه يعني من حيث الاثرية و المخلوقية و اسم الفاعل هو الموضوع الذي يبحث عن احواله في العلم الالهي فاذا اريد بالمثال هذا الاسم فهو الموضوع و الا فهو المحمول و هذا معني قوله زيد «بهاؤه» و هو و ان كان من الموضوع يعني من سنخه و من رتبته فان الكائن الراجح هو الفعل من وجه و الفاعل من وجه و الاثر و المثال من وجه فالكل من سنخ واحد ولكن ذلك علي سبيل الاجمال فاذا فصلت الامر و اجريت فيه بالتزييل الفؤادي ما يجري في آثاره و لو بوجه اشرف و الطف لرأيته محمولاً فانه طور من اطوار المقامات و حال من احواله فافهم و تيقن.

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 235 *»

قال مد اللّه ظله و ادام بقاه: قد سمينا هذا العلم زائداً علي انه الاخص للاخص و قد يشمل الخاص في بعض مراتبه المتنزلة بالبيان كما سماه الحق سبحانه بقوله خلق الانسان علمه البيان اذ ليس هو المعروف و ان كان هو المعروف و ليس المنطق الفصيح المعرب عما ما في الضمير و ان كان هو كذلك،

اقول: هذا العلم اي الالهي بالمعني الاخص زايداً علي ما يسمونه بالاخص للاخص اي الخصيصين الذين هم اخص الخواص و هم اهل الحكمة و اولواالالباب و قد يشمل اي ما سمينا به هذا العلم الخاص اي اولي الحجي و العقول و اصحاب القلوب و الموعظة الحسنة في بعض مراتبه التنزلية في عالم الجبروت عالم المعاني الكلية بالبيان و هو ما بين اللّه سبحانه لعبده من صفات التوحيد و آيات التفريد و اعرب بها عن ضميره الذي هو تلك الصفة من مراداته التي هي معرفته و توحيده و لذلك ذكره اللّه سبحانه علي سبيل التساوق في قوله الرحمن علم القرآن خلق الانسان علمه البيان و ما ذكر ذلك التعليم بغير عطف مؤد للترتيب او التأخر او غير ذلك بل هو تعليم مساوق لخلق الانسان لم‏يسبق شي‏ء منهما شيئاً فلك ان‏تسميه عطف بيان فيكون معني علمه البيان هو خلق الانسان فيكون كل واحد منهما تعبير عن شي‏ء واحد بلاتفاوت فبخلقه اياه علمه اياه و بتعليمه اياه خلقه و هذا البيان هو تفصيل القرآن الذي هو عليهم في قوله تعالي ان علينا بيانه فهو الفرقان الذي فرقوه ليقرؤه بهم رسول اللّه علي مكث كما اشار اليه تعالي و قرآنا فرقناه لتقرؤه علي الناس علي مكث و نزلناه تنزيلا، فالقرآن نزل علي رسول اللّه9 ليبين للناس بهم صلوات اللّه عليهم ما نزل اليهم لعلهم يتذكرون قرآناً عربياً غير ذي‌عوج. فالرحمن اولاً علم القرآن و ذلك هو الذي استوي علي العرش برحمانيته فهو علم القرآن اولاً قبل كل مذروء و مبروء اياه به فالقرآن هو رحمته الواسعة التي اشتق الرحمن منها ثم خلق الانسان7 الذي حمل الامانة و قبل ان‏يؤديها الي كل ذي‌حق و كان خلقه ايضاً بالتساوق كما ذكره من غير عطف و ان كان في الرتبة متأخراً كما ذكرناه بثم علمه البيان لانه

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 236 *»

التزمه و قال ان علينا بيانه، انما انت منذر و لكل قوم هاد، و ماكان اللّه ليضل قوماً بعد اذ هديهم حتي يبين لهم ما يتقون.

قوله انير برهانه «اذ ليس هو المعروف»، و ذلك تعليل لاختصاصه بالاخص دون الخاص لان البيان بهذا المعني ليس معروفاً عند الخواص و ان كان هو المعروف حسب لاسواه عند كل احد و انما خفي عليهم لشدة ظهوره و استتر عنهم لكثرة نوره فهو و ان كان معروفاً عند كل احد باشد الظهور اما بذاته او بصفاته و آياته لكنه خفي عليهم و ليس بمعروف عندهم.

و قوله زيد فضله «و ليس المنطق الفصيح الخ»، لانه ليس مساوقاً لخلق الانسان و ليس اعظم نعمة يقع في موقع هذا الامتنان و ان كان هو كذلك ايضاً بتعليم اللّه سبحانه لاغير كما قال و من آياته اختلاف السنتكم، لكنه في مقام الظاهر. و للقرآن تصاريف اخر يؤل اليها بتفسير بعضه بعضاً و بضم بعضه مع بعض بحيث لايخفي علي المتأملين و قد بينا شطراً منها مع انا قد اجرينا هذا الحد في مقام التأويل و الباطن لان الباطن علي طبق الظاهر فلايعلم الاستدلال علي ما هنالك الا بما هيهنا فالبيان في الباطن هو المنطق الفصيح المعرب عما في الضمير ينطق به كتاب اللّه الناطق7 الذي قال في حقه ربه عز من قال هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق انا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون.

قال زيد فضله و انير برهانه: بل هو التوحيد كما عن اهل بيت التمجيد زايداً علي ما دل عليه العقل السديد قال و ما البيان و المعاني قال قال علياما البيان فهو ان‏تعرف ان اللّه واحد ليس كمثله شي‏ء فتعبده و لاتشرك به شيئاً.

اقول: الرواية هي عن جابر بن عبداللّه عن ابي‏جعفر7 انه قال يا جابر عليك بالبيان و المعاني قال فقلت و ما البيان و المعاني قال قال علي7 اما البيان فهو ان‏تعرف اللّه سبحانه بانه واحد ليس كمثله شي‏ء فتعبده و لاتشرك به شيئاً و اما المعاني فنحن معانيه الحديث. فالمعني ان البيان ان‏توحد اللّه

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 237 *»

سبحانه بجميع مراتب التوحيد الاربع فلاتشرك به في شي‏ء من هذه المراتب و هي توحيد الذات بان لاتعلم مع اللّه احداً و اشار اليه بقوله ان اللّه واحد كما اشار اللّه تعالي اليه بقوله قل انما انا بشر مثلكم يوحي الي انما الهكم اله واحد و توحيد الصفات بان لاتري معه مشابهاً و لاتشبهه بشي‏ء من خلقه و اشار اليه بقوله ليس كمثله شي‏ء و اشار اللّه اليه بذلك و توحيد الافعال بان لاتري في افعاله له معيناً و عضداً و اشار اليه بقوله و لاتشرك به شيئاً الذي اشار اللّه اليه بقوله هو الذي خلقكم ثم رزقكم ثم يميتكم ثم يحييكم هل من شركائكم من يفعل من ذلكم من شي‏ء سبحانه و تعالي عما يشركون و توحيد العبادة ان لاتشرك في عبادته احداً فتعبده مخلصاً له الدين و اشار اليه بقوله فتعبده و اشار اللّه اليه بقوله فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملاً صالحاً و لايشرك بعبادة ربه احدا. فالبيان هو اسم لتوحيد اللّه سبحانه في هذه المراتب الاربع و هو هم عليهم صلوات اللّه فانهم الذين لايعرف اللّه الا بسبيل معرفتهم و انما عرف اللّه من عرفه بهدايتهم و ارشادهم و قد شرح هذا المقام علي7 بقوله الحق ان اللّه عزوجل لو شاء عرف الناس نفسه حتي يعرفوه و يأتوه من بابه ولكن جعلنا ابوابه و صراطه و سبيله و بابه الذي منه يؤتي الحديث فاذا كان البيان هو توحيد اللّه و هو موقوف بمعرفتهم و تعريفهم فالبيان بيانهم و عليهم كما شرحنا فتدبر.

قال اطال اللّه بقاه و امد ظله علي رأس من والاه: فيكون المحمول هو المعاني اي الصفات الخلقية الظاهرة في المجالي الامكانية قال7 و اما المعاني فنحن معانيه و نحن علمه و عينه و حكمه و جنبه و يده الحديث، فهي

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 238 *»

اركان التوحيد اللّهم اني اسئلك بمعاني جميع ما يدعوك به ولاة امرك الي ان قال فجعلتهم معادن لكلماتك و اركاناً لتوحيدك الدعاء، فتم العلم بالمعاني و البيان فسميناه بهما تبعاً لمبدئنا كما شرطنا في الحد لانا لانلحد ان‏شاء اللّه في الاسماء فلانخاطب بان هي الا اسماء سميتموها انتم و آباؤكم ما انزل اللّه بها من سلطان كما يخاطب به غيرنا و قد نسميه بعلم المعرفة اذ به تحصل الكاملة بقدر الطاقة البشرية فاعرف ذلك،

اقول: اذا كان البيان هو معرفة اللّه القديم سبحانه بما عرف نفسه من المثال الملقي و المقامات و العلامات التي لاتعطيل لها في كل مكان و يعرفه بها من عرفه فالمعاني التي هي الصفات الخلقية التي هي مبادي اشتقاق الاسماء هي محمولات علي البيان و البيان هو الموضوع و معرفته و المعاني هي المحمولات علي ذلك الموضوع التي هي اطواره و احواله و شئونه و ظهوراته و هي التي ظهرت في المجالي الامكانية و هي قوابلها المستعدة لقبول ما يرد عليها من الامداد و الفيوضات و هي القوابل و المرايا المجلية التي ما كانت لنفسها ابداً بل كانت له سبحانه وحده كما ارادت ذلك و كما خلقها اللّه عليها فكانت مرايا تجليات ظهوراته سبحانه باسمائه و صفاته لم‏تبق من شئون صفاته و ظهوراته شيئاً الا و حكته كما هو عليه في الواقع فكل ما عبرته الانس او اشارت اليه الآلات و رقت اليه دقايق العقول لم‏يقع الا عليها و لم‏يعن به الا اياها فانهم لما كانوا له سبحانه في جميع الاحوال بكلهم جعل اللّه لهم كل ما كان له كائناً ماكان و بالغاً مابلغ فلم‏يبق لنفسه شيئاً الا و اعطاهم اياه فلما لم‏يكونوا لانفسهم كان كل ما لهم له ليس لاحد فيما له شركة لانهم انفسهم له فهم المعاني لما يدعو اللّه سبحانه ولاة امره المأمونون علي سره و ان شئت قلت اللّه هو المعني بكل ما يدعي و التفصيل ازيد من هذا منعنا عنه فلنقبض العنان فان للحيطان آذاناً فهذه المعاني محمولات لذلك الموضوع الذي هو البيان فانه اعز و اجل و اكرم من ان‏يعني او يقصد و يراد

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 239 *»

بل المقصود المراد ظهوراته و اطواره التي هي تلك المعاني قال الشاعر:

سلام علي جيران ليلي فانها   اعز علي العشاق من ان‏تسلما

قوله ادام اللّه ظله: قال7: و اما المعاني الخ، هذا تتمة حديث جابر حيث قال و اما المعاني فنحن معانيه و نحن جنبه و يده و لسانه و امره و حكمه و علمه و حقه اذا شئنا شاء اللّه و يريد اللّه ما نريده الحديث.

قوله زيد نوره «فهي اركان التوحيد الخ»، لان اللّه سبحانه ماظهر لشي‏ء من خلقه الا بهذه الصفات الظاهرة التي وصف نفسه للخلق بها و هذه الصفات هي ظهوراته و الظهور ركن الظاهر كالقيام فانه ركن للقائم و ذلك لان ذات زيد الغيبية في ذاتها و كونها ليست محدودة بحد القيام و الا ماكان يمكن ان‏يقعد فلو قعد فنيت ذاته و انعدمت بل هو شي‏ء يحدثه زيد بفعله و ايجاده و اذا شاء اعدمه و اوجد غيره و بذلك امكن له الاتصاف بالقائم و القاعد و الراكع و الساجد و لاشك ان القيام و القعود و الركوع و السجود حدود و صفات لم‏يتصف الشي‏ء بها الا بعد ايجادها و اما قبل ايجادها لم‏يتصف بها و ذلك الظاهر بالقيام هو القائم و بالقعود هو القاعد و بالسجود هو الساجد و هكذا و ذلك الشي‏ء هو ما عند الظهور من آية الذات و دليلها فكان القيام ركن القائم و القعود ركن القاعد و لما كان توحيد اللّه سبحانه نفسه بهذه الصفات الظاهرة في المجالي الامكانية التي هي المعاني كانت تلك المعاني اركاناً لتوحيده سبحانه فمن اراد اللّه بدء بهم و من وحده قبل عنهم و من قصده توجه بهم.

و قوله انير برهانه اللّهم اني اسئلك الخ، استشهاد بدعاء القائم عجل اللّه فرجه الوارد في ايام شهر رجب و التخصيص هنا بولاة الامر فان ما يعنون هؤلاء من المعاني العليا و كل من سواهم لايعني الا المعاني السفلي كل بحسبه و لاشك ان الاعلي انجح لحصول المطلوب و اولي بالارادة و القصد و اما معادن لكماتك و اركاناً لتوحيدك فقد مر شرحهما.

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 240 *»

قوله زيد فضله و علا قدره «فتم العلم بالمعاني و البيان»، لان الشي‏ء لايتم الا باركانه و لاشك ان المحمول ركن الموضوع و جهات تعاريفه و اطوار ظهوراته فلولا تلك الجهات لم‏تظهر الموضوع و ذلك نقص في الحكمة فتمام العلم الذي هو الالهي الاخص و علم التوحيد و المعرفة بمعرفة الموضوع و المحمول و الظاهر و المظهر و الموصوف و الصفة و سبب تسميته اياه بهما لما ذكره اطال بقاه مجملاً و ما ذكرناه في تلو الحد مفصلاً و ذلك انا لاعلم لنا الا ما علمونا و لانعرف الاّ ما عرفونا و لاقوة الاّ باللّه العلي العظيم.

و قوله ادام اللّه فيضه «و قد نسميه بعلم المعرفة الخ»، لان المعرفة الحقة الكاملة التي ارادها اللّه من خلقه لاتحصل الا بهذا العلم الشريف و الفن اللطيف و ذلك لان معلوماته و مسائله هي حروف الكتاب الكبير و الصغير و المتوسط التكوينية و حروف الكتاب التدويني التي كتبها اللّه سبحانه بقلم ابداعه علي لوح اختراعه من جهة انها صفاته و آياته و امثلته لامن جهات انفسها و هي ما عرف اللّه نفسه بها لخلقه لابغيرها و العلم بهذه الحروف لايحصل الا من هذا الباب الذي آتيناه فانه الباب الذي امر اللّه عباده ان‏يأتوه و الجناب الذي حكم ان‏يقبلوا اليه و ان كان و كل يدعي وصلاً بليلي لكن و ليلي لاتقر لهم بذاكا فان له علامة تعرف الكاذب من الصادق و هو:

اذا انبجس الدموع علي الخدود   تبين من بكا ممن تباكا

فنحن بحمد اللّه من الممتحنين في الاتيان المجربين بالبكاء لانا لاننتسب في علمنا هذا الا بآل‏محمد العلماء: و هم الذين أشهدهم اللّه خلق انفسهم و خلق الخلق فلايخطون فيما شهدوا و نحن ايضاً بتسديدهم و توفيقهم فيما انتسبنا اليهم و استشهدنا بكلامهم مسددون موفقون لايجري علينا من الطعن و البحث ما يجري علي من لم‏ينتسب رأساً.

و قوله اعلي اللّه مقامه في الدارين «بقدر الطاقة البشرية»، هذا تقييد للكاملة حتي لايظن احد انه يعرف هذا العلم المعرفة الكاملة الحقة الواقعية كما يكون اللّه سبحانه في قدس كماله و عز جلاله بل كل رتبة بحسبها بما ظهر اللّه لها بها و بما

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 241 *»

عرف نفسه لها بها فالكمال اضافي فاعرف ذلك.

انتهي كلام الشارح نور اللّه باناراته قلوب العباد و عمر بادامة بقائه جميع البلاد و علم اللّه ان هذا الشرح الشريف قد حاز من الحقايق المغمورة ما حارت عن فهمه اوهام الاعلام و حوي من الدقايق المستورة ماضلت عن نيله اقدام ذوي الاحلام اذ قد اوضح رموز كلمات المتن باشاراته و فتح كنوز عباراته بمفاتيح تلويحاته و تصريحاته فلعمري لايكاد يوجد مثل هذا الشرح الشريف كما لايكاد يوجد مثل ذلك المتن اللطيف الا عن مثلهما انار اللّه برهانهما و ذلك لان الماتن اعلي اللّه مقامه و رفع في جنان الخلد اعلامه كان عالماً بالدقايق و محيطاً علي الحقايق و كلام المحيط شامل حاو محيط لامحالة فلايقدر احد علي شرحه علي ما ينبغي الا محيط مثله و من العجب ان الشارح ادام اللّه ظله العالي قد أتي بذلك من التعليق الرشيق في اوائل ايام تلمذه عند المصنف اعلي اللّه مقامه و رفع شأنه في حدود سنة تسع و اربعين من المأة الثالثةعشرة من الهجرة النبوية علي مهاجرها الصلوة و السلام فلايكون ذلك الا لاجل انه لايعلم رطنه الا ولد بطنه ثم لما كان الشارح ادام اللّه ظله السامي علي رؤوس من والاه من يرد عليه دائماً سؤال السائلين من الاطراف و يشد اليه رحال الراحلين من الاكناف منع اشتغاله ادام اللّه بقاه باجوبة المسائل عن اتمام هذا الشرح الشريف و لذا وقع الختم علي هيهنا بيد عبده الضعيف الجاني علي بن الحسن البحراني عفي اللّه عنهما حامداً مصلياً مستغفراً في سنة 1273 تمت.

([1])  و الادراك. خ‏ل

([2])  تابعة لها. خ‏ل