05-01 مکارم الابرار المجلد الخامس ـ رسالة في شرح دعاء السحر ـ مقابله

 

 

رسالة في شرح دعاء السحر

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

من مصنفات

العالم الرباني و الحکيم الصمداني

مولانا المرحوم الحاج محمد کريم الکرماني

اعلي‌الله مقامه

 

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 7 *»

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين و صلي الله علي محمد و آله الطاهرين و رهطه المخلصين و لعنة الله علي اعدائهم اجمعين.

و بعد يقول العبد الاثيم كريم من ابرهيم انه قد القي الي كتاب كريم و خطاب عظيم من كافي الكفاة و والي الولاة معز المؤمنين و مذل المنافقين حامي حوزة المسلمين و ناصر اهل الحق و اليقين العضد اليمني للسلطنة البهية و الركن الاقوي للدولة السنية خليل السعادة و جليل الافادة و رافد الوفادة كعبة‌الكرم و حرم الشيم صاحب السياستين الحكم و العلم و جامع المنقبتين السياسة و الحلم فخر السلطنة العظيمة و حشمة الدولة الفخيمة نواب حمزه ميرزا سقي الله رياض عزه بسحائب افضاله و رفع الله اعلام جلاله بايدي اعظامه و اجلاله و وفقه لنصرة الدين و اعزاز المؤمنين و انفذ سيف قهره علي هامات المنافقين و ادخره لنصرة دولة الامام المبين عجل الله فرجه و فرجنا به آمين يا رب العالمين و قد ذكر ادام الله ايام تأييداته فيه ما لااليق له ما انا و ما خطري انا مثل الذرة بل اقل ولكنه دام مجده قد كتب ما يليق بفخاره و سطر ما صدر من نجاره نعم الجليل لاينطق الا باجلال و العزيز لايتفوه الا باعزاز فكل اناء بالذي فيه ينضح ثم امرني فيما ضمن كتابه الكريم و خطابه الفخيم ان اشرح له الدعاء الوارد في السحر و ظني ان مراده دام مجده الدعاء الوارد في اسحار شهر رمضان المشتمل علي صفات الله و كماله فانه محط الانظار المشتهر في الاعصار و الاقطار بالاشكال فاقدمت علي خدمة خزانته المنيفة بشرحي لذلك الدعاء الجليل سائلا من الله سبحانه التوفيق للاصابة و الاتمام و الاخلاص لوجهه الكريم انه بالاجابة جدير و علي كل شيء قدير فاجعل فقرات ذلك الدعاء العظيم كالمتن و اذيلها بالشرح علي حسب ما ييسر الله سبحانه ببركات سادتي محمد و ال محمد صلوات الله عليهم اجمعين فاقول هو الدعاء الذي رواه المجلسي رحمه الله بسند معتبر عن الرضا7

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 8 *»

انه قال انه دعاء كان ابي يدعو به في الاسحار و كان يقول لو علم الناس عظمته عند الله و سرعة اجابته لقاتلوا في طلبه بالسيوف و ان حلفت ان فيه الاسم الاعظم لبررت فاذا قرأتم هذا الدعاء فاقرأوه بتضرع و اكتموه عن غير اهله و ذكر الدعاء و هو احد و عشرون فصلا غير الفصل الاخير الذي هو علي غير سبك الفصول السابقة و به ختام الدعاء و من تلك الفصول اربعة علي لفظ الجمع و سبعة عشر منها علي لفظ المفرد فنحن نعنون مقدمة و احدا و عشرين فصلا للفصول المذكورة و خاتمة للفصل الخارج عن نظم الفصول السابقة ليختص شرح كل فصل بمحله و مقامه و يسهل علي الطالب مرامه و لا اذكر في شرح الفقرات الا بعض ما يجوز لي بيانه و بقدر الميسور فاني رجل مطلوب مبتلي بكثرة الاسولة من الاطراف و لكل واحد حق لايمكن تركه فالعفو عن ترك التطويل منه دام مجده هو المأمول و العذر عند كرام الناس مقبول و لاحول و لا قوة الا بالله العلي العظيم و صلي الله علي محمد و آله الطيبين.

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 9 *»

المقدمة

في بيان امور يشترك فيها الفصول و امور كلية في تقسيم المقامات

و مايجري فيها جميعها من القول الكلي ففيها مقاصد

المقصد الاول

في بيان بعض ما يشترك فيه الفصول من الالفاظ التي لابد من شرحها

فمنها لفظ اللهم اعلم ان اصله يا الله حذف منه حرف النداء و قيل عوض منه ميمان و اخرتا تبركا باسمه تعالي و قيل اصله يا الله امنا بالخير فحذفت الهمزة و رد بانك تقول اللهم لاتؤتهم خيرا و الذي اري ان اصله يا الله ام اي يا الله اقصد يعني توجه الي و اقصدني و انظر الي و هو فعل امر اسقط همزته علي القياس و حذف حرف النداء فان المنادي ان كان مستعجلا في حاجة يري حرف النداء معوقا لحاجته و لايقدر ان يصبر عليه فيتركه و يبتدي بالمنادي البتة و كذا اذا كان فانيا في المنادي بالفتح فاقدا لغيره لايري لنفسه اثرا و لا لندائه مجالا فيذكر المنادي مجردا عن النداء علي حذو المحبة حجاب بين المحب و المحبوب فتقول رب في مقام القرب و يا رب في حال البعد قال موسي علي نبينا و آله و عليه السلام في مناجاته ابعيد انت مني فاناديك ام قريب انت مني فاناجيك قال الله تعالي يا موسي انا جليس من ذكرني الخبر فاذا وصلت الي مقام القرب تركت النداء و ناجيت صاحب السر و اخفي فلاجل ذلك قيل اللهم و علي ذلك لابأس بجمعهما و كان عليهم نقضا كماقال الشاعر:

اني اذا ما حدث الما

اقول يا اللهم يا اللهما

و اما ضم الهاء فانه منادي مفرد سواء كان مع حرف النداء او بدونه و اما فتح الميم فان اصلها ام فعل امر مضاعف التقي فيه الساكنان و لم‌يكن سبيل الي تحريك الاول لاستلزامه الفك الثقيل الذي فر منه بالادغام فحرك الثاني و بالفتح لانه اخف و يحتمل ان يكون بمعني الله معربا من العبري فان في لغتهم الهيم بكسر الهمزة و

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 10 *»

ضم اللام بمعني الله فعرب و استعمل بحذف حرف النداء كقولك رب افعل كذا.

و منها الالفاظ التي سئل الله سبحانه بها في الفصول فاعلم ان هذه الكلمات المضافة الي الكاف في هذه الفصول كبهائك و جمالك و جلالك و امثالها كلها اجناس دالة علي ماهية مقولة علي افراد متكثرة و لما اضيفت الي كاف الخطاب ازدادت شمولا لجميع ما للمخاطب من ذلك الجنس علي نحو الاستغراق لجميع تلك الافراد لان الجنس المحلي باللام و الجنس المضاف عند آل محمد: يفيدان العموم الاستغراقي كما يفهم من احاديثهم فيعم جميع افراده كقوله تعالي ليظهره علي الدين كله و قوله ان الانسان لفي خسر الا الذين آمنوا و فقرات هذا الدعاء بنفسها شاهدة علي ان المراد منها العموم الاستغراقي لمكان الكل فيها فقوله اللهم اني اسألك من بهائك بابهاه مثلا يعني به اللهم اني اسألك بابهي افراد بهائك و اسألك من افراد بهائك و من بينها بابهاها و قوله و كل بهائك بهي اي و الحال ان جميع افراد بهائك بهي اي كثير البهاء ثم يقول اللهم اني اسألك ببهائك اي بافراد بهائك كلها فانها كلها بهية و لتوسلي اليك بها كافية الا ان السائل لشدة اضطرابه توسل بابهي افراد البهاء اولا لاجل سرعة الاجابة ثم لماسكن فورته و رأي ان الكل كاف واف توسل بالكل او انه توسل بابهي البهاء اولا تعظيما له و تفخيما لشأنه و ابانة له عن الباقين لانه قطبها و مركزها ثم توسل بالكل الي الله سبحانه و ذلك كقوله تعالي حافظوا علي الصلوات و الصلوة الوسطي فذكرها بخصوصها مع دخولها في العموم لاجل التعظيم و التفخيم فعلي هذه فقس ماسواها من سائر الفصول فانها كلها علي هذا المنوال و لفظة من فيها للجنس و الصفات في جميعها اجناس مضافة تفيد العموم الاستغراقي و مدخول الباء و هو الافعل في الجميع متعلق باسألك و هو المسئول به و مدخول من لبيان جنس المسئول به و البواقي ظاهرة ان شاء الله.

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 11 *»

المقصد الثاني

في بيان معني الاسم و الصفة و المسمي و الموصوف و ما يناسب ذلك من القول علي نهج الاختصار

اعلم ايدك الله تعالي ان الله سبحانه احد لايثني و لايجزي اذ كل مثني غير الاحد الحقيقي بداهة فليس فيه حيث و حيث حتي يقال هو من حيث كذا و من حيث كذا و لا جهة و جهة فيقال هو من جهة كذا و من جهة كذا و لا اعتبار و اعتبار فيعتبره المعتبر مرة كذا و مرة كذا و لا فرض و فرض فيفرضه فارض مرة كذا و مرة كذا و لا لحاظ و لحاظ فيلاحظه مرة بنظر و مرة بنظر آخر و لا غير ذلك من اشباهها اذ هي ان كانت مخالفة للواقع لكانت كذبا و ليس في القول الكذب معرفة و لا تمجيد لله و لا تعظيم و ان كانت موافقة للواقع لزم منها تكثر الذات و في اثباتها نفي الاحدية و به ينفي القدم عنه سبحانه و هو باطل فهو سبحانه احد في الخارج و الذهن و يمتنع فرض التكثر فيه فان المفروض متكثرا حادث مخلوق و هو غيره و ذلك انه يقدر الانسان علي فرض الشيء علي غير ما هو عليه ان كان يمكن ان يكون عليه كالطين تفرضه كوزا لانه يمكن ان يصير كوزا و تفرض الكوز طينا لانه يمكن كسره و رده الي الطين كماكان و اما الذي يمتنع فيه شيء لايمكن فرض كونه عليه راجع نفسك و تفكر هل يمكنك ان تفرض ان يكون البياض من حيث انه بياض و حال كونه بياضا سوادا حاشا و لايقدر علي ذلك جاهل و لاحكيم و انما ذلك لاجل امتناع ذلك فالذي يفرض ان يكون الله مركبا انما يفرض شيئا مركبا حادثا و يسميه بالله غلطا كأن يسمي زيدا مثلا بالله و ليس يصير الله بهذه التسمية فلاينقض تكثر زيد حينئذ برهان الاحدية فان هذا صرف تسمية و كذلك المصور في خيالك مركب و تسميه بالرب و تكذب و ليس هو باله واحد و لامتكثر و ليس تكثر المتخيل لك بممتنع فلايمكن فرض الممتنع المحال فمنه فرض ما ذكر في الذات القديمة بالجملة ان الذات احدية في الخارج و في الذهن و يمتنع فيها الجهات و الحيوث و الفروض و الاعتبارات فهو اذا هو اله احد فرد صمد لم‌يتخذ صاحبة و لا ولدا فهو في ذاته سبوح قدوس عن جميع ماسوي معناها و منه الصفات كائنة

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 12 *»

ماكانت و بالغة ما بلغت فانها معني غير معني الذات و اني يتحد التابع و المتبوع و القائم بنفسه و القائم بغيره و المتأصل و المتفرع و الوحدة و الكثرة و الغني و الفقير فوجدناه جل شأنه صدقنا في مقالتنا حيث قال سبحان ربك رب العزة عما يصفون و سلام علي المرسلين و الحمد لله رب العالمين و وجدناه يقول سبحان الله رب العرش عما يصفون و وجدنا وليه صدقنا في مقالتنا و برهن عليه حيث قال اول الدين معرفته و كمال معرفته التصديق به و كمال التصديق به توحيده و كمال توحيده الاخلاص له و كمال الاخلاص له نفي الصفات عنه لشهادة كل صفة انها غير الموصوف و شهادة كل موصوف انه غير الصفة و في رواية و شهادة الصفة و الموصوف بالاقتران و شهادة الاقتران بالحدث و شهادة الحدث بالامتناع من الازل الممتنع من الحدث و قال7 من وصف الله فقد قرنه و من قرنه فقد ثناه و من ثناه فقد جزاه و من جزاه فقد جهله الي غير ذلك من نصوصهم في هذا المعني فهو سبحانه في ذاته بريء من جميع ما هو غير معناه و عن كل ما هو سوي ذاته الاحدية فكل ماسواها خلقه كائنا ما كان بالغا ما بلغ و خلقه آيته و آيته ظهوره و ظهوره نوره و نوره كماله و كماله وصفه فجميع ماسواه سبحانه من حيث الاعلي وصف الله و نور الله و كمال الله و ظهور الله في دعاء الايام لايري فيها نور الا نورك و لايسمع فيها صوت الا صوتك و في دعاء عرفة ايكون لغيرك من الظهور ما ليس لك حتي يكون هو المظهر لك و لذلك قيل ليس الا الله و صفاته و اسماؤه فجميع ماسواه سبحانه من حيث الائية له صفته و الصفة علي قسمين قسم يدل علي معني من معانيه سبحانه المشار اليها في دعاء رجب اللهم اني اسألك بمعاني جميع ما يدعوك به ولاة امرك المأمونون علي سرك الدعاء و هو الذي قد اضمحل و تلاشي عند ظهور فعله سبحانه و مشيته فيلوح من هويته آثار مبدئه الذي هو المشية و هو المسمي بالصفة بمعني الاخص كالخالق و الرازق و

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 13 *»

المحيي و المميت و امثالها فان كل واحد منها يدل علي مبدء قد اشتق منه كالخالق فانه يدل علي فعله سبحانه خلق و الرازق علي رزق و هكذا و لتلاشيها عند مباديها و اضمحلالها لديها و ظهورها منها تعمل عملها و قد حكي المبدء لها عدم استقلاله لدي الذات فلذلك صارت تدل علي الذات من باب ذلك المبدء و علي حسب حكايته لا مطلقا فالخالق يدل علي ذات ظهرت بالخلق و الرازق يدل علي ذات ظهرت بالرزق و هكذا فهذه هي الصفات المشتقة لله سبحانه التي فيها ذكر مباديها و تدل علي الذات الظاهرة فيها و قسم يدل علي الذات المسماة به لاستقلاله بنفسه و عدم اضمحلاله عند احد سواه سبحانه و عدم ذكر غير فيه و هو الاسم الجامد الذي لامبدء له و لايدل علي معني سوي المسمي كماقال اميرالمؤمنين7 الاسم ما دل علي المسمي و قلنا بانه صفة بالمعني الاعم لقول الرضا7 في الاسم انه صفة لموصوف و هذه هي الصفة بالمعني الاعم فالاسم صفة للمسمي اي الموصوف به و الموصوف به حقيقة هو الذات الظاهرة لشهادة كل صفة و موصوف بالاقتران و شهادة الاقتران بالتثنية الممتنعة عن الاحد فهو سبحانه من حيث ذاته لا اسم له و لا رسم و اما من حيث الظهور و هي الذات المدلول عليها في دعاء الصباح يا من دل علي ذاته بذاته فله اسم و له رسم فعلي ما ذكرنا مجملا جميع ماسواه سبحانه آياته الدالة عليه كماقال تعالي سنريهم آياتنا في الافاق و في انفسهم حتي يتبين لهم انه الحق و آياته شهادته المشار اليها بقوله تعالي قل اي شيء اكبر شهادة قل الله و المشار اليها في قوله او لم‌يكف بربك انه علي كل شيء شهيد قال الصادق7 يعني انه موجود في غيبتك و حضرتك و شهادته سبحانه حضوره و حضوره ظهوره و ظهوره نوره و نوره كماله و كماله صفته فجميع خلقه من حيث الائية صفاته و اسماؤه دالة عليه مشيرة الي معناه جل جلاله و كل شيء من حيث الائية اسم له خلق هو من حيث

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 14 *»

نفسه به من حيث الائية و هو المشار اليه في دعاء كميل و باسمائك التي ملأت اركان كل شيء و لاتتعجب من قولي ان كل شيء من جهة اسم و من جهة لا فانك لو كتبت علي لوح الخالق فان هذا الخالق من حيث نفسه مكتوبك و مصنوعك بمادته و صورته انت صنعت مداده و انت صورته بهيأة هذه الحروف و اما من حيث آخر فانه اسم من اسماء الله تعالي دال علي الله يجب احترامه و لايمس بغير طهارة فكذلك سائر الاشياء و ان كانت من حيث نفسها هي هي من مادتها و علي صورتها الا انها من حيث ربها ظهور و نور و تجل لله سبحانه عرف بها نفسه لخلقه و بها دل عليها و لاتتعجب من كون الشيء الكائن في الخارج اسما فان الاسم لايشترط فيه لغة العربية و لا الرسم الاسلامي بل يمكن ان يكون بكل لغة و بكل رسم و كذا لايجب ان يكون بالمداد المعروف و يمكن ان يكون مكتوبا بكل نوع من انواع المداد حتي الطين و الخشب و الحديد و يمكن ان يصور حروف بخط ما من اللحم و العظم و الدم و من جميع الاجسام و من الصورة المثالية و النفسانية فاذا لاعجب ان يكون السماء اسما منه سبحانه بمداد الاجرام العلوية و هيأة من هيئات خط المقدور فعلي ذلك جميع ماخلق الله سبحانه كلمات كتبت في لوح الامكان قال تعالي بكلمة منه اسمه المسيح و قال و جعلنا ابن مريم و امه آ‌ية و علي هذا ظهر معني كون العالم هو اللوح المحفوظ و الكتاب المسطور بالجملة فلاعجب ان يكون جميع خلقه تعالي اسماءه و صفاته المكتوبة في لوح الامكان المنطوقة بها في فضاء الاكوان قد عرف الله سبحانه بها نفسه و وصفها بها و نطق بها لمن يعرف لغتها في الزيارة الجامعة يسبح الله باسمائه جميع خلقه و قال تعالي و ان من شيء الا يسبح بحمده ولكن لاتفقهون تسبيحهم.

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 15 *»

المقصد الثالث

و اذ قد عرفت ايدك الله و سددك مما بينا ان جميع ماسوي الله عزوجل اسماؤه و صفاته فاقول هنا ان جميع ماسوي الله سبحانه كائنا ماكان بالغا مابلغ يدور علي اقطاب ثلثة الاول مقام الوجود الحق و نريد به مقام تعريف الله سبحانه نفسه لخلقه به و مقام الحقيقة المشار اليها في حديث كميل حيث قال يا مولاي ما الحقيقة قال ما لك و الحقيقة الخبر و مقاماته و علاماته المشار اليها في دعاء رجب و بمقاماتك و علاماتك التي لاتعطيل لها في كل مكان يعرفك بها من عرفك لافرق بينك و بينها الا انهم عبادك و خلقك فتقها و رتقها بيدك بدؤها منك و عودها اليك و هو القدس الطاوي لجميع ماسواه المشار اليه في الدعاء يا من ملأ الدهر قدسه و هو مقام التوحيد و مأوي التفريد من عرف الله سبحانه به وصل و من جهله و حاد عنه ضل و هو التوحيد الموحي في قوله تعالي انما انا بشر مثلكم يوحي الي انما الهكم اله واحد و لولا هذا الوحي لم‌يعرف احد ربه و هو مقام الكينونة التي اشار اليها اميرالمؤمنين7 في خطبته كنا بكينونته قبل مواقع صفات تمكين التكوين كائنين الي غير ذلك من الاسماء و هي كثيرة في الكتاب و السنة. الثاني مقام الوجود المطلق و التعين الاول و المشية و الارادة و القدر و القضاء و الاذن و الابداع و الاختراع و صفة الكينونة و ظلها و نورها و الواحدية و رابعية الثلثة و سادسية الخمسة و عالم الامر و السرمد و الفعل و امثال ذلك من الاسماء و الصفات و هي كثيرة. الثالث مقام الوجود المقيد و المشاءات و الحوادث التي خلقها بمشيته و قد اشار الي هذين المقامين بقوله الحق له الخلق و الامر و اشار اليه حجته7 خلق الله المشية بنفسها ثم خلق الاشياء بالمشية و في هذه الرتبة الف الف عالم اولها الدرة و آخرها الذرة

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 16 *»

فالاول مقام الذات و الثاني مقام الفعل المعبر عنه بظهر و الثالث مقام الظهور و لذلك قلنا من عرف حقائق زيد قام قياما فقد عرف اسرار جميع مراتب الوجود بحذافيرها فانه آية ان الله ظهر ظهورا فالله اسم للذات و ظهر حكاية للفعل و ظهورا حكاية للخلق و جميع مراتب الوجود لايخلو من احد من هذه الثلثة و لماكان جميع هذه المراتب غير الذات القديمة الاحدية و ان كان لايلحظ في الوجود الحق الحدوث كانت من حيث الائية و من حيث الرب من مقامات الصفات بقول اعم و مقامات التجليات و الكمالات قد ظهر الله سبحانه بها لخلقه و عرف نفسه له بها كما قال سبحانه سنريهم آياتنا في الافاق و في انفسهم حتي يتبين لهم انه الحق و في دعاء عرفة تعرفت لكل شيء فما جهلك شيء و انت الذي تعرفت الي في كل شيء فرأيتك ظاهرا في كل شيء فهي كلها من حيث انها ظهور الله صفات الله الدالة عليه كما روي عن اميرالمؤمنين7 ما رأيت شيئا الا و رأيت الله قبله او معه فالامام7 في هذا الدعاء اراد ان يتوسل الي الله سبحانه بكليات جميع صفاته الظاهرة في جميع مراتب الوجود الثلث و يأتيه من جميع ابوابه و يسأله بجميع مسائله فلايرد له دعوة و قلما يجمع دعاء جميع الاسماء علي نهج التفصيل الاجمالي مثله و لذلك قال لان فيه الاسم الاعظم فان الاسم الاعظم من الاسماء الكائنة في هذه المراتب الثلث و هو قد دعا الله سبحانه بجميع الصفات الظاهرة في جميع مراتب الوجود فقد دعا الله سبحانه الداعي بهذا الدعاء بالاسم الاعظم فانه من جملة الاسماء و الصفات المذكوره لامحالة و علي وجه آخر انه لا اسم في جملة الاسماء اعظم من اسم متعلق بكل الخلق فانه لامتعلق و لا مظهر اعظم من كل الخلق و الداعي بهذا الدعاء قد دعا الله سبحانه بجميع حروف الاسم المتعلق بجميع الخلق اذ كل صفة من تلك الصفات المذكورة فيه تخص مقاما من مقامات الخلق و هي حرف من حروف الصفة العظيمة المتعلقة بجميع ماسوي الله فاذا دعا الداعي بجميع حروف اسم فقد دعا به و لذلك قال7 لو حلفت ان فيه الاسم الاعظم لبررت

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 17 *»

بالجملة لماكان مقامات الخلق كما عرفت ثلثة و لكل مقام مراتب كما سنشرحه ان شاء الله قسم7 دعاءه ثلثة تقسيمات قد فصل بينها حتي يخص كل تقسيم بمقامه ففي القسم الاول مقام قدس الذات و المراد من الفاعل ذكر البهاء و الجمال و الجلال و العظمة و النور خمس صفات و الرحمة المذكورة هنا من المقامات البرزخية كما سنذكره ان شاء الله ثم ذكر الكلمات بصيغة الجمع ليفصل بينها و بين مقام الفعل ثم ذكر الكمال الجامع بين المقامين ثم فصل بينه و بين ما بعده بالاسماء بصيغة الجمع و في القسم الثاني مقام الفعل ذكر العزة و المشية و القدرة و العلم و القول خمس صفات ثم ذكر المسائل بصيغة الجمع ليفصل بينها و بين مقام الخلق ثم في القسم الثالث مقام المفعول و الخلق ذكر الشرف و السلطان و الملك و العلو و المن خمس صفات ثم ذكر الايات بصيغة الجمع ليجمع الكل ثم فذلك جميع ما مر في قوله اللهم اني اسألك بما انت فيه من الشأن و الجبروت و اسألك بكل شأن وحده و جبروت وحدها لئلايفوت منه جزئي من جزئيات المسائل و الصفات و يكون داعيا بجميع الحروف الكونية الوصفية ثم لم‌يكتف بذلك حتي قال اللهم اني اسألك بما تجيبني حين اسألك و هو كناية عن الاسم الاعظم و اما الكمال الفاصل بين مقام الوجود الحق و الوجود المطلق الذي اتي به بين العالمين و بين الكلمات و الاسماء فهو مقام آئية المشية و نفسها و فؤادها قد جعلها عالما مستقلا برأسه لحكمة تأتي فلذلك اتي بعده بلفظ الاسماء حتي يمتاز عالمه عن عالم المشية و ترتيب الصفات جملا هكذا البهاء و الجمال و الجلال و العظمة و النور ثم الرحمة و الكلمات ثم الكمال و الاسماء ثم العزة و المشية و القدرة و العلم و القول و المسائل ثم الشرف و السلطان و الملك و العلو و المن و الايات ثم كل شأن و كل جبروت ثم ما تجيبيني به و نحن نفصل هذه الفصول ان شاء الله في ضمن فصول.

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 18 *»

المقصد الرابع

اعلم ان لكل موجود مخلوق من مبدئه الي منتهاه خمسة مقامات لان المخلوق مركب مثني و له وجود  و ماهية اما وجوده فهو مرتبة باطنه و مقام غيبه و وحدته و ايسه و اما ماهيته فهي مقام ظاهره و شهادته و كثرته و ليسه اما وجوده فله جهتان جهة من حيث هو هو و جهة اقترانه بالماهية و ارتباطه بها و كذا لماهيته ايضا لها جهتان جهة من حيث هي هي و جهة ارتباطها بالوجود و اقترانها به فهذه اربع مراتب و للشيء حقيقة خامسة رحمانية مهيمنة علي عرش تلك المراتب ذي الانوار الاربعة هي جامعتها و ماسكتها و حافظتها يدور عليها رحاها و تلتئم بها و آية هذه المراتب الطبايع الاربع و المزاج فان النار و الهواء جهة وجود العناصر اللطيفة المتوحدة و جهتها الي الاعلي و اية السموات العلي و الماء و التراب جهة ماهية العناصر الكثيفة المتكثرة و جهتها الي المنتهي فلجهة وجودها مرتبتان مرتبة نفس الوجود من حيث هي هي و هي النار و مرتبه ارتباطه بالماهية و هي الهواء و الهواء هو النار المائلة الي المنتهي لانه حار رطب و لجهة ماهيتها مرتبتان مرتبة من حيث نفسها و هي التراب و مرتبة من حيث ارتباطها بالوجود و هي الماء و الماء هو التراب المائل الي الاعلي لانه البارد الرطب و فوق هذه الاربع طبيعة خامسة يعبر عنها بالمزاج و هو امر وحداني غير المجموع المركب بل هو سر سار في المجموع و هو من ظل الافلاك و نورها مضاف الي الافلاك و كذلك الامر فيما ذكرنا من ان كل موجود له جهتان جهة وجود و جهة ماهية و لكل منهما مقامان و هو قوله سبحانه و من كل شيء خلقنا زوجين لعلكم تذكرون و من البين ان الزوجين غير الفردين و سمي الزوجان بالزوجين لان لكل فرد منهما جهتين جهة من حيث نفسه و جهة اقترانه بزوجه الا تري ان زيدا قبل ان تقترن به زوجه ليس بزوج و انما هو زيد و ان زينب مثلا قبل ان تقترن بزيد ليست بزوجة و انما هي زينب و هما منفردان فاذا وقع بينهما الزواج و الاقتران مال كل منهما الي الاخر و وقع في كل واحد منهما ذكر الاخر فكل واحد منهما مع ذكر صاحبه و النسبة اليه زوج فهما بهذا اللحاظ زوجان فلاجل ذلك يقال للفردين المنتسبين زوجان

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 19 *»

و كذلك خلق الله النار جهة الرب في العناصر و هي بمنزلة زيد و التراب جهة النفس فيها و هو بمنزلة زينب مثلا و جعل الهواء ذكر الاسفل في الاعلي و الماء ذكر الاعلي في الاسفل فالنار و الهواء زوج و الماء و التراب زوج آخر و قد وقع التناكح بينهما علي كتاب الله و سنة نبيه9 فحصل بينهما الاولاد و النسل فماكان فيه جهة الزوج اي النار و الهواء غالبة صار ذکرا شبيها بابيه و ما کان فيه جهة الزوجة اي التراب و الماء غالبة صار انثي شبيها بامه فلذلك تجد الذكور احر مزاجا من الاناث و الذكور فيهم جهة الفاعلية غالبة و مذكورة فيهم جهة الانفعال و لولاها لم‌يقبلوا التزوج و الاناث فيهن جهة المفعولية غالبة و مذكورة فيهن جهة الفاعل و لولاها لم‌يقبلن التزويج و كذلك تقدير العزيز العليم و ماتري في خلق الرحمن من تفاوت فاذا جميع الكائنات هكذا و لاجل ذلك قال الرضا7 ان الله سبحانه لم‌يخلق شيئا فردا قائما بذاته و قال الله سبحانه و من كل شيء خلقنا زوجين لعلكم تذكرون و قالت الحكماء كل ممكن زوج تركيبي فاذا لكل مقام من المقامات الثلثة هذه الخمس مراتب و نسميه في علم الاسماء و الصفات بالحقيقة و الباطن و البطون و الظاهر و الظهور فان الجهة الدنيا لجهة الرب صفتها و جهة انيتها و الجهة العليا من الماهية اشرف من الجهة الدنيا و اكثر تأصلا و تحصلا فهي الاصل و الدنيا منها فرعها و صفتها فالدنيا ظهور و العليا هي الظاهر فعلي هذا لكل مقام من المقامات الثلثة هذه الخمس مراتب و هي الحقيقة المهيمنة علي البطون و الظهور و الباطن و البطون و الظاهر و الظهور و هذه الاربع هي مقام عرش وجود الشيء الموضوع علي الماء الذي خلق منه كما قال و جعلنا من الماء كل شيء حي و قال و كان عرشه علي الماء و له اربعة انوار كما روي ان للعرش اربعة انوار نور ابيض منه ابيض البياض و نور اصفر منه اصفرت الصفرة و نور اخضر منه اخضرت الخضرة و نور احمر منه احمرت الحمرة و الرحمن و هو الجامع علي العرش استوي ليس شيء اقرب اليه من شيء آخر و هو ليس بمركب من الانوار الاربعة و انما هو حافظها و قيمها و مجريها في

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 20 *»

مجاريها و مدير العرش علي ما يحب و يرضي و آيته روح القدس الذي هو خلق اعظم من جبرئيل و ميكائيل و اسرافيل و عزرائيل و خارج عنهم كما بين الله تعالي ينزل الملائكة بالروح من امره علي من يشاء من عباده فالحقيقة ابدا فوق المراتب الظاهرة فيها في مقام الظهور مهيمنة عليها و تلك المراتب هي شئون كمالاتها و لابد لكل شيء تام كامل من هذه المراتب الخمس فللاشياء في مقام الوجود الحق هذه الخمس مراتب و في مراتب الوجود المطلق كذلك و في مراتب الوجود المقيد من حيث الوصفية كذلك فذلك خمس عشرة مرتبة و تحت كل واحد مقام الجامعية و الجمعية لتلك المراتب الخمس و هو بمنزلة المظهر للظهور و الظاهر و البطون و الباطن و الحقيقة تتعلق كلها به و تظهر عنه و تأوي اليه و هي الصفات المذكورة بلفظ الجمع فذلك ثمان عشرة مرتبة من مراتب الصفات و ذكر7 بين مقامات الوجود الحق و بين الوجود المطلق ثلث مراتب اخر و هي الرحمة و الكلمات و الكمال و هذه ايضا كليات مراتب الذين لهم مع الله حالات يلحقون بالوجود الحق تارة و بالوجود المطلق اخري فقد يقولون هو فيها نحن و نحن هو و قد يقولون نحن امره و حكمه و نحن مشيته كما يأتي ان شاء الله فبذلك تم احدي و عشرون مرتبة من مراتب الاسماء و الصفات ثم ذكر مرتبة اخري و هي فذلكة الكل و هي قوله اللهم اني اسألك بما انت فيه من الشأن و الجبروت الدعاء فاذا عرفت تقسيم المراتب و سر العدد و الترتيب علي نحو الاجمال فلنشرع الان في ذكر الفصول علي نهج التفصيل بقدر الميسور و لاقوة الا بالله.

الفصل الاول

قال7 اللهم اني اسألك من بهائك بابهاه و كل بهائك بهي اللهم اني اسألك ببهائك كله.

اعلم ان هذه المسألة اول المقامات الخمسة للوجود الحق كما حققنا سابقا

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 21 *»

و البهاء في اللغة الحسن و المراد من بهاء الله هو اول تجليات الله سبحانه و اعظمها الذي ليس فوقه شيء و به يقوم جميع ماسواه و هو جوهر الجواهر و ذات الذوات و يقوم هو بنفسه لربه الظاهر به و له التأصل في الجوهرية الاولية و التذوت لامتناع عروض غير القديم علي القديم و امتناع قيام عرض بدون جوهر و امتناع تقدم العرض علي الجوهر فهو جوهر متأصل متذوت قائم بنفسه و قلنا بكونه لغيره حيث رأينا انطواءه تحت احدية الاحد جل شأنه و فناءه في نفسه و بقاءه بربه فهذا البهاء هو مقام الذات في الذوات للذات و الكينونة الاولي التي بها يكون جميع الموجودات و هو مقام باء بسم الله الرحمن الرحيم التي روي فيها عن الصادق7 ان الباء بهاء الله و السين سناء الله و الميم مجد الله فالبهاء مقام باء بسم الله و عن النبي9 انه قال ظهرت الموجودات من باء بسم الله الرحمن الرحيم فعلمنا من هذين الحديثين الشريفين انه خلقت الموجودات من بهاء الله و الموجودات جمع محلي باللام يفيد العموم فجميع الموجودات خلقت من هذا البهاء و هو مقدم علي جميعها لايجري عليه ما هو اجراه و لايعود فيه ما هو ابداه فهو مقدس منزه عن صفات جميع الكائنات متفرد بالتذوت في الموجودات و جميع ماسواه فرعه قائم به قيام صدور فهو الحسن الذاتي لله سبحانه و يعبر عن الحسن الذاتي بالضوء و عن الحسن العرضي بالنور اذا اجتمعا و اذا افترقا يستعمل كل واحد مكان الاخر كما قال الله سبحانه جعل الشمس ضياء و القمر نورا و القمر يستفيد حسنه من الشمس و حسن الشمس من ذات نفسها فلاجل ذلك قد يفسر البهاء بالضياء فبهاء الله هذا هو الضياء الذاتي و الحسن الذاتي له سبحانه و كل ضوء و حسن في الملك فهو من شعاعه و نوره و يطلق علي كل ذرة من نوره البهاء اذا نسبت الي مادونها و تري بهاء الله اذا لوحظت آئيتها للبهاء الاول لله سبحانه فبهذا اللحاظ جميع الحسن الذي في عرصات الوجود بهاء الله و كل ضوء ضوؤه كما في دعاء الايام لايري فيها نور الا نورك و لايسمع فيها صوت الا

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 22 *»

صوتك و قال الله سبحانه الله نور السموات و الارض و في الدعاء ايكون لغيرك من الظهور ما ليس لك حتي يكون هو المظهر لك و النور هو الظاهر في نفسه المظهر لغيره فاذا جميع ما في عرصات الوجود من نور و ضوء و بهاء و حسن جميعها لله سبحانه فجميعها بهاء الله الا ان بعضها ابهي من بعض و بعضها اقوي و اعلي من بعض لان كل متأصل في كل رتبة اقوي من المتفرع عليه و كل متذوت اقوي من صفته و هكذا فقد سأل7 من جميع بهاء الله و حسنه و ضيائه بابهاه و جعل من بينها ابهاها وسيلته و توسل به الي الله سبحانه و توصل به الي حاجته ثم قال و كل بهائك بهي و الواو حالية اي اسألك بابهي بهائك و الحال ان جميع بهائك بهي و الفعيل للمبالغة اي و الحال ان جميع بهائك شديد الحسن و قوي الضياء ينبغي ان يسألك السائل بها و يتوصل بها الي حاجته فلما استدرك ذلك قال اللهم اني اسألك ببهائك كله لان كلها باب فيضك و رحمتك و اجابتك فلااختص بالسؤال احدها دون الاخر لان كل واحد منها يكفيني و يسعني و حاجتي فابتدأ7 في المسألة بالبهاء لان الله سبحانه ابتدأ ملكه به و فتحه به و خلق به ماسواه كما عرفتك اياه فهو الحقيقة العليا الاولي التي سأل عنها كميل اميرالمؤمنين7 حين كان رديفا له فقال ما الحقيقة قال7 ما لك و الحقيقة فقال اولست صاحب سرك قال بلي ولكن يرشح عليك ما يطفح مني فقال كميل او مثلك يخيب سائلا قال اميرالمؤمنين7 كشف سبحات الجلال من غير اشارة فقال كميل زدني بيانا قال7 محو الموهوم و صحو المعلوم فقال كميل زدني بيانا قال هتك الستر لغلبة السر فقال زدني بيانا قال7 جذب الاحدية لصفة التوحيد فقال زدني بيانا قال7 نور اشرق من صبح الازل فيلوح علي هياكل التوحيد آثاره فقال زدني بيانا قال7 اطفيء السراج فقد طلع الصبح انتهي. بالجملة هذا المقام هو مقام الحقيقة و الجلال و المعلوم و السر و الاحدية و

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 23 *»

النور و طلوع الصبح علي ما شرح7 و بين و هذا مقام عرف الله سبحانه به نفسه في مقام الاولية و الاخرية و الظهور و النور و فوق هذا المقام مقام آخر اشار اليه بالكاف التي اضاف اليها البهاء و هو سر لايفيده الا سر و لايجوز التصريح به خوفا من فرعون و ملأه و يعبر عن هذا المقام في بعض التعبيرات للتفهيم بمقام النقطة علي ان الوجود الحق كلمة التوحيد التامة التي بها عرف الله توحيده و هي غاية الغايات و نهاية النهايات هذا هو ظاهر العبارة و اما تأويلها فالمراد منه هو اول اذكار الفؤاد علي ان للفؤاد الذي هو آية الله جل جلاله خمس مراتب الاولي مقام النقطة و مقام الرحمة و الهواء الثانية مقام الالف و مقام الرياح و مقام النفس الرحماني و يتنبه اهل الاشارة لذلك من قوله7 لاتسبوا الرياح فانها من نفس الرحمن الثالثة مقام الحروف و السحاب المزجي و الرابعة مقام الكلمة و الركام و التمام و الخامسة مقام الدلالة و الودق و قد بين الله هذه المراتب في كتابه لمن يفهم خطابه فقال انظر الي آثار رحمة الله كيف يحيي الارض بعد موتها و قال يرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته حتي اذا اقلت سحابا ثقالا سقناه لبلد ميت و قال الم تر ان الله يزجي سحابا ثم يؤلف بينه ثم يجعله ركاما فتري الودق يخرج من خلاله فللفؤاد من مبدئه الي منتهاه هذه الخمس مراتب و هي مراتب التوحيد الخمس التي من وحد الله سبحانه في احديها نجا و من تخلف عنها ضل و غوي فالنقطة اول اذكار الفؤاد و هو بكله كلمة التوحيد و مقام التفريد و آية التعريف و غاية التوصيف و في ضرب آخر من التأويل نقول ان المراد بابهي البهاء مقام الذات الظاهرة التي هي احدي مقامات التوحيد الخمسة المشار اليها في نسبة الرب و هي قوله سبحانه قل هو الله احد الله الصمد فالامر الذي يفهم من كلمة قل حيث انه امر يحتاج الي آمر لم‌يسم لتقدسه عن الاسم و الرسم هو مقام الذات الظاهرة الامرة ثم بعدها مقام الهوية المشار اليها بكلمة هو ثم بعد ذلك مقام الالوهية المشار اليها بكلمة الله ثم بعد ذلك مقام الاحدية‌ المشار اليها بكلمة احد ثم بعد ذلك مقام

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 24 *»

الواحدية المشار اليها بكلمة الصمد الواحد المتوحد السلطان المصمود اليه فهذه مقامات التوحيد الخمسة التي فصلناها و شرحناها في سائر كتبنا لاسيما الفطرة السليمة فمن تلك المقامات مقام الذات المهيمنة علي عرش الصفات الاربع و ليس هيهنا موضع شرحه مفصلا و من اراده فليراجع سائر كتبنا و قد اشرت الي ذلك في ارجوزتي حيث قلت:

خمس مقامات التجليات

اولها ظهوره بالذات

ثم ظهور رتبة الهوية

ثم الوهيته العلية

ثم التجلي بعد ذاك بالاحد

آخرها مقام جلوة الصمد

دارت علي تلك رحي التفريد

يكشف عنها سورة التوحيد

الي آخر الابيات و هذا المقام اي مقام ابهي البهاء هو مقام الذات المهيمنة علي عرش الصفات المربع كما اشرنا اليه به عرف الله سبحانه حسنه الذاتي المتذوت الازلي لخلقه و اما باطن ذلك فهو مقام الحقيقة المحمدية صلوات الله عليها فانها الاول الذي لا اول قبله و الاخر الذي لا آخر بعده و هو الذي به فتح الله و به يختم باجماع المسلمين فهو ابهي بهاء الله و احسن محاسن الله و اكمل صفات الله و انعم نعوت الله سبحانه و ذلك ان كل ما يضاف الي الله سبحانه و كل ما يعبر به عن الله سبحانه و كل ما يسمي به و كل ما يوصف به كائنا ما كان بالغا ما بلغ فانما هو غير الذات الاحدية جل شأنها و كل ما هو غير الاحد جل شأنه خلقه لقول الرضا7 حق و خلق لا ثالث بينهما و لا ثالث غيرهما و قد ثبت بالكتاب و السنة و دليل العقل و اجماع المسلمين كما حققناه في كتاب نعيم الابرار ان محمدا9 هو اشرف المخلوقات و اولها و مبدؤها و من المخلوقات الصفات لما مر من الحديث ان الصفة و الموصوف يشهدان بالحدوث لاقترانهما المستدعي للتثنية المنافية للاحدية فهو علا قدره اول الصفات و مبدؤها و اشرفها و اقربها و ازلفها و ادومها و ابقاها و الطفها و انورها و هكذا من سائر وجوه التفاضل ففي الباطن معناه اللهم اني اسألك من جميع افراد بهائك الذين هم فروع شجرة التوحيد اي

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 25 *»

النفوس القدسية العلوية الدالة عليك الداعية اليك المتلاشية في جنب ظهورك التي هي حسنك و ضياؤك اي الحجج المعصومين: بابهاها و اشرفها و اكملها و ادلها و سيدها و سنادها و قطبها الذي عليه دور رحاها محمد9 و كل بهائك اي كل حسنك و ضيائك كثير البهاء و الضياء ليس لاحد من الخلق التمييز بينها الا من حيث اخبروا و بحيث دلوا فقد دلونا علي ان محمدا9 اشرفهم و ابهاهم و اكملهم اللهم اني اسألك بافراد بهائك و حسنك و ضيائك الذين هم الحجج الطاهرون الاقدسون الانزهون الاجلون كله اسألك بكلهم اولهم و آخرهم اذ لاينجح التوسل باولهم الا بالتوسل بآخرهم و لاينجي التمسك ببعضهم الا بالتمسك بكلهم فاسألك بحق محمد و آل محمد ان تجيبني فيما اسألك و وجه آخر في الباطن اعلي و اشرف هو ان البهاء بمعني الحسن و الضياء و هو وصف كائنا ما كان بالغا ما بالغ و الوصف مقام الصورة و الصورة مقام الشيء من حيث نفسه و صورة كل شيء جهته من نفسه اذ جهة الرب بريئة عن الصورة و الحد و الاسم و الرسم و الوصف و النعت فكل مقام يعبر عنه بتعبير او يسمي باسم او يشار اليه باشارة او يميز بنحو تمييز او يعين بنحو تعيين و لو في ادق الاوهام هو من جهة نفس ذلك الشيء و جهة ربه منه بريئة البتة فالكائن الاول اذا لوحظ من حيث الوصف و الحد فهو مقام نفسه و مقام نفس الكائن الاول هو مقام الولي نفس الله القائمة فيه بالسنن و هو المشار اليه في قوله تعالي و يحذركم الله نفسه و هو نفس الرسول المشار اليها في قوله تعالي قدره ماكان لاهل المدينة و من حولهم من الاعراب ان يتخلفوا عن رسول الله و لايرغبوا بانفسهم عن نفسه لان المضاف اليه هو المضاف اليه و بالعكس فانه جهة الاضافة له سبحانه و المصرح به في آية المباهلة بقوله عزوجل و انفسنا و انفسكم قال7 ظاهري امامة و وصية و باطني غيب ممتنع لايدرك فباطنه هو جهة الكائن الي ربه فباطنه آية باطن الله و

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 26 *»

ظاهره آية ظاهر الله و في سلام الشمس عليه، السلام عليك يا ظاهر السلام عليك يا باطن السلام عليك يا من هو بكل شيء عليم قال الله سبحانه هو الاول و الاخر و الظاهر و الباطن و هو بكل شيء عليم فمقام ابهي البهاء هو مقام الولي الاعظم اشرف الصفات و اعظم الايات و خير العترة الطاهرة و افضل آل محمد: فانه7 افضل الائمة و اعظمهم و اقدمهم و اسبقهم و هم جميعهم في مقام الصفة و الصورة فانهم في مقام النفس جميعا لان الولاية‌ نفس النبوة في كل مقام و النفس مقام الصور الجزئية و مقام الصفة و التعين فجميعهم في مقام الصفات و الصفات كائنة ماكانت مقامهم قال7 نحن والله الاسماء الحسني التي لايقبل الله من العباد الا بمعرفتنا و قال الرضا7 الاسم صفة لموصوف فهم صفات الله و اعظمها اعظمهم و هو علي7 فابهي البهاء الذي هو اعظم الصفات و اسني المقامات مقامه فقال7 اللهم اني اسألك من جميع حججك الذين هم بهاؤك و حسنك لانهم كمالك الظاهر و ظاهر كمالك و هم ضياؤك كما قال الصادق7 الصورة الانزعية هي الضياء و الظل و هي التي لاتتغير في قديم الدهور و لا فيما يحدث من الزمان فظاهره صورة الانزعية و باطنه المعنوية و تلك الصورة هيولي الهيولات و فاعلة المفعولات و اس الحركات و علة كل علة لابعدها سر و لايعلم ما هي الا هو الخبر روحي لقائله و المراد منه الفداء فهم: مقامهم مقام الضياء لانهم من نور واحد و اضوء الضياء هو مقام اميرالمؤمنين7 فقال اللهم اني اسألك من جميع بهائك و ضيائك اي حججك و ادلائك بابهاها و اضوئها و ادلها عليك علي اميرالمؤمنين7 و كل آل محمد: الذين هم بهاؤك حسنك و ضياؤك كثير الحسن و الضياء بلاغاية و لا نهاية اللهم اني اسألك بآل محمد: كلهم لانه لايقبل التوسل باولهم الا بالتوسل بآخرهم و لاينجي الايمان باحدهم الا بالايمان بكلهم فانا اسألك بكلهم لا افرق بين احد منهم فعلي ذلك

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 27 *»

رسول الله9 في مقام القدس عن الاسم و الرسم و في مقام يقوم به الاسم و هما عبدان رقان لله سبحانه لا اله الا هو العزيز الجبار فبهذا و امثاله و اعلي منه يفسر مثله و نكتفي عن التصريح بالاشارة و عن الايضاح بالعبارة لان الزمان تغير و قد مد الجور باعه و دال له الدهر و اتباعه فاقول كما قال الشاعر:

اخاف عليك من غيري و مني

و منك و من مكانك و الزمان

و لو اني جعلتك في عيوني

الي يوم القيمة ما كفاني

فنكتفي بما ذكرنا تكلانا علي ذكائه ايده الله و سدده.

الفصل الثاني

قال7 اللهم اني اسألك من جمالك باجمله و كل جمالك جميل اللهم اني اسألك بجمالك كله.

اعلم ايدك الله و سددك ان الجمال لغة الحسن في الخلق و الخلق و صاحبه جميل و جمال الله سبحانه اسماؤه الحسني و صفاته النعمي و اختلف اهل المعرفة في تقدم الجمال و الجلال فمنهم من زعم ان الجمال نور الذات و الجلال نور الجمال و منهم من زعم ان الجلال نور الذات و الجمال نور الجلال و لكل اعتبار نذكره ان شاء الله و الامام7 قد اختار في هذا الدعاء تقدم الجمال و البهاء الذي هو الطف مقامات الجمال و اغيبها علي الجلال نظرا الي ان الجلال بمعني العظمة و الجليل هو العظيم و عظمة الله سبحانه تظهر في خلقه و مشيته و محالها و آثارها كما روي عن الكافي بسنده عن ابي‌عبدالله7 قال جاءت زينب العطارة و ساق الحديث الي ان قالت يا رسول الله انما اتيت اسألك عن عظمة الله عزوجل فقال جل جلاله ساحدثك بعد ذلك ان هذه الارض بمن عليها عند الذي تحتها كحلقة ملقاة في فلاة قي([1]) ثم نسب نسبة كل ارض الي التي تليها هكذا ثم نسبة الارضين الي بواطنها ثم نسبتها الي السماء الاولي ثم كل سماء

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 28 *»

الي التي فوقها هكذا الي العرش و الغرض انها سألت عن العظمة فقال9 جل جلاله و ذكر عظمة الخلق فعلمنا ان جلاله عظمته و تظهر عظمته في الخلق و ذات الله سبحانه لاتوصف بعظمة و اما الجمال فقد استعمل في صفات الله النعمي و اسمائه الحسني و هي ايضا و ان كانت في رتبة الايات و الخلق الا انها من حيث الاعلي و الحسن لله سبحانه و لاشك ان الجمال تقريب و مقرب و جاذب الي نحو الجميل و سبب اتصال و لذلك ينجذب القلوب الي الجميل و هو من مبادي الرحمة و اللطف و ان الجلال تبعيد و مبعد و دفع و طرد و قهر و هيبة و هو من مبادي الغضب و القهر و قد قال الله سبحانه سبقت رحمتي غضبي فمقام الجمال انسب الي مقامات القرب و الاتصال و الدنو من العلي المتعال و المراد منه ثاني المقامات من الوجود الحق و هو مقام النفس الرحماني و الرياح و الالف اللينية علي ما اشرنا اليه سابقا و هو مقام اول اركان عرش اللاهوت و الصفات المعبر عنها بصفات الذات و هو النور الابيض الذي منه البياض و منه ضوء النهار كما روي و لابد و ان اشرح بقدر الميسور شرحا في المقامات الاربعة هنا حتي تجريها في سائر الفصول.

اعلم انه لماكان الموجودات من حيث انفسها اقرب الي مشاعرنا فالاحسن ان اذكر الشرح في الموجود من حيث نفسه ثم ارقيه الي مقامات الالوهية حتي يتضح المرام اعلم ان كل موجود لابد له من حلين و من عقدين حتي يتشخص كاملا و يتعين خارجا الحل الاول في المادة الاولي النوعية و يعبر عنها بالذكر الاول و هو متعلق المشية قال الرضا7 ليونس تعلم ما المشية قال لا قال هي الذكر الاول و العقد الاول في الصورة ‌النوعية و يعبر عنها بالعين الاولي و العزيمة من الفاعل علي الشيء و هو متعلق الارادة قال7 في ذلك الحديث فتعلم ما الارادة قال لا قال هي العزيمة علي ما يشاء و الحل الثاني في المادة الثانية ‌الشخصية و يعبر عنها بالهيولي و الهندسة

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 29 *»

الايجادية و هو متعلق القدر قال7 في الحديث المذكور فتعلم ما القدر قال لا قال هي الهندسة و وضع الحدود من البقاء و الفناء و المادة الشخصية اجزاء هبائية موجودة و لذا يطلق عليها عالم الهباء و العقد الثاني في الصورة الشخصية و يعبر عنها بالتركيب و الابرام و هو متعلق القضاء كماقال الرضا7 في الحديث المذكور و القضاء هو الابرام و اقامة العين و لنمثل لك لشرح هذا المقام بالبناء الموجود المشخص المحسوس ان له مادتين و صورتين فالصورة ‌الشخصية فيه هي صورة البناء المعروفة المرئية من هيأة جدرانه و سقفه و المادة الشخصية فيه هي اللبن و الطين الرابط فان اللبن صالحة لجميع انحاء الابنية و ليست بمقيدة ببناء خاص و لانريد بالمادة الا ما هو هكذا و اما المادة و الصورة النوعيتان فهما في صنعة اللبن التي هي المادة الشخصية فالمادة الشخصية التي هي اللبن مركبة من مادة و صورة مادة اللبنة الطين الصالح لها و للكيزان و الحباب و غيرها و صورة اللبنة هي التكعب الحاصل لها من هيأة الملبنة و القالب فالصانع اذا اراد خلق بناء اوجد اولا الطين و شكله في قالب اللبنة ثم اخذ اللبن و قرب بعضها من بعض و وضع بعضها علي بعض باي هندسة شاء يعني باي عرض و باي طول و باي حجم و باي سمك مستحكما طويل الدوام او غير مستحكم قليل الدوام و كذلك الامر في كل موجود فلايوجد شيء منها تاما الا في هذه الاطوار الاربعة فالطور الاول الحل الاول في امكانه و العقد الاول في كونه النوعي و الحل الثاني في تمكين الكون للتصوير و العقد الثاني في التصوير فاذا عرفتها في باب الطبيعي فاقول في باب الالهي انه لايتم ظهور لله جل جلاله الا في اربعة‌ اطوار باطن و ظاهر و الباطن ذات ظاهرة بالبطون و الظاهر ذات ظاهرة في الظهور و الذات الظاهرة بالظهور في الدرجة دون رتبة الذات الظاهرة بالبطون البتة فهاتان الذاتان و هاتان الصفتان اربع لابد في الظهور التام لله عزوجل منها فبذلك ظهر العرش بالانوار الاربعة ‌و العرش تمام ملك الله سبحانه

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 30 *»

كما روي عن ابي‌عبدالله7 في تفسير الرحمن علي العرش استوي يقول علي الملك احتوي و روي عن ابي‌جعفر عليه السلام ان الله خلق العرش ارباعا الي ان قال فمن ذلك النور نور اخضر اخضرت منه الخضرة و نور اصفر اصفرت منه الصفرة و نور احمر احمرت منه الحمرة و نور ابيض و هو نور الانوار و منه ضوء النهار الخبر و من معاني العرش كما قال ابوعبدالله7 الوحدانية و هذه هي الوحدانية الواحدية فلاتنافي تمامها في اربعة اطوار و ظهورها باربعة انوار و ما تري في خلق الرحمن من تفاوت و لذلك بني كلمات الاسلام علي اربعة سبحان الله و الحمد لله و لا اله الا الله و الله اكبر و هي كلها من مراتب الواحدية بالجملة عرش صفات الله سبحانه مبني علي اربعة اركان الباطن و هو مبدء النور الابيض للعرش بمعني الملك و الباطن من حيث البطون و هو مبدء النور الاصفر للعرش الملكي و الظاهر و هو مبدء النور الاخضر للعرش الملكي و الظاهر من حيث الظهور و هو مبدء النور الاحمر للعرش الملكي و بهذه الاركان ظهر الجبار و انتشرت الانوار و زالت الاكدار و عمرت الديار فالمقام الاول من مقامات تلك الانوار مقام النور الابيض نور الانوار و هو مقام الجمال المذكور في الدعاء فبعد ان توسل الامام7 ببهاء الله سبحانه الذي هو كما ذكر الحقيقة المستوية علي هذه الانوار الاربعة و الذات السارية فيها اراد التوسل بالصفات و التشبث بها فابتدأ بنور الجمال لانه اول الانوار و انسب الي حضرة قرب الملك الجميل كما عرفت ثم لماكان جميع الموجودات بلحاظ نظر الواحدية و الوصفية لله سبحانه و هو من حيث آئيتها لله سبحانه اسماؤه و صفاته و لها في ذلك اللحاظ المقامات الاربعة و هي اركان عرشها اذا نظرت اليها من حيث الباطن و هو مقام اول ظهور و مبدء كل نور رأيت نور الجمال الذي ملأ جميع عرصة الامكان بحيث لايري شيء غيره كما مر من الدعاء لايري فيها نور الا نورك و في دعاء كميل و بنور وجهك الذي اضاء له كل شيء ففي هذا النظر ليس شيء الا جمال الله سبحانه فاذا

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 31 *»

وصل السالك الي هذا المقام لم ير شيئا الا جمال ربه فجذب قلبه اليه و قربه منه و ادناه اليه فيضمحل و يتلاشي في غلبة نور جماله بحيث يفقد نفسه و يمحوها من عرصة الوجدان بغلبة ظهور الجميل و احاطة جماله باطراف وجوده و لنعم ما قال الشاعر في هذا المقام:

يا من بدا جمالك في كل ما بدا

بادا هزار جان گرامي تو را فدا

فيفدي نفسه بالاضمحلال و يقربها قربانا في حضرة ذي الجمال بالجملة جميع ما في عرصة الامكان بهذا النظر و بهذه العين جماله سبحانه ولكنه يختلف مراتبه بحسب اختلاف الاشياء في الواحدية و الكثرة و اللطافة و الكثافة و الشفافة و الحجب و الرقة و الغلظة و لاشك ان اعظم الانوار و اول مظاهر الجبار اجمل صنوف الجمال و ذلك ان حقيقة الجمال في كل مقام ناشي من تشاكل اجزاء الشيء فكلما يشتد تشاكل اجزاء الشيء و تناسبها يشتد جماله و كلما يحصل تنافر فيها يقل الحسن و الجمال و معلوم انه لا شيء اشد تشاكلا من الواحد الحقيقي فهو اجمل الاشياء فاذا تتفاوت مراتب الجمال بحسب مراتب الخلق في درجات الوحدة فاذا اوحد الاشياء اجملها و اوحد الاشياء اول ظهور لله سبحانه فهو اجمل من كل جمال لله سبحانه فتوسل الامام7 من افراد جماله سبحانه باجملها لانه اقرب الوسائل اليه سبحانه و التوسل به انجح لان كل نجاح و كل مراد و كل كمال و كل خير و كل نور يحصل من الوحدة و كلما يشتد التوحد يشتد الهيمنة و الاستيلاء و الاحاطة و التسخير و النفوذ في الاشياء و الطي لها و الانقياد منها للواحد و العبد حين توسله باوحد الاشياء يترقي نفسه حتي يتصل بذلك المقام و ما لم‌يحصل للانسان مشعر درك له لايقدر علي التوسل به و الانقطاع اليه ضرورة ان الاشياء تحد انفسها و الالات تشير الي نظائرها فاذا حصل له مشعر من جنسه صاقعه و اتصل به و حصل له ذلك التوحد بالنسبة الي مرتبته و درجته فاذا حصل له تلك الوحدة حصل له تلك الهيمنة و النفوذ و التسخير و الوصول الي مراداته و فيه نجاح مطالبه و بذلك امر الناس بالتوحيد و معرفة الله سبحانه و ذلك سر

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 32 *»

لايكشفه الا السر فاذا توسل الانسان باجمل جمالات الله سبحانه و اوحد مراتب الصفات وصل الي مراده البتة فان الله سبحانه آلي علي نفسه ان لايرد حاجة من يتوسل اليه باقرب الوسائل و ادناها منه و لولا خوفي من فرعون و ملأه ان يفتنوا المؤمنين لابديت من هذه الاسرار ما يدهش منه العقول

و في الصدر لبانات

اذا ضاق بها صدري

نكتّ الارض من كفي

و ابديت لها سري

فلنقبض العنان اذ للحيطان آذان بالجملة توسل الامام7 بعد فراغه من التوسل الاول باجمل جمالات الله سبحانه ليتصل به و يتحد به و يستولي بذلك التوسل و التوصل علي جميع مراداته و معلوم ان الشخص الكلي اذا توسل الي الاجمل المطلق وصل الي مقام الاطلاق بل اعلي مقاماته و اما الشخص الجزئي اذا توسل الي الاجمل الذي يدركه و يسعه التوسل به بلغ الي اقصي مقام من مقامات نفسه فالامام7 قد توسل الي الاجمل المطلق و وصل اليه و استولي علي ما دق و جل و بلغ به اعلي درجات مقامات الوجود الحق الذي هو في اصطلاحنا مقام الاية و اما الوصول الي ذات القديم جل جلاله كما زعمته الصوفية خذلهم الله فمحال ممتنع كما حققناه في محله ثم لماتوسل الامام7 الي اجمل الجمال استدرك اني لست اذا توسلت باجمل جمالك مزدريا بحق البواقي غير عارف بها بل كل جمالك شديد الجمال و كثير الحسن لولا انك عرفتني الاجمل منها و غير الاجمل ما كنت اعرفها ولكن بتعريفك ايانا الاجمل عرفناه و خصصناه بالسؤال ثم توسل بكلها و سأل الله بجميعها حتي يدخل عليه سبحانه من جميع ابوابه و يشمله ما يخرج من الفيوض ما يخرج من جميع ابوابه حتي لايخرج شيء منها الا اليه و يحوز بذلك جميع انواع الكمال و اعلم ان في هذا النظر لايبقي خير شرعي و لا شر و لا علي و لا دني و لا حسن و لا قبيح الا و يدخل في حيز الجمال و الحسن و البهاء فانه لايري فيها نور الا

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 33 *»

نوره و لايسمع فيها صوت الا صوته و له الكبرياء في السموات و الارض والله نور السموات و الارض و هو اكبر شيء شهادة و علي كل شيء شهيد حتي انه روي في دعاء قاف المروي عن النبي9 يسأل الله سبحانه باحتياط قاف بهول يوم المخاف الي ان يقول باصناف الخلق ببدو الامر بيوم الحشر بعجائب الدنيا بنفخ الصور بتبعثر القبور بدوران الفلك بلغات الطير بهبوب الرياح بمستقر الارواح بهدير الرعد بلمع البرق برقدة اصحاب الكهف بقدر القدر بزبد البحر بثمر الشجر بهوام القفر بليلة القدر الي ان يقول برمل البر بوحي الرسل بدجي المغرب ببهاء المشرق بحر الصيف ببرد الشتاء بجملة النجوم بضياء النهار بظلمة الليل بلغات الالسن و نوم الاعين بباطن الموت بظاهر الحيوة بكرامة العقل بايام الجمعة بشهور الحول بساعات اليوم ببركة نعيم الجنة بسعير النار بما فوق الفوق بما تحت التحت الي ان يسأل الله بمحمد و آله واحدا بعد واحد ثم يقول بكثرة الاصوات باختلاف اللغات بتسبيح الملائكة بالامم الهالكة بما في الهواء و ما تحت الثري بالسماء و ما فوقها و الارض و ما تحتها الي ان يقول و اسألك اللهم يا ذا الجلال و الاكرام بحق نور وجهك الكريم و اسمك العظيم و ملكك القديم و حجتك البالغة و كلماتك التامات كلها و بهذه الاسماء التي دعوتك بها الدعاء و الغرض انه سأل الله سبحانه بصنوف خلقه نورا و ظلمة و خيرا و شرا و سعيدا و شقيا حتي انه سأل بالامم الهالكة ثم قال بهذه الاسماء التي دعوتك بها فتبين ان بهذا النظر جميع الخلق اسماؤه و صفاته و هي كماله و كماله من حيث الاعلي جماله فلما سأل الله سبحانه بجماله كله وقف له علي كل باب و دخل عليه من كل باب و استفاض منه من كل باب و لابد و ان يخرج اليه ما يخرج من كل باب فانه هو السائل بكل لسان و المستمد من كل جنان و اما غيره7 فاذا قرأ هذا الدعاء نال منه مقدار حده و مقامه هذا هو ظاهر ما في هذه الفقرة علي سبيل

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 34 *»

الاجمال و اما الباطن منها فان اخذ البهاء مقام محمد9 الذي هو مقام الرحمانية المهيمنة علي اركان عرش الولاية فمقام الجمال هنا مقام الركن المقدم الايمن من عرش الولاية فهو مقام اميرالمؤمنين7 فانه اشرف الائمة: و افضلهم و جميعهم: في مقام الباطن من المقامات الاربعة جمال الله سبحانه فيسأل الله تعالي من جملة جماله اي افراد جماله اي اشخاص حججه: باجمله باعظمهم و ادلهم علي حسنه سبحانه و اوحدهم و ادلهم علي وحدانيته تعالي قدره التي هي اصل كل جمال و حسن و بهاء و هو الوجود الاقدس العلوي صلوات الله عليه فهو اجمل جمالات الله سبحانه و اوحدها و اشرفها فلما سأل الله بتلك الذات المقدسة تدارك و قال كل افراد جمالك و كل حججك: شديد الوحدة و كثير الجمال و شديد الدلالة علي وحدتك اللهم اني اسألك بكل افراد جمالك و جميع حججك: فانه لاينجح التوسل باولهم الا بالتوسل بآخرهم و بجميعهم و ان اخذ مقام البهاء مقام الولي علي ان مقام النبي9 مقام الغيب الممتنع الذي لايدرك و ان البهاء هو اول مقام الصورة و  مقام نفس النبي9 فهو مقام الولاية الكلية السارية في الاولياء الاثني عشر فان البهاء كما ذكرنا مقام الرحمانية المستوية علي عرش سائر الصفات الظاهرة بكلها السارية في جميعها فمقام البهاء هو مقام الولي الكلي و اما الجمال فهو اول مظاهر الولي الكلي في مقام الاشخاص و هو ايضا مقام علي7 في مقام الشخصية و انما ذلك علي حذو قوله تعالي و اذ استسقي موسي لقومه فقلنا اضرب بعصاك الحجر فانبجست منه اثنتا عشرة عينا قد علم كل اناس مشربهم فمقام موسي في الباطن محمد9 و مقام العصا مقام الولي7 و هي التي يتوكأ عليها و يهش بها علي غنمه و هي بيمينه و الحجر مقام فاطمة3 فلما استسقي محمد9 ماء العلم و الحكمة و الهدايه الذي به حيوة امته قلنا اضرب بعصاك الحجر زاوج بينهما حتي ينفجر منه اثنتا عشرة عينا

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 35 *»

اماما منبعا للعلم و يكون مستقيما للعلم و الحكمة فضرب بعصاه التي هي الولاية الكلية الحجر مقام العصمة الكلية فانبجست منه اثنتا عشرة عينا ابوها العصا و امها الحجر فمقام العصا مقام الهيمنة علي الاثني عشر و مقام الرحمانية المستوية علي عرشها و تلك الاثنا عشر مظاهرها و مجاليها لان اركان العرش اربعة كما بينا و كل واحد مثلث الكيان فهي اثنا عشر ركنا و لك ان تقول ان مقام البهاء مقام العرش الذي هو المبدء الاول الذي لاسابق عليه و هو مقام النبوة التي هي اول ماخلق الله و هو مقام البهاء الابهي و الضياء الاسني و اما المقامات الاربعة الاخر فهي مقام الكرسي الذي فيه البروج الاثني عشر في ثلث دورات و اصولها اربعة الناري و الهوائي و المائي و الترابي و تلك الاصول هي المقامات الاربعة التي هي مظاهر انوار العرش و اركانه و هي المشار اليها في هذا الدعاء بالجمال و الجلال و العظمة و النور فعلي ان يكون مقام البهاء مقام العرش و مقام النبي يكون الجمال اول مقامات الكرسي و اول طبايعه و هو مقام الولي الشخصي اي مقام علي7 الظاهر في عرض الاولياء و ان اخذ البهاء مقام الولي الكلي و العصا فالجمال هو احد مظاهره من العيون و هو الولي الشخصي و هو ايضا علي7 بالجملة مقام الجمال هو مقام العلوية الخاصة فعلي ذلك معني الاجمل و سائر الافراد ان كل الائمة: في العالم بمنزلة البروج الاثني عشر في الدنيا و كما ان لكل برج تأثيرا كليا في الدنيا و في كل موجود من كل واحد اثر و ان كان لاجل مشاكلة كل شيء بكل برج او كل كوكب له مناسبة ببرج خاص او كوكب خاص و انما ذلك لاجل غلبة طبع ذلك البرج او الكوكب عليه و الا ففيه من البواقي ايضا آثار الا تري ان الصفراء منسوبة الي النار و هي نار البدن و الدم منسوب الي الهواء و هو هواء البدن و البلغم منسوب الي الماء و هو ماء البدن و السوداء منسوبة الي التراب و هي تراب البدن و مع ذلك الصفراء مركبة من العناصر الاربعة و الدم مركب منها و كذا البلغم و السوداء و ما في كل واحد في كل واحد و كذلك آثار جميع البروج و المنازل و سائر الكواكب في كل شيء شيء موجود الا انه ينسب الي واحد منها لغلبة طبعه

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 36 *»

عليه و ما في كل واحد في كل واحد منها للاشتراك في الجواهر فكذلك الامر في الائمة بروج كرسي الولاية: فان جميعهم مؤثرون في جميع الذرات و بوجود جميعهم قوام العالم الا ان كل نوع من موجودات العالم يخص بواحد منهم فاذا نظرت في سريان نور كل واحد في كل شيء و نظرت في نور الجمال الساري في جميع ذرات الوجود سألت الله سبحانه باجملها كما مر و تتدارك ذلك فتسأل الله بكل افراده و ان لاحظت ان في كل امام ما في كل امام فان ارواحهم و نورهم و طينتهم واحدة فكلهم جمال الا ان الجمالية في واحد منهم اقوي و اعظم فتسأل الله باجمل افراد جماله ثم تتنبه ان جميع افراد جماله اي جميع آل محمد: جميلون شديدوا الجمال و الحسن فتسأل الله بحقهم جميعا لانه لاينفع الايمان بواحد من دون الايمان بالاخر و لاينجح التوسل بواحد من دون التوسل بالاخر فلاجل ذلك تقول اللهم اني اسألك بجمالك كله و اعلم ان الامام7 اختار في هذا الدعاء تقدم الجمال علي الجلال للوجه الذي ذكرنا و اما في دعاء ذكره المجلسي في ايام شهر رمضان رواية عن ابن طاوس و لم‌يسنده الي امام ذكر البهاء ثم الجلال ثم الجمال و هذا الدعاء و ان كان غير مسند الي احد من المعصومين الا ان الظاهر انه منهم فان علماءنا في كتب العمل بعيد ان يستحبوا شيئا غير مأثور عنهم فعلي هذا قد لوحظ في الجلال مقام امتناع الذات عن الاغيار و التفرد و التعظم علي معني انه اجل من ان يحيط به الاوهام و اعظم من ان يدركه الافهام و الجمال هو مقام الظهور بالحسن و الكمال و التجلي بالصفات التي يبهر حسنها و جمالها العقول و الافئدة علي ان المحب لاينجذب قلبه الي المحبوب ما لم‌يشاهد حسن الحبيب فالجمال مقام الصفات الحسنة و الكمالات الجاذبة للقلوب فلكل وجه فعلي هذا الوجه مقام الجلال مقام علي7 من حيث باطنه علي انه7 قال ظاهري امامة و وصية و باطني غيب ممتنع لايدرك و الجمال مقام الحسن7 كما اشار اليه في قنوت الوتر في الاسماء الاربعة عشر فذكر انت الله جمال السموات و الارض

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 37 *»

فجعل الجمال مقام الحسن7 لانه مظهر جمال الله كما يأتي و علي7 مظهر هيبة الله و جلاله و عظمته في مقام الكلية و الجزئية علي ان مقام النبي9 مقام الذكر الاجل الاعلي الاعلي الاعلي و مقام الولي مقام الاسم الاعظم الاعظم الاعظم اذ النبي9 صاحب العرش و الولي صاحب الكرسي و العظمة هي الجلال و علي ان النبي له مقام الصبح و الولي له مقام النور المشرق عنه المعبر عنه بالجلال بالجملة لكل وجه الا ان الاول اوجه و الاول مسند محفوظ و الاخر غير مسند و ضعيف و يحتمل سهو الراوي في الترتيب فافهم راشدا موفقا مسددا.

الفصل الثالث

قال7 اللهم اني اسألك من جلالك باجله و كل جلالك جليل اللهم اني اسألك بجلالك كله.

قد ذكرنا سابقا ان الجلال هو ادني من الجمال و ان الجمال مقام الجذب و التقريب و الجلال مقام الدفع و التبعيد و الجلال لغة مصدر جل اي عظم و هو جليل و جلال الله جل جلاله الظاهر عظمته في آثار مشيته المعنوية كما ان كبرياءه آثار مشيته الظاهرة في الملك الصورية قال الله سبحانه له الكبرياء في السموات و الارض و في دعاء تكبرت في ملكك فالعظمة تطلق علي الكبر المعنوي كالقدر العظيم و العلم العظيم و الكبر للجثة كالجسم الكبير و البدن الكبير و قد يطلق الجلال علي العظمة الحقيقية و هي فوق العظمة الظاهرة في آثار المشية في الدهر فحينئذ المراد انه سبحانه يجل عن ان يحيط به الاوهام او تناله دقائق الاحلام و يجل عن مجانسة المخلوقات و حلول الصفات و بهذا اللحاظ اطلق الجلال علي الحقيقة في حديث كميل حيث سأل عليا7 عن الحقيقة فقال في اثناء البيان كشف سبحات الجلال من غير اشارة فالمراد بالجلال هو الحقيقة و سبحاته هي آثاره و صفاته الحاجبة بين السالك و بينه فاذا كشفها وصل اليه فسمي الحقيقة بالجلال و

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 38 *»

هي علي المعني الثاني الذي ذكرناه فينقسم انوار الله سبحانه بهذا اللحاظ بنور الجلال و نور العظمة و نور الكبرياء فيظهر نور الكبرياء في الملك و لذا روي في القدسي الکبرياء ردائي و قال الله سبحانه و له الكبرياء في السموات و الارض و وصف بالعريض في قولهم: عريض الكبرياء و نور العظمة يظهر في الملكوت و لذا روي في القدسي العظمة ازاري و هو مما يلي الجسد و يلبس الرداء عليه و الازار اغيب من الرداء و لذا توصف الصفات النفسانية بالعظمة دون الكبر و الجلال في مقام الجبروت بل اعلاه كما عبر عنه علي7 بقوله كشف سبحات الجلال هذا اذا اجتمعت و اذا افترقت استعمل بعضها في مقام بعض كما يقال فلان رجل كبير و لايراد منه كبر الجثة بل كبر القدر و يقال ما دق و جل اي صغر و كبر و يقال عظيم الجثة و العرش العظيم و يراد منه الكبر و في حديث المعراج فرأيت من نور ربي و حال بيني و بينه السبحة قال الراوي قلت و ما السبحة جعلت فداك فاومأ بوجهه الي الارض و اومأ بيده الي السماء و هو يقول جلال ربي جلال ربي ثلثا فاطلقه هنا علي العظمة و الكبرياء بالجملة حين الاجتماع الكبر مخصوص بالملك و العظم بالملكوت و الجلالة بالجبروت و علي اي معني حضرة الجمال اعلي من حضرة الجلال و اغيب فالجلال نور الجمال و الجمال نور الذات و لذلك قلنا ان الجمال جذب و تقريب و الجلال دفع و تبعيد و سبقت رحمتي غضبي و ان اخذ الجمال مقام محاسن آثار افعاله سبحانه و حكمته و اتساق امره و الجلال مقام قدسه سبحانه عن الصفات يتقدم الجلال علي الجمال لكن هذا الجمال المؤخر غير ذلك الجمال المقدم و كيف كان قد اختار الامام7 هنا تقدم الجمال علي الجلال فالجلال بهذا اللحاظ هو الركن الثاني من اركان عرش الصفات المستوي عليه نور رحمانية البهاء و هو مقام الباطن من حيث البطون و هو المقام الثاني من مقامات التوحيد و ذلك ان للتوحيد خمسة مقامات قد شرح عنها سورة التوحيد و هي مقام الذات و مقام الهوية و مقام الالوهية و مقام الاحدية و مقام الواحدية علي ما اشرنا اليه سابقا فهذا المقام

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 39 *»

مقام الالوهية كما ان مقام الجمال مقام الهوية و ذلك ان هو اسم من اسماء الذات كما ان الله اسم و الفرق بينهما ان هو اسم مضمر و اشارة و كناية و الله اسم مظهر مصرح به فهو الطف و اغيب و اشد اضمحلالا عند الذات المجردة عن الصفات و اشد اراءة لها و اسم الله اكثر استقلالا و اشد اراءة لنفسه و احجب لما وراءه و اما الاحد و الواحد فهما وصفان يوصف اسم الله بهما و لايوصفان بذينك الاسمين و اما هو فلشدة اضمحلالها في الذات و فنائها فيها و عدمها في نفسها و وجودها بالذات صارت لاتوصف و لاتوصف بها اما انها لاتوصف اذ كمال التوحيد نفي الصفات عنه و لاتوصف بها لتذوتها بفنائها عند الذات بحيث لايري منها غير الذات فالذات هي العرية عن الصفات بالذات و ضمير هو لاضمحلاله فيها عري عن الصفات و اما اسم الله فصار يوصف و لايوصف به لاستقلاله في الجملة فهو الذات الموصوفة و اما الاحد فهو مقام الوصف الا انه وصف من لايثني و لايجزا و هو اغيب الصفات و ابسطها و الطفها و اوحدها و اشبهها بالذات و اما الواحد فهو الوصف المتكثر المثني المجزي انظر الي هذه الحكم الالهية كيف طابقت الواقع بالجملة مقام الجمال هو مقام الهوية و اول اركان الصفات بالمعني الاعم اذ الاسم في الواقع صفة الا انها صفة دالة علي الذات و سائر الصفات دالة علي معانيها و ظواهرها كماقال الرضا7 الاسم صفة لموصوف و قال علي7 الاسم ما دل علي المسمي و مقام الجلال مقام الالوهية ثاني الاركان و علي ذلك الله مشتق من اله كفرح بمعني تحير فالله اي الذي تحير فيه الخلائق فلم يعرفوه حق معرفته او من لاه يلوه بمعني ارتفع فالله الذي ارتفع عن مشاعر خلقه فلايناله الاوهام و لاتدركه دقائق الاحلام و كلاهما من مقتضيات الجلال و الدفع و التبعيد و من البين ان نور الالوهية لاتعطيل له في كل مكان و لكل شيء مقام في الاسمية لله سبحانه لايدل الا اليه جل جلاله فمن اعاره الله عينه لايري شيئا الا و يري الله معه كما روي عن علي7 ما رأيت شيئا الا و رأيت الله قبله او معه و الظاهر ان الترديد من الرواة و علي رواية القبل المراد به القبل الرتبي لا الزماني فاذا نور

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 40 *»

الجلال في كل شيء اي لكل شيء مقام و رتبة هو فيها جلال الله سبحانه و لماكان بعض المخلوقات اعظم حكاية من بعض لذلك النور كان بعضها اجل من بعض و اولي بالله سبحانه و ارفع لاوهام الخلائق فسأل الامام7 ربه اولا من اقسام جلاله باجله ثم كما ذكرنا تدارك ذلك بان كل افراد جلاله شديد العزة و العظمة شدة لانهاية لها و لاغاية في كل رتبة بحسبه ثم فرع القول علي ذلك التدارك فقال اللهم اني اسألك بجلالك كله فان افراده كلها ابواب الدخول عليك و وسائل الخلق اليك و مسائل الخلق عنك كما بينا و شرحنا و اعلم ان ما نذكره في كل فصل دخيل في كل فصل فانه ينزل الينا من المطالب شيء بعد شيء فنذكر كلما يسنح ببالنا في كل مقام فاجر ما نذكره في كل فصل فيما يشاكله في فصل آخر و لاجل ذلك لانعيد غالبا ما ذكرناه في الفصل المشاكل السابق و لارادة الاختصار فتنبه هذا هو ظاهر المراد منه و في الباطن المراد منه نور مولانا الحسن7 اذ هو ثاني اصول اركان عرش الولاية الذي استوي عليه رحمانية نور محمد9 فاعطي كل ذي حق حقه و ساق الي كل مخلوق رزقه و خص الحسن7 بالجلال لما روي ان فاطمة عليها السلام قالت يا رسول الله هذان ابناك فانحلهما فقال رسول الله9 اما الحسن فنحلته هيبتي و سؤددي و اما الحسين فنحلته سخائي و شجاعتي و في رواية اما الحسن فانحله الهيبة و الحلم و اما الحسين فانحله الجود و الرحمة انتهي. و الهيبة و السؤدد لازمان للعظمة و الجلال فان الهيبة عظمة مخيفة و السؤدد الاستعلاء و الشرف علي ما سوي صاحبه مجموع هذه الخصال و هو الجلال و في دعاء يوم السبت تهيبت بجلالك و تجاللت في هيبتك و فيه فخلقك كلهم يهاب جلالك و يرعد من مخافتك فرقا منك و يسبح بحمد قدسك لهيبة جلال عزك الدعاء و في دعاء عرفة في صفة الله المعبود لهيبة جلاله فمقام الحسن7 هو مقام الجلال و اصله و معدنه و مأواه و منتهاه

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 41 *»

و لماكانوا: كلهم من نور واحد و كل ما في واحد منهم يكون في الاخر الا ان كل واحد منهم ظهر بصفة فكلهم مرتضي الا ان عليا7 اظهر الارتضاء و هم اخفوه و كلهم مجتبي الا ان الحسن7 ظهر بالاجتباء و الباقون اخفوه و هكذا مع ان الكل في الكل و لذا روي اولنا محمد و آخرنا محمد و اوسطنا محمد و كلنا محمد و قال علي7 انا محمد و محمد انا و قال9 انا و علي من نور واحد فاذا كلهم جلال الله و في كلهم نور الجلال و لكلهم هيبة جلاله جل جلاله الا ان الحسن7 هو الظاهر بهذه الصفة و المتولي لهذا الامر في العالم فهو اجل الجلال فتقول اللهم اني اسألك من افراد جلالك اي من آل محمد حملة نور هيبتك و جلالك باجله اي بالحسن7 الذي ظهر بهذه الصفة و انحله رسول الله المهيمن علي عرش الولاية مرآة جميع صفاتك و اسماءك الوالي علي كلها هيبته و سؤدده فماله من هيبة و جلال فانما هو نحلة من رسول الله9 و منحة منه فهو لاجل ذلك اجل افراد الجلال و الحال ان جميع افراد جلاله و حججه: شديد الهيبة و عظيم الجلال ليس لنا التمييز بينهم بصرف مشاعرنا الا ان يخبرونا هم عن انفسهم بانفسهم صلوات الله عليهم و يخبر عن كونهم جميعا جلال الله و هنا حديث شريف اذكره بطوله لكثرة محصوله فقد روي في البرهان عن سعيد بن ظريف عن ابي‌جعفر7 قال كنا عنده ثمانية رجال فذكرنا رمضان فقال لاتقولوا هذا رمضان و لا جاء رمضان و ذهب رمضان الي ان قال الا و من خرج في شهر رمضان من بيته في سبيل الله و نحن سبيل الله الذي من دخل فيه يطاف بالحصن و الحصن هو الامام فيكبر عند رؤيته كانت له في القيمة صخرة في ميزانه اثقل من السموات السبع و الارضين السبع و ما فيهن و ما بينهن و ما تحتهن قلت يا با جعفر و ما الميزان فقال انك قد ازددت قوة و نظرا يا سعد رسول الله الصخرة و نحن الميزان و ذلك قول الله عزوجل في الامام ليقوم الناس بالقسط

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 42 *»

و من كبر بين يدي الامام و قال لا اله الا الله وحده لاشريك له كتب الله له رضوانه الاكبر و من كتب له رضوان الاكبر يجمع بينه و بين ابرهيم و محمد9 و المرسلين في دار الجلال قلت و ما دار الجلال قال نحن الدار و ذلك قول الله عزوجل تلك الدار الاخرة نجعلها للذين لايريدون علوا في الارض و لا فسادا و العاقبة للمتقين قال الله عزوجل تبارك اسم ربك ذو الجلال و الاكرام فنحن جلال الله و كرامته التي اكرم الله تبارك و تعالي العباد بطاعتهم انتهي فهم: جلال الله جل جلاله و كلهم جليلون عظيمون ثم تقول اللهم اني اسألك بجلالك كله اي بحججك: كلهم اولهم و آخرهم فانه لاينفع توسلي باولهم الا بآخرهم فانهم امر واحد و نور واحد و شخص واحد قد تجلوا بصور عديدة ليقيموا علي اهل كل عصر حجة الله و يقوموا في كل عصر بامر الله و نهيه فاذ ترك رجل واحدا منهم فقد ترك الكل فانا اتوسل بكل واحد واحد منهم ليتحقق لي التوسل الواحد بهم صلوات الله عليهم فلاجل ذلك تبدأ بالاجل لانه الظاهر بالجلال و الباب الاعظم في هذا المقام ثم تثني بالتوسل بكلهم حتي يتم توسلك باجل الجلال فلولا انك توسلت بافراد الجلال جميعها ما تم توسلك باجلها البتة هذا اذا اخذ مقام البهاء مقام نور محمد9 صاحب الرحمانية المستوية علي عرش الولاية و سائر الصفات و ان اخذ البهاء هو مقام الولاية الكلية و الحسن الكلي لله سبحانه الذي هو الكمال و الصفة الكلية و الصورة الانزعية‌ الجامعة فالجلال ايضا هو  مقام الحسن7 علي ان يكون الجمال هو مقام العلوية الظاهر في العيون الاثنتي عشرة فهو علي اي حال صاحب الركن الايمن المقدم من عرش الولاية و هو نور الجمال في هذا اللحاظ اذ هو فرع علي7 و بعضه و جزؤه قال تعالي و جعلوا له من عباده جزءا و قد عرفت سابقا ان في دعاء ابن طاوس اخر الجمال عن الجلال و قد ذكرنا في الفصل السابق ما فيه كفاية فعلي الاعتبار الثاني مقام الجمال مقام

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 43 *»

الحسن7 كما في قنوت الوتر في الاسماء الاربعة عشر انت الله نور السموات و الارض و انت الله زين السموات و الارض و انت الله جمال السموات و الارض و انت الله عماد السموات و الارض و انت الله قوام السموات و الارض و انت الله صريخ المستصرخين و انت الله غياث المستغيثين و انت الله المفرج عن المكروبين و انت الله المروح عن المغمومين و انت الله مجيب دعوة المضطرين و انت الله اله العالمين و انت الله الرحمن الرحيم و انت الله كاشف السوء و انت الله بك تنزل كل حاجة الدعاء‌ و هذه الاسماء الاربعة عشر مظاهرها الانوار الاربعة عشر و جعل الجمال فيها مقام الحسن7 علي الاعتبار الثاني و علي اي حال كلهم جلال الله كما عرفت و كلهم جمال الله الا ان الوجه الاول اوجه و اكثر شاهدا من اخبارهم فافهم راشدا موفقا.

الفصل الرابع

قال7 اللهم اني اسألك من عظمتك باعظمها و كل عظمتك عظيمة اللهم اني اسألك بعظمتك كلها.

اعلم ان العظمة كما قدمنا اذا قارنت الجلال و الكبرياء تستعمل في الدهريات كما ان الكبرياء تستعمل في الزمانيات و الجلال يستعمل في السرمديات فلما قارنت هنا الجلال تكون فرعا للجلال و ادني منه بدرجة البتة فتختص بالصفات الباطنة‌ الغيبية و تظهر عظمة الله سبحانه في آثار مشيته لاسيما في الدار الاخرة و يوم القيمة و في الجنة و النار و قد تطلق العظمة في عالم الملك كما ذكر النبي9 في حديث زينب العطارة و قد مر و قد تطلق علي نور الجلال كما روي في تفسير قاب قوسين عن ابي‌عبدالله7 قال مابين سيتها الي رأسها فقال بينهما حجاب يتلألأ قال الراوي و لا اعلمه الا و قد قال زبرجد فنظر في مثل سم الابرة الي ما شاء الله من نور العظمة الحديث و هذه

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 44 *»

العظمة هنا بمعني الجلال و حجاب الزبرجدة بمعني النفس الحايلة بينه9 و بين نور العظمة فنظر في مثل سم الابرة من ذلك الحجاب لانه نظر الي نور الواحد الاحد و الطريق اليه ادق من الشعر و احد من السيف و لايلتفت منكم احد و امضوا حيث تؤمرون فنظر في مثل سم الابرة الي ما شاء الله من نور العظمة و هو الحقيقة المشار اليها في حديث علي7 كشف سبحات الجلال من غير اشارة و المراد بها انها اعظم من ان يوصف و اجل من ان يعرف هذا اذا افترقت و اما هنا فالمراد بهذه العظمة نور الجلال و المراد بها الركن المقدم الايسر من عرش صفات الله سبحانه و هو مقام الاحدية علي ما قدمناه و استخرجناه من سورة نسبة الله سبحانه فهو المقام الرابع من المقامات الخمسة التوحيدية و ذلك ان عرش ظهور التوحيد له مقدم و مؤخر و لكل منهما يمين و يسار فيمين ذلك العرش من مقدمه و مؤخره مقام الاسماء الا ان الاسم المقدم اسم باطني و المؤخر اسم ظاهري و يسار ذلك العرش من مقدمه و مؤخره مقام الصفات الا ان مقدمه مقام الصفات الباطنية و مؤخره مقام الصفات الظاهرية فالصفات الباطنية بطنت لغلبة الاحدية عليها كما ان الصفات الظاهرية ظهرت لغلبة الواحدية عليها و ذلك ان الاحد يأبي عن التعينات و الحدود و الكثرات و الواحد لايأبي من ذلك كما حققناه في محله فالاحد اصل الصفات الغائبة عن درك الابصار و الواحد اصل الصفات الظاهرة و ليس المراد بالاحد هذا الاحد الحقيقي فان الاحد الحقيقي هو الاحد بالذات و لا كلام عنه و انما الاحد هذا هو الاحد الوصفي كما وصف الله سبحانه الله به و الاحد الوصفي هو الوصف الغائب عن درك الابصار و هو مقام العظمة فانها تطلق علي الصفات الباطنة و تجري فيها كما اشرنا اليه و من البين ان الصغير في الظاهر ما تقارب حدوده و الكبير ما تباعد حدوده في الظاهر و كذلك في الباطن الحقير ما تقارب حدوده الباطنة فلم‌يسع كثيرا مماسواه او لم‌ينفذ في غيره و العظيم ما تباعد حدوده الباطنة فوسع كثيرا مما سواه و نفذ في غيره فاعظم الاشياء ما يسع جميعها و ينفذ في كلها و يحيط بما سواه فاذا اعظم الاشياء اوحدها

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 45 *»

اذ كلما يزداد الشيء توحدا يبعد عن الحدود و النهايات و كلما يبعد عن الحدود و النهايات يزداد سعة و كلما يزداد سعة يزداد عظمة فحقيقة العظمة و كلها في مقام الاحدية الوصفية و بهذا المعني يقال هو اعظم من ان يوصف او يدرك او يحاط به و امثال ذلك و هي مقام الحروف في ايجاد الكلمة و السحائب المزجاة في خلقة السحاب و مقام القدر في مراتب الفعل و الحل الثاني في مراتب المولود و النور الاخضر من مراتب انوار اركان العرش كما اشرنا الي جميع ذلك في الفصول السابقة بالجملة هذا المقام هو ثالث مقامات التوحيد و لجميع ذرات الوجود مقام اذا نظر اليها الناظر بذلك الاعتبار رآها نور عظمة الجبار جل جلاله بحيث لايجد غيرها و الي ذلك المقام الاشارة في دعاء كميل و بعظمتك التي ملأت كل شيء و المراد بكل شيء ما تعلق به المشية من الذوات و الصفات قاطبة و ما بينهما من تلازم و نسبة و اقتران و اصلية و فرعية و روي انما سمي الشيء شيئا لانه مشاء و ان الله سبحانه خلق المشية بنفسها و خلق الاشياء بالمشية و حق و خلق لاثالث بينهما فجميع ماسوي الله سبحانه مخلوق بمشيته و قد ملأ هذه العظمة جميعها اي جميع الامكنة الوجودية و هذا الملأ ملأ لانهاية له و لا غاية اي ليس كملأ الماء الكوز فانه يخلو منه جسم الكوز و يتناهي الماء بالكوز و الكوز بالماء بل هذا الملأ ملأ نافذ في جميع الامكنة الوجودية للاشياء فهي اذ هي ليست الا نور عظمة الجبار جل جلاله و صفة القهار و للاشياء بحسب توحدها و انبساطها و كثافتها و تكثرها اختلاف في اظهار عظمة الجبار جل جلاله فماكان منها اكثر توحدا و اشد انبساطا و اسري نفوذا في الاشياء كان احكي لعظمته جلت عظمته البتة و ما كان منها اضيق حدودا و اكثر كثافة كان اقل حكاية لها البتة فمشيته سبحانه احكي الاشياء للعظمة الظاهرة في مقام الخلق لانها اوسع من جميع الكائنات و انفذ من كلها و في مقام الاسماء و الصفات مقام الظاهر في المعاني العلياء هو مقام الاعظم الاعظم الاعظم لكن من حيث الذات اي ذات الظاهر لا الظاهر من حيث الظهور فانه مقام

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 46 *»

النور لضياء الذات فالظاهر من حيث الذات اي الضياء هو مقام الاسم الاعظم الاعظم الاعظم فقد روي في الكافي عنهم: ان اول ما اختار الله لنفسه من الاسماء العلي العظيم فقد سأل الامام7 من صنوف عظمته سبحانه الظاهرة في جميع ذرات الوجود باعظمها الذي هو اول تجلياته بالظاهر في مقام الوجود الحق مع ان جميع صنوف عظمته الظاهرة في ذرات جميع الخلق شديدة العظمة لاتضاهي و لاتعادل و كيف تعادل و ليس لغيره من الظهور ما ليس له و جميع مراتب الظهور له و كيف لا و انه الذات وحده وحده وحده و انه الوجود المستقل المتذوت وحده وحده وحده و جميع ماسواه اوصاف قائمة به و تكون موجودة بالانطواء تحته و الانتساب اليه و الحكاية له بكلها فليس موجود دونه الا و هو موجود بوجود وصفي و لا موجود بالذات الا هو جل شأنه فلا شيء الا و هو ظهوره و نوره كما قال سيد الشهداء روحي لتربته الفداء ايكون لغيرك من الظهور ما ليس لك حتي يكون هو المظهر لك و في دعاء ايام الاسبوع لايري فيها نور الا نورك و لايسمع فيها صوت الا صوتك فاذا كان جميع الظهور له لا استقلال لشيء معه و الكل صفته و ظهوره و نوره فليس لغيره من الظهور و لا لغيره عظمة فلا شيء معه بعظيم و كل صنوف عظمته شديد العظمة في حده و مقامه اذ لاعديل له و لانظير فقال7 اللهم اني اسألك بجميع صنوف عظمتك و ادخل عليك من جميع ابواب تجلياتك حتي لايفوتني منها نور و لا اعشو عن ظهور و اتوسل اليها بجميع صفاتك و بكل آياتك حتي انبسط في جميع ذرات ملكك و اتوجه اليك من كلها و اعبدك بكلها نظرا الي ان الالات تحد انفسها و الادوات تشير الي نظائرها و الانسان لايدرك شيئا كائنا ماكان الا و يحصل له مشاكلة معه بها يمكنه ادراكه فمن يتوسل الي الله سبحانه باسم يحصل له مشاكلة معه و يكون هو احد مظاهر ذلك الاسم فيحصل له الهيمنة علي مراده اطعني فيما امرتك اجعلك مثلي تقول للشيء كن فيكون و ذلك هو الاشارة الي كيفية استجابة الدعوات و لماكان الامر كذلك اراد الامام7 في هذا الدعاء ان يتوسل الي الله سبحانه

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 47 *»

بجميع ذرات الموجودات الثلثة بجميع اعتباراتها حتي يدخل علي الله سبحانه من كل باب و يخرج اليه ما يخرج من كل باب فيكون قد عبد الله بكل لسان و قد صار مظهر جميع الاسماء و الصفات عليهم من ربهم و عبيدهم افضل الصلوات و اكمل التسليمات و هذا الذي ذكرنا هو ظاهر العظمة.

و اما الباطن من ذلك فهو مقام الحسين7 ثالث اركان عرش التوحيد و ملك التفريد قد تجلي الله سبحانه به علي العباد بالعظمة حيث اقامه مقامه في الزيارة فلايوم قد ظهر لله سبحانه فيه عظمة الا و قد ندب الي زيارة الحسين7 و السلام عليه و الوقوف في حضرته و التوجه اليه و اظهر هو7 عظمة الله بافنائه نفسه و قطعه عن جميع حدود نفسه بقضها و قضيضها في سبيل ربه فاعدم نفسه و اوجد ربه اي اظهر وجوده و اخفي نفسه و اظهره و ترك نفسه و اخذه حتي لم‌يبق فيه ظهور الا ظهور ربه فلذلك صار جهته و ظهر فيه من عظمته ما لم‌يظهر في غيره و قد خصه الله سبحانه بخصائص لم‌يجمعها لغيره من جد و اب و ام و اخ و بنين و شيعة و زوار و محبة في قلوب المؤمنين و اظهار التوحيد و النبوة و الولاية في العالمين و اثبات امر الولاية و جعل الشفاء في تربته و تحليلها و استجابة الدعاء تحت قبته و عدم احتساب عمر زائره و الائمة من ذريته و كون كربلاء قطعة من الجنة و قلب العالم في مكارم لاتحصي و فضائل لاتستقصي و كل ذلك من آثار عظمة الله الظاهرة في وجوده الاقدس صلوات الله عليه بخضوعه في جنب عظمة الله سبحانه الا تري ان السلطان ما رؤي معه غيره لم‌يعظم حق تعظيمه فاذا اخفي نور عظمته جميع ماسواه عن اعين الناظرين فقد عظم و من رأي معه غيره دل علي انه لم‌يخف نوره ماسواه فلو اخفاه لم‌ير فاذا لم‌ير احد معه غيره فقد عظم حق العظمة فالحسين صلوات الله عليه حيث نبذ ماسوي الله وراء ظهره و سمع بروحه و ولده و عياله و اصحابه و عزه و ماله و جميع ماله من اعتبار وجودي و غمض عن الكل و اضمحل و تلاشي في جنب ربه ظهر فيه و به و له من عظمة الله سبحانه ما لايوصف و ما لم‌يتفق ذلك لغيره و كل الائمة صلوات الله عليهم شركاء له في هذه العظمة و الصفات الا انه الاصل و البواقي

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 48 *»

فرعه و لذلك سمي بابي‌عبدالله فكل من عبد الله في ملكه فرعه و من ولده و هو ابو جميع عباد الله و جميع من عبد الله و خضع لديه فهو اعظم اصناف عظمة الله في العالمين و اصلها و مبدؤها و ان كانوا كلهم مظاهر عظمة الله لان العظمة كما عرفت تطلق علي الامور الدهرية كالعقل و النفس و خصالها من الفهم و القدرة و القوة و السلطنة و الملك و العلم و الحلم و السخا و الشجاعة و السماحة و الولاية و الكرامة و غيرها و ذلك كله كما هو بين منهم بدئت و اليهم تعود و جميع ما لجميع خلق الف الف عالم من المكارم و المزايا و الخيرات و الحسن و الكمال و الفخر و العز و غير ذلك فمنهم و اليهم و هم اولي به اذ الكل نورهم و شعاعهم و في الزيارة ان ذكر الخير كنتم اوله و اصله و فرعه و معدنه و مأواه و منتهاه فهم اعظم جميع ما خلق الله في جميع المكارم و المزايا و النفس و الروح و العقل بل كل عظمة عظمة نورهم لان الكل من نورهم و عظمة النور عظمة المنير فلاعظمة و لا كبرياء و لا جلال الا منهم و بهم و لهم فبذلك عظموا الله سبحانه بذواتهم و صفاتهم و افعالهم و آثارهم و انوارهم كما تقرأ في الزيارة فعظمتم جلاله و اكبرتم شأنه و مجدتم كرمه الزيارة فهم كلهم عظمة الله الا ان الحسين7 اصل في هذا المقام كما بينا و شرحنا فقال7 اللهم اني اسألك من صنوف عظمتك الظاهرة في خلقك او في آل محمد: باعظمها باحكاها لعظمتك لتلاشيها في ذاتها و اضمحلالها في نفسها و اشدها اظهارا لها لان نفسها اشد خفاء في جنب صفتك هذه و هو الحسين7 و كل عظمتك اي كل صنوف عظمتك اي كل آل محمد: كثيروا العظمة عظمة لاتتناهي و فوق احساس جميع خلقك اللهم اني اسألك بعظمتك اي بصنوف عظمتك اي بآل محمد: كلها اذ لايتم التوسل بواحد منهم الا بالاخر فاني اتقرب اليك و اتوجه و استشفع اليك بكل واحد واحد منهم فانهم كلهم كلمة واحدة و نور واحد لايجوز تبعيضه كما روي في الجامعة اشهد ان هذا سابق لكم فيما مضي و جار لكم فيما بقي و

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 49 *»

ان انوارکم و اشباحکم و سنائکم و ظلالکم و ارواحكم و طينتكم واحدة جلت و عظمت و بوركت و قدست و طابت و طهرت بعضها من بعض الزيارة فهم جميعهم كلمة التوحيد في جميع المقامات و حروف كلمة لا اله الا الله في الرقوم المسطرات لايتم التوسل الواحد التام الكامل الا بجميعهم صلوات الله عليهم فاني اسألك اللهم بصنوف عظمتك و اطرافها و حدودها كلها فهو7 هو الركن الايسر المقدم من عرش اسماء الله و صفاته كما حققنا و شرحنا و مقام الحروف من كلمة التوحيد و فيما مر من البيان كفاية و بلاغ.

الفصل الخامس

قال7 اللهم اني اسألك من نورك بانوره و كل نورك نير اللهم اني اسألك بنورك كله.

اعلم ان النور ضد الظلمة بحسب الظاهر و قد يرسم بانه الظاهر في نفسه و المظهر لغيره فان النور هو الظاهر بنفسه و يظهر كل ما يقع عليه فينيره و لولا انه وقع علي شيء لم‌يظهر بل يكون مظلما و اقول ان النور بنفسه غير ظاهر للعين لانه من عالم الغيب و المثال و انما يظهر اذا انصبغ بصبغ ما يقع عليه من الغلائظ و الكثائف فلو اخذ عنه كثافة ما يقع عليه و يصبغ لم‌ير ابدا و من ذلك سواد الجو المسمي بالسماء فانه ليس هناك اهبية و اغبرة و ابخرة ينصبغ فيها الانوار فيري مظلما و الذي يري في الجو فبواسطة الاغبرة و الاهبية التي فيها فينصبغ النور اذا وقع عليها فيري فالنور خفي في نفسه ظاهر بغيره الا ان الغلائظ مظلمة في نفسها و تكسب النور كثافة تنزله الي حد ادراك العين فتدركه العين كما ان النار لطيفة غيبية لاتري و لا لون لها و الدخان مظلم كثيف فاذا اشرقت علي الدخان البسها كثافة و غلظة و لونا فتري نارا حمراء و صفراء و شعلة نعم لو قيل ان النور و النار لشدة ظهورهما خفيا عن ادراك العين فاذا خالطهما صبغ الكثيف قدرهما و حددهما فاحاط بهما ادراك العين لكان حقا و صار صدقا فالنور هو جوهر خفي

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 50 *»

لشدة ظهوره يحدده غيره  حتي يصلح لادراك العين و احاطتها فالنور يظهر بغيره و يظهر غيره و هما كالوجود و الماهية فالكثيف يعطيه الحد و الظهور و النور يعطي الكثيف الظاهر الوجود فاذا اجتمعا صار الحاصل نورا ظاهرا ثم النور شعاع الضياء و اثره قائم به و الضياء قائم بنفسه قال الله سبحانه هو الذي جعل الشمس ضياء و القمر نورا و نور القمر مكتسب من الشمس و ظل لها ولكن قد يطلق احدهما مقام الاخر و قوله تعالي الله نور السموات و الارض اي الله هو الذي به ظهر السموات و الارض بذواتها فان الظهور ظهوران ظهور عرضي كظهور الجدار بسبب نور الشمس المشرق به بالعرض فيظهر صورته بنورها و اما الظهور الذاتي فيتحقق اذا كان نفس ذات الشيء نور منير فهو يظهر ذاته بذاته و هو يظهر به بذاته فيكون ذاته ظهور الظاهر به و لماكان جميع ماسوي الله سبحانه ظهوره و تجليه تجلي لها بها و هي التي تري منه و تدرك و تصل اليها العقول كان يسمي ماسواه بنوره لا بمعني ان الذات الغيبية ضياء ذلك النور و اصله بل بمعني انه احدث النور بذلك النور فجميع ماسوي الله سبحانه نوره احدثه به بلا ارتباط بالذات و علي ذلك جري ما جاء في الدعاء لايري فيها نور الا نورك و لايسمع فيها صوت الا صوتك و ابان عن هذا المقام سيدنا الحسين7 في دعاء عرفة ايكون لغيرك من الظهور ما ليس لك حتي يكون هو المظهر لك متي غبت حتي تحتاج الي دليل يدل عليك و متي بعدت حتي يكون الاثار هي التي توصلني اليك فجميع ما في عرصة الامكان نوره سبحانه و ظهوره لا شيء سواه و ذواتها و صفاتها و افعالها و آثارها و اشباحها و اشباح اشباحها الي ما لانهاية له و قراناتها و اوضاعها و نتايجها غير المتناهية كلها ظهوره عزوجل و نوره احدثها بانارته التي هي المشية و كلها قائمة بها صادرة عنها راجعة اليها و لماكان النور هو الشبح المنفصل عن الضياء و شعاعه و اثره و الله الاحد جل شأنه احدي المعني ليس له شبح متصل و لا منفصل و لا نسبة بينه و بين خلقه و لا ارتباط و لا اقتران لاستلزام جميع ذلك التكثر و هو

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 51 *»

تعالي و تقدس عما يقول الملحدون علوا و قدسا كبيرا جعل اول الحوادث اي السابق الذي لاسابق عليه سراج تلك الانوار و ضياء تلك الاشعة اي جعله نورا بنفسه ثم خلق الاشياء نورا به كما روي عن الصادق7 خلق الله المشية بنفسها ثم خلق الاشياء بالمشية فكما انها بلحاظ الحدوث و المفعولية ترجع الي مبدء موجود بنفسه كذلك بلحاظ الاسمية و الوصفية و الظهورية و النورية ترجع الي الظهور الاكرم و التجلي الاعظم و هو اول التجليات و اسبق الظهورات و لماكان المفروض انه لاسابق عليه فهو الظاهر بنفسه لغيره و لايصح ان يكون ظهوره بذات الله الاحدية غير المقترنة بالحوادث فهو النور بذاته و النور بذاته هو الضوء فاول الحوادث ضياء ذاتي قام به كل نور و يكون له كل ظهور و هو السراج المنير و الشمس المضيئة و شمس الازل و الجوهر الثابت الذي لم‌يزل و لنعم ما قال الاول:

يا جوهرا قام الوجود به

و الناس بعدك كلهم عرض

و قال علي7 في خطبة له انا جوهر القدم و لنعم ما قلت في هذا المعني:

يا من هو الذات التي قامت بها

كل الذوات و كان منها اعظما

قد جل شأن من اجتباك و انت من

آياته و اجل من ان يعلما

فذلك الضياء الذي لاسابق عليه اي النور بالذات بنفسه هو انور الانوار بالمعني الاعم و يسأل الله سبحانه الامام7 بذلك النور فيقول اللهم اني اسألك من افراد نورك الذي لاشيء سواه بانوره السابق علي كل شيء و الذي يستهلك عند سطوعه كل شيء كما يستهلك نور الكواكب عند ظهور نور الشمس فانور الانوار الذي يضمحل و يتلاشي عنده كل نور و لايري معه نور و لايثبت معه ظهور كما روي ان لله تعالي سبعين الف حجابا من نور و ظلمة لو كشفت لاحرقت سبحات وجهه ما انتهي اليه بصره من خلقه انتهي و السبحة النور فنور وجه الله سبحانه اذا بدا خفي و اضمحل جميع ماسواه البتة و هو يظهر للناس من وراء حجب حتي انه ظهر للنبي9 من وراء حجاب زبرجدة خضراء و كان يتلألأ مع

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 52 *»

ذلك بخفقان فما ظنك بسائر الخلق فسأل الله سبحانه بذلك النور الانور و الضياء الازهر ثم تدارك كما كررنا و شرحنا ان جميع افراد نورك كثير النور غالب غير خفي علي احد في مقام يعرفك بها من عرفك لاتعطيل لها عن الدلالة و الاراءة في كل مكان ثم قال اللهم اني اسألك بنورك كله ادخل عليك من كل باب من ابواب انوارك و اسألك بكل لسان و اتقرب اليك من كل جهة و اتوسل اليك بكل وسيلة حتي لايفوتني شيء من فضلك و رحمتك النازلة الي احد من خلقك و ذلك ان العطاء ينبسط بانبساط المسألة والمسألة تنبسط بانبساط الوسيلة فلاجل ذلك كلما يعظم الوسيلة يعظم المسألة و تستوجب الاستجابة اكثر و اوسع و اعظم فلماكان دعوته7 هذه شاملة للاسم الاعظم اراد ان لايفوته حد من حدود اسماء الله و صفاته فسأل الله سبحانه بجميع انواره ولكن هذا كما ذكرنا علي ان يؤخذ النور بالمعني الاعم من الضوء فيكون انور الانوار الضوء كما يقال الشمس انور من جميع انوارها فقولك انور مأخوذ من النور بالمعني الاعم و ليس ذلك علي ترتيب ما بيناه في الفصول السابقة بل المراد في ذلك اللحاظ بالنور المعني الاخص اي شعاع الضياء فيكون مقام الضياء مقام البهاء لان البهاء احد معانيه الضياء و ذلك الجمال و الجلال و العظمة و النور كلها ظهور ذلك البهاء و الضياء‌ لان له الرحمانية المهيمنة علي عرش هذه الصفات و كلها كما بينا ظهوره و نوره الا ان الركنين الاولين مقام غيب الصفات و البطون نوعا فهما ظهوره بالباطنية و الغيبية و الخفاء و تسميتنا لهما بالظهور بالمعني الاعم و اما الركنان الاخيران فالركن السابق منهما له مقام الباطن و جهة الرب و الغيب و الخفاء بالنسبة الي اللاحق الا تري ان النار و الهواء لهما نوعا مقام الغيب بالنسبة الي الماء و التراب و اما الماء بالنسبة الي التراب فله مقام الوجود و التراب مقام الماهية فالوجود بالنسبة الي الماهية مقام الغيب و الماهية مقام الشهود فالماء لايري و المشهود من العناصر الظاهر منها هو التراب فكذلك الجمال و الجلال نوعا مقاما الغيب و ان كان الجمال اغيب من الجلال و اما العظمة فهي بالنسبة الي النور اغيب و ان كان مقام الظهور نوعا ولكن الظهور التام

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 53 *»

الحقيقي الكامل في الركن الاخير و هو الاسفل الايسر فبه ظهور الرحمن و قيام البرهان علي اهل العدوان و ليس انه اشرف من ساير الاركان بل لاجل انه مقام الظهور و البيان و الشهود و العيان فاختص مقام النور بالركن الاسفل الايسر من عرش الظهور و لذلك نقول ان الركن الرابع هو النور الساطع و هو الذي بالدلالة و التعريف لامع و اما سائر الاركان فهي مقام الخفاء و الغيب و الباطن و الوسائط الموصلة الي المقام الرابع فهو آخر جزء من الكلمة التامة التوحيدية و التعريفية و التوصيفية من عرفه عرف ربه و من جهله جهل ربه و هو الوصلة و الوسيلة الي مقامات الغيوب و كذب من زعم انه عرف الغيب و لم‌يعرف الشهادة و اتصل بالباطن و لم‌يصل الي الظاهر و ذلك السر جار في جميع العروش الجزئية و الكلية و في جميع مقامات التعريف و الظهور في كل مقام بالركن الاسفل الايسر لانه المشهود المحسوس للبصر الا تري ان الولي7 له اربعة مقامات ثلثة منها محجوبة عن درك الابصار و هي البيان و المعاني و الابواب الممنون بها و واحد منها محسوس ملموس و هو مقام الامامة و انا بشر مثلكم قال الله سبحانه ان نحن الا بشر مثلكم ولكن الله يمن علي من يشاء من عباده فيجعله صفة تعريفه و ظهور كماله و باب رحمته و هو التوحيد الموحي في قوله انا بشر مثلكم يوحي الي انما الهكم اله واحد و لم‌يوح هذا الوحي العظيم الي احد من عرصة الامكان الا بي و لذلك لما اوحي الي انما الهكم اله واحد امرني باظهاره في بقاع الامكان فقال قل هو الله احد فانا قلت ذلك في عرصات الامكان فليس في ايديهم الا ما قلت لهم و لايعرفون الا قولي و بقولي من اراد الله بدأ بكم و من وحده قبل عنكم بنا عرف الله و لولانا ماعرف الله فقد ستر الله سبحانه المقامات الثلثة منهم و اظهر الركن الرابع و هو الولاية و الامامة قال9 من رآني فقد رأي الحق فصار رؤية الامام رؤية الله و معرفته معرفته و انكاره انكاره في الزيارة من عرفهم فقد عرف الله و من جهلهم فقد جهل الله و سئل الحسين7 عن معرفة الله

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 54 *»

فقال هي معرفة الامام بالجملة معرفة المقام الرابع و هو النور الظاهر و البدر الباهر هي معرفة الله و انكاره انكار الله لان الله سبحانه به عرف نفسه و اقام الحجة و نصب الاعلام و دل الانام و استخلفه في مقامه في الاداء و جعله حجابا بينه و بين خلقه لايهتك و ندبهم اليه و دلهم عليه فالحائد عن الامام حائد عن الله و الموالي له متمسك بالله عزوجل بالجملة هذا الكلام له ذيل واسع و لايحتمله الا قلب خاشع و انها لكبيرة الا علي الخاشعين هذا معناها في الظاهر المنبي عن باطن الباطن.

و اما الباطن من ذلك ان مقام النور هو مقام الحجة المنتظر عجل الله فرجه الذي يتمه الله سبحانه في آخر الزمان و لايكترث بالذين يريدون ليطفئوه بافواههم و يظهره الله علي الدين كله و لو كره المشركون و يظهر باطن قوله تعالي الله نور السموات و الارض روي اي هادي السموات و الارض فلايظهر هدايته لجميع اهل السموات والارض الا به7 فيملأ الارض قسطا و عدلا و يظهره علي الدين كله و لو كره المشركون فيظهر حينئذ نور الله في السموات و الارض و هو قوله و اشرقت الارض بنور ربها و وضع الكتاب و هو الكتاب الجديد الذي هو علي العرب شديد و جيء بالنبيين و الشهداء لانهم يرجعون لينصروه و قضي بينهم بالحق لانه القاضي بالحق و هم لايظلمون فروي رب الارض امام الارض و لذا تقرأ في الزيارة و اشرقت الارض بنوركم و فاز الفائزون بولايتكم فهو7 نور السموات و الارض يهديهم الي الحق و الي صراط مستقيم و هو نورهم به يبصرون و يسمعون و يدركون الحق و يعقلون بل و يكونون مؤمنين يسعي نورهم بين ايديهم و بايمانهم بل و يكونون موجودين اذ الوجود نور لا نور فوقه و هو شعاعه و ظهوره فهو نور السموات و الارض في كل مقام فقال7 اللهم اني اسألك من افراد نورك اي آل محمد: فانهم كلهم نورك و اشهد ان ارواحهم و نورهم و طينتهم واحدة يتأتي من كل واحد ما يتأتي

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 55 *»

من كل واحد منهم بل ان هم الا نور واحد تقلب في الصور كيف شاء الله فاني اسألك من نورك بانوره و هو الحجة فان الهداية التي تظهر منه لم‌تظهر من واحد منهم و لم‌يظهر الدين و الحق في عصر واحد منهم كما يظهر منه فهو انور الانوار و ظهور هذا الكمال فيه اكمل من جميعهم صلوات الله عليهم فاني اسألك من افراد آل محمد: بانورها و اظهرها للحق و بالحق و هو الحجة المنتظر صلوات الله عليه و آله و كل نورك و كل امام من آل محمد: شديد النور كثير البيان و الاظهار للحق و نور كل واحد منهم فوق قوة بصائر من دونهم الا انهم بينهم في انفسهم بعضهم اشد نورا من بعض فهم كلهم نيرون فاسألك اللهم بافراد نورك و حججك: كلهم و ادخل عليك من باب كل واحد واحد منهم فانهم باجمعهم باب واحد لايقبل التبعيض لانفرق بين احد منهم و لايكمل صورة الولاية في ولي الا باستيفاء تولي كل واحد واحد منهم فاني اتوسل اليك بكلهم و لانهم كما روي حروف لا اله الا الله في الرقوم المسطرات فلايتم كلمة التوحيد الا بهم جميعا و لايكمل كلمة الايمان الا بالاقرار بجميعهم و تبعيضهم كتبعيض لا اله عن قولك الا الله فهو كفر صراح فاني اسألك بافراد نورك كله و اعلم اني لكثرة اشغالي لااقدر علي التفصيل التام ولكن لامانع من الاشارة و لااقصر فيها ما يمكنني و لو بنيت ان افصل هذه المطالب لفني عمري قبل ان يتم الكتاب هذا و قد بسطنا الكتب و فرقناها في اطراف البلاد و فرقنا العلم فيها و كثر استعداد الناس الراجعين اليها بها و بما ادمنا و لله المنة الدرس و البحث خاصا و عاما فالناس متنبهون و يكتفون بالاشارة و اما شبه الناس المنقطع عنا المعرض عن علمنا فلاينفعه الاجمال و لا التفصيل و ليس وجه الكلام اليه انك لاتسمع من في القبور ان انت الا نذير بالجملة هذا آخر المقامات الخمسة من مقامات الوجود الحق المشار اليها في دعاء رجب و بمقاماتك و علاماتك التي لاتعطيل لها في كل مكان و قد توسل الامام7 بها الي الله سبحانه و هي اعظم الوسائل و ازلفها و انجحها و قد

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 56 *»

توسل الي الله سبحانه بجميع شئون التوحيد الظاهرة في عرش الوحدة المشار اليه في قوله تعالي سبحان الله رب العرش عمايصفون و فسره الصادق7 في حديث رواه حنان بن سدير برب الوحدانية و رب المثل الاعلي فعرش الوحدانية و عرش المثل الاعلي الذي ليس لله مثل اعلي منه في عرصة الامثال اي الاوصاف له كما عرفت اربعة اركان كما روي عن علي بن الحسين7 ان الله خلق العرش ارباعا ثم فصل الانوار الاربعة كما مر و من البين ان المتكثر لايكون مبدءا و لابد و ان ينتهي الي واحد و هو الرحمن المستوي علي ذلك العرش كما قال سبحانه الرحمن علي العرش استوي و فسره ابوعبدالله7 اي علي الملك احتوي فالرحمن هو الواحد المحتوي علي جميع عرش الصفات و الواحد الذي ينتهي اليه الكثرات فلاجل ذلك صار مقامات التوحيد خمسة و بني عليها سورة التوحيد كما شرحنا و بها تم كلمة التوحيد من مقام النقطة الي مقام تمام الكلمة باعتبار و مقام الدلالة باعتبار و الاول هنا اولي و لماتوسل الي الله سبحانه بجميع جهات التوحيد و كل مقامات التفريد و توجه الي الواحد الاحد جل شأنه من جميع جهاته استحق من الله سبحانه ظهور الاحدية المهيمنة علي جميع ماسواها فيه النافذة في كل ما سواها الطاوية لجميع ماعداها الظاهرة بكل مادونها القاهرة غيرها النافذة ارادتها فيما تشاء كيف تشاء بحيث اذا ارادت شيئا ان تقول له كن فيكون في القدسي يابن آدم انا غني لاافتقر اطعني فيما امرتك اجعلك غنيا لاتفتقر يا ابن آدم انا حي لااموت اطعني فيما امرتك اجعلك حيا لاتموت انا اقول للشيء كن فيكون اطعني فيما امرتك اجعلك تقول للشيء كن فيكون و يظهر من هذا الحديث الشريف ان الله سبحانه ما امر عباده الا بحدود الربوبية و اخلاق الالوهية و صفات الوحدانية فاذا اتصف العبد بجميع تلك الصفات في جميع مراتبه و ادواره و اكواره و مقاماته و اطواره يفاض عليه سر الربوبية و يظهر له كنهه المستجن فيه كما قال الصادق7 العبودية جوهرة كنهها الربوبية فاذا صار ما استجن

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 57 *»

فيه و ما اودع فيه من سر الربوبية بالقوة بالفعل يقوم مقامه سبحانه في الاداء و يصير آية تعريفه و تعرفه و يصير الله سبحانه عينه و اذنه و لسانه و يده و رجله كما روي في القدسي ماتقرب الي عبدي بمثل اداء ما افترضت عليه و لايزال عبدي يتنفل حتي احبه و من احببته كنت له سمعا و بصرا و يدا و مؤيدا اذا دعاني اجبته و ان سألني اعطيته الخبر و ذكرنا نحن الرجل لماوجدناه في حديث قدسي آخر تركناه خوف التطويل بالجملة اذا قام العبد بجميع ما امر به من حدود التوحيد و استعد قابليته باستكمال حدود التفريد استحق من الله سبحانه ان يفاض عليه نور التوحيد و يشرق عليه شعاع التفريد باظهار ما اودع الله فيه يوم اول من ذلك السر فيقوم بين العباد قائما مقام الرب جل شأنه و يكون بابا من ابوابه كما روي ان سلمان باب الله في الارض فيصير اذا حبه حب الله جل جلاله و بغضه بغض الله و معرفته معرفة الله و انكاره انكار الله و يقوم بشئون الربوبية في بريته و يصير كماقال عزوجل في القدسي اطعني فيما امرتك اجعلك تقول للشيء كن فيكون فلمابلغ اشده و استوي آتيناه حكما و علما و كذلك نجزي المحسنين فعم الوعد جميع المحسنين و هم الذين اشار اليهم سبحانه ليبلوهم ايهم احسن عملا و هو العامل بما اراد الله كيفما اراد الله و علي حسب محبة الله حتي لايجده حيث يكرهه و لايفقده حيث يحب فاذا صار كذلك صار غنيا عماسوي ربه و حيا لايموت و لاتحسبن الذين قتلوا في سبيل الله امواتا بل احياء عند ربهم يرزقون بثمرات الربوبية فيظهر فيهم الربوبية المستجنة فيهم و هذا هو الوصول الي مقام الحقيقة التي سأل عنها كميل لا الي الذات كما تزعمه الصوفية الكفرة لعنهم الله تعالي و غرضي من هذا التعريض انه يمكن ترقي العبد الي مقام الحقيقة و الايات التي اراها الله عباده في الانفس و هي المشار اليها بمن عرف نفسه فقد عرف ربه لانها الربوبية المستجنة التي هي كنه العبودية و لاتعرف الا بالوصول اليها و لايوصل اليها الا باتصاف القابلية

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 58 *»

بحدودها فانها لسان داع من الله اياها و هي من دون الترقق و التلطف بامتثال تلك الاوامر حاجبة بين العبد و بينها فاذا ترققت بالطاعة المرقية المرققة الملطفة التي هي السلم بين العبد و بين الرب و الحبل الممدود بينهما المأمور بالتمسك بوثقي عروته للصعود اليه سبحانه فاذا ترققت به كشفت عما وراءها من نور الربوبية فصار العبد غنيا لايفتقر و حيا لايموت بغناء ذاتي بالنسبة و حيوة ذاتية بالنسبة و يصير مهبط امره و نهيه سبحانه لايسبقه بالقول و يعمل بامره و يحكم بحكمه و يعلم بعلمه و احب ان اذكر هنا حديثا شريفا و ان كان يطول به ذيل الكلام ففي البرهان عن الصادق7 في حديث تركنا صدره قال7 ان اولي الالباب الذين عملوا بالفكرة حتي ورثوا منه حب الله فان حب الله اذا ورثه القلب استضاء به و اسرع اليه اللطف فاذا نزل منزلة‌ اللطف صار من اهل الفوائد فاذا صار من اهل الفوائد تكلم بالحكمة و اذا تكلم بالحكمة صار صاحب فطنة فاذا نزل منزلة الفطنة عمل بها في القدرة فاذا عمل بها في القدرة عمل بها في الاطباق السبعة فاذا بلغ هذه المنزلة صار يتقلب في لطف و حكمة و بيان فاذا بلغ هذه المنزلة جعل شهوته و محبته في خالقه فاذا فعل ذلك نزل المنزلة الكبري فعاين ربه في قلبه و ورث الحكمة بغير ما ورثته الحكماء و ورث العلم بغير ما ورثته العلماء و ورث الصدق بغير ما ورثته الصديقون ان الحكماء ورثوا الحكمة بالصمت و ان العلماء ورثوا العلم بالطلب و ان الصديقين ورثوا الصدق بالخشوع و طول العبادة فمن اخذ بهذه السيرة اما ان يسفل و اما ان يرفع و اكثرهم الذي يسفل و لايرفع اذا لم‌يرع حق الله و لم‌يعمل بما امره به فهذه صفة من لم‌يعرف الله حق معرفته و لم‌يحبه حق محبته فلاتغرنك صلوتهم و صيامهم و رواياتهم و علومهم فانهم حمر مستنفرة ثم قال يا يونس اذا اردت العلم الصحيح فعندنا اهل البيت فانا ورثناه و

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 59 *»

اوتينا شرح الحكمة و فصل الخطاب الخبر و كان في الكتاب بعض الغلط اصلحته لجواز النقل بالمعني تفكروا في هذا الحديث و اعلموا ان ما زوي من هذا الخلق المنكوس من العلوم و المقامات كثيرة و لاتنكروا علي اهلها فتهلكوا من حيث لاتشعرون بالجملة علي حسب وعد الله و لن‌يخلف الله وعده اذا بلغ المحسن اشده و استوي و اعتدل بالعمل بالشرع القويم و المشي علي الصراط المستقيم و قال ربنا الله و استقام يؤتيه الله حكما و علما اما العلم فما ينحله من ترقيه الي مقام النفس و اما الحكم فما ينحله من ترقيته الي مقام العقل و الفؤاد فيقول للشيء كن فيكون و من البين ان اشرف ما امر الله العباد به توحيده فان اول عبادة الله معرفته فاذا استقام علي بساط المعرفة و عرف الله سبحانه بما عرف به نفسه في جميع المقامات الخمسة التوحيدية فقد كمل و بلغ و استوي علي عرش المنحة و اعتدل حتي وقف علي طتنجيه و نظر في مشرقيه و مغربيه فنزل المنزلة الكبري فعاين ربه المتجلي له به فيه بقلبه كما قال الصادق7 فوقف موقف الربوبية و استولي علي جميع شئون العبودية و نفذ حكمه فيما اراد كيفما اراد فاستجيب دعاؤه

چون خدا از خود سؤال و كد كند

كي سؤال خويشتن را رد كند

فيصير هو لسان الله الناطق فاذا دعا لسان الله لايرد له دعوة فلاجل ذلك اراد الامام7 ان يتوسل الي الله سبحانه بجميع مقامات التوحيد و سبل التفريد حتي يدخل عليه من جميع ابوابه و يتوسل اليه بجميع وسائله و يتوصل اليه بجميع وصله و يسأله بجميع السنته و يدعوه بكل لغاته حتي يستحق من الله ما يستحقه جميع خلقه و يعطي ما يعطي جميع خلقه فيحمل جميع اعباء الربوبية و يقوم مقامه في الاداء في جميع عوالمه و يؤدي عنه جميع شئون ربوبيته و هذا الدعاء علي هذا الوجه مخصوص بهم صلوات الله عليهم ليس لاحد ممن سواهم نيله فانهم كليون قد ملأ الله بهم سماءه و ارضه حتي ظهر ان لا اله الا هو و هم يقدرون علي الدخول عليه جل جلاله من كل باب و اما من سواهم فانهم جزئيون لايحيطون بسائر العوالم الا علي حسب مقامهم و رتبتهم فلهم كلية اضافية في مقامات النفوس

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 60 *»

الناطقة الانسانية من بلغ منهم الي مقام العقل الظاهر فيها فانه الكلي بالنسبة اذ هذا العقل هو العقل الخاص لا العام لكن هو في تلك الرتبة آية العقل الكلي في مقام الكلية هذا و اذا صعد الانسان من مقامات التكوين و رقي علي مراقي التمكين و استوي علي بساط الاسماء و الصفات يضمحل و يتلاشي هذه الاعتبارات فلايبقي لها ذكر و لاتعين و لا ذات هنالك الولاية لله الحق ولكن اين و كم و متي اولئك الاقلون عددا الاعظمون خطرا ضن الله سبحانه باظهارهم بين الخلق المنكوس و الذرء المنحوس

لله تحت قباب العرش طائفة

اخفاهم عن عيون الناس اجلالا

قيل لابي‌عبدالله7 بعد ما بين صفات الشيعة جعلت فداك فاين اطلب هؤلاء قال في اطراف الارض اولئك الخفيض عيشهم المنتقلة ديارهم ان شهدوا لم‌يعرفوا و ان غابوا لم‌يفتقدوا و من الموت لايجزعون و في القبور يتزاورون و ان لجأ اليهم ذو حاجة منهم رحموه لن يختلف قلوبهم و ان اختلف بهم الدار الخبر.

فدع عنك ذكر العامرية انني

اغار عليها من فم المتكلم

بالجملة قل كل يعمل علي شاكلته و لكل منا مقام معلوم هذه من المعاني و البيان السفلي و تلك من العلياء يجري في السفلي ما يجري في العلياء من البيان و ليس في السفلي من العلياء الا ما منها فيها و لنعم ماقال الشاعر:

سلام علي جيران ليلي فانها

اعز علي العشاق من ان يسلما

فلما اراد الامام المربي للخلق ترقية الخلق الي مقامات تمكن في حقهم عرفهم سبل الترقي و الدعوة و التوسل حتي ينالوا بهم صلوات الله عليهم مرامهم و يصلوا ببركاتهم الي اقصي مقامهم و لولا خوفي من فرعون و ملأه ان يفتنهم لاذنت لجواد القلم بجولانين في هذا الميدان ولكن

اخاف عليك من غيري و مني

و منك و من مكانك و الزمان

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 61 *»

الفصل السادس

قال7 اللهم اني اسألك من رحمتك باوسعها و كل رحمتك واسعة اللهم اني اسألك برحمتك كلها.

اعلم ان الرحمة في الخلق قلبية و فعلية اما القلبية فهي رقة القلب و شفقته و رأفته علي المرحوم لما يري به من الضر و الحاجة و انما يحصل ذلك له لما ينطبع فيه عكس ضر المرحوم و حاجته الموجبان للاستناد الي الغير و الاستمداد منه و الاضمحلال لديه و الفناء عند سطوع نور الغني القوي فيحدث له الرقة فاذا التفت الي ان ذلك الضر في غيره و هو حالة الاستعطاف و الاستمداد يحدث فيه العطف لجبر كسره و الجأه الي ذلك العطف الرحمن العطوف المستوي علي العرش اي الواحد المالك للملك المدبر للخلق بالخلق اي مجري الاشياء باسبابها و الحافظ للخلق بعضها ببعض لانها كلها ظهور ذلك الواحد القائم بنفسه المتجلي قيامه بنفسه بقيام الخلق بعضه ببعض فلما كان الكائن الاول قائما بنفسه و الخلق كله كماله وجب ان يكون الخلق بعضه قائما ببعض فيعالج ذلك الواحد بعض الخلق ببعض ليقوم الخلق بالقسط عطفا عليهم فهو يدفع عن بعض ببعض و يجلب الي بعض ببعض قال الله سبحانه و لولا دفع الله الناس بعضهم ببعض و قال يعذبهم الله بايديكم و يخزهم و قال يوم نولي بعض الظالمين بعضا بالجملة العالي اذا رأي كسرا في بعض الاداني يجبره بعطف بعض آخر كما انك اذا نشب في رجلك شوك تسند لها الاخري و تلوي عنقك و تدلي رأسك و تحني ظهرك و تمد يدك و تفتح عينك حتي تخرجه ليقوم بدنك معتدلا و يكون مظهر روحك المعتدل و يتمشي منه افعالك بالقسط اللهم عونك عونك رحمتك رحمتك فاذا نظر ناظر الي ذي ضر و مسكنة يعطف الله و له الحمد قلبه عليه و يشفقه في دعاء الصادق7 اللهم اعطف علينا قلوب عبيدك و امائك و اوليائك برأفة منك و رحمة انك ارحم الراحمين فهو سبحانه الرحمن الرحيم و رحمة كل رحيم رحمته لا رحمة الا له و لا رحمن غيره و لا رحيم سواه فهو سبحانه لايوصف بالرقة و انما يرق

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 62 *»

قلوب عباده فعن اميرالمؤمنين7 في صفة الله رحيم لايوصف بالرقة و اما الرحمة الفعلية فهي جبر ذلك الكسر و الجود علي صاحب المسكنة و قد كشف عن المعنيين ما في حديث الاهليلجة قال7 ان الرحمة و ما يحدث لنا منها شفقة و منها جود و ان رحمة الله ثوابه لخلقه و الرحمة من العباد شيئان احدهما يحدث في القلب الرأفة و الرقة لماتري بالمرحوم من الضر و الحاجة و ضروب البلاء و الاخر ما يحدث منا بعد الرأفة و اللطف علي المرحوم و المعرفة منا بما نزل به و قد يقول القائل انظر الي رحمة فلان و انما يريد الفعل الذي حدث عن الرقة التي في قلب فلان و انما يضاف الي الله عزوجل من فعل ما عني من هذه الاشياء و اما المعني الذي في القلب فهو منفي عن الله كما وصف عن نفسه فهو رحيم لا رحمة رقة الخبر فرحمة الله سبحانه ليست بامر ذاتي له و ليست من مقامات التوحيد الخمسة البيانية و انما هي اول مقامات المعاني الذي لايسبقه سابق و لايلحقه لاحق و لايطمع في ادراكه طامع و هي الظهور الاعظم و التجلي الاكرم الذي ليس لله سبحانه ظهور اجمع و لا اكمل و لااوسع منه فانها تسع جميع عالم الامر و عالم الخلق و هي المشار اليها في قوله تعالي و رحمتي وسعت كل شيء و في الدعاء اللهم اني اسألك برحمتك التي وسعت كل شيء فكل ما يسمي بالشيء فهذه الرحمة تسعه و تشمله و هو قطرة من بحرها و هي علي معني الماء الذي منه كل شيء حي و كان عرشه جل جلاله عليه و علي هذا المعني كون العرش عليه كونه العرش بنفسه فهو العرش الذي لايبيد و لاينفي و لايزول لانهاية لاوله و لا غاية لآخره و لانفاد لعدده و لامنتهي لامده و هو ابدي ازلي و هو الملك المشار اليه في الدعاء اللهم يا ذا الملك المتأبد بالخلود و اللهم اني اسألك باسمك العظيم و ملكك القديم و في دعاء آخر لايزول ملكك و لايبيد عزك و في دعاء آخر يا من لايدوم الا ملكه و هي كل الله و جمع الله المشار اليه في

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 63 *»

استعاذة الليالي اعوذ بجمع الله قيل و ما جمع الله قال كل الله و في دعاء ليلة السبت اسألك باسمك الذي انشأته من كلك فاستقر في غيبك فلايخرج منك الي شيء سواك اسألك به هو ثم لم‌يلفظ به و لايلفظ ابدا ابدا و به و بك لا شيء غير هذا و هي الاسم المشار اليه في حديث حدوث الاسماء ان الله خلق اسما بالحروف غير متصوت و باللفظ غير منطق و بالشخص غير مجسد و بالتشبيه غير موصوف و باللون غير مصبوغ منفي عنه الاقطار مبعد عنه الحدود محجوب عنه حس كل متوهم مستتر غير مستور فجعله كلمة تامة علي اربعة اجزاء معا ليس منها واحد قبل الاخر فاظهر منها ثلثة لفاقة الخلق اليها و حجب منها واحدا و هو الاسم المكنون المخزون فهذه الاسماء التي ظهرت فالظاهر هو الله تبارك و تعالي الخبر بالجملة هذه الرحمة اول مقامات المعاني و اعظم تجليات القديم جل شأنه و جميع ما يسمي بماسوي الله مستغرق في هذا البحر و لا نهاية له بوجه من الوجوه و هي الخزانة التي لاتنفد و لاتبيد و لاتفني ابدا ابدا و هذه هي الرحمة التي خلقت منها و بها و فيها المشية ثم خلقت الاشياء بالمشية و هي الرحمة اذا وصفت و الرحمن اذا سميت و لوحظ اسميتها لله جل جلاله فلاجل ذلك اختص هذا الاسم بالله سبحانه لايجوز لاحد التسمي به اذ ليس فوقه احد يسمي به فهو و ان كان وصفا نظير العلم كالله و لذا اردف به في البسملة و لافرق بين الله و بين الرحمن الا ان الرحمن اسم له سبحانه عند العناية بالخلق و الله اسم له عند التوحد و التفرد و الابانة و لافرق بينهما في الجمعية و الكلية و لذلك قال الله سبحانه قل ادعوا الله او ادعوا الرحمن ايا ما تدعوا فله الاسماء الحسني و ضمير له راجع الي اي اي كل منهما ذو الاسماء الحسني يتصف بجميعها و انما الفرق في القدس و الاقتران و لذا قال سبحانه الرحمن علي العرش استوي و لم‌يقل الله و قال ثم استوي علي العرش الرحمن فالله مستجمع لجميع صفات القدس و الاضافة و الفعل و اما الرحمن فهو مستجمع لجميع صفات الاضافة و الفعل دون القدس و هو الذي قد امر الله جميع

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 64 *»

الاسماء و الصفات و الخلق بالسجود له و الانقياد فسجد ساجد و تكبر متكبر كما قال و اذا قيل لهم اسجدوا للرحمن قالوا و ما الرحمن انسجد لما تأمرنا و زادهم نفورا و هدد من عمي عن ذكره فقال و من يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين فالرحمن صفة الله و الله يوصف به و هو لايوصف بالله و هو ظهور الله و كل الله و جمع الله و نفس الله و ظاهر الله يدعو الي مولاه و يشير الي معناه فالله واقف موقف البيان و الرحمن واقف موقف المعاني و هو ذو العرش المشار اليه في قوله تعالي لو كان معه آلهة كما يقولون اذا لابتغوا الي ذي العرش سبيلا فالرحمن هو ذو العرش بوحدته لانه المستوي عليه لا غير و اما الله فهو منزه عن الاقتران بالعرش و اما الاسماء التي دونه فهي ليس لها تلك الجمعية و الكلية فهو الواحد المتوحد بالملك و السلطنة و الاستيلاء و الاستواء و المنع و العطاء و مرد جميع الكثرات اليه فهو قطب دائرة الوجود و وجه الله المعبود المأمور له بالسجود و باب الفيض و الجود و هو الذي منه البدء و اليه الاياب و الظاهر بجميع اسماء الله و صفاته كلها له و هو و ماله لله سبحانه بالجملة ليس الا الله و رحمته و كل ما وطيء عرصة الوجود راتع في مراتع ذلك الجود و وجد و يبقي برحمة الودود فهذه الرحمة هي الرحمة الرحمانية و الرحمة الواسعة و الرحمة الكونية الذاتية شملت النور و الظلمة و الخير و الشر و النقص و الكمال و عليين و سجين و الجنة و النار و السعيد و الشقي و الايمان و الكفر و كل ما يسمي بالشيء من ذات او صفة او فعل او شبح او اثر كلها عايشة بتلك الرحمة لا استغناء لها عنها طرفة عين و لا نقمة في مقابلها اذ كل من لم‌يشمله تلك الرحمة معدوم لم‌يطأ عرصة الوجود فلاضد لها ثم ينقسم الاشياء العايشة بهذه الرحمة قسمين فمنهم الغالب عليهم جهة الرب و النور و الخير و الوجود و منهم الغالب عليهم جهة النفس و الظلمة و الشر و الماهية فما شمل الاولين من مقتضيات اعمالهم و اقوالهم و ضمائرهم هو الرحمة الوصفية الصورية الخاصة الرحيمية و ما شمل الاخرين من مقتضيات اعمالهم و

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 65 *»

اقوالهم و ضمائرهم هو النقمة الوصفية الموجودة الصورية الخاصة و هما معا من افراد الرحمة الرحمانية الواسعة فلاجل ذلك نقول في البسملة ان الرحمن صفة الله و الرحيم صفة الرحمن لا صفة بعد صفة فان الرحمة الخاصة احد ظهوري الرحمة العامة فهذه الرحمة اي الرحيمية شاملة للمؤمنين خاصة كما قال الله سبحانه و كان بالمؤمنين رحيما و بالمؤمنين رؤف رحيم فهي مكتوبة علي النفس التي هي مقام الصورة و الصبغ كما روي ان الله خلق المؤمن من نوره و صبغه في رحمته فصورة المؤمنين من رحمة الله الخاصة سيجزيهم وصفهم و ما تجزون الا ما كنتم تعملون فالعمل بقول مطلق من حيث الصدور عن العباد و الاقتران بهم عمل و صورة و صفة لهم و من حيث الرب و الاعلي رحمة الله قال الله سبحانه و رحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يتقون و قال كتب علي نفسه الرحمة فالرحمن هو رحمة الله علي الكل بذاته و رحمة الله علي الابرار و نقمته علي الفجار بظهوره فهو الباب الذي له في مقام التجلي باطن و ظاهر باطنه فيه الرحمة و ظاهره من قبله العذاب فهو جنة الله المزلفة للمتقين و نار الله المبرزة للغاوين في مقام الظهور و التجلي فهذه الرحمة الرحيمية رحمة خاصة و الرحيم اسم مكتوب في عليين خاصة و لايشمل تلك الرحمة الا المؤمنين الا ان الكافرين بسبب اللطخ بفضول المؤمنين قد يستحقون من هذه الرحمة لمايصدر عنهم من الاعمال المقتضية لها بالعرض كما قد يشمل النقمة المؤمنين لما يصدر عنهم من اعمال اهلها بسبب اللطخ بالعرض فلاجل ذلك يمكن ان يقال ان الله رحيم بالمؤمن و الكافر لكن بالمؤمن بالذات و بالكافر بالعرض فهذه الرحمة بهذه الملاحظة تكون واسعة اي تسع المؤمن و الكافر و عليه جري الدعاء اللهم ان لم‌اكن اهلا ان ابلغ رحمتك فرحمتك اهل ان تبلغني لانها وسعت كل شيء برحمتك يا ارحم الراحمين و الرحمة الرحمانية لاتقع مسئولة بقول مطلق فان العذاب ايضا منها ولكنها الرحمة الرحيمية التي وسعت كل عامل بخير سواء كان عمله ذاتيا ام عرضيا

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 66 *»

فكل من يشمله راحة او نعمة او عزة او خير ما في الدنيا او البرزخ او الاخرة و لو بنقص العذاب عن مقدار يستحقه فهو بالرحمة الرحيمية و لايخلو مما ذكر احد من خلق الله فقد وسعت هي ايضا الا انها في بعض بالذات و في بعض بالعرض و هي في المؤمن استحقاقية او فضلية و في الحقيقة كل نعمه ابتداء و احسانه تفضل لانه ليس لاحد عليه حق و لا شيء عليه بموجب و اما في الكافر فمنها جزاء اعمال عرضية لانه لايخيب عليه امل و لايخسر عليه عامل باي نحو كان و منها استدراج و منها املاء و منها فتنة كما قد يشمل العدل الذي هو شأن من شئون الرحمة الواسعة المؤمن كفارة لذنوبه استحقاقا عرضيا و تذكيرا و رفعا للدرجات و اضجارا عن الدنيا لئلا يكره الموت و فتنة له و امثال ذلك و هذا جماع القول في معني الرحمة علي نحو الاختصار و هذا حقيقتها و كنهها و لو احطت بمعاني ما ذكرت لوجدت ماسواه قطرة من البحر ثم لنتبرك بذكر بعض الاخبار التي استفدنا منها ما ذكرنا ففي الكنز عن النبي9 ان عيسي بن مريم قال الرحمن رحمن الدنيا و الرحيم رحيم الاخرة اقول قال7 رحمن الدنيا لان الرحمن له شأنان فضل و عدل و كلاهما يظهران في الدنيا بالنسبة الي المؤمن و الكافر و اما الرحيم فهو مخصوص بالمؤمنين و يظهر رحمته بهم خاصة في الاخرة كما قال سبحانه من حرم زينة الله التي اخرج لعباده و الطيبات من الرزق قل هي للذين آمنوا في الحيوة الدنيا خالصة يوم القيمة فخص الرحمن بالدنيا لظهور شمول مقتضاه فيها و خص الرحيم بالاخرة لظهور شمول مقتضاه فيها و عن الصادق7 الرحمن اسم خاص بصفة عامة و الرحيم اسم عام بصفة خاصة المراد بذلك ان الرحمن اسم خاص بالله سبحانه كما قدمنا لايجوز لاحد التسمية به غيره جل جلاله و عموم صفته شمولها جميع الخلق كما شرحنا و اما الرحيم فهو اسم عام يجوز لغير الله التسمية به فان كل من رحم و عطف علي احد فهو رحيم و ان كان فيه مبالغة ازيد من الراحم و خصوص صفته اختصاصه بالمؤمنين و في الدعاء عن الرضا

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 67 *»

7 رحمن الدنيا و الاخرة و رحيمهما فوجه ظهور مقتضاهما جميعا في الدنيا و الاخرة و ان كان بشمول فردي الرحمن كل واحد من المؤمن و الكافر و اما في الاخرة فيشمل فرده الرحمة المؤمن و فرده النقمة الكافر فاختصاص الرحمن بالدنيا اظهر و اختصاص الرحيم بالاخرة ابين ولكنهما معا فيهما معا و عن الصادق7 الرحمن بجميع خلقه و الرحيم بالمؤمنين خاصة و قد ظهر وجهه مما بينا فاذا عرفت ما بيناه و شرحناه عرفت ان الرحمة ليست في ذات الله سبحانه و لايعتبر كونها في الوجود الحق لانه آية الذات فهي مبدء الوجود المطلق و منتهي آية الحق لما قلنا ان الرحمن هو اسم الله عند العناية بالخلق و اعطاء حق كل ذي حق و الاستواء علي العرش و هو نفس اسم الله لان الله هو اسم الله عند انقطاع الخلق و التفرد و التوحد المحض و هما معا اسمان لله سبحانه الا ان عرصة الالوهية اعلي من عرصة الرحمانية اذ عرصة الالوهية ليس فيها ذكر الغير و في عرصة الرحمانية يكون ذكر الغير فالخمس التي مضت من الصفات هي مخصوصة بعرصة الالوهية بالمعني الاعم و بعرصة وجود الحق و اما الرحمة فهي مبدأ جميع ماسوي الله سبحانه من المشية و المشاءات فان المشية ايضا من رحمته تعالي و المشية هي عرش الاكوان و الرحمن قد استوي عليه و هي موجودة قائمة برحمته سبحانه فاذا ناسب ان يؤخر الرحمة عن مقامات الوجود الحق و تقدم علي مقامات الوجود المطلق و المراد بهذه الرحمة هو الرحمة الواسعة كما بيننا و شرحنا و الرحمة الرحمانية ثم لماكان للرحمة الواسعة انبساط علي جميع مراتب الموجودات من الوجودات المطلقة و الوجودات المقيدة كان لها شئون و جهات و وجوه بحسب تعدد شئون الموجودات و جهاتها و وجوهها من الذوات و الصفات و الافعال و الاثار و نسبها و ارتباطاتها و قراناتها و ما يئول اليها و جميعها جهات الرحمة و وجوهها و كل واحد منها واسع افراد جنسه و نوعه و صنفه مثلا يسع الرحمة المتعلقة بالذوات جميع الذوات و المتعلقة بالصفات جميع الصفات و المتعلقة بالافعال جميع الافعال و هكذا و كل شأن منها رحمة من الله واسعة تعم المؤمن

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 68 *»

و الكافر و الخير و الشر و هكذا فقال7 اللهم اني اسألك من صنوف رحمتك التي بها خلقت صنوف الموجودات باوسعها و اشملها للموجودات و هي التي لايخرج من تحت تعلقها شيء لا ذات و لا صفة و لا فعل و لا اثر و لا ما يؤل اليها فهي الرحمة المتعلقة بنفس الوجود المطلق و الامكان الاول الذي لايخرج من تحته شيء اذ جميع اصناف الوجود لايخرج من تحت صدق الوجود المطلق عليه و من تحت صدق اسم الامكان فاذا الرحمة المتعلقة بالوجود المطلق اوسع اقسام الرحمة ليس لله سبحانه رحمة اوسع منها اذ ليس مرحوم اشمل منه و هذه الرحمة هي التي اشار اليها شيخنا الاجل الاوحد اعلي الله مقامه و رفع في الخلد اعلامه في الفوائد حيث قال في الفائدة الثالثة و صفة بدئه بنفسه ان الله سبحانه قبض من رطوبة الرحمة بتلك الرطوبة نفسها بها اربعة اجزاء بها و من هبائها به جزءا به فقدرهما بهما في تعفين هاضمتها فانحلا بهما و انعقدا بهما و تراكما بهما و هذا هو المشية الي آخر كلامه العجيب و هذه الرحمة هي المشار اليها في دعاء كميل اللهم اني اسألك برحمتك التي وسعت كل شيء فهذه الرحمة هي اصل المشية انشأها الله سبحانه من رحمته تلك ولكن لما علمنا ان كل ماسوي الله سبحانه حادث و كل حادث مخلوق كما قال الرضا7 حق و خلق لا ثالث بينهما و لا ثالث غيرهما و علمنا ان الخلق لايخلو عن قسمين اما مخلوق بنفسه و اما مخلوق بغيره و رأينا الصادق7 يقول خلق الله المشية بنفسها ثم خلق الاشياء بالمشية عرفنا ان تلك الرحمة اذ لم‌يجز ان تكون ذات الله وجب ان تكون نفس المشية المخلوقة بنفسها فهي هي المشية الا انها من حيث العناصر و الاصول تسمي بالرحمة و من حيث التركيب و الوجود تسمي بالمشية و صح لنا ان نقول ان المشية خلقت برحمة الله و من رحمة الله اذا كانت موجودة من اصولها و عناصرها و بها و ان كانت هي هي متحدتين في غاية‌ البساطة الامكانية فهي بنفسها من حيث الاصول و الاركان رحمة الله الواسعة العامة الشاملة التي لا رحمة اوسع منها و هي خزانة الله التي لاتنفد كما في القدسي حيث سأل موسي

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 69 *»

علي نبينا و آله و عليه السلام و قال يا رب ارني خزائنك قال يا موسي انما خزانتي اذا اردت شيئا ان اقول له كن فيكون فقوله كن الذي هو امره و مشيته هو خزانته و هو خزانة الرحمة  و هو اوسع صنوف الرحمة فيقول7 اللهم اني اسألك من صنوف رحمتك بالرحمة التي خلقت بها مشيتك الكلية الامكانية التي لايخرج من تحت احاطتها خارج فانها اوسع صنوف رحمتك و اليقها بجلال وجهك و هي الكرم المشار اليه في الدعاء يا من الكرم من صفة افعاله و الكريم من اجل اسمائه و ذلك ان كل ماسوي ذات الاحد جل شأنه موجود بكرمه سبحانه و جوده و رحمته و هي اسماء تقع كلها علي معني واحد ثم قال7 و كل رحمتك واسعة اي و الحال ان جميع صنوف رحمتك واسعة تسع كل صنف افراده بحذافيرها من مؤمن و كافر و خير و شر و نور و ظلمة ثم قال اللهم اني اسألك بجميع صنوف رحمتك كلها و ادخل عليك من جميع ابواب رحمتك و اسألك بكل ذرة ذرة من خلقك حتي يوازي افتقاري اليك افتقار جميع ذرات ملكك حتي اكون فقيرا اليك بجميع جهاتي من جميع حيوثها حتي استحق منك العناية الكلية الشاملة و جميع صنوف رحمتك التي ترحم بها جميع صنوف خلقك فاصير محل رحمتك الكلية و معدن رحمتك العامة كما في الجامعة في صفتهم و معدن الرحمة و في الكتاب العزيز و ما ارسلناك الا رحمة للعالمين و هي العوالم الالف الالف فلمااسترحم النبي9 استرحام العالمين تعلق به الرحمة المتعلقة بالعالمين و سرت في جميع مراتبه حتي ظهرت منه الرحمة للعالمين فصار الكل مرحوما برحمته صلوات الله عليه و آله هذا هو ظاهر المراد من الفصل الشريف.

و اما باطنه فالمراد بالرحمة اما رحمة كونية كما في الدعاء يا باريء خلقي رحمة بي و كان عن خلقي غنيا او شرعية و ايصال فضل كما في قوله سبحانه قل بفضل الله و برحمته فبذلك فليفرحوا او دفع مكروه كما في قوله تعالي لا عاصم اليوم من امر الله الا من رحم او افاضة حيوة في الشهادة و في الغيب كما في قوله

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 70 *»

تعالي فانظر الي آثار رحمة الله كيف يحيي الارض بعد موتها او مغفرة و جنة نعيم كما في قوله الا انها قربة لهم سيدخلهم الله في رحمته ان الله غفور رحيم و جميع هذه الصنوف يوجد في الملك بمحمد و آل محمد: لانهم كما روي اصل كل خير و من فروعهم كل بر و ان الله سبحانه خلق وجودهم الاقدس ثم خلق من شعاعهم و نورهم جميع الكائنات و بذلك استفاضت الروايات فهم: الرحمة الكونية التي من شعاعهم خلق جميع الموجودات بذواتها و صفاتها و افعالها و آثارها و ما يؤل اليها و رحمة ايصال فضل و دفع مكروه لقوله7 ان ذكر الخير كنتم اوله و اصله و فرعه و معدنه و مأواه و رحمة افاضة حيوة كونية لان الموجودات من شعاعهم و حيوتها من فضل حيوتهم و حيوة شرعية فان روح الايمان في جميع العوالم يحدث في الموجودات بهدايتهم و نور امرهم و نهيهم من اراد الله بدأ بكم و من وحده قبل عنكم و من قصده توجه بكم و عن النبي9 اول ماخلق الله نوري ثم فتق منه نور علي7 فلم‌نزل نتردد في النور حتي وصلنا الي حجاب العظمة في ثمانين الف سنة ثم خلق الخلق من نورنا فنحن صنائع الله و الخلق من بعد صنائع لنا انتهي و هذه المسائل من كثرة ما ذكرناها و كررناها صارت في كتبنا و عند من تلمذ علينا من البديهيات التي لايحتاج الي شاهد فمن شك في شيء من ذلك فليراجع كتبنا او كتب الاخبار يجدها بينة واضحة بلاغبار و لاجل ذلك سمي الله نبيه9 رحمة للعالمين و قال النبي9 انا اهل البيت شجرة النبوة و موضع الرسالة و مختلف الملائكة و بيت الرحمة و معدن العلم و من البين انهم جميعا من نور واحد فهم جميعا رحمة الله علي العالمين الا ان بعضهم اوسع من بعض و اشمل و لاشك ان محمدا9 سيدهم و امامهم و قطبهم و اقربهم الي الله سبحانه و اولهم فهو اوسع صنوف رحمة الله و اشملها اذ محمد9 في المقام الاعلي له الذاتية بالنسبة الي الباقين و لهم الصورية

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 71 *»

بالنسبة اليه و لاجل ذلك صاروا نفسا له9 و خلق لكم من انفسكم ازواجا فلهم مقام الامومة بالنسبة الي المؤمنين الكونيين و له9 الابوة بمقتضي قوله تعالي النبي اولي بالمؤمنين من انفسهم و ازواجه امهاتهم و استفاض عن النبي9 انا و علي ابوا هذه الامة فمواد الاشياء و وجوداتها من نوره9 و صورها من نورهم: و هي محل الاختلاف و الحدود و التناهي و الضيق و اما الوجود فهو مقام السعة و عدم التناهي فتبين ان الرحمة المحمدية علي صاحبها السلام اوسع من الرحمة الولوية فسأل7 اولا باوسع رحمة الله و هي المحمدية الرفيعة التي لا غاية لها و لا نهاية ثم استدرك ذلك فقال ان كل صنوف رحمتك واسعة و لاينافي كون كلها واسعا ان يكون احديها اوسع فاستدرك و قال كل رحمتك اي كل آل محمد: الذين هم معدن الرحمة و الرحمة الموصولة كما في الزيارة و بيت الرحمة كما في اخبار عديدة واسعة تسع الف الف عالم

و راحتا الدهر من فضفاض جودهم

مملوءتان و ما للفيض تعطيل

فانا اللهم اسألك بكل صنوف رحمتك المرتضوية و المجتبوية و الشهيدية و السجادية و الباقرية و هكذا حتي لااكون ممن فرق بينهم و اني ممتثل امر علي7 حيث قال في حديث النورانية انا كلنا واحد اولنا محمد و آخرنا محمد و اوسطنا محمد و كلنا محمد فلاتفرقوا بيننا الخبر فنحن لانفرق بينهم و ندخل عليك اللهم من جميع ابواب ولايتهم التي لايصلح اولها الا بآخرها و لاينفتح احديها الا بانفتاح كلها فانا اتوجه اليك من جميعها و هم الحائزون لجميع شئون الربوبية و سائلون جميع فيوض الله الحادثة في عرصة الخلق فاذا توجه المتوجه من  جميعها و سال من جميع تلك الابواب يستحق في مقامه وحده اعطاء جميع تلك الفيوض و ظهور جميع تلك الشئون و تحمل جميع اسماء الله و صفاته فانه دخل من جميع ابوابها فتدبر يا سيدي و اشكر الله فيما اولاك و عرفك و دعاك اليه من ولاية آل محمد: و تبين انه تعالي اراد ايصالك الي اي مقام و

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 72 *»

انالتك اي منزلة فلو عرفت ما قلت لقضيت عجبا و عرفت ان الله سبحانه امر الناس بولاية آل محمد: حتي يستكملوا توحيده او قل امرهم بتوحيده حتي يستكملوا الولاية الا تري ان غير الموحد لايكون مواليا لعلي و آله: و غير الموالي لاينفعه توحيده و يدخل النار و لحري بكم ان تقولوا

قد يطرب القمري اسماعنا

و نحن لانعرف الحانه

فاذا توجه السائل من جميع ابواب الولاية نال ولاية تامة من الله سبحانه و يستحق ما يستحق الكلمة التامة الحمد لله الذي هدانا لهذا و ما كنا لنهتدي لولا ان هدانا الله و لك ان تقول في باطن اعلي ان مقام محمد9 مقام آية الله و عنوانه في المقامات الخمسة التي مرت فهو صاحب الغيب و وجود الحق و الباطن و مقام الكنز المخفي و الحق الخفي و مقام الرحمة هو مقام الولي الا انه في الكون رحمة واسعة و في الشرع رحمة مكتوبة علي الابرار قل ادعوا الله او ادعوا الرحمن ايا ماتدعوا فله الاسماء الحسني و اذا قيل لهم اسجدوا للرحمن قالوا و ما الرحمن انسجد لما تأمرنا و زادهم نفورا هذا في الكون و اما في الشرع فكما روي في قوله تعالي قل بفضل الله و برحمته فبذلك فليفرحوا ان فضل الله رسول الله و رحمته علي7 و روي ان الله خلق المؤمن من نوره و صبغه في رحمته و يقول الله سبحانه كتب علي نفسه الرحمة و في الزيارة السلام علي نفس الله القائمة فيه بالسنن فالرحمة كائنة ما كانت مقام الولي و مقام النبي9 في هذا اللحاظ فوق مقام الرحمة و مقام فضل الله و علي ذلك قوله تعالي و ما ارسلناك الا رحمة للعالمين هو مقام النبوة الظاهرة التي هي من فروع الولاية الباطنة و لماكانت من فروعها جاز نسبتها الي الرحمة بالجملة مقام الرحمة مقام الولاية فان الولاية كائنة ما كانت في اي مقام مقام الصورة و الظهور و النفس للنبي و الرحمة هي مقام التجلي و الظهور كما

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 73 *»

بينا و شرحنا و هي من حيث الاسمية لله سبحانه اسم الرحمن و من حيث نفسها رحمة الله العامة و عن العسكري7 ان الرحمن مشتق من الرحمة فهي من حيث نفسها رحمة و من حيث الاسمية اسم الرحمن و هو الذي يستوي علي العرش و يعطي كل ذي حق حقه و يسوق الي كل مخلوق رزقه و يمد من الركن الابيض الرزق لعباده و  من الركن الاصفر الحيوة و من الركن الاخضر الموت و من الركن الاحمر الخلق و لذلك امر الله سبحانه خلقه و قال لهم اسجدوا للرحمن فسجد ساجد و ابي آب بالجملة لماكان العرش بمعني الملك كما روي و الرحمن هو المستوي علي العرش المستولي عليه هو ولي العرش و صاحب القبض و البسط و هو قطب الرحي ينحدر عنه السيل و لايرقي اليه الطير فقال7 اللهم اني اسألك من رحمتك اي من صنوف رحمتك و هي الاولياء: باوسعها و هو اشرفهم و سيدهم و اميرهم و هو اميرالمؤمنين و سيد الوصيين علي بن ابي‌طالب7 فانه اشد توحدا و اكثر نفوذا من جميعهم و امضي امرا و اعلي قدرا و اشد بسطا من كلهم كمامر في هذا الشرح مرارا و كل رحمتك و كل ولي من اوليائك واسع محيط بالكائنات و بجميعهم قامت الموجودات اللهم اني اسألك بجميع شئون رحمتك و هم آل محمد: فاذا الكاف اشارة الي وجه المخاطب و هو سناد الاولياء و عمادهم الذي يقومون به و يستندون اليه و اني اتأوه علي انه

تغيرت البلاد و من عليها

و وجه الارض مغبر قبيح

و الا لكنت آتيا بما يصم الاذان و يهيج اهل البلدان ولكن الان يضيق الصدر باظهاره و لايضيق بكتمانه قال7 نفس المهموم لظلمنا تسبيح و همه لنا عبادة و كتمان سرنا جهاد في سبيل الله و اي ظلم اعظم من تصالح اهل دهرنا علي اطفاء نورهم و كتمان فضلهم و من اظلم ممن منع مساجد الله ان يذكر فيها اسمه و سعي في خرابها و اي هم اعظم من تظاهر اهل زماننا علي اعدام من ابدي صفحته للحق

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 74 *»

و اظهار امر الاولياء فلنقبض العنان اذ للحيطان آذان و بهذا و امثاله يفسر مثل هذا الفصل و العاقل يكفيه الاشارة و الجاهل لايتنبه بالف عبارة.

الفصل السابع

قال7 اللهم اني اسألك من كلماتك باتمها و كل كلماتك تامة اللهم اني اسألك بكلماتك كلها.

اعلم ان الكلمة في الظاهر هي المؤلفة من الحروف ففي الملفوظة كلمة ملفوظة و في المكتوبة كلمة مكتوبة سواء كانت كلمة صرفية او كلمات نحو كلمة التوحيد و كلمة الاسلام و قد يراد من الكلمة الدين نحو قوله7 بموالاتكم تمت الكلمة اي كلمة الدين و الاسلام و قد يراد منها الرأي كما يقال اتفقت كلمتهم علي ذلك اي آراؤهم و قد يراد منها التقدير نحو قوله تعالي و لولا كلمة سبقت من ربك لكان لزاما و اجل مسمي و منه و ماكان الناس الا امة واحدة فاختلفوا و لولا كلمة سبقت من ربك لقضي بينهم فيما فيه يختلفون اي لو لم‌يقدر خلافه و قد يراد منها القضاء نحو قوله تعالي و تمت كلمة ربك لاملأن جهنم من الجنة و الناس اجمعين و نحو قوله تعالي كذلك حقت كلمة ربك علي الذين كفروا انهم اصحاب النار و قد يراد منها النعمة كقوله تعالي و تمت كلمة ربك الحسني علي بني‌اسرائيل بما صبروا و دمرنا ماكان يصنع فرعون و قومه و ماكانوا يعرشون و قد يراد منها القرآن كقوله تعالي ظاهرا و تمت كلمة ربك صدقا و عدلا لامبدل لكلماته و هو السميع العليم و منه فآمنوا بالله و رسوله النبي الامي الذي يؤمن بالله و كلماته و اتبعوه لعلكم تهتدون و قد يراد منها العذاب نحو قوله ان الذين حقت عليهم كلمة ربك لايؤمنون و كقوله افمن حق عليه كلمة العذاب و قوله ولكن حقت كلمة العذاب علي الكافرين و قد يراد منها الولاية نحو قوله

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 75 *»

فانزل الله سكينته علي رسوله و علي المؤمنين و الزمهم كلمة التقوي و كانوا احق بها و اهلها لما روي ان عليا7 هو الكلمة التي الزمها الله المتقين و قد يراد منها الامر نحو قوله و لولا كلمة الفصل لقضي بينهم لما روي في معناه لولا ما تقدم فيهم من امر الله عزوجل ما ابقي القائم منهم واحدا و قد يراد منها الامر و الشأن نحو جعل كلمة الذين كفروا السفلي و كلمة الله هي العليا و قد يراد منها السنة و منه و جعلها كلمة باقية في عقبه اي جعل الامامة كما روي سنة باقية جارية في نسله و بمعني الانبياء و الاوصياء و منه و يحق الله الحق بكلماته و منه بكلمة منه اسمه المسيح و منه و مصدقا بكلمة من الله و امثال ذلك من المعاني فتبين من هذه الوجوه ان الكلمة تطلق علي سائر الاكوان المركبة المؤلفة ايضا و سر  ذلك ان الانسان في كلامه يأخذ الهواء في جوفه و هو مادة جميع ما يتكلم به ثم يخرجه بضغطه ريته الي فضاء فيه و يقطعه بحلقه و لسانه و اسنانه و شفاهه قطعا هي حملة صوته و يلفظها الي الخارج فهي الحروف التي يتفوه بها و ان الله سبحانه جل عن مجانسة مخلوقاته و عن الاعضاء و الجوارح فانه الاحد و انما يخلق مادة و يشكلها باجزاء هي بمنزلة الحروف ثم يركبها و هي بمنزلة كلماته ثم يركب الكلمات و هي بمنزلة اياته ثم يركب الايات و هي بمنزلة كتابه و يدل علي ذلك ما قال الرضا7 لعمران اعلم ان الابداع و المشية و الارادة معناها واحد و اسماؤها ثلثة و كان اول ابداعه و مشيته الحروف التي جعلها اصلا لكل شيء و دليلا علي كل مدرك و فاصلا لكل مشكل و بتلك الحروف تفريق كل شيء من اسم حق او باطل او فعل او مفعول او معني او غير معني و عليها اجتمعت الامور كلها و لم‌يجعل للحروف في ابداعه لها معني غير انفسها بتناه و لاوجود لها لانها مبدعة بالابداع و النور في هذا الموضع اول فعل الله تعالي الذي هو نور السموات و الارض و الحروف هي المفعول بذلك الفعل و هي الحروف التي

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 76 *»

عليها الكلام و العبارات كلها من الله عزوجل علمها خلقه و هي ثلثة و ثلثون حرفا فمنها ثمانية و عشرون حرفا تدل علي لغات العربية و من الثمانية و العشرين اثنان و عشرون حرفا تدل علي لغات السريانية و العبرانية و منها خمسة احرف متحرفة في سائر اللغات من العجم لاقاليم اللغات كلها و هي خمسة احرف تحرفت من الثمانية و العشرين الحروف من اللغات فصارت الحروف ثلثة و ثلثين حرفا فاما الخمسة المختلفة فبحجج لايجوز ذكرها اكثر مما ذكرناه ثم جعل الحروف بعد احصائها و احكام عدتها فعلا منه كقوله عزوجل كن فيكون و كن منه صنع و ما يكون به المصنوع الخبر قوله فبحجج اختلف فيه النسخ فذكر المجلسي رحمه الله في البحار انه وجدها في النسخ بالباء و الحاء المهملة و جيمين جمع الحجة و وجدته في نسخة بجيم و حائين مهملتين و ذكر سيدنا الاجل اعلي الله مقامه انه فعل مضارع بالخاء و الجيم اي تدفع فانها مستهجنة في لغة العرب و فيه وجه و ليس ما ذكره المجلسي ببعيد و علي قوله يعود ضمير ذكرها الي الحجج اي الخمسة المختلفة بحجج لايجوز ذكرها و هو اوفق مع الباطن و اما احتمال المجلسي انه7 ذكر تلك الحروف الخمسة و حرفها الرواة فبعيد و العلم عند الله و عند من نطق به بالجملة ذكرنا موضع الحاجة بطوله لكثرة محصوله و لتعلم انا مغترفون من نهرهم متبعون اثرهم في الاستدلالات فالله سبحانه خلق حروف خلقه و اطرافه اولا كما اشار اليه مولاي الرضا7 ثم ركب تلك الحروف و جعلها كلمات و هي اعيان خلقه فاول كلمة ركبها ربي عزوجل كلمة امره كن كما اشار اليه7 و هي الجبروت التي انزجر لها العمق الاكبر و هي الكلمة التي غلبت كل شيء و المشية التي دان لها العالمون ثم خلق جل جلاله بهذه الكلمة اي كلمة كن سائر الكلمات و وضع كل كلمة في محلها و هذا الوضع هو الكتب المشار اليه في ما روي عن النبي9 ان اول ما خلق الله القلم و الحوت و قال اكتب

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 77 *»

قال و ما اكتب قال كل شيء كائن الي يوم القيمة ثم قرأ ن و القلم و النون الحوت انتهي و المراد بالحوت هو ماء الحيوة الذي به حيوة كل شيء و هو الحوت الحي بالذات و منه مدة القلم بالجملة قد عبر عن خلق الموجودات بكتب القلم فكل شيء مكتوب في لوح الاكوان و كلمة مكتوبة في ذلك اللوح بمداد الماء الذي منه حيوة كل شيء و وجوده و من هذا الباب سمي الله سبحانه مخلوقاته بالايات و قال سنريهم آياتنا في الافاق و في انفسهم و يسمي العالم بالكتاب التكويني الكبير و الانسان بالكتاب المبين كما في الابيات المنسوبة الي علي7:

و انت الكتاب المبين الذي

باحرفه يظهر المضمر

و قال تعالي لقد لبثتم في كتاب الله الي يوم البعث بالجملة كلمات الله سبحانه خلقه و قد مر ما يناسب هنا في معني الاسم فراجع و هذه الكلمات منها تامات و منها ناقصات و ذلك ان الكلمة التي تشتمل علي جميع الحروف هي تامة ليس كلمة اتم منها و الكلمة التي ليس فيها بعضها ناقصة و التامة تدل علي جميع المراد و جميع ما يركب له كلمة من تلك الحروف فهي تحوي دلالات جميع الكلمات و تدل علي مدلولاتها قاطبة بخلاف الكلمات الناقصة الفاقدة لبعض الحروف فانها خاصة الدلالة خاصة المدلول تفقد خواص ما تفقد من الحروف و سامثل لك مثالا ان كلمة ابجد مثلا تشتمل علي خواص الالف و الباء و الجيم و الدال و ليس فيها خواص سائر الحروف و كذلك هوز تشتمل علي خواص الهاء و الواو و الزاء و هكذا كل كلمة من الاباجاد مخصوصة بخواص ما تشمله من الحروف و تفقد ماسواها و اما اذا ركبت كلمة من الحروف الثمانية و العشرين فيها خاصية جميع الحروف و تناسب جميع ما يناسبه الحروف و تؤثر تأثير جميع الحروف فهي الكلمة التامة التي لايجاوزها شيء كما في الدعاء اعوذ بكلمات الله التامات التي لايجاوزهن بر و لا فاجر من شر ما ذرأ و من شر ما برأ و ذلك لان الكلمة التامة لها هيمنة علي جميع الجزئيات و لايعتو عن طاعتها شيء ابدا

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 78 *»

مثال آخر لذلك ان المعجون المركب من جزئين له مزاج مهيمن علي الجزئين و يؤثر تأثيرهما حسب فاذا كان له ثلثة ‌اجزاء حصل له مزاج مهيمن عليها و يؤثر تأثيرها حسب و كلما يزداد اجزاؤه يستعلي مزاجه عن التعينات الخاصة العقارية و يستولي عليها و يجري فعله من جميع ابوابها فيؤثر بجميع تأثيراتها فلو ركب مركب من جميع عقاقير الدنيا حصل له مزاج مستعل علي جميعها البتة و اظهر من كل جزء فعلا يناسبه لانصباغ فعله الوحداني في بطن ذلك الجزء فيلقي في هويته مثاله فيظهر عنه افعاله فاذا عرفت ذلك اقول ان الله سبحانه خلق قبل خلق جميع مركبات هذا العالم هذه البسائط و هي حروف تلك المركبات و هي كما قال الرضا7 ليس لها معني الا انفسها يعني ان التراب تراب حسب ليس فيه مزاج غيره و لا تأثيره و الماء ماء حسب و الهواء هواء حسب و هكذا كل سماء سماء و الكرسي و العرش كل واحد منها بسيط ذو جهة له خاصة واحدة و اثر واحد الا تري ان زحل مثلا يخص باقوام و اشياء و المشتري يخص باقوام و اشياء و المريخ يخص باقوام و اشياء و هكذا و لكل واحد حركة خاصة تخصه و لايتجاوزها الي غيرها و انما ذلك كله لبساطتها النسبية و الطبيعة الواحدة التي لها و لذلك نقول انها ملكية الطباع اي هي اطراف الوجود و حروفها و ليس لها الا طباع واحد و اختيار ضعيف لاتقدر بعد ما اختارت ما اختارت التحول عما اختارت فجعل منها لطائف شفافة حاكية عما وراءها من النفوس و بعضها غليظا كثيفا حاجبا لما وراءه فظهر فيما شف منها و لطف آثار النفوس الغيبية و اشتعل بنيرانها كالشعلة المرئية لدي النار فظهرت تلك الاثار فيها علي نحو الحركة في اوضاعها و ان لم‌تكن تلك الاثار هي في دهريتها متحركة هكذا و سر ظهورها علي نحو الحركة و الانتقال مما يصعب دركه و اسأل الله جل شأنه ان يلهمني الصواب فيه حتي ابينه بيانا يروي الغليل و يشفي العليل فاعلم ان الله سبحانه ذات احدية بلاغاية و لا نهاية و لاحد و لا وصف ليس له وقت و لا مكان و لا اجزاء فيمتنع فيه الحركة و الانتقال و التحول و الزوال و اما الوجود المطلق فهو ابسط ما يمكن في الامكان فهو و ان كان له مكان و هو الامكان

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 79 *»

و وقت و هو السرمد و اجزاء من المادة و الصورة الا ان جميعها موجود بوجود واحد و كل واحد منها عين الاخر في الخارج و انما يدرك التكثر في ظهوراته كما انك تدرك التكثر في الشجرة من اوراقها و انوارها و اثمارها و اغصانها و عيدانها و قشورها و اصولها و تعلم ان جميعها كانت في الحبة مستجنة منها بدئت و خرجت الي الفعلية و كان جميع تلك الكثرات فيها بالقوة علي نحو الاتحاد الواحدي و لاتقدر علي تمييز تلك الكثرات فيها بالحس و تقول ان الورق في الجنة عين الغصن و هما عين الثمر و هي عين النور و هكذا و هذا المثال تقريبي للمبتدي و الامر اعظم من ذلك و اعلي فالمشية اي الوجود المطلق لها مكان و وقت و مادة و صورة بل عرش و كرسي و افلاك و عناصر لقول الرضا7 قد علم اولوا الالباب ان الاستدلال علي ما هنالك لايعلم الا بما هيهنا و قول الصادق7 العبودية جوهرة كنهها الربوبية فما خفي في الربوبية اصيب في العبودية فلها جميع ما في هذا العالم اذ هي غيب غيب هذا العالم الا انها فيها علي نحو الاتحاد الواحدي و هو قوله سبحانه و ما امرنا الا واحدة فالوجود المطلق ايضا لواحديته و عدم تكثر فيه محسوس للحواس الظاهرة و الحواس الباطنة و العقول المجردة و لكونه مخلوقا بنفسه و لكون جميع ما ينبغي له بالفعل لانه مخلوق بنفسه و هو لايفقد نفسه لايعقل فيه الحركة و الانتقال و التحول و الزوال و لذا روي انه خلق ساكن لايدرك بالسكون و هو الاسم الذي في الدعاء فأسألك به و باسمك الاعظم الاعظم الاعظم الاجل الاكرم الذي خلقته فاستقر في ظلك فلايخرج منك الي  غيرك الدعاء و قد خلقه الله بنفسه فاستقر في ظله اي ظل الله الذي هو هو اي استقر في حقيقته كما في الخبر ان الله يمسك الاشياء باظلتها فلايخرج منك الي غيرك اي من كونه جهة خطابك و وجهك الذي يتوجه اليك به بالجملة الوجود المطلق ايضا لايدرك فيه حركة و انتقال و تحول و زوال لا عن الوضع و لا في الوضع و لا بالوضع اما عن الوضع فانه لاغاية له و لا نهاية و ليس معه شيء يحد به هو و هو به

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 80 *»

فيتحول اليه و اما في الوضع فان الوضع عين ذاته و كل جزء منه عين الاخر بالعينية الواحدية فاين الحركة و التحول و لا بالوضع لانها كما يأتي من خواص الكليات المقيدة فهو ساكن لا بمعني الملازم لوضعه فلايدرك بالسكون و اما الوجود المقيد فالكليات منه كالعقل الكلي و النفس الكلية و الجسم الكلي فليس مع كل واحد في عالمه غيره يحد هو به و يحد به هو فينتقل اليه البتة و ليس لكل واحد اجزاء كما للعرش مثلا فتنتقل في وضعه نعم لكل واحد اجزاء من مادة و صورة و مكان و وقت و حد علي نحو الكلية و الابهام فلايعقل فيها الحركة عن الوضع و لا في الوضع نعم يعقل فيها حركة بالوضع و هي الحركة علي القطب و ذلك ان الحركة اما من القطب او الي القطب الظاهري و هي الحركة عن الوضع و اما حركة علي المحور و هي الحركة في الوضع و اما حركة علي القطب و هي الحركة بالوضع اي الشيء و وضعه متحركان معا بحركة واحدة فهذا  المتحرك ليس حركته حركة تحول و انتقال و انما هي حركة استمدادية من القطب عليه و هو اقرب الي كل جزء منه بنفسه و اولي به منه فلايحتاج الي قطع مسافة و هي الحركة الانفعالية عند فعل الفاعل له الا تري ان الانفعال فعل و الفعل هو حركة المسمي و هي حركة ليس في الحركات الانتقالية اسرع منه ابدا و سميناها بالحركة لخروج الشيء من القوة الي الفعلية و من الامكان الي الكون و لماكان هو محفوظ بامساك الفاعل العالي بحيث لو قطع فعله عنه لعاد الي العدم في اسرع من طرفة عين و البعد بين العدم و الوجود اطول الابعاد فان سائر الابعاد بين الوجودين و هما في ملك واحد و اما ملك العدم فبعيد عن ملك الوجود بعدا لا غاية له و لا نهاية لان العدم غير محدود و الشيء بتلك الحركة يخرج في كل طرفة عين من ملك العدم الي ملك الوجود فيقطع مسافة لا غاية لها و لا نهاية فلا مسافة ابعد من هذه المسافة فلا حركة اسرع من هذه الحركة فالكليات هي متحركة بهذه الحركة و هي في المنظر سكون و في المخبر حركة فهي ايضا كالوجود المطلق خلق ساكن لايدرك بالسكون اذ هي آيته فجميع الكليات الدهرية ساكنة هكذا متحركة هكذا و اما المشية و الوجود المطلق فملك عدمها عين ملك وجودها و

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 81 *»

امكانها عين كونها و فعلها عين انفعالها فتجل عن مثل حركة الكليات ايضا الا ان حركتها اول ظهور من ظهوراتها و اول فعلية مما قد كمن فيها و هي آيتها و اما الجزئيات الملكية فهي مركبات لها مادة و صورة و كم و كيف و جهة و رتبة و مكان و وقت و وضع و نسب و قرانات و اجزاء فاذا تفصلت الكليات اليها ظهرت حركاتها فيها بالحركة في الوضع و عن الوضع اما سمعتنا نقول ان الكلي يتحرك بالوضع اي ينفعل عند فعل الفاعل و هو فعل الفاعل فهو من حيث الفعلية يتحرك و يدور عليه من حيث المفعولية بالامداد و هو من حيث المفعولية يتحرك و يدور عليه من حيث الفعلية بالاستمداد او حيث الفعلية محيط بحيث المفعولية و مؤثر لحيث المفعولية و حيث المفعولية محاط و اثر لحيث الفعلية و المؤثر لاينزل الي رتبة الاثر و الاثر لايصعد الي رتبة المؤثر فكل واحد منهما لازم حده مع ان حيث الفعل متحرك بالامداد الدائم و حيث المفعول متحرك بالاستمداد الدائم فاذا نبت هذه الحبة و تفصلت في شجرتها صارت افلاكا لازمة لاوضاعها و عناصر لازمة لاوضاعها لاتنزل الافلاك الي الارض و لايصعد الارض الي الافلاك و لابد و ان تكون الافلاك مع لزومها وضعها متحركة و كذا العناصر فلاجل ذلك ظهرت الافلاك بالحركة في الوضع فان حركة الكلي اذا تجسمت صارت هكذا لوجود الاجزاء الممتازة و الوضع الممتاز و لو لزم كل جزء محله لكان سكون هذا العالم و لكان دليلا علي سكون الكلي من حيث الفعلية و لما اراد الفلك ان يتبع الكلي و يكون كل جزء منه في كل وضع يمكن له لانه آيته و ظهوره و هو كل جزء منه في كل وضع دائما صار مضطرا الي الانتقال حتي يتحقق في كل وضع ممكن له و لو في آنات و بذلك تحقق للافلاك الحركة و لسنا بصدد بيان ازيد من ذلك و قد استوفينا الكلام في امر الافلاك في كتابنا في رد الفادري الافرنجي الذي احتمل ان يكون فلك الشمس ساكنة و الارض متحركة بالجملة علي ما ذكرنا هنا لابد و ان يكون لجميع العناصر معا حركة وضعية استمدادية في محلها و لو كانت في غاية البطؤ بحيث لاتضبط و اختلط حركتها مع حركات الافلاك بحيث ضاع عن الراصدين ضبطها و ذلك ان الشيء اذا لم‌

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 82 *»

يستمد لم‌يمد و اذا لم‌يمد لم‌يوجد و ان استمد تحرك فلابد لجميع العناصر من حركة وضعية بطيئة في الغاية لكثافتها و ثقلها و يكون حركة النار اسرع ثم بعدها حركة الهواء ثم بعدها حركة الماء ثم بعدها حركة التراب و يكون حركة الرياح و جريان الانهار بمنزلة امواج الشط مقبلة و مدبرة و يمينا و شمالا مع انه نوعا جار من جهة الي جهة واحدة و حركات العناصر بالنسبة الي حركات الافلاك سكون كما سميت الكواكب الصغار بالثابتة لبطؤ حركتها و قطعها دورة في ثلثين الف سنة فالعناصر لايبعد ان تكون ابطأ من ذلك ايضا و البرهان يقتضي ان يكون حركتها علي التوالي بالجملة ايا ما كان هي ساكنة بالنسبة الي الافلاك و الافلاك متحركة في الوضع و اما الحركات الحاصلة للعناصر عن الوضع فهي قسرية علي خلاف الحركة النوعية لها بالجملة كان الكلام في سر حركة الافلاك في اوضاعها و قد تبين و الحمد لله ببيان الحكمة لمن كان من اهلها فدارت الافلاك علي العناصر لانها جهة الرب في الاجسام و جهة الفعل و الفاعل و هي حامل المشية و القت شعلاتها و انوارها التي هي آثارها علي العناصر فمازجتها و داخلتها و مكنتها فاثارتها و ضرب بعضها ببعض حتي وقع بينهما التقارن فالتداخل فالتمازج فالتوحد و حصل منها مركبات فمن هذه المركبات مركبات ناقصة تركبت من بعض البسائط فعملت عمل ذلك البعض و منها مركبات تامة تركبت من كلها و عملت عمل الكل بالفعل فمنها اي من المركبات الناقصة الجماد لانه حصل بتقارن العناصر او بتداخلها او بتمازجها مع عدم الاعتدال في الكم و الكيف و عدم التصفية التامة و الغالب عليه التراب فحصل منه الجماد و يعمل عمل العناصر التي فيه علي ما فيه فهو اما حار و اما بارد و اما رطب و اما يابس علي حسب اجزائه و منها النبات نجما كان ام شجرا فانه ايضا تركب من العناصر الا انها صفيت فيه ففيه صفوتها فهي روحه و نفسه النباتية و فيه اوساخها و ارمدتها وهي جسده الجمادي و هو وعاء و حافظ مناسب للنفس و بيت لها تسكنه كما يسكن الزبد في المخيض قبل المخض و  تلك الصوافي متحركة بفضل حركة الافلاك حركة

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 83 *»

دورية لولا ممازجتها مع الاكدار ولكن الان تتحرك الي الاعلي و الي الاسفل و الي الجهات الاربع فيأتي كماتري و لافرصة لي ان اطيل البيان في هذه الامور و قد اطلناه في سائر كتبنا بما لامزيد عليه و لله الحمد و المنة و لال محمد: فالنبات ايضا من المركبات الناقصة لانه لايحتوي من الحروف الكونية الا اربعة او خمسة و منها الحيوان بجميع انواعه فانه ايضا من العناصر الا انها صفيت مرة بعد مرة و ترك رماداه دونه فالرماد الاولي منه جمادية بدنه و صفوته النفس النباتية و هي رماد النفس الحيوانية و هي صفوة الصفوة و هي اعدل من النبات و الصافية الحيوانية ما في كمون العناصر من صلوح الفلكية المنتشرة فيه انتشار الزبد في المخيض فمخضها الله في الحيوان مخض السقاء حتي اجتمع الزبد قليلا قليلا و لما تنفصل فلم‌تفارقها مفارقة تامة تستغني عنها بالكلية بل هي منكوسة منكبة علي وجهها مستمدة من العناصر فلاجل ذلك اذا تفككت هي و سابقتها تعودان عود ممازجة كما بدءکم تعودون فالحيوان مركب من خمسة احرف او ستة اربعة من العناصر و النفس النباتية علي اعتبار و واحد من الافلاك اي من فلك القمر به يبصر و يسمع و يذوق و يشم و يلمس و يرضي و يغضب و ما فيه من فضل ادراك باطني فانما هو باشعة الافلاك الملقاة في فلك القمر كما يوجد في النبات من الحركات الفلكية بفضل ما يلقي فيه من اشعة الافلاك و الا فاصل افعال الحيوانات و اعمالها طبيعية ليس عن ادراك و شعور كما روي عن الصادق7 فتعالي الله الذي يعدل الطبايع هذا الاعتدال العجيب حتي يتأتي منه الافعال التي يتعجب منها العقول الذكية و تبهرها و منها الانسان غير الحجج: و الكملين من المؤمنين فانهم ايضا من المركبات الناقصة و مركبون من ستة احرف او سبعة او ثمانية او تسعة او عشرة فان الانسان صفوة صفوة الصفوة و قد مخض الله طينة الحيوان حتي استخرج منها زبد الحيوة و جمعه و فرق بينه و بينها فمنهم من يمخض حتي يستخرج منه فلك واحد آخر و منهم من يمخض حتي يستخرج منه فلكان آخران او افلاك حتي

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 84 *»

يستوفي الافلاك الستة مادون فلك الشمس فيحصل فيه قواها علي حسبها من الخيال و الفكر و الوهم و العلم و العقل الجزئي اما الذين يحصل لهم مادون العلم او الي العلم فان اطاعوا مبادي العلل كانوا اناسي و ان اطاعوا الشياطين و مبادي سجين فان هم الا كالانعام المنكوسة المكبة علي وجهها بل هم اضل لحصول تلك المشاعر فيهم ولكن ينقلب الخيال فيهم طبيعة و الفكر فيهم عادة و الوهم طغيانا و العلم الحادا فيصير سماواتهم بواطن الارض و يسكنها الشياطين يزينون له سوء اعماله و اما اذا آمن و اتبع مبادي عليين تكون مشاعره سماوية يسكنها الملائكة الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة الا تخافوا و و لاتحزنوا و ابشروا بالجنة التي كنتم توعدون نحن اولياؤكم في الحيوة الدنيا و في الاخرة و من يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين و انهم ليصدونهم عن السبيل و يحسبون انهم مهتدون و لو شئنا لرفعناه بها ولكنه اخلد الي الارض و اتبع هواه فمثله كمثل الكلب ان تحمل عليه يلهث او تتركه يلهث فتدبر فهؤلاء من الكلمات الناقصة و كذا المستوفي للعقل و هو لايكون الا انسانا فانه ما عبد به الرحمن و اكتسب به الجنان ولكنه مع ذلك كلمة ناقصة لعدم استيفائه فلك الشمس فاذا استخرج منه فلك الشمس ايضا صار من اصحاب الفوائد و العيان و نزل المنزلة الكبري و حصل الحكمة بغير ما حصل به الحكماء و العلم بغير ما حصل به العلماء و الصدق بغير ما حصل به الصديقون و صار من اهل الفؤاد الرائي الصادق و عرف الحقائق و الكيف و اللم و موصوله و مفصوله و هكذا غاية مرتبة الرعية ليس لهم مرتبة اعلي منها و هم اصحاب احد عشر حرفا و ان اخذ صفوة النباتية حرفا واحدا علي ان يكون النبات من خمسة احرف و الجماد من اربعة و اقل يكون الانسان البالغ اقصي مقام الرعية ذا اثني عشر حرفا و هو الانسب ولكن هؤلاء ايضا بالنسبة الي الانبياء سلام الله عليهم ناقصون فانهم لم‌يستكملوا جميع الحروف الكونية و اما الانبياء فهم مركبون من ثلثة عشر حرفا و الثالث عشر الكرسي ففيهم

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 85 *»

منه ايضا و به صاروا اصحاب وحي و علم و حكم و معجز يتصرفون فيما دونهم علي اختلاف مراتبهم فهم لهم المراتب الانسانية التي في اولي الافئدة و زيادة روح النبوة و هو ما فيهم من الكرسي و هو كان في كمون الانسانية بالقوة و ليس يخرج الي الفعلية بالاعمال الانسانية و رياضاتهم و مجاهداتهم و انما خروجه من عناية خاصة و اصطفاء و اجتباء خاص يبتعثهم به نبيا و رسولا والله اعلم حيث يجعل رسالته و اختلاف مراتبهم بحسب التصفي فكلما ازداد ذلك الحرف فيهم صفاء و نورا يزدادون قوة و استيلاء فهم جاه الانسان و وجهتهم و سراجهم بهم يستكملون و بنورهم يهتدون و نور الشمس عند نور الكرسي كجزء من سبعين  جزءا و هم: ايضا ناقصون عند الكلمة التامة صلوات الله عليه و آله و هو كلمة واحدة مستكملة جميع الحروف الكونية و هو مركب من اربعة عشر حرفا و الحرف الزايد حرف العرش و هو حرف روح القدس لم‌يكن مع احد ممن مضي و لايكون في احد ممن بقي و انما كان معه و في متقلباته من الساجدين المشار اليهم بقوله تعالي يراك حين تقوم و تقلبك في الساجدين و في الكافي عن ابي‌بصير انه سمع اباعبدالله7 يقول و يسألونك عن الروح قل الروح من امر ربي قال خلق اعظم من جبرئيل و ميكائيل لم‌يكن مع احد ممن مضي غير محمد9 و هو مع الائمة يسددهم و ليس كل ما طلب وجد انتهي و هو المشار اليه بقوله و كذلك اوحينا اليك روحا من امرنا و اما الانبياء فليس فيهم روح القدس بنفسه و انما فيهم شعاعه و في المؤمنين شعاع الشعاع و يسمي باسمه فعن ابي‌خديجة قال دخلت علي ابي‌الحسن7 فقال لي ان الله تبارك و تعالي ايد المؤمن بروح يحضره في كل وقت يحسن فيه و يتقي و يغيب عنه في كل وقت يذنب فيه و يعتدي فهي معه تهتز سرورا عند احسانه و تسيخ في الثري عند اسائته فتعاهدوا عباد الله نعمه باصلاحكم انفسكم تزدادوا يقينا و تربحوا نفيسا ثمينا رحم الله امرءا هم بخير فعمله او هم بشر فارتدع عنه ثم

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 86 *»

قال نحن نريد الروح بالطاعة لله و العمل له و قد جاء في حديث طويل رواه في الكافي في باب الكبائر ان السابقين و هم انبياء مرسلون و غير مرسلين جعل الله فيهم خمسة ارواح روح القدس و روح الايمان و روح القوة و روح الشهوة و روح البدن و اصحاب الميمنة جعل الله فيهم اربعة ارواح روح الايمان و روح القوة و روح الشهوة و روح البدن و اما اصحاب المشأمة فاسكن ابدانهم ثلثة ارواح روح القوة و روح الشهوة و روح البدن و الحديث شريف طويل مشروح فروح البدن هو المزاج البدني الذي به تربية البدن و قوامه و روح الشهوة هو النفس النباتية الطالبة للاكل و الشرب و اللقاح و روح القوة هو الروح الفلكلي الدراك المتحرك بالارادة و روح الايمان هو العاقلة التي في الانسان يعبد به الرحمن و يكتسب به الجنان و روح القدس الذي في الانبياء ظل الروح الاعظم و هو الذي في مقام الكرسي و النفس و اما روح القدس الاعظم فهو ساكن العرش و ليس الا فيمن فيه الحرف العرشي فالكلمة التامة هي التي تستكمل جميع الحروف الكونية و يبدو منه آثار كل حرف علي نهج الكمال بالفعل و لاجل استكماله الحرف العرشي صار اسبق السابقين و اول الموجودين و اشرف الاولين و الاخرين و هذا الشرح مخصوص بالابدان ان خصص الافلاك بالجسمانية و ان عممت الافلاك عمم مراتب الكلمة في العوالم بالجملة الكلمة التامة هي التي تركبت من جميع الحروف الكونية و حقيقته هي ذلك الحرف و الباقي البسة لبسها ليظهر في سائر المراتب و يقول انا بشر مثلكم كما ان الانبياء اصل مقامهم الكرسي و انما لبسوا الانسانية ليظهروا فيهم و يدعوهم الي سبيل ربهم و اصل مقام الانسان الافلاك علي اختلاف مراتبهم و انما بعثهم الله الي سائر المراتب ليختبرهم و لاجل ان العالي من صفوة الداني و يكون فيه بالقوة و يستخرج منه قلنا ان الداني دار قوة و استعداد و العالي دار صورة و فعلية تبعا لمولانا اميرالمؤمنين7 حيث سئل عن العالم العلوي فقال صور

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 87 *»

عارية عن المواد  عالية عن القوة و الاستعداد تجلي لها فاشرقت و طالعها فتلألأت و القي في هويتها مثاله فاظهر عنها افعاله خلق الانسان ذانفس الناطقة ان زكاها بالعلم و العمل فقد شابهت جواهر اوائل عللها و اذا اعتدل مزاجها و فارقت الاضداد  فقد شارك بها السبع الشداد انتهي ذكرنا الخبر بطوله لما فيه من الشهادة علي ما كنا فيه و هو ان العالم العلوي صور و العالم السفلي عالم المواد  و الاستعداد و الانسان اذا اعتدل مزاجه شارك السبع الشداد فهو يستكمل الحروف الي فلك زحل سبعة افلاك و اربعة عناصر و اما الانبياء فيهم فوق ذلك و فيهم روح كرسي كلي بالنسبة و هم شعاع الخلق الاول فان نور الكرسي جزء من سبعين جزءا من نور العرش فقد روي عن ابي‌عبدالله7 الشمس جزء من سبعين جزءا من نور الكرسي و الكرسي جزء من سبعين جزءا من نور العرش و العرش جزء من سبعين جزءا من نور الحجاب و الحجاب جزء من سبعين جزءا من نور الستر الخبر فالمراد بالحجاب هنا المشية فانها الحجاب الذي منع حملة العرش و العقول ان يطلعوا علي ماوراءه من نور العظمة و اما الستر في هذا الموضع فهو نور العظمة الذي استتر الله به عن جميع خلقه و هو نفس المشية التي خلقت بها بالجملة تدبر في هذا الحديث الشريف تجد دليلا بينا علي ما ذكرناه من مراتب الانسان و الانبياء و الكلمة التامة فالكلمة التامة هي كما ذكرنا هي الجامعة لجميع الحروف الكونية و جميع ماسواها ناقصة و قد يراد من التمام الواجد جميع ما ينبغي و الكائن علي ما ينبغي كبدن الانسان التام له عين و اذن و فم و يد و رجل و سائر الاعضاء فانه واجد جميع ما ينبغي له و جميع ما يشترط في كونه هو كافيا لماخلق لاجله فبهذا اللحاظ جميع ماخلق الله في مقامه و حده كلمة تامة و ان كان ما يعمل عملها و عمل نفسها معا اتم و اكمل فتدبر.

بقي هنا شيء و هو ان الذي ذكرناه هنا كان علي سبيل المثل من العالم الجسماني و اما الممثل له الذي لبيانه ذكرنا ما ذكرنا فهو ان العالم الكبير له ايضا مراتب مثل ما ذكرنا من العالم الجسماني ففيه ايضا عرش كلي و هو العقل الكلي

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 88 *»

و كرسي كلي و هو النفس الكلية و افلاك كلية هي الطبيعة الكلية التي هي بمنزلة الشمس و المثال الكلي الذي هو بمنزلة الافلاك الستة و فيه تفصيل من باطن العرش و الكرسي و هو فلك مريخه و ظاهرهما و هو فلك زهرته و من باطن العرش وحده و هو فلك زحله و من باطن الكرسي و هو فلك مشتريه و من ظاهر العرش وحده و هو فلك قمره و من ظاهر الكرسي و هو فلك عطارده و هي اي هذه الافلاك قوي النفس الكلية و ظهوراتها و للعالم جسم كلي و هو الجسم الكلي الساري في جميع عالم الاجسام فالكلمة التامة التي ليس اتم منها في العالم الكبير هي مجموع ذلك العالم المحتوي لجميع حروف العوالم فليس لله سبحانه كلمة اتم و لا اكمل منها اذ لم‌تترك حرفا من الحروف الكونية الا و قد حوته بقضها و قضيضها بغيبيها و شهاديها بجوهريها و عرضيها بذاتيها و وصفيها و فعليها بمؤثرها و آثارها فاذا لايعقل ان يكون كلمة لله سبحانه اتم و لااجمع من هذه الكلمة علي ما بينا و شرحنا فهي جمع الله و هي كل الله فاذا المسئول به في هذه الفقرة جميع ماسوي الله و جميع ماسوي الوجود الحق فهو اتم الكلمات لله سبحانه يقول اللهم اني اسألك من جملة كلماتك التي هي مرسومة في الالواح الامكانية بنفسها او بغيرها او نقشتها في صدور ملائكتك او علمتها احدا من عبادك او انزلتها في واحد من كتبك او استأثرت بها في علم الغيب عندك و لم‌تطلع عليه احدا من بريتك باتمها و اجمعها للحروف الكونية و هي مجموع العالم الكبير فماسوي وجودك الحق جل شأنه و علا برهانه و اجعلها وصلتي و وسيلتي اليك حتي اكون مستمدا منك بذلك الاستمداد الكلي حتي استحق منك جميع امدادك و فيوضك و اكون سائلا منك مفتقرا اليك بسؤال كل عالمك و بفقر كل ملكك حتي استحق منك جميع ما يستحقه جميع ماسواك فاصير مظهرك الكلي و تجليك الاعظم ثم استدرك ذلك و اراد استيفاء مقامات التفصيل كما استوفي مقام الاجمال و الكلية فقال كل كلماتك المكتوبة او المعلمة المعرفة تامة في حدها و مقامها

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 89 *»

لانها مستوفية جميع ما ينبغي لها الذي لو زاد عليها زائد او نقص عنها ناقص لم‌تكن هي هي و لم‌يتات منها ما جعلت لها فكل كلمة من كلماتك في حدها و مقامها تامة واقعة علي احسن وجه يمكن فيها و يليق بها او في الوضع الملكي فان الارض و ان كانت بالنسبة الي السماء ناقصة الا ان الارض في مقامها و السماء في مقامها واقعتان في مقام الحاجة بهما و لزوم وجودهما علي ما هما عليه فلو غيرتا عما تكونان عليه لاختل النظام و فسد القوام و بطلت الحكمة و صارت جميع حكمة الله باطلة و لاتكون نعوذ بالله حتي انه بلغ انتظام امر الملك مبلغا لو لم‌ينبح كلب في عبادان في ليلة مثلا لاختل نظام جميع الملك و الملكوت و الارضين و السموات و فسد بنيانها دفعة و ليس هيهنا موضع بيانه و من تنبه بارتباط الاشياء و الاوضاع صدق ما نقول فاذا كان الامر كذلك صدق ان كل كلمة في حدها و مقامها تامة مستوفية منتهي الحكمة فيها و تمام ما جعلت له فلما استدرك ذلك قال اللهم اني اسألك بكلماتك كلها فانها كلها ابوابك المفتوحة الي خلقك تفيض ما شئت الي ما شئت كيف شئت و اني شئت و اني اقف لديك علي جميع تلك الابواب و استمدك كل مدد مدد يخرج من كل باب حتي اكون ممدا بجميع مدد العالمين و اصير بذلك مظهر جميع شئون ربوبيتك و حاكي كل وحدانيتك و آية جميع فردانيتك و اعبدك بجميع ما يعبدك به عابد و اثني عليك بجميع ما يثني عليك مثن فافهم هذه الاشارات و هذه المقامات العجيبة فمن عرف هذه المعاني و سأل الله تعالي قدره بنية صادقة و توجه كامل بلغ مما ذكرنا بقدر ما يمكن فيه فلو قال قائل ان كل فصل من هذه الفصول فيه الاسم الاعظم لبر و صدق فان كل واحد منها يحوي جميع ما يحويه الاخر و وجه تأخر الكلمات عن الرحمة لان الرحمة هنا بمنزلة الهواء و ذرات الموجودات بمنزلة الحروف المصاغة من الهواء و الاكوان بمنزلة الكلمات فلاجل ذلك قال الله عزوجل انظر الي آثار رحمة الله كيف يحيي الارض فجعل المطر و السحاب آثار رحمة الله لقوله يرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته حتي

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 90 *»

اذا اقلت سحابا ثقالا سقناه لبلد ميت و قال الم تر ان الله يزجي سحابا ثم يؤلف بينه ثم يجعله ركاما فتري الودق يخرج من خلاله و قد قدمنا ان الركام هو الكلمة التامة و الودق الخارج منه دلالتها و الركام مؤلف من السحائب المزجاة و هي بمنزلة الحروف و الرياح بمنزلة الالف اللينية و الرحمة بمنزلة الهواء فالرحمة هي المادة النوعية للكلمات الكونية و لذلك قدمها و قد جمع الكلمات بعد ما افرد الفصول المتقدمة فان الخمس الاول مقامات التوحيد و يناسبها التفريد و الرحمة مقام المادة النوعية و الحد المشترك بين جميع المخلوقات فلاتكون الا مفردة و اما الكلمات فهي اول مقام ملاحظة المخلوقات لكن من حيث اضافتها الي الله سبحانه فلاجل ذلك كان الاحسن الاكمل فيه التكثر و الجمعية فجمعها اشعارا بان لله سبحانه كلمات هي آثار عظمته و كبريائه دالة علي سعة ملكه و احاطة قدرته و قد عرفت ان تلك الكلمات افراد الموجودات من حيث صدورها عن الله سبحانه فانها من هذه الحيثية كلمته كما ان كلامك اذا لوحظت فيه و رئي مثالك فيه كان كلاما لك و اثرك و علي صفة شبحك دالا عليك و اذا قطع النظر عنه من هذه الحيثية لم‌يكن دالا عليك و لا حاكيا عنك البتة فكلمة الله كلمة له اذا رئي فيها شبح امره و نور مشيته و الا فلاتضاف اليه و لاتدل عليه و لذلك يكون الفخر كل الفخر فيمن غلب جهته الي ربه علي جهته من نفسه بحيث لايحتاج الي اعتبار معتبر و يكون كلمة لله سبحانه سواء اعتبر المعتبر ام لم‌يعتبر و اما سائر الاشياء فيحتاج الي اعتبار المعتبر فان لوحظ فيها جهة الرب كانت كلمة لله سبحانه و الا فلا و ذلك عند الاقتران في التشريع فلذلك كان عيسي كلمة الله و يكون الائمة: كلمات الله التامات العلياء فعلي ذلك في الباطن المراد بالكلمات الذين غلب فيهم جهة الرب جل جلاله فلم‌يدلوا الا عليه و لم‌يحكوا الا عنه و لم‌يتوجهوا الا اليه و هم آل محمد: فتلقي آدم من ربه كلمات و هي هم صلوات الله عليهم فهم كلمات الله التامات التي لايجاوزهن بر و لا فاجر فيسأل الله سبحانه من كلماته التامات باتمها و هو رسول الله9 كما بينا مكررا او هو القلم و الكلمة هي المكتوبة في لوح العصمة فالكلمات هي ال محمد

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 91 *»

: المكتوبة في لوح العصمة الفاطمية عليها السلام فاتمها علي7 او هو الكاتب و القلم هو علي7 في مقام الجامعية و اللوح هو فاطمة عليها السلام و الكلمات هي الائمة: و اتمها هو علي7 في مقام الفردية علي حذو قوله عزوجل و اذ استسقي موسي لقومه فقلنا اضرب بعصاك الحجر فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا قد علم كل اناس مشربهم و قد مر تفسيرها في الباطن فهي الكلمات المشار اليها في قوله عزوجل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي لنفد البحر قبل ان تنفد كلمات ربي و لو جئنا بمثله مددا و قوله عز من قائل لو ان ما في الارض من شجرة اقلام و البحر يمده من بعده سبعة ابحر مانفدت كلمات الله و المراد ان المداد مادة المكتوب و كل مقدار من المادة يسع كلمات بحسبها فلايمكن ان يكتب بمثقال من المداد ما يمكن ان يكتب بمثقالين و المقدار الذي يسع كلمة صغيرة لايسع كلمة اكبر منها فالمداد الذي كتب به الوجودات المقيدة هي الابحر السبعة التي هي بحر العقل و بحر الروح و بحر النفس و بحر الطبيعة و بحر المادة و بحر المثال و بحر الجسم و هذه الابحر تسع لكتابة الكلمات الناقصة الوجودات المقيدة و هي لاتسع لكتابة كلمات سرمدية ملأت جميع اصقاع السرمد و الجبروت و الملكوت و الملك و اوصافها و افعالها و اشباحها و آثارها و آثار آثارها الي ما لانهاية له فلو ان ما في الارض من شجرة اقلام و البحر يمده اي بحر الاعراض الدنياوية من بعده سبعة ابحر جوهرية مانفدت كلمات الله و لم‌تكتب بها و لم تكف لكتابتها فان كلمات الله هي من نور عظمة الله و كبرياء الله و لم‌تكتب بتلك الابحر الا ما ظهر فيها و بها من تجليات تلك الكلمات بقدر ما ظهر لها بالجملة اتم تلك الكلمات هي مقام اميرالمؤمنين7 ثم يستدرك بان كل كلماتك تامة اي كل آل محمد: مستوفون جميع المراتب الامكانية كليون لم‌يفتهم حرف من الحروف الكونية كيف و هي تجلياتهم

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 92 *»

و ظهوراتهم و حكاة فضائلهم و شئون اوصافهم فاللهم اني اسألك بكلماتك بآل محمد: كلها جميعهم و ادعوك بكل تلك الكلمات و اجعلهم وصلتي و وسيلتي و جاهي بهم اتوجه اليك و استشفع حتي ينزل الي منك و منهم و بهم جميع آثار انوار الولاية فتكون ولايتي ولاية واحدة كاملة تحكي ولايتك التامة و توحيدك الكامل و لك ان تجعل الكلمات اعم من العرضية و الذاتية و اعم من التامة الاضافية و الحقيقية و تجعل الاتم آل محمد: فبقية الكلمات هم الانبياء و الرسل: او هم مع الاوصياء او هم مع كملي المؤمنين سلام الله عليهم اجمعين و لك ان تجعل رسول الله9 الكاتب و الائمة القلم و الانبياء الكلمات فانهم الخلق الاول من خلف العرش لو قسم نور واحد منهم علي جميع اهل الارض لكفاهم فاتمها اولوالعزم او الرسل و لك ان تجعل آل محمد: جميعهم الكاتبين و اولي العزم اقلاما و الانبياء كلمات و اتمها الرسل او الرسل اقلاما و الانبياء و الاوصياء كلمات و اتمها الانبياء او جميع الانبياء و الرسل و الاوصياء اقلاما و المؤمنين كلمات و اتمها النقباء البرزخيون بالجملة لكل ذلك وجه وجيه يلتفت اليه النبيه و ليس ينحصر تفاسير كلامهم فيما ذكرنا بل يتكلمون بالكلمة و يريدون منها سبعين وجها لهم من كلها المخرج و تفاضل شيعتهم بقدر ما يحسنون منها اذ قيمة كل امريء ما يحسنه البتة بالجملة بعد ما فرغ من المقامات الخمسة التوحيدية شرع في اول تجل منه جل جلاله و اعظمها و اجلها و هي بحر الرحمة التي مغموس فيها كل من سواه سبحانه ثم التفت الي امواج ذلك البحر و هي الكلمات فسأله سبحانه باتمها و بها ثم التفت الي تلك الكلمات و رأي فيها حيثين كونيين وجوديين حيث اجمال هو كالمادة الشخصية لها و حيث تفصيل و هو كالصورة الشخصية لها فاتي بفصلين

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 93 *»

آخرين كما سنشرحه ان شاء الله تعالي.

الفصل الثامن

قال7 اللهم اني اسألك من كمالك باكمله و كل كمالك كامل اللهم اني اسألك بكمالك كله.

اعلم ان للوجودات المقيدة و المطلقة جميعا مقامين مقام تفصيل و مقام اجمال اما مقام تفصيلهما فهو مقام الفرق بينهما بان المقيد مقيد و المطلق مطلق و المقيد مخلوق بالمطلق و اما مقام الاجمال فهو مقام وصلهما بانهما معا جود الله و كرمه و رحمته و خلقه و ظهوره و امثال ذلك من الالفاظ التي تطلق عليهما معا و يشترك جميع ذراتهما فيها فالامام7 لما فرغ من مقامات الوجود الحق نظر الي جميع ماسواه علي نحو الاجمال و الاشتراك فرأي كلها شيئا واحدا يشترك في امر واحد و نظر الي ذلك الامر نظرا الهيا لا طبيعيا فرآه نسبة الي الله سبحانه و ظهورا له و رأي تحصله بالاضافة و روية نور الله سبحانه فيه و هذا حيث كون الشيء ظهور الله و نوره و آيته الكاشفة عن ظهوره و اسمه و صفته ففي هذا النظر جميع ماسواه سبحانه اسمه و صفته كماقيل ليس الا الله و صفاته و اسماؤه و في الدعاء ايكون لغيرك من الظهور ما ليس لك حتي يكون هو المظهر لك فلما رأي7 امرا وحدانيا قدمه علي جهات الكثرة و التفصيل في توسله ثم نظر الي ذلك الامر الواحد فرأي ان له اربعة حيوث فانه عرش التجلي و الظهور قد استوي عليه رحمن الوجود الحق بجميع مقاماته التي ذكرنا فالوجود الحق بجميع مقاماته تجلي بهذا العرش و هو عرش التجلي و الظهور و له اربعة اركان ركنان يمينيان و ركنان يساريان فاليمينيان هما الركنان اللذان يعبر عنهما في الطبيعي بالمادة النوعية و الصورة النوعية و الحل الاول و العقد الاول و في الالهي بالباطن و الباطن من حيث البطون و بالنور الابيض و الاصفر من اركان العرش و اليساريان هما الركنان اللذان يعبر عنهما في الطبيعي بالمادة الشخصية و الصورة الشخصية و

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 94 *»

الحل الثاني و العقد الثاني و في الالهي بالظاهر و الظاهر من حيث الظهور و النور الاخضر و النور الاحمر من اركان العرش فيقوم العرش بهذه الاركان فلمانظر الامام7 الي عرش الظهور و مقام النور رأي ان له اربعة مقامات الباطن و الباطن من حيث البطون و الظاهر و الظاهر من حيث الظهور و قد استوي عليه الرحمن فلما ان فرغ من توسله بالرحمن الذي هو جهة واحدية توسل بعرش الظهور فتوسل بباطنه اولا و هو مقام الرحمة علي ما بينا و شرحنا و هي كالمادة النوعية لعرش الظهور و التجلي ثم توسل بالباطن من حيث البطون و هو كالصورة النوعية في الطبيعي فلاجل ذلك اتي به علي صيغة الجمع لانه مقام الكثرة بالنسبة فتوسل بالكلمات ثم اراد ان يتوسل اليه بالظاهر من حيث الظهور و هو الركن الثالث من اركان عرش التجلي و مقام اجمال الظاهر الذي هو كالمادة الشخصية لمولود التجلي فاتي بلفظ المفرد و توسل بالكمال و اعلم ان في دعاء ابن طاوس في ايام شهر رمضان قدم الكمال علي الكلمات فذكر الرحمة ثم الكمال ثم الكلمات ثم الاسماء علي انه ذكر المادتين اولا ثم الصورتين او علي ان الرحمة هي المادة النوعية و الكمال هو الصورة النوعية و هما لتغيبهما مفردان و الكلمات هي المادة الشخصية و الاسماء هي الصورة الشخصية لان الشخص بالنسبة الي النوع بمادته و صورته متكثر كائنا ماكان بالغا مابلغ و لكل وجه وجيه يتكل عليه النبيه فعلي تلك النسخة الرحمة مقام الابهام المحض و المادة النوعية كما قدمنا فلما تمثلت و تعينت كانت كمال الله سبحانه المعين فان الرحمة آيتها الامكان و الكمال آيته الوجود المخلوق من الامكان فعلي هذا الاعتبار جعل الكمال مقام بطون الباطن و الكلمات الظاهر و الاسماء مقام ظهوره و اعلم ان الحكمة في الاشياء تختلف بحسب اختلاف الانظار و في كل نظر لها اعتبار معتبر الا تري ان زيدا من حيث ابنه يطلق عليه الاب و يشمله احكام الاب الواردة في الكتاب و السنة و يتعلق به حقوقه و من حيث ابيه يتعلق به احكام الابن و حقوقه و يطلق عليه اسمه و من حيث اخيه يطلق عليه اسم الاخ و يتعلق به احكامه الواردة في الكتاب و السنة و حقوقه و هكذا و ليس ان الحكمة في هذه الجهات

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 95 *»

غير معتبرة و مخلوقة مفتراة فافهم فالكمال علي اي حال في اللغة اسم الصفة و الكامل التام الاجزاء و في اصطلاحنا الكمال فوق التمام و الناقص دون التام فعندنا الاشياء علي ثلثة اقسام قسم لطيفته اي روحانيته و جهته الي مؤثره اقل  من كثيفته اي الغلبة لجهة انيته و جهته الربوبية مغلوبة مقهورة فنسميه بالناقص فانه لايجد بنفسه خيرا و لايقدر علي شيء من حيث نفسه و يحتاج الي مكمل و متمم و انما ذلك كالحجر الغاسق الذي هو مركب من العناصر الاربعة الا ان النار فيه ضعيفة جدا بحيث لم‌تسخن نفسه فضلا عن غيره و لم‌تظهر نفسه فضلا عن غيره فهذا من هذه الجهة وجود ناقص يحتاج في السخونة و الظهور الي مضيء غيره و نار سواه و قسم روحانيته و لطيفته تساوي نفسه يعني تكون فيه بقدر كفاية نفسه لاتفضل عنه حتي تسري الي غيره او تؤثر في سواه و انما ذلك في الضياء كالجمرة فانها من حيث الروحانية و النار بلغت مبلغا تظهر نفسها ولكن ليس لها روحانية فاضلة تؤثر في غيرها و تضيء غيرها فهي في الليلة الظلماء ظاهرة للعين غير مظهرة لغيرها و هذا القسم من الوجود هو الوجود التام الواجد لما يتم به وجوده و كونه و قسم روحانيته و لطيفته فاضلة علي نفسه و عن كفاية انيته يعني انه ظاهر في نفسه مظهر لغيره بفضل لطيفته و انما هو كالسراج فانه ظاهر في نفسه مظهر لغيره بفضل ناريته التي فيه و لكل درجات و هي في هذا القسم ابين فان ادني السراج مثلا ما يضيء قليلا من حوله و اقوي منه ما يضيء اكثر و اكثر و اكثر الي ان يصير كالشعلة ثم كالقمر ثم كالشمس المضيئة للعالم و هكذا الدرجات تترقي و المراتب تتفاضل و هذا القسم  عندنا هو الوجود الكامل و نسمي ذلك النور الفاضل المنبث بالكمال للسراج كما شرحنا ذلك في كتابنا السراج المنير فدرجات الكمال تختلف باختلاف قوة لطائف الكاملين الي ان من البين ان اكمل الكاملين الذي ينير بفاضل نوره العالمين اي الالف الف عالم و الف الف آدم فهو الكامل الذي كامليته كاملية الله و كماله كمال الله اذ ليس هو لنفسه و انما

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 96 *»

هو بذاته و صفاته لله سبحانه فهو بذاته كاملية الله و بوصفه كمال الله الذي لا غاية له و لا نهاية فاذا كان مقام الكامل مقام الوجود الحق المقدم فجميع مادونه كماله جل جلاله و اعلم ان بين الوجود الحق و الوجود المطلق كما بينا مقام الاسماء و الصفات كما سنشرحه في الفصل الآتي ان شاء الله و هذا المقام كما بينا له مقامات اربعة كما شرحنا في تكون الكلمة سابقا و السحاب من ان اولها مقام الرحمة و النقطة ثم مقام الالف اللينية و الرياح ثم مقام الحروف و السحائب المزجاة ثم مقام الكلمة و الركام فهذه العرصة البرزخية اي عرصة الاسماء ايضا لها هذه المراتب الاولي مقام الرحمة و النقطة كما مر و الثانية الالف اللينية و الرياح و هي مقام الكلمات باعتبار و مقام الكمال باعتبار ثم مقام الحروف و السحائب المزجاة و هو مقام الكمال باعتبار و مقام الكلمات باعتبار كما مر ثم مقام الكلمة و الركام و هو الاسم التام الخلقة الكامل المراتب كما سيأتي ان شاء الله بالجملة لما فرغ7 من التوسل بالحرمة التي هي مقام باطن الاسماء و معناها و من الكلمات التي هي مقام حيث البطون و الرقيقة بين الباطن و الظاهر علي اعتبار اراد ان يتوسل بكماله سبحانه الذي هو مقام الظاهر فنظر الي جميع ماسوي الوجود الحق بهذا اللحاظ و رأي ان جميع ماسواه سبحانه فاضل ذلك الوجود لاوجود له الا حين رؤية وجود الحق فيه بحيث انه بكل اعتبار لا شيء الا من حيث رؤية وجود الحق فانه بهذا الاعتبار موجود ثابت كما ان النور نور اذا رأي فيه و منه المنير بحيث لو قطع النظر عن المنير هو لاشيء محض و آية ذلك الواضحة شبحك في المراة فانه موجود اذا رأيت وجهك فلو قطعت النظر عن اعتبار وجهك ليس بشيء ابدا فالشبح ليس الا نسبتك و ظهورك و كمالك و كذلك جميع الموجودات بالنسبة الي كينونة الكائن الاول فرأي جميعها كماله سبحانه و رأي ان بعضها احكي من بعض و بعضها اشد اضمحلالا من بعض عند الوجود الحق جل شأنه و رأي انه كل ما اشتد اضمحلالها اشتد استقلالها و تأصلها و كونها حاكية له جل جلاله و رأي ان الوجود المطلق من حيث الائية و الاسمية لله سبحانه احكاها و اشدها اضمحلالا فهو اشدها استقلالا حتي انه قائم بنفسه

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 97 *»

موجود بنفسه و ان كان لغيره فرآه اكمل الكمالات و اعلي التجليات فتوصل الي الله سبحانه به و توسل اليه بالتوجه اليه به فقال اللهم اني اسألك من كمالك اي من صنوف كمالك باكمله و هو الوجود المطلق القائم بنفسه لربه و الغني عماسواه الابدي الازلي لا من حيث انه هو فانه ليس من حيث نفسه بكمال لله سبحانه بل من حيث اضمحلاله و تلاشيه في جنب سطوع نور ربه و هو بكله مضمحل متلاش لا ذكر لنفسه ثم استدرك بان كل كمالك اي كل افراد كمالك كامل و افراد الكمال جميع ذرات الموجودات من حيث آئيتها لله سبحانه و من حيث نوريتها له فكلها من حيث ربها كاملة في محلها و مقامها لايجوز تغييرها عما هي عليه فكل ذرة من ذرات كماله في حده و مقامه كامل واقع علي احسن وجه يكون و علي اجمل وضع و اكمل نظم فكل كماله كامل بهذا الاعتبار و اما باعتبار ما ذكرنا من ان الكامل ما له فضل بخلاف التام و الناقص فيقول كل كمالك كامل له فضل و نور و كمال آخر و ذلك الكمال ايضا كامل و له كمال و هكذا الي ما لانهاية له و مثال ذلك اذا قابلت بمرآتين و وضعت بينهما شاخصا فان عكس الشاخص يقع في احديهما و منها يقع في اخري ثم يتعاكس كل عكس الي ما لانهاية له فكل عكس له عكس و لعكسه عكس و لعكس عكسه عكس و هكذا فكل موجود في ملك الله لايخلو من صفة و كل ذي صفة لايخلو من مثال و عكس و خيال و ذلك الي ما لانهاية له و يقع عكس كل شيء في كل شيء و من كل شيء علي كل شيء الي ما لانهاية له فعلي هذا كل كمال الشيء كامل بالنسبة الي مادونه فقال7 و كل كمالك كامل فاللهم اني اسألك بكمالك بافراد كمالك و ذرات كمالك التي ليس شيء سواها و انما انت انت و كمالك كله و ادخل عليك من جميع ابواب الموجودات و اتوجه اليك بكلها و اسألك بكلها حتي استحق ما يستحق كلها فتعطيني ما تعطي كلها و لما ان وصلت الي هذا المقام تذكرت معني شريفا و هو ان الامام7 هو مؤثر جميع ماسواه و نسبة جميع ماسواه اليه نسبة الكلام الي المتكلم

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 98 *»

و القيام الي القائم فان جميع ذلك نوره و شعاعه و ان الله سبحانه خلقهم اولا ثم خلق ماسواهم من نورهم و شعاعهم و بذلك سمي الله جل و عز نبيه بالسراج المنير و كني عنه بالشمس و الاحاديث بذلك مشحونة فاذا لايتحرك متحرك من آثارهم الا بهم و لايسكن ساكن الا بهم كما في الزيارة بكم تحركت المتحركات و سكنت السواكن فاذا حركة جميع ماسوي الله حركتهم و سكون جميع ماسوي الله سكونهم و معلوم عند اهل المعرفة ان جميع ماسوي الله في مقام الكون قد دان لله بالعبودية و اقر له بالوحدانية و سبح لله بحمده و ان من شيء الا يسبح بحمده و كل قد علم صلوته و تسبيحه فدينونة الكل دينونتهم و تسبيح الكل و صلوتهم تسبيحهم و صلوتهم فهم يسبحون الله بكل لسان و يصلون بكل صلوة و يسألون الله بكل لسان و هو احد معاني بنا عبد الله و لولانا ماعبد الله و اشهد انك قد اقمت الصلوة و آتيت الزكوة و امرت بالمعروف و نهيت عن المنكر و اطعت الله و رسوله حتي اتاك اليقين و قال7 انا صلوة المؤمنين و صيامهم ان ذكر الخير كنتم اوله و اصله و فرعه و معدنه و مأواه و منتهاه نحن اصل كل خير و من فروعنا كل بر فكل دعوة دعوتهم و كل عمل حسن عملهم و كل سؤال سؤالهم لايري فيها نور الا نورك و لايسمع فيها صوت الا صوتك فاذا قال مؤثر الكل اللهم اني اسألك بكل كمالك او بكل كلماتك و امثال ذلك يريد به في المقام الاعلي انهم السنة دعوتي و اني انا سائلك بكل تلك الالسنة و داعيك بكل تلك العزيمات و المتوجه اليك بكل تلك الوجوه فيكون المسئول به هو آلة السؤال فاذا انا سألتك بتلك الالسنة استحق منك ما تستحقه و ارجو منك ان تعطيني ما تعطيها و لاينافي ذلك كون المسئول به اسماء الله و صفاته فان جميع ماسوي الله سبحانه سائل منه راج فضله محتاج اليه سبحانه و يختلف الدعوات و السؤال بحسب اختلاف الداعين و يختلف الحاجات بحسب اختلاف المحتاجين و هذا المعني من الاسرار العظيمة فان فهمته فاشكر و استر و الا فكم من آية في السموات و الارض يمرون

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 99 *»

عليها و هم عنها معرضون و لتكن هذه منها بالجملة المراد الظاهر ان جميع ماسوي الله جل جلاله كماله كماعرفت و انواره و منها ما هو اكمل و هو الذي ماسواه من نوره و فضله و هو الوجود المطلق من حيث الائية و النسبة الي الوجود الحق بالفضلية و كونه ظهوره و وجوده المعين و منها ما هو كامل و هو سائر آثاره و انواره لكن من حيث الظهورية كما عرفت.

و اما الباطن منها فان كمالات الله جل جلاله آل محمد: فانهم الظهور الكامل الحاكي لجميع شئون الربوبية القائم في سائر عوالمه باعباء الربوبية القائم مقامه في الموصوفية بجميع الصفات الكمالية فانه سبحانه من حيث ذاته اجل من ان يوصف و اعظم من ان يعرف و انما يوصف المقترن بالوصف لشهادة الصفة و الموصوف بالاقتران و التضايف و الذات القديمة لاتقترن بغيرها و لاتضايف مع سواها لانها احدية المعني ليس فيها ذكر غيرها و اول مثني كان هو اول ماخلق الله جل جلاله و هو بالاجماع نور محمد و اله المتحدين معه صلوات الله عليهم اجمعين فهم الموصوفون المنسوب اليهم كل صفة كمالية و كل اسم خير ان ذكر الخير كنتم اوله و اصله فهم كمال الله سبحانه و كامليته جل جلاله التي كل نور و خير و فضل و جود منسوب اليها و منها و بها و بهم عرف نفسه بالفاضلية و الخالقية لماسواه كائنا ماكان و بالغا مابلغ قال الباقر7 اول ماخلق الله نور نبيك يا جابر خلقه الله ثم خلق منه كل خير الخبر و كل شيء بلحاظ الظهورية لله سبحانه خير فخلق منه كل شيء قال الصادق7 خلق الله المشية بنفسها ثم خلق الاشياء بالمشية قال الباقر7 نحن امره و حكمه و في حديث طارق فهم سر الله المخزون و اولياوه المقربون و امره بين الكاف و النون لا بل هم الكاف و النون الي الله يدعون و عنه يقولون و بامره يعملون الي ان قال هم كذا و كذا و صراط الحق و عصمته و مبدء الوجود و غايته و قدرة الرب و مشيته و في خطبة لعلي7 ايها المحجوب عن شأني الغافل عن حالي

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 100 *»

ان العجائب آثار خواطري و الغرائب اسرار ضمائري الي غير ذلك  من البراهين الواضحة فهم: كمال الله سبحانه و كامليته و كل نور نورهم و كل فضل فضلهم و كل آية ايتهم و كل اسم اسمهم و كل وصف وصفهم و ما يضاف اليهم هو المضاف الي الله سبحانه لانهم هم جهة اضافته و نسبته و كونه مضافا اليه لما يضاف اليه ففي البرهان عن الكليني بسنده الي حمزة بن بزيع عن ابي‌عبدالله7 في قول الله عزوجل فلما آسفونا انتقمنا منهم فقال ان الله عزوجل لايأسف كاسفنا ولكنه خلق اولياء لنفسه ياسفون و يرضون و هم مخلوقون مربوبون فجعل رضاهم رضا نفسه و سخطهم سخط نفسه لانه جعلهم الدعاة اليه و الادلاء عليه فلذلك صاروا كذلك و ليس ان ذلك يصل الي الله كما يصل الي خلقه لكن هذا معني ما قال من ذلك و قد قال من اهان لي وليا فقد بارزني بالمحاربة و دعاني اليها و قال من يطع الرسول فقد اطاع الله و قال ان الذين يبايعونك انما يبايعون الله يد الله فوق ايديهم فكل هذا و شبهه ما ذكرت لك و هكذا الرضا و الغضب و غيرهما من الاشياء مما يشاكل ذلك و لو كان يصل الي الله الاسف و الضجر و هو الذي خلقهما و انشأهما لجاز لقائل هذا ان يقول ان الخالق يبيد يوما لانه اذا دخله التغيير لم‌يؤمن عليه الابادة ثم لم‌يعرف المكوِن من المكوَن و لا القادر من المقدور عليه و لا الخالق من المخلوق تعالي عن هذا علوا كبيرا بل هو الخالق للاشياء لا لحاجة فاذا كان لا لحاجة استحال الحد و الكيف انتهي فتدبر في هذا الحديث الشريف و لحنه7 و اعلم ان محمدا و آل محمد: هم جهة اضافته سبحانه و جهة نسبته فكل ما يضاف الي الله فبالاضافة اليهم و كل ما يضاف اليهم فهو مضاف الي الله سبحانه و كل ما يمتنع اقترانه مع الاحد و هو نور و خير و كمال فهو مقترن بهم فهم لماذكرنا و لما لم‌نذكره كامليته سبحانه المطلقة كيف لا و يقول علي7 في وصفهم كيف و هم النور الاول و الكلمة العلياء و

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 101 *»

التسمية البيضاء و الوحدانية الكبري التي اعرض عنها من ادبر و تولي و حجاب الله الاعظم الاعلي الي ان قال الامام يا طارق بشر ملكي و جسد سماوي و امر الهي و روح قدسي و مقام علي و نور جلي و سر خفي فهو ملكي الذات الهي الصفات زائد الحسنات عالم بالمغيبات خصا من رب العالمين الخبر فهم كمال الله سبحانه الذي لايرام و قد سأل الامام7 ربه فقال اللهم اني اسألك من صنوف كمالك و افراده محمد و آل محمد: باكمله و انفذه فيماسواه و انوره و هو محمد9 فانه آية الرب الاحد جل جلاله و كل كمال و خير له و كل كمالك كامل اي كل المعصومين صلوات الله عليهم اجمعين علة تامة للكائنات و هي شعاعهم و نورهم و هم نور واحد و روح واحد فاللهم اني اسألك بآل محمد الذين لافرق بينك و بينها اللهم الا انهم عبادك و خلقك كلهم صلواتك عليهم اجمعين او الاكمل هو علي7 فان النبي9 غيب ممتنع لايدرك و هو وجه الخطاب و غيبوبة رب الارباب فهو الصورة‌ الظاهرة له9 القائم مقامه في الظهور و هو اكمل آل محمد: كما مر مكررا اما في مقام الكلية او الشخصية مع السائرين او الاكمل هو آل محمد: كلهم فان ما يجري علي واحد منهم يجري علي كلهم و هم نور واحد و حقيقة واحدة فهم باجمعهم اكمل كمال الله جل جلاله و النور نورهم و الظهور ظهورهم لا نفرق بين احد منهم و سائر الكمالات هو سائر الموجودات و لكل ذرة منها كمال بالجملة بهذا و شبهه يفسر امثال هذه الفصول فتدبر و نحن نبين ما نبين علي نحو الاشارة لان غرضنا الاختصار لتغير الديار و غلبة الاشرار و الا لكان للقول و البسط في كلماتهم مجال لان الكلام دليل عقل المتكلم و هم لاغاية لفهمهم و لا نهاية صلوات الله عليهم ما نطق ناطق و ذر شارق.

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 102 *»

الفصل التاسع

قال7 اللهم اني اسألك من اسمائك باكبرها و كل اسمائك كبيرة اللهم اني اسألك باسمائك كلها.

اعلم انه سئل الرضا7 عن الاسم فقال صفة لموصوف و قال ابوجعفر7 ان الاسماء صفات وصف بها نفسه و عن اميرالمؤمنين7 ان الاسم ما دل علي المسمي فالاسم صفة تدل علي الموصوف و هما امران اضافيان لان الموصوف ما له صفة اي الذات الظاهرة بالموصوفية هي ما لها صفة ثابتة فلايكون الموصوف موصوفا الا عند ثبوت الصفة له و عند ملاحظتها مقترنة به و الصفة ما يكون وجوده تابعا للموصوف به و ليس له استقلال فيكون ذاتا غنية عن غيرها فلاصفة الا حال تبعيتها لغيرها و قيامها بغيرها فلو لوحظت بالنسبة الي نفسها او الي مادونها فهي ذات اضافية فلاجل ذلك قال اميرالمؤمنين7 و شهادة الصفة و الموصوف بالاقتران و شهادة الاقتران بالحدث الخبر و قال7 فمن وصف الله سبحانه فقد قرنه و من قرنه فقد ثناه و من ثناه فقد جزاه و من جزاه فقد جهله الخبر فهما مقترنان و الاقتران افتعال و فيه معني الانفعال و القبول للقرن و الظهور به و الانفعال و يشهد بان له قارنا هذا و قد ثبت في الحكمة ان كل ما وجد الصفة في نفسه هو متصف منفعل بها لانه كائنة ماكانت غير الموصوف بها فالموصوف من حيث نفسه ليس فيه ذكر صفة و لايسمي بالموصوف و انما هو صالح لها و الا لماكان يتصف بها فالصفة عارضة عليه خارجة من قوته الي الفعلية بفعل مخرج آخر و يمكن وجودها و يمكن زوالها و كل ما هو كذلك ممكن حادث فالمقترن هو الموصوف بالاقتران و يمكن ان يقترن و يمكن ان لايقترن فالاقتران يشهد بالامكان الممتنع عن الواجب و الحدوث الممتنع عن الازل فالصفة و الموصوف يشهدان بالاقتران و الاقتران يشهد بالانفعال و الانفعال يشهد بالحدوث و الحدوث يمتنع عن الازل فكل ذي

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 103 *»

صفة كائنا ما كان بالغا ما بلغ حادث مصنوع فالذات الازلية يمتنع عليها الموصوفية و الاقتران بصفة هي غيرها بلاشك و لذا قال الله سبحانه سبحان ربك رب العزة عما يصفون و قال اميرالمؤمنين7 كمال التوحيد نفي الصفات عنه و وجوب نفي الصفات عن الذات من بديهيات مذهب آل محمد: و من تتبع الادعية و الخطب و الاخبار يجد ذلك متواترا بلاغبار.

بقي كلام و هو ان الصفة التي هي غير الذات منفية عنها البتة و ذلك لاشك فيه ثم هل هناك صفة اخري تكون عين الذات ام لا و قد عنون في الكافي بابا بل ابوابا في اثبات الصفات الذاتية و اورد اخبارا ناصة علي ذلك و في الايات و الادعية و الخطب نصوص عامة علي ان الذات منفي عنها الصفات و قد سمعت بعضها و فهم ذلك و الجمع بينها مما قد اشكل علي الحكماء و العلماء و لو اعرتني لبك اسمعتك تغريد الورقاء علي الافنان بفنون الالحان و لاقوة الا بالله ولكن بشرط ان تنظر بنور الله فان لكل مطلب مشعرا خاصا به لايدرك الا به و هذا مما لايدرك الا بالفؤاد اعلم ان من البديهيات المسلمة التي لاتحتاج الي زيادة دليل و لاتقبل التأويل و بانكارها يخرج الانسان عن الاسلام فضلا عن الايمان ان الله جل شأنه احد لايثني و لايجزا لا في الخارج و لا في الذهن لان المثني مركب و المركب مقترن بعض اجزائه ببعض و يقوم الشخص الثالث بجزئيه البتة فهو حادث فلايجوز ان يكون الذات الاحدية في الخارج مثناة البتة و اما في الذهن فانه ان كان يوافق الواقع فيأتي المحذور و ان كان يخالف الواقع فهو كذب و ليس في الكذب حكمة و لايبني الحكيم عليه امرا و لايفرع عليه تفريعا فاذا الاحد ما ليس له جزء و جزء و فرض و فرض و حيث و حيث و اعتبار و اعتبار و لحاظ و لحاظ و نظر و نظر بوجه من الوجوه لا في الخارج و لا في الذهن و من زعم فيه شيئا من ذلك اخرجه من الاحدية الي حدود الكثرة و من الازلية الي الحدوث و ذلك اصل منكره منكر الاحدية التي بناء الاسلام عليها فاذا سلمت لذلك فاقول ان الصفة التي تقول انها عين الذات هل هي لفظ مرادف مع لفظ الذات يسمي بهما امر احدي ليس فيه

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 104 *»

حيث و حيث و اعتبار و اعتبار و فرض و فرض ام له معني آخر غير معني الذات فان كان لفظ الصفة مرادفا مع لفظ الذات و معناه متحدا مع معني الذات اتحادا احديا فلانزاع في ذلك و لا انكار من موحد و ان لم‌يكن في ذلك لله تعظيم و لا له و لك فيه فائدة و ان كان لها معني آخر فاولا هو محال في عقل الحكيم ان يكون شيء مبائن لشيء آخر عين ذلك الاخر من كل جهة و ثانيا يزول بذلك الاحدية الثابتة المسلمة و يأتي الوحدة الشخصية و في ذلك بطلان التوحيد بالكلية و لا اظن عاقلا يرضي بذلك فاذا ليس هذان المعنيان بجائزين في هذا المقام و لايمكن ان يكون مراد الامام7 من الصفة احد هذين اما المعني الثاني فظاهر و اما المعني الاول فانه ليس في اتحاد معني اللفظين المترادفين تعظيم لله سبحانه و ليس في ذلك اثبات كمال له جل جلاله فلابد و ان يكون له معني آخر لاينافي الاحدية و يكون لله سبحانه فيه تعظيم و فهم ذلك مشكل جدا و نحن نذكره هنا علي نحو الاختصار بحول الله و قوته ان شاء الله.

اعلم ان جميع ماسوي الاحد جل شأنه ظهوره و نوره ظهر له به و تجلي له به و هو صفته التي وصف نفسه لها بها و سمته التي تسمي لها بها و من اجل ذلك قالت الحكماء ليس الا الله و صفاته و اسماؤه و في الدعاء ايكون لغيرك من الظهور ما ليس لك حتي يكون هو المظهر لك و في دعاء ايام الاسبوع لايري فيها نور الا نورك و لايسمع فيها صوت الا صوتك و لهذه الصفات مقامان مقام لها اي لكل واحدة اعتبرت منها ضد وجودي هو ايضا وصف لله سبحانه تجلي له به و تسمي عنده به و مقام ليس له ضد وجودي بل ضده ممتنع فالاول كقولك ان الله سبحانه خلق و لم‌يخلق و رزق و لم‌يرزق و شاء و لم‌يشا و اراد و لم‌يرد و امثال ذلك فكما ان خلق صفة من صفاته قد تجلي بها لم‌يخلق ايضا صفة منه قد تجلي بها فتقول ان الله خالق زيد و ليس بخالق عمرو الذي لم‌يخلقه و لم‌يوجده و ان كان قادرا علي ان يخلقه فهذا النوع من الصفات صفاته سبحانه في مقام الواحدية و لها مواقع خلقية تنتهي اليها و تقترن بها و تلك المواقع

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 105 *»

رؤس المشية و شئونها و فيها ما قال الصادق7 من عرف مواقع الصفة بلغ قرار المعرفة و اما الثاني فهو صفات عامة جارية في جميع ماسوي الاحد جل شأنه بلانهاية فليس لها اضداد وجودية بل هي ممتنعة فلايجوز ان يتصف الله سبحانه بها اي بالممتنعة كالقادر فانه صفة عامة تعم ماسواه سبحانه و ضده الذي بالنسبة الينا العاجز بالنسبة اليه سبحانه ممتنع فلاضد له بالنسبة اليه فلايوصف به الله جل جلاله و ان كنا نحن نتصف بضده فان ضد القدرة المتناهية المتعينة التي نتصف بها نحن صفة وجودية يمكن ان نتصف به و ليس القدرة التي نصف الله جل جلاله به تلك القدرة المتعينة و كذلك العلم غير المتناهي الذي يوصف به الله سبحانه فانه لاضد له و لايوصف الله بالممتنع و اما العلم المتناهي الذي نتصف به نحن فضده الجهل و هو صفة وجودية و يمكن ان نتصف به و هكذا السلطان و الولي و الرب و الملك و القاهر و الغالب و العزيز و القديم و الازل و الدائم و امثالها و اما بعض الصفات الذي يترائي انه ليس بعام كالبصير و السميع و امثالهما فهي شئون صفة عامة كما ان هذين شأنان من العلم فهذا النوع من الصفات صفاته سبحانه في مقام الاحدية الوصفية و يرجع جميع افراد هذا النوع الي الاحد فان الاحد هو هكذا و لا هكذا غيره اذ كل ماسوي الاحد مثني و كل مثني مركب من نفي و اثبات اي نفي وجودي و هو النفي المشار اليه في قول الصادق7 النفي شيء و ذلك ان الماهية نفي الوجود و لولا انها نفيه لم‌يتحقق التثنية فاذا تركب من نفي وجودي و اثبات و هما ظهوره سبحانه و تجليه فقد اتصف الله سبحانه لديه بالنفي و الاثبات معا و هما كمالان له جل جلاله و اما الاحد فهو الذي لا ضد له و لايمكن ان يتصف الله سبحانه لديه به و بنفيه اذ لا نفي له فالصفات التي لا ضد لها جميعها ظهورات الاحد و شئونه يعني هي صفات اخذت الفاظها من عرصة الخلق و جهاته العامة التي لا ضد لها فوصف الله جل و عز في مقام الاحدية الوصفية النافذة في الكل بها لعموم الصفة في الكل بخلاف الصفات الاول فانها و ان اخذت الفاظها من عرصة الخلق الا انها لجهات غير عامة فان وصفت الله

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 106 *»

بشق فتصفه في مقام الواحدية الظاهرة في تلك الجهات الخاصة فتصف الواحدية الخاصة بصفة خاصة و ان وصفته بالشقين فتصفه في مقام الاحدية النافذة في الشقين و هذا القسم من الصفات تسمي بالذاتية لانك تصف بها الاحدية التي هي الذات الظاهرة النافذة في الذوات و هي كلها تعبيرات عن الاحد و اثبات له عند التحقيق كما ان السمع و البصر تعبيران عن العلم اذ السمع هو العلم بالاصوات و البصر هو العلم بالالوان و الاشكال فالعليم غير المتناهي هو سميع بصير خبير شاهد رقيب حاضر و هكذا فكذلك جميع الصفات التي لا ضد لها تعبيرات عن الاحد و الاحد هو القادر القاهر الملك الولي الحي العليم الرب السلطان المهيمن الصادق النور الحق القديم الدائم الازلي الابدي و هكذا و من قال بالاحدية فقد قال بجميع تلك الصفات كما ان من قال بالعلم فقد قال بجميع شئونه و تلك الشئون ليست تنشأ من نفس الاحد و انما تنشأ من نفس المتعلقات حين الاضافة فتقول انه بصير حين تري في الملك الالوان و الاشكال و تقول انه سميع حين تري في الملك الاصوات و هكذا في البواقي و اما القول بهما مع قطع النظر عن الاضافة فتعبير عن اثبات الحد الجامع غير المتناهي و اقرار بعدم تناهيه اذ لو قلت انه ليس بسميع فقد حددت العلم افهم ما اقول لك فتقول بهذه الصفات ابانة لعدم تناهي الحد الجامع فلاجرم تثبتها قبل الاضافة و تتدارك اثباتها بانه يبصر بالذي يسمع و يسمع بالذي يبصر فهو سميع بكله و بصير بكله فاذا لاتعين فيه لبصر و لا لسمع فاذا هو علم محض و ادراك مطلق و كذلك اذا ضممت الي العلم القدرة و الولاية و الربوبية و الغلبة و العزة و الكمال و امثالها فاذا لاتعين لشيء منها يمتاز به عن الاخر فاذا هو احد لاتعين له و لاتناهي فرجع جميع ذلك الي معني الاحد اذ هو الذي هو اوجد في مكان كل شيء من كل شيء و هو اولي بكل شيء من كل شيء فهو علم لاجهل فيه و قدرة لاعجز فيه و نور لا ظلمة فيه و حيوة لا موت فيه و وجود لاعدم فيه و عزة لا ذل فيه و كمال لانقص فيه و هكذا كما سأل الزنديق اباعبدالله7 و قال اتقول انه سميع بصير فقال ابوعبدالله7 هو سميع بصير سميع بغير جارحة و بصير بغير آلة بل يسمع بنفسه و يبصر بنفسه و

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 107 *»

ليس قولي انه سميع يسمع بنفسه و يبصر بنفسه انه شيء و النفس شيء آخر ولكني اردت عبارة عن نفسي اذ كنت مسئولا و افهاما لك اذ كنت سائلا فاقول انه سميع بكله لا ان كله له بعض لان الكل لنا له بعض ولكن اردت افهامك و التعبير عن نفسي و ليس مرجعي في ذلك كله الا الي انه السميع البصير العالم الخبير بلا اختلاف الذات و لا اختلاف المعني الخبر و انت لو تدبرت في هذا الحديث الشريف و تفكرت في ان تعرف سمعا هو عين بصر و بصرا هو عين القدرة مثلا و قدرة هي عين الحيوة مثلا و هكذا لعرفت انها كلها تعبيرات عن ذات احدية بلا اختلاف الذات و لا اختلاف المعني و انما يراد بكلها انه سبحانه احد اولي بكل شيء من كل شيء و اوجد في كل شيء منه و نافذ في جميع الامكنة الوجودية و هذه الصفة الزمتنا ان نعبر عنها في مقام الاسماء بالاسماء العامة و اثباتها في الذات علي معني التعبير عن ذلك الامر الذي اشرنا اليه فلما كان اثبات جميع ذلك مع تداركها الذي ينفي توهم الكثرة لاثبات الاحدية فمرجع جميع ذلك الي الاحد و الاحد هو الذات لعدم قيامه بغيره و تبعيته لسواه فالصفات المذكورة ذاتية الا ان هذه الذات هي الذات الظاهرة التي دل عليها بها و هي الذات في الذوات للذات التي يقال لها صاحبة الصفات و الطاوية للكينونات و النافذة في جميع الذوات و هذا المقام من مقامات التوحيد و ليس عنه ببعيد و لذلك قال الامام7 كمال توحيده نفي الصفات عنه

خليلي قطاع الفيافي كثيرة

ولكن ارباب الوصول قليل

فان فهمت فقد اسمعتك بحول الله و قوته تغريد الورقاء علي الافنان و الا فقل:

قد يطرب القمري اسماعنا

و نحن لانعرف الحانه

فلنرجع الي ما كنا فيه و هو ان الاسم هو الصفة فجميع ماخلق الله سبحانه من حيث انها تجليه اسماؤه سبحانه قد تسمي بها لديها فان الاسم هو الصفة و المسمي هو الموصوف و الموصوف كماقال الامير7 مقترن بالصفة فالاسم من حيث اضمحلاله لدي الذات مسمي و من حيث دلالته عليه هو الاسم فالاسم ما دل

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 108 *»

علي المسمي و قد اثبتنا في موقعه في علم الاصول ان المدلول هو شبح منفصل عن المعني منطبع في الدال فلو كان المدلول فوق شهادات الدال لفني دونه و تفسخ و ما دل عليه فالمدلول هو شبح المعني المنطبع في مراة الدال فهو اعلي اذكار الدال و حيث آئيته للمعني فالاسماء تختلف مراتبها بحسب اختلاف الموجودات الخارجة من قوة امكانها بفعلية تلك الاسماء المرجحة لوجودها المكملة اياها المخرجة اياها من القوة الي الفعلية و ذلك ان الاسماء موجودات لافقدان لها و فعليات لاقوة فيها و كمالات لله سبحانه يمتنع عدمها و تلك الاسماء هي اعلي درجات تلك القوي و اعلي اذكارها و حيث ربها الموجود بالفعل ابدا فاعماق تلك القوي منزجرة بتلك الاسماء ابدا الا انها من حيث انفسها لها امكانات و قوي فمن الاسماء ما هو اعظم بالنسبة الي الاخر و منها ما هو اصغر و ذلك ان منها ما هو اجمع و اعم و منها ما هو اخص كما سمعت من اعمية العلم و اخصية السمع و البصر فماكان من الاسماء اعم و اجمع فهو اكبر و ماكان منها اخص فهو كبير و كل اسماء الله سبحانه كبيرة فانه ليس منها اسم الا و دونها اسماء بلانهاية فكلها كبيرة الا ان بعضا منها اكبر من بعض او ان جميع اسمائه كبيرة بحسب النفوذ و الزجر و كمال التأثير في المتعلق فلايقدر متعلقه عن التخلف عن مقتضاه و عن المطاوعة له فيقع مقتضاه لامحالة و اكبر الاسماء ما ينقاد له كل شيء و يطاوعه كل مخلوق فينزجر به العمق الاكبر و يصدر منه جميع الاثار و هو الاسم الاعظم فلمااراد7 قضاء حاجته و بلوغ مآربه توسل الي الله سبحانه باسمائه و توجه اليه بها و جعلها جاهه لديه و سأله بها اي جعلها لسانه الداعي له جل جلاله و دعوتها اجل الدعوات و طلبها من الله سبحانه اعظم الطلبات فانها اثبات لانفي فيه و فعليات لاقوة فيها و وجودات لاعدم لها و مطلقات لاتقيد لها بشيء فهي واجدة من الله سبحانه ما لها من انفسها و من مقتضياتها بالكسر و مقتضياتها بالفتح و آثارها و كمالاتها المكملة ماسواها و قد اجيبت لها بها بلاترقب فاذا جعلها الداعي لسان دعوته و سأل الله سبحانه بها حصل له مراده بلاتوقف و لايحصل للداعي هذا السؤال الا عند الانقطاع عن جميع ماسواها و قطع النظر عن قواه الامكانية و التمحض فيما

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 109 *»

جعل فيه من الفعلية الاسمية فيكون اسما لله سبحانه يجري الله سبحانه به ما يشاء كيف يشاء و ذلك الكيف يحصل للاسم من هوية الداعي فيصير اسما خاصا متعلقا بحاجته قال اميرالمؤمنين7 تجلي لها فاشرقت و طالعها فتلألأت فالقي في هويتها مثاله فاظهر عنها افعاله فالسؤال الحقيقي الواقعي بالاسم الاكبر الاعظم ليس يمكن الا لاعظم الخلق و اشرفه و اوله و اما مادونه فانما يسأله بماله من ذلك الاسم و هو مخصص به حقيقة الا انه اكبر بالنسبة فسأل الله الامام7 من اسمائه باكبرها حقيقة ثم قال و كل اسمائك كبيرة محيطة بمادونها و نافذة زاجرة ماتعلقت به حاصل مقتضاها بلامهلة ثم قال اللهم اني اسألك باسمائك كلها فمن دعا الله بجميع اسمائه حصل له جميع متعلقاتها فانقاد له كل شيء و لماصبغها جميعا في نحو حاجته توجهت كلها الي حاجته و كملتها من جميع جهاتها و اعدت جميع شروطها و عللها و اسبابها و ازالت جميع موانعها فوقعت بلامهلة و ليس الدعوة بجميع الاسماء حقيقة الا شأن الجامع النافذ في الكل و اما من دونه فكل بحسبه فهذا ظاهر معاني هذه الفقرة العظيمة.

و اما باطن ذلك فاعلم ان الاسم كما عرفت هو ما دل  علي المسمي و  هو صفة لموصوف فكل ما دل علي شيء بالذات فهو اسمه و صفته تابع له سواء كان ذلك من الالفاظ المنطوقة او المكتوبة او المثل المدركة بالمشاعر الظاهرة او الباطنية او الحقائق الخارجية شهادية كانت او غيبية و ذلك انها كلها دالة علي المثل الملقاة في هوياتها المنفصلة عن فعل المعني بها و هو شبح المسمي اي الموصوف بتلك الصفة فانت اذا تدبرت في المخلوقات تجدها من حيث انفسها مرايا انطبع فيها مثال مشية الله سبحانه و المشية هي اول تجل لله سبحانه و اول ظهور له سبحانه فالاشياء هي الدالة علي ما فيها من مثال المشية و هو المدلول و هو شبح منفصل من التجلي الاعظم الاعظم الكلي سبحانه و ظهوره الاجل الاعلي الاعلي فهي كلها اسماء و سمات دالة علي تلك المثل و ذلك الظهور الجامع الاجل الاعظم هو الموصوف المسمي بهذه الاسماء و الموضوع له لتلك الاسماء فعلي ذلك جميع

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 110 *»

ماخلق الله سبحانه اسماء له جل جلاله دالة عليه فاعظم الاسماء هو اعظم الخلائق و اولها المحيط بجميع ماسواه كائنا ماكان بالغا مابلغ فاذا ليس اسم لله سبحانه اعظم من الحقيقة المحمدية و لا اجل و لا اكبر منها ثم بعده الائمة الاثناعشر و فاطمة الصديقة صلوات الله عليهم اجمعين كما روي في معني قوله تعالي و لله الاسماء الحسني فادعوه بها نحن والله الاسماء الحسني التي لايقبل الله من العباد الا بمعرفتنا ثم بعدهم الانبياء سلام الله عليهم ثم سائر الخلق كل في درجته فسأل7 ربه من اسمائه باكبرها و هو محمد9 ثم قال و كل اسمائك كبيرة و لاينافي كون كلها كبيرة كون واحد منها اكبر من الباقي ثم سأله بجميع اسمائه و توسل اليه بكلها فدعاه بلسان محمد9 ثم بلسان جميع خلقه او توجه اليه اولا بمحمد9 ثم رآه مدلولا عليه لجميع تلك الاسماء ظاهرا من كلها و اظهر من جميعها فيها فتوجه اليه بكلها كما مر في سائر الفقرات و اعلم ان الاسم علي نوعين اسم كوني لله سبحانه و هو علي ما شرحنا ما يدل عليه بسبب المثال الملقي فيه من المشية الكونية التي هي التجلي الاعظم الاول الكوني و يشترك في هذا المعني جميع الخلق فكلها اسم دال عليه سبحانه علي ما شرحنا و اسم شرعي و فيه الفخر و الذخر و هو ما يدل علي مثال المشية الشرعية التي هي التجلي الاول الشرعي لله جل جلاله فهو اسمها و صفتها الدالة عليها من حيث مثالها الظاهر فيها بالفعل الظاهر منها افعاله و التجلي الاول الشرعي هو محمد9 و قد وقع مثاله علي جميع ماسواه فلم‌يظهر الا في الطيبين فدلوا عليه و اشاروا اليه فكانوا اسماء لله سبحانه الشرعية الدالة عليه فهم الاسماء الحسني و الصفات النعمي و الامثال العلياء فبلحاظ اول الاسماء آل محمد: فانهم الادلاء عليه و الدعاة اليه كما مر في الخبر نحن والله الاسماء الحسني و بلحاظ آخر هم جهات تعلق المشية الشرعية و الاسماء هم الانبياء سلام الله عليهم و المؤمنون الكاملون البالغون مبلغ الدلالة و الدعوة فالاسم

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 111 *»

الاكبر باللحاظ الاول هو الائمة سلام الله عليهم و هم نور واحد و حقيقة واحدة و الاسماء الكبيرة هم الانبياء و المؤمنون و علي اللحاظ الثاني الاسم الاكبر هو حقيقة الانبياء سلام الله عليهم و الاسماء الكبيرة هي المؤمنون و لكل وجه و اما الاشارة الي معني الاسم الاعظم و اقسامه فتأتي في آخر الكتاب ان شاء الله و لو بنينا ان نفصل هذه المطالب لاقتضي شرح هذه الفقرة كتابا مستقلا الا انا اشرنا علي سبيل التلويح علي اغلب ما ينبغي ان يشرح.

بقي شيء و هو ان مقام الاسماء كماعرفت مقام المرآة التي وقع فيها مثال الشاخص و الشاخص مركب من جهتين الباطن و البطون و الباطن هو الذات الظاهرة في البطون و اما المرآة التي هي انية المثال لها ايضا مقامان الظاهر و الظهور فالظاهر هو المثال الملقي فيها و هو آية الذات الظاهرة في الظهور و الظهور هو مقام المرآة فان المراد منها نفس المثال من حيث هو و قد بينا ان عرش التجلي الكلي الجامع موضوع علي هذه الاركان و قد اشار7 الي الباطن بالرحمة و الي البطون بالكلمات و الي الظاهر بالكمال و الي الظهور بالاسماء و ذلك ان البطون و الظهور مقاما الكثرة لانهما مقاما الصورة فاتي لهما بلفظ الجمع الدال علي الكثرة و الباطن و الظاهر مقاما الوحدة لانهما مقاما المادة فاتي لهما بلفظ المفرد فصلي الله عليهم صلوات لانهاية لعددها و لاغاية لامدها و بهذه الفقرة قد تم مراتب التجلي الاعظم الجامع بين الاطلاق و التقييد الذي هو الظهور الاعظم للوجود الحق كما شرحنا و بينا ثم شرع7 في التوسل اليه سبحانه بالمقامات الظاهرة في مراتب الوجود المطلق.

الفصل العاشر

قال7 اللهم اني اسألك من عزتك باعزها و كل عزتك عزيزة اللهم اني اسألك بعزتك كلها.

اعلم ان الامام7 لمافرغ من السؤال بالتوسل الي الله بمقامات الوجود الحق و مقامات التجلي الاعظم اراد ان يتوسل بصفاته جل و علا الظاهرة

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 112 *»

في مقامات الوجود المطلق اعلم ان كل ماسوي الحق خلق لا ثالث بينهما و لاثالث غيرهما كماقال الرضا7 و الخلق ليس بمستقل دونه و انما يفتقر الي ايجاده سبحانه و فعله و مشيته فهو سبحانه خلق المشية اولا بنفسها ثم خلق الاشياء بالمشية كماقال الصادق7 فالمشية مقدمة علي المشاءات فخلقها اولا بنفسها اذ لا شيء سواها تخلق به و ذلك حد كل مبدء الا تري ان كل شيء يستنير بالنور و اما النور فهو نور بنفسه و كل شيء تفعله بالنية و العزيمة و اما عزيمتك فليس لك فيها عزيمة اخري غيرها فتعزم عليها بها فالله سبحانه خلق المشية بنفسها اي جعلها يد نفسه في احداثها اذ كان اولي بها منها فهي بان يكون لمن هو اوجد في مكانها منها اولي من ان تكون لنفسها فخلقها بها قبل سائر الاشياء و هي الوجود المطلق اي غير المقيد بشيء دونه اذ كل ماسواه به فلايفتقر الي ما في وجوده مفتقر اليه و هذا الوجود محله الامكان الراجح و وقته السرمد و هو اوحد ما يمكن في الامكان اذ كل كثرة و تعدد قد خلقت به و لايجري عليه ما هو اجراه و لايعود فيه ما هو ابداه فقد علا احديته اعلي اذكار آثاره فليس لاحد درك التكثر فيه الا انا نذكر ما نذكر من حيث آثاره و علمنا بان الاثر يطابق صفة مؤثره فاعلم ان هذا  الوجود المبارك المطلق له من حيث المتعلق مقامان فان كان متعلقه امكان الحوادث المقيدة فيسمي بالمشية الامكانية و ان كان متعلقه اكوانها فيسمي بالمشية الكونية و كل واحدة من هاتين المشيتين لها جهتان علي حسب جهتي مشائها فان المشاء هو الشبح المنفصل عن المشية و يكون علي صفتها لامحالة فبذلك تحقق للمشية المطلقة اربعة مقامات مقام تعلق بالمادة الامكانية و مقام تعلق بالصورة الامكانية و المراد بهذا الامكان هو الودق النازل من سحاب المشية و الماء الذي منه كل شيء حي و بحر الصاد الذي هو تحت العرش الذي توضأ منه رسول الله9 و صلي صلوة الظهر ليلة المعراج حين كون الشمس علي قمة رأسه علي احد المعاني و هو مركب من رطوبة الرحمة المقيدة و هي مادته و من هبائها و هو صورته و مقام تعلق بالمادة الكونية و مقام تعلق بالصورة

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 113 *»

الكونية و المراد بهما الماء و الارض اي ذلك الماء النازل من سحاب المشية و هو مادة الكون و ارض الجرز و القابلية و هي صورة الكون و لابد لكل كائن من هذه المقامات الاربعة فبهذه المقامات الاربعة يتم المفعول و كذلك يتم الفعل في مراتبه فهذه المراتب الاربع هي عرش المشية و الفعل و عليها رحمن مستو عليه يجمع تلك الاركان و يجريها في مجاريها فبذلك يتحقق للفعل خمس مراتب كما شرحنا و بينا في صدر الكتاب و لماكان للحادث لحاظان لحاظ نسبة الي الله سبحانه و فناء فيه فلايري فيه الا هو كما قال7 ما رأيت شيئا الا و رأيت الله قبله و قال7 في الدعاء لايري فيها نور الا نورك و لحاظ رؤية الشيء من حيث هو هو و هذا الوجود ايضا حادث و فيه ذانك اللحاظان فقد نظر الامام7 في هذا الدعاء اليه من حيث الوصفية لله سبحانه و كونه له لا لنفسه فبدأ بمقام الرحمانية المهيمنة علي اركان عرش الفعل و وصفه سبحانه في هذا المقام بالعزة فان العزة بمعني الغلبة و ضد الذل و كل تابع لشيء ذليل لديه خاضع عنده مغلوب له جار فيه حكمه و امره و هذا المقام فوق مقامات جميع الحوادث محيط بكلها ليس فوقه حادث يخضع لديه و يذل عنده فهو مظهر عزة الله و غلبته علي جميع ماسواه اذ جميع ماسواه مخلوق بمشيته و في الدعاء يفعل الله ما يشاء بقدرته و يحكم ما يريد بعزته فالعزة هي الغلبة و الغالب هو الحاكم بما يشاء فيما يشاء كيف يشاء و هذا المقام اعلي اذكار المشية و اول مقاماتها فهو الغالب علي جميع مراتب المشية و مراتب المشاءات و مظهر عزة الله جل و عز و اعلم ان العزة عزتان عزة ذاتية و عزة فعلية و ذلك ان الله سبحانه يوصف بالعزة دون ضدها فهي من الصفات الذاتية و اذا لوحظ فيها الغلبة علي من سواه و جاء ذكر الغير جاء الحدوث فكانت فعلية و هذه العزة هنا عزة فعلية و لذلك اثبت فيها الدرجات و التكثر و قال اللهم اني اسألك من عزتك اي افراد عزتك باعزها اي اسـألك باعز افراد عزتك و افراد العزة هي رحمانية اركان كل مشية جزئية

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 114 *»

متعلقة بشيء جزئي من المشاءات المقيدة و ذلك ان لله سبحانه لكل مشاء جزئي مشية جزئية و تلك المشيات رؤس المشية الكلية العلياء و تلك الرحمانيات هي افراد عزة الله العزيزة و غلبة الله علي تلك المشيات الجزئية و مشاءاتها و اعز تلك الافراد العزة الكلية المهيمنة علي المشية الكلية العظمي التي ليس فوقها حادث فسأل الامام7 ربه بتلك العزة و الغلبة و جعلها لسان دعوته و دعاء تلك العزة لايخيب ابدا و لو سألت الله ان يجعل جميع الموجودات معدومات و المعدومات موجودات لفعل اذ هي اعظم الاسماء الفعلية و اشدها هيمنة علي ماسواه و اخصها بالله و ادلها علي ظهوره الكلي و لايقدر ان يسأل الله بحقيقة تلك العزة الا الامام7 و اما غيره فانما يسأله بظلها و آيتها علي حسب ما ظهر له منها و ما يسأل به غيره عزة ظهرت علي المشية الخاصة المتعلقة به ثم قال7 و كل عزتك عزيزة غالبة لا ذليلة و ان لم‌تكن مثل تلك العزة الاولي و ليس الغلبة علي رجل كالغلبة علي عسكر و الله سبحانه غالب علي كل احد و اعز عزته الغلبة علي كل شيء و جميع افراد عزته الجزئية عزيزة غالبة علي ما اعتز عليه و هذا ظاهر الفقرة و هو ان شاء الله واضح.

و اما باطنه فاعلم انه قد دلت الادلة العقلية و النقلية ان ماسوي الحق جل و علا خلق كائنا ماكان بالغا ما بلغ و قد دلت الكتاب و السنة المتواترة و ضروري الاسلام و الادلة العقلية ان الخاتم9 هو المبدء و هو اول الخلق و اشرفه و اقربه اليه كائنا ما كان و بالغا ما بلغ فاذا هو عزة الله العظمي بلاترقب فلااعز منه في ملك الله و لذلك وصفه الله بالعزيز و قال لقد جاءكم رسول من انفسكم عزيز و هذه احسن القراءات فهو وصف الله العزيز و هو عزة الله الاعز و لذلك سماه الله بالعزة المطلقة حيث قال سبحان ربك رب العزة عما يصفون فالعزة هي المخاطب بالكاف و هي خالصة لله جل و علا اذ قال من كان يريد العزة فلله العزة جميعا اي محمد خالص لله ليس لغيره لا لنفسه و لا لغيرها فجميع ما يضاف اليه يضاف الي الله و بالعكس و جميع معاملاته معاملة الله لانه خالص الله كما قال

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 115 *»

الحمد لله رب العالمين و هو الحمد و صاحب لوائه و هو اعظم الثناء الذي اثني الله به علي نفسه فهو العزة المطلقة لله سبحانه و اعز افراد العزة لاطلاقه و خلوصه لله فلاجل ذلك يكون غالبا علي جميع ماخلق الله ينقاد له كل شيء و يطيعه كل مخلوق و ان كان جميع المؤمنين اعزة بفضل عزته9 و من جهة انتسابهم اليه و كونه من شعاعه و نوره كما قال لله العزة و لرسوله و للمؤمنين و قال اذلة علي المؤمنين اعزة علي الكافرين و هم العزة المتعددة التي توسل بها الامام الي الله سبحانه و جعلهم لسان دعوته ليكون داعيا بكل لسان فيستجيب له علي الفور اذا وجد المقتضي من كل جهة و فقد المانع من كل جهة و لك ان تأخذ افراد العزة الائمة و رسول الله9 اعز افرادها و لك ان تأخذ الافراد الانبياء و المؤمنين و تجعل الاعز محمدا و آل محمد: جملة علي حذو ما بينا في سائر الفقرات و جميعها عزة الله عزوجل قد ظهر فيهم لهم و لك ان تخص العزة بالمحمدية المحمودة لقوله سبحانه لقد جاءكم رسول من انفسكم عزيز علي ان تجعل اركان عرش المشية الاولياء الاربعة الذين هم عماله9 المعطون كل ذي حق حقه و السائقون الي كل مخلوق رزقه و هو الحقيقة الرحمانية المهيمنة علي عرشهم فهو عزة الله المستولية عليهم ثم كل من له عزة في سائر الملك او مراتب السرمد فهو من فضل عزته صلوات الله عليه و آله فان الكل آثارهم و الاثر تابع لصفة موثره و في كل شيء آية تعريفه و تعرفه و كل من عرف عزة الله تعالي فبما وصف هو صلوات الله عليه و آله له اياها لانه تعالي شأنه اقامه مقامه في سائر عوالمه في الاداء فهو العزة الاعز و جميع اشعته عزة الله العزيزة فافهم ان كنت تفهم.

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 116 *»

الفصل الحادي عشر

قال7 اللهم اني اسألك من مشيتك بامضاها و كل مشيتك ماضية اللهم اني اسألك بمشيتك كلها.

اعلم ان المشية هي مصدر شاء في الاصل الا انها صارت اسما لامر الله سبحانه بالغلبة فمهما استعملت يراد منها فعل الله قال الصادق7 خلق الله المشية بنفسها ثم خلق الاشياء بالمشية و المراد منها الفعل و الحركة الايجادية و يقال الحكم الماضي بمعني النافذ و السيف الماضي بمعني القاطع و المشية قد تطلق و يراد منها مطلق الفعل في جميع مراتبه فتطلق علي الارادة و القدر و القضاء و الامضاء كما في الدعاء ما شاء الله كان و في الاية لاتقولن لشيء اني فاعل ذلك غدا الا ان يشاء الله و قد تطلق و يراد منها اول مراتب الفعل فتفترق سائر المراتب كقول الكاظم7 بعلمه كانت المشية و بمشيته كانت الارادة و بارادته كان التقدير و بتقديره كان القضاء و بقضائه كان الامضاء الخبر و المراد بالمشية في هذه الفقرة معناها الافتراقي اي ما يتقدم علي الارادة و الاشارة الي ذلك علي سبيل الاجمال ان الشيء لايتم الا في خلقين نوعي و المراد به دهريته و حقيقته النسبية التي هو بها هو في جميع الحالات العارضة و شخصي و المراد به زمانيته و تمثله و ظاهره النسبي و قد نسميهما بالطبيعة و المادة مثلا للكبريت خلقان الاول ما له من البخار و الدخان كما و كيفا فهما يمتزجان بالحل و العقد فيحصل منهما تراب معدن الكبريت و اهبيته فاذا اذبت هذه الاهبية و تراب المعدن حصل لك الكبريت و كذلك الرصاص مثلا له خلق اولي طبيعي و هو ما له من الزيبق و الكبريت الطبيعيين و يعبر عنهما بالبخار و الدخان فاذا امتزجا بالحل و العقد حصل منه تراب الرصاص فاذا غسلته و اذبته حصل لك الرصاص فالرصاص لايكون رصاصا الا في هذين الخلقين اي تركيب الطبعين و تركيب الاهبية و ليس مرادنا بالنوع النوع الشامل لهذا الشيء و غيره فلو كان كذلك لم‌يكن خصوصية للنوع الواحد فالانواع كثيرة فكان مراتب الخلق متعددة بل المراد بهذا النوع الطبيعة

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 117 *»

الدهرية للرصاص مثلا و لايصلح هذه الطبيعة لغير الرصاص فان طبايع الذهب و ان كان من بخار و دخان ولكنهما فيه بكم آخر و كيف آخر فلو رد الرصاص رد الي طبعه لا الي طبايع الذهب و كذلك الذهب يرد الي طبايعه لا الي طبايع الرصاص الا تري انك لو فصلت اركان النعناع مثلا الي ماء و دهن و ارض و فصلت اركان الدارصيني مثلا لوجدت خاصية ماء النعناع غير خاصية ماء الدارصيني و خاصية دهنه غير خاصية دهنه و خاصية ارضه غير خاصية ارضه مع انك رددتهما الي طبايعهما فلكل واحد خلق نوعي طبعي خاص به و هو اول اذكاره و خلق مادي شخصي فلاجل ذلك قلنا ان الرصاص مثلا لايتم خلقه الا في خلقين خلق طبايعه و هي مخصوصة به و خلق مادته و هي تراب المعدن فانها مادة الرصاص الظاهر و كذلك الامر في كل شيء و ان كنا نمثل تسهيلا للطالبين للخلق النوعي بخلق الخشب مثلا و للخلق الشخصي بخلق القوائم و الالواح و تركيبها الا ان المثل مقرب من وجه و لعله مبعد من وجوه بالجملة كل شيء يتم في هذين الخلقين و في كل خلق حل و عقد و المراد به ان الجزء اليابس لابد و ان ينحل اولا بالهضم و التعفين في الجزء الرطب حتي يصيرا شيئا واحدا سيالا من غير رسوب ثم بعد ذلك لابد و ان يعقد علي ما آل اليه حتي يحصل منه الشيء فان كانا في الطبيعة تنعقد علي المادة الهبائية و ان كانا في المادة الهبائية تنعقد علي الشخصية فمن اجل ذلك نقول ان الشيء لايتم الا في حلين و عقدين هذا هو الاصل و قد نتجوز و نقول ان المادة مقام الحل و الصورة مقام العقد فهما في النوع و الشخص حلان و عقدان و لاشك ان للشيء مادتين و صورتين و له حلين و عقدين فلابد له من هذه الاربعة و هذه الاربعة مراتب الشيء الواحد و كل اثر علي طبق صفة مؤثره بل هو صفة مؤثره التي وصف بها نفسه لها فهذه الاربعة لم‌تحدث في الاثر الا و اصلها موجود في فعل المؤثر كما ان الالف لم‌تتصور بهذه الصورة الا و اصل صورتها في الحركة الايجادية التي في يدك فما لم‌تتهيأ حركة يدك بهيأة لم‌تتهيأ الكتابة بتلك الهيأة و ما لم‌تكن الشعلة مخروطية صفراء لم‌يكن اثرها في المرآة مخروطيا اصفر فالفعل المتعلق

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 118 *»

بالشيء له اربعة مقامات كما ان للمفعول اربعة مقامات فوجه الفعل المتعلق بالمادة النوعية هو المشية و وجهه المتعلق بالصورة النوعية هو الارادة و وجهه المتعلق بالمادة الشخصية هو القدر و وجهه المتعلق بالصورة الشخصية هو القضاء و الامضاء هو انفاذ الشيء في محله و حده تاما كاملا و قد ابان الرضا7 عن هذه المراتب في حديثه مع يونس حيث قال يا يونس تعلم ما المشية قال لا قال هي الذكر الاول فتعلم ما الارادة قال لا قال هي العزيمة علي ما يشاء فتعلم ما القدر قال لا قال هي الهندسة و وضع الحدود من البقاء و الفناء ثم قال و القضاء هو الابرام و اقامة العين و كذلك قال ابوه الكاظم7 في حديث فالعلم في المعلوم قبل كونه و المشية في المشاء قبل عينه و الارادة في المراد قبل قيامه و التقدير لهذه المعلومات قبل تفصيلها و توصيلها عيانا و وقتا و القضاء بالامضاء هو المبرم من المفعولات ذوات الاجسام المدركات بالحواس من ذي لون و ريح و وزن و كيل و ما دب و درج من انس و جن و طير و سباع و غير ذلك مما يدرك بالحواس الي ان قال7 فبالعلم علم الاشياء قبل كونها و بالمشية عرف صفاتها و حدودها و انشأها قبل اظهارها و بالارادة ميز انفسها في الوانها و صفاتها و بالتقدير قدر اقواتها و عرف اولها و آخرها و بالقضاء ابان للناس اماكنها و دلهم عليها و بالامضاء شرح عللها و ابان امرها و ذلك تقدير العزيز العليم و سأله علي بن ابرهيم الهاشمي كما في حديث آخر اذ سمعه يقول لايكون شيء الا ما شاء الله و اراد و قدر و قضي فقال ما معني شاء قال ابتدأ الفعل قال ما معني قدر قال تقدير الشيء من طوله و عرضه قال ما معني قضي قال اذا قضي امضاه فذلك الذي لا مرد له انتهي و انت اذا اجلت النظر في هذه الاخبار عرفت ان المشية هي الذكر الاول و ابتداء الشيء و انشاؤه و متعلقها الكون فهي للمادة النوعية التي هي اعلي اذكار

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 119 *»

الشيء و ابتداء مراتبه و الارادة هي العزيمة و العين و مقام تمييز الالوان اي الانواع و الصفات النوعية و هي مقام الصورة النوعية و التقدير هو مقام الهندسة و وضع الحدود من البقاء و الفناء و قيام الشيء و تقدير الاقوات و تعريف الاول و الاخر و طول الشيء و عرضه و جميع ذلك يقدر في المادة الشخصية فان اجزاء الشيء قبل تركيبه كما انك تقدر اعضاء السرير من قوائمه و اعضاده و الواحه و متكائه قبل تركيبه فتقطع اجزاءه كما قدرت و انك تقدر اجزاء الثوب حين تفصله فتعين اردانه و ذيله و عرضه و طوله فتفصل الاجزاء علي حسب تقديرك ثم تركبها و من ذلك تعيين اجله فانك تقدر المادة الشخصية علي حسب ارادتك من طول البقاء و قصره فان تشاكل المادة و رقتها سبب البقاء و عكس ذلك سبب الفناء و الاقوات هي امداد المادة الشخصية قبل التعين و القضاء هو الابرام و اقامة العين و التفصيل و التوصيل عيانا و وقتا و هو تركيب المقدرات المهندسات و تعيين محل كل جزء و ابانة الاماكن للناس و هو مقام الصورة الشخصية و التمييز عماسواه في الحواس الظاهرة و الامضاء شرح العلل و ابانة الامر و الغالب ان القضاء يقع بالامضاء و يبرم و يتعين بالجملة لم نك بصدد ذلك و انما اردنا الاشارة الي ان للفعل اربعة مقامات و هي المشية و متعلقها الحل الاول و الارادة و متعلقها العقد الاول و القدر و متعلقه الحل الثاني و القضاء و متعلقه العقد الثاني و اما الامضاء فهو تمام القضاء و وقوع الشيء بعينه في محله مشروح العلل مبين الاسباب فلما اراد7 ان يتوصل الي حاجته بصفات الله الظاهرة في مقام الفعل ابتدأ بالمشية التي هي اول مراتب الفعل المتعلقة بالذكر الاول و الكون و وصفها بالمضاء اي النفوذ في جميع اعماق الامكان الي منتهي المراد فقال اللهم اني اسألك من افراد مشيتك المتعلقة بما في عرصة الامكان المقيد من القوي المخرجة اياها الي عرصة الكون بانفذها و امضاها و هي التي تنتهي اليها جميع المشيات الجزئية التي هي باجمعها وجوهها و رؤسها و هي طاوية لها تحت وحدتها نافذة في جميعها و تكون اوحد ما في عرصة الامكان و ابسطها و الطفها و اجمعها و اكملها فبذلك مضت في جميعها و جميع متعلقاتها فكانت هي المرجحة لتلك القوي المخرجة اياها من العدم الي

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 120 *»

الوجود لانها اولي بتلك الوجوه و الرؤس منها و اوجد في مكانها منها فهي هي النافذة الماضية في الكل نفوذ الاحد في الاعداد و المطلق في المقيدات و اما سائر الوجوه و ان كانت ماضية الا ان مضاءها ليس بهذه المثابة فاذا توصل الداعي الي حوائجه بامضي المشيات و بجميع المشيات المواضي فهي مقضية لامحالة فانها بمشيته دون قوله مؤتمرة و بارادته دون نهيه منزجرة و جميعها قائم بامره و هي امره فليست تتخلف عن مشية الله ابدا و كذا اذا سأل الله جل جلاله بلسان مشيته و هي المخلوقة بنفسها غير مقيدة بغيرها و بوجود مقتضيها ابدا و فقد مانعها سرمدا صارت راجحة الوجود فلابد و ان تقضي حاجته اذا ظهرت في العبد بسبب انقطاعه اليها و انصباغها في مرآة حاجته مع مضائها و نفوذها فلاتأخر فيها البتة هذا هو ظاهر الامر.

و اما الباطن منه فهو مقام اول ما خلق الله  و الذي لايسبقه سابق و لايلحقه لاحق و لايطمع في ادراكه طامع و هو ما اشار اليه لا بل صرح به في حديث طارق بن شهاب حيث يقول اميرالمؤمنين7 في وصف الائمة: هم سر الله المخزون و اولياؤه المقربون و امره بين الكاف و النون لا بل هم الكاف و النون الي ان يقول هم صراط الحق و عصمته و مبدء الوجود و غايته و قدرة الرب و مشيته الخطبة و قال الباقر7 في حديث جابر و اما المعاني فنحن معانيه و نحن جنبه و يده و لسانه و امره و حكمه و علمه و حقه اذا شئنا شاء الله و يريد الله ما نريده الخبر و في دعاء الحسين7 اللهم منك البدء و لك المشية و لك الحول و لك القوة و انت الله الذي لا اله الا انت جعلت قلوب اوليائك مسكنا لمشيتك و ممكنا لارادتك و جعلت عقولهم مناصب اوامرك و نواهيك فانت اذا شئت ما تشاء حركت من اسرارهم كوامن ما ابطنت فيهم و ابدأت من ارادتك علي السنتهم ما افهمتهم به عنك في عقودهم بعقول تدعوك و تدعو اليك بحقائق ما منحتهم الدعاء فهم سلام الله عليهم افراد المشية المتعلقة بما شاء الله الماضية

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 121 *»

في منتهي ما اراد الله و امضاها هو محمد9 فانه الشمس السارية في بروجهم و المتقلب في هياكلهم و صورهم ثم هم الولاة المؤدون الي كل ذي حق حقه و السائقون الي كل مخلوق رزقه و اليهم الاشارة بقوله و ما تشاؤن الا ان يشاء الله و المقصودون من قوله و هم بامره يعملون في الباطن كما في الزيارة في صفتهم عباد مكرمون لايسبقونه بالقول و هم بامره يعملون و في زيارة آل يس مجاهدتك في الله ذات مشية الله فتدبر فاذا توسل الداعي بهم الي الله تعالي و دعاه بلسانهم و هم المشية النافذة الماضية التي لاتنكل و لاتنبو فقد اتي البيت من بابه و دعاه كما امر فله الاجابة كما وعد في قوله اجيب دعوة الداع اذا دعان و ادعوني استجب لكم و لك ان تجعلهم امضي المشية فانهم نور واحد و طينة واحدة و كلهم محمد و تجعل سائر افراد المشية مقام الانبياء و اولي الامر من المؤمنين فان قلوبهم اوكار مشية الله كما روي ان الله جعل قلوب اوليائه وكرا لارادته و قد اتاهم الامر و الحكم فيما يشاؤن بمقتضي الوعد الوارد في القدسي اطعني فيما امرتك اجعلك مثلي تقول للشيء كن فيكون و هم اهل الجنة المقول فيهم لهم فيها ما يشاؤن فتتوسل اولا اليه سبحانه بامضي افراد المشية و هي المشية الكلية الاولية صلوات الله علي المراد منها اجمالا ثم تتوسل اليه بجميع افراد المشية تفصيلا لتكون داعيا في مقام الاجمال و التفصيل و تدخل عليه من كل باب و تستشفع بجميعها كما حققنا في سائر الفقرات فراجع و اعلم ان اسرار آل محمد: لاتنزف و بواطن امورهم لاتعرف منتهي الحظ ما تزود منه اللحظ و المدركون ذاك قليل فلنقبض العنان اذ للحيطان آذان و لك ان تجعل مقام المشية مقام علي7 لانها هنا الركن الايمن الاعلي من عرش فعل الله سبحانه و اعظم ظهور من ظهور عزة الله و اول تجل لها و اول مقام اعطاء كل ذي حق حقه و السوق الي كل مخلوق

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 122 *»

رزقه و سائر افراد المشية الجارية في سائر المراتب كلها شعاعه و نوره و حكايته للخلق و ذلك ان الولي هو يد النبي و فعله و امره و حكمه به يجري ما يشاء و به يحكم ما يريد فاعظم الاولياء هو اعظم مقامات الفعل و اشرفها و هو هنا المشية فهو المشية المضيا و اما ساير الافراد فكلها مشية ماضية في محالها لانها اثر المشية الماضية و علي طبقها فافهم و تبصر.

الفصل الثاني‌عشر

قال7 اللهم اني اسألك من قدرتك بالقدرة التي استطلت بها علي كل شيء و كل قدرتك مستطيلة اللهم اني اسألك بقدرتك كلها.

اعلم ان القدرة بمعني القوة و الاستطالة الترفع و التكبر و القهر و الغلبة و التفضل و القدرة قدرتان قدرة ذاتية لله سبحانه اذ لامقدور و هي عين ذاته و قدرة فعلية و هي القدرة اذ مقدور كما روي عن الصادق7 لم‌يزل الله عزوجل ربنا و العلم ذاته و لا معلوم و السمع ذاته و لا مسموع و البصر ذاته و لا مبصر و القدرة ذاته و لا مقدور فلما احدث الاشياء و كان المعلوم وقع العلم منه علي المعلوم و السمع علي المسموع و البصر علي المبصر و القدرة علي المقدور الخبر فالقدرة الواقعة علي المقدور غير القدرة التي هي عين الذات و ان الذات لاتقع علي خلقها و لا تتغير عن كيانها البتة و هذه القدرة المذكورة هنا هي القدرة الواقعة التي استطال بها اي ترفع بها علي كل شيء فانها فوق شهاداتهم و مبلغ مداركهم و تكبر عليها اي اتصف بالكبر و العظم و الشرف علي كل شيء فصغر جميع ماسواه لديه اذ هو اكبر شهادة و اعظم ظهورا من كلها و قهر بها كل شيء و غلب عليه كما في الدعاء و بقوتك التي قهرت بها كل شيء فجميع ماسواه مغلوب مقهور دون تلك القدرة يتصرف بها فيها كيف يشاء و اي قهر اعظم من اخراجها من العدم الي الوجود اذا شاء و ردها من الوجود الي العدم اذا شاء و قهرها بالموت و الفناء‌ و تفضل بها علي ما يشاء كيف يشاء فتفضل عليها بالوجود و الحيوة و

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 123 *»

الهداية و الدوام و البقاء و غير ذلك من انحاء النعم فهذه القدرة ‌المذكورة هنا من مقامات الفعل و ليست بالقدرة‌ الذاتية و اليه الاشارة في حديث جابر في تفسير قوله كنتم خير امة اخرجت للناس قال قال رسول الله9 اول ماخلق الله نوري ابتدعه من نوره و اشعة من جلال عظمته فاقبل يطوف بالقدرة حتي وصل الي جلال العظمة في ثمانين الف سنة ثم سجد لله تعظيما ففتق منه نور علي7 فكان نوري محيطا بالعظمة و نور علي محيطا بالقدرة ثم خلق العرش و اللوح الخبر و الذي افهم من هذا الخبر ان المراد بنوري مقام العقل فان اول ماخلق الله العقل و اما ابتدعه من نوره و اشعة من جلال عظمته فالنور هنا و جلال العظمة هو الفؤاد فان الله ابتدع العقل من نور الفؤاد و طوافه بالقدرة فالمراد به مقام العقل فطاف و ترقي و تقرب بقبول امر الله حتي وصل الي مقام العظمة اي الفؤاد فهناك سجد لله تعالي بمقتضي اقرب ما يكون العبد الي الله و هو ساجد و هو مقام فنائه في الله فتم نوره و صار مشرقا بنور الله ففتق منه نور علي و وقع في مقام العقل فصار مقام رسول الله9 مقام الفؤاد و هو حجاب العظمة و مقام علي مقام حجاب القدرة و هو مقام العقل و الفؤاد اي الحقيقة المحمدية من عالم السرمد و هو محل المشية و القدرة اول بارز من المشية و اول صادر منها فلذلك اخر هنا القدرة عن المشية فالمشية هنا مقام العظمة و العظيم هو القادر علي ما يشاء و العظمة مقدمة علي القدرة و القدرة مقام التعين بالنسبة الي العظمة فافهم و تبصر فاشار7 بها الي الرتبة الثانية من الفعل اي مرتبته المتعلقة بالعين النوعي و العقد الاول و الصورة النوعية و اتي بلفظ القدرة دون القوة مع ان معناهما واحد لاجل المناسبة اللفظية التي بين القدرة و المقدار و القدر النوعي فان العين و الصورة النوعية مقام الحدود النوعية و المقادير الكلية للشيء فكان الاتيان بهذا اللفظ اولي من القوة البتة فتوسل7 بعد ما توسل بالمشية التي كان منها و بها الكون بالقدرة التي استطال بها اي ترفع و قهر و تفضل علي كل شيء و هي اعظم شئون قدرته و ان كان جميع شئون قدرته مستطيلة الا انها

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 124 *»

ليست بمستطيلة علي كل شيء و انما هي مخصوصة بما تعلقت به كما تري من ان القدرة الخاصة المتعلقة بالالف منك ليست تصلح للباء و ليست بقدرتك علي كتب الباء‌ و القدرة الخاصة المتعلقة بالباء منك ليست تصلح للجيم و هكذا فهذه الافراد الخاصة مستطيلة علي متعلقاتها بخلاف القدرة‌ العظمي العليا فانها مستطيلة علي كل ما يطلق عليه لفظ الشيء و اشار7 بتغييره سياق الكلام حيث قال اولا استطلت بها و اخيرا كل قدرتك مستطيلة فنسب الاستطالة الي القدرة بخلاف الاول حيث نسب الاستطالة الي الله تعالي ان صفة مستطيليته تعالي في القدرة عند القدرة و هي موقعها فان لاحظت اضمحلالها في جنب الذات و انطواءها تحتها و تفسخها دونها قلت استطال الله و ان لاحظت مظهر الاستطالة قلت ان القدرة مستطيلة كماقال الله سبحانه فويل للذين يكتبون الكتاب بايديهم ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمنا قليلا فويل لهم مما كتبت ايديهم و ويل لهم مما يكسبون فنسب الكتابة اليهم ثم الي ايديهم و كماقال و مارميت اذ رميت ولكن الله رمي فالقدرة مظهر استطالته تعالي و صفة مستطيليته هذا هو الظاهر من الفقرة.

و اما الباطن منها فعلي حذو ما سمعت في الفقرة السابقة عن علي7 في صفة الائمة: هم صراط الحق و عصمته و مبدء الوجود و غايته و قدرة الرب و مشيته الخبر فالائمة: هم قدرة الله و امر الله و حكمه و هم صفة مستطيليته تعالي الا ان اعظمها و اعلاها استطالة هو محمد9 اذ هو اول ماخلق الله و المرتفع علي كل شيء و القاهر الغالب علي كل شيء و الرحمة الواسعة التي اشار الله تعالي اليها و رحمتي وسعت كل شيء فتوسل الامام7 اولا بتلك القدرة الي الله سبحانه و جعلها ذريعته و وسيلته و شفيعه و جعلها لسانه الداعي الي الله لقضاء حاجته كما مر ثم توسل بسائر افراد القدرة و هم الائمة: و جعلهم شفعاءه و السنة دعائه و لاشك ان مثل ذلك الدعاء لايرد و لك ان تجعل المستطيلة علي كل شيء مقامهم جميعا لانهم

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 125 *»

الكليون و تجعل سائر الافراد سائر مظاهرها من الانبياء و المرسلين و اوصيائهم المقربين و اوليائهم المكرمين و الكل واقع حق لامرية فيه و لماوصل الكلام الي هنا تذكرت مطلبا شريفا ولكن لايمكنني ان ابوح به كما هو حقه خوفا من فرعون و ملائه و لااحب ان لاازرعه في صدور المؤمنين فابذره الحين لاجل ان يثمر حين ما يشاء الله تعالي اعلم ان الله سبحانه لم‌يرد من احد شيئا الا و قد جعله في قوته و جعل لاخراج تلك القوي الي الفعلية اسبابا كاملة مكملة مرجحة فاذا اقترن العبد بتلك الاسباب تقوي ما فيه من جنس تلك الاسباب بالقوة و خرج الي الفعلية فاذا صارت فيه بالفعل صارت منشأ آثار و ظهرت منه آثارها كما ان الحيوة كانت كامنة في النطفة فلما قارنت حيوة الام التي هي بالفعل و منشأ اثر استكمل ما فيها من جنس تلك الحيوة و ترجحت و خرجت من القوة الي الفعلية و علامة فعليتها صيرورتها منشأ آثار بالذات من الحس و الحركة و الارادة و الرضا‌ء و الغضب فيصدر منها تلك الاثار من غير تكلف و لاتقليد للغير و مطاوعة له فهكذا في سائر الامور فلاجل ذلك خلق الله الانبياء الكاملين المكملين في جميع ما اريد من الانسان و سجن فيه فجاءوا جزاهم الله عنا خير الجزاء و نشروا انوارهم بين الرعية فمن استنار بنورهم و واظب علي خدمتهم و رابط حضرتهم و اخلص في التوجه اليهم كمل ماجعل فيه مما اراد الله منه و نعبر عنه بروح الايمان فلما صار فيه بالفعل صار منشأ آثار و شهد العبد ان لا اله الا الله محمد رسول الله9 و آل محمد آل الله و الاسماء الحسني و الصفات النعمي و الامثال العليا لله تعالي و ان محمدا و آل محمدا: افضل ما برأ الله في جميع مايؤل الي الوجود فعلي ذلك الشهادة شهادتان شهادة عرضية ينفيها قوله تعالي قالت الاعراب آمنا قل لم‌تؤمنوا ولكن قولوا اسلمنا و لمايدخل الايمان في قلوبكم و شهادة ذاتية يثبتها قوله اولئك كتب في قلوبهم الايمان و ايدهم بروح منه فالكمال في القول بالاستقلال عن بصيرة و كذلك حال جميع ما يريد الله تعالي من عبده و من ذلك فقرات هذا الدعاء و مواقع هذه الصفات فما لم‌يعرف العبد مقام وسيلته

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 126 *»

و مسألته معرفة كونية فعلية لم‌يستجب له دعاؤه علي الفور و علي حسب ارادته فالكمال في المعارف الحقيقية الكونية الفعلية لا القولية التقليدية و هذا المقام ليس يحصل لاحد بحسب عادة الله الا بمن كان ذلك فيه بالفعل فالسراج يشعل سراجا لا الفحمة و قد غفل الناس عن هذا المعني و نبذوه وراء ظهورهم كانهم لايؤمنون فضرب الله بينهم و بين اولئك بحجاب مستور و لنعم ما قال الشاعر:

لله تحت قباب العرش طائفة

اخفاهم عن عيون الناس اجلالا

بالجملة قد سنح ببالي شيء و ذكرته فان فهمته و وصلت اليه فقد فزت و الا فمحروم محجوب و اسأل الله الهداية فانه قريب مجيب و هذا الذي ذكرنا هو الاسم الاعظم و الرمز المنمنم و الطلسم الافخم يجري في جميع ما طرق سمعك و يمكنك ان تسمعه اذ لولا امكانه لماطرق سمعك فجاهد جهدك و اسع سعيك و ائت البيت من بابه و ان لم‌يسعك فاكتف بجنابه فمن دق بابا و لج ولج فمن دعا الله هكذا استجيب له ذلك فالامام هو اصل ذلك و معدنه و مأواه و منتهاه و اصله عنده و حقيقته لديه فسأل الله سبحانه اول مرة بالقدرة العامة التي استطال بها علي كل شيء مماسواه ثم سأله بجميع افراد القدرة فالقدرة‌ العامة في الباطن هي محمد9 و سائر الافراد هي العترة الطاهرة كماسمعت في حديث طارق انهم قدرة ‌الرب و مشيته او جميعهم القدرة العامة و سائر الانبياء و الاولياء الافراد و قد مر امثالها مكررا فراجع و لك ان تخص هذا المقام بالولي الثاني ثاني اركان عرش الولاية فهو القدرة ‌التي استطال الله بها علي كل شيء و ترفع و تكبر علي كل احد و تفضل بها علي اهل السموات و الارض و الدنيا و الاخرة و كما ان هذه القدرة من فروع المشية هذا الولي ايضا جزء الولي الاول و فرعه اشتق منه و جميع ما ظهر في سائر المراتب من القدرة و استطالت فهي مما حكاه للخلق و وصف الله سبحانه لهم فانهم كما في الدعاء الواصفون لقدرة الله المعلنون لعظمة الله و قد خص الحسن7 به فانه اشرفهم و اكملهم بعد ابيه و حمل الركن الثاني بعد ما حمل الركن الاول ابوه7 و كل واصف للقدرة بعده و كل من ظهر قدرة الله

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 127 *»

فيه فمن فضل قدرته و بحكايته له قدرته المستطيلة فهو المستطيل علي كل شيء و البواقي مستطيلة به علي قدرها فافهم فسأل الامام7 ربه بحق الحسن7 ثم بحق سائر الائمة سلام الله عليهم.

الفصل الثالث‌عشر

قال7 اللهم اني اسألك من علمك بانفذه و كل علمك نافذ اللهم اني اسألك بعلمك كله.

اعلم ان العلم ايضا علمان علم ذاتي هو عين ذاته سبحانه الاحدية فيجري عليه ما يجري علي الذات و يجوز فيه ما يجوز في الذات و يمتنع فيه ما يمتنع في الذات اذ هو هو الذات بلاتعدد اذ هي احدية المعني فاذا هذا العلم غني عن المعلوم منزه عن المطابقة مع غيره و الوقوع عليه و الانتزاع عن غيره مقدس عن ان يكون فيه اضافة الي معلوم غيره فهو الاحد الصمد الذي لم‌يلد و لم‌يولد و لم‌يكن له كفوا احد ليس كمثله شيء لاتدركه الابصار و هو يدرك الابصار و هو اللطيف الخبير فلاكلام عن هذا العلم لقوله تعالي ان الي ربك المنتهي و لقوله7 اذا انتهي الكلام الي الله فاسكتوا فلايزيد الكلام فيه صاحبه الا بعدا و قد تقدم معني القول بالصفات الذاتية و علم حادث امكاني و هو عين المعلومات فانها حاضرة لديه سبحانه يعلمها بها و ليس بينها و بين الله علم غيرها و هو المشار اليه بقوله قال فمابال القرون الاولي قال علمها عند ربي في كتاب و قوله لايحيطون بشيء من علمه الا بما شاء فهذا العلم يختلف درجاته بحسب اختلاف درجات المعلومات ففي بعضها اجمالي و في بعضها تفصيلي و في بعضها امكاني و في بعضها كوني و في بعضها فعلي و في بعضها مفعولي و في بعضها دهري و في بعضها زماني و هكذا فان العلم في كل مقام نفس المعلوم فاعلي مراتب العلم و اشرفه هو العلم الكينوني الذي يسبق المشية و به خلقت المشية و هو الذي سئل العالم7

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 128 *»

كيف علم الله قال علم و شاء و اراد و قدر و قضي و امضي فامضي ما قضي و قضي ما قدر و قدر ما اراد فبعلمه كانت المشية الي ان قال و العلم متقدم المشية و المشية ثانية الي ان قال فالعلم في المعلوم قبل كونه الي آخر الخبر و قد مر شطر منه فهذا العلم هو علم بالمعلومات قبل كونها اذ كونها بالمشية فاذا كان هذا العلم قبل كون الاشياء فهو علم احدي و لامعلوم فان الشيء لايكون قبل ان يكونه الله فهذا العلم موجود قبل المشية و لامعلوم ينفذ فيه فهو علم ولكن غير العلم النافذ في المعلوم و لمايوجد معلوم ثم بعده مقام المادة النوعية و الصورة النوعية ففي هاتين المرتبتين ايضا لاتعين للمعلوم و لاتحديد له نعم يكون المعلوم ذكرا و اليه الاشارة بقوله هل اتي علي الانسان حين من الدهر لم‌يكن شيئا مذكورا قال7 بلي كان مذكورا في العلم مع انه تعالي قال انا خلقنا الانسان من قبل و لم‌يك شيئا ففيهما ايضا علم بلامعلوم عينا او شخصا.

و اما العلم التفصيلي فهو العلم القدري الهندسي فان الله سبحانه يعلم الاشياء هنا بجميع هندسات وجوده و كمه و كيفه و جهته و رتبته و وقته و مكانه و وضعه و اجله و رزقه و جميع ما له و منه و اليه و فيه و به بتفاصيلها فيقول الله سبحانه بعد ذلك و يحكم علي حسب علمه و لايعزب عن علمه مثقال ذرة في السموات و لا في الارض و اما في مقام الصورة الشخصية فهو هو هذا العلم مركبا مقترنا و لايوصف بالنفوذ فانه عين المعلوم المشخص و النافذ في جميع الاشياء التامة هو المادة النافذة فيها فتدبر فمثال العلم القدري ان تعلم طول السرير و عرضه و عمقه و لونه و وقته و مكانه و وزنه و ريحه و شدة تركيبه و رخاوته و اجله و هكذا جميع ما له من الهندسات و الحدود.

و اما العلم القضائي الامضائي فهو علمك بالسرير المركب الموضوع في مكانه بالجملة راعي7 معني ان الله يقول و يأمر و ينهي علي حسب علمه فاخر القول و قدم العلم و معني ان الله تعالي يعلم بقدرته و القدرة اعم من العلم اذ كل قادر عالم و لا كل عالم بقادر فبقدرته احضر الاشياء عنده و علمها فلاجل ذلك اخر العلم و قدم القدرة و معني ان هذه القدرة قدرة فعلية مشتقة عن العظمة

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 129 *»

التي هي مقام المشية كما عرفت فاخرها عن المشية اشعارا بانها فعلية مشتقة من المشية فلو قدمها عليها احتمل القدرة الذاتية و لماكان مجموع ذلك صفة عزته و هي اعم من جميع ذلك اخر الجميع عن العزة و قدمها عليه فتدبر فسأل الامام7 بعد ما سأل ربه بالقدرة بالعلم فقال اللهم اني اسألك من صنوف علمك بانفذها في المعلومات بحيث لايعزب عنه شيء في الغيب و الشهادة و معلوم انه العلم الذي في مقام السرمد فانه النافذ في جميع مراتب الوجود المقيد و لايقال للعلم الذاتي النافذ فانه يمتنع معه المعلوم كما يمتنع مع الذات و لا للعلم الكينوني السابق علي المشية فانه ليس معه سواه و لا في مقام الخلق النوعي لابهام المعلومات هناك فالعلم النافذ هو العلم الذي في مقام القدر و المادة الشخصية و الهندسات الايجادية اذ لايعزب عنه شيء كما عرفت ثم سأله جل جلاله بجميع افراد علومه الحادثة النافذة في المعلومات و في كل مقام ذلك العلم النافذ مقام المادة الشخصية فان العلم الصوري لانفوذ فيه و هي هو لاغير فسأله بكل تلك العلوم حتي يكون سائلا ربه بكل لسان و يدخل عليه من كل باب كما عرفت هذا هو الظاهر.

و اما الباطن من ذلك فالمراد بالعلم النافذ هو هم سلام الله عليهم في مقام كونهم عناصر العباد كما روي في حديث جابر و اما المعاني فنحن معانيه و نحن جنبه و يده و لسانه و امره و حكمه و علمه و حقه الخبر فهم كلهم علم الله جل جلاله و مقام النبي اولي بالمؤمنين من انفسهم و انما وليكم الله و رسوله و الذين آمنوا و كل شيء احصيناه في امام مبين بل هو آيات بينات في صدور الذين اوتوا العلم و بهم ملأت سماءك و ارضك حتي ظهر ان لا اله الا انت فهم علم الله و خزينته و خازنه علي حسب اختلاف المقامات و بذلك تضافرت الاخبار و تواردت الاثار فهم علم الله النافذ في جميع الملك و الملكوت

ما في الديار سواه لابس مغفر

و هو الحمي و الحي و الفلوات

و انفذهم هو رسول الله9

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 130 *»

و لك ان تجعلهم العلم الانفذ نظرا الي اتحاد انوارهم ثم تجعل الانبياء و الاولياء كلا في مقامه و حده علما نافذا علي حذو ما مر و لماكان نوع الفقرات من نوع واحد و انا رجل مطلوب كثير الاشغال اقتصر علي الاشارة و الا فكل فقرة تحتاج الي كتاب مستقل و لك ان تجعل هذا المقام مقام ثالث اركان الولاية فانه ثالث اركان المشية و الولي هو المشية و امر النبي و حكمه و يده و لسانه يعطي به كل ذي حق حقه و يسوق به الي كل مخلوق رزقه و لماكان الحسين 7 هو ثالث اركان الولاية و كان العلم هنا ثالث اركان المشية اختص به و هو اصله و معدنه و مأواه و منتهاه و منه بدء هذا المقام و اليه ينتهي فهو العلم النافذ في جميع الذرات و هو ادني رتبة من القدرة كما ان الحسين7 ادني رتبة من الحسن و كل ما في الكون من علم حادث او وصف لله سبحانه بالعلم فهو من فضل توصيفه و تعريفه قد عرف الله لهم و وصفه عندهم بذلك العلم فتلك العلوم هي العلوم النافذة و هو العلم الانفذ في جميع الذرات علي حذو ما مر فافهم و تبصر.

الفصل الرابع‌عشر

قال7 اللهم اني اسألك من قولك بارضاه و كل قولك رضي اللهم اني اسألك بقولك كله.

هذه اقتباس من قوله تعالي يومئذ لاتنفع الشفاعة الا من اذن له الرحمن و رضي له قولا حيث نسب الرضاء الي القول فالقول المرضي ما وافق الواقع من حكمة الله و خلقه و دينه و مشيته المحبوبة او المطلقة فاقوال الله كلها مرضية لانها علي حسب الواقع و الحكمة و المشية و شرعه في الايجاد الجاري علي حسب العدل بحيث يرضي به جميع العقول السليمة و الافئدة الحكيمة و المراد بالقول هنا هو الامر و هو كلمة كن كماشرح الله جل و عز في كتابه و قال انما قولنا لشيء اذا اردناه ان نقول له كن فيكون فابان ان قوله هو كلمة كن و الكلمة التامة

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 131 *»

مقامها الفعل المستجمع لجميع المراتب اي الحلين و العقدين و ذلك ان الانسان اذا اراد ان ينطق بكلمة يأخذ الهواء في جوفه ثم يجريه في حلقومه ثم يقطعه في مقام الحروف في المقاطع الحرفية ثم يؤلف بين الحروف فيركبها كلمة تامة فالهواء الجاري المعبر عنه بالالف اللينية هو الحل الاول فينعقد في الحروف ثم ينحل الحروف عند التأليف و التركيب ثم ينعقد كلمة تامة و قد ابان الله عن هذه المراتب في كتابه حيث قال يرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته فمقام الرحمة هو مقام الهواء المقبوض في الجوف المعبر عنه بالنقطة و الرياح مقام حركة الهواء و الالف اللينية و قال الم تر ان الله يزجي سحابا ثم يؤلف بينه ثم يجعله ركاما فتري الودق يخرج من خلاله فالسحاب المزجي مقام الحروف و التأليف مقام التركيب و الركام مقام الكلمة التامة و الودق مقام الدلالة و الاثر الواقع منه في ارض الاذهان و قال عزوجل الله الذي يرسل الرياح فتثير سحابا فسقناه الي بلد ميت فاحيينا به الارض بعد موتها كذلك النشور فالرياح هي مقام الالف اللينية و السحاب المثار هو مقام الحروف بالجملة قد ابان في هذه الايات كيفية تكون السحاب المطير و ما تري في خلق الرحمن من تفاوت و كذلك خلقه الكلمة التي انزجر بها العمق الاكبر و قول الله و امره يتم في حلين و عقدين و لاتكون كلمة دالة الا بعد تمام الحلين و العقدين كما اشرنا اليه فلذلك ذكره7 في المرتبة الرابعة من مراتب الفعل فالنقطة و الرحمة في مقام العزة و الالف اللينية و الرياح في مقام المشية و الحروف و السحاب في مقام القدرة المستطيلة و التأليف في مقام العلم و الكلمة و الركام في مقام القول هذا تقسيم ظاهري و في الحقيقة الالف اللينية هي المادة النوعية و الصورة النوعية للحروف فاجزاء الهواء الرطبة و الهباء اذا امتزجا بالحل و العقد حصل منه البخار المتحرك و هو الريح ففي الريح يتم الحل الاول و العقد الاول و الحروف مقام المادة الشخصية و الهندسة و وضع الحدود فتركب بالقضاء و تركم كلمة بتمامه و وقوعه علي الامضاء الا انهما قريب و لكل وجه و علي الحالين القول التام مقام الكلمة و تمام الوجود الشخصي و الركام و

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 132 *»

لاجل ذلك اخره عن المراتب فالمراد بالقول هو المشية التامة اي كلمة كن و هذه الكلمة مختلفة في الكلية و الجزئية بحسب المشاءات و المخلوقات فالكلمة التامة المطلقة هي التي بها خلق الله الامكان الراجح فانه مخلوق لله سبحانه و كل مخلوق مخلوق بمشية الله و لماكان الامكان الراجح اعظم الاعماق و اكبرها خلقه الله تعالي باعظم الكلمات و اكبرها و ذلك الامكان مساوق مع المشية لان الامكان لو تقدم عليها لم‌يكن مخلوقا و لو تأخر لكانت المشية قديمة فهما مساوقان بل هما شيء واحد يقال باثنينيتهما لمايري من آثارها و الا فهما ابسط ما يمكن في الامكان و اوحده ثم من ظل تلك الكلمة خلق الله الامكان الجائز ثم من تنزله سائر الاكوان المقيدة كلا في حده و مقامه فكل شيء مخلوق بكلمة كن الاصلية او الظلية او التنزلية كلية او جزئية و ذلك قوله انما قولنا لشيء اذا اردناه ان نقول له كن فيكون و ليس ايجاد مجموع الخلق بكلمة واحدة كماسمعت و قال تعالي انما امره اذا اراد شيئا ان يقول له كن فيكون فلكل شيء له قول خاص به فله جل جلاله اقوال عديدة بعدد ذرات الموجودات و كلها رضي جار علي حسب العدل و الحكمة و علي احسن ما يمكن في الامكان كما قيل ليس في الامكان احسن مما كان و قد قال الصادق7 ان اسم هذا العالم بلسان اليونانية الجاري المعروف عندهم قوسموس (فرسموس خ‌ل) و تفسيره الزينة و كذلك سمته الفلاسفة و من ادعي الحكمة ان كانوا يسمونه بهذا الاسم الا لما رأوا فيه من التقدير و النظام فلم‌يرضوا ان يسموه تقديرا و نظاما حتي سموه زينة ليخبروا انه مع ما هو عليه من الصواب و الاتقان علي غاية الحسن و البهاء الخبر فجميع اقوال الله و اوامره جار بحيث يرتضيه طباع الحكماء و العلماء و يعلمون انها جارية علي حسب العدل و الحكمة و علي احسن ما يمكن فبلغوا بذلك مبلغ الرضا فرضوا بقضاء الله سبحانه و عن ابي‌عبدالله7 اعلم الناس بالله ارضاهم بقضاء الله عزوجل و عن ابي‌جعفر7 احق خلق الله ان يسلم لما قضي الله عزوجل من عرف الله

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 133 *»

عزوجل الخبر فجميع اقوال الله و اوامره رضية و ارضاها الكلمة الكلية العامة التي هي عالم المحبة و اصل الحكمة و العدل لانها تجلي الاله الواحد العدل الحكيم فسأل الامام7 ربه بارضي اقواله و اوامره الذي هو المشية الكلية ثم سأله علي ما مر بسائر وجوه المشية و رؤسها المتعلقة بسائر الاشياء الجارية كلها علي نهج الحكمة و الصواب و لك ان تأخذ ذلك بضرب من التأويل في الاقوال و الاحكام التشريعية فانها كلها رضية حسنة او الكتب المنزلة من السماء فانها كلها رضية نازلة علي احسن ما يمكن و ارضاها هذه الشريعة او القرآن او الولاية او الرسالة او التوحيد فانه ايضا وجيه. و في الباطن الاقوال آل محمد: كما قال الله سبحانه و لقد وصلنا لهم القول لعلهم يتذكرون فسئل ابوالحسن7 عن ذلك قال امام الي امام فهم اقوال الله سبحانه و كلماته التامات التي لايجاوزهن بر و لا فاجر اخبر الله و شهد بهم بتوحيده في ذاته و صفاته و افعاله و عبادته و اسمائه و صفاته و كمالاته و انواره و اخبر بهم عن البيان و المعاني و الابواب و الامامة و الفضائل التي لاتحصي و عن شرعه و دينه و احكامه و علوم ماكان و مايكون الي يوم القيمة و كلهم رضيون مرتضون و ارضاهم محمد9 او هم القول الارضي و سائر الانبياء و الاولياء ايضا اقوال ظلية لله سبحانه و الاثر علي طبق مؤثره فهم ايضا اقوال رضية لله سبحانه و لايجب ان يكون القول من مادة الهواء و يمكن ان يصاغ من كل مادة و علي كل لغة اليس يقول الله سبحانه بكلمة منه اسمه المسيح و يقول و جعلنا ابن مريم و امه آية و الاية مركبة من الكلمتين و مافوق و آل محمد: هم اولي بان يكونوا كلمة و قولا و كذلك الانبياء و الاولياء بل لك ان تقول بضرب من التأويل ان جميع العالم اقوال الله و كلماته كما مر في الكلمات قد صاغها الله مما شاء كيف شاء و كلها بهذا اللحاظ اقوال الله الرضية كما عرفت في حديث الصادق7 ان العالم زينة و علي غاية‌ الحسن و البهاء فجميع

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 134 *»

الاشياء رضية كونا و ارضاها افضل الخلق و اكمله و احسنه محمد و آل محمد: او العقل او المشية فتدبر فاني اطوي في طي كلماتي حكما كثيرة علي نحو التلويح لاجل الاختصار فهيهنا تم توسله7 بصفات الله الظاهرة في عالم الامر و الاطلاق بجميع مراتبه و تجلياته و ظهوراته و لنا ان نقول ان المشية في غاية البساطة الامكانية و ليس فيها تكثر من نحو ذاتها و يتأتي من كل جزء منها و لاجزء ما يتأتي عن الباقي فكلها عزة الله و كلها مشية الله و كلها قدرة الله و كلها علم الله و كلها قول الله فانها كما قال الله واحدة قال و ما امرنا الا واحدة فهي اوحد ما يمكن في الامكان كيف لا و كل كثرة خلقت بها فلايجري عليها ما هي اجرته و لايعود فيها ما هي ابدته الا انه7 سماها باسماء علي نهج ترتيب الحكمة و الصواب فلماكان قول الله يجري علي حسب علمه بالاحسن و بالحكمة و العدل اخره عن العلم لئلا يظن الظان انه يأمر بغير علم عن طبع او عبث او غير ذلك و اخر العلم عن القدرة لتعلم ان القدرة تجمع العلم و غيره و القادر يقدر علي العلم و غيره و العلم فرع القدرة و دونها و اخر القدرة عن المشية لتعلم ان القدرة فعلية و المشية المطلقة مقدمة عليها و القدرة المقدمة عليها ذاتية و قدر علي كذا و استطال علي كذا فعله و ظهور القدرة في الامكان المخلوق بالمشية و اخر المشية عن العزة فان العزة صفة منفردة عن المتعلقات و اشبه بصفات الذات و الله بعزته يشاء ما يشاء و يقدر و يعلم و يقول و هذه العزة هي احكي الصفات للاحدية اذ كل شيء دونها ذليل منقاد لها تابع لها و العزيز المطلق من لايذل لشيء و لايتبع شيئا فافهم ان كنت تفهم و  لك ان تجعل هذا المقام مخصوصا بالولي الرابع اي القائم عجل الله فرجه و تجعله القول لقوله تعالي اذا وقع القول عليهم اخرجنا لهم دابة من الارض الاية فانه هو القول الواقع و انه ارضي الاقوال اي ارضي الائمة: اذ افضلهم قائمهم اي افضل التسعة فلماكان هذا المقام رابع اركان المشية و الحجة7 رابع اركان الولاية و الولاية مقام فعل النبوة و مشيته اختص هو7

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 135 *»

به و جميع ما في الملك من قول فهو من فضل قوله و تعريفه قول الله لهم و بيانه امر الله و حكمه لهم فهو القول الارضي و سائر الاقوال كلها رضية بفضل كونه ارضي فتدبر.

الفصل الخامس‌عشر

قال7 اللهم اني اسألك من مسائلك باحبها اليك و كل مسائلك اليك حبيبة اللهم اني اسألك بمسائلك كلها.

اعلم ان المسألة اسم السؤال و ما يسأل و ما يسأل به و السؤال بمعني الطلب و حيث اضيفت الي الله سبحانه فالمراد بها ما يسأل او ما يسأل به و السائلون الله القوابل الامكانية فانها سائلة داعية ربها في قضاء مسائلها و مسائلها ما لها من شعاع ظل الكينونة و نور المشية و ان الله سبحانه يعطيها منه علي حسب درجاتها و مقادير اسؤلتها كما قال ادعوني استجب لكم و قال ما يعبأ بكم ربي لولا دعاؤكم و قلنا بان القوابل سائلة علما منا بان الله سبحانه احد و ذات مستقلة ليس بمعني اضافي فليس هو باقتضاء خلقه و لا بمقتض لهم و الا لكانوا قدماء لوجود المقتضي و عدم المانع و لايحدث فيه مقتضي الايجاد و ليس له بداوات و حالات تطرأه و لايصير محل الحوادث و لاشك ان الخلق حادث و لايحدث بغير مقتض و امتنع ان يكون من الله فوجب ان يكون من نفس الخلق فالخلق بانفسهم يقتضون من الله الايجاد فيقضي لهم و الاقتضاء و القضاء متساوقان لايسبق احدهما الاخر فيقضي الله جل و عز لهم ما يقتضون و هو قوله قل ما يعبأ بكم ربي لولا دعاؤكم فالقوابل الامكانية هي السائلة من الله سبحانه ما ينبغي لها من نور الكينونة و صفة المشية و هي المسألة و جميع الخلق كونا يسألون من الله ذلك و انوار الكينونة و صفات المشية كلها حبيبة لله سبحانه فان المحبوب محبوب للمجانسة و اي مجانسة اعظم من مابين الكينونة و نورها و المشية و صفتها فنور الكينونة احب الاشياء الي الله سبحانه و له مراتب و احب مراتبه الي الله ماكان منه لم‌يشب باصباغ القوابل

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 136 *»

الكثيفة و لم‌يبعد عن المبدء شيئا و لاشك ان احب المسائل الي الله سبحانه ما سأله قابلية المشية التي هي عالم فاحببت ان اعرف و من المقيدات احب المسائل العقل الذي قال الله له و عزتي و جلالي ماخلقت خلقا احب الي منك فالسائل هو القابلية و السؤال اقتضاؤها و استعدادها للانوجاد بفعل الموجد و المسألة الوجود المفاض علي الاشياء علي حسب درجاتها و لماكانت ركائب السؤالات كلها مناخة علي باب نواله سبحانه و اعناق السائلين كلها مستطيلة الي خوان احسانه و هو يعطيهم مسائلهم و يمنحهم ما سألوه و المسائل له و اليه اضيفت اليه سبحانه و احبها اقربها اليه و اولاها به و اطوعها له فالمسألة التي اعطيت قابلية المشية اياها هي الوجود المفاض عليها علي حسب سؤالها و هو الوجود المطلق و التجلي الاول له سبحانه فسأل الله الامام باحب المسائل اليه اي بماافاض و انعم به علي المشية من الوجود المطلق فانه اولي المسائل به سبحانه و اشبهها بمحبته و اعمها و اشملها و الغني الكريم كلما يكون مسألته اعظم كانت اليه احب و بشأنه اولي و بعظمه اقرب تعالي شأنه و عز جلاله و ان كان يحب جميع المسائل و جميع مسائله اليه حبيبة كماقال الصادق7 في حديث ان الله تبارك و تعالي يعلم ما يريد العبد اذا دعاه ولكنه يحب ان تبث اليه الحوائج فان دعوت فسم حاجتك و قال ابوجعفر7 ما من شيء افضل عند الله عزوجل من ان يسأل و يطلب ما عنده انتهي فتبين ان جميع المسائل اليه حبيبة الا ان احبها مقبول قابلية الامكان الراجح و هو الوجود الراجح و لك ان تقول ان العوالم الثلثة اي الملك و الملكوت و الجبروت هي مقامات قابلية العالم الاعظم اي ماسوي الله و السرمد هو المقبول و هو المسألة سألها قابلية العوالم ربها فاعطاها اياها و هو احب المسائل لا انه عالم احببت ان اعرف او تلاحظ شئون السرمد فتقول انها المسائل الحبيبة و احبها اصل شجرتها و لعلك تعلم ان الكرم اذا بلغ الغاية القصوي كان احب جميع ما في الدنيا اليه و اذا لزم ان يعزم عليه باحب الاشياء لديه و يتوسل اليه به لزم ان يعزم عليه بكرمه و

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 137 *»

عطائه و يتوسل اليه به و لنعم ما قال الشاعر و لله المثل الاعلي

ايا جود معن ناج معنا بحاجتي

فليس الي معن سواك دليل

فمن هذه الجهة توسل الامام7 الي ربه بعد فراغه من التوسل اليه بصفاته الظاهرة في المشية بمسائله و جمعها ليشمل جميع ما في عرصة الاطلاق و التقييد و للمسائل باطن هو اشهي و احلي و احب الي الله سبحانه و هو انوار محمد و آل محمد: و ذلك ان القوابل الامكانية لم‌تسأل ربها مسألة اعظم من الحقيقة المحمدية و الولاية المطلقة و هم سلام الله عليهم مقبول جميع القوابل الامكانية كما قالت الحكماء ان دورات القوابل ثلث الجمادية و المعدنية و النباتية اي بنية الطبيعة تستقيم و تعتدل في هذه الدورات ثم تصلح لاشراق الحيوانية السماوية فقوابل العالم لما اعتدلت بعلم الشريعة و علم الطريقة و علم الحقيقة صلحت لظهور امرهم و تجلي سرهم كما قال الصادق7 ان امرنا هو الحق و حق الحق و هو الظاهر و باطن الظاهر و باطن الباطن و هو السر و سر السر و سر المستسر و سر مقنع بالسر انتهي او انه لماكمل الناس في القوي العنصرية و القوي الفلكية و القوي الكرسية صلح بنيتهم لتحمل ظهور عرش الخاتمية فيهم او يلحق الكرسية بالفلكية نظرا الي ان الافلاك شئون الكرسي ثم كمل فيهم العرشية جاءتهم الذكري بمقتضي ان في ذلك لذكري لمن كان له قلب فظهر امرهم سلام الله عليهم و هو الرحمانية المستولية علي عرش العالم او انه لمابدت آثار صفات الفعل و صفات الاضافة و صفات القدس صلح العالم لظهور الذات في الذوات للذات او انه لما عمر العالم بظهور نور الامامة و الابواب و المعاني صلح و استعد العالم لظهور نور البيان و بجميع هذه الوجوه و غيرها هم احب المسائل الي الله تعالي في الدعاء لا حبيب الا هو و اهله فاذا سأل الله الامام باحب المسائل فقد سأله بمحمد و آل محمد: و سائر المسائل سائر مراتب المقبولات اذ لكل واحدة مقبول و قابل فافهم ان كنت تفهم و اما اذا اخذ المسائل بمعني ما يسأل به كما في دعاء عرفة اسألك بكل

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 138 *»

اسم اوجبته و بكل اسم هو لك و كل مسألة حتي ينتهي الي اسمك الاعظم الاعظم الاكبر الاكبر العلي الاعلي الذي استويت به علي عرشك و استقللت به علي كرسيك و هو اسمك الفاضل الكامل الذي فضلته علي جميع اسمائك يا رحمن الدعاء فالمراد بالمسائل ما يعزم به علي الله و يقسم به عليه و هي اسماؤه سبحانه و احب الاسماء اليه اعظمها و الاسم الاعظم باعتبار هو الله اذ ليس اسم لله اعظم منه و هو المهيمن علي جميع الاسماء يوصف بكل اسم و لايوصف به اسم فهو احب الاسماء الي الله سبحانه و احب ما يسأل به و ان كان جميع الاسماء حبيبة لله سبحانه فسأل الامام7 ربه بالله اولا ثم بجميع الاسماء علي ما مر في الاسماء و لك ان تجعل الاسم الاعظم الرحمن كما في دعاء عرفة اذ هو اسم الله المفضل علي جميع الاسماء و الله هو المسمي بالرحمن.

و اما باطن ذلك فاعظم ما يسأل الله به هو محمد9 اذ لم‌يخلق الله خلقا و وسيلة و مسألة اعظم منه و سائر الاسماء هم آله علي ما مر و لك ان تجعل المسألة الحبي عليا7 و محمدا9 وجه المسئول و سائر الاسماء الائمة: علي ما مر و لك ان تجعل المسألة الحبي محمدا و آل محمد: و سائر الاسماء الانبياء و الاولياء: و لك ان تجعل محمدا و آل محمد: وجه المسئول و تجعل الانبياء المسائل و احبها اولي العزم و نعم ما قال ابن ابي‌الحديد:

صفاتك اسماء و ذاتك جوهر

بريء المعاني من صفات الجواهر

تجل عن الاعراض و الكيف و المتي

و تكبر عن تشبيهها بالعناصر

و باقي المسائل سائر الانبياء و لك ان تجعلهم جميعا جاهك و المسائل الشيعة و احبها النقباء بالجملة ليس لكلامهم وجه واحد و انهم يتكلمون بالكلمة و يريدون منها سبعين وجها لهم من كلها المخرج فروي نحن امراء الكلام و فينا قد تهدلت غصونه و تنشبت عروقه و لاشك ان الكلام دليل عقل المتكلم فلاغاية لمعاني كلماتهم و لانهاية

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 139 *»

ثم لمافرغ الامام7 من التوسل بوجوه صفات الله الظاهرة في مقام الوجود المطلق شرع في التوسل بصفات الله الظاهرة في الوجود المقيد.

الفصل السادس‌عشر

قال7 اللهم اني اسألك من شرفك باشرفه و كل شرفك شريف اللهم اني اسألك بشرفك كله.

اعلم ان الامام7 لماتوسل الي ربه بصفاته الظاهرة في مقامات الوجود الحق و مقامات الوجود المطلق اراد ان يتم دعوته بالتوسل اليه بجميع مراتب صفاته الظاهرة في مقامات الوجود المقيد ليكون دعوته اكمل و توسله ابلغ و لكي يدعو الله بالسنة جميع خلقه و يدخل عليه من جميع ابوابه التي هي مظاهر كمالات وحدانيته جل و علا فيكمل قابلية دعوته و مقتضي اجابته فلايمنعه الله اياها اذا توسل اليه بجميع وسائله جل و عز فشرع في التوسل بصفاته الظاهرة في عرصة الوجود المقيد و هي كثيرة لاتحصي الا انه7 جمعها في خمسة اسماء نظرا الي ان جميع الوجود المقيد منحصر في غيب و شهادة كما قال تعالي شأنه عالم الغيب و الشهادة و لكل منهما مقامان عال و دان مقام فاعلية و مقام مفعولية و سماء و ارض و روح و جسد و امثال ذلك فانحصر عرش الخلق في هذه الاركان الاربعة و عليه رحمن مستول عليه و حقيقة مهيمنة علي الكل فذلك خمسة مقامات عليها تدور رحي سائر الاسماء و الصفات فابتدأ7 علي ما مر في الوجودين السابقين بالحقيقة المهيمنة علي اركان عرشه فقال اللهم اني اسألك من شرفك الفقرة فاعلم ان الشرف في اللغة بمعني المكان العالي و العلو في الرتبة و المجد و علو الحسب و النسب و المراد بشرف الله سبحانه هنا صفته الظاهرة في مقام الفؤاد الكلي الذي هو فوق جميع مراتب الوجود المقيد و سنامه و ذروته لايعلو عليه عال و لايفوقه فائق و لايسبقه سابق و لايطمع في ادراكه طامع فهو اشرف من

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 140 *»

كل شريف و امجد من كل مجيد و له وجوه و رؤس بعدد ذرات المخلوقات فان لكل مخلوق فؤادا في حده و مقامه و قد عرف الله له نفسه به بانه شريف عال و به يعرف كل مخلوق شرفه و يقر به و يؤمن بانه تعالي شريف و كل فؤاد من حيث الوصفية شرفه سبحانه و هو شريف علي الا ان اشرف جميع افراد شرفه الفؤاد الكلي الذي للعالم الكلي و لماوصل الكلام الي هنا تذكرت معني للصفة و وجه تعددها بحسب كل مقام احب ان اذكره هنا.

اعلم ان الله الاحد جل شأنه اول ما تجلي تجلي بمشية واحدة كما قال و ما امرنا الا واحدة و هي اي تلك المشية ابسط ما يمكن في الامكان و اوحده بحيث تفوق احديتها جميع افئدة الخلائق حتي الانبياء التي بها يعرفون احدية ربهم و يصفونه بالاحد اذ جميع الافئدة آثارها و الاثر اشد تكثرا من المؤثر بسبعين مرة فما ظنك باحدية المشية فاذا لايدرك فيها تكثر بوجه من الوجوه بل ليس فيها تكثر لان جميع الكثرات قد خلقت بها و لايجري عليها ما هي اجرته و لايعود فيها ما هي ابدته و هذا التجلي هو اعظم صفة وصف الله نفسه به و اقدسها و اعمها و اشملها و اوحدها و ابعدها عن التعينات و الخصوصيات و كل صفة غيرها دونها و اما ما ذكرنا نحن فيها من المراتب و الصفات فليس مرادنا انها في ذاتها بل هي في ظهورها و آثارها و ذكرناها فيها من باب التزييل الفؤادي و المراد بالتزييل الفؤادي ان الفؤاد لما رأي في آثار مؤثر شيئا و عرف ان الاثر علي طبق صفة مؤثره فالفؤاد يزيل مراتب المؤثر اي يفرق و يميز بينها لما يري في آثاره و يجري حكم الاثار فيه علي نحو اشرف و اوحد و اعلي و الا ففي الحقيقة لايجري كثرات الاثار في المؤثر ابدا فالمشية هي التجلي الوحداني المعري  عن كل كثرة فلماتجلت للقوابل الامكانية اشرقت تلك القوابل بنورها و لماطالعتها تلألأت فكملت و زادت لطيفتها و هي المثال الملقي في هوياتها منها فانصبغ ذلك المثال في تلك الهويات و كملت به و انارت بعد ما استضاءت بانوار منصبغة متعينة فحدثت صفات متعددة متعينة للعالي عندها فيها و بها و آية ذلك في الافاق نور الشمس الوحداني اذا وقع علي الزجاجات المتعددة المتلونة بالوان المتشكلة

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 141 *»

باشكال مختلفة ينصبغ و يتشكل فيها علي حسبها فينعكس عنها انوار متعددة باصباغ و اشكال مختلفة فتصف النور حينئذ بل الشمس فان نور الشمس شمس بالحقيقة الثانية فتقول نور احمر مثلث مثلا و نور اصفر مربع و نور اخضر مستطيل و هكذا بل شمس حمراء مثلثة و صفراء مربعة و خضراء مستطيلة فحدثت هذه الصفات للشمس و نورها عند تلك القوابل المتعينة و لم‌يكن من تلك الكثرات قبلها من تمثل و وجود و اية ذلك في نفسك روحك البخاري فانه حقيقة واحدة حية دراكة متحركة علي نحو الابهام فاذا وقع نورها علي الاعضاء و الجوارح اتصف في بطونها و ورائها بصفاتها فتصفها بالبصيرة و السميعة و الذائقة و الشامة و اللامسة و الناطقة و الماشية و القائمة و القاعدة و المعطية و الاخذة و هكذا و كذلك امر صفات الله سبحانه فالله سبحانه احد منفي عنه الصفات و مشيته واحدة مبراة عن التعينات فلماوقع نورها في بطون القوابل الامكانية انصبغ في بطن كل قابلية بصبغه و شكله فتسميه في بطن الخلق بالخالق و في بطن الرزق بالرازق و هكذا و مواقع تلك الصفات بطون القوابل و له معني الخالقية اذ لامخلوق و معني الرازقية اذ لامرزوق و هو القدرة علي ما يشاء كما ان معني السميعية و البصيرية الدرك المطلق و هو ثابت للروح و اما مواقع الصفات فهي الاعضاء و هذا معني قول الصادق7 من عرف مواقع الصفة بلغ قرار المعرفة و من الصفات هذه الصفات الخمس الكلية التي نحن بصدد بيانها فاولها صفة الشرف فهو له سبحانه في مقام الفؤاد الكلي لانه اعلي المراتب الخلقية و امجدها و افضلها فلما ظهر نور التجلي الاعظم فيه تعين بالعلو و المجد و الشرف فسمي الرب جل جلاله فيه بالشريف و اشرف انواع الشرف في الفؤاد الكلي و هو النور الاول الاطلاقي الخلقي الذي صدر من المشية الطاوي لجميع الافئدة الجزئية اذ كلها شعاعها و نورها و لله سبحانه شرف في جميعها و هو في كلها شريف الا ان اشرفها ذلك الفؤاد الكلي الذي هو اعظم وصف وصف الله نفسه به للخلق و افضل شرف تعرف به لخلقه فسأل الله الامام7 من صنوف شرفه التي استعلي بها علي خلقه و وصف نفسه بها باشرفه اولا ثم تدارك ذلك بان

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 142 *»

جميع شرفه تعالي قدره شريف فسأله بعده بجميع صنوف شرفه ليكون متوسلا بجميع وسائل الله واقفا علي جميع ابواب الله سائلا بكل لسان و هذا ظاهر المراد.

و اما باطنه فالمراد بالشرف هو ما ظهر في محمد و آل محمد: من الاستعلاء و الشرف علي سائر افراد الخلق كما في الزيارة طأطأ كل شريف لشرفكم و بخع كل متكبر لطاعتكم و خضع كل جبار لفضلكم و ذل كل شيء لكم و ذلك ان الشرف بمعني العلو سواء كان حسيا كما روي في الخبر كان يكبر علي كل شرف من الارض او معنويا كما يسمي كل من له مزية علي غيره شريفا و لو في المال كما روي اذا جاءكم شريف قوم فاكرموه و فسره بذي مال فلما آتاهم الله ما لم‌يؤت احدا من العالمين شرفهم بشرف لايساوي و علاهم بتعلية لاتضاهي فمنحهم من النسب اكرمه و من النور اضوأه و من الطينة اطيبها و من الخلق اعظمه و من المزاج اعدله و من الحسن اجمله و من العلم اوسعه و من اليقين اشده و من المعرفة اكملها و من العبادة اتمها و من الطبع اقومه و من النفس ازكاها و من الفهم اغزره و من الاخلاق احمدها و من الصفات احسنها و من القدر اجله و من الملك اعظمه و من المنزلة ارفعها و هكذا من كل خير اكمله و طهرهم من كل رجس و زكاهم من كل نقص و برأهم من كل عيب و اوضح جلالتهم لكل احد حتي لم‌يبق ملك مقرب و لانبي مرسل و لا صديق و لا شهيد و لا عالم و لا جاهل و لا دني و لا فاضل و لا مؤمن صالح و لا فاجر طالح و لا جبار عنيد و لا شيطان مريد و لا خلق فيما بين ذلك شهيد الا عرفهم جلال قدرهم و عظم خطرهم و كبر شأنهم و تمام نورهم و صدق مقاعدهم و ثبات مقامهم و شرف محلهم و منزلتهم عنده و كرامتهم عليه و خاصتهم لديه و قرب منزلتهم منه فهم شرف الاشراف و اوتاد الاكناف و عماد الاطراف فهم شرف الله سبحانه الشريف ظهر بهم بالاستعلاء علي كل احد و بالمجد و الارتفاع علي كل موجود و اشرفهم محمد9 فانه سنادهم و عمادهم و مبدؤهم و منتهاهم و كذلك ما للانبياء و المؤمنين من الشرف فمن فضل شرفهم و كل ذي شرف نال شرفا فبما ظهر عليه من شرفهم

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 143 *»

ان ذكر الخير كنتم اوله و اصله و فرعه و معدنه و مأواه و منتهاه و جميعها عند العارف بالله الشاهد له في كل شيء بمقتضي ما رأيت شيئا الا و رأيت الله قبله شرف الله الشريف و اشرف الكل محمد9 فسأل7 ربه بمحمد و آل محمد: و بانوارهم و اشعتهم هذا و هم: في مقام حقيقة الكائنات و آية الله في الموجودات و وصف الله نفسه في البريات فهم الفؤاد الاعظم الكلي في جميع المذروءات اقامهم الله مقامه في سائر عوالمه في الاداء عنه توحيده في المراتب الاربع و سائر كمالاته و انواره و صفاته و اسمائه فهم اشرف انواع شرف الله و لك ان تخص مقام الشرف هنا بمحمد9 فانه اعلي الكل و الواجد لما لم‌يجده احد من العالمين حتي الائمة الطاهرين و لماكان الكل من نوره و ظهوره فكل من له نوع شرف و مزية فمن فضل نوره9 خاصة و ان كان بسائر الائمة: الا ان الشرف في الكل عكس المحمدية المحمودة و من حكايته له شرف الله جل جلاله و هو الواقف بالمنظر الاعلي و بالافق المبين و شرف عرصة الامكان و اعلي مدارجه و هو في مقام الرحمانية المشرفة علي عرش الوجود المقيد ليس شيء اقرب اليه من شيء آخر فسأل الامام7 ربه بحق محمد9 فانه اشرف من كل شريف و توسل اليه به و تقرب به اليه ثم تدارك ذلك بان كل شرفك اي كل آل محمد المستعلين علي سائر الخلق شريف علي ماجد فاسألك بكل آل محمد: و لك ان تجعل الشرف الاشرف محمدا و آل محمد: فانهم كلهم من نور واحد و طينة واحدة و باقي صنوف الشرف هم الانبياء و المرسلون و لك ان تجعلهم وجه الخطاب و تجعل الاشرف اولي العزم او المرسلين و باقي الشرف الانبياء و لك ان تجعل جميعهم وجه الخطاب فانهم اعلي منك و اعلي اذكارك دونهم و تجعل الشرف الاشرف مقام النقباء و باقي الشرف النجباء لظهور استعلاء الله و مجده بهم و لماكان جميع الفقرات من نوع واحد اقتصرنا علي الاشارة و ان شئت ان تفهم فقرة كما ينبغي لابد لك ان تراجع الباقي فافهم و تبصر.

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 144 *»

الفصل السابع عشر

قال7 اللهم اني اسألك من سلطانك بادومه و كل سلطانك دائم اللهم اني اسألك بسلطانك كله.

اعلم ان السلطان الحجة و منه قوله تعالي ام انزلنا عليهم سلطانا فهو يتكلم بما كانوا به يشركون اي حجة و القدرة و منه قوله تعالي و من قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا اي قدرة علي القصاص و الوالي و منه قوله تعالي و اجعل لي من لدنك سلطانا نصيرا اي واليا نصيرا و قيل ان السلطان جمع سليط بمعني الدهن سمي الملك به لانه يضيء الملك فيؤنث حينئذ او لاجل انه بمعني الحجة و ان لوحظ فيه الرجل ذكر و المراد هنا القوة و القدرة علي الملك و التسلط علي ماسواه و موقع هذه الصفة العقل و الروح و النفس التي هي افلاك عالم الغيب و مظاهر سلطان الله و قوته و قدرته و استيلائه و تصرفه و تدبيره و ذلك ان عالم الغيب له مراتب فعلية و هي النفوس و مراتب مفعولية و هي الطبائع كما ان لعالم الشهادة مراتب فعلية و هي الافلاك و مراتب مفعولية و هي العناصر فالنفوس لما صارت مظاهر افعال الله سبحانه و ايدي مشيته و اكمام ارادته صارت مظاهر الولاية و السلطنة و القدرة و معادن الامداد و الافاضة و مكامن المشية و الارادة و التقدير فلاشك ان في عالم الخلق مظهر السلطنة العامة علي جميع الغيب و الشهادة هو النفس و مرادي منها هنا الاعم من الروح و العقل فهي ربوبية جميع مادونها صادر عن امرها راجع اليها منقاد لحكمها و جميع ماسوي النفس رعيتها و عليها رعية و تدبيره كماتري في بدنك ان سلطان بدنك نفسك و هي الحاكمة بالاستقلال الامرة الناهية القادرة القاهرة و جميع مراتب وجودك خادمها و لها مضافة اليها و هي مالكها تقول طبعي و مادتي و مثالي و قلبي و صدري و حواسي و جوارحي فتضيف الكل الي نفسك فهي المالكة بالاستقلال و يتصرف كل عضو منك بارادتها و محبتها فتفعل فتقول احب هذا و تترك و تقول اكره هذا فعلي هذه فقس النفس الكلية في العالم فالسماء سماؤها و الارض ارضها و الحركة حركتها

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 145 *»

و السكون سكونها و الامر امرها و النهي نهيها و الحكم حكمها لايتحرك ذرة في السموات و الارض الا بامر خاص و عناية خاصة منها فاي سلطان اعظم من هذا السلطان و اي وال اعظم من هذا الوالي و هذا السلطان هو سلطان الله جل جلاله كما ان قبض ملك الموت قبض الله فيقول الله سبحانه قل يتوفاكم ملك الموت الذي وكل بكم ثم يقول الله يتوفي الانفس و خلق غيره خلقه كمايقول تبارك الله احسن الخالقين و يقول تخلق من الطين كهيئة الطير ثم يقول قل الله خالق كل شيء و رزق كل احد رزقه كمايقول والله خير الرازقين و يقول فارزقوهم فيها ثم يقول الله الذي خلقكم ثم رزقكم ثم يميتكم ثم يحييكم هل من شركائكم من يفعل من ذلكم من شيء و من هذا القبيل كثير في القرآن و ذلك ان الله سبحانه احد اولي بخلقه من خلقه فلافاعل في الوجود الا الله و لاكامل في الملك الا هو هو المتفرد بكل كمال و قوة و قدرة و سلطان فلاينافي سلطنته سلطنة النفس الكلية الالهية في العالم فان سلطانها سلطان الله نحو قوله و مارميت اذ رميت ولكن الله رمي الا تري ان نفسك سلطان بدنك و لاينافي سلطان الله فکذلک النفس الکلية سلطان جميع الغيب و الشهادة و لاينافي سلطنتها سلطنة الله جل جلاله بل هي سلطنة الله الفعلية علي جميع ماسواه و النفس هي دهرية دائمة خالدة لاانقطاع لامدها و لانفاد لمددها فهي باقية لاسيما انها من حيث الوصفية لله سبحانه سرمدية بل من حيث الاعلي ازلية بالازلية الاولي فهي سلطان الله الدائم الباقي و كل سلطان سواه الي فناء و انقراض سوي سلطانه تعالي فسأل الله سبحانه اولا بسلطانه الادوم و هو سلطان النفس الكلية الالهية التي يقول في شأنها اميرالمؤمنين7 فهي ذات الله العلياء و شجرة طوبي و سدرة المنتهي من عرفها لم‌يشق و من جهلها ضل و غوي ثم سأل بسائر سلطان الله الجزئية و هي النفوس الجزئية المستولية علي محالها الخاصة و هي كلها من حيث الدهرية او السرمدية او الازلية الاولية و هي الازلية الكمالية دائمة في محلها فمن توسل الي الله بسلطان الله ليس يخيب البتة

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 146 *»

و ينال مطالبه و يبلغ مآربه فان الكل محكوم بحكمه متصرف عن امره و نهيه هذا في ظاهر الامر.

و اما الباطن من ذلك فالمراد بسلطان الله جل جلاله هو الولي و هو اميرالمؤمنين7 فانه المعطي كل ذي حق حقه و السائق الي كل مخلوق رزقه و اما محمد9 فهو اجل من مقام مباشرة السلطنة بنفسه الا بنفسه سلام الله عليها كما ان الله سبحانه اجل من مباشرة السلطنة بنفسه و صار مباشرة نفسه القائمة بالسنن سلطنته فمحمد9 هو وجه الخطاب و آية رب الارباب و جميع ما يضاف اليه هو المضاف الي الله سبحانه فسلطانه سلطان الله جل جلاله و ملكه ملكه و امره امره و فعله فعله قال الله سبحانه تعليما لنبيه9 و قل رب ادخلني مدخل صدق و اخرجني مخرج صدق و اجعل لي من لدنك سلطانا نصيرا و قد استجاب الله له و جعل له من لدنه سلطانا نصيرا له و هو علي7 فهو السلطان النصير الذي جعل الله له مخصوصا به لايكون لغيره ابدا فهو سلطانه في ملكه و وليه علي رعيته و هو الولي النصير في قوله و اجعل لنا من لدنك وليا و اجعل لنا من لدنك نصيرا فعلي7 هو السلطان الظاهر و باطنه الذي هو محمد9 اجل من ان يقترن برعية و ملك لانه فوق مشاعر العباد يقول السلطان ظاهري امامة و وصية و باطني غيب ممتنع لايدرك و ما علي ان اذكر بعض فضائله و جلال سلطنته صلي الله عليه و لكني اروي و علي الراوي صحة الرواية فمن كان له بحث فعليه بصاحب الكلام روي في المشارق عنه7 قال قال7 انا عندي مفاتيح الغيب لايعلمها بعد رسول الله الا انا انا ذو القرنين المذكور في الصحف الاولي انا صاحب خاتم سليمان انا ولي الحساب انا صاحب الصراط و الموقف انا قاسم الجنة و النار انا آدم الاول انا نوح الاول انا آية الجبار انا حقيقة الاسرار انا مورق الاشجار انا مونع الثمار انا مفجر العيون انا مجري الانهار انا خازن العلم انا طور

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 147 *»

الحلم انا اميرالمؤمنين انا عين اليقين انا حجة الله في السموات و الارضين انا الراجفة انا الصاعقة انا الصيحة بالحق انا الساعة لمن كذب بها انا ذلك الكتاب لاريب فيه انا الاسماء الحسني التي امر الله ان يدعي بها انا ذلك النور الذي اقتبس موسي منه الهدي انا صاحب الصور انا مخرج من في القبور انا صاحب يوم النشور انا صاحب نوح و منجيه انا صاحب ايوب المبتلي و عافيه انا اقمت السموات بامر ربي انا صاحب ابرهيم انا سر الكليم انا الناظر في الملكوت انا امر الحي الذي لايموت انا ولي الحق علي سائر الخلق انا الذي لايبدل القول لدي و حساب الخلائق الي انا المفوض الي امر الخلائق انا خليفة الاله الخالق انا سر الله في بلاده و حجته علي عباده انا امر الله و الروح كماقال الله و يسألونك عن الروح قل الروح من امر ربي انا ارسيت الجبال الشامخات و فجرت العيون الجاريات انا غارس الاشجار و مخرج الوان الثمار انا مقدر الاقوات انا منشر الاموات انا منزل القطر انا منور الشمس و القمر و النجوم انا قيم القيمة انا مقيم الساعة انا الواجب له من الله الطاعة انا حي لااموت و اذا مت لم‌امت انا سر الله المخزون انا العالم بما كان و ما يكون انا صلوة المؤمنين و صيامهم انا مولاهم و امامهم انا صاحب النشر الاول و الاخر انا صاحب المناقب و المفاخر انا صاحب الكواكب انا عذاب الله الواصب انا مهلك الجبابرة الاول انا مزيل الدول انا صاحب الزلازل و الرجف انا صاحب الكسوف و الخسف انا مدمر الفراعنة بسيفي هذا انا الذي اقامني الله في الاظلة و دعاهم الي طاعتي فلماظهرت انكروا فقال سبحانه فلماجاءهم ما عرفوا كفروا به انا نور الانوار انا حامل العرش مع الابرار انا صاحب الكتب السالفة انا باب الله الذي لايفتح لمن كذب بها و لايذوق الجنة انا الذي تزدحم الملائكة علي فراشي و تعرفني عباد اقاليم الدنيا انا الذي ردت لي الشمس مرتين و سلمت علي كرتين

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 148 *»

و صليت مع رسول الله القبلتين و بايعت البيعتين انا صاحب بدر و حنين انا الطور انا الكتاب المسطور انا البحر المسجور انا البيت المعمور انا الذي دعا الله الخلائق الي طاعتي فكفرت و اضرت فمسخت و اجابت امة فنجت و ازلفت انا الذي بيده مفاتيح الجنان و مقاليد النيران انا مع رسول الله في الارض و في السماء انا المسيح حيث لاروح تتحرك و لا نفس تتنفس غيري انا صاحب القرون الاولي انا الصامت و محمد الناطق انا جاوزت موسي في البحر و اغرقت فرعون و جنوده انا اعلم هماهم البهائم و منطق الطير انا الذي اجوز السموات السبع و الارضين السبع في طرفة عين انا المتكلم علي لسان عيسي في المهد انا الذي يصلي عيسي خلفي انا الذي اتقلب في الصور كيف شاء الله انا مصباح الهدي انا مفتاح التقي انا الاخرة و الاولي انا الذي اري اعمال العباد انا خازن السموات و الارض بامر رب العالمين انا القائم بالقسط انا ديان الدين انا الذي لاتقبل الاعمال الا بولايته و لاتنفع الحسنات الا بمحبته انا العالم بمدار الفلك الدوار انا صاحب مكيال قطرات الامطار و رمل القفار باذن الملك الجبار انا الذي اقتل مرتين و احيي مرتين و اظهر كيف شئت انا محصي الخلائق و ان كثروا انا محاسبهم و ان عظموا انا الذي عندي الف كتاب من كتب الانبياء انا الذي جحد ولايتي الف امة فمسخوا انا المذكور في سالف الزمان و الخارج في آخر الزمان انا قاصم الجبارين في الغابرين و مخرجهم و معذبهم في الاخرين و انا معذب يغوث و يعوق و نسرا عذابا شديدا و انا المتكلم بكل لسان انا شاهد اعمال الخلائق في المغارب و المشارق انا محمد و محمد انا انا المعني الذي لايقع علي اسم و لا شبه انا باب حطة و لاحول و لاقوة الا بالله العلي العظيم انتهي و هذا بعض وجوه سلطنته و انت لو عرفت المثال الذي ذكرناه بدلالته ان النفس الكلية الالهية التي هي نفس الله القائمة فيه بالسنن و عينه التي من عرفها يطمئن في هذا العالم كنفسك في بدنك و تلك النفس الكلية

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 149 *»

هي هو صلوات الله عليه كما في زيارته السلام علي نفس الله القائمة فيه بالسنن لسهل عليك معرفة هذا كله و عرفت ان هذا التفصيل للذين لايعرفون الاجمال و لايدركون معني حقيقة الحال فهو هو السلطان المتعال من الله ذي الجلال و هو السلطان الادوم و الولي الاقدم في الزيارة السلام علي الاصل القديم و الفرع الكريم و اينما ظهر سلطان من الله سبحانه فهو من شعاع سلطنته و نور ولايته فكان حقا ان استقام صاحبه علي صراط الولاية و باطلا ان اعوج و حاد عن طريق الهداية و السلطان سلطانه و القدرة و الحجة قدرته و حجته و ان شئت ان تأخذ سلطان سائر الائمة: افراد السلطان الدائم و تجعل سلطانه صلوات الله عليه السلطان الادوم لانه صاحب مقام الكلية و الولاية المطلقة العامة الالهية فلك فهو بهذا اللحاظ و تقدم رتبته ادوم و لاضير و لك ان تجعل السلطان الادوم مقام ال محمد: لانهم من نور واحد و سائر افراد السلطان سلطان سائر الانبياء و المرسلين كما قال الله سبحانه لموسي و هارون و اجعل لكما سلطانا فلايصلون اليكما بآياتنا انتما و من اتبعكما الغالبون و الايات هي آل محمد: فهما ممتنعان عن كيد الاعداء بهم صلوات الله عليهم و بالتوسل بولايتهم و ان جعلت السلطان الادوم مقام حجج الله المعصومين فافراد السلطان الدائمة هم النقباء و النجباء فانهم حكام الله في خلقه و هم سلاطين الدنيا باذنه و اذنهم سلام الله عليهم و هم صاحب الولاية و يظهر سلطانهم حين ظهور دولة الحق و هكذا لكلامهم معاني عديدة لايسعني فهم جميعها و لاذكر جميع ما افهم منها بالجملة لماكان علي7 هو اول اركان عرش الولاية المستوي عليه النبي9 و كان مقام السلطان هنا اول اركان عرش الوجود المقيد اختص به7 فهو الحامل لهذا الركن و الظاهر به و المتولي امره و الظاهر بالسلطان العظيم و كل سلطان دونه تابع له كما بينا في الفصول السابقة من القواعد الكلية فهذه قطرة من بحار فضائلهم التي لاتنزف و رشحة من رشحات مناقبهم التي لاتغرف صلوات الله عليهم ما نطق ناطق و ذر شارق فافهم.

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 150 *»

الفصل الثامن عشر

قال7 اللهم اني اسألك من ملكك بافخره و كل ملكك فاخر اللهم اني اسألك بملكك كله.

اعلم ان الملك هو الشيء الذي يملك يقال ملكت الشيء اذا احتويته قادرا علي التصرف فيه كيف ما تشاء و ملك علي الناس اذا تولي السلطنة و الملك يجيء مصدرا و يجيء اسما لمايملك و بمعني السلطان و العظمة و الفخر التمدح بالخصال و الفاخر الجيد من كل شيء فالملك الفاخر السلطنة الجيدة المتمدحة بالخصال الكريمة و العظمة التي هي كذلك او المملوك الذي هو كذلك و المراد بالملك هنا عالم الطبيعة و مرادي بعالم الطبيعة ما يحتوي الطبيعة و المادة و المثال و الجسم لان المادة هي حصة من الطبيعة مأخوذة قد البست المثال و المثال نهايات تلك المادة و حدودها و الجسم هو المركب من المادة و المثال فكلها في عالم الطبيعة فآية الطبيعة العناصر هنا و المادة حصة تؤخذ منها فتمثل علي تمثال المواليد و آية الجسم هي المولود الحاصل فعالم الطبيعة في عالم الغيب بمنزلة ارض عالم الشهادة و افلاكه النفس و الروح و العقل الدائرة علي الطبيعة المدبرة لها و المراد بالملك هو هذا العالم لغلبة ظهور المملوكية فيه بخلاف النفوس فان الغالب عليها المالكية و لذلك خصصناها بالسلطنة فهذا الملك ملك ذلك السلطان و متصرف عن امره و نهيه و متقلب بين اصبعيه به تحركت متحركاته و سكنت سواكنه و هذه العوالم الثلثة اي الشرف و السلطان و الملك هي التي اشار الله سبحانه اليها بقوله بسم في البسملة و قد روي ان الباء بهاء الله و السين سناء الله و الميم ملك الله فمظهر البهاء في الخلق هو عالم الشرف و مظهر السناء الذي هو نور البهاء هو عالم السلطان و مظهر الملك هنا هو عالم الطبيعة و هو الملك و هذا الملك لاحتوائه علي جميع الخلائق فاخر متمدح بجميع الكمالات و فاخر علي ملك كل ذي ملك فان كل ذي ملك مملوك و بعض هذا الملك لله سبحانه فاني يفاخره ملك مالك و هذا العالم من حيث الرب ملك مضاف الي الله سبحانه و مظهر لقدرته و

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 151 *»

احتوائه و مظهر لسلطانه و عظمته و السلطان و الملك اضافيان فلاظهور للسلطنة الا في الملك و لاتحقق للملك الا بالسلطان فالملك في مقامه دائم كما ان السلطان في مقامه دائم و لذلك قد روي في الدعاء اللهم يا ذا الملك المتأبد بالخلود و في بعض الادعية اللهم اني اسألك باسمك العظيم و ملكك القديم و في الخطبة ماكان خلوا من ملكه قبل انشائه و لايكون خلوا منه بعد ذهابه يعني به في الرتبة العلياء و الا فهو في رتبته دائم بالجملة الذي يظهر في عالم الطبيعة ملك الله و سلطانه و قوته و هو الملك الفاخر الذي لايساجل و بحر العظمة الذي لايساحل و السلطان الذي لايماثل و السلطان هنا بمعني القدرة التي هي صفة القادر الذي هو السلطان بمعني الوالي فالامام7 سأل ربه بملكه اي بملكته الفخري التي هي اوسع الممالك و اعظمها و اكبرها اولا ثم بسائر ممالكه الجزئية الفاخرة و بمالكيته و قدرته علي ايجاد المملوك و عظمته الفاخرة اي المتمدحة بجميع خصال الخير و الكمالات من متممات السلطنة من العدل و العظمة و الرحمة و الانصاف و الكرم و غير ذلك و الملك نوعان كلي و جزئي فالكلي في الطبيعة الكلية الي آخر مدارج الكليات و هو الملك الافخر الحاوي لجميع المملوكات ان كل من في السموات و الارض الا آتي الرحمن عبدا لقد احصاهم و عدهم عدا و كلهم آتيه يوم القيمة فردا الحمد لله الذي لم‌يتخذ صاحبة و لا ولدا و لم‌يكن له شريك في الملك و لم‌يكن له ولي من الذل و كبره تكبيرا و اما سائر المملوكين فلهم من حيث مالكية قد خولهم الله شيئا و هم ايضا مالكوا ملك و مالكيتهم فاخرة علي ما يملك بقدرهم و هي مالكية الله جل جلاله علي ما مر كما روي هو المالك لماملكهم و القادر علي ما اقدرهم عليه فسأله الامام7 اولا بافخر ملكه ثم بكل افراد ملكه فانها كلها فاخرة و هذا الملك لشدة انقياده لله سبحانه و طاعته له و جريه علي حسب ارادته جل و علا يسمي بالملكوت مبالغة في الملك و هو الذي اراه الله سبحانه

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 152 *»

ابرهيم كما قال و كذلك نري ابرهيم ملكوت السموات و الارض و ليكون من الموقنين هذا ظاهر الامر.

و اما باطنه فالمراد بالملك هو الحسن7 فان الملك كما ذكرنا بمعني القدرة و العظمة الظاهرة من الله علي المملوك و هو7 قدرة الله و سلطنته الظاهرة كماقال رسول الله9 اما الحسن فنحلته هيبتي و سؤددي و اما الحسين فنحلته سخائي و شجاعتي و في رواية اما الحسن فانحله الهيبة و الحلم و اما الحسين فانحله الجود و الرحمة و الهيبة و السؤدد هما من صفات الملك فهو7 الملك الافخر و جميع ما في سائر الائمة و الانبياء: او الاولياء او سائر الخلق من الملك فهو من شعاعه و نوره و لكل فخر بحسب مقامه لانه شعاع الفاخر الافخر سلام الله عليه و لماكان هذا الملك هو الركن الثاني من عرش الوجود المقيد و الحسن7 هو حامل الركن الثاني من العرش اختص به كما اختص الركن الاول الذي هو ركن السلطان بابيه7 و لماكان نوع الفصول من جنس واحد فلانطيل الكلام و علي اهل الفهم السلام فتفهم.

الفصل التاسع عشر

قال7 اللهم اني اسألك من علوك باعلاه و كل علوك عال اللهم اني اسألك بعلوك كله.

اعلم ان العلو بمعني الرفعة و علا علوا فهو عال اي رفيع و العلي بمعني الرفيع و هذه الفقرة في ثالث اركان عرش الوجود المقيد و مظهره السموات العلي اذ هي مظهر علوه جل علاه قد ظهر بها بالعلو للاجسام فلايعلوها عال و ليس فوقها جسم و اعلي مراتب السموات هو العرش فهو مظهر العلو الاعلي و باقي السموات مظاهر العلو العالي فانها اعلي من الارضين و العلو علوان علو ظاهري و هو رفعة المكان و علو باطني كعلو القدر و الهمة و النسب و العلم و امثال ذلك و

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 153 *»

مطلق العلو يحصل للشيء بسبب اللطافة و الرقة و الصفاء في مقامه و حده فيكون اشبه بالمبدء و انسب به فيكون حيزه اعلي و ماكان بعكس ذلك يكون الشيء ابعد شبها بالمبدء فيكون حيزه ادني و ذلك في كل شيء بحسبه فالعلم الانعم الانفذ الادق الاوحد اعلي من العلم الاغلظ الاجمد الاخص و كذلك الهمة التي تتعلق بالاستيلاء و الاحاطة و الغلبة علي كل احد فهي اعلي من الهمة التي تتعلق بالاستيلاء علي اشياء عديدة و القدر الذي يتذلل لديه الكل او الاكثر اعلي من القدر الذي يتذلل لديه البعض او الاقل و علي هذه فقس ماسواها والله سبحانه علي له العلو الذاتي لانه لايوصف بالدنو الا بمعني القرب فيقال هو عال في دنوه و دان في علوه و اما الدنو بمعني التسفل فلايجوز عليه جل علاه و  العلو الذاتي لا كلام فيه و اما علوه في سائر المراتب فاعلم انا قد ذكرنا سابقا ان التجلي الاول الاوحد من حيث نفسه لا تعين فيه بصفة دون صفة و انما يتعين في بطون القوابل و ينصبغ فيها فيحدث فيها الاسماء المتعددة لله سبحانه و هي مواقع الصفة التي من عرفها بلغ قرار المعرفة فكل شيء له ثلث مراتب روح و نفس و جسد فاعلي اذكاره روحه و ادني درجاته جسده و بينهما نفس برزخية فلماظهر نور التجلي في هذه المراتب احدث في كل مرتبة صفة لله سبحانه فمن ظهور النور في الروح الاعلي حدث لله سبحانه صفة العلي و من ظهوره في النفس حدث صفة العظيم و من ظهوره في الجسد حدث صفة الكبير و لذلك  قال الله سبحانه و له الكبرياء في السموات و الارض و روي الكبرياء ردائي و العظمة ازاري و الازار يلبس علي الجسد و الرداء فوقه و روي اول ما اختار الله لنفسه العلي العظيم لانه اعلي الاشياء كلها فمعناه الله و اسمه العلي العظيم هو اول اسمائه علا علي كل شيء و العلو الحقيقي لمن ليس بدان عن شيء فهو فوق العظمة فلاجل ذلك جعل التكبير في الصلوة حال القيام فانه حال استقلال العبد و بعده عن المبدء و جعل التسبيح بالعظمة في الركوع لانه اخضع من القيام و العبد بخضوعه يقرب من ربه و جعل

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 154 *»

التسبيح بالاعلي في السجود لانه اقرب ما يكون العبد الي الله و هو ساجد فالسجود مظهر الروح و الركوع البرزخي مظهر النفس و القيام مظهر الجسد بالجملة مظهر العلو في كل مقام اعلي مقامات ذلك المقام الذي هو روح ذلك المقام فاذا نظرت الي جملة الخلق فعالم السرمد مظهر العلو و عالم الدهر مظهر العظمة و عالم الزمان مظهر الكبرياء و اذا نظرت الي عالم الخلق دون الامر فالجبروت مظهر العلو و الملكوت مظهر العظمة و الملك مظهر الكبرياء و اذا نظرت الي عالم الملك وحده فالعرش مظهر العلو و الكرسي بفروعه مظهر العظمة و العناصر مظهر الكبرياء و يجري ذلك في كل عالم من العوالم الالف الف ففي كل عالم مظهر العلو عرشه و مظهر العظمة كرسيه و مظهر الكبرياء عناصره و عالم الملك هذا مظهر جميع تلك العوالم فمظهر جميع علو الله في العوالم عرش هذا العالم و مظهر جميع عظمة الله في العوالم كرسي هذا العالم و مظهر جميع كبريائه في العوالم طبائع هذا العالم اذ الكل قد تنزلت الي هذا العالم و العظمة برزخ بين العلو و الكبرياء و الحاقها بالعلو اولي لغيبوبتها و مناسبتها مع العلو في الغيب بالجملة ان الله سبحانه علي و له العلو الاعلي فوق كل عال في كل عالم من العوالم الا ان مظهر الكل في عالم الشهادة السموات و اللفظ من الفاظ هذه الدنيا عبر به عن علو سائر المراتب و رفعتها لان عوالم الغيب لاتعبير عنها في عالم الشهادة الا بالفاظ عالم الشهادة فحقيقة العلو في الظاهر للسموات و السماء سماءان سماء وصلية و سماء فصلية اما السماء الوصلية و هي المرادة هنا و هي جهة الفعل السارية في كل هذا العالم من السموات الظاهرة و ارضيها كما ان المراد بالارض في الوصل جهة المفعولية و اما السماء الفصلية فهي هذه المعروفة فالسماء الوصلية هي المرادة هنا و آيتها هذه السماء المعروفة لان الغالب عليها السماء الوصلية و لها العلو العالي فوق كل عال في الدنيا و لماكانت السموات مظهر صفات الله و وكر ارادة الله كان علوها من حيث الرب صفة علو الله قد وصف به نفسه و لها العلو المكاني كما هو مشهود و العلو المعنوي لانها المفيضة و الممدة علي مادونها و كل ما للسفليات من حركة و خير و كمال و حيوة فهو

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 155 *»

منها و اليها و هي اصلها و مبدؤها و مأواها و منتهاها فهي بكلا المعنيين مظهر علو الله جل علاه قد انصبغ نور التجلي الوحداني فيها بالعلو فتصف الله عندها بالعلو كما بينا و شرحنا سابقا و لذلك وصفها الله بالعلو فقال تنزيلا ممن خلق الارض و السموات العلي و هذا مختصر من ظاهر الامر.

و اما في الباطن فالمراد به ابو علي الحسين7 مظهر العلي و قد ظهر علو الله جل علاه فيه حيث خضع لله خضوعا لم‌يكن ادني منه و سجد لله سجودا سوي نفسه مع التراب صلوات الله عليه فسبح الله جل جلاله باسمه الاعلي كماتقول بعد ما خضعت بالسجود سبحان ربي الاعلي و بحمده فان اذل مراتب العبد في الطاعة يحكي اعلي مراتب المبدء فهو7 صار مظهر اسم الله العلي الاعلي و بتواضعه رفعه الله و جعله فوق كل عال و كناه بابي علي و علو القدر الذي منحه الله تعالي اياه لم‌يمنحه احدا من العالمين الا تري علوه في نسبه جدا و ابا و اما و ولدا و عمومة و خؤولة و اعراقا و علوه في حسبه من الامامة و العبادة و الجهاد في الله جل جلاله و القتل في سبيله و بذل روحه و ولده و اصحابه و اسرته و ماله و جميع ما له في سبيل الله و علو مقامه حيث لم يبق يوم قد ظهر فيه سر من اسرار الربوبية الا و قد ندب الي زيارته و صار قائما مقام الله جل جلاله و علوه في اعلاء الدين و كلمة رب العالمين بحيث لولاه لماقام للدين عمود و لااخضر في الاسلام عود و جميع ما في العالم الي يوم قيام القائم من الدين بين المؤمنين و المسلمين فمن بركته فاي علو اعلي من مقامه و اي عظمة اعظم من عظمته فكني7 من حيث خضوعه و خضوع كل خاضع من فضل خضوعه بابي عبدالله و من حيث حكايته لعلو الله و رفعته و علو كل عال و رفعة كل رفيع بفضل رفعته و علوه بابي علي فكل علي القدر في الدنيا فهو فرع علوه7 فدعا الامام7 ربه بحقه العظيم و هو العلو الاعلي ثم لماكان التوسل بالنور من تمام التوسل بالمنير قال و كل علوك عال اللهم اني اسألك بعلوك كله و لك ان تجعل العلو الاعلي مقام آل محمد: و سائر افراد العلو مقام الانبياء او تجعل

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 156 *»

الانبياء مقام العلو الاعلي و تجعلهم وجه الخطاب و تجعل سائر افراد العلو للشيعة و لك ان تجعلهم جميعا وجه الخطاب و تجعل النقباء العلو الاعلي فانهم عرشيون و تجعل افراد العلو للنجباء يرفع الله الذين آمنوا منكم و الذين اوتوا العلم درجات او العلو الاعلي لهم جميعا و سائر افراد العلو للمؤمنين بالجملة و هو7 حامل الركن الثالث من اركان العرش و مقام السموات مقام الركن الثالث من اركان عرش الوجود المقيد فله7 العلو الاعلي فوق كل عال و الجلال الامجد فوق كل جلال و كل من له علو سواه فانما هو فرع له كما ان كل خاضع فرع له في الخضوع فمن حيث الخضوع كني بابي‌عبدالله و من حيث الحكاية كني بابي علي فسأل الامام7 ربه بحق الحسين7 و بحق جميع اشعته و انواره في العالم فلاخيبة لسؤاله اذ دخل عليه من جميع الابواب فافهم ان شاء الله.

الفصل العشرون

قال7 اللهم اني اسألك من منك باقدمه و كل منك قديم اللهم اني اسألك بمنك كله.

اعلم ان المن في اللغة النعمة الابتدائية و المنان اسم من اسماء الله سبحانه اي كثير النعم الابتدائية و ليس كما يزعم انه كثير المنة علي خلقه فانها صفة قبيحة و قد نهي عنها عباده حيث قال لاتبطلوا صدقاتكم بالمن و الاذي كالذي ينفق ماله رئاء الناس و الصفة التي هي قبيحة للعبد الفقير كيف لاتكون قبيحة عن الغني فهو اجل من ان ينعم علي عبده بنعمة ثم يمن عليه الم تسمع ما روي من العيون بسنده عن الرضا7 و قد ذكر عنده ان النعيم في قوله ثم لتسألن يومئذ عن النعيم الماء البارد فقال الرضا7 و علا صوته كذا فسرتموه انتم و جعلتموه علي ضروب فقال طائفة هو الماء البارد و قال غيرهم هو الطعام الطيب و قال اخرون

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 157 *»

هو طيب النوم و لقد حدثني ابي عن ابيه ابي‌عبدالله7 ان اقوالكم هذه ذكرت عنده في قوله ثم لتسألن يومئذ عن النعيم فغضب و قال ان الله لايسأل عباده عما تفضل عليهم به و لايمن بذلك عليهم و الامتنان بالانعام مستقبح من المخلوقين فكيف يضاف الي الخالق ما لايرضي المخلوقون به ولكن النعيم حبنا اهل البيت و موالاتنا يسأل الله عنه بعد التوحيد و النبوة لان العبد اذا وفي بذلك اداه الي نعيم الجنة الذي لايزول الخبر فمن الله تعالي نعمته الابتدائية يقال من الله علي فلان بالايمان اي انعم عليه من غير استحقاق كما هو من جملة اسمائه المبتدي بالنعم قبل استحقاقها قال الله سبحانه يمنون عليك ان اسلموا قل لاتمنوا علي اسلامكم بل الله يمن عليكم ان هداكم للايمان ان كنتم صادقين اي ينعم عليكم ايمانكم بمقتضي ما اصابك من حسنة فمن الله منه جل و عز و ليس منكم حتي تمنوا علي بايمانكم و المن القديم النعمة القديمة و لها درجات فاول من الله علي عبده حيث ذكره بمشيته في مبدء اذكاره ثم من عليه بالعزيمة علي تعيينه ثم انعم عليه بان قدر له ما قدر من رزق و عمر و استقامة خلق و اعتدال هندسة ثم تفضل عليه بان خلقه بقضائه و جعله شخصا تاما سويا ثم ركب عليه من العقل و الحيوة والنفس و المشاعر الباطنة و الظاهرة ثم احسن عليه بان عرفه نفسه و ارسل اليه رسله الكرام البررة و علمه خيره و شره و وفقه للسلوك في سبيله و هيأ له اسباب التوفيق و اظهر منه الجميل و ستر منه القبيح و لم‌يؤاخذه بالجريرة و  لم‌يهتك ستره و انعم عليه بما لو اجتمع الانس و  الجن علي ان يحصوا عليه نعمه لايحصوها و لو بقوا و احصوا مدي الدهر و ذلك قوله تعالي و ان تعدوا نعمة الله لاتحصوها و الجنس المضاف يفيد العموم اي نعم الله و ما تكلفوا من ان النعمة الواحدة لاتحصي لاشتمالها علي نعم عديدة بعيد فانه لايقال للمفرد الاحصاء هذا و ان كلف لاجل صدق الاحصاء اشتمالها علي نعم كثيرة فما المانع من اخذ الجنس المضاف بمعني العموم و كل فقرات هذا الدعاء من هذا القبيل كقوله كل جلالك و كل جمالك و كل نورك و

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 158 *»

هكذا فالمراد ان تعدوا نعماء الله لاتحصوها و هو اصدق القائلين و احصي لنعمته من الخلق اجمعين فقد روي في البرهان نقلا من امالي الشيخ في حديث طويل عن النبي9 قال اقبل رسول الله9 علي علي فقال يا ابا الحسن قل فقد قال اصحابك فقال و كيف لي بالقول فداك ابي و امي و انما هدانا الله بك قال و مع ذلك فهات قل ما اول نعمة بدأ الله عزوجل و انعم عليك بها قال خلقني جل ثناؤه و لم اك شيئا مذكورا قال صدقت فما الثانية قال ان احسن بي اذ خلقني فجعلني حيا لا مواتا قال صدقت فما الثالثة قال ان انشأني فله الحمد في احسن صورة و اعدل تركيب قال صدقت فما الرابعة قال ان جعلني متفكرا راغبا لا بلهة ساهيا قال صدقت فما الخامسة قال ان جعل لي شواعر ادرك ما ابتغيت بها و جعل لي ربي سراجا منيرا قال صدقت فما السادسة قال ان هداني لدينه و لم‌يضلني عن سبيله قال صدقت فما السابعة قال ان جعل لي مردا في حيوة لا انقطاع لها قال صدقت فما الثامنة قال ان جعلني مالكا لا مملوكا قال صدقت فما التاسعة قال ان سخر لي سماءه و ارضه و ما فيهما و ما بينهما من خلقه قال صدقت فما العاشرة قال ان جعلنا سبحانه ذكرانا قواما علي حلائلنا لا اناثا قال صدقت فما بعد هذا قال كثرت نعم الله يا نبي الله فطابت و ان تعدوا نعمة الله لاتحصوها فتبسم رسول الله9 و قال ليهنئك الحكمة ليهنئك العلم يا ابا الحسن و انت وارث علمي و المبين لامتي ما اختلف فيه من بعدي من احبك لدينك و اخذ بسبيلك فهو ممن هدي الي صراط مستقيم و من رغب عن هداك و ابغضك و تخلاك لقي الله يوم القيمة لاخلاق له انتهي و انت لو تدبرت في النعم و ارتباط بعضها ببعض لعرفت ان جميع ما في الف الف عالم و جميع ما في هذا العالم من ذرة ذرة من اول خلقه الي يومك هذا نعمة من الله عليك و يجب عليك شكره فان النعم مرتبط بعضها ببعض و لو انقطع

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 159 *»

واحدة منها عماترتبط به لم‌تصل اليك و لم‌تنعم بما انت عليه فصدق قوله تعالي و ان تعدوا نعمة الله لاتحصوها فمنه سبحانه قديم و مظهر جميع تلك النعماء عليك ارض هذا العالم الوصلية لان السماء جهة المنعم المنان و الغالب عليها حيث الرب المنعم المنان فالارض الوصلية اي الطبايع السارية في هذا العالم هي المنة و النعمة عليك و مرادنا بالسماء و الارض الوصليتين ان هذا العالم له لحاظان لحاظ جمعي يجتمع كلها في الجسمية و لحاظ فرقي اما في اللحاظ الجمعي الذي هو جسمانية هذا العالم فهو مخلوق بنفسه عند المؤثر القريب فله جهة فعلية و جهة مفعولية اما جهته الفعلية فهي سمواته المتحركات الدائرة علي نفسها من حيث المفعولية و اما جهته المفعولية فهي جهته من حيث نفسه و له من هذه الجهة طبايع اربع هي عناصره و هاتان الجهتان ساريتان في جميع هذا العالم بسمواته و ارضيه الفرقية و صارت السماء الفرقية سماء لغلبة السماء الجمعية عليها و صارت الارض الفرقية ارضا لغلبة الارض الجمعية عليها فالسماء الجمعية هي جهة الرب فيه و جهة المنعم و يد الله المبسوطة بالنعم المنفقة كيف يشاء الله و الارض الجمعية هي جهة النفس و هي المنة و النعمة الجارية بتلك اليد فبذلك خصصنا العلو بالسماء لانها يد الله العليا المبسوطة بالنعم و الانفاق و خصصنا المنة بالارض لانها المنة و النعمة الجارية بتلك اليد فهي مظهر منن الله و نعمه حيث اكمن جميعها فيها حيث خلق العقل و امره بالادبار الي ان وصل الي التراب و استجن جميع مراتب تنزله فيه ثم امره بالاقبال فظهر جميع تلك النعماء منه قال تعالي منها خلقناكم و فيها نعيدكم و منها نخرجكم تارة اخري و اخرجك و جميع ما من عليك منها فهذه الفقرة بهذا اللحاظ مخصوصة بالركن الرابع من اركان عرش الوجود المقيد الذي هو طبايع هذا العالم و هي من حيث الذات قديمة زمانية و ان كانت حادثة ذاتية فان المراد بالقدم هنا ليس بالقدم الازلي فانه مخصوص بالذات الواجبة جل و عز و لا قديم سواه بل المراد بالقديم هنا المستمر في جميع الازمان و الدهور كما وصف الملك في الدعاء بالقديم نحو اللهم اني اسألك باسمك العظيم و ملكك القديم و يعني به

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 160 *»

الدائم المستمر غير المفقود حيث يجده الله فمنن الله سبحانه علي عباده قديمة دائمة مستمرة غير مقطوعة و تلك الطبايع هي المنة الاقدم علي العباد و سائر المنن الفرقية الزمانية نوعا هي المنن القديمة المستمرة و ان لم‌تلاحظ مقام التزييل في المراتب فاقدم مننه مطلقا وجهك اي حقيقتك التي هي وجهه لديك و اليك كماقال تعالي كل من عليها فان و يبقي وجه ربك ذو الجلال و الاكرام و هي التي عند الله و ما عند الله خير و ابقي و هي التي كنت به مذكورا عنده كما يقول هل اتي علي الانسان حين من الدهر لم‌يكن شيئا مذكورا فهي اقدم نعم الله عليك فالمراد بقول اميرالمؤمنين7 خلقني جل ثناؤه و لم اك شيئا مذكورا يعني به في هذه الدنيا او مستقلا بالذات غير محتاج الي الخلق و هو اقتباس من قوله تعالي اولايذكر الانسان انا خلقناه من قبل و لم يك شيئا فهذه النعمة عليك اقدم نعمه عليك و جميع نعمه عليك من حيث الاستمرار الدهري قديمة لا انقطاع له اولا و آخرا اذ جود الجواد مستمر باستمراره و لم‌يك وقت لم‌يكن الله جوادا و جوده لطفه بخلقه و لاينقطع لطفه بخلقه و مرادي باستمرار الجود ليس علي نحو الالتزام و الاضطرار من الجواد بان يجود بل لاجل انه لايقطع جوده باختيار و مشية و ارادة و عزم جل جلاله و عم نواله و عظم شأنه و لا اله غيره او المراد اقدم مننه علي نوع الخلق لا عليك بالخصوص كل مننه علي نوع الخلق قديم فان جوده دائم قديم مستمر و ملكه قديم و اقدم المنن علي الخلق وجوههم التي تبقي و كانت في ملك الله في مواضعها او اقدمها خلق السموات و الارض او خلق العرش اذ كان علي الماء قبل خلق السموات و الارض كما روي انه سأل رجل عليا7 كم مقدار ما لبث عرشه علي الماء من قبل ان يخلق الارض و السماء فقال اتحسن ان تحسب قال نعم قال لعلك لاتحسن قال بلي اني لاحسن ان احسب قال علي7 افرأيت لو كان صب خردل في الارض حتي سد الهواء و مابين الارض و السماء ثم اذن لمثلك علي ضعفك ان تنقله حبة حبة من

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 161 *»

مقدار المشرق الي المغرب ثم مد في عمرك و اعطيت القوة علي ذلك حتي تنقله و احصيته لكان ذلك ايسر من احصاء عدد اعوام ما لبث عرشه علي الماء من قبل ان يخلق الارض و السماء و انما وصفت لك ببعض عشر عشير العشير من جزء من مأة الف جزء و استغفر الله من التقليل في التحديد الخبر فالعرش اقدم المنن و سائر المنن قديمة زمانية او تأويله الذي هو العقل اقدم المنن لانه اول ما خلق الله او المشية هي اقدم المنن و لكل وجه وجيه في حده و مقامه و علي ما زيلنا اقدم المنن في الدنيا اي الملك طبايعه السارية في الكل و هي الارض في الوصل و هي اصل الماء الذي خلق العالم منه فافهم هذا في ظاهر الامر.

و اما الباطن من ذلك فالمن الاقدم هو الحجة المنتظر فانه اقدم نعمة من الله به علي خلقه هذا و ان كان رسول الله و الائمة: كلهم من الله القديم الا ان النعمة الكاملة البالغة التامة يظهر بظهوره و وجوده7 فانه يملأ الارض قسطا و عدلا كما ملئت ظلما و جورا و تظهر بركات الارض بلامانع في عصره و بظهوره7 و لم‌تظهر نعم الله تعالي شأنه العزيز منذ خلق الارض الي زمان ظهوره لوجود المعاصي المانعة لبركات السماء و الارض و ترفع تلك المعاصي في زمانه و يكمل مقتضي النعم فيظهر به نعم الله جل و عز فهو الحامل لركن المنة و النعمة علي الخلق و في عصره يظهر باطن قوله تعالي اليوم اكملت لكم دينكم و اتممت عليكم نعمتي و رضيت لكم الاسلام دينا فهو المن الاقدم لله سبحانه و يظهر اقدمية نعمة وجود رسول الله9 و سائر الائمة: في وجوده فهم: و ان كانوا نعماء الله التامة الا انها كانت في اعصارهم مشوبة بنكد شديد و تخلص النعمة عن جميع النكد في عصره فهو النعمة الخالصة الكبري و العيش الهنيء الاهنأ عجل الله فرجه و سهل مخرجه و جميع نعماء الله بوجود الانبياء و الاولياء و الحكماء و العلماء و سائر ما من الله به علي خلقه قديمة مستمرة علي ما ذكرنا الا ان ذلك الوجود المبارك نعمة لاتحصي و منة لاتستقصي صلي الله عليه و علي آبائه صلوة ليس لها غاية و لامنتهي.

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 162 *»

الفصل الحادي و العشرون

قال7 اللهم اني اسألک من آياتك باكرمها و كل آياتك كريمة اللهم اني اسألك باياتك كلها.

اعلم ان الاية العلامة و الشخص و العبرة و الامارة و من القرآن كلام متصل الي انقطاعه و آيات الله علاماته التي خلقها في الافاق و الانفس كقوله سنريهم آياتنا في الافاق و في انفسهم حتي يتبين لهم انه الحق و آياته عبرة كقوله ان في ذلك لاية و ماكان اكثرهم مؤمنين اي لعبرة و آياته اشخاص منسوبة اليه و هم ظهوره نحو و جعلنا ابن مريم و امه آية و كقوله سيريكم آ‌ياته فتعرفونها و آياته فقرات كتابه نحو تلك آيات الله نتلوها عليك بالحق و قد تطلق علي البناء المرتفع نحو اتبنون بكل ريع آية تعبثون و علي العذاب كقوله ان نشأ ننزل عليهم من السماء آية فظلت اعناقهم لها خاضعين روي انها الصيحة من السماء و المعجز كقوله قال كلا فاذهبا بآياتنا انا معكم مستمعون و آتينا موسي تسع آيات بينات و الحجة كقوله ربنا انزل علينا مائدة من السماء تكون لنا عيدا لاولنا و آخرنا و آية منك و اغلب موارد استعمالاتها يرجع الي ما ذكرنا و الكريم الشريف فالايات الكريمة هي الشريفة التي لاخساسة و لا دناءة فيها و ليس فيها ما عسي ان يعيب عليها او دلالتها او بيانها او كمالها عائب فيقول لو كانت كذا لكانت احسن فان اخذتها بمعني العلامات فهي مجموع ما في الافاق و ما في الانفس من علامة تدل علي حقية الحق و وحدته و كماله فهي كلها دليل التوحيد و آية التفريد

و في كل شيء له آية

تدل علي انه واحد

قال ابوجعفر7 كفي لاولي الالباب بخلق الرب المسخر و ملك الرب القاهر و جلال الرب الظاهر و نور الرب الباهر و برهان الرب الصادق و ما انطق به السن العباد و ما ارسل به الرسل و ما انزل علي العباد دليلا علي الرب عزوجل

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 163 *»

انتهي و هي كلها كريمة بريئة عن الدناءة الا ان منها اكرم و ادل و اظهر دلالة من بعض فان العالم كتاب تكويني علي طبق الكتاب التدويني فكما ان في التدويني آيات محكمات هن ام الكتاب و اخر متشابهات كذلك آيات الافاق و الانفس فمنها محكمات لايحتمل فيها الخلاف و هي اجمع و ادل علي ذي الاية و منها متشابهات يجب ردها الي المحكمات و استنباط المراد منها من تلك المحكمات و ان اخذتها بمعني العبرة فهي ما نزل علي الامم من البلايا و المسخ و الزلازل و الصيحات و الطوفان و الغرق و الطاعون و غيرها مما نطق به القرآن المجيد و سائر الكتب السماوية و السير فهي كلها عبرة دالة علي ان الحق مع الانبياء و انهم من عند من بيده ملكوت السماوات و الارض و من هو الخالق الرازق المحيي المميت يفعل ما يشاء بقدرته و يحكم ما يريد بعزته هذا و ان كان في جميع المصائب بل ما يري لك عبرة و موعظة كما روي ان هرون الرشيد كتب الي ابي‌الحسن موسي بن جعفر7 عظني و اوجز فكتب اليه ما من شيء تراه عينك الا و فيه موعظة الا  ان اعظمها ماجري علي الامم بعد جحودهم الانبياء بعد اتيانهم بالبينات كالطوفان و المسخ و قلب الارض و امثالها و قد نطق بها الكتاب و ان اخذتها بمعني الاشخاص فكفي بوجود الانبياء و المرسلين و الاولياء المصطفين و اشياعهم المنتخبين آية علي علي الحق و ما اراد من خلقه فانها اعظم آيات الله و بيناته و اعظمهم الذي هو محمد و آل محمد: اعظمها و ادلها و اكرمها و اشرفها لانها آيات محكمة بينة ناطقة داحضة لكل حجة قاطعة لكل برهان قائمة بكل بيان تدعوا الي الحق و الي صراط مستقيم مع معجزات باهرات و شواهد بينات و ان اخذتها بمعني آ‌يات الكتاب فهو الكتاب المجيد الذي لايأتيه الباطل من بين يديه و لا من خلفه تنزيل من حكيم حميد و القرآن الكريم و هو المصدق لما بين يديه من الكتب و مهيمن عليه يدعو الي طريق الحق و الي صراط مستقيم و

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 164 *»

هو برهان التوحيد و دليل التفريد و بينة النبي الحميد محتو علي كل رطب و يابس تبيانا لكل شيء فهي آيات كريمة و شواهد بينة عظيمة علي الحق و علي ما هو منه و اليه و ان اخذتها بمعني البناء المرتفع فاي بناء ارفع من هذه الجبال الراسيات و السماوات المرفوعات بلاعمد واقفات و بلاعلاج دائرات بالنجوم و القناديل مزينات و بالشمس و القمر مضيئات فهي كلها آيات كريمات و ابنية رفيعات علي حكمة الباني و عظمته دالات اكرمها العرش العظيم المحيط بجميع السموات و الارض و ان اخذتها بمعني العذاب فكفي لك دليلا الطوفان و الرجفات و الزلازل و الصيحات و المسوخ الواقعة و المؤتفكات الواقعة في سوالف الاوقات علي قدرة رب البريات و عظمة خالق المذروءات و اكرمها اعظمها و ادلها علي عظم سخط خالق البريات و ان اخذتها بمعني المعجز فمااتت به الرسل و الانبياء من التصرف في الارضين و السماوات و خوارق العادات ادل دليل علي صانع الموجودات و موجد الكائنات و اكرمها ما ظهرت في السماوات كشق القمر و نزول النجم و القرآن المجيد و السنة السنية التي هي اعظم المعجزات و ان اخذتها بمعني الحجة فقد ملأ الله الدهر من الحجج الواضحات و البراهين النيرات و الادلة الكاشفات في كتبه المنزلة من السماوات و السنة انبيائه و رسله و اوليائه الدعاة و الحكماء و العلماء الرعاة حتي لم‌يتركوا لذي مقال مقالا تفصيلا و اجمالا حتي ظهر الحق في جميع القرون و الاعصار و الاصقاع و الاقطار و اكرمها حجج الانبياء و اكرم منها حجج محمد9 و اكرم حججه القرآن الكريم كما هو معروف فجميع ذلك آيات الله التي اقامها الله في الارضين و السموات و دل بها عباده اليه و عرفهم بها نفسه و ابان لهم توحيده و تفرده في السلطنة و الربوبية و القدرة و توحيده في ذاته و صفاته و افعاله و معبوديته حتي قطع الاعذار و بالغ في الانذار

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 165 *»

و لم‌يترك لذي حجة حجة و لا لذي عذر عذرا و لذلك قال ابوجعفر7 كفي لاولي الالباب بخلق الرب المسخر الحديث و قد مر آنفا فراجع و جميع هذه الايات كريمة شريفة لادناءة فيها و لا خساسة و لانقص فيها في الدلالة و لا عائبة فيها و لا لؤم و اكرم هذه الايات كلها وجود محمد و آل محمد: فان الله سبحانه يقول و لقد كرمنا بني آدم و حملناهم في البر و البحر و رزقناهم من الطيبات و فضلناهم علي كثير ممن خلقنا تفضيلا فان اخذت آدم آدم الاول فهو محمد9 و بنوه بنو آدم و هم عباده المكرمون لايسبقونه بالقول و هم بامره يعملون و حملهم في بحر الامر و بر الخلق و بحر الوجود و بر الماهية و بحر الغيب و بر الشهادة و بحر السماوات و بر الارض و امثال ذلك و رزقهم من طيبات انوار القدس و الاسماء الحسني و الصفات النعمي و طيبات العلم بماكان و مايكون و طيبات الامداد و الفيوض التي لاغاية لها و لانهاية و طيبات الارزاق الظاهرة اذ الكل لهم قد ملكهم الله اياها و لايأكل الحلال الحقيقي الا هم و الا من وهبوه شيئا من عندهم و فضلهم الله علي من سوي آدم الاول و هو القليل المستثني و ان اخذت آدم ابا البشر فهم صفوتهم و اشرفهم و اقدمهم بالاجماع فهم الايات الكريمة الاكرمون لا لؤم فيهم و لا عائبة باتفاق من محبيهم و اعدائهم فقد سأل الامام7 ربه بآياته الاكرمين صلوات الله عليهم اجمعين و توسل اليه بهم في بلوغ حاجته اليه سبحانه فلاجرم لاتخيب و لاتخزي ثم توسل اليه بجميع آياته الكريمة كما بينا و شرحنا و هذه الفقرة فقرة مجموعة تجمع جميع ما مر من الفقرات و لعلها مقام الحضرة الجامعة والعظمة التامة و الفاطمية الجامعة للاولياء الحجر الذي انبجست منه اثنتا عشرة عينا كما بينا و شرحنا و اما ساير الائمة: في كل عرصة من هذه العرصات الثلث فيرجعون الي اولئك الاربع الاصول فكل ثلثة منهم حامل ركن من الاركان فان لكل ركن ثلث مراتب من كيانه يحمل كل كون امام من الائمة: و لك ان تجعل الاربعة الافضلين في عرصة

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 166 *»

الوجود الحق و الاربعة الوسطانية في عرصة الوجود المطلق و الاربعة المتأخرة في عرصة الوجود المقيد لغلبة كل عرصة في اربعة منهم و ان كان الكل في الكل و هم من نور واحد و طينة واحدة و روح واحد الا تري انهم كلهم مصطفون و خص بالاصطفاء واحد منهم و كلهم مرتضون و خص بالارتضاء واحد و كلهم مجتبون و خص بالاجتباء واحد و هكذا فلاينافي اشتراك الكل في الكل اختصاص كل واحد بمقام اذ لاشك انهم مع اشتراكهم في النور و الروح و الطينة نوعا بعضهم افضل من بعض كما نطق به اخبارهم و شهد به آثارهم فالافضل لم‌يكن بافضل الا لشدة قربه الي المبدء و شدة القرب تقتضي شدة الحكاية للمبدء فالاقرب يحكي ما لايحكيه الابعد ثم الذي يليه احكي لمناسبه و اليق بمصاقعه في الدرجة لامحالة و هكذا الذي بعده في الدرجة و الرتبة فلاضير ان خصصنا اربعة منهم بحكاية الصفات المخصوصة بعرصة الوجود الحق و اربعة بالصفات المخصوصة بعرصة الوجود المطلق و اربعة بالصفات المخصوصة بعرصة الوجود المقيد و اما ترتيب الثمانية فلم‌يصل الينا من جهتهم و الداني لايقدر علي تمييز مراتب الاعالي الا انا من جهة القابهم ذكرنا مراتبهم علي وجه الاحتمال في رسالة الجناب الميرزا زين العابدين الشيرازي و ليس لي الان اقبال الاعادة هنا فمن اراده فليراجعه و الذي استنبطناه من القابهم ان الطبقة الاولي علي و الحسن و الحسين و الحجة: و الطبقة الوسطي الرضا و الزكي و الصادق و الباقر و الطبقة الاخري الهادي و الكاظم و السجاد و الجواد ولكني لست ابت علي ذلك لعدم النص و العلم عند الله و عندهم و باطن الفاظ الجمع في كل مقام مقام ام الائمة الطاهرين الجامعة لانوارهم و الوعاء لارواحهم صلوات الله عليها و عليهم و لها مقام تنزلية في كل مقام من المقامات تظهر فيه كما ان الواحد المتفرد فوق الصفات الاربع في كل درجة مقام محمد9 في الباطن و له ايضا درجات ثلث قد ظهر فيها علي حسبها و في كل درجة هو الحقيقة الخامسة التي منها البدء و اليها العود كما عرفت.

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 167 *»

خاتمــــة

في الفقرتين الاخيرتين اللتين ذيل بهما الامام7 الدعاء و ختمه بهما و غير سبكهما:

فقال7 اللهم اني اسألك بما انت فيه من الشأن و الجبروت و اسألك بكل شأن وحده و جبروت وحدها.

اعلم ان الشأن الامر و الحال و الخطب و القصد و اما الجبروت فهو من الجبر بمعني الملك و جبر العظم ضد الكسر و جبر الفقير الاحسان اليه و اغنائه فكأنه جبر كسر فقره و تجبر تكبر و الجبار اسم من اسماء الله اي كثير التكبر او كثير الجبر لكسر عباده و الجبار العظيم القوي و الجبروت التكبر و شئون الله سبحانه اموره و احكامه في الملك قال الله سبحانه كل يوم هو في شأن فعن القمي قال يحيي و يميت و يرزق و يزيد و ينقص و عن اميرالمؤمنين7 كل يوم هو في شأن من احداث بديع لم‌يكن و عن النبي9 قال من شأنه ان يغفر ذنبا و يفرج كربا و يرفع قوما و يضع آخرين انتهي فتبين ان شئون الله اوامره و احكامه و ابداعه للخلق و هو كل يوم في شأن اي كل وقت و لاجل ذلك يسمي هذا اليوم بيوم الشأن لانه ليس المراد ان الله سبحانه في كل يوم شمسي في شأن واحد بل هو في كل طرفة عين بالنسبة الي كل ذرة من خلقه في شأن يحوله من حال الي حال و فهم هذه الاية مشكل جدا فانه قد روي انه جف القلم بما هو كائن و قد ختم علي فم القلم فلاينطق و قد جري حين جري بماكان و ما هو كائن الي ما لانهاية له فحينئذ يشكل الجمع بينهما و ما رد به علي اليهود حيث قال قالت اليهود يد الله مغلولة غلت ايديهم و لعنوا بما قالوا بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء فعن الرضا7 يعنون ان الله قد فرغ من الامر فليس يحدث شيئا و عن ابي‌عبدالله7 لم يعنوا انه هكذا ولكنهم قالوا قد فرغ من الامر فلايزيد و

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 168 *»

لاينقص و قال الله جل جلاله تكذيبا لقولهم غلت ايديهم و لعنوا بما قالوا بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء الم تسمع الله عزوجل يقول يمحو الله ما يشاء و يثبت و عنده ام الكتاب انتهي و الحال ان مقتضي جفاف القلم ان لايزيد بعد و لاينقص و الجواب من ذلك علي نهج الاختصار انه لاشك ان الله سبحانه عالم بماكان و مايكون و لايعقل ان يزيد في علمه شيء لم‌يكن علمه بعلمه الازلي و لا ان ينقص من علمه شيء كان في علمه الازلي اذ لايضل ربي و لاينسي و ذلك محل اتفاق المسلمين و لايحتاج الي زيادة بيان و ان فصلناه في كتابنا الفطرة السليمة تفصيلا و ذلك العلم الذي لايتغير و لايتبدل هو ام الكتاب الذي عنده علي احد المعاني كما قال فمابال القرون الاولي قال علمها عند ربي في كتاب لايضل ربي و لاينسي فلامحو فيه و لا اثبات و هذه الحضرة هي الحضرة الازلية التي ليس فيها تجدد اوقات و لا اختلاف آنات و جميع ما كان و ما يكون بذواتها و صفاتها و اوقاتها و امكنتها و حدودها و قراناتها و ما يؤل اليها حاضر في تلك الحضرة بالحضور العلمي الاحدي الازلي لا الكوني و العيني بل و لا الامكاني و اما الموجودات باكوانها و اعيانها فهي في امكنتها و حدودها كلها ذوات اوقات و لها تجددات في تلك الاوقات انشأها منشيها في اوقاتها و يمدها بما ليس عندها في الاوقات التي تتجدد عليها فهي في مقامها متجددة بنزول الامداد و يمر عليها الاوقات و يصل اليها في كل وقت ما ليس عندها فيد الله عليهم مبسوطة ينفق عليهم كيف يشاء ولكن ليس يصل اليهم ابدا شيء لم‌يكن في علمه سبحانه فانه يشاء لهم علي حسب علمه و يعطيهم ما علم و لذلك تقول افعل ذلك ان شاء الله و لاتقدر ان تقول افعل ذلك ان علم الله ففي الكون يمحو الله ما يشاء و يثبت و يرفع و يضع و يعطي و يمنع و يحيي و يميت و يخترع و يبدع و اما في حضرة العلم فلايتجدد ما لم‌يكن علمه ابدا ففي حضرة العلم جف القلم فلاينطق ابدا و قد كتب ماكان و مايكون الي ما لانهاية له و اما في حضرة الاختراع و الابداع فيفعل ما يشاء بقدرته و يحكم ما يريد بعزته ففي هذه العرصة قال الله سبحانه ما يعبؤ بكم ربي

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 169 *»

لولا دعاؤكم ادعوني استجب لكم و الدعاء يرد القضاء و لو ابرم ابراما ولكن ان دعا و رد كان في علمه انه يدعو و يرد و ان لم‌يدع كان في علمه انه لايدعو و لايرد و ليس يلجيء الخلق الي ما هم عليه علمه بهم فانه علمهم مختارين قبل اختيارهم و لم‌يكتب عليهم احد شقي الاختيار قبل ان يختاروه فاذا اختاروه كتبه عليهم و امضاه عند اختيارهم حين اختيارهم سأل رجل من اهل البصرة اباعبدالله7 عن الاستطاعة فقال ابوعبدالله7 اتستطيع ان تعمل ما لم‌يكون قال لا قال فتستطيع ان تنتهي عما قد كون قال لا فقال7 فمتي انت مستطيع قال لا ادري فقال له7 ان الله خلق خلقا فجعل فيهم آلة الاستطاعة ثم لم‌يفوض اليهم فهم مستطيعون للفعل وقت الفعل مع الفعل اذا فعلوا ذلك الفعل فاذا لم‌يفعلوه لم‌يكونوا مستطيعين ان يفعلوا فعلا لم‌يفعلوه لان الله عزوجل اعز من ان يضاده في ملكه احد قال البصري فالناس مجبورون قال لو كانوا مجبورين كانوا معذورين قال ففوض اليهم قال لا قال فما هم قال علم منهم فعلا فجعل فيهم آلة الفعل فاذا فعلوا كانوا مع الفعل مستطيعين قال البصري اشهد انه الحق و انكم اهل بيت النبوة و الرسالة بالجملة معني انه ختم علي فم القلم فلاينطق ان كل شيء حاضر في علمه الازلي فلايزيد و لاينقص و اما في الفعل و الصنع ذي الاوقات و التجدد فانه يفعل ما يشاء و يحكم ما يريد هو كل يوم في شأن و معني بسط اليد هو في الفعل و الصنع و غلها هو عدم تجديد الصنع و هو باطل كما عرفت فتدبر و من شاء التفصيل فقد كتبناه في الفطرة السليمة فليراجعه و لنرجع الي ما كنا بصدد بيانه فنقول شئون الله جل و عز اموره و احكامه في ملكه بالرفع و الوضع و الحيوة و الموت و الصحة و المرض و الخراب و العمران و امثال ذلك و قوله ما انت فيه فليس المراد اقتران ذاته بالشئون و اتصاف ذاته بها نعوذ بالله فيتكثر بل المراد ما يكون ظهورك فيه و بما تظهر به من الشأن كما تقول

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 170 *»

لزيد جئت بما انت فيه من كرم و جود و رحمة او غضب او علم و امثال ذلك و جميع ذلك صفاته و القي زيد في هويتها مثاله و اتصف بها عندها كما تقول زيد قائم و زيد قاعد فتحمل القيام و القعود علي زيد و ليس المراد حملها علي ذات زيد فلو كان الذات قائمة لفنيت اذا صارت قاعدة فان القاعدة غير القائمة قطعا و الحال ان زيدا قائم و قاعد و آكل و شارب فضمير هذه المحمولات يرجع الي جهة فاعلية زيد لها و هي مثال زيد الملقي في هويتها كما اذا اشرقت الشمس علي زجاجات مصبوغة باصباغ مختلفة انصبغ نورها في بطونها فاذا نظرت من وراء تلك الزجاجات الي الشمس تصفها بالحمراء و الصفراء و الخضراء و هكذا و ليس شيء من هذه الاصباغ عارضة علي الشمس السماوية و انما انطبع مثالها فيها و انصبغ باصباغها كذلك زيد في رؤيته و سمعه و ذوقه و شمه و قيامه و قعوده فما الله فيه ليس صفات قد عرضت علي ذات الله نعوذ بالله بل هي صفات تجلي الله به و تلك الصفات شئونه و اوامره و احكامه فشئون الله خالقيته و رازقيته و راحميته و امثال ذلك و ان اخذت الامر بمعني الولاية كماتقول امر فلان اي صار واليا و يسمي الوالي اميرا فشئون الله سلطنته و مالكيته و قاهريته و قادريته و ولايته و رحمانيته و الوهيته و هكذا و كذلك اذا كان الشأن بمعني الخطب فان الخطب هو الامر صغر او عظم بالجملة جميع انوار الله و صفاته و اسماؤه غيره و غيره خلقه و خلقه امره و امره شأنه فقد فذلك القول في هذه الفقرات و جمع جميع ما قال علي نحو الكلية و ما لم‌يقل من الجزئيات فقال اللهم اني اسألك بما انت فيه من الشأن و الجبروت علي نحو الكلية ثم فصل فقال اللهم اني اسألك بكل شأن وحده و جبروت وحدها ليكون داعيا بجميع انوار الله و اسمائه و صفاته و يسأله بكل لسان و يتوسل اليه بكل وسيلة حتي يستحق جميع وجوه امداد الله و فيوضه و تجلياته و يصير مستحقا لما استحقوه سائلا ما سألوه فيحصل له جميع شئون الربوبية كمابيناه مكررا.

و اما الجبروت فقد مر انها بمعني التكبر و الكبرياء و ان الله لايوصف بالكبر

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 171 *»

كمايوصف به خلقه من كبر الجثة ولكنه يتجلي بصفات هي كبيرة فيسمي الرب عندها و فيها بالكبر فالكبر غالبا يستعمل في كبر الجثة لاسيما اذا اجتمع مع العظمة و العلو و اذا انفرد قد يستعمل في المعاني ايضا كمايقال للسلطان هو كبير القوم و العظمة غالبا يستعمل في المعاني كعظم القدر و الشأن و العلم و الخلق و امثال ذلك و قد يستعمل بمعني الكبر كالعرش العظيم في قوله و اوتيت من كل شيء و لها عرش عظيم و العلو اذا اجتمع مع الكبر و العظم يستعمل في الاستعلاء الحقيقي و الجبروت تستعمل في جميع هذه المعاني اذا انفردت فتعم كبر الظاهر و كبر الباطن و كبر الحقيقة فيقال سلطان ذو الجبروت اي ذو الكبر سواء كان في الظاهر او الباطن او الحقيقة فجبروت الله كبرياؤه في جميع الاشياء في جميع العوالم و في جميع الاسماء و الصفات بل اكبريته من ان يوصف ففي كل ذرة ذرة من الخلق جبروت من الله تعالي تدل علي كبره و عظمته و جلاله و علوه و تشهد له بالكبرياء و ان اخذت الجبروت من الجبر بمعني الملك فهي مالكيته و سلطنته الظاهرة في كل مقام الغالبة علي كل شيء كما في الدعاء و بجبروتك التي غلبت كل شيء و له جبروت كلية في عالم الامر و جبروت جزئية ظاهرة في كل شيء و هي رؤس المشية و وجوهها المتعلقة بكل شيء و لك ان تجعل ما هو فيه من الشأن عالم الامر و سائر الشئون سائر الاوامر الجزئية التي هي رؤس المشية الكلية و الجبروت الخاصة عالم العقل الكلي و سائر الجبروت العقول الجزئية و لك ان تجعل الشأن الخاص الكليات الغيبية كالعقل الكلي و النفس الكلية و الشئون جزئياتهما و الجبروت عالم الشهادة فالخاصة العرش او السماوات و سائر الجبروت في الارض و المواليد و امثال ذلك من المعاني التي لكل شاهد من الاخبار فسأل الامام7 ربه اولا بما هو فيه من الشأن و الجبروت ثم فصل فقال اللهم اني اسألك بكل شأن وحده و جبروت وحدها لاجل ما ذكرنا بعينه و بجميع تلك المعاني و لما صار البناء علي الاختصار لكثرة الاسؤلة من الاطراف و لزوم اداء حقوق الكل نكتفي بقدر ما يتيسر و ان اخذت الشأن مقام محمد9

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 172 *»

و الجبروت مقام علي7 الذين هما ابوا هذه الامة و المراد بالامة جميع ماسواهما فلك فان الجبروت مقام الكبرياء و هو من مقام الصفات و الشأن هو الامر و هو9 امر الله بالاصالة الامر المفعولي في مقام و الامر الفعلي في مقام ثم جميع ما في العالم من وجود و مادة فهو من جهة الاب و كل ما فيهم من صورة فهو من جهة الام و لماخلقهما و اخترعهما من نور ذاته خلق جميع ماسواهما من نورهما الا ان محمدا مقام الاب و الاجمال و عليا مقام الام و التفصيل فما فيهم من نور محمد9 فهو مادتهم و ما فيهم من نور علي7 فهو صورتهم و مقام محمد9 شأن الله و امره و مقام علي7 جبروت الله و كبرياؤه فسأل الامام7 ربه فقال اللهم اني اسألك بما انت فيه و يخصك و هو اقرب اليك و اولي بك من الشأن و الجبروت الذين هما محمد و علي و اسألك بكل شأن خلقته من نور محمد9 وحده و بكل جبروت خلقته من نور علي7 وحدها و ليس يخرج شيء من ملك الله من ذلك فقد روي ان الله خلق المؤمن من نوره و صبغه في رحمته فالمؤمن اخ المؤمن لابيه و امه ابوه النور و امه الرحمة و النور هو محمد9 فانه نور الله و هداية للعالمين و الرحمة هي علي7 كتب علي نفسه الرحمة و كل شيء كونا مؤمن و الكل من نورهما كونا فكل شيء من جهة نور شأن الله و جهة نور جبروت الله و قد سأل الامام7 ربه بكل شيء و بهاتين الجهتين منه ففكك الاشياء بعد ان دعاه بها و لك ان تجعل الشأن مقام محمد و الجبروت مقام علي7 و هما ما هو فيه من الشأن و الجبروت و اما كل شأن وحده اي كل نبي وحده و جبروت وحدها اي كل وصي وحده فان الانبياء حكاة نور محمد9 و الاوصياء حكاة نور علي7 و لك ان تجعل الشأن الخاص مقام محمد9 و الشئون الائمة و الجبروت الخاص الانبياء و سائر الجبروت الاولياء و الاوصياء: و لك ان تجعل الشأن الخاص مقام محمد و آل محمد: و

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 173 *»

الشئون مقام الانبياء والاوصياء و الجبروت الخاص مقام النقباء و سائر الجبروت مقام النجباء او مع سائر افراد المؤمنين و لكل شواهد من الاخبار طوينا ذكرها للاختصار فافهم ان كنت تفهم.

قال7 اللهم اني اسألك بما تجيبني حين اسألك فاجبني يا الله.

اعلم ان قوله بما تجيبني يحتمل امرين ان يكون ما مصدرية فيكون المعني اللهم اني اسألك باجابتك حين اسألك اي باجابتك المعدة لي حين اسألك و يحتمل ان تكون موصولة فيكون ضميره محذوفا اي بما تجيبني به من اسمائك و صفاتك المحجوبة او العظيمة التي لاترد دعوة داع دعاك بها و لكل وجه فاعلم ان الاجابة نور صادر عن المشية ينطبع في مرآة السؤال و ذلك النور قائم بالمشية قيام صدور لايحتاج في صدوره الي شيء غير المشية و هو من حيث الصدور عام لان المشية عامة و النور تابع للمنير فهو غير متخصص بشيء دون شيء و يقوم بالسؤال و الدعاء قيام ظهور فيتخصص في ظهوره بالاسؤلة و الادعية و يتعين بها فيصير رزقا وحيوة و عزة و شفاء و علما و ايمانا و هكذا فذلك النور بمنزلة البحر و السؤال بمنزلة المغرفة فتغترف بها من ذلك البحر و تقدر الماء علي قدر المغرفة فيتعين بها فاجابة الله جل و عز نور مستطير دائم بدوام المشية لامنع فيها ابدا الا انه لايظهر علي احد حتي يسأل و يدعو فاذا جاء باناء دعائه و مرآته امتلأ من ذلك البحر و استنارت بذلك النور فانصبغ فيه بصبغه و اختص فمحال حسب الوعد و الحكمة ان يسأله سائل و يخيب من الاجابة اللهم الا ان يكون الاناء منكوسا لايحتوي علي الاجابة و لايمسكها قال تعالي قل ما يعبؤ بكم ربي لولا دعاؤكم و في الدعاء رب من ذا الذي دعاك فلم‌تجبه و من ذا الذي سألك فلم‌تعطه قال الله سبحانه ادعوني استجب لكم و قال اجيب دعوة الداع اذا دعان فالذي يدعو فلايستجاب له فلايسيئن الظن بربه ابدا فان ما منه غير ممنوع دائم بدوام مشيته نافذ في جميع خلقه فاجابته اقرب اليك من حبل الوريد و انت تحجبها عن

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 174 *»

نفسك بعدم دعائك ادع رء الاجابة حاضرة بل لنا كلام هنا اعلي و اشهي و هو ان الدعاء هو الاجابة اعني هما واحد في المنظر اثنان في المخبر فالدعاء من حيث الرب اجابة و من حيث النفس دعاء فمن من الله عليه بالدعاء لم‌يحرمه الاجابة و اية ذلك ان الله سبحانه يقول و ما تجزون الا ما كنتم تعملون و يقول سيجزيهم وصفهم و روي ان الاعمال صور الثواب و العقاب و الثواب هو الاجابة بل العقاب هو ايضا الاجابة فان من سأل ربه الخير اعطاه الخير و من سأله الشر اعطاه شرا فالعمل هو الدعاء و المسألة و المقتضي و الاجابة هي المقتضي و العمل صورة الجزاء و هما كما ذكرنا منظرا واحد و مخبرا اثنان و لاجل ذلك قال الله سبحانه من حيث المنظر سيجزيهم وصفهم و من حيث المخبر يقول ذلك بما قدمت ايديكم و يقول سيجزيهم بما كانوا يفترون فالدعاء اذا حصل حصل الاجابة معه لامحالة اللهم الا ان لم‌يكن الدعاء دعاء علي وفق المراد فلايحصل المراد الا ان جميع الاعمال لها اقتضاء و المقتضي بالفتح مقرون معه فالانسان دائما في عمل و دعاء و يستجاب له مقتضاه دائما و يعيش باجابة الله و يثاب باجابة الله و يعاقب باجابة الله في الدنيا و الاخرة الا انه قد يدعو علي خلاف مراده فلايستجاب له مراده فيحسب انه لم‌يستجب له و مثال ذلك ان المشي الي المشرق دعاء للتقرب الي المشرق و يجيب الله له دعاءه و المشي الي المغرب دعاء للتقرب الي المغرب و يجيب الله له فاذا كان نيتك الوصول الي المغرب فمشيت الي المشرق برهة من الزمان فلم‌تصل صرت تشتكي اني دعوت للوصول الي المغرب و ادعو منذ برهة من الدهر و لم‌يستجب الله لي و انت غافل انك دعوت للوصول الي المشرق و استجيب لك و ذلك ان الدعاء ليس بمحض اللسان و انما هو بجميع الاعضاء و المراتب و ما يضاف اليك و يتصل و يرتبط بك و تفاصيل هذه المراتب يطلب من كتابنا طريق النجاة ان شاء الله و الغرض هنا ان الاجابة نور مشرق من شمس المشية مطلق كمنيره و انما يتخصص بالمرايا و ينصبغ فيها علي حسبها و الاعمال اجابات عملية تظهر في مرآة الاشخاص كما ذكرنا فسأل الامام7 ربه باجابته

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 175 *»

و جعلها الواسطة بينه و بين ربه حتي ينتفي الدعاء من العبد و يرتفع الحاجة الي الظهور به فان الاجابة قائم بالمشية قيام صدور و لايحتاج في صدوره الي الدعاء فجعل الامام7 وسيلته الاجابة فانها لاتحتاج في صدورها الي الدعاء الذي يحتمل فيه الموافقة و عدمها و الكمال و عدمه و ذلك كماقال الشاعر:

ايا جود معن ناج معنا بحاجتي

فليس الي معن سواك دليل

و في الدعاء اللهم اني اسألك بجودك ان تدنيني من قربك و ان توزعني شكرك و  ان تلهمني ذكرك الدعاء فهذا التوسل نحو قولك عاملني بما انت اهله فانك اذا اردت ان تعاملني كما انا اهله فلربما اكون اهلا للرحمة و لربما لم‌اكن و لربما يتحقق معي شروط الرحمة و لربما لاتتحقق فعاملني كما انت اهله فان اهليتك لاتنقص عن الرحمة و هيهنا كذلك فسأله باجابته اي باجابة الله لا بدعائه فتدبر فانه لطيف دقيق و لماكان الاجابة من حيث الصدور لا عائق له قال فاجبني يا الله اذ لم‌يبق عائق لدعائي و ان كان المراد بالذي تجيبني به فالمراد منه الاسماء العظيمة التي حتم الله ان يستجيب دعاء من يدعوه بها فان تلك الاسماء لكمالها و استجماعها جاذبة للامداد منزلة للاجابة حتي ان منها ما لايتخلف و لاينصرف الرجل من دعائه الا بالاجابة و ذلك علي اقسام منها اعتقادي و منها حالي و منها مقالي و المقالي انواع منها اسم مؤلف من الحروف من دعا الله به استجيب له و هو علي اقسام شخصي و نوعي و جنسي و مطلق لكل شيء و منها ترتيب ما ينبغي من الاقوال بحيث يكمل بها جهات القابلية فيستجاب و لقد والله رأيت من هذا النوع عجبا اذ كنت مبتلي بحاجة عظيمة منذ سنين الي ان عازتني و اشتدت علي فدعوت الله سبحانه كما ذكرت فلم‌اقم من مجلسي الا بالاجابة و الحمد لله رب العالمين و اتفق لي ذلك مرات و الحمد لله و منها معرفة المدعو و بابه و سبيله و معرفة الدعاء و الاخلاص و رفع العوائق و اليأس من الناس و امثال ذلك فاذا تحقق احد هذه الاسباب تحقق الاجابة فلاتحسبن الله مخلف وعده رسله

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 5 صفحه 176 *»

فلما ذكر الامام7 ما ذكر مما علم انه من اسباب الاجابة و كان من الاسم الاعظم ما هو علمه مخصوص بالله و هو الحرف الذي استأثر به في علم الغيب عنده و به سخر جميع ماسواه و اذعن له بالذل و الطاعة او كان الدعاء ربما يقرأه غيره فلايعلم جميع الاسماء العظيمة او لايعرف معاني ماسبق من الاسماء او لايعلم شروط الاجابة قال7 اللهم اني اسألك بما تجيبني حين اسألك اي بما تعلم انك حتمت علي نفسك في حكمتك و ان لم‌اعلمه انا و ان لم‌اعرفه فاني اسألك بذلك الشيء و بذلك الامر فاجبني اذ ذلك عندك معين و انت تعرفه و حتمت علي نفسك ان تستجيب لمن دعاك به فانا اسألك بذلك الشيء بعينه فاجبني كما ورد في الدعاء يا من سمي نفسه بالاسم الذي يقضي به حاجة من يدعوه اسألك بحق ذلك الاسم فلاشفيع لي اقوي منه الدعاء و ذلك مثل ان يكون رجل عزيز علي صاحبك في بيت و انت لاتعرفه الا انك تعلم ان صاحبك حتم علي نفسه الاجابة لمن سأله بحقه فانت اذا عزمت علي صاحبك بحق من في هذا البيت فقد سألته بما اوجب علي نفسه الاجابة لمن سأله به و ان لم‌تعرفه فيحق عليه الاجابة فختم7 دعاءه بذلك حتي لايفقد هذا الدعاء شرطا من شروط الاجابة و بما ذكرنا عرف عظمة هذا الدعاء و احتواؤه علي الاسم الاعظم في كل فقرة فقرة فلايخيب من دعا به مخلصا ان شاء الله و لمابلغ الكلام الي هنا و قد احاط بي الهموم و الغموم من اندراس الدين و انطماس اليقين و طغيان الضالين و لعب الجاهلين بالدين المبين و ازرائهم بحملة الشرع المبين و تواردت علي مع ذلك مسائل من الاطراف و يلزم قضاء حقوق جميع السائلين و كان فيما ذكرنا كفاية و بلاغ رأيت ان اختم الكتاب هنا فكان الفراغ منه عصر يوم السبت التاسع و العشرين من شهر جمادي الاولي من شهور سنة اربع و سبعين بعد المأتين و الالف حامدا مصليا مستغفرا.

 

([1]) القي: القفر الخالي.