رسالة في جواب بعض الاخوان عن اربع مسائل ﻣﻌﻀلة
من مصنفات
العالم الرباني و الحکيم الصمداني
مولانا المرحوم حاج محمد کريم الکرماني
اعلياللهمقامه
«* مکارم الابرار عربي جلد ۴ صفحه ۳۸۵ *»
d
و به نستعين الحمدلله رب العالمين و الصلوة علي خير خلقه محمد و آله الطاهرين.
و بعــد يقول العبد الاثيم الجاني كريم بن ابرهيم الكرماني ان هذه كلمات كتبتها علي مسائل معضلة و مطالب مشكلة قدسألها بعض الاخوان و طلبها احد من الخلان عن الحضرة التي تشد اليها الرحال و تفد اليها الرجال اعني بها حضرة الحبر النحرير الكامل العامل العالم و السيد السند القمقام من آلهاشم مولانا و سيدنا و سندنا و ثمالنا و ملجاؤنا الحاج السيد كاظم سقي الله برشح ماطفح من بحار فيوضه الانام علي الدوام و انار باشراق اشعة انوار علومه الايام الي يوم القيام و قدامر هذا الاقل من انيعتني اليه و الادني من انيذكر لديه ان اوضح عن مشكلات تلك المسائل و اشرح عن خفيات هؤلاء المطالب فاقدمت بتقديم هذه الخدمة و اقبلت باتيانها مقبلاً لسدته السنية مستعيناً بالله الجليل انيسددني لقصد السبيل انه اكرم مستعان و اهدي دليل و كان سؤال السائل عن هذه المسائل و هي اربع:
الاول: ما حقيقة الجبر و الاختيار؟
الثاني: ما الدليل علي كون الائمة: العلل الاربع للخلق؟
الثالث: ما كيفية علم الائمة: بالاشياء؟
و الرابع: ما صفة علم الله سبحانه بالاشياء؟
و لعمري انه و اناوجز في البيان ولكنه اتي بمسائل معضلة قدزلت فيها اقدام و ضل دونها اعلام و من دون بيان حقائقها و شرح دقايقها موانع من الصدور الحرجة الضيقة و القلوب الوغرة الكدرة ولكن لايسقط الميسور بالمعسور و علي الله المعول في عاقبة الامور.
اما الجواب عن المسألة الاولي: فاعلم ان لهذه المسئلة مقامين: الاول مقام معرفة سر التكوين و سر الامر بين الامرين فذلك مضروب دونه حجب القدرة
«* مکارم الابرار عربي جلد ۴ صفحه ۳۸۶ *»
و استار العظمة لايطلع عليه الا الواحد الفرد و تعالي شأن الواحد الفرد و من علمه الله اياه باوليائه سلام الله عليهم بتعليم خاص شفاهي و اما غيرهم فمن رام منهم معرفة ذلك فقدضاد الله في سلطانه و نازعه في كبريائه فذلك مطوي عنه الكشح و مضروب دونه الصفح.
و اما الثاني فمقام معرفة بطلان الجبر و بطلان التفويض و لزوم كون امر بين الامرين فذلك مما يمكن الوصول اليه و البيان فيه و الكشف عنه. اعلم ان هذه المنزلة نشأت من كون المخلوق مركباً من جهتين «جهة من ربه» و هي جهة نورانيته و وحدانيته و مادته و وجوده و هذه الجهة تعلقت بها ارادة الله اولاً و بالذات لانها اصل الشيء و ركنه الذي به تقومه و تأصله فهي من الله و الي الله و لاتنظر الا الي وجه الله عباد مكرمون لايسبقونه بالقول و هم بامره يعملون و «جهة من نفس الشيء» و هي جهة ظلمانيته و كثرته و ماهيته و هذه الجهة تعلقت بها ارادة الله ثانياً و بالعرض لانها خلقت لاجل امساك الوجود و استقراره فهي من الوجود من حيث نفسه و الي نفس الوجود و لاتنظر الا الي نفس الوجود و «وجدتها و قومها يسجدون للشمس من دون الله» فكل واحدة من هاتين الجهتين لها اشعة و اشراقات بحسب اقتضاء كل واحدة منهما فالوجود نور و خير و له اشراق و اشعة و انوار و الماهية ظلمة و شر و لها ظلال و ظلمات و اكدار. فلما خلق الله طين العباد و بللها بهذين المائين ماء الوجود و هو الماء العذب الفرات السائغ شرابه و ماء الماهية و هو الماء الملح الاجاج. و عجن تلك الطين بهذين المائين جبل منها صورة ذات احناء و وصول و اعضاء و فصول و جوارح يختدمها و ادوات يقلبها و خلق لهذه الادوات و الآلات و الاعضاء و الاحناء قطب و مركز مبدء جميع تلك الجوارح منه و معادها اليه هو يمدهن و هن يستمدن منه و ذلك المركز هو القلب و هو موضع سرير السلطانين سلطان الوجود و سلطان الماهية و سميناها سلطانين لانهما هما الماءان الذان هما مبدءا حيوة تلك الطينة الميتة و هما الآمران الناهيان في مملكة الجسد و لكل واحد منهما وزير من شعاعهما تحت كل وزير من الجنود
«* مکارم الابرار عربي جلد ۴ صفحه ۳۸۷ *»
ماشاء الله تعالي فالوجود هو سلطان العدل و وزيره العقل و هو من شعاعه و تحته من الجنود بعدد ما خلق الله من الخيرات و جنوده الملئكة و الماهية هي سلطان الجور و وزيرها النفس و تحتها من الجنود بعدد ما خلق الله من الشرور و جنودها الشياطين فاذا صدر امر من واحد من السلطانين الي الوزير يثور خادمه الموكل بتلك الخدمة المعينة ليستخدم الاعضاء و الآلات في انفاذ ذلك الامر و امضاء تلك الخدمة فح يأمر ذلك السلطان الآخر وزيره و هو يثور خادمه الموكل بضد تلك الخدمة المعينة ليستخدم الاعضاء و الالات في منع ذلك الخادم عن امضاء خدمته فيقع بينهما الحراب و النزاع حتييغلب واحد منهما علي الآخر و يستخدم الجوارح في مقتضاه فاذا كان الغالب خادم العقل يقتل ذلك الشيطان و يجري مقتضاه و يكون العمل نوراً و خيراً و من الله و الي الله لتمحض السلطان في جنب الله و عدم رؤيته نفسه ابداً و اضمحلاله تحت مشية الله فلايعمل بنفسه لنفسه من نفسه ابداً فما اصابك من حسنة فمن الله و انكان الغالب خادم النفس فينهزم ذلك الملك الي تحت العرش يعبد ربه و يجري الخادم مقتضي ظلمته و يكون العمل ظلمة و شراً من الماهية التي هي نفس الوجود الي الماهية لتمحضها في نفسها و عدم رؤيتها ربها ابداً و ما اصابك من سيئة فمن نفسك و انكان بالله و بمشيته الا انه ليس بمحبته و رضاه و انت غير خفي عليك ان لله تعالي مشيتين مشية يشاء و يرضي لانه علي حسب ارادته و محبته و مقتضي مشيته لتمحض القابل عن شوائب الكدروات النفسانية و مشية يشاء لانه ابي انكان يخيب سائله او يؤيس آمله فيشاء بمقتضي القوابل و الاستعدادات الا انه لايحب ذلك الامر و لايرضي به لانه ليس منه و لا بامره و انكان به كما ورد عن ابيعبدالله7: شاء و اراد و لميحب و لميرض شاء ان لايكون الا بعلمه و اراد مثل ذلك و لميحب انيقال ثالث ثلثة و لميرض لعباده الكفر. انظر الي هذا الحديث الشريف يتبين لك الحال.
فتبين و ظهر لمن نظر و ابصر انه لاجبر لان الله سبحانه ماخلق الخلق ذاجهة واحدة لايصدر عنهم غير مقتضاها بل جعل لهم جهةنور و جهة ظلمة و جعل
«* مکارم الابرار عربي جلد ۴ صفحه ۳۸۸ *»
جميع آلاتهم و ادواتهم صالحة للعمل بمقتضي كل واحدة من الجهتين فاذا اراد انيجري مقتضي واحدة من جهتيه فليس الله حاتمه عليه و انكان لميفعله الا بمشيته و ارادته و قدره و قضائه و اذنه و اجله و كتابه فانه ما من شئ في الارض و لا في السماء الا بهذه السبعة كما ورد عن ابيعبدالله7 فاذا فعل بمقتضي وجوده فهو من الله و الي الله فانه لميحك الا عنه و اذا فعل بمقتضي ماهيته فهو منه و اليه فانه لميحك الا عن نفسه و انكان بتلك الامور السبعة المذكورة اذا لايوجد في ملكه ما لايريد لكن اراده بمقتضي قابليته و لميرض به و ليس منه و انكان به فافهم و تبصر قال الله تعالي يابن آدم بمشيتي كنت انت الذي تشاء و بقوتي اديت الي فرائضي و بنعمتي قويت علي معصيتي. اقول انظر الي القوة الاولي كيف نسبها الي نفسه و الي الثانية كيف نسبها اليك و انجعلها بنعمته و قال جعلتك سميعاً بصيراً ما اصابك من حسنة فمن الله و ما اصابك من سيئة فمن نفسك و ذلك اني اولي بحسناتك منك و انت اولي بسيئاتك مني الحديث. و انشئت انامثل لك مثالاً يوضح لك فانظر الي الشمس المشرقة علي الحائط و الي الظل الواقع من ذلك فان مرد ذلك النور المنتشر علي عرض الحائط الي الشمس و هي اولي به و هو منها و اليها و مرد الظل الواقع من الحائط الي الحائط و هو اولي به و هو منه و اليه و انكان ظهوره بالشمس فلولا الشمس لميكن و الحائط هنا آية نفس الوجود فكأن الشمس تخاطب الحائط و تقول يا حائط ان ما عليك من نور فهو مني و انكان قدظهر بك و ما بك من ظلمة فهي منك و انكانت قدظهرت بي و ذلك اني اولي بالنور منك لانه من شعاع وجهي و الي معاده و انت اولي بالظلمة مني لانها من كثافتك و اليك معادها فافهم و تبصر فقدكشفت لك عن حقيقة الحال بعون الله المتعال ففي ذلك كفاية لمن كان له قلب او القي السمع و هو شهيد.
و اما الجواب عن المسألة الثانية: فاعلم ان الله سبحانه كان و ماكان معه شيء مما كان لا وجود و لا عدم و لا نفي و لا اثبات و كذلك هو الان فلما احب انيعرف
«* مکارم الابرار عربي جلد ۴ صفحه ۳۸۹ *»
خلق المشية اولاً بنفسها ثم خلق الخلق بالمشية من نورها فالله سبحانه هو الفاعل للاشياء بمشيته و هو بذاته اجل و اكرم من انيعاني الاشياء و يباشرها بنفسه بل تلك مستحالة عليه ببداهة العقل لانقلابه ح من الذاتية الي الفعلية و من التنزه الي المباشرة و من التفرد الي الكثرة و ذلك محال تعقله في حقه تعالي اما انقلابه من الذاتية الي الفعلية فانك كنت تقول فيه انه هو الذات فلما قلت انه خلق بذاته انقلب فعلاً و صار خلق و هو الفعل و الانقلاب صفة الحوادث و هو القديم الممتنع من صفات الحوادث. و اما انقلابه من التنزه الي المباشرة فانه كان منزهاً سبوحاً عن الاقتران و المعاناة و المباشرة. فاقترن معهم و جانسهم في حدودهم و كيفياتهم حتيباشرهم و تلك الصفة الحوادث و محال في حق القديم سبحانه و اما انقلابه من التفرد الي الكثرة فانه كان في ازله و ما معه احد فلما خلق الخلق كثر امثاله و تعدد اخوانه فانه اما نزل في صقعهم ليباشرهم فتكثرت الحوادث و هو معهم او صعدهم في رتبته فتعددت القدماء و الازليون و ذلك مما لايعقل مع تعقل القديم و سر لزوم كونهما في صقع واحد استحالة انفكاك الفاعل عن مفعوله فيكون الله مريداً و لا مراد و خالقاً و لا مخلوق و قادراً و لامقدور و رازقاً و لا مرزوق فذلك محال في حقه تعالي و انكان له معني جميع ذلك قبل جميع ذلك.
فتبين للناظر البصير انه لايجوز انيكون الذات هي الفاعل المباشر للاشياء بل نقول ان ذاته هي الفاعل للاشياء بفعله و مشيته لا بنفسه فان المشية لا استقلال لها بنفسها فيكون لها ذكر من حيث نفسها بل هي مضمحلة فانية تحت عظمة الله سبحانه لا تذوت لها و لا تأصل بحال من الاحوال فكونها المباشر ليس منها و لها بل هي لله سبحانه و هي ظاهره و اسمه و يده و لسانه و عينه التي بها يقبض و يبسط و بها يتكلم و يعبر و بها يري و يسمع و بها يشاء و يفعل و بها جميع ما يدبر و يقدر و هي مبدء جميع اشتقاتات اسمائه سبحانه و صفاته فان ذاته سبحانه اجل من انيكون اسماً و رسماً و صفةً و وصفاً و ليس دون رتبة الذات الا هي فهي مبدء جميع ذلك فهي العلة الفاعلية المباشرة لجميع الاشياء فما من شيء الا و هو دون رتبته و مقامه مخلوق من نوره و شعاعه قال الله تعالي انما امره اذا اراد شيئاً انيقول له كن فيكون و
«* مکارم الابرار عربي جلد ۴ صفحه ۳۹۰ *»
قال و من آياته انتقوم السماء و الارض بامره و في الدعاء كل شئ سواك قائم بامرك و هي امره و هي قوله كن.
فاذا عرفت ذلك فاعلم ان محمداً و اهل بيته: هم محال مشية الله التي لاتقوم لها و لاظهور الا بها لان المشية مع ما هي عليه من البساطة و الشرافة هي مخلوقة حادثة و انكانت بها و كل مخلوق لابد له من جهتين كماعرفت جهة الي ربه بها تأصله و تحققه و جهة الي نفسه بها تقومه و ظهوره فلولا الجهة الاولي لميكن الشيء من اصله و لولا الثانية لميتحقق و لميظهر و لاشك ان الشيء لايقوم و لايتم الا بركنيه فكذلك المشية لها جهتان جهة الي ربها هي مادتها و تأصلها ولكنها ليست مستقرة ظاهرة متقومة وحدها الا بالجهة الاخري و هي جهتها من نفسها و محلها و مظهرها و هذه الجهة هي الحقيقة المحمدية صلوات الله عليها كما وردت بها الروايات و دلت عليها الآيات كقولهم نحن محال مشية الله و كقولهم في الزيارة ارادة الله في مقادير اموره تهبط اليكم. و غير ذلك من الاحاديث فاذا كانوا هم: محال المشية بحيث لاتقوم لها الا بهم فلايصدر امر من المشية الا بسببهم و ما من شيء في الارض و لا في السماء الا و هو صادر عن المشية فهم الاسباب في وجود كل شيء كماعرفت و ابي الله انيجري الاشياء الا باسبابها و هم اسباب الايجاد و نحن لانريد بالعلة الفاعلية فيهم الا هذا المعني فان للعلة الفاعلية عندنا اطلاقين:
مرة تطلق و يراد منها الذات القديمة سبحانه الفاعلة لجميع المخلوقات بفعله قل الله خالق كل شيء هو الذي خلقكم ثم رزقكم ثم يميتكم ثم يحييكم هل من شركائكم من يفعل من ذلكم من شيء سبحانه و تعالي عما يشركون.
و مرة تطلق و يراد منها الاسباب التي ابي الله انيجري الاشياء الا بها فانها ايضاً علل و اسباب في ايجاد الفاعل للمفاعيل فهم العلة الفاعلية في الخلق يعني ان الله سبحانه لميخلق شيئاً الا بهم و بسببهم فهم الاسباب في ايصال الفيض الي الخلق يصل اليهم اولاً فانهم اول الايجاد و اقدمه و اسبقه ثم منهم يصل الي ساير
«* مکارم الابرار عربي جلد ۴ صفحه ۳۹۱ *»
الخلق.
واما كونهم العلة المادية والصورية فلاجل ان الله سبحانه خلق محمداً و اهلبيته: من نوره قبل انيخلق شيئاً من خلقه فكان يعبد الله و يسبحه و يقدسه و يهلله دهوراً لايعبد الله احد غيره حتي كمل نوره و تم و زهي فتلألأ نوره و سطع حتيملأ اركان الارض و السماء فخلق من هذا النور طبقات الخلق و مراتبها و مقاماتها فما من شيء الا و هو مخلوق من نورهم: كما اخرجه البرسي في مشارق الانوار من كتاب الواحدة عن محمد بن سنان عن ابنعباس قال كنا عند رسولالله9 فاقبل علي بن ابيطالب7 فقال النبي9 مرحباً بمن خلقه الله قبل ابيه باربعين الف سنة فقلنا يا رسول الله9 أكان الابن قبل الاب؟ فقال نعم ان الله خلقني و علياً من نور واحد قبل خلق آدم بهذه المدة ثم قسمه نصفين ثم خلق الاشياء من نوري و نور علي الخ. و في حديث جابر قال قلت لرسولالله9 اول شئ خلقه الله تعالي ما هو؟ فقال نور نبيك يا جابر خلقه الله ثم خلق منه كل خير. و كثير من هذا القبيل يطلع عليها المتتبع فهم العلة المادية لجميع الاكوان خلقوا من شعاع انوارهم.
و العلة الصورية حيث صبغوا بصبغ باطنهم الذي فيه الرحمة او بصبغ ظاهره الذي من قبله العذاب فانهم الذين بيدهم مفاتيح خزاين عليين و دفاين سجين و مفاتيح الجنة و مغاليق النار فمن توجه اليهم بوجه الولاية و المحبة يكسونه من حلل عليين و يصبغونه من صبغ باطنهم صبغ الرحمة و من تولي عنهم تولي البرائة يلبسونه من سراويل سجين و يصبغونه من صبغ ظاهرهم صبغ النقمة و بذلك كانوا قسيم الجنة و النار و نعمة الله علي الابرار و نقمته علي الفجار فتبين و ظهر انهم هم العلة المادية حيث هم السابقون في الايجاد و ايجاد كل شيء دون ايجادهم و من شعاع انوارهم و هم العلة الصورية حيث ان ولايتهم توجب اكتساء حلل الانوار و برائتهم توجب التباس اكسية النار علي ما عرفت.
و اما كونهم العلة الغائية فلاجل انهم: لما اخلصوا في ولاية
«* مکارم الابرار عربي جلد ۴ صفحه ۳۹۲ *»
الله و عبادته بحيث سمحوا في سبيله عن اموالهم و اولادهم و نسائهم و حريمهم و انفسهم فما ابقوا لهم شيئاً الا و بذلوه في سبيل الله سبحانه مسرورين مبتهجين بذلك ثم اخلصوا في محبته حتيفنوا عند ظهور لمعات انوار وجهه فلميروا لانفسهم اسماً و لا انيةً و لا اثراً و لميروا ابد الابد غيره سبحانه و لميروا شيئاً دونه و ماسمعوا صوتاً غير صوته و ما لاحظوا غير وجهه الا بالعرض و هو ايضاً له و به و منه فهم لما صاروا في الله كذلك اقطعهم الله ملك الدنيا و الاخرة و جعل كل ما له لهم لما فعلوا كذلك بل لما كان في علمه سبحانه انهم هكذا عباد مكرمون لايسبقونه بالقول و هم بامره يعملون ماخلق ما خلق الا لهم و بهم و منهم كما قدعرفت و بذلك تنبئ كثير من الاحاديث كما في الكافي عن ابيبصير عن ابيعبدالله7 قال قلت له اما علي الامام زكوة؟ قال احلت يا بامحمد اما علمت ان الدنيا و الآخرة للامام يضعها حيث يشاء و يدفعها الي من يشاء الحديث. و في نهجالبلاغة في كتاب له7 الي معوية نحن صنايع ربنا و الناس بعد صنايع لنا. و امثال ذلك كثيرة فتبين و ظهر لمن نظر و ابصر انهم: هم العلل الاربع في جميع الاشياء مما خلق الله سبحانه علي ما ذكرنا فتدبر.
و اما الجواب عن المسألة الثالثة: و هي كيفية علم الائمة: بالاشياء. فاعلم ان الله سبحانه لما خلق محمداً و آله: قبل انيخلق الخلق خلق جميع ما سواهم بحضرتهم و اشهدهم خلق السموات و الارض بنص الكتاب انهم الشهداء علي الخلق قال مخاطباً لهم ملة ابيكم ابرهيم هو سماكم المسلمين من قبل و في هذا ليكون الرسول شهيداً عليكم و تكونوا شهداء علي الناس. فمن شهد علي الاناسي علي خواطرهم و ضمائرهم و نياتهم و ذواتهم يشهد علي جميع خلق السموات و الارض لان عالم العقول و النفوس فوق عالم السموات و الارض و قال تلويحاً مااشهدتهم خلق السموات و الارض و لا خلق انفسهم و ماكنت
«* مکارم الابرار عربي جلد ۴ صفحه ۳۹۳ *»
متخذ المضلين عضداً. فتبين ان هناك هادين اشهدهم خلق السموات و الارض و خلق انفسهم و اتخذهم عضداً. و عن قيس الهلالي عن اميرالمؤمنين7 ان الله تبارك و تعالي طهرنا و عصمنا و جعلنا شهداء علي خلقه و حجته في ارضه و جعلنا مع القرآن و جعل القرآن معنا لانفارقه و لايفارقنا و عن بريد العجلي عن ابيعبدالله7 نحن الامة الوسطي و نحن شهداء الله علي خلقه و حجه في ارضه الحديث. فلما خلق الله كل شيء مما دونهم بحضرتهم و اشهدهم خلقها و هم الشهداء عليها فيعلمون جميع ذلك بعلم حضوري شهودي عياني بكيفها و حيثها و اينها و لمها و انها و في الكافي قال و عدة من اصحابنا منهم عبدالاعلي و ابوعبيدة و عبدالله بن بشر الخثعمي سمعوا اباعبدالله يقول اني لاعلم ما في السموات و ما في الارض و اعلم ما في الجنة و اعلم ما في النار و اعلم ماكان و مايكون قال ثم مكث هنيئة فرأي ان ذلك كبر علي من سمعه منه فقال ذلك من كتاب الله عزوجل ان الله عزوجل يقول فيه تبيان كل شيء هـ . هذا كيفية علمهم: بالاشياء التي هي دون رتبتهم و خلقت من شعاعهم فهم عالمون بعلم حضوري احاطي شهودي.
و اما ما فوق رتبتهم فانه الغيب الذي حجب عنهم و لايطلعون عليه ابداً فعلم ذلك مخصوص ذات الله لايطلع عليه احد من الخلق لانبي مرسل و لاملك مقرب فان كلهم رتبتهم دون رتبة محمد و آله سلام الله عليهم فاذا قصروا هم عن الوصول الي شيء فكيف من هو دونهم نعم يعلمون ذلك علم استدلال لا علم احاطة و كشف و لا شيء فوق رتبتهم و مقامهم الا ذات الله سبحانه فانهم اول الايجاد و اسبق الموجودات فلايسبقهم سابق بل لايلحقهم لاحق فما فوقهم الا ذات الله فلايحيطون بها ابداً و لايكشفون عنها سرمداً.
و اما ما هو في خزانة الامكان و لميخرج الي الاكوان اما لوجود المانع الابدي و عدم المقتضي او لقوة المانع و ضعف المقتضي فانهم لايعلمون بوجود شيء من ذلك نعم اول ما يخرج من عرصة الامكان الي فضاء الاكوان يخرج
«* مکارم الابرار عربي جلد ۴ صفحه ۳۹۴ *»
اليهم فيصدر عنهم الي فضاء الاكوان في مقامه و حده و رتبته فيعلمونه ح علي ما هو عليه و اما قبل خروجه فهو في علم الله الذي لايحيطون بشيء منه الا بما شاء يعني بما شاء وجوده فاذا شاء تكونه فانما بهم يشاء و بحضرتهم يكون و بشهادتهم يوجد فيعلمون به بحده و رسمه و كيفه و كنهه علي ما هو عليه فينقسم علومهم: اولاً بقسمين استدلالي و شهودي. اما الاستدلالي فهو علمهم بالله سبحانه يعلم ما بين ايديهم و ما خلفهم و لايحيطون به علماً و اما الشهودي فهو ما اشهدهم الله من خلق السموات و الارض ملة ابيكم ابرهيم هو سميكم المسلمين من قبل و في هذا ليكون الرسول شهيداً عليكم و تكونوا شهداء علي الناس ثم علمهم الشهودي يختلف بحسب اختلاف المقامات و المراتب:
فعلمهم بالاشياء في مقام الاحاطة ليس لها كان و لايكون بل الماضي و المستقبل كلاهما حال عندهم يرونهما كرؤيتك النقطة الواحدة.
و اما علمهم بها في مقام القطبية فمنه علمهم بما كان و منه علمهم بما هو كائن و منه علمهم بما سيكون لانهم ح في مقام الحدود و الاوقات و الازمنة و حصوله لهم في هذا المقام بالعيان و السريان كمعرفتك بنفسك و معرفة قلبك بجوارحك.
و اما علمهم بها في مقام البشرية الظاهرة فمنه باخبار الملائكة و منه نقر في الاسماع و منه نكت في القلوب و منه استنباط من الكتاب و منه استخراج من الجفر و الجامعة و منه قرائة في المصاحف و منه ترجيح بالقرع و منه استدلال بالآفاق و هكذا فعلمهم هذا لايحد اطرافه فلهم من كل شيء استدلال و استنباط علي كل شيء و لكل شيء و الشاهد علي جميع ما ذكرنا في الاحاديث كثيرة كما روي عن ابيالحسن الاول موسي7 قال قال مبلغ علمنا علي ثلثة وجوه ماض و غابر و حادث فاما الماضي فمفسر و اما الغابر فمزبور و اما الحادث فقذف في القلوب و نقر في الاسماع و هو افضل علمنا و لانبي بعد نبينا هـ . و عن ابيبصير قال
«* مکارم الابرار عربي جلد ۴ صفحه ۳۹۵ *»
دخلت علي ابيعبدالله7 فقلت جعلت فداك اني اسألك عن مسألة هيهنا احد يسمع كلامي قال فرفع ابوعبدالله ستراً بينه و بين بيت آخر فاطلع فيه ثم قال يا بامحمد سل عما بدا لك قال قلت جعلت فداك ان شيعتك يتحدثون ان رسولالله9 علم علياً باباً يفتح منه الف باب قال فقال يا بامحمد علم رسولالله9 علياً7 الف باب يفتح من كل باب الف باب قال قلت هذا والله العلم؟ قال فنكت ساعة في الارض ثم قال انه لعلم و ما هو بذاك قال ثم قال يا بامحمد و ان عندنا الجامعة و ما يدريهم ما الجامعة؟ قال قلت جعلت فداك و ما الجامعة؟ قال صحيفة طولها سبعون ذراعاً بذراع رسولالله9 و املائه من فلق فيه و خط علي بيمينه فيها كل حلال و حرام و كل شيء يحتاج اليه الناس حتي الارش في الخدش و ضرب بيده الي فقال لي تأذن لي يا بامحمد قال قلت جعلت فداك انما انا لك فاصنع ما شئت قال فغمزني بيده و قال حتي ارش هذا كأنه مغضب قال قلت هذا والله العلم قال انه لعلم و ليس بذاك ثم سكت ساعة ثم قال و ان عندنا الجفر و ما يدريهم ما الجفر؟ قال قلت و ما الجفر؟ قال وعاء من ادم فيه علم النبيين و الوصيين و علم العلماء الذين مضوا من بنياسرائيل قال قلت ان هذا هو العلم قال انه لعلم و ليس بذاك ثم سكت ساعة ثم قال و ان عندنا لمصحف فاطمة و ما يدريهم ما مصحف فاطمة3؟ قال قلت و ما مصحف فاطمة قال مصحف فيه مثل قرآنكم هذا ثلث مرات و الله ما فيه من قرآنكم حرف واحد قال قلت هذا والله العلم قال انه لعلم و ما هو بذاك ثم سكت ساعة ثم قال ان عندنا علم ماكان و علم ما هو كائن الي انتقوم الساعة قال قلت جعلت فداك هذا والله هو العلم قال انه لعلم و ليس بذاك قال قلت جعلت فداك فأي شئ العلم قال ما يحدث بالليل و النهار الامر بعد الامر و الشيء بعد الشيء الي يوم القيمة هـ . اقول و هذا
«* مکارم الابرار عربي جلد ۴ صفحه ۳۹۶ *»
الحادث هو العلم الذي يطلع آناً فآناض من خزاين الامكان الي فضاء الاكوان فانه اعز و اجل من العلم بما هو كائن او كان فكل ما يخرج من هذه الخزائن يخرج اليهم ثم يصدر عنهم الي المراتب و المقامات الكونية فخذها قليلاً من كثير و الحمدلله رب العالمين.
و اما الجواب عن المسألة الرابعة: و هي صفة علم الله سبحانه بالاشياء. فاعلم ان الذي يستنبط من الاخبار المروية عن الائمة الاطهار و يشهد به صحيح الاعتبار و يدل عليه العقل القاطع بحيث لا فيه شك و لا عليه غبار ان الله سبحانه عالم بجيمع المعلومات في رتبة ذاته جل شأنه و العلم ذاته تعلم كل شيء علي ما هو عليه في كل رتبة من الازل الي جميع مراتب الحدث الي الابد الذي هو ذلك الازل بما هو مذكور في كل رتبة فيعلمها في رتبة الازل علي ما هو لها و حقها في تلك الرتبة و هي من الحدث الممتنع من الازل الممتنع من الحدث فهو اذ ذاك عالم بجميع المعلومات علي ما هي عليه في الازل و العلم ذاته و لا معلوم معه كان الله و لميكن معه شيء و الان كما كان و يعلم المعلومات في الكينونة التي هي ظهور الذات و اول التعينات بما هي مذكورة فيها من صلوح تعلقها اليها فانها من آثار الكينونة لاتتجاوز مبدئها و لاتتعدي حدها فهو سبحانه عالم بالاشياء في هذه الرتبة و لا ذكر لها و لا عين الا صلوح تعلق هذه الكينونة من حيث امكان التعلق فيه و هذا علمه سبحانه بها ثانياً و يعلمها في ساير مراتبها الامكانية كما هي مذكورة في كل رتبة بما هي مذكورة فيها بجميع حدودها و اوضاعها و قراناتها و اعراضها و موصولها و مفصولها و هذا علمه سبحانه بالاشياء ثالثاً و قداشار الله الي الاول بقوله و لايحيطون بشيء من علمه و بقوله يعلم مابين ايديهم و ما خلفهم و لايحيطون به علماً و الي الثاني بقوله الا بماشاء و بقوله عالم الغيب فلايظهر علي غيبه احداً الا من ارتضي من رسول و الي الثالث بقوله قل كفي بالله شهيداً بيني و بينكم و من عنده علم الكتاب و بقوله و كل شيء احصيناه في امام مبين. و يشهد
«* مکارم الابرار عربي جلد ۴ صفحه ۳۹۷ *»
علي ذلك صريح الاخبار منها قول ابيعبدالله7 لميزل الله عزوجل ربنا و العلم ذاته و لا معلوم و السمع ذاته و لا مسموع و البصر ذاته و لا مبصر و القدرة ذاته و لا مقدور فلما احدث الاشياء و كان المعلوم وقع العلم منه علي المعلوم و السمع علي المسموع و البصر علي المبصر و القدرة علي المقدور الخ. فاشار في الاول بقوله لميزل الله عزوجل ربنا و العلم ذاته و لا معلوم الفقرات، الي العلم الذاتي و بقوله فلمااحدث الاشياء و كان المعلوم الحديث، الي الثاني و الثالث و حديث ابيجعفر7 حيث سمع يقول العلم علمان فعلم عند الله مخزون لميطلع عليه احداً من خلقه و علم علمه ملئكته و رسله فما علمه ملئكته و رسله فانه سيكون لايكذب نفسه و لا ملئكته و لا رسله و علم عنده مخزون يقدم منه ما يشاء و يؤخر ما يشاء و يثبت ما يشاء فاشار بالعلم الاول الي الثاني و هو العلم اللدني الغيبي العندي فلايظهر عليه احد و بالثاني الي الثالث و هو الذي قدكتب في الالواح فلاينمحي ما شاء و اراد و قدر و قضي و امضي و اذن فكتب فعلم فهذا هو تمام القول في هذه المسئلة و هو الذي يطابق ما قرر عليه الناس الرسول الامين و وردت به الاخبار في الشرع المبين و شهدت له العقول الساطعة اللامعة باشراق انوار الائمة الطاهرين و نبرء الي الله عن افتراءالمفترين العادلين و تعالي الله عما يقول الظالمون علواً كبيراً.
و قداتينا بما اردنا ايراده في جواب المسائل بحسب الميسور و مقتضي الوقت و مجاري الامور و عند الله نحتسبه انه عليم شكور و صلي الله علي محمد و آله الطيبين الطاهرين.
و كتب ذلك بيمناه الداثرة العبد الاثيم الجاني كريم بن ابرهيم الكرماني حامداً مصلياً مستغفراً تمت.