04-05 مکارم الابرار المجلد الرابع ـ العوائد ـ مقابله

العوائد

 

من مصنفات

العالم الرباني و الحکيم الصمداني

مولانا المرحوم حاج محمد کريم الکرماني

اعلي‌الله‌مقامه

 

 

«* مکارم الابرار عربي جلد ۴ صفحه ۱۷۵ *»

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمدلله رب العالمين و صلي الله علي محمد و آله الطاهرين و رهطه المخلصين و لعنة الله علي اعدائهم اجمعين ابدالابدين.

و بعد يقول العبد الاثيم كريم بن ابرهيم انه قد كان يرد علي قلبي المعنا في بعض الاحيان بعض المطالب في اوقات التفكر او غيرها و لربما ما كنت بصدده ابدا و لاتدبرت فيه او تدبرت و لم انهه فاذا ورد وجدته حقا مطابقا للكتاب و السنة و آيات الافاق و الانفس فلربما امكنني ان اقيده فقيدته في قطعة بياض و القيته في مكان و لربما لم‌اقيده و فات عني فاحببت ان اجمع فيها كتابا و اضبط فيه ما قيدته صونا عن التلف و ان تذكرت شيئ مما فات مني اضيفه اليه و ان ورد ايضا علي قلبي شيء جديد الحقه بها و ان وفق الله للاتمام و اسأل الله ان لايفني وارداتي اذ بها حيوة قلبي يخرج ظاهرا كتاب عجيب يحتوي علي عجائب من المطالب تكشف عن حقائق كثير من المطالب المضنون بها و لا قوة الا بالله العلي العظيم و هو حسبي و نعم الوكيل و صلي الله علي محمد و آله الطاهرين.

عائدة: اعلم ان اغلب الناس لم‌يتجاوزوا عرصة الخيال و يريدون ان يدركوا كل شيء بالخيال و لاجل ذلك مبني علومهم علي التصور و تصديقاتهم مستنبطة منها فيفوتهم بذلك المسائل العقلية و المطالب الفؤادية و ان كانوا يسمون ادلتهم الخيالية عقلية و اعظم ما فاتهم التوحيد فارادوا ان يدركوا الاحد جل شأنه بالخيال فتصوروا واحدا شخصيا و ارادوا اقامة الدليل علي وحدته و امتناع شريكه فلم‌يدل عليه دليل لانه لايمتنع شركاء الواحد الشخصي التصوري فتكلفوا فلم‌يطاوعهم نفوسهم بفطرتها الاولة فوقعوا في الريب و التردد و لو انهم دخلوا البيت من بابه لما ارتابوا و قليل منهم تجاوزوا تلك العرصة و وصلوا الي عرصة العقول المدركة

 

 

«* مکارم الابرار عربي جلد ۴ صفحه ۱۷۶ *»

للكليات و المعاني فارادوا ان يعرفوا ربهم بذلك المدرك فوصفوه بالكلية و انه كل الاشياء و ان لاشيء الا هو و هو الظاهر بكل صورة فجعلوه جنسا ظاهرا بالافراد فضلوا و اضلوا عن سواء السبيل و الحق انه تعالي جعل في الانسان مشعرا لدرك التوحيد و يجب ان يوحد الله تعالي به و هو نفسه التي قال الله تعالي و في انفسكم أ فلاتبصرون و قال سنريهم آياتنا في الافاق و في انفسهم و قال النبي صلي الله عليه و آله اعرفكم بنفسه اعرفكم بربه. و الولي عليه السلام من عرف نفسه فقد عرف ربه و هي الوصف الفهواني الذي وصف الله تعالي به نفسه كما حققناه في محله و اكثرنا منه و اذا نظرت بعين الله التي اعارك اياها رأيت ان الجزئية و الكلية صفة خلقه و هو مبرؤ منهما و باب معرفة ذلك المطلقات المطلقة عن الاطلاق المعبر عنها بالحق الثابت فمن رام معرفة الله من غير تلك الابواب رجع خائبا خاسرا فانه اتي البيت من غير بابه و اراد ان يصف الله بغير ما وصف به نفسه و يأتيه من غير سبيله الذي قرره الله لاجل ذلك فارقيك درجة فدرجة فانظر حجرين و تفكر فيهما و راجع نفسك و اسألها ما هذا تقول لك حجر و كذا سلها ما هذا تقول لك حجر ظاهرا مشهودا بلاشك و لاارتياب فتفكر في نفسك و انظر هل هذا غير هذا ام لا لاتطاوعك نفسك ان تقول هذا عين هذا ثم تفكر ان كان هذا غير هذا فكيف كلاهما حجر و تسميهما باسم واحد فان عرفت فهو و الا انا اخبرك عنه انك لو نظرت الي كل واحد مع قطع النظر عما به التمايز من الكم و الكيف و الجهة و غير ذلك تري عيانا امرا واحدا و تعرفه اينما وجدته و هو الحجر و هو واحد ليس باثنين و هكذا الحال اذا نظرت الي جميع ما في هذا العالم تجده جسما و انت تري الجسم عيانا مشهودا و لذلك تعرفه بل يري هذا المطلق كل طفل رضيع بل كل حيوان و يعرفه الاتري ان الحيوان يعرف الماء اينما وجده و يراه بعينه بل هو في ظهوره بالشخصيات اوضح من ظهوره البتة و هو اول ما يري من كل شيء فكل هذا العالم جسم و انت تراه بعينك و تعرفه و انت اذا رأيت الجسم تراه معني واحدا لا كثرة فيه و انما الكثرات في عرصة التمايزات و الحدود فتري ذلك الجسم

 

 

«* مکارم الابرار عربي جلد ۴ صفحه ۱۷۷ *»

لايختص بوقت دون وقت و مكان دون مكان و كم دون كم و كيف دون كيف و جهة دون جهة و رتبة دون رتبة و وضع دون وضع و هذا معني تعليته علي الحدود فهذا المرئي اي هذا الجسم هو الدهري المتعالي عن الزمان و الزمان هو اوقات الحدود و هو فوق الاوقات باجمعها و فوق الامكنة برمتها فهو الذي كان مع آدم حين خرج من الجنة و مع نوح في السفينة و مع ابرهيم في النار و مع موسي في البحر و مع عيسي في الهواء و يكون يوم القيامة فاذا نطق الجسم بهذه الكلمات عن حجر او شجر صدق و قد كان فاذا قال انا كذا و انا كذا فمن سمع المقال من الجسم المتعال صدقه و رأي عيانا مكشوفا انه صادق و من سمعه عن الحد الحجري كذبه و تعجب ولكن اذا نطق الجسم لابد و ان ينطق من احد هذه المظاهر ولكن لا كل جسم يكون قابلا لان ينطق منه فان الكثيف يري نفسه و يعبر عن نفسه و اما الحدود الرقيقة التي كادت ان تفني هي التي تطاوع الجسم المطلق و تعبر عنه و ينطق عنها و هذا الجسم جوهر متكثر ذو حدود فانك تراه و تعرفه بحدوده و هو عند المطلق الاعلي كالعرش بالنسبة الي الجسم بل كالارض بالنسبة الي الجسم و الجسم هو الجوهر ذو الحدود فلذلك لايصدق علي الطول وحده انه جسم و لا العرض وحده و لا العمق و لا علي شيء من الحدود و لا علي الجوهر وحده و انما يصدق علي كل مركب من الجوهر و الاعراض فاذا صعدت الي اعلي المطلقات التي تعم الجواهر و الاعراض معا فذلك اشد انبساطا و اعظم وحدة و اوحد و اشرف و اعلي و اعظم و اجل و اكبر من جميع المطلقات في الف الف عالم و ذلك هو اظهر من جميع المطلقات في الموجودات و اعمها و لم‌يبق حدا و لا محدودا الا و قد ظهر به و هو اظهر منه فلاشيء الا هو اذ هو واقعا حقيقة ألاتري ان كون السكين حديدا اظهر من كونه سكينا و كونه معدنيا اظهر من كونه حديدا و كونه جسما اظهر من كونه معدنيا و كونه شيئا موجودا اظهر من كونه جسما بالبداهة فاعلي المطلقات هو الوجود المطلق و هو اذا قال انا كنت حيث لا سماء مبنية و لا ارض مدحية و لا عرش و لا كرسي و لا لوح و لا قلم و كنت قبل هذه السماوات و هذه الارضين بالف الف دهر و وقفت علي اول كل موجود و آخر كل مشهود و اري ماكان و

 

 

«* مکارم الابرار عربي جلد ۴ صفحه ۱۷۸ *»

ما يكون الي يوم القيامة كلا في محله و مقامه صادق و انا علي ذلك من الشاهدين و لو فهمت ما قلت فانت اذا من الشاهدين و هو اذا نطق لك ينطق لك من موجود من هذه الموجودات ليسمع اذنك ولكن الطف هذه الموجودات احكي و اولي بذلك و اسرع حكاية و اوفق للعادة و الا فهو يقدر ان يخبر عن نفسه بكل شيء فذلك الوجود المطلق هو السبيل الاعظم و الصراط الاقوم و الاية العظمي و الصفة النعمي و النعت الاكبر لله سبحانه به قد وصف نفسه و عرفها لعباده به فمن عرفه بهذا الوجود فاز بمعرفة المعبود و الا فلا فان عرفته بذلك عرفت انه ليس بجزئي و لا كلي و انه في كل مكان و لايخلو منه مكان و هو حاضر كل ملأ و منتهي كل حاجة و العالم بكل شيء و القادر علي كل شيء و اولي بكل شيء من نفسه بلانهاية و هو جل جلاله فوق هذه الاية بما لانهاية له كيف يستدل عليك بما هو في وجوده مفتقر اليك فهو صفة استدلال عليه لا صفة تكشف عنه. و لو كنت مطيقا لان تسمع بعض ما ورد علي قلبي لاسمعتك ما يهيجك و يهزك هزا الا اني:

اخاف عليك من غيري و مني   و منك و من مكانك و الزمان

فلنقبض العنان فللحيطان آذان و قد ابصر من له عينان.

عائدة – اعلم ان الله سبحانه مباين مع خلقه و بينونته بينونة صفة لا بينونة عزلة و الفرق بينهما ان البينونة بينونتان فان الشيئين اما يكون بينهما ما به يشتركان في رتبة و اما ليس بينهما اشتراك فما كان بينهما اشتراك فهما مركبان مما به اشتراكهما و ما به امتيازهما كجر و حجر فانهما يشتركان في الحجرية و يمتازان في شخصيتهما فهما متباينان بينونة عزلة لان هذا بمعزل عن هذا و هذا بمعزل عن هذا و اما ليس بينهما اشتراك و المثل الظاهري لهما الطول و البياض فهما صفتان و صورتان فعليتان لايشتركان ظاهرا في شيء فهما متباينان بينونة الصفة عن الصفة و الفعلية عن الفعلية و هذه البينونة اعظم من البينونة‌ الاولي الف مرة لعدم الجامع بينهما ولكن هذا في الظاهر و ليس في الحقيقة في الحوادث شيء بعد

 

 

«* مکارم الابرار عربي جلد ۴ صفحه ۱۷۹ *»

الوجود المطلق الاول الواحد مالايشترك مع غيره في شيء أ ليس البياض و الطول يشتركان في الوصفية و العرضية و الصورية و لااقل من الاشتراك في الوجود و كل اثنين تدركهما فهما موجودان فبينونات الخلق كلها عزلية حقيقة و ان كان يقال لبعضها بينونة صفة بالاضافة و اما الرب جل و علا بينونته مع خلقه بينونة صفة كيف لا و هو الموجود الذي ما سواه ممتنع معه و هو النور الذي لا ظلمة فيه و العلم الذي لا جهل فيه و القدرة التي لا عجز فيها و الحق الذي لا باطل فيه و هكذا فحكم البينونة بينه و بين ما سواه بينونة صفة حقيقية بل حقية ليس كمثلها بينونة تعالي شأنه العزيز و مقدار البينونة بينه و بين خلقه كمقدار البينونة بين الواجب و الممتنع فاسبر ان كنت سابرا و لا حول و لا قوة الا بالله العلي العظيم.

عائدة _ اعلم ان معرفة بقاء النفس و حالتها بعد خراب البدن امر عجيب و ليس علي ما يزعمه اصحاب الخيالات و العلوم الظاهرة فان النفس الدهرية قائمة ثابتة فوق جميع الازمنة و لايمر عليها آنات و يوم و شهر و سنين فالنفس اذا فارقت البدن و مضي عشر سنين فقد مضي عشر سنين علي الجسد و لم‌يمض منذ فارقت البدن عليها آن واحد و لايمضي و لو مضي علي البدن الف الف سنة و هي حيث تكون نسبتها الي اول الزمان و آخره علي حد سواء كما تري من حال الجسم المطلق فانه المعني الدهري و النفس الدهرية و للنفس آية ضربها الله لقوم يعقلون و هي المثال الملقي منك اذا صليت يوم الجمعة الثامن عشر من المحرم سنة خمس و سبعين بعد المأتين و الالف في الجامع صلوة‌ الظهر و انت في سن معين و لون معين و كم معين و وضع معين فتلقي مثالك في ذلك المكان و ذلك الزمان و مثالك هناك موجود مادام ملك الله و قد فارقك المثال و بقي هناك و لايمضي عليه الشهور و السنون فانت مذ عشرة ايام قد فارقته و ليس هو مذ عشرة ايام فارقك و لم‌يمض عليه آن و ساعة و يوم و ليلة بوجه من الوجوه و هو ابدا في يوم جمعة و وقت زوال واقف في صلوته في حال القنوت الي يوم القيامة فهذه الحالة هي الحالة‌ الدهرية

 

 

«* مکارم الابرار عربي جلد ۴ صفحه ۱۸۰ *»

فاعرفه و ان اردت ان تعرف دهرية كل هذا العالم فهكذا اعرفه و هذا المثال الذي مثلت لك فعلية من فعليات نفسك و صورة من صورها فلو جمعت جميع مثلك الملقاة في حدودها أ ليس تجد لها احدية تجمعها كما اذا جمعت اجساما تجد لها احدية تجمعها و هي الجسم المطلق فهكذا في لك المثل احدية تجمعها فانها كثرات تنطوي تحت احد البتة و ذلك هو صورة اطلاقية غير مقيدة بخصوصية من هذه الخصوصيات آيتها كل جسم من الاجسام الظاهرة له طول معين أ ليس جميع هذه الاطوال الخاصة تحت الطول المطلق و كلها طول و كل الالوان الخاصة تحت اللون المطلق فليس اللون ابيض و لا احمر و لا اخضر و لا اصفر مع انه لون و كذلك ليس الطول المطلق بقصير و لا طويل مع انه طول افهم ما اقول لك فاذا جمعت المثل الملقاة و نظرت اليها تجد صورة مطلقة سارية في كلها اعطت كلها اسمها و حدها بالبداهة فهي النفس الدهرية الثابتة في محلها لايمر عليها دهور و سنون و شهور و ايام و ساعات و آنات ابدا فليس مذ فارق نفس آدم جسده ثمانية آلاف سنة و ان مر علي جسده ثمانية آلاف سنة فافهم ما اقول فهي واقفة ثابتة مكتوبة في محلها بلاتقضي وقت و ليس عليها طلوع و لا غروب و لا صباح و لا مساء فذلك في موضع كتابتها اما في نعيم مقيم و اما في الم جحيم و هذا سر خلودها نعوذبالله فلا انقضاء لما هي عليه ابدا نستجير بالله و انت لو كان لك بصر لرأيت النفس في هذه الدنيا قال عليه السلام يقين المرء يري في عمله و لتعرفنهم في لحن القول و لتعرفنهم بسيماهم و لو كان لك بصر لرأيت من كان منهم علي صفة الكلب و من كان منهم علي صفة القرد و من كان منهم علي صفة ساير الحيوانات و من كان منهم علي صفة‌ الانسان و لتجدن اكثرهم لهم قلوب لايفقهون بها و لهم آذان لايسمعون بها و لهم اعين لايبصرون بها ان هم الا كالانعام بل هم اضل اولئك هم الغافلون و لرأيت ان الناس كلهم بهائم الا المؤمن و لرأيت ان المؤمن قليل المؤمن قليل المؤمن قليل المؤمن اعز من الكبريت الاحمر و هل رأي احدكم الكبريت الاحمر اللهم اني اعوذ بك ان اخالف رضاك في شيء مما اردت مني و

 

 

«* مکارم الابرار عربي جلد ۴ صفحه ۱۸۱ *»

اعوذ بك ان تجدني حيث كرهت او تفقدني حيث احببت و صلي الله علي محمد و آله الطاهرين.

عائدة: اعلم ان فهم لوح الارتسام من مشكلات المسائل و قل من يظفر بفهمه و اني ارجو الله ان يلهمني فيه الصواب.

ان بسائط هذا العالم هي امكان المواليد و فيها جميع المواليد و الحوادث الزمانية معدوم و بالقوة فلايخرج منها الا بتكميل موجود بالفعل خارجي و هو فوقها و ذلك الموجود بالفعل للاجسام هو النفس فهي التي تقلب الاجسام و ان كانت تقليبها لها بها و لسنا الان بصدد بيان ذلك فتلك النفس هي التي تدير افلاكها و تثير عناصرها و تؤلف بينها و تخرج تلك القوي من كمون امكانها و لولا فعل النفس لبقيت ابد الابد في كمون قوابلها و عدم امكانها فالنفس يصدر منها مثال و شبح و يقع في قوابل هذه الاجسام و ينصبغ في بطن كل قابل فيظهر من ذلك القابل و عليه فعلية بحسبه فلو رفع النفس مثالها عن تلك القوابل لعادت ساكنة كما كانت و فني جميع تلك الموجودات و عادت الي الامكان كما انك لو لم‌تكتب فني الكتب و لو لم‌تصوت فني الصوت فهي و ان خرجت بالتكميل الا انها محتاجة ابدا الي تكميل المكمل كاستضاءة الجدار و نور الشمس او كشبحك في المرآة فهذه الصور الظاهرة علي مرايا القوابل صدورا محتاجة الي النفس من غير محاجاة الي القوابل الا انها ظهورا محتاجة الي تلك القوابل و ليست القوابل بموجدة لها و انما هي مظهرة اياها كما ان المرآة ليست بموجدة للشبح و انما هي مظهرة فاذا كسرت المرآة و رفعت بقي الشبح قائما بوجهك مستمرا باستمرار وجهك فان جاء مرآة ثانيا ظهر و الا بقي في عالمه قائما بوجهك ضرورة ان المرآة مظهرة له لا موجدة و كذلك جميع حوادث هذا العالم الخارجة من عدم بسايطه الي وجود مولداته او وجوداته كلها قائمة‌ بالنفس قيام صدور فاذا ذهبت القوابل بقيت قائمة‌ علي اصولها بمباديها من غير محاجاة الي القوابل فاذا بطل الفلك

 

 

«* مکارم الابرار عربي جلد ۴ صفحه ۱۸۲ *»

بقي دوراته قائمة‌ بالنفس فانها تحريكها و هو فعلها و هي باقية‌ فهو باق مستمر مادامت النفس مستمرة قائم به قيام صدور و هكذا جميع ما في العالم السفلي من حركات العناصر و صورها الحاصلة منها و جميع ما خرج من امكانها فاذا كسرت المواليد بقيت تلك الصور قائمة ‌بالنفس قيام صدور نعم ان لتلك الافعال القائمة‌ بالنفس انصباغات كانت راجعة‌ الي القوابل و لم‌تكن من تلك الافعال كما ان صورة‌ الخراطة و الصفرة و الحركات في الشعلة ليست من النار و انما هي من الشعلة راجعة اليها فتلك الانصباغات لاترجع الي النفس ولكن ترجع الي المؤثر الاعلي الذي هو اخرج البسايط من كمون بسايطها السابقة ‌اذ تلك الانصباغات من فعليات تلك البسايط و لها امكان سابق و قد اخرجها ذلك المؤثر العالي بفعله من كمون ذلك الامكان فجعلها بسائط ذات فعلية ثم جعل البسائط امكانا لما دونها من الاكوان و ولي عليها النفس الكلية فعملت فيها كما ذكرنا حتي اوجد اكوانا زمانية ثم ولي عليها نفوسها الجزئية فعملت فيها و اخرجت من كمونها الافعال و الحركات العملية و لذلك صارت و ليست هيئات الابدان اختيارية نفوسها و اما اعمالها فهي اختياريتها فافهم.

و كل فعل قائم بفاعله راجع اليه و ان ظهر في ما ظهر فمثل الاعمال الاختيارية للنفوس الجزئية اذا القيت و هو حين تعمل النفس عملا آخر ترجع الي النفس الدهرية قائمة‌ بالنفس قيام صدور و مثل كينونة‌ الابدان اذا القيت ترجع الي النفس الكلية و هي اعمالها و افعالها فتقوم بها قيام صدور و مثل البسايط الامكانية اذا القيت عادت الي فعل الله سبحانه و قامت به قيام صدور و ان كانت ظاهرة بالاهبية الجسمانية.

بالجملة ان مثل الاعمال مرتسمة في الواح امكنتها و اوقاتها ارتساما دهريا ابد الابد قائمة بالنفس و تأتي يوم القيامة و كل مثال من تلك المثل صدورا علي هيئة النفس فان الاثر يطابق صفة‌ مؤثره في الهيئة الا انها اذا نطقت روت عن النفس و النفس تنطق عن نفسها كما يروي شبحك في المرآة عنك و تنطق عن نفسك فتأتي النفس و معها جنود ذكران و اناث كلها مشابهة لها في الهيئة و اما مثل الابدان فهي ايضا مرتسمة في امكنتها ابد الابد و هي قائمة بالنفس الكلية‌

 

 

«* مکارم الابرار عربي جلد ۴ صفحه ۱۸۳ *»

المدبرة لهذا العالم المحركة لها و هي اي المثل كقيامها و قعودها و افعالها فهي ايضا علي هيئة النفس الكلية صدورا تروي عنها و هي جنودها فيأتي بذلك جميع الامكنة و الاوقات و جميع هيئات الاكوان الزمانية و مثلك تلك مقرونة بامكنتها و اوقاتها فكذلك تشهد عليك الامكنة و الاوقات و تأتي الايام و تأتي المساجد و الاحجار و الاصنام و جميع كائنات هذا العالم كائنا ما كان بالغا ما بلغ.

و ان قلت ان النفس واحدة فكيف صدرت عنها هذه الاعمال المتكثرة و كذلك النفس الكلية واحدة اشد توحدا فكيف صدر عنها هذه الاعمال المتكثرة قلت ان النفس واحدة لاشك فيها و الذي يصدر عنها ايضا نور واحد و فعل واحد ولكن ذلك الفعل اذا وقع في القوابل البدنية تكثر و فعلها كحبة غرست في ارض طبيعة‌ البدن و خرج عنها حبات كثيرة لان البدن له ظاهر و باطن و لكل منهما مشاعر و حواس و اعضاء و وصول و احناء و فصول و له قرانات بالاوقات و الامكنة و ساير الاشياء فاذا ظهر ذلك الفعل الوحداني في كل موضع من تلك المواضع ظهر بهيئة كما تري ان ما من الروح ادراك مطلق ففي العين ابصار و في الاذن استماع و في الانف شم و في الفم ذوق و في الاعضاء لمس و هكذا كذلك فعل النفس بل هو اشد توحدا و انما تتكثر في البدن و كذلك فعل النفس الكلية واحد يظهر في كل بسيط و مركب علي حسبه فاذا كان يوم القيامة عاد اليها فعلها و قام بها و قد حصل لفعلها نعامة و لطافة بحسب ارتكابها الاعمال في محالها و تأتي مثل الابدان التي هي محال تلك الافعال و ذلك الفعل متعلق بها ظاهر فيها بصور الاعمال المتكثرة فيأتي كذلك صلوة زيد و صومه و حجه و جميع اعماله الجزئية حتي خوائن عينيه و الفاظ اقواله كلا طرا فهي متكثرة من حيث المحل متوحدة من حيث الصدور و شبيه النفس فعلها من حيث الصدور لا فعلها من حيث الظهور و انما مثل ذلك كان يأتي الشمس و نورها المنبث و المرايا المختلفة فنور الشمس في كل مرآة علي لون و شكل من حيث الظهور و من حيث الصدور علي صفة الشمس في كل مرآة و يروي عن الشمس فافهم. و كل العلم لايمكن ان يكتب في مكان واحد فلو بني الانسان علي ذلك ما تم مسئلة ابدا.

 

 

«* مکارم الابرار عربي جلد ۴ صفحه ۱۸۴ *»

عائدة: ورد علي في خاطري في امر الرؤيا شيء منذ ايام و لم‌يتيسر لي اثباته الي اليوم و هو تاسع شهر رمضان المبارك من سنة‌ احدي و سبعين بعد الالف و الماتين و هو ان الكيلوس بعد ان صفي بالماساريقا و ذهب الي الكبد و عمل فيه هاضمة‌ الكبد اللحمانية احالته دما بالمناسبة الخميرية التي فيها و ميزت ما فيه من العكرية التي هي الطبعانية العنصرية فهي عكرية بالنسبة الي ما يراد منه من الفلكية و الحيوة فتميزها القوة المميزة و تجذبها جواذب الاوعية فتجذب المرارة العكر الناري و الدهني الهوائي و انما صارا معا لان النار لطيفة لاتستقر الا في محل لزج دهني و في المرارة دهنية بينة للحكيم و بذلك يغسل بها الادهان و تمازجها و الكلية العكر المائي و الطحال العكر الملحي الترابي فيتخلف عنه العناصر السفلية و يذهب الي القلب دم اصفر صاف فيعمل فيه حرارة القلب الفلكية فتكلسه و تلطفه و تبخره بخارا فلكيا و هو طبيعة خامسة غير الطبايع المتخلفة العنصرية السفلية و ليس بمركب منها و ان كان خارجا عنها و انما تركيبه من الطبايع الجوهرية الركنية البرزخية و كان المجموع المركب كامنا في الطبايع و خرج بالتدبير الفلسفي كما يخرج الدهن من اللبن و ليس الدهن مركبا من المائية و الجبنية المتخلفتين و انما كان جوهرا مستقلا منتشرا فيهما و خرج بالتدبير و كذلك ذلك الجوهر البخاري كان جوهرا منتشرا في غيب العناصر نزل اليها و صار فيها بالقوة و استفصل بالتدبير الفلسفي صعودا فتخلف عنه العناصر و خلص الجوهر الفلكي الخالص و هو مركب من طبايع عليا لا من الصفراء و السوداء و البلغم و الدم و انما المركب منها اللحم و العظم و ساير الاعضاء فلما استخلص ذلك الجوهر الخامس الفلكي الوحداني الذي هو كالدخان من زيت الدم اشتعل بنار الحيوة التي مسته بواسطة اشعة الافلاك المشتعلة بالحيوة في التدبير العام و بواسطة الروح البخاري السابق فاشتعل حيا بتقوي ما كان فيه ضعيفا منها و كان بالقوة و تحرك بجميع حركات العناصر فصار يصعد كالنار و يهبط كالتراب و يجري كالماء و يهب كالهواء فظهر منه حركة‌ الانقباض و الانبساط الشرياني و نار الحيوة هي جوهرة‌ برزخية اسفلها

 

 

«* مکارم الابرار عربي جلد ۴ صفحه ۱۸۵ *»

مشاكل لذلك البخار الفلكي في الجسمانية و اعلاها الطف و هي ايضا كانت منتشرة في البخار كالدهن في اللبن و البخار في العناصر و كانت مقدمة وجودا و نزلت اليه و صارت فيه بالقوة فاجتمعت بمخض شعلات الافلاك اياها و تقويتها لها فلما اجتمعت تلك النار و تقوت و هي غيب ذلك البخار بعينه و مثال المبدء فيه و جهته الي ربه و عنصره الاعلي و السر الواحدية فيه و الرحمانية المستوية علي عرش طبايعه الجوهرية و الحقيقة الخامسة فيه تعلقت به بالمشاكلة و الارتباط و بتصعيد اشعة‌ الافلاك البخار اليها و تصييرها تلك النار بالفعل مجتمعة بعد ما كانت بالقوة و منتشرة و تلك النار جسم لطيف البس قالبا كثيفا هو البخار فالبخار بالنسبة اليها علي حذو قول الشاعر:

ثقلت زجاجات اتتنا فرغا   حتي اذا ملأت بصرف الراح
خفت فكادت ان تطير بما حوت   و كذا الجسوم تخف بالارواح

و علي حذو قول الاخر:

رق الزجاج و رقت الخمر   فتشاكلا فتشابه الامر
فكأنما خمر و لا قدح   و كأنما قدح و لا خمر

فصار ذلك البخار هو الروح البخاري و الطبيعة‌ الخامسة للاخلاط و الحيوة التي فيه هي الطبيعة ‌الخامسة لطبايع البخار الجوهرية حصلت و تولدت منها كما حصل و تولد البخار من الاخلاط فالبخار بالنسبة الي الحيوة‌ عرضية تفني عند الموت و تبقي الحيوة ساهرة في البرزخ فسبق الروح علي الجسد سبق رتبي دهري لا سبق زماني بل الجسد هو السابق الزماني فكيف تكفرون بالله و كنتم امواتا فاحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم ثم ذلك البخار الحي و الروح يصعد من الشرائين الي الدماغ و يتلطف في تلك المنازل فيغلب فيه الدخانية و تقل رطوباته الغالبة‌ عليه في بد‌‌ء النشؤ فيجري في الاعصاب الي الحواس المناسبة و الي الاعضاء فيبصر من العين و يسمع من الاذن و يشم من الخيشوم و يذوق من اللسان و يلمس بالاعضاء و يتحرك منها و لسنا بصدد تفصيل هذه المشاعر و الا لقضيت عجبا من انعام الله علينا و كانت هذه القوي في الروح حال كونه في القلب علي نحو الاتحاد و القوة و كان

 

 

«* مکارم الابرار عربي جلد ۴ صفحه ۱۸۶ *»

بكله سميعا بصيرا ذائقا شاما لامسا من دون تميز واحد عن آخر و من دون ظهور بالفعل فانه لايتحقق الا بالتميز و يغلب هناك رطوبات مغطية لشعوره قد كانت في بدء النشو معه فلما جاء الي هذه الاعضاء و نشفت تلك الرطوبات صارت تلك القوي في تلك الاعضاء بالفعل و ظهر آثارها ثم هذه الاعضاء اذا حصلت تلك المدركات تسلمها اليه و يحصل له اي للروح في نفسه من جملة ذلك ايضا امر كلي لا تميز لشيء منها فيه و يحصل له عند الاعضاء في الاعضاء مدركات بالفتح مميزة فالمبصر غير المسموع و هما غير المذوق و هي غير المشموم و هي غير الملموس و اما في نفس الروح و ما حصل له في نفسه فهو امر كلي من هذا المجموع لانه في نفسه كذلك فافهم.

ثم في الانسان يراض الروح بالعلم و الحلم و الذكر و الفكر و النباهة و النزاهة و الحكمة و يعمل في روحه البخاري الدخاني الحيواني نار نفسانية المربين له و ما في اشعة الافلاك من النفسانية و تعمل فيه شيئا بعد شيئ بعد ما تولد و تمخض روحه مخض السقا شيئا بعد شيء حتي يجتمع فيه زبد النفس الناطقة التي كانت منتشرة في غيب الحيوة الحيوانية و تدبره بالتلطيف و التحليل و التمييز و التصفية شيئا بعد شيء الي ان تجتمع النفس الناطقة التي هي خلاصة الخلاصة من الخلاصة و هي حصولها من الحيوانية كحصول ما سبق مما سبق بلاتفاوت فسبقها عليها سبق دهري ملكوتي رتبي و الا فسبق ما سبق عليه ظاهر و هو زماني و برزخي كما مر فالنفس الناطقة هي بعد كالطبيعة الخامسة المهيمنة علي طبايع الحيوة البرزخية و الرحمانية المهيمنة علي عرشها اذ الحيوة الحيوانية ايضا مركبة من الطبايع البرزخية التي كانت منتشرة في طبايع الدنيا فلما خرجت و صارت بالفعل و كان منها الحيوة تحقق للحيوة غيب منتشر فيها فاستخلص بتربية النفوس حتي اجتمع فهو جهتها الي ربها و الرحمان المهيمن علي عرشها و الطبيعة الخامسة و العنصر الاعلي و الفلك الدائر علي طبايعها و سر الواحدية الظاهرة عليها و امثال ذلك من الاوصاف فالنفس الناطقة تتولد من الحيوانية كما تتولد الحيوانية من النباتية كما تتولد النباتية من الجمادية العنصرية و ليست النفس مركبة من عناصر الحيوان و النبات و الجماد كما عرفت و انما هي

 

 

«* مکارم الابرار عربي جلد ۴ صفحه ۱۸۷ *»

حقيقة وحدانية منفصلة كانت منتشرة فيها و بالقوة فخرجت كالزبد من اللبن و هذا المثال تقريبي فانه خروج جسم دنياوي عن جسم دنياوي الا انه لتقريب الاذهان فالنفس ايضا جسم صوري ولكن ملكوتي الا انه لتقريب الاذهان فالنفس ايضا جسم صوري ولكن ملكوتي الا انه الطف من جسم الحيوان و النبات و هي اشبه الاشياء بالملائكة و الصور لشدة رقتها و تلك النفس في نفسها ايضا ادراك محض ليس فيه تعين ولكنها لما اشتعل بها الحيوة‌ الحيوانية و عملت فيها و لها مراتب في الرقة و الغلظة ظهر منها في كل مرتبة قوة فظهر من الحيوة الحيوانية حين تلطفها بلطافة فلك عطارد فكرها و حين تلطفها بلطافة فلك الزهرة خيالها و بلطافة فلك المريخ وهمها و بلطافة فلك المشتري علمها و بلطافة فلك زحل عقلها و بلطافة فلك الشمس ادراك اجمالي فؤادي حقيقي لها و انما تلطف الحيوانية كذلك بتدبير النفوس الخارجية و صلاحية المحل و ما خلق لاجله من يوم اول و خميرة الاب و الام تعالي الله تعالي الله عما يقول الملحدون علوا كبيرا و تبارك الله احسن الخالقين فالنفس لها هذه المدركات بالفتح عند هذه المشاعر لا في نفسها و اما في نفسها فهي دراكة بادراك اجمالي فاذا ادت المشاعر اليها ما حملته اتحد عندها و حصل لها كمال وحداني اجمالي و اما ما تدركه من التفصيل فهو عند المشاعر الحاضرة‌ لديه فهي تريها في محالها لا في نفسها فافهم و لسنا بصدد بيان اكثر من ذلك هنا و انما ذكرناها مقدمة لما نريد.

و اعلم ان النفس الناطقة او الحيوانية ليست تخرج عن مركزها و تقع علي المدركات الخارجية و انما تأتيها المدركات باشباحها كما حققناه في محله فالمبصر يقع شبحه علي العين علي الجليدية التي هي كالمرآة فتنصبغ الجليدية بصبغه فتؤديه الي الروح البخاري ثم الي الحس المشترك فينصبغ به و الحس المشترك هو الحيوة‌ الحيوانية البرزخية فاذا انصبغ الروح البخاري به انصبغ شعلة الحيوة كما اذا جعلت فتيلة السراج زرقاء تنصبغ الشعلة و تصير زرقاء فاذا انصبغت الشعلة حصلت نار زرقاء لان النار المنتشرة في غيب الدخان تحصل من الدخان فاذا تغير طباع الدخان تغير طباع النار و بذلك يتولد من بخار قلب الاسد روح الاسد و من بخار قلب البهيمة روح البهيمة فاذا حصل للبخار تغير طبع تغير طباع

 

 

«* مکارم الابرار عربي جلد ۴ صفحه ۱۸۸ *»

الروح المتولدة منه و لو بالعرض فوجد الروح المدرك في نفسه و وجده بحضرته في البخار بالبخار و في الجليدية بالجليدية و بعضها منطبق علي البعض و الكل منطبق علي الخارج مستند اليه فان فيه لا وجود لها مستقلا و هي شافة عما ورائها فيري الروح الحيواني الشيء كذلك ثم لما كان ينطبع مع شبح الشيء اشباح اطرافه و ما يقاس به يدركه بعيدا في الخارج لما حققناه في كتابنا ضياء البصاير في المرايا و المناظر و كذلك امر ادراك النفس الناطقة فانها ليست تخرج من مركزها و لاتنزل من عالمها ولكن اذا حصل المدرك للحواس الظاهرة فادته الي الروح البخاري فاداه الي ساير الافلاك و انصبغت الافلاك و هي مشتعلة بالحيوانية و هي حاصلة متولدة منها كما مر فادته الي الناطقة حصل لها في نفسها ما وصل اليها فوجدت نفسها كذلك و وجدت في الحيوانية بها ما فيها و وجدت في الافلاك بها ما وصل اليها و وجدت في الروح البخاري به ما وصل اليه و في الحواس الظاهرة بها ما وصل اليها و بعضها منطبق علي بعض و الكل علي الخارج فتدرك النفس ايضا كذلك و تطلع علي الخارج كذلك و لسنا بصدد بيان ذلك مفصلا و انما كلامنا في امر الرؤيا و التخيلات و ذكرنا ما ذكرنا مقدمة فاذا اعرض النفس عن التوجه الي الحواس الظاهرة و تعطلت الاعضاء الظاهرة عن الحس و الحركة اجتمع الروح الحيوانية في القلب و في الباطن بما فيها من النفس فلو لم‌يحدث لها و لادواتها صابغ لما ادركت شيئا الا نفسها لعدم حصول شيء عندها فما يحدث لها و عندها له اسباب.

فمنها ما يخالط الروح البخاري من ابخرة الاخلاط الغالبة الصالحة او الردية الصاعدة‌ الي الدماغ فهي تصبغه باصباغها فتدركها النفس كما حققناه في كتابنا تأويل الاحاديث و ربما صعدت الابخرة ايضا في اليقظة و غطت الدماغ و منعت الروح عن التوجه التام الي الخارج فاصابه حالة‌ كالخدر و النعاس فيري تلك الصور كما يري المصاب المصروع و اصحاب الهجر و الهذيان و ربما يحيي تلك الابخرة علي تلك الصور بفضل روح الانسان فتتحرك و تنطق و تعادي و تحاب و تخبر باخبار كاذبة او صادقة و ربما تبقي اياما في البدن و ربما تدوم علي شكل

 

 

«* مکارم الابرار عربي جلد ۴ صفحه ۱۸۹ *»

واحد لغلظتها و انتضاجها و لربما تستقل قليلا و تنفصل بنفسها في الجملة و اكثر خيالات الناس و ظنونهم و حبهم و بغضهم بل و علومهم من هذا القبيل ولكن لايشعرون تحسبهم اصحاء و هم مرضي في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا و لهم عذاب اليم بما كانوا يكذبون فقد روي اكثر المنام رأي الاحلام فمنها ما يخالط الروح من ابخرة في العالم و فساد في الهواء بسبب الانظار الخارجية‌ الفلكية و تتعلق بها الارواح الفلكية فتكثر الشياطين في الجو كما مر هنا و حققناه في كتابنا حقايق الطب فتدخل جوف الانسان في المنام او اليقظة فاذا دخلت الدماغ ينطبع في الروح اشباحها كما مر فيري امورا كما مر و هي ايضا اضغاث احلام لا عبرة بها و قد رآها في الارض.

و منها مايراه بحسب الطبيعة الثانية اي العادة فان كل حركة في الانسان لها مبدؤ ظاهري من طبيعة فاذا عود الانسان نفسه بشيء يغلب تلك الطبيعة بتلك الصفة فيه و تصير ملكة و ان اشتغل عمدا بغيره تارة فهو كالقسر فمهما تركها عادت الي ما تطبعت فاذا اعتاد الانسان بامور في يومه او ليلته او ايامه صارت طبيعة ثانية له و في حال التعمد ربما يتوجه الي غيره و اما اذا نام و خلي الطبع بنفسه جري علي عادته فتصور الروح البخاري بصورة‌ عادته و تشكل بشكل ما اعتاد التشكل به فادركت النفس تلك الصورة و تلك الرؤية ايضا لا عبرة بها و لا تأويل لها و هي كالتخيل العمدي لا عبرة به.

و منها ما يكون المزاج معتدلا و الهواء الخارج و الانظار معتدلة و لا عادة فلايحدث له صورة من الارضيات الا صورة عامة له في جميع الحالات الحاصلة من خصوصية الشخص التي بها يكون ممتازا عن غيره فهي لا عبرة‌ بها اذ لايفقدها ابدا الا حين الغفلة عن نفسه و التوجه الي ربه.

بالجملة اذا لم‌يكن له صورة‌ ارضية فلاينطبع في الروح امر جديد ارضي فلايلقي اليه شيء من قبل الشياطين فاذ لم‌تجد النفس شيئا في الارض تشتغل به توجهت الي سماوات بدنه و مشاعره و هي كما ذكرنا عرية‌ عن خواص العناصر و هي الطبيعة‌ الخامسة‌ المركبة من الجوهريات و لاشك ان الافلاك الخارجة‌ ايدي المشية الفاعلة‌ جارية علي حسب

 

 

«* مکارم الابرار عربي جلد ۴ صفحه ۱۹۰ *»

مشية ‌الله و ارادته و محبته و لما تتغير احكامها و حركاتها و آثارها في بطون القوابل الارضية و الارواح المتعلقة بالسموات ارواح ملكية موافقة لمحاب الله تابعة لمشية الله معصومة و كل وضع حادث فيها و لانهاية لاوضاعها في حالة‌ واحدة و صورة واحدة‌ فضلا عن حالات غير متناهية اذ لكل جزء منها نسبة مع كل جزء و تلك النسبة رأس ارادة ‌الله سبحانه لمراد و هي حية بحيوة خاصة و هي ملك ساكن فيها مأمور من عند الله سبحانه باجراء خاص امر في الارض و ذلك الامر من حيث الصدور له صورة مثالية موافقة لارادة الله لها كم و كيف و مكان و وقت و جهة و رتبة‌ و وضع ولكنها ليست علي حسب الارضيات فانها من حيث الصدور نوعية و في الارض تتشخص فصور الاشعة الفلكية ليست كالمواليد و ان كانت مبدأ لها ثم تتصور في بطون القوابل الارضية‌ الشخصية كالمواليد فاذا توجهت الروح الي افلاكها و نظرت بعينها الملكوتي في ملكوت السموات و في اوضاعها و الواحها التي هي محال التقدير و مساكن التدبير للحكيم الخبير و العليم القدير تنطبع في سماواته اي خياله و فكره و ساير مشاعره اشباح تقادير الله سبحانه و يتلقي من الملائكة سكنة السماوات ما امروا به من تقدير الامور فان التقدير في السماء و القضاء بالامضاء في الارض فهو يلهم بتقادير الله سبحانه و تنطبع في نفسه فيدركها كما مر فالذي يجده في عرصة التقدير قد يطابق صورته صور ما في لوح القضاء و قد لاتطابق فانه ان كان القابل اي لوح القضاء لاشكل له و لاصبغ يجري التقدير كما قدر و الا فيتغير علي حسب القابل و لذلك اغلب رؤيا الانبياء و الاولياء كان علي هيئات غير الهيئات الخارجية و كانوا يعبرون فمن علم سر انصباغ التقدير في بطن لوح القضاء عرف تأويل الاحاديث و الا فلا فقد تحتاج الي تأويل و قد تقع كما هي لصفاء لوح القضاء و استقامته فيحتمل البداء في التقدير الي ان يقضي و يمضي فافهم فالصور التي يراها في السماء صور ملكوتية لطيفة مثالية و عليها تجري صور نعيم الجنة و ما فيها من الحور و القصور و يراها الانسان بصور الارضيات و مقاديرها لانها اذا وصلت الي روح الانسان في افلاكه تنعكس من افلاكه في روحه البخاري و تنصبغ بصبغه ثم يقع شبحه

 

 

«* مکارم الابرار عربي جلد ۴ صفحه ۱۹۱ *»

في ابخرة الاخلاط الصالحة المطاوعة فتتهيأ بهيأت تقتضيها ايدي التقدير فترتسم علي مقتضي محبة‌الله فتجدها النفس بصور ارضية فافهم هذه الحكم و من ذلك ما يحتلم النائم برؤية النكاح في منامه فالصور السماوية تشابه الارضية في تنزلها لا في مقامها فانها هناك فلكية و الفلكي لايقتضي الا صورة بسيطة بالنسبة و ربما تكون الابخرة منحرفة في الجملة فتتغير صورة التقدير في الجملة.

و منها ما تصعد النفس الي السماوات الا انها متوجهة الي ملكوت الارض و لوح الامضاء فتري فيه الصور المثالية الممضاة التي قد شرح عللها و بين اسبابها فكتبت فتنظر بعين خيالها الي المثل الملكوتية ثم ينصبغ خياله بتلك المثل ثم تنعكس منه الي الحس المشترك فتري فيما يراه النائم صور امور قد مضت فان كانت المرايا صافية ظهرت علي ما هي عليه و الا تغيرت علي حسب تغيرها.

و منها ما تصعد النفس الي السماوات و تتوجه الي ملكوت السماء و تنظر الي المثل الاتية مما قد قدر و قضي و لما يمض و هي بعد تحتمل البداء و المحو و اثبات غيره فقد يقع ما يراه و قد لايقع و يبدو لله سبحانه فيه بالجملة ما يراه الانسان في عرصة التقدير يحتاج الي تأويل و ما يراه في عرصة‌ القضاء و الامضاء ان كانت المرايا صافية لايحتاج الي تأويل و قد يتركب المنام الواحد من الامرين ثم منها ما يقع بلامهلة لوجود اسباب وجوده.

و منها ما لايقع الا بقصة لان انتظار الوقوع من اسباب الحدوث فاذا قص و ثبت اتي الي العالم الجسماني عبر او لم‌يعبر.

و منها ما يقع علي ما عبر لانه يمحي تلك الصورة عن نفس الرائي و يثبت صورة‌ التعبير فتتم المسألة و يقع المسؤل لحدوث القابلية في عرصة‌القضاء و هو القص و التعبير و لارتسام التأويل في النفس و الانتظار الذي هو سؤال الايجاد عن المبدء و ارتسام الشيء في النفس مبدء علم عظيم و امور عجيبة فلما ارتسم في النفس صورة و هي فوق النجوم القت شبحها في النجوم ان كانت قوية و جرت به فظهر اثرها في النفس كما ارتسم و تختلف السرعة و البطؤ بحسب اختلاف القابل و الفاعل اطعني فيما امرتك اجعلك مثلي تقول للشيء كن فيكون.اذا شئنا

 

 

«* مکارم الابرار عربي جلد ۴ صفحه ۱۹۲ *»

شاء الله و يريد الله ما نريد. ان دعاني اجبته و ان سكت عني ابتدأته بالجملة لذا روي ما معناه الرؤيا طاير فاذا قص وقع و قبل القص طائر لعدم ثبوته في النفس و رسوخه الي عالم الجسم كشجرة‌ طيبة اصلها ثابت و فرعها في السماء تؤتي اكلها كل حين باذن ربها و قد لاتحتاج الي القص اذا كانت ثابتة في النفس مستقرة و تقع من غير قص الا ان للقص اثرا آخر لوقوع مثاله في الالواح و تمام المسئلة و اعوانها و انصارها فافهم فهذا مختصر ما انكشف لنا اوردناه هنا و قد كتبنا في هذا العلم كتابا خاصا مفصلا لم‌يسبق بمثله والله الملهم للصواب.

عائدة_ اعلم انك اذا تدبرت في كل مولود شخصي في هذا العالم كالسرير مثلا وجدته مركبا من مادة زمانية و صورة مادته القطع المقدرة التي كأهبيته و صورته الهيئة ‌السريرية الشخصية و هذه الصورة كانت في القطع بالقوة لانها صالحة للسرير و لغيره و في عرصتها بالفعل و هذه المادة هي المادة الشخصية و تلك الصورة هي الصورة الشخصية و المادة الشخصية هي الامكان المقيد للسرير هنا و صورتها هي العين المقيدة التي في بطنها يسمي ذلك الامكان بالكون و تلك القطع امكان السرير ما لم‌تتلبس بصورته يمكن ان تخرج من كيانه الي عيانه تلك الصورة و يمكن ان يخرج غيرها فيكون علي هيئة اخري كما ان اللبنة من الاهبية الترابية يمكن ان تتصور بصورة‌ اللبنة و يمكن ان تتصور بصورة‌ الكأس و الجرة و الحب و غيرها و اذا تلبست بالصورة كانت مادة في بطنها بالاضافة اليها و الصورة صورة لها ثم تلك القطع مركبة من مادة اخري خشبية‌ نوعية و صورة‌ خشبية نوعية و هما اركان الاهبية‌ الخشبية و تلك القطع كانت في الخشب النوعي بالقوة لم‌يكن لها عين فيه فالخشب امكان للقطع و غيرها يعني يمكن ان يصنع منه تلك القطع و غيرها و هو الامكان المطلق للسرير و الباب و غيرهما و يتضح ذلك في تكون المعدن فان الذهب مثلا اصله من الزيبق و الكبريت و هما امكان

 

 

«* مکارم الابرار عربي جلد ۴ صفحه ۱۹۳ *»

مطلق للذهب و الفضة و النحاس و غيرها اذ جميعها يحصل منهما فاذا تركبا بكم و كيف خاصين حصل منهما تراب الذهب فاذا اذيب ذلك التراب حصل منه سبيكة الذهب فسبيكة الذهب مركب من مادة شخصية هي ذلك التراب و الاهبية و هي امكان هذه السبيكة من الذهب و غيرها فهو امكان مقيد و من صورة تأليفية هي الصورة السبيكية و هي الصورة الشخصية و تلك الاهبية ‌الذهبية مركبة من الزيبق و الكبريت بكم معلوم و كيف معلوم و هما المادة و الصورة النوعيتان فالزيبق هو المادة و الكبريت هو الصورة و هما امكان مطلق غير مقيد بذهب و لا فضة و لاغيرهما و كذلك تكوين كل شخص فاذا نظرت الي بسائط هذا العالم وجدتها ايضا كذلك فالارض البسيطة مثلا مركبة‌ من مادة شخصية هي الاهبية الترابية الخالصة و صورة‌ شخصية هي صورة‌ الارض الكرية‌ المضرسة و الكثافة و غيرها و مادة نوعية هي الرطوبة الطبيعية الزمانية و صورة نوعية هي اليبوسة الطبيعية الزمانية و هما امكان مطلق بالنسبة الي الارض غير مقيد بها و بغيرها من العناصر و الافلاك اذ كل واحد منها مركب من الرطوبة و اليبوسة‌ الطبيعيتين الزمانيتين و هما الزيبق و الكبريت في تكوينها و نطفة الاب و الام في توليدها و اما اهبية الارض و اهبية كل كرة فهي امكانه المقيد به فكل كرة من هذه الكرات له مادة شخصية هي امكانه المقيد بتلك الكرة اي الجوهر الشخصي القابل لابعاد تلك الكرة و صورتها و مادة نوعية هي الرطوبة الطبيعية الزمانية ‌المطلقة عن قيد كل واحدة من الكرات و تلك الطبيعة المعينة هي الامكان المطلق للاجسام علي حسب مقتضي هذا العالم فهي الجوهر القابل لصور الاهبية و الاجسام فتلك الطبيعة هي الجسم المطلق اي الجسم بالقوة علي ان يراد بالجسم الكرات المشخصة و الكرات هي الجسم بالفعل اي جوهر له طول و عرض و عمق معينة و الجسم المطلق اي تلك الرطوبة و اليبوسة‌ الزمانيتان الخاصتان جسم بالقوة اي جوهر يصلح لان يتلبس طولا و عرضا و عمقا معينة بان يصير اهبية شخصية ثم كرات شخصية و تلك الرطوبة جوهرة خاصة اي جسمانية و تلك اليبوسة جوهرة خاصة يصدق علي كلتيهما الجوهر الخاص و ذلك الجوهر الخاص الصادق عليهما هو الجسم الدهري

 

 

«* مکارم الابرار عربي جلد ۴ صفحه ۱۹۴ *»

بقول مطلق اي غير مقيد بالاطلاق و التقييد فان الجسم المطلق في هذا البيان و هذا الاصطلاح هو المركب من الجوهرين فانه المطلق عن قيد السمائية و الارضية و الجسم المقيد هو اهبية السماوات و الارض فالجسم بقول مطلق هو الجوهر الطبيعي الدهري غير المقيد بقيد الاطلاق و التقييد اذ قيد الاطلاق يأتيه اذا تركبت الرطوبة و اليبوسة‌ يعني هذا الاطلاق النسبي كما ان الكسر يأتي الماء اذا جمد فذلك الجوهر اذا انعقد رطوبة ظهورها بيبوسته سمي بالمطلق و قيد التقييد يأتيه اذا تركبت الاهبية مع صورها و هو فوق هذين و قلنا الاطلاق النسبي لان المراد بهذا الاطلاق الاطلاق عن القيود الشخصية و ان كان قيدا بالنسبة الي ذلك الجوهر و لاجل ذلك قد نسمي الجوهر الدهري بالجسم المطلق بل هو المراد اذا اطلقنا و قلنا ان ذلك الجوهر جوهر خاص لانا نريد جوهرا يعطي ما دونه اسم الجسمية فذلك الجوهر لهذا الاطلاق و التقييد آية الاحد جل شأنه و صفة تعريفه نفسه للاجسام و اما الانحلالات الزمانية‌ و الكسور فليست تتناهي ابدا و ليست تخرج عن الزمانية و لو حللتها ابد الابد و هي في جميع المراتب اجسام زمانية‌ بالفعل و جوهر له طول و عرض و عمق و جميعها منطوية تحت الجسم المطلق الدهري يعطي كلها اسمه و حده.

فتلك الامكانات المطلقة التي ذكرناها هي كلها نسبية و هي جميعها شعاع المطلق الدهري و كماله لايجري عليه الانحلالات و الكسور الزمانية و التقاسيم المذكورة و هو احد بالنسبة اليها اذ ليست اذ هو الا هو و ليست اذ هي الا هي فاذا لاحظت كليات المقيدات في العالم كالعقل و النفس و غيرهما تجد كل واحد مركبا من وجود مقيد و هو اهبية كل واحد منها و هي الامكان المقيد و الوجود المقيد و ماهية‌ مقيدة هي صورة العقل و النفس و غيرهما و ذلك الوجود المقيد مركب من رطوبة مطلقة‌ نسبية و يبوسة مطلقة نسبية اربعة اجزاء من الرطوبة و جزء من اليبوسة فهو الماء الاول النازل من سحاب المشية الذي منه كل شيء مقيد حي و تلك الرطوبة و اليبوسة معا هما الامكان المطلق و الوجود المطلق النسبي و لو حللتها الي آخر الابد ليست تنتهي الي السرمد و لاتتجاوز عن رتبتها و تنحل دائما الي رطوبة فوق رطوبة و يبوسة فوق يبوسة و كل واحدة من

 

 

«* مکارم الابرار عربي جلد ۴ صفحه ۱۹۵ *»

تلك الرطوبات و اليبوسات النوعية يصدق عليها الوجود الحادث بقول مطلق و هو الوجود الراجح الذي اليه ينتهي جميع المقيدات و ليس ذلك الوجود بقول مطلق هو الازل جل شأنه اذ هو في الخارج مما يصلح للتصور بصورة رطوبة السرمد و يبوسته و ان كان يقصر عن درك ذلك الصلوح افئدة المقيدات فله في الواقع صورة صلوح و هو ايضا مركب بتركيب ابسط من تركيب المقيدات لانه مقام الواحدية و المبدئية و ان كان لايلحظ فيه التركيب في الوجدان و هكذا يكون ينحل ذلك الوجود الي وجود آخر و هو مركب من اجزائه هي امكانه المطلق و هكذا الي ما لانهاية له و ليس ينتهي الي الوجود الحق جل و عز فانه حادث و الحادث لاينتهي الي الازل كما عرفت من آياته انتهي المخلوق الي مثله و الجأه الطلب الي شكله تدلج بين يدي المدلج من خلقك كلما وضعت لهم حلما رفعت لهم علما ليس لمحبتي غاية و لا نهاية.

فالله سبحانه فوق ما لانهاية له بما لا نهاية له قد طوي الكل تحت احديته علي معني امتناع ذكر الغير حيث هو فليس اذ ذلك هو الا هو و ليس في رتبة المخلوق الا المخلوق لايتناهي انحلالاته و امكاناته و لاتنتهي اليه ابدا ابدا و هذا توحيد، من الله به علينا يقصر عن نيله اوهام الاعلام و دقائق سرائر الاحلام و الحمدلله رب العالمين.

عائدة _ ان بسائط هذا العالم مبهمات و فيها قوة‌ المواليد و ان كان لها في نفسها تعينات بالنسبة الي الجسم المطلق المبهم الوحداني فالجسم المطلق هو المبهم الاول الشامل العام ليس فيه تعين عرشي و لا كرسي و لا سماوي و لا ارضي و اما البسائط ففيها فعلية و تعين بالنسبة الي الجسم المطلق ولكنها مبهمة بالنسبة‌ الي المواليد و الفعليات الجزئية فالعرش و ان كان عقل هذا العالم و فيه تعين عقلي ولكنه مبهم عن المعقولات الجزئية فليس فيه تعين بمعقول معقول.

و ما روي ان في العرش تمثال كل شيء فان اريد بالعرش جميع الملك فهو كذلك علي ظاهره

 

 

«* مکارم الابرار عربي جلد ۴ صفحه ۱۹۶ *»

و ان اريد به الفلك التاسع فهو فيه علي نحو الكلية و المعنوية الجسمانية الابهامية و آية ذلك الروح البخاري فانه مبهم في نفسه و يتعين في الحواس فيكون سميعا بصيرا شاما ذائقا فيها و هكذا الكرسي و السماوات و الارض و انما التعين الفعلي للمواليد و اكمل المواليد الذي ظهر فيها تلك القوي بالفعل الانسان الكامل ففيه حصة من العرش متعينة بالنسبة الي الكلي مبهمة بالنسبة الي ما دونها ذاتا لكنها ليست مبهمة في تعلقها و انما هي من هذا الحيث متعينة متعلقة بكل معقول دراكة لكل معقول و ليس العرش في نفسه كذلك و انما هو دراكة مطلقة بلاتعلق بجزئيات المعقولات الا بواسطة تلك الحصص و تعلقاتها و افعالها و فيه حصة من الكرسي مبهمة في ذاتها لكنها متعينة من حيث التعلق متعلقة بالعلوم الجزئية المجردة و فيه حصة من فلك زحل متعينة بالمعقولات و حصة من فلك المشتري متعلقة بالعلوم الجزئية السفلية و حصة من فلك المريخ متعلقة بالموهومات و حصة من فلك الزهرة متعلقة بالمتخيلات و حصة من فلك عطارد متعلقة بالافكار الجزئية و هكذا فيه حصة من فلك الشمس و هي المادة الهبائية و حصة من فلك القمر و هي حيوته المتعينة و حصص من العناصر و هي اسطقسات بدنه المتعينة فالانسان الكامل فيه من كل بسيط مبهم حصة معينة بالنسبة الي الاعلي مبهمة في ذاتها متعينة من حيث التعلق و الفعل و الصفة متعلقة واجدة ما يتعلق بها بالفعل و لم‌تكن تلك الحصص حين كانت في ابهامها متعلقة بشيء خاص واجدة لشيء خاص و مثال ذلك الروح الحيوانية في المولود فانها متعينة بالنسبة الي الحيوة الكلية المبهمة الفلكية اذ الحيوة الفلكية ليست باسد و لا فرس و لا انسان و روح المولود متعينة بالنسبة الي الحيوة الكلية و مبهمة في ذاتها فليس فيها تعين سمع و لا بصر و لا غيرها من الحواس فاذا تعلق فعلها بالعين تبصر بفعلها و اذا تعلق بالاذن تسمع باذنها و الحيوان الذي لا عين له لايدرك الالوان و الاشكال و الذي لا سمع له لايدرك الاصوات و هكذا ساير الحواس و الافعال الخاصة.

فالبسائط مبهمة ليست تتعلق بشيء خاص الا بعد تعينها في الانسان هذا و كل بسيط فيما هو به هو بالفعل و سر غيره فيه بالقوة و الانسان الكامل جامع جميع حصص البسائط و فيه

 

 

«* مکارم الابرار عربي جلد ۴ صفحه ۱۹۷ *»

جميع قواها بالفعل فيصدر عنها الافعال الخاصة المتعينة و الفعل كائنا ما كان بالغا ما بلغ اشرف من القوة و اقرب الي المبدء فان القوة ما لم‌تترق لم‌تصر بالفعل و لو‌ لم‌يكن الفعل مقدما علي القوة وجودا لم‌يكن مؤخرا ظهورا فالفعل مقدم علي القوة و اشرف منها سابق عليها في الايجاد و المراد من ذلك ان الامكان و القوة عدم الفعليات الكائنة و الفعليات وجود لم‌تخرج من العدم الي الوجود الا بمرجح مهيمن علي الامكان فمثال المرجح هو مقدم علي الامكان و هو بذر زرع في ارض الامكان فشاع ثم قوي ما فيه من قوي مشاكلة فتلبس بها و خرج منها متعينا بتعينها فالصورة و ان كانت متأخرة عن القوة لكن الحقيقة مقدمة عليها فالمراد اشرفية حقيقة الفعل لا ظاهرها التابع للامكان المتأخر عنه رتبة فالانسان الكامل الذي هو فعلية هذه البسائط مقدم ذاتا علي البسائط و سابق عليها و اشرف منها و اجمع و القوة موت الفعل و الفعل حيوتها و الحيوة مقدمة علي الموت بالجملة الانسان ذاتا اشرف من بسائط هذا العالم و لا عبرة بكبر جثتها اذا كانت ميتة كما ان الكلمة الواحدة اشرف من جميع كرة الهواء و الدودة الواحدة بل باقة بقل خير من جميع كرة الارض و لا عبرة بكبر كرتها كذلك الانسان الجامع اشرف من جميع العرش و الكرسي و السماوات و الارضين و ان كان جثتها اكبر لما عرفت انها عدم الكمالات و امكانها و قويها و لاتصير تلك الكمالات بالفعل الا بالانسان و في الانسان هذا و الانسان يحكي ما وراءه من المبدء باعتداله و انتضاجه ما لايحكيه بعض هذه البسائط و ذلك ان الانسان تركب من جميع هذه البسائط فلم‌يمل الانسان الي واحد منها ليغلب عليه شخصيتها و تقيده بقيدها و تحبسه عن السريان و النفوذ فتوسط و صار في العالم بمنزلة الطبيعة الخارجة و حاكيها كالقلب في البدن و المركز في الدائرة فحكي ما وراءه ما لم‌يحكه شيء من اجزاء هذه الدائرة و البدن فبذلك صار الانسان اشرف جميع ما في هذه الدنيا من المواليد و البسائط و اكمل منها عليه يدور رحاها فالقي العالي في هويته مثاله فاظهر عنها افعاله و سخر له ما في السماوات و الارض بل لايجري الي شيء منها مدد و لافيض الا بالانسان و الانسان يستفيض من المبدء اولا

ثم

 

 

«* مکارم الابرار عربي جلد ۴ صفحه ۱۹۸ *»

ينتشر منه الي العرش و الكرسي و الافلاك و الارضين له و به تدور السماوات و تستقر الارض و لايعقل مولود في هذه البسائط اشرف من نوع الانسان و ان قلت ما نسبة‌ الانسان الي كل الكرات قلت قد ذكرت سابقا ان الكرات جميعها مبهمة عن الكمالات ابهام الروح الحيواني عن المدركات و اني يستوي الفعل و القوة و العالم و الجاهل و الموجود و المعدوم فنسبة هذين انسان فيه روح و لم‌يستعمل مشاعره الظاهرة و لا الباطنة و له نفس و لم‌يكتب علما و له عقل و لم‌يكتسب معني فالكسبيات شرعيات و الطبيعيات كونيات و الشرعي اشرف من الكوني و مقدم عليه هل يستوي الذين يعلمون و الذين لايعلمون انما يتذكر اولوالالباب.

فالانسان اشرف من جميع البسائط و سخرت له لاجل ذلك و خلقت لاجله لاجل ذلك ثم مراتب الانسان متدرجة و بالبداهة اكمل الاناسي اجمعهم و هو اولي بالشرف و السبقة فاشرف الكائنات محمد و آل محمد عليهم السلام و فيهم جميع ما خلق الله من الكمال في البسائط بالقوة بالفعل غاية الامر تتدرج تلك الكمالات في الظهور عنهم في الزمان ثم دونهم الانبياء و الرسل ثم دونهم النقباء و النجباء و الحكماء و العلماء علي حسب درجاتهم و شرف كل بحسب ما يصير فيه من الكمالات بالفعل فاجمعهم اشرفهم و اكملهم و اسبقهم و كل انسان اسبق من هذه البسائط و اقدم اما في جهة مبدء الخير و اما في جهة مبدء الشر و البسائط ليس فيها خير و لا شر و لا نور و لا ظلمة و انما يصيران في حصصها بالفعل في الانسان فهي جنات الله سبحانه للمتقين و نيران الله للكافرين فانهم يتمتعون فيها علي حسب قوابلهم و ما فيهم من الفعليات سيجزيهم وصفهم انه حكيم عليم و ما تجزون الا ما كنتم تعملون فافهم فانها اصول لها فروع.

عائدة _ اعلم ان الطبايع العنصرية اربعة النار الحارة اليابسة و الهواء الحار الرطب و الماء البارد الرطب و التراب البارد اليابس و اما الافلاك فهي فوق الطبايع العنصرية

 

 

«* مکارم الابرار عربي جلد ۴ صفحه ۱۹۹ *»

يعني ليست مركبة من تلك العناصر و لا احدها و انما هي الطبيعة الخامسة المستعلية عليها المستوية علي عرشها كالرحمانية المستوية علي اركان العرش الاربعة فهي لاتضاد النار و لا الهواء و لا الماء و لا التراب بل تجتمع مع كل واحد و مع اثنين منها و ثلثة و الاربعة و مثلها علي الطبايع هو الغريزية‌ المستعلية علي اخلاط بدن الانسان فانا نجدها اذا ضعفت بمرض ربما تقوي بالترطيب و ربما تقوي بالتجفيف و ربما تقوي بالتسخين و ربما تقوي بالتبريد و ليست الغريزة حرارة كما اشتهر في الالسن و تسمي بالحرارة الغريزية و ان سميناها نحن بالحرارة الغريزية نريد منها احد امرين فقد نقول الحرارة الغريزية كما نقول البرودة الغريزية و الرطوبة الغريزية و اليبوسة الغريزية فلانخص الغريزة بالحرارة و انما ذلك لاجل ان للغريزة في عالمها طبايع ركنية جوهرية فوق الاخلاط و قد نقوله و نريد انه بالنسبة الي الاخلاط حرارة لانها الي اقرب المبدء و الاخلاط بالنسبة اليها برودة و لاجل ذلك ايها غلب يضعف الحرارة‌ الغريزية و ضعفها بردها و لذلك اذا القي هذه النار الدنياوية في نار الاخرة تحترق و تصيح صيحة يسمعها اهل الجمع و قد اطفيت حين نزلت في سبعين بحرا و كذلك لو صعد بالنار العنصرية الي ملكوت السماوات تحترق و لاتطيقها فافهم فالافلاك دخان النار و الارض رمادها كما روي في الكافي و الارض هنا مجموع العناصر.

بالجملة الافلاك هي الطبيعة الخامسة و هي ملكوتية بالنسبة الي ملك العناصر لاتميل الي احد العناصر فالشمس و ان كانت حارة يابسة و القمر باردا رطبا مثلا الا انها ليست من سنخ العناصر و ليست تنافي العناصر من حيث ذاتها و ان تنافي و تناسب اذا ربت اشعتها الاجسام العنصرية بعد ما وقعت فيها من جهة ان كل عنصر بسيط مركب مما تركب منه الافلاك و هي العناصر الملكوتية فالنار العنصرية البسيطة مثلا مركبة‌ من طبايع جوهرية ملكوتية الا ان الغالب عليها النار الجوهرية و كذلك الباقي علي حسبها فاذا وقعت اشعة الشمس علي الجسم العنصري ربت ما فيها من النار الجوهرية بتلطيفه حتي يحكيها و يشف عنها فافهم ذلك و قس عليه الباقي فليست الشمس مركبة من العناصر السفلية و قد غلبت

 

 

«* مکارم الابرار عربي جلد ۴ صفحه ۲۰۰ *»

عليها نارها بل مركبة من العناصر الجوهرية الملكوتية التي منها تركبت النار البسيطة الا ان العناصر السفلية من غلايظها و الافلاك من لطائفها.

بالجملة الافلاك ليست من الطبايع العنصرية و لاتميل اليها و لاتنافيها و هي مستعلية عليها و المواليد مركبة من العناصر السفلية و فيها من الفلكية بالقوة لان بسايطها مركبة مما تركب منه الافلاك الا انها من غلايظها و يمكن تلطيفها فاذا تلطفت تفلكت فالفلكية في المواليد بالقوة فما غلب عليها احدي الطبايع العنصرية لم‌تستعد للفلكية و التلطف و التفلك و يصدر عنها افعال ذلك الطبع الغالب دائما فهي متسفلة خالدة الي الارض لاتصعد و لو شئنا لرفعناه بها ولكنه اخلد الي الارض و اتبع هواه. ولكن اذا اعتدل مزاجها و توسطت تلطفت و صعدت و تفلكت و شاركت السبع الشداد و فارقت الاضداد ثم صدر منها افعال الافلاك من الروحانية و العدالة‌ بين متعلقات الطبايع فمنها ما يسعي ان ينزعج عن مقتضيات الطبايع ولكن منهاجه معوج يعني لايقصد الرحمانية المستوية علي عرش الافلاك بل يقصد نفسها اي نفس الافلاك فلايصعد عنها و يدور معها حيث ما دارت و يميل مع طبايعها فاما يغلب عليه النار الجوهرية او هواؤها او ماؤها او ترابها فينحرف فيها عن الاعتدال فيصير صاحب اغراض روحانية و اخلاق ردية و يحصل فيه شركاء متشاكسون يجاذبه كل شريك الي نفسه و يقطعونه فيحترق في الطبيعة المطلقة الجوهرية البرزخية فافهم ولكن اذا اعتدل مزاجه الجوهري و توسط في الطبايع الجوهرية ايضا و فارق اضدادها بمتابعة‌ الشرع الذي هو صفة الربوبية تلطف و صعد و شارك النفوس الملكوتية و صدر منه آثارها و انما ذلك لاجل ان النفوس الملكوتية‌ كامنة في العناصر البرزخية و هي مركبة‌ من عناصر نفسانية الا ان النفس ليست احد عناصرها و لا مركبة منها و انما هي الطبيعة الخامسة المستوية عليها فاذا تسنم عليها شارك تلك الطبيعة الخامسة التي هي النفس الملكوتية فمن الصاعدين من ليس منهاجه صحيحا فلايقصد الا اياها فيدور معها حيث ما دارت و يخلد فيها فيصير صاحب اغراض نفسانية و اخلاق ردية فيحترق في نار الطبيعة النفسانية الاخروية‌ الملكوتية و يحصل فيه شركاء متشاكسون نفسانيون يقطعونه بينهم و

 

 

«* مکارم الابرار عربي جلد ۴ صفحه ۲۰۱ *»

يقسمونه فيخلد في العذاب الذاتي الدائمي ولكن من تنكبها و اعتدل مزاجه و توسط بينها و لم‌يمل الي واحد منها يشارك الطبيعة الخامسة العقلية لان الطبايع النفسانية البسيطة مركبة من طبايع جوهرية جبروتية عقلانية و يمكن تلطفها و صعودها اليها فمن صعد يغلب عليه الطبيعة‌ الخامسة العقلانية و يصير موجودا بالعقلانية و يستولي عليه حكم العقل و يصدر منه آثاره يعبد الرحمان و يكتسب الجنان فهؤلاء لما كان جوهر العقل واحديا ان قصدوه من حيث هو هلكوا و ان قصدوه من حيث ربه و من حيث اعلاه نجوا نجاة خسيسة دانية ولكن الكمال كل الكمال و النجاة كل النجاة لمن تسنم علي طبايعه و لم‌يمل الي شأن من شئونه و لم‌يغلب عليه جهة من جهاته و قطع النظر عن حيوثه و اعتباراته فاعتدل مزاجه اعتدالا كاملا و توسط في تلك الشؤن و صح منهاجه و فارق اضداده و تلطف و صعد و قصد الوجود الاحدي المهيمن علي عرش العقول المستوي عليه المستعلي علي حدوده و قصد الاحد الدائم الباقي الثابت المسخر لكل تلك الطبايع الغالب القاهر الذي اذا اراد شيئا يقول له كن فيكون يابن آدم انا حي لا اموت اطعني فيما امرتك اجعلك حيا لا تموت انا رب اقول للشيء كن فيكون اطعني اجعلك مثلي تقول للشيء كن فيكون.

فمن اخلص لله جل شأنه و انقطع عن كل ما سواه فهو الموحد المتوحد الدائم الباقي الذي لايزول و لايحول و يحفظ باحدية الطبايع العقلية و النفسية و البرزخية و العنصرية و يستخدمها بالقهر و الغلبة و يضع كل واحد منها في موضعه بالعدل و النصفة و يصدر من الجميع مراد ذلك الاحد و ما يحبه و يرضاه و يترتب عليه مقتضيات دائمة باقية محفوظة بحفظ ذلك الاحد متسقة مرتبطة غير منقطعة فتكون نعيما و ملذة و اسباب دوام و بقاء و وجود لا عدم فيكون له جميع مراتب العقل و النفس و البرزخ و الدنيا نعمة و جنة و لذة له فيها ما تشتهي الانفس و تلذ الاعين و الملكة و السلطنة و الاستيلاء و الولاية لايخالف رضاه و محبته شيء اذ يجري كلها بقهره لها علي حسب هواه و اما من لم‌يقصده او قصده و اشرك به سواه فهو مقهور تحت سلطان الطبايع و الشؤن و الحيوث

 

 

«* مکارم الابرار عربي جلد ۴ صفحه ۲۰۲ *»

ينجذب الي كل طبع غالب مناسب و يحصل فيه شركاء متشاكسون و يقطعونه اربا اربا ضرورة ان القوي يقهر الضعيف و الكل يقهر الجزء الاتري ان المركب من العناصر الزمانية النار تحرقه و الهواء يذريه و يفرقه و الماء يغرقه و يفسخه و التراب يجمده و يكثفه و هو مولود جزئي في عرصة هذه الطبايع الكلية و يصعد ناره الي حيزها و هواؤه الي حيزه و ماؤه الي حيزه و ترابه الي حيزه و يؤدي هذا الميل الي فناء المولود البتة و يبليه و يفنيه توارد الطبايع عليه و اما لو كان عليها غريزة وحدانية هي آية الاحد الجامع للاشياء الماسك لها و هي عناية‌ ربانية في الشيء يحفظ المجموع عن الانفعال للكليات و هو سر ما روي انه ما ضعف البدن عما قويت عليه العزيمة و سر دوام المركب الي اجل مسمي فاذا بطلت الغريزة و رفعت العناية تفرقت الاجزاء و مات المولود و فني فالاحد الحافظ للكل هو وجه الرب المعبود فمن قصده و غلب عليه نوره حفظ له جميع مراتب وجوده فلاتحسبن الذين قتلوا في سبيل الله امواتا بل هم احياء عند ربهم يرزقون فليسع ساع ابدا في التوسط و الاعتدال حتي يرتقي درجات الكمال و يقتدر علي ما يشاء في كل حال و ذلك التوسط و الاعتدال يحصل بالاخذ بشرايع الانبياء و الاقتداء بائمة‌الهدي و التأسي بالحكماء العلماء فانهم اوساط الخلق المتسنمون علي الاضداد بصحة المنهاج و شرايعهم هي صفات الربوبية و مقتضيات فمن اقرب الي شيء من المتمسك بصفاته المتهييء بهيأته الجاذبة لروحه قل ان كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله اولئك الذين هدي الله فبهديهم اقتده يرفع الله الذين آمنوا منكم و الذين اوتوا العلم درجات اليه يصعد الكلم الطيب و العمل الصالح يرفعه و الكلم الطيب هو الانسان الطيب الذات و العمل الصالح عمله و اقدامه الي الدرجات العلي فافهم ولوشئنا لرفعناه بها ولكنه اخلد الي الارض و اتبع هواه فاذا عرفت هذه الاسرار فاسع في متابعة الابرار و لاتتهاون مهما استعطت في الاقتداء بالاخيار و المستعان بالله القهار.

 

 

«* مکارم الابرار عربي جلد ۴ صفحه ۲۰۳ *»

عائدة: اعلم انا قد قدمنا ان فهم لوح الارتسام من مشكلات المسائل لدي الاعلام و قد قدمنا عائدة ذكرنا فيها امر المثل من حيث الصدور و لم‌نذكر صفة محالها و مظاهرها و احب ان اذكر هنا بتوفيق اللطيف العلام ما يلهمني في امر مظاهرها و لا حول و لا قوة الا به. اعلم ان الصورة المتصلة بالمادة الزمانية من حيث هي صورة من نهايات المادة و صلوحاتها يخرجها الله بالاسباب الفاعلية التي هيأها لذلك و قد ذكرنا آنفا تلك الاسباب كما يخرج التكعب من الطين بالقالب فيظهر الطين بصورة التكعب فيكون لبنة فهذه الصورة من صلوحات الطين قائمة به قيام تحقق و بالمكمل الخارجي قيام صدور كما مر و الطين قائم بها قيام ظهور و اللبنة قائمة بهما قيام ركن و لايمكن ان ينزع هذه الصورة التكملية من الطين فتقوم في الزمان الثاني خارجا بلامادة و لا بمادة اخري فانها ان انتقلت بقيت بين المحلين بلامحل هذا و هي نفس نهايات تلك المادة‌ المعينة و مقاطعها و لاتحقق لها الا بتلك المادة بعينها فلايعقل انتقالها الي الغير و لايعقل ايضا ان لاتكون حين كانت فانها كانت و امضيت و كتبت في محل وجودها علي مادتها حين اقترانها بها فهي هناك قائمة بمادتها هناك و تلك المادة و صورتها زمانية ان قيستا بحالة‌ اخري لها و اما ان قيستا مع اخواتهما الي المادة الدهرية التي هي الطين المطلق فهي كلها دهرية قائمة بتلك المادة الدهرية و ذلك ان المادة الدهرية فوق الصورة الشخصية و مادتها التي هي اهبيتها و هما قائمتان بالمادة الدهرية و لاتخصص لها بصورة دون اخري و بمحل دون آخر و هي خارجة عن الصور باجمعها و يمكن ان تظهر في آن واحد بصور عديدة كل صورة في محلها بخلاف المادة الشخصية فانها لاتظهر في آن واحد الا بصورة واحدة فان الانات نسب تلك الصور بعضها الي بعض و المادة الزمانية زمانية لاتجمع وقتين معا و لاتتصور في آن زماني بصورتين بخلاف المادة الدهرية فهي فوق الانات و تظهر في جميعها فاي صورة رأيتها رأيتها علي مادتها قائمة بها فالصور و المواد الزمانية كنقاط الدائرة‌ توازي كل

 

 

«* مکارم الابرار عربي جلد ۴ صفحه ۲۰۴ *»

واحدة منها المركز و هو آية المادة فلم‌تنزع حقيقة صورة عن المادة لتلبس صورة اخري و انما هذه الصورة غير تلك و ليست في محل وجودها فالصور في محال عديدة و نسبتها هي الزمان فالمادة الزمانية في زمان هي لابسة بصورة ليست في هذا الزمان لابسة بغيرها فالزمان نسبة الصور و المادة الزمانية‌ لاتلبس في زمان صورتين و نسبة الصور الي المادة الدهرية‌ النوعية دهرية و الصور باجمعها دهرية و المادة الزمانية حقيقة صورة قائمة علي تلك المادة الدهرية و مثال يلقي في مكان وجوده و الصور الشخصية قائمة عليها و المجموع صور دهرية ففي الدهر يلبس المادة صورا عديدة اي تقوم بها صور عديدة كل في محله قيام تحقق و تقوم بها قيام ظهور نعم هذه الصورة غیر تلک الصورة و لاجل ذلك ليست هذه في زمان هذه و في الدهر كلها مجتمعة كل في مكانه و حده و هي كلمات الكتاب الدهري قال فما بال القرون الاولي قال علمها عند ربي في كتاب لايضل ربي و لاينسي فما امضي و دخل في علم الله لايخرج من علم الله فصح ان ما دخل في الوجود لايخرج عن الوجود و لايرد الي الامكان بعد ان امضي ما امضي حين امضي ثم ان للدهر مراتب عديدة اسفله عالم المثال و اعلاه العقل و عالم المثال اسفله اي فعله و وصفه مرتبط بالاجسام الدنياوية الزمانية و اعلاه اشد شبها بالدهر فاسفله لارتباطه بعالم الاجسام الدنياوية لايسع الماضي و المستقبل الا الحال فلاجل ذلك له بكرة و عشي و ايام و اسابيع مثل هذه الدنيا و فيه جنة آدم و اليه الاشارة بقوله يأتيهم رزقهم فيها بكرة و عشيا و المراد من الاسفل الاسفل الرتبي لا المكاني فاسفله له عرش و كرسي و افلاك و عناصر مقداري مثل هذه الدنيا و يسمي بهورقليا اي الملك الاخر و يسمي بالاقليم الثامن و الانسان اذا مات و فارق روحه جسده يبقي جسده الاصلي في ارض ذلك العالم و يصعد روحه الي السماء سمائه فعالم هورقليا هو هذا العالم بعد رد كل عرض الي اصله و فناء العرض و بقاء كل شيء بجوهريته فالافلاك الجوهرية بالنسبة افلاكه و العناصر الجوهرية عناصره و افلاك هذه الدنيا لقلة اعراضها اشد شبها بافلاك ذلك العالم من العناصر

 

 

«* مکارم الابرار عربي جلد ۴ صفحه ۲۰۵ *»

لكثرة اعراضها فهذه الاعراض اي اجسام هذا العالم مركبة‌ من مادة عرضية و صورة فالمادة الدهرية تتقلب في صورها المادية الزمانية و الصور الزمانية و كلما تتحول بمقتضي هذا العالم من صورة تبقي تلك الصورة في محلها الي ان تتلطف هذه الاعراض و ترد كل شيء الي اصله و يظهر زمان الرجعة و تتصفي الدنيا و تظهر الجنتان المدهامتان و يصير العالم علي صفة هورقليا مجردا عن الاعراض الدنياوية فهورقليا اي اسفل عالم المثال اي فعله و صفته المتعلقة بافلاك هذا العالم و عناصره ليس فيه المثل الماضية من هذا الدنيا و المثل الاتية فظهر من ذلك ان المثل الممحوة عن لوح الزمان ليست في هورقليا و ليست تري بعين هورقلياوية و بعين اسفل عالم المثال المرتبط بالاجسام و ما يري بالحس المشترك من المثال الماضي فانما هو ما انطبع فيه فانصبغ به فيري و يدرك ما لديه من الصبغ الباقي بعد زوال الصابغ و هو قليل الحفظ فلايبقي ذلك الصبغ عنده كثيرا حتي يؤديه الي الخيال و اقل منه حفظا العين فانها تدرك المثال ما حفظه الشاخص فاذا زال الشاخص زال ما لديها.

و اما الحس المشترك فيبقي المثال لديه قليلا و يحفظ الصبغ و لايدرك شيئا آخر الا بعد زوال الصبغ الاول عنه كما لاينطبع في العين شيء الا بعد زوال الصبغ الاول فليس يدرك الحس المشترك الذي هو من اهل هورقليا الا الحال و ليس يمكنه جمع الماضي و الحال و الاستقبال في توجه واحد فانه فعل المثال و صفته المتعلقة بعالم المواد الزمانية و اما عالم المثال بذاته فهو دهري ليس فيه تجدد هذا العالم فاذا نظر الانسان بنظره المثالي اي الخيال الي تلك المثل المثبتة في محالها الدهرية يراها لان الالات تشير الي نظائرها فمهما قابل الانسان خياله بمثال من تلك المثل ماضيا كان او آتيا يراه به و ذلك لان الخيال من عالم الدهر و فوق الزمان فاذا واجه مثالا انطبع فيه صورته و اما صفة الخيال التي هي الحس المشترك المرتبط بالزماني فليس كذلك لايري الا الصورة المنتزعة من المادة الزمانية حين الانتزاع و الخيال خيالان مقارن فلايقدر علي التوجه الي مثال لم‌يره بعينه و مفارق يقدر علي التوجه الي ما لم‌يره بعينه و هو خيال الشخص فالمثل الماضية قد محيت عن

 

 

«* مکارم الابرار عربي جلد ۴ صفحه ۲۰۶ *»

لوح الزمان و اثبتت في لوح الدهر كل في محله و هي قائمة بالمادة الدهرية فان المادة الدهرية نافذة في جميعها و يمكن تصورها بكلها بخلاف المادة البرزخية و الزمانية فانها حقيقة مواد شخصية و صور مخصصة جامدة و اهبية الصورة الشخصية ليس لها نفوذ و سريان بخلاف المادة الدهرية فانها نوعية مهيمنة علي الاشخاص كما تري من ظهور الانسان المطلق في آن واحد بصور متعددة و ليست في الزمان و اما المادة الشخصية فليست تصلح دائما الا لصورة واحدة فالانسان المطلق علمه به بالاشخاص علم وحداني و علمه بها بها (ز ظ)@ علم تفصيلي و علمه بكل واحد بما يقارنه علم ثالث عرضي كرؤيته بعين زيد عمرا حين يقابله فتبين و ظهر لمن نظر و ابصر ان المثل الماضية الممضاة الممحوة مثبتة في لوح الدهر لكن في محالها مترتبة علي موادها الشخصية و هي مترتبة علي المادة‌ النوعية و تلك هي الخلق التي تكون من غير فحولة و لا اناث تعبد الله و لاتعصيه و هي في الحقيقة ملئكة قائمة في محالها بما خلقت عليه و اما وجوه تلك الصور التي هي افعال النفس القائمة بها فهي اعلي منها و في اوسط الدهر كما ان المثل التكملية المقارنة بالمواد الزمانية في اسفل الدهر و هي اي تلك الوجوه اما كتاب ابرار و عليين او كتاب فجار و سجين و اما المثل التكملية لساير الموجودات فهي ايضا تحضر يوم القيامة و يدركها كلها الولي الكلي صاحب النفس الكلية علي تفصيل مر آنفا و اما ساير الناس فلايحيطون بها علما لان كل واحد منهم ليس بمطلق نافذ في المثل فليس له ذلك الحد و انما يدرك كل نفس ما ادركه منها في الدنيا و البرزخ و اعماله و اقواله و ما يتعلق به من ساير الاشياء و ما اقترن به فهو ايضا يدركها بنفسه بادراك وحداني و يدرك آثارها بها بادراك تفصيلي و يدرك غير آثاره مما يتعلق به ما حصل له من اشباحها في مداركه في الدنيا او البرزخ مثلا اذا قعد زيد مع عمرو في الدنيا و جادله اما مثل عرضية بدنه فتمحي عن لوح الزمان و تكتب في لوح الدهر في حدها و محلها كما مر و اما قعوده فهو اثره كجداله فهما يحشران معه واقفين في ظله يذهبان معه حيث ذهب فيدركهما يوم القيامة في نفسه بادراك وحداني و يدركهما بهما بادراك تفصيلي لان القاعد زيد

 

 

«* مکارم الابرار عربي جلد ۴ صفحه ۲۰۷ *»

و المجادل زيد و قد طواهما باحديته الاضافية و هو اولي بهما منهما فيحضران يوم القيامة لانهما شعاع نفس زيد و ظلها و مثالها قد دخل في ملك الله و ما خرج و مثبت في محله فينكشف عنه يوم القيامة فانها في عرصة ‌الدهر و هو اما عليون او سجين فيحضر زيد قاعدا مع عمرو و هو يجادله و يحضر المكان الذي جلسا فيه و الوقت و علمه بعمرو و بالمكان و الوقت علمه بالمثال حصل منها له في خياله و عالمته و في نفسه فيدركه اي ذلك العلم في نفسه بنفسه و في خياله و عالمته بهما و ليس المراد بهذا الخيال الخيال المثالي البرزخي فانه مما يطرح بل المراد منه الفعل الصادر من النفس المتعلق بالخيال الذي حصل له صبغ و كمال منه فما عاد الي ذلك الفعل من الكمال فهو المحشور معه المثاب به فافهم فانه دقيق دقيق و ان عرفت صفته فانت انت واما المثل الدنياوية فهي لم تكن منه و لاتكون اليه و لاتحشر في عرصة‌الاناسي و ان كانت في الدهر فان للدهر درجات نعم ما انطبع منها في خياله و علم بها و اكسب (اكتسب ظ)@ نفسه شيئا فانه يحشر معه صوره العلمية و هي قائمة بمباديها التي هي تلك المثل فزيد يتوجه الي تلك المثل في محالها و ينطبع في خياله صور منها فتلك الادراكات المصبوغة لزيد و من زيد و الي زيد.

واعلم ان النفس لها فعل و نور و كمال هو من حيث صدوره عن النفس واحد لاتعين له بخيال او فكر او وهم او علم او تعقل فلما وقع في الحصص الفلكية الاخروية التي في الانسان تعين في كل حصة بتعين خاص و صار متخيلا متفكرا متوهما عالما متعقلا فكما ان له مراتب لقواه هذه ايضا مراتب فله خيال و فكر و وهم و علم و تعقل الاخروي الا انها شديد المشاكلة و تنزلت الي البرزخ فتباينت و الي الدنيا فامتازت كثيرا فاصل هذه المشاعر دهرية و لها ظهور في المواطن البرزخية و الدنياوية فافهم فانه دقيق دقيق و بالتوجه التام حقيق حقيق.

عائدة _ اعلم ان هذه العناصر مختلفة‌ الطبايع فالنار صاعدة لطيفة حيزها فوق جميعها فلو خليت و طبعها صعدت و الهواء ايضا لطيف صاعد الا انه دوينها و

 

 

«* مکارم الابرار عربي جلد ۴ صفحه ۲۰۸ *»

الماء كثيف هابط و التراب اكثف و هابط دوينه لثقله و كثافته الزائدة و ان كان حركة هذه العناصر حقيقة من مثال المشية العالية الملقي فيها المنصبغ فيها بصبغ طبايعها الغليظة و لا حركة الا للمبدء و النار لرقتها و شدة ميلها الي الاعلي و تشاكل اجزائها و ميلها الي شيء واحد تصعد كالخط و الهواء رقيق و ليس فيه ذلك التشاكل و التوحد فيقتضي الانتشار و اما الماء و التراب فمن جانب الاسفل بعكس ذلك يعني ان التراب يميل الي مركز واحد لاندماج بعضه في بعضه و قبضه فهو كالخط النازل و الماء يقتضي الانبساط و الانتشار لسيلانه ولكن الهواء ينتشر في الاعلي و الماء في الاسفل فاذا تركبت هذه العناصر تركيبا و وقع بينها التفاعل بالحل و العقد و كسر السورة حدث من بينها طبيعة خامسة ليست بنار و لا هواء و لا ماء و لاتراب و له خصال الكل تحصل منه بلاتمانع فيصعد صاعدا بكله و يهبط هابطا بكله و ينتشر انتشارا في الاعلي و الاسفل بكله يعني كل جزء منه هبائي فيه هذه الخصال فيميل الي الاطراف فاذا امد بما يمتد يمتد و ينمو و يربو في الاطراف و يجذب بناريته و يهضم بهوائيته و يدفع بمائيته و يمسك بترابيته و يربو بكله و يزيد بجريان المدد و ينقص بنقصانه و معني قولنا يجذب بناريته ان النار حارة يابسة فتجفف الرطوبات الرابطة بينها و بين المجذوب المخالطة به فاذا جف الجسم الواصل تقلص و قصر المسافة بينهما و هكذا تجفف و تقلص الجسم الواصل و تقرب المجذوب و هذا معني جذب النار للاشياء و بحرارتها تتعلق و بيبوستها تمسك الاشياء و بتشاكل اجزائها تميل الي موضع واحد فتجذب ماسواها بذلك الي نفسها و معني هضم الهواء انه برطوبته يلين الشيء و بحرارته يفرق و هو الانحلال و الهضم و معني دفع الماء انه برطوبته يجعل الشيء سهل الانفصال و ببرودته لايتعلق و يجتمع في نفسه فينفصل عنه الشيء و يذهب الي حيزه حيث ينبغي له و معني امساك التراب انه بيبسه يمسك الاشياء و ببرده يجتمع في نفسه و بيبسه يجفف الرطوبات التي هي سبب السقوط والزوال.

و معني الربا بكله انه بهذه الطبايع يميل الي الفوق و التحت و اليمين و اليسار و الامام و الوراء كالكرة فان امد برطوبة مطاوعة قابلة للامتداد يكبر آنا بعد آن فتدبر ولكن

 

 

«* مکارم الابرار عربي جلد ۴ صفحه ۲۰۹ *»

عناصر هذا المولود كثيفة فيتولد منها النبات و يكتنفه بعض العناصر غير المتعدلة و يحصل منه النباتات التي تراها و اكملها الدم الذي في الكبد فانه اصفي مركب نباتي و اعدله و فيه بخار غليظ و هو الحاصل من صوافي العناصر و هو الجاذب بكله بالنسبة و الهاضم بكله و الدافع بكله و الماسك بكله لانه جاذب بهباءة منه و هاضم بهباءة و دافع بهباءة و ماسك بهباءة لانه مركب من العناصر جميعا بل هو شيء خامس يفعل فعل الاربع و ذلك سبيل كل مولود برزخي و كل فعل منه ايضا مشوب بساير الافعال و ان كانت ضعيفة فالدم هو النبات و البخار الغليظ الحاصل منه هو النفس النباتية واكتنفته سائر الاخلاط و الاعضاء و تنمو بنماه و تربو برباه فالنفس النباتية هي جسم عنصري الا انها من صوافيها و هي اشرف منها كلها و اقرب الي الله سبحانه منها و اما اذا دخل الدم الصافي القلب و صعد منه بخار لطيف و البخار لطايف الجسم الباخر كما هو محسوس حصل منه النفس الحيوانية الظاهرة الجسمانية و هو الحيوان و هو النفس الحيوانية الجسمانية و ان اكتنف به نبات و جماد يتبعانه و يطاوعان له فيما يقتضي فذلك البخار هو الحيوان الجسماني الدراك المريد المتحرك الراضي الغضبان و ان كان كل ذلك بواسطة الحيوة الغيبية.

فاما معني رضاه ان هذا البخار لشدة لطافته و رقته و تشاكل اجزائه في اعتدال و انتضاج و وحدانيته في جامعيته بين الطبايع و توسطه و عدم ميله الي طبع من الطبايع و توجهه الي الاعلي اذا اصابه او قارنه ما يشاكله مال اليه و اتصل به فهو رضاه و اذا اصابه او قارنه ما ينافره دفعه عنه و هو معني غضبه و كراهته و ميله و دفعه امر طبيعي له و مثل ميله ميل الحديد الي المقناطيس و مثل غضبه غضب النار علي الماء و هو الطف و ارق و اجمع و اكمل فيميل سريعا و يدفع سريعا هذا و ما يشاكله يمده و يقويه و ما ينافره يضعفه و يضاده فينجذب الي المشاكل الاقوي كالحديد الي المقناطيس و يتنفر عن المنافي المضعف له تنفر النار عن الماء و هذا رضاه و هذا غضبه و اما حركته فانا ذكرنا ان العناصر تتحرك الي حيزات مختلفة لاختلافها و هذا البخار لو خلي و طبعه كان علي شكل الكرة لاعتدال مزاجه كما و كيفا و

 

 

«* مکارم الابرار عربي جلد ۴ صفحه ۲۱۰ *»

تشاكل اجزائه و تشابهها في الثقل و الخفة و اللطافة و الكثافة و الرقة و الغلظة بالنسبة و الشكل الكري ابسط الاشكال و اجزاؤه اشد شبها بعضها ببعض و لعدم غلبة طبع معين عليه لم‌يكن فيه شكل طبع معين من الطول الخطي و التثليث و التربيع و التضريس فصار بشكل الكرة الا انه لانحباسه في الفضوات و الاوردة و العروق صار بشكلها قهرا و قسرا و هو بطبعه لكونه مركبا من الطبايع يقتضي الصعود بما فيه من النار و الهواء فيصعد من المركز اي مركز كرته الي المحدب فيكبر و هو حركته الانبساطية و بما فيه من الماء و التراب ينزل من المحدب الي المركز فيصغر فهو دائما في الصعود و النزول و هو ما تحسه في النبض و الشريانات و من تلك الحركة النفس فان الشريانات اذا ارتفعت ارتفعت اطراف الرية معها و اتسع اجوافها فجذبت الهواء الي الداخل و اذا انخفضت انخفضت اطراف الرية و ضاقت اجوافها و اخرجت الهواء بالضغط و صار تارات النفس علي مهل في الجملة لقلة مطاوعة الرية لثقلها و الا لكان النفس اسرع من ذلك بل صار قرعات النبض علي هذا المهل لثقل جسم الشريان و تثقله بما عليه من اللحم و الجلد و الا لكان انقباض الروح و انبساطه في غاية‌ السرعة فالروح الذي في القلب و الشريانات ليس له حركة الا هذه الحركة الانبساطية و الانقباضية و ليست بارادتها فان الارادة لما ظهرت بالفعل في القلب و الشريانات و فيها بالقوة و تصير بالفعل اذا صعد الي الدماغ و اما فيها فهي حركة كالطبيعية له و لذلك دايب في حركته في اليقظة و المنام و الغفلة و الذكر فاذا صعد الي الدماغ ظهر له الارادة و معني ارادته ايضا كما سبق من المشكلات و لايعرفها الا الاقلون لشوب حيوانيتهم بالانسانية.

فاعلم ان ارادة الحيوان ليست بروية و فكر في مصلحة و انما هي فيه باعث كالطبيعة يعني انه لفرط لطافة ذلك البخار و سرعة‌ انفعاله و حركاته اذا حصل له اسباب الحركة من الداخل او الخارج و جذب ذلك السبب ذلك البخار نحوه تحرك اليه بجذبه و توجهه الي تلك الجهة و ميله اليها ارادته فيتحرك نحوه بذلك الميل و يشايعه الاعضاء و الجوارح بالبرازخ الرابطة مثلا اذا هاج في بدنه الجوع و هو خلو معدته عن الرطوبات و الغذاء و اشتداد الحر فيها اذ لم‌تجد رطوبة تنطفي بها و تتعلق بها

 

 

«* مکارم الابرار عربي جلد ۴ صفحه ۲۱۱ *»

اشتد الجاذبة و سرت تلك الحرارة الي الروح فصبغته بصبغها فاشتاق و تحرك نحو جذب مشاكل فتحرك و شايعته الجوارح فيقال تحرك نحو الطعام بالارادة و ليس تحركه اليه بفكر اني ان لم‌آكل اموت و يجب حفظ البدن فاتحرك نحوه بل اذا انصبغ بالشاهية الساطعة من حرارة المعدة صار شاهيا كالنار جاذبا كالنار و تلك النار في المعدة لغلظها ما كانت تتحول و يسير عن مكانها فكانت جاذبة للمشاكل ان جاء اليه مشاكل و البخار لخفته يتحول و يسير و يميل نحو المشاكل و ذلك ان الشيئين المتشاكلين المتناسبين اذا اقترنا جذب اثقلهما الاخف فلو كان قطعة حديدة ثقيلة و قطعة مقناطيس خفيفة و اقترنتا انجذب المقناطيس الي الحديد فكذلك اذا انصبغ الروح الخفيف بشاهية الطعام و قارن الطعام سار الي الطعام و لو كان قويا لايميل سار الطعام اليه فافهم و سيره هذا الي الطعام هو حركته بالارادة الحيوانية اليه فارادته ميله اليه بالمناسبة الحاصلة من انصباغه و ذلك مفهوم من حركة الطفل الي اللبن و فتح فيه و تلمظه بل يدرك الانسان ذلك في نفسه ايضا و هكذا اذا انصبغ بشهوة الجماع الناشية من المني او الخوف الناشيء من السوداء او غيرها و لذلك تجد الحيوان يكثر ارادته للجماع عند زيادة المني في بدنه و هو لايعلم بزيادته و يكثر ارادته للفرار اذا غلب عليه السوداء و هو لايعلم بغلبتها و يكثر ارادته للطعام اذا غلب عليه الحرارة و هو لايعلم غلبتها فارادات الحيوان ليست الا ميولا طبيعية يتحرك بها نحو المقصود و المراد طبيعة الحيوان لا طبيعة النبات و الجماد و ان كانت ناشئة منها.

و اما ما يكون من اسباب خارجية فهو يكون باسباب خارجية تصل اليه من المدارك فينصبغ كما اذا سمع صوت امه او رأي ما يشاكل او رأي ما ينافر فاذا انصبغ بشكله مال بحسبه و تحرك بحسب ميله فبذلك صار الحيوان متحركا بالارادة و الارادة طباعه كما ان الجذب و الدفع طباع النبات و الصعود طباع النار و الهبوط طباع التراب و هذا الميل منه و الارادة يحصل في الدماغ و لاتعرف ذلك الا بعد تفسير معني الادراك و صار حركته في الدماغ علي خلاف الانبساط و الانقباض معهما و هي الحركات الاقبالية و الادبارية و العرضية الانتقالية لاجل

 

 

«* مکارم الابرار عربي جلد ۴ صفحه ۲۱۲ *»

كون مطلوباته و مشاكلاته الطبعانية في عرضه خارجة عنه و عدم كون مركزه مركز العالم و كونه بكله فوق الارض و اما الافلاك فلاجل كبرها و احاطتها و عدم شيء في عرضها و عدم مطلوب لها لعدم لحوق شيء بها مما سواها و عدم انصباغها بصبغ آخر و كون اجزائها متشاكلة لم‌يكن لها الا حركة واحدة حول مركزها و لم‌تكن حركاتها انبساطية و انقباضية كالروح في القلب فان الفلك بلغ مبلغ البخار في الدماغ و البخار في الدماغ حركته لولا الانصباغات و هيئات التجاويف دورية لشدة تشاكل اجزائه هناك و تلطف ترابيته و جفاف رطوبته فهو هناك دخان لا بخار و البخار حركته انبساطية لناريته و انقباضية لترابيته و اما الدخان المتشاكل فحركته دورية لانها في الكرة حركة بين الصعود و النزول كما ان @ بين @ و بين @ فان لم‌يكن خطا مستقيما و كان له حني صار كذا @ و هو الدوري فافهم و تدبر فالبخار اذا كان في القلب و كان في اول النشؤ كان فيه اختلاف اجزاء بالنسبة فكان حركته انبساطية باجزاء و انقباضية باجزاء و يتبع الكل الكل بالمشايعة و هو برزخ بين الدم و الدخان و هو الموج المكفوف فاذا صعد الي الدماغ تلطف و تشاكل اجزاؤه و زال عنه الاختلاف و لو في الجملة فصارت حركاته حركة واحدة بين الانبساط و الانقباض و هي الدورية في الجسم الكري فافهم ما اسمعك من عجائب الحكم فصارت حركات الافلاك دورية حول مراكزها و حركة الروح الدخاني في الدماغ لشوب ما يلحق به من اصباغ الاسباب و كونه غير كري بقسر التجاويف و وقوع المطلوبات في عرضه صارت انتقالية عن الوضع نحو المطلوب و لولا كل ذلك لكانت كرية البتة فحركات الافلاك مبهمة تناسب القوة و حركات الروح متعينة تناسب الفعلية و اشد ابهاما من حركات الافلاك المتحركات حول المحور الكرات الدهرية المتحركات علي القطب فان الحركة علي القطب قوة الحركة علي المحور كما ان الحركة علي المحور قوة الحركات عن الوضع.

و اما معني ادراك الروح فاعلم ان ذلك البخار اللطيف لما صعد الي دماغ الحيوان و لطف و صار دخانا نفذ في الاعصاب النابتة من مقدمه الي الثقب و

 

 

«* مکارم الابرار عربي جلد ۴ صفحه ۲۱۳ *»

الاعضاء التي اعدتها يد التدبير فلما وصل المدركات الي تلك الاعضاء انصبغت بها بالمشاكلة و سري ذلك الصبغ الي ذلك الدخان فانصبغ به فتهيأ بهيئته و حصل له في نفسه و هو درك الحيوان للاشياء طبعا و فهم معني درك الحيوان للاشياء للانسان عسير جدا فان الانسان روحه مشتعل بالنفس الناطقة و ادراكه للاشياء ادراك نفساني و لايزعم الادراك الاعلي ما يدرك و انما فهم ذلك حظ من اطلعه الله علي خواص كل مرتبة و لابد في شرح ذلك من بسط مقال في الجملة.

اعلم انك اذا نظرت الي السراج مثلا فادراكك له له مراتب وادناها محض حصول ضوء و لون عندك و اعلي من ذلك دركك له بانه نار و انه قريب او بعيد و انه محرق و انه حادث قد اشعله انسان و انه مخروطي رأسه دقيق و اسفله غليظ و له طول و عرض و عمق و هو جسم و سراج يستضاء به و الاقرب منه اضوء من الابعد منه و امثال ذلك من المعاني التي في السراج و هذه المعاني من حظ النفس الناطقة لا حظ العين و الروح البخاري الجسماني و كذا حظهما ادراك الملاقي حين اللقاء و اما ادراك ما غاب عنهما كمثاله في الان السابق و الان اللاحق فانما هو حظ النفس الملكوتية لا غير و كذلك ساير الحواس فلايدرك شيء منها الا المحسوس الحاضر آن الحضور و اما درك سائر معانيه و مثاله السابق و اللاحق فليس من شأن العين و الروح الجسماني البخاري فاذا ادرت شعلة بسرعة لايري العين الا تلك الشعلة في مكان وجودها و اما درك الامثلة الملقاة منها في الامكنة التي بها تحصل الدائرة فليس من شأن العين و الروح و انما هو من شأن الحس المشترك و الحيوان فيه حس مشترك لاجل ان يوصل ما ادركته حواسه الي روحه الذي هو من غيب السموات و هو من حيث الاسفل مرتبط بالمواد قليل الحفظ للصور قريب من المشاعر الظاهرة و هو في الحيوان اقل حفظا لانه لا خيال له و لا ملكوتية و هو كثير الشبه بالاجسام و ليس له درك المعاني فانها من شأن النفس و ليس له نفس ملكوتية فاذا رأي الحيوان النار لايعرف انها محرقة لجسده و مؤذية له و انما يري اللون المحض فاذا رأي شيئا آخر بلونه و شكله لم‌يميز بينهما و اذا رأي ثوبا اخضر لم‌يميز بينه و بين العلف و لذا تراه يهوي الي اكله و كذلك اذا رأي

 

 

«* مکارم الابرار عربي جلد ۴ صفحه ۲۱۴ *»

السوط لم‌يعرف انه مؤذ و انما يري شبحه حسب و لايعرف اي شيء و لاي شيء و من اي شيء و كيف و كم و امثال ذلك و لذلك عد اميرالمؤمنين قوي النفس الحيوانية محض السمع و البصر و الذوق و الشم و اللمس و قوي النفس الناطقة الفكر و الذكر و العلم و الحلم و النباهة و فهم المعاني و النسب من حظ العلم و النباهة و الفكر فليس للحيوان الا الرؤية للشبح الحاضر من لون او هيئة او كيفية حسب و له من الحس المشترك بقدر ما يصل الاشباح الي روحه فينصبغ بها و اما مايري من هزيمة الكلب اذا رفعت الحجر فليس من انه تفكر فيه و علم انه حجر يلقي و يرمي فيصل اليه و يعوره و يؤلمه فينهزم للتخلص عن الالم فان جميع ذلك شأن الفكر و العلم و ليسا له و انما ذلك منافرة طبيعته جعل الله دقت حكمته في طبعه أ تري ان الحيوان اذا تولد او الانسان اذا خرج من بطن امه يعرف ان في ثدي امه غذاء معدا له و في حلمته ثقب ضيقة ينبغي ان يمص حتي يخرج اللبن و يصير غذاءا له بدل ما يتحلل بل هو جبلة جعلها الله فيه بفعله من غير روية أ لاتري انك اذا القمته اصبعك يمصها و لاتغفلوا من الجبلات و ما اودع الله سبحانه فيها من الاسرار و لذلك تري ان الانسان العاقل بل الحكيم الماهر لايهتدي الي كثير مما يهتدي اليه الحيوانات أ تريها عرفتها بروية و فكر و علم حاشا و انا نري ان الانسان لايهتدي الي عقار سمي انه سم له و يهلكه و الحيوان لايقربه و لايأكله ابدا و ليس ذلك الا من جبلة‌ جبل عليها و ان قلت ان الانسان ايضا فيه حيوانية فلم‌ لايهتدي الي ما يهتدي اليه الحيوان قلت ان الانسان عجائب حيوانيته اعظم و اعظم ولكنه قد يقهر الحيوانية بنفسه الناطقة و يصرفها عن جبلتها و يستطوعها لنفسه و اذا كان نفسه جاهلة لاتهتدي بنفسها و تمنع الحيونة عن جبلتها فلاتتركها حتي تسير بجبلتها فتغلط أ لاتري انك ربما اردت ان تقرأ شيئا حفظته قبل بروية تنساه و اذا صرفت قلبك الي شيء آخر و قرأته يهتدي الطبع و يقرؤه كما هو و تأتي عليه و كذلك ربما تصلي و قلبك غير متوجه الي الصلوة فتقرأ السور الطول و تذكر و تركع و تسجد الي ان تنصرف و انت لم‌تلتفت اليها بروية انسانية و لم‌تأت علي ذلك الا بجبلة‌ حيوانية فان الجمادية و النباتية لايتأتي منهما ذلك و حيوانية سائر

 

 

«* مکارم الابرار عربي جلد ۴ صفحه ۲۱۵ *»

الحيوانات لاتقدر علي ذلك فالحيوان ليس له من الاشياء الا صرف الاشباح الحاضرة من دون المعاني و النسب و ما يغيب عن البصر من الامثلة السابقة و اللاحقة الا بقدر حسه المشترك فليس ادراكه لها كادراك الانسان و انما ادراكه لها محض حصولها له في نفسه و جبلته بانصباغ حصل له في طبعه و هو واجد نفسه طبعا فاذا انصبغ يجد نفسه طبعا منصبغا بلا علم بمعناه و فكر في نسبه و وجدانه نفسه كذا هو ادراكه و هو مبهم و ليس بوضوح دركك بالانسانية للاشياء و لذلك سخرت الحيوانات للانسان فلايخطر ببالها غير الانقياد و الطاعة و المقهورية الجبلية للانسان و ذلك قول الصادق عليه السلام في حديث المفضل في معني الحيوان منعت الذهن و العقل لتذلل للانسان فلاتمتنع عليه اذا كدها الكد الشديد و حملها الحمل الثقيل الي ان قال بعد ذكر انقيادها للانسان فبم كانت كذلك الا بانها عدمت العقل و الروية فانها لو كانت تعقل و تروي في الامور كانت خليقة ان تلتوي علي الانسان في كثير من مآربه الي ان قال عليه السلام فكر يا مفضل في الفطن الذي جعلت في البهائم لمصلحتها بالطبع و الخلقة لطفا من الله عزوجل لهم لئلا يخلو من نعمه جل و عز احد من خلقه لابعقل و روية الي ان قال فانظر الي هذه الحيلة كيف جعلت طبعا في هذه البهيمة لبعض المصلحة الي ان قال في النمل فكل هذا منه بلاعقل و لا روية بل خلقة خلق عليها لمصلحة من الله عزوجل الي ان قال في العنكبوت فانظر الي هذه الدويبة الضعيفة كيف جعل في طبعها ما لايبلغه الانسان الا بالحيلة و استعمال آلات فيها الي ان قال في الطير من اخذها باقامة‌ النسل و لا روية و لا تفكر لولا انها مجبولة علي ذلك الخبر.

فتبين من هذا الخبر الشريف و ما مر من حديث اميرالمؤمنين عليه السلام ان الحيوانات ليس ادراكهم للاشياء بروية و تفكر و شعور نفساني و انما هو اشباه تأتيها و تنصبغ ارواحها بها فيحصل لها طبيعة ثانية من ذلك الصبغ و تجري بحسبها كانصباغ الزيبق بالنار و طيرانه بسببه او بمناسبات طبيعية عند المقارنة كانجذاب الحديد

 

 

«* مکارم الابرار عربي جلد ۴ صفحه ۲۱۶ *»

الي المقناطيس و التبن الي الكهرب او بمنافرات طبيعية كفرار الحر من البرد و بالعكس فتعالي الله الذي جبلها طبعا بحيث يصدر منها امور تحير العقلاء فيها و لايهتدون اليها فهي تدرك الاشياء ادراكا طبعيا لا ذوقيا و شعوريا و لكن لرقة ارواحها و سرعة حركتها تنتقل و تتحول بالمناسبات و المنافرات و الانصباغات الطبيعية فاذا توقت عن البئر و انحرفت عنها تزعم انها عرفت انها تقع فيها فانحرفت و ليس كذلك فان بين طبعها و البئر منافرة و لذلك انحرفت عنها و اذا رأت ولدها و مشت اليها و لحستها تظن انها عرفتها و حنت اليها لترضعها و تربيها و حاشا و انما هو بمناسبة طبيعية بينهما فتميل اليها كالتبن الي الكهرب و اذا سمعت صوتا هائلا فذعرت او رفعت السوط فاسرعت تظن انها خافت علي نفسها و حاشا و انما ذلك من منافرة طبيعية و استيحاش طبيعي كاستيحاش الزيبق من النار و اذا رأت المرعي و مالت اليه زعمت انها عرفت ان فيه قوتها و غذاؤها او رأت الدفلي مثلا و تنكبت عنها زعمت انها عرفت انه سم فاجتنبها و حاشا بل ليس جميع ذلك الا بمناسبات و منافرات طبيعية نعم الفرق بينها و بين النبات رقة الطبيعة و غلظتها و امكان التحول والانتقال فيها بالرقة و مطاوعة الادوات دون النبات فذلك معني ادراك الحيوان و ارادته و حركته و رضاه و غضبه مفصلا نعم لما خلق الحيوان من ظل الانسان والانسان ذو عقل و روية و نزل شعاع عقل الانسان الي الحيوان و شاع في حيوانيته و صار فيه بالقوة فيه ادراك مبهم و تختلف الحيوانات في قرب ذلك الادراك الي الفعلية و بعده عنها حتي ان بعض الحيوانات البرزخية ربما يوجد فيها بعض ادراكات ظلية و ربما يقوي نبي ذلك الادراك المبهم فيه معجزة فينطق و يشهد بالتوحيد و الرسالة و الدقائق فافهم.

و اما النفس الناطقة القدسية‌ الانسانية فهي امر مما وراء الطبيعة الملكية‌ الجسمانية و البرزخية الحيوانية و هي من المفارقات الملكوتية قواها الفكر و الذكر و العلم و الحلم و النباهة و خواصها النزاهة و الحكمة ليس لها انبعاث من البدن و طبايعه اي ليست من مواد نباتية تتكون في الكبد و لا من مواد حيوانية تتكون في القلب و لا مستقر لها في عضو من الاعضاء نعم تتعلق بالقلب باشعتهاو

 

 

«* مکارم الابرار عربي جلد ۴ صفحه ۲۱۷ *»

هي فيه بالقوة و تظهر بالفعل في الدماغ و لذا صار الدماغ محل الخيال و الفكر و الوهم و العلم و التعقل و هي للنفس الناطقة كالحواس الظاهرة للحيوانية تنظر منها الي ما غاب عن الحواس الظاهرة و هي افعال النفس و انوارها و ليست كما زعموا انها من ترقي الحيوانية و تلطفها او انها احد انواع الحيوان تخالف الفرس و البقر في صورتها و فصلها فليس الدخان الذي في الدماغ بروح نفسانية كما زعمه الاطباء بل هو مركب النفس الحيوانية التي في الانسان و هي مركب النفس الانسانية و هي جوهرة ملكوتية فوق الطبايع الفلكية الحيوانية و العنصرية النباتية دراكة للاشياء سواء كانت حاضرة‌ عند الطبيعة او غايبة فهي تدرك البدايات و النهايات و المواضي و المستقبلات و العلل و المعلولات و النسب و الاضافات و الاسباب و المسببات و المواد و الصور و الذوات و الصفات و الاثار و غير ذلك مما حضر عند الطبيعة في عالم الزمان او عند الروح في البرزخ او لم‌يحضر و ادراك معني ذلك عسير كسائر امور العالم حقيقة و ان تسامح فيها اناس كما تسامحوا في ساير امور العالم و تلك هي النفس التي من عرفها عرف ربه و نور الله الذي خلق منه الانسان و المثال الملقي في هويته و النور الذي اشرق من صبح الازل فيلوح علي هياكل التوحيد آثاره و الجلال و الاحدية و المعلوم و الحقيقة و السر و الماء النازل من سماء المشية الذي منه كل شيء حي و الروح من امر الله و الروح المؤيد به و امثال ذلك من الاسماء و امر ذلك خطير و بيانه ستير و فهمه عسير علي اصحاب الطبيعة غير يسير فلنعنون لشرحه عايدة اخري لتستقل ببيانه.

عائدة _ اعلم ان الوجود المطلق الراجح هو اول تجل تجلي به الوجود الحق الواجب الاحد جل شأنه به و هو الذي اعطي الكل اسمه و حده و به تسمي جميع الكاينات بالوجود لا بالوجود الحق كما ظنه القائلون بوحدة الوجود و اطلاقه من خصايص رتبته لاينزل الي الكاينات كما ان الحيوان يعطي مادونه اسمه و حده و جنسيته لاتنزل لانها صفة هيمنة الخاصة به فالوجود المطلق اي غير المقيد بشرط فوقه

 

 

«* مکارم الابرار عربي جلد ۴ صفحه ۲۱۸ *»

فهو المخلوق بنفسه فله جهتان جهة‌ فعلية و جهة مفعولية و قد عبر عن تلك الجهتين صادق آل محمد عليهم السلام بقوله خلقت المشية بنفسها فهو الفعل لغيره في نفسه و هو المفعول بنفسه لغيره و هاتان الجهتان فيه في غاية البساطة‌ الامكانية و لا امتياز لهما فهو الفعل بكله و هو المفعول بكله و هو الامكان الراجح و صلوح الاكوان و الاعيان غير المتناهية و ليس فيه شيء منها بالفعل و لما كان الفعل تمام القوة‌ و الظهور تمام البطون و المتممات الخارجية التام و تمثله في الخارج و وجوده بالفعل بحيث لولاها رأسا لم‌يكن التام بالفعل و ما لم‌يكن كليات الحكمة‌ تامة في ظهورها تامة في بطونها كانت الحكمة‌ ناقصة من الحكيم و لكان العالي ناقصا مستزيدا مستكملا فلما كان كذلك تجلي ذلك الوجود بنور تانك الجهتان فيه بالفعل ممتازتان فحدث في ذلك النور جهة فعلية‌ و جهة‌ مفعولية فالاولي منهما هي الروح و النور و المثال و الثانية منهما هي الطبيعة في قوله تعالي روحك من روحي و طبيعتك علي خلاف كينونتي و الطينة‌ هي التي اسكن الله فيها ذلك النور و الهوية هي التي القي الله فيها ذلك المثال كما روي القي في هويتها مثاله فاظهر عنها افعاله فالاولي منهما النفس التي من عرفها عرف ربه و الاية‌ التي اراها الله خلقه في انفسهم و الروح من امر الله و الامر المفعولي و غير ذلك من الاسماء فللعالم مقامان مقام فعلية و هو نفسه و مفعولية هو طبعه و يسمي تلك النفس بالغيب و الطبع بالشهادة و تلك النفس هي جهته الي ربه و الطبع جهته الي نفسه و هاتان الجهتان متشابهتان دائما في العموم و الخصوص و الابهام و التعين و لما كان هذا العالم مبهما بالنسبة الي مواليده كان نفسه ايضا مبهمة و نفس المبهم مبهمة فقبل ان يتولد في الدنيا مواليد لم‌يكن في غيبها فوقها في دهرها نفوس جزئية شخصية ممتازة لزيد و عمر و بكر و خالد و غيرهم و انما كانت علي الاطلاق و الابهام كالشهادة الا ان الشهادة كانت فعلية ابهام النفس و متممتها علي نحو الابهام النسبي و التعين النسبي بحسب الامكنة و الاوقات و الكموم و الكيوف و الجهات و الرتب و الاوضاع فآن واحد من النفس يحتوي علي جميع آنات الطبيعة‌

 

 

«* مکارم الابرار عربي جلد ۴ صفحه ۲۱۹ *»

و مكان واحد منه يطوي جميع الامكنة و كذا كمها و كيفها و جهتها و رتبتها فانها الامر المفعولي المشابه للامر الفعلي و تمثله و وجود الخارجي الشرعي فهي مهيمنة علي عالم الطبيعة في جميع امكنتها و اوقاتها و الكل حاصلة لها بالفعل و هي ذات فعلية بها ليس فيها استكمال الاجسام و تغيراتها و تبدلاتها و لما تولد في عالم الطبايع ولد طبيعي و اعتدل مزاجه و استقام منهاجه و صفي و لطف حكي عما وراءه من النفس الكامنة في طبيعته بالقوة و ظهر عن ذلك المولود آثاره و صارت نفسا متعينة فرأت تلك النفس من عين طبيعته و سمعت من اذنها و شمت من انفها و ذاقت من فمها و التمست من اعضائها و نطقت من لسانها و فعلت من اعضائها لما انصبغت في هويتها انصباغ النار الكامنة في الدخان بالدخان و حدثت الكمالات الجزئية لها بالفعل فيها فصارت منها بصيرة بكل لون لون و لم‌تكن قبل كذلك و سميعة لكل صوت صوت و لم‌تكن قبل كذلك و فاعلة لكل فعل فعل و لم‌تكن قبل كذلك و انتزعت من امثلة الطبايع مثالا مثالا و تخيلتها فردا فردا و تفكرت في نسبها نسبة نسبة و استنطبت منها توهمات شيئا شيئا و علمتها واحدا واحدا و تعقلت معانيها جزءا جزءا فحدثت لها كمالات متعينة فعلية شخصية و لم‌تكن قبل كذلك و انما اكتسبت جميع ذلك بفعلها المتعلق بهذا المولود و مثالها الملقي في هويته و ذلك المثال جهة فعلية هذه الكمالات الخاصة يعني انه كما كان لكلية هذا العالم نفس كلية مبهمة هي فعل العالي في احداثه و هو مفعول العالي بها فجزئيات هذا العالم المتعينة لها نفسانية متعينة و كما ان للجسم المطلق نفس مطلقة كذلك للعرش نفس متعينة بتعين ابهامي عرشي و للكرسي نفس متعينة بتعين ابهامي كرسي و لافلاكه نفوس متعينة بتعين ابهامي فلكي و لعناصره نفوس عنصرية متعينة بتعين ابهامي عنصري هي افعال العالي في احداثها و هي مفعولاته بها.

و كذلك ما يتولد من هذه البسائط المبهمة ثانيا فان لها نفوسا جزئية هي افعال العالي في احداثها و هي مفعولة بها و تلك الكمالات الظاهرة من المولود هي فعليات نفسه الجزئية المبهمة‌ بالنسبة اليه و متمماتها و تعينها و صورتها مثال ذلك فعلك الذي هو حركتك المبهمة الاجمالية متعلق بالكتابة علي الابهام و له رأس بالنسبة‌

 

 

«* مکارم الابرار عربي جلد ۴ صفحه ۲۲۰ *»

الي الالف يشاكله الالف و رأس بالنسبة الي الباء يشاكله الباء و هكذا فالنفس المطلقة هي فعل الله المتعلق بالجسم المطلق و رؤسه البسيطة متعلقة ببسايط هذا العلم و رؤسه الجزئية متعلقة بمواليد هذا العالم و ليست هذه الرؤس قطعا منفصلة من ذات النفس الكلية و حصصا من عينها بل نفوس البسايط آثار النفس المطلقة كما ان البسايط آثار الجسم المطلق و نفوس المواليد استكمالات نفوس البسايط كما ان المواليد استكمالات البسايط و شرح ذلك ان البسايط هي آثار الجسم المطلق لاعطائه اياها اسمه و حده و هي افلاك هي جهة فعليتها و عناصر هي جهة مفعوليتها لانها كمالات الجسم المطلق المخلوق بنفسه بالنسبة و فعلياته فبدت بفعل و مفعول ولكن مفعولها فيه المفعولية بالفعل و الفعلية بالقوة و فعلها فيه الفعلية بالفعل و المفعولية بالقوة فلما دار فعلها علي مفعولها استخرج ما في مفعوله من الفعلية و ابرز ما قد كمن فيه بالتقوية و التكميل فبدي فيه حصص فعلية هي قبضاته الفلكية و ليست تلك القبضات قطعا مفروزة من الافلاك و انما هي قطع مستحدثة متكملة بالافلاك الكاملة.

فان عرفت ذلك عرفت ان نفوسها ايضا كذلك يعني ان النفس المطلقة تجلت بنفوس البسائط و اعطتها اسمها و حدها و تلك هي النفوس البسيطة و لها جهة فعلية هي ظهور فعلية النفس المطلقة و جهة مفعولية هي ظهور مفعولية النفس المطلقة فجهة فعليتها سماوات النفوس و جهة مفعوليتها هي عناصرها فسماواتها نفوس السماوات و عناصرها نفوس العناصر فنفوس السماوات هي مديرتها و مدبرتها تديرها علي العناصر و تربيها و تكملها فظاهر السماوات تكمل ظاهر العناصر و تقوي ما فيها من جنس الافلاك الجسمانية بالقوة و باطن السماوات تكمل باطن العناصر و تقوي ما فيه من جنس الافلاك النفسانية فاذا ولد المولود فكما حدث له جسم له نباتية عنصرية و حيوانية فلكية حدث له نفس ملكوتية ايضا و هي نفس زيد و عمرو و بكر و غيرهم و تلك النفس ايضا لها نباتية عنصرية نفسانية و حيوانية فلكية نفسانية علي طبق هذا العالم حذو النعل بالنعل و القذة بالقذة فان صار فيها النباتية النفسانية بالفعل و الحيوانية النفسانية بالقوة كنباتات هذا العالم تخلد في ارض النفوس و طبايعها فان كانت مطيعة فهي

 

 

«* مکارم الابرار عربي جلد ۴ صفحه ۲۲۱ *»

في الجنتين المدهامتين و الا ففي ضحضاح جهنم و ان صار فيها الحيوانية بالفعل و غالبة علي نباتيتها تصعد الي سموات النفوس فان كانت مطيعة كانت في الجنان الاصلية و الا ففي النيران الاصلية كما حقق في محله و ذلك ان عالم النفوس عالم مستقل علي حذو هذا العالم له سماوات و ارضون و كلها تحت النفس الكلية و كلتاهما من تجليات النفس و فعلياتها سمواتها آية فعلية النفس الكلية الالهية و ارضوها آية مفعولية النفس الكلية و هما بسايط ذلك العالم و آثار النفس الكلية و لما دارت سماواتها علي ارضيها تولد من بينهما اولاد النفوس الجزئية فمنها في رتبة جمادها و منها في رتبة نباتها و هما سفلياتها و منها في رتبة حيوانها و هو علويها لان النفس الحيوانية كما عرفت اصلها الافلاك ثم لهولاء بعد التركيب الكوني طينة صور اجابة و انكار فمن اجاب منهم كانت تلك العرصة له جنة و من انكر كانت له نارا فسماواتها جنان للمطيعين اصلية و نيران للكافرين اصلية و هي حين كونها نارا بواطن الارض لانها من حيث انيتها تصير نارا فهي طبقات الارض و حين كونها جنة سماوات و هي جهة ربها و اما ارضوها فهي حظاير الجنان للمطيعين و ضحضاح النار للعاصين و فيها من ذكر ظواهر السماوات و بواطنها و اشعتها و اظلالها علي حسبها و بلحاظ آخر نقول ان الجنان الاصلية في غيب الكرسي و سقفها عرش الرحمان و الجنان الظلية في الافلاك و النار الاصلية تحت الارضين السبع و اما الارضون فهي حظايرها و لكل وجه و الوجه الثاني اوفق بالقواعد الكلية فذلك صفة النفس المفارقة عن هذا البدن التي ليس لها انبعاث منه و لا مقر فيه و انما هي متعلقة به تعلق تدبير و اول ظهور تعلقها به في القلب فان النفس الحيوانية مركبها ولكنها فيها بقوة قريبة من الفعلية فاذا صعدت الي الدماغ و تلطفت كشفت عن افعالها و اراداتها فهناك الحيوانية تنظر بالحواس الظاهرة الي الملك و الانسانية تنظر بالحواس الباطنة الي الملكوت و ليست تتخيل بالروح البخاري ولكن في الروح البخاري يعني يظهر اثر خيالها في الروح البخاري عنه اذا كان في المنزل الثاني من منازل الدماغ فيطاوعها الروح هناك لما تخيلت و ليست البخارية هناك تتخيل

 

 

«* مکارم الابرار عربي جلد ۴ صفحه ۲۲۲ *»

مثال ذلك ان اليد لاتكتب ولكن الروح يكتب في اليد و يظهر اثر الكتابة علي اليد ولاينطق اللسان و انما ينطق الروح في اللسان و انما يظهر اثر نطقه في اللسان و كذلك البخارية الجسمانية البخارية الجسمانية المركبة ليست تدرك المتخيلات او المتفكرات او المتوهمات ولكن النفس الانسانية هي المتخيلة المتفكرة المتوهمة في الروح البخارية و الروح مركبها و يظهر اثر افعالها فيها في منازلها المعينة فتلك الافاعيل افاعيل النفس الانسانية كما سمعته في حديث اميرالمؤمنين عليه السلام و ذلك ان الحيوانية فلكية لاتدرك الا المحسوس المقارن الزماني و تلك المشاعر تحس بما كان و ما يكون.

بقي شيء و هو انا ذكرنا في ساير كتبنا ان الحيوانية الفلكية هي من عالم المثال و معني قول علي عليه السلام اصلها الافلاك انه اظن الافلاك و الفلك بجرمه نباتي اي بجرمه من سنخ النفس النباتية و الروح البخاري ايضا خلاصة الدم الذي هو خلاصة‌ العناصر و هو ايضا من سنخ النبات و ان كان الطف من صرفه و الحيوانية المتعلقة به من عالم المثال و هنا قلنا ان الحيوانية هي ذلك البخار و اثبتنا المشاعر و الارادات و الحركات له فهيهنا تفصيل يجب التنبيه عليه و هو انا ذكرنا ان جميع العالم اثر المشية و فعليتها و كما ان المشية مخلوقة بنفسها و لها حيث فعلية و حيث مفعولية لاثرها ايضا تانك الجهتان ممتازتان بالفعل جهة فعلية و هي نفس العالم و جهة مفعولية و هي طبيعته فاقول كما ان تينك الجهتين في المشية من جوهر واحد و هو المطلق الا ان الجهة‌ الفعلية اعلاه و الجهة المفعولية اسفله و الجهة الاولي في الاعلي بالفعل و في الاسفل بالقوة و الاخري في الاسفل بالفعل و في الاعلي بالقوة كذلك اقول في اثرها اي اقول ان جهة النفس في الطبع بالقوة و جهة الطبع في النفس بالقوة كما يقال في الفلسفة ماء من طبيعتين و ارض من جسدين و انما ذلك لانهما من جوهر واحد و هو الماء فالطبع غلايظ الماء و رواسبه و النفس لطائف الماء و طوافيه و لولا ذلك لما ارتبطت النفس بالطبع و الطبع بالنفس و لامتنع الايتلاف بينهما فالنفس تأتلف بالطبع لما فيه من القوة النفسانية و الطبع يأتلف بالنفس لما فيها من القوة الطبعانية كما ان الروح يتعلق بالجسد لما فيه من

 

 

«* مکارم الابرار عربي جلد ۴ صفحه ۲۲۳ *»

الجسدانية و الجسد يقبل الروح لما فيه من الروحانية و لولا ذلك لامتنع التركيب فالطبع من النفسانية اي من غلايظها و رواسبها فيه فاذا دارت افلاك النفس علي ارض الطبع اثارت اياها بالتقريب و التلطيف و التبخير و التصعيد و التشكيل فهاج ما فيه من النفسانية الكامنة بتكميل اشعة افلاك النفوس فخرجت من القوة‌ الي الفعل و اشتعل في دخان الطبع فكان سراجا وهاجا حيا بتكميل النفس الملكوتية الغيبية ما كمن فيه من النفسانية فصار حيا مريدا متحركا دراكا بتلك النفس المستكملة المشتعلة فيه و الا فاصل ذلك الدخان لم‌يكن له حيوة‌ اذ هو الحي لا اله الا هو و انك ميت و انهم ميتون فالنفس هي الحية بالذات و اما الحيوانية فهي الحية بفضل شعاع الناطقة و كذلك حركات الطبايع العنصرية الي حيزاتها بفضل حركة الافلاك و لولاه لما صعدت النار و الهواء و لما نزل التراب و الماء اذ الحركة كائنة ما كانت من اثر الحيوة و العناصر لا حيوة لها الا بفضل آثار الافلاك الا ان الافلاك لجامعيتها و كونها طبيعة خامسة حركتها حركة جامعة للصعود و الهبوط و برازخهما و هي الدورية و لما ظهر اثرها في العناصر حكت النار صعودها الاقوي لانها ذات جهة واحدة و الهواء صعودها الاضعف و الماء نزولها الاضعف و التراب نزولها الاقوي لاجل ذلك و لو كانت الجهات فيها معتدلة لتحركت دورية‌ كالافلاك فالنقص من القابل لا الفاعل و ما قيل ان حركة‌ العناصر طبيعية ‌قول قشري ظاهري و الشأن في فهم الطبيعة و ليست الا اثر حركة الافلاك فالافلاك بفضل حركتها الجامعة تكمل ما فيها من قوة الحركة تكميلا ناقصا لنقصان القابلية فتتحرك نحو حيزاتها فاذا تألفت علي الاعتدال و صفيت ظهر آثار حركة حيوة الافلاك فيها اكثر فتنمو و تربو و تتحرك طولا و عرضا و عمقا و اذا صارت اعدل و اصفي ظهر آثار الحيوة الفلكية فيها اكثر فتحركت علي ما تري بالجملة في الطبايع العنصرية الفلكية موجودة بالقوة فاذا دارت الافلاك عليها و ضربت بعضها ببعض علي حسب تقدير العزيز العليم و صفتها و عدلتها حتي صارت في الانسان دما في الكبد و بخر بخارا غليظا الا انها لم‌تبالغ في تصفيته و ترقيقه ظهرت آثار الحيوانية الكامنة فيه عليه من وراء حجاب و ظهر بصورة ذلك الاثر كما يظهر الدخان

 

 

«* مکارم الابرار عربي جلد ۴ صفحه ۲۲۴ *»

بصورة النار المستكملة فيه و تحرك الي الاطراف بالربا و النمو فهذه الحركة و النمو و الجذب و الدفع و الهضم و الامساك و الزيادة و النقصان هي قوي النفس النباتية و هي الصورة الحاصلة الجامعة لهذه القوي و هي الصورة المنطبعة في بخار الدم و هي البرزخ بين الحيوان و الجماد و تلك الافاعيل افاعيل تلك الصورة فاذا بالغت الافلاك في ترقيقه حتي صار بخارا في القلب و كسته الصورة البخارية اللطيفة و كمل ما فيه من النفسانية اكثر ظهر عليه اثر النفس و تصور بصورة ذلك الاثر و ترتب علي تلك الصورة آثارها من الاحساس و الحركة و الارادة فالنفس الحيوانية هي تلك الصورة المنطبعة في الدخان الظاهرة علي مرآته و لها انصباغ بعد من المحل و لاجل ذلك تكون تابعة للمحل و تلك المنطبعة ليست بالناطقة و انما هي اثر الناطقة و شبحها المنفصل الظاهر علي مرآة الدخان كما ان الضوء المرئي علي الدخان ليس بالنار الجوهرية و انما هو مثالها الذي القته في هوية الدخان و شعلته.

عائدة_ اعلم انك لو تدبرت في هذا البدن الدنياوي للانسان وجدته قد تألف من اغذية دنياوية و مواد زمانية كانت قبل التأليف موجودات مستقلة و انما خلعت تلك الصور و لبست صورة اخري و ستنفكك و تلبس صورة اخري و هكذا و كذلك كانت تلك الاغذية التي هي نباتية و حيوانية من مواد زمانية اخر كانت مستقلة قبل تأليف تلك الاغذية و خلعت صورها ثم لبست صورة اخري فلرب حصة عنصرية لبست الف الف مرة صورة انسان او حيوان او نبات و خلعتها و لبست اخري فالمواليد الحقيقية كلها صور عرضت علي تلك الحصص ثم نزعت عنها و علي ذلك تقدير العزيز العليم مثلها كان يكون عندك مقدار من الشمع فتحصصه و تصنع من كل حصة شكل نبات او حيوان او انسان ثم تكسرها و تردها الي ما كان ثم تعيد منها صورا اخري و ذلك محسوس مرئي لاينكر من اوضاع هذا العالم فمبدأ الجميع العناصر و هذه الصور العنصرية ايضا اذا تدبرت صور عرضت

 

 

«* مکارم الابرار عربي جلد ۴ صفحه ۲۲۵ *»

مادة صالحة لصورها و هي الاهبية الجسمانية الظاهرة فانا نري تحول التراب ماء و الماء هواء و الهواء نارا و هكذا فهذه العناصر ايضا كالمواليد بلاتفاوت و كذلك الافلاك فان عقولنا تجوز تحول كل واحد الي كل واحد و خلع صورته و لبس اخري فمآل هذا العالم كله الي اهبية صالحة لكل صورة و كل حصة منها يمكن ان تتصور بجميع الصور بان تلبس صورة و تخلعها و تلبس غيرها الي ما لا نهاية له كما تري انه هو الواقع و المراد بالاهبية هي الامكان الانفعالي لهذه الصور التي هي اكوانها و هي طبيعة‌ هذه الاجسام الكلية فجميع ما تري في هذا العالم صور و الظاهر بها الجسم و هي قائمة به و هو الذي يتقلب في الصور كيف يشاء الله لكن ليس هو في عرضها و لايتقدر بنفسه بقدرها و لايتصور بنفسه بصورها و انما هذه الصور صور في هذه الرتبة و نسبة‌ بعضها الي البعض زمان و هو في الدهر فاذا حددت شيئا قلت جسم طويل او جسم عريض و هكذا و مادة كل شيء من هذه الاشياء ظهور ذلك الجسم و صورته خصوصيته ثم لكل صورة منها امكان لصور عديدة اخري و هكذا و لابد لكل امكان ان يظهر بصورة كونية مما يمكن فيه فكل امكان له صورة يمكن نزع تلك الصورة عنه و لبسه صورة اخري الي ما لانهاية له و امكان جميع ما في هذا العالم الجسم و لابد و ان يظهر بصورة من صور هذه الاجسام فاذا اردت تصوره بصورة‌ فان لم‌تك ينافي الثانية‌ الاولي لايجب نزع الاولي كما ان صورة الالفية لاتنافي المدادية فلايحتاج الي نزع صورة‌المداد و اذا كانت تنافيها وجب نزعها كصورة الترابية و اللحمية فما لم‌تنزع الترابية لم‌تلبس اللحمية.

و غرضي من هذا البيان ان تنظر في ان الفرس مثلا ما هو و النعنع مثلا ما هو هل هو صورة‌ الفرس وحدها او هو الصورة مع تلك الحصة من الاهبية و كذلك النعنع هل هو الصورة او هي مع تلك الحصة‌ المصورة و المفروض ان تلك الحصة اليوم علي صورة الفرس و غدا هي بعينها علي صورة الكلب مثلا ككلب وقع في ملاحة و صارت حصته بعينها ملحا فما الكلب و ما الملح و الحصة الواحدة كيف تكون كلبا و ملحا هل يجزي تلك الحصة الواحدة بجزاء الفرس او الكلب او يجزي بجزائهما معا في آن واحد او آنين و كذلك لعلها تتصور بالف الف

 

 

«* مکارم الابرار عربي جلد ۴ صفحه ۲۲۶ *»

صورة او بلانهاية فبأيها تجزي و مع ايها تعاد و المفروض ان هذه الحصة‌ الهبائية لايمكن ان تكون في آن واحد في مكانين و انها زمانية و كذلك الجسم المطلق بنفسه لم‌يتصور و لايجزي بجزاء و بظهوره تصور و ظهوره عين تلك الاهبية و الصور و الاهبية ايضا صورة الا انها طبيعية كما ان الكاينات صور كونية و انما مثل الاهبية مع هذه الموجودات كمثل البحر و الامواج حيث ان البحر امكان جميع الامواج و كل حصة منه صالح لكل موج و هو الظهور الاول للماء المطلق في عالم المتممات يحفظ صورته في كل موج فتبين مما ذكرت ان الفرس هو الصورة الخاصة و الكلب هو الصورة‌ الخاصة و ان قلت هل هي صورة بلا مادة ام لها مادة اقول هي صورة‌ لها مادة و مادتها الذاتية الكلية حيث صدورها عن فعل فاعلها و اما مادة الفرس المعين فحيث ظهوريته للفرس النوعي و هكذا مادة الكلب حيث ظهوريته للكلب النوعي و لايكون شيء في عرصة الخلق الا و له مادة و صورة و الشيء شيء بمادته و صورته و هما مثلا زمان يعني لايصير مادة شيء مادة شيء آخر و لا صورة شيء صورة شيء آخر و المادة‌ علي حكم الصورة في الخبث و الطيب فمادة ‌الكلب ابدا خبيث و مادة الملح ابدا طيب و التي تنقلب من العناصر في الكلب و الملح فقد يكون كلبا و قد يكون ملحا هي مادة عرضية و لايعقل ان تحشر يوم القيامة و تعذب لاجل كونها في الكلب و تنعم لاجل كونها في الملح مثلا فهذه العناصر المتقلبة في هذه الصور مواد زمانية عرضية و للكلب مادة و صورة ذاتية و للملح مادة و صورة‌ ذاتية و انما سمينا تلك المادة و الصورة‌ معا صورة ‌لانها صور كونية احدثها الموجد من الامكان و جميع ما سوي مادة‌ المواد صور بل المادة صورة الاتري ان مادة‌ المواليد العناصر و هي صور تزول و يبقي الجسم مستمرا و هو مادة مواد هذا العالم و الجسمية ايضا صورية كما ان العقلية ايضا صورة البست علي المادة الاولي فالفرس مثلا بالنسبة الي الحيوان صورة بمادته و صورته و هو اسم لتلك الصورة.

و اما المواد الزمانية التي ظهرت تلك الصورة عليها فليست بفرس بل و لا مادة له و انما هي محل ظهور الفرس و هذه الصورة قائمة بمؤثرها الذي اوجدها من مادته من اثر فعله و صورته علي حسب

 

 

«* مکارم الابرار عربي جلد ۴ صفحه ۲۲۷ *»

قبول ذلك الامكان و تلك الصور هي عبيده مكلفون و مثابون او معاقبون قائمون بامره كل شيء سواك قائم بامرك.

و من آياته ان تقوم السماء و الارض بامره و تلك العبيد لهم مواد من اثر الامر و صورة علي حسب تلك الحصة من الامكان فان الحصة اللطيفة تقبل ما لاتقبله الحصة‌الكثيفة و هكذا.

فالمؤثر جل شأنه اخذ من مواد هذه الدنيا و ركب بدنا و خلص منه روحا بخاريا ثم دخانيا فافاض علي تلك المواد صورة هذا البدن و هذا الروح و روحه روح ناطق دراك متحرك علي ما هو المعلوم فاذا كسر الله هذا البدن و اطفأ هذا الدخان بسبب الفساد العارض و التخلل الحادث ردت المواد الي حالة اخري و تصورت بصورة مولود آخر بالعرض كما كانت تصورت اول مرة بالعرض بصورة هذا المولود و بقيت الي اجل مسمي فاذا كسر البدن نزع عنه صورة زيد و هي الصورة النوعية المستمرة من اول تكونه الي آخر فساده و ذلك ان له صورتين صورة مقومة‌ زيدية هي ثابتة في جميع حالاته و صورة متممة لها من راكع و ساجد و آكل و شارب مثلا اما الراكعية و الساجدية فكانت تنزع في كل آن من آنات الزمان فانها صور متممة مع انها من مقتضي البدن الجمادي و كذلك الصور التي هي من مقتضيات نباتيته و حيوانيته فانها كلها دائم التجدد و الزوال ولكن لزيد الانساني صورة بها زيد زيد و لها مادة مخصوصة بها و صورة مخصوصة بها فتلك الصورة هي نفس زيد التي تنزع و هي دهرية ثابتة بالنسبة الي تلك المتممات كصورة الجسم بما هو جسم بالنسبة الي صور ظهوراته فملك الموت ينزع تلك الصورة و هي كانت مستخرجة من هذه المواد الدنياوية و كانت في كمونها و هي نفس زيد و ما به زيد زيد له مادة من اثر صنع المؤثر و صورة علي حسب قابلية تلك المادة و الصور المتممات ظهورات تلك النفس علي هذه المواد علي حسب قابلية هذه المواد فاذا نزعت عن المواد قامت بالنفس في امكنتها و اوقاتها لها مادة من ظهور النفس و صورة‌ علي حسب قابلية المواد و الصانع اذا احدث هنا ماء يحدث فورا في الدهر ماء قائما فوقه لكن صورة‌ الماء الزماني البست علي الاهبية الزمانية و صورة‌ الماء الدهري البست علي مادة‌ دهرية و كذلك الصور‌ة المقومة لزيد تلبس علي مادة دهرية و الصور المتممة

 

 

«* مکارم الابرار عربي جلد ۴ صفحه ۲۲۸ *»

علي ظواهر المواد.

بالجملة اذا كسر البدن انتزع ملك الموت تلك النفس التي بها زيد زيد و اعلم ان لزيد صورة‌ انسانية هي صورته و صورة حيوانية هي صورة مركبه لا صورته و صورة‌ نباتية هي صورة مرعي ذلك الحيوان لا صورة ذلك الحيوان و ذلك الانسان و صورة جمادية هي صورة ارض ذلك المرعي لا غيره فلايذهبن بك المذاهب و تزعم هذه الصور صورة زيد أ لم‌تسمع عليا عليه السلام يقول في النباتية و الحيوانية عودهما ممازجة و في الانسانية عودها مجاورة فاذا كسر البدن نزع عنه آخر صورة جمادية و نباتية و حيوانية كما كانت تنزع في كل آن و رسمت في محال وجودها في اللوح فاذا نزعت الصور تصور الباقي بصورة اخري او اختلطت بالعناصر اذا تصورت بصورها و اما المثل فهي في امكنتها لها مادة و صورة كمثل هذه الدنيا بعينها و لا يصير مثال ابدا مادة مثال و لا صورته فلايصير مثال الجماد مادة النبات و لا النبات مادة الحيوان و لا الحيوان مادة الانسان و كل منها له مادة و صورة في مقامه فتلك المثل ليست تمازج شيئا و لاتتحول الي شيء فالجماد و النبات و الحيوان التي لاتعود هي هذا المركب الدنياوي بهذه المادة و هذه الصورة و اما المثل الدهرية فكلها تحضر في علم الله فضلا عن الموقف و اما زيد الذي يعود فهو الانسان و النفس الوحدانية الانسانية و هي علي صورة‌ عملها و ليست علي صورة ارضها و مرعاها و حيوانها و له نوعية هي بها زيد في جميع الاحوال و شخصية فلزيد النوعي البرزخي فلكية و عنصرية يعني له بدن نوعي ثابت في الحالات و روح نوعي ثابت في الحالات فالبدن النوعي البرزخي صورة‌ نوعية تسمي بالبدن الهورقلياوي فهورقليا نوعية عرصة العناصر اي النار النوعية و الهواء النوعية و الماء النوعي و التراب النوعي و الابدان النوعية سكنتها و الافلاك النوعية افلاكه و الارواح النوعية البرزخية سكنتها فاذا مات البدن تتفرق مواده و تذهب صورته و يبقي صورة زيد النوعية في ارض هورقليا و هي قبرها و هي مستديرة اي رأسها فوق رقبتها و هي فوق صدرها و هو فوق رجلها علي حسب صورته في الدنيا بلاتفاوت و هي تبقي في ارض هورقليا و طبايعها هي قبره و

 

 

«* مکارم الابرار عربي جلد ۴ صفحه ۲۲۹ *»

هو يبقي في قبره الي يوم ينفخ في الصور اما يدخل عليه رايحة‌ من الجنة او فوح من نار جهنم و اما روحه فهي في السماوات و هي عالم المثال في نعيم و اما في جحيم اذا سجن في الارض و لو شئنا لرفعناه بها ولكنه اخلد الي الارض و اتبع هواه فاذا نفخ في الصور نفخة الصعق مات ذلك الروح و هو عند انقضاء عالم البرزخ فتفتت الجسد الهورقلياوي و تفتت المثال ونزع الله منه صورة حقيقة زيد التي به زيد زيد و نزع من جسده ايضا حقيقة جسده فاذا تتحدان و تأتلفان الفة لا فراق لها ابدا.

و امثل لك مثالا انك اذا نزعت الروح البخاري من هذا البدن يبقي الجسد في الارض و تذهب بالبخار الي السماء مثلا فانه سماوي فالجسد الذي يبقي في الارض يبقي في قبر الطبايع و اذا كسرت البدن مرة‌ اخري تأخذ عنه صورة‌ العنصرية و تأخذ عن الروح البخاري الصورة البخارية فيبقي الجسم المطلق من كل واحد فان السماء جسم علي هيئة السماء و الارض جسم علي هيئة‌ الارض فاذا اخذت عنهما الهيئة بقي الجسم الواحدي فيأتلفان الفة اتحاد لايفترقان فكذلك اذا كسر البدن البرزخي و رد مواده الي جواهرها كما ردت مواد الدنيا الي جواهرها فيبقي الصورة الزيدية بما هي هي و اذا ردت مواد الروح الفلكية الي جواهرها يبقي الصورة الزيدية بما هي هي و هي الحد المشترك بين تلك السماوات و الارض يعني سماوات زيد و ارضه فيبقي زيد صورة واحد قائمة بمؤثرها لها مادة من اثر امر منيرها و صورة‌ علي حسب اعمالها التي عملها و علومها و عقايدها و لها صورة كونية بها زيد زيد و صورة شرعية بها زيد مؤمن صالح متق و اما المستضعف فله روح كوني ينزع و بدن كوني يبقي في القبر غير ان روحه غير مميز بتمييز شرعي يدخل بها عليين او سجين فيلهي عنه و يبقي في قبر طبايعه اذ لا ذكر له في السماوات.

و ان عرفت ما ذكرنا ان هذه السماوات هي سماوات الدنيا و البرزخ و القيامة و هذه الارض هي ارض الدنيا و ارض البرزخ و ارض القيامة و كذلك بدن زيد هو بدنه الدنياوي و البرزخي و الاخروي ولكن الجاهل لايعرف البدن الدنياوي حتي يعرف البدن البرزخي او الاخروي و ذلك انه لايعرف زيدا و يحسب الاعراض منه فيحسب المادة العرضية مادة زيد و

 

 

«* مکارم الابرار عربي جلد ۴ صفحه ۲۳۰ *»

الصورة العرضية صورة زيد و قد عرفت ان النبات اسم للصورة النباتية و الحيوان اسم للصورة الحيوانية و ما لم‌يخلع مادتهما صورتهما لم‌تلبس الصورة البدنية للانسان فما ذهب منهما و خلع من الصورة لم‌يصر مادة للبدن الانساني بالبداهة و الباقي بعد ذهابهما ليس بنبات و لا حيوان الاتري انه اذا وقع كلب في الملاحة و صار ملحا ليس مادة‌ الملح الكلب و قد ذهب الصورة الكلبية و الذي بقي هو ليس بكلب و لا بمادة كلب ذاتية و انما هي المادة العرضية للكلب العرضي فكذلك ليس يصير النبات مادة بدن الانسان و انما يصير مادة النبات العرضية مادة عرضية لصورة البدن و ستخلع هذه الصورة و تلبس اخري فلاتخصص لها بشيء دون شيء و المادة الذاتية لشيء ليس تلبس صورة ‌غير صورته فمادة بدن زيد غير هذه التي خلع النباتية و لبس البدنية بل بدن زيد هو صورة قائمة بمؤثره دهرية لا الصورة المتممة المشهودة بل الصورة‌ البدنية الزيدية الانسانية المستمرة من الصغر الي الكبر الي الموت التي لو عاش الي آخر الدهر استمرت و هي دهرية لا دنياوية و هي غير البدن الظاهري بمادته و صورته و هي البدن الاصلي و هي الاجزاء الاصلية لبدن زيد و هي لها مادة ذاتية لا تكون مادة‌ لغيرها و كذلك علي روح زيد البخاري السماوي صورة نوعية مستمرة‌ و لها مادة‌ ذاتية غير هذه المادة البخارية العرضية و صورة غير صورة‌ البخار الزماني فروح زيد اسم تلك الصورة و بدن زيد اسم تلك الصورة و هما اصليان لزيد لا عرضيان كانا اودعا في هذه الاغذية و هما النطفة التي نزلت و وقعت علي الاغذية و الحبة‌ الفعلية التي غرست في ارض المواد الدنياوية و صارت بالقوة ثم استخرجت و لعل الله سبحانه يودع في غذاء واحد نطفة‌ الف الف الف انسان و لاتصادم بينها و لاتحسبن من قولي ان بدن زيد صورة انه صورة كهذه الاعراض تخطيط محض بلامادة بل سميناه صورة بالنسبة الي فعل المؤثر كما نسمي التراب صورة و الماء صورة و الا فله مادة و صورة مثل ما للجبل من المادة و الصورة بالجملة بدن زيد هذا الذي في الدنيا بدن زيد، هو بدن زيد في البرزخ بعد ما فارق المادة العرضية و تركها لغيره فيبقي مستقلا قائما بمبادي علله قيام

 

 

«* مکارم الابرار عربي جلد ۴ صفحه ۲۳۱ *»

صدور و بمادته و صورته قيام ركن و مادته بصورته قيام ظهور و صورته بمادته قيام تحقق و الباقي هو بدن زيد البرزخي و الروح الباقي بعد الفراق روح زيد البرزخي و هو و ان كان مجردا عن المواد العرضية الدنياوية الا انه ليس بمجرد عن الاعراض البرزخية فان البدن الباقي غيب البدن النباتي و الروح الباقي غيب الروح الحيواني و ليسا انسانا صرفا فيكسر مرة اخري و يزول المادة الحيوانية التي تصلح لكل حيوان و النباتية التي تصلح لكل نبات فينزع عنهما صورة زيد الخالصة فالصورة الزيدية الخالصة المنتزعة عن الروح الحيواني روح زيد و الصورة المنتزعة عن بدن زيد النباتي بدن زيد الحقيقي و هما متجانسان يأتلفان ايتلافا تاما فافهم ان كنت تفهم.

واعلم ان روح زيد هو مثاله المستجمع لجميع المراتب العالية فاذا نفخ في الصور و جذب العالي ما اعطاه تفرق الروح الحيواني كتفرق الروح البخاري هنا و بطل فخلع مادته تلك الصورة الحيوانية البرزخية و انحلت المادة‌ في الطبيعة و نزعت عنها نفسها و عنها روحها و عنها عقلها و عنه الفؤاد فلايحس شيئا فاذا نفخ في الصور للدفع عاد فؤاد ذاتي في عقل ذاتي و عادا في روح ذاتي و هكذا في نفس ذاتية و طبع ذاتي و مادة ذاتية و مثال ذاتي في جسد ذاتي و بقي خالدا مخلدا فافهم ان كنت تفهم و ان فهمت مما ذكرت شيئا غير ظاهر الشرع لم‌تفهم مرادي فاني ما قصدت غير ما وصل عن الشرع في ظواهر الاخبار و صلي الله علي محمد و آله الاطهار.

عائدة _ ان لزيد مواد ذاتية و مواد عرضية و صورا ذاتية و صورا عرضية ألاتري ان زيدا هو زيد سواء جلس في هذا المكان او ذلك المكان و كان في هذا الوقت او وقت آخر و علي هذا الكم و الكيف او علي كم و كيف آخر و في هذه الجهة و الرتبة او في جهة و رتبة‌ اخري و كذلك تتبدل مواده بالتحلل و يجيء البدل دائما فزيد اليوم ليس بزيد قبل ذلك بثلثين سنة‌ لا بمادته و لا بصورته فهذه المادة و

 

 

«* مکارم الابرار عربي جلد ۴ صفحه ۲۳۲ *»

الصورة عرضية له و له مادة و صورة ذاتية و هما اللتان من اول نشوه تكونان له الي آخر الابد و هما شرطا كونه زيدا و بهما يكون زيدا و تلك المادة الذاتية‌ هي الاجزاء الاصلية و قد نزلت من بحر صاد الي شجرة‌ المزن و نزلت الي مواد هذه الدنيا و استجنت فيها فاذا اكلها الانسان لم‌تصر غذاء لبدنه و انما يصير مواد الدنيا غذاء له و تلك الاجزاء فوق هاضمة البدن و تكون في الدم ثم في النطفة و تشرع في الظهور شيئا بعد شيء الي ان يوجد زيد و هي غير هذه المواد بالكلية فهذه المواد اذا عادت عادت عود ممازجة و اما تلك الاجزاء اذا عادت عادت عود مجاورة لانها فعلية ممضاة فلاتعدم و لاترجع الي القوة و كذلك شأن كل ما وصل الي حد الامضاء فلايرجع الي القوة لايضل ربي و لا ينسي و تلك الاجزاء الاصلية‌ هي المادة الذاتية و صورتها الصور الشرعية و تلك الاجزاء هي التراب الذي يموثه الملك بين النطفتين ليأتلفا و هي عرضها من ارض هورقليا و ذاتها من ارض الاخرة و المراد بالارض ارض الطبايع فمن ارض الطبايع الاخرة اخذ الاجزاء الاصلية لبدن زيد و كذلك لروحه اجزاء اصلية هي مادة روحه و من ارض طبايع البرزخ اخذ الاجزاء الاصلية البرزخية لبدنه و من ارض الطبايع الدنيا اخذ اجزاء لبدنه الدنياوي الا ان ما للدنيا و البرزخ عرضي و ما للاخرة ذاتي بالجملة تلك الاجزاء ما به و بصورته زيد زيد و هي فعلية ممضاة فهي صورة للانسان الكلي اذ جميع الانسان ظهوراته و لكل انسان مادة‌ هي ظهور الانسان الكلي و صورة من خصوصيته و ما به يمتاز عن غيره فزيد بالنسبة الي الانسان الكلي كبدن زيد هنا بالنسبة الي الجسم الكلي و بدن زيد له صورة بها يمتاز عن بدن غيره و لها حصة من مادة‌ طبايع هذا العالم و قد عرفت ان كل هذه الطبايع و اكوانها صور الجسم المطلق و متمماته فكذلك زيد بمادته و صورته صورة للانسان الكلي و اما هذه المثل المطروحة من بدن زيد فترجع الي شاخص عرضي دنياوي و صورة ذلك الشاخص من مادة طبايع هذه الدنيا و البدن الدنياوي مستودع زيد لانه يكون غدا بدن غيره و ليس المثل المطروحة من زيد و الي زيد و ان كان فعل زيد قد اثر في البدن الدنيا فاذا خرب البدن يبقي نفس زيد و فعلها

 

 

«* مکارم الابرار عربي جلد ۴ صفحه ۲۳۳ *»

و اشراقها علي حسبها و ان كان في البدن مصبوغا بصبغ البدن و القي البدن مثلا علي حسبه و ليس حد مشترك تلك المثل بزيد فانها البدن الاتري ان عكس الشعلة في المرايا ترجع الي الشعلة لا الي النار فان النار ليس بصفراء و لابمخروطية و لا حمراء و لا خضراء فهي من الشعلة و الي الشعلة و هي تتغير بتغير البدن دائما و زيد زيد في جميع احواله فافهم راشدا موفقا.

عائدة _ اعلم ان الزمان وقت الجسم و الجسم هو هذه المشهودا و لها مادة‌ زمانية‌ و صور فماديتها اهبيتها و صورها ما تري علي تلك المادة من صور الجمادات و النباتات و الحيوانات و ساير الموجودات و هذه صور عرضية لتلك المواد و تلك المواد ايضا مواد عرضية لتلك الصور و لم‌تتصور تلك المواد بتلك الصور الا بتكميل مكمل و فعل فاعل فتلك الصور صادرة من فعل الفاعل ظاهرة علي تلك المواد قائمة بمؤثرها الا انها علي حسب قابليتها اي المادة فاذا زال فعل الفاعل زوالا زمانيا زال الاثر في الزمان و ذلك محسوس و الاشباح الزائلة عن لوح الزمان تثبت في الدهر و كذلك الاشباح المستقبلة في الدهر و الذي في الزمان هو شبح الاشياء في آننا هذا فليس شيء من الزمان موجودا الا هذا الان و هذا معني :

ما فات مضي و ما سيأتيك فاين

قم فاغتنم الفرصة بين العدمين

فاما ما مضي من الاشباح و رسمت في الدهر هل هي بتفاصيل الصور و كثرتها او هي مرسومة في الدهر علي نهج الوحدة فالحق انها في الدهر مرسومة علي نهج الوحدة بمعني ان النفس الكلية‌ هي لوح الدهر و تلك الصور وجوهها في تلك النفس فانها كانت علتها اول مرة منها بدأت فاليها عادت و هي اللوح المشار اليه في قوله و كل شيء احصيناه في امام مبين و آية ارتسام الصور في تلك اللوح العلوم التي تعلمها في نفسك ليس هناك خزانة يكون فيها مثل العلوم مخزونة منضدة فالنحو في كسر و الصرف في كسر و الاصول في كسر و الحكمة في كسر البتة ولكن النفس بسبب اكتسابها هذه العلوم حصل لها ملكة و صورة‌ نوعية هي وجوه

 

 

«* مکارم الابرار عربي جلد ۴ صفحه ۲۳۴ *»

ما تعلم فكلما ارادت اظهار شيء اخرجت من تلك الخزانة ما ارادت و ابدعت في خيالها فانزلها الي حسها المشترك و الي اعضائها و ابرزته كما انه ليس في نفسك صورة جميع الحركات و صورة جميع الحروف التي تكتبها من اول عمرك الي آخره و انك عالم برسم كتابة‌ كل حرف و كلمة و نقش كل صورة و ليست منضدة في نفسك هذا و في المشاعر الباطنة ليس بموجود ما لايريده الانسان فالعلوم التي لست متوجها اليها ليست بموجودة في مشاعرك و الحافظة ليست بقوة تخزن فيها الصور كما زعموا بل الحافظة هي النفس و الصور فيها ايضا صورة‌ نوعية لها و كلما تزداد علما تتغير تلك الصورة و تتلطف و تترقق و تتسع فاذا حصل لها تلك الصورة النوعية حصلت لها قوة‌ تقدر علي انشاء ما ارادت كما تقدر بها علي كتب ما اردت من الحروف و الصور.

و ان قلت ان النفس وحدانية‌ كيف تقدر علي انشاء هذه الكثرات؟ قلت ليست وحدانية و انما هي مصورة مخططة ممتازة بصور مجردة ملكوتية ذات طبايع جوهرية مجردة ملكوتية نعم هي بالنسبة الي ما دونها من مظاهرها وحدانية فيقع شبحها و مثالها في القوابل البرزخية فيحدث فيها لها عاقلة‌ و عالمة و واهمة و متخيلة و متفكرة كما يقع شبح روحك الحيوانية في القوابل الدنياوية فيحدث فيها باصرة و سامعة و ذائقة و شامة و لامسة و الروح وحدانية بالنسبة لكن لها دراكية مطلقة اذا وقع شبحها في القوابل البدنية تعينت بالحواس الظاهرة كذلك النفس حرفا بحرف دراكة‌ فعالة مطلقة‌ اذا وقع شبحها في الجسم البرزخي تعين هناك بالمشاعر فادركت بكل واحد ما يشاكلها و الفرق بين المشاعر و الحواس ان الحواس جامدة لاتقدر علي التصورات من ذات نفسها الا ان يقابلها شيء و المشاعر رقيقة لطيفة تقدر علي التصور كيف ما شاءت و ارادت سريعة التحول و الانقلاب يعني ان من امكاناتها التصور بكل صورة كما ان من امكانات بدنك الحركة بكل جانب و لغلظته لاتقدر ان تحمرها و تسودها ولكن لو كان رقيقا و اخلاطه رقيقة كانت سريعة المطاوعة و كنت اذا اردت تحميره هيجت دمه او تسويده هيجت سوداه كما انك في التحريك تهيج حرارته و في السكون برودته فطبايع المشاعر جوهرية رقيقة فتتهيج بمحض ارادة النفس

 

 

«* مکارم الابرار عربي جلد ۴ صفحه ۲۳۵ *»

فاذا ارادت النفس الغضب صدر منها منافرة ملكوتية و يقع شعاعها في المشاعر فتهيج حرارتها و يبوستها فيعلو عليها طبع النار و آثاره و صفاته و لونه و شكله و هكذا فينزل منها الشبح الي الحس المشترك فألي الروح البخاري فألي الاخلاط فتتحرك الصفراء فتري آثار الغضب في البدن و كما تظهر في البدن تظهر في المشاعر و كذلك في جميع ما يحصل لمشاعرك فاذا ارادت النفس تصوير شيء غير موجود تغير الخيال علي هيئة ارادتها فيصير كمرآة مصبوغة عوجاء فينصبغ شبح النفس فيه فيتعين علي صورة ذلك الشيء كما يتعين شبح الروح في العين بصرا ثم ينزل منه الي الحس المشترك ثم اي الروح البخاري ثم الي البدن و يظهر آثاره في اللسان و الاعضاء و قد يصعد الاصباغ من الاسفل و علي اي حال للنفس اكتساب جزئي من خياله مع انها تكسبه المدد الكلي.

و ان قلت ان هذه المثل المطروحة التي دخلت في ملك الله و لاتخرج من ملك الله اين تذهب و اين محلها؟

قلت انها كانت في الدنيا فمحيت عن لوح الدنيا حين اريد اثبات غيرها فلما محيت ردت الي قابلية‌ المادة لانها خرجت منها ثم بعد الكسر فيها و الانحلال فيها انحلالا زمانيا كتب في لوح الدهر كما كانت اول مرة‌ في لوح الدهر و نزلت الي بحر المادة فتسفخت فيه ثم صارت بالفعل كنتم امواتا فاحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم فاذا شاعت في بحر المادة اعيدت في الدهر و انما كسرت لتزول اعراضها فتليق بالدهر فاثبتت بعد المحو من لوح لزمان في لوح الدهر اما صفة‌ ثبتها ان الدهر هو عرصة النفوس لا عرصة الشخصيات الزمانية و عرصة النفوس لها بالنسبة الي الزمان اطلاقية و نسبتهما نسبة الماء المطلق و ما في الاواني فاذا محيت المثل من هنا اثبتت في النفوس بوجوهها لا بانفسها كما انك تكتب الف علي القرطاس و كان وجهها في نفسك ثم نزلت و ظهرت علي حصة من المداد فلما محوتها عن القرطاس بقي وجهها عندك و كذلك يبقي وجوه جميع الصور في لوح النفس و اعيانها قد محيت عن لوح الزمان نعم اعيانها تبقي في لوح علم الله الازلي الذي يحصي كل شيء و يري الزماني في الزمان و الدهري في الدهر و السرمدي في السرمد و لكن الزماني في الدهر يكون بوجهه لا بنفسه فوجه

 

 

«* مکارم الابرار عربي جلد ۴ صفحه ۲۳۶ *»

مثل العالم باجمعها في النفس الكلية و ما اطلع عليه زيد و احدثه في نفسه و ليس في نفس زيد ما لم‌يحدثه او لم‌يطلع عليه و تلك الوجوه ايضا ليست في النفس وجوها مفصلة ممتازة بل تجتمع فيه علي نحو الوحدة فتصير جميع الوجوه لها في ذاتها ملكة واحدة تقتدر علي ابرازها في افعالها كما ان الروح البخاري له ملكة الابصار و السمع و الذوق و الشم و اللمس و الحركة و السكون و يبرز ما يشاء بفعله لا في حد ذاته بل في البدن كذلك النفس لاتبرز ملكاتها في حد ذاتها بل في البدن و المشاعر الباطنة و اذا كان يوم القيامة ظهرت النفس و لها سلطنة و قدرة و خلاقية بقدر قوة ملكتها لهم ما يشاؤن فيها و لكم فيها ما تشتهي الانفس و تفاصيل احداثها تظهر في افلاك عاقلتها و عالمتها و واهمتها و متفكرتها و متخيلتها مواقع الجنان السبع و هي في مقام الكرسي بنفسها و لها يوم القيامة حقايق هذه المظاهر لا برزخيتها العرضية الزايلة و سماوات الدنيا هي سموات البرزخ و هي سماوات الاخرة و كذلك الارضون و كما ان كرسي الدنيا نفسها و الافلاك مشاعرها كذلك في الاخرة و كما ان ارضي الدنيا جسد النفس كذلك ارضي الاخرة جسد الاخرة و ليس عالم البرزخ الا افعال النفس المتعلقة بالجسد فما في الجسد من المثل لو نزعت هي البرزخية و اذا جردت هي الاخروية.

و المراد بالمثل المثل الكلية مثلا للعرش مثال كلي في كل حالات العرش و كذلك للكرسي و الافلاك و العناصر و كذلك للمواليد و لزيد مثال نوعي كلي في جميع حالاته هو المثال البرزخي و هو فعل النفس المتعلق بالجسد و اما الجزئيات فهي متممات تلك الصورة النوعية و تلك النوعية نوعية الدنيا و ليست خالصة عن شوائب الاعراض فاذا كسرت استخرج منها نوعية خالية عن مسحة الدنيا التي في البرزخ فاذا مات الانسان نزع صورة نوعية من جسده و صورة نوعية‌ من روحه البخاري فصورة الجسد يبقي في الارض في قبر طبايعها مستديرة ميتة و صورة روحه حية بالساهرة و لهما مادة و صورة دهرية فطول البرزخ الجسد ميت في قبره و الروح في نعيمه مثلا الي نفخ الصور فيبطل الصور البرزخية ايضا اي تتفكك و تعود الي الطبايع فتمتزج اعراضها البرزخية مع اصولها و يستخرج عنها صورة روح جوهرية مجردة و صورة جسد

 

 

«* مکارم الابرار عربي جلد ۴ صفحه ۲۳۷ *»

جوهرية مجردة و هي زيد بما هو زيد كما اذا انتزعت عن الارض الجسم و عن السماء الجسم فيتحدان اتحاد خلود طول الدهر و لا نهاية فله روح و جسد و قبضات عشر من بسايط عالمه الخاص به لاتصلح لغيره و تكون جنانه في سماواته و جهنمه في ارضه فله ما يشاء في جنانه و ما يتألم منه في ناره و جنة المؤمن روضة من رياض الجنان الكلية و نار الكافر حفرة من حفر النيران فافهم راشدا موفقا.

و اما امر المثل الجزئية المخلوعة من هذه المواد العرضية الدنياوية كصورة صلوته و سرقته مثلا فانها اذا خلعت ترد الي المادة زمانا ثم تطلع عنها في الدهر غير محتاجة الي المادة الزمانية قائمة بوجوهها النفسية‌ و بموادها و صورها مكتوبة في غيب مكانها و وقتها و غيب الزمان الدهر و غيب المكان مكان الدهر و لما كانت مؤثراتها دهرية كانت الاثار قائمة في الدهر الا انها تصفي للحضور في الاخرة و آثار تلك المثل عائدة الي النفس و هي طائرها لازمة عنقها و تلك الاثار هي كتابها الذي تقرأوها و هي مستنسخة من كتاب علم الله و نفس تلك المثل كتاب علم الله قال فما بال القرون الاولي قال علمها عند ربي في كتاب و هي الصحف المنشورة و مكانها علي نحو التطابق مع هذه الدنيا في الجملة في عالم المثال و تجيء يوم القيامة علي حسب النفوس لا المثل و عالم المثل يفني كما ان عالم الدنيا يفني و لايفني عن علم الله و انها باقية في علم الله كما ان الدنيا باقية في علم الله و انما الفاني من كل فان الصورة الكونية لا العلمية و لاجل انها لاتجيء في الاخرة تستر علي المؤمن الذي ليس اتصالها به ذاتيا فلايشاهدون اهل القيامة صورة المؤمن في حال السرقة لان الله يستر القبيح علي المؤمن فافهم و شاهد آخر ان المتكبر في الاخرة علي صورة الذر و الخبيث النفس علي صورة الخنزير فافهم.

و اما عالم المثال فالذي يذهب اليه المثال النوعي المنزوع من هذا الروح و الجسد و النوعي المنزوع من ذلك النوع الاول هو الذي يذهب الي الاخرة و المثل الجزئية تحت رتبة النوع و هي مرسومة في صفحة علم الله و وجوهها في عالم البرزخ و وجوه وجوهها في عالم الاخرة و كذلك مثل عالم البرزخ تخلع و

 

 

«* مکارم الابرار عربي جلد ۴ صفحه ۲۳۸ *»

تبقي في علم الله و وجوهها في الاخرة فافهم راشدا موفقا.