04-03-02 جوامع الکلم المجلد الرابع – شرح العرشية الجزء الثالث – مقابله – القسم الثانی

شرح العرشية الجزء الثالث – القسم الثانی

 

من مصنفات الشیخ الاجل الاوحد المرحوم

الشیخ احمدبن زین الدین الاحسائی اعلی الله مقامه

 

قال } فاعلم يا حبيبي انا جئنا الي هذا العالم من جنة الله التي هي حظيرة القدس التي قدّس بها المقدّسون و منها الي دار الحيوان و جنّة الابدان و منها الي هذا العالم دارِ العمل بغير جزاۤءٍ و نذهب من هذا العالم الي دار الجزاۤء من غير عمل فمن سلمت منّا فطرته و حسنت اعماله فالي جنة الله ان كان من المقربين الكاملين في العلم او الي جنة الحيوان ان كان من اصحاب اليمين و يبقي من ساۤء عمله و اسودّ قلبه تحت نارِ غضب الله في جهنم خالداً فيها ما دامت السموات و الارض الّا ما شاۤء ربّك ان ربّك فعّال لما يريد { .
اقول اعلم يا حبيبي انّ اللّه سبحانه ضرب الامثال لعباده و قال سنريهم اياتنا في الافاق و في انفسهم حتي يتبيّن لهم انه الحقّ ، و قال الصادق عليه السلام العبوديّة جوهرة كنهها الربوبيّة فما فقد في العبودية وجد في الربوبيّة و ما خفي في الربوبيّة اُصِيبَ في العبوديّة الحديث ، و قال الرضا عليه السلام قد علم اولوا الالباب ان الاستدلال علي ما هناك لايعلم الّا بما هاهنا ه‍ ، و من الايات المداد فانه ماۤدّة صالحة للاسم الطيب مثل الله و للاسم الخبيث مثل ابليس لم‌يتميّز الخبيث و الطيب الا بالصورة و كالخشب صالح للباب و السرير و للصنم لم‌يتميّز الطيب و الخبث الّا بالصورة و هذه ايات اللّه التي ضربها في الافاق و نحن خلقنا هكذا من ماۤدة واحدة كما قال تعالي كان الناس امة واحدة فبعث اللّه النبيين مبشرين و منذرين ، و من هذا اذا رأيتَ رجلين قاعدتين فنسبتهما قبل الاختبار اليك واحدة فلمّا امرتهما و اطاع واحدٌ باختياره و عصي واحد باختياره كان المطيع بطاعته مطيعاً مقرّبا عندك طيّب الاصل طاهر القلب و لم‌يكن شي‌ء من هذه الاحكام الّا بطاعته مختاراً و كان العاصي بعصيانه عاصياً مبعّداً عندك خبيثَ الاصل نجس القلب و لم‌يكن شي‌ء من هذه الاحكام الّا بعصيانه فالماۤدّة بالطاعة التي هي صورة من صور الرحمة و من الجنّة تكون طيبةً منيرة و بذلك تكونُ من النور لا بمعني ان الطاعة كاشفة عن كون المادة طيّبةً بل بمعني انّ الطاعة تقلِبُ

 

«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 736 *»

المادة الي حقيقتها بمعني ان اللّه سبحانه يقلب المادة بالطاعة نوراً و يجعلها بها طيّبة و يقلب الماۤدةَ بالمعصية مظلمة و يجعلها بها خبيثةً كما قال تعالي بل طبع اللّه عليها بكفرهم و ليس كما توهّمه المصنف و الاكثر من ان الماۤدّة الطيبة خُلِقت من النور ابتداۤء و اختراعاً لا من حيث قابليتها و ان المادّة الخبيثة خلقت من الظلمة ابتداۤء و اختراعاً لا من حيث قابليّتها بل لا مدخل لشي‌ء في طيب الطيبة و خُبث الخبيثة سوي نفس فعل الله تعالي و مشيته خاۤصة و قد ملئوا من هذا المعني الكتب و الدّفاتر و السطور و القلوب و الخواطر و الصدور و هو غلط لايأول الي شي‌ء من الحقّ بل الحق ما اشرنا اليه و التحقيق ما نبّهناك عليه من ان كل ما خلقه اللّه تعالي فمن مادةٍ متماثلة في اجناس الجواهر و في انواع الاجناس و في افرادِ الانواع فميّز بين اجناسها بالمميّزات الجنسيّة و ابان بين انواعها بالمميزات النوعيّة و عيّن بين اشخاصها بالمميزات الشخصيّة و كل شي‌ء من المميزات في المراتب الثلاث امرٌ وجودي حقيقي لا اعتباري و هي حدود قابليات الاشياۤء للايجاد و بها ميّز بينها و بها احدثها و بطيّبها جعل المميّز بها طيّبا و بخبيثها جعل المميّز بها خبيثا لانه تعالي خلق الماۤدة صالحة لكلٍّ من الامرين بما جعل فيها من التمييز و الاختيار فجعل عز و جلّ ما اجاب دعوته الاجابة الحسني طيّبا باجابته و نوراً بقبوله و جعل ما اجاب دعوته الاجابة السوۤءي خبيثاً بانكاره و ظلمة بعدم قبوله و ما تسمع من احاديثهم عليهم السلام من انه تعالي خلق ذلك الشي‌ء من النور فمعناه انه خلق مادته بقبولها الدعوة التي امر بها من النور و خلق صورته من الجنّة بما اختار من لباس التقوي و خلق ذلك الشي‌ء من الظلمة بمعني انه خلق ماۤدته بعدم قبولها للدعوة التي امر بها من الظلمة و خلق صورته من النار بما اختار من لباس المعصية و حيث ان المصنف لايفهم الّا ان الطيب خلق ابتداۤء و اختراعا طيبا و الخبيث خلق ابتداۤء و اختراعا خبيثا قال مشيراً الي اصل الاختراع يا حبيبي انا جئنا الي هذا العالم من جنّة الله التي هي حظيرة القدس التي قدّس بها المقدّسون و المراد بالحظيرة القدس الجنة و القدس الطهر بمعني انها مقدسة هي و ما فيها من الموت و الفناۤء و الهرم

 

«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 737 *»

و السقم و الغم و الهمّ و الجهل و الدثور و الزوال و التغيير و الانتقال و التعب و النصب و اللغوب و عن كل ما لاتشتهيه الانفس و تلذّ الاعين و عنده انهم جاۤؤا منها في اصل الاختراع و عندنا انهم جاۤؤا بحقيقةِ ما هم اهله و ان كان كلّ نعمِه۪ ابتداۤء و بيان السرّ دقيق يحتاج الي تطويل كلامٍ و قد اشرت اليه سابقاً و مرادهُ بقوله المقدّسون ان اهل الجنة من المقربين مجرّدون عن المواۤدِّ و الصُّور لاحقون بالارواح القادسة التي لم‌تدخل تحت كن بل و ليسوا من سوي الله سبحانه و هذا كثيراً ما يلوِّح به و يصرّح و نحن قد بيّنّا بطلان هذا كلّه فيما مضي من هذا الكتاب و في شرح‌المشاعر و غيره بل هم كغيرهم من اصحاب اليمين في التركيب من المواد و الصور و الافتقار الي المدد و ان كانوا بنسبة حالهم و قوله و منها الي دار الحيوان و جنة الابدان يعني بها رتبة النفس الحيوانية الحسّاسة الفلكيّة او النفس الناطقة القدسيّة التي هي صدر العقل لا النفس العليا الّتي هي رتبة الفؤاد فانها الرتبة الاولي السابقة و هم اصحاب اليمين في الجنة الّذين نعيمهم في لذّات المطاعم من المأكل و المشارب و الملابس و المناكح و منها الي هذا العالم و هو دار العمل بغير جزاۤء و هذا يريد منه بيان القوس النزولي اجمالاً و الرجوع في القوس الصعودي علي عكس الترتيب علي نحو ما اشرنا اليه سابقاً و هو قوله و نذهب من هذا العالم الي دار الجزاۤء و يريد ان الدنيا دار تكليف و عمل بغير جزاۤء الخ ، و هو في الظاهر لا بأس به علي نحو الاجمال و الّا ففي الحقيقة ان هذه الدار دار التكليف بما تكره النفوس و قد يقع الجزاۤء فيها لبعضِ الاعمال لانّ جزاۤء الاعمال يقع في دار نوع الاعمال فان كانت دنيويّة وقع جزاۤؤها في الدنيا كدفع البلايا و اِدْرار الرزق و دفع الٰالام و الفقر و بالعكس في عقوباتها و ان كانت برزخيّة وقع جزاۤؤها في البرزخ كنعيم الروح و نعيم الاجساد في القبور و بالعكس في عقوباتها و ان كانت اخرويّة وقع جزاۤؤها في الاخرة بانواع النعيم في الجنّة و انواع العذاب في النار و امّا الاخرة ففيها تكليف بما تشتهيه الانفس و تلذّ الاعين و ذلك لما برهن عليه في محلّه ان المخلوق لايتعلّق به الايجاد و التكوين و التمكين من التكوين و

 

«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 738 *»

التمكين من البقاۤء و لا البقاۤء الّا بالتكليف و هذا مما لا ريب فيه عند اولي الالباب و قوله فمن سلمت منا فطرته و حسنت اعماله فالي جنة اللّه ان كان من المقرّبين الكاملين يريد بجنة الله التي يكون نعيمهم فيها بمناجاته و لذيذ كلامه و سكر معرفته لانهم حينئذ مقدّسون مجردون عن جميع الاكوان و هذا بناۤء منه علي مذهبه من وحدة الوجود لانهم حينئذٍ ليسوا غير الله و قد بيّنه في باب اتحادِ المعقول بالعاقل و المفعول بالفاعل و المحسوس بالحاۤس و نحن قد بيّنّا مراراً بطلان هذا القول و بطلان اصل هذه المسئلة رأساً و ايضا لو كانت الاشياۤء قبل التكليف و قبل ما يترتّب عليه مخلوقة من الجنّة ابتداۤء لعادت الي الجنّة من دون ان تتّصف نفسها و فطرتها بالسلامة من التقصيرات و حسن الاعمال اذ كل شي‌ء يعود الي ما خلق منه و لمّا ثبت انها لاتعود الي الجنّة الا اذا سلمت فطرتها و حسنت اعمالها دلّ علي انّها لم‌تخلق من الجنّة الّا بسلامة فطرتها و حسن اعمالها فافهم و قوله فالي جنّة الله يعني به ان المقربين يرجع امرهم الي جنّة اللّه التي يكون نعيمهم فيها و لذّاتهم و شهواتهم بلذيذِ مُنَاجاتِه و النظر الي وجهه لا غير ذلك و نحن قد بيّنّا انّ المقربين افضل نعيمهم و لذاتهم المناجاة و الذكر و النظر و لهم تنعّم بالمأكل و المشارب و المناكح و ان كانت قرّة اعينهم و تنافسُهم في المناجاة بان يسمعوا كلامه و خطابه و يسمع دعاۤءهم و يذكرهم بما يذكرونه و يراهم بما يرونه و لاجل ذلك قال و يطاف عليهم بانيةٍ من فضّة و اكواب كانَتْ قواريراً قواريرا من فضّة قدّروها تقديراً و يسقون فيها كأساً كان مزاجها زنجبيلاً عيناً فيها تسمي سلسبيلاً و هذه الايات نزلت في سادات المقربين و انّ اصحاب اليمين لهم حالات كحالات المقرّبين من المناجاة و الاستماع و الرؤية بنسبة حالهم لاشتراك الفريقين في احكام العبوديّة و في الظهور في مظاهر الربوبيّة كما اشار اليه سبحانه بقوله و اذا رأيت ثم رأيتَ نعيما و ملكا كبيرا الّا ان كل طاۤئفة تقبل بنسبة جوهرها و طينتها

 

«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 739 *»

و قوله و يبقي من ساۤء عمله و اسودّ قلبه تحت نار غضب اللّه في جهنّم خالداً فيها الخ ، يعني انّ من حسن عمله و ابيضّ قلبه رفعته اعماله الي علّيين و من ساۤء عمله و اسودّ قلبه بقي في سجن طبيعته لثقل اغلال اعماله فحطّته الي اسفل سافلين الذي هو محل غضب اللّه و ظاهر كلامه في قوله و يبقي من ساۤء عمله انّ الكلّ مخلوقون في البعد فرفعت المقرّبين اعمالهم الي عِلّيّ۪ين و بقي في مقام البعد مَن ساۤء عمله اي لم‌ترفعه اعماله و ليس الامر كذلك و يحتمل انّه اراد بقوله يبقي معني يمكث كما تف۪يده القراۤئن و المراد بقوله تحت نار غضب اللّه تحت قاهرية غضب اللّه الّتي يظهر عنها التعذيب بنار جَهنّمَ و قد اشرنا سابقاً و يأتي انشاۤء اللّه الي اَنّ الثواب و العقاب متقوِّمان بالاعمال لان الاعمال صور الثواب و العقاب و ماۤدّة الثواب و العقاب اشراق من امر اللهِ الذي به قامَ كلّ شي‌ءٍ تَحَصَّصَ ذلك الاشراق بصور الاعمال و هذا الاشراق يحمله امر الله و نهيه القوليّان المتعلقانِ بافعال المكلّفين فاذا وافق عمل المكلّف امر الله و نهيه خلق تعالي منهما الثواب و ان خالف خلق منهما العقاب فالعمل كالفصل لحصَص الجنس و كالمشخصات بل هو المجنّس و المنوّع و المشخّص لانه في الحقيقة هو الصورة و لاجل كون الاعمال صور الثواب و العقاب قال تعالي و ماتجزون الّا ما كنتم تعملون

، و اصل ذلك ان الامداد و المدد اللذانِ لايستغني المخلوق عنهما لا في التكوين و لا في البقاۤءِ منحصران في الرحمة و الغضب و امتثال امر اللّه و اجتناب نهيه طريق رحمته و مخالفتهما طريق غضبه فمن اطاع دخل باختياره الرحمة لانّ ذلك ثمرة عمله و من عصي دخل في الغضَبِ باختياره لانه ثمرة عمله و ليس في الدنيا و الاخرة الّا دار الرحمة او دار الغضب فمن خرج عن احديهما دخل في الاخري و هذا حكم الدارين و اهلهما خالدين فيها ما دامت السموات و الارض امّا اهل الجنّة فمنعّمون فيها ابداً و يشتدّ نعيمهم فيها علي مر الدهور المتطاولة بلا نهاية لزيادة النعيم و اشتداده و دوامه و امّا اهل النار فمعذّبون فيها ابداً و اهل التّصوف كابن‌عربي و عبدالكريم الجيلاني و ابن عطاۤءالله و

 

«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 740 *»

البسطامي و امثالهم من العاۤمة و اتباعهم من العامة و الخاۤصّة كالمصنف علي ما نصّ عليه في شواهد الربوبيّة و الملّا محسن علي ما ذكره في النّوادر و غيره و امثالهم قاۤئلون بانقطاع التألّم عنهم و رجوع امرهم الي التنعّم بالعذاب و هو خلاف نصّ الكتاب و السّنة و الاجماع كأنّهم ماقرأوا قول اللّه كلّما نضجت جلودهم بدّلناهم جلوداً غيرها ليذوقوا العذاب او قرأوه و مافهموه و اصل هذا توهّم انّ الله سبحانه عدل لايجور و لايظلم العباد و مقتضي العدل انّه لايعذِّب العاصي اكثر من جزاۤء معصيته فاذا عصي عشر سنين لو عذّب احدي‌عشرة سنة مثلاً كان قبيحاً و كان الظالم بمعصيته مظلوماً بمعاقبته اكثر من معصيته و لان العاصي اذا طال مكثه في الجحيم كانت طبيعته ملاۤئمةً لطبيعة النار و كان معتاداً بها فيتلذّذ بالعذاب كالجمرة فانها كانت خشبة فاثّرَتْ فيها النار و احرقتها حتي كانت من نوعها فانست بها بحيث لو اتاها ما ينافي النار و الاحراق كالماۤء اطفأها و افسدَها و كذلك اهل النار بعد تطاوُل الدهور و انقلاب طباۤئعهم كطبيعة اهل النار لو اُدخلوا الجنّة تألّموا بها و اضَرَّتْ بهم كما تضرّ النار اهل الجنّة لو كانوا فيها و لانّ اللّه سبحانه قال و هو اصدق القاۤئلين و رحمتي وسِعَتْ كلّ شي‌ءٍ و لا شكّ انّهم حينئذٍ من الاشياۤء فتسعهم الرحمة الواسعة و لانّهم خلقوا من النّار فاذا عادوا اليها عاد البعض علي كلّه و الشي‌ء لايحرق نفسه و امّا تألّمهم في اوّل دخولهم مع انهم اشياۤء و الرحمة تسع كلّ شي‌ء و انهم من النار خلقوا و الشي‌ء لايحرق نفسه فقد خرج بدليل خاۤصّ و قضاۤء مبرم و امثال هذه التوهّمات و هذا اصل منتقض و اساس منهدم و قد اجبنا عن هذه و اَمْثَالها في رَسَاۤئِلنا وَ مُبَاحَثاتِنا بما لا مردّ لَهُ عند كلّ من له اَدْنَي عقل و اقرب فهم و منه علي جهة الاقْتصار اَنّ العَدل الحق تعالي لايظلم النّاسَ شيئا و لكن الناس انفسهم يظلمون فانّ النِّيَّاتِ و العزيمات اعمال حقيقيّة و اعمال الجوارح آثارها فانّ مَنْ نَظر اَحاديث اهْل العصمة عليهم السلام و عرفها ظهر له ان الاخبار الداۤلة علي انّ نيّة المعصية انّما لم‌تكتب معصيةً اذا نواها و لم‌يفعل و كانت النيّة نيّة اعمال الجوارح و تركها و لم‌يعملها فانّها لاتترتّب عليها احكام الشرع في الدنيا اَمَّا لو كان المانع له من

 

«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 741 *»

الفعل عدم التمكن منه فانه يكون يوم القيمة فاعلاً لها و مؤاخذاً بهَا و هذا ممّا لا ريبَ فيه كما صرّحت به الاخبار و اتفقت عليه الفرقة المحقّة من انّ القاۤئم عليه السلام عجّل اللّه فرجه و سهَّل مخرجه يقتل قتلة الحسين عليه السلام و مَن رضِيَ بافعالهم الي يوم قيامه قصاصاً و قد ورد ما معناه لو انّ رجلا قتل رجلاً بالمشرق و رضي بذلك رجل في المغرب كان شريكاً في دمه و يؤاخذ به و يجري عليه حكم القاتل و لاجل ذلك ورد انه انّما خُلِّد اهل الجنّة في الجنّة و اهل النار في النار بنيّاتهم يعني ان اهل الجنّة في نيّاتهم انهم لو بقوا في الدنيا ابد الابد۪ين انهم يطيعون اللّه و لايعصونه و اهل النار في نياتهم انهم لو بقوا في الدنيا ابد الابدين انهم يعصون الله و لايطيعونه و بذلك العزم و تلك النيّة خلِّدوا و ذلك حيث ساوت النية العمل و قامت مقامه و كذا ما مثّلنا به من مثال الاعمال المنقوش في غيب مكان الفعل و وقته كما تقدم فراجع فعلي هذا لا فرق بين اوّل دخولهم الجنّة و بين ما بعده و امّا ملايمتهم للنار و انقلاب طبايعهم بطبعها حتّي كانوا بعضاً منها فليس بصحيح لانهم لو كانوا كذلك لم‌يكونوا ايّاهم لانّهم انّما تميزوا منها بالمميزات الّتي هي جزؤهم فانهم مركّبون من مادة جنسية او نوعية او شخصيّة و من صورة صبغهم فيها بصبغ الغضب و لو كانوا بعضا منها لماتمايزوا منها و لا في انفسهم بل مقتضي حكم بقاۤئهم لايموتوا و لايخفّف عنهم من عذابها تمايزهم داۤئما و عدم اتحادهم بها ابداً بل كلما تطاولت الدهور قويَتْ انِّيّاتهم التي هي المميزة لهم فلا اتّحاد بينها و بينهم اصلاً و امّا انّ رحمته وسعت كلّ شي‌ء فحقّ و لكنها تسع كل شي‌ء بقسميها الفَضْل و العدل فتسع المؤمنين بقسم الفضل الذي هو الرحمة المكتوبة فساكتبها للذين يتّقون و تسع المنافقين و المشركين بقسم العدل علي انّها لو اريد منها معني ما ارادوا لماتألَّم اَحدٌ لا في الدنيا و لا في الاخرة و لمااصاب احداً من الخلق شي‌ء من المكاره لان المكاره بجميع انواعها من فيح النار كما اشرنا اليه سابقاً و قولهم انّ تألّم اهل النّار عند دخولها انما هو لدليل خاۤص غلط فان

 

«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 742 *»

الدليل الداۤل علي التألّم اوّلاً داۤلّ علي التألم آخراً بل جميع الادلّة من الكتاب و السّنّة و العقل داۤلّة بصريحها عَلَي دوام التّألّم و استمرار اشتدادِه۪ علي ممرّ الدّهور و اَمّا انّ الشي‌ء لايحرق نفسه فاَوّلاً اهل النّار ليسوا بعضاً منها و ان كانَتْ صورهم من صبغ جهنّم كما انّ الانسان خلق من التراب ( الارض خ ) و ليس بعضاً من الارض مع انّ الاَرْض تبليه فكما اَنّ الاَرْض تأكلُ مَن خُلِقَ منها كذلك النّار تأكل اهلها و ان كانوا مخلوقين منها و لو كان الامر كما توهموه لَمااحرقتهم اوّل دخولهم و قوله خالداً فيها ما دامت السموات و الارض الّا ما شاۤء ربّك ان ربّك فعّال لما يريد يشير الي ما ذكر الله تعالي و في الاية توهّمان الاوّل قد توهّم قوم ان السموات و الارض تبدّل و تغيّر و تكشط فما معني ذكرها لاهل الجنّة و النّار في تعليق دوامهما علي دوامها و الثاني فتوهّم انّ الاستثناۤء ينافي الدَّوام و الجواب انّ السموات و الارض انّما يبدّلانِ تبدّل تصفيةٍ كما تبدّل اجساد المكلّف۪ين بالكسر و التصفية من غير انْ ينقص منها شي‌ء او يبدّل شي‌ء منها بشي‌ء آخر بل هي بعينها تعود و كذلك السموات و الارض لقوله تعالي سنريهم اياتنا في الافاق و في انفسهم حتي يتبيّن لهم انّه الحقّ و قد ثبت بالادلّة القطعية عقلا و نقلا ان اجساد اهل الدنيا هي بعينها اجساد اهل الاخرة لانها بنفسها تعاد لا بصورها كما توهّمه المصنّف و لا ببدلها و انّما تعاد عين مواۤدّها بنفسها من غير تبديل في نفس الماۤدة وَ اِنْ تغيّرت الصُّوَر عند كسرها و تصفيتها و صوغها فكذلك السَّموٰات و الاَرْض و الجَواب عَنِ الثاني ان الاستثناۤء قيل فيه انّه جار علي جهة التّعليم للعباد بان لايقولوا الّا مع الاستثناۤء كما قال سبحانه لنبيّه و لاتقولنَّ لشي‌ءٍ انّي فاعل ذلك غداً الّا ان يشاۤء اللّه ، و قيل انه تأديبٌ للعباد و الفرق بينه و بين الاول انّ هذا محض تأديبٍ ليتأدّبوا و الاوّل ارشاد لهم ليتم لهم مرادهم و قيل بل هو تعليق الخلود و الدوام

 

«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 743 *»

علي مشيّة اللّه عز و جل لانه سبحانه لو شاۤء افني الجنّة و النار وَ مَنْ فيهما و قيل انّ الجَنةَ منذ خُلِقَتْ لم‌تَخْلُ من ارواح المؤمنين و لم‌تخرج روح من الجنّة الّا عند معصيتها فانّها حال المَعصية خارجة من الجنّة داخلة في النار حتي تتوب فتخرج من النّار و تدخل الجنّة و كذا النار فاستثني حال معصية اهل الجنة و حال طاعة اهل النّار و قيل الاستثناۤء لحالهم في الدنيا فان المؤمنين في الدنيا لم‌يكونوا في الجنة و المنافقين في الدنيا لم‌يكونوا في النار و قيل ان الجنّة في الحقيقة هي الطاعة في الدنيا و النعيم في الاخرة و النار هي المعصية في الدنيا و العذاب في الاخرة و قيل المراد بالجنة في الاية جنّة الدنيا و النار فيها نار الدنيا و الذي افهمه من اثار اهل العصمة عليهم السلام ان الثلاثة الاُوَل كلها مرادة في الاية و الثلاثة التي تليها مرادة من الاية و مئال معناها واحد و السابع مراد ظاهره في البرزخ و باطنه في الاخرة فلاحظ .

قال } قال بعض اهل الكشف اعلم عصمنا اللّه و ايّاك ان النار من اعظم المخلوقات و هي سجن الله في الاخرة و سُمِّيَتْ جهنّم لبُعد قعرها يقال بئر جهنامٌ اذا كانت بعيدة القعر و هي تحوي الحرور و الزمهرير ففيها الحرّ علي اقصي درجاته و البرد علي اقصي درجاته و بين اعلاها و اسفلها مسافة خمسٍ و سبعين‌مائةً من السنين و هي دارٌ حرورها هواۤء محرق لا جمر لها سوي بني ادم و الاحجار المتخذة الهة و الجِنُّ لهَبُها كما قال تعالي وقودها الناس و الحجارة و قوله فكبكبوا فيها هم و الغاون و جنود ابليس اجمعون و من اعجبِ ما رُوِي عن النبي صلّي اللّه عليه و اله انه كان قاعداً مع اصحابه في المسجد فسمعوا هدّة عظيمة فارتاعوا فقال صلي الله عليه و اله اتعرفون ما هذه الهدّة قالوا اللّه و رسوله اعلم قال (ص‌) حجر القي من اعلي جهنم منذ سبعين سنة الأن وصل الي قعرها و سقوطه فيها هذه الهَدَّة فمافرغ من كلامه الّا و الصراخ في دار منافقٍ من المنافقين قد مات و كان عمره سبعين سنة فقال رسول الله صلي الله عليه و اله اللّه اكبر فعلمت الصحابة ان هذا الحجر هو ذاك و انه مذ خلقه الله يهوي في جهنم فلما ماتَ حَصَل في قعرها قال تعالي ان المنافقين في الدرك الاسفل من

 

«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 744 *»

النار فانظر ما اعجب كلام الله و ما احسن تعريف النبي صلي الله عليه و اله لاصحابه { .
اقول هو كما قال ان النار من اعظم المخلوقات و لكن ليست اعظم المخلوقات لانّها خلقت من غضبه استجير باللّه من غضب اللّهِ و غضب الله اعظم من النار و ان جهنم لاتزال خاۤئفة وجلةً من غضب اللّه و رحمته تعالي اعظم من غضبه كما قال تعالي عذابي اصيب به مَن اشاۤء و رحمتي وسعت كل شي‌ء ، و قال تعالي سبقت رحمتي غضبي نعم النّار من المخلوقات العظيمة فاعظم في كلام المصنف صفة مضافة الي موصوفها و النار استجير باللّه منها لها سبعة ابْواب كل بابٍ يسمّي باسم مخصوص كما تقدم من ان الله سبحانه جعلها سبع درجات اعلاها الجحيم يقوم اهلها علي الصفا منها تغلي ادمغتهم فيها كغلي القدور بما فيها و الثانية لظي نزاعة للشوي تدعو من ادبر و تولّي و جمع فاوعي و الثالثة سقر لاتبقي و لاتذر لواحة للبشر عليها تسعة‌عشر و الرابعة الحطمة و منها يثور شرر كالقصر كأنه جمالات صفر تدقّ من صار اليها مثل الكحل فلاتموت الروح كلّما صاروا مثل الكحل عادوا و الخامسة الهاوية فيها ملوك يدعون يا مالك اَغِثنا فاذا اغاثهم جعل لهم انية من صفر من نارٍ فيه صديد ما يسيل من جلودهم كأنه مُهْل فاذا رفعوه ليشربوا منه تساقط لحم وجوههم فيها من شدّة حرّها و هو قول الله تعالي و ان يستغيثوا يغاثوا بماۤء كالمهل يشوي الوجوه بئس الشراب و ساۤءت مرتفقا و مَنْ هوي فيها هوي سبعين عاماً في النار كلّما احترق جلده بُدِّل جلداً غيره و السادسة هي السعير فيها ثلثمائة سرادق من نار في كل سرادق ثلثمائة قصرٍ من نار في كل قصر ثلثمائة بيت من نار في كل بيْت ثلثمائة لونٍ من عذاب النار فيها حيّات من نار و عقارب من نار و جوامع من نارٍ و سلاسل من نار و اغلال من نار و هو قول الله انا اعتدنا للكافرين سلاسل و اغلالاً و سعيرا ،

 

«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 745 *»

و السابعة جهنم و فيها الفلق و هو جُبٌّ في جهنم اذا فتح اسعر النار سعراً و هو اشد النار عذابا و امّا صعود فهو جبل من صفر من نارٍ وسط جهنم و اما اثام فهو وادٍ من صفرٍ مُذَابٍ يجري حول الجبل فهو اشدّ النار عذاباً ه‍ ، و قد تقدم من تفسير القمي و انما اعدت ذكره لما فيه من الموعظة لمن كان حيّاً فجهنم اعظم الابواب السبعة و اسفلها و اشدّها و اَوْلَاها باهلها و ابعدها قعراً و انما سمّيت جهنم بهذا الاسم لشدة عمقها و بعد قعرها و في اللغة يقال بئر جهنام اذا كانت بعيدة القعر و قوله و هي تحوي الحرور و الزمهرير يعني انّ النار اجارنا اللّه منها تجمع جميع المكاره و من جملتها المكاره المتقابلة المتضاۤدّة كالحرارة و البرودة في اخر مراتبها الممكنة فتحرق بحرارتها الناريّة و الزّمهريريّة و ضابط العبارة عن مراتب مكارهِها انّ كلّ شي‌ء مكروهٍ في الدنيا اذا اشتدّ وَ تَناهَي بحيث يكون قاتلاً في الدنيا كالحرارة و البرودة و المرارة و الملوحة و الضيق و الخوف و الهم و الغم و الوحشة و الفراق و الجوع و العطش و الفقر و الخزي و النّدامة وَ اَمْثَالِ ذٰلِكَ من المكروهات اذا تناهَي و ضُوعِفَ اشتدادُه القاتِلُ اَرْبَعةٰ‌الٰافِ مَرّةٍ و تسعمائة مرّة كانت شدّتُهُ مُسَاويةً لما يماثله في النار و قس علي هذه النّسبة جميع مكاره الاخرة الي امثالها من مكاره الدنيا و قول المصنّف ففيها الحر علي اقصي دَرجَاته و البرد علي اقصي درجاته يصدق علي ما اشرنا اليه في الجملة و امّا التقدير الّذي ذكرناه فشي‌ء لٰايعرفونه و اِنْ مرّوا عليه في احاديث اهل البيت عليهم السلام و قوله و بين اعلاها و اسفلها مسافة خمسٍ و سبعين‌مائةً من السنين يدلّ علي انّ عمقها الاعظمَ هذه المَسافةُ و هذا و مثله لايعلم الّا من الاحاديث و انا الي الأن ماوَقَفْتُ علي ما يَدُلّ عَلَي هذَا الخصوص وَ لَاانكِرُ مٰا لااعلم و لكن المستفاد من الخبر المذكور بعد هذا الكلام مع ما ذكره انّ عمقها يتقدر بقدر مبلغ الهاوي فيها بحركة اعماله لا بقدر عمره كما هو ظاهر الخبر المذكور اذ لو عملنا بظاهره لزم انْ تكون رتبة ذلك اليهودي و دَرَكه من النار لايبلغها مَن نقص

 

«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 746 *»

عمره عن السبعين السنة و ان كان اعظم جُرماً و اشدّ معصيةً منه و هذا مخالف للواقع فان بعض المنافقين مَن دلّت الاخبار المتّفقُ علي صحّتها و صحةِ معناها علي اَنّ لَهُ دركاً في جهنّم لم‌يكن فيها درك ابعد منه مع ان عمره لم‌يبلغ السبعين و لكنه تكلّف المعاصي بما لاتقتضيه طبيعته كما اشار تعالي اليه في قوله في حقّه انه كان ظلوماً جهولاً و اليهودي المذكور في الحديث الاتي جري في معاصيه علي مقتضي طبيعته فساوَي سيرُه عمرَه كما يساوي هويّ الصخرة ثقلها فانّك اذا القيتَ صخرتين كبيرة و صغيرة من اعلي المنارة وصلت الكبيرة الارض قبل الصغيرة لانّ سيرهما في النزول بمقتضي طبيعتهما و لو انّك القيتهما معاً دفعةً الّا انّك دفعتَ الصغيرة بيدك بقوتك و الكبيرة وقعت بغير دفعٍ وصلت الصّغيرةُ الارضَ قبل الكبيرة لان الكبيرة نزلت بطبعها و الصغيرة نزلت بتكلّفٍ من دفع يدك مع ثقلها فمن نظر بفؤاده بدليل الحكمة فهم من حديث الهدّة حديث اليهودي و حديث المنافق الظلوم الجهول

ان عمق النار قدر سير الواقع بمعاصيه و اعماله السيئة فيها فكلّ واحد من اهلها بلغ قعرها في حقّه و لاتقدّر في نفس الامر بسبعين عاماً و لا بخمس و سبعين‌مائة سنةٍ علي انّ اهلها يتضاعف عذابهم علي ممرّ الدهور فيتغيّر قعرها لكل واحدٍ منهم في كل وقت و ليْس لهذا الامتدادِ انقطاع ابداً و كذلك حكم الجنّة مع اهلها في نعيمهم فهنيۤئاً لاصحاب النَّعيم و سحقاً لاصحاب السعير و قوله و هي دار حرورها هواۤء محرق لا جمر لها يريد به بيان حقيقة ذاتِها اَنَّها هواۤء محرق كالسَّمُوم و السَّمُوم انّما صار حارّا لِاَنَّهُ هواۤء مرَّ علَي اَوْدِيَةِ النَّارِ فَكَانَ حَاۤرّاً و الّا فهُوَ الهواۤء الذي اذا مر علي الزمهرير كَانَ بَارِداً وَ انّما هي عنصر برأسه خلقه اللّه من غَضَبه كما اَنَّ النَّار العنصريّة خلقَها من حَرَكةِ فعْلِه۪ و ايجاده و النار المذكورة نستجير بالله منها علي انواع مختلفة منها نار لاتنطفئ ابداً لانها تأكل من نفسها فبعضها يأكل بعضا فيظهر جزءٌ فيشتعل في الجزءِ الذي قبله و هذا الٰاكِل يأكله غيرُه و هكذا فاذا التقي الجزءان طلب كل واحدٍ منهما اكْلَ الٰاخر فيأكل القوي الضعيف و الثاني الاول و هذه شدّة

 

«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 747 *»

لايوصف و حدّة لاتكيّف و جمرها الذي يشتعل منه فيه الناس العاصون للّه و الحجارة و المراد بالحجارة التي توقد بها حجارة الكبريت لانّها نار جامدة اذا مسّتها النار ذابت ناراً و ايضا المراد بها قلوب المنافقين و الكفار و المشركين فان حقيقتها حجارة من نارٍ تصلّبَتْ بطبخ حرارة النار و رطوبة الحميم و قد اشَار الي معني ما قلنا قوله تعالي ثم قست قلوبهم من بعد ذلك فهي كالحجارةِ اَوْ اَشَدُّ قسوة بلحاظ ما ذكرنا سابقا اشارة الي ما ذكره بعض العلماۤء من ان المشبَّه عين المشبّه به في القرءان و في الاحاديث المنقولة عن النبي و اله صلّي اللّه عليه و اله باللفظ و قد اقمنا عليه البرهان في محله في بعض كتبنا فعلي هذا يصير المعني في الاية فهي الحجارة او اشدّ قسوة اَي بل اشدّ قسوة و ذلك لان تلك القلوب الخبيثة هي مَنْشأ النّار و هي المؤجّجَةُ لها و هي طعامها و قد اشار سبحانه في قوله انكم و ما تعبدون من دون اللّهِ حصَب جهنم الي نكتةٍ عجيبة حيث قال حصب و لم‌يقل حطب مع اَنَّ المراد به الحطب كما في لغة الحبشة و عن الفراۤء ان الحصب في لغة اهل اليمن الحطب لان الحاۤء و الصاد من اسم الحصي اعني الحجارة و الحاۤء و الباۤء من اسم الحطب و الحاۤء مشتركة بين الاسمين لان المشركين و مَا يعبدون من الاصنام الظاهرة و المنافقين و ما يعبدون من الاصنام الباطنة صفتهم و حالهم في النار كصفة الحطب و حاله في النار في الاشتعال بمعني انها تشتعل فيهم كاشتعالها في الحطب و كصفة الحصي و حاله في النار من البقاۤء و عدم الفناۤء فلايكونون رَمَاداً فيفنون و ينقطع عذابهم بل يبقون كالحجارة و تشتعل بهم النار كالحطب بناۤء علي ان الالفاظ بينها و بين المعاني مناسبة ذاتيّة كما هو الصحيح و يتناول اسم الاحجار ايضا الاصنام المتّخذة من الحجارة كما ذكره المصنف و اما الاصنام المتخذة من المعادن فيمكن ادخالها في الاحجار من حيث انها لاتجيب داعيها و لاتسمع و لاتبصر و لاتنفع و لاتضرّ فهي كالاحجار و ان كان بعيداً من مفاد كلامه و اما اذا اريد بالاحجار المعني الاول او الثاني صدق علي الكل بلا منافاة و في الاحتجاج عن اميرالمؤمنين عليه السلام لقد مررنا مع رسول الله صلي الله عليه و اله بجبلٍ و اذا الدموع تخرج من

 

«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 748 *»

بعضه فقال له ما يبكيك يا جبل فقال يا رسول الله (ص‌) كان المسيح مرّ بي و هو يخوّف الناس بنارٍ وقودها الناس و الحجارة فانا اخاف ان اكون من تلك الحجارة قال لاتخف تلك حجارة الكبريت فقرّ الجبل و سكن وَ هَدأ و في تفسير القمي عن الصادق عليه السلام قال ان ناركم هذه جزء من سبعين جزءا من نار جهنم و قد اُطْفِئَتْ سبعين مرّة بالماۤء ثم التهبَتْ و لولا ذلك مااستطاع آدميّ انْ يطفئها و انّها ليُؤتَي بها يوم القيمة حتي توضع علي النار فتصرخ صرخة لايبقي ملك مقرّب و لا نبي مرسل الّا جَثا علي ركبتيه فزعاً من صرختها ه‍ ، اقول و هذا الحديث الاخير يشير الي العدد الذي اشرنا اليه في نسبة مكاره الدّنيا الي مكاره الاخرة و ان رتبة ما يبلغ حد القتل منها في شدّته اذا ضوعف اشتداده اربعةٰ‌الافِ مرة و تسعمائة مرّة ساوَي نظيره من مكاره الاخرة لان قوله عليه السلام جزء من سبعين جزءا من نار جهنم يراد منه الشعاع المعبر عنه بالفاضل في بعض الاخبار و قوله عليه السلام و قد اطفئت سبعين مرة بالماۤءِ اشارة الي شعاع الشعاع و فاضل الفاضل فالاصل في الاخرة و شعاعه في البرزخ و شعاع الشعاع في الدنيا فافهم و لما كان الجمر المعروف هو الباقي من الحطب بعد ما تحرقه النار فهو ميراث الحطب بعد ذهاب صورته النوعيّة و كان حطبُ جهنم الناسَ و الحجارةَ و قد تمت عليهم كلمة اللّه بان يعيد منهم ما اكلته النار ليذوقوا العذاب كانت اجسامهم و اجسادهم و افئدتهم و قلوبهم الّتي هي حَطب جهنّم في الحقيقة هي جمرُها لان اجسامهم بعد حرقها تؤرّث اجساماً لهم باعادتها لانها عين الاولي و كذلك الاَجْساد تؤرّث اجساداً و الافئدة تؤرّث افئدة و القلوب تؤرِّثُ قلوباً كذلك اي هي عين الاولي فهم الحطب و هم الجَمْر و الذي تفيده الادلّة النقلية عنهم عليهم السلام انّ لهم حالتين حالة الحطب و حالة الجمر علي التعاقب من غير فصل و لا استقرار ففي حالة الاعادة هم حَطَبُها و في حالة الاحالة و الاحتراق هم جمرها و قولي من غير فصل و لا اسْتقرارٍ تنبيهٌ علي نكتةٍ و هي انهم لو حصل لهم استقرار في الاحتراق آناً ما لَاَدْركوا التخفيف و لو حصل لهم استقرار في حال

 

«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 749 *»

الاعادة لانقطع عنهم التألّم آناً ما لان تألّمهم انما هو بتقطيع اعضاۤئهم و اذابة اوصالهم فلو فقدوا التقطيع و الاذابة انقطع عنهم التألّم و لو فقدوا الاعادة لاستراحوا في العدم و لكن الاعادة و الاحراق و التقطيع تجري عليهم علي نحو السيلان و الاتصال من غير فصل و لا استقرار و ان كانا علي التعاقب و مثاله في الشاهد تعاقب الليل و النهار فافهم و قوله و الجنّ لهبُها يشير به الي اصل ذلك عنده من جهة انّ الجن خلقوا من مارج من نار و هو النّار الخالصة من الدّخان فكما ان عصاة بني ادم هم جمر النّار كذلك عصاة الجنّ هم لهَبُهَا فامّا كون عصاة بني ادم جمرَ النارِ فيتّجه في الاعتبار علي نحو ما ذكرنا من ان الجمر ما بقي من الحطب المحترق بالنار و هو هم حال التقطيع و الاحالة و هم الحطب حال الاعادة و التّبديل و هنا شي‌ء يشكل و هو انّ اللهب اقوي اجزاۤء النار و اشدّ احوالها و هو المحْرق لا المحترق فاللّهب اقوي من الجمر لان الجمر بقيّة المحترق و الناس في الاحوال الناريّة اقوي من الجن لانّ النّاس جامعون لمراتب الملائكة و الشياطين و الجنّ و لهذا كان الانسان اكمل المخلوقات و اشرفها اذا اطاع و اخبثها اذا عصي و اشرّها قال تعالي لقد خلقنا الانسان في احسن تقويم ثم رددناه اسفل سافلين فالمناسب في التأويل العكس و الجواب ان المراد باللهب هنا الناشي المتفرع من الجمر لا اللّهب الذي هو اصْل النّار فان ذلك هو الكامن في الجمر و ذلك هو الجنبة اليسري من الانسان و اللهب المأوّل من الجنّ متفرع من الجمر فلايكون هذا اللهب الثاني اشدّ من الجمر بل هو لهب الجمر كما ورد في ردّ مغالطة ابليس حين قال انا خير منه اي من ادم خلقتني من نار و خلقته من طين بانه كذب ففي تفسير علي ابن ابراهيم عن الصادق عليه السلام كذب ابليس ماخلقه الله الّا من طين قال الله عز و جل الذي جَعل لكم من الشجر الاخضر ناراً قد خلقه الله من تلك النار و من تلك الشجرة و الشجرَةُ اصلها من طين ه‍ ، فالمارج الذي هو اللهب من النار الخالص من الدّخانِ الذي خلق الله منه الجاۤنّ خلقَهُ اللّه من الشجر الاخضر و تلك الشجرة التي خلق منها النار الّتي خلق

 

«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 750 *»

منها الجاۤن خُلِقَتْ من الطين فالجمر هو الخازن للنار و للّهب فهو الانسان المأجِّج لها لانها خلقت من غضب اللّهِ يعني ماۤدّتها و صورتها من عمل الناسِ العاصين و اللهب المذكور خُلِقَتْ منها مادته و خلقت صورته من عمل الجِنِّ فارتفع الاشكال و ضعف الاحتمال هذا علي فرض صحة الوصفين من اَن بني ادم جمرها و الجن لهبها كما يدلّ عليه الاعتبار و التأويل و قول المصنف و قوله فكبكبوا فيها هم و الغاوُن و جنود ابليس اجمعون استشهاد بالايتين علي كون الناس و الجن وقود النار لا علي خصوص كون بني ادم جمراً لها و الجنّ لهبها

و قوله و من اعجب ما روي عن النبي صلي الله عليه و اله انه كان قاعداً مع اصحابه في المسجد فسَمعُوا هدّة عظيمةً فارتاعوا فقال صلي الله عليه و اله اتعرفون ما هذه الهدة قالوا اللّه وَ رسوله اعلم قال حجر القي من اعلي جهنم منذ سبعين سنةً و الأن وصل الي قعرها و سقوطه فيها هذه الهدّة الخ ، اعلم انّ المصنف عجب من ظهور وصول اليهودي الي نهايته في المحسوس مع كون الوصول معني مصدريّا معنويّا و انّما كانت له هدّة لسرعة ذلك الهُوِيّ بسبب قوة ميل انّيّته و طبيعته الي مَعَاصي اللّه الكباۤئر الّتي هي ثمرات النّار و سخط الجبّار بما هي عليه من العذاب و انما كان سريعَ الهُويِّ لثِقَل انيّته و انما ثَقُلَتْ اِنّيّته لخلوصها في ارادة المعاصي و تبذّخِه۪ بها و عدم التفات نفسه الي الله و الي جهة طاعته فلهذا كان بغفلته و انهماكه في معاصيه حجراً ثقيلا لاجتماع مشاعره في جهات المعاصي و اعلم انه روي ما معناه ان النبي صلي الله عليه و اله كان يرعي الغنم قبل النّبوة فسمع هدّة عظيمة و جَفلت الغنم و لَمّا نزل عليه جبرءيل عليه السلام بعد النّبوة سأله عن تلك الهدّة فقال هذه صوت وقع صخرة القيتُها في جهنم منذ سبعين سنة و الأن وصلت الي قعر جهنّم و اخبر عليه السلام انه يهودي مات و عمره سبعون سنة و الرواية التي ذكرها المصنّف انه منافق و يحتمل الاتحاد بالتجوّز في احد الوَصفينِ و في العيون في حديث المعراج انّه صلي الله عليه و

 

«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 751 *»

اله قال ثم سمعتُ صوتاً افزعني فقال لي جبرئل (ع‌) تسمع يا محمد قلتُ نعم قال هذه صخرة قذفتها علي شفير جهنم منذ سبعين عاما فهذا حين استقرّت قالوا فماضحك رسول اللّه صلي اللّه عليه و اله حتّي قبض ه‍ ، فهذه ثلاثة احاديث وردت في ثلاثة اوقاتٍ متباينة ظاهراً و في نفس الامر كلّها حكاية عن واقعةٍ واحدةٍ سمعها صلي الله عليه و اله في وقتٍ واحدٍ قبل البعثة و بعد البعثة و في ليلة المعراج قبل ان يصل السماۤء الدنيا فاذا اراد احد ان يعجب فليعجب من هذا لا مما ذكره المصنف و انما العجب من هذا الفعل الربوبي حيث شهد كل شي‌ء مما كان و ممّا يكون منذ خلق الله القلم الذي هو عقل الكل الي ما لا نهاية له فيما يكون كل شي‌ء في وقته بل و ما قبل العقل فان الله سبحانه شرّفه صلي الله عليه و اله و عرج به الي ملكوته فاشهده خلق السموات و الارض و خلْقَ نفسِه التي هي قبل العقل بما لايكاد يتناهي لانه حين كان في مقام قاب قوسين في عروجه اشهده العقل حين خلقه اللّه و انهي اليه علمه ثم حين كان في مقام اوْ ادني اي بل ادني اشهده خلْقَ نفسِه۪ و عرّفه ايّاها فهناك عرف ربّه و بالجملة اشهده تعالي ليلة المعراج كل شي‌ء في اوّلِ وقتِ كونِه الي اخر انتهاۤئه و انهي اليه عِلْمَهُ من جميع ما كان و ما يكون مما هو محتوم الكون من الدنيا و الاخرة الّا انّه في جريتين كما اشار صلي الله عليه و اله في حديث العيون المذكور في المعراج قال في شأن البراق حين سار عليها ليلة المعراج فلو ان الله تعالي اذِنَ لها لجالتِ الدنيا و الاخرة في جريةٍ واحدة ه‍ ، فلمّا لم‌يأذن لها الّا في جريتين جالت الدنيا في جرية و الاخرة في جريةٍ فافهم الاشارة و اعجب ان كنتَ تعجب من شي‌ء مما اشرنا اليه في وقوفِه۪ صلي الله عليه و اله علي كونِ كلِّ شي‌ءٍ و بدئه حين انشأه سبحانه من عالم الغيب و الشهادة من جميع ذرّات وجودات الممكنات الكائنة و المحتومة مما لم‌يكن و قوله قال تعالي انّ المنافقين في الدَّرْكِ الاسفل من النّارِ يشير به الي الاستشهاد علي انّ ذلك المنافق بلغ اسفل قعر النار و الحق انّ المنافقين الذين بلغوا الدركَ الاسفلَ من النارِ علي جهة الحقيقة ليس كلّ منافق بل هم منافقون

 

«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 752 *»

مخصوصون و الاية نزلت فيهم و ساۤئر المنافقين دخلوا فيها بالتبع و دركهم اسفل من النار اضافي و ليس السّبعون السنة غايةَ اسفل النّار اِذْ اَسْفلها غير متناهٍ و قوله فانظر ما اعجب كلام اللّهِ الخ ، بيانه كما في دعاۤء النبي ادريس علي محمد و اله و عليه السلام يا عجيب فلاتنطق الالسن بكلِّ آلاۤئه و ثناۤئه و امّا التّعجب من حسن تعريف النبي صلي الله عليه و اله فكيف لايكون كذلك و اعظم من اثني الله عليه في كتابه في قوله و انّك لعلي خلق عظيم و قال و سراجاً مُن۪يراً .

قال } قاعدة في انّ ايّ حقيقةٍ الهيّة اظهرت الجنّة و النار و الاشارة الي ابوابهما اعلم انّ لكل معني من المعاني الذاتيّة حقيقة اصليّة و مثالاً و مظهراً فالانسان مثلا حقيقة كليّة و هو الانسان العقلي مظهر اسم الله و كلمته و الروح المنسوبة اليه في و كلمته القيها الي مريم و روح منه و نفخت فيه من روحي و لها امثلة جزئيّة و افراد شخصية كزيد و عمرو و له ايضا مظاهر كالمشاعر و الالواح الذهنية فكذلك للجنّة حقيقة كلّيّة هي روح العالم مظهر للاسم الرحمن لقوله تعالي يَوْم نحشر المتّقين الي الرحمنِ وفداً { .
اقول يريد انّ لكل شي‌ء حقيقةً و مظهراً و مثالاً فالحقيقة يطلق علي ما به الشّي‌ء هو وَ عَلي معناه العقلي اعني حقِيقَته في مرتبة العقول لا المعني التعقلي الانتزاعي و علي حقيقة الشي‌ء من ربّه و هو المُسَمَّي بالوجودِ عند الحكماۤء و العَارِفينَ و بالنُّورِ و بالفؤاد في اَخْبارِ الائمة عليهم السلام و الظّاهر انَّه يريد بهذه الحَقيقة حقيقته العَقْلية لا التَّعَقُّليّة و لهذا قَالَ و هو الانسان العقليّ و المظهر معناهُ عنْد كثيرٍ انّ الظّاهر اشرق عليْه و الحقّ انّ المظهر هو ما يظهر به الظاهر فمعْنَي حقيقةِ الانسان هي مظهر اسم اللّهِ اَنَّ اسم اللّهِ الّذي هو اثر فعلِ اللّهِ و تأكيدُه ظَهَر بتلك الحَقيقة اي اشرق نوراً هو تلك الحقيقة و اِنْ اَراد بتلك الحقيقة الحقيقة الاولي اعْني النّور المُحمَّدي صلَّي اللّهُ عليه و اله فمعني كونه مظهراً لاسم اللّه انه اثر فعل اللّه و تأكيده و يراد بالاسم الفعل فان قلتَ كيف يكون نوره صلي اللّه عليه و اله خير خلق اللّه و هو اثر فعله و الفعل من الخلق و المؤثّر افضل من

 

«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 753 *»

الاثر قلتُ انّ ماۤدة النور الذي نوّر الانوار صلّي اللّه عليه و اله اخترعها اللّه بفعله لا من فعله و صوّره بصورة فعله كما انك اذا كتبتَ كلمة فمادّتها من المداد الذي عملته بفعلك لا من فعلِك و فعلُكَ انّما احدثتَهُ بنفسِه۪ لاجل ايجاد الكلمة و ايجاد مادتها فهي علّة غائيّة لفعلك و ان صدرَتْ بفعلِك و كونها متوقفة علي فعلك لايَسْتلزم افضليّته عليها و كذلك تصويرها بصورة فعلك لانك صوّرت الفعل لغايةِ ما ينبغي لتصوير مفعولك لان الفعل انّما هو لاجل المفعول ففي الحقيقة و ان كانت علة ايجاده نفسه فهو في نفس الامر مقصود لغيره و لذا ورد في الحديث كما في تفسير العياشي عن محمد بن عذافر الصيرفي عمّن اخبره عن ابي‌عبدالله عليه السلام قال ان الله تبارك و تعالي خلق روح القدس و لم‌يخلق خلقا اقرب اليه منها و ليست باكرم خلقه عليه فاذا اراد امراً القاه اليها فالقاه الي النجوم فجرت به ه‍ ، يعني اَنَّ روح القدس اقرب خلق اللّه اليه من جهة الوحي لانها كالٰالةِ و في خلق الله مَن هو اكرم علي الله منها كمحمد و اله صلي اللّه عليه و اله فعلي رأي المصنف كما ذكره في المشاعر ان المراد بروح القدس فعل اللّه فيتّجه علي تفسيره ما وجّهناه و علي رأينا ان المراد بروح القدس الملك الذي هو من امر الله اعني عقل الكل او جبرءيل فيكون هذا الحديث شاهداً لما وجّهناه من افضليّة المفعول علي الفعل و ان كان الفعل اقرب لكونه مقصوداً بالعرض و المفعول بالذات و الظاهر ان المراد بالنجوم في هذا الحديث الائمة عليهم السلام و سيّدهم جدّهم صلي اللّه عليه و اله يعني ان الله يأمر الملك ان يلقي اليه صلي الله عليه و اله ما شاۤء من امره و يأمره عن اللّه تعالي ان يلقي ذلك الي اهل بيته عليهم السلام لانهم الحفظة و المراد من اسم الله اسم فعله لان ذاته مقدّسة لاتسمّي و لا فاۤئدة في التسمية لانه تعالي لايشتبه علي نفسه فلايحتاج الي ان يميّز نفسه بعلامةٍ و لايدركه ما سواه ليُسمِّيَ له نفسه و انما ساۤئر اسماۤئه لتمييز جهات افعاله و هيئات مفعولاته كالحيّ لتمييز الاحياۤء من ساۤئر افعاله و الحيوة من ساۤئر مفعولاته و القيّوم لتمييز الاقامة من ساۤئر افعاله و المتقوّم من ساۤئر مفعولاته و كذلك كلمته التي هي مشيته و ابداعه و معني كون الانسان

 

«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 754 *»

مظهراً لَهَا مثل ما تقدّم و معني كونها كلمته انّها مفهمة لمطلوبه عز و جل اذ معني الكلام ذلك و المراد من الروح المنسوبة اليه في الأية الروح التي خلقها و قدّسها من الرذاۤئل و طهّرها من الارجاس و نسبها اليه تعالي تشريفا لها فقال و نفختُ فيه اي في ادم و عيسي و غيرهما من روحي و هي المسماة بروح القدس و بروح من امره و هي عندنا روحانِ روح من امر الله و نعني به عقل الكل و نعني بامر الله النور الذي نوّر الانوار صلي الله عليه و اله ان اريد ان تقوّم الروح بالامر تَقوُّماً ركنيّا و ان اريد ما تقوّم به تقوّمَ صدورٍ فالامر فعل اللّه و روح القدس و هو النور الاصفر الثاني من اركان العرش اعني روح الكل فمعني كون الانسان مظهراً كونه اشراقاً و كونه مشتقّا و معني كونه في رتبة التشخّص مثالا انّه كان صورة و مركبا للانسان العقلي كما قال علي عليه السلام في بيان معرفته بالنورانية لسلمٰن و ابي‌ذر الي ان قال عليه السلام و انا تكلمتُ علي لسان عيسي ابن مريم في المهد و انا آدم و انا نوح و انا ابراهيم و انا موسي و انا عيسي و انا محمد انتقل في الصور كيف اَشاۤء مَنْ رءاني فقد رءاهم و من رءاهم فقد رءاني و لو ظهرتُ للناس في صورة واحدة لهلكَ فِيَّ الناس و قالوا هو لايزول و لايتغير و انا عبد من عباد اللّهِ الحديث ، يعني انهم امثاله ظهر فيهم كل واحدٍ من الانبياۤء ظهر فيه بوجهٍ قال تعالي و لمّا ضرب ابن مريم مثلا اذا قومك منه يصدّون اي مثلا لعلي بن ابي‌طالب عليه السلام و في الكافي عن ابي‌بصير قال بينا رسول الله صلي الله عليه و اله ذات يومٍ جالس اذْ اقبل اميرالمؤمنين عليه السلام فقال له رسول الله صلّي الله عليه و اله ان فيك شبهاً من عيسي بن مريم و لولا ان تقول فيك طواۤئف من امّتي ما قالت النّصاري في عيسي بن مريم لقلتُ فيه قولا لاتمرّ بمَلأٍ من الناس الّا اخذوا التراب من تحتِ قدمَيْك يلتمسون بذلك البركة قال فغضب الاعرابيان و المغيرة بن شعبة و عدّة من قريش معهم فقالوا مارضي ان يضرب لابن عمّه مثلاً الّا عيسي بن مريم فانزل اللّه تعالي علي نبيه و لمّا ضرب ابنُ مريم مثلا الي قوله لجعلنا منكم يعني من بني‌هاشم ملاۤئكة في الارض يخلفون الحديث ، فعيسي هو مثل علي عليه السلام كما قال تعالي ان هو اي

 

«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 755 *»

عيسي الّا عبدٌ انعمنا عليه و جعلناه مثلاً لبني‌اسراۤئيل لا كما توهّمه مَن فهم العكس من قوله صلّي اللّه عليه و اله انّ فيك شبَهاً من عيسي بن مريم و الحاصل المثال للانسان الحقيقي هو الانسان الظاهري المحسوس و هو قول المصنّف و لها امثلة جزئيّة اي لتلك الحقيقة و افراد شخصيّة كزيد و عمروٍ لكن هُنا شَيْ‌ءٌ يجب التنبيه عليه و هو انّ الشي‌ء الجزئي كزيد و عمرو و هو الانسان المحسوس له حقيقة جزئيّة عقليّة ذاتيّة غير التّعقّليّة و تلك الحقيقة الجزئيّة لزيد غير الحقيقة الجزئيّة الّتي لعَمْروٍ متميّزة منها بمشخِّصَاتٍ عقليّةٍ وجوديّةٍ كالحِصَّةِ المأخوذة من الخشب للسرير و الحصّة الْاُخْرَي للباب و امّا قبل الاَخْذ فليس ثَمّ حصّة من الخشب للسرير و الباب و انّما الموجود الخشب الصالح لِكلّ شي‌ءٍ و الحقيقة الكلية لايكون مثالها جزئيّا لان الجزئي مثال للحقيقة الجزئيّة اوْ لوَجهٍ من وجوه الكلّيّة فانّ زيداً الجزئيّ حقيقته جزئيّة لا كلّيّة لانّ حقيقتَه حصّةٌ من الكلّيّة متميّزة عن غيرها من الحصَص و امّا قوله تعالي كان النّاس امّة واحدة فانّهم متمايزون فيما بينهم و انما الاتّحاد قبل بعث النبيّين في جهات التكليف و قبول موجبات السعادة و الشقاوة في الخلق الثاني و قوله و له ايضاً مظاهر كالمشاعر و الالواح الذهنية يعني للانسان الجامع للانسان العقلي و الحسّيّ مظاهر كالمشاعر التي يشعر بها اقول و الحق ان المشاعر منها ذاتيّة و هي حقائق مراتبها و منها مظاهر لتلك الحقاۤئق فاعلي المشاعر الفؤاد و هو الوجود و النور الذي خلق منه الانسان اعني ماۤدته الاولي و ذلك حقيقة الانسان في البدءِ و الذكر الاول و هو مدرك المعرفة و مظهره ادراك الشي‌ء بلا كيف و لا اشارة و اوسط المشاعر القلب و هو العقل الجوهري و هو حقيقة معني الانسان و هو مدرك المعاني و مظهره تعقّل المعاني المجردة عن المدة الزمانية و الماۤدة العنصرية و الصورة الجوهريّة و المثالية و اخر المشاعر النّفس و الخيال و هو مدرك الصُّور و مظهره تخيّل الصور الجزئيّة المجردة عن المدة الزمانية و الماۤدة العنصريّة فالمظاهر ادراكات المشاعر لا نفس المشاعر كما توهّمه

 

«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 756 *»

و قوله فكذلك للجنَّةِ حقيقة كلية هي روح العالم اقول امّا استدلاله بالانسان فحق لانّه الاية التي جعلها عز و جل دليلاً علي ما يريد معرفته كما قال سنريهم اياتنا في الافاق و في انفسهم و امّا تحصيل الدليل منه فموقوف علي التوفيق الالهي و اقول انّ حقيقة الجنّة هي الولاية و الحقيقة المحمديّة و هي متعلق المشية و الاسم الرحمن من المقامات التي لا تعطيل لها في كل مكان ظهر بها فهي روح العالم و حقيقته فهي احد معاني العرش و استدلاله بقوله تعالي يوم نحشر المتقين الي الرحمن وفداً لم‌يقع علي نفس الحقيقة و انما وقع علي مستوي الرحمن الذي احَدُ افرادِه الحقيقة و احَدُ افرادِهِ جنان الصاقورة و احدُ افرادِه۪ التي ارضُها الكرسي و سقفها عرش الرحمن وَ اَحَدُ افرادِه السمواتُ السبع و احدُ افرادهِ ما فوق الارض و تحت السماۤء لانّ الحَظَاۤئر من الجنان بين الارض و السماۤء يحشر اليها المؤمنون من الجن و اولاد الزنا من المؤمنين المطيعون و المجانين الذين لم‌يعقلوا في دار التكليف و ليس لهم اقارب من اهل الشفاعة و هم محشورون الي الرحمن و اهل الجنان السبع في السموات السبع يحشرون الي الرحمن و اهل جنة عدن التي ارضها الكرسي و سقفها عرش الرحمن يحشرون الي الرحمن و اصحاب اليقين اصحاب جنان الصاقورة يحشرون الي الرحمن و اولوا الحب و المعرفة يحشرون الي الرّحمٰن و هم الذين قال تعالي في شأنهم في حديث الاسرار يا احمد ان في الجنّة قصراً من لؤلؤة فوق لؤلؤةٍ و درّةٍ فوق درّةٍ ليس فيها قصم و لا وصل فيها الخواۤصّ انظر اليهم في كل يوم سبْعين مرّة و اكلّمهم كلّما نظرت اليهم ازداد ملكهم سبعين ضعفاً و اذا تلذّذ اهل الجنّة بالطعام و الشراب تلذّذوا اولۤئك بذكري و بكلامي و حديثي ه‍ ، فَاِذَا ارادَ المُصَنِّفُ بقوله روح العالم ذات العالم و كنههُ فصحيح فانّ اصل الجنّة كنه العالم لانّ اَصْل العَالم و كنهه الرحمة و الرّحمة كنه الجنة و الرحمن هو الظاهر بالرحمة فتصدق الاية علي كلّ مرتبةٍ من مراتب الجنّة كما مَثّلْنا و ان اراد بقوله روح العَالَم الرّوح المتعارف اعني المتوسِّط بين الْعقل و النفس فلايصْدق الّا علي الجنّة التي ارضها الكرسي و سقفها عرش الرحْمن لَا

 

«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 757 *»

علي ما فوقها فلاحظ ما ذكرنا و قوله و لها مثال كلّي اذا اريد بالمثال الجنّة التي سقفها عرش الرحمن و اَرْضها محدّب الكرسي و ارادَ بها جنّة عدنٍ فحسن و الّا فالمثال في غير جنّة عدنٍ الجنان السبع التي في السموات السبع .

قال } و لها مثال كلي هو العرش الاعظم مستوي الرحمن و صورته كما ورد ارض الجنّة الكرسي و سقفها عرش الرحمن و امثلة جزئية كقلوب اهل الايمان كما ورد قلب المؤمن عرش الله قلب المؤمن بيت الله و لها مشاهد و مظاهر كلية و جزئيّة هي طبقات الجنة و ابوابها { .
اقول الصواب ان يقال ان المثال الكلّي هو الجنان المحسوسة لان المحسوسات امثال المجردات و صورها نعم ان كان يريد بالمثال الدليل اي بان المثال الكلي هو العرش الاعظم فقوله صحيح هنا و غير صحيح في قوله قبلُ و لها امثلة جزئيّة و افراد شخصيّة كزيدٍ و عمرو فانه جعل زيدا و عمراً و الذي هو الانسان المحسوس مثالاً للانسان العقلي يعني انه ظاهر له لا انه دليل عليه و اذا اراد هنا بالمثال الظاهر لم‌يصح لانّ العرش ليس هو ظاهر الجنّة الكلي و لا قلب المؤمن ظاهر الجنة كما ان زيداً ظاهر الانسان العقلي نعم العرش الاعظم الذي هو ذو الاركان الاربعة النور الاحمر الذي احمرت منه الحمرة و النور الاصفر الذي اصفرت منه الصفرة و النور الاخضر الذي اخضرت منه الخضرة و النور الابيض الذي منه البياض او ابيضّ البياض علي الروايتين و منه ضوء النهار و هي الملائكة الاربعة العالين الذين لم‌يسجدوا لادم عليه السلام و العرش الباطن الكلي الذي اشار اليه تعالي في الحديث القدسي في قوله مَاوسعني ارضي و لا سماۤئي و وسعني قلب عبدي المؤمن فانّه يتقلّب معي وَ فِيَّ و بي ه‍ ، و هو قلب محمد و قلوب اهل بيته الطاهرين صلّي اللّه عليه و اله اجمعين و العرش الباطن الجزئي و هو قلوب من سواهم من المؤمنين هي كلها امثال للجنان بمعني الادلّة كلّيُّها لِكُلّيِّها و جزئيُّها لجُزئيِّها و قوله كما ورد قلب المؤمن عرش الله قلب المؤمن بيت الله ليس

 

«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 758 *»

ذلك من طرقنا فيما وقفتُ عليه و انما هو من طرق العاۤمّة و قوله و لها مشاهد و مظاهر الخ ، يريد به انّ ما فيك مثلاً من الحواس الظاهرة الخمس و الخيال و النفس او الحواس الخمس و النفس و الجسد علي الاحتمالين هي ابواب الجنّة السبعة اذا استعملتَها فيما خُلِقَتْ لاجله و العقل هو الباب الثامن المسمّي بجنّة عدن و الظاهر من هذا انّها طرق لتلك الابواب و ان الاعمال الطيبة الصادرة عن هذه المشاهد الثمانية صور لما في ابواب الجنانِ الثمانية من النّعيم و الثواب الداۤئم المقيم و لعل المصنّف انّما رأي انّ هذه المشاعر هي ابواب جهنّم و طبقاتها لانه يري ان الجنّة و ما فيها من النعيم و القصور و الحور و الولدان من نوع النيّات و الاعتقادات كما تقدّم من كلامه و قد بيّنّا هناك بطلانه .

قال } و كذٰلك النّار لها حقيقة كلّية هي البعد من رحمة اللّه صورة غضبه و مظهر اسم الجبّار و المنتقم و لها مثال كلي هي نار جهنّم و لها مظاهر كليّة و جزئيّة هي طبقات جهنّم و ابوابها و طبقاتها سبعة تحت الكرسي و فيه اصول السّدرة و منها منبت شجرة الزقوم طعام الاثيم طلعُها كأنه رؤس الشياطين و هناك تنتهي اعمال الفجار و المنافقين و هي محيطة بالكافرين و كذا سرادقها و لها امثلة جزئيّة هي اهوية النفوس بل النفوس الهاوية المظلمة و الصدور الضيّقة الحرجة { .
اقول للنار حقيقة كلّيّة و لا شكّ انّ كل شي‌ء فله حقيقة كليّة او هو حقيقة كلّيّة و ليس المراد في المذهب الحقّ بالكلّيّة المعني المصطلح عليه فان المعني المصطلح معنيً ذهني ظلّيّ صوريّ منتزع من الخارجي الموجود في افراده لانه في الحقيقة منتزع من القدر المشترك بين الافراد مع قطع النظر عن مشخّصاتها كالخشب المشترك في السرير و الباب و الكلّيّ المراد هنا علي المذهب الحق هو الذات الجامعة الظاهرة باشراقاتها المتمايزة بالمشخصات بل هو ظهور تلك الذات الجامعة بتلك الاشراقات المتمايزة اذ المراد بذلك الظهور تلك الاشراقات نفسها فانا اذا قلنا العقل الكلّي فافراده العقول الجزئيّة و ليست اجزاۤء

 

«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 759 *»

من ذاته و لا ان كل واحدٍ من تلك الجزئيّة نفس عقل الكل تنقّل فيها علي جهة البدلية او تجزّأَ فيها بل هو واحد بسيط ليس فيه كثرة و انما الجزئيّة اشراقاته و تأييداته تكثّرت بمشخّصاتها و قوله هي البعد من رحمة اللّه صورة غضبه ظاهره ان حقيقة النار اي النار المعنوية العقليّة هي البعد من رحمة اللّه و الحقّ انّ حقيقة الجنّة الرحمة و حقيقة النار الغَضب و قوله صورة غضبه صحيح و امّا البعد فهو من لوازم الغضب و كما ان الجنّة باعتبار كون ما فيها من الامور المحبوبة المطلوبة صورة الرحمة و ظاهرها و لازمها كذلك النار باعتبار كون ما فيها من الامور المكروهة المنافية هي صورة الغضب و ظاهره و لازمه و مظهر اسم الجبار و الجبار يطلق علي الله تعالي باعتبار معني القهر و السطوة و يطلق علي اللّه تعالي باعتبار كونه جابراً للكسر و المراد هنا المعني الاول و اضافة اسم اليه بيانيّة لان الغضب اثر الاسم ذي السطوة و القهر و الانتقام و هذه من فعله بداعي العدل الّذي هو جزء الرحمة الواسعة و قسيم الرّحمة المكتوبة

و قوله و لها مثال كلّيّ يعني ان لها ظاهراً كلّيّا بمعني ما تقدّم من الكلّيّ اي شاملاً واسعاً و هو نار جهنم و المراد بجهنّم هنا مطلق النار الجامعة للابواب السبعة لا خصوص الباب السابع الاسفل كما مر تفصيلها و لها مظاهر كلية اي ايات كلية هي طبيعة الجهل الكلي المسماة بالطمطام و نفسه المسماة بالثري و روحه المسماة بما تحت الثري و هي مشاعر ائمة المنافقين و صاحب راياتهم الذي فيه شركاۤء متشاكسون تدّعيه اهل النحل و الملل المنحرفة عن الحقّ فالنّصاري تدّعي امامته و اليهود تدّعي امامته و الصابئة و المجوس و الدّهرية و الثنوية و المانويّة و المزدكية و كل طائفةٍ غير المؤمنين الاثني‌عشريين يدّعون انه امامهم فظاهر مشاعرهم ايات النّار و افئدتهم مظاهر غضب الجبار المؤجّجة للنار في جميع الاطوار في الادوار و الاكوار و لها مظاهر جزئيّة و كلّيّة اضافية هي طبقات جهنّم و اَبْوابُها و لهذه الطّبقات امثلة جزئيّة و مظاهر هي ايات و ظوَاهر فالايات اهوية النفوس المعبودة من دون الله و الظواهر هي النفوس

 

«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 760 *»

الهاوية المظلمة العابدة و الصدور المضيّقة الحرِجة الّتي كأنها تصَّعّدُ في السماۤء لِشِدَّةِ غليانها بلهب اعمالها الباطلة و اعتقاداتها الفاسدة و قوله و طبقاتها سبعة تحت الكرسي غلط علي ظاهر مراده لانه يريد بالكرسي الذي هو ارض جنّةِ عدنٍ و الذي تحت هذا الجنّاتُ السبعُ جنة دار المقامة و جنة الخلد و جنّة المأوي و جنّة دار السّلام و جنّة النعيم و جنة العالية و جنّة الفردوس و لو اراد كرسي الباطل الذي هو الثور الحامل للعرش صح كلامه بل لو اريد مطلق التحتيّة صحّ في الجملة لانّ النيران السبع تحت الارضين السبع كما ان الجنان السبع فوق السموات السبع و حقاۤئق النيران السبع تحت الثور و هو تحت الحوت و تحت البحر و تحت الريح العقيم و منشأوها من الطمطام و الثري و ما تحت الثري و الجهل الكلي و مأخذ هذا الترتيب ان كتاب الابرار و هو في عليّين و هو نفس الكرسي و الكرسي ارضه مقابل لكتاب الفجار و هو في سجّين و هو الصخرة التي ذكرها الله حكاية عن لقمان و هي التي تحمل الملك الحامل للارض و هي طينة خبال و في نهاية ابن‌الاثير و فيه مَنْ شَرِب الخمر سقاه اللّه من طينة الخبال يوم القيمة و جاۤء تفسيره في الحديث انّ الخبال عصارة اهل النار و الخبال في الاصل الفساد انتهي ، و في مجمع‌البحرين يعني طينة خَبال قال و فسّرت بصديد اهل النّار و ما يخرج من فروج الزناة فيجتمع ذلك في قدر جهنم فيشربه اهل النار انتهي ،

و قوله و فيه اصول السدرة اي في الكرسي امّا كون الكرسي قد يستعمل للكرسي الاسفل المعبر عنه بالثور فلا محذور في الاستعمال و امّا انّ فيه اصول السدر فان كان علي معني انه ارض الجنّة و فيها سدر مخضود اي لا شوك فيه فظاهر و امّا اَنَّ اُصول السدر هو شجرة الزقّوم فشي‌ء لم‌اعرفه و لم‌اقف فيه علي خبر و لاسمعته من احدٍ و لَاوَقَفْتُ عليه في كتابٍ الّا هُنَا و في كتابِه الاسفار ايضا قال فيه و الكرسي موضع القدمَيْنِ يفترقان بعده قدم الجبار و هي لاهل النار و قدم صدق عند ربك و هي لاهل الجنّة و فيه اصول السدر الّتي هي شجرة الزقوم طعام الاثيم و هناك تنتهي اعمال الفجار و المنافقين انتهي ، و

 

«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 761 *»

لااَدْري هل كان هذا شيئا عند اهل التّصوف اَمْ لَا لانّي قليل التفتيش في كتبهم مَعَ انّه ليس عندي منْها شي‌ء فربّما هو مذكور في رواياتهم اَوْ في اختراعاتهم و يحتمل انّهم ارادُوا به الرمز بمعني ان سدرة المنتهي شجرة في الجنّة كلّ احدٍ له فيها ورقةٌ هي وجهه الّذ۪ي يبقي و اصله الّذي منه يستمدّ النور و تكون اصولها الّتي هي عبارة في الشاهد عن العروق كناية عن اسفلها المعبّر به عن عَكْسِها الَّذي هو الشجرة المُجْتثّة و علي ما هو من هذا النوع يمتنع التصريح به لانّ ظاهره يعارض مثل هذا التأويل و بالجملة هذا شي‌ء لااعرفه و قوله و منها منبت شجرة الزّقوم طعام الاثيم و هي شجرة مُرَّة كريهة الطعم و الراۤئحة و عن ابن‌عباس لما نزلت هذه الاية قال ابوجهل ان محمّدا يخوّفنا شجرة الزقوم هاتوا الزبد و التمر و تزقّموا اي كلوا و في النهاية و قيل اكل الزبد و التمر بلغة افريقيّة الزقّوم ه‍ ، و قال ابن‌الزِّبَعْرَي الزقوم بكلام البربر التمر و الزبد و في رواية بلغة اليمن طعام الاثيم الثابت الاثم و منبت شجرة الزقّوم في الجحيم كما قال تعالي انها شجرة تخرج في اصل الجحيم و الجحيم اعْلَي النيران و الظاهر عندي و هو ما استفدته من اثارهم عليهم السلام انّ شجرة الزّقوم في طرف اسفل سافلين في مقابلة شجرة المزن الّتي هي في علّيين و في الكافي باسناده عن ابي‌عبدالله عليه السلام قال انّ في الجنّة لشجرةً تسمّي المزْن فاذا اراد اللّه ان يخلق مؤمناً اقطر منها قطرة فلاتصيب بقلة و لا تمرة اكلها مؤمن او كافر الّا اخرج الله تعالي من صلبه مؤمنا ه‍ ، لان قوله عليه السلام ان في الجنة لشجرة ان اريد بالجنّة عليين كان مقابلها سجّين و هي الصخرة التي علي قرن الثور او علي سنٰامه علي اختلاف الروايتين و ان اريد غير عليّين كان ما يقابلها فوق الصخرة لان مقابل الاعلي اسفل و مقابل الاسفل اعلي و شجرة الزقوم لاتكون اسفل من سجين و هي علي العكس من شجرة المزن اذ منها تصعد ابخرة و تصيب البقول و التمر فمن اكل ما اَصابه منها قطرة خرج من صلبه كافر و سدرة المنتهي مقابلة لها في طرف عليّين فان اريد من شجرة المزن سدرة المنتهي كما يفهم من بعض الاخبار لم‌يكن اصلها سجّين لان

 

«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 762 *»

سجّين تخرج في اصل الجحيم و السدرة في عليّين اي اعلي الجنان او في ساۤئرها فلاتكون منها لما بينهما من التباين و ان اريد غيرها فالسدرة فوق شجرة المزن اذ ليس وراۤءها نهاية و في العلل عن الباقر عليه السلام الي ان قال انما سمّيت سدرة المنتهي لان اعمال اهل الارض تصعد بها الملاۤئكة الحفظة الي محل السدرة و الحفظة الكرام البررة دون السدرة يكتبون ما ترفع اليهم الملاۤئكة من اعمال العباد في الارض قال فينتهون بها الي محل السدرة الحديث ، و هذا الحديث مما يدل علي اتّحاد محَلِّ السدرة مع عليّين كتاب الابرار و بالجملة لم‌اجد لكلامه من كون اصل السدرة شجرة الزقوم محملاً يليق الّا ذلك الاحتمال المرجوح و قوله طلعها كأنه رؤس الشَّياط۪ين يعني حمل تلك الشجرة كأنه رؤس الشياطين كناية عن تناهيه في الكراهة و قبح المنظر لما في النفوس من استكراه الشيطان و استقباحه لما في الطباع من ان الشيطان شرّ محض فيشبّهون كل مكروهٍ في طباعهم و كل قبيح برأس الشيطان كما كانوا يشبّهون كل حسن جميل بالملك كما قال تعالي اِنْ هٰذا الّا ملك كريم لما في طباعهم و نفوسهم من ان الملك خير محض لا كراهة في شي‌ء منه اصلاً و هذا تشبيه تخييلي و قيل ان التشبيه علي حقيقته فان الشيطان حيّة عَرْفاۤء لها صورة قبيحة المنظر هاۤئلة شديدة الكراهة و الوحشة و قيل انّ شجراً اسمه الاَسْتَن حشِفاً منتِناً مُرّاً منكر الصورة يسمّي ثمره رؤس الشياطين و العرب سمّوا هذا الثمر برؤس الشياطين لما فيه من الصفات المكروهة من جهة تخيّلهم لشدّة القبح و الكراهة في الشياطين ثم بعد استقرار التسمية كان عندهم اصلا يشبّهون به كلّ مستقبح و انت اذا لاحظتَ ما ذكرناه مراراً من ان جماعة من العلماۤء العارفين صرّحوا بان المشبه عين المشبّه به في القرءان و في الاحاديث المرويّة عنهم عليهم السلام باللفظ ظهر لكَ من ذلك تفسير باطن التأويل بانّ طلع شجرة الزقوم و ثمرها رؤس الشياطين الذين هم شياطين الانس و ائمة الضلال الداعون الي النار في جميع الاحوال فافهم

 

 

«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 763 *»

و قوله و هناك تنتهي اعمال الفجار يعني به انّ اعمال الفجار ينتهي الي منبت شجرة الزقوم الذي هو سجّين كتاب الفجار كما تنتهي اعمال الابرار الي منبت شجرة المزن اعني سدرة المنتهي علي الظاهر من كثير من اخبارهم عليهم السلام الذي هو علّيّون كتاب الابرار اذ ليس وراۤء ذلك في المقامين الّا مبادي الاعمال و دواعيها فانها في الاعمال الصالحة في الافئدة ثم في القلوب ثم في النفوس و في الاعمال الطالحة القبيحة فانّها في الانّيّةِ الاُولي الكلّيّة ثمّ في الجهل الكلّيّ ثم في النفوس الامَّارة بالسوۤء فانها في الاولي مقوّمة منعّمة و في الاخري مفرّقة مؤلّمة

و قوله و هي محيطة بالكافرين اي النّار بجميع ابوابها او جهنم علي جهة العموم اقتباس من الاية فانها كما اشار اليه الكتاب و صرّحوا عليهم السلام به من ان النار موجودة في الدنيا في اهلها و يوم القيمة اهلها فيها و لمّا طلب السّاۤئل من الامام زين‌العابدين عليه السلام بيان ذلك من القرءان اجاب عليه السلام بما معناه انّه موجود في نحو ثلاثين آية منها قوله تعالي يستعجلونك بالعذابِ و انّ جهنّم لمحيطة بالكافرين يعني في الدنيا و قوله تعالي يصلونها يوم الدّين و ما هم عنها بغاۤئبين يعني الأن و قوله تعالي لو تعْلمُنَّ عِلْمَ اليَقينِ لتروُنّ الجحيم و امثال ذلك كثير حتّي ان الساۤئل قال له عليه السلام لم لايتألّمون اذاً قال عليه السلام انّهم امواتٌ و لو كانوا احياۤءً لتألّموا و معني كونها فيهم انّ مَظاهرَها اي محالّ ظهورها صور اعمالهم و منشأوها مضمرات اعتقادهم و كذا سرادقها و السرادق كلّ ما احاط بشي‌ء من حاۤئطٍ او مضرب او خباۤءٍ يعني انّ سرادقها محيط بالكافرين و قيل السرادق ما يحيط بالخيمة و له باب يدخل منه الي الخيمة و قيل هو ما يُمَدُّ فوق البيت و سرادق النار بالمعاني الثلاثة نعوذ باللّه من النار .

قال } و ابوابها سبعة لقوله تعالي لها سبعة ابواب لكلّ باب منهم جزءٌ مقسوم و هي عين ابواب الجنّة لاهْلِها فانها علي شكل الباب الذي اذا فتح علي موضع انسدّ به موضع اخر فعينُ غَلْقِ هذه الابواب علي الجنّة فتحها الي النار الّا باب القلب فانه ابداً مطبوع علي النار لايفتح لهم ابواب السماۤء و لايدخلون

 

«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 764 *»

الجَنّة حتي يلج الجمل في سمّ الخياط لان صراط اللّه كما مرّ ادقّ من الشعر فيحتاج من يسلكه الي كمال الدِّقّةِ و اللطافة فانّي يتيسّر سلوكه للحمقاۤءِ الجاهلين سيّما مع العناد و الاستكبار فابواب النار سبعة و ابواب الجنّة ثمانية { .
اقول للنار سبعة ابواب فيحتمل ان المراد بالابواب طبقاتها و اصنافها و يحتمل ان يكون المراد بالابواب سبعة لكل طبقةٍ منها و الاحتمالان جاريان حتي في الاية في قوله تعالي لها سبعة ابواب لكل باب منهم جُزْؤ مقسوم و ان كان الظاهر من الاية و كلام المفسرين الاحتمال الاول و قوله جزؤ مقسوم يعني انّ المعذّبين تختلف مراتبهم في اعمالهم بحسب اختلاف ذواتهم فان كل جزئٍ خُلِق من طبقةٍ يعود اليها لا الي غيرها فمن خلقت طبيعته و صورته من الجحيم لايعود الي لظي التي هي تحتها و من خلقت طبيعته و صورته من لظي لايعود الي سقر التي هي تحتها و لا الي الجحيم التي هي فوقها و مَن خُلِقَتْ طبيعته و صورته من سقر لايعود الي الحطمة و لا الي لظي و من كانت من الحطمة لايعود الي الهاوية و لا الي سقر و من كان من الهاوية لايعود الي السعير و لا الي الحطمة و من كان من السعير لايعود الي جهنم و لا الي الهاوية و من كان من جهنم لايعود الي غيرها فلكل نار منهم قوم هم اولي بها و هي اولي بهم و قوله و هي عين ابواب الجنة لاهلِها يريد انّ ابواب النار السبعة مظاهرها في الانسان حواۤسّه الخمس اللمس و الشمّ و الذوق و السمع و البصر و الخيال و الوهم و قيل الحواس الخمس و الجسد و النفس اذا استعملها في غير ما خلقت لاجله بل استعملها فيما نهي عن استعمالها فيه كانت ابواب النار السّبعة لكل بابٍ منها جزء من اعماله القبيحة خرجت منه و تدخل فيه او منه كما انّها ابواب مشاعر ذلك المكلّف و اذا استعملها فيما خلقت لاجله و منعها من غير ما لم‌تخلق لاجله كانت ابواب الجنّة السبع لكل واحد منها جزؤ من اعمالِهِ الصّالحة خرجت منه و تدخل منه بمعني ان هذه السبعة طرق لتلك الدركات و هذه الدرجات و امّا الجنّة الثامنة جنة عدنٍ فبابُها و طريقها العقل و هو لايصلح

 

«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 765 *»

لاستعمال الاعمال السيئة فلهذا كانت الجنان ثمان و النيران سبع و اصل ذلك ان الانسان خلق انموذجاً من العالم كلّه كما نقل عن اميرالمؤمنين عليه السلام في قوله :
اتحْسب انك جرمٌ صغير       ** * **      و فيك انْطوي العالم الاكبر
فكل ما يوجد في العالم الكبير يوجد نظيره في العالم الصغير الذي هو الانسان و الذي في الانسان الصغير اياته و امثاله و نظاۤئره التي يستدلّ عليه بها لا ان تلك السبعة الاعضاۤء هي حقاۤئق ابواب الجنان و ابواب النيران كما اعترف به في الاسفار في الجواب فقال قلنا السمع و البصر و غيرهما التي لاهل السعادة و الهدي مباينة بالحقيقة و النوع عندنا للّتي لاهل الشقاوة و الهوي و ان وقع الاشتراك بينهما في اصل الاحساس و الشعور انتهي ، نعم هي ادلّة ذلك و طريق تلك المسالك و قوله فانها علي شكل الباب ليس علي اطلاقه لان كونها علي شكل بابٍ واحدٍ بين مدخلَيْنِ انما يجري في الافئدة و ضدّها اذ لا سهو و لا فتور بينهما بل كما ذكر اذا فتح علي موضعٍ انسدّ به موضع اخر و ذلك اذا كان باب الخشب بين مَدْخلَيْن فانه اذا فتح بابُ مدخلٍ سدَّ بابُه المفتوحُ المدخلَ الاخرَ و بالعكس بخلاف مداخل القلوب و النفوس و الخيال و الحواۤس فانه قد يغلق علي مدخلٍ لاينفتح به المدخلُ الاخر لوقوع الغفلات و الفترات و السَّهوات الّا ان الفؤاد بل القلب ليس له وجه الي الباطل فلايؤدّي الي النار فلذا لم‌تكن النيران اكثر من سبعٍ و كانت الجنانُ ثماني و حيث جاز وقوع الغفلات و الفترات دلّ علي انّهما بابانِ متشابهان باب للجنّة و باب غيره للنّار فلايصحّ جعل ابواب النيران بعينها ابواب الجنان بل هما متغايران و ان اتّحدت في الظاهر آلٰات الاستعمال لان الالة لم‌تخلق للنار و انما خلقت للجنّة الّا انها صالحة للاستعمال في التوصل الي النار فهي في الحقيقة للجنان اوّلاً و بالذات و للنيران ثانيا و بالعرض و لاجل هذه النّكتة كان المكلف اذا نوي خيراً كتبت له حسنة و ان فعله كتبت عشرا و اذا نوي شرّاً لم‌يكتب عليه شي‌ء و اذا فعله انتظر سبع ساعات بعدد الٰالاتِ الصالحة

 

«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 766 *»

فان تاب لم‌يكتب عليه شي‌ء و الّا كتبت عليه سيّئة واحدة و السرّ فيه ان الحسنة اذا بَرزَتْ من العقل بالنيّة الصالحة كتبت واحدة لانها برزت ممّا خلق لها فهي متأصّلة فيه فاذا عملها مرّت علي النفس و التعقل و العلم و الوهم و الوجود و الخيال و الفكر و الحيوة و الجسد فكتبت عشراً لانها مرّت علي عشر مراتب متأصّلة فيها بخلاف السيّئة فانها اذا برزت نيتها برزت من النفس التي لم‌تخلق لها فليست متأصّلة بل هي عارضةٌ فاذا عملها مرَّتْ علي العلم و الوهم و الخيال و الفكر و الحيوة و الجسد فلها سبع مراتب هي عارضة عليها النفس و هذه الستة فاذا عملها انتظرت سبع ساعات بعدد هذه المراتب فان تاب محيت لعدم استقرارها و الّا كتبت هذه السبعة الاعراض واحدة و ليس الّا لما قلنا و اللّه سبحانه اعلم باسرار خليقته فابواب طرق الجنة ذاتية و ابواب طرق النار عرضيّة فليس هي ايّاها فافهم و قوله الّا باب القلب فانه مطبوع علي اهل النار يعني ان تلك الاعضٰاۤء السبعة لاهل الجنّة و قد تفتح لاهل النار الّا باب القلب فانّه مطبوع باعمالهم علي قلوبهم فلايفتح لهم ابداً لانه لايصلح لاعمال الشرّ و انما هو مفتوح لاعمال الخير و لذا قال تعالي في حق اهل النار لاتفتّح لهم ابواب السماۤء و لايدخلون الجنّة حتّي يلج الجمل في سمّ الخياط و السماۤء يطلق في التفسير الباطن كما روي عنهم عليهم السلام و يراد به رسول اللّه صلي الله عليه و اله و هو يكني به عن العقل كما قال تعالي و ماكنا معذبين حتي نبعث رسولا اي عقلاً و لاجل هذا الطبع كانت الجنان ثماني و النيران سبعاً لعدم فتح باب العقل عليهم و قوله لان صراط اللّه ادقّ من الشعر الخ ، يشير به الي ان ما اشرنا اليه من كون الابواب في الجنّة و النار واحدة و كون الجنة ثماني لان باب القلب مفتوح عليهم و كون ابواب النار سبعة لان باب القلب مطبوع عليهم مغلق عليهم فلم‌يكن باباً للنار هو صراط اللّه و الصراط ورد في المتواتر المجمع عليه انه ادقّ من الشعر فيمور باقدام الساۤئرين عليه و احدّ من السيف فيشقّ اقدام الساۤئرين عليه فكنّي بكونه ادقّ من الشعر انه يضطرب لايثبت عليه الّا قدم مَن ثبّته اللّه

 

«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 767 *»

بالقول الثابت و كشف غطاۤء بصيرته و بكونه احدّ من السيف انه يشقّ قدم مَن سار عليه عن كونه يفرّق قلبه و يقسّمه حتي يسقط منه و ذلك لان دقاۤئق المعارف و اسرار العلوم هي صراط اللّه في الدنيا فاذا كان يوم القيمة عرف ان هذا الجسر الممدود علي جهنم طريقا الي الجنّة هو ذلك الذي كان في دار الدنيا من اسرار علوم الاعتقادات و المعارف فمن ثبت عليه في الدنيا و مَرَّ عليه ثبت عليه في الاخرة و مر عليه قال فاذا كان ذلك كذلك في كمال الدقّة و اللطافة حتّي ورد في بعض الاخبار ما معناه انّ في الصراطِ لعقباتٍ كَؤُداً لايقطعها بسهولةٍ الّا محمد و اهل بيته صلي الله عليه و اله فانّي يتيسّر سلوكه للحمقاۤء الجاهلين سيّما اهل العناد و الاستكبار و هو يعرّض بعلماۤء الظاهر و معلوم انّ كلامه هذا صادق علي كثير منهم و امّا ارادة كلهم فغلط ظاهرٌ لايخفي اذ ليس كلّ من لم‌يعرف الاسرار و يتعمّق في المطالب الدقيقة الخفيّة هالكاً كما انّ ليس كلّ مَن دقّق و تعمّق ناجياً فان المصنف ممّن تضرب به الامثال في التعمق و دقّة النظر و الاستفراغ للوسع و انظر كيف حال معرفته فاذا اردتَ اَن تعرف معرفته و اعتقاده فانظر الي شرحنا علي كتابه المشاعر و الي شرحنا هذا علي العرشيّة و ما نبّهنا عليه فيهما من فساد اكثر معتقداته و بطلان اكثر قواعده و استدلالاته و العلّة في ذلك انه سلك في جميع مطالبه مسلك الحكماۤء و شطحات الصوفيّة و لم‌يقتصر علي ما دلّوا عليه ائمة الهدي عليهم السلام و قد قال اميرالمؤمنين عليه السلام نحن الاعراف الذين لايعرف اللّه الّا بسبيل معرفتنا و قال عليه السلام ذهب من ذهب الي غيرنا الي عيون كدرة يفرغ بعضُها في بعضٍ و ذهب مَن ذهبَ الينا الي عيون صافيَةٍ تجري بامر الله لا نفاد لها ه‍ ، فلاجل ذلك اخطأ مع بالغ تحقيقه و شدّة تدقيقه .

قال } قاعدة في الاشارة الي عدد الزبانية قال تعالي عليها تسعة‌عشر و ماجعلنا اصحاب النار الّا ملاۤئكة و ماجعلنا عدّتهم الّا فتنة للّذين كفروا الايات ، اعلم انه قد انكشف لارباب البَصاۤئر النوريّة انّ هذا القالب البشري بحسب مشاعره و ابوابه و روازنه يشبه الجحيم و ابوابها و انكشف بالبصيرة انه جلس

 

«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 768 *»

علي ابواب هذا البيت الذي هو مثال الجح۪يم تسعة‌عشر نوعا من الزبانية و هي الحواۤسّ الخمس الظاهرة و الخمس الباطنة و قوّة الشهوة و الغضب و القوي السبع النّباتيّة و كلّ منها يجرّ القلب عن اوج القدس الي حضيض عالم السفل { .
اقول الزبانية هم ملاۤئكة النار واحدهم زبني مأخوذ من الزبن و هو الدّفع لانهم يدفعون اهل النار فيها و الزبانية في اللغة الشرطة و هم تسعة‌عشر و الدّليل علي سرّ خصوص هذا العدد مستنبط من قوله تعالي سنريهم اياتنا في الافاق و في انفسهم حتّي يتبيّنَ لهم انّه الحقّ ، و قول الصّادق عليه السلام العبودية جوهرة كنهها الربوبيّة فما فُقِد في العبوديّة وُجِد في الربوبيّة و ما خفِي في الربوبيّة اُص۪يبَ في العبوديّة الحديث ، و قال الرّضا عليه السلام قد علم اولوا الالباب ان الاستدلال علي ما هناك لايكون الّا بما هيهنا ه‍ ، و حيث ثبت انّ الانسان هو العالم الصغير و كل ما في العالم الكبير فهو موجود في العالم الصغير لانّه انموذج له و دليل بما حضر و وُجِدَ فيه عَلَي مٰا غَاب من العَالَمِ الكبير كما قال :
اتحسب انّكَ جرم صغير       ** * **      و فيك انطوي العالمُ الاكبرُ
فاذا اردنا اَن نعرف شيئا ممّا غاب عن حواۤسّنا من العالم الكبير نظرنا نظيره فينا الَّذي هو دليله فاِذَا اَردْنا اَنْ نَعرف الزَّبٰانية و عددهم طلبنا نظيره فينا وَ طَلبْنٰا ظاهره في العالم الكبير وجدنا انّ مدار التدبير في نظام العالم علي اثني‌عشر برجاً و علي سبعة نجوم سيّارة اودع سبحانه فيها اسرار التدبير و احكام التقدير في العالم كما دل عليه الحديث المتقدم من تفسير العياشي عن ابي‌عبدالله عليه السلام قال ان الله تبارك و تعالي خلق روح القدس و لم‌يخلق خلقا اقرب اليه منها و ليست باكرم خلقه عليه فاذا اراد امراً القاه اليها فالقاه الي النجوم فجرت به ه‍ ، فان ظاهره ان الملاۤئكة الموكلين بالنجوم اذا اراد تعالي اجراۤء شي‌ء اجراه بواسطة روح القدس و روح القدس يلقيه بواسطتهم لقوله تعالي فالمدبرات

 

«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 769 *»

امراً و هم الملاۤئكة فالقاۤء الامر الي النجوم لو لم‌يكن بواسطة الملاۤئكة لم‌يكونوا مدبّري امرٍ و روي علي بن عيسي في كشف‌الغمّة عن الامام علي بن الحسين عليهما السلام قال و ما عسيتُ اَن اصِفَ من محن الدنيا و ابلغ من كشف الغطاۤء عمّا وكِّلَ به دَوْرُ الفلك من علوم الغيب و لستُ اذكر منها الّا قتيلاً افنَتْهُ او مغيّبِ ضَريحٍ تجافَتْ عنه الخ ، فاذا عرفتَ مأخذ الدليل و عرفت انّ دليل الربوبيّة في العبوديّة و دليل العبوديّة في الربوبيّة و عرفت ان الاثني‌عشر البرج و السبعة السّيّارة موكّل بها الملاۤئكة الّذين يفعلون بواسطة هذه البروج و النّجوم فاذا عرفتَ مقام تلك الملاۤئكة من الامر المراد في العباد عرفت انّهم تلك الزبانية في الانسان الكبير بناۤء علي ما ذهب اليه المصنف من ان الجحيم تحت الكرسي و علي غير هذا الرأي المخدوش تكون هذه الملاۤئكة موكّلين بعالم الدنيا الجامع لعالم الاخرة الجامع لعالم الجنّة و النار فتكون هذه النشأة و ما فيها دليل نشأة الاخرة و ما فيها في الدارين الجنّة و النار امّا الملاۤئكة الذين في النار المشابهين لما في الدنيا فهم الزبانية في النار يوم القيمة و في البرزخ بل و في الدنيا كما في العالم الصغير فانّ فيه الفصول الاربعة في طبايعه و في كل فصلٍ ثلاثة بروج باعتبار اوّله و اوسطه و اخره في مدة بقاۤئه الفصول الاربعة فصل الربيع من الطفولية الي العشرين السنة او الي ما زاد عليها الي الثلاثين و فصل الصيف من العشرين الي الاربعين او مما زاد علي الثلاثين الي الستين و فصل الخريف او فصل الشتاۤء علي الخلاف من انّ الشتاۤء في العالم الصغير مقدّم علي الخريف بعكس العالم الكبير لان الخريف فصل الموت في الصغير و آخر العالم الكبير اقوي من اوّله او ان الصغير كالكبير في تقدّم فصل الخريف و فصل الخريف في الصغير من الاربعين الي الستين او من الستين الي التسعين و فصل الشتاۤء من الستين الي الثمانين او من التسعين الي مائة و عشرين او ما دون ذلك علي الاحتمالات و كلّ فصل طرفان و وسط علي كلِ واحدٍ ملك موكل به فهذه اثناعشر و علي عقله و علمه و وهمه و وجوده الحسّي و خياله و فكره و حياته كل واحد ملك موكّل به فهذه تسعة‌عشر لانّ المشابهين لما في الدنيا مَنْ جري

 

«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 770 *»

تدبير امورهم منهم علي مقتضي الفطرة التي فطر اللّه النّاس عليها لم‌يغيّرها اهلها كانوا لهم موكّلين بتدبير امورهم يوم القيمة في الجنة و مَن جري تدبير امورهم علي مقتضي الطبيعة المبدّلة التي نهي تعالي عنه في قوله لا تبديل لخلق اللّه فان النفي بمعني النهي و الطبيعة المغيّرة التي نهي تعالي عنه في قوله حكاية عن قول عدوّه ابليس فليغيرنّ خلق اللّه كانوا لاهل التبديل و التغيير موكلين بتدبير امورهم يوم القيمة في النار و هؤلاۤء هم الزبانية فالزبانيّة الكليّة زبانية العالم الكبير تسعة‌عشر و الزبانية الجزئيّة زبانية الانسان الواحد و هو العالم الصغير لكل واحدٍ من اهل النار زبانية تَخصّه غير زبانية الاخر هم سدنة الزبانية الكليّة و لكن تطبيق المصنف و مَن يقول كقوله ممن قبله او بعده مختلف لانهم جعلوا الزبانية في العالم الصغير الحواۤسّ الخمس الظاهرة و الحواس الخمس الباطنة فالاولي اللمس و الشم و الذوق و السمع و البصر و الثانية الحس المشترك و الخيال و الوهم و الحافظة و المتخيّلة و قوّة الشهوة التي فعلها جذب الملايمات و الميل اليها و قوّة الغضب التي فعلها دفع المنافرات و المكروهات و قوة الجاذبة الحارة اليابسة و القوة الهاضمة الحارة الرطبة و القوة الدافعة الباردة الرطبة و القوّة الماسكة الباردة اليابسة و القوة المغذّية و المولّدة و المُنَمّية و هذه التسعة‌عشر التي من الطبيعة الجسمانية و النفوس الحيوانية الحسيّة الفلكية آلٰاتُ الملاۤئكة الموكّلة بها لاثارة مقتضيات طبايعها الذين هم زبانية نار ذلك الشخص الطبيعيّة و هي جزئيّات لما في العالم الكبير فلاتنطبق علي ما ذكروه في العالم الكبير لان كثيرا من العلماۤء ذكروا ان النجوم السبعة منها زحل و هو نجم العقل يعني التعقل و العقل باب مغلق لايفتح لاهل النار فبقيت ستة انجم اذا اعتبرت الملاۤئكة الموكلون بها لانّهم قالوا ان تلك الملاۤئكة كالنفوس او نفوس و تلك النجوم اجسام لها او كالاجسام علي الاحتمالين و ملاۤئكة ستة اخري موكّلون بنفوس افلاكها او نفوسها و هي نفوس تلك النفوس و كالنفوس لتلك النفوس و المراد ان الملاۤئكة علي المذهب الحق غير ما وكّلوا به فهذه اثناعشر ملكا و اربعة ملاۤئكةٍ موكلون بالعناصر الاربعة و ثلاثة ملائكة موكلون بمعادن

 

«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 771 *»

العالم الكبير و نباتاته و حيواناته فهذه تسعة‌عشر ملكاً هم المدبرون امراً في الدنيا لما في الاخرة فمن كان منهم جاريا في تدبيره علي الطبائع و الفطرة المغيّرة و المبدّلة بحسب مقتضياتها فهم زبانية النار الكليّة للكلية و الجزئيّة للجزئيّة و من كان جارياً في تدبيره علي مقتضي فطرة اللّه التي فطر الناس عليها فهم سَدَنة الجنان و جنود رضوان و قوله و كل منها يجرّ القلب عن اوج عالم القدس صادر علي متعارف العوام من كونِ المراد من القلب هذا الذي هو عبارة عن الفهم و التمييز الذي هو مناط التكليف و هذا المذكور ليس من عالم القدس بالفعل و انما هو بالقوة لانه اذا عمل بطاعة خالقه سبحانه و اجتنب معاصيه كان ذلك القلب من عالم القدس و امّا قبل ذلك فليس من عالم القدس اذ لو كان من عالم القدس لماانجرّ من اوج عالمه المطهّر الي حضيض عالم السفل و الرجس اذ لو كان من عالم القدس لطهّر كل تلك القوي الي عالمه و لايقابله منها شي‌ء لانه حينئذ جند الله و جند الله هم الغالبون و لكن هذه دقيقة تخفي علي المصنف و امثاله فانهم يطلقونه علي غير ما عُبِد به الرحمن و اكتسب به الجنان لانهم يرون انّ العقول ليس فيها قوّة استعداد بل كل ما فيها بالفعل و هذا شأن من لم‌يجر عليه الايجاد و ربّما اشتبه علي عارفيهم لِقول علي عليه السلام حين سئل عن العالم العلوي فقال عليه السلام صور عارية عن المواد عالية عن القوة و الاستعداد تجلّي لها فاشرقت و طالعها فتلألأت الحديث ، و ليس مراده عليه السلام ما ذهبوا اليه و انما مراده بعد قبولها ما اعطاها و قبولها عبارة عن القيام باوامر اللّه و اجتناب مناهيه لان المراد بكونها عالية عن المواد العنصريّة لا عن مطلق المادة اذ لايوجد مخلوق بل لايمكن ايجاد مخلوق لا مادة له سواۤء كان جوهرا ام عرضاً و الّا لماكان شيئا سبحان من ليس كمثله شي‌ء و هو السَّميع البصير .

قال } و امّا الكلام في اصولها و سوابقها فاعلم ان مدبّرات الامور في برازخ عالم الظلمات و هي المشار اليها بقوله و السابقات سبقا فالمدبرات امرا فهي في باطن العالم الكبير الجسماني الارواح الملكوتية للكواكب السبعة و البروج

 

«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 772 *»

الاثني‌عشرية فالمجموع تسعة‌عشر سرّا و جهاراً غيبا و شهادة و كذا في العالم الصغير الانسان هي رؤساۤء القوي المباشرة لتدبير البرازخ السفليّة و هي التسعة‌عشر المذكورة سبع منها مبادي الافعال النباتيّة و اثناعشر منها مبادي الافعال الحيوانية { .
اقول اصول الزبانية الجزئيّة اي الّتي في الانسان الجزئي و هي الملاۤئكة الموكّلة بحواۤسّه الظاهرة و الباطنة و عناصره الاربعة الجاذبة و الهاضمة و الدافعة و الماسكة و المغذّية و المربّية و المولّدة و قوة الشهوة و قوة الغضب متفرعة من الزبانية الكليّة اي في العالم الكبير بمعني انّها خلِقت من اشعّة الملاۤئكة الكليّة و الملاۤئكة الكليّة الّتي في النشأة الاولي اعني الدنيا هي الموكّلة بالكواكب الستّة الّتي هي المشتري و المريخ و الشمس و الزهرة و عطارد و القمر و الموكّلة بافلاكها السّتة و الموكّلة بالعناصر الاربعة و الموكّلة بالمواليد الثلاثة المعادن و النباتات و الحيوانات مَنْ كان مربِّياً للطباۤئع المغيّرة و المبدّلة منهم و هم جنود مالك خازن النيران و هم زبانية جهنم و هم الاصول للزبانية الجزئيّة لان الجزئيّة امثال الكليّة و صورها و من كان من الملاۤئكة الكليّة مربّياً في النشأة الاولي للفطرة الّتي فطر اللّه النّاس عليها فهم جند رضوان و سدنة الجنان و بالجملة المدبّرات امراً اصولهم ثلثمائة و ستون ملكا تسعون جنود جبرئل عليه السلام ثلاثون يعملون له في خلق العقول و ثلاثون يعملون له في خلق النفوس و ثلاثون يعملون له في خلق الاجسام و تسعون جنود ميكاۤئيل ثلاثون يعملون له في رزق العقول و ثلاثون يعملون له في رزق النفوس و ثلاثون يعملون له في رزق الاجسام و تسعون جنود عزراۤئيل ثلاثون يعملون له في موت العقول و ثلاثون يعملون له في موت النفوس و ثلاثون يعملون له في موت الاجسام و تسعون جنود اسرافيل ثلاثون يعملون له في حيوة العقول و ثلاثون يعملون له في حيوة النفوس و ثلاثون يعملون له في حيوة الاجسام و كل واحدٍ من هذه الثلثمائة و السّتين تحته من الملاۤئكة لٰايحصي عددهم الّا اللّه يخدمونه و يعينونه في الجهة الموكّل بها و ائمة الكلّ هذه الاربعة لانّهم

 

«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 773 *»

موكّلون بالعالم كله غيبه و شهادته فجبرءيل عليه السلام موكّل بالخلق و هو ربع العالم و هو يستمد من النور الاحمر من اركان العرش و ميكاۤئيل عليه السلام موكّل بالرزق و هو ربع العالم و هو يستمد من النور الابيض من اركان العرش و عزراۤئيل عليه السلام موكّل بالموت و هو ربع العالم و هو يستمدّ من النور الاخضر من اركان العرش و اسرافيل عليه السلام موكّل بالحيوة و هو ربع العالم و هو يستمدّ من النّور الاصفر من اركان العرش و كل المذكورين من المتبوعين و التّابعين مدبّرون امراً بقولٍ مطلقٍ و التسعة‌عشر الملك الزبانية نوع خاۤصّ بملاۤئكةٍ يَدُعُّون المنافقين و الكافرين الي مراتبهم من جهنم دَعّاً و يدفعونهم الي النار دفعاً و فعلهم ذلك هو صورةُ تَدْب۪يرهم لدواعي طبايعهم المغيّرة المبدّلةِ المؤجّجة لنيران تعذيبهم و هذه الملاۤئكة في النشأة الاولي تجري فيما وُكِّلُوا به كجَريان الرّوح في الجسد و مُسْتَجِنّون في غيبه كاستجنان المعني في اللّفظ و في النشأة الاخري يظهرون في عالَم الشهادة لان وجود عالم الغيب في النشأة الاولي لعدم ظهوره في عالم الشهادة و في النشأة الاخري يحضر عالم الغيب فيكون الكل شهادةً لا غيب فيه و قوله سبعة منها مبادي الافعال النباتية يعني ان سبعة من التسعة‌عشر تظهر تأث۪يرها بواسطة الافعال النباتية و هي افعال العناصر و ما تألّفَ منها من المعادن و النباتات و الحيوانات اذ المراد بالحيوانات الاجسام الحيوانية لا نفوسها لانّ نفوسَها من نفوس الافلاك و هي من مبادي الاَفْعال الحيَوانيّة فانّ النجوم الستّة الّتي ذكرناها من مبادي الافعال الحيوانية لان اشعتها هي الملطّفة للابخرة القلبيّة و هي المنضجة لها نضجاً معتدِلاً و هي الحاملة للنفوس المتعلّقة بتلك الابخرة بعد نضجها و اعتدالها في النضج فان اشراقات نفوس افلاكها علي تلك الابخرة القلبيّة انّما تقع عليها بواسطة اشعّة تلك الاجرام النيّرة و ان كانَتْ ايضا مبادي للافعال النباتية لتوقّف تنزل النفوس الحيوانية علي النفوس النباتيّة فتكون هذه الكواكب السّتة مبادي للافعال النباتيّة في التغذية و التربية و التوليد لكون النفوس النباتية مراكب للنفوس الحيوانية الّا ان هذه الكواكب السّتة

 

«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 774 *»

ابواب لنفوس افلاكها فهي مظاهر الحيوة كالقمر و الفكر كعطارد و الخيال كالزهرة و الوجود الثاني كالشمس و الوهم كالمرّيخ و العلم كالمشتري فاذا كانت هذه الكواكب مظاهر النفوس الفلكيّة الحيوانية الحسيّة كانت احري بان يكون مبادي لافعالها نعم الاولي ان يقال سبعة منها مبادي لافعال النباتات و سابعها مشترك بين الحيوانات و النباتات و ستّة مبادي للافعال الحيوانيّة و هي نفوس الافلاك و ستّة منها مشتركة فهي مبادي للافعال النباتية و مبادي للافعال الحيوانيّة و هي النجوم الستة فافهم و الله سبحانه اعلم .

قال } فالانسان ما دام محبوساً بهذه المحابس الداخلة و الخارجة مسجوناً بسجن الطبيعة مأسوراً في ايدي هذه العُمّال الكليّة و الجزئيّة لايمكنه الصعود الي عالم الجِنان و منبع الرضوان و دار الحيوان فاذا لم‌يتخلص عن تأثيرها و تقييدها كانت حاله كما افصح عنه قوله تعالي خذوه فغلّوه ثم الجحيم صَلّوه الايات ، فاذا انتقل من هذا البدن بالموت فينتقل من السجن الي السّجّين فيؤدّيه المالك الي هذه الزبانية التي هي من اثار تلك المدبّرات فيعذّب بها في الاخرة كما يُعَذّب بها في الدنيا من حيث لايشعر لكثافة الحجب و غلظتها فاذا انكشف الغطاۤء اوْ رَقّ الحجاب يري شخصه مُعَذَّبا بايدي سَدَنةِ الجحيم و زبانية نار الحميم يجرّونه الي جهنم بسلاسلهم و اغلالهم { .
اقول يريد ان الانسان ما دام محبوساً بهذه المحابس و هي جمع محبس بفتح الميم و الباۤء محلّ الحبس و يجوز بكسر الميم و فتح الباء ما يحبس به من سلسلةٍ و حبل و غيرهما و المراد بالمحْبِس بفتح الميم الطبيعة الماديّة العنصرية و ما يتركّب منها و بكسر الميم مُيُولها و مقتَضياتها و دواعيها و خُصوصاً متعلّقات هذه التسعة‌عشر و محاۤلّها التي هي مدبّرة لهٰا فانّها هي المؤجّجة للنيران من دواعي الطبيعة الماۤدّية و ميولاتها و شهواتها و هويها و ما اشتملت عليه و اقتضتْهُ او ترتّبَ عليها من الغلَظ و التثاقل و الكسَل و التَمطّ۪ي و كثافة حجب انّيّتها مأسوراً في ايدي هذه العُمّال المدبّرة المربّيَة لهذه الصفات الذميمة المنمّية لها القائمة بمقتضاها المتمّمة لما نقص من رذٰاۤئِلها و نقاۤئِصها و لوازمها الكلّيّة و

 

«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 775 *»

الجزئيّة لايمكنه الصعود الَي عالم الجِنان لانّها في اعالي مراتب الامكان و ذلك لثِقَلِ تلك القيود الاليمة و غلظ حجب تلك الصفات الذّميمة و ظلمة تلك الطرق المعوجّة الغير المستقيمة لانّ فروع مظاهر الغضب و اثار السّخط مقابلة لمنبع الرضوان و معاكسة لِدَارِ الامان و دواعي الهلاك و البوار معاكسة لدار الحيوان التي لا موتَ في شي‌ءٍ منها و لا مما فيها و اهل النار حقاۤئقهم ثقيلة و لهٰذا يعبّر عنهم بالحجَارة كما مرّ في حديث المنافق او اليهودي وَ لَوّحَ اَميرالمؤمن۪ينَ عليه السَّلام بذٰلِكَ في اِشَارَاتِ كَلامه فقال تَخفَّفُوا تَلْحَقُوا فَاِنّما يُنْتَظَرُ باوّلِكمْ آخركم ه‍ ، فاذَا تخلّصَ مِنْ هذِه الدَّواعي و اطلق نفسه من هذه القيود و الصفات الذميمة رقي الي اعالي الجنان و منبع الرضوان و دار الحيوان و اذا لم‌يتخلّص من تأثيرها و تقييدها كانت حاله كما افصح عنه قوله تعالي خذوه فغُلّوه ثم الجحيم صلّوه ثم في سلسلةٍ ذرعها سبعون ذراعاً بذراع ابليس فاسلكوه و هذه الايات نزلت في ملكٍ جبّارٍ لان السّلسلة المشار اليها سبعون ملِكاً جبّاراً ثلاثون من ذرّيّة رجل واحدٍ و هذا الجبّار الّذي نزلت فيه هذه الايات منهم و اربعون من ذرّيّة رجل واحدٍ و السلسلة سبعون ذراعاً بذراع ابليس كل ذراعٍ طوله سبعة اشبارٍ و الملاۤئكة المأمورون بِاَخْذِهِ هُم الزّبانية فاذا انتقل هذا الرجل المسجون بهذه السجون المقيّد بهذه القيود الغليظة قبل ان يتخلّص منها ينتقل بالموت من سجن المعاصي و الاعمال القبيحة الي سجّين كتاب الفجار و هي سجن الجزاۤء فيتسَلّمُه مالك فيؤدّيه الي ايدي هذه الزبانية التسعة‌عشر الكلّية الّتي هي من اتباع تلك المدبرات الكلّية بل من ابدالهم لا من اثارهم نعم الزبانية الجزئيّة من آثارهم كما ان العالم الصغير من اثار العالم الكبير فتعذّبه الزبانية بتلك الصفات الذّميمة في الاخرة لانّ هذه الصفات الذّميمة كانت ثمرات تغيير الفطْرة و تبديلها المخالف لما ينبغي من الامور الملايمة الموافقة للنفس فان ثمرات المنافر للنّفس منافرة للنفس غير ملايمةٍ لها و انما هي ملايمة للتغيير و التبديل مثلاً الملايم للنفس الصحّة و الغني و الامن لانّه هو مقتضي الفطرة المستقيمة التي فطر اللّه الناس عليها و هي الموافقة لمحبّته و رضاه سبحانه و المرض و

 

«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 776 *»

الفقر و الخوف ملايم للفطرة المغيّرة المبدّلة ففي الدنيا لمّا غيّر الفطرة و بدّلها وقع به المرض و الفقر و الخوف لانّه مقتضاها اي مقتضي الفطرة المغيّرة المبدّلة فتلايمها الصّفات الذميمة و لاجل تلبيس النفس و دعويها عدم التغيير و التبديل و خفاۤء الفطرة المستقيمة حتّي كأنها عند النفس هي المغيّرة فربّما غَفلَتْ عن التألّم بالمنافر لحصول ملايمته للمغيّرة و مخاتلة النّفس بانّها هي المستقيمة في بعض غفَلاتها فلاتكاد تحسّ بالتّألّم (ظ) و ربّما ذكرت فوجدت عملها غير ملايم للمستقيمة فتتألّم عند وجدانِها للمنافر و اما يوم القيمة فتظهر الفطرة المستقيمة و يتبيّن منافرة الاعمال لها و مخالفتها لرضي اللّه تعالي فيتألّم بذلك و ينظر لزوم تلك الصفات المذمومة و عدم الانفكاك منها فتشتدّ حسرته و هو معني قوله فيعذّب بها في الاخرة كما يعذّب بها في الدنيا من حيث لايشعر لكثافة الحجب و غلظتها و قد يشعر عند تذكّره فيشعر بها و قوله فاذا انكشف الغطاۤء اوْ رَقّ الحجاب الخ ، يعني اذا ماتَ المعبر عنه بكشف الغطاۤء اوْ رقّ الحجاب اي او ضعفت الموانع الطّبيعيّة او فاذا كشف الغطاۤء بان فتحت عين بصيرته اوْ رَقّ الحجاب باَنْ اَماتَ نفسه وَ اجتمع قلبه ظهرت له حقيقة الحال فرءا شخصه معذّباً بايدي سدنة الجحيم و زبانية الحميم و السَّدنة جمع سادن و هو الخادم مثل كفرة جمع كافر في الدارين علي الاحتمالين يعني ان مات او امات نفسه او فُتِحت عين بصيرته رأي نفسه معذّباً بايدي خَدَمة الجح۪يم و زبانية الحميم عطف تفسيري يجرّونه الي جَهنم بسلاسلهم و هي ميولات طبيعته و شهواته و هوي نفسه و اغلالهم بصحف اعماله و ملكات انِّيّته وَ عَود صور اعماله الي مراكزها من النيران .

قال } قاعدة في الاعراف و اهله قال تعالي و علي الاعراف رجال يعرفون كلا بس۪يميٰهم قيل هو سور بين الجنة و النار باطنه فيه الرحمة و هو ما يلي منه الجنة و ظاهره من قبله العذاب و هو ما يلي منه النار يكون عليه من تساوت كفّتا ميزانِ حسناته و سيّئاتِه فهم ينظرون بعينٍ الي النار و بعينٍ اخري الي الجنّة و ما لهم رجحان بما يدخلهم الله في احدي الدارَيْن هذا ما قيل و عندي ان

 

«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 777 *»

الاعراف غير السور الواقع بين الجنّة و النار و الذي ذكروه انما يصح و يليق في تفسير قوله تعالي فضرب بينهم بسورٍ له باب باطنه فيه الرحمة و ظاهره من قبله العذاب و امّا الاعراف فاصله مأخوذ من العرفان كما قال يعرفون كلّا بسيميٰهم و اِمّا مِن عُرفِ الفرس فهو شعر عنقه و هو الموضع المرتفع منه و العرفة ايضا الرمل المرتفع كناية عن ارتفاع مكانهم و علوّ ذاتهم { .
اقول الاعراف قيل هو سور بين الجنّة و النار مستعار من عُرْفِ الفرس و قيل العرف ما ارتفع من الشّيْ‌ء فانه يكون بظهوره اعرف من غيره و في تفسير علي ابن ابراهيم عن الصادق عليه السلام الاعراف كثبان بين الجنة و النار و في الكافي عن اميرالمؤمنين عليه السلام في هذه الاية نحن الاعراف نعرف انصارنا بسيميٰهم و نحن الاعراف الَّذ۪ين لايعرف الله عز و جل الّا بسبيل معرفتنا و نحن الاعراف يُوقِفنا اللّه عز و جل يوم القيمة علي الصراط فلايدخل الجنّة الّا من عرَفَنا و عرفناهُ و لايدخل النار الّا من انكرنا و انكرناه و في البصاۤئر و الاعراف صراط بين الجنّة و النار و قيل الاعراف سور بين الجنّة و النار باطنه فيه الرحمة و هو ما يلي منه الجنّة و ظاهره من قبله العذاب و هو ما يلي منه النار يكون عليه مَن تساوت كفّتا ميزانِ حسناتِه و سيّئاته و هم المرجون لامر الله امّا يعذبهم و امّا يتوب عليهم و يريد هذا القاۤئل بقوله فهم ينظرون بعينٍ الي النار و هي عين اليأس لكثرة السّيّئات و بعينٍ اخري الي الجنّة و هي عين الرجاۤء لكرم الكريم و هؤلاۤء ان وقع منهم هذا النظر الثاني نظراً الي اعمالهم الحسنة هلكوا و ان كان نظراً الي كرم الكريم سبحانه بل و لو الي غناه و صدق وعده انّه لايضيع عمل عاملٍ و لم‌يتوعد هكذا في طرف السيئات نجوا و قول القائل و ما لهم رجحان بما يدخلهم الله في احدي الدارين لتقاوم النظرين في انفسهم نظر الخوف و نظر الرجاۤء فالمستفاد من الادلّة ان هؤلاۤء يأول امرهم الي النجاة لما قلنا من رجحان جانب الفضل علي جانب العدل و لقد روي ما بعض معناه ان الله سبحانه يوقف رجلاً يوم القيمة فيقول له الم‌اءمُرْك الم‌انهك فيقول بلي يا رب فيقول تعالي فلم عصيتني فيقول يا ربّ غلبت عليّ شقوتي فيقول تعالي يا

 

«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 778 *»

ملاۤئكتي مروا به الي النار فتأخذه ملاۤئكة النار فيقول و عزتك و جلالك ماكان هذا ظني بك فيقول للملاۤئكة قفوا به فيقول له ما كان ظنك بي فيقول ظني بك ان تعفوَ عني فيقول تعالي يا ملائكتي و عزّتي و جلالي ماكان ذلك ظنّه بي و لو كان ذلك ظنه بي في دار الدنيا لَمارَوَّعْتُه بالنار و لكن اَجيزُوا له كذِبَهُ و ادخلوه الجنّة ه‍ ، و ذلك لانّ الخوف من السيّئات مقوٍّ لمقتضي الرجاۤء ما لم‌يكن قنوطاً من رحمة الله و اعلم ان بعضهم ذكر معني اخر ( قد سقط من النسخة الاصلية حوالي ثلثها فنقل الكتاب من هنا الي صفحة ٣٢٠ من نسخ اخري مطبوعة و مخطوطة )
للاعراف و هو ان الاعراف مقام لبعض اهل الجنة و هو ان من عرف الله في دار الدنيا بالعلم و العمل اذا ورد علي مقام التعارف بين الله و بينه و مثاله رجل قدم بلدا و في تلك البلد شخص بينهما ( فمن خ‌ل ) عرف الله عز و جل بالمعرفة الظاهرة التي هي العلم بما وصف به نفسه لعباده و بالمعرفة الباطنة التي هي الاخلاص في العمل و الطاعة اذا قدم الجنة كان له قدم صدق عند ربه و هو الاعراف و مقام الكثيب في الجنة انزل من مقام الاعراف فانه لمن قدم الجنة قاصرا عن رتبة الاول فانه كالقادم علي بلد ما كان عارفا باحد من اهلها فانه اول قدومه غريب حتي يعرف ( يتعرف خ‌ل ) باحد منها و هذا مقام اهل الكثيب فتحصل من جميع ما اشرنا اليه ان الاعراف له اطلاقات احدها يراد منه موقف علي الصراط لمن لم‌يتميز لهم حاله ( حالهم خ‌ل ) حتي يعرف حالهم فيلحقون باهل الجنة او باهل النار و ثانيها يراد منه موقف يعرف فيه اهل الجنة و اهل النار و بسيماهم باعمالهم او بمرورهم علي الصراط و عبورهم الي الجنة و عدمه و ثالثها يراد منه موقف المميزين للفريقين علي الصراط بين اهل الجنة و النار للتميز بينهم و رابعها يراد منه موقف ضعفاء الناجين الذين لم‌يسبقوا و كان يظن بهم انهم من الهالكين ثم يؤمر لهم بدخول الجنة و خامسها يراد منه مقام في الجنة دون مقام الرضوان كما سمعت مما نقلناه عن بعضهم و سادسها يراد منه المميزون لاهل

 

«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 779 *»

الجنة و اهل النار و في الظاهر هم الانبياء و المرسلون و الملئكة و الشهداء و الصالحون و في الحقيقة هذا المسمي هنا بالاعراف هم الرجال و هم محمد و علي و فاطمة و الحسن و الحسين و التسعة الاطهار من ذرية الحسين صلي الله عليه و علي اهل بيته الطاهرين و قوله و عندي ان الاعراف غير السور الواقع بين الجنة و النار الخ ، يريد ان ماذ كره هذا القائل من ان الاعراف هو السور الواقع بين الجنة و النار غير لايق لانه تعالي ذكر الاعراف و ذكر بعده ما يشير الي المراد منه و ذكر السور و وصفه بما لايلائم وصف الاعراف و هذا يدل علي مغايرته له و القائل فسر الاعراف بما وصف الله به السور فان الله سبحانه قال في السور له باب باطنه فيه الرحمة و ظاهره من قبله العذاب و رسول الله (ص‌) اشار الي بيانه في جوامع كلمه فقال انا مدينة العلم و علي بابها و في رواية اخري انا مدينة الحكمة و علي بابها فمن اراد الحكمة فليأتها من بابها و ورد تفسير السور بعلي بن ابيطالب (ع‌) و باطنه حبه و ولايته و ظاهره بغضه و عداوته فاشار (ص‌) الي ذلك بقوله حب علي حسنة لاتضر معها سيئة و بغض علي سيئة لاتنفع معها حسنة ه‍ ، و ان عليا (ع‌) ايضا هو الرائد لمحبيه ( لمحبته خ‌ل ) اي رائدهم الي الجنة و هو الذائد لاعدائه يذودهم عن الجنة الي النار و هذه و امثالها تصح و تليق ببيان السور لانه (ع‌) هو الحايط بين الجنة و النار و اين هذه المعاني من معني الاعراف فان الاعراف من جهة مفهومه يليق به انه مأخوذ من المعرفة او من عرف الدابة و هو الشعر الذي ينبت علي اعلي عنق الدابة او من العرفة بضم العين و هو الرمل المرتفع او من اعراف الرياح و هو اعاليها و كني به في اهل الاعراف عن ارتفاع مكانهم و علو ذاتهم اذا اريد بهم العارفون او الذين يعرفون كلا بسيماهم و اذا اريد بهم من تساوت حسناتهم و سيئاتهم او المقصرون من الناجين فلان حالهم المشتبه يتبين فيه و يظهر كما يظهر الشي‌ء العالي .

قال } و اهل الاعراف هم الكاملون في العلم و ( او خ‌ل ) المعرفة الذين يعرفون كل طائفة من الناس بسيماهم و يرون بنور بصيرتهم الباطنة اهل الجنة و

 

«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 780 *»

اهل النار و احوالهما كما قال النبي (ص‌) اتقوا فراسة المؤمن فانه ينظر بنور الله لكنهم يعد في هذا العالم من حيث ابدانهم كما قيل ابدانهم في العالم الاسفل و قلوبهم معلقة كالقناديل بالملأ الاعلي فهم بالاجساد ارضيون و بالقلوب سماويون اشباحهم فرشية و ارواحهم عرشية و لم‌يموتوا بالموت الطبيعي حتي يدخلوا الجنة بدنا كما دخلوها روحا كما قال لم‌يدخلوها و هم يطمعون رجاء رحمة ( لرحمة خ‌ل ) الله و اذا خرجوا عن الدنيا كان طمعهم عين الوصول و قوتهم عين الفعلية و الحصول و اما قبل ذلك فحالهم كحال برزخي بين احوال اهل الجنة و اهل النار لان قلوبهم منعمة في نعيم الجنان من الايمان و العرفان و ابدانهم معذبة بعذاب الدنيا و موذياتها ( معذباتها خ‌ل ) فهم كما قال تعالي و اذا صرفت ابصارهم تلقاء اصحاب النار قالوا ربنا لاتجعلنا مع القوم الظالمين { .
اقول اخذ يصف اهل الاعراف و قد سمعت ان الاعراف له اطلاقات و الذي ذكرهم صنف من اهل الاعراف و عني بهم اهل الاعراف في التأويل و المراد من اهل الاعراف من يذكرون في التأويل و في الباطن و في الظاهر علي ما يقتضيه مقامات الاطلاقات و المناسب لمثل كتابه ذكر الكل لا خصوص البعض فقال و اهل الاعراف هم الكاملون في العلم الذي هو البصيرة في الدين و في المعرفة بالله و صفاته و اسمائه و افعاله و عبادته و بانبيائه و رسله و اوصيائهم و باحوال الدنيا و الاخرة و هو العلم المسمي بعلم اليقين و التقوي الذي هو الحكمة العلمية اعني علم الاخلاق لان من عرف ذلك عرف كل احد بسيماه او هم الكاملون في ذلك و في العمل بالنوافل و المواظبة عليها و التقرب الي الله تعالي بها و المراد بالنوافل هي كل ما يحبه الله من صلوة او دعاء او عمل او قول فان الله سبحانه يقول في ذلك ما زال العبد يتقرب الي بالنوافل حتي احبه فاذا احببته كنت سمعه الذي يسمع به و بصره الذي يبصر به و لسانه الذي ينطق به و يده الذي يبطش بها ان دعاني اجبته و ان سألني اعطيته و ان سكت عني ابتدأته الخ ، فان مثل هذا هو الكامل في الايمان الذي عناه الله تعالي ( سبحانه خ‌ل ) بقوله و قل اعملوا فسيري الله عملكم و رسوله و

 

«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 781 *»

المؤمنون ، و عناهم امامهم و سيدهم اميرالمؤمنين (ع‌) بقوله اتقوا فراسة المؤمن فانه ينظر بنور الله ه‍ ، و هم الذين عناهم بقوله تعالي ان في ذلك لايات للمتوسمين اي المتفرسين اصحاب الفراسة يعرفون كل طائفة بسيماهم فان يقين المؤمن يري في عمله و يقين الكافر و المنافق يري في فعله و هؤلاء الكاملون يرون بنور بصيرتهم الباطنة اهل الجنة و اهل النار و احوالهما في الاخرة بل و في الدنيا لان اختصاص رؤية الاحوال في الاخرة يوجب عدم توقف الرؤية علي الكمال فان الاحوال تبرز يوم القيمة لساير اهل الجمع و اما المتوقف علي الكمال في العلم و العمل فهي رؤية الاحوال في الدنيا و في الاخرة و قوله في وصف الكاملين لكنهم يعد في هذا العالم من حيث ابدانهم كما قيل ابدانهم في العالم الاسفل لما بقي فيها من الاعراض البشرية و قلوبهم معلقة كالقناديل لتجردها من رذائل الطبيعة الجسمانية و شدة نوريتها تضي‌ء لاهل السماء و اهل الارض و هي بالملأ الاعلي اي مع الملأ الاعلي فالباء بمعني مع لا انها صلة ( صفة خ‌ل ) لمتعلقه ( لمعلقه خ‌ل ) كما فهمه المصنف لان الحديث المروي عن اميرالمؤمنين (ع‌) الذي اقتبس منه فيه صحبوا الدنيا بابدان ارواحها معلقة بالمحل الاعلي و في بعض النقل بالملأ الاعلي فتكون الباء في هذا النقل بمعني مع كما قلنا و كذا قوله فهم بالاجساد ارضيون لما لحق اجسادهم من الاعراض العنصرية و بالقلوب سماويون لعدم ارتباطها بشي‌ء من احوال الدنيا و زينتها و زبرجها و زخرفها اشباحهم فرشية ، المراد من الاشباح هنا الاجساد من باب تسمية المحل باسم الحال و فرشية يعني ارضية من قوله تعالي و الارض فرشناها فنعم الماهدون ذكرها لاجل السجع و ارواحهم عرشية كالمعني الاول و لم‌يموتوا بالموت الطبيعي يعني قتل النفس بالرياضات و الاداب الشرعية حتي يدخلوا الجنة بدنا اي بابدانهم الجسمية المحسوسة في الاخرة كما دخلوها روحا اي كما دخلوا الجنة في الدنيا بارواحهم لانهم دائما في الدنيا

 

«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 782 *»

متنعمون بقلوبهم و ارواحهم بنعيم الايمان و المعرفة راتعون في رياض الحكمة فقال المصنف استدلالا بالاية لم‌يدخلوها و هم يطمعون رجاء لرحمة الله يعني انهم الان لم‌يدخلوها و لكنهم يطمعون ان يدخلوها برحمة الله و اذا خرجوا من الدنيا كان طمعهم عين الوصول لان طمعهم كان ناشيا عن قيامهم باوامر الله و اجتنابهم عن نواهيه التي وعد عباده الصالحين مع القيام بها بالجنة و لن‌يخلف الله وعده و لكنهم علموا بان القيام باوامره و اجتناب نواهيه نعم من الله سبحانه يجب شكرها علي من وفقه لذلك فلايستحق علي شي‌ء من اعماله دخول الجنة و لكن للثقة بوعده تعالي يطمعون ان يدخلوا الجنة بفضله و برحمته فلما قال (ص‌) و من مات فقد قامت قيامته كان بناء علي هذا طمعهم عين الوصول و قوتهم عين الفعلية و الحصول لان ما بقوتهم من دخول الجنة عين ما هو بالفعل لانهم منذ فارقت ارواحهم اجسادهم دخلت ارواحهم جنة الدنيا التي هي جنة الاخرة اذا صفيت كما تقدم من ذكر الاستشهاد علي ذلك بقوله تعالي جنات عدن التي وعد الرحمن عباده بالغيب انه كان وعده مأتيا لايسمعون فيها لغوا الا سلاما و لهم رزقهم فيها بكرة و عشيا تلك الجنة التي نورث من عبادنا من كان تقيا فان التي فيها بكرة و عشي جنة الدنيا و اشار اليها بانها هي جنة الاخرة بقوله التي نورث من عبادنا من كان تقيا و اما قبل ذلك يعني في الدنيا فحالهم كحال برزخي ليسوا في ذلك كحال اهل الجنة في كل حال متنعمين و لا كحال اهل النار في كل حال معذبين بل حال بين احوال اهل الجنة و احوال اهل النار و ذلك لان قلوبهم في الدنيا متنعمة بنعم الجنان من طعم الايمان و ذوق العرفان و ابدانهم متألمة معذبة بعذاب محن الدنيا و الامتحان و مكاره الدهر او ( و خ‌ل ) الزمان فاذا جرت عليهم بلايا الدهر الخوان ذكروا محن الاخرة الجارية علي اهل ( علم اصحاب خ‌ل ) النيران فاستعاذوا بالله الكريم المنان من عذاب دار الهوان ( الهيوان خ‌ل ) كما قال تعالي و اذا صرفت ابصارهم تلقاء اصحاب النار قالوا ربنا لاتجعلنا

 

«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 783 *»

مع القوم الظالمين فاذا اعتبرنا في اصحاب الاعراف الكمال لانا نريد بهم من يعرفون كلا بسيماهم تعين علينا ان نريد بهم محمدا و اهل بيته الطاهرين صلي الله عليه و عليهم اجمعين لان الامر اليهم في تمييز الخلايق و رجوعهم اليهم في الحساب و اليهم من جميع الخلق الماب و مما يدل علي بعض ما اشرنا اليه و زيادة مما لم‌نذكره اعتمادا علي ما هو وارد فيما نذكره عنهم فمنه ما ورد في تفسير قوله تعالي و بينهما حجاب و علي الاعراف رجال يعرفون كلا بسيماهم رواه الشيخ ابوجعفر الطوسي عن رجاله عن ابي‌عبدالله (ع‌) و قد سئل عن قول الله عز و جل و بينهما حجاب فقال سور بين الجنة و النار قائم عليه محمد و علي و الحسن و الحسين و فاطمة و خديجة عليهم السلام فينادون اين محبونا و شيعتنا فيقبلون اليهم فيعرفونهم باسمائهم و اسماء ابائهم و ذلك قوله يعرفون كلا بسيماهم فيأخذون بايديهم و يجوزون بهم علي الصراط و يدخلونهم الجنة الخ ، و حديث الجوامع و نادوا يعني و نادي اصحاب الاعراف اريد بهم من كان مع الائمة (ع‌) علي الاعراف من مذنبي شيعتهم الذين استوت حسناتهم و سيئاتهم اصحاب الجنة ان سلام عليكم اي اذا نظروا اليهم سلموا عليهم الخ ، و في تفسير العياشي عن كرام قال سمعت اباعبدالله (ع‌) يقول اذا كان يوم القيمة اقبل سبع قباب من نور يواقيت خضر و بيض في كل قبة امام دهره قد احف به اهل دهره برها و فاجرها حتي تغيب عن باب الجنة فيطلع اولها قبة اطلاعه ( اطلاعة خ‌ل ) فيميز اهل ولايته ( ولاية خ‌ل ) من عدوه ثم يقبل علي عدوه فيقول انتم الذين اقسمتم لاينالهم الله برحمة ادخلوا الجنة لا خوف عليكم اليوم لاصحابه فتسود وجوه الظالمين فتصير اصحابه الي الجنة و هم يقولون ربنا لاتجعلنا مع القوم الظالمين فاذا نظر اهل القبة الثانية الي قلة من يدخل الجنة و كثرة من يدخل النار خافوا ان لايدخلوها و ذلك قوله لم‌يدخلوها و هم يطمعون و اذا صرفت ابصارهم تلقاء اصحاب النار قالوا نعوذ بالله ربنا لاتجعلنا مع القوم الظالمين اي في النار و في مجمع‌البيان ان في قرائة الصادق (ع‌) قالوا ربنا عائذا بك ان لاتجعلنا مع القوم

 

«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 784 *»

الظالمين و نادي اصحاب الاعراف اي الائمة (ع‌) رجالا يعرفونهم بسيماهم من رؤساء الكفار و المنافقين مااغني عنكم جمعكم اي كثرتكم و جموعكم او جمع المال و ما كنتم تستكبرون عن الامام الحق اهؤلاء يعني ضعفاء الشيعة الذين اقسمتم لاينالهم الله برحمته ( برحمة خ‌ل ) اي اهؤلاء الذين تستحقرونهم في الدنيا و تحلفون ان الله لايدخلهم الجنة ادخلوا الجنة لا خوف عليكم و لا انتم تحزنون و بالجملة امثال هذا مما يدل علي ان المراد من اصحاب الاعراف الذين يعرفون كلا بسيماهم محمد و اهل بيته الطاهرين صلي الله عليه و عليهم اجمعين كثير و انهم الاعراف كما تقدم .

قال } و الذي يدل علي صحة ما ذكرناه امور الاول ما ورد عن ائمتنا المعصومين (ع‌) انهم قالوا نحن الاعراف و الثاني ان الاية تدل علي غاية مدحهم و المتوسطون في الرتبة التي لاجلهم لا رجحان لهم لواحدة من كفتي موازينهم الواقفون في السد الحاجز بين الدارين الجنة و النار ليسوا من المدح في هذا المحل و من المعرفة علي هذه الدرجة بان يعرفوا كلا من الطائفتين بسيماهم و معرفة النفوس امر عظيم و الثالث ان وضع الدعاء و المناجات لطلب الحاجات انما هي في الدنيا و قبل الموت و اما الاخرة و ما بعد الموت ففيه ميعاد الوصول و الوجدان او حصول اليأس و الحرمان { .
اقول يريد يبين وجه اختياره بان اصحاب الاعراف ليس المراد بهم في الاية من تساوت حسناتهم و سيئاتهم او الذين لم‌يمحضوا الايمان محضا او الكفر محضا و امثال ذلك و انما هم الرجال الكاملون في العلم و المعرفة الذين يميزون بين المسلم و الكافر و المؤمن و المنافق و الحق ما ذكرنا من ان الاعراف اطلاقات له و معلوم انه اذا اريد به المكان تكون اصحابه مختلفين فمرة يراد منهم من تساوت حسناتهم و سيئاتهم كما في الكافي عن الصادق (ع‌) انه سئل عن اصحاب الاعراف فقال قوم استوت حسناتهم و سيئاتهم فان ادخلهم

 

«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 785 *»

النار فبذنوبهم و ان ادخلهم الجنة فبرحمته و غيره من الاخبار و مرة يراد منهم محمد و اهل بيته الطاهرين الطيبين صلي الله عليه و عليهم اجمعين و مرة يراد بهم المستضعفون من الشيعة الذين يقفون مع ائمتهم حتي يؤنبوا بهم اعدائهم الذين اقسموا ان الله لايدخلهم الجنة ثم يدخلونهم الجنة كما تقدم قبل و مرة يراد بهم مطلق من لم‌يمحض الايمان محضا و لم‌يمحض الكفر محضا من المستضعف و الطفل و الشيخ الكبير الهم و المجنون و من مات في الفترة بين النبوتين ( النبيين خ‌ل ) و هم الذين يجدد لهم التكليف لان المراد من الاعراف محل المعرفة و التميز ( التمييز خ‌ل ) باي طور كان و المصنف حيث كان مطمح نظره سلوك طريق القوم من الحكماء و الصوفية الذين اذا تكلموا في احوال المعاد تكلموا بطريقة التأويل و الاعراف و اهل الاعراف عندهم هم العارفون كما ذكره المصنف و لايراد بهم محمد و اله صلي الله عليه و اله الا انهم من جملة العارفين و لايلتفتون الي بيان حال هذا الموقف كما سيكون مما سمعوا لان ليس ذلك مطلوبا لهم و انما حقيقة وصفهم عائد الي انفسهم فهم بانفسهم مشتغلون عما سواها و اذا ذكر المصنف شيئا مما لوحنا به فانما ذكر استطرادا و الحاصل ذكر ثلاثة ادلة علي تخصيصه الاول الاحاديث و الاحاديث منها ما يدل علي مطلوبه و منها ما يدل علي غيره و الثاني ان الاية تدل علي غاية مدحهم لانه تعالي قال و علي الاعراف رجال يعرفون كلا بسيماهم و غير الكاملين لايعرفون انفسهم فضلا عن غيرهم و لذا ( لهذا خ‌ل ) قال في ذكر غير الكاملين و المتوسطون يعني الواقفين ( الواقعين خ‌ل ) بين النجاة و الهلاك الذين لم‌يترجح ( لم‌ترجح خ‌ل ) حسناتهم علي سيئاتهم و ان كانت رحمة الله شملتهم و ادخلهم الجنة فيما بعد فانهم في ذلك الموقف الذي هو اعرافهم واقفون في السد اي الحائط الحاجز بين الدارين الجنة و النار ليسوا من اهل مرتبة المدح الذي هو النظر في الاشياء بنور الله بحيث يميزون

 

«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 786 *»

بين الحقايق فيعرفون اهل الجنة و اهل النار بسيماهم و سرائرهم لان الاطلاع علي حقايق الاشياء امر عظيم لايتأهل له الا الكاملون في العلم و العمل و الثالث ان غير الكاملين يقولون ربنا لاتجعلنا مع القوم الظالمين يوم القيمة و هم علي الاعراف و الدعاء و المناجات يومئذ لاتنفع و لاتفيد فايدة يحصل بها لهم كمال و علم نافع و معرفة تستنير بها قلوبهم بحيث يقدرون علي التميز ( التمييز خ‌ل ) لان ذلك مظنة وقوعه في الدنيا و قولهم ذلك في الاخرة مناف لان يعرفوا كلا بسيماهم اذ لا ترقي لذي عمل بعمله في الاخرة لان الاخرة ليس فيها الا حصول مطلوب و ( او خ‌ل ) فقد محبوب و اعلم ان كلامه هذا فيه ابحاث ترد عليها ابحاث لا فايدة في ذكرها في مثل قوله انما هي الدنيا و ما قبل الموت و اما الاخرة و ما بعد الموت الخ ، فانه كلام قشري جار علي طريقة العوام و لكن لا فائدة في بيان ذكر شي‌ء لم‌يذكر المصنف فيه منافيا عند الناظر في كلامه .

قال } قاعدة في معني طوبي و هي مثال شجرة العلم كثيرة الفروع و الشعب شريفة النتايج و الاثمار من المعارف الالهية التي اكثرها مما لاتستقل باكتسابه العقول البشرية بل يحتاج في تحصيلها و تناولها ان تقتبس بانوارها ( انوارها خ‌ل ) من مشكوة النبوة بواسطة اول اوصيائه و افضل اوليائه و اشرف ابواب مدينة علمه فان العلوم الالهية و المعارف الربانية انما انتشرت في قلوب المستعدين القابلين للهداية من بدر الولاية و شجرة الهداية و مما ورد في هذا المعني ما رواه اعظم المحدثين رواية و ضبطا و اوثقهم دراية و حفظا الشيخ الصدوق ابوجعفر محمد بن علي بن الحسين ابن بابويه القمي (ره‌) بسنده المتصل عن ابي‌بصير قال قال ابوعبدالله جعفر الصادق (ع‌) طوبي شجرة في الجنة اصلها في دار علي بن ابيطالب (ع‌) و ليس من مؤمن الا و في داره غصن من اغصانها و ذلك لان نفسه الشريفة معدن الفضائل و العلوم و كان قلبه المنور مفتاح ابواب خزانة المعرفة الموروثة من الانبياء (ع‌) سيما خاتمهم و اعلمهم عليه و اله افضل التسليمات و ازكيها كما افصح عنه قوله (ص‌) انا مدينة العلم و

 

«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 787 *»

علي بابها { .
اقول انما قال معني طوبي و لم‌يقل معني شجرة طوبي مع انه انما تكلم علي معني الشجرة لانه يريد ان طوبي اذا افردت في مثل مقام الدعاء كما يقال طوبي لك ان المراد بها شجرة العلم و ربما يفهم من كلامه انه لايريد غير هذا المعني و ان كان لها معاني اخر اما لانه جري علي طريقة ابناء نوعه من الصوفية و بعض الحكماء من حصرهم الالفاظ علي معانيها الباطنة كما هو شأن اهل التأويل حتي ان بعضهم انجر به التطبع الي انكار كثير من الضروريات مثل القائم (ع‌) و خروجه عجل الله فرجه و قال ما مراد الشارع به الا العقل و خروجه عبارة عن استيلائه علي جميع المشاعر و النفس و البدن و اعتدال الطبيعة و ان يأجوج و مأجوج و خروجهم امام الساعة عبارة عن ظهور الوساوس و الاوهام الباطلة امام قيام العقل و استيلائه علي جميع المشاعر و معني انهم يشربون ماء البحر يعني النفس و يأكلون الشجر انهم اي الاوهام يمنعون شؤن النفس ان تتعلق بمصالح البدن بافعالها ( بافعالهم خ‌ل ) و اما لان غير هذا المعني لايعتد به و المصنف و ان كان كثيرا ما لايذكر ( يذكر خ‌ل ) الامور الظاهرة علي نحو ( غير خ‌ل ) ما جرت به الشريعة الطاهرة ( الظاهرة خ‌ل ) الا انه يلوح في تعريفه الي مشرب القوم و انما لم‌يقل معني شجرة طوبي ليعلم ان معني طوبي مطلقا هو الشجرة المعينة اذ لو ذكر شجرة طوبي لفهم منه ارادة احد معاني طوبي و لم‌يرد ذلك و انما يريد ان معني طوبي و ان اريد بها الجنة فان المراد بها العلم لانه قد اشار ان الجنة و ما فيها من القصور و الولدان و الحور و الرمان و الطيور و غير ذلك كلها من باب النيات و الاعتقادات كما تقدم فكيف حال كلامه في معني طوبي و الحاصل الامر كما قال الصادق (ع‌) كما رواه الحسن بن سليمان الحلي في مختصربصائر سعد بن عبدالله الاشعري قال (ع‌) ان قوما امنوا بالظاهر و كفروا بالباطن فلم‌يك ينفعهم ايمانهم شيئا و لا ايمان ظاهرا ( ظاهر خ‌ل ) الا بباطن و لا باطن الا بظاهر ه‍ ، او كما قال و طوبي احد معانيها شجرة العلم و قال المفسرون في قوله تعالي طوبي لهم و حسن ماب اي طيب العيش و قيل طوبي

 

«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 788 *»

الخير و اقصي الامنية و قيل طوبي اسم الجنة بلغة اهل الهند و طوبي مصدر كبشري بضم الطاء من الطيب فواوه مقلوبة عن ياء و احد معانيها شجرة العلم و الحكمة و هي كثيرة الفروع و الشعب لان فروعها و شعبها لا نهاية لها في الامكان شريفة النتايج و الاثمار شعبها عين ثمرها و الثمرة الواحدة منها اذا اكلها الانسان اشبعت في محلها من باطنه و اروته ابدا و لاتفني لذتها و لايخلو محلها عنها بكثرة انفاقها بل كلما انفق منها قر اصلها و ثبت و در ( رد خ‌ل ) ثمرها و اينع ( انبع خ‌ل ) و نبت و اختلف العلماء في اكتساب تلك العلوم هل تستقل بتحصيلها العقول مطلقا ام تستقل بمعارفها دون حدودها ام لاتستقل مطلقا بل تحتاج الي الشرع فقيل بالاول لان العقول جعلها الله تعالي حججا و ما لايستقل لايكون حجة و قد قال تعالي و اسبغ عليكم نعمه ظاهرة و باطنة و فسروا الظاهرة بالانبياء و الحجج (ع‌) و الباطنة بالعقول و طريقها الي العلوم الاكتساب ( اكتساب خ‌ل ) و بعض هؤلاء قال طريقها التخلق بالاخلاق الالهية كما قال علي (ع‌) ما معناه ليس العلم في السماء فينزل عليكم و لا في الارض فيصعد اليكم و لكن العلم مجبول في قلوبكم تخلقوا باخلاق الروحانيين يظهر لكم و نقل ابن ابي‌جمهور الاحسائي في المجلي و روي عن عيسي بن مريم علي محمد و اله و عليه السلام قال لبني‌اسرائيل يا بني‌اسرائيل لاتقولوا العلم في السماء من يصعد يأتي به و لا في تخوم الارض من ينزل يأتي به و لا من وراء البحر من يعبر يأتي به العلم مجبول في قلوبكم تأدبوا بين يدي الله باداب الروحانيين و تخلقوا باخلاق الصديقين يظهر العلم من قلوبكم حتي يغطيكم و يغمركم و ورد عن النبي (ص‌) انه قال العلم نور يقذفه الله في قلوب اوليائه و انطق به علي لسانه ( لسانهم خ‌ل ) العلم علم الله لايعطي الا الاولياء الجوع سحاب الحكمة فاذا جاع العبد مطر بالحكمة انتهي ، و قيل بالثاني لان المعارف لاتثبت بالنقل لانه لايحصل منه الا الظن و الظن لايغني من الحق شيئا و اما الاحكام فلان العقول لاتدرك مأخذها فاكتفي بالظن فيها فيرجع الي النقل و قيل بالثالث لان العقول قبل الشرع عقول

 

«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 789 *»

التميز ( التمييز خ‌ل ) و مدار التميز ( التمييز خ‌ل ) الي الاسترشاد و الاسترشاد علي الله تبينه ( تبيينه خ‌ل ) و لم‌يتنبه ( لم‌يبينه خ‌ل ) الا في كتابه و علي السنة اوليائه و حججه (ص‌) و انما تسمي تلك القوة المميزة عقلا اذا تعلمت من تعليم الله تعالي و لهذا قال الصادق (ع‌) العقل ما عبد به الرحمن و اكتسب به الجنان الحديث ، و ما سوي هذا ليس عقلا حقيقيا لما تقرر في الاصول من ان صحة السلب علامة المجاز و قد قال (ع‌) في اخر الحديث حين قال له السائل فما الذي كان في معوية فقال تلك النكراء تلك الشيطنة و هي شبيهة بالعقل و ليست بالعقل و قد روي عن ابن‌عباس عن النبي (ص‌) ما معناه ما من شي‌ء من الحق عند احد من الخلق الا بتعليمي و تعليم علي بن ابيطالب (ع‌) و روي معني هذا عن غير ابن‌عباس عنه (ص‌) و الحق عند من اراد الله به خيرا هو القول الثالث ( الثابث خ‌ل ) و من كان استمداد عقله من الكتاب و السنة علما و عملا وجد هذا ما ( مما خ‌ل ) لايرتاب فيه و قوله بواسطة اول اوصيائه و افضل اوليائه يريد ان العقول البشرية لاتستقل بانفسها في اكتساب المعارف الالهية بل تحتاج الي الاستمداد من مشكوة النبوة التي تستمد من الوحي الذي هو الواسطة بين المفيض الذي علم عباده تعالي ( سبحانه خ‌ل ) ما لم‌يعلموا و لايمكن العقول الاستمداد من مشكوة النبوة التي تستمد من الوحي الا بواسطة علي (ع‌) و كلامه هذا صحيح في عدم الاستمداد بدون واسطته (ع‌) و لكن هل لساير الناس غير الاحدعشر و فاطمة (ع‌) ان يستمد من المشكوة بواسطة علي (ع‌) بدون واسطة الاحدعشر (ع‌) بينه و بين علي (ع‌) ام لا اما في الظاهر فنعم بل و بدون واسطة علي عليه السلام بل يأتي الرجل و يسأل النبي (ص‌) و يجيبه و ان لم‌يكن علي (ع‌) حاضرا و اما في الباطن فاعتقادنا انه لا بد من توسط ( توسطة خ‌ل ) الائمة الاحدعشر و فاطمة (ع‌) لان سبيل الادراك في سلسلة الصعود و هو سبيل البدء في سلسلة النزول فكما ان البدء لزيد لايصل اليه المدد الا بواسطة جميع الاسباب كذلك الاستمداد من المبدء في العلوم و المعارف فان اشترط ( اشتراط

 

«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 790 *»

خ‌ل ) المصنف توسط علي (ع‌) فالذي ينبغي له ان يشترط توسط باقي اهل بيت محمد (ص‌) بل و توسط سائر الانبياء (ع‌) لساير الخلق ممن سواهم لما ثبت في صريح الاخبار و صحيح الاعتبار انهم (ع‌) خلقوا من شعاع انوار محمد و اهل بيته (ص‌) و ساير المؤمنين خلقوا من شعاع انوار الانبياء (ع‌) و قوله و اشرف ابواب علمه يدل علي ما قلنا فانه اذا كان (ص‌) مدينة العلم و هم ابواب مدينة العلم دل علي مشاركتهم في الوساطة لكل من سواهم هذا في الحقيقة و في نفس الامر و اما في الظاهر فلاتحتاج العقول في الاخذ من مشكوة النبوة الي واسطة ( وساطة خ‌ل ) احد منهم (ع‌) و لا في الاخذ من مصابيح الولاية الا وساطة النبي (ص‌) كما هو المعروف بين العوام و قوله فان انوار العلوم الالهية و المعارف الربانية و العلوم الالهية هي علم الشريعة و علم الطريقة اعني علم اليقين و التقوي الذي هو علم الاخلاق و المعارف الالهية هي علم الحقيقة اعني معرفة الله و معرفة صفاته و اسمائه و افعاله و ما يصح عليه و يمتنع و هذه العلوم الثلثة هي التي عناها (ص‌) بقوله انما العلم اية محكمة و فريضة عادلة و سنة قائمة الحديث ، و يلحق بهذه الثلثة كل ما طلب من العلوم لهذه الثلاثة او لاحدها و انما انتشرت في قلوب المستعدين بقابلياتهم من التعلم و العمل بما امر الله و اجتناب ما نهي عنه و التفكر و التدبر و النظر فيما خلق الله من الافاق و الانفس فان مثل هؤلاء هم القابلون للهداية من بدر الولاية و هو الامام (ع‌) و شجرة الهداية عطف صفة علي صفة

و قوله و مما ورد في هذا المعني ما رواه اعظم المحدثين في العلم و المعرفة بدراية الاحاديث و لهذا فسره بقوله رواية و ضبطا و اوثقهم دراية و حفظا الشيخ الصدوق الخ ، لعل المصنف انما بالغ في وصفه لما وجد في كلامه في اول كتابه الفقيه و من مثل ما ذكره العلامة في ترجمة ( ترجمته خ‌ل ) في الخلاصة و الرجل تغمده الله برحمته لا عيب فيه و ان كانوا لم‌يصرحوا بتوثيقه في كتب الرجال و كونه من مشايخ الاجازة لايدل علي الاستغناء عن توثيقه فان كثيرا من مشايخ الاجازة وثقوهم كالمفيد و الكليني و شيخه محمد بن الحسن

 

«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 791 *»

بن الوليد و غيرهم و ان كان ترك توثيقه لشهرة ثقته فليس باشهر ممن ذكر و لا من ابيه علي بن الحسين علي انه ذكر في كتابه من‌لايحضره الفقيه في اخر باب الصوم التطوع منه قال و اما خبر صوم الغدير و الثواب المذكور فيه لمن صلي فان شيخنا محمد بن الحسن بن الوليد كان لايصححه و يقول انه من طريق محمد بن موسي الهمداني و كان غير ثقة و كل ما لم‌يصححه ذلك الشيخ قدس الله روحه و لم‌يحكم بصحة من الاخبار فهو عندنا متروك غير صحيح انتهي ، و هذا يدل علي خلاف ما ذكره المصنف من انه اعظم المحدثين رواية و ضبطا و اوثقهم دراية و حفظا لانه يدل علي ان تصحيحه للاخبار بالاعتماد علي مشايخه و مثل هذا ينافي الضبط و الدراية و مثل هذا يصلح لمثل محمد ( لمحمد خ‌ل ) بن يعقوب الكليني (ره‌) و اما الصدوق (ره‌) فهو لا شك انه مما ( ممن خ‌ل ) روي و حفظ ما به ان شاء الله نجاته و نجات من تمسك برواياته جزاه الله عن حفظه للشريعة عن هذه الامة خير الجزاء و الحديث الذي روي ( يروي خ‌ل ) المصنف عنه مذكور في المتن و غيره كثير فمنه ما روي عن النبي (ص‌) شجرة طوبي شجرة في الجنة اصلها في داري و فرعها في دار علي فقيل له في اين ذلك فقال داري و دار علي في الجنة بمكان واحد و في تفسير علي بن ابراهيم عن النبي (ص‌) حديث طويل و فيه يقول (ص‌) دخلت الجنة و اذا انا ( و انا اذا خ‌ل ) بشجرة لو ارسل طائر في اصلها مادارها سبعمأة عام و ليس في الجنة منزل الا و فيه غصن ( شجرة خ‌ل ) منها فقلت ما هذه يا جبرئيل فقال هذه شجرة طوبي قال الله تعالي طوبي لهم و حسن ماب و فيه عن ابي‌عبدالله (ع‌) قال طوبي شجرة في الجنة في دار اميرالمؤمنين (ع‌) و ليس احد من شيعته الا و في داره غصن من اغصانها و ورقة من اوراقها تستظل تحتها امة من الامم و عنه (ع‌) كان رسول الله (ص‌) يكثر تقبيل فاطمة (ع‌) فانكرت ذلك عايشة فقال رسول الله (ص‌) يا عايشة اني اسري بي الي السماء دخلت الجنة فادناني جبرئيل من شجرة طوبي و ناولني من ثمارها فحول الله ماء ذلك في ظهري فلما هبطت الي الارض واقعت خديجة ( الخديجة خ‌ل ) فحملت بفاطمة و كلما

 

«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 792 *»

اشتقت الي الجنة قبلتها و ماقبلتها قط الا وجدت رايحة شجرة طوبي منها فهي حوراء انسية و روي الشيخ بسنده و كتبه في كتاب مسائل‌البلدان يرفعه الي سلمان الفارسي (ره‌) قال دخلت علي فاطمة (ع‌) و الحسن و الحسين (ع‌) يلعبان بين يديها ففرحت لهما فرحا شديدا فلم‌البث حتي دخل رسول الله (ص‌) فقلت يا رسول الله (ص‌) اخبرني بفضيلة هؤلاء لازداد لهم حبا فقال يا سلمان ليلة اسري بي الي السماء ادارني جبرئيل (ع‌) في سمواته و جنانه ( جناته خ‌ل ) فبينما انا ادور في قصورها و بساتينها و مقاصيرها اذ شممت رايحة طيبة فاعجبتني تلك الرايحة فقلت يا حبيبي ما هذه الرايحة التي غلبت روايح الجنة كلها فقال يا محمد تفاحة خلقها الله تبارك و تعالي ( سبحانه خ‌ل ) بيده منذ ثلثمأة‌الف عام ماادري ( ندري خ‌ل ) ما يريد بها فبينما انا كذلك اذا ( اذ خ‌ل ) رأيت ملئكة و معهم تلك التفاحة قال رسول الله (ص‌) فاخذت ( و اخذت خ‌ل ) من تلك التفاحة فوضعتها تحت جناح جبرئيل (ع‌) فلما هبط بي الي الارض اكلت تلك التفاحة فجمع الله مائها ( فجمعت ماؤها خ‌ل ) في ظهري فغشيت خديجة بنت خويلد فحملت بفاطمة (ع‌) من ماء التفاحة فاوحي الله عز و جل الي ان قد ولدك ( ولد منك خ‌ل ولد لك خ‌ل ) حوراء انسية فزوج النور من النور فاطمة من علي فاني قد زوجتها في السماء و جعلت خمس الارض مهرها و سيخرج فيما ( مما خ‌ل ) بينهما (ص‌) ذرية طيبة و هما سراجا الجنة و هما الحسن و الحسين و يخرج من صلب الحسين ائمة يقتلون و يخذلون فالويل لقاتلهم و خاذلهم الخ ، اقول و هذا الحديث يشعر بان شجرة طوبي تحمل بكل فاكهة جمعا بين الاخبار و لو قيل انها في الاصل شجرة تفاح لم‌يكن بعيدا و لو قيل مع هذا انها ( انما خ‌ل ) تحمل بكل نوع من انواع الفواكه و الثمار لكان صحيحا ثم ما ورد ان المؤمن اذا اتي قبر الحسين (ع‌) خصوصا اخر الليل فانه يشم منه رايحة التفاح و اقول و حقه و حق جده و ابيه و امه و اخيه و حق التسعة الاطهار من بنيه (ص‌) و قد شممت من شباكه الطيب رايحة التفاح مرارا لااحصيها صلي الله عليك يا اباعبدالله بعدد ما في علم الله و في اصول‌الكافي

 

«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 793 *»

عن ابي‌عبدالله (ع‌) قال قال اميرالمؤمنين (ع‌) فان لاهل الدين علامات يعرفون بها صدق الحديث و اداء الامانة و الوفاء بالعهد و صلة الارحام و رحمة الضعفاء و قلة المراقبة للنساء او قال و قلة الموافاة للنساء و بذل المعروف و حسن الخلق و سعة الخلق و اتباع العلم و ما يقرب الي الله عز و جل زلفي طوبي لهم و حسن ماب و طوبي شجرة في الجنة اصلها في دار النبي محمد (ص‌) و ليس من مؤمن الا في داره غصن منها لاتخطر علي قلبه شهوة الا اتاه بها ذلك و لو ان راكبا مجدا سار في ظلها مأة عام ماخرج منها و لو طار من اسفلها غراب مابلغ اعلاها حتي سقط ( يسقط خ‌ل ) هرما الا ففي هذا فارغبوا ان المؤمن من نفسه في شغل و الناس منه ( عنه خ‌ل ) في راحة اذا جن عليه الليل افترش وجهه و سجد لله عز و جل بمكارم بدنه يناجي الذي خلقه في فكاك رقبته الا فهكذا فكونوا الخ ، و في عيون‌الاخبار قال يعني الحسين (ع‌) قال رسول الله (ص‌) يا علي انت المظلوم بعدي و انت صاحب شجرة طوبي في الجنة اصلها في دارك و اغصانها في دار شيعتك و محبيك الحديث ، و في كتاب الخصال في تفسير حروف ابجد الي ان قال و اما الطاء فطوبي لهم و حسن ماب و هي شجرة غرسها الله تبارك و تعالي بيده و نفخ فيها من روحه و ان اغصانها تسري ( لتري خ‌ل ) من وراء سور الجنة تنبت بالحلي و الحلل و الثمار مستدلة ( متدلية خ‌ل ) علي افواههم و عن ابي‌سعيد الخدري و في احتجاج علي (ع‌) يوم الشوري و عن ابي‌امامة و في كتاب اكمال‌الدين و اتمام‌النعمة و عن ابي‌حمزة الثمالي و في مجمع‌البيان و في ثواب‌الاعمال و عن ابي‌حمزة الثمالي ايضا روايات بمعني ما تقدم و في تفسيرالعياشي بسنده قال بينما رسول الله (ص‌) جالس ذات يوم اذ دخلت ام‌ايمن و في ملحفتها شي‌ء فقال رسول الله يا ام‌ايمن اي شي‌ء في ملحفتك فقالت يا رسول الله فلانة بنت فلان املكتموها فلم‌تنشروا عليها فاخذت زوجها فلم‌تنشر عليها فقال لها رسول الله (ص‌) و لاتبكين فو الذي بعثني بالحق نبيا بشيرا و نذيرا لقد شهد املاك فاطمة جبرئيل و ميكائيل و اسرافيل في الوف من الملئكة و لقد امر الله طوبي فنثرت ( فنشرت خ‌ل )

 

«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 794 *»

عليهم من حللها و سندسها و استبرقها و درها و زمردها و ياقوتها و عطرها فاخذوا منه حتي مادروا ما يصنعون به و لقد نحل الله طوبي لمهر فاطمة و هي في دار علي بن ابيطالب (ع‌) فظهر لمن نظر ان اطلاق طوبي علي الشجرة مشهور في اخبارهم فعلي هذا تكون الاضافة بيانية و ما ذكره المفسرون من معاني طوبي كلها صحيح و مراد و ان كان علي خلاف الاغلب و انما ذكرت كثيرا من الروايات ليظهر لك وجه الاغلب و قوله و ذلك لان نفسه الشريفة معدن الفضايل و العلوم و كان قلبه المنور الخ ، فيه ما قلنا لان هذه الفضائل ليست مختصة به دون اولاده الطاهرين صلي الله عليه و عليهم اجمعين .

قال } و انما نسب معني طوبي الي داره الاخروية من بيت قلبه المعنوي دون دار محمد (ص‌) لان تفاصيل العلوم الحقيقية التي جاء بمجامعها الرسول (ص‌) و الكتاب مستفادة من بيانه و تعليمه و هو كما اشار تعالي بقوله و من عنده علم الكتاب و بقوله و انه في ام‌الكتاب لدينا لعلي حكيم و بقوله فاسئلوا اهل الذكر ان كنتم لاتعلمون و بقوله انما انت منذر و لكل قوم هاد و لذلك ورد انه قال (ص‌) لما نزلت هذه الاية يا علي انا المنذر و انت الهادي ه‍ ، فقد تبين بنور العقل و النقل ان مثال شجرة طوبي اعني اصل العلوم و المعارف في دار علي (ع‌) و اولاده المطهرين الذين هم ذرية بعضها من بعض لان كلا منهم يحذو حذو ابيهم المقدس و جدهم المنور المطهر صلوات الله عليهم اجمعين { .
اقول اذا فسرت طوبي بشجرة العلم و المعرفة فسرت البيت بالقلب فيكون جانبه الايمن محل المعرفة و جانبه الايسر محل العلم لان الايسر جانب النفس التي هي محل الصور التي هي العلم و الايمن محل العقل الذي هو مدرك المعاني التي هي المعرفة و قوله دون دار محمد (ص‌) غلط لان علم علي (ع‌) من علم محمد (ص‌) مجملة و مفصلة ( مجمله و مفصله خ‌ل ) نعم لو قال ان صاحب الخلافة هو

 

«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 795 *»

صاحب التأويل و صاحب النبوة هو حامل التنزيل و طوبي من نوع التأويل ناسب كلامه علي ان الحديث الاول المذكور عن النبي (ص‌) فيه اصلها في داري و فرعها في دار علي (ع‌) فقيل له في ذلك فقال داري و دار علي في الجنة بمكان واحد فقوله (ص‌) في الجنة يشعر بان حصول ذلك العلم في الجنة يوم القيمة و اما حصوله له و لاهل بيته (ص‌) فهو ( فهي خ‌ل ) في الدنيا كما هو ( هي خ‌ل ) في الاخرة لان هذا العلم من جملة ثمار الجنة فكما انهم (ع‌) يأكلون في الدنيا من ثمار الجنة كذلك يأكلون ما كان من نوع ذلك و كما انه قد يأكل غيرهم من ثمار الجنة و ان كان نادرا كما اكل الحواريون من المائدة و شرب عبدالله بن سنان من ماء الكوثر في الدنيا بواسطة جعفر بن محمد عليهما السلام كذلك قد يحصل بعض ذلك من العلوم و المعارف لغيرهم من شيعتهم و كذلك ما في اصول‌الكافي من قوله اصلها في دار النبي محمد (ص‌) فانه و غيره من الاخبار يدل علي اتحاد الدار فقول المصنف دون دار النبي محمد (ص‌) ليس بشي‌ء علي اطلاقه و كذا الكلام في قوله مستفادة من بيانه و تعليمه و قوله و هو كما اشار تعالي بقوله و من عنده علم الكتاب ، في الخرائج و في الكافي و العياشي عن الباقر (ع‌) ايانا عني و علي اولنا و افضلنا و خيرنا بعد النبي (ص‌) و روي مثله في مجمع‌البيان عن الصادق (ع‌) و في الاحتجاج سئل رجل علي بن ابيطالب (ع‌) اخبرني بافضل منقبة لك فقرء الاية و قال ايانا عني بمن عنده علم الكتاب و في المجالس عن النبي (ص‌) انه سئل عن هذه الاية فقال ذاك ( ذلك خ‌ل ) اخي علي بن ابيطالب (ع‌) و روي العياشي عن الباقر (ع‌) انه قيل له هذا ابن عبدالله بن سلام يزعم ان اباه ( اياه خ‌ل ) الذي يقول الله قل كفي بالله شهيدا بيني و بينكم و من عنده علم الكتاب قال كذب هو علي بن ابيطالب (ع‌) و في الكافي بسنده عن سدير قال كنت انا و ابوبصير و يحيي البزاز و داود بن كثير في مجلس ابي‌عبدالله اذ خرج علينا و هو مغضب فلما اخذ مجلسه قال يا عجبا لاقوام يزعمون انا نعلم الغيب مايعلم الغيب الا الله تعالي لقد

 

«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 796 *»

هممت بضرب جاريتي فلانة فهربت مني فماعلمت في اي بيوت الدار هي قال سدير فلما ان قام من مجلسه و صار في منزله دخلت انا و ابوبصير و ميسر فقلنا له يا بن رسول الله جعلنا فداك سمعناك و انت تقول كذا و كذا في امر جاريتك و نحن نعلم انك تعلم علما كثيرا و لاننسبك الي علم الغيب قال فقال يا سدير الم‌تقرء القرءان قلت ( فقلت خ‌ل ) بلي قال فهل وجدت فيما قرأت من كتاب الله عز و جل قال الذي عنده علم من الكتاب انا اتيك به قبل ان يرتد اليك طرفك قال قلت جعلت فداك قد قرأته قال فهل عرفت الرجل و هل علمت ما كان عنده من علم الكتاب قال قلت اخبرني به قال قدر قطرة من الماء في البحر الاخضر فما يكون ذلك من علم الكتاب قال قلت جعلت فداك ما اقل هذا قال ( فقال خ‌ل ) يا سدير ما اكثر هذا ان ينسبه الله عز و جل الي العلم الذي اخبرك به يا سدير فهل وجدت فيما قرأت من كتاب الله عز و جل ايضا قل كفي بالله شهيدا بيني و بينكم و من عنده علم الكتاب قال قلت قد قرأته جعلت فداك قال فمن عنده علم الكتاب كله قال فاومي بيده الي صدره و قال علم الكتاب والله كله عندنا و في تفسير علي بن ابراهيم بسنده عن ابي‌عبدالله (ع‌) قال الذي عنده علم الكتاب هو اميرالمؤمنين (ع‌) و سئل عن الذي عنده علم من الكتاب اعلم ام الذي عنده علم الكتاب فقال ماكان علم الذي كان عنده علم من الكتاب عند الذي عنده علم الكتاب الا بقدر ما تأخذ ( تأخذه خ‌ل ) البعوضة بجناحها من ماء البحر و في تفسير العياشي عن عبدالله بن عجلان عن ابي‌جعفر (ع‌) قال سألته عن قوله قل كفي بالله فقال نزلت في علي (ع‌) بعد رسول الله (ص‌) و في الائمة بعده و علي عنده علم الكتاب و عن عمر بن حنظلة عن ابي‌عبدالله (ع‌) عن قول الله عز و جل قل كفي بالله شهيدا بيني و بينكم و من عنده علم الكتاب فلما رءاني اتتبع هذا و اشباهه من الكتاب قال حسبك كل شي‌ء في الكتاب من فاتحته الي خاتمته مثل هذا فهو في الائمة (ع‌) عني به و روي المفيد مسندا الي سلمان الفارسي (رض‌) قال قال لي اميرالمؤمنين الويل كل الويل لمن لايعرف لنا حق معرفتنا فانكر فضلنا ( فضائلنا خ‌ل ) يا سلمان ايما افضل محمدا

 

«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 797 *»

او ( محمد (ص‌) ام خ‌ل ) سليمان بن داود و قال سلمان فقلت بل محمد (ص‌) فقال يا سلمان هذا اصف بن برخيا قدر ان يحمل عرش بلقيس من سبا الي فارس في طرفة عين و عنده علم من الكتاب و لا اقدر انا و عندي علم الف كتاب انزل الله منها علي شيث بن ادم خمسين صحيفة و علي ادريس النبي (ع‌) ثلثين صحيفة و علي ابراهيم الخليل عشرين صحيفة و علم التورية و الانجيل و الزبور و الفرقان قلت صدقت يا سيدي فقال اعلم يا سلمان ان الشاك في امورنا و علومنا كالممتري في معرفتنا و حقوقنا و قد فرض الله طاعتنا و ولايتنا في كتابه في غير موضع و بين فيه ما وجب العمل به و هو مكشوف ه‍ ، الي غير ذلك من النصوص الدالة علي عدم الخصوص بل كلهم مشتركون في هذه الفضيلة و ذكر علي (ع‌) في بعضها وحدة للتمثيل في تشريكهم مع ما علم من اخبارهم (ع‌) و ان ما جري لاولهم يجري لاخرهم و بقوله و انه في ام‌الكتاب لدينا لعلي حكيم و بقوله فاسئلوا اهل الذكر ان كنتم لاتعلمون مما يدل علي احاطة علومهم و حاجة جميع الخلق في العلم اليهم لان الله تعالي ( لانه سبحانه خ‌ل ) قد اقام نبيه (ص‌) مقامه في ساير عالمه في الاداء اي فيما يريد ان يؤديه الي خلقه من خلق او رزق او حياة او مماة اذ كان تعالي ( سبحانه خ‌ل ) لاتدركه الابصار و هو يدرك الابصار كما تقدم ذكره في خطبة علي (ع‌) يوم الغدير و يوم الجمعة ثم اوحي ( اوحي الي نبيه خ‌ل ) صلي الله عليه و اله و الذين امنوا و اتبعتهم ذريتهم بايمان الحقنا بهم ذريتهم و ماالتناهم من عملهم من شي‌ء و انزل الله اليه ان الله يأمركم ان تؤدوا الامانات الي اهلها فعلم رسول الله (ص‌) عليا (ع‌) جميع ما اوحي اليه و امره ان يعلم اهل بيته الطاهرين (ع‌) جميع ما علمه من العلوم و كذلك قوله تعالي انما انت منذر و لكل قوم هاد فان محمدا (ص‌) هو المنذر و الهادي علي (ع‌) و لذلك ( و لذا خ‌ل ) ورد انه (ص‌) قال لما نزلت هذه الاية يا علي انا المنذر و انت الهادي و قوله فقد تبين بنور العقل و النقل ان مثال شجرة طوبي يعني

 

«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 798 *»

اصل العلوم و المعارف في دار علي (ع‌) و اولاده المطهرين (ع‌) الخ ، ربما يشعر بان كلامه الاول لم‌يرد به التخصيص به عليه السلام و انما ذكره لكونه سيدهم و مقدمهم و ليس ببعيد و ان كان خلاف ظاهر عبارته لانه كثيرا ما لايغني باصلاح ( لايعتني باصطلاح خ‌ل ) العبارة فان عني بقوله الاول ما اراد هنا في قوله و اولاده المطهرين فقد اجاد و ان اراد خصوص التوسط فقد اخطأ السداد و قوله لان كلا منهم اي من الائمة الاثني‌عشر اعني الاحدعشر و فاطمة يحذو حذو ابيهم المقدس اميرالمؤمنين (ع‌) و جدهم المطهر خاتم النبيين صلوات الله عليه و عليهم و ان اراد به انهم مثلهما (ع‌) في العلوم العامة و في التوسط لكل الخلق فهو حق و ان اراد به خصوص العلوم ( العلم خ‌ل ) دون التوسط فهو غلط .

قال } و فروعها في دور صدور شيعتهم و بيوت قلوب مواليهم اذ يتفرع و يتشعب من علم النبي و الوصي و الهما صلي الله علي محمد و علي و الهما علوم عقلية و فروع فقهية في قلوب العلماء و المجتهدين من اتباعهم و مقلديهم الي يوم القيمة و نسبة سيد الاولياء علي (ع‌) الي علماء هذه الامة يا علي انا و انت ابوا هذه الامة و هكذا نسبة شجرة طوبي لجميع ( بجميع خ‌ل ) اشجار الجنة قال العارف المحقق في الفتوحات المكية اعلم ان شجرة طوبي لجميع شجر الجنان ( الجنات خ‌ل ) كادم (ع‌) لما ظهر عنه من النبيين فان الله لما غرسها بيده و سويها و نفخ فيها من روحه كما شرف ادم باليدين و نفخ فيه فاورثه نفخ الروح فيه

علم الاسماء لكونه مخلوقا باليدين و لما تولي الحق غرس شجرة طوبي و نفخ فيها زينها بثمرة الحلي و الحلل اللذين فيهما زينة للابسهما و نحن ارضها كما جعل ما علي الارض زينة لها انتهي ، فقد ظهر من كلامه ان شجرة طوبي يراد بها اصول المعارف و الاخلاق الحسنة لتكون زينة للنفوس القابلة بمنزلة ما علي الارض زينة لها { .
اقول المراد بالفروع الاغصان كما هو منطوق الاخبار و الغصن يراد منه نوع منها اذا فسرت بالعلوم و جزء منها اذا فسرت بالشجرة المعلومة فاذا ( فان

 

«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 799 *»

خ‌ل ) فسرت بالعلوم فالغصن منه كلي و منه جزئي فمرادنا بالكلي ان المؤمن له حصة من شجرة العلوم و تلك الحصة من كل علم يناسب رتبة ذلك المؤمن من المعارف و غيرها و مرادنا بالجزئي ان ذلك الغصن يعطي صاحبه المؤمن من كل فاكهة و طعام يناسب رتبة ذلك المؤمن بما تقتضيه الحكمة و كل ملبوس و مشروب و منكوح و مشموم و ملموس و مذوق و مسموع و مبصر و متخيل مما تقتضي الحكمة حسن تنعمه به و تمتعه فيه و ان فسرت بالشجرة النباتية حملت بكل فاكهة توجد في الدنيا علي اطوار و الوان لاتتناهي مثلا تحمل برمان رطب و يابس فيه طعم كل فاكهة تميل اليها نفس صاحب ذلك الغصن و في ذلك الرمان جميع الالوان و الطبايع المستقيمة كما كان فيه جميع الطعوم و كذا يحمل ذلك الغصن بتفاح بين رمان و عنب و رطب في كل شي‌ء كل لون محسن ( مستحسن خ‌ل ) و كل طعم مستعذب و كل رايحة طيبة و هكذا و كل واحدة من تلك الثمرات المتغايرة المتشاكلة ظاهرها طعام و طيب و فاكهة و شراب و قوة باه و اصلاح مزاج و تفريح و كمال عقل و ذكاء و ما اشبه ذلك و باطنها علم كما قال علي (ع‌) اسفله طعام و اعلاه علم ه‍ ، لمثل هذا فليعمل العاملون و قوله في دور صدور شيعتهم يعني ما كان من علوم الاحكام مما يتعلق بالخلق و احوالهم و معرفة صفاتهم و ذواتهم لان الصدور هي مقر العلوم التي صور الاشياء و احوالهم و افعالهم و اعمالهم و اقوالهم و المراد بالدور جمع دار و هي المشتملة علي بيوت كثيرة و قوله في بيوت قلوب مواليهم يعني ما كان من المعارف الالهية من معرفة صفاته و صفاتها و اسمائه و اسمائها و افعاله و متعلقاتها و اوقاتها و القلوب في الصدور كالبيوت في الدور و ذكر القلوب للمعارف غير مناسب لمذاق العارفين لان القلوب مقر اليقين الذي هو ضد الشك و الريب و هذا نوع علم اليقين و التقوي الذي هو ثمرة علم الاخلاق لذلك كما ان الصدور مقر العلوم التي هي ضد الجهل و لا شي‌ء من الاثنين بمحل المعارف ( للمعارف خ‌ل ) التي

 

«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 800 *»

يتناولها العارف بلا صورة و لا معني و لا كيف و لا كم و لا اشارة و ذلك لان العلم باعث للخوف بما يتحقق في الصدور و اليقين باعث للرجاء بما يشرق في القلوب ( القلب خ‌ل ) و اما المعارف المحضة المجردة عن الصور و عن المعاني فلاتنجلي ( فلاتتجلي خ‌ل ) الا في الافئدة فتنبعث عنها المحبة بلا اشارة و لا كيف و القلب يطلق علي الفؤاد و بالعكس الا انه بحسب ظاهر اللغة و اما في اللغة الخاصة فالفؤاد روح القلب و القلب وجهه و ظاهره و لعل المصنف لايعرف الفرق بينهما و لهذا لم‌نجد لهذا ذكرا في شي‌ء من كتبه و الموافق لمن يسلك الغور في المعارف ذكر الفرق بينهما ليعرف ما يحل في مكانه اللايق به فنسب ( فينسبه خ‌ل ) اليه و اذا فسرت هذه الشجرة الطيبة بالمعارف و العلوم فهل توجد تلك العلوم و المعارف في الدنيا لاصحاب الغصون في الاخرة ام لا الظاهر ان ذلك يوجد فكل علم اجابه العمل اذا هتف به فانه تنزل ( متنزل خ‌ل ) من تلك الشجرة و ذلك الغصن كامن في بيت صاحبه يظهر له يوم القيمة و من مات فقد قامت قيامته و من قتل نفسه كما يحب الله اورق غصنه و كثر ثمره و تناول منه في الدنيا و اكل من ثمره و لايجد احد لذة للعلم دائمة ثابتة الا ما كان من تلك الشجرة و اذا كان من غيرها فان وجد لذة لشي‌ء من العلم فانما ذلك للبس خادعته فيه نفسه و غفلته ( غفلة خ‌ل ) عما يراد منه او به و لما كانت تلك الشجرة في الجنة كان كل علم يوصل اليها فهو منها و كل علم يصد عنها فليس منها لان الاشياء بمقتضي طبيعتها تنعطف فروعها علي اصولها و قوله اذ يتفرع و يتشعب من علم النبي و الوصي و الهما (ص‌) علوم عقلية اي كالمعارف الحقة و فروع فقهية كالعلوم المستنبطة من الكتاب و السنة بالاستنباط الذي اشاروا اليه (ع‌) بقولهم علينا ان نلقي اليكم اصولا و عليكم ان تفرعوا و تلك الفروع من تلك الغصون اذا كانت جارية في استخراجها علي نمط ما سلكوا (ع‌) و علي هذا ( و الي هذه خ‌ل ) الاشارة بقوله تعالي و اوحي ربك الي النحل اي النفوس المتنحلة يعني المختارة المستنبطة من ادلتها ان اتخذي من الجبال بيوتا اي انظري و تدبري في متعلقات

 

«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 801 *»

الاحكام التي هي محال النظر و التدبر من الجبال اي مقتضيات الاجسام و الطبايع جمع جبلة من تفسير ظاهر الظاهر بيوتا و هي محال النظر لاستنباط مقتضي اوصافها و دواعيها من الحسن و القبح و من الشجر و هي النفوس في تطوراتها و شئونها و مما يعرشون من تعلقات افعالها بالاجسام و وقوع اطيار شئونها علي اوكارها من الاجسام و الجسمانيات ثم كلي من كل الثمرات اي من موجبات الافعال المقتضية لتلك الثمرات باوصافها من الحسن و القبح فاسلكي سبل ربك ذللا اي في الاستنباط بما عرفك من سبله و نمط استخراج المسببات من اسبابها ( الاسباب خ‌ل ) و استنباط الفروع من اصولها يخرج من بطونها اي من بطون خيالها و انظارها ( افكارها خ‌ل ) شراب اي علوم يحيي بها اموات النفوس و القلوب كما يحيي ( تحيي خ‌ل ) بالماء اموات الاشجار و الارضين كما قال تعالي و جعلنا من الماء الظاهري و الماء الباطني الذي هو العلم كل شي‌ء حي ،

فان قلت يلزم من بيانك خصوصا بتأويلك ان يكون النبي (ص‌) و اهل بيته (ص‌) يجتهدون في استخراج الاحكام من الادلة و هو خلاف الاتفاق قلت نعم فانهم (ع‌) يستنبطون الاحكام من ادلتها الا ان الفقهاء غيرهم اغلب ما يتوصلون به الظنون و هم (ع‌) جميع ما تؤديهم اليه ادلتهم الي اليقين القطعي العياني في جميع ما يحكمون به و الا فاخذهم بالاستنباط كما قال تعالي و لو ردوه الي الله و الي الرسول و الي اولي الامر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم ، ففي تفسير العياشي عن عبدالله جندب ( سنان الجندب خ‌ل ) عن الرضا (ع‌) يعني ال‌محمد (ع‌) و هم الذين يستنبطون من القرءان و يعرفون الحلال و الحرام و هم حجة الله علي خلقه و عن ابي‌عبدالله (ع‌) قال هم الائمة عليهم السلام و عن ابي‌عبدالله (ع‌) قال عز و جل اطيعوا الله و اطيعوا الرسول و اولي الامر منكم فقال عز و جل و لو ردوه الي الله و الي الرسول و الي اولي الامر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم فردا لامر الناس الي اولي الامر منهم الذين امر بطاعتهم و بالرد اليهم و في الاكمال بسنده الي ابي‌حمزة الثمالي عن ابي‌جعفر بن محمد

 

«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 802 *»

بن علي الباقر (ع‌) في حديث طويل يقول فيه (ع‌) و من وضع ولاية الله و اهل استنباط علم الله في غير اهل الصفوة من بيوتات الانبياء فقد خالف امر الله عز و جل و جعل الجهال ولاة امر الله و المتكلفين بغير هدي و زعموا انهم اهل استنباط علم الله فكذبوا علي الله و زاغوا عن وصية الله و طاعته فلم‌يضعوا فضل الله حيث وضعه الله تبارك و تعالي فضلوا و اضلوا اتباعهم فلاتكون لهم يوم القيمة حجة و قال ايضا بعد ان قرء فان يكفر بها هؤلاء فقد وكلنا بها قوما ليسوا بها بكافرين فان يكفر بها امتك فقد وكلنا اهل بيتك بالايمان الذي ارسلناك له فلايكفرون بها ابدا و لااضيع ( و لااضع خ‌ل ) الايمان الذي ارسلناك به و جعلت اهل بيتك بعدك علي امتك ولاة من بعدك و علي الاستنباط الذي ليس فيه كذب و لا اثم و لا زور و لا بطر و لا رياء ه‍ ، فتدبر هذه الاخبار ليظهر لك ان الاستنباط ( استنباط خ‌ل ) الحق ما استنبطه محمد و اهل بيته و الانبياء (ع‌) و قوله و نسبة سيد الاولياء علي (ع‌) الي علماء هذه الامة اذا اريد بعلماء هذه الامة الائمة الطاهرون صح التشبيه في الجملة لان اميرالمؤمنين (ع‌) سمي ( يسمي خ‌ل ) اميرالمؤمنين لانه يمير الائمة (ع‌) العلم المأخوذ ( مأخوذ خ‌ل ) من قوله تعالي و نمير اهلنا و المؤمنون هنا هم الائمة عليهم السلام الا انه (ع‌) يسقيهم مما استسقي ( اسقي خ‌ل ) منه بنفسه لا بصفته فلهذا قلنا صح التشبيه في الجملة و لو اريد الانبياء صح التشبيه علي الحقيقة و ان اريد مطلق علماء هذه الامة صح علي الحقيقة بنسبته في كل شي‌ء بمعني ان كنه الشجرة و اصلها الذي ليس ورائه لها ( له خ‌ل ) ذكر بحال ما هو في بيت محمد و ذلك في بيت علي و بيوت اهل بيته الطاهرين (ع‌) بحكم الثانوية فان ما هو بحكم الاولوية ( الاولية خ‌ل ) في بيت محمد (ص‌) و بعده في بيوتهم و ظاهر ذلك منتشر في بيوت الانبياء (ع‌) يقع في بيت كل نبي ما يسعه استعداده و اشعة ذلك الظاهر مشرقة في بيوت المؤمنين يقع في كل بيت من بيوت المؤمنين ما يستدل عليه ( يستدعيه خ‌ل ) استعداده و بمثل ذلك استمداد مقلديهم الي انقضاء التكليف ( انقضائه خ‌ل ) هذا نسبة باطنها و تأويلها و

 

«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 803 *»

نسبة ظاهرها الي جميع شجرات الجنان كشجرات الخير و هو النهر الجاري في المدهامتين التي تحمل بالنساء الخيرات الحسان المعلقات في تلك الاشجار بشعورهن و كشجرات الفواكه بجميع انواعها و شجرات الدنيا و ما اودع فيها من الخواص و الاسرار كنسبة ظاهر علوم محمد (ص‌) و اوصيائه الي علوم ساير علماء شيعتهم من الاولين و الاخرين لا خصوص علماء هذه الامة كما توهم ( توهمه خ‌ل ) المصنف بل الي علوم ساير الانبياء و المرسلين و ساير المؤمنين من الاولين و الاخرين كساير ( و ساير خ‌ل ) الملئكة اجمعين و ساير ما اودع علما و ( علنا او خ‌ل ) سرا من جميع الحيوانات و النباتات و الجمادات في ذواتهم و صفاتهم و احوالهم و افعالهم فتأمل في هذه الاجمال و التعميم و ارسله في كل شي‌ء ليصح لك التمثيل و قوله قال العارف المحقق في الفتوحات المكية يعني به محمد بن علي الطائي الاندلسي ابن‌عربي المعروف و قول ابن‌عربي اعلم ان شجرة طوبي لجميع ( بجميع خ‌ل ) شجرات الجنات ( الجنان خ‌ل ) كادم (ع‌) لما ظهر عنه (ع‌) من النبيين يعني ان ادم (ع‌) لم‌يتولد من اب و ام غير مادته و صورته فظهرت عنه ذرية ( ذريته خ‌ل ) بالتناكح و التناسل كذلك شجرة طوبي لو لم‌يكن ( لم‌تكن خ‌ل ) متولدة من بذر او نواة و لا من صلب شجرة كانت قبلها فتولدت من اصلها كتولد النخلة من النخلة قال فان الله لما غرسها بيده و سواها يعني سوي صورتها نفخ فيها من روحه اي المراد بالروح عندنا و هو روح وليه (ع‌) فحييت ظاهرا بالحيوة النباتية و هي النفس النباتية و حييت بالحياة التأويلية و هي حياة العلم الوجداني كما قال تعالي او من كان ميتا فاحييناه و جعلنا له نورا يمشي به في الناس اي جعلنا له عقلا و علما يهتدي به في ظلمات الجهالة و حييت باطنا بالحياة الحقيقية الناطقية كما شرف ادم باليدين اي يدا ( يدي خ‌ل ) قدرته و اليدان من جهة الفعل المشية هي يده اليمني خلق بها ( منها خ‌ل ) مادته و الارادة هي يده الشمال خلق بها ( منها خ‌ل ) صورته و نفخ فيه يعني نفخ فيه الحياة من روحه و هي روح وليه (ع‌) فاورثه نفخ الروح

 

«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 804 *»

فيه علم الاسماء قال لكونه مخلوقا باليدين يعني لاجل كونه مخلوقا باليدين اللتين هما العقل و النفس اي القلم و اللوح قال و لما تولي الحق غرس شجرة طوبي و نفخ فيها زينها بثمرة الحلي و الحلل اللذين هما زينة للابسهما و نحن ارضها يعني انا محل اشراقها فيجب ان يجري علينا شبهها فزين ( فتزين خ‌ل ) بالعلم كما جعل ما علي وجه الارض من زينة لها و يريد ان النفخ من روحه في ادم (ع‌) اورثه علم الاسماء و النفخ في الشجرة من روحه اورثها زينة الحلي و الحلل و نحن بنو ادم و ارض الشجرة فورثنا الصفوتين فقول المصنف فقد ظهر من كلامه ان شجرة طوبي يراد بها اصول المعارف و الاخلاق الحسنة ليكون زينة للنفوس القابلة بمنزلة ما علي الارض زينة لها هو الظاهر من لفظه و اما ما يظهر من مراده فهو ما اشرنا اليه فافهم .

قال } قاعدة في دخول اهل النار فيها هذه مسئلة عويصة و هي موضع خلاف بين علماء الرسوم و علماء الكشف و كذا بين اهل الكشف هل يسرمد العذاب عليهم الي ما لا نهاية له او يكون لهم راحة و نعيم بدار الشفاعة بدار الشقاء جهنم عند منتهي مدة العذاب الي اجل مسمي مع اتفاق الكل علي عدم خروج الكفار من النار و انهم ماكثون فيها الي ما لا نهاية له فان لكل من الدارين عمارا و لكل منهما ملؤها و الاصول الحكمية دالة علي ان القوي الجسمانية متناهية و علي ان القسر لايدوم علي طبيعة واحدة و علي ان لكل موجود غاية ينتهي اليها و علي ان مال الكل الي الرحمة الالهية التي وسعت كل شي‌ء { .
اقول قوله هذه مسئلة عويصة ه‍ ، غلط لانها في نفسها سهلة و انما جعلها عويصة تكلف المتكلفين و ذلك انهم بنوا امورهم علي اظهار النكت الغريبة ليماروا به العلماء لان اصل هذه و امثالها لما اخبروا ائمة الهدي (ع‌) بتألم اهل النار و اظهروا ذلك بين شيعتهم حتي كان مذهبهم معروفا بالقول بدوام التألم اخذ المقابلون لهم بالرد و الانكار في اظهار خلافهم و لما كانت ظاهرة التحقق كانت مخالفتها عويصة فاستدلوا علي ما يدعون من المخالفة بامور مفرقة و دلائل ملفقة فلهذا كان تصحيحها عويصا صعبا و المصنف هو و اتباعه لما كان

 

«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 805 *»

ديدنهم النظر في كتب اولئك و الخطاب معهم غلبت عليهم المخالطة و عظمت عليهم الشبهة و عميت عليهم الادلة فتكلفوا لما انست به نفوسهم عن ( من خ‌ل ) الشبهة اوهاما اعتمدوها و شبهات زخرفوها يحسبه ( يحسبها خ‌ل ) الظمان ماء و هي سراب حتي اذا جائها لم‌يجدها شيئا و ستسمع ما ذكروه فاختلفوا ( اختلفوا خ‌ل ) هل يسرمد عليهم العذاب بمعني هل يدوم تألمهم مع اتفاقهم علي دوام العقاب و الخلود فيه ام تكون لهم بذلك العذاب راحة و نعيم في دار الشقاء جهنم بحيث يتنعمون بالتعذيب و اكل الزقوم و شرب الحميم كما يتنعم الجعل برايحة الغذيرات ( العذرات خ‌ل ) حتي لو وضعوا في الجنة لتألموا بنعيمها كما يتألم الجعل برايحة المسك و الريحان و لكنهم ماكثون فيها لايخرجون منها الي ما لا نهاية له و ذلك لما دلت عليه الادلة النقلية و العقلية علي ان للجنة عمارا و للنار عمارا و ان لكل منها ملؤها و المصنف لما كان مؤتما بالقوم تابعا لهم في مذاهبهم اختار مذهبهم في ان اهل النار بعد انتهاء مدة عقابهم علي اعمالهم بقدرها يؤل امرهم الي التنعم بالعذاب بحيث لو دخلوا ( ادخلوا خ‌ل ) الجنة تألموا بنعيمها فقال الاصول الحكمية دالة علي انقطاع التألم منها ان القوي الجسمانية متناهية كاللامسة و الذايقة و الشامة و الباصرة و السامعة و غير ذلك و هي المسماة بالانسان الطبيعي و هو ظل الانسان النفسي و هذا الانسان الطبيعي عندهم متناه فان بفناء هذه الدار و معني فنائه تبدله و تجدده حتي اذا عاد يوم القيمة يعود بصورته الوجودية لا بمادته كما تقدم من كلامه و هذه التبدلات و التناهي و التغيرات و ما وقع بسببها من المعاصي او نشأ منها و هي خيرات في حقها و كمالات لها بها تسبح الله تعالي و تقدسه و لم‌تقصد في شي‌ء من افعالها القبيحة مخالفة امر الله و لا رضاه و لا في انبعاثها في المعصية انتهاكا لشريعة ( للشريعة خ‌ل ) بل هي عاشقة لله تعالي طالبة له من الطريق الذي وضعها فيه لانها فاعلة ( فاعله خ‌ل ) بحسب طبعها و كل ما يفعل بحسب طبعه فهو تسبيح ( يسبح خ‌ل ) الله تعالي و تقدسه ( يقدسه خ‌ل ) و هذه القوي و الاعضاء لما كانت عاملة بعقوبات ( حاملة لعقوبات خ‌ل ) النفس الحساسة المتخيلة كانت

 

«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 806 *»

بمنزلة زبانية جهنم و سدنة الجحيم و بمنزلة مالك فكما ان سدنة النيران لايتألمون منها لانهم هم المعذبون لاهل النار كذلك هذه القوي و الاعضاء فانظر ايها العاقل الي هذه التوجيهات الفاسدة و التمويهات الكاسدة كيف يعتقدها المصنف و يدين الله بها و مثله ( مثلا خ‌ل ) ما يريد من القسر فانه ( لانه خ‌ل ) لايدوم علي طبيعة واحدة و هي ما اقتضته المعاصي من العقوبات و الالام فانه اقتضاء علي غير مقتضي الطبيعة فاذا انقضي القسر عاد الي النعيم الذي هو مقتضي الطبيعة من تقطيع الاعضاء و تفريقها و قبولها الاحتراق لانها قابلة اما يجري عليها فتنعم ( فتتنعم خ‌ل ) به لانه هو الملائم لها و لان لكل موجود غاية يؤل امره اليها و الموجودات صدرت بمقتضي الرحمة الواسعة فيعود كل شي‌ء اليها انتهي ، و امثال هذه الاستدلالات الباطلة العاطلة و ستسمع بطلان هذه الاوهام بعد ايراد كلامه .

قال } و عندنا ايضا اصول دالة علي ان الجحيم و الامها و شرورها دائمة باهلها كما ان الجنة و نعيمها و خيراتها دائمة باهلها و ان كان الدوام في كل منهما علي معني اخر و انت تعلم ان نظام الدنيا لايصلح الا بنفوس جافية غليظة و قلوب قاسية شديدة القسوة فلو كان الناس علي طبقة واحدة و طبيعة سليمة و قلوب خاشية مطيعة لاختل النظام بعدم القائمين بعمارة هذه الدار من النفوس الشديدة الغلاظ كالفراعنة و الدجاجلة و النفوس المكارة الشيطانية و في الحديث اني جعلت معصية ادم (ع‌) سببا لعمارة هذه العالم و قال تعالي و لقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن و الانس لهم قلوب لايفقهون بها الاية ، و قال و لو شئنا لاتينا كل نفس هديها و لكن حق القول مني لاملأن جهنم من الجنة و الناس اجمعين و كونها علي طبقة واحدة تنافي ( ينافي خ‌ل ) الحكمة و المصلحة لاهمال ساير الطبقات الممكنة في ممكن الامكان من غير ان يخرج من القوة الي الفعل و العناية تأباه فاذا كان وجود كل طايفة من مقتضي قضاء الله و قدره و عنايته و رحمته و تكون لها غايات طبيعية و مواطن ذاتية و الغايات الذاتية

 

«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 807 *»

للاشياء مناسبة لها ملائمة لذواتها يقع الوصول اليها اخر الامر و ان عاق عنها عايق زمانا مديدا او قصيرا كما قال و حيل بينهم و بين ما يشتهون و الله يتجلي بجميع الاسماء في جميع المنازل و المقامات فهو الرحمن الرحيم الرؤف و هو العزيز الجبار القهار المنتقم و في الحديث ايضا لولا انتم تذنبون لذهب الله بكم و جاء بقوم يذنبون قال بعض المكاشفين يدخل الله اهل الدارين فيهما السعداء بفضل الله و اهل النار بعدله و ينزلون فيهما بالنيات فيأخذ الالم جزاء العقوبة موازيا لمدة العمل ( العمر خ‌ل ) في الشرك في الدنيا فاذا فرغ الامد جعل لهم نعيم في الدار التي يخلدون فيها بحيث لو دخلوا الجنة تألموا لعدم موافقة الطبع الذي جبلوا عليه فهم يتلذذون بما هم فيه من نار و زمهرير و ما فيها من لدغ حيات و عقارب كما يتلذذ اهل الجنة فيه من الظلال و النور و لثم الحسان من النور ( الحور خ‌ل ) لان طباعهم تقتضي ذلك الاتري الجعل علي طبيعة يتضرر بريح ( بطيب خ‌ل ) الورد و يتلذذ بالنتن و المحرور من الانسان يتأذي بريح المسك فاللذات تابعة للملائمة و الالام لعدمه و صاحب الفتوحات المكية امعن في هذا الباب و بالغ فيه في ذلك الكتاب و قال في الفصوص و اما اهل النار فمالهم الي النعيم اذ لا بد لصورة النار بعد انتهاء مدة العقاب ان تكون بردا و سلاما علي من فيها و اما انا و الذي لاح لي بما انا مشتغل به من الرياضات العلمية و العملية ان دار الجحيم ليست بدار نعيم و انما هي موضع الالم و المحن و فيها العذاب الدائم لكن الامها متنفنة ( متفننة خ‌ل ) متجددة علي الاستمرار بلا انقطاع و الجلود فيها متبدلة و ليس هناك موضع راحة و اطمينان لان منزلتها من ذلك العالم منزلة عالم الكون و الفساد من هذا العالم { .
اقول ان المصنف قد برهن علي هذه المسئلة بما هو صريح بانه قائل بمال امرهم الي النعيم كما ذكره في ساير كتبه مثل شواهد الربوبية التي قيل انها اخر تأليفاته و هنا كذلك و ذكر هذا الكلام الاخير الذي يدل علي عدم ذلك حين غفل عن قواعدهم و ادلتهم التي ملأ الكتب منها و ايدها و عدوله منها ( هنا خ‌ل ) يشبه مسائل الاجتهادية الظنية لا الاعتقادات ( اعتقادات خ‌ل ) اليقينية و

 

«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 808 *»

ما ( مما خ‌ل ) اطنب فيه في ذلك المذهب الفاسد ما ذكره في الكتاب الكبير الاسفار و ان كان طويلا فاني احببت ان اورده بتمامه لتعرف ما فيه و ربما اذكر فيه كلاما مني و اصدر كلامه بقولي يقول و اصدر كلامي بقولي قلت ليميز ( لتميز خ‌ل ) بين الكلامين و الفرق بين هذا في هذا البحث و بين غيره في ساير ( هذه خ‌ل ) الشرح .
يقول هذه مسئلة عويصة و هي موضع خلاف بين علماء الرسوم و علماء الكشوف و كذا موضع خلاف بين اهل الكشف هل يسرمد العذاب علي اهل النار الذين هم من اهلها .
قلت قوله الذين هم من اهلها احتراز عن الذين يخرجون منها .
يقول الي ما لا نهاية له او يكون لهم نعيم بدار الشقاء فينتهي العذاب عنهم ( فيهم خ‌ل ) الي اجل مسمي مع اتفاقهم علي عدم خروج الكفار منها ( منهم خ‌ل ) و انهم ماكثون فيها الي ما لا نهاية له فان لكل من الدارين عمارا و لكل منهما ملؤها اعلم ان الاصول الحكمية دالة علي ان القسر لايدوم علي طبيعة واحدة و ان لكل موجود من الموجودات الطبيعية غاية ينتهي اليها وقتا و هي خيره و كماله .
قلت يريد ان القسر الذي اقتضي تألمهم جار علي خلاف طبايعهم لان قبولهم للحرق و التقطيع و الفراق و الهم و الغم ان كان جاريا علي ما يقتضيه ( مقتضي خ‌ل ) طبايعهم كان ملايما و الشي‌ء لايتألم بما يلائمه و ان كان جاريا علي خلاف ما يقتضيه ( تقتضيه خ‌ل ) طبايعهم فهو قسر و القسر علي خلاف المقتضي فلا دوام له من طبيعة ( طبيعته خ‌ل ) و ايضا كل موجود فله غاية ينتهي اليها و وصول الشي‌ء الي غاية خيره و كماله و ذلك كمال الملائمة فينقطع التألم و الجواب ان القسر كما يجري في وقت ( لوقت خ‌ل ) ما لموجب قاسر كذلك يدوم ما دام الموجب القاسر و قد ثبت دوامه بثبوت المعاصي الجارية من المعاصي علي الدوام و الاستمرار ما قطعه عنها الا الموت لان

 

«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 809 *»

المفروض من عدم توبته و دوام عزمه و نيته انه لو بقي ابد الابدين و دهر الداهرين انه لايطيع الله تعالي ابدا و اما رجوع كل موجود الي غاية ينتهي اليها فحق و لكن الغاية هي التي جري عليها باختياره اذ لو كانت دواعي معاصيه عارضة لما استمر عليها مختارا فلا حقيقة له غير ما هو عليه في اول دخوله النار و لو كانت عارضة لما خلد فيها بل اذا كانت غاية ( غايته خ‌ل ) غير ما تقتضي هذه وجب خروجها عنها ( خروجه منها خ‌ل ) و دخوله الجنة و كمال كل شي‌ء بنسبته و لهذا قلنا انهم كلما تطاولت الدهور اشتد تألمهم لانه كمال طبيعتهم و حقيقتهم كما ان اهل الجنة كلما تطاولت الدهور اشتد نعيمهم و الجنة و النار و اهلهما و ما فيه اهلهما بينهما كمال التضاد في الصفات و كمال الاتحاد في الامتداد و ذلك مثل ما بين الشاخص و ظله فانه علي عكس الشاخص و مثله في التناهي و عدمه لان الجنة من الرحمة و النار من الغضب فافهم .
يقول و ان الواجب جل ذكره اوجد الاشياء علي وجه تكون مجبولة علي قوة تحفظ ( تنحفظ خ‌ل ) بها خيرها الموجود و تطلب بها ( منها خ‌ل ) كمالها المفقود كما قال هو الذي اعطي كل شي‌ء خلقه ثم هدي .
قلت هو ما قلنا فان هذه القوة هي القوة المقتضية للاعمال الخبيثة سواء كانت طبيعية ( طبيعة خ‌ل ) ذاتية او تطبعية قد قسرت ( مرت خ‌ل قرت خ‌ل ) لان حقيقة الاشياء ما تصل اليها بالقوابل الاختيارية التي اقواها و امرها ( اقرها خ‌ل ) قوابل الاعمال فيها تصل الي كمالها التي هي عليه من خير او شر .
يقول و لاجل ذلك يكون لكل منها عشق للوجود و شوق الي كمال الموجود و هو غايته الذاتية التي طلبها و تحرك ( تتحرك خ‌ل ) اليها بالذات و هكذا الكلام في غايته و غاية غايته حتي ينتهي الي غاية الغايات و خير الخيرات .
قلت يريد حتي ينتهي الي خالقه و هذا باطل فان الحوادث لاتنتهي الي القديم و لاتقصر المسافة بينه و بينه بكثرة السير كما قال اميرالمؤمنين (ع‌) انتهي المخلوق الي مثله و الجأه الطلب الي شكله و معني رجوعها الي الله تعالي

 

«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 810 *»

انتهاؤها الي ما خلقها منه او لاجله فانه هو الرجوع الي امره و سلطانه .
يقول الا ان يعوق له عن ذلك عايق و يقسر قاسر لكن العوايق ليست اكثرية و لا دائمية ( دائمة خ‌ل ) كما سبق ذكره و الا لبطل النظام و تعطلت الاشياء و بطلت الخيرات و لم‌تقم الارض و السماء و لم‌ينشأ الاخرة و الاولي و ذلك ظن الذين كفروا فويل للذين كفروا من النار .
قلت انما يبطل النظام لو اقتضي الامر سوقها كلها الي الخيرات لتعطل قابليات الظلمات و المكروهات لان الانوار و المحبوبات ( المحوبات خ‌ل ) لاتقوم بدون اضدادها كما اشار اليه الرضا (ع‌) بقوله ان الله تعالي لم‌يخلق شيئا فردا قائما بذاته للذي اراد من الدلالة علي نفسه و اثبات وجوده .
يقول فعلم ان الاشياء كلها طالبة لذاتها للحق مشتاقة الي لقائه بالذات و ان العداوة و الكراهة طارية بالعرض فمن احب لقاء الله بالذات احب الله لقائه بالذات و من كره لقاء الله بالعرض لاجل مرض طار علي نفسه كره الله لقائه بالعرض .
قلت ان العداوة و الكراهة ليست طارية لانها هي المشخصة للشي‌ء فان صورة السرير ليست طارية عارضة للسرير اذ ليس الخشب سريرا لتكون الصورة التي هي المشخصة للسرير عارضة و انما هي جزء ماهيته لانها عين قابليته و ايضا اذا جعل الله عز و جل غاية كل طالب لم‌يتصور كونه تعالي كارها للقاء احد لانه انما يصل اليه و يلقاه بالذات فلايتحقق اللقاء بالعرض فان ( و ان خ‌ل ) وجد العرض لم‌يحصل اللقاء و ان حصل اللقاء مع العرض لم‌يكن تعالي غاية للطالب لان الغاية الحقيقة لايصل اليها الطالب لا ( الا خ‌ل ) بالذات لا بالعرض و الا لكانت الغاية ورائها .
يقول فيعذبه مدة حتي يبرأ من مرضه و يعود الي فطرته الاولي او يعتاد بهذه الكيفية المرضية و زال المه و عذابه بحصول ( لحصول خ‌ل ) اليأس و تحصل له فطرة اخروي ( اخري خ‌ل ) و هي فطرة الكفار الايسين من رحمة الله الخاصة بعباده و اما الرحمة العامة فهي التي وسعت كل شي‌ء كما قال

 

«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 811 *»

تعالي عذابي اصيب به من اشاء و رحمتي وسعت كل شي‌ء .
قلت اذا عاد الي فطرة ( فطرته خ‌ل ) الاولي وجب اخراجه من النار فلايخلد فيها و اذا اعتاد بهذه الكيفية بقيت الطبيعة الموجبة للتألم و اذا حصلت له فطرة اليأس اشتد المه لان اليأس اشد عذاب في جهنم و اما الرحمة الواسعة فتشمله اخر امره كما شملته اول دخوله النار لانه حين دخولها ( دخلها خ‌ل ) شي‌ء و الرحمة وسعت كل شي‌ء و لكنا لانقول اذا عذب و تألم انه مظلوم بل هذا حكم العدل و الرحمة الواسعة قسمان قسم فضل و هو الرحمة المكتوبة الخاصة بالمؤمنين و قسم عدل و هو الجاري علي المنافقين و المشركين و الكافرين .
يقول و عندنا اصول دالة علي ان الجحيم و الامها و شرورها دائمة باهلها كما ان الجنة و نعيمها و خيراتها دائمة باهلها الا ان الدوام لكل منهما علي معني اخر ثم انك تعلم ان نظام الدنيا لايصلح الا بنفوس جافية و قلوب غلاظ شداد قاسية فلو كان الناس كلهم سعداء بنفوس خايفة من ( عن خ‌ل ) عذاب الله و قلوب خاضعة خاشية لاختل النظام بعدم القائمين بالعمارة من هذه الدار من النفوس الغلاظ العتاة كالفراعنة و الدجاجلة و كالنفوس المكارة و كشياطين الانس بجريرتهم و حيلتهم و كالنفوس البهيمية و الجهلة كالكفار و في الحديث اني جعلت معصية ادم سبب عمارة هذا العالم .
قلت هذه اشياء معلومة لاننكر ( لاتنكر خ‌ل ) و ان كان مقتضي كثير منها ينافي ما تقدم من رجوع امر اهل النار الي النعيم لان ذلك ينافي النظام لتعطل بعض المقتضيات كالتألم الذي هو من اسباب عمارة العالم لان النظام انما قام باعطاء كل ذي حق حقه باجراء الخير علي مقتضي خيريته و الشر علي مقتضي شريته و هذا الحديث من طرق الجماعة و هذه عادة المصنف في كل الروايات التي يستدل بها من طرق العامة لان علمه ( عمله خ‌ل ) مأخوذ منهم و نظره في كتبهم و لكن معني هذا الحديث لاينافي الحق و بيان السر فيه انه لو بقي هو و ذريته في الجنة بطل نظام هذا العالم و لايعرف المطيع من العاصي و لا الصادق

 

«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 812 *»

في طاعته من الكاذب و لايجوز في الحكمة ان يخرجه من الجنة بلا تقصير لانه تعالي لايغير ما بقوم حتي يغيروا ما بانفسهم فنهاه عن الاكل من الشجرة لمصلحته ( لمصلحة خ‌ل ) و ليكون علي بصيرة من امره و وكله الي نفسه طرفة عين لان العصمة ليست واجبة في الحكمة لانها من التفضل لا من اللطف و كون عدم العصمة يجر الي المعصية لايستلزم قبحا لان هذه المعصية سبب لدفع مفسدة اقبح من المعصية فكان احسنه العرض انصح ( حسنه العرضي ارجح خ‌ل ) من حسن تلك الطاعة الذاتي و هو ظاهر لمن يفهم اسرار التكليف .
يقول و قال تعالي و لو شئنا لاتينا كل نفس هديها و لكن حق القول مني لأملئن جهنم من الجنة و الناس اجمعين فكونها علي طبقة واحدة ينافي الحكمة كما مر و لاهمال ساير الطبقات الممكنة في ممكن ( مكمن خ‌ل ) الامكان من غير ان يخرج من القوة الي الفعل و خلو اكثر مراتب هذا العالم من ( العلم عن خ‌ل ) اربابها فلايتمشي النظام الا بوجود امور ( الامور خ‌ل ) الخسيسة و الدنية المحتاج اليها في هذه الدار التي يقوم بها اهل الظلمة و الحجاب و يتنعم بها اهل الذلة و القسوة المبعدين عن دار الكرامة و النور و المحبة فوجب في الحكمة الحقة التفاوت و في الاستعدادات لمراتب الدرجات في القوة و الضعف و الصفاء و الكدورة و ثبت بموجب قضائه اللازم النافذ في قدره اللاحق ( اللائق خ‌ل ) الحكم بوجود السعداء و الاشقياء جميعا فاذا كان وجود كل طايفة بحسب قضاء الهي و مقتضي ظهور اسم رباني يكون لها غايات حقيقية و منازل ذاتية و الامور الذاتية التي جعلت ( جبلت خ‌ل ) عليها الاشياء اذا وقع الرجوع اليها تكون ملائمة لذيذة و ان وقعت المفارقة عنها امدا بعيدا و حصلت الحيلولة عن الاستقرار عليها ( اليها خ‌ل ) زمانا مديدا كما قال تعالي و حيل بينهم و بين ما يشتهون .
قلت قد قلنا ان وجود الاشقياء من صور الغضب و اشراقاتها ( اشراقاته خ‌ل ) كما ان وجود السعداء من صور الرحمة و اشراقاتها فغاية كل من الطايفتين ما خلقت منه فان بقي الشقي بهيئة ما شقي ( يشقي خ‌ل ) به فهو من الغضب و

 

«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 813 *»

يترتب علي تلك الهيئة مددها من الغضب الذي به تألم اولا و به يتألم اخرا بل يشتد عليه ذلك لما تقرر و ثبت في الوجدان ان الاشراق كل ما قرب من المشرق اشتد و قوي و ان لم‌يبق بتلك الهيئة وجب خروجه من دار الغضب و دخوله في دار الرحمة لانه حينئذ مخلوق منها و هذا مما لا شبهة فيه .

يقول ثم ان الله يتجلي بجميع الاسماء و الصفات في جميع المراتب و المقامات كما حققناه في مباحث علم الله و غيره فهو الرحمن الرحيم و هو العزيز القهار و في الحديث القدسي لولا انكم تذنبون لذهب بكم و جاء بقوم يذنبون .
قلت هذا دليلنا علي دوام التألم ان الاشياء اثار لتجلي الاسماء فيترتب علي كل شي‌ء مقتضي علته فلو زال هذا المقتضي الذي هو فيض ذلك الاسم فني ذلك الشي‌ء اذ ليس هو الا ذلك الفيض و التجلي و لو فرض ان ذلك الشي‌ء بقي بعد زوال ذلك المدد و الفيض دل علي ان ذلك الفيض و المدد عارض و ان ذات الشي‌ء من فيض تجلي اسم معاكس لفيض ذلك المدد المعارض ( العارض خ‌ل ) كما في لطخ الكفر في المؤمن فيجب نقله الي مقام الفيض الذاتي الذي هو حقيقة ( حقيقته خ‌ل ) التي اذا زالت فني و اعلم ان الحديث المروي من طرقنا هكذا لولا انكم تذنبون لذهب بكم و جيي‌ء بقوم يذنبون فيستغفرون فيغفر لهم ه‍ ، و لا شك انه اذا غفر لهم نقلوا من دار الذنب الي دار المغفرة .
يقول قال الشيخ الاعرابي في الفتوحات يدخل اهل الدارين فيهما السعداء بفضل الله و اهل النار بعدل الله و ينزلون فيهما بالاعمال و يخلدون فيهما بالنيات فيأخذ الالم جزاء العقوبة موازيا لمدة العمر في الشرك في الدنيا فاذا فرغ الامد جعل لهم نعيم في الدار التي يخلدون فيها بحيث انهم لو دخلوا الجنة تألموا لعدم موافقة الطبع الذي جبل عليه فهم يتلذذون بما هم فيه من نار و زمهرير و ما فيها من انواع الحيات و العقارب كما يتلذذ ( يلتذ خ‌ل ) اهل الجنة بالظلال و النور و لثم الحسان من الحور لان طبايعهم تقتضي ذلك الاتري ان الجعل علي طبيعة يتضرر بريح الورد و يتلذذ بالنتن و المحرور من

 

«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 814 *»

الانسان يتألم بريح المسك و اللذات تابعة للملائم و الالام تابعة لعدمه ( لعدم الملائمة خ‌ل ) و نقل في الفتوحات ايضا عن بعض اهل الكشف انه قال انهم يخرجون الي الجنة حتي لايبقي احد من الناس البتة و تبقي ابوابها تصطفق و ينبت في قعره الجرجير و يخلق لها اهلا يملؤها قال القيصري في شرح‌الفصوص و اعلم ان من اكتحلت عينه بنور الحق يعلم ان العالم باسره عباده ليس لهم وجود و صفة و قوي الا بالله و حوله و قوته و كلهم محتاجون الي رحمته و هو الرحمن الرحيم و من شأن من هو موصوف بهذه الصفات ان لايعذب احدا عذابا ابدا و ليس ذلك المقدار ايضا الا لاجل ايصالهم الي كمالهم المقدر لهم كما يذاب الذهب و الفضة بالنار لاجل الخلاص مما يكدره و ينقص عياره فهو متضمن لعين اللطف كما قيل و تعذيبكم عذب و سخطكم رضي و قطعكم وصل و جودكم عدل انتهي ،
قلت ما ذكر عن الفتوحات فقد تقدم الجواب عنه و ما نقل عن بعض اهل الكشف فهو غلط مخالف لاجماع المسلمين و اهل الملل فلايلتفت اليه و اما ( ما خ‌ل ) في شرح‌الفصوص فجوابه يعلم لما ( مما خ‌ل ) تقدم و تمثيله بالذهب و الفضة لانقطاع التألم انما يصلح للمذنبين من اهل الجنة فكما ان الفضة و الذهب المغشوشين بمثل النحاس اذا صفيا يوضعان مع الذهب و الفضة الصافيين في الصندوق لا مع الاواني و القدور من النحاس في المطبخ لان هذا مثال الطيب الذي اصابه لطخ الخبيث بخلاف الخبيث الذي هو من اهل الخلود في النار فانه لايصفي اذ لو صفي لم‌يبق منه شي‌ء فافهم لضرب الامثال .

يقول فان قلت هذه الاقوال الدالة علي انقطاع العذاب عن اهل النار ينافي ما ذكرته سابقا من دوام الالام عليهم قلنا لانسلم المنافات بين عدم انقطاع العذاب من اهل النار ابدا و بين انقطاعه عن كل واحد منهم في وقت .
قلت جوابه فيه اضطراب اذ يلزم منه اختلاف الانقطاع بالاولية و الاخرية بالنسبة الي افراد من في النار و لم‌يقل احد بانقطاع العذاب عن شخص في اول دخوله ثم يعذب بعد ذلك و لكن المناسب لجوابه ان يقول ان انقطاع

 

«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 815 *»

العذاب عبارة عن عدم التألم لا عن رفع العذاب بل يعذبون و لكنهم يتنعمون بذلك التعذب ( التعذيب خ‌ل ) كما تصلح الجمرة باشتعال ( باشعال خ‌ل ) النار و ينطفي ( تنطفي خ‌ل ) بعدم الاشتعال .
يقول و قال في الفتوحات المكية ان من الاحوال التي هي امهات احوال الفطرة التي فطر الله الخلق عليها هو الايعبدوا الا الله فبقوا علي تلك الفطرة في توحيد الله فماجعلوا مع الله مسمي اخر هو الله بل جعلوا الهة علي طريق القربة الي الله و لذا قال قل سموهم فانهم اذا سموهم بان بانهم ماعبدوا الا الله فماعبد عابد الا الله في المحل الذي نسبوا اليه الوهية ( الالوهية خ‌ل ) فصح بقاء التوحيد لله الذي اقروا به في الميثاق و ان الفطرة مستصحبة اقول و هذه عبارة ذاتية و قد سبق القول بان جميع الحركات الطبيعية و الانتقالات في ذوات الطبايع و النفوس الي الله و بالله و في سبيل الله و الانسان بحسب فطرته داخل في السالكين اليه بحسب اختياره و هواه فان كان من اهل السعادة فيزيد الي قربه قربا و علي سلوك ( سلوكه خ‌ل ) الجبلي سعيا و امعانا و هرولة و ان كان من الكفار المنافقين المختوم علي قلوبهم الصم البكم الذي ( الذين خ‌ل ) لايعقلون فهو كالدواب و البهائم لايفقه شيئا الا الاغراض ( الاعراض خ‌ل ) النفسانية الحيوانية و انما الغرض في وجوده حراثة الدنيا و الاخرة و عمارة الابدان و ما له في الاخرة من خلاق فله المشي في مراتع الدواب و السباع فيحشر كحشرها و يعذب كعذابها و يحاسب كحسابها و ينعم ( يتنعم خ‌ل ) كنعيمها و ان كان من اهل النفاق المردودين علي ( عن خ‌ل ) الفطرة الخاصة المطرودين عن سماء الرحمة فيكون عذابه اليما لانحرافه عما فطر عليه و هوية ( هويه خ‌ل ) الي الهاوية بما كسبت يداه فيقدر خروجه عن الفطرة و نزوله في مهاوي الجحيم يكون عذابه الاليم الا ان الرحمة واسعة و الالام دالة علي وجود جوهر اصلي يضاد الهيئات الحيوانية الردية و التقاوم بين المتضادين ليس بدائم و لا باكثري كما حقق في مقامه فلا محالة يؤل اما الي بطلان احدهما او الي الخلاص و لكن الجوهر النفساني من الانسان لايقبل الفساد فاما ان نزول ( ان

 

«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 816 *»

تزول خ‌ل ) هيئات الردية بزوال اسبابها فيعود الي الفطرة و يدخل الجنة ان لم‌تكن الهيئات من باب الاعتقادات كالشرك و الا فيقلب ( فينقلب خ‌ل ) الي فطرة اخري و يخلص من الالم و العذاب و هذه ( هذا خ‌ل ) هو المراد من مذهب الحكماء ان عذاب الجهل المركب ابدي يعني صاحب الاعتقاد الفاسد الراسخ في جهله و عتوه لايمكن عوده الي الفطرة الاصلية فيصير من الهالكين البائنين عن هذه النشأة و عن الحياة العقلية و لاينافي ذلك كونه حيا بحياة اخري نازلة دنية و قوله تعالي في حقه لايموت فيها و لا يحيي اي لايموت موت البهايم و نحوها و لايحيي حياة العقلاء السعداء .
قلت قوله في الفتوحات فبقوا علي تلك الفطرة في توحيد الله غلط فانهم حين عبدوا غير الله تغير ( تغيرت خ‌ل ) الفطرة الاولي الانسانية الي الحيوانية البهيمية و لذا حكي الله تعالي عنهم فقال ان هم الا كالانعام بل هم اضل و المعني انهم الان ليسوا في نفس الامر من نوع الانسان بل من نوع البهايم يدل علي هذا قول سيد الساجدين (ع‌) في دعاء الصحيفة فيمن اكل رزق الله و لم‌يحمده و لو كانوا ( كان خ‌ل ) كذلك لخرجوا من حدود الانسانية الي حد البهيمية قد كانوا ( فكانوا خ‌ل ) كما وصف في محكم كتابه ان هم الا كالانعام بل هم اضل ، و قول محمد بن علي الباقر الناس كلهم بهايم الا قليلا من المؤمنين و المؤمن قليل الخ ، و لهذا صح انهم عبدوا غير الله و قوله ماعبدوا الا الله غلط و جهل فكيف ماعبدوا الا الله و الله يقول و يعبدون من دون الله نعم لو امرهم الله بذلك فامتثلوا امر الله كانت عبادة الله ( عبادة لله خ‌ل ) و ان سميت عبادة لهم كما قال (ص‌) من استمع الي ناطق فقد عبده فان كان الناطق ينطق عن الله فقد عبد الله و ان كان الناطق ينطق عن الشيطان فقد عبد الشيطان و معني ينطق عن الله ان الناطق ينطق بما اذن له الله تعالي و معني ينطق عن الشيطان انه ينطق بغير اذن من الله و ان كان بحق ( يحق خ‌ل ) و قوله و لذا قال قل سموهم فانهم اذا سموهم بان بانهم ماعبدوا الا الله فيه انهم اذا سموهم قالوا هبل حجر نحتناه لنعبده فبان بانهم عبدوا غير الله

 

«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 817 *»

بغير اذنه ( اذن خ‌ل ) ليس كسجود الملئكة لادم (ع‌) و يعقوب (ع‌) ليوسف فانه باذن الله فلم‌يبق توحيد الله ( لتوحيد لله خ‌ل ) بل لو قلنا يصح منهم ان يعبدوا الهة يتقربون بعبادتها الي الله و لم‌يصح توحيده اليه ( توحيد الله خ‌ل ) في عبادته بل اشركوا بعبادة الله و الذي اقروا به في الميثاق انهم يوحدونه تعالي في ذاته بانه واحد في ذاته بلا تعدد بكل اعتبار و واحد في صفاته ليس كمثله شي‌ء و واحد في افعاله هذا خلق الله فاروني ماذا خلق الذين من دونه و واحد في عبادته ( عبادة خ‌ل ) فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا و لايشرك بعبادة ربه احدا و من عبد هبل فانهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون و استصحاب الفطرة الاولي ابطله فليغيرن خلق الله و قول المصنف تأييدا لترهات الفتوحات و هذه عبادة ذاتية صحيح في انها عبادة ذاتية لكنها للشيطان و قول المصنف ايضا و قد سبق القول بان جميع الحركات الطبيعية الخ ، صحيح اذا كانت موافقة لامر الله في تكليفها الوجودي و ( او خ‌ل ) الشرعي بقبولها منه كما احب و رضي و ان ( و اما خ‌ل ) الحركات الطبيعية من دواعي شهوات النفس الامارة فليس بعبادة لله بل كفر بالله و بعد منه تعالي و لو كانت كل حركة و انتقال الي الله و بالله و في سبيل الله فان اريد بانها اليه تعالي اي الي حكمه عليها بما عملت فصحيح و لكن لايدل علي مطلوبهما ( مطلوبها خ‌ل ) و ان اريد بانها اليه تعالي حيث يحب لانها اذا كانت عابدة ( عائدة خ‌ل ) له فهو يحبه لانه تعالي قال و ماخلقت الجن و الانس الا ليعبدون فهو يحب ما خلق لاجله و ما لايحبه فليس عبادة له و حكمه علي المعاصي ( العاصي خ‌ل ) بمعصيته انما يحب الحكم لانه العدل و لايستلزم محبة المعصية فان اريد بانها اليه حيث يحب فلم‌يبق ( فلم‌يق خ‌ل ) فان كان من اهل السعادة فيزيد الي قربه قربا و ان كان من الكفار فكذا و كذا اذ لا فايدة في التقسيم لانه اذا كانت كل حركة طبيعية او انتقالية عبادة فهي محبوبة لانه تعالي انما خلق المتحرك و المنتقل ليعبده

 

«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 818 *»

و قوله في حق اهل النفاق و طردهم عن سماء الرحمة فيكون عذابه اليما لانحرافه عما فطر عليه و هوية ( هويه خ‌ل ) الي الهاوية الخ ، ينافي كون فطرة الميثاق مستصحبة و قوله و الالام دالة علي وجود جوهر اصلي يريد انه لو كان بسيطا لم‌يتألم كالبدن فان النار اذا قطعته و حرقته فانه قابل للتقطيع و الحرق فيكونان ملايمين له و الشي‌ء لايتألم بالملائم و انما يتألم بعدم الملايمة فوجود الالام يدل علي وجود جوهر اصلي و هو الجوهر ( الجوهري خ‌ل ) النفساني الذي يتألم بما يحل بالبدن من التقطيع و الحرق لانه مركبة و ان كان البدن نفسه يتلذذ بذلك و هذا الجوهر النفساني انما يتألم قبل كونه عقلا و هو يضاد الهيئات الحيوانية الفاسدة الموذية ( الردية خ‌ل ) فالتألم في حال التصادم و التضاد و التقابل الا ان مقاومة الجوهري لتلك الهيئات الردية غير دائمة و لا في اكثر الاحوال فلا محالة لا بد من التغير ( التغيير خ‌ل ) عن تلك المقاومة فاما بان يبطل احدهما او يبطل اعتباره او تكون فطرة غير الاولي فان فرض بطلان احدهما لايفرض بطلان الجوهري النفساني لانها ( لانه خ‌ل ) من الجواهر الثابتة التي لايجري عليها ( عليه خ‌ل ) التغيير و التبديل ( التبدل خ‌ل ) فلا بد اذا فرض البطلان لاحد المتضادين ان يفرض بطلان الهيئات الردية فيتخلص ( فيخلص خ‌ل ) الجوهر النفساني فاذا خلص وجب انتقاله الي الجنة و المفروض انه من عمار النار ( الدنيا خ‌ل ) فلا محالة لايفرض زوال الهيئات الردية لئلاتخلو النار من العمار لما يأتي من ان حقيقة الجواهر حينئذ ( الجوهر هي خ‌ل ) الهيئات الردية و هي التي بها هو هو فحيث امتنع الفرضان تعين الثالث و هو ( هي خ‌ل ) الانقلاب الي فطرة اخري لايخلص فيها الجوهر النفساني من الهيئات الردية و لاتحصل ( لايحصل خ‌ل ) بينهما تضاد و مقاومة بل الجوهر النفساني يعتاد صحبة الهيئات الردية فيأنس بها فيكون ( فتكون خ‌ل ) طبيعة له ( طبيعية لها خ‌ل ) فلاتكون بينهما منافرة فيتنعم بالعذاب لحصول الملائمة لتلك الهيئات الردية لانها تكون هي حقيقته ( حقيقة خ‌ل ) و لايحسن دخوله

 

«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 819 *»

الجنة لانه من عمار النار ( الدنيا خ‌ل ) و قوله ان لم‌تكن الهيئات من باب الاعتقادات كالشرك فانه لرسوخه في جهله و عتوه لايمكن فرض زواله فعلي هذا لايخلد في النار الا المشرك و من جري مجراه لان ما سوي ذلك قد يفرض زواله ان لم‌يزل لقوله تعالي ان الله لايغفر ان يشرك به و يغفر ما دون ذلك لمن يشاء و ليس مرادهم ان الشرك ( المشرك خ‌ل ) لايؤل امره الي التنعم في النار بالعذاب بل يتنعم بعذاب جهنم و لكنه و ما هم منها بمخرجين بل هم فيها خالدون و قوله و هذا هو المراد من مذهب الحكماء الخ ، يعني ان الحكماء يذهبون الي ان صاحب الاعتقاد الراسخ كالمشرك لايخرج من النار ابدا و ان كان يؤل امره الي التنعم في النار و اقول اكثر هذه التدقيقات التي ذكروها مبنية علي قواعد غير وثيقة و اكثرها قشرية عامية و بيان ذلك علي حقيقة نفس الامر يطول به الكلام و لكن انبه الي ( علي خ‌ل ) بعضها اشارة و تلويحا اما ان البسيط كالبدن لم‌يتألم فهو غلط اذ ليس كل ما يمكن في الشي‌ء ملايما و الا لم‌يوجد منافرا قط فان الجوهر النفساني في مضادته للهيئات الردية مما يمكن فيه التضاد و التقاوم فما جري عليه مما حصل به التألم بل و تألم ( التألم خ‌ل ) نفسه ممكن و مقتضي طبيعة التألم بالتقاوم فيكون ملايما فلايتحقق تألم اصلا فالشي‌ء بملايمة اختياره و جبره و قسره عند حصول القاسر و المجبر و مقتضي طبيعة التألم بالمؤلم فهو ملايم و مقتضي طبيعة ( طبيعته خ‌ل ) عدم الملائمة عند وجود غير الملائم فعدم الملائمة ملائم و هكذا فهذا ( و هذا خ‌ل ) اصل باطل لايصار اليه اصلا علي انه قد ثبت بالعقل و النقل علي ان كل شي‌ء فهو مكلف و مثاب او معاقب بنسبة رتبته من الوجود اولم‌يروا الي ما خلق الله من شي‌ء يتفي‌ء ظلاله عن اليمين و الشمايل سجدا لله و هم داخرون و قد اشرنا فيما مضي الي ثبوت العقل و الاختيار في ( و خ‌ل ) التكليف و الثواب و ( او خ‌ل ) العقاب لكل شي‌ء من الحيوانات و النباتات و المعادن و الجمادات و

 

«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 820 *»

الاعراض و اعراض الاعراض و غير ذلك من المعاني و الاعيان من الامور الخارجية و الذهنية و الفرضية و الاعتبارية التي يتوهمون انها ليست شيئا و هي اشياء ثم الي ربهم يحشرون الا ان كل شي‌ء في كل شي‌ء بحسبه و الجوهر النفساني انما يكون من عمار النار لان حقيقته التي بها هو هو لذاته من النار لان الحقيقة التي بها تكون ( يكون خ‌ل ) الشي‌ء اياه هي صورته المشخصة له و هي جزئها ( جزؤ خ‌ل ) ماهيته و هي نفس حقيقته و هي هذه الهيئات الردية الاتري ان ( الي خ‌ل ) الصنم ليس هو الخشب الذي هو مادته و لم‌يتولد الصنم و لم‌يتكون صنما الا في بطن امه و هي الصورة لا المادة كما توهمه العيون الكدرة التي يفرغ بعضها في بعض يأخذ اللاحق كلام السابق و لايدري ما يقول و كأنهم لم‌يسمعوا الحديث المقبول عندهم و عند غيرهم قال (ص‌) السعيد من سعد في بطن امه و الشقي من شقي في بطن امه الخ ، فان كنت تفهم فانا اسألك الصنم شقي في بطن امه و هذا معلوم و لكن امه الذي شقي في بطنها المادة او الصورة فاذا عرفت ان حقيقة الصنمية التي بها شقي في بطنها هي الصورة لا المادة التي هي الخشب فانها هي الاب و علي هذا ادلة قطعية عقلية و نقلية بان شقاوة الصنم من صورته و الخشب ليس صنما و لاجائت الصنمية من الخشب فالهيئات الردية التي من النار و هي العقاب كما قال تعالي انما يأكلون في بطونهم نارا و قال تعالي ان هذا ما كنتم به تمترون و هي صورة ذلك النفساني و هي حقيقة ذلك المعذب كما ان حقيقة الصنم هي صورته المتقومة بالمادة التي هي الخشب و ( او خ‌ل ) الحديد او غيرهما كذلك الخالد في النار المعذب بها هو تلك الهيئات الردية من الاعمال السيئة و الاقوال الخبيثة و الافعال القبيحة و هي صورته ( صورة خ‌ل ) المتقومة بتلك المواد الملعونة المسخوطة منها هذا الجوهر النفساني المبعد من رحمة الله و جسمية الخشب الممسوح ( جسمه الخبيث الممسوخ خ‌ل ) و جسده المر و مائه الاجاج و لاجل ما اشرنا اليه لايمكن في الحكمة فرض دخول هذه الجوهر النفساني الجنة و لا فرض تنعمه فيها ما دام هكذا الا ان تقلب حقيقته فيكون نارا لا معذبا في النار او يكون ملكا من

 

«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 821 *»

زبانية جهنم المعذبين لاهلها او يجعله الله طيبا من سكان الجنة فانه علي كل شي‌ء قدير و اما ما دام هكذا فلا نعيم له و لا راحة و لايخرج منها و ذلك تأويل قوله تعالي لايزال بنيانهم الذي بنوا ريبة في قلوبهم الا ان تقطع قلوبهم .
يقول و ما ( مما خ‌ل ) استدل به صاحب الفتوحات المكية علي انقطاع العذاب للمخلدين في النار قوله تعالي اولئك اصحاب النار هم فيها خالدون ، و ما ورد في الحديث النبوي (ص‌) و لم‌يبق في النار الا الذين هم اهلها و ذلك لان اشد العقاب علي احد مفارقة الموطن الذي الفه فلو فارق النار اهلها لعذبوا باغترابهم عما اهلوا له و ان الله قد خلقهم علي نشأة تألف ذلك الموطن اقول هذا استدلال ضعيف بني ( مبني خ‌ل ) علي لفظ الاهل و الاصحاب و يجوز استعمالهما في معني اخر من المعاني النسبية كالمقارنة و المجاورة و الاستحقاق و غير ذلك و لانسلم ايضا ان مفارقة الموطن اشد العذاب الا ان يراد به الموطن الاصلي الطبيعي و اثبات ذلك مشكل و الاولي في لاستدلال علي هذا المطلب ان يستدل بقوله تعالي و لقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن و الانس الاية ، فان المخلوق الذي غاية وجوده ان يدخل في جهنم بحسب الوضع الالهي و القضاء الرباني لا بد ان يكون ذلك الدخول موافقا لطبعه و كمالا لوجوده اذ الغايات كما مر كمالات الموجودات و كمال الشي‌ء الموافق له لايكون عذابا في حقه و انما يكون عذابا في حق غيره ممن خلق للدرجات العالية .
قلت و استدلال صاحب الفتوحات ضعيف كاستضعاف المصنف له فان مفارقة موطن ( مواطن خ‌ل ) النور خاصة عذاب شديد لا الموطن الطبيعي مطلقا لان الطبيعي منه نور و منه ظلمة فكل منهما ذاتي له و هو ما به هو هو لذاته و عارض و هو بخلافه ( لخلافه خ‌ل ) و نريد بالذاتي ما خلق منه او به و معني ما خلق منه النور و معني ما خلق به الظلمة اما الموطن العارضي فلايتعذب بمفارقته غالبا و اما الذاتي فالذي خلق منه يتعذب بمفارقته اشد العذاب و اما الذي خلق به فلايتعذب بمفارقته بل يتنعم بمفارقته اشد التنعم و مرادنا بما خلق به ان لطف اللطيف و كرم الكريم و رحمة الرحيم جرت في ايجاده عباده علي

 

«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 822 *»

ما يصلون به الي كمال التنعم و الراحة كما قال تعالي يريد الله بكم اليسر و لايريد بكم العسر و لما خلقهم علي حسب قوابلهم لئلاتكون لهم الحجة عليه فمن قبل فضل سيده تعالي بامتثال اوامره و اجتناب نواهيه خلقه مما اراده و اختاره له و من ترك اوامره و ارتكب نواهيه خلقه بعمله كما قال تعالي بل طبع الله عليها بكفرهم و ليس الطبع منه تعالي بسبب كفرهم بل الطبع منهم اي خلق الطبع علي قلوبهم من كفرهم فالمادة او الصورة منهم و الخالق هو الله تعالي لانه يخلق مقتضي كل ماثل الي شي‌ء باختياره فتمت كلمته و بلغت حجته و ما ربك بظلام للعبيد و لم‌يرض لعباده ان يخلقهم باعمالهم المخالفة لمحبته فاذا خلقه هكذا كان موطنه الذاتي الطبيعي ما يخالف محبة الله و رضاه فهو جهنمي مبدؤه من غضب الله و اليه يعود فلو فرض مفارقة هذا الموطن لم‌يكن له موطن يأوي اليه و يصاغ منه الي محبة الله و رحمته و رضاه فكيف تجد من فارق سخط الله و لعنة الله الي رضي الله و قربه و اصل ارادة الله لايجاده ان يصيغه ( يصبغه خ‌ل ) في رحمته فلم‌يقبل هذا الصبغ فصبغه في عدم ( وعده خ‌ل ) قبوله بصبغ ( لصبغ خ‌ل ) الرحمة في غضبه ثم فرض تحول هذا الصبغ صبغ رحمة و رضاه ( رضي خ‌ل ) هل يتعذب بمفارقة ذلك الموطن الملعون المسخوط بموطن الرحمة و الرضوان فاذا ظهر لك انه يتنعم بهذه المفارقة بما لا نعيم وراءه كيف يظهر لك انه اذا بقي في ذلك الموطن الملعون يتنعم ما لكم كيف تحكمون فاين تذهبون عن الطريق الواضح و الحق اللايح ان هو الا ذكر للعالمين لمن شاء منكم ان يستقيم .
يقول و قال في الفتوحات فعمرت داران ( الدار خ‌ل ) اي دار النعيم و دار الجحيم و سبقت الرحمة الغضب و وسعت كل شي‌ء جهنم و من فيها و الله ارحم الراحمين .
قلت الرحمة وسعت نصف جهنم الاخير و نصف احوال من فيها الاخير و اما اوائلها فلم‌تسعها الرحمة و لهذا عذبوا في الاول او انهم حين دخلوا جهنم ليسوا اشياء فلما كانوا اشياء وسعتهم ( وسعهم خ‌ل ) او لانها في الاول و لم‌تسبق

 

«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 823 *»

الغضب لكن الامر ليس كما فهموا لان الرحمة الواسعة قسمان قسم فضل و هو النعيم المقيم للمؤمنين في الجنة و هو المسمي بالرحمة المكتوبة في قوله تعالي فساكتبها للذين يتقون و هي صفة الرحيم و قسم عدل و به كان العذاب الاليم علي اصحاب الجحيم .
يقول و قد وجدنا في نفوسنا فمن ( ممن خ‌ل ) جبل علي الرحمة بحيث لو مكنه الله في خلقه لازال صفة العذاب عن العالم و الله قد اعطاه هذه الصفة و معطي الكمال احق به و صاحب هذه الصفة انا و امثالي و نحن عباد مخلوقون اصحاب اهواء و اصحاب اغراض و لا شك انه راحم ( رحيم خ‌ل ) بخلقه منا و قد قال عن نفسه انه ارحم الراحمين و لا شك انه ارحم بخلقه منا و نحن عرفنا من نفوسنا هذه المتابعة ( المبالغة خ‌ل ) انتهي كلامه .
قلت لاتدعي هذا الوجدان فقد وجدنا امثالك لو تمكن اخرب العالم كله فكيف تدعي هذا و هو خلاف ما فعل الله عز و جل حيث يقول و لنجزينهم اسوء الذي كانوا يعملون و هو تعالي يقول فان لم‌تفعلوا و لن‌تفعلوا فاتقوا النار التي وقودها الناس و الحجارة اعدت للكافرين فلاادري هل انه تعالي ماتمكن و الا لازال صفة العذاب عن العالم و قوله و صاحب هذه الصفة انا و امثالي اقول و لو علم الله فيهم خيرا لاسمعهم لو مكنه الله افسد العالم و ذلك كما قال اميرالمؤمنين ان المؤمن يري يقينه في عمله و الكافر يري انكاره في عمله الخ ، فهذا هو ابتلاه ببعض العلوم و المعرفة الصوفية فافسد الاعتقادات و امات الدين حتي قلب الشريعة ظهرا لبطن و قال بالمناكير ( بالمنكر خ‌ل ) حتي قال بايمان فرعون و انه مات طاهرا ليس عليه ذنب و ان الاجماع من المسلمين كلهم قد قام و تحقق علي كفر فرعون و ان الله رضي بفعل سامري ( السامري خ‌ل ) للعجل لانه تعالي احب ان يعبد في كل صورة و ما اشبه ذلك من المناكير المخالفة للمسلمين .
يقول و لك ان تقول و قد قام الدليل علي ان الباري تعالي

 

«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 824 *»

لاتنفعه الطاعات و لاتضره المخالفات و ان كل شي‌ء جار بقضائه و قدره و ان الخلق مجبورون في اختيارهم فكيف يسرمد العذاب عليهم و جائت ( جاء خ‌ل ) في الحديث و اخر من يشفع هو ارحم الراحمين و الايات الواردة في حقهم بالتعذيب كلها حق و صدق و كلام اهل المكاشفة لاينافيها لان كون الشي‌ء عذابا من وجه لاينافي كونها رحمة من وجه اخر فسبحان من اتسعت رحمته لاوليائه في شدة نقمته و اشتدت نقمته لاعدائه في سعة رحمته لهم في الاخرة .
قلت هو سبحانه الغني الحميد لاتنفعه الطاعات و لاتضره المعاصي و لانقول انه تعالي يتشفي بالانتقام من عصاه تعالي من ( عن خ‌ل ) ذلك علوا كبيرا لكنه تعالي لما كان اجري افعاله علي انه يعطي كل ذي حق حقه لزم من ذلك في الحكمة انه يثيب بفضله و يعاقب بعدله و اما ان كل شي‌ء جار لقضائه ( بقضائه خ‌ل ) و قدره و مما لا شك فيه ( فمما لانشك فيه خ‌ل ) و لاينفعهم فيما تذهبون ( يذهبون خ‌ل ) اليه شيئا و اما ان الخلق مجبورون في اختيارهم فلا معني له و لكن الخواجة نصيرالدين توهم هذا الخيال حيث لم‌يجد الا الفعل و الترك و تبعه كثير و هو خطاء بل الخلق مختارون ان شاؤا فعلوا و ان شاؤا تركوا و لو كان الامر كما توهموا لكان الخلق مجبورين في الفعل و الترك و ان اختاروا الفعل الجأوا اليه و ان اختاروا الترك الجأوا اليه لم‌يكونوا في كل من الحالين مختارين و كيف ينقطع التألم عنهم مع استمرار موجبه و هو العزم علي المعصية و نية الكافر شر من عمله و لذلك كذبهم الله حين قالوا يا ليتنا نرد و لانكذب بايات ربنا ( باياته خ‌ل ) و نكون من المؤمنين قال تعالي بل بدا لهم ما كانوا يخفون من قبل و لو ردوا لعادوا لما نهوا عنه و انهم لكاذبون و ما رووا في حديثهم انه تعالي اخر من يشفع لايفيدهم شيئا و كلامهم ينافي ايات التعذيب و كيف لاينافي و هو تعالي يقول بدلناهم جلودا غيرها ليذوقوا العذاب الاليم لانهم عند اول دخولهم النار تألموا لانهم ( لكونهم خ‌ل ) طريين لم‌يألفوا بالنار و لم‌يأنسوا بها فاذا احترقت جلودهم عادت طرية لم‌يألف بالنار و لم‌يأنس بها و هكذا في كل وقت و اقول ان ذقت معني كلامي هذا و فهمت مرادي اغناك عن كل دليل

 

«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 825 *»

في هذه المسئلة فقوله ( و قوله خ‌ل ) فسبحان من اتسعت رحمته الخ ، جوابه سبحان من غطي بصائرهم باعمالهم و وكلهم الي انفسهم حتي كانوا لايختارون الا روايات القوم و يزيدون فيها فان قوله لهم في الاخرة ليس من الحديث بل من جواب ( جراب خ‌ل ) النورة و بالجملة كلامهم طويل عريض الا انه يرجع علي نوع ما سمعت و لا فايدة في ذكر غير ما ذكرنا من كلامهم لانه مثل ما ذكرنا و جوابنا عن المذكور جواب لغيره يقينا فيما ذكره في هذه الرسالة هنا و هو الذي لاح له و هو حق لا شبهة فيه و لم‌يذكره في غير هذا و اما تعليله ذلك بانه انما كان فيه التألم و عدم الراحة بل فيه العذاب الدائم و المحن المستمرة الغير المتناهية لان منزلتها ( منزلته خ‌ل ) من ذلك العالم منزلة عالم الكون و الفساد و من هذا العالم فهو مبني علي ما نذهب ( يذهب خ‌ل ) اليه من ان الجنة ثابتة لايجوز عليها التغير و لا التغيير و قد ذكره سابقا و ذكرنا عليه هناك ان الاخرة بكل ما فيها من جنة و نار حادثة و الحوادث مجردها و ماديها متغيرة و ان كان تغير كل ما بحسبه كما تري في الدنيا فان المدر يتغير و الحديد يتغير الا ان تغير المدر اسرع من تغير الحديد خصوصا الجنة و ما فيها فتغيرها ( فان تغيرها خ‌ل ) من الضعف و الخلق محركا الي الشدة و الجدة و النار كلما طال المدي علي اهلها ضعف قولهم و قويت بلاياهم بلا نهاية في الدارين .

قال } قاعدة في كيفية تجسم الاعمال و تصور النيات يوم القيمة و الاشارة الي مادة صورها اعلم ان لكل صورة خارجية ظهورا خاصا في موطن النفس و لكل صورة النفسانية ( نفسانية خ‌ل ) و ملكة راسخة وجودا في الخارج الاتري ان صورة الجسم الرطب اذا اثرت في مادة جسمانية قابلة للرطوبة قبلتها فصارت رطبا مثله سهل القبول للاشكال فاذا اثرت في مادة اخري كمادة القوي الحسية او الخيالية و انفعلت عن الرطوبة لم‌تقبل هذا الاثر و لم‌يصر ( لم‌يصل خ‌ل ) رطبا مثله مع انها قبلت ماهية ( ماهيته خ‌ل ) الرطوبة لكن بصورة اخري و

 

«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 826 *»

مثال اخر و كذا قبلت القوة ( للقوة خ‌ل ) العاقلة الانسانية منها صورة اخري و نحو اخر من الوجود و الظهور مع ان الماهية واحدة هي مادة الرطوبة و الرطب فللماهية الواحدة صور ثلثة في مواطن ثلثة لكل منها وجود خاص و ظهور معين فانظر في تفاوت حكم هذه النشأة الثلاثة ( النشئات الثلاث خ‌ل ) في ماهية واحدة و قس عليه تفاوت النشأة ( النشئات خ‌ل ) في انحاء الظهورات و الوجودات في كل معني و ماهية عينية فلاتتعجب من كون الغضب و هو كيفية نفسانية اذ وجدت في الخارج صارت نارا محرقة و ان العلم و هو كيفية نفسانية اذا وجدت في الخارج صارت عينا تسمي سلسبيلا و ان المأكول من مال اليتيم ينقلب في موطن الاخرة بطون اكليه نارا يصلونها يوم الدين و لا ايضا من صيرورة حب الدنيا و هي شهواتها و هي اعراض النفسانية هيهنا حيات و عقارب تلسع و تلدغ بصاحبها ( لصاحبها خ‌ل ) يوم القيمة و هذا القدر كاف للمستبصر لان يؤمن بجميع ما وعده الشارع و اوعد عليه و كل من له قوة تحدس في العلم يجب عليه ان يتأمل في الصفات النفسانية و كيفية منشأيتها للاثار و الافعال الخارجية و يجعل ذلك ذريعة لمعرفة استيجاب بعض الاخلاق و الملكات لاثار مخصوصة في القيمة { .
اقول ان المعاني التي تبرز و الهيئات التي تظهر لها صورتان احديهما ما كانت من المعاني و الثانية ما كانت من الاعراض فالاولي ما اشار اليه بالبيان في قوله ان لكل صورة خارجية ظهورا خاصا في موطن النفس كما لو مدحت شخصا او شتمته فان هذا المدح او الشتم له تأثير في النفس و انت و جهته اليه في لباسه اللفظي و كذلك ما تعلمه له مما يحب او يكره فانه يظهر بوجوده الملكوتي او البرزخي فيؤثر ( و يؤثر خ‌ل ) في النفس او المتخيلة ما تقتضيه من التأثيرات كالتهيج و التسكين و القوة و الضعف و الانبساط و الانقباض و الشجاعة و الجبن و الكرم و البخل و الحياء و الخلع و ما اشبه ذلك و كذلك لكل صورة نفسانية يعني معني نفسانيا و لكل ملكة راسخة و انما ذكر راسخة قيد الملكة ( قيدا للملكة خ‌ل ) مع ان الملكة لاتكون الا راسخة لان الطاوي ( الطاري

 

«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 827 *»

خ‌ل ) اذا لم‌يرسخ و لم‌يثبت يسمي حالا و اذا رسخ و ثبت يسمي ملكة لبيان ما هو الواقع و الحاصل لكل ملكة وجود في الخارج تظهر به اما الصورة الخارجية التي قلنا لها تأثير ملكوتي و برزخي فمنها ما يكون ذلك التأثير رجوعا لها الي مباديها و مشابهة لمباديها اذا تمت في استعدادها و هذا اذا كانت الصورة راجعة الي موطن النفس صاحبها و منها ما تكون طامحة الي غير موطن نفس صاحبها كان ظهورها بتأثير يشابه صفتها من صاحبها و هذه الصفة قد تكون ذاتية و قد تكون استعمالية صناعية فاذا ( فان خ‌ل ) كان ظهورها رجوعها الي موطنها من النفس كان استكمالا لوجودها ( لها بوجودها خ‌ل ) و ان كان رجوعها الي غير موطنها كان وجودا باثارها و اما الصورة النفسانية و الملكة الراسخة وجودها ( فوجودها خ‌ل ) في الخارج بحيث يكون مدركة بالحواس الظاهرة بل كل ما هو من عالم الغيب فوجوده في ( من خ‌ل ) عالم الشهادة و قد تكون تنزله ( بتنزله خ‌ل ) الي عالم الشهادة وجوده كما يظهر جبرئيل في صورة دحية بن خليفة الكلبي و كما ظهر الملك المستحفظ لاقرارات المؤمنين بالولاية في التكليف الاول في الذر في صورة الحجر و هو الان الحجرالاسود في الكعبة المشرفة في الركن العراقي و قد يكون بصعود المدركين له الي رتبه ( رتبته خ‌ل ) من الملكوت فيشاهدونه بحواسهم لاجتماعهم معه في مشهد واحد علي الاعتبارين و علي الظاهر في الدنيا الاغلب يكون الظهور بنزول الغيب الي الشهادة فيشاهدونه في رتبتهم و قد يكون بصعود الشاهد الي الغائب و الاغلب في الصاعدين الصعود النفسي و قد يقع في الدنيا الجسمي كما في الاخرة مثل معراج النبي (ص‌) و اما في الاخرة فبالترقي يقينا في كلام المصنف في تنظيره و بيانه يقول ( بقوله خ‌ل ) الاتري الي الرطوبة في تصور تأثيرها فان صورة الجسم الرطب كالماء و كالطين اللبن الذائب اذا اثرت رطوبته في مادة جسمانية قابلة للرطوبة مثل اللبنة المعمولة من الطين و لم‌تحرق كالاجر بل هي مدرة قبلت الرطوبة فصارت رطبة مثل الماء و مثل الطين في الرطوبة لانها في رتبتها و انفعلت بها كما انفعل التراب بها حتي صار طينا

 

«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 828 *»

فاللبنة صارت طينا او كالطين سهل القبول للاشكال فهذه نشأة من النشئات و اذا اثرت الرطوبة في مادة اخري كمادة القوة الحسية التي هي عنده من عالم الملكوت و ( او خ‌ل ) الخيالية التي هي من عالم البرزخ لم‌تكن مع الرطوبة من صقع واحد و انفعلت عن تلك الرطوبة و لكن ليس كانفعال التراب فلم‌تقبل ذلك الاثر الجسماني و لم‌يصره ( لم‌تصر خ‌ل ) رطبا مثل رطوبة الطين لكن بصورة اخري بان تكون ضعيفة الشعور و الاحساس فلها صورة غير صورة رطوبة الطين و مثال اخر و اذا اثرت الرطوبة المائية في القوة العاقلة الانسانية و قبلت منها قبولا ليس علي نحو قبول الاولين بل تكون قوية الشعور ( قريبة الغور خ‌ل ) و الادراك و هو نحو اخر من الوجود و الظهور مع الماهية المؤثرة مع ان الماهية الواحدة و هي رطوبة الماء فقد ظهر للماهية الوحدة ( الواحدة خ‌ل ) صور ثلث في مواطن ثلثة لكل واحد من هذه المواطن صورة من الرطوبة غير صورة الاخر بل للرطوبة الواحدة في كل موطن وجود خاص و ظهور معين فانظر في حكم تفاوت هذه النشئات ( النشأة خ‌ل ) في انحاء الظهورات في قوابلها و الوجودات في مواطنها و هذا حكم مراتب الوجودات و قس عليه هذه الاعمال الصادرة من المكلفين بالنسبة الي اوقات وجودات الاعمال التي نعمله ( تحضر خ‌ل ) فيه ثم فرع علي بيانه فلاتتعجب من كون الغضب و هو كيفية نفسانية اذا وجدت في الخارج اي في كونها محسوسة صارت نارا كما صارت الرطوبة المائية في القوة العاقلة الانسانية غباوة و بلادة و ان العلم و هو كيفية نفسانية لانه عرض من جملة الاعراض اذا وجد في الخارج‌المدرك بالحواس صار عينا تسمي سلسبيلا. اقول و يؤيد هذا ما رواه ابوالطفيل عامر بن واثلة قال قلت يا اميرالمؤمنين اخبرنا ( اخبرني خ‌ل ) عن حوض النبي (ص‌) في الدنيا ام في الاخرة قال بل في الدنيا قلت فمن الذائد عليه قال انا بيدي فليردنه اوليائي و ليصرفن عنه اعدائي و في رواية و لاوردنه اوليائي و لاصرفن عنه اعدائي الخ ، و كذلك حال المأكول من مال اليتيم ظلما ينقلب في موطن الاخرة اي

 

«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 829 *»

يوم القيمة الكبري في رتبة الاخرة في بطون الذين يأكلونه علي غير وجه شرعي نارا محرقة و هو بنفسه يكون في بطن من اكله ظلما نارا يصليها يوم الدين و لا ايضا اي و لاتعجب ايضا من صيرورة حب الدنيا و هي شهواتها و لذاتها الفانية مع ان حب الدنيا عرض نفسانية في الدنيا ( نفساني خ‌ل ) و لكنك اذا وجدتها يوم القيمة وجدتها بعينها حيات و عقارب لان هذه الاعراض المذكورة لها هيئات نفسانية علي صور الحيات و العقارب فان الشهوة التي لايكون مال امرها الي الله هي علي هيئة العقرب و ذاتها هيئة نفسانية تدب الي صاحب تلك ( هذه خ‌ل ) النفوس ( النفس خ‌ل ) و تلدغه و تخدر عضوه الملدوغ و هو باعث العقل الي الطاعة فتضعف تلك العزيمة عن الطاعة فاذا كشف له المستور عنه وجدها عقربا من عمله تلدغ ( تلدغه خ‌ل ) و كذلك الحيات يقول و هذا القدر من التمثيل و البيان كاف للتفهيم للمستبصر اذا تفكر فيما خلق الله تعالي و فيما ضرب في خلقه من الامثال ليتوصل به و يهتدي به الي الايمان بجميع ما وعد به الشارع من انواع الثواب و اوعد عليه من اليم العقاب فان كل من له قوة حدس و فكر استنباط للايات في الافاق و الانفس ينبغي له ان تدبر ( يتدبر خ‌ل ) في الصفات النفسانية و الاوضاع الافاقية و كيفية منشأية النفسانية للاثار و الافعال الخارجية اي كيف تنشأ منها الاثار و علي اي نحو تكون و كيفية انتزاع الاستدلال من الاوضاع الافاقية كيف ينتزع و كيف يستدل بها فاذا عرف المنشأ النفساني و الانتزاع الافاقي ( الانتزاعي الافاق خ‌ل ) و التطبيق الاستدلالي و جعل ذلك ذريعة و وصلة الي معرفة ما توجبه بعض الاخلاق و الايات عن ( من خ‌ل ) الاثار المخصوصة من حقايق الثواب و العقاب البارزة من استارها يوم الحساب و هذا هو نمط تجسم الاعمال عند المصنف و عند من قال بمقالته و ستسمع ما نذكره في بيان تجسم‌الاعمال و المصنف ضرب لما يدعيه مثالا .

قال } مثال ذلك ان شدة الغضب في رجل تورث ثوران دمه و احمرار وجهه و انتفاخ بشرته و الغضب حالة نفسانية موجودة في عالم باطنه و هذه

 

«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 830 *»

الاثار من صفات الاجسام المادية و قد صارت نتايج في هذه النشأة فلا عجب من ان يلزمه في نشأة اخري ان تنقلب ( تتقلب خ‌ل ) نارا محضة محرقة للقلب ( للقلوب خ‌ل ) مقطعة للامعاء موقدة تطلع علي الافئدة كما يلزمه هيهنا اذا اشتد تسخن البدن و ضربان العروق و الاوداج و اضطراب الاعضاء و احتراق المواد و الاخلاط و ربما يؤدي الي المرض الشديد بل الي الهلاك من الغيظ فهكذا جميع الصور المجسمة الموجودة في عالم الاخرة حاصلة من ملكات النفوس و اخلاقها الحسنة و القبيحة و اعتقاداتها و نياتها الصحيحة و الفاسدة الراسخة فيها من تكرار ( تكرر خ‌ل ) الاعمال و الافعال في الدنيا فصارت الاعمال مبادي للاخلاق في الدنيا فتصير النفوس بهيئاتها مبادي الاجسام في الاخرة { .
اقول يريد ان كون الصفات النفسانية منشأ للاثار الخارجية دليل علي ان بعض الاخلاق التي تطبع عليها و الملكات التي استقرت في جبلية ( جبلة خ‌ل ) من الاعمال حتي كانت طبيعة له موجبة ( موجب خ‌ل ) لايجاد اثار مخصصة ( مخصوصة خ‌ل ) ناشية عنها و مثال تلك الصفات النفسانية التي تنشأ عنها الاثار الخارجية المحسوسة التي يستدل ( تستدل خ‌ل ) بها علي صحة ان تكون النفس منشأ و مبدء لاجسام ( الاجسام خ‌ل ) تحدثها في الاخرة ان الغضب حالة نفسانية ملكوتية اذا اشتدت في نفس شخص اثارت و هيجت ثوران دمه و احمرار وجهه و انتفاخ بشرته و عروق جبهته و هي حالة معنوية لم‌تكن من عالم شهادته و انما هي موجودة في عالم باطنه و تأثيرها ايضا باطني و اثرها حسي ( حسية خ‌ل ) من صفات الاجسام المادية و قد صارت الحالات النفسانية التي هي من نشأة عالم الغيب نتايج الحسنة ( الحسية خ‌ل ) في هذه النشأة الحسية التي هي نشأة من عالم الشهادة فلا عجب من ان يلزم ( يلزمه خ‌ل ) اي يلزم الغضب في نشأة اخري فوق نشأة اخري ( نشأته خ‌ل ) ان تنقلب نارا محضة كما لزم تحته ( لزمه تحت خ‌ل ) نشأته ان تنقلب صفات جسمانية مادية لزم فوق نشأة ( لزمه فوق نشأته خ‌ل ) ان تنقلب نارا محضة

 

«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 831 *»

محرقة للقلوب مقطعة للامعاء حاطمة للعظام موقدة تطلع علي الافئدة الاتري انه اذا اشتد و استحكم لزمت منه اثار هيهنا يظهر عنها تسخين البدن و ضربان العروق و الاوداج و اضطراب الاعضاء و اختلاجاتها و احتراق المواد و الاخلاط و ربما تؤدي الي المرض الشديد ربما يوصل ( توصل خ‌ل ) الي الهلاك من شدة الغيظ و الدليل علي ان هذه الاثار من نفخات النار قول النبي (ص‌) الحمي رايد الموت و حرها من فيح جهنم و هي حظ كل مؤمن و مؤمنة من النار الخ ، و قوله فهكذا جميع الصور الجسمية ( المجسمة خ‌ل ) الموجودة في عالم الاخرة يعني ان جميع ما في الاخرة من النعيم و الحور و القصور و الماكل و المشارب و الاشجار و الثمار و الاطيار هي تلك الاحوال الطيبة و الملكات الزاكية تظهر بصور هناك ظاهرة مشاهدة كما ظهرت اثار الرضا و الغضب و الفرح و الحزن في البدن محسوسة و اصله ( اصلها خ‌ل ) معقول و متخيل و كذلك احوال العقاب و العذاب الاليم فانما ( فانها خ‌ل ) هي احوال ( الاحوال خ‌ل ) الخبيثة و الملكات السيئة فانما ( فانها خ‌ل ) تظهر بصور هناك ظاهرة مشاهدة و مباديها الغضب و الشهوة و الاعمال السيئة و الاخلاق القبيحة من ترك الصلوة و الزنا و الامر بالمنكر و النهي عن المعروف كما ظهرت الجنة و ما فيها من النعيم من ( و خ‌ل ) الاعمال الصالحة كالصلوة و الزكوة و الامر بالمعروف و النهي عن المنكر و ما اشبه ذلك فالاعمال الصالحة و الطالحة يتجسم اذا برزت من مباديها الغير المجسمة الموجودة علي نحو ما مثلنا و ذلك في الاخرة و قوله فهكذا جميع الصور المجسمة الموجودة في عالم الاخرة حاصلة من ملكات النفوس و اخلاقها الحسنة و القبيحة و هو معني قولنا فانها تظهر بصور هناك ظاهرا الخ ، و لذا قال فصارت الاعمال الي اخر كلامه و قد تقدم ما يرد علي بعض كلامه مثل قوله ان الجنة و جميع ما فيها من القصور و الولدان و الحور من نوع النيات و الاعمال و ان وجوداتها من وجود النفس

 

«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 832 *»

الادمية لانها في نفس الامر صفات النفس و ملكاتها و مما يرد عليه ان الجنة خلقت من الانسان و اليه يعود ( تعود خ‌ل ) و الامر علي العكس .

قال } و اما مادة تكون الاجساد ( الاجسام خ‌ل ) و تجسم الاعمال و تصور النيات في الاخرة فليست الا النفس الانسانية و كما ان الهيولي هنا ( هيهنا خ‌ل ) مادة تكون الاجسام و الصور المقدارية و هي لا مقدار لها في ذاتها فكذلك النفس الادمية مادة تكون الموجودات المقدرة المصورة الاخروية و هي في ذاتها امر روحاني لا مقدار لها { .
اقول ذكر اولا كيفية تجسم الاعمال و تمثيله و هنا ذكر المادة التي تتكون منها الاعمال عند تجسمها و اعلم ان الناس الذين قالوا بالمعاد و الثواب و العقاب اختلفوا في الثواب و العقاب هل هما جزاء علي الاعمال مغايران لهما ام هما الاعمال الحسنة و السيئة فالذين جعلوهما جزاء علي الاعمال اختلفوا فذهب الشيخ المفيد و جماعة الي ان الاعمال اعراض و معاني فلايعقل تجسمها و لا وزنها و المراد من الموازين التعديل بين الاعمال و الجزاء عليها و وضع كل جزاء في موضعه و ايصال كل حق الي مستحقه فلا ميزان و لا وزن علي الحقيقة بل هو محمول علي المجاز و قال اخرون ان الاعمال لاتجسم لانها اعراض و معاني نعم يخلق الله تعالي بازاء الاعمال و تناسبها ( مناسبها خ‌ل ) صورا حسنة او قبيحة و تكون هي ( هو خ‌ل ) الموزونة في الميزان الحقيقي و هي الصور التي تكون مع الانسان في عالم البرزخ و قالت طايفة الي ان الاعمال ( ان الموزون خ‌ل ) هي صحايف الاعمال لا نفسها بناء منهم علي ان كتابة الاعمال في صحايفها مثل كتابتنا لما ( فيما خ‌ل ) نكتبه في دفاترنا و بعض الروايات تشير الي ان الموزون هي الصحايف مثل ما روي عنه (ص‌) انه يؤتي برجل يوم القيمة الي الميزان و يؤتي له تسعة و تسعون سجلا كل سجل منها مد البصر فيها خطاياه و ذنوبه فيوضع ( فتوضع خ‌ل ) في كفة الميزان ثم يخرج له قرطاس كالانملة فيها شهادة ان لا اله الا الله و ان محمدا رسول الله ( عبده و رسوله خ‌ل ) فيوضع في الاخير فيرجح و المصنف يري الوزن

 

«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 833 *»

للصحايف و قيل و يمكن ان يجمع بين الاخبار الدالة علي هذه الاقوال المختلفة بحمل ما ورد من ان الميزان ليس هو ذا كفتين و انما هو مجاز عن العدل في الجزاء علي ميزان اعمال الانبياء عليهم السلام و ميزان اعمال من بينهم من اهل الطاعات و المعرفة لانهم لايتهمون ربهم فيما قضي عليهم باعمالهم و حمل ما ورد من ان الله تعالي ينصب ميزانا له لسان و كفتان لسانه بيد جبرئيل (ع‌) يزن فيه الاعمال علي ميزان اعمال ساير الخلق لينظروا الي اعمالهم كيف توزن بالموازين فلايتهمونه تعالي و من قال ان الثواب و العقاب هما عين اعمال المكلفين منهم من قال ان جعل الاعراض ذوات شي‌ء ممكن مقدور لله عز و جل فيجعلها اجساما مناسبة لنوع ما انقلبت عنه من الاعراض في الكم و الكيف و الوقت و المكان و الرتبة و الجهة و الوضع و يرون ان هذه الامور هي التي عليه في نفس الامر و لم‌تجدد ( لم‌تتجدد خ‌ل ) لها نشات بحسب تجدد الاوقات و الامكنة و الرتب و انما هي هكذا في كل نشأة فوجوداتها قائمة في كل نشأة بما هي عليه في تلك النشأة مثاله انت في بغداد تتصور مصر بصورة ملكوتية او برزخية و هي وجود مصر في رتبة النفوس و ( او خ‌ل ) الخيالات و اذا مضيت عليه ( اليه خ‌ل ) وجدته ذاتا محسوسة و هذا وجوده في عالم الحس فمصر موجود في كل رتبة من مراتب الوجود من نوع وجودها و وجود ما هو من مقامها و ممن تنبه الي هذا المعني المحقق الدواني في رسالة الذوراء ( الزوراء خ ) و قد ذكر في مفتحها انها من فيوض زيارة عتبة باب مدينة العلم و ابنه سيدالشهداء عليهما من الصلوة اكملها و من التسليمات اجزلها و حاصله مختصرا مع بعض التغير ( التغيير خ‌ل ) ان الحقيقة الواحدة تظهر في البصر بالصورة المعينة المنكشفة ( مكشفة خ‌ل ) بالعوارض المادية ملازمة لوضع معين من قرب و بعد و غير ذلك و هي بعينها تظهر في الحس المشترك بصورتها ( بصورة خ‌ل ) نشأ بهما من غير تلك الشرايط و هي في الحالين تقبل التكثر بحسب الاشخاص كصورة زيد و بكر ثم تظهر تلك الحقيقة في العقل

 

«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 834 *»

بحيث لاتقبل الكثرة و تصير الافراد المتكثرة في الصور ( الصورة خ‌ل ) المبصرة و المتخيلة متحدة ( المتحدة خ‌ل ) في الصورة العقلية فتظهر ( فظهر خ‌ل ) ان الصورة و لو كانت عقلية غير الحقيقة بل الصور المختلفة لباس لتلك الحقيقة و اختلاف تلك الصور ( الصورة خ‌ل ) يكون لاختلاف المشاعر و المدارك و تلك الحقيقة مع وحدتها الذاتية قد تظهر في صور ( صورة خ‌ل ) متكثرة متخالفة الحكم كصور الاشخاص و قد تظهر في صورة واحدة كالصورة العقلية و محصل هذا ان الحقيقة مغايرة لجميع الصور التي تخيل ( تتخيل خ‌ل ) فيها علي المشاعر الظاهرة و الباطنة الجسمانية و الروحانية و ان تلك الحقيقة من حيث ذاتها قابلة للظهور بصور مختلفة و ان جميع الصور هي بها متساوية و ليس بعضها اولي من البعض بل انما تخصص تلك الصور باحكام المواطن و المشاعر فالعلم مثلا حقيقة واحدة يظهر ( تظهر خ‌ل ) في مواطن اليقظة بصورة عرضية محتجبة عن الحس مدركة بالعقل كلية و بالوهم جزئية و هي بعينها تظهر في مواطن ( موطن خ‌ل ) الرؤيا بصورة جوهرية اعني صورة اللبن و كما ان الظاهر علي المدارك الباطنة في اليقظة الحقيقة ( حقيقة خ‌ل ) العلم كذلك الظاهر علي المشاعر في الرؤيا حقيقة العلم الا انه يتجلي في كل موطن بصورة تعينها لها ذلك الموطن ثم ان المحجوب المنغمس في احكام الطبيعة الذي لايعرف الحقايق الا بصورها ينكر الحقيقة عند تبدل الصورة و لايعرفها لتحولها في ملابسها و لكن العارف لايصير مغلوبا باحكام خصوصيات المواطن و لايحجبها حكم موطن عن احكام المواطن الاخر بل يعرفها في ساير ملابسها تظهر ( فظهر خ‌ل ) عليك من هذا اسرار غامضة من احوال المعاد و ظهوره في الكثرات فان ذلك يتحصل و يتقوم بالنفس و مراتبها و اسرار المعاد من ظهور الاعمال و الاخلاق الظاهرة في النشأة الدنيوية بالصور الخاصة و في النشأة الاخروية بالصور ( بالصورة خ‌ل ) التي تقتضيها احكام تلك النشأة كما فصل في الشريعة و تيسر عليك ايضا مشاهدة الواحدة الحقيقي في التكثرات من غير شوب ممازجة و تسلقت ( تسلفت خ‌ل ) به الي حقايق ما انبأ عنه لسان النبوات من

 

«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 835 *»

ظهور الاخلاق و الاعمال في المواطن المعادية لصور ( بصور خ‌ل ) الاجساد و كيفية وزن الاعمال و سر حشر الاعراض بصور الاخلاق العالية و اطلعت علي سر قوله تعالي و ان جهنم لمحيطة بالكافرين فان الاية بظاهرها تدل علي احاطة جهنم بالكافرين في زمان الحال و لا حاجة الي الصرف عن الظاهر و ان الاخلاق الرذيلة و العقايد الباطلة هي محيطة بهم في هذه هي بعينها جهنم التي ستظهر في الصورة الموعودة عليهم كما انذرهم الشارع الا انهم لايعرفون ذلك لعدم ظهورها في هذه النشأة عليهم في تلك الصورة و هم لفرط جهلهم بالحقايق لايعرفون الحقايق الا بصورها و اما النفس المحيطة بالحقايق و تنقلها بالصور ( في الصور خ‌ل ) بحسب المواطن فتعرف حقيقة الامر و ايضا تعرف من ذلك التحقيق قوله تعالي الذين يأكلون اموال اليتامي ظلما انما يأكلون في بطونهم نارا ، و قوله (ص‌) الذي يشرب في انية الذهب و الفضة انما يجرجر في بطنه نار جهنم فان ( و ان خ‌ل ) ظاهرها ( ظاهره خ‌ل ) يدل علي وقوع هذه الحال في الحال و الجرجر بمعني الصب و قوله (ص‌) ان في الجنة قيعانا و ان غراسها سبحان الله و الحمد لله فان هذا الحديث يدل علي ان هذا القول بعينه غراسها فيكون محمولا علي الحقيقة لا علي المجاز كما توهمه المتوهمون ثم قال لعلك تقول كيف يكون العرض بعينه هو الجوهر و كيف يكون المعني واحدا و الحال ان الحقايق متخالفة بذواتها فنقول قد لوحنا عليك ان الحقيقة غير الصورة فانها في حد ذاتها و صرافة سذاجتها ( من الساذج ) عارية عن جميع الصور التي تتجلي بها لكنها تظهر في صورة تارة و في غيرها اخري و الصورتان متغايرتان قطعا لكن الحقيقة المتجلية في الصورتين بحسب اختلاف الموطنين شي‌ء واحد و ما اشبه ذلك بما يقول ( يقوله خ‌ل ) اهل الحكمة النظرية ان الجواهر باعتبار وجودها في الذهن اعراض قائمة به محتاجة اليه ثم هي في الخارج قائمة بانفسها مستغنية عن غيرها فاذا اعتقدت ان حقيقة تظهر في موطن بصورة عرضية محتاجة و في اخر بصورة مستقلة يكون فاكسر به سورة نبو طبعك عنه في بدء النظر حتي يأتيك اليقين و تشرف

 

«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 836 *»

علي حقيقة قوله (ص‌) النوم اخ الموت و قول صاحب سره و باب مدينة علمه الناس نيام فاذا ماتوا انتبهوا ثم قال ارأيت الحقيقة الواحدة كيف ظهرت علي القوة العاقلة بصورة وحدانية لطيفة مجردة ثم ظهرت علي الحواس بصور مخالفة كثيرة مادية فكأنها تنزلت مع النفس عن صرافة تجردها و وحدتها الي التكثر و التعدد فاذا وصلت النفس الي مرتبة الحواس وصلت هي الي غاية التكثر و التعدد و اذا ترقت الي مرتبة التجرد الصرف توحدت و الحقايق مع النفس صعود و هبوط فهي اذن موجودة في النفس لا في الخارج عنها و هي تصاحبها في مواطنها المختلفة و تنصبغ في كل موطن من مواطنها باحكامها من الوحدة و الكثرة و اللطافة و الكثافة و من ثم اقول شأن العلم تكثر الواحد و ذلك في العلم التفصيلي المتحصل بما يلي الجهة السافلة من النفس و كماله في المشاعر الظاهرة و توحيد الكثير و ذلك في العلم الحقيقة ( الحقيقي خ‌ل ) الاجمالي المتقوم بما يلي الجهة العالية من النفس و كماله في المدرك الشهودي المعبر عنه بنور الولاية و هو غاية المراتب و يليه في الشرف مرتبة الذوق الفطري انتهي ما نقلته من نقل السيد نعمة‌الله الجزايري في كتابه المسمي بمقامات النجاة و المصنف ذهب الي ما ذهب اليه الدواني في معني تجسم الاعمال الا انه بني تعريفه و بيانه و مادته و غير ذلك علي ما يراه و هذا عنده هو حقيقة تجسم الاعمال الصالحة و السيئة و معرفته و اقول هذا طريق مشاهدة تجسمها و اما انها من اي شي‌ء تتركب فلاتعم ( نعم خ‌ل ) المصنف نص علي ان مادة تكون الاعمال و تجسمها نفس العامل و تصوره في الاخرة فليس الا النفس الانسانية ثم مثل ( ذكر خ‌ل ) لمدعاه تقوية لدليله ،
فقال و كما ان الهيولي هيهنا يعني في الدنيا مادة تكون الاجسام و الصورة المقدارية و هو يعني الهيولي لا مقدار لها في ذاتها فكذلك النفس الادمية مادة تكون الموجودات المقدرة المصورة الاخروية و هي في ذاتها امور روحاني لا مقدار لها .

 

«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 837 *»

اقول و في هذه الكلمات كلام يرد عليها من ذلك قوله فليس الا النفس الانسانية فانه يرد عليه انه ان اراد ان مادة الثواب و العقاب نفس جوهر النفس الادمية كانت مادة ثوابه من ذاته و صورة ثوابه من عمله و كذا في العقاب كان الثواب و العقاب متولدا منه و حينئذ فالمنعم و المؤلم شي‌ء اجزاؤه ( للشي‌ء جزؤه خ‌ل ) ثم لايخلو اما ان يكون عمل الجزء و تأثيره بمقتضي خارجي اولا و الثاني باطن لان الجزء ملائم لكله لذاته ففي الثواب تسقط فايدة مشقة الطاعة و هو باطن و في العقاب يكون ما به الملائمة به المنافرة بجهة واحدة و هو باطن و الاول ان فرض استقلال الخارجي بالاثر دل علي مغايرة الجزء و ان لم‌يستقل لزم ما يلزم في الثاني و من ذلك قوله في تمثيل النفس للاعمال المجسمة و مقايستها بالهيولي و كما ان الهيولي هيهنا مادة تكون الاجسام الخ ، فانه يرد عليه ان الهيولي جسم و الجسم يكون مادة للاجسام و لكن لايكون مادة للصور ( للصورة خ‌ل ) المقدارية و ان كانت تتقوم به و النفس ليست من الاجسام و انما هي جوهر مجرد و الجوهر المجرد لايكون مادة للاجسام المادية و عندنا ايضا لاتكون المادية ( المادة خ‌ل ) مادة للجواهر المجردة و ان كان المصنف يري ذلك و ان زعم ان الاجسام الاخروية مجردات كالنفوس لان الماديات كلها متغيرة متبدلة كما ذكره فيما تقدم فعلي فرض تسليمه له نقول هذا الذي وجد في الاخرة تنقلب ( منقلب خ‌ل ) عن الاعمال او عن نفوس العاملين فان كان عن الاعمال لم‌تكن نفوسهم مادة له و قد ثبت ان الاعمال اعراض و الاعراض لاتكون موادها من ذوات معروضاتها و ان الانقلاب عن نفوس العاملين لم‌تكن الاعمال مجسمة لانها ليست من نفوس العاملين بل المجسم غيرها و لزم ايضا ما ذكرنا من كون الملائم منافرا نعم ان اراد بها ( انها خ‌ل ) غير منقلبة عن شي‌ء و انما تلك الصور التي تظهر غدا فيها هي بعينها هذا الصور التي ظهرت بها في دار التكليف من صلوة و زكوة و صوم و حج و تسبيح و تهليل و غيرها لان الحقيقة واحدة و التغيير ظاهر انما هو لاحكام المواطن كما ذكره المحقق الدواني فان المصنف انما ذهب اليه في ساير كتبه و هو ما نقله

 

«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 838 *»

عنه و لكنه مزجه بشي‌ء من ارائه بمعني انه ليس المراد بالتجسم الا ظهورها غدا بحكم ذلك الموطن و لم‌تتغير في كل موطن فهو صحيح الا ان ذكره للمادة يدل علي انها تجسم غدا من النفس و نحن حين ذكرنا مادتها انما هو لبيان اصلها و لم‌ترد ( نرد خ‌ل ) انها تصاغ غدا او لم‌تصنع و نريد بمادتها ما تكونت منه في التكليف الاول و في الدنيا و في الاخرة و يأتي مرادنا بالمادة و الهيولي ايضا و ان لم‌يكن لها مقدار شخصي الا ان لها مقدارا نوعيا و الاعمال المجسمة لها مقدار شخصي و لكنه ليس من ذات الهيولي و ان كان صورة انفعالها الا ان المقدار الشخصي مركب من حدود كما ذكرنا مرارا مؤلفة من الكم و الكيف و الوقت و المكان و الرتبة و الجهة و الوضع و لو قيل بقولنا من ان الهيولي الكلية مجردة و انها اخر المجردات لايلزم علينا صحة المقايسة التي ذكرها المصنف فانها مادة جسمانية و لكنها قبل تعلق الصورة المثالية بها و قبل التركيب لم‌تلحقها اعراض المراتب و الاوقات لان هذا التغيير السريع و التبدل و التحول من اثار الحدود السبعة المذكورة اعني الكم و الكيف و الوقت و المكان و الرتبة و الجهة و الوضع فلذا سميناها مجردة يعني عن المادة العنصرية و المدة الزمانية اللتين لايتقومان الا بتلك السبعة و الا فهي جسم لانها في الحقيقة هي المادة التي تعلقت بها الصورة قبل تعلقها بها و لا كذلك النفس مع ما سمعت من اصالة الجسم بالنسبة الي الهيولي لانه هو هي قبل تعلق الصورة المثالية به و من عرضية الاعمال بالنسبة ( بالنفس لنسبة خ‌ل ) الي النفس قبل التعلق و بعده و اما النفس الادمية فانها صورة جوهرية و انما سمينا الصور بالمثال لان تلك الصور المثالية صور مماثلة لصور النفوس لان النفوس صور جوهرية ذات حدود و تخطيط مثل الصور المحسوسة لكنها صور جوهرية اصلية و عالم المثال صور ذات حدود و تخطيط مثل صور النفوس الا ان النفوس صور قائمة بنفسها لانها ذوات و المثال صور غير قائمة بنفسها لانها اظلة للنفوس فقوله و هي في ذاتها امور روحاني لا مقدار لها غلط ،

 

 

«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 839 *»

و الحاصل اذا اردت التمثيل للاعمال المجسمة فما ذكره المصنف لا بأس به و اما اذا اردت ان تعرف مادة الثواب و العقاب و صورهما فاسمع اعلم انه قد ثبت باتفاق العقلاء من الحكماء و العلماء ان كل ممكن زوج تركيبي اذ المخلوق لا بد له من اعتبار من جهة ربه و هو مادته و ان شئت قلت وجوده و من اعتبار من جهة نفسه و هو صورته و ان شئت قلت ماهية و هكذا ( هذا خ‌ل ) حكم كل ما سوي الله تعالي من ذات او صفة ، جوهر او عرض ، عين او معني و الثواب و العقاب من الممكنات و لا بد ان يكون كل واحد منها مركبا من مادة و صورة و لا بد ان تكون المادة موجودة قبل الصورة و المادة من امر الله و نهيه و الصورة عمل المكلف في الثواب بالموافقة و في العقاب بالمخالفة و المراد بامر الله و نهيه اللفظيين الجاريين علي المكلفين الامر الحامل لنور الله المسمي بالامر الفعلي اعني مشية الله و فعله الذي قام به كل شي‌ء قيام صدور و الحامل لنور الله و المسمي بالامر المفعولي اعني الحقيقة المحمدية (ص‌) الذي قامت به الاشياء كلها قياما ركنيا و هذان الامران منهما مدد كل شي‌ء فالامر القولي افاضة للامر المددي و امتثال المكلف للامر هو قبوله للامر الامدادي و الامر المددي و الاجتناب للنهي القولي نفي للمدد الخذلاني و نفي للمانع فالامتثال للامر هو الموجب للمقتضي و الاجتناب للنهي هو الرافع للمانع فاذا فعل العبد المكلف ما امر به خلق الله مادة الحورية مثلا او القصر او الجنة من فيض الامر الذي هو لازم للامر الذي امتثله المكلف و عمل به ( امر به خ‌ل ) كما امره الله و خلق صورة تلك الحورية و القصر او الجنة من عمل المكلف و نفخ في ذلك الذي خلقه من روحه فهذا حقيقة الثواب و اما العقاب فمادته من الامر الفعلي العرضي و من الامر المفعولي العرضي اعني الغضب المسبوق بالرحمة التي هي الامر المفعولي الذاتي و صورته من عمل المكلف بارتكاب المناهي و اجتناب الاوامر فالاعمال الحسنة صور الثواب و مواد الثواب من تأييدات امر الله و ارواح انواع الثواب من روح الله كما ان مواد المطيعين من اشراقات النور الذي

 

«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 840 *»

تنورت الانوار منه و صورهم من هيئات طاعاته و الاعمال السيئة صور العقاب و مواد العقاب من ظلمة البحر الاجاج كما ان مواد العاصين من اظلة البحر الاجاج الذاتية و صورهم من هيئات معاصيه فافهم .

قال } و الفرق بين النفس و الهيولي بامور منها ان الهيولي وجودها بالقوة من كل وجه لاتحصل لها في ذاتها لصور ( امور خ‌ل ) الجسمانية بخلاف النفس فانها كانت في ذاتها موجودة بالفعل وجودا جوهريا حساسا و كانت اولا صورة هذا البدن العنصري فصارت مادة اخروية يتحد ضربا من الاتحاد فهي صورة الماديات الدنيوية و مادة الصوريات الاخروية المنفوخة فيها باذن الله يوم ينفخ في الصور فتأتون افواجا لاختلاف انواعها في الاخرة { .
اقول قوله ان الهيولي وجودها بالقوة من كل وجه لاتحصل لها في ذاتها لصور الجسمانية تبعا لاقوام من العيون الكدرة التي يفرغ بعضها في بعض و هو خطاء فان الهيولي في الحقيقة هي الجنس لانواعه و النوع لاشخاصه و قولهم ان الاجناس انما تتقوم بالفصول يريدون تقوم حصص انواعه كالخشب انما تتقوم حصة السرير بالصورة يعنون تميزها من حصة الباب و تميزها من الخشب انما هو بالصورة و لايريدون ان حصة السرير معدومة اصلا و قد صرح بهذا المعني في كتابه الكبير كتاب الاسفار و في القاموس الهيولي مشددة الياء مضمومها عن ابن ( ابي خ‌ل ) القطاع القطن و هيلا جبل اسود بمكة و الهيولي القطن و شبه الاوايل طينة العالم به او هو في اصطلاحهم موصوف بما يصف به اهل توحيد الله تعالي انه موجود بلا كيفية و كمية و لم‌يقترن به شي‌ء من مسمات الحدث ثم حلت به الصنعة و اعترضت به الاعراض فحدث به العالم انتهي ، و هذا يشعر بان الهيولا عندهم موجودة بالفعل بنفسها و الحكماء قسموا الشي‌ء في اصطلاحهم فقالوا ان الشي‌ء باعتبار كونه جزءا للمركب بالفعل يسمي ركنا و باعتبار ابتداء التركيب منه يسمي عنصرا و باعتبار انتهاء التخلل اليه يسمي اسطقسا و باعتبار كونه قابلا للصور الغير المعينة يسمي هيولي و باعتبار كونه قبوله للصور المعينة يسمي مادة و باعتبار كون المركب

 

«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 841 *»

مأخوذا يسمي اصلا و باعتبار كونه محلا للصور المعينة بالفعل يسمي موضوعا و هو ( هي خ‌ل ) في الحقيقة شي‌ء واحد تعرض هذه الاسماء عند هذه الصفات ه‍ ، و علي اي نحو فالهيولي موجودة و وجودها بالفعل لا بالقوة فيكون لها تحصل في نفسها لصور الجسمانية و ان لم‌تكن صورا شخصية بل كانت صورا جنسية و نوعية فانهما من الصور الجسمانية و وجود الاجناس و الانواع في الخارج مما لايكاد يخفي علي احد و هو جار علي السنة العوام معروف عندهم من غير نكير فانهم يقولون ان فلانا التاجر اتي باجناس و بانواع كثيرة و لايقال ان كلام العوام لايعتبر لان هذا استعمال اهل اللغة العالمين بمدلولاتها التي وضع الواضع سبحانه اسمائها بازائها و لا شك ان الخشب قابل للصور الغير المعينة كصورة السرير و الباب و غيرهما فهو لا شك هيولي لما يعمل منه و النفس ( النفوس خ‌ل ) موجودة كالهيولي و قوله و كانت اولا صورة هذا البدن العنصري ليست النفس مادة لهذا البدن العنصري لذاتها و ان قلنا انه في الاصل من تنزلاتها لان تنزلاتها من اثارها و من احوالها لا من ذاتها لان مبدء النفس ليس من التراب و من الطبايع الجسمانية بل الطبايع من اثارها و قد نص اميرالمؤمنين (ع‌) عليها بان اصلها من التأييدات العقلية و اين التأييدات العقلية و التراب لمن تعقل الجواب و المصنف قال في النفس هنا بانها كانت في ذاتها موجودة بالفعل وجودا جوهريا حساسا فكيف كانت اولا صورة هذا البدن العنصري اذ يلزم من هذا انها لم‌تكن في ذاتها موجودة بالفعل وجودا جوهريا حساسا بل القوة ( بالقوة خ‌ل ) في ذاتها ثم كانت بالفعل و كما لم‌تكن صورة هذا البدن العنصري بذاتها بل باثار تنزلات اثارها كذلك لم‌تكن بذاتها مادة الصوريات الاخروية بل بوجودات اثار افعالها و اما النفخ في وجودات اثار افعالها باذن الله تعالي من روحه فظاهر لان موادها من اثار امر الله القولي الذي حمله الي المكلف امر الله القولي و كذا في النهي كما مر و صورها المنفوخ فيها اعمال العاملين و كونهم يأتون افواجا فلاختلاف اعمالهم .

 

«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 842 *»

قال } و منها ان النفس مادة روحانية لطيفة لاتقبل الا صورا لطيفة غيبية ( الصور اللطيفة عينية خ‌ل ) لاتدرك بهذه الحواس بل بحواس الاخرة و الهيولي مادة كثيفة انما تقبل الصور الكثيفة المقيدة بالجهات و الاوضاع المشوبة بالقوي و الاعدام { .
اقول اما كون النفس لطيفة لاتقبل الا صورا لطيفة غيبية فصحيح و كذا لاتدرك بهذه الحواس حال كونها متلوثة برذايل الطبايع الجسمانية و اما ان الجنة و ما فيها من القصور و الحور و جميع انواع النعيم كلها من قبيل النيات يعني صورا ملكوتية نفسانية و خيالية فممنوع لانه يلزم منه عدم المعاد الجسماني كما يلزم المصنف فيما سبق اذ هذا هو الظاهر من عباراته و قد قلنا هناك انه علي مذهب ائمة الهدي (ع‌) غير قائل بالمعاد الجسماني و اما كون الهيولي مادة كثيفة فليس بصحيح اذ ليس كل هيولي مادة كثيفة فان الاجرام الفلكية لاتدرك بهذه الحواس و كذلك الارض فان الارض التي لم‌يطأ عليها بنوا ادم لطيفة لاتدرك بهذه الابصار الدنيوية و اهل الجنة كلهم اجسام مقيدة بالجهات و الاوضاع لان ذلك لاينافي البقاء و الدوام نعم ليس فيها اعدام و لا كثافات لان ذلك من لوازم التغيير و التبديل بالاضعف و هو غير جايز في الاخرة لانهم صاعدون و اللازم من ذلك التغيير و التبديل بالاقوي و الاجد و اما الاوضاع و الجهات فمن لوازم الامكنة و الاجسام و اهل الاخرة كاهل الدنيا الا في الكثافة و الضعف و الانتقال الي الاضعف و ما يؤل الي الفناء و اما التبديل بالاقوي و التغيير الي الشدة و الجدة و الاحسن فهذا حالهم و كيف لاتكون الماديات هناك و ما هم الا الذين كانوا في الدنيا باجسادهم و اجسامهم و ارواحهم لم‌يتغير شي‌ء منهم الا الاعراض الغريبة الفانية و الكثافات المتهافتة المضمحلة نعم هذه الاجسام الدنيوية التي تراها ( نراها خ‌ل ) في الدنيا اذا طهرت من الاعراض و الغرايب الاجنبية لحق حكم سافلها باعاليها فتدرك بذاتها الاجسام المعاني الجبروتية و الصور الملكوتية و الارواح الموجودة المتعلقة بهذه الاجسام اذا طهرت ما تلوثت به من المعاصي و سهو الغفلات

 

«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 843 *»

ادركت بذاتها الاجسام و الجسمانيات لان اجسامهم اذا شاؤا تروحوا و ارواحهم اذا شاؤا تجسدوا ( تجددوا خ‌ل ) و لذلك مثال في العالم من وقف عليه عرف ما اشرنا اليه و هو ان الحكماء الطبيعيين اهل العلم المكتوم قالوا ان الحجر يحلونه و يعقدونه بجزء من روحه و يحلونه و يعقدونه بجزء من روحه و يحلونه و يعقدونه كذلك فاذا دبر علي النحو المقرر عندهم ثلاثا في اكسير البياض و تسعا في اكسير الحمرة كان معدنا حيوانيا روحانيا يعني انه هو في نفسه جسم و في عمله روح تحيي الاموات ( الموات خ‌ل ) من المعادن و ينفخ فيه ( فيها خ‌ل ) روح البقاء فانه اذا تم في اول مرة كان مثقاله يحيي الف مثقال و يلحقه بجوهره فاذا سقي مرة اخري كان مثقاله علي الفي مثقال و هكذا و لو سقي الف مرة كان مثقاله يحيي الف‌الف مثقال و هكذا بلا نهاية و نقل عن بعض الحكماء انه سقاه ثلثمأة مرة فاقام مثقاله ثلثمأة‌الف مثقال و مع هذه الزيادة في الكيف يزيد في الكم مثلا اذا سقي المثقال ( مثقال خ‌ل ) الاحمر منه سقية ثانية في ست حلات و ست عقدات كان وزن ذلك المثقال تسعة و اربعين مثقالا كل مثقال يحيي الفي مثقال اقول انما ذلك لان الماء الالهي روح يتجسد بالعقد و لايذهب بخاراً فاذا كان المركب واحداً و حل بست صار سبعة ثم اذا جعل المحلول المنتقض واحداً و عقد و سقي بست صار سبعة ايضا فيحصل من ضرب السبعة في نفسه تسعة و اربعون فيزيد المركب في كمه تسعة و اربعين مثقالا كل مثقال يحيي الف مثقال فيحيي تسعة و اربعين‌الف مثقال لكن اجود من الاول و جودته انه يتحمل الحمل كل مثقال مثقالا فيكون مأة‌الف مثقال الا الفي مثقال فعلم من ذلك ان هذا عمل روحاني كما ان الحبة تظهر نفسها النباتية في الف وعاء و تنعقد الف حبة و كالشمس تظهر في الف مرآة فيزداد قوة الروح برقة الجسد و نعامته كما يزداد نور السراج بلطافة الدخان ، كريم .
و كان قبل السقي مثقالا يحيي الف مثقال و بعد السقي كان تسعة و اربعين مثقالا كل مثقال يحيي الفي مثقال اجود ذهبا من الاول قبل السقي فيكون بعد السقي يقيم مأة ( بمأة خ‌ل ) الف مثقال الا الفي مثقال و ليس مثل هذا العمل يتصور في الاجساد و انما يعقل في الارواح و لهذا قالوا هو جسد و عمله روحاني فافهم الاية فان هذا الجسد اية اجسام اهل الجنة فانهم اجسام فيها جميع صفات الاجسام و احكامها و افعالها و تفعل افعال الارواح و العقول و

 

«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 844 *»

تدرك جميع ما تدركه النفوس و العقول و كذلك العقول تدرك بذاتها مدارك النفوس و الاجسام و كذلك النفوس و ذلك معني قولنا الحق حكم سافلها باعاليها .

قال } و منها ان قبول الهيولي للصور و الاكوان علي سبيل الانفعال و الاستحالة و التغير و الحركة و قبول النفس لصورها الراسخة فيها علي سبيل الحفظ و الاستيجاب و لا منافاة بين قبولها و فعلها فهي بجهة واحدة فاعلة و قابلة للصور و الامثال معا و كذلك علوم المبادي و صفاتها حيث انها بجهة واحدة حصلت فيها و منها لان القبول هناك ليس معني الاستعدادية و الامكان { .
اقول نعم قبول الهيولي للصور و الاكوان علي سبيل الانفعال و الاستحالة و التغير و الحركة و لكن باعتبار و باعتبار اخر قبولها للصور و الاكوان علي سبيل الفعل و الاحالة و التغير و التحريك و لكن الاعتبار الثاني لايقولون به بناء منهم علي ان المادة هي الام و الصورة هي الاب و ذلك هو المعلوم بينهم فلما بنوا امرهم علي الاصل الباطل وقع الخلل في الفرع و حيث ثبت ان المادة هي الاب كما نطقت به الروايات و قد سبقت الاشارة الي ذلك و ان الام هي الصورة كذلك قلنا ان قبول الهيولي و هي المادة قبل تعلق الصور بها للصور و الاكوان علي سبيل الانفعال و الاستحالة و التغير و الحركة علي اعتبار و علي اعتبار اخر يكون قبولها للصور و الاكوان علي سبيل الفعل و الاحالة و التغيير و التحريك و يزيد بالاعتبار الاول ان انفعال المادة و الهيولي مع انها هي الاب من باب و انتم لباس لهن فيكون الذكر منفعلا كما قال تعالي حتي تنكح زوجا غيره و بالاعتبار الثاني علي الاصل من باب هن لباس لكم فتكون الهيولي فاعلة للصور محيلة مغيرة محركة و ذلك لان الهيولي هي الشي‌ء في نفس الامر و اما الصورة فهي صفتها في كل حالة اي صفة كمها و كيفها و كونها في مكانها و وقتها و رتبتها و جهتها و ما يلحق اجزائها من الاوضاع الجوانية و البرانية ففي الحقيقة انما احدثت الصورة من نفس المصور لانها قابلية ( لانه قابليته خ‌ل ) للايجاد و حدود صنعه التي ( الذي خ‌ل ) بها يتقوم و قد قدمنا ان التي تدخل عليها

 

«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 845 *»

لفظة من هي المادة تقول صغت الخاتم من فضة و عملت السرير من الخشب و هذا ظاهر فقال الله تعالي خلقكم من نفس واحدة و هي ادم (ع‌) و خلق منها زوجها و هي حواء خلقها تعالي من ادم فمنه مادة اولاده و من حواء صورتهم فجريان الهيولي علي الفعل و الاحالة و التغيير و التحريك لانها هي الاب كما سمعت اظهر من جريانها علي الانفعال و الاستحالة و التغير و التحرك فافهم ،

و اما النفس فقال المصنف ان قبولها لصورها الراسخة فيها علي سبيل الحفظ و الاستيجاب و لا منافاة بين قبولها و فعلها و اقول ان مقابلته بين الهيولي و النفس ليست بصحيحة لان صور هيولي الشي‌ء جزء ماهيته و صور النفس التي عناها ليست في الشي‌ء جزء ماهيته لان هذه الصور النفسانية اثار لقويها و مشاعرها كما اذا تخيل خيالها صورة و توهم وهمها صورة و ادرك فكرها صورة و ادرك علمها صورة فان هذه صفات ( الصفات خ‌ل ) قواها الفعلية و ليست صفات ذاتية لقويها لان قواها التي هي العلم و الوهم و الخيال و الفكر هي المحدثة لهذا الصور عنده فلاتكون اثار القوي جزء ماهية ذي القوي فليست هذه الصور صورا للنفس و انما نظير ( نظيره خ‌ل ) مقايسة كما اذا قلت بين زيد و بين عمرو فرق لان زيدا يده و رجله جزء جسده و عمرو قيامه و قعوده ليسا جزء جسده فهذا نظير مقايسته بين الهيولي و النفس نعم لو فرق بينهما في صور الهيولي و صور النفس التي هي جوهريتها لا الصور المثالية التي هي ظل تلك الصور ( الصورة خ‌ل ) الجوهرية فان هذه الصور الجوهرية هي قابلية النفس ( قابليته خ‌ل ) لانها من هيئة الايجاد لتلك التأييدات العقلية التي هي الهيولي للنفس و بهذا الاعتبار ينتفي الفرق البتة و قوله و لا منافاة بين قبولها و فعلها فهي بجهة واحدة فاعلة و قابلة للصور و الامثال معا يقال عليه انه ان اراد انها فاعلة للقبول كان القبول و الفعل واحدا بجهة واحدة و لكن لم‌تكن فاعلة للمقبول اذ تكوين الشي‌ء غير قبوله ثم المقبول الذي يريده اين محل قبوله من القابل هل هو في ذاته فتكون النفس فاعلة لذاتها ام هو خارج عن ذات القابل فما معني القبول حينئذ فاذا كان كلامه

 

«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 846 *»

في بيان تجسم الاعمال و ان ليس الا النفس الانسانية كما قال و انه يريد ان هذا العمل الذي تجسم فصار ثوابا لا عقابا هو بعينه ذلك الثواب او ذلك العقاب في نشأة اخري كان المراد ان عمل زيد الذي اوقعته نفسه في النشأة الدنيا هو عقابه و هو النار التي تحرقه في النشأة الاخري ( الاخرة خ‌ل ) و ان ايجاده في النشأتين و قبوله لنفسه ايقاعه ( ايقاع خ‌ل ) اياه في النشأة الدنيا كما هو رأيه و مراده من كلامه و كان المراد ايضا ان قبوله له اتصافه به و كل ذلك مقتضي طبيعته و لايكون شي‌ء اشد ملايمة للشي‌ء مما هو مقتضي طبيعته فيلزمه علي ما قرر في كتبه خصوصا في الاسفار انه لايكون ذلك عقابا بل يكون ثوابا لما بينهما من شدة الملايمة و يلزم ( يلزمه خ‌ل ) عدم صحة قوله كن فيكون لان صحة هذا مبني علي ان فاعل التكوين بقوله كن غير فاعل ( قابل خ‌ل ) التكون المعبر عنه بقوله كن فيكون لان الفاعل غير القابل و المعروف في الشاهد ان الفاعل غير القابل و لو كان الفاعل قابلا لما يفعله لوجب ان يتعدد الفعل فان جهة الفاعل غير جهة القابل و مكان الفاعلية غير مكان القابلية و قد قال الرضا (ع‌) قد علم اولوا الالباب ان الاستدلال علي ما هناك لايعلم الا بما هيهنا ه‍ ، و ايضا ان كانت مادة الثواب او العقاب من النفس فما المراد من هذه المادة هل هي حصة قاطعة لها من ذاتها من ذات النفس ام من اثرها فان كانت من ذاتها فما معني كونها فاعلة له هل هو تحصيصها ( يحصصها خ‌ل ) منها فتكون قاطعة لها من ذاتها ام احداثها منها فتكون والدة لها و ان كانت من اثرها عادت الي مبدئها فلايصح كونها قابلة لها و لا فعلها قبولها و قوله و كذلك علوم المبادي الي اخره اقول و كذلك ما حصل لها من علوم ( العلوم خ‌ل ) المبادي بل و النهايات اذ لا فرق بينهما و ما توهمه من علم التوحيد من كون الصورة ( المصورة خ‌ل ) المعقولة لا وجود لها الا وجود عقل العاقل لها فايجادها نفس وجودها و نفس وجود ايجادها و عقل عاقلها لها نفس وجود عاقلها و هو ( هي خ‌ل ) معني اتحاد العاقل بالمعقول كما يراه و يعتقده غلط فاحش و قياس غيره عليه افحش لان دعوي ذلك في

 

«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 847 *»

الحق تعالي يصح ( يقبح خ‌ل ) منها انه تعالي موجد لتلك الصور بفعله و لايصح ان وجود فعله عين وجودها بل وجودها اثر فعله و الفعل هو الايجاد و الصور ( و الصورة خ‌ل ) موجودة تقومت بالايجاد تقوم صدور و تقومت بوجودها تقوم تحقق يعني تقوما ركنيا و الموجود غير الايجاد و هما غير الموجد و الصور النفسانية اوجدها الله تعالي بفعله و ان كانت بسبب فعل النفس لانه تعالي هو الموجد و هو القائل و ان من شي‌ء الا عندنا خزائنه و ماننزله الا بقدر معلوم فهو تعالي انزله ( انزلها خ‌ل ) من خزائنها الي النفس عند اقتضائها و تقومت تلك بفعل الله تقوم صدور و بوجودها الذي انزله من الخزائن تقوم ركن و تحقق و بمقتضي النفس تقوم ظهور فصور النفس غير فعل الله و غير ما اقتضته النفس و علي ظاهر الحكمة انما انتزعت النفس تلك الصور من الموجودات الخارجية فهي اظلة للامور الخارجية و قد دل علي هذا العقل و النقل كما تقدم مما ذكرنا انك لاتقدر علي ان تذكر شيئا غاب عنك الا اذا التفت بمرءاة خيالك الي مكان ادراكك له اولا و وقته و ليس ذلك الا ان خيالك مرءاة تنتقش فيها صورة المقابل ( القابل خ‌ل ) و ان مثال ذلك الشي‌ء قد كتبته الحفظة في مكان رؤيتك لذلك الشي‌ء و وقتها فاذا قابلتها بمرءاة خيالك انتقش ( انتقشت خ‌ل ) فيها صورته فذكرته فيكون ما في خيالك ظل الشي‌ء الخارج فاذا عرفت بوجدانك انك لاتقدر ان تذكر شيئا حتي يلتفت خيالك بمرءاة نفسك الي مكان ذلك الشي‌ء و وقته فتقابل مثاله فتنتقش فيها صورة ذلك المثال عرفت انه لايكون في الاذهان الا صور الامور الخارجة فهذا دليل عقلي وجداني لايمكن انكاره و من الادلة النقلية ما رواه الصدوق في اول علل‌الشرايع بسنده عن الحسن بن علي بن فضال عن ابي‌الحسن الرضا (ع‌) قال قلت له لم خلق الله عز و جل الخلق علي انواع شتي و لم‌يخلقه نوعا واحدا فقال لئلايقع في الاوهام علي انه عاجز و لاتقع صورة في وهم احد الا و قد خلق الله تعالي عليها خلقا لئلايقول قائل هل يقدر الله عز و جل علي ان يخلق صورة كذا و كذا لانه لايقول من ذلك شيئا الا و هو موجود في خلقه تبارك و تعالي فيعلم بالنظر الي انواع خلقه انه علي كل شي‌ء

 

«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 848 *»

قدير ه‍ ، و قد تقدم هذا ( هكذا خ‌ل ) مكررا فراجع و الحاصل ( الاصل خ‌ل ) ان ما حصل لها من علوم المبادي ليس بجهة واحدة حصلت لان جهة الفاعل غير جهة القابل و ايضا ليست حاصلة من النفس و انما حصلت من ظل الخارج و لا فيها و انما هي في صدر النفس لانها صور انتزاعية انتزعتها بمرءاتها صورا ظلية و النفس جوهر تنتقش صور المقابل الظلية في وجهها فليست منها و لا فيها و لو كان قبولها للصور غير استعدادي و لا امكاني لمافقدت شيئا و ذلك صفة الواجب الحق سبحانه و تعالي علي ان الصور العلمية للحق عز و جل لاتجوز ( لانجوز خ‌ل ) انها منه و لا فيه و المصنف اوجب ذلك في القديم ( للقديم خ‌ل ) و الحادث فيلزمه ( فيلزم خ‌ل ) ان للقديم مثلا في خلقه و هو النفس ، تعالي عن ذلك علوا كبيرا و هو قد ذكر فيما سبق ان النفس طبيعة جسمانية فترقت بحركتها الجوهرية بذاتها حتي تكملت في سيرها تدريجيا و اذا قال هنا ان قبولها ليس معني القوة الاستعدادية و الامكان فقد اعترف ببطلان احد قوليه .

قال } و منها ان هذه الصور كمالات لموادها و موضوعاتها و ليس الصور الناشية من النفس كمالات لها في حصول تلك الصور لها و انما اكمالها في ان تكون بحيث تفعل تلك الصور و تجعلها مدركة لها و بين الاعتبارين فرق ثابت و قد بين في موضعه ان جهتي القبول و الفعل واحدة في لوازم الذات { .
اقول هذه الصور كمالات لموادها في الاشياء كما بينا في ذكر الاصطلاح ان الهيولي انما تسمي مادة في الشي‌ء و اذا نظرت الي الشي‌ء كزيد مثلا وجدت الصورة كمالا لزيد في مقتضي صورته التي ركب عليها من خير او شر اذ قبل الصورة لم‌تكن مادة زيد مقتضية لخير او شر و بعد انضمام الصورة اليها كان المركب منهما خيرا او شرا لان الصورة الشخصية هي قابليته ( قابلية خ‌ل ) للخلق ( في الخلق خ‌ل ) الثاني للخير او الشر و ان كانت المادة بانضمام الصورة تنقلب الي حال ما الا انها بالنسبة اليها نفسها قد تنقلب الي نفس و اما الصور الناشية من النفس فانها كمالات لها اما عنده فلانها انما تترقي في مراتب كمالاتها حتي تكون عقلا بما تكسبه ( تكتسبه خ‌ل ) من العلوم ما زال

 

«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 849 *»

العبد يتقرب الي بالنوافل حتي احبه فاذا احببته كنت سمعه الذي يسمع به الحديث ، فالفرق بينهما علي العكس من مراده و لو سلمنا انها هي المخترعة للصور لقلنا هو كمال و هذا كمال الاتري ما في الشاهد هل تجد في تحصيل العلوم لك كمالا و لاتجد في حصولها لك كمالا بل في كل كمال و لكنا لانسلم انها فاعلة للصور الا علي معني انتقاشها في وجهها كما مر عليك فان قلت انك لم‌تجعل الصور في صقع النفس و انما تجعلها في صقع فعلها فكيف تكون كمالا لها قلت قد برهن علي معني ما ذكرنا و ان كانت في صقع الافعال في نظايرها من العلوم مثل علم الفقه في مسئلة ان مكروه العبادة من المندوب و فيما قيل في كون دعاء الشيعة و عبادتهم و ورعهم يزيد في درجة ائمتهم (ع‌) كما يزيد الورق في حسن الشجرة مع احتياج الورق الي الشجرة و لا عكس علي ان ما نحن فيه ابلغ من التمثيل بل التمثيل ( بالتمثيل خ‌ل ) الحق المطابق ما اشار الي نوعه امامنا و سيدنا جعفر بن محمد (ع‌) في قوله بالحكمة يستخرج غور العقل و بالعقل يستخرج غور الحكمة ه‍ ، فان هذه الصور العلمية اذا وجدت للنفس قويت علي ايجاد صور غيرها علي حد قوله (ع‌) المتقدم و قوله و قد بين في موضعه الي قوله في لوازم الذات فيه انما ذكروه هؤلاء من حكم لوازم الذات ليس له ثبات و انما هو من فروع وحدة الوجود التي ليس في الحق لها وجود فان احداث الصور و جعلها مدركة لها لاينفي ( لايتقي خ‌ل ) لها تغاير جهة الفاعلية بجهة ( لجهة خ‌ل ) القابلية كما ذكر قبل فافهم .

قال } قاعدة في ان باقي الحيوانات هل لها حشر كالانسان ام لا قد اشرنا الي ان لكل جوهر طبيعي حركة ذاتية و خلقا و بعثا و بداية و عودا و الفلاسفة اثبتوا للطبايع عنايات ( غايات خ‌ل ) ذاتية كما اثبتوا لها مبادي ذاتية و عود كل شي‌ء الي ما بدء منه فعود الاجسام الي القوي و عود القوي الي النفوس و عود النفوس الي الارواح و عود الكل اليه تعالي كما قال الا الي الله تصير الامور و قوله كل الينا راجعون فمن علم من اين مجيئه علم الي اين ذهابه لكن الكلام انما

 

«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 850 *»

هو في بعث الشخص الجزئي مع بقاء تعينه و تشخصه الجامع للنشأتين و هذا في الانسان امر محقق لتجرد نفسه المتعلقة تارة بهذا البدن المادي الدنيوي و تارة بذلك البدن الصوري الاخروي { .
اقول اتفقوا ( اتفق خ‌ل ) اهل الملل علي ان بعد هذه الدار لا بد من البعث لكل مكلف في دار الجزاء و لكنهم اختلفوا في المكلف اما الانسان فهو مكلف اتفاقا باعتبار نفسه و اما جسده ففيه الكلام بناء علي انه مكلف فيعاد او غير مكلف فمن اثبت له شعورا و ادراكا لللذة و الالم حكم باعادته و من لم‌يثبت له ذلك فبعضهم حكم باعادته تبعا لحكم الوحي و بعضهم حكم باعادة صورته اذ الشخص بها هو لا بمادته و منهم المصنف و بعضهم نفي الاعادة اصلا و كذلك الجن و الشياطين و الملئكة اما الجن فظاهر بعض الروايات انهم انواع و ان الحساب علي النوع الكامل منهم و هو ما يكون قريبا من الانسان و روي الصدوق في الخصال عن النبي (ص‌) قال خلق الله الجن خمسة اصناف صنف حيات و صنف عقارب و صنف حشرات الارض و صنف كالريح في الهواء و صنف كبني ادم عليهم الحساب و العقاب و عن ابي‌عبدالله (ع‌) قال الجن علي ثلثة اجزاء فجزء مع الملئكة و جزء يطيرون في الهواء و جزؤ كلاب و حيات و الانس علي ثلاثة اجزاء فجزء تحت ظل العرش يوم لا ظل الا ظله و جزء عليهم الحساب و العذاب و جزء وجوههم وجوه الادميين و قلوبهم قلوب الشياطين ه‍ ، و ظاهر التقسيم و التشبيه ان ما كان مشابها لبني ادم عليه الحساب و العقاب خاصة و ما سوي هذا النوع فحكمه حكم ما شابهه فالحيات و العقارب و الحشرات من الجن حكمهم حكم الحيات و العقارب و الحشرات من غيرهم فمن حكم بحشر الحيات و العقارب و الحشرات لم‌يفرق بين الانس و الجن و الذين مع الملئكة حكمهم كحكمهم فانهم هم الذين يقال لهم الملئكة السفليون و الملأ الاعلي الذين يختصمون كما قال تعالي و من تدبر في الايات و الروايات ظهر له ان كل مخلوق ممن دخل في مشية الله فهو مكلف بل لايوجد شي‌ء الا بقابلية التكليف لان من لم‌يكلف لم‌يوجد لتوقف الايجاد

 

«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 851 *»

علي القابلية للايجاد اذ لو لم‌يقبل الايجاد لم‌يوجد و القابلية هي تحمل الايجاد و الايجاد هو التكليف و من قبل التكليف وجد بنسبة قبوله و كل مكلف ان قام بما يراد منه استحق الثواب و من اعرض عنه استحق العقاب و كل من له ثواب او عليه عقاب لا بد له من ايصاله ما يستحق من الثواب و اما العقاب فمن لم‌يعف عنه عوقب و من عفي عنه استحق ثوابا و لو من جهة الفضل فلا بد من يوم يقوم فيه العدل و هو يوم الفصل فلا بد من الاعادة علي تفصيل ما يأتي بعض الاشارة الي بيان نوعه و قوله ان لكل جوهر طبيعي حركة ذاتية ، اعلم ان هذه الحركة لاتختص بالجواهر بل و الاعراض لان الصانع سبحانه واحد و الصنع واحد و المصنوع واحد كل شي‌ء مثل كل شي‌ء ماتري في خلق الرحمن من تفاوت و ذلك لان كل ممكن فهو مركب من مادة و صورة اما الجوهر فمادته حصة من ذات اي هيولي او مادة مخترعة لا من شي‌ء و صورته انفعالها اي المادة عند تأثير الفعل فيها و اما العرض فمادته اثر الفعل اي المعني المصدري او حصة من لون و ما اشبه ذلك و صورته هيئة معروضه مثلا اثر الفعل الضرب و صورته هيئة فعل الضارب ان اعتبرنا قيامه به قيام صدور و هيئة انفعال المضروب ان اعتبرنا قيامه به قيام عروض و حمرة الثوب مادتها حصة من لون القرمز و صورتها هيئة الثوب و لايقال هنا ان التمثيل مستلزم لانتقال الاعراض الذي قيل بمحاليته لانا نقول‌انتقال الاعراض جايز يشهد به الوجدان و دعوي انه لم‌يزل من محله و انما انتقل بمعروضه الي الثوب دليلها دعوي بلا دليل لان معروضها الان هو الثوب حقيقة و هي محمولة عليه علي سبيل الحقيقة لا المجاز و توهم انه لو انفك عن معروضه عدم اذ لا قيام له بدون ( بلا خ‌ل ) معروض لان وجوده نفس وجوده لمعروضه عند المصنف و اتباعه و اما وجوده بالمعني الاول هو المادة و قد نبهناك علي نوع اصل مادة العرض و اما وجوده بالمعني الثاني فغير مراد هنا لا لهم و لا لنا فاذا ثبت ان كل شي‌ء يرجع الي اصله لم‌يختص الجوهر بالحركة بل يرجع العرض الي اصله كالجوهر و ان قيل ان اصله الجوهر

 

«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 852 *»

و قوله و الفلاسفة اثبتوا للطبايع غايات لثباتهم علي الظاهر صحيح الا انه قشري لان الاشياء في الحقيقة لاتسير الي غاياتها بل الله تعالي يسيرها كما قال تعالي هو الذي يسيركم في البر و البحر و كذا قوله و عود كل شي‌ء الي ما بدء منه صحيح الي قوله و عود النفوس الي الارواح و اما قوله و عود الكل اليه تعالي كما قال الا الي الله تصير الامور و قوله كل الينا راجعون ليس بصحيح اذا اراد به عود الكل الي الذات و صحيح ان اراد به عود الكل الي امره و حكمه كما قال سيد العابدين (ع‌) كلهم سائرون الي حكمك و امورهم ائلة الي امرك لان العايد يتصل بالعود اليه بنوع من الاتصال و من اللازم ان يكون بين المتصلين احدي النسب الاربع و يكون بينهما واحد من الاكوان الاربعة الافتراق او الاجتماع و الحركة او السكون متحدين او متعددين متفقين او مختلفين و لاتقع احدي النسب او احد الاكوان الا في الحوادث فلاينتهي شي‌ء الي ذات الله بحال و اليه الاشارة بقول اميرالمؤمنين عليه السلام في خطبة المسماة بالدرة اليتيمية رجع من الوصف الي الوصف و عمي القلب عن الفهم و الفهم عن الادراك و الادراك عن الاستنباط و دام الملك في الملك و انتهي المخلوق الي مثله و الجأه الطلب الي شكله و هجم به الفحص الي العجز و البيان علي الفقد و الجهد علي اليأس و البلاغ علي السهام ( القطع خ‌ل ) و السبيل مسدود و الطلب مردود الخ ، و قوله فمن علم من اين مجيئه علم الي اين ذهابه يعني انه يعود الي مبدئه فمعني كلامه صحيح و عبارته ( عباراته خ‌ل ) غير كاملة و كمالها ان يقول فمن اعتقد ان شيئا من الاشياء مبدئه اعتقد انه يرجع اليه اذا كان يعلم ان كل شي‌ء يعود الي ما منه بدء اذ ليس كل من علم مبدئه علم منتهاه الا مع الشرط و الاحتمال المجاز في احد العلمين علم الشرط و علم الجزاء و قوله لكن الكلام انما هو في بعث الشخص الجزئي يعني انا لانتكلم علي جنس البعث و المبعوث و نوعهما و انما نتكلم علي خصوص البعث

 

«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 853 *»

للشخص الجزئي لمعلومية العموم و لحصول الاشتباه في الشخص الجزئي مع تعينه و تشخصه في النشأة الاولي و النشأة الاخري اما في الانسان و ما يجري مجراه من الجن و الشياطين فهو ثابت لا شك فيه لان لهؤلاء نفوسا مجردة عن صفات الاجسام فلاجل تنزهها ترتبط تارة بالبدن المادي الدنيوي ارتباط ( بارتباط خ‌ل ) تدبير و اذا تغير المادي الدنيوي تعلقت بالبدن الصوري النوراني الاخروي تعلق تقرير فتلزم الصوري حينئذ لزوما قارا لما بينهما من المشاكلة في اللطافة و الثبات و انما قال ان تعلقها بالمادي في الدنيا و بالصوري في الاخرة لما قرر فيما سبق في اصوله و غيرها من ان البدن المادي متغير متبدل في كل ان غير مستقر في انين فلايصح ( فلايصلح خ‌ل ) للبقاء و لايبقي و اما الصوري فعنده انه غير متغير و لا متبدل فهو يبعث و يحشر الشخص فيه الي الجنة او النار و مما استدل به علي هذه الدعوي ان زيدا يعفن و يسمن حتي يكون عشرين منا و هو زيد و يمرض و يضعف حتي يكون قدر من واحد و هو زيد لان المادة تتغير بالزيادة و النقصان و الصورة هي هي لاتتغير و الجنة و ما فيها و اهلها و ابدانهم لاتتغير و اللائق لها الصورة لا المادة و لهذا قال البدني الصوري الاخروي و قد قدمنا الكلام في رد هذا و ما يلزمه من ان الاعمال انما هي صفات المواد و المباشر لها و المتصف بها المواد فلو لم‌تعد المواد الاولي بعينها لعادت الصور في مواد جديدة لم‌تباشر شيئا من الاعمال فتأتي لا ثواب لها و لا عقاب عليها فتنتفي فايدة العود و البعث و تبطل الجنة و النار و قد تقدم بطلان ذلك .

قال } و اما غيره من الحيوانات ففي بقاء نفوسها و عودها الي الاخرة خلاف بين الحكماء و الروايات فيه ايضا متخالفة و الايات فيه متشابهة غير محكمة لاحتمال ان يكون المراد من مثل قوله تعالي و اذا الوحوش حشرت حشر طائفة من افراد البشر نفوسهم من جنس ارواح الوحوش فحشروا وحوشا لا اناسا و الذي ثبت من طريق البرهان الحدسي هو القول بالتفصيل فكل حيوان يكون له نفس متخيلة متذكرة فوق النفس الحساسة فهو باق بعد الموت

 

«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 854 *»

محشور الي بعض البرازخ غير معطل عن مجازاة لان العناية تأبي عن اهمال ما هو بصدد الاستكمال و اما حشر النفوس الحاسة المتخيلة المتذكرة فكحشر القوي النفسانية الي مبدئها و رب نوعها كما ذكره معلم الفلاسفة في كتابه في معرفة الربوبية و كذلك النفوس النباتية اذا قطعت الاشجار او يبست كما ذكره بعض العرفاء و حشر المقلدين و الاتباع الي منازل الائمة و المجتهدين يشبه حشر القوي النفسانية الي الناطقة كما في قوله تعالي و حشر لسليمان جنوده من الجن و الانس و الطير فهم يوزعون و كمثل قوله و الطير محشورة كل له اواب { .
اقول ما سوي الانسان و الجن و الشياطين و الملئكة فقد اختلف الناس فيه و اصل اختلافهم في ان غير ما ذكر مكلف ام لا و اختلافهم في التكليف مبني علي الاختلاف في ان هذه الاشياء من الحيوانات و النباتات و الجمادات هل لها شعور و تمييز ام لا فقيل ان الحيوانات و النباتات و الجمادات ليس لها عقول و لا تمييز و التكليف منوط باولي العقول و ما ليس بمكلف لا فايدة في بعثه لما ذكر من ان البعث انما هو للمجازاة علي الاعمال بالثواب او العقاب و قيل ان لها عقولا او تمييزا

و احب نقل كلمات للسيد نعمة‌الله الجزايري في رسالته التي صنفها في الطاعون و اسبابه و احكامه و ان كانت طويلة لانه لما ذكر ان الوباء و الطاعون ينقي الزمان من كثير من الفسقة و الظلمة قال فان قلت قد ذكرت الحيوانات و الجمادات و اغلبها في احكام التنقية فهل يدخلون في نظام النفوس الناطقة و هل يتحصل لهم شعور و علم و تكليف قلت هذه مسئلة غريبة و البحث عنها اغرب فالجواب ان النطق و الكلام للطيور و الحيوانات مما وردت الاخبار متواترة به و كفي بذلك ما حكي الله تعالي في الكتاب المجيد عن النملة و كلامها مع سليمن (ع‌) و سمع سليمان (ع‌) عصفورا يقول لعصفورته لم تمنعيني نفسك و انا اقدر علي ان اخذ سرير سليمان (ع‌) بمنقاري و ارمي به في البحر فطلبهما سليمان (ع‌) فقال لاتقدر فقال يا نبي الله

 

«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 855 *»

الزوج يعظم نفسه عند زوجته كيلاتطمع فيه ثم قال (ع‌) للانثي لم تمنعينه نفسك و هو يحبك فقالت يا نبي الله انه مدع يزعم انه يحبني و هو يهوي غيري فاثر كلام العصفورة في قلب سليمان و دخل بيته و بقي اربعين يوما يعني ان العصفورة لاتريد الشركة في الحب فكيف يكون سليمن يحب الله تعالي و يحب الملك و السلطان و في الحديث ان القبرة و انثاها كانا قد اتخذا عشهما في جواد الارض عند دنو وقت الفراخ فماشعرا الا و قد اتي سليمان (ع‌) و عساكره و نزلا بالقرب منهما فخافا علي فراخهما فقالت الانثي ان سليمن نبي كريم و هو يحب الهدية و كانا خبئا لافراخهما تمرة و جرادة فحمل احدهما التمرة و الاخر الجرادة فلما اتيا سليمن (ع‌) بسط يديه فوقع الذكر علي اليمين و الانثي علي اليسار فتكلما معه و قبل هديتهما و دعا لهما بخير و امر عساكره الايمروا علي طريقهما ثم انه مسح علي رؤسهما فكان التاج من مسح سليمن (ع‌) و تسبيحهما في الاسحار لعن الله مبغضي ال‌محمد (ص‌) و من ثم ورد النهي في كراهة ذبحهما و قال (ع‌) لاتدعوا صبيانكم يلعبون بالقنابر و اما العصفور فورد في الخبر انه من شيعة عمر بن الخطاب و انه لما عرضت عليه ولاية اهل البيت (ع‌) لم‌يقبلها و كذلك الفاختة و الرخمة و في الحديث انه ماصيد الصيد في بر او بحر الا في حال ترك التسبيح و ائمتنا (ع‌) و خواص اصحابهم كانوا يعرفون كلام الطيور و الحيوانات و يترجمونها للناس و في الرواية ان الخطاف دل ادم علي الحواء حتي اجتمعا في مكة شرفه الله تعالي فعاتبه الله علي جمعه من فوقه ( فرقه خ‌ل ) الله تعالي فقال الخطاف الهي الست قلت و من كل شي‌ء خلقنا زوجين و رأيت ادم منفردا اردت ايضا ان يكون مع حواء زوجين غيرة مني علي وحدانيتك فقال تعالي غفرت عن قبح ( عفوت عن سوء خ‌ل ) فعلك بحسن عذرك و جعلتك في جوار ذريته و امانهم و في الحديث ان صوته قرائة سورة الفاتحة و مد صوته قرائة الاخير يقول فيه الضالين و بالجملة فكلام الحيوانات و لغاتها مما لاينبغي انكاره و عدم فهمنا له لايدل علي انكاره فانا نري بعض الهنود يتكلمون بلغة تقع في الاسماع مثل

 

«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 856 *»

اصوات الخطاطيف من غير حروف و لا تمييز كلمات مع انها لغة عندهم يتعارفون بها و اما ان لها نفوسا ناطقة بمعني الشعور و العلم بمصالحها و مضارها و نحو ذلك فذهب اليه قدماء الحكماء و المحققون منهم و صرح به ابن‌سيناء في جواب اسولة بهمنيار ،
و قال القيصري في شرح فصوص‌الحكم لا تفاوت بين الانسان و الحيوانات في النفوس الناطقة و لا دليل علي نفيه بل هي دراكة للكليات و الجهل بالشي‌ء لاينافي وجوده و امعان النظر بما يصدر عنها من العجايب يوجب ان يكون لها ادراك الكليات ،
اقول و الاخبار ظاهرة فيه و دالة علي ان لها تكليفا من التسبيح و التقديس و الطاعة لخالقها و القيام بولاية ال‌محمد (ص‌) و محبتهم و امتثال اوامرهم و نواهيهم و روي ان رجلا من الصحابة مر بطريق فغطه ( فعضه خ ) كلب و مزق ثيابه فاتي الي النبي (ص‌) يشكو صاحب الكلب فقام (ص‌) مع جماعة من الصحابة و اتوا الي منزل صاحب الكلب فخرج فقال له ان كلبك جرح فلانا و مزق ثيابه فاخرجه حتي نقتله فدخل و وضع في عنقه حبلا و خرج به فلما راه الكلب سلم عليه فقال له النبي (ص‌) لم جرحت هذا الرجل و مزقت ثيابه فقال يا رسول الله (ص‌) هذا يبغض اهل بيتك و ينصب العداوة لوصيك علي بن ابيطالب (ع‌) و نحن معاشر الكلاب امرنا بان من ينصب العداوة لاهل بيتك نفعل به هذا الفعل فخجل ذلك المنافق و حسن النبي (ص‌) ما فعله الكلب و رجع و في حديث ان بعض الحيوانات نكرت له امه فنزا عليها و لما فرغ عرفها فعمد الي ذكره فقطعه باضراسه ، و ينبغي ان تعلم ان غاية الادراك هو الافراط في المحبة التي يسمي في عرف الناس عشقا و صرح الحكماء بان من بلغ درجة العاشقين كان من اهل العلم و الادراك و ذكروا ان الطيور اعشق من الناس حتي ان القماري و نحوها اذا مات ذكرها نعته الانثي و بكت عليه حتي تموت و كذلك اذا ماتت ( مات خ‌ل ) الانثي و هذا مشاهد في الخيل و البغال و اضرابهما فانها تكثر الحنين الي ما الفته من جنسها حتي تلقاه و ذكروا ان صاحب قندهار يحارب مع حاكم بخاري و

 

«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 857 *»

لما اصطفت الناس كان مع كل عسكر افيال فنظر فيل من احد العسكرين الي فيل من العسكر الاخر فعدي نحوه و عدي الاخر اليه فتلاقيا في الميدان و وضع كل واحد منهما خرطومه علي خرطوم الاخر و تعانقا طويلا و سالت الدموع من اعينهما ثم وقعا علي الارض فوجدا ميتين و اما النبات فذكر الشيخ ابوعلي في رسالة صنفها في العشق ان العشق لايختص بالانسان بل هو موجود في الحيوانات و النباتات و المعادن و في كتب الفلاحة ان النخل يخاف تارة و يعشق اخري قالوا صح ان النخلة اذا لم‌تحمل ضرب في اصلهما بفأس و يقول شخص لاخر لاي شي‌ء هذا فيقول الضارب دعني اقطعها فيقول دعها في ضماني العام فان لم‌تحمل فاقطعها و في كتاب النفايس اذا زرع شخص اربع نخلات ( نخيلات خ‌ل ) فحسن ثمرهن سنين ثم يبست واحدة لم‌تحمل مقابلها و فيه ايضا ان شخصا كان له نخل و كانت واحدة منهن تزهر و تسقط قبل الانعقاد او قبل البلوغ فشكي الي حاذق فجاء حتي نظرها فقال انها عاشقة فدعا برصاص فصنع شريطا و ربطه منها الي نخلة هناك فحسن ثمرها تلك السنة و دامت كذلك و ان صاحب البستان قطع ( قلع خ‌ل ) الشريط لينظر فاسقطت الزهر فاعاده فصلحت و ذكروا من هذا الباب اشياء كثيرة ،
و اما المعادن فروي في الحديث ان نبيا من الانبياء مر علي جبل فرءاه يبكي فسأله عن سبب بكائه فقال منذ سمعت قول الله تعالي يا ايها الذين امنوا قوا انفسكم و اهليكم نارا وقودها الناس و الحجارة فاخاف ان اكون من تلك الحجارة التي تكون من وقود تلك النار فقال ادعو الله ان لاتكون من تلك الحجارة فسكن بكاؤه ثم ان ذلك النبي (ع‌) مر به بعد مدة فرءاه يبكي فسأله ما هذا البكاء و قد امنت ان تكون من حجارة جهنم فقال هذا بكاء الشكر و ذلك بكاء الخوف ه‍ ، و الدال علي هذا كله قوله تعالي و ان من شي‌ء الا يسبح بحمده و لكن لاتفقهون تسبيحهم حتي انهم قالوا ان تسبيح الحصي في يده (ص‌) و كذلك حنين الجذع الاعجاز انما هو في اسماع الحاضرين و الا فكل شي‌ء يسبح الله و كل شي‌ء مخلوق يحن الي النبي (ص‌) و اهل بيته (ع‌)

 

«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 858 *»

انتهي كلامه في رسالة الطاعون و انما ذكرته مع طوله و عدم اشتماله علي ما يناسب المقام من التحقيق لاشتماله علي ايات و روايات و حكايات و ايضا يدل علي ما يوجب التكليف المستلزم للدعوي و الحق الذي تشهد له الايات و الروايات و الصحيح من الاعتبارات ان كل شي‌ء مكلف و كل شي‌ء له عقل و تمييز بنسبة حظه من الوجود فمن ذلك قوله تعالي ثم استوي الي السماء و هي دخان فقال لها و للارض ائتيا طوعا او كرها قالتا اتينا طائعين فقوله تعالي فقال لها و لم‌يقل لهم اشارة الي جماديتها المعلومة و قوله اتينا طائعين اشارة الي تمييزها الموجب لادخالها في مقام التكليف في جملة العقلاء و لذا لم‌يقل طائعات و مثل قوله تعالي و خلق الليل و النهار و الشمس و القمر كل في فلك يسبحون و لم‌يقل يسبحن للاشارة الي ان تكليفهم الذي دخلن به في جملة العقلاء هو يسبحون في فلك و كل موضع من القران ذكر فيه النباتات و الجمادات في مقام التكليف ذكرها لضمير ( بضمير خ‌ل ) العقلاء مثل قوله و لكن لاتفقهون تسبيحهم و لم‌يقل تسبيحهن و مثل اولم‌يروا الي ما خلق الله من شي‌ء يتفيؤ ظلاله عن اليمين و الشمائل سجدا لله و هم داخرون و لم‌يقل داخرات و لهذا ساوي بين الانسان و بين ساير الحيوانات في موجب التكليف و في التكليف و في فايدة التكليف و غايته في كتابه فقال و ما من دابة في الارض و لا طائر يطير بجناحيه الا امم امثالكم ما فرطنا في الكتاب من شي‌ء ثم الي ربهم يحشرون فذكر غاية التكليف لكل ذي روح بانه يحشر الي ربه المربي له بما يوجب حشره اليه ليوصل اليه ثمرة فعله الذي هو فايدة التكليف و غايته و ذكر موجب التكليف في قوله امم امثالكم حكمهم كحكمهم لمشاركتهم لكم في مناط التكليف الذي هو تمييز الصلاح من ضده و الخير من ضده بنسبة رتبتهم من الوجود و ذكر التكليف في قوله تعالي و ان من امة الا خلا فيها نذير و امثال ذلك من الايات و اما الاخبار الدالة علي المدعي فكثيرة لاتكاد تحصي بل لايكاد يوجد منها شي‌ء يخالف الا ما كان وجه الموافقة فيه ظاهرا في الظاهر و الباطن و قد ذكرنا فيما سبق ما يدل علي ذلك تلويحا و

 

«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 859 *»

تصريحا من الكتاب و السنة و ادلة العقل ما فيه كفاية لمن عرفه مثل ما اشرنا اليه من ان كل شي‌ء انما خلقه الله من الوجود المخترع الذي لم‌يكن شيئا قبل الاختراع و لا ذكر له قبل الاختراع ( ذلك خ‌ل ) و لم‌يخلق الله تعالي شيئا الا من الوجود المخترع و هو قسمان وجود موصوفي و وجود وصفي و الوجود الوصفي خلقه الله تعالي من الوجود الموصوفي و حكمه في كل شي‌ء حكم موصوفه بنسبته لانه من نفسه من حيث نفسه الا انه تابع له فيما يعطيه من فواضله و الوجود الموصوفي الذي هو الذات هو اول اثر فاض من فعل الله فهو اثر فعل العالم القادر المختار فيكون عالما قادرا مختارا كما قال تعالي انا خلقنا الانسان من نطفة امشاج نبتليه فجعلناه سميعا بصيرا لانه اثر فعل المختار و الاثر يشابه صفة موثره التي هو اثرها فكان ذلك الوجود المحدث من فعله تعالي نورا و تمييزا و فهما و علما و اختيارا ليس منه شي‌ء لا نور فيه و لا تمييز له و لا فهم له و لا علم له و لا اختيار له و الوجود الوصفي تابع لموصوفه في كل ما للموصوف بنسبته و الوجود الموصوفي صفوته الانسان و غير الانسان من فاضله فهو انزل منه رتبة في جميع تلك الصفات فمن دون الانسان فيها الجن و الملئكة و من دونهم ساير الحيوانات و من دون الحيوانات ساير النباتات و من دون النباتات ساير الجمادات و من دون الموصوفات صفاتها كل صفة دون موصوفها بنحو سبعين درجة فكل صفة فيها من جميع ما في موصوفها واحد من سبعين فانزل الجمادات بل انزل صفاتها فيها ما في اعلي الانسان بنسبتها و مثال ذلك السراج فانه بمنزلة امر الله الذي قام به كل شي‌ء و كل شي‌ء من الصفات و الموصوفات بمنزلة اشعة السراج و كل ما قرب من الاشعة من السراج كان اشد نورا و حرارة و يبوسة من الشعاع الابعد منه من السراج حتي تنتهي الي اخر الاشعة و ابعدها من السراج و هو الذي ليس بعده الا ظلمة بحت فاقربها الي السراج اشدها ( امثلها خ‌ل ) في اثار صفات السراج و ابعدها اضعفها في اثار صفات السراج و ما بينهما بالنسبة و كلها تستمد من اشراق السراج فجميع ما في اقويها يوجد في اضعفها بنسبته فهذا مثال الاشياء فالانسان كالشعاع الاقرب من

 

«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 860 *»

السراج و الجمادات بل صفاتها كالشعاع الابعد من السراج فكل ما في الانسان من العقل و الشعور و الاختيار فهو موجود في الجمادات و صفاتها بنسبة حظها من الوجود فكل شي‌ء مخلوق مكلف و الا لماخلق كما تقدم و كل مكلف يحشر الي ربه في احد الاوقات الاربعة علي ما نبينه لك علي نحو الاختصار ان شاء الله تعالي اما في الدنيا او في البرزخ او في الرجعة او في القيمة و ذلك لان كل شي‌ء يصير الي ربه في اخر ما قبل منه في التربية فبعض الجمادات و الاعراض كبعض الالوان و الحركات تحشر الي ربها بثمرة ما رباها به في الدنيا و بعضها في البرزخ و بعضها في رجعة محمد و اهل بيته (ص‌) و بعضها يوم القيمة لان يوم الحشر يوم المجازات علي الاعمال فاذا كان شي‌ء مجازاته في الدنيا و كان له ربط بمن مجازاته في الاخرة لا بد ان يرجع في الاخرة مثاله روي عنهم (ع‌) ما معناه انه سئل انه قد يكون في بعض التمر تمرة فيها سواد كالرماد ما اصل هذا قال (ع‌) ان تلك التمرة تركت ذكر الله تعالي ذلك اليوم فارسل عليها ملكا فضربها بمنقاره فكانت هكذا ه‍ ، فهذه التمرة يوم حشرها الي ربها ساعة ارسل عليها الملك فضربها بمنقاره فافسدها و ليس لها يوم مجازاة و حشر تحشر فيه الي ربها غير ذلك اليوم نعم لو كان لها ربط بانسان حشرت يوم القيمة لمجازاة ذلك الانسان كما لو جمع منها زيد شيئا في اناء مغطي الرأس و باعه من عمرو بقيمة الصحيح غارا له بمحضر بكر و خالد و الاناء معروف عند الجميع لاتشتبه معرفته علي احد من الاربعة و بعد ما مضي به عمرو فتحه في بلية ( بيته خ‌ل ) و اذ الذي فيه من التمر باطل لا قيمة له فرجع علي زيد فانكر زيد ذلك و حلف عليه بان هذا ليس هو التمر الذي باعه اياه مع اتفاقهم علي ان هذا هو الاناء و انكر زيد و حلف فانه يأتي زيد يوم القيمة و عمرو و بكر و خالد و ذلك الاناء عند عمرو بعينه و بما فيه من التمر الفاسد بعينه الذي كان في الاناء يوم القيمة يوم البيع في ساعة البيع و الاناء ان كان من البيع مع التمر كان عند عمرو و الا فالاناء عند زيد و يحشر ذلك المكان الذي وقع فيه البيع في تلك الساعة من ذلك اليوم و الاربعة علي هيئتهم من قيام او قعود حال البيع فيفتح

 

«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 861 *»

الظرف و تري فيه تلك التمرات الباطلة بحيث لايشك احد منهم في شي‌ء مما كان لان ساعة البيع و المتبايعين و الشاهدين و هيئتهم و المبيع و هيئاته حاضرة يوم القيمة و الحساب لان الدنيا بما فيها مما له ربط بالحساب يوم القيمة تحضر بعينها في الوقت الاول بعينه فكما انك انت الان في الدنيا بعينك المحسوسة هذه تعاد انت بذاتك لا بد لك كما توهم ( توهمه خ‌ل ) المصنف كذلك تعاد الاوقات و الامكنة بعينها لا بد لها و من انكر هذا لزمه انه لم‌يقل بالمعاد الجسماني و نظير ما قلنا ان الشمس ردت للنبي يوشع بن نون علي محمد ( نبينا خ‌ل ) و اله و عليه السلام في قتال الجبارين فصلي بعد ما غربت الشمس اداء و ردت لامير المؤمنين (ع‌) عندنا مرتين مرة حين كان رأس رسول الله في حجره في مرضه الذي توفي فيه بعد ما غرب ( غربت خ‌ل ) و صلي الناس المغرب و هو (ع‌) لم‌يصل الظهرين فدعا فردت الي محل خمس و اربعين درجة من الافق الغربي فصلي الظهرين اداء و المرة الثانية حين تجاوزه من بابل و الي الان محله حين ردت له قريبا من الحلة و قد بني هناك منارة الي الان و هو سنة تاريخ تأليف هذا الشرح سنة ست و ثلثين بعد المأتين و الالف من الهجرة هي موجودة فصلي الفرضين اداء لا قضاء كما توهمه بعض من يتكلم بما لايعلم و لايفهم ركونا الي ما يقولون امس الدابر لايعود و ان الزمان غير قار الذات و ما اشبه هذه الالفاظ التي يأولونها ( يلوكونها خ‌ل ) و لايفهمونها فبالله العجب الوقت الذي وجد كامس دخل في ملك الله هل خرج من ملك الله فاين يذهب ( تذهب خ‌ل ) و لكن اكثرهم يجهلون و قد وردت اخبار كثيرة مصرحة باعادة الاوقات و الامكنة من الدنيا يوم القيمة فمن ذلك ما رواه في البحار عن تفسير الامام (ع‌) قال رسول الله (ص‌) اما ان الله عز و جل كما امركم ان تحتاطوا لانفسكم و اديانكم ( الي انفسكم و اياديكم خ‌ل ) و اموالكم باستشهاد الشهود العدول عليكم فكذلك قد احتاط علي عباده و لكم في استشهاد الشهود عليهم فلله تعالي علي كل عبد قياد من خلفه و معقبات من بين يديه و من خلفه يحفظونه من امر الله و يحفظون عليه ما يكون منه من اعماله و اقواله و الفاظه و الحاظه و البقاع

 

«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 862 *»

التي تشتمل عليه شهود ربه له و عليه و الليالي و الايام و الشهور شهوده عليه او له و ساير عباد الله المؤمنين شهود عليه او له و حفظته المكاتبون ( الكاتبون خ‌ل ) شهود له او عليه فكم يكون يوم القيمة من سعيد بشهادتها له و كم يكون يوم القيمة من شقي بشهادتها عليه ان الله عز و جل يبعث يوم القيمة عباده اجمعين و امائه فيجمعهم في صعيد واحد ينفذهم البصر و يسمعهم الداعي و يحشر الليالي و الايام و يستشهد البقاع و الشهور علي اعمال العباد فمن عمل صالحا شهدت له جوارحه و بقاعه و شهوره و اعوامه و ساعاته و ليالي الجمع و ساعاتها و ايامها فيسعد بذلك سعادة الابد و من عمل سوءا شهدت عليه جوارحه و بقاعه و شهوره و اعوامه و ساعاته و ليالي الجمع و ساعاتها و ايامها فيشقي بذلك شقاء الابد فاعملوا ليوم القيمة و اعدوا الزاد ليوم الجمع يوم التناد و تجنبوا المعاصي فبتقوي الله يرجي الخلاص فان من عرف حرمة رجب و شعبان و وصلهما بشهر رمضان شهر الله الاعظم شهدت له الشهور يوم القيمة و كان رجب و شعبان و شهر رمضان شهوده بتعظيمه لها و ينادي مناد يا رجب و يا شعبان و يا شهر رمضان كيف عمل هذا العبد فيكم و كيف كانت طاعته لله تعالي فيقول رجب و شعبان و شهر رمضان يا ربنا ماتزود بنا الا استعانة علي طاعتك و استمدادا لمراد فضلك و لقد تعرض بجهده لرضاك و طلب بطاقته محبتك فقال للملئكة الموكلين بهذه الشهور ما تقولون في هذه الشهادة لهذا العبد فيقولون يا ربنا صدق رجب و شعبان و شهر رمضان ماعرفناه الا متقلبا ( متلقيا خ‌ل ) في طاعتك مجتهدا في طلب رضاك صائرا فيه الي البر و الاحسان و لقد كان بوصوله الي هذه الشهور فرحا مبتهجا منجحا امل فيها رحمتك و رجا فيها عفوك و مغفرتك و كان مما منعته فيها ممتنعا و الي ما ندبته اليه فيها مسرعا لقد صام ببطنه و فرجه و سمعه و بصره و سائر جوارحه و لقد ظمأ في نهارها و نصب في ليلها و كثرت نفقاته فيها علي الفقراء و المساكين و عظمت اياديه و احسانه الي عبادك صحبها اكرم صحبة و ودعها احسن توديع اقام بعد انسلاخها عنه علي طاعتك و لم‌يهتك عند ادبارها ستور حرماتك فنعم

 

«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 863 *»

العبد هذا فعند ذلك يأمر الله تعالي بهذا العبد الي الجنة الحديث ، و هو طويل فانظر الي صراحة هذا الحديث الشريف في حشر الاوقات و الامكنة و كل ما تتوقف الشهادة العيانية فبه عليه ( فيه علية خ‌ل ) لان التقرير في يوم القيمة لا بد ان يكون علي اكمل وجه و اكمل وجه ما يكون بنفس الشي‌ء المختلف كما هو هو و هو الشي‌ء بنفسه مثال ذلك اذا سرق عمرو من دكان زيد في سوق بغداد يوم الخميس رمانة حشر يوم القيمة دكان زيد في سوق بغداد يوم الخميس و حشر عمرو و تراه الناس مادا يده الي دكان زيد اخذا للرمانة المسروقة في الدنيا بعينها في الوقت الذي اخذها فيه في الدنيا كما انك اذا رأيته في الدنيا سارقا للرمانة من ذلك الدكان المعين في الوقت المعين فانك ما دمت حيا كل ما ذكرته رأيته اخذا لتلك الرمانة من ذلك الدكان في الوقت المعلوم فكلما ذكرته احضرت الكل في ذهنك بلا تغيير ( بلا تغير خ‌ل ) ابدا فذلك هو الذي يبعثه الله تعالي بجميع احواله و مشخصاته الم‌تعلم ان الله علي كل شي‌ء قدير و ما ذكرته بجميع شقوقه ضروري قطعي لاهل توفيق الله و قول المصنف لاحتمال ان يكون المراد من مثل قوله و اذا الوحوش حشرت حشر طايفة من افراد البشر نفوسهم من جنس ارواح الوحوش فحشروا وحوشا الاحتمال صحيح و لاينافي حشر الوحوش الظاهرة فمن حصر معني الاية في هذا المعني الباطني فقد ابطل و اخطأ كخطاء من حصرها علي الوحوش الظاهرة لان القرءان له ظاهر و باطن و كلاهما صحيح و مما تواتر معناه بين المسلمين انه يوم القيمة يقتص للجماء من القرناء و قد نطق نص الكلام ( كتاب خ‌ل ) المجيد في قوله تعالي انكم و ما تعبدون من دون الله حصب جهنم و مما عبد من دون الله هبل و هو حجرة منحوتة و الان هو مدفون عند المسجد الحرام في باب السلام باب بني‌شيبة حتي اذا دخل الحاج المسجد للطواف يطأ عليه لكونه ( لانه خ‌ل ) عبد من دون الله اهانة له و يوضع يوم القيمة في جهنم لانه رضي بان يعبد من دون الله و الا لكان مظلوما و العدل الحكيم لايعذب من لم‌يقع منه تقصير و قد قدمنا من الاشارة الي تمييز الجمادات و انها مكلفة من

 

«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 864 *»

الاخبار و دليل العقل ما فيه كفاية لاولي الابصار و قوله و الذي ثبت عندي من طريق البرهان الحدسي هو القول بالتفصيل يريد به ان بعض الحيوانات لها تصورات جزئية لان لها نفوسا متخيلة متذكرة و ما كان كذلك فانها تحشر الي مقابل ادراكاتها و مسامتها من البرازخ فان تلك التصورات من نحو رتبتها اي رتبة ما تعود اليه و ما ليس لها ذلك فلا عود لها و الحق ان كل حيوان فله تصورات و تخيلات لما فيه صلاح معاشه و نظام نوعه و اي حيوان لايميز طعامه مما يشابه لونه مثل التيس الذي هو شديد الغباوة يميز العلف الاخضر من الثوب الاخضر الذي لونه مثل لون الحشيش و اذا نقل عن مكان مربطه او موضع معتلفه اذا ترك يمضي الي مكانه و محل معتلفه لانه يتصور ذلك و يتصور محل شهوته فيعرف الانثي من الذكر و يخاف مما فيه مظنة هلاكه او ضرره و يعرف من الناس من الف به ممن لم‌يألف به و بالجملة لاينفك حيوان عن الصور ( التصور خ‌ل ) بل قيل انها تدرك الكليات لان لها نفوسا ناطقة نعم الامر كذلك لانها من فاضل اصحاب النفوس الناطقة و لكن نفوس ( نفوسها خ‌ل ) الناطقة بنسبة رتبتها من الوجود فهي ناقصة لضعفها و انحطاطها عن النفوس الناطقة الانسانية فاذا حصل لها متمم نطقت كما تكون لبعض الحيوانات عند صاحب المعجز فانه بفاضل نورانيته ربما تمها ( تممها خ‌ل ) فنطقت و اظهرت اثار الافهام الانسانية من المعارف و الاثار العقلية و هذا في الحيوانات كثير بل و في الجمادات و النباتات و الحاصل الطريق الي معرفة ما نشير اليه و ادراكه اما العقل و اما النقل فاما العقل فيكفي صاحب العقل ما مثلنا به من السراج و اشعته فتأمل فيه و ان اردت الزيادة فعليك برسالتنا الفوائد و شرحنا عليها و اما النقل فهو في الحيوانات و المعادن و الجمادات اكثر من ان يحصي من الكتاب و السنة

و قوله فهو باق فنقول عليه اي شي‌ء باق بعد قوله تعالي كل شي‌ء هالك الا وجهه فان اريد وجه الشي‌ء فقد اشتركت الاشياء فيه فكل الاشياء فانية و كل وجوهها باقية فلا تفصيل و ان اريد ان وجه الله بمعني ذاته فكل الاشياء فانية و لا تفصيل و ان اريد وجه الله الذي تتوجه اليه الاولياء فكذلك و ايضا اي شي‌ء فان

 

«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 865 *»

و الله تعالي يقول قد علمنا ما تنقص الارض منهم و عندنا كتاب حفيظ علي ان العناية تأبي عن اهمال ما هو بصدد الاستكمال و اي فقير لم‌يكن مادا ليد السؤال من الكريم الفعال القابل و لو نشاء لجعلنا منكم ملائكة في الارض يخلفون و هو تعالي سبب من لا سبب له و سبب كل ذي سبب و مسبب الاسباب من غير سبب ففي نفس الامر كل شي‌ء راجع الي ما منه بدئ رجوع مجاورة و هو كل شي‌ء يدرك الامور الكلية من الانسان و غيره لانه لايزال متعينا متميزا فهو باق في تعينه و تشخصه و تميزه و كل شي‌ء انحط عن تلك الرتبة فهو راجع الي مبدئه رجوع ممازجة فهو باق لمبدئه لا لنفسه فاستكمال ذوي النفوس المدركة طلب الاستمداد للبقاء في تشخصها لانفسها و استكمال ما دونها طلب الاستمداد للبقاء في مبدئها اذ كل شي‌ء مخلوق فقير الي الغني المطلق تعالي في استمداد بقائه و هو تعالي يمد كل شي‌ء مما خلقه منه و هو الغني الحميد و كل شي‌ء محشور الي مبدء استمداد بقائه و هذا معني ما ذكره معلم الفلاسفة كما ذكره المصنف و معني ما ذكره المصنف ايضا في النفوس المتخيلة و النفوس الحساسة و هو معني ما ذكره معلم جميع الخلق جميع الحق اميرالمؤمنين (ص‌) فيما تقدم من كلامه للاعرابي الذي سأله عن النفس حيث جعل (ع‌) النفس النباتية و النفس الحيوانية الحساسة الفلكية كلا منهما اذا فارقت عادت الي ما منه بدئت عود ممازجة لا عود مجاورة و النفس الناطقة اذا فارقت عادت الي ما منه بدئت عود مجاورة و قول معلم الفلاسفة و كذلك النفوس النباتية اذا قطعت الاشجار او يبست يعني انها تعود و تحشر الي اصلها كحشر القوي النفسانية الي مبدئها و رب نوعها و المعروف من عود الشي‌ء الي اصله انه ( لانه خ‌ل ) ان كان مركبا عاد كل جزء منه الي اصله لانه اي المركب لم‌يكن مأخوذا من اصل مركب ليعود المركب الثاني الي المركب الاول المأخوذ منه و انما اخذ الثاني من مفردات الاول فالنفس النباتية جزء من النار و جزء من الهواء و جزءان من الماء و جزء من التراب فاذا اجتمعا و نضجا بطبخ حرارة الفصول و الكواكب و اعتدلت الاجزاء و اعتدل طبخها و نضجت الاجزاء و تلطفت حتي

 

«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 866 *»

كانت في لطافة سماء الدنيا تعلقت بها نفس سماء الدنيا التي هي نفس الحياة فتحركت فاذا فارقت عاد الجزء الناري الي النار و الهوائي الي الهواء و المائي الي الماء و الترابي الي التراب فاذا عاد جزء الي اصله امتزج به بحيث لايمكن تميزه منه الا لخالقه تعالي و عادت نفسه الي نفس الفلك و امتزجت به كامتزاج الجزء المائي بالماء فالقوي النفسانية الاشراقية حكمها في العود الي ما منه صدرت حكم اجزاء النباتية كما سمعت من انها تعود عود ممازجة و القوي النفسانية الاركانية اذا فارقت عادت الي ما منه بدئت عود مجاورة كالنفس الناطقة في عودها فعود ( و عود خ‌ل ) النباتية التي في الشجرة و في اغصانها الي ما منه بدئت كعود القوي النفسانية الاشراقية لا كعود القوي النفسانية الاركانية و عود المقلدين الي المجتهدين كعود الاركانية و عود المجتهدين و المقلدين و الاتباع الي الائمة (ع‌) كعود الاركانية في الظاهر يعني عود مجاورة و كعود الاشراقية في نفس الامر و ما في قوله تعالي و حشر لسليمن جنوده من الجن و الانس و الطير فهم يوزعون كحشر المجتهدين و المقلدين و الاتباع الي الائمة (ع‌) .

قال } ختم و وصية يقول هذا العبد الذليل اني استعيذ بالله ربي الجليل في جميع اقوالي و احوالي و معتقداتي و مصنفاتي من كل ما يقدح في صحة متابعة الشريعة التي اتانا بها سيد المرسلين و خاتم النبيين عليه و اله اجزل صلوات المصلين او يشعر بوهني بالعزيمة و الدين او ضعف في التمسك بحبل الدين لاني اعلم يقينا انه لايمكن لاحد ان يعبد الله كما هو اهله و مستحقه الا بتوسط من له الاسم الاعظم و هو الانسان الكامل المكمل خليفة الله بالخلافة الكبري في عالمي الملك و الملكوت الاسفل و الاعلي و نشأتي الاخري ( نشأتهما الاخرة خ‌ل ) و الاولي { .
اقول احاديثنا التي نرويها ( مروية خ‌ل ) عن اهل العصمة ائمتنا (ع‌) مختلفة في مثل حال المصنف الذي اكثر اعتقاداته التي وقفنا عليها في كتبه مخالفة لكلام الائمة (ع‌) و مذهبهم مثل قوله بان الوجود يصدق علي القديم و الحادث من باب الاشتراك المعنوي لان الاشياء من سنخ ذاته تعالي و ان بسيط

 

«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 867 *»

الحقيقة كل الاشياء و يريد ببسيط الحقيقة هو الله تعالي و ان معطي الشي‌ء ليس فاقدا له في ذاته فاذا قيل له الله تعالي اعطاني هذه العصا هو تعالي ليس فاقدا لها في ذاته قال نعم بنحو اشرف و ان وجودات الاشياء ليست خارجة عن ذاته و الاشياء الموجودة في الخارج اظلة لتلك الحقايق انحطت عنها كانحطاط الاظلة عن الشاخص و ان الماهيات الثابتة في علمه الذي هو ذاته اعني ماهيات الاشياء هي شئون الذات و لوازمها التي لايمكن تصور انفكاكها عن الذات و هي ليست مجعولة و لايطرء عليها التغير و التبدل و ان الصور المعقولة متحدة بعاقلها و المفعول متحد بالفاعل و المحسوسة متحدة بالحاس و ان الصور المحسوسة المتعلقة بالمواد ليست معلومة له بالذات و انما هي معلومة له بتبعية حقايقها المتحدة به و ان اهل النار يؤل امرهم الي النعيم و انه تعالي ليس له ان شاء فعل و ان شاء ترك و لهذا منع ان يكون الله فاعلا بالقصد و انما هو فاعل بالعناية بمعني ان علمه بوجه الخير و الصلاح و يكون فعله تابعا لعلمه بوجه الخير مع ( من خ‌ل ) غير قصد زائد علي علمه كما تقدم و يكون معني كونه عنده مختارا انه ان شاء فعل و ان لم‌يشاء ترك ( لم‌يفعل خ‌ل لم‌يفعله خ‌ل ) و بينا فيما سبق ان هذه العبارة تنافي الاختيار و انما عدل عن العبارة المعروفة لاجل نفي القصد الزائد علي العلم لما يلزم من اعتبار القصد عنده من المفاسد و قد ذكرنا فيما سبق جواب ما توهمه و ان المعاد الجسماني عبارة عن اعادة الاشخاص ( الاشياء خ‌ل ) بصورهم لا بموادهم لان المواد تتبدل و تتغير و لاتبقي بخلاف الصور و ان علم الله بالاشياء مستفاد من الاشياء و انه تعالي ليس له ان يهدي جميع الخلق اذ ليس له في الاشياء الا وجه واحد و ان جنة زيد المؤمن و جميع ما فيها من القصور و الولدان و الحور و المطاعم و المشارب و المناكح و الحلي و الحلل و جميع انواع النعيم التي اعدها الله تعالي له كل ذلك وجودها عبارة عن وجوده لانها كلها من قبيل نياته و معتقداته فليس لها وجود الا وجوده و امثال هذه من اعتقاداته و مع هذا كله يقول استعيذ بالله ربي الجليل في جميع اقوالي و احوالي و معتقداتي و مصنفاتي من كل ما يقدح في صحة

 

«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 868 *»

متابعة الشريعة التي اتانا بها سيد المرسلين و خاتم النبيين عليه و اله اجزل صلوات المصلين او يشعر بوهني بالعزيمة و الدين الخ ، و الروايات المتكثرة دالة بصريحها علي ان القائل بهذه المقالات و امثالها كافر و مشرك و ظاهر كلام العلماء ذلك في حق القائل بهذه المقالات نعم روي عن الباقر (ع‌) ما معناه لو ان رجلا سمع الحديث يروي عنا و لم‌يعقله عقله و انكره و كان من شأنه الرد الينا فان ذلك لايكفره ه‍ ، و معلوم بان مثله لايريدون خلاف ائمة الهدي (ع‌) و انما دخلوا في هذه المقالات الباطلة لانهم قرأوا كتب الفلاسفة و الصوفية و وجدوا فيها رموزا و اشارات و تدقيقات و انسوا بها اولا فلما نظروا في كلام الائمة (ع‌) و وجدوه مخالفا لما ذكره اولئك اولوا كلام الائمة (ع‌) علي ما يطابق مرادات الحكماء و الصوفية لتوهمهم صحة كلام اولئك حيث ذكروا ادلة من المجادلة بالتي هي احسن دخلت في اذهان هؤلاء فاعتقدوا ( الي هنا انتهي القسم المفقود من النسخة الاصلية الذي كان ابتداؤه في صفحة ٢١٧ من هذا الكتاب و اما بقية الكتاب فنقلت من النسخة الاصلية )
صحة كلامهم و كلام ائمّتنا عليهم السلام اغلب اَدلَّتِه۪ من ادلّة الحكمة و هي غير مأنوسةٍ لانّها جارية علي الفطرة و البداهة و تستبعد النفوس بيان هذه المطالب العالية بهذه الادلّة التي ليس فيها غموض و توهّموا ان هذه المطالب الغامضة ماتكشف عنها الّا الادلّة المعقّدة المشبّكة فاعتمدوا علي ادلّة اشباههم ،
و قوله لاني اعلم يقيناً انه لايمكن لاحدٍ ان يعبد الله كما هو اهله و مستحقّه الّا بتوسّط مَن له الاسم الاعظم الخ ، فاعتقد ان الانبياۤء المتقدمين علي محمد و اله و عليهم السلام ممن لهم الاسم الاعظم و الحكماۤء الاجلّة الثقاة الّذ۪ين افنوا اعمارهم في القراۤءة عليهم عليهم السلام فلا شك عنده انهم عرفوا اللّه حق معرفته التي يمكن ان ينالها البشر مع ما يشاهد من انقطاعهم و صرف جميع اعمارهم في اخذهم العلم عن الكمّلِ الذين لهم الخلافة الكبري في عالمي الملك و الملكوت

 

«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 869 *»

و اقول الامر في حق الانبياۤء عليهم السلام كذلك و لكنه مااخذ عنهم مشافهة و انما اخذ من الوساۤئط مع بعد الزمان و طوله و ائمتنا عليهم السلام اتوا بعدهم و هم اعلم من اولۤئِك توسّطا و واسطةً و اضبط اخذاً عن اللّه فالذي ينبغي ترجيح قولهم و علمهم و نقلهم و لانهم مجدِّدون لما درَس و حافظون لما تَلِف و كاشفون لما سُتِر فالاَولي تأويل كلام غيرهم الي كلامهم لا العكس فان قلت ان كلام اولۤئك مطابق للعقول و كلام الائمة عليهم السلام بعيد عنها فلذا وجّهوا البعيد عن العقول الي القريب اليها قلت الامر علي العكس لان كلام الائمّة عليهم السلام جاري علي الطبيعة بخلاف كلام اولۤئك فان قلت هذا وجداني فانا نجد كلام اولۤئك اقربُ قلتُ ليس كذلك فانّي اجد كلام الائمة عليهم السلام اقرب الي فهمي من كلام اولۤئك و السّرّ فيه انّي مااشتغلت بكلام اولۤئك و اصطلاحاتهم فلمّا وقع علَيَّ الكلامانِ قبل فهمي كلام الائمة عليهم السلام لانه جارٍ علي الفطرة و فهمي كان علي فطرته ماحصل له شي‌ء اخر قبل هذا حتّي تغيّر عن فطرته و امّا مثل المصنّف ماوصل اليه كلام الائمة عليهم السلام الّا بعد ما وصل اليه كلام الاغيار فاعوجّت به طبيعته و تبدّلت به فطرته و انحرفت به سَل۪يقته فلما وصل اليه كلام ائمة الهدي عليهم السلام لم‌ينطبق علي فطرته لانها مغيّرة و كان يعلم انهم عليهم السلام علي الحق من دليل خارج فاحتاج الي تأويل كلامهم صلي اللّه عليهم و الحاصل ظاهر حديث الباقر عليه السلام صادق عليه لانّه كان من شأنه الردّ اليهم و اللّه سبحانه اعلم بعواقب الامور .

قال } و اوصيك ايّها الناظر في هذه الاوراق ان تنظر فيها بعين المروّة و الاشفاق و انشدك بالله و ملكوته و اهل رسالاته ان تترك عادة النفوس السفليّة من الالف بما هو مشهور بين الجمهور و التوحش عمّا لم‌تسمعه من المشاۤئخ و الاباۤء و ان كان مبرهَناً عليه بالحجة البيضاۤء فلاتكن ممّن ذمّهم الله علي التقليد المحض من غير برهان في مواضعَ كثيرةٍ في القرءان كقوله و من الناس من يجادل في الله بغير علم و لا هدي و لا كتاب منير و اذا قيل لهم اتبعوا ما انزل الله قالوا بل نتبع ما وجدنا عليه ابٰاۤءَنا فايّاك ان تجعل مقاصد الشريعة الالهية و

 

«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 870 *»

حقاۤئق الملة الحنيفيّة مقصورة علي ما سمعتَ من معلّميك و اشياخك منذ اوّل اسلامِك فتجمد داۤئما علي عتبة بابك و مقامك غير مهاجرٍ الي ربّك بل اتبع ملّة ابينا الحقيقي ابراهيم حنيفاً مسلماً حيث قال لابيه المجازي يا ابت لاتعبدِ الشيطان و قال اني ذاهب الي ربّي سيهدين فاذهب الي ربّك و سافر من بيت حجابك و عتبة بَابِك مهاجراً الي الله و رسوله لتري من ايات الجبروت و عجاۤئب الملكوت ما لا عين رأت و لا اذن سمِعَتْ فان ادركك الموت في هذا السّفر فاجرك علي اللّه لقوله و من يخرج من بيته مهاجراً الي اللّه و رسوله الاية { .

اقول ان المصنف اوصاك ان تنظر في كتابه هذه بعين المروّة يعني انّك لاتسرع بالردّ و لاتكذّب بما لاتعلم فان ذلك خلاف المروّة فان من المروّة ان تتأمّل في ان هذا الرجل ماتفرّد بشي‌ء لم‌تقل به غيره بل اتّبع خلقاً كثيرا و طابق في هذه المطالب جمّا غفيراً و تنظر بعين المحبّة فان المحب ربّما يري في الكلام علي الظاهر خَطأ و اذا نظر بعين المحبّة امعن نظره في تحصيل وجهٍ مصحح ثم اقسم عليك و سألك باللهِ و ملكوته و هو صفاته الذاتية عنده لانها مغايرة للذات في المفهوم و امّا عندنا فملكوته صفات افعاله و امثاله العليا و هي ما ظهر بها علي عرشه فخلق و رزق و امات و احيي و اهل رسالته انبياۤؤه و الوساۤئط في الاداۤء و التبليغ الي خلقه سألك بذلك ان تترك عادة النفوس السفليّة الحيوانية الفلكية و الطبيعية من كونها اذا اَنِسَتْ بشي‌ءٍ صعب عليها مفارقته و ان تبيّن لها عدم صحّته بل تتكلّف تصحيحه خصوصاً اذا كان مشهوراً بين جمهور العلماۤء و سألك بذلك ان تترك التوحش عن كل شي‌ء لم‌تسمعه من مشاۤئخك لان النفوس السفلية حريصة علي ملازمة ما سمعَتْه من مشاۤئخها بل ربّما تأخذها الحميّة الجاهلية بان تقبله و تنصره و ان تبيّن لها وهنه و ضعفه بل ربما عملَتْ به لٰاخرتها لاسيّما ان كان له من ابناۤء الجنس الاحياۤء معارضاً له كما شاهدناه في زماننا كثيرا حتي قال بعض مَن يُقْتَدَي به لمن يطيعه ينبغي اَنْ تقوي هذا الرأي و لو بشي‌ءٍ مُفتريً لِئلّايقوَي الضدّ و هو من مراد المصنّف بقوله و ان كان مبرهناً عليه بالحجة البيضاۤء فان قلتَ كيف اعتذارك في ترك النظر بعين المروة و

 

«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 871 *»

الاشفاق حتي بلغ بك الحال انّك ربّما ماصحّحتَ له مسئلة مع انّي مااظن انّك تعجز عن تصحيح اكثر المساۤئل و لو بالتّوج۪يهات البعيدة و لكنّك لَمْ‌تُرِدْهُ قلتُ اني لم‌ارد التصحيح و لو اردتُ التصحيح لماعسر عليّ و لكن بعض التّلامذة قال لي انّ النّاس في هذا الزمان افتتنوا بكتب هذا الرجل و اعتقاد حقيّة كلّما يقول حتّي اِنَّ كثيراً منهم يسمع كلام الامام عليه السلام بخلاف كلام المصنّف و يترك كلام امامه و يأخذ كلام المصنّف فاذا قِيلَ له لم فعلتَ كذا قَال انّ المُصَنّف اعلم بمراد الامام عليه السلام لانّه يأتي بالبَراهينِ القاطعة فهُوَ ادَلُّ فقال لي اِنْ كنتَ تعرف بطلان قوله و ادلّته فبيّن بطلان ذلك و ما يلزمه ليجتنبه طالب الحق فسلكتُ هذا المسلك و الله سبحانه يعلم اني ماقصدتُ خصوص تنقيصه و انما اردتُ بيان الحقّ علي نحو ما سلكه ائمة الهدي عليهم السلام و من الّذي اوصاك الّاتكون ممّن ذمّهم اللّه علي التّقليد المحض من غير برهان في مواضع كثيرة من القرءان كقوله و من النّاس من يُجادل في اللّه بغير علمٍ و هو دليل المجادلة و لا هدي و هو دليل الحكمة و لا كتابٍ منيرٍ و هُوَ دَل۪يلُ الْموعظةِ الحَسَنة يعني بعض النّاس من يصف الله او يعبده برأيه و استحسانه يقول في وصف الله وَ عبادته بالخرص و الظن بغير دليل من الادلّة الثلاثة فاذا قيل له لم تركتَ ما انزل الله علي نبيه صلي الله عليه و اله قال هذا دينُ اسلافي و المشهور بين النّاسِ و انا اقول للمصنف كما قال لك :
و كلٌّ يدّعي وَصْلاً بليْلَي       ** * **      و ليلَي لاتقرّ لهم بذاكا
و الجواب الفاصل ،
اذا انبجست دموع في خدودٍ ( من عيونٍ خ‌ل )       ** * **      تَبيَّنَ مَنْ بَكَي ممّن تباكَا
اِنْ كَان كَلام المدّعي يصدّقه الكتاب و السّنة و يشهدانِ له بحيث لايُخَالِفُ ما عليه عاۤمّة المسلمين لان رسول الله صلي الله عليه و اله اقرّهم علي ظاهر ما فهموا فان كان ما فهموه حقّا كان ما ذكروه اولٰۤئك مما خالف المشهور باطلاً و

 

«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 872 *»

اِنْ كان ما فهمه الجمهور من الدين الذي دعا اليه صلي الله عليه و اله غير الحق و غير مراده فقد مات و لم‌يبلّغْ ما اَمره اللّٰهُ بتَبْليغه و لم‌يكن ذلك باجْماع المسلمين ان هذا لهو القصص الحق و قوله فايّاك ان تجعَلَ مقاصد الشريعة الالهيّة الخ ، فيه انّ الْمُعَلِّم۪ين ربّما اقرّوه عَلَي حَقٍّ لايجوز تجاوزه فعلي مثل هذا يجب الجمود علي عتبة الْبٰاب و لايجوز المُهَاجرة عنه لان هذا هو الاستقامة التي اشار سبحانه اليها في قوله انّ الذين قالوا ربّنا الله ثم استقاموا و صاحب الشريعة صلي الله عليه و اله انما بعث لتكميل الناقص۪ين و لم‌يترك شيئا مما فيه تكميل او تتميم الّا اتي به و بيّنه علي اكمل بيان و دَلّ عليه باَوْضح برهان فانْ امر بالمهاجرة و ان سكت وجب السكوت و قد اشار الصادق عليه السلام الي هذا المعني في جوامع الكلم الّتي علّم رسول اللّه صلي الله عليه و اله عليّا عليه السلام من الالف الباب التي ينفتح من كل باب الف بابٍ و هو قوله عليه السلام انّ رسول الله صلّي الله عليه و اله امرَ باشياۤءَ و نهي عن اشياۤءَ و سكت عن اشياۤء و لم‌يكن سكوته عنها غفلة فابهموا ما ابهمه اللّه و اسكتوا عمّا سَكَت اللّه ه‍ ، فليس كل من لم‌يهاجر مخطِئاً بل المخطئ مَن اُمرَ بالمهاجرة و لم‌يُهَاجر فانّ من اُمِرَ بالمهاجرة اذا هاجَر رأي من عجاۤئب الملكوت و ايات الجبروت ما لا عين رأت و لا اذن سمِعَتْ و لا خطر عَلي قلبِ بشرٍ و المراد بهذه العين و هذه الاذن و هذا القلب مدارك مَن لم‌يهاجِرْ و لَمْ‌يُسَافِر عن بيته المحبوس فيه في حبس طبيعته فان ادرك هذا المهاجر الي اللّهِ الموت قبل بلوغه الغاية و كانت نيته صالحةً في سفره الي الله فروَي اصحابنا ما معناه ان اللّه سبحانه يوكل به ملكاً او ملاۤئكة يعلّمونه ما ادركه الموت قبل ادراكه له حتي يأتي يوم القيمة و هو مدرك لما قطعه عن ادراكه الموت ه‍ .

قال } فلاتُبَالِ اِنْ كنتَ مسافِراً بمخالفة الجمهور فان الجمهور واقفون في منزلهم و المسافر مرتحل من المنزل فكيف يقع الاتفاق بين الساكن و المتحرّك و الحالّ و المرتحل فكن كما قال امامُكَ و امامُنَا اميرالمؤمنين عليه و علي اخيه

 

«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 873 *»

و اله صلوات ربّ العالمين لاتعرف الحق بالرجال بل اعرف الحق يعرف منه اهله { .
اقول نعم لايُبَالِ اذا كان مسافراً الي حقٍّ بمخالفة الباطل و امّا المسافر من حقٍّ الي باطلٍ فلا و ذلك معلوم بالضرورة انّ المقيم اذا كان عَلَي باطلٍ لايوافقه المسافر الي الحق لا العكس فان الغلاة سافروا الي باطل و الخوارج مرقوا بسفرهم عن الطريقة المأمور بالاستقامة عليها قال تعالي و اَنْ لو استقاموا علي الطريقة لاسقيناهم ماۤء غدقاً لنَفْتِنهم فيه ، و قوله عليه السلام لاتعرف الحق بالرّجال الي اخره صادق علي بعض المسافرين و بعض المقيمين فليس فيه دليل .

قال } و اعلم ان المتّبَع في المعارف الالهيّة هو البرهان او المكاشفة بالعيان كما قال تعالي قل هاتوا برهانكم ان كنتم صادقين و قال و من يدع مع الله الها اخر لا بُرْهَانَ له به و هذا البرهان نور يقذفه الله في قلب المؤمن تتنوّر به بصيرته فيري الاشياۤء كما هي كما وقع في دعاۤء النبي صلي الله عليه و اله لنفسه و لخواۤصّ امته و اولياۤئه من قوله اللهم ارنا الاشياۤء كما هي { .
اقول كون المُتَّبَع المنجي في المعارف الالهيّة هو البرهان او المكاشفة بالعيان فممّا لا اشكال فيه و انما الاشكال في البرهان ما المراد منه و لا شكّ انّ البرهان الاصطلاحي ليس هو المراد علي جهة الخصوص لانّ مقدّماته رتّبوها بنتائج عقولهم و نتائج عقولهم لاتقدّر بها عظمة اللّه لانّ العقول لاتحيط بكنهه و لاتبلغ ادْنَي ما استأثرَ به من الغيب و القدس و التنزه عن الادراك و الاحاطة

و اما دليل الحكمة و الموعظة الحسنة و المجادلة بالتي هي احسن فانّما تحصل بها المعرفة الصوريّة في دليل المجادلة و العقلية في دليل الموعظة و الحقيقية في دليل الحكمة لانه تعالي جعلها كذلك و تعرف منها علي حسب جعله تعالي كذلك الّا انّ دليل المجادلة لمّا كان مأخذه من اثار العقول و انظارها و كانت لاتدرك الّا نظاۤئرها و كان المؤسّس منها و الهادم منها انحطّ عن رتبة معرفة اللّه فلايدرك الّا ما هو من الممكنات و دليل الموعظة اَساسهُ يئُول الي التّقليد فكان

 

«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 874 *»

في انحطاطه مثل الادلّة العقليّة لاتتجاوز معرفة الحوادث و الممكنات و لايتوصل به الي حقيقة المعرفة الا دليل الحكمة لان الدليل الذي تتوقف صحته علي تصور المطلوب معرفته لايمكن ان يستعمل الّا في الحادثات فالبرهان الاصطلاحي لايعرف به القديم تعالي

و امّا المكاشفة فقد تستعمل في الامور المؤدّية الي الجهل باللّه تعالي لانها قد تكون ناشئة من الرياضات المنهي عنها شرعا و الاوراد الّتي تستعملها الصّوفيّة الّتي لم‌ترد عن اَهْلِ العصمة عليهم السلام بل ورد عن الصادق عليه السلام الّا انّ اكثرهم يسفل يعني ان اكثرهم يخطئ الحقّ اللّهم الّا ان يكون رجلا قد راض نفسه بصدقِ الاخلاص في القيام بالامتثال لاوامر الله و اجتناب نواهيه و التقرب اليه بالنوافل و ملازمة الاداب الشرعية و يجعل فهمه و عقله تابعَيْن للكتاب و السنّة لايريد بجميع اعماله و افعاله و اقواله الّا ما يرضي الله سبحانه فان الله عز و جل يسدّده للاصابة في جميع اعماله و اعتقاده لما هو الاحبّ اليه و يعصمه من الخطأ في امور دنياه و اخرته و هذا هو البرهان الحق لا البرهان الاصطلاحي و هذا هو معني الحديث القدسي مازال العبد يتقرب الي بالنوافل حتي اُحِبّه فاذا احببته كنتُ سمعه الّذي يسمع به و بصره الذي يبصر به الحديث ، فحينئذ يُريه اللّه الاشياۤء كما هي و اما من كان برهانه من القضايا المنطقيّة فلايدرك من الاشياۤء الّا الفاظ اسماۤئها .

قال } و اعلم ان هذه المساۤئل التي وقع الخلاف فيها لجمهور الفلاسفة مع الانبياۤء عليهم السلام و لهم الدعاۤء لو كانت سهلة التناول و الحصول ممكنة الاكتساب بافكار هذه العقول المنطقيّة و انظارهم التعليمية البحثيّة لماوقع الخلاف فيها من اولٰۤئك العقلاۤء المشتغل۪ين طول عمرهم باستعمال آلة الفكر و النظر في اكتساب تصوّر الاشياۤء و لَمانشأ منهم فيها الخطأ و لماوقعت الحاجة الي بعثة الانبياۤء فعلم ان هذه المساۤئل لاتحصل الّا باقتباس الانوار من مشكوة النبوة و التماس فهم الاسرار من باطن الولاية فعليك بتجريدٍ تاۤمّ للقلب و تطهيرٍ بالغٍ للسّرّ و انقطاعٍ شديدٍ عن الخلق و مناجاة كثيرة مع الحق في الخلوات و اعراضٍ عن الشهوات و الرياسات و ساۤئر اغراض الحيوانات بالنية الصافية و

 

«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 875 *»

الدين الخالص { .
اقول طريق المصنّف في كثير من اعتقاداته مثل طرق الفقهاۤء المجتهدين فانه يذكر المسئلة و يستدلّ عليها بكلّ ما يمكنه من الاستدلال من كلامه و كلام غيره ثم يحصل له بعض الاوقات عدول عن ذلك الرأي كما وقع له في بعض المساۤئل مثل حكمه علي ان اهل النار اذا تطاولت عليهم الدهور تنعّموا بالعذاب و قد بسط الكلام في الاستدلال علي هذه المسئلة في ساۤئر كتبه خصوصاً في الكتاب الكبير و في هذا الكتاب جري علي طريقته في الاستدلال علي ذلك المقال ثم ذكر في اخر كلامه انّهم لايجدون راحة في النار لانها دار المحن و البلاۤء و في هذه المسئلة التي نحن الان بصددِهَا في كتابه المشاعر ذكر ان الانبياۤء عليهم السلام طريقهم في المعارف الالهية البرهان و ظاهر كلامه انه طريق جميع العارفين و اَن المراد به البرهان الاصطلاحي و هنا في هذا الكتاب اشار الي ان المراد بالبرهان ليس هو البرهان الاصطلاحي الّذي يبيّن تركيبه و اصلاحه و تصحيحه في علم المنطق لان الفلاسفة افنوا اعمارهم في استعمال آلة النظر و الفكر و في تصحيحها و ضبطها فلو كان منشأ دليلهم و مبني استنباطهم علي ذلك لهذه المساۤئل لتناولوها بهذه الادلّة و لماوقع بينهم و بين اهل الوحي عليهم السلام اختلاف و لمااحتاجوا الي بعثة الانبياۤء عليهم السلام في تحصيل مساۤئل قد احكموا ادلّتها التي بُنيت تلك المساۤئل عليها و لكن تلك المساۤئل لمّا كانت مبنيّة علي ادلّةٍ لايمكن تحصيلها الّا من قبل الوحي و ذلك لصعوبة تلك المساۤئل و دقّة مأخَذِها فلم‌تنهض ادلّتهم المنطقية بادراكها و معرفتها حتي انّ احدهم اذا تفرّد في استدلاله بقدر شعرةٍ عن ادلّة اهل الوحي عليهم السلام خالفهم و اخطأ الصواب و يفهم من هذا ان المراد بالبرهان هنا البرهان الالهي لا المنطقي و هو عين ما نريد و قد ذكرنا في شرح‌المشاعر ان ادلّة الانبياۤء علي محمد و اله و عليهم السلام هي البراهين الالٰهيّة التي كثيرا ما نشير اليها بدليل الحكمة لا البراهين الاصطلاحيّة المنطقية التي هي دليل المجادلة بالتي هي احسن و لكن اذا فرضنا مسئلة من المساۤئل سهلة التناول

 

«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 876 *»

يمكن المصنف ان يقطع بارتفاع الخلاف فيها حيث ما كانت سهلة لم‌يقع فيها خلاف اذا كانت ادلّة الباحثين فيها من البراهين المنطقية ليستدلّ علي صعوبة هذه المساۤئل بوقوع الخلاف ليكون الحكم مطّرداً اثباتاً و نفياً و لكن الاستدلال اذا كان من كل واحد من الباحثين من نوع واحدٍ بمعني ان تكون جميع استدلالاتهم مأخوذة من ايات الله المضروبة في الافاق و في الانفس بالطريق التي امر عز و جل ان يؤخذ بها كما اشار اليه سبحانه في قوله تعالي من جهة باطن التأويل و اوحي ربّك الي النحل ان اتخذي من الجبال بيوتا و من الشجر و مما يعرشون ثم كلي من كل الثمرات فاسلكي سبل ربّكِ ذُلُلاً فالنحل نفوس العلماۤء الذين ينتحلون الدين بمعني عدم الواسطة بينهم و بين ربّهم بحيث ينسب الدين اليهم لا الانتحال الذي هو الابتداع بل الانتحال هنا بمعني الاختيار و كيف يكون هنا بمعني الابتداع و هو يقول و اوحي ربّك و ان اتّخِذي و ثم كلي من كل الثمرات و ان اتّخِذ۪ي من الجبال اي الاجساد و من الجبال اي الطباۤئع جمع جبلّة علي غير القياس بيوتاً اي متعلّق انظار النحل و اَفْكارها تأوي اليها ليستخرج من صفاتها ما تقتضيه من احكامِها و كذلك من الشجر اي النفوس بيوتا و مما يعرشون من ارتباط النفوس بالاجسام كذلك و انظري فيها بكلِّ علمٍ و استنبطي احكامها بالنحو الذي امر اللّه فاذا سلك في الاستدلال سُبُل اللّٰهِ و انْ تعددَّتْ صُوَر البرهان فهو واحد ينفي الاختلاف بين النّاظِر۪ين و طالبي حقّ اليَقين و الطريق الموصل الي تحصيل هذه الملكة او الحالة هو كما قال المصنف تجريد تام للقلب بان يكون قلبه مجتمعاً و تطهير بالغ للسرّ بحيث لايغفل عن ذكر الله بان لايجده حيث ينهاه و لايفقده حيث يأمره و انقطاع شديد عن الخلق و ذلك بدوام ذكر اللّهِ و مناجاة كثيرة مع اللّه بدوام الدعاۤء و الاستغفار و طلب التوبة في الخلوات خصوصا اخر الليل و ترك الشهوات و الرياسات و ساۤئر اغراض الحيوانات فان في ترك ذلك رضي الله سبحانه .

قال } و ليكن نفس عملك نفس جزاۤئك و عين علمك عين وصولك الي مبتغاك حتي اذا كشف الغطاۤء و رفع الحجاب كنتَ كما كنت في الباب محضراً

 

«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 877 *»

عند ربّ الارباب فانك لاتلحق غدا الّا ما علمته و لاتحشر يوم القيمة الّا الي ما احببته حتي انه لو احبّ حجراً لحشر معه كما ورد في الحديث فايّاك ان تحبّ لمٰا لا وصول لك اليه او تعلم لما لا تحقق له في الاخرة فتهلك محترقا بنار الحريق او تهوي الي مكان سحيق و قد علمتَ الّايحشر احد الا اليه و لايتألم و لايلتذّ الا بما فيه فهذّب نفسك و خلّص نيّتك و صحّح عقيدتك و نوّر قلبك للناظرين و طهر بيتك للطاۤئفين و العاكفين فولّ وجهك شطر كعبة المقصود و توجّه الي وليّ الخير و الجود فهذا غاية السفر و الذهاب الي عالم النور و هو حاصل التجارة التي لن‌تبور مَنْ بذل متاع هذا الوجه الفاني و اخذ العوض من الوجه الباقي فما عند الله خير للابرار { .

اقول منَ الوصيّة ما ذكره هنا بل هذا هو الاصل و هو ليكن نفس عملك نفس جزاۤئك بان تعتقد انك تجازي يوم القيمة بعَملِك فاعمل ما تعلم انّك تجازي به و انه عاۤئد اليكَ و ايضا تعلم و تتيقّن انك انما تصِل الي مطلوبك بعلمك فانظر الي ما تحب ان تصل به فحصّله امّا الفقرة الاولي فظاهرة التحقّق و محكمة الاساس و امّا الفقرة الثانية فعند المصنّف علي اطلاقها و هو ان مطلوبك من كل شي‌ء عين علمك به سواۤء كان مطلوبك معرفة خالقك ام الجنّة ام الحور العين ام النكاح ام الاكل و الشرب و ما اشبه ذلك و امّا عندنا فان كان مطلوبُك معرفة خالقك فكذلك لان العلم كالعمل كما في الفقرة الاولي و امّا ان كان مطلوبك الجنّة و الحوريّة مثلا فاذا قلنا بالاتّحاد في العمل فعلي معني ما سبق من ان العمل صورة الثواب و العقاب سواۤء كانت الصورة ذاتية ام تخصيصية كما مثّلنا سابقاً بالرمانة التي تباع في السوق فَانّها موجودة قبل ان تشتريَها بصورتها الذّاتية فاذا اشتريتها صوّرت بصورة التخصيصية يعني انها بعد الشراۤء كانت مختصّة بك من جملة املاكك و قد كانت قبل الشراۤء صالحة لك و لزيدٍ و عمروٍ و اما ماۤدة الثواب فكما ذكرنا سابقا من انها من امر الله الذي به قام كل شي‌ء قد حمله الامر التكليفي اليك فتخصّص بحيازتك له التي هي عبارة عن امتثالك للامر التكليفي الحامل لتلك الماۤدة و هي حصّة من شعاع الامر القيومي فاذا قلنا

 

«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 878 *»

بالاتحاد في العمل لم‌نقل بالاتّحاد في العلم و اما المصنّف فعلي طريقته و رأيه من ان جنة زيد المؤمن و حورياته و جميع ما هو ملاقيه من انواع النّعيم فعبارة عن ملكاته لان جنته و ما فيها بمنزلة نيّاته و معتقداته كما تقدم ففي الفقرة الثانية ان كان مبتغاك معرفة مولاك فنِعم ما اولاك لانه لايُعْلَم من نحو ذاته و لايُدْرَك و انما يُعرف بما عرّف به نفسه ممّا وصف من صفات افعاله و ان كان مبْتغاك معرفة مثواك و نعيمك فيما اعطاك فعلمُكَ غير مبتغاك فاذا تيقّنت ان عملك نفس ما تُجازَي به و عملتَ بما ترضي به ان يكون جزاۤء لك كنتَ اذا كشف الغطاۤء عنك بان فارقَتْ نفسُك جسدَك و رفع حجاب الطبيعة الجسمانية عنك كما كنتَ اي كنتَ عند مطلوبك و محبوبك كما كنتَ في دار الدنيا لم‌تختلف عليك الاحوال و لم‌يغيّر نعيمك الانتقال و قوله فانك لاتلحق غداً الّا ما علمته و لاتحشر يوم القيمة الّا الي ما احببته يريد به تعليل قوله نفس علمك نفس جزاۤئك الخ ، و انت قد سمعت تخصيص بعض ذلك اذ لايصح الكلام كله علي اطلاقه و حتّي لو احبّ حجراً لحشر معه اذا كان الحبّ ذاتيا لانه ميْل المتحدين بعضهما الي بعضٍ و لو كان الميل عرضيا لم‌يستلزم ذلك كما لو احبّ كافر ممن وجبت له النار مؤمنةً قد وجبت لها الجنّة محبّة نكاح فانه لايحشر معها و قوله ان تحبّ ما لا وصول لك اليه كأن يُحبّ رتبة النبيين عليهم السلام او تعلم ما لا تحقّق له في الاخرة كأن تعتقد نجاة المنافقين فتعذّب بنار الحرمان و تلقي في غير مكان يقول و الحال انّك قدْ علمتَ انّ كل احدٍ انما يحشر الي ما كان من اعماله و نيّاته فتكون لا الي قرار و ان كلّ احدٍ انّما يتألم و يتلذّ بما فيه من الاثار فتكون بعلمك ما لا اصل له الي بَوارٍ و هاتان الفقرتان مبنيتانِ علي رأيه كما اشرنا اليه مراراً من انّه يذهب الي انّ خيرك و شرّك انت و هو كما سمعتَ فصحِّح عقيدتك بمتابعة ائمة الدين عليهم سلام الله اجمعين و نوّر قلبك بنور اليقين و طهر بيتك اي قلبك للطاۤئفين اي للملاۤئكة الطاۤئفين المستمدين من انوار اعمالك و اسرار اعتقاداتك و الملاۤئكة العاكفين المقيمين بفناۤء قلبك الحاۤفّين

 

«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 879 *»

بعرش ربّك رب العالمين فوَلِّ وجه قلبِك شطر كعبة المقصود بان تقوم بوظاۤئف سنّة نبيك و اله صلي الله عليه و اله و توجّه بهم الي ولي الخير و الجود مجدِّداً للعهد المعهود في اصل التكوين و تعاهد امانتك يوم الشاهد و المشهود فاذا وصلتَ الي الغاية التي نُدِبتَ اليها افاض عليك ما وعدك عليها فهذا غاية السفر الي خير مستقرّ و نهاية الذهاب الي جوار ربّ الارباب في عالم النور و دار السلام و السرور و هذا ثمرة التجارة التي لن‌تبور حين جنيت الثمر و العوض الداۤئم من الوجه الباقي و حصدت الثمرة الباقية من زرع متاع الوجه الفاني و ذلك كله من فضل الكريم الغفار و ما عند الله خير للابرار .

قال } و هذا الوصول الي كعبة المقصود و لقاۤء المعبود لايمكن الّا بالسير الحثيث العلمي بقَدم التفكر و النظر لا بمجرّد حركات البدن التي لا حاصل لها الّا متاعب السفر دون تحصيل الزاد و اخذ المتاع للمعاد و لهذا قال صلي الله عليه و اله تفكّر ساعةٍ خير من عبادة سبعين سنة و قال لخير امّته و باب مدينة علمه يا علي اذا تقرّب الناس الي خالقهم بانواع البر تقرّب اليه بانواع العقل حتي تسبقهم كلهم فتحدس من هذا ان المقصود من العبادة البدنية و الاوضاع الدينية كالقيام و الصيام و غيرهما انما هو تصفية القلب و تهذيب السرّ بالنية الخالصة فيها و الفكر الباطن من حيث انها تعبّدٌ للمعبود الحق قربان للاله المطلق لا حركة الاركان و قلقلة اللسان قال تعالي لن‌ينال اللّه لحومُها و لا دماۤؤها و لكن يناله التقوي منكم و قال ليس البرّ ان تولّوا وجوهكم قبل المشرق و المغرب و لكن البرّ من آمن باللّه و اليوم الاخر الاية { .
اقول يريد ان الوصول لما يشير اليه لايمكن الّا بالاجتهاد و السير الحثيث لا بقدم الرِجل المعلومة بل بقدم التفكر و النظر كما قال تعالي اولم‌ينظروا في ملكوت السموات و الارض اولم‌يتفكروا في انفسهم و قال سنريهم اياتنا في الافاق و في انفسهم حتي يتبين لهم انه الحق و قال تعالي و كأيّن من اية في اية في السموات و الارض يمرّون عليها و هم عنها معرضون و قال و تلك الامثال نضربها للناس و مايعقلها الّا العالمون ،

 

«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 880 *»

و قول المصنف لا بمجرّد حركات البدن الخ ، ان اراد به ان مجرد حركات البدن لا فاۤئدة فيها فهو غلط بل هي عبادة البدن و ان اراد انها عبادة ناقصة فكما قال لان العبادة عبادة الباطن وحدها فهي ناقصة لاتوصل الي دار رضي الله تعالي و عبادة الظاهر خاۤصّة ناقصة لاتوصل الي رضوان الله و عبادة الباطن و الظاهر معاً و هذه اذا وقعت علي وفق ما امر اللّه كان صحيحة موصلة الي رضوان الله و الجنّة قال الصادق عليه السلام علي ما رواه الحسن بن سليمن الحلّي في كتابه مختصر بصاۤئر سعد بن عبدالله الاشعري ما معناه انّ قوما امنوا بالظاهر و كفروا بالباطن فلم‌يك ينفعهم ايمانهم ذلك شيئا و لا ايمان ظاهر الّا بباطن و لا باطن الّا بظاهر ه‍ ، و قوله دون تحصيل الزاد و اخذ المتاع فاعلم ان العبادة الظاهرة الصورية اذا وقعت مطابقة لصورة الشرع مع خصوص النية كانت مجزئة و يثاب عليها في الاخرة و ربّما كانت سبب دخوله الجنّة و امّا اذا عرَتْ عن كل باطنٍ حتّي النيّة فهي باطلة و معاقب عليها و الاعمال منها ما حاصله في الدنيا خاۤصّةً كدفع البلايا و الامراض و ادرار الارزاق و منها ما يكون جزاۤؤه في البرزخ و منها ما يكون جزاۤؤه في الاخرة و ليس هنا محل تفصيل ذلك

و امّا الباطن مع القيام بالوظاۤئف الشرعيّة الظاهرة كما هو المراد من مدْحِها في الكتاب فذلك هو مراد الله سبحانه من عباده المؤمنين كما قال صلي الله عليه و اله تفكر ساعة خير من عبادة سبعين سنة ه‍ ، يعني بغير تفكّر و المراد بالتفكر هو التفكر في الاۤء الله و في عظمته و في اثار قدرته و في رتب اولياۤئه و ما نالوا من الفضل بطاعتهم للهِ و في الموت و احوال القبر و اهوال يوم القيمة و في الجنّة و النار و قوله صلّي الله عليه و اله لعلي اميرالمؤمنين عليه السلام تقرّب اليه بانواع العقل اي بانواع دواعيه من صحة الاعتقاد و صحة الاعتراف بالتقصير و صحة التوبة و صحة الاستغفار و صحة العمل و صحة التخلّص من هذه الدار دار الغرور و صحة المعرفة التي هي مِلاك الامر كلّه و قول المصنف فتحدّس من هذا ان المقصود من العبادات الخ ، انّ

 

«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 881 *»

المقصود لاصلاح الباطن كما قال لا انّ المقصود منها اصلا و فرعا ليس الّا ذلك بحيث يكون لا فاۤئدة فيها لذاتها بل فيها فواۤئد لاتحصي لذاتها ايضا و لما قال المصنف من تصفية الباطن كما قال تعالي مازال العبد يتقرّب اليّ بالنوافل حتي احبّه فاذا احببته كنت سمعه الذي يسمع به و بصره الذي يبصر به و لسانه الذي ينطق به و يده الذي يبطش بها ان دعاني اجبته و ان سألني اعطيته و ان سكتَ ابتدأته ه‍ ، و قوله لا حركة الاركان و قلقلة اللسان فيه ما قلنا و ظاهر كلامه عدم الفائدة فيها لذاتها و لا بد من توجيهه علي ما قلنا و الّا لزمه القول بمذهب الاباحيّة المستدلّين بقوله تعالي و اعبد ربّك حتي يأتيك اليقين و علي قولهم لو سلّمنا لهم ان المعني في الاية ما ارادوا لم‌يلزم ترك عبادة الجوارح لان الجوارح مكلّفة فلو فرض انّ قلوبهم مؤمنة و حاشي لله فابدانهم و جميع جوارحهم كافرة و استدلال المصنف بقوله لن‌ينال الله لحومها و لا دماۤؤها و لكن يناله التقوي منكم من باب التأويل و لا بأس به و ان كان علي خلاف ظاهر الاية الّا انه ان لم‌يرد نفي ذاتي الظاهر كما قلنا فان اراد فبه بأس و ايّ بأس لان معني الاية لن‌ينال رضي اللّه و لايوافق محبّته لحومها و لا دماۤؤها لانهم كانوا في الجاهلية اذا نحروا الابل لطّخوا البيت بالدم فلما حج المسلمون ارادوا مثل ذلك فنزلت فقال لن‌ينال رضي اللّه لحومها التي تتصدقون بها من حيث هي لحوم و لا دماۤؤها التي تهريقونها من حيث انها دماۤء اهريقت و لكن ينال رضي اللّه تقوي قلوبكم اذا اهرقتم الدماۤء تقربا اليه و تصدّقتم باللحوم ايضا طلبا لرضاه و ليست علي ظاهرها لانّ الله عز و جل لايناله شي‌ء لا لحومها و لا دماۤؤها و لا تقويهم و انما المعني و انما ينال رضاه ما تطلبون به وجهه الكريم كما امركم و كذلك الاية الاخري ليس البر مجرّد توجّهكم الي جهة من الجهات و لكن البرّ طاعة الله فيما امر فلا فرق بين الظاهر و الباطن و انما البرّ و معرفة الله علي الحقيقة امتثال امر اللّهِ علي كل حالٍ .

قال } ثم ان افسد قواطع الدين و اكثف سدٍّ علي طريق السالكين هو اجابة

 

«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 882 *»

دعوة علماۤء السوۤء و تتبّع اراۤئهم المضلّة و اثارهم المغوية و لاغترارهم بما يسمّونه علما و فقهاً و حكمة اغترار الظمان بالسراب عن عين ماۤء الحيوان كما قال تعالي و ان تطع اكثر من في الارض يضلّوك عن سبيل الله ان يتبعون الّا الظن و ان هم الا يخرصون ان الظن لايغني من الحق شيئا اعاذنا الله و اخواننا المؤمنين من شرّ الشياطين و المضلّين و نوّر قلوبنا بانوار الحكمة و اليقين بحق محمد و اله الطاهرين سلام الله عليهم اجمعين { .
اقول الي هنا انتهي كلامه و اراد بعلماۤء السوۤء علماۤء الظاهر لانّهم يردّون عليه و علي اتباعه و يحكمون بكفرهم و يحلّلون سفك دماۤئهم و انا اقول عافانا الله من البلا و عجّل اللّه فرج قاۤئم ال‌محمد صلي الله عليه و عليهم ليكشف هذه المحنة و يزيل هذه الغمّة عن هذه الامة لا حول و لا قوة الّا بالله العلي العظيم و صلي الله علي محمد و اله سادات الزمان .
الي هنا ما اردت كتابته علي هذه الرسالة المسماة بالعرشيّة التي وضعها في المبدءِ و المعاد وقع الفراغ منه و من تسويده بقلم مؤلّفِه العبد المسكين احمد بن زين‌الدين بن ابراهيم بن صقر بن ابراهيم ابن داغر المطيرفي الاحساۤئي علي رأس سبع ساعات و نصف تقريباً من ليلة الاربعاۤء السابع و العشرين من شهر ربيع المولود سنة السادسة و الثلاثين بعد المائتين و الالف من الهجرة النبوية علي مهاجرها و اله افضل الصلوة و ازكي السلام بدار الامان كرمان‌شاهان حرسها الله من طوارق الزمان و نواۤئب الحدثان حامدا مصليا تاۤئبا مستغفرا .
)٣٣٧(
فان قلتَ انه لم‌يرد بالصورة الّا الصورة النوعية كما صرح به في الاصول في العرشية و في كتابه المبدء و المعاد و ظاهر كلامك انّك تريد الصورة الظاهرة الشخصيّة فلم‌يكن رَدُّك عليه في محلّه قلتُ انّ المعني لايختلف فان قوله ان المعاد هو الصورة النوعية مثل ما لو قال ان المعاد من الانسان هو اللحم سواۤء كان متولدا من الفاكهة ام من غيرها بمعني ان لحم زيد لو تولد من الرمان المخصوص يعاد له لحم و ان كان متولّدا من العلف لان المراد انه يحصل له لحم يتقوم به و نحن نقول يعاد ذلك اللحم المخصوص في الدنيا