04-03جواهر الحکم المجلد الرابع ـ رسالة في جواب الميرزا حسن الهندي الدهلوي العظيم‌ آبادي ـ مقابله

رسالة فی جواب المیرزا حسن الهندی الدهلوی العظیم آبادی

 

من مصنفات السید الاجل الامجد المرحوم الحاج

سید کاظم بن السید قاسم الحسینی اعلی الله مقامه

 

«* جواهر الحكم جلد 4 صفحه 409 *»

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمدلله رب العالمين و صلي الله علي محمد و آله الطاهرين.

اما بعد فيقول العبد الجاني و الاسير الفاني كاظم بن قاسم الحسيني انه قد وردت علي مسائل دقيقة منطوية علي مطالب جليلة تقصر دونها الاحلام و تكل لبيان جملة منها اكثر الافهام للمولي الاعظم و العالم المقدم و الفاضل المكرم ذي الفطنة الباهرة و السريرة الطاهرة اللبيب المؤتمن كهف الحاج الميرزا حسن بن امان الله الهندي الدهلوي العظيم آبادي و طلب من الحقير الفقير جوابها و كشف نقابها و قد اتت في حال قد تراكمت علي الهموم و الاشغال و تكاثرت علي الغموم و اختلال البال و تواتر الامراض المانعة من استقامة الحال و في مثل هذه الحالة لايتمكن الانسان من اداء المقال علي مقتضي حقيقة الحال و لكنني لما الزمت علي نفسي اجابته اتيت بما هو الميسور لانه لايسقط بالمعسور مكتفياً بالاشارة و مقتصراً علي ادني العبارة اعتماداً علي فهمه العالي و ادراكه السامي و جعلت كلامه اعلي الله مقامه و بلغه في الدارين مرامه متناً و جوابي كالشرح له ليطابق الجواب بالسؤال و علي الله التكلان في جميع الاحوال.

قال سلمه الله: بين لي ايها السيد السند الجليل و المولي الاولي النبيل يا من هو عالم بمعالم الدين و عارف بمعارف اليقين يا من كشف الغطاء من وجوه احاديث سيد المرسلين و اظهر الخفاء عن بطون كلام الائمة الطاهرين صلوات الله عليهم اجمعين ما اشكل عليّ ادراكه و عسر فهمه ليطمئن به قلبي و يسكن فؤادي و هو امور:

الاول انه يظهر من كلامكم الشريف في رسالة المعاد ان الجسم مركب من الهيولي و الصورة و قلتم هذه الصورة التي في الاولي لاتعود في الاخري لان المطلوب في الآخرة البقاء و الدوام و هذه الصورة الجسمية الدنيوية

 

 

«* جواهر الحكم جلد 4 صفحه 410 *»

لاتصلح للدوام و البقاء لتخلل المفاسد المفنية لها فيها و ورود الحوادث المبطلة لها عليها في عاجل الزمان و اسرع الدوران بل يتركب هذه المادة بعينها بصورة اخري محكمة متقنة تدوم و لاتزول و علي هذا يلزم ان‌يكون الثواب او العقاب علي الجسم الذي هو غير هذا الجسم الذي به اطاع المكلف و عصي و ذلك خلاف العدل منه سبحانه بيانه ان المجموع المركب من جزءين معينين اذا فات احد جزءيه و حل محله جزء آخر فلايكون الثاني هو الاول بل يكون هو غيره فيلزم المحذور و بتقرير آخر ان الجسم مركب من الهيولي و الصورة الخاصة التي لاتتقوم المادة و لاتتحصل الا بها فلما زالت هذه الصورة و تقوم المادة بصورة اخري لايكون الجسم المركب بالصورة الثانية هو المركب بالاولي بل بينهما مغايرة كلية‌ لايتصور مغايرة فوقها و الحال ان مصدر الطاعة و العصيان هو الاول دون الثاني و ان كان الثاني علي كمال التشابه و التماثل بالاول فان احد المتماثلين غير الآخر.

اقول لاشك و لا ريب ان المركب ينتفي بانتفاء احد اجزائه فان كل جزء له دخل في قوام الحقيقة فاذا انتفي ذلك الجزء انتفت الحقيقة الاولي سواء اتي بدله ام لم‌يات فالباقي حقيقة اخري غير الاول و ذلك مسلم معلوم و كذا لا ريب ان الجسم بل كل شيء مركب من الهيولي و الصورة كما دلت عليه الادلة القطعية‌ من العقلية و النقلية المذكورة في محلها و موقعها الا ان الصورة علي قسمين:

صورة جوهرية و هي الجسمية التي بها قوام الجسم و تحققه و لولاها لم‌تتحقق و قد مزجها الله سبحانه مع المادة مزجاً حقيقياً و الف بينهما تاليفاً ذاتياً بسابق مشيته و نافذ ارادته لاينفك احداهما عن الاخري الا بانعدامهما جميعاً لما تحقق عندنا ان كل واحدة منهما شرط لتحقق الاخري فلايوجد احداهما الا بالاخري فاذا انتفت احداهما انتفت الاخري فهما المتساوقان المتحاويان الزوجان اللذان هما حقيقة الامكان كما قال عزوجل و من كل شيء خلقنا زوجين لعلكم تذكرون و هذان الجزءان لاينفكان الا و ينفك الشيء المركب و

 

 

«* جواهر الحكم جلد 4 صفحه 411 *»

ينعدم و هذه قد تكون اولية و ثانوية و ثالثية و هو المعبر عندهم بالهيولي الاولي و الثانية و الثالثة فافهم فان بيان هذه المطالب يؤدي الي تطويل و تفصيل لسنا الآن بصدده و الصورة الثانية صورة شبحية و هيئة عرضية تتعاور علي الجسم و تتناوب عليه مع انخفاظ (كذا) الجسم الاول المركب من الهيولي و الصورة و بقاء الكينونة الاولي و يكون الاول بها اي بهذه الثانية مصدراً للصفات المختلفة و موضوعاً للهيئات المتباينة المتكثرة و هذه هي المسماة عند الحكماء بالجسم التعليمي و الجسد التعليمي و عند اهل البيت: بالبدن النوراني و الشبح الظلي فلو كانت الصورة واحدة و هي جزء الجسم التي بانعدامها او تبدلها بغيرها ينعدم الجسم و الحقيقة لم‌يكن الجسم الواحد موصوفاً للصفات موضوعاً للعوارض المتفاوتة لان تعاور الاعراض يقتضي بقاء الموضوع فاذا انعدم الموضوع اين يثبت العرض و ذلك واضح ان‌شاء الله و نزيدك توضيحاً بذكر مثال ينكشف لك به حقيقة الحال فنقول ان الولد مثلاً اذا استقر في الرحم و نزل الي هذه الدنيا لم‌يزل ينتقل من حال الي حال و من طور الي طور و من صورة الي صورة و من هيئة الي هيئة من كونه رضيعاً و كونه فطيماً و كونه صبياً و كونه مراهقاً و كونه بالغاً و كونه شاباً و كونه تاماً و كونه كاملاً و كونه شيخاً و كونه هرماً و كونه ميتاً و كونه رميماً و كونه تراباً و كونه صحيحاً و كونه سقيماً و كونه قصيراً و كونه طويلاً و كونه صغيراً و كونه كبيراً و كونه مهزولاً و كونه سميناً و كونه متلوناً بالوان مختلفة‌ من حمرة الي صفرة الي كدرة الي بياض الي خضرة الي سواد الي غير ذلك من الالوان فنقول هذه الصور المختلفة هل تغيره عن حقيقته المركبة المؤلفة من الهيولي و الصورة‌ ام لا بل تلك الحقيقة مصونة محفوظة ترد عليها هذه الصور العرضية و الاشباح التعليمية اثباتاً لفقرها و حاجتها الي باريها و منشيها و تبييناً لبقاء موجدها و انه يجلب عن التغيير و التبديل و الزيادة و النقصان فان كان الاول يلزم ان‌يكون الشخص حقايق مختلفة و ذوات متباينة لاتصدق كل واحدة منهما علي الاخري و يلزم هذا القول ان‌يكون زيد الصبي غير زيد الشاب و زيد الشاب غير زيد الشيخ ضرورة

 

 

«* جواهر الحكم جلد 4 صفحه 412 *»

ان لكل منها صورة و هيئة غير الآخر فان كانت هذه الصورة هي التي تتقوم به المادة و تتشخص بها فاذا انعدمت انعدمت تلك الحقيقة و اتت حقيقة اخري فاذن فالاسم الموضوع له حال الصبا و الصغر اذا اطلق عليه حال الهرم و الكبر كان مجازاً و اذا جني في حال الشباب او في حال الصحة او في حال المرض لايجوز مطالبته عند الكبر لان الجاني حقيقة اخري غيرها فاذا تحمل شهادة في حال لايجوز ان‌يؤديها في غيرها لان الشاهد قد انعدم بانعدام تلك الحالة و كذا اذا استقرض و استدان و غير ذلك من الاحوال و هذا في البطلان بمكان لايحتاج الي الاستدلال و فساده لايخفي علي الجهال فضلاً عن العلماء الابدال فاذا بطل الاول فتعين الثاني و بيانه هو ان الصورة صورتان احداهما جزء ماهية الجسم و مقومة للهيولي و محققة للمركب و هي جوهرية جسمية انبساطية بسيطة اضافية محفوظة في الاطوار و الادوار و الاكوار و الاوطار بها قوام الشيء و تمامه لايمكن انفكاكه عنها و لا استبدالها بغيرها حين كونه و هذا مرادهم بالماهية و قولهم ان قلب الماهية محال و هذه الصورة مع هذه المادة تجري مجري المادة لتلك الصور و الاعراض فهي بمنزلة الهيولي الثانية لانفسهما فافهم.

و الثانية صورة عرضية تعتري الجسم لامور خارجية تتميماً لقابليته و تكميلاً لاستعداده و نضجاً لبنيته لاستفاضة امداده و هذه لا دخل لها في حقيقة الجسم و انما هي امور تكتسبها من خارج باطوار شؤونه تذهب و تجئ و لايلزم عود الذاهب و لا ذهاب الآتي الجائي مثلاً اذا غلبت الصفراء و اصفر لون الرجل ثم ذهب الصفار بمعالجات و تداوي لايلزم عود الصفرة لانها كانت موجودة معه وقتاً و كذا اذا ذهبت صورة الصغر و جاءت صورة الكبر و كذا اذا ذهب اعتدال الصورة و صارت قبيحة لم يلزم عود الاولي و کذالک العکس و اذا ذهب الصورة الانسانية الظاهرية و جاءت الصورة البهيمية لايلزم عود الاولي كالذين مسخوا قردة و خنازير فانهم لاشك عند المسخ ماتغيروا عن حقيقتهم و لاخرجوا عن ماهيتهم و الا لم‌يكن المسخ عقوبة لهم فان المسوخ اشخاص غيرهم و هو بديهي البطلان بل المسوخ باعيانهم هم الذين كانوا من قبل بصورة

 

 

«* جواهر الحكم جلد 4 صفحه 413 *»

الانسان فنزع الله سبحانه عنهم باعمالهم الخبيثة تلك الصورة و البسهم صورة اخري و هم علي ما هم عليه و انما التغيير في الهيئة العرضية و الجسم و الجسد التعليميين و كذلك حكم العكس مثل حكم كلب اصحاب الكهف فان الروايات قد دلت علي انه تنزع عنه الصورة الكلبية و تلبس الصورة الانسانية و يدخل الجنة بعكس المسوخ في الدنيا و الآخرة‌ و كالقرآن المكرم المعظم الذي لاياتيه الباطل من بين يديه و لا من خلفه تنزيل من حكيم حميد فان الروايات قد استفاضت من سادة البريات: انه يظهر يوم القيامة علي احسن صورة و اجمل هيئة بحيث كلما يمر علي صف من صفوف اهل المحشر يرونه احسن ذلك الصف في جميع ما لهم من المحاسن فيمر علي الملائكة و يرونه احسنهم و يمر علي صف المؤمنين و يرونه احسنهم و يمر علي صف الانبياء المرسلين و يرونه احسنهم الي ان‌يقف عند الصراط و الميزان و يشهد علي من حفظه و علي من اضاعه فيشفع لمن شاء ممن شاء الله و هكذا مسجد الكوفة فانه ياتي يوم القيامة بصورة رجل محرم عليه ثوب الاحرام فيشفع لمن دخله و تعبد فيه كما روي عنهم: علي ما في البحار و غيره من كتب الاخبار فظهر لك بالبيان الواضح و البرهان اللائح ان هذه الصور و الهيئات غير داخلة في حقيقة الجسم و الذات حتي يلزم من تغييرها تغيير الحقيقة‌ و من انعدامها انعدام الماهية فاذن فالمكلف و المطيع و العاصي هو الشخص الثابت في هذه الاطوار و الجسم المحفوظ في هذه الادوار قد لبس صورة جسمية و هيئة ذاتية هي منشأ تحققها و تحفظها و تميزها عن غيرها مثلاً زيد قد نعلم انه شيء واحد متميز عن غيره محفوظ في هذه الصور و الهيئات العرضية بحيث لاتنثلم بكثرة هذه الصور وحدته و لا تغير تغييراتها و اختلافاتها حقيقة فلولا انه لم‌يكن تام التركيب لما تحقق و استقر و استمر مع تعاور هذه الاعراض و زوالها و اضمحلالها فلولا ان هذه الاعراض ليست داخلة في حقيقة ذاته و لا صفاته الذاتية لاثرت في ذاته و لغيرته عن حقيقته و ماهيته مع ان الامر ليس كذلك فثبت الامران بحول الله الملك الديان.

 

 

«* جواهر الحكم جلد 4 صفحه 414 *»

فاذا عرفت هذا ظهر لك ان مرادنا من تلك العبارة في رسالة المعاد من ان تلك المادة الدنيوية تلبس يوم القيامة الصورة الاعتدالية الحقيقية التي لايتطرق اليها فساد و لا زوال و لا اضمحلال و تنزع الصورة الدنياوية الغير الاعتدالية التي هي بيت للامراض و الاسقام و الدثور و الفناء و الاضمحلال فمرادنا من الصورة‌ في المقامين الصورة العرضية و الشبح المثال المسمي في عرف الحكماء بالجسم التعليمي و في اللغة في احد الاطلاقات بالجسد و في عرف الائمة: بالشبح و البدن و مرادنا بالمادة هي الهيولي مع الصورة الجوهرية الجسمية المحفوظة في اطوار هذه الاشباح المثالية و الاعراض الجسمية كما مثل الامام لابن ابي العوجاء باللبنة حين تكسر و تصاغ فانها هي هي بالصورة الاصلية و هي غيرها بالصورة الظاهرية ‌و كما اذا قلنا ان زيداً في الدنيا اذا مرض ثم عوفي انه لبس الصورة الاعتدالية الاضافية‌ التي مقتضاها الصحة و و نزع الصورة الغير الاعتدالية‌ التي مقتضاها المرض و تغيير هذه الصور لايستلزم تغييراً في الذات و لا في حقيقة العاصي و المطيع بل الشخص العاصي و المطيع باق علي ما هو عليه في الحالتين عند تعاور الصورتين كما مثلنا لك بالمسوخ الذين مسخوا في هذه الدنيا نزعوا الصورة الانسانية‌ و لبسوا الصورة المسخية و هم علي ما هم عليه في البدن الجسماني في الحالتين و كما اخبر الله سبحانه و تعالي عن الكفار بانه تعالي يحشرهم اعمي مع انهم في الدنيا ذوي الابصار الجسمية كما قال عز من قائل و من اعرض عن ذكري فان له معيشة ضنكا و نحشره يوم القيامة اعمي قال رب لم حشرتني اعمي و قد كنت بصيراً قال كذلك اتتك آياتنا فنسيتها و كذلك اليوم تنسي و لاشك ان هيئة الاعمي غير هيئة البصير و قد اخبر الله سبحانه و تعالي بتغايرهما في النشأتين مع ان المعاد واحد في البين و قد دلت ضرورة الاسلام علي ان اهل الجنة جرد مرد في سن ابناء ثلاثين سنة مع انهم في الدنيا علي هيئات مختلفة و صور متشتتة‌ و منهم سود كالعبيد و السودان و لقمان7 منهم و منهم مشوه الخلقة و منهم قبيح الصورة و منهم طوال و منهم قصار و منهم علي الصورة البهيمية مثل كلب

 

 

«* جواهر الحكم جلد 4 صفحه 415 *»

اصحاب الكهف كما روي عنهم: علي ما هو المشهور المعروف عند الخاصة و العامة.

و بالجملة تبديل الصور و الهيئات في الدنيا و الآخرة مثل تبديل الصور و الهيئات في الدنيا باحوالها و اطوارها و شؤوناتها و قد ثبت عندك بالضرورة ان هذه التغييرات الدنيوية غير مؤثرة في حقيقة ذات الجسم فكذلك التغييرات الصورية الاخروية حرفاً بحرف و هذا هو المعروف من مذهب اهل الاسلام و المذكورة في كلام الملك العلام و المأثور في روايات اهل الذكر: فمن رام في الاعتقاد غير هذا المرام فقد خاب و خسر و كذب و افتري فلا محذور حينئذ في كلامنا و لا تنافي ان‌شاء الله تعالي بعد ما احطت خبراً بما ذكرنا و فصلنا و تعبيري بتلك الطينة اي الجسم المركب من الهيولي و الصورة‌ بالمادة من جهة فهم الناس حيث ان حكمها في طريان هذه الصور المسماة بالاجسام التعليمية حكم المادة بالاضافة  الي الصورة لا المادة التي هي الهيولي المجرد عن الصورة مطلقاً كما ربما يتوهم فافهم.

قال سلمه الله: و هذا التغيير ليس من قبيل ازالة الكثافات و رفع الاوساخ فان الشيء لايتغير حقيقته عند ازالة كثافاته منه لانها ليست عينه و لا جزءاً منه حتي يفني بفنائها و يتغير ماهيته بتغيرها بخلاف تبدل الصورة بالصورة لانها جزء الجسم و الكل يتغير بتغيير الجزء و القول بعدم ذاتية الصورة الدنيوية المعبر عنها في اصطلاحكم بالكثافات و الاوساخ للجسم مع قولكم بتركب الجسم من المادة و الصورة عجيب عجيب.

اقول اذا عرفت مرادنا من الصورة و انها هي الهيئات المشخصة المعينة و انها علي قسمين جوهرية و عرضية و الجوهرية هي التي جزء ماهية الجسم و بها يتميز هذا الجسم من غيره مع اختلاف اعراضه و هيئاته و بها يتحفظ الجسم متميزاً عن غيره في تلك الهيئات و الاعراض كما مثلنا لك من جسم زيد المتميز من غيره الثابت الموجود المحفوظ عن التغيير الذاتي عند تغيير عوارضه و صوره و هيئاته و صورة عرضية غير ذاتية كما مثلنا لك عرفت انه لايبقي اشكال

 

 

«* جواهر الحكم جلد 4 صفحه 416 *»

و لا مقال و عرفت ان هذه الهيئات الثانوية من قبيل الكثافات و الاوساخ كصفرته عند هيجان المرة الصفراء و حمرته عند هيجان الدم و بياضه عند هيجان البلغم و سواده عند هيجان السوداء و تشويه خلقته عند الامراض الباردة مثل اللقوة و الفالج او الحارة مثل الجزام و امثاله و مثل صورة الصغر و الكبر و صورة الشباب و الشيخوخة و امثالها و هذه ليست عينه و لا جزءاً منه حتي يفني بفنائها و يتغير ماهيته بتغيرها.

و قولكم بخلاف تبدل الصورة الخ، ان اردتم بالصورة الصورة الجوهرية فكما قلتم و ذكرتم من انها جزء الجسم و الكل يتغير بتغيير الجزء و ليست تلك الصورة مرادنا و لا هي مقصودنا فانها لاتنفك عن الجسم لا في الدنيا و لا في الآخرة بل يحشر يوم القيامة و يدخل الجنة و النار علي ما هو عليه من الصورة الجوهرية الدنياوية و هي المراد من الطينة الباقية المستديرة في القبر كما روي عن الصادق7 و هذا لا اشكال فيه و لا ريب يعتريه و لاينازع فيه احد من المسلمين و ان اردتم بالصورة الصورة الثانوية المسماة بالجسم التعليمي و الجسد التعليمي فلانسلم ان‌تبدلها يستلزم تبدل الجسم و تغيره عن حقيقته لانها ليست جزءاً منه و لا عينه و انما هي اعراض خارجة تكتسبه بقوابل الاعمال و اطوار الاستعداد فتمحي و تثبت لان الله يمحو ما يشاء و يثبت و عنده ام الكتاب و ان الله لايغير مابقوم حتي يغيروا ما بانفسهم و هذه هي عين الكثافة‌ و الوسخ كما بينا و اوضحنا انظر الي بني اسرائيل و ما اخبره الله سبحانه عنهم من تبديل صورهم الانسانية الي الصورة الاخري البهيمية عقوبة لهم و نكالاً و هم علي ما هم عليه من الحقيقة الجسمية فلو كان مطلق تبديل الصورة يقتضي فناء الحقيقة لما بدل الله سبحانه صورتهم الانسانية بالصورة البهيمية و ذلك معلوم عند من له ادني فطنة و صفاء الطوية.

فاذن فقولكم و القول بعدم ذاتية الصورة الدنيوية المعبر عنها في اصطلاحكم بالكثافات و الاوساخ للجسم مع قولكم بتركب الجسم من المادة و الصورة فعجيب عجيب عجيب عجيب لان مبني ذلك علي الفرق بين الجسم

 

 

«* جواهر الحكم جلد 4 صفحه 417 *»

الطبيعي و الجسم التعليمي و ذلك ليس مما تفردنا به بل كتب العلماء و الحكماء مشحونة بذلك و من المعلومات الاوّلية عندهم ان الجسم التعليمي غير الجسم الطبيعي و انما هو عارض له و اختلاف الجسم التعليمي لايقدح في ثبات الجسم الطبيعي و بقائه لانهما امران متغايران اقترن الثاني بالاول لسرّ اقتضته الحكمة الالهية يطول بذكرها الكلام و علي من يفهم الكلام السلام.

قال سلمه الله: و الثاني ان بيانكم بطون القرآن و الاحاديث المعضلة المتشابهة مثل قولكم في شرح دعاء سمات علي قوله7 علي قبة الزمان فالزمان هو الماء و القبة هي العرش كان حاوياً له قبل ان‌يخلق الله السموات و الارض و ايضاً في الشرح في تفسير الحجارة انه بناء علي الوجه الظاهري و هو حجر مرمر و علي التاويل كما ذكرنا هو حجر الياقوت و علي الباطن هو الزمرد و مع هذه المنافاة قلتم لا منافاة بينها اذ كل في مكانه موجود و المشبه عين المشبه به فاني ما عثرت علي هذا الدليل كيف ينطبق علي الدعوي و هكذا قولكم في الشرح في تفسير الفلك انه دخان تصاعد بحرارة شمس اسم الله القابض من البحر المتحصل من ذوبان الياقوتة الحمراء حين نظر اليها الحق سبحانه بنظر الهيبة المثار بالريح و في تفسير السماء انه سماء الارادة اي اعلاها او البرزخ بين سماء المشية‌ و الارادة الخ و في تفسير التقدير انه التخطيط بالهندسة و ذلك كان يوم الاثنين وقت العصر ثاني شهر رمضان في بلدة الابتداع في بيت النون و المقدر هو الكاف في اول الشهر المذكور في بلد الاختراع الي آخر تلك البلدة بعد النزول في بيت الالف القائم حين مالت الي الباء و الله من ورائهم محيط و ايضا في الشرح علي قوله7 و اسألك اللهم بمجدك الذي كلمت به عبدك و رسولك موسي بن عمران قلتم ان الكلام كان في يوم الخميس و الاستماع كان في يوم الجمعة اول الزوال و العبد صار بعد العصر في يوم الجمعة وقت قراءة هذا الدعاء المبارك فصار رسولاً يوم السبت انتهي و هو خلاف ما هو المشهور بين العلماء الا ان‌يكون لهذا الكلام باطن يطابق المشهور.

 

 

«* جواهر الحكم جلد 4 صفحه 418 *»

اقول اعلم ان اشتمال القرآن و كلمات اهل البيت: علي وجوه التاويل و الباطن و باطن الباطن و باطن الباطن الباطن و هكذا الي السبعة او الي السبعين و تاويل التاويل و تاويل تاويل التاويل و هكذا الي السبعة او الي السبعين و ظاهر الظاهر و ظاهر ظاهر الظاهر و هكذا الي السبعة او السبعين مما لا اشكال فيه و لا ريب يعتريه و قد دلت عليه الادلة القطعية من العقلية و النقلية و استفاضت عليه الروايات من الائمة السادات: و كذا لا اشكال في ان جميع هذه المراتب و المقامات بجملتها و حذافيرها لايوجد الا عند الائمة المعصومين: و من ادعي ذلك غيرهم فقد قال كذباً و اتي باطلاً و كذا لا اشكال في انهم سلام الله عليهم علموا بعض الخواص من شيعتهم بعض تلك الاسرار و اودعوا: في قلوب بعضهم بعض تلك الانوار حسب انقطاعهم اليهم و قبولهم منهم و اخذهم عنهم كما استفاضت بذلك الاخبار كقولهم: لو علم ابوذر ما في قلب سلمان لقتله لان علم العلماء صعب مستصعب لايحتمله الا الملك المقرب او النبي المرسل او المؤمن الذي امتحن الله قلبه للايمان الحديث، و قولهم: ان حديثنا صعب مستصعب لايحتمله احد حتي الملك المقرب او النبي المرسل او المؤمن الذي امتحن الله قلبه للايمان قيل فمن يحتمله قال7 من شئنا او مدينة حصينة و هي القلب المجتمع و قولهم: نحن العلماء و شيعتنا المتعلمون و امثالها من الروايات الواردة في هذا الباب و لا ريب ان جماعة من المفسدين من الصوفية الملحدين اعداء الدين و خلفاء الشياطين لعنهم الله الي يوم الدين ادعوا انهم من اهل الباطن و عندهم من تلك الاسرار و قلوبهم مستضيئة بتلك الانوار و اتوا باشياء مموهة و اموراً ملبسة قد ضلوا و اضلوا كثيراً و ضلوا عن سواء السبيل و لما كانت دعواهم انما هي في البواطن و الاسرار و انما هي من نفثات الشياطين و اخبارهم اولئك الملاعين كما قال عزوجل و ان الشياطين ليوحون الي اوليائهم اشتبه علي الناس ممن لم‌يطلعوا علي حقايق العلوم الالهية و دقايق الرسوم الصمدانية فصاروا لم‌يميزوا بين الغث و السمين و لم‌يفرقوا بين اهل

 

 

«* جواهر الحكم جلد 4 صفحه 419 *»

الحق و بين اولئك فتشبثت طايفة بذيل اولئك الملحدين زعماً منهم بانهم ارباب الكشف و اليقين و اصحاب البصيرة في الدين فوقعوا فيما وقعوا من الخسران المبين و انكر آخرون اولئك الابرار الاطهار من المؤمنين الممتحنين الحاملين لاسرار الائمة الطاهرين المتادبين بآدابهم الناهجين منهجهم حتي هجم بهم العلم علي حقيقة الايمان فاستلانوا من احاديثهم ما استوعر علي غيرهم و استأنسوا بما استوحش منه المكذبون و اباه المسرفون و انما كان انكارهم لاجل انهم اتوا بما لا يعلمون و تكلموا بما لايعرفون فظنوا انهم اولئك الاشرار الملحدون فانكروهم اشد الانكار مع انهم ممن يجب عليهم طاعتهم لينالوا بها منازل الابرار و لكن لما كان لله الحجة البالغة و الدلايل الظاهرة و الآيات الباهرة‌ و الانوار الساطعة و النجوم المضيئة و لم‌يدع الخلق في ظلمة عمياء و لا دهمة بهماء جعل للخق علم هداية و دليل رشد و ميزان قويم يعرف به الحق من الباطل و الغث من السمين و هم الائمة الهداة: و ما ظهر من الكتاب و السنة باوضح الدلالة حتي لاتبقي لمحتج حجة و لولا ذلك لما قامت حجة الله علي الخلق و لكان للخلق حجة علي الله و هو سبحانه يقول لئلا يكون للناس علي الله حجة بعد الرسل و قال عزوجل اليوم اكملت لكم دينكم و اتممت عليكم نعمتي و قال قبله اليوم يئس الذين كفروا من دينكم فلاتخشوهم و اخشوني فوجب ان‌نذكر بعض العلامات الماخوذة من سادة البريات: لبيان الفريقين و امتياز كل منهما عن الآخر لقطع حجة المعاند و رفع شبهة الجاهل.

فنقول اعلم ان لاهل الحق علامات بها يمتازون عن غيرهم فاذا وجدتها في احد فاعلم انه القرية الظاهرة التي قد امرت بالسير فيها الي القرية المباركة و تلك العلامات علي وجهين منها ما يتعلق بعلمهم و منها ما يتعلق بعملهم.

و اما الاولي فاعلم انهم اذا نظروا في مسألة من المسائل لاينظرون فيها حتي يرتفع ثلاث خصال و تجتمع خمس خصال اما الاولي:

 

 

«* جواهر الحكم جلد 4 صفحه 420 *»

فاولها ان‌يتمحض قصدهم و نيتهم في معرفة تلك المسألة‌ من العلم لله سبحانه ليتوصل بها الي طاعته و رضاه من عمل او قول او ظهور قدرة و عظمة يوجب كمال الخوف او نعمة و احسان يوجب الرجاء و الطمع او جلال يقهره عن نفسه او جمال يجذبه اليه و يفقده عن نفسه لينقطع الي ربه و امثال ذلك من الاحوال الراجعة الي الحق سبحانه و لايطلبها ليعاند بها العلماء و يماري بها السفهاء او يصرف اليه وجوه الناس او ليغزر علمه ليعرف بذلك و يشتهر به و امثال ذلك من انواع العصبية و الجدال و المراء كما تري في اغلب احوال الناس.

و الثانية ان لايكون حين النظر مانوساً بطايفة من اهل العلم او غيره ليميل قلبه اليهم و الي ما يقولون فان حبک للشيء يعمي و يصم و قد يكون علي باطل و خطاء فيقع فيما وقعوا فيه بل يكون انسه بالله و ميله فيما عند الله من كان يريد ثواب الدنيا فعند الله ثواب الدنيا و الآخرة.

و الثالثة ان لايكون عنده قاعدة قد اخذها من غير اهل بيت العلم علي النمط الذي نذكره ان‌شاء الله فان من عنده قاعدة لايامن ان‌يركن اليها و يعرف العلم اليها و قد تكون باطلة فاسدة فيقع في الخطاء و الغلط كما تري الآن اغلب الناس يطرحون الاخبار الصحيحة المتكثرة و ينكرونها لمخالفتها لقاعدتهم و قد تكون القاعدة باطلة.

و اما الثانية من الخصال الوجودية:

فاولها ان‌يكون باقياً علي الفطرة الاصلية الاولية غير مغير لها بمتابعة الشيطان فلم‌تسبقه الشكوك و الشبهات و علامته ان‌يكون دائم النظر و التفكر في خلق الله من السموات و الارض و خلق نفسه و احواله و عظيم التحير حين ما ينظر اليها و علامة ذلك صفاء طويته و ذكاء سريرته و علامته ان لايشغله علم عن الآخر بل يكون الاشياء عنده بعضها دليلاً علي الآخر فلايقال فيه انه كامل في علم دون العلم بل العلوم كلها عنده علي حد سواء لان الباقي علي الفطرة يري آية الوحدة في كل شيء فعين بصيرته مفتوحة فلايفرق عنده في الرؤية بين

 

 

«* جواهر الحكم جلد 4 صفحه 421 *»

شيء و شيء كما في العين الجسمي اذا كانت مفتوحة يري الاجسام علي اختلاف الوانها و احوالها و كذلك عين القلب اذا كانت مفتوحة و اما الذي يقتصر علي شيء فلايعرف الآخر فهي كالاعمي الذي يعلمونه بعض الاشياء فلايعلم الا الذي علم و قولي كل العلوم علي حد سواء، مرادي انه عرف اللطيفة السارية في العلوم كلها و هي النقطة التي قالها7 و لايلزم ان يكون ظهور تلك النقطة علي التفصيل كلها حاضرة عنده بل اذا طلب كل ما اراد منها وجد بمشاهدة تلك النقطة فيها و يستدل بكلها علي كلها كما مر فهم من فهم.

الثانية ان‌يجد لها دليلاً من كتاب الله سبحانه من الآيات المحكمات التي هن ام الكتاب بحيث لايمكن انكارها و اما المعاند فلايقطعه الف حجة و لايتشبث في الاستدلال بالمتشابهات و هي التي لم‌تظهر دلالتها و المراد منها اما بنفسها او بامر خارج منها كالاخبار الموضحة لها المعينة للمراد منها و ان كانت هي علي الظاهر مجملة فانها حينئذ ليست من المتشابهات.

و الثالثة ان‌يجد لها دليلاً من احاديث اهل البيت: كما ذكرنا في الكتاب و يجتنب عن الاحاديث التي لم‌يقبلها الاصحاب الا اذا كانت راجعة اليها و ان لايكون لها معارض اقوي بل لايجد معارضاً اصلاً اذ التعارض في الاخبار امر صوري لا حقيقة له و اما تغيير المغيرين و المبدلين و سهو الساهين و الناسين في الرواية و امثالها فجعلوا: في ارشاداتهم قراين و ادلة تنفيها و تثبت الامر الواقعي المراد و لولا ذلك لما استقام قولهم: ان لنا اوعية من العلم نملؤها علماً لننقله الي شعيتنا فخذوها و صفوها تجدوها نقية صافية و اياكم و الاوعية فنكبوها فانها اوعية سوء، هذا معني الحديث فلولا القراين الناصبة لماتتاتي التصفية فان الخلق جهال لايعلمون شيئاً الا ما علموهم اياه كما قال9 هنا يا ابن عباس لاتجد في يد احد حقاً الا بتعليمي و تعليم علي7 و الكلام في هذا المقام طويل و الاشارة كافية لمن اهتدي الي السبيل و لم‌يتعود بالقال و القيل فمجمل القول انه لايتمسك

 

 

«* جواهر الحكم جلد 4 صفحه 422 *»

برواية علي خلاف القانون الذي جرت العادة بين الفرقة المحقة في التمسك بها فان هذه الطايفة لاتزال علي الحق حتي تقوم الساعة.

و الرابعة ان يدل عليها العقل المستنير بنور الله و المتسوقد بضياء ائمة الهدي: و معناه انه تربي و نشأ في شدة الاعتناء و النظر في اخبارهم مع اعتقاد الجازم بانهم: لايهملون رعاياهم و غنمهم و عالماً بانه حين ما ينظر و يلاحظ الاخبار هو بين يدي امامه و سيده يتعلم منه7 كما قالوا نحن العلماء و شيعتنا المتعلمون و سائر الناس غثاء و هو7 لاتمنع غيبته عن مشاهدة رعيته و اصلاح احوالهم و طرد الشيطان و الباطل عنهم كما قال تعالي و دخل المدينة‌ علي حين غفلة من اهلها فوجد فيها رجلين يقتتلان هذا من شيعته و هذا من عدوه فاستغاثه الذي من شيعته علي الذي من عدوه فوكزه موسي فقضي عليه قال هذا من عمل الشيطان انه عدو مضل مبين و قال رسول الله9 كلما كان في الامم الماضية يكون في هذه الامة حذو النعل بالنعل و القذة بالقذة و هذا هو العقل المستنير فيجب ان‌يكون له دليل عقلي عليها اي علي المسألة زائداً عما دل عليه الكتاب و السنة ليكون علي بصيرة و معرفة.

و الخامسة ان‌يجد لها دليلاً عيانياً شهودياً في العالم فانه كتاب اكبر كتب الله سبحانه بيده و بناه بحكمته و رباه بقدرته و حفظه بصنيعه و جعله من اعظم آياته و حث الناس بقراءته حيث يقول قل انظروا ما ذا في السموات و الارض و يقول و يضرب الله الامثال للناس، و مايعقلها الا العالمون، و كاين من آية في السموات و الارض يمرون عليها و هم عنها معرضون، سنريهم آياتنا في الآفاق و في انفسهم حتي يتبين لهم انه الحق، ثم ان الله سبحانه بين كيفية الاستدلال بتلك الآيات فقال و ان كل لما جميع لدينا محضرون ثم جعل لهذا آية و دليلا ليعرف الخلق كيفية هذا الحشر و العود بعد موت الخلق و اضمحلالهم فقال سبحانه و آية لهم الارض الميتة احييناها و اخرجنا منها حباً فمنه ياكلون و جعلنا فيها جنات الآية، ثم شرح هذه الآية في سورة ق حيث قال سبحانه و نزلنا من السماء ماء

 

 

«* جواهر الحكم جلد 4 صفحه 423 *»

مباركاً فانبتنا به جنات و حب الحصيد و النخل باسقات لها طلع نضيد رزقاً للعباد و احيينا به بلدة ميتاً كذلك الخروج و القرآن مشحون ببيان هذه الاحوال.

و بالجملة ما خلق الله سبحانه شيئاً و ما كلف الله العباد بامر الا و قد بينه باكمل التبيان و البيان الكامل انما يتم بالبيانين الحالي و المقالي فالبيان الحالي هو العالم و المقالي هو الكتاب و السنة و كل منهما شرح و بيان للآخر و مطابق له و في صورة المخالفة يظهر بطلان الاستدلال فلاتخالف السنة الكتاب ابداً و لا العكس و لا العالم الامرين، فاذا تطابقت هذه الادلة الاربعة مع عدم مخالفة الفرقة المحقة التي لازال الحق فهم ففي مخالفتهم عدول عن الحق و العادل عن الحق لاينجو و مع بقاء الفطرة الاصلية الغير المعوجة و مع رفع تلك الخصال وجب ان‌يكون حقاً و الا لكان الحق مغرياً بالباطل و مخلفاً للوعد تعالي ربي عن ذلك علواً كبيراً اما الوعد فقد قال الله عزوجل الذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا و ان الله لمع المحسنين و المجاهدة علي ما تحقق علي اكمل المراتب الا كما ذكرنا لانه هو الطريق المؤدي الي الحق قطعاً و لاتصح ان‌تكون المجاهدة بالادبار و الاعراض عن الحق سبحانه كما في مقابلات ما ذكر فيجب علي الله سبحانه الهداية و لاتحسبن الله مخلف وعده رسله و اما الاغراء بالباطل فلايمكن فرض وقوعه بالنسبة الي الله سبحانه مع ان الله سبحانه نص بوفاء العهد الذي عاهد من هداية المحسنين حيث قال فهدي الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحق باذنه و الله يهدي من يشاء الي صراط مستقيم فاثبت الهداية للمؤمنين ثم شرح الايمان و اوضح حقيقته فيما يتعلق بالعلم او مع العمل بقوله الحق فلا و ربك لايؤمنون حتي يحكموك فيما شجر بينهم ثم لايجدوا في انفسهم حرجاً مما قضيت و يسلموا تسليماً و المخاطب في الظاهر هو رسول الله9 و في الباطن هو اميرالمؤمنين7 و الاخلاص في حكم اميرالمؤمنين7 هو الذي ذكرنا من ملاحظة الادلة الاربعة ثم بين الله سبحانه اصابة المؤمنين فيما صاروا اليه من معتقداتهم و اعمالهم و عدم خطائهم فيما ينسبون الي الله تعالي بقوله تعالي و جعلنا بينهم و بين القري التي

 

 

«* جواهر الحكم جلد 4 صفحه 424 *»

باركنا فيها قري ظاهرة و قدرنا فيها السير سيروا فيها ليالي و اياماً آمنين و قال مولانا الباقر7 نحن القري التي بارك الله فيها و القري الظاهرة شيعتنا فنص سبحانه و تعالي باتباع الشيعة المؤمنين الذين هداهم الله بالحق مع اختلاف الناس في الاداء و نص ايضاً علي انهم لايخطون اذ حكم للسائرين فيهم الآخذين عنهم بالامن و لايكون الا الامن من الخطاء فاثبت صحة مجاهدتهم في الله لترتب الآثار عليهم و هي الهداية قد قلنا ان المجاهدة في العلم لاتكون الا كما ذكرناه و كل ما سواه طريق الهلاك و الوبال و سبيل الخسران و النار ثم ان كل شيء لما كان له ثلاث جهات جهة الي الحق و جهة الي نفسه من حيث انه اثر لغيره و جهة الي غيره من حيث ارتباطاته لترتب نظام معيشته في دنياه و آخرته عليه و لكل مقام احكام و اقتضاءات تجري علي ذلك المقام و لكل مرتبة دليل خاص بتلك المرتبة فللثالثة دليل المجادلة و للثانية دليل الموعظة الحسنة و للاولي دليل الحكمة و في كل مقام يجب تحقق تلك الخصال كلها من الوجودية و العدمية فيكون العارف (للعارف خ‌ل) من المؤمنين الممتحنين و الشيعة المخلصين اربعة و عشرين دليلاً و ميزاناً في معرفة كل شيء و في كل واحد ربما يتطرق فيه الخطاء و اما اذا اجتمعت فيمتنع ذلك لما ذكرنا فاذا عجز عن اتيان هذه الامور كلها في شيء من الاشياء و ان تمكن عنه في اغلبها و اكثرها فذلك لايوثق به و اما اذا كان في كل شيء بحيث لايشذ  عنه شيء اتي بالمذكورات فهو المؤمن الذي امتحن الله قلبه للايمان و شرح صدره للاسلام و وجب علي الخلق اتباعه و الاقتداء به فيما يجهلون من امور دينهم و دنياهم و آخرتهم و عقباهم و هو قليل من المؤمنين و هو اعز من الكبريت الاحمر و هؤلاء الذين عندهم من الاسرار ما لايتحمله الا الصديقون و الابرار فاذا سمعت منهم شيئاً فلاتقابله بالانكار و سلم الامر له تسلم بشرط تحقق الامر الثاني فيهم كما نذكره ان‌شاء الله فاذا رايت فيهم مايخالف ذلك فتبرأ منهم فانهم اعداء الدين و خصماء النبيين و خلفاء الشياطين و هذا الذي ذكرنا هو علامة اهل الحق في العلم.

 

 

«* جواهر الحكم جلد 4 صفحه 425 *»

و اما العلامة الثانية التي في العمل فهي ان‌يكون جميع اعماله و اقواله كلها مطابقة لما عليه الشريعة الغراء النبوية العامة للمخلوقين كلها فلاينكر شيئاً منها بادعاء ان الباطن غير الظاهر و ان هذه الاعمال لاهل الظاهر و اما المطلوب من العارفين فاخلاص القلب و لطافة السرّ لا هذه الاعمال المشترك فيها ساير الخلق فان ذلك من صفات الفسقة من اهل الجور حيث تشاغلوا عن الطاعات بل يكون المؤمن كما وصفه اميرالمؤمنين7 بعض صفاتهم لهمام و انا اذكر الحديث ان‌شاء الله بطوله لما فيه من المنافع الجليلة و اظهار اهل الحق و امتيازه من اهل الباطل روي الكليني (ره) باسناده الي ابي‌عبدالله7 قال قام رجل يقال له همام و كان عابداً ناسكاً مجتهداً الي اميرالمؤمنين7 و هو يخطب فقال يا اميرالمؤمنين صف لنا صفة المؤمن كأننا ننظر اليه فقال7 يا همام المؤمن هو الكيس الفطن بشره في وجهه و حزنه في قلبه اوسع شيء صدراً و اذل شيء نفساً زاجر عن كل فان حاض علي كل حسن لا حقود و لا حسود و لا وثاب و لا سباب  لا عياب و لا مغتاب يكره الرفعة و يشنأ السمعة طويل الغم بعيد الهم كثير الصمت وقور ذكور شكور مغموم بفكره مسرور بفقره سهل الخليقة لين العريكة رصين الوفاء قليل الاذي لا متأفك و لا متهتك ان ضحك لم‌يخرق و ان غضب لم‌ينزق ضحكه تبسم و استفهامه تعلم و مراجعته تفهم كثير علمه عظيم حلمه كثير الرحمة لايبخل و لايعجل و لايضجر و لايبطر و لايحيف في حكمه و لايجور في علمه نفسه اصلب من الصلد و مكادحته احلي من الشهد لا جشع و لا هلع و لا عنف و لا صلف و لا متكلف و لا متعمق جميل المنازعة كريم المراجعة عدل ان غضب رفيق ان طلب لايتهور و لايتهتك و لايتجبر خالص الود وثيق العهد وفي العهد شفيق وصول حليم خمول قليل الفضول راض عن الله عز و جل مخالف لهواه لايغلظ علي من دونه و لايخوض فيما لايعنيه ناصر للدين محام عن المؤمنين كهف للمسلمين و لايخرق الثناء سمعه و لاينكي الطمع قلبه و لايصرف اللعب حكمه و لايطلع الجاهل علمه قوال عمال عالم حازم لا بفحاش و لا طياش وصول في غير عنف بذول في غير

 

 

«* جواهر الحكم جلد 4 صفحه 426 *»

سرف لا بختال و لا بغدار و لايقتفي اثراً و لايحيف بشراً رفيق بالخلق ساع في الارض عون للضعيف غوث للملهوف و لايهتك ستراً و لايكشف سراً كثير البلوي قليل الشكوي ان راي خيراً ذكره و ان عاين شراً ستره يستر العيب و يحفظ الغيب و يقيل العثرة و يغفر الزلة‌ لايطلع علي نصح فيذره و لايدع جنح حيف فيصلحه امين رصين تقي نقي زكي رضي يقبل العذر و يجمل الذكر و يحسن بالناس الظن و يتهم علي العيب نفسه يحب في الله بفقه و علم و يقطع في الله بحزم و عزم لايخرق به فرح و لايطيش به مرح مذكر للعالم معلم للجاهل لايتوقع له بائقة و لايخاف له غايلة كل سعي اخلص عنده من سعيه و كل نفس اصلح عنده من نفسه عالم بعيبه شاغل بغمه لايثق بغير ربه قريب وحيد حزين يحب في الله و يجاهد في الله ليبتغي رضاه و لاينتقم لنفسه بنفسه و لايوالي في سخط ربه مجالس لاهل الفقر مصادق لاهل الصدق موازر لاهل الحق عون للغريب اب لليتيم بعل للارملة حفي باهل المسكنة مرجو لكل كريمة مأمول لكل شدة ‌هشاش بشاش لا بعباس و لا بجساس صليب كظام بسام دقيق النظر عظيم الحذر لايجهل و ان جهل عليه لايبخل و ان بخل عليه صبر و عقل فاستحيي و قنع فاستغني حياؤه يعلو شهوته و وده يعلو حسده و عفوه يعلو حقده لاينطق بغير صواب و لايلبس الا الاقتصاد مشيه التواضع خاضع لربه بطاعته راض عنه في كل حالاته نيته خالصة اعماله ليس فيها غش و لا خديعة نظره عبرة و سكوته فكر و كلامه حكمة مناصحاً متبادلاً متواخياً ناصح في السر و العلانية لايهجو اخاه و لايغتابه و لايمكر به و لايأسف علي ما فاته و لايحزن علي ما اصابه و لايرجو ما لايجوز له الرجاء و لايفشل في الشدة و لايبطر في الرخاء يمزج الحلم بالعلم و العقل بالصبر تراه بعيداً كسله دائماً نشاطه قريباً امله قليلاً زللـه متوقعاً لاجله خاشعاً قلبه ذاكراً ربه قانعة نفسه منفياً جهله سهلاً امره حزيناً لذنبه ميتة شهوته كظوماً غيظه صافياً خلقه (قلبه خ‌ل) آمناً منه جاره ضعيفاً كبره قانعاً بالذي قدر له متيناً صبره محكماً امره كثيراً ذكره يخالط الناس ليعلم و يصمت ليسلم و يسأل ليفهم و يتجر ليغنم لاينصت للخير ليفخر به و لايتكلم

 

 

«* جواهر الحكم جلد 4 صفحه 427 *»

ليتبختر به علي من سواه نفسه منه في عناء و الناس منه في راحة اتعب نفسه لآخرته فاراح الناس من نفسه ان بغي عليه صبر حتي يكون الله الذي ينتصر له بعده ممن تباعد منه بغض و نزاهة و دنوه ممن دني منه لين و رحمة ليس تباعده تكبراً و لا عظمة و لا دنوه خديعة و لا خلابة بل يقتدي بمن كان قبله من اهل الخير فهو امام لمن بعده من اهل البر قال قال فصاح همام صيحة ثم وقع مغشياً عليه فقال اميرالمؤمنين7 اما والله لقد كنت اخافها عليه فقال هكذا تصنع المواعظ البالغة باهلها فقال له قائل فما بالك يا اميرالمؤمنين فقال7 ان لكل اجلاً لن‌يعدوه و سبباً لايتجاوزه فمهلاً لاتعد فانما نفث علي لسانك الشيطان انتهي، صلي الله علي قائله.

فهذه الاوصاف هي علامات المؤمن العارف بالله عز و جل فبهذه الاوصاف و الاعمال تصفو قابليته و تزكو سريرته فيشرق علي قلبه نور اليقين و علي فؤاده نور المحبة و علي صدره نور العلم فكلما ازداد حباً و يقيناً و علماً ازداد عملاً و توجهاً و اقبالاً فازداد استنارة و استضاءة لان الله عزوجل قريب المسافة فمن دعاه اجابه و من سأله اعطاه فاذا استنارت قابليته تحملت لظهورات المثال و تلك الظهورات ليست عند من كثفت قابليته و خبثت اعماله فاذا تكلم مثل هذا الشخص بشيء من الاسرار فيصدق و لاينكر عليه لانه لايقول شيء (شيئاً ظ) يخالف ما عليه عامة المسلمين الموحدين و ان لم‌يدركوا وجه المطابقة كما ان مولانا و سيدنا القائم عجل الله فرجه يخبر اصحابه بتلك الكلمة فيتفرقون عنه7 سوي الوزير و احد عشر نقيباً فاذا تفرقوا و جالوا الارض و لم‌يجدوا ملجأ غيره ياتونه مسلمين قابلين لعلمهم بانه7 معصوم لايخطو فذلك اذا وجدت شيعتهم يتخلقون باخلاقهم و يتأدبون بآدابهم و لايخالفونهم باقوالهم و اعمالهم فتظهر فيهم نقطة مثالهم فيصدر عنهم مثل اقوالهم و اعمالهم و هذا التصديق لايكون الا بعد الاختبار بالعلامات المذكورة مع ان المخلصين من الشيعة لم يظهر منهم ما هو مخالف لعقول الخلق و لايظهرون الحكمة لغير اهلها كيف و ان اذاعة سرهم: من

 

 

«* جواهر الحكم جلد 4 صفحه 428 *»

افسق (من افسق الفسوق خ‌ل) و هم لايتجرؤون الي مثل ذلك و اما الصوفية فيابي الله الا ان‌يفضحهم و يظهر للناس شناعة احوالهم و اقوالهم و مكابرتهم مع الله و ادبارهم عنه لئلايتسلط المنافقون علي المؤمنين و لن‌يجعل الله للكافرين علي المؤمنين سبيلاً و ان اردت اذكر شناعة امرهم و وقاحتهم و فضايحهم عموماً و خصوصاً يطول به الكلام فعليك بمطالعة كتب العلماء المدونة فيهم و في صفاتهم و اعمالهم و ان‌تكتموا و تستروا و اخفوا قبايح امرهم فعلي الله سبحانه ان‌يظهرها ليهلك من هلك عن بينة و يحيي من حي عن بينة الا ان الذين غطت الشبهات اعينهم و ابصارهم بسوء اعمالهم و رداءة ميولاتهم فلايرون تلك القبايح او لايرونها قبايح، يرون اقبح ما ياتونه حسناً، فلايعتمد اذن فيما يقولون و يجب الاعراض عما يصفون فان ما عندهم انما اتي من الخزاين السوأي من سجين قد تصاعد اليهم بمعونة الشياطين و ان الشياطين ليوحون الي اوليائهم ليجادلوكم و ان اطعتموهم انكم لمشركون، و لتصغي اليه افئدة الذين لايؤمنون بالآخرة‌ و ليرضوه و ليقترفوا ما هم مقترفون.

و اما في معرفة البواطن القرآنية فيجب مع ذلك كله زيادة تفصيل معرفة سر الاسلام و سر الايمان و سر التوحيد و سر الاسماء الذاتية و الفعلية‌ و سر العلة و المعلول و سر النبوة و الولاية و سر الدنيا و مبدأ نشوها و كينونتها و سر الاختلافات الواقعة فيها و سر الرجعة و سر ظهور الكلمة التامة و سر البرزخ و سر الآخرة و سر القرار و الاستقرار و حقيقة النعيم و الاليم و سر النقطة في بسم الله الرحمن الرحيم موزوناً كل هذه الاسرار بالميزان القويم و القسطاس المستقيم علي ما شرحت و فصلت لك و يجب ان‌يكون جميع ما يذكر من الاسرار و البواطن غير مخالف لما عليه ظاهر الشريعة و غير مناف لما يعتقده العوام من اهل هذه الملة لان النبي9 قد اقرهم علي ذلك و ما غشهم و ما خدعهم حاشاه عن ذلك ثم حاشاه لانه9 بالمؤمنين رؤوف رحيم و قد قال9 لاتزال طائفة من امتي علي الحق حتي تقوم الساعة و معني عدم المخالفة ليس ان ما يأتي به مخالف

 

 

«* جواهر الحكم جلد 4 صفحه 429 *»

لما يعقلون و يفهمون و الا لم‌يكن باطناً بل يجب ان لايكون مخالفاً لما يعتقده كافة اهل المذهب كالمعاد الجسماني فان عامة الناس و كافتهم يعتقدون ان المعاد هو الجسم الدنياوي فلو قال مدعي الباطن و الاسرار ان الجسم لايعود او ان المراد بالجسم في الباطن كذا (و خ‌ل) كذا نكذبه و نكفره لانه اتي بما يخالف الظاهر و قد قال مولانا الصادق7 ان قوماً آمنوا بالباطن و كفروا بالظاهر فلم‌يك ينفعهم ايمانهم شيئاً و ان قوماً آمنوا بالظاهر و كفروا بالباطن فلم‌ينفعهم ايمانهم شيئاً و لا ايمان ظاهراً الا بباطن و علي هذا يظهر لك بطلان التاويلات و البواطن التي يذكرونها الصوفية كقول رئيسهم مميت الدين بن عربي في قوله تعالي سواء عليهم ءانذرتهم ام لم‌تنذرهم لايؤمنون بالجبت و الطاغوت و لايريدون سوي الحق المعبود ختم الله علي قلوبهم و علي سمعهم فلايعرفون الا الحق و لايفهمون الا الله و علي ابصارهم غشاوة فلايرون الا نور الله و لهم عذاب عظيم العذاب مشتق من العذب و هو الحلاوة نعم لهم في الخلوة مع محبوبهم لذة عظيمة لايعادلها شيء من لذات الدنيا و الآخرة‌و امثال ذلك من التأويلات التي يخالف ما عليه عامة المسلمين فتباً لهم و سحقاً ليس لهم حظ من الدين و لا معرفة بما اتي به سيد المرسلين9 اجمعين و اما المعني الذي يوافق ظاهر ما عليه الفرقة المحقة فكما في قوله تعالي و لقد زينا السماء الدنيا بمصابيح و جعلناها رجوماً للشياطين فالسماء الدنيا في الظاهر اما فلك القمر او الفلك المكوكب و المصابيح هي النجوم المركوزة‌ في السماء و الشياطين هم الذين يصعدون الي السماء لاستراق السمع و اما في الباطن فالسماء هو رسول الله9 لانها بمعني العلو و هو اعلي من كل عال و المصابيح هم الائمة سلام الله عليهم و الشياطين هم شياطين الانس و الجن اذ ببركتهم: يدفع شرهم و يؤمن مكرهم و امثالها من الآيات فانها لايخالف ظاهر الآية لانها في مقام المدح و اظهار النعمة و الامتنان بخلاف ما تقدم فافهم و اتقن هذه الشرايط و العلامات و ميز بها بين اهل الحق من اهل الباطن و بين اهل الباطن من اهل الباطن فان الناس يحتاجون اليها كثيراً لشدة

 

 

«* جواهر الحكم جلد 4 صفحه 430 *»

الالتباس و وسواس الخناس في صدور الناس و انت لاتجد هذا الميزان علي هذا الشرح و التفصيل و ايضاح السبيل باقامة الدليل في غير هذا المقام فخذه و اغتنم و كن من الشاكرين.

و اما نحن فلانتفوه ان‌شاء الله تعالي في بواطن القرآن و احاديث اهل البيت: الا بعد ملاحظة هذه الشروط المذكورة و العلامات المسطورة و لكن لايخفي علي جنابك ان بيان هذه البواطن و الاسرار عنهم: لايجب ان‌يكون بالتصريح في كل موضع و التخصيص في كل مطلب و الا لم‌يتميز بين العالم و الجاهل و لايعرف مقام المؤمن الممتحن عن غيره بل بينوها: بالقاء الاصول و القواعد علي اطوار مختلفة‌ و انحاء متشتتة متفاوتة منها بالتصريح و منها بالتلويح و منها بلحن المقال و منها بلحن الخطاب و منها بدليل التنبيه و الاشارة و منها بدليل الخطاب و منها بالفحوي و منها بالمثال و منها بالبيان و منها بالسؤال و منها بالجواب و منها بالسكوت و منها بالاعراض و الاهمال و منها من قبيل اياك اعني و اسمعي يا جارة و منها بالجمع و منها بالتفريق و منها بالاعلان و منها بالاخفاء و منها بالناسخ و منها بالمنسوخ و منها بالاجمال و منها بالتفصيل و منها بالكناية و منها بالتشبيه كل ذلك بعموم او خصوص او اطلاق او تقييد و جميعها بدليل الحكمة او بدليل الموعظة الحسنة او بدليل المجادلة بالتي هي احسن و في كل هذه الاطوار لنا طريق الي معرفة تلك البواطن و الاسرار و لو اردنا شرح هذه الطرق و بيان نوع الاستخراج و الاستنباط لطال بنا الكلام و استدعي بسط مقدمات ابي الله الا كتمانها و اخفاءها في مثل هذا المقام لاسيما في هذا الزمان.

و اما بيان ما سألت ايدك الله بتوفيقه من وجوه هذه التفاسير في هذا الشرح الشريف فاني قد تعمدت في اختصار هذا الشرح و ذكر خفايا الاسرار لمقام السائل عندي و تعمقه و تبادره الي فهم هذه المسائل و سماعها مني و قراءتها علي و طويت اكثر المقدمات المبتنية عليها هذه المطالب و ذكر ادلتها فانها من نوع دليل الحكمة المخفي علي عامة الناس بل و خاصتهم فلايسعنا

 

 

«* جواهر الحكم جلد 4 صفحه 431 *»

شرح هذه المطالب علي التفصيل الذي يجده كل طالب لصعوبة مسلكها و دقة ماخذها فان النتيجة من سنخ المقدمات فما كان من الظاهر فمقدماته ظاهرية و ما كان من الباطن فمقدماته باطنية كما قال7 و سر لايفيده الا سر و سر مقنع بالسر و لكن لما كان لكل سؤال جواب و لكل خطاب اهل و اصحاب فلابد من ذكر شرذمة من هذا الباب تذكرة و عبرة لاولي الالباب.

فاقول مستعيناً بالله ملهم الصواب الذي عنه البدو و اليه الاياب انما ذكرناه في تفسير الحجارة من اطلاقها علي حجر مرمر و الياقوت و الزمرد و في تفسير السماء من اطلاقها علي سماء الارادة اي اعلاها او البرزخ بين سماء المشية و الارادة و امثالها مما هو من هذا النوع قد استخرجناه و استنبطناه من قاعدة شريفة‌ استخرجناها من ثلاثة امور قطعية يقينية لا شك فيها و لا ارتياب احدها نص الكتاب الكريم المحکم المنزل علي النبي العظيم9 و ثانيها ضرورة الاسلام و المسلمين و ثالثها العقل المستنير بنور اليقين المطابق للعقلاء اجمعين و هو من قول مولانا الكاظم عليه و علي آبائه و ابنائه السلام او قياس تعرف العقول عدله فباجتماع هذه الثلاثة تقررت تلک القاعدة الواحدة و تفرعت عنها فروع غير متناهية و هي من الابواب التي يفتح من كل باب منها الف باب و من كل باب من الالف الف باب.

الاول قوله تعالي و علم آدم الاسماء كلها الدال بصريحه علي ان الواضع للاسماء كلها هو الله سبحانه و قد ذكرنا وجه دلالته بل و صراحته علي المطلوب و دفع ما اورده عليه من الشبهات فيما كتبنا في الاصول.

الثاني ثبوت الحكمة لله سبحانه و تعالي و انه تعالي حكيم يضع الاشياء في مواضعها و يرتب بين عللها او مباديها و اسبابها و شرايطها و لوازمها و متمماتها و مكملاتها و لايجعل الاعلي اسفل و الاسفل اعلي و لا التابع متبوعاً و لا المتبوع تابعاً.

و الثالث قد دلت العقول السليمة علي ان الالفاظ فروع للمعاني و قوالب لها سواء قلنا بالمناسبة الذاتية بينها و بين المعاني ام لا.

 

 

«* جواهر الحكم جلد 4 صفحه 432 *»

فاذا كان كذلك يجب ان‌يكون المعني اذا كان مقدماً في الوجود و اصلاً و متبوعاً ان‌يكون اللفظ الدال عليه كذلك و اذا كان متاخراً و فرعاً فاللفظ الدال عليه كذلك فلو كان المعنيان مختلفان في الرتبة و الوجود بالاصالة و التبعية فلايصح ان‌يكون اللفظ الدال عليهما واحداً بالاشتراك المعنوي او اللفظي او يكون اللفظ في الثاني الفرعي حقيقة و في الاول مجازاً و الا لزم ان‌يسوي بين الاصل و الفرع في اللفظ او يجعل الفرع اصلاً و الاصل فرعاً ضرورة ان الحقيقة اشرف و اعلي من المجاز و يلزم اما ان‌لا‌يكون الله واضعاً و قد ابطلناه بالامر الاول او لايكون حكيماً فقد ابطلناه بالامر الثاني او لاتكون الالفاظ فرعاً للمعاني و مقصودة بالعرض و قد ابطلناه بالامر الثالث فتنقحت لنا قاعدة من هذه الامور و هي ان اللفظ الواحد اذا صح اطلاقه علي معنيين فصاعداً لايخلو اما ان‌تكون تلك المعاني في رتبة واحدة بمعني ان ليس بينهما ترتب في السببية ‌و المسببية او التقدم و التاخر الوجوديين بمعني ان‌يكون المقدم له مدخلية في اصل وجود المؤخر لا في ظهوره كالاب و الابن فان الترتب بينهما في الوجود الظهوري لا في التحقق الذاتي فكم من اب هو ابن في الحقيقة و كم من اب يساوي ابنه في الرتبة كالعين الذي علي البصر و الركبة و الينبوع و الشمس و الذهب و امثالها من المعاني فانها كلها في رتبة واحدة و ان اختلفت بحسب القوابل ام لا بل بينهما ترتب و تقدم و تاخر في الوجود فحينئذ ننظر في الاول اما ان‌يكون اللفظ الدال علي الجميع حقيقة او حقيقة في بعض و مجاز في الآخر او موضوع للجهة الجامعة فيكون الاشتراك معنوية او تلحظ فيه الخصوصية فيكون الاشتراك لفظياً و كل هذه الامور تصح و تحتمل اذا دل الدليل علي واحد منها اما في القسم الثاني فيجب القطع بان استعماله في المعني الاولي الاصلي المتقدم حقيقة و في الثاني ان وجدت علايم الحقيقة فننظر فان كان يمكن ان‌يكون بين المعنيين جهة جامعة و ان كان المعني الاول اقدم او لايمكن فان كان الاول فيكون الاشتراك معنوياً و الصدق من باب التشكيك و ان كان الثاني فتكون حقيقة ثانية بعد حقيقة و ان لم‌توجد علائم الحقيقة فهو مجاز و اما في المعني

 

 

«* جواهر الحكم جلد 4 صفحه 433 *»

الاول المقدم في الوجود فهو حقيقة وجدت فيها علايم الحقيقة من التبادر و عدم صحة السلب و الاطراد و غيرها علي حسب متفاهم عامة اهل اللغة ام لم‌توجد لان هذه العلامات يرجع اليها عند الالتباس و اما عند حصول القطع بالموضوع له فيجب القول به و ان لم‌توجد هذه العلايم فيكون سبيله سبيل الحقيقة المهجورة فان العربية علي سبعين وجهاً فالذي عند الناس وجه واحد منها و الكلام في هذا المقام طويل و الاشارة كافية لاهلها.

فاذا عرفت ذلك فاعلم ان الحجر يستعمل في المعني المعروف عند العامة و الخاصة و يطلق ايضاً علي آل محمد سلام الله عليهم كما في قوله تعالي و اذ استسقي موسي لقومه فقلنا اضرب بعصاك الحجر و قد روي عنهم: ان موسي في الباطن اشارة الي رسول الله9 و عصاه اميرالمؤمنين7 كما قال7 انا عصا موسي و الحجر هي فاطمة3 و العيون الاثنتا عشرة هم الائمة الطاهرة من بطن فاطمة3 فعلي عصا باعتبار و عين باعتبار آخر و في زيارة اميرالمؤمنين7 الذي زاره بها الخضر7 كنت كالجبل لاتحركه العواصف و لاتزيله القواصف، و بالجملة اطلاق الحجر عليهم عموماً و خصوصاً قد ورد لتصلبهم سلام الله عليهم في طاعة الله و ثباتهم علي الحق و يطلق الحجر ايضاً علي الطبيعة و يطلق ايضاً علي الجسم و حينئذ فيكون الاطلاق عليهم سلام الله عليهم من باب الحقيقة لان السموات و الارض و الجبال و الاحجار كلها خلقت من شعاع انوارهم و من فاضل طينتهم و آثارهم و هم قد سبقوها في الوجود فلو كان الاطلاق من باب المجاز لزم الاخلال في الحكمة علي ما تقدم و كذلك اطلاق الحجر علي الطبيعة فانه ايضاً من باب الحقيقة لان الطبيعة مبدأ الاجسام السماوية و السموات مبدأ العناصر و العناصر مبدأ المعادن التي منها الاحجار فافهم فاذا قلنا حجر مرمر بناء علي الوجه الظاهري فان موسي7 لما ضرب عصاه البحر فانفلق البحر و تشعب باثني عشر (باثنتي عشرة ظ) شعبة كالطود العظيم فانعقد الماء حجراً و لاشك ان الماء الخالص اذا انعقد حجراً

 

 

«* جواهر الحكم جلد 4 صفحه 434 *»

لاينعقد الا مرمراً كما هو المعروف المشتهر بين اهل العبر و النظر بل و كافة البشر و اما في الوجه الباطني فان البحر الولاية لما ضرب موسي عصاه فيه فانفلق ذلك البحر الي الاثني عشر (الاثنتي عشرة ظ) فلقة فتحصصت الولاية الي اثنتي عشر (عشرة ظ) حصة فكان الحجر حينئذ الزمرد الاخضر لان الامام7 مظهر النور الاخضر الذي منه اخضرت الخضرة الذي هو احد اركان العرش كما في الحديث عن اميرالمؤمنين7 و لذا كانت السادة الذرية الطيبة العلوية اختصوا بلباس اخضر و لا اقل من العمامة الخضراء و اما في التاويل فالبحر اسفل الارواح و الحجر المنعقد من ذلك البحر الطبيعة في اثني عشر طوراً و هي من حيث انها فعالة في البدن في العالم الاكبر و الاصغر فتكون حارة يابسة لان الفعل يقتضي الحركة التي تقتضي الحرارة و كل حار يابس اذا لم‌يمنعه مانع يظهر علي لون الحمرة و لما كان عالم الطبيعة اول تنزل الارواح كانت صافية غير مشوبة فكانت هي الياقوتة الحمراء كما ورد التصريح به في كلامهم: في كيفية خلق السموات و الارض ان الله تعالي لما اراد ان‌يخلق السموات و الارض خلق ياقوتة حمراء و نظر اليها بعين الهيبة الخ، و تفصيل هذه المطالب لايسع هذا المقام و مرادنا نوع الاشارة الي نوع المطلب و لما كان استعمال المشترك في اكثر من معني واحد و استعمال اللفظ المجازي و استعماله في الحقيقة الاولي و الثانية‌ و الثالثة جايزاً عندنا علي ما استفدنا منهم سلام الله عليهم فجاز ارادة هذه المعاني كلها عند اطلاق واحد فيراد كل معني في مكانه و مرتبته و هذا لا اشكال فيه ان‌شاء الله.

و اما قولنا و المشبه عين المشبه به فهو ليس من تتمة الدليل و انما هو بيان لقوله7 في الدعاء في قلب الغمر كالحجر و كون المشبه عين المشبه به مسألة تكلم فيها اهل المعاني و البيان فالمرجع في ذلك الي كتبهم و ان كان لنا في هذه المسألة تحقيق رشيق انيق و كذلك اطلاق الماء علي الزمان و القبة علي العرش علي ما فصلت لك في الحجارة حرفاً بحرف فان الزمان مقدم علي هذا الماء المعروف بالضرورة‌ و اطلاق الماء علي الزمان ايضاً عند اهل العلم

 

 

«* جواهر الحكم جلد 4 صفحه 435 *»

معلوم ظاهر كما يظهر من التتبع في كلمات العلماء و كذلك القبة فان العرش اعلي القبب و اشرفها و اعظمها فينصرف الاطلاق اليه اولاً ثم ما دونه و كذلك القول في السماء و اطلاقها علي المشية و الارادة و الحقيقة المحمدية و غيرها من المراتب فان السماء جهة العلو كما قال تعالي و نزلنا من السماء ماء مباركاً و قال تعالي فليمدد بسبب الي السماء و ذلك معلوم واضح بعد هذا البيان ان‌شاء الله تعالي.

و اما ما ذكرنا في تفسير الفلك انه دخان تصاعد الخ، فانه ماخوذ من حديث رواه المجلسي (ره) في البحار و غيره في غيره نعم ليس فيها صريح حرارة شمس اسم الله القابض و قد استفدناها من حديث المفضل بن عمر عن الصادق7 في بيان الاكوان الستة و من قوله تعالي ما تري في خلق الرحمن من تفاوت و قوله تعالي ما خلقكم و لا بعثكم الا كنفس واحدة و قال مولانا الرضا7 قد علم اولوا الالباب ان الاستدلال علي ماهنالك لايعلم الا بما هاهنا و امثالها من الآيات و الروايات التي يستخرج منها قاعدة كلية هذه و اشباهها من فروعها و اما تفسير القدر هو مضمون ما ورد عن مولانا الرضا7 و مولانا الكاظم7 علي ما روي الكليني في الكافي.

و اما قولنا يوم الاثنين وقت العصر ثاني شهر رمضان في بيت النون و المقدر هو الكاف في اول الشهر المذكور في بلد الاختراع اي آخر تلك البلدة بعد الزوال في بيت الالف حين مالت الي الباء و الله من ورائهم محيط فمرادنا من الايام المذكورة في امثال هذا المقام هو ايام الشان من قوله عزوجل كل يوم هو في شان فليس المراد من اليوم مقدار قطع محدد الجهات دورة واحدة المحدد في اربعة و عشرين ساعة قطعاً و انما ذلك من ايام الشان و منها يوم الجمعة التي ياتي اهل الجنة فيها لزيارة الرب سبحانه و تعالي بزيارة اوليائه مع ان الجنة ليس فيها ليل و لا نهار لتمتاز الايام و ايام الشان علم خاص مشتمل علي مسائل و مطالب جليلة نبيلة موجودة عند اهلها يطول الكلام بذكرها.

 

 

«* جواهر الحكم جلد 4 صفحه 436 *»

و اما قولنا ثاني شهر رمضان فهو اشارة الي قوله7 ان مبدأ السنة و اولها شهر رمضان فهو اذن مبدأ الوجود لبطلان الطفرة و اما بلد الابتداع فالمراد به عالم الابتداع الذي هو الخلق الاول علي ما في كلام مولانا الرضا7 ان المشية و الارادة و الابداع معناها واحد و اسماؤها ثلاثة و قال الصادق7 خلق الله الاشياء بالمشية و خلق المشية بنفسها و لما كان التقدير في الرتبة الثانية قلنا ثاني شهر رمضان كالنون التي هي ثاني الكاف في قوله تعالي كن فيكون و الكاف هي قوي بسم الله الرحمن الرحيم بعد ملاحظة النقطة‌ التي هي ظهور الاحدية فيها عند مقام ظهور الواحدية و هو بلد الاختراع اي عالمه اي مقام المشية و قولنا آخر تلك البلدة اشارة الي ان المشية لها مقامان احدهما رتبة ذاتها و الثانية رتبة تعلقها و التقدير انما يكون بالتعلق لا بالذات وحدها فيكون تعلق المشية بالمشاء في آخر عالمها.

و قولنا بعد الزوال اشارة الي ان الزوال هو مبدأ الشيء و العالم و اصل وجوده كما في كلام مولانا الرضا7 لذي الرياستين ان الله لما خلق العالم كان طالع الدنيا السرطان و الكواكب كانت في اشرافها هـ ، فتكون الشمس في وسط السماء لانها في برج الحمل و هو الرابع علي هذا التقدير فيكون اول الخلق وقت الزوال و لذا سمي ظهراً لظهور نور الشمس في جميع الاطوار و لما كان التقدير رتبة ثانية وجب ان‌يكون بعد الزوال.

و اما قولنا في بيت الالف القائم حين مالت الي الباء اشارة الي العقل و ادباره حين امر به في قوله7 لما خلق الله العقل استنطقه قال له اقبل فاقبل ثم قال له ادبر فادبر و اما هذا التعبير الخاص بيانه موكول الي علم الحروف الذي هو عن اميرالمؤمنين7 باتفاق من اهله معتضداً بجملة من الروايات.

و قولنا، و الله من ورائهم محيط اشارة الي انه سبحانه سبب كل ذي سبب و مسبب الاسباب من غير سبب و ان هذه المبادي و الاسباب و العلل كلها بجعله سبحانه مقهورة تحت جلال عزته و مضمحلة دون كبرياء قدرته الحاصل و لو

 

 

«* جواهر الحكم جلد 4 صفحه 437 *»

اردنا شرح هذه الاحوال علي مقتضي الحال لطال المقال و لايمكن ذلك لانه متوقف علي معرفة حقايق الاشياء علي ما هي عليه في نفس الامر بقدر الطاقة البشرية و اين الكلام من الوفاء بهذا المرام و انما ذكرت ما ذكرت اشارة الي نوع البيان و انه انما استفيد من امناء الملك الديان.

و اما قولكم و هذا خلاف المشهور بين العلماء فهو غريب من مثل جنابكم لان مناط الحقيقة و البطلان ليس الشهرة بين العلماء الاعيان كيف و الله سبحانه و تعالي يقول و ما اوتيتم من العلم الا قليلاً، و فوق كل ذي علم عليم و قال الصادق7 ما وصل اليكم من فضلنا الا الف غير معطوفة نعم اذا كانت الشهرة و الاجماع بين الفرقة المحقة ينافي ما ذكرناه فالامر كما قلتم مع ان الامر ليس كذلك فانا لاننكر المعاني الظاهرية المعروفة عند العلماء و المشتهرة عندهم حتي يرد علينا ما قلتم بل نقول مع هذه المعاني المشهورة للكلام معان اخر غير مشهورة و غير معروفة عندهم و انما هي عند اناس مخصوصين معلومين بالصفات معروفين معلومين بالعلامات اما سمعت قول مولانا الصادق7 ان حديثنا صعب مستصعب لايحتمله الا ملك مقرب او نبي مرسل او مؤمن امتحن الله قلبه للايمان اما سمعت قول الباقر7 المؤمنة اعز من المؤمن و المؤمن اعز من الكبريت الاحمر نعم اذا عرضت ما ذكرناه علي المشهور لاينكرونه و لايصدقونه اذ لم‌يعثروا علي دليله و لم‌يسلكوا منهاجه و سبيله و ليس لمن لايعلم حجة علي من يعلم و قد قال الصادق7 اني لاتكلم بكلمة و اريد احد سبعين وجهاً لي لكل منها المخرج و لاريب ان هذه المعاني كلها ليست مشهورة بين العلماء فاذا اظهر عالم بعض تلك المعاني فليس للباقين انكاره الا اذا اتي بشيء يعارضهم و ينافيهم بحيث يكون تصديقه يستلزم تكذيبهم و تكذيبه يستلزم تصديقهم فحينئذ يرجح المشهور المجمع عليه كما قال7 خذ ما اشتهر بين اصحابك و اترك الشاذ النادر فان المجمع عليه لاريب فيه و اما فيما نحن فيه فليس كذلك اذ لا منافاة بين هذه الكلمات و بين المشهور فيجب عليهم قبوله ان

 

 

«* جواهر الحكم جلد 4 صفحه 438 *»

وجد في القائل تلك الصفات و العلامات المذكورة و الا فليتوقف و لايجوز لهم الانكار تصديقاً بما رواه جابر علي ما في الكافي عن ابي‌جعفر7 قال قال رسول الله9 ان حديث آل محمد صعب مستصعب لايؤمن به الا ملك مقرب او نبي مرسل او عبد امتحن الله قلبه للايمان فما ورد عليكم من حديث آل محمد9 فلانت له قلوبكم و عرفتموه فاقبلوا و ما اشمازت منه قلوبكم و انكرتموه فردوه الي الله و الي الرسول و الي العالم من آل محمد و انما الهالك ان‌يحدث احدكم بشيء منه لايحتمله فيقول و الله ما كان هذا و الله ما كان هذا و الانكار هو الكفر انتهي.

قال سلمه الله: و بالجملة هذه البطون و امثالها لاتخلو من حالتين اما وقع التصريح بها عن الراسخين في العلم عليهم صلوات الله تعالي و حينئذ لا مجال للقيل و القال اولاً و علي هذا التقدير بيان البطون اما ان‌يكون بمحض تشهي النفس و ذلك هو الخسران المبين و حاشا عن ذلك علماء الدين و نواب الائمة الطاهرين صلوات الله عليهم اجمعين و اما بنصب القراين و لا عبرة بها ايضاً بل واجب ان لايجترئ علي مثلها لان بطون القرآن و الاحاديث لايعلمها الا هو و الراسخون في العلم كيف و البطون غير ما هو دال عليه اللفظ بحسب المعني اللغوي و مراد القائل انما يفهم بحسب استعماله الالفاظ في المعاني الموضوعة او المجازية المحفوفة بالقراين الظاهرة الدالة علي المراد كتعبير الرجل الشجاع بالاسد في قولك رايت الاسد في الحمام بقرينة الحمام فان اسقطت لفظ الحمام و قلت رايت الاسد محال ان‌يفهم ان المراد من الاسد هو الرجل الا بتصريح القائل و مثل تعبير علي7 بالنبأ العظيم في قوله تعالي عم يتسائلون عن النبأ العظيم فانه لايمكن لاحد ان‌يفهم ذلك الا بتصريح و بيان من الله سبحانه و بيان امنائه بتعليمه تعالي اياهم: و اكثر بطون القرآن و الاحاديث و الادعية المنقولة عن المعصومين: من هذا القبيل اي ليس لبطونها القراين الظاهرة و الا لكان الاطلاع علي بطون القرآن لكل احد ممكن متيسر غير متعسر و لذا منعنا عن تفسير القرآن براينا لان عقولنا قاصرة عن ادراكه

 

 

«* جواهر الحكم جلد 4 صفحه 439 *»

لكمال اختفاء بطونه و احتجاب شؤونه و اما التفسير بالبطن الذي فسر به المعصوم7 في محل خاص في محل آخر متماثل فعدم جوازه ايضاً غير بعيد لبطلان القياس و لاحتمال ان‌يكون البطن الذي فسر به المعصوم7 مخصوصاً بهذا المحل غير مطلوب في محل متماثل له نعم ان وقع التصريح عن الشارع المقدس بان هذا اللفظ مثلاً متي اطلق و حيث اطلق المراد منه هذا المعني الباطني فلا غبار و لا عثار مثل ما روي عن ابن عباس انه ما نزل الله آية فيها يا ايها الذين الا و علي راسها و اميرها.

اقول قد ظهر مما سبق جواب هذه الكلمات من ان التفسير بالراي و التشهي لايجوز بحال من الاحوال و ان العالم المتكلم بالباطن ان كان مما اجتمعت فيه تلك الصفات و العلامات المذكورة سابقاً فلايحتاج الي التصريح في كل موضع بل تكفيه الاشارة و التلويح و الكناية و الاستعارة و اثبات اللوازم و امثالها ذكرنا سابقاً من وجوه الاستدلال و الاستنباط لانه وصل الي نقطة العلم و عرف الله سبحانه و تعالي بالله و عرف الرسول بالرسالة و عرف اولي الامر بالامر بالمعروف و النهي عن المنكر و عرف العبودية و عرف اسرار الربوبية و اطوار الحقايق الخلقية في الهياكل الانسانية و الشيطانية فيعرف كلام الله و كلام امنائه لانه عرف السياق و عرف الخلاف و الوفاق و عرف مقتضي مقام الربوبية في الاداء فلايشتبه عليه امر و لايلتبس عليه حكم لانه قد عرف مراد الله من كتابه بسره كما قال الصادق7 لايصلح الافتاء الا من عرف مراد الله من كتابه بسره و هو ممن عرف لحن المقال و تصاريف الكلمة الواحدة في غالب الاحوال كما قال الصادق7 انا لانعد رجلاً من شيعتنا فقيهاً حتي يلحن له و يعرف اللحن و قال ايضاً7 انتم افقه (افقه الناس خ‌ل) ما عرفتم معني كلامنا و ان الكلمة منا لتنصرف الي سبعين وجهاً لنا لكل منها المخرج فاذا كان الامر كذلك و نال العالم هذه المرتبة الجليلة فهو ممن قال الصادق7 انظروا الي رجل منكم قد روي حديثنا و نظر في حلالنا و حرامنا و عرف احكامنا فارضوا به حكماً فاني قد جعلته عليكم حاكماً فاذا حكم

 

 

«* جواهر الحكم جلد 4 صفحه 440 *»

بحكمنا و لم‌يقبل منه فكانما بحكم الله استخف و علينا رد و الراد علينا الراد علي الله و هو علي حد الشرك بالله فقوله7 عرف احكامنا الاحكام جمع مضاف يفيد العموم الاستغراقي و هي ليست خاصة بالاحكام الفقهية بل جميع الاحكام المنسوبة اليهم من العقلية و النقلية و الاصولية‌ و الفروعية و الباطنية‌ و الظاهرية‌ و الغيبية‌ و الشهودية و الواقعية و النفس الامرية و غيرها من الاحكام الالهية المنسوبة الي العترة الطاهرة سلام الله عليهم في الدنيا و الآخرة‌ و معرفة تلك الاحكام جهات التلقي عنهم: علي انحاء مختلفة‌ و اوضاع متفاوتة علي ما يرونه من المصلحة و منها بالاشارة و التلويح و منها بالعبارة‌ و التصريح و منها بدلالة الاقتضاء و التنبيه و منها بانحاء الاشارة و التشبيه و منها بقذف في القلوب و منها بواسطة اوعية السوء و منها بروايات ضعيفة و منها باخبار صحيحة و منها ما قدمنا ذكره من جهات التعريف و اطوار التوصيف و هذا المؤمن الممتحن يتلقي عنهم صلوات الله عليهم علي جهة القطع و اليقين دون الظن و التخمين فاذا قال قولاً و تكلم بكلام و نسبته الي ائمته سلام الله عليهم وجب علي الناس تصديقه و الاذعان له و عدم الانكار له و الا شملته عقوبة ما في ذيل الرواية المذكورة لانه محفوظ بعين عناية الله و مستور بجلباب حمايته و هو القرية الظاهرة للسير الي القري المباركة التي يجب علي الناس السير فيها ليالي و اياماً آمنين و هذا كله اذا اجتمعت فيه تلك الصفات المذكورة و العلامات المسطورة في العلم و العمل و الا فاحذر و فر منه فرارك من الاسد فانه ضال مغوي و مضل عن الصراط السوي.

و اما من لم‌يكن بهذه المثابة كما تجد في عامة الناس و العلماء الذين اقتصروا علي ظواهر اللغة و اخذها من حملتها المعلومين الآخذين من العرب العرباء فهؤلاء لايجوز لهم التغوص في الباطن و التكلم بما يخالف الظاهر الا بنص صحيح صريح لايعارضه شيء من كتاب او سنة او اجماع او عقل مستقيم علي ذلك فانه يجوز له القول بالباطن حينئذ.

 

 

«* جواهر الحكم جلد 4 صفحه 441 *»

و اما اذا لم‌يكن له نص صريح فلايجوز له التكلم بالباطن فانه تقول علي الله و افتراء عليه و ان قال حقاً في الواقع فيتوجه عليه توبيخ قوله تعالي قل ءالله اذن لكم ام علي الله تفترون فظهر لك بعون الله تعالي من هذا البيان التام المشبع العام انه لايجوز تفسير القرآن بالراي و التشهي فضلاً عن التعدي الي باطنه و سره الغيبي بل يجب القول فيه بما اوقف الله سبحانه عليه ببيان امنائه: الا ان البيان يختلف بحسب اختلاف المتعلمين فمنهم من تكفيه الاشارة و منهم من لايكتفي بالف عبارة و الله المستعان و عليه التكلان و لا حول و لا قوة الا بالله العلي العظيم.

هذا اشارة الي جواب ما سألت ايدك الله و سددك فخذه و كن من الشاكرين فان ما ذكرنا لك لاتجد في كتاب و لا سؤال و لا في جواب و لايشمله خطاب و انما هو ثمرة الانقطاع الي الائمة الاطياب عليهم سلام الله في كل باب و علي الله المعول في المبدأ و المآب و عنه نلتمس الهام الصواب.