شرح العرشية الجزء الثانی – القسم الاول
من مصنفات الشیخ الاجل الاوحد المرحوم
الشیخ احمدبن زین الدین الاحسائی اعلی الله مقامه
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 290 *»
بسم اللّه الرحمن الرحيم
الحمد لله ربّ العالمين و صلي الله علي محمد و اله الطاهرين .
اما بعد فيقول العبد المسكين احمد بن زينالدين الاحساۤئي الهجري هذا الجزء الثاني من شرح العرشيّة لصدرالدين الشيرازي الشهير بملّا صدرٰا .
قال } المشرق الثاني في علم المعاد و فيه اشراقات الاول في معرفة النفس و فيه قواعد :
قاعدة اعلم ان معرفة النفس من العلوم الغامضة التي ذهلت عنها الفلاسفة ذهولا شديداً مع طول بحثهم و قوّة فكرهم و كثرة خوضهم فيها فضلاً عن غيرهم من الجدَليين اذ لايستفاد هذا العلم الّا بالاقتباس من مشكوة النبوة و التتبع لانوار الوحي و الرسالة و مصابيح الكتاب و السنّة الواردة في طريق ائمتِنَا اصحاب الهداية و العصمة عن جدّهم خاتم الانبياۤء عليه افضل صلوات المصلين و علي ساۤئر الانبياۤء و المرسلين { .
اقول قوله المشرق الثاني كما تقدم انه لمّا كان يبحث عن حقيقة الشيء التي لاتعرف الّا من اصل بدئه عبّر بالمشرق تشبيهاً للبصيرةِ المدركة او للشيء المبحوث عنه بالكوكب الظاهرة من المشرق و لان المعاد كالبدء الثاني و يراد من المعاد عود الارواح الي الاجساد بعد مفارقتها بالموت في عالم البرزخ فانها تبقي الارواح الي نفخة الصعق ساهرة كما قال الصادق عليه السلام في تأويل قوله تعالي فانما هي زجرة واحدة فاذا هم بالساهرة قال عليه السلام تبقي الارواح ساهرة لاتنام فاذا نفخ اسرافيل نفخة الصعق و هي نفخة جذبٍ لا نفخة دفعٍ كالنفخة الثانية فانها نفخة دفعٍ فاذا نفخ نفخة الصعق انجَذبت الارواح كلها و دخلت في الصور و هو شكل صنوبري له شعبتان شعبة لاهل الارض و شعبة
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 291 *»
للسَّماۤء و صورته هكذا و النفخ في الجذب و الدفع من طرفه الدقيق و لكلّ روحٍ فيه ثقبة تختصّ بها لاتصلح لغيرها و فيه اي في الثقب ستة بيوت فاذا انجذبت الروح الي ثقبها القت صورتها اي مثالها في البيت الادنَي و ماۤدّتها في البيت الذي فوقه و طبيعتها في البيت الثالث و نفسها في البيت الرابع و روحها في البيت الخامس و عقلها في البيت السادس و تبطل صورتها و يضمحلّ تركيبها اربعمائة سنة فاذا اراد عز و جل اعادتها للجزاۤء امر اسرافيل بعد احياۤئه و اقامته فنفخ في الصور نفخة الفزع الاكبر و هي نفخة دفعٍ فدفع عقلها اوّلاً ثم روحها معه ثم نفسها معهما ثم طبيعتها معها ثم ماۤدتها ثم صورتها فتألّفتْ كما ركّبها في ايّ صورة ما شاۤء ركّبك و كان قبل النفخ امطر علي وجه الارض مطراً من بحرٍ تحت العرش اسمه صاد كما قال تعالي صۤ و القرءان ذي الذكر حتي كان وجه الارض بحراً فضربته الامواج فاجتمعت اجزاۤء كل شخص في قبره و تألفت و نَمتْ و تمّ الجسد كحالته يوم قُبِرَ في قبره فاذا تمّ تركيب الروح طارت الي قبره و ولجَتْ في جسدِهَا و انشقّ القبر و خرج الشخص ينفُض التّراب عن رأسِه۪ ،
و قوله انّ معرفة النفس من العلوم الغامضة الخ ، اعلم ان العلماۤء اختلفوا في معني قول النبي صلي اللّه عليه و اله اعرفكم بنفسه اعرفكم بربّه و قول اميرالمؤمنين عليه السلام من عرف نفسه فقد عرف ربّه فقيل هذا من باب التعليق علي المحال فانّ معرفة النّفس محال و معرفة ذات الله تعالي محال و قيل هو كما قال نبي اللّهِ داود علي محمد و اله و عليه السلام من عرف نفسه بالجهل عرف ربّه بالعلم و من عرف نفسه بالعجز عرف ربّه بالقدرة و من عرف نفسه بالفناۤء عرف ربّه بالبقاۤء و هكذا و قيل من عرف نفسه بانها ليست في مكان من جسده و لايخلو منها مكان منه و انّها غير ممازجةٍ للجسد و لا مفارقة و انّها
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 292 *»
مدبّرة له و غير مشاركةٍ له في الغذاۤء و امثال ذلك عرف ربّه بالنسبة الي ساۤئر خلقه و قيل اذا قُلتَ نفسي و روحي و عقلي و جسدي و ثوبي و بيتي و ملكي و ما اشبه ذلك كان ما اضفتَ اليه هذه المذكورات غيرها فاذا عرفته عرفتَ ربّكَ في قوله عبدي و ارضي و سماۤئي و بيتي و خَلقي و ملكي فان الّذي اضفتَ اليه تلك الاشياۤء هو اللّه سبحانه و الاصحّ من هذه كلها لمن طلب المعرفة الحقّة الكاملة انّ الانسان مركب من ماۤدّة و صورةٍ و حقيقة الماۤدّة مِنْ فيْضِ كرمِ اللّه و هي وَصْفُ اللّهِ نفسه لعبده لان الله سبحانه لمّا كان لايمكن معرفته لغيره من نحو ذاته و احبّ ان يعرفه عبْده وصف نفسَهُ وصفَ تعريفٍ و تعرّفٍ و جعل ذلك الوصف حقيقة عبده و تلك الحقيقة هي ماۤدّته و هي وجوده و هي جهته من ربّه و هي نور اللّهِ الذي ينظر به المؤمن المتفرّس و هو فؤاده و هو آية الله في نفسه التي اراهم اللّه ايّاها و هي انموذجٌ فَهْوانيّ فايَّ لفظٍ سمعتَ منا من هذه الامور السبعة فانّا نريد بها وصْفَ اللّهِ سبحانه نفسه لعبده فمن عرف الوصف عرف الموصوف و لمعرفته طريقانِ طريق مجمل و طريق مفصّل فالاوّل ان وجودك بالمعني الثاني للوجود كما ذكرنا سابقا هو ان تجد نفسك اثراً و نوراً و صنعاً و الاثر يدلّ باللزوم علي المؤثر و النور يدل علي المنير و الصنع يدل علي الصانع فهذا اجمالي لمعرفة النّفس
و الثاني اعني الطريق المفصّل اَنْ تنفي في وجدانِك جميع سبحاتِ نَفْسِك حتي لاتجد الّا نفسك و هو الحقيقة التي سئَل كميل عليّا عليه السلام عنها فقال له ما لك و الحقيقة يا كميل فقال كميل اوَلستُ صاحبَ سرِّك قال بلي و لكن يرشح عليك ما يطفح منّي فقال اومثلُكَ يخيّبُ سَاۤئلا قال عليه السلام الحقيقة كشف سبحاتِ الجلال من غير اشارة قال زدني بياناً قال (ع) محو الموهوم و صحو المعلوم قال زدني بياناً فقال (ع) هتك الستر و غلبَة السِّرِّ قال زدني بيانا فقال (ع) جذب الاحديّة لصفة التوحيد قال زدني بياناً فقال (ع) نور اشرق من صبح الازل فيلوح علي هياكل التوحيد آثارهُ قال زدني بيانا فقال اَطْفِئِ السراج فقد طلع الصبح ه ،
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 293 *»
فقوله عليه السلام كشف سبحات الجلال جمع سبحة و هي النور و الشعاع و هي اعمالك وَ اقوالك و افعالك و احوالك و اوضاعك و نسبك و ملكك و فعلك و انفعالك و ما اشبه ذلك فان كل ما سوي ذاتك ليس من ذاتك فحركتك غير ذاتك و سكونك غير نفسك و كونك ابنا او اباً اَو من او علي او في او لكذا او عن كذا او بكذا و اكلك و نومك او كونك حادثا او قديما او ممكنا و هكذا كل شيء ينسب اليك او يوصف بك او توصف به كلّ ذلك غير نفسك فاذا محوتَ من وجدانك كلّ ما سوي نفسك حتي المحو لميبق الّا محض الانموذج الفَهْواني الّذي خاطبك الله به و وصف نفسه به لك و هو نفسك التي خاطبك بها خطاباً فَهْوانيّا اي مشافهة جهراً عياناً بغير رمزٍ و لا اشارةٍ فهو شيء ليس في شيء و لا علي شيء و لا لشيء و لا بشيء و لا من شيء و لا منه شيء و لا الي شيء و لا اليه شيء و ليس كمثله شيء و لا داخل في شيء و لا خارج عن شيء و لا مع شيء و لا معه شيء و لا بعيد و لا قريب و لا عالٍ و لا دانٍ و لا مصمت و لا مجوّف و لا قائم و لا قاعد و لا ناۤئم و لا ابيض و لا اصفر و لا اخضر و لا احمر و لا ازرق و لا املح و لا ذو لون و الحاصل هو شيء ليس كمثله شيء لان المشابهة غير الذات و اذا افردْتَ نفسك عن كل ما هو غير محض نفسك فقد عرفتها لانّك قد عرفت ان هذه الاغيار غيرها و من عرف نفسه فقد عرف ربّه لانه عرف وَصْفَ اللهِ سبحانه و من عرف الوصف عرف الموصوف لانه تعالي كذلك ليس في شيء و لا فيه شيء و لا من شيء و لا منه شيء و هكذا كما قلتَ في تفريد نفسك عن سُبُحَاتها الّتي ذكرنا بعضها فانها غير نفسك مثلا اذا قيل لك انت في الارض فكونك في الارض خارج عن نفسك و كونك فوق شيء غير نفسك و كونك ابن فلانٍ او ابو فلانٍ غير نفسك و كونك من شيء او منك شيء غير نفسِك و هكذا في كلّ شيء و كذا انتَ و هو و انا فان نفسك غير الخطاب و التكلم و الغيبة و الحاصل تعرف نفسك بعد كشف جميع سبُحاتها حتّي الكشف نفسه كما اشار عليه السلام اليه بقوله من غير اشارة فانّ الاشارة ايضا غير نفسك لانها من جملة السبحات و باقي فقرات الحديث يرجع الي هذا المعني و قد
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 294 *»
تكلّمنا عليه بتمامه في بعض رساۤئلنا و باقي كلام المصنف في هذه القاعدة ظاهر ليس فيه اشكال و انّما الاشكال في دعواه .
قال } قاعدة انّ للنفس الانسانيّة مقامات و درجات كثيرة من اوّل تكوّنها الي اخر غايتها و لها نشئات ذاتية و اطوار وجوديّة و هي في اوّل النشئَات التعلُّقِية جسماۤئي ثم يتدرّج شيئا فشيئاً في الاشتداد و يتطوّر في اطوار الخلقةِ الي ان تقوم بذاتها و تنفصل عن هذه الدار الي الدار الاخرة فترجع الي ربّها فهي جسمانيّة الحدوث روحانية البقاۤء و اول ما تتكوّن من نشئاتِها قوّة جسمانيّة ثم صورة طبيعيّة ثمّ نفس حسّاسةٌ علي مراتبها ثم مفكّرة ثم ذاكرة ثم ناطقة ثم يحصل لها العقل النظري بعدَ العِلم علي درجاته من حدّ العقل بالقوّة الي حدِّ العقل بالفعل و العقل الفعّال و هو الروح الامري المضاف الي اللّه في قوله قل الروح من امر ربّي و هو كاۤئن في عدد قليلٍ من افراد البشر وَ لا بُدَّ في حصوله من جَذبةٍ ربّانيّة لايكفي فيه العمل و الكسب كما وَرد جذبةٌ من جَذَباتِ الحقّ توازي عَملَ الثقلين { .
اقول اراد بكلامه في هذه القاعدة تعريف النفس و الكشف عن حقيقتها بما هو عن الكتاب و سنّة محمد و اهل بيته المعصومين صلي الله عليه و عليهم اجمعين كما هو دعْواهُ و لكنه في عمله و اعتقاده يسلُكُ مسلك الفارابي و ابيعلي بن سيناۤء و ابنعربي و ابنعطاۤءاللّه و امثالهم و ماكانَ سَالِكاً مسلكاً يوافِقُ طريق الكتاب و السنة لا في اللفظ و لا في نمط الادلّة و لا في المعاني المدلول عليها فايّ معني لتلك الدعوي و العجب من تلك الاتباع كيف قبلوا منه ما يخالف الكتاب و السُّنّة و نسبته الي الكتاب و السُّنّة و قوله ان للنفس مقاماتٍ و درجات كثيرة من اوّل تكوّنها الي اخر غايتها يدلّ علي ذكر سَيرها في تنزّلها و صعودها لا علي معرفتها و لذا قال لها نَشَئٰات ذاتيات اي حصول و تحقّق لذاتها يعني ذاتيّاً لا عرضيّاً و اطوار وجوديّة امّا عنده فمن طَور النطفة الي طور العلقة و منه الي طور المضغة و هكذا لانّها عنده جسم زماني و امّا عندنا فمن طور العقل اي معني الي طور الروح اي رقيقة و منه الي
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 295 *»
طور النفس اي صورة جوهريّة و جسم دهري بالجملة النفس بالفعل مقدمة علي الجسد الزماني تقدما دهرياً يعني هي قائمة فوق الجسد في الدهر و الجسد تحتها في الزمان و قد تنزلت الي الزمان مبهمة و غاصت في الجسد ثم خرجت عنها معينة و هي هي في مقامها قبل النزول و بعد الخروج و يقال خرجت بالنسبة الي الزمان و بعبارة اخري من جهة اخري هي في محلها و الجسد ماكان يحكيها لكثافته فاذا لطف حكيها فهي هي في مقامها مادتها من الاعلي و نزلت و صورتها من الاسفل و صعدت و ذلك ان الناطقة مرتبطة بالحسية و متعينة بها كونا و الحسية مرتبطة بالنباتية متعينة بها كونا فتشخصها و تعينها صاعد من الاسفل كما ان مادة الجسد نازلة من الاعلي و النباتية ليست تصير بالترقي حيوانية بل اذا صفت اشرق عليها نور الافلاك فاشتعلت و الحيوانية لاتصير انسانية بل اذا كملت اشتعلت بها . كريم
كما اشرنا الي بيانه فيما مضي من قوله تعالي افلايرون انّا نأتي الارض ننقصها من اطرافها قال عليه السلام يعني بموت العلماۤء ه ، و ذلك ان الصور العلميّة التي هي اطراف الارض اي نهاياتها بمعني ان ما يصْدق عليه اسم الارض الي النفس التي هي محل الصور العلمية او هي الصور العلميّة و قوله و هي في اول النشئات جوهر جسماني يشير به الي ما قلنا مما عنده فانها عنده في اوّل نشئاتها جوهر جسماني يعْني نطفة ثم يتدرّج شيئا فشيئا اي علقة ثم مضغة ثم عظاما ثم تكسي لحماً ثم تنشأ خلقا اخر اي نفساً حيوانية حسّيّة في الاشتداد و القوة من اوّل تعلّقها بالمواۤدّ متطوّرةً في مراتب التطوّر الي ان تقوم بذاتها و يستقلّ بقوّتها و تنفصل عما تعلّقت به في هذه الدنيا دَار الضيق و العسر و الحرج حيث كانت محبوسة في قَفَصِ الهموم و الغموم و الامراض و الاعراض الي الدار الاخرة و الفضاۤء الواسع فترجع الي ربّها بما تزوّدتْه من اعمالها الطيّبة او الخبيثة قال فهي جسمانيّة الحدوث روحانيّة البقاۤء يعني انّها حكمها في الحدوث حكم الاجسام النّباتيّة و غيرها لاشتراكهما في الطَّب۪يعة المتجدّدةِ المتبدِّلة و حكمها في الثَّباتِ وَ البقاۤءِ حكم الاَرْوَاح في انّها لَاتفني لان الاَرْواح عنده باقية ببقاۤءِ اللّهِ لا بِاِبقاۤئه لانّ الاَرْواحَ هي العقول عنده وَ اَمَّا عِنْدنا فالنفوس لها بقاۤء اطول من بقاۤء الاجسام و حدوثها اقدم من حدوث الاجسام الّا ان عباراته و مقاصده لاتصدق الّا علي النفوس الحسيّة الفلكيّة و هو يريد الناطقة القدسيّة بدليل انّه يقول هذه لها جنبة عقليّة لانها اذا كملت كانت عقلاً بالفعل و ينكر عقلاً غيرها و ليست الّا الناطقة لانها
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 296 *»
هي الّتي هو يدّعي ذلك لها و عندنا انّ الناطقة القدسيّة اصلها الذي خلقت منه تنزّلُ العقل و لاتكون عقلاً و ان بلغت غاية الكمال لانها هي في الانسان الصغير كاللوح المحفوظ في الانسان الكبير و العقل هو القلم و لايكون اللوح قلَماً ابداً و امّا حدوثها فقد حدثتْ في وسط الدهر لان العقل حدث في اوّل الدهر كما ان الفلك الاطلس حدث في اول الزمان و حدثت النفس في وسط الدهر كما ان السموات السبع حدثت في وسط الزمان و حدثت الطبيعة في اخر الدهر كما حدثت العناصر في اخر الزمان فالنفس لها تقدّم دهريّ قبل عالم الملك و الزمان باربعةٰالاف عامٍ فلمّا خوطبت النفوس في ذر التكليف بالستُ بربكم قالوا بلي فقال لهم و محمد نبيّكم قال المؤمنون بلي و قال الكافرون بلي بنيّة الوقوف و الانتظار حتي يروا ما العاقبة و كثيراً ما نُعبّر عنه بالسكوت اي لما قال لهم و محمد نبيّكم سكتوا فقال لهم و علي امامكم و وليكم و الائمة من ذرّيّته ائمتكم قالوا بلي فالمؤمنون مصدّقون خاشعون خاضعون و الكفار و المشركون مكذبون مستكبرون منكرون فلما خاطب النفوس و سعد بالاجابة من سعد و شقي بالانكار من شقي رجَعَهم الي الطين يعني كسر صيغتهم و اَذَابهم فكانوا طبيعة واحدةً ثم حَصَّصَهُمْ اي جعلهم حصصاً كل حصّة لشخص و اجراهم في الماۤء و السحاب و الارض و النبات فخرجوا في غيب المطاعم و المشارب ثم انتقلوا الي النطف و النفوس غيب ثم الي العلق ثم الي المضغ ثم الي العظام و النفوس في كل هذه الاطوار غيبٌ كامن فلمّا كسيت العظام لحما و دما و شعراً و بشرا بعد ما نسجت العظام بمخّها و عصبها و عروقها ظهرت النفس الحسيّة الفلكية و هي الولادة الجسمانية يعني ان الجسم ولد ما كان حاملا له في جوفه و هو النفس فلمّا تمت مدّة الحمل و وَلدته امّه و هي الولادة الدنياوية ظهرت النفس الناطقة فالنفس قبل الجسم و انّما نسمّيها بالجسم لانّها جسمانيّة اي مرتبطة بالنفس الحسّيّة التي هي مركبها و حمارُها و لانّها نهايات الارض كما مر من انها اخر ما يصدق عليه اسم الارض لا انّها جسم من اجسام العناصر المركبة و لا من الاجسام المركبة من الطباۤئع البسيطة كالافلاك بل هي نور جامد و العقل
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 297 *»
نور ذاۤئب فحدوثها قبل الاجسام و بقاۤؤها اطول من بقاۤء الاجسام و اشدّ ثباتا لانها اذا مات الشخص خرجت في عالم البرزخ باقية ما بقي البرزخ و الاجسام فنيت و كانت ترابا و بقي منها الطينة الاصلية و هي طينة الجسد المأخوذ من جابرسا او جابلقا هما بلدان في غيب الارض في الاقليم الثامن و يسمي بالسريانية بهورقليا اي ملك اخر فجابرسا في المغرب في جانب الجنة و جابلقا في المشرق في جانب النار و طينة الانسان منهما ان كان سعيداً فمن جابرسا و الا فمن جابلقا او طينة المؤمن منهما منصوبتين و طينة الكافر منهما منكوستين و الغرض ان الطينة الاصلية من عناصر هورقليا و هو اسفل الدهر و هي في البدن موجودة من يوم يتولد الي ان يموت بل و بعد الموت الي ان يتفتت البدن و يتفرق فتبقي تلك الطينة في القبر مستديرة الي ان تحيي . كريم
اللّتين افلاكهما الداۤئرة عليهما المدبّرة باذن اللّه سبحانه لما فيهما المسمّاة بهورقليا و معناه ملك آخر لان عالم الملك قسمان سفلي و هو عالم الدنيا المشاهَدُ و علوي و هو هورقليا اي عالم الملك الثاني و هو الاوّل للنازلين و الثاني للصاعدين و النفوس باقية كما قال الصادق عليه السلام في قوله تعالي فانما هي زجرة واحدة فاذا هم بالساهرة قال عليه السلام في تأويلها تبقي الارواح ساهرة لاتنام ه ، الي ان ينفخ اسرافيل نفخة الصعق فحينئذ تبطل صورتها و يضمحل تركيبها وَ يَتفكَّكُ تأليفها كل جزءٍ من اجزاۤئها الستة كما تقدم في مكانه من نوعه في الصور و اما قوله رُوحانيّة البقاۤء فالذي قام عليه الادلّة العقلية و النقليّة ان التجدد و التبدل و السيلان التي هي علل الحدوث جارية في الاجسام العنصرية و الهورقليويّة و المثالية و الطبيعية و النفسيّة و في الارواح و العقول لعلة الافتقار و الاحتياج الي ايجاد اللّه سبحانه و امداده في الصدور و في البقاۤء فكلّ ما له مفهوم غير مفهوم عنوان الحق عز و جل فهو مفتقر الي اللّه سبحانه و باقٍ بابقاۤئه لا ببقاۤئه و الا لكان مستغنياً عن اللّه تعالي فان قلتَ انّ الباقي ببقاۤءِ الله تعالي لايكون مستغنيا لانّا لمنقل انه باقٍ بذاته بل نقول انه باق ببقاۤء اللّه لا بابقاۤئه لانه شأن من الشؤن الذاتية قلتُ تريدون انها محتاجة الي اللّه تعالي في الصدور و البقاۤء في تلقّي مدده ام تريدون انها مستغنية في الحالة الصدورية ام مستغنِية في
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 298 *»
البقاۤء لا في الصدور فان اردتم الاوّل فمرحباً بالوفاق و ان اردتم الثاني تعدّدت القدماۤء و ان اردتم الثالث فقد جعلتموها محتاجة مستغنية ثم يلزمكم عدم تغيّر شيء من المدد و يلزم منه عدم تغيّر الاشياۤء فاذا ثبت امتناع تعدّد القدماۤء تساوَتِ الحاجة و الفقر الي القديم تعالي من كلّ الاشياۤء التي يغاير مفهومُهَا مفهوم عنوان القديم تعالي لا فرق بين المجرّد كالعقول و الارواح و النفوس و الطباۤئع و بين الماۤدّيات بل المجردات اشدّ افتقاراً من الماۤدّيات و اكثر اسْتمداداً و لهذا كانت ابطأ تغيّراً و اطولَ بقاۤءً و قولي مفهوم عنوان القديم و لماقل مفهوم القديم تعالي لانّ القَد۪يمَ عز و جلّ لا مفهوم له لان المفهوم فرع المدركيّة و هو سبحانه لايُدرَك و لايحيطونَ به علماً و العنوان لايخالف صفة الذات القديم سبحانه في الوصف الامكاني اي الّذي تعرّف به لخلقه و لمّا كان العنوان حادثا في نفسه لانه الدّليل جاز اطلاق المفهوم عليه لانه تعرّف الحق تعالي الَي خلقه فلو لميفهموه لميكن للتعرّف فاۤئدَةٌ و لكونه وصفاً حادثاً صحّ كونه صفة استدلالٍ لا صفة كاشفة و لميصحّ اَن يكون للممتنع عنوان لانه وصف و الوصف لايكون الّا للموصوف الموجود و مِن ثَمَّ ابطلنا ما صحّحه المنطقيّون من قولهم شريك البارئ معدوم و قلنا هذه القضيّة كاذبة اذ شرط الصحة تصوّر الموضوع و ما ليس بشيء لايتصوّر لانّ الصّورة كما بيّنّاه فيما مضي لاتقع في الذهنِ الّا ظلية انتزاعيّة من خارج عن ذلك الذهن و ما ذكروه من ان النفس لها قوّة الاختراع للصور فقد ابطلناه و ما ذكروا من ان تصوّر الموضوع يكفي فيه ادني الالتفات و الذكر و لو اجمالاً باطِلٌ لان ما لايدرك بالحقيقة لايتصوّر و لايحمل عليه منه الّا علي الجهة المدركة فلو لميدرك من شيء الّا انه موجود بمعني هسْت لميحمل عليه قاعد او قائم و لو ادركت انّه قاۤئم لمتحمل عليه انّه قاعد فلا بدّ من تصوّر الموضوع بالصفة المحمولة و ايضا قولهم شريك البارئ معدوم هذا العدم المحمول ان كان محمولا علي الصورة الذهنيّة فالقضيّة كاذبة لانها عندهم علي زعمهم موجودة و ان كان علي شيء خارج فهي كاذبة لانه اذا كان خارجاً فهو موجود و ان كان علي عنوانه فَليس للاشيء عنوان مع ان
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 299 *»
العنوان لو ثبت فهو موجود و ان كان الحمل علي الصورة باعتبارِ لاشيء رجع المعني الي اَنّ الحملَ علي الصورة بخصوصها لان لاشيء ان كان نفياً امكانيا فهو مخلوق كما ذكرنا قبلُ و كما قال الصادق عليه السلام للساۤئل قل بقول هشام في هذه المسئلة يعني ان النّفْيَ مخلوق و ان كان ما يزعمون من النفي الليس المحض اي الامتناع رجع القيد علي خصوص الصورة فالحمل علي كلّ حَالٍ لايكون الّا عَلَي مَوْجُودٍ و قوله و اوّل ما تتكوّن من نشْأَتِها الي قوله علي مَراتِبها قد ذكرنا قَبلُ انّ هذا لاينطبقُ الّا علي النّفسِ النّباتيّة لانّها هي التي اوّل ما تتكوّن قوّة جسمانيّة ثم صورة طبيعيّة الٰي هُنَا و امّا النّفس الحَسَّاسة فهي قوّة فلكيّة كما ذكرنَا سابقاً و ان كانت النباتيّة مَركباً لها لانّها انّما تتعلّق بها و تشرق عليها الّا انّ النباتيّة من العناصر و الحسّاسة ليست من العَناصر و انّما هي من المجردات المقارنةِ الّا انها تعدّ من اسافل المجردات المقارنة لانها من نوع البرازخ حتي انّها ربّما نسيتْ اصلها و ذلك لانّها بعدتْ عن مَبْدئِها و اتّصلت بغير نوعها و هي النباتيّة فجمدَتْ فَشابهَتْ مركبها و ذلك لبعض افرادها كنفوس الجراد و الخنافس و امثالهما حتي انها اذا قطع عضو من اعضاۤئِها بقي يتحرّك مدّةً لِاَنَّ نفسها تقبل الفَصْلَ و التّجزي لجمودِها و بُعْدِها عن مبدئها و ممازجتها للنباتيّة الّا انها علي كلّ حالٍ ليْست من نوع النّباتيّة لان النباتيّة استقصّها العناصر منها بدئت و اليها تعود و الحسّاسّة من نفوس الافلاك منها بدئت و اليها تعود و مراتبها تكون بالشدّة و الضَّعْف و لاتكون النباتية حسّاسة كما لاتكون الحسّاسة ناطقة علي ما بيّنّاه سابقا و قوله ثم مفكرة ثم ذاكرة ثم ناطقة اعلم ان الحواۤس البٰاطنة يقسمونها الَي خمْس الاولي الحس المشترك و يُسَمَّي بنطاسِيَا في اللغة اليونانية و هو يدرك الخيالات الظاهرة اي المحسوسة كما تري اذا ادرتَ شيئاً بسرعةٍ رأيته داۤئرةً لانّ ادراكه داۤئرة مركّب من البصر و الخيال لان الحس المشترك برزخ بين
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 300 *»
الظاهر و الباطن و انّما يعدّ من الباطنة لانّ مَحلّه فيها و هو مشرف علي الظاهرة مستعملاً لها ليوصل ما تؤدّيه اليه الي خزانتِه۪ اعني الخيال و محله مقدّم البطن الاول من الدماغ لان الدماغ له ثلثة بطون اي تجويفات فالاول فيه بنطاسيا في مقدّمه و الخيال في مؤخّره و الثاني فيه قوّتان المتخيلة في اوله و الوهم في اخره و الثالث هو البطن المؤخّر فيه الحافظة خاۤصة و هي مراتب افعال القلب و هذه القوي الخمس مجردة عن المواۤد العنصريّة بذاتها الّا انها متعلقة بالدماغ بفعلها فهي مشرقة عليه كاشراق الشمس و بمعونة محاۤلّها تتصرف فيما خلقت له فالقوة المسمّاة ببنطاسيا اعني الحس المشترك تؤدّي ما استفادته من الحواۤس بعد غيبتها الي الخيال و هو خزانة الحس المشترك و هو في الانسان الكبير فلك الزهرة لان الحس تكون فيه الصور ما دامت الظاهرة تؤدّي اليه و الظاهرة تؤدي ما دامت الصور المدرَكة حاضرة فاذا غابت انقطع تأدّي الظاهرة و ادّي الحس المشترك ما وصل اليه من الظاهرة قبل انقطاع تأدّيها الي خزانته و هي الخيال لكون بنطاسيا برزخيا لايتحقّق تحصيله بدون البرزخيّة و الخيال هو الثاني قالوا و هو واضع كرسيّه علي الماۤء و طبعه مائل الي الرطوبة و النسيان غالب عليه و كل ما يعرض عليه يحلّه في الوقت و لكن لايحفظه و الثالث الوهم و هو قوّة تدرك بها النفس معاني جزئيّة لمتصل اليه من الحواس الظاهرة كالعداوة و الصداقة و الموافقة و المخالفة كما تدرك الشاة معنيً في الذئب و يدرك الكبش معني في النعجة و هذا شخص الوهم قد وضع كرسيّه في النار و طبعه الحرارة و اليبس مائل الي اليبوسة و هو بعيد الفهم و اذا حفظ شيئا لاينساه كذا قالوا و اقول انه شخص ذو قدرة الّا انّه يظهر ما ذكروه للاغيار و يبطن خلاف ذلك للاخيار يبطن الماۤء و يظهر النار علي حد قوله تعالي اذلّةٍ علي المؤمنين اعزّة علي الكافرين و هو نفس المرّيخ فانه نحس في ظاهره و حار يابس و هذا بحسب ظاهره و صورته و امّا بحسب باطنه فانّه بارد رطب و سعد و اليه الاشارة بقوله تعالي باطنه فيه الرحمة و ظاهره من قبله العَذاب و قد
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 301 *»
قال الصادق عليه السلام انه سعد و هو بارد رطب و هو نجم سيدنا اميرالمؤمنين عليه السلام ه ، و ذكر علماۤء الصناعة هذا المعني بعينه و لوّح اليه ابنارفعرأسٍ و قال علماۤء الطبيعة الحديد ظاهره ذهب و باطنه فضّة يعنون انّ زعفرانهُ حار يابس يدخل في اصباغ الذهب و اذا طُهِّرت اوساخه كان فضّة و قبل هذا الشخص شخص المتخيّلة فالاولي ان يكون هو الثالث و الوهم هو الرابع لان شخص المتخيّلة قاعد في السماۤء الثانية مصاحب للملاۤئكة الثلاثة شمعون و زيتون و سيمون بجوار الكاتب عُطارد و هو مكان الفكر و من ثمّ قيل انّ المتخيّلة مرادفة للمفكّرة و انّما اخّر شخص المتخيّلة عن الوَهْمِ في الذكر لان شخص المتخيّلة يشارك جميع القُوَي و يكون بطبع ما يكون معه و شأنه تركيب الصور بعضها ببعضٍ و المعاني بعضها ببعضٍ و الصور بالمعاني و بالعكس كتركيب اجنحةٍ للانسان و قرون للطير و منه تركيب الف رأس لشخص واحدٍ هذا عندهم و امّا عندنا فكلّ ما في هذه القوي انتزاعية من الاشياۤء الخارجة كما بيّنّاه سابقاً و قيل الاول شخص الخيال لان الحس المشترك برزخ لايعد منها و الثاني شخص الوهم و الثالث شخص الفكر قد وضع كرسيّه في الهواۤءِ و طَبْعُهُ ماۤئل الي البرودة يكذّب و يتّهم و يفتري فيها و يحكم علي الذي لايعرف فلايلتفت اليه و الرابع شخص التذكّر قد وضع كرسيّه علي الماۤء و طبعه ماۤئل الي الحرارة ففي وقت يكون علي صفة الملكيّة و في وقت يكون علي صفة المرأة و الشياطين يؤلّف الاشياۤء و يركّبها و عنده غراۤئبها و عجاۤئبها مثل علوم الصناۤئع و السّيمياۤء و السحر و الناريجات و الشعبذة و هو المهندِس فيها فاحذر اَنْ يغرّك كذا قيل و الخامس شخص الحفظ قد وضع كرسيّه علي الارض و طبعه ماۤئل الي الاعتدال و الغالب عليه المكر و الحيلة و الخدعة و هو حافظها برئ من الخيانة فيما تؤدّي اليه الابواب الاربعة السابقة فيحفظ افعالها فان وقع عنده تغيير فليس منه و انّما هو من البوّابين كذا ذكروا و لي في هذه الاشياۤء كلام يطول ذكره
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 302 *»
يصحّح بعض ما قالُوا و يُكذِّب بعضاً و قد يسمّي الثالث باسم الرابع لان الذكر لايتم الّا بالحفظ و قيل شخص الحفظ يحفظ المعاني الجزئية و هو في جوار المشتري و نسبته الي الوهم كنسبة الخيال الي بنطاسِيا فالمفكّرة من افعال الناطقة مع استعمال القوّة العقليّة و المتخيّلة من افعال الناطقة مع استعمال القوّة الوهميّة و كذلك الذاكرة فاذا كانت هذه الحواۤسّ احوالاً و افعالاً للناطقة كيف تكون هي الناطقة لانها لو كانت كما ذكره المصنّف من انها تترَقَّي حتّي تكون ناطقة لَماوجدت للنّاطقة و لَماوُجدت حيث توجد الناطقة بل تكون للناطقة كالحصرم للعنب اذا بلغ العَنَبيّة ذهبت الحصرميّة و كالنطفة بالنسبة الي العلقة و العلقة بالنسبة الي المضغة و المضغة بالنسبة الي العظام و هكذا فلايكون للرتبة السفلي تأثيرٌ و لا تحقّق عند وجود الرتبة العليا و الامر فيما ذكره علي العكس اذ لاتوجد المفكّرة و لا المتخيّلة و لا الذاكرة و لا الحافظة ما لمتوجد الناطقة فقوله اول ما تتكون من نشأتها قوّة جسمانيّة غلط لان ما يشير اليه هو النفس النباتية و لكنه نظر الي العود الاخضر من زرع الحنطة و لمينظر الي الحبّة الَتي ظهر منها العود الاخضر فان الحبّة اصله فاذا زرع ظهر في ظاهره العود الاخضر و الحبّة كامنة فيه حتي تخرج فكذلك النفس الناطقة فانّها غيب في النفس الجسمانية اعني النباتيّة و ليست هي ايّاها و ان كانا معاً من الوجود ظاهراً الّا انها ليست منها و ان كانت النباتية من اثرها فان الناطقة كالشمس و النفس الفلكية الحيوانية الحسيّة كالشعاع من الشمس لانها من شعاعها و النفس الجسميّة النباتيّة كالعكس من الشعاع اي شعاع الشعاع فلايكون شعاع الشعاع شعاعاً في جميع احواله و ان بلغ الغاية في التكمل و لايكون الشعاع شمساً في جميع احواله و ان بلغ كمال الترقّي فكيف تكون النباتية التي هي شعاع الشعاع ناطقة كما لايكون نور الظل الذي هو عكس شعاع “٢” الشمس و شعاعه “٢-” شمساً لان الناطقة اوّل ما تتكوّن من تنزّل العقل و ظهوره و ليست جزءاً من العقل و لا جزئيّاً له و انّما هي بمنزلة الثلج من الماۤءِ فان الجمود الذي هو حقيقة الثلج ليس
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 303 *»
من الماۤء و لايكون ماۤءً و انما هو صورة خارجيّة عرضت للماۤء بواسطة البرودة الخارجيّة لا البرودة التي هي جزؤ الماۤء و الّا لكان الماۤء علي الدّوام جامداً فلاتكون الناطقة عقلاً بحالٍ من الاحوال
و قوله ثم يحصل لها العقل النظري يعني به اَنَّ النفس ترقّت مِن جسمانيّتها الي ان حصل لها العقل النظري اي الاكتسابي و هو الدرجة الثانية للعقل و اعلم انّ العقل في تعريفه سبعة اقوال السابع منها ان العقل هو النفس النّاطقة الانسانية باعتبار مراتبها في استكمالها علما و عملا كما يراه المصنّف و اهل هذا القول يطلقون العقل علي نفس تلك المراتب و علي قوي النفس في تلك المراتب و ذلك ان للنفس قوّة باعتبار تأثّرها عمّا فوقها و تَلَقّيها منه ما يكمّل جوهرها من التعقّلاتِ و يسمّي تحصيلها ذلك عقلا نظريّاً كما اَنّ باعتبار تأثيرها في البدن بتكميل جوهره عقلا اختياريّا لانّ البدن آلةٌ لها في تحصيل العلم و العمل و لها قوّة اخري و تسمّي عقلا عمليّا قالوا و للعقل النظري مراتب اربع الاولي استعداد بعيد للكمال و هو محض قابليّة النفس للادراك و يسمّي عقلاً هيولانيا تشبيها بالهيولي الاولي المجردة لانها قابلة لكل صورةٍ كذلك محض قابليتها صالحة لكل استعدادٍ مِن الاكتسابيّة النظريّة و لهذا شبّهت بالهيولي الاولي احترازاً عن الهيولي الثانية التي اُخِذ فيها الصُّوَر الثانية استعداد متوسّط لتحصيل النظريات بعد حصول الضروريات بالاولي و يسمي عقلاً بالملكة يعني بالقوّة لا بالفعل لكنّه استعداد ثابت الثالثَةُ استعداد قريب لاستحضار النظريات و هذا العقل منهم من يسمّيه عقلاً بالفعل و منهم من يسميه عقلاً مستفاداً الرابعة الكمال و هو تحصيل النظريات مشاهدة اي حصولها له بغير كسب و يسمي عقلاً مستفاداً و منهم من يسمي هذا عقلاً بالفعل و يريدون بالفعل و بالمستفاد المدركات لا الادراكات و ربّما اعتبر في المرتبة الثالثة حصول البعض بغير كسب و في الرَّابعة حصول الكلّ بحيث لايغيب عنه شيء و من اعتبر الكلّ في المرتبة الرابعة قال بعضهم لايكون هذا في الدنيا و انما يكون
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 304 *»
في الاخرة و قال الاخرون يجوز ان يكون في الدنيا للنفوس القويّة الّتي لاتشتغل بشيء و هذا اقوي و لكن الكليّة اضافية لانّ الاشياۤء مع تحقّقها كلها في عالم الامكان قد يتحقّق بعضها في الاطوار الكونية من الغيب و الشهادة و قد لايتحقّق بعض منها و قد يكون بعض منها مشْروطا و منه ما يحصل شرطه و منه ما لايحصل و علي هذا لاتحصل جميع المدركات و لذا قال تعالي رب زدني علما ، و قال صلي اللّه عليه و اله اللهم زدني فيك تحيّراً مع انّ احداً لايجوّز رتبةً لاحدٍ من الخلق تساوي رتبة النبي صلّي الله عليه و اله فضلا ان تكون فوق رتبته و انّ احداً لايشكّ في بلوغه صلي الله عليه و اله الرتبة الرابعة من العقل كيف لا و قد قال تعالي في خطاب العقل و لااكملتك الّا فيمن احبّ و هو حبيب اللّه صلي الله عليه و اله و الله سبحانه امره بطلب زيادة العلم و هو عليه السلام طلب زيادة التحيّر في اللّهِ عز و جل و قوله بعد العملي علي درجاته يعني به انه يحصل للنفس الناطقة العقل النظري بعد اَنْ تحصِّل العقل العملي علي درجاته فان له مراتب اربعاً كالنظري الاولي تهذيب الظاهر باستعمال الشّراۤئع النبويّة الثانية تهذيب الباطن من المهلِكات المردية و ترك الشواغل عن عالم الغيب الثالثة تحلّي النفس بالصور القدسيّة بعد القرب و الاتصال بعالم الغيب الرابعة انجلاۤء ضياۤء المعرفة بالفؤاد و استغراقه في انوار الجلال و الجمال و هو مقام الصّدق في المحبّة و مقتول الحب الذي اشير اليه في الحديث القدسي مَن احبّني قتلته و من قتلتُه فعليّ ديته و من عليّ ديته فانا ديته ه ، و ليس وراۤء ذلك في العقل العملي علي هذا الاصطلاح رتبة و اقول المراد من قوله تعالي و من عَليّ ديتُه فانا ديته مثل قوله تعالي في حديث الاسرار كلّما رَفَعْتُ لهم علماً وضَعْتُ لهم حِلماً و ليس لمحبّتي غاية و لا نهاية ه ، و هو كناية عن القرب و تقريب مَن احبّه منه بلا غاية بل دائما يرفعه في درجات القرب اليه تعالي بلا غاية و لا نهاية لذلك السير و لاتقصر المسافة بينهما و الحاصل يريد المصنف بعد مراتب العقل العملي الاربع المذكورة و التّحلّي بها يحصل
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 305 *»
للنفس العقل النظري و اقول اذا حصلت للانسان هذه المراتب الاربع و تخلّق بادٰابِها و تحَلّي بحليتها علي النّحو الّذي قرّره الشّارع عليه السلام ظاهراً و باطنا حَصَل له العقل الشرعي الّذي به يُعبد الرحمن و يكتسب به الجنان و لكن الاشكال في تصحيح المقدّمات لان صحة النتيجة متوقفةٌ علي صحة المقدّمات و كثير ممن يسمع هذا يقرأ بيت مجنون ليلَي:
و كلٌّ يدّع۪ي وصلاً بلَيْلَي ** * ** و ليلَي لاتُقِرُّ لهم بذاكا
فاُج۪يبه ببيت مجنون ليلي :
اذا انبجست دموع في خدودٍ ** * ** تبيّن مَن بكي مِمّن تباكا
فاذا اردتَ ان تعرف الحقّ لتطلبَ به النجاة فخذ من الكلام ما نطقت به اخبار محمد و اهل بيته صلي اللّه عليه و اهل بيته الطاهرين و ايّاك ان تدخل عليك شبهة ان الامور الاصولية الاعتقاديّة لاتكون الّا بدليل العقل او شبهة ان هذا طريقة الاخباريين او شبهة انّ العلماۤء الفحول الاجلّة علي خلاف هذا او واهمة عظم الاموات و كبرهم و جلالتهم في النفوس و صِغَر الاحياۤء المشاهدين فان الحقّ ان تعرف الرجال بالمقال لا ان تعرف المقال بالرجال و ان ابيتَ الّا ان تعرف المقال بالرجال فمحمدّ و اله المعصومون المسدّدون المؤيّدون من الله سبحانه الصادقون علي الله صلي الله عليه و عليهم اولي من غيرهم بذلك فالزم النصيحة لئلّاتحلّ بك الفضيحة و قول المصنف من حد العقل بالقوة الخ ، يعني ان النفس التي منشاؤها القوّة الجسمانية علي زعمه تخرج و تنتقل من حد الجسمانية الي الحيوانية الحسّاسة ثم الي القوي النفسانية كالفكر و الخيال و الوهم و العلم و التعقل علي الترتيب فاذا بلغت التعقل بالفعل ترقّت الي العقل الفعّال اي عقل الكل و نحن قد بيّنّا فساد هذه الترقيات كما تقدّم من ان الاثار لاتكون هي المؤثرات لها و لاتساويها في حالٍ من الاحوال و لميخلق الله تعالي مفعولاً من فاعله و اذا عاد كل شيء الي اصله و ما منه بُدِئ لميَعُد المفعول الي
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 306 *»
فاعله عود اتّحادٍ و لا مساواةٍ و انما يعود اليه عودَ افتقارٍ و سؤالٍ كما بدأه كذلك كما بدأكم تعودون و لو جاز ان تؤل القوّة الجسمانية الي العقل الفعّال و قد علم مما لا خلاف فيه و لا اشكال يعتريه ان كل شيء يعود الي اصله لكان اصل القوّة الجسمانية مِن العقل الفَعّال فيقال انها قوّة عقليّة لا جسمانية و العقل الفعال عند اصحاب العقول العشرة هو عقل العناصر و عند الاكثر هو عقل الكل الذي يسمّونه اصحاب العقول العشرة بالعقل الاوّل و هو مراد المصنّف و اعلم انّ لي هنا ابحاثا شريفة يطول بذكرها الكلام فربّما اذكر بعضاً منها مفرّقا في هذا الشرح و في غيره ممّا يتعلق بالعقل
و قوله و هو الروح الامري المضاف الي اللّه الخ ، اعلم ان الروح يطلق علي ملكَيْن من العالين اذا نسب الي امر اللّه و امر الرّب احدهما علي النور الابيض من اركان العرش و هو الايمن الاعلي و هو العقل الكلي اي عقل الكل المسمي بالقلم و ثانيهما علي النور الاصفر من اركان العرش و هو الايمن الاسفل و هو الروح الكلي اي روح الكل و يطلق علي ملكين اخر من العالين ايضا احدهما علي النور الاخضر من اركان العرش و هو الايسر الاعلي و هو النفس الكلية اي نفس الكل المسمي باللوح المحفوظ و ثانيهما علي النور الاحمر من اركان العرش و هو الايسر الاسفل اي الطبيعة الكلية اي طبيعة الكلّ فالاولان هما الروح من امر الله و الاخيران هما الروح الذي علي ملاۤئكة الحجب و قد اشار الي هذا زينالعابدين عليه السلام في الصحيفة في دعاۤء الصلوة علي الملاۤئكة فقال و الروح الذي علي ملاۤئكة الحجب و اراد به الاخيرين و الروح الذي هو من امرك و اراد به الاوّلين و المراد من الامر الامر الفعلي و هو المشيّة و الارادة و الامر المفعولي و هو الحقيقة المحمّدية و هذا اظهر لان قوله من امر ربّي اتي فيه بمن الابتداۤئيّة الّتي تدلّ علي التبعيض فانها تدخل علي اصل الماۤدة مثل صغتُ الخاتم من الفضّة و خلق الانسان من التراب فانّ من تدخل علي الماۤدة المُبتَدأِ منها فالروح من
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 307 *»
الحقيقة المحمديّة صلي اللّه عليه و اله كما ان عقلك خلق من حقيقتِك اي وجودك فالامر هنا هو المفعولي و العقل تقوّم به تقوّم تحقّقٍ اي تقوّما ركنيّا لا الامر الفعلي الذي يتقوّم به العقل تقوّم صدورٍ لانّ مِنْ اذا دخلت عليه كما لو قلتَ الكتاب المكتوب من حركة يد الكاتب كانت للمجاز بخلاف ما لو قلتَ المكتوب من المداد فانه حقيقة لانّ المداد هو الماۤدّة و المراد من ملاۤئكة الحجب الملاۤئكة الكروبيّون و هم مائةالف و اربعة و عشرونالف ملكٍ و روي ابنادريس في مستطرفات السراۤئر عن الصادق عليه السلام و قد سُئِل عن الكروبيّين فقال قوم من شيعتِنا من الخلق الاوّل جعلهم الله خلف العرش لو قُسِمَ نورُ واحدٍ منهم علي اهل الارض لكفاهم و لمّا سئل موسي ربّه ما سأل امرَ رجلاً من الكروبيّين فتجلّي للجبل فجعله دكّا ه ،
و قوله و هو كاۤئن في عددٍ قليل من افراد البشر ماادري ما اراد بالقليل هل هو قليل اضافي يعني به الانبياۤء (ع) او هم و الاولياۤء اَمْ هم مع العرفاۤء ام قليل حقيقي و مقتضي مذهبه انه يريد به الانبياۤء عليهم السلام و الاولياۤء و العارفين و امّا مذهب الائمة عليهم السلام فانّه عندهم لايوجد بذاته الّا في محمد و اله الثلاثةعشر المعصوم عليه و اله السلام لان احاديثهم عليهم السلام دلّت بان هذا الروح لمينزل الي الارض قط قبل محمّد صلي اللّه عليه و اله و منذ وجد صلي الله عليه و اله نزل و لميصعد قطّ و يكون المراد انه ينزل علي الانبياۤء عليهم السلام بوجهٍ من وجوهه بل و علي ساۤئر المؤمنين بل و علي غيرهم كما قال صلي الله عليه و اله لحسّان ابن ثابت و هو من المخالفين لمّا قال شعره المعلوم الذي اوّله : يناديهمُ يوم الغدير نبيّهم ، قال (ص) لازلتَ يا حسّان مؤيّداً بروح القدس ما نصرتَنا بلسانِك نعم يَكون مع الانبياۤء عليهم السلام بوجهٍ من وجوهه كلٌّ بنسبة مرتبته من القرب من اللّه تعالي و يكون مع محمد و اهل بيته المعصومين صلي الله عليه و اله كلّه بجميع وجوهه و بذاته و لذا قالوا عليهم السلام لمْيَنْزِل قبل محمد صلي اللّه عليه و اله و لمّا وجد عليه السلام نزل عليه و لميصعد ابداً و المراد انّه مع النّبي صلّي اللّه عليه و اله و بعد وفاته انتقَلَ الي
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 308 *»
وصيّه و لايزال مع الاوصياۤء عليهم السلام و هو الأن مع الحجة عليه السلام قوله و لا بدّ في حصولِه۪ من جذبةٍ ربّانيّة لايكفي فيه العمل و الكسب يريد منه ما يذكره الصّوفيّة فان قوله كما ورد جذبة من جذبات الحق توازي عمل الثّقلَيْنِ ليس من طُرُقِنا و انّما هو من روايات الصوفيّة و يفهم من كلامه انّ روح القدس ينزل علي الصوفيّة اذا حصلتْ لهم جذبة من جذبات الحق و لقد شاهدنا اشخاصاً مجانين سلبت عقولهم فلايصلّي و لايصوم و لايترك محرّما و العاۤمّة يعظمونه و يقولون هذا مجذوبٌ فيستدلّون علي المجذوب بكونه مجنوناً او مخالفاً لجميع اوامر اللّٰهِ وَ نَواهيه فلذا تري بعضهم يصعق و يقع من شدّة الطرب عند سماع الملاهي و يبقي كالسكران ساعة و يقولون هذا جذبٌ الهي و نحْن وجدناهم لايزدادون بهذا الجذب الّا جهلاً و تهتّكاً للحرمات و امّا علي طريقة الحقّ المفهومة من اخبار ائمة الهدي عليهم السلام فلايحصل روح القدس المشار اليه لغير محمد و اله صلي الله عليه و اله و انّ الجذب جنون شيطاني لا الهي كما زعموه و انّما طريق تحصيله لمحمد و اله صلي الله عليه و اله العمل الخالص و الاقبال علي الله سبحانه في جميع الاحوال بحيث لميفقدهم حيث يحبّ و لايجدهم حيث يكره فهم عنده لايستكبرون عن عبادته و لايستحسرون يسبّحون الليل و النّهار لايفترون فطريق تحصيله العمل و الكسب بصدق القوابل الظاهرة للايجاد و الباطنة بالاعمال و المجاهدٰات لانّ القوابل هي الطّين بفتح الياۤء و الاعمال من مقتضي الطّينة و ذلك لان الفطرة التي علي كمال الاعتدال تقتضي اقتران النور بها لانها نور و علي غاية كمال قابلية النور و كمال اعتدال الفطرة ان تُصْنَع من طين و ماۤءٍ صافيين معتدلين في النسبة و في التخمير فالماۤء الصافي هو الوجود اعني الماۤدة و معني صفاۤئه تلاشي انّيّته اعني قابليته حتي تكاد تفني لانها اوّل الكون و اوّل الكون ماۤدة بحت لكن وُسِمت في جهتها السفلي بشيء ما من الانيّة و هي الانفعال و انما قلّ انفعالها و ضعف لانها محلّ الفعل المقوّمة لَهُ فاثّرت في تحقّقه كما اثّر في تحقّقها فرجحت فيها جهة الفعلية في حال مفعوليّتها فرقّت انّيتها لان الفعل لايتعدّد فهي
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 309 *»
من جهة جنبة الفعلية غير متعددة و اعتبار تعدّدها بحيث يقال لها انيّة فمن جهة جنبة المفعولية فليس فيها الّا اقل ما يمكن ان تتقوّم به من الانّية فهي ماۤء صافٍ وَ هُوَ اوّل فاۤئضٍ من الفعل و ثاني الكون اجابتها حين قال تعالي اَلَسْتُ بربّكم فاَجَّج نارَ التّكليف عَلي اكمل ما يحتمله الامكانُ من اِحْسَان الاجَابة الّذي هو الطّينة الّتي هي القابليّة الّتي هي الامّ التي يَسْعَدُ مَنْ سَعِدَ في بطنها و يشقي الشّقِيُّ في بَطْنِهَا و اما التخمير قوله اعلي الله مقامه و اما التخمير فهو تشكيل الماء و الطين للتركيب و ذلك بسم الرحمن فانه الحلال ففي الخلق النوعي له مادة و صورة بهما يتم الحجر فحلها بالطواف سبعة اشواط حول بيت المشية فبهذا الطواف و الصعود و النزول يبيض الارض و يصير قابلاً للتركيب ثم اشار الي العقد بصلوة ركعتين خلف مقام ظهور بيت المشية فانه اذا توجه الي الظهور و اتصل به انعقد فتم الخلق النوعي فمادته في مقام النقطة و صورته في النفس الرحماني و الالف اللينية ثم يكسر الحجر ثانيا و يطاف به بين القدر و القضا سبعة اشواط و ينخل نخلا فاذا صفي مادته و لطف اسقي الماء الالهي و هو الوحي و اطيف حول القدرة هو بقاؤه مع الوحي حتي ينفذ في جميع اقطار وجوده حتي ينعقد عليه في ثمانينالف سنة فاذا صار كذلك صار فعالاً محلا لفعل الله جل جلاله و طوافه حول القدرة صيرورته اكسير الذهب و حول العظمة صيرورته اكسير الفضة و هما كنايتان عن مقام النبوة و الولاية و ما لمتطلع علي هذا العلم لمتفك هذا الرمز و مناسبات كلامه اعلي الله مقامه . كريم
فتدبير ذلك باسمه الرحمن في سبعة اشواط حول بيت مشيّته تعالي و هو كسره في الالف الاول اي النفس الرحماني الاوّلي بفتح الفاۤء سبع مرات للّطف ثم صلوة ركعتين خلف مقام ظهوره و هو صوغه الاوّل في السحاب المزجي ثم في سبعة اشواط اخر و هو كسره للتخليص بين صفا القدر و مروة القضاۤء ثم اَحلّه في الصّوغ الثاني و زاوج بينه و بين الوحي بالسَّقْي بالالطاف و الامدادات مرّة بعد اخرَي و طاف به حول القدرة ثمانينالف عام ثم حول العظمة ثم عضده باعضادٍ علّاهم بتَعْليته و سَما بهم الي رتبته فاذا خلق ابوه اعني ماۤدّته في الملك القديم و خُلِقتْ امّه اعني الصورة في اَحْسَنِ تقويمٍ مِنْ ماۤءٍ هُوَ نورٌ لا ظلمةَ ف۪يه خَرَج الشخص مستحقّاً لثناۤءِ الله سبحانه بقوله و انك لعلي خلق عظيمٍ ، و داعيا الي اللّهِ باذنه و سراجا منيراً ، اللّه اعلم حيث يجعل رسالته فاذا تأملتَ هذه الايات و امثالها و مثل الحديث القدسي مازال العبد يتقرّب اليّ بالنوافل حتّي احبّه فاذا احببتُه كنتُ سمعَهُ الذي يسْمَعُ به و بصره الّذي يبصر به و لسانه الذي ينطق و يده الذي يبطش بها ان دعاني اجبته
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 310 *»
و ان سألني اعطيته و انْ سَكتَ ابتدأته و نظاۤئر هذا علمتَ انّ حصول الروح المذكور ليس الّا بالعمل و الكسب خاۤصّةً و امّا التأييدات الالٰهيّة و الامدادات الابتداۤئيّة و ان كانت لاتجب علي المالك اعطاۤءها المستحقّين لها لان استحقاقهم ليس ملكا و لا سبباً للملك و ان كان سببا للتّمليك و التملّك بمقتضي عادة الكرم بمعني انّ تمليكه بسبب ذلك التّأهل مخرج للافاضة و الاعطاۤء عن العبث و الترجيح بلا مرجّح و ليس ذلك السبب ناقلاً للملك عن تملّك مالكه عز و جل و ذلك لان الجذب المدّعي مقتضي فعل القدرة العاۤمّة الغير المشروطة في تعلق افعالها علي شيء بحال من الاحوال و لو جاز اجراۤء الجذب بلا سبب و لا ترجيح لجري علي جميع الخلق من الانسان و غيره حتي الجمادات لتساوي القدرة و افعالها الي جميع الاشياۤء علي السواۤء فجميع الامدادات و الالطاف و الخيرات كلها علي حسب القوابل التي هي الاعمال الظاهرة و الباطنة و ان كانت تلك النعم ابتداۤئيّة بمعني عدم الاستحقاق لها بالتملك الناقل اذ يجوز ان يستحق العبد شيئا و لايعطيه الربّ تعالي لان العبد لايملك شيئا لانه مملوك و الملك لايملك و انما يعطي المستحق كرما ابتداۤئيا و ان كان لانه اهل له و في الدعاۤء و جعل ما امتنّ به علي عباده كفاۤءً لتأدية حقّهِ ه ، و قد ذكر الصادق عليه السلام كون النعمة بالاستحقاق علي النحو الذي ذكرنا لا الاستحقاق الناقل عن ملك المالك تعالي قال عليه السلام لمّا سأله الساۤئل من اين لحق الشقاۤء اهل المعصية حتي حكم لهم في علمه بالعذاب علي عملهم فقال ابوعبدالله عليه السلام ايها الساۤئل حكم الله تعالي اَلّايقوم له احدٌ من خلقه بحقّه فلمّا حكم بذلك وهب لاهل محبّته القوّة علي معرفته و وضع عنهم ثقل العمل بحقيقة ما هم اهله و وهب لاهل المعصية القوّة علي معصيته لسبق علمه فيهم و مَنْعِهِمْ اِطاقةَ القبول منه الحديث ، فتأمل هذا الحديث الشريف يرشدك الي ما ذكرنا حرفاً حرفاً فما ذكره المصنّف من التوقّف علي الجذب علي معني ما يذكرونه اهل هذه الدعوي غلط جري منهم بغير علم و لا هدي و لا كتابٍ منيرٍ .
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 311 *»
قا ل } اول ما ينشأ من رواۤئح عالم الغيب و نساۤئم الملكوت في ذي الروح من القوي النفسانية قوّة اللمس و هي تعم الحيَوانات و تسري في الاعضاۤء من جهة الروح البخارِي و مدركاتها اواۤئل الكيفيات الاربع و ما يجري مجراها ثم قوّة الذّوق لادراك صور المطعومات التسعة و ما يتركب منها ثم الشم المدرك لصور الرواۤئح و هي الطف من الاوّلَين و الطف الخمس و اشرفها قوّتا السمع و البصر و قوة البصر للمبصَرات بالفاعل اشبه منها بالقابل و السمع بالعكس بالقياس الي المسموعات { .
اقول لما ذكر الحواس الباطنة ذكر الحواۤس الظاهرة و مقتضي قاعدة رأيه من انّ اوّل نشأة النفس قوّة جسمانيّة ان يذكر الحواس الظاهرة اوّلاً الّا انّه لعلّه انما اخّرها لطول الكلام عليها او من غير ملاحظةٍ و لا عيب فيه و انّما ذكر اللّمس اوّلاً لان اللمس اقربها من الاجسام النّباتيّة فيكون اوّلها وجوداً ثم الذّوق لكون مدركه الطف من الملموس لانه يكون بنفوذ الاجزاۤء اللطيفة او كيفيّة المذوق فالذوق لمس و ادراكٌ وَ ملايمة او منافرة ثم الشمّ لترتبه علي الاولينِ لاخذ غاياتهما فيه و ادراكه علي نحو ادراك الذوق بكون ادراكهما لاجزاء لطيفة او لكيفيّةٍ ثم السمع و ادراكه للاصوات و كيفيّاتها و هي الطف من المدركات الاوّلة و لذا كان السمع الطف مما قبله ثم البصر و ادراكه للاشباح و الالوان و هي الطف من الاصوات و لذا كان الطف من السمع و ربّما قيل بتقديم كلامه اعلي الله مقامه يشعر بانه لميصحح تقدم البصر و نسبه الي القائل و الذي في الكتاب ان السمع و البصر و الفؤاد و ذلك ايضا يفيد تقدم السمع و الاي التي علي خلاف هذا الترتيب محمولة علي وجوه اخر و الذي اري ايضا تقدم السمع و اما بطلان العين قبل السمع فلشدة لطافة جرم العين و تكثفه بادي في (ظ) اعراض الروح لا لاجل انه اخس من السمع و لو كان البطلان دليلاً لكان اللمس اولي بالشرافة فانه باق الي الموت بل و بعد الموت علي غاية الضعف و لذلك يرفق بالميت و يحرك عند التلقين و لايتنبه النايم بالصوت و يتنبه بالتحريك فالحق ان البصر اشرف الخمس و الطفها و مدركه ايضا اشرف و هو الاضواء . كريم
البصر و قوّة السمع لدعوي تقدم بطلان البصر قبله عند ابتداۤء النوم لان النوم اجتماع الروح في القلب و اوّل ما تنجذب من البصر و تقديم السمع في الذكر اولي لانّ البصر يدرك بدون مباشرةٍ بخلافِ السَّمْع فانه انما يدرك اذا ضرب صوت الكلام الحجاب الذي هو كالطَّبْلِ امّا اللمس فقالوا فيه ان الحيوان
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 312 *»
الارضي لمّا كان حامل كيفيّة اعتداليّة لايستقيم بدونها و لاتتعلّق النفس الفلكيّة بغير الاعتداليّة بل يكون سببُ فراقها اختلال ذلك الاعتدال احتاج في حفظها الي قوّة حافظة لها بكونها مدركة لما يباشر ذلك الحيوان كالهواۤء و الماۤء بانه مخالف او موافق ليحترز بها من المخالف و يطلب الملاۤئم حتّي لايكون المخالف محرقاً له بحرّه او مجمداً له ببرده او مغرِقاً لَهُ برطوبته و حتي يسكن الموافق و يتقوّي به الاعتدال عن الاختلال و لذا كان اللمس اسبق الحواس حصولا و لانّه انما يكون بالمباشرة التي هي من شأن الاجسام و لان المدرك يكون من جنس ماۤدة الكيفيات المدركات و حيث كانت الكيفيّة الاعتداليّة شاملة لجميع البنية الحيوانيّة وجب ان يكون الحافظ لها كذلك فكذا اللّمس في جميع البَدن و اعدل قوّة اللمس مَا كَانَ في انملة السَّبَّابة و ايضا هذه القوة و ان كانت من اعراض عالم الغيب الّا انّها لما كانت لتمييز احوال الشهادة غلب عليها جانب الشهادة لِانّ تمييزها بالمباشرة فكانت سارية في جميع البدن من جهة الروح البخاريّ الذي هو محل الروح الحيواني فهي تجري حيث يَجري الروح البخاري و الروح البخاري يجري حيث يجري الروح الحيواني و قوله و مدركاتها اوائل الكيفيات الاربع يعني انّها تميّز بين هيئات مبادي الحرارة و الرطوبة و البرودة و اليبوسة و من ثم قال بعضهم ان قوّة اللمس حاكمة بين الحاۤرّ و البارد و بين الرطب و اليابس و بين الصّلب و اللّيّن و بين الاملس و الخشن و قيل و بين الثقيل و الخفيف و الوجه الاولي بالتّحقيق انّ حكمها ليس للتمييْز بين المتَقابلات و انْ حصل ذلك من باب اللّزوم و انما تميّز بين المتقابلات و بين المفردات في مراتبها في الشّدّة و الضَّعْفِ للفاۤئدة المذكورة و حيث ثبت ان جميع الاشياۤء انما تتقوّم بكيفية اعتداليّة بنسبة رتبة كل شيء منها من الوجود الكوني الامري المفعولي الذي به قام كل شيء قيام تحقّق وجب ان يكون في كل شيء منها قوّة حافظة لتلك الكيفيّة فيكون في المعادن مثلاً قوّة لمسٍ معدنية و في النبات قوة لمسٍ نباتيّة و في الحيوان قوّة لمسٍ حيوانيّةٍ و في الانسان قوّة لمسٍ انسانيةٍ
و امّا الذوق فهو بعد اللمس في
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 313 *»
الظهور و في القرب مِن الاجسام و اعم الاَرْبعة بعد اللّمس لٰكنّه لمّا كان مدرَكه الطف من مدرَكِ اللَّمْس لانّه امّا اجزاۤء لطيفة تنفذ في مساۤمّ اللسان اوْ كيفيّة يتكيّف بها ريقُ الذاۤئق فيُدركها اللّسَانُ و لمّا كان مقتضي الحكمة ان يكون بين المدرِك و ما يدركه مناسبة و مشابَهةٌ و جسد الحيوانِ ليْس كلّه لطيفاً مشابهاً لما تدركه القوة الذاۤئقةُ لميحسن اَنْ تسري الذّاۤئقةُ في جميع الجسد بخلاف اللّامسة و مع هذا فلا بدّ من القوة اللّامسة في ادْراكِ الذاۤئقةِ لاشتراط المباشرة فيها فاللّامسة دليلها فاذا باشر المطعوم آلَة الذوق و هي اللسان فني اعتبار اللامسة و تولّت الذاۤئقة ادراك المطعوم بجذب اجزاۤءٍ لطيفة منه الي جوفها فاذا انجذبت الي جوف آلة الذاۤئقة سواۤء كان بنفس الاجزاۤء ام بواسطة الرطوبة اللعابيّة المعدّة لبذْرقةِ الطّعام المنبعثة من العرقين اللّذين تحت اللسان حصلت لها الملايمة او المنافرة اللّتين يتحقّق باحدهما الذوق بشرط الّايكون في الرطوبة و لا في اللسان طعم ليتأدّي طعم المطعوم الي القوة الذاۤئقة او يكون فيهما او في احدِهِمَا طعْمٌ ضَعيف لايغيّر طعم المطعوم و الصورة الذوقيّة هي الملايمة للقوة الذاۤئقة او المنافرة لها و نسبة هذه الصورة الي القوة كنسبة الصورة الي الماۤدّة و كنسبة الانثي الي الذكر و الطعوم التسعة الحرافة و المرارة و الملوحة و هذه الثلاثة من فعل الحرارة و الحموضة و العفوصة و القبض و هذه الثلاثة من فعل البرودة و الدسومة و الحلاوة و التفاهة و هذه الثلاثة من فعل الكيفية المتوسّطة و المراد من التفاهة احد معنيين الاول عدم الطّعم حقيقة و التفه بهذا المعني يسمي مَسيخاً و الثاني اَلَّايحسّ بطعمه لشدّة تلازم اجزاۤئه فلاتنحلّ منه اجزاۤء تخالط اللسان و لايتكيّف الرطوبة اللعابيّة به بسرعةٍ فلايحس منه بطعم الّا اذا عولج تحليل اجزاۤئه او تكريره في اللعابيّة فانه يحسّ به كالحديد و النحاس و هذا معدوم الطعم دون الاوّل كذا ذكروا و اعترض عليه بان حصر الفاعل في محض الحرارة و البرودة و الكيفيّة المتوسطة ممنوع لحصول الفاعل من غيرها فان مراتب الحرارة و البرودة في الشدّة و الضّعف و في اللطافة و الكثافة غير
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 314 *»
محصورة فكيف تنحصر في التسعة و ايضا الخيار و الحنطة النّيّة يحس منهما طعم بسيط ليس من التسعة فالاختلاف في اللَّطافة و الكثافة و الشدّة و الضعف ان اقتضي الاختلاف في النوع تتعدد الطعوم بلا حصر و ان لميقتض الاختلاف كان القبض و العفوصة واحداً اذ لا فرق بينهما الّا في الشّدّة و الضَّعْف فانّ القابض يقبض ظاهر اللّسان و العفص يقبض ظاهره و باطنه و ايضا الترياق مر و هو بارد و العسل حلو و هو حار و كذلك السمن و الماۤء له طعم غير التسعة و هو بارد فلعلّ ذكرهم التسعة من باب الاغلبية و الّا فالحصر لايصحّ بالاستقراۤء و لا بالعقل نعم يمكن ان نقول ذكرهم الفاعل الغالب اذ لايوجد طبيعة بسيطة او الفاعل باعتبارين كما نقول طعم الماۤء طعم الحيوة و الفاعل الحرارة و الرطوبة او الرطوبة و البرودة فالاول فاعل الكون و الذات و الثاني فاعل البقاۤء و الصفة فتدبّر و لي مسلك تعديل بين هذه الاضطرابات الّا انّه يحتاج الي تطويل لايفيد فيما نحن بصدده فائدة يعتدّ بها
و امّا الشمّ فكما قلنا قبلُ انه الطف من الذّوق و لهذا تَقدّم الذوق عليه في الحصول و تأخّر الشم و لانّ مدركه و هو الهواۤء الطف من مدرك الذوق سواۤء قلنا انّ الهواۤء يتكيّف بكيفيّة ذي الرّاۤئحة وَ يُؤَدّ۪ي بها الي حَلمتَيِ الخَيْشُوم او يحمل (ظ) اجزاۤء لطيفة من ذي الراۤئحة قد انْبثّت فيه و يؤدّي بها الي الحَلَمتين اي العَصبتين اللتين في المنخرين عند الخيشوم في كلّ واحدٍ واحدةٌ شبيهة بحَلَمتي ثدي الامرأة ينبسطانِ عند وصول الراۤئحة الطيّبة و ينقبضانِ عند وُصُول الراۤئحة الخبيثة و بالانبساطِ و الانقباضِ يحصل الشمّ للقوّة الشاۤمّة اذْ هُمَا آلةُ ادْراكِها للراۤئحةِ و الارجح عندي في الذَّوْق و الشمّ انّ المدرك بفتح الراۤء الكيف لا الاجزاۤء ففي الذوق بتكيّف الرطوبة اللعابيّة بطعم ذي الطعم و في الشمّ بتكيّفِ الهواۤء براۤئحةِ ذي الراۤئحة و قول اصحاب الاجزاۤء لتوهّم عدم انفكاك الطعم عن الاجزاۤء و الراۤئحة عن الاجزاۤء لعَدمِ انْتقال الاَعْراض ضعيف لان الماۤء و الهواۤء اَلْطَفُ من الاجزاۤء و اَشَدُّ نُفُوذاً و مماۤسّةً وَ اَقْرَبُ اِلَي الصُّورة الشّمّية و الصّورة الذوقيّة من الاجزاۤءِ لانّ الماۤء مقوِّم للصّورة الذَّوْقية و الهَواۤء
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 315 *»
مُقَوِّمٌ للصُّورةِ الشّمّية و نسبة هذه الصورة الي القوّة الشّاۤمّة كنسبة الصورة الذّوقية الي القوة الذاۤئقة و قد اشرنا الي مثال النسبة في بحث الذوق و كون الاجزاۤء هي الحاملة للاعراض و الاعراض لاتنفك عنها لو سُلِّم ذلك لايلزم من ذلك كونها ركنا للصورة بل حاملة لركن الصورة و حججهم و استدلالهم بمثل فناۤء الكافور و تفرق اجزاۤئه و نقصه بخروج راۤئحته و ذبول التفاح بشمّه و ما اشبه ذلك مدخول و
امّا السمع فهو عبارة عن ادراك الصوت و الصوت يحدث من بين شيئين يكون بينهما قرع او قلع او ضغط فيصدم ما بينهما من الهواۤء باحد الثلاثة ما يليه و يصدم ما يليه ما بعده بهيئة ما صدمه ما قبله و هكذا يتدافع الهواۤء بعضه لبعضٍ بهيئة الدفع الاول و الدفع الاول الذي حصل بالهواۤء المتحرك بالقرع او القلع او الضغط يكون بتلك الهيئة في الشدة و الضعف و الجهر و الهمس و الرخاوة و اللين و القلقلة و ما اشبه ذلك من صفات الحروف و امثالها كالدقّ علي القرطاس و النحاس و الماۤء فانّ هذه الاصوات المختلفة هيئات تلك الحركات الثلاث بين جسمين فيخرج من بينهما الهواۤء حاملا لتلك الهيئات و الاوضاع و يدفع ما يليه اي يصدم ما يليه بنحو ما صدمه به الجسمان و هكذا حتي يصل الجزء الاخير من الهواۤء الي الصماخ من اذن السامع فيصدم تلك الجلدة الرقيقة التي تلي الدماغ كهيئة الطبل بما حمل من الهيئات فتتوجه القوة السمعية عند دَقِّ بابها لهيئة الدّقّ فتدرك الصدم الاوّل بما حمل لها الهواۤء من هيئاته بتدافعه كما يتدافع ماۤء الحوض و يكون من جميع الجهات فيسمع كلامك من هو امامك و خلفك و يمينك و شمالك و فوقك و تحتك لانه يتموج الهواۤء بالصدم الاول مستديراً كما تري اذا حركتَ وسط حوض الماۤء الا انه قد لاتستوي جهات امتداده علي الحقيقة و ان تساوت في الجملة لان الهواۤء المدفوع اوّلاً و هو المصدوم الذي يصدم ما وراۤءه ربما يكون في جهة انبعاثه اطول و اظهر و اقوي و لا بد من الهواۤء في حمل الهيئات او ما يشابهه في التخلل و السيلان الّا انه ضعيف جدا لايحكيها كما هي الّا الهواۤء و لهذا قد يسمع الدق و الصوت تحت الماۤء لسيلانه و امكان تدافعه و لكنه لايتميّز الصوت لاجل ثقله و بالجملة ليس
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 316 *»
الحافظ للحروف مثلا العقل او النفس او غير ذلك كما توهّمه بعضهم و انما يحملها الهواۤء اذ هو المجانس لها و المتكيّف بها فاذا دقّ باب السامعة تلَقّته من وراۤء الحجاب و ذكر احتجاجاتهم و ابطالها مما يطول به الكلام فاذا دقّ بابها حفظت صورته بواسطة الحس المشترك المسمي ببنطاسي فيرفعه الي خزانته الخيال و حفظته النفس و تناول العقل معناه من الصورة النفسية فاذا اراد مالك القرية ابراز ذلك كما وصل اليه امر خدّامه فصاغوا اَصْوَاتاً بهيئاتٍ كما وصَلَها و اَلْبَس تلْكَ المعاني و الصور تلك الهيئات المُصَاغة علي هيئة ما حمله اليه الهواۤء و الاصح ان المسموع هو الصوت القاۤئم بالهواۤء القارع للصماخ و هو المحسوس لا الصوت القاۤئم بالهواۤء الخارج عن الاذن و شرط تحقّق السَّماع علي كماله توسط الهواۤء بين السّامع و ذي الصوت وَ امّا مَا نقل عن قدماۤء الحُكماۤء باكتفاۤء (ظ) تماۤسّ الافلاك بعضها من بعضٍ كما نسب الي اساطين الحكمة كافلاطون و مَن قبله انهم يثبتون للافلاك اصواتاً عجيبة و نَغماتٍ غريبة يتحيّر من سماعها العقل و حُكي عن فيثاغورس انه عرج بنفسه الي العالم العلوي فسمع بصفاۤء جوهر نفسه و ذكاۤء قلبِهِ نغمات الافلاك و اصوات حركات الكواكب ثم رجع الي استعمال القوي البدنيّة و رتّب عليها الالحان و النَّغَمات
كذا ذكر المصنّف في الاسفار بعد ان ذكر احتياج السَّماع الي الهواۤء بما يدلّ علي انّه فهم ان الحكماۤء ذكروا سَماعاً للاصوات المحسوسة لميشترط في تحقّقه توسّط الهواۤء و هٰذا الكلام ليس بمستقيمٍ لان السماع الذي يشيرون اليه ليس المراد منه السماع الحسّيّ الذي نحن بصدده حتّي يشترط فيه توسط الهواۤء و انّما السامع لتلك الاصوات اذن القلب الواعية و ينزل معانيها القلب الي الروح فتخلع عليها الخلع الصُّفْر و تنزلها الروح الي النّفس فتلبِسُها ثياباً خضراً من سندسٍ و استبرق و تنزلها النفس طيناً و ذرّاً و تتقاسمها القوي الخمسة النفسانيّة علي نسبة سيرها في افلاكها فتخرجها بتلك النسب الحاناً موس۪يقية و ان اردتَ انّي اتكلّم بها تكلمتُ فاقول كما قال علماۤء العروض انّ الكلام باعتبار الحركات و السكنات يجمعها قولهم لَمْ اَرَ عَلَيْ ظَهْرِ جَبَلِنْ سَمَكَتَنْ ، لَمْ سبب خفيف و هو
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 317 *»
كحركة زُحَل و اَرَ سببٌ ثقيل و هو كحركة المشتري و عَلَيْ وتد مجموع و هو كحركة المرّيخ و ظَهْرِ وتد مفروق و هو كحركة الخَيال و جَبَلِنْ فاصلةٌ صغري و هو كحركة عطارد و سَمَكَتَنْ فاصلة كبري و هو كحركة القمر لان فلك القمر يماۤسّ فلك عطارد بنقطةٍ هي شخصية من فلك القمر و نوعية من فلك عطارد و عطارد يماس فلك الزهرة او الشمس مثلا و الّا فالثلاثة متقاربان فتختلف النوعية و الشخصيّة فيها بالمحاذاة و نحن نريد التمثيل للالحان فنقول لاجل البيان النقطة من عطارد او الزهرة او الشمس شخصية و من المريخ نوعيّة و من المريخ شخصيّة و من المشتري نوعية و من المشتري شخصيّة و من زحل نوعية و من زحل شخصية و من فلك البروج نوعية فاذا نسبْتَ حركات الافلاك الاربع و العشرين الحركة بنسبة ما مثّلنا بالشخصيّة و النّوعية حصل من تناسب الاوضاع بين الشخصيّة و النوعية و نوعية النوعية و بين النوعية و نوعية نوعية النوعيّة و بالعكس و نحو هذا هيئات و اَوْضاع بين الاسباب و الاوتاد و الفواصل اذا اُخرِج الصوت عليها خرج بالحان و نغمات تكون اقرب كل شيء الي مطابقة النفوس و ملايمتها لان النفس مركّبة من تلك الالحان حياتها من الفاصلة الكبري و فكرها من الفاصلة الصغري و خيالها من الوتد المفروق و وهمها من الوتد المجموع و علمها من السّبب الثقيل و تعقّلها من السبب الخفيف و ليس سماعهم لتلك الالحان بالاذن التي يسمع العواۤمّ بها كلام امثالهم المراد بهذا البحث هنا و ان كان الحكيم الماهر الذي راض نفسه بالعمل الصالح يرفع اذنه المحسوسة بتنزل اذنه العقلية اليها حتي توصلها الي رتبة الحان الافلاك و يسمع بالاذن الظاهرة تلك الاصوات و يسمع تسبيح الجمادات و النباتات و كثيراً من تسبيح الملاۤئكة و الي سرّ ما اشرنا اشار تعالي بقوله و لكن لاتفقهون تسبيحهم و لميقل لاتسمعون تسبيحهم لانّهم يسمعون تسبيحهم و لكن لايفقهونه لان من ذلك التسبيح ما يسمعونه بجميع اعضاۤئهم و جوارحهم و منه ما يسمعونه باَلْسِنتهم و منه ما يسمعونه بٰالاتِ شمّهم و منه ما يسمعونه باذانهم و منه ما يسمعونه باعينهم و عندهم انهم ماسمعوا الّا ما سمعوه باذانهم و هذا ايضا اكثره لايفقهونه اذ
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 318 *»
لايفقهون منه الّا ما كان بلغة ابناۤء نوعهم و الكلام في طعوم الافلاك و رَواۤئحها التي ذكرها الحكماۤء كالكلام فيما ذكروا من اصواتها و اَلْحٰانِها و نغماتها فافهم فانّي قد اشرتُ الي طريق سماعهم لتلك الالحان و شمهم لتلك الرواۤئح و ذوقهم لتلك الطعوم و هنا ابحاث اعرضنا عنها كما في غيره
و اما البصر فقد قال علماۤء التّشريح انه نبت من الدماغ سبعة ازواج من العصبِ لساۤئر القوي و الزوج الاوّل يبدأ من غور البطنين المقدّمين من الدماغ عند جوار الزائدين الشبيهَيْن بحلمتي الثدي و هو صغير مجوّف يتياسر النابت منهما يميناً و يتيامن النابت منهما يساراً قالوا و يتقاطعان بتقاطعٍ صَل۪يبيٍّ ينفذ النابت يساراً الي الحدقة اليمني و النابت يمينا ينفذ الي الحدقة اليسري و قوّة الابصار في الروح المنفوخة في تجويف ملتقي التقاطع و اختلفوا في كيفية الابصار فقيل انه بالانطباع و قال الرياضيون انه بخروج الشعاع و قال الاشراقيون انه لا شعاع و لا انطباع و انما هو بمقابلة المستنير للعضو الباصر الذي فيه رطوبة صقيلة و اذا وجدت هذه الشروط مع زوال المانع يقع للنفس علم اشراقي حضوري علي المبصَر فتدركه النفس مشاهدة ظاهرة جليّة و اختاره شهابالدين السهروردي و قيل انه بانشاۤءِ صورة مماثلة للمرئي بقدرة الله من عالم الملكوت النفساني مجرّدة عن الماۤدّة الخٰارجيّة حاضرة عند النفس المدركة قائمة بها قيام الفعل بفاعله لا قيام المقبول بقابله و هو اختيار المصنف و الحق الذي دلّ عليه العقل و النقل انّ الابصار بالانطباع لا بخروج الشعاع و الّا لكان المرئي لك من وجهك في المرءاة مقلوباً بل يكون مواجهاً لَك فتري عينك اليمني في المرءاة مقابلةً لعينك اليسري كما اذا واجهتَ شخصاً غيرك و لكن صورتك في المرءاة مقلوبة فانت ناظر في خَلْفِها فتكون العين اليمني تقابل اليمني في المرءاة و اليسري تقابل اليسري كما اذا نظرتَ في قَفَا زَيْدٍ فانّ يمناك بازاۤء يمناه و يُسراك بازاۤء يُسْراهُ و لا بالعلم الاشراقي لان قولهم فتدركه النفس الخ ، فيه انّ العلم الاشراقي ان اريد منه ان العلم نفس المعلوم صح الاشراقي و كان العالم بذلك العلم الاشراقي اعني نفس الناظر مدركاً للصورة
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 319 *»
الحسّيّة بنفسها لانها هي العلم فحينئذ فهي معلوم لا مرئيّ و كونها مرئيّة فبالعين و ان اريد منه ان العلم غير المعلوم فبالطريق الاولي لان المعلومات علي هذا غير العلم و النفس انما تُحصِّل الصور العلمية المجرّدة و لا بصورة مماثلة من عالم الملكوت اذ يلزم انّ الاشياۤء لاتدركها الابصار علي جهة الحقيقة و هذا مخالف للعقلاۤء من عاۤمّة الخلق و مخالف للكتب الالهيّة و النقل من الكتاب و السنة مصرّح بان العيون هي المبصرة كما قال تعالي و لهم اعين لايبصرون بها و هذا كثير في القرءان بان الابصار بالعيون و كفي بكتاب اللهِ مبطِلاً للقول الثالث و للقول الرابع الذي ذهب اليه المصنف و الدليل العقلي مبطل للكل و لخصُوص القول الثاني روي المفيد في الاختصاص في حديث طويل باسناده الي موسي بن محمد الجواد عليه السلام انه سأل اخاه اباالحسن العسكري عليه السلام عن مسائل سألها عنه يحيي بن اكثم فكان جوابه الي ان قال و اما قول علي عليه السلام في الخنثي انه يؤرّث من المبال فهو كما قال و ينظر اليه قوم عدول فيأخذ كل واحد منهم المرءٰاة فيقوم الخنثي خلفهم عريانا و ينظرون في المرءٰاةِ فيرون الشبَحَ فيحكمون عليه ه ، و هو بصريحه يدلّ علي ان الرؤية في المرءاة بالانطباع لا بخروج الشعاع و لا بالنفس و لا بصورة مماثلة من عالم الملكوت لانّ الشبَح هو ظل صورة الشخص المقابل انطبع ذلك الظل في المرءاة و الرؤية بالعين كالمرءاة بتسليم الخصم و اعترافه و ذكره الصدوق في باب العشرة من الخصال ه ، و اعلم انَّ لاهل هذه الاربعة الاقوال حججاً كثيرة و اجوبة طويلة و معارضاتٍ لا فاۤئدة في ايرادها و نقضها مع ما هي عليه من الطُّول و قصر الفاۤئدة فيما نحن بصدده و قوله و قوّة البصر للمبصرات بالفاعل اشبه منها بالقابل الي آخِره۪ يعني به انّ قوّة البصر فاعلة للابصار لا قابلة له لان الابصار عنده اَنَّ النفس تدرك صورة نفسانيّة من عالم الملكوت تشابه صورة المرئي و ان النفس تخترع تلك الصّورة او تنتزعها من المرئي بواسطة الحس المشترك ثم الخيال و لاجلِ تقريبه لمثل هذا قال انّها اشبه بالفاعل منها بالقابل و في السَّمْع بالعكس لانّه بقرع
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 320 *»
الهَواء الحامل للصوت لحجاب الدّماغ الشبيه بالطّبل فتكون القوة السّامعة قابلةً لِمَا يَصِل اليها و الحقّ كما تقدّم انّ الابصار ايضاً كالسّمع في كونه قابلاً لانّه عَلي الصّحيح بالانطباع كما مر و علي كلّ تقديرٍ لو قلنا بقوله كيف تكون النّفس هي المبصرة لانها ان فرض ابصارَها للمحسوس فهو ليس بصحيح لانها مجرّدة و لاتدرك المحسوسات بغير الوساۤئط و ان فرض ما ذهب اليه من الصورة المماثلة الملكوتية فالنفس تدركها و لكن المرئي ليس حينئذٍ بمرئيّ في الحقيقة و انّما المرئيّ هي الصورة المماثلة الملكوتيّة مع انّ العين لا فاۤئدة فيها و كونها طريقاً للنفس لايفيده لانه لايقول بان النفس تدرك المرئي و ان كان بوَسائط و انما يذهب الي ان النّفس تدرك صورة ملكوتية يعني من نوع النفوس الّا انها مماثلة للمرئي فالعين يلزمه انها لا مدخل لها .
قال } و مدركاتها الخمس كما اشرنا في اللمس مُثُل نوريّة غيبيّة موجودة في عالم آخر لا الكيفيّات المسماة بالمحسوسات الّا بالعرض فهي من جنس الكيفيات النفسانيّة و ان سألتَ الحقّ فهذه القوي ليست قاۤئماتٍ بالاعضاۤء بل الاعضاۤء تقوم بامرها لانّ البُرْهان ناهض علي انّ الحالّ بالشيء الذي وجوده في نفسه هو وجوده لمحلّه لايمكن ان يكون وجوده في عالم و وجود المحلّ في عالمٍ آخر فالحال و المحل في عالمٍ واحدٍ وَ المدرِك و المدرَك من نحوٍ واحدٍ فالحرارة الملموسة بالذات مثلا ليست التي وجدت في الجسم المجاوِرِ للعضو كالنارِ و لا التي في العضو المتسخّن المسمّي باللّامس بل صورة اخري غاۤئبة عن هذا العالم حاصلة في نشأةٍ النفس تدركه بقوّتها اللمسيّة و كذا القياس في ساۤئر المحسوسات و ما فوقها و فيه سرّ و للنفس في ذاتها سمع و بصر و شمّ و ذَوق و لمس غير هذه المكشوفة و قد تتعطّل هذه بمرضٍ اوْ نومٍ او اغماۤءٍ او زمانة اوْ موتٍ و تلك الحواۤسّ غير منعزلةٍ عن فعلها و هذه الظواهر حجبٌ و اغشية عليها و هي اصل هذه الداثرات و فيه سرّ { .
اقول قوله و مدركاتها الخمس يعني ما تدركه هذه الحواس الخمس و هو ما تدركه القوة اللّامسة من الملموس و ما تدركه القوة الذاۤئقة من المذوق و
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 321 *»
ما تدركه القوة الشاۤمّة من المشموم و ما تدركه القوة السامعة من المسموع و ما تدركه الباصرة من المرئي مُثُلٌ بِضمّ الميم و الثاۤء جمع مثال اي الصورة نوريّة غيبيّة يعني اَنَّ مدركات تلك القوي صُور من عالم الملكوتِ مماثلة للمحسوسة موجودة في عالمٍ اخر لانّ المحسوسة في عالَمِ الملكِ عالَمِ الاجسام و تلك الصُّور المماثلة للمحسوسة في عالم آخر اي في عالم الملكوت و مرادُهُ انّ النفس من عالم الملكوت و هذه القوي قواها فهي في عالَمِها و يجب ان تكونَ مدرَكاتها معها في عالم واحدٍ و لمّا كانت المرادة من المدركات هي من عالم الملكِ و لايمكن ان تباشرها النفس الغاۤئبة وجب اَنْ تُبَاشر صوراً تشابِهُهَا فتعرف النفس المحسوسة و تدركُهَا باِدْرَاكِ المُشابهِ لَهٰا و الحقّ غير ما ذكر المُصَنِّفُ لانّا قد ذكرنا ان النفس من عالم الغيب و عالم الغيب لايدرك شَيْئا من عالم الشّهادة الّا بواسطةِ شيء له جهتانِ جهة تناسب المدرك بكسر الراۤء و جهة تناسب المدرَك بفتح الرّاۤء امّا في اللّمْسِ فالقوّةُ اللّامِسَةُ من عالم البرزخ جَنْبتُها العُلْيَا من نوع النفسِ و جَنْبتُهَا السُّفْلَي من اَعْلَي مراتبِ عالم الاَجْسامِ اعني الروح البخاريّ اعني الابخرة المعتدلة في الوزن الطبيعي بان يكون جزء من اليبوسة و جزء من الرطوبة و جزء من الحرارة و جزءان منَ البرودة و في التّدبير الاعتدالي كما اشرنا اليه سَابقاً في بيان النّفس الحيوانية الحسيّة بتسخين الحرارة الغريزيّة و معونة كَرِّ الافْلاك باشِعّةِ الكواكب فهو برزخ بين النفس الحيوانية الفلكية و بين النفس النامية النّباتيّة المتقوّمة بالدَّم السَّاري في جميع اَقْطارِ البدن مما تحلّه الحيوة لانّ الحيوة الحيوانيّة من نفس فلك القمر و هي تتعلّق بذلك الروح البخاري بواسطة الطباۤئع الاربع فتدرك تلك القوة النفسانية هيئة الملموس من حرارة او برودة او صلابة او لين او ما اشبه ذلك بواسطة الرُّوح البُخَاري المدرك بواسطة الدَّم السَّاري في ما تحلّه الحيوة بواسطته لان المدرَك بفتح الراۤء جسماني عارض بالجسم و دعوي المصنِّف بانّ المدرك مجرّد ملكوتي غير متّجهةٍ لان الشيء اذا جُرِّد عن رتبة كونِه۪ سقطت منه العوارض الخارجيّة و اذا سقطت لميبق للقوّة اللّامسة ما تدركه و ليس في
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 322 *»
الصورة الملكوتية ما يشابهُ الهيئة الّتي تدركها اللّامسة اذ لو امكن حصولها كَانت الهيئات الجسمانيّة في الملكوت و كانت الموجودة في الجسم الملموس اولي من المشابِهَةِ لها و القوة الذاۤئقة و القوّة الشاۤمّة علي نحو القوّة اللّامسة و امّا القوّة السَّامِعةُ و القوّة الباصرة فهما و وساۤئطهما من نوع القوي الثلاث السّابقة الّا انّ هاتين خالفا السابقات في كيفيّة الواسطة الاخيرة المباشرة للمدرك بفتح الراۤء فَلَمَّا كٰانَ المدرك هو هذه الاشياء الظاهرة وجب اَنْ تكون الواسطة التي تَل۪ي المدرَك بفتح الراۤء و تباشره مِنْ نَوْعِه۪ فلمّا كانَتْ مُدْرَك القوّة السَّامعة هي الاصواتَ ناسبت اَنْ تكون الواسطة الّت۪ي تباشرها ممَّا يمكن تأثر الصوت فيها و هي الجلدة الشَّب۪يهةُ بالطَّبْلِ و لمّا كان مدرَكُ القوةِ الْباصِرَةِ الاَلْوانَ و الصُّورَ ناسب اَنْ تكون الواسطة الَّتي تُباشِرُهَا تناسب الالوان و الصُّور و هي الجليديّة الصَّقيلة الرّطبة لِتَنْطبع فيها الالوان و الصُّوَر وَ هٰذا اظهر من كل دليلٍ لمَنْ يفهم عَلي اَنَّ مدرَك القوة الباصرة هو الالوان و كذا السَّامعة كما قلنا و الّا لميكن للعين في الابصار و الاذن في السمع فاۤئدة لوْ كان المدرك صورة ملكوتيّة مشابهة للمرئي فان المصنف اذا جعل الابصار انما هو بالنفس لَايحتاج الي العين فان قال فائدة العين انطباع الصورة و المدرك للّون هو النفس فانها تدرك مثل المنطبع من عالم الملكوت قلنا ادراك النفس لما في الملكوت لايتوقّف علي الحواۤس الّا لِتكونَ طريقاً للنَّفْس و اذا فرض هذا كان مَا ادركته صورة المرئي لا مثلها في عالمٍ آخر كما قال المصنِّف و قوله لا الكيفيّات المسمّاة بالمحسوسات الّا بالعرض يعني به ان المدرك مثال للكيفية المحسوسة نوري غيْبي موجود في عالم الملكوت لانّه من جنس الكيفيات النفسانية كَما ذكَرهُ مُكرّراً وَ انْتَ قد سَمعتَ ردّ هذا الكلام فَاِنّ المدرَك ليس الّا الكيفيات المحسوسة و لهذا اجمع العقلاۤء من المتقدّمين و المتأخرين علي تسمية المدرِكات لهذه الكيفيات المحسوسة بالحواۤسِّ الظاهرة و يريدون اَنَّها هي المدركة لهذه الكيفيّات الظاهرة و هذا هو المعقول و لو كان المُدرِك لَهٰا هو النفس كما يدّعيه المصنّف لماسَمّوها بالحواۤسّ الظاهرة
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 323 *»
و قوله و ان سألتَ الحق فهذه القوي ليست قاۤئمات بالاعضاۤء بل الاعضاۤء تقوم بامرها فيه انّ الحق في هذه المسئلة ليس علي ما قال بل القوي المدرِكة لهذه الاشياۤء قويً نفسانية و لكنها ليست هي الّتي في النّفس لانّ النفس ليس فيها شيء غيرها و هذه القوي التي يذكرونها هي ادْراكات النفس و النفس لاتدرك في رتبة عالمها الّا ما كان مجرّدا عن المواۤدّ العنصريّة و هذه الامور المدرَكة اعني الملموسة و المذوقة و المشمومة و المسموعة و المبصرة ليست من عالم الملكوت عالم النّفس بل هي اجسام اَوْ جسمانيات و كلا الامرين من هذا العالم و قد ثبتَ انّ المدرِك لها لايكونُ خارجا عن عالمها الّا بوسايط من عالمها و النفس واحدة و تدرك ما تدركه بفعلٍ منها فان كان ما ادركته من عالم الملكوت ادركته بنفسه بلا توسّط شيء و ان كان في عالم الملك ادْرَكتْه بٰالٰاتِها و خلق الله سبحانه لها آلٰاتٍ فخلق النفس البُخاريّة السارية في الدّم تدرك بها هيئة الملموس و المذوق و المشموم و خلق الجلدة الرقيقة التي علي الصِّماخ تُدْرِك بها الاصوات و خلق الجليديّة الصقيلة الرطبة في العين تنطبع فيها الصورة المرئيّة فتدركها بالقوة التي في التقاطع الصَّليبي بين القَصبتين فاذا ارادت النفس ادراك شيء من احد الخمسة المذكورة اشرق احساسها عَلَي حاۤسّته فحييَ باحساسها كما اذا اشرقت الشمس علي الجدار فاستنار باشراقها فكما انّ الجدار ينوّر ما يقابله لما فيه من اشراق الشمس عليه و لايقال ان الشمس نوّرَتْ ذٰلِكَ المقابل لان الانارة للجدار اذ الاستنارة علي حسب قابليّته بل يقال انّ الجدار هو المنوّر لما قابله كذلك تلك الحواۤس فانّها باشراق النفس عليها كانت حاۤسّةً بنفسها و لهذا يختلف الاحساس في القوّة و الضعف بصحّتها و عدمها و النفس واحدة فالحاۤس للمبصر القوّة التي في التّقاطع الصَّل۪يبي و الحاۤس للمسموع القوّة التي في جنبتيِ الدماغ الّتي تلي جلدة الصّماخ و هما عصبتان مضاعفان بحذاۤءِ كلّ اُذُنٍ و عدّهما المشرّحون واحداً لتقارب منشئهما و هما يدخلان في ثقبتين احدهما من قدّام و هو مجري السمع يفضي الي الجلدة الشبيهة بالطبل و علي باب القصبة التي من قدام كما ذكرنا ترجمان السّمع
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 324 *»
يترجم الصَّوْت القارع لجلدة الطبل فكان حاۤسّا بالاصوات بسببِ ما اَشْرقَ عَليهِ من اشعارِ النفسِ و كذلك باقي الحواۤس الخمس فانها هي الحاۤسّة و ان كانت بسببِ ما اشرقت عليها النفس فقول المصنف فهذه القوي ليست قاۤئمات بالاعضاۤء غلط و الّا لماسمّيت بالحواۤس الظاهرة بل هي قاۤئمة بتلك الاعضاۤء قيامَ اشراقٍ كقيام حركة اليد فيها من النفس فانّها حين تعلّقت باليد كانت حركة جسمانية من عالم الملك و ان كان مبدؤها حركة نفسانية من عالم الملكوت فافهم و قوله لان البرهان ناهض علي انّ الحاۤلّ بالشيء الذي وجوده في نفسه هو وجوده لمحلّه لايمكن ان يكون وجوده في عالمٍ و وجود المحلّ في عالمٍ اخر الي قوله من نحو واحدٍ غير صحيح لانه يريد بالحال العرض و ان وجوده في نفسه وجوده لمعروضه كما ذهب اليه تبعا لبعض الحكماۤء و المشبّه به ليس بصحيح و المشبّه غير مطابقٍ و غير مرادٍ امّا كون المشبّه به ليس بصحيح فقد ذكرناه في شرح المشاعر عند ذكره هذه المسئلة و وجه عدم صحته ان الحكماۤء اتفقوا علي انّ العرض ممكن و المصنف قاۤئل به اذ لا خلاف فيه و كل ممكن زوج تركيبي فالعرض لا محالة مركب من مادة و صورة اي من وجود و ماهية و المراد بالوجود امّا المادّة او المعني المصدري و الرابطي و ما اشبههما و ما سوي هذين النوعين وهم نشأ من عدم فهم الوجود و المراد به هنا الماۤدة فالعرض مركب من ماۤدّة اي وجود و من صورة امّا ماۤدته فليست من نفس المعروض و انّما هي صفة و امّا صورته فمن حدودٍ احدها وجودُ مَعْروضِه۪ فقولهم انّ وجود العرض في نفسه هو وجوده لمعروضه ان ارادوا بوجوده الذي هو مادته و حقيقته فهو غلط ظاهر لان حمرة الثوب ماۤدّتها من القرمز مثلا او الفوّة و ان ارادوا بوجوده ظهوره في الاعيان فلاتبعد الصحة لانّ وجوده لمعروضه من تمام قابليّته للظهور فحينئذٍ يراد بالوجود المعني الوصفي لا الذاتي و الّا فليس بصحيح و اما كون المشبّه غير مطابق فلان ادراك النفس و ان كان عرضاً لها بمعني انّه فعل لها ليس حاۤلّا بها لانّه انّما قام بها قيام صدور كالشعاع من السِّرَاج فانّه و ان كان عرضا الّا انه قاۤئم بالجدار لا بالسراج فليس معه في محلّ واحدٍ
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 325 *»
كَما مثّلنا بحركة اليَدِ فانّها قاۤئمة باليَدِ التي هي من عالم الملك و هي ايضا من عالم الملك مع انّها صفة للنفس التي هي من عالم الملكوت لانها ليست قاۤئمة بها قيام عروض و انّما هي قاۤئمة بها قيام صدور فلاتكون معها في مكان واحدٍ و لا في عالَمٍ واحدٍ و اما كونه غير مرادٍ فلان المراد ممّا تدركه الحاۤسّة من ذي المجسّة و الذوق و الراۤئحة و من اللون و الصوت الظاهرة لا المتخيّلة فانّها ليست مرادةً لجميع العقلاۤء فجعْلُهُ انّ الحاۤسّة انّما تدرك صورة من عالم الملكوت مشابهة لهذه الظاهرة مخالفٌ للمعلوم المقطوع به من ان المدرَك انّما هو الاشياۤء الظاهرة الاتراهم يقولون للامور الظاهرة التي هي من عالم الملك الاجسام و الاعراض هذه الاشياۤء المحسوسة يعني الظاهرة حتي المصنف فان كتبه مشحونة من هذه العبارة غير منكر لها بل يحتجّ بها و لا معني للمحسوسة الّا المدركة بالحواۤسّ و هذا شيء لا غبار عليه و انما الغبار علي القلوب و قوله فالحرارة الملموسة بالذاتِ ليست الّتي وجدت في الجسم المجاور للعضو كالنار الخ ، غلط لان هذه الحرارة في الجسم و التي في العضو المتسخّن المسمّي باللّامس ايّ شيء يقال لها المحسوسة ام يقال لها شبيهة المحسوسة و لم سُمِّيت هذه بالحواۤسّ الظاهرة و تلك بالحواۤس الباطنة اعني الحسّ المشترك و الخيال الخ ، علي ان قوله قبل هذا قوّة اللمس و تسري في الاعضاۤء من جهة الروح البخاري صريح فيما نقول نحن و ذلك حين غلبت طبيعته الفطريّة طبيعة تكلّفه نطق بالحق بان قوّة اللمس تسري في الاعضاۤء من جهة الروح البخاري و الروح البخاري من عالم الملك و القوّة اللامسة قاۤئمة فيها قيام حلول سارية معها في الاعضاۤء كُلّها لانّها في الدّم الجٰاري في اللّحم و قوله بل صورة اخري غاۤئبةٌ عن هذا العالم حاصلة في نشأة النفس الخ ، قد تقدم الكلام عليه بما لا مزيد عليه مكرّرا و قوله و فيه سرّ لعلّ المراد بالسرّ ما صرّحَ به من انّ العاقل متّحدٌ بالصورة المعقولة و امّا الجسمية و الجسمانية فلميتّحد بها و انما تدخل في المعلوميّةِ بالعرض لانه عز و جل انما يعلمها بالصورة المعقولة و نحن قد ذكرنا فيما سبق بطلان
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 326 *»
كلامه هذا و هو ههنا فرّع علي ذلك ادراك النفس للمحسوسات بصورة ملكوتية مشابهة للمحسوسة و قد سمعتَ بطلان كلامه هنا ايضا و هذا سرٌّ مفضوحٌ و قوله و للنفس في ذاتها سمع و بصر و شم و ذوق و لمس غير هذه المكشوفة جوابه ان للنفس ذلك الّا انها هي نفسها بمعني ان الله سبحانه اعلمها معرفة هذه المدركات و اقدرها علي ادراك صورها النفسانية الملكوتيّة ادراكا علميّاً و اقدرها علي ادراك هذه الظاهرة المكشوفة بما خلق لها من الٰالٰاتِ علي نحو ما ذكرنا سابقا لا كما ذهبَ اليه و قوله و قد تتعطل هذه بمرض او نوم او اغماۤء الخ ، جوابه انّها ادَوات للنفس فاذا حصل للنفس معطِّل تعطّلتْ لانها انما هي توجهات النفس و تصوراتها لا غير و قوله و تلك الحواۤس غير منعَزِلَةٍ عن فعلها جوابه انّا نقول مانثبت لها من الحواس الملكوتية الّا ما هو فعلها بنفسه و الّا ما معناه عينها لا فعلها و هي علمها و قدرتها كما اشرنا اليه و ما تدركه في عالمها من هذه الامور الظاهرة فهي صورها العلمية و اذا ارادت ادراكها بانفسها تنزّلت و استعملَتْ آلٰاتِها فتدركها بالتّناول بمعني ان الطعم مثلا تدركه القوة الجسمانية التي في اللسان و تلك القوّة مدركة للطعم لحياتها باشراق نور النفس عليها فتؤدّي معرفة ذلك الطعم الي فعل النفس فينتزعها صورة علميّة لا كيفيّة جسمانيّة و المدرَك بفتح الراۤء هو المحسوس و النفس عالمة بذلك بصورته الانتزاعية العلمية كصورة زيد في خيالك و المدرك جسماني تدركه قوّة جسمانية اي الروح البخاري الجسميّ الساري في العضو الظاهر و ان كان بواسطة حيوة النفس و فعلها كما قلنا في حركة اليدِ و قوله و هذه الظواهر حجب و اغشية عليها و هي اصل هذه الداثرات جوابه ان هذه الحجب آلٰاتٌ للادراكِ و المدرِكة هي بما سري فيها من الحيوة البخاريّة الّتي هي النفس النباتيّة و انّما كانت مدركة بها لان البخاريّة حاملة للحيوانية الحسّيّة التي هي من الافلاك كما ذكرنا سابقا فافهم
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 327 *»
و قوله و هي اصل هذه الداثرات يعني ان تلك القوي المجردة الملكوتية الباقية اصل هذه الحواۤسّ الداثرات بمعني انّ هذه اشباح و اظلّة لتلك الملكوتية و نحن نقول هذه حواملها حين تنزلّتِ العليا فجمدت كان الجامد منها هذه الداثرات و الذاۤئب ملكوتي و قوله و فيه سرّ مثل سرّه الاوّل و يشير الي سرّ مفضوح و هو ان حقائق الاشياۤء كلها ثابتة في علمه الذي هو ذاته تعالي و هذه الاشياۤء الظاهرة الداثرة تنزّلتْ من تلك الثابتة تنزل الاشباح و الاظلال و حيث كانت هذه الظاهرة ايات للغاۤئبة فرّع معرفة هذه علي ما يدّعيه من معرفة تلك و لو عكس فعرف هذه اوّلاً لانها مشاهدة يمكن معرفتها و استدلّ بها علي الغاۤئبة فعرف الغاۤئبةَ بالحاضرة لأصاب و لنصره قول الرضا عليه السلام قد علم اولوا الالباب انّ الاستدلال علي ما هناك لايعلم الّا بما هنا .
قال } قاعدة الاِبصار ليس بخروج الشعاع من البصر كما ذهب اليه الرياضيّون و لا بانطباع شبَح المرئي في العضو الجليدي كما ذهب اليه الطبيعيون لفسادِ كلٍّ منهما بوجوه عديدة مذكورة في الكتب و لا بمشاهدة النفس للصورة الخارجية القاۤئمة بالماۤدة كما ذهب اليه الاشراقيّون حَسْبما هو المشهور و استحسنه جمع من المتأخرين كابينصرٍ الفارابي و شهابالدّين المقتول { .
اقول اختلفوا في ابصارِ المرئيّ علي اقوال اربعة :
الاوّل قول الرياضيّين و منهم هشام بن الحكم فانّهم يقولون الابصار بكسر الهمزة بخروج شعاعٍ من العين علي هيئة مخروطٍ رأسه عند العين ينبعث من التقاطع الصّل۪يبي من بين قصبتين ضيّقتين كما قاله علماۤء التشريح قالوا ثقبة كل منهما قدر ما تمرّ منه شعرة خنزيرٍ و مجتمعهما ضيّق و لذا كان النور علي هيئة مخروط رأسه من التقاطع و قاعدته علي المرئي و اختلف هؤلاۤء فقال بعضهم المخروط مصمت و قال بعضهم مؤلف من خطوطٍ مجتمعةٍ عند رأسه متفرقةٍ عند قاعدته و قال بعضهم ليس علي هيئة مخروطٍ بل خطّ دقيق ثابت عند التقاطع متقلِّبُ الطّرفِ الّذي عند المرئيّ علي اجزاۤئه و قال بعضهم ان الشعاع
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 328 *»
الذي في العين يكيّف الهواۤء بكيفيته و يصير الكل آلةً للابصار و مَن نظر الي الايات الٰافاقِيّة الّتي ذكرها سبحانه في كتابه في قوله سنريهم اياتنا في الٰافاق و في انفسهم حتّي يتبيّن لهم انَّه الحَقُّ عرف فساد هذا القول بجميع اقواله فانّ المرءاة تكون فيها صورة المرئي و لمينبعث منها نورٌ و المِرْءاة مثال للاِبْصار بالعين ضربه اللّه سبحانه لاولي الاَبصار و ايضا لو كان الابصار بالشُّعاع لكنتَ تري صورتك في المرءاة مقابلةً لصورتك كشخصٍ اخري فتري عين صورتك اليمني مقابلةً لعينك اليسري و عين صُورتك اليسري مقابلةً لعينك اليمني و هذا ظاهر لان الشعاع يخرج من العينَيْن فيقع علي المرءاة فينعكس الي وجهك فيكون كشخص مواجهٍ لك و لكن الْاَمر علي العكس فَلَايكون بخروج الشّعاع .
الثاني قول الطّبيعيين و هو انّ الاِبصار بانطباع صورة المرئي اي شبَحِه۪ في الرطوبة الجَليدية التي تشبه البرد و الجمد فَاِنّها مثْل مِرْءَاةٍ فَاِذَا قابَلَها متلوِّن مضيۤء انْطبع شَبح صورته فيها كما تنطبع صورة الْاِنْسانِ في المرءاةِ بان يقع ظلّ المرئي و شبَحُه في العين و في المرءاة بشراۤئط ذلك و هي المقابلة المخصوصة مع توسّط الهواۤء المشفّ و استضاۤءة المرئي و المقابل و عدم القرب و البعد المفرطين و اورد عليهم من وجهين الاوّل ان المرئي يكون صورة الشيء و شبحه لا نفسه مع قطعنا بانا نري نفس الشيء و الثاني انّ شَبَح الشيء مساوٍ في المقدار و الا لميكن صورة له و يلزم الّايري ما هو اعظم من الجليديّة لامتناع انطباع الكبير في الصغير و اجابوا عن الايراد الاوّل بانه اذا كان رؤية الشيء بانطباع شبَحِه كان المرئي هو الذي انطبع شبَحُه لا نفس الشبَح كما في العلم بالاشياۤء الخارجة فان العلم بها مشاهدة صورها الخياليّة و النفْسِيّة و عن الثاني بانّ شبح الشيء لايساويه في المقدار كما نراه من صورة الوجه في المرءاة الصّغيرة لان المراد به ما يناسب الشيء في الشكل و اللون دون المقدار غاية الامر انّا لانعرف لمّيّة اِبْصار الشيء العظيم و ادراك البعد بينه و بين الراۤئي بمجرد انطباع صورة صغيرة منه في الجليديّة و
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 329 *»
تأديتها بواسطة الروح المصبوب في العَصَبتين الي الباصرة .
و الثالث قول الاشراقيين او المنسوب اليهم و اختاره شهابالدين المقتول السهروردي انه لا شعاع و لا انطباع و انما الاِبصار بمقابلة المستنير للعضو الباصر الذي فيه رطوبة صقيلة و اذا وجدت هذه الشروط مع زوال المانع يقع للنفس علم اشراقيّ حضوري علي المبصَر فتدركه النفس مشاهدة ظاهرة جليّة و يرد علي هذا القول ما اوردناه علي المصنف في ذكره انّ النفس تدرك صورة ملكوتية مشابهة للمرئي و ايضا العلم الاشراقي هو نفس حضور المعلوم عند العالم به في رتبة كونه كما حُقِّق في محلِّه فانّ معلومات الحق تعالي حاضرة عنده في اَماكِنها وَ اوقاتها في مراتب اكوانها لا في الازل لانَّ الاَزل هو الله سبحانه علي مذهب الحق و امّا علي مذهب المصنف من ان المعلومات صور في علمه الذي هو ذاته تعالي و هي حقاۤئق الاشياۤء و هي متّحدة بالعالم و اما ما انحطّ عن تلك الحقائق فهي بمنزلة الاشباح و الاظلال و هي الداثرات و معلوميتها له بالتبعيّة لا بالاصالة يعني ان العلم بالعلل يستلزم العلم بالمعلولات و قد شحن كتبه من هذه الخرافات و هذا هو اصله في هذه المساۤئل فلذا جعل المدرك هو النفس لكنها تدرك صورة ملكوتية مشابهة للمحسوس و هذا و ان كان باطلا لكنه لميجعل النفس مدركة بذاتها للمحسوس و من قال بان النفس تدرك المحسوسات بذاتها مع وجود تلك الشروط مع زوال المانع مشاهدة جليّة فقد قاس هذا الذي ذكر للنفس علي ما يثبته لله تعالي و قياسه باطل لان النفس لاتدرك المحسوسات بذاتها و انما تدركها بالوساۤئط و المدرك المباشر لادراكها جسماني حامل لفعل النفس يؤدي اليها بواسطة فعلها ما اخذه من المحسوس فتتنعّم النفس او تتألّم بواسطة تنعّم محلّها و تألّمِه۪ و لا كذلك علم الله سبحانه فان علمه الحضوري لايكون بوَاسِطَةِ شيءٍ غير نفس الشيء .
و القول الرابع ما ذهب اليه المصنف و قال به ارسطوطاليس في كتابه اُثُولُوجيَا و هو ان الاِبصار بانشاۤءِ صورة مماثلةٍ له بقدرة الله تعالي من عالم الملكوت النفساني مجرّدة عن الماۤدة الخارجيّة حاضرةٍ عند النفس المدركة
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 330 *»
قاۤئمةٍ بها قيامَ الفِعل بفاعله لا قيام المقبول بقابله و قال المصنف ايضا و البرهان عليه يستفاد ممّا برهنّا به علي اتحاد العاقل بالمعقول فانّه بعينه جارٍ في جميع الادراكات الحسّيّة و الخياليّة و الوهميّة و قد نبّهنا علي هذا المطلب في مباحث العاقل و المعقول و قلنا ان الاحساس مطلقاً ليس كما هو المشهور بين عاۤمّة الحكماۤء انّ الحسّ يجرّد صورة المحسوس بعينه من مادته و يصادفها مع عوارضها المكتنفة و كذا الخيال يجرّدها تجريداً اكثر لما علم من امتناع المنطبعات بل الادراك مطلقا انما يحصل بان تفيضَ من الواهب صورةٌ اُخري نوريّة ادراكيّة يحصل بها الادراك و الشعور فهي الحاۤسّة بالفعل و المحسوسة بالفعل و اما وجود صورة في ماۤدّةٍ فلا حسّ و لا محسوسَ الّا انّها من المعدّاتِ لفيضانِ تلك الصورة مع تحقق الشراۤئط انتهي كلامه من كتابه الاسفار و قد تقدّم ابطال كلامه فان العقلاۤء قولا واحداً يسمّونها الحواۤسّ الظاهرة و يعدّون الحس المشترك من الحواۤس الباطنة مع كونه برزخاً و كونه انزل من الصورة المماثلة علي زعمه انّها من الملكوت مجرّدة عن المادة الخارجيّة علي ان المحسوس هو الكيفيّة الحاۤلّة في الزنجبيل و اذا جرّدتها النفس و رفعتها الي عالمها كان الصورة المدركة هي الصورة العلمية فالنفس تعلم ان صاحب هذه الصورة يحدث حرارة في الجسم المباشر له كاللسان حتي يتألّم اللسان و ربّما تشقّق او حدث فيه السلاق لا اَنّ النفسَ تُحِسُّ به و انّما تتألّم ( يتألّم ) آلٰاتُها الجسمانيّة بكيفية الزنجبيل فينطوي اشراقها الذي علي آلٰاتها كما يتغيّر اشراق الشمس علي الجدار المبيّض اذا غيّر بياضه فالتقاطع الصليبي انّما يدرك المرئي مع شراۤئط الرؤية بما اشرق عليه من حيوة النفس و هذه الحيوة جسمانيّة من عالم الملك كحركة اليد فانها و ان كانت من حيوة النفس المجردة التي هي من عالم الملكوت الّا انها لمّا اشرقت علي اليد و انصبّت بواسطة الدّم في العروق و العصب كانت جسمانية من عالم الملك مع انها معلومة انها هي الحركة الملكوتية اذ ليس في اليد حركة الّا حركة النفس و قد تقدم ما ذكرنا من الحديث و من القرءان حيث عاتب المنكرين للايات بقوله لهم اعين لايبصرون
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 331 *»
بها و لهم اذٰانٌ لايسمعون بها فنطق كتاب الله بانّ الابصار بالعيون و السماع بالٰاذانِ و دعوي انّه جارٍ علي ما يفهمه العواۤم جاريةٌ علي ما يفهمه العواۤمّ و الذي يدركه الخيال من ذلك و الذي تدركه النفس من الصورة التي افاضها الواهب عز و جل هي صورة العلم بذلك و نحن نعْترف به فانّه تعالي اعطي كل ذي حقّ حقّه فاعطي العين الابصار من لون المرئي و اعطي النفس العلم من حاۤسّةِ البصر و اعطي العقل المعني من صورة العلم النفسيّة و هو تعالي مع كل شيء بما له من فيض فعله و عطاۤء صنعه و ما ذكره من كون دليله علي ان النفس تدرك حرارة الزنجبيل بصورة ملكوتية متّحدةٍ بالنفس هو برهانه علي اتّحاد العاقل بالمعقول و الحاۤس بالمحسوس هو دليلنا علي عدم صحة قوله هناك و هنا و قد تقدّم عند ذكره اتّحاد العاقل بالمعقول في هذه الرسالة و في المشاعر في شرحنا عليه ما يكفي الفاهم و يغني العالم و الحقّ في هذه المسئلة ما ذهب اليه اصحاب القولِ الثّاني لاجماع العقلاۤء علي صحة قول مَن قال سبحان من لاتراه العيون و لاتُحقِّقه الظنون مع ان الظنون من فعل النفس لما تشاهده من الصورة و ان كانت مترددةً بينها و بين غيرها و الّا لكان معني العبارتين مكرّرا و فيما ذكرناه كفاية لمن وُفِّق له و لكل واحد من هذه الاقوال الاربعة حججٌ و ترد عليه ايرادات و له جوابات لها و ليس هذا محلّ ذكرها و هي طويلة ذكروها في الكتب المبسوطة و انّما لمنذكرها لطولها و لعدم تمام الفاۤئدة فيها بدون الكلام علي كل منها و هذا يستلزم تأليف كتاب علي حدة .
قال } لانه باطل من وجوه ذكرناها في حواشينا علي حكمة الاشراق منها ان البرهان قاۤئم علي انّ ما في المواۤدّ الخارجيّةِ ليس ممّا يتعلّق به ادراك بالذات و لا من شأنه الحضور الادراكي و الوجود الشعوري و منها انّ تلك الاضافة غير صحيحة اذِ النسبة بين ما لا وضع له و بين ذات الاوضاع الماۤدّية ممتنعة الّا بواسطة ما له وضعٌ و علي تقدير صحّتها بالواسطة لمتكن اضافة علميّة اشراقيّة بل وضعيّة ماديّة اذ جميع افاعيل القوي الماۤدّية و انفعالاتها بمشاركة الوضْع بل الحَقّ في الاِبصار كما اَفادَهُ اللّه لنا بالالهام ان النفس ينشأ منها بعد حصول هذه
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 332 *»
الشراۤئط المخصوصة باذن الله صورٌ معلقةٌ قاۤئمة بها حاضرة عندها متمثّلة في عالمها لا في هذا العالم و الناس في غفلةٍ من هذا و يزعمون انّ هذه الصور منغمرة في المواۤدّ ممّا يتعلّق به الادراك و الّذي حصّلناه من كيفيّة الاِبصار هو الحريّ باسم الاضافة الاشراقيّة لان المضاف اليه كالمضاف موجود بوجود نوريّ بالذات و قد علمت ايضا ان الصور الادراكيّة كلّها موجودة في عالمٍ آخر انّ في هذا لبلاغاً لقومٍ عَابِد۪ين { .
اقول هذا رد علي ما ذهب اليه الاشراقيّون مِنْ اَنَّ الاِبصار بمشاهَدة النفس للصورة الخٰارجية القاۤئمة بالماۤدّة و هو من وجوهٍ قال منها ان البرهان قاۤئم علي ما في المواۤد الخارجيّة ليس مما يتعلق به ادراك بالذات اقول امّا اَنَّ ما في المواۤدّ الخارجيّة ليس مما يتعلّق به ادراك النفس بذاتها و بفعل ذاتها فصحيح و امّا انّه لايتعلّق به ادراكٌ مطلقاً فباطل بل يتعلّق به ادراك القوي الجسمانيّة و لكن المصنف جعل برهانه تفريعا علي مسئلة اتحاد العاقل بالمعقول فانه منع هناك من كون المادّيات معقولة للّه تعالي بالذات بل بتبعيّة عقله لحقاۤئقها المجردة و قد ذكرنا بطلانه و نذكر هنا بطلان الفرع فانه علي زعمه يعقلها بنفس علمه الذي هو ذاته و علي قوله يلزمه الّاتكون الذّات الحق عز و جل متساوية النسبة الي جميع الاشياۤء و هو خلاف الاتفاق علي ذلك و قوله و لا من شأنِه الحضور الادراكي و الوجود الشعوري امّا الحضور الادراكي فممنوع لان كلّ شيء يحضر بكونه سواۤء في ذلك الماۤدّي و المجرّد و كل مدرك له فادراكه له بنفس حضوره لا بصورة مماثلة اجنبيّة او منتزعة لان المدرك بكسر الراۤء تحضر عنده صورة المدرك بفتح الراۤء في غيبه عند غيبته و امّا عند حضوره فلاتوجد عند ذي الادراك صورة غيره كما اذا غاب عنك زيد حضرت في ذهنك صورته لان ذهنك يأخذها منه اذا غاب فاذا حضر اخذ منك ما اخذتَ منه فلايوجد عندك الّا نفس حضوره الذي هو به هو و هذا تتساوي فيه الاشياۤء كلها و امّا الوجود الشعوري فالذي اعطي العقل الشعور بالمعاني لذاته لا بالصور الجوهريّة و اعطي النفوس الشعور بالصور الجوهريّة لذاتها لا
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 333 *»
بالجسمانية و اعطي القوي الجسمانية الشعور بالكيفيات الجسمانيّة علي ان كل مدركٍ انما يحضر عند مدرِكه بنفسه لا بمماثله اذ لو كان الادراك انما هو للمماثل النفساني لكانت الصورة هي الصورة العلميّة و لا خلاف في حصول الصور العلمية للنفس لكنها ليست هي الكيفيات الملموسة و المذوقة و المشمومة و المسموعة و المبصرة كما ان صورة زيد في ذهنك ليست زيداً و لا الاحساس بزيد و انما هي به فمُعَارضته ليست بصحيحة و قول الاشراقيين ليس بصحيح ايضا لان النفس لاتدرك الكيفيات المحسوسة بنفسها فالرد و المردود مردودانِ ضعف الطالب و المطلوب و قوله و منها ان تلك الاضافة غير صحيحة اذِ النسبةُ بين ما لا وضع له و بين ذات الاوضاع اقول و هو كما قال علي دعويهم و لكنهم يعارضونه بهذا في دعواه بان النفس تدرك صورة مماثلة للمحسوس لان الصورة المذكورة ممّا لا وضع لها فالنسبة بينها و بين ذات الاوضاع في المماثلة غير صحيحة بل رُبَّما يكون عدم النسبة فيما قال من المماثلة اولي منه فيما قالوا من الادراك لانّه اشراق و الاشراق العلمي كما يكون في الصورة الملكوتية يكون في الجماد لانّ المراد من الاشراق العلمي حضور المعلوم بنفسه في رُتبة كونه و وجوده عند العالم و تتساوي المعلومات فيه و قوله الّا بواسطة ما له وضع صحيح و لكن الصورة الملكوتية المماثلة مما لا وضع له فلم جعل النفس مدركة للمحسوس بواسطة ادراكها لها الّا ان يجعلها الروح البخاري فلاتكون ملكوتية بل جسميّة و قوله و علي تقدير صحتها بالواسطة لمتكن اِضافة علمية اشراقيّة فيه انا نريد الّايكون ادراك المحسوسات الخمسة علميا اشراقيا بل وضعي مادي و لذا يضعف ادراك المحسوسات ببعدها عن الحواس الظاهرة البعد المحسوس و لايختلف في حق النفوس و قوله اذ جميع افاعيل القوي المادّية و انفعالاتها بمشاركة الوضع صحيح و لكنه المطلوب
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 334 *»
و قوله بل الحق في الابصار كما افاده اللّٰهُ لنا بالالهام انّ النفس ينشأ منها بعد حصول الشراۤئط المخصوصة باذن اللّه صور معلقة قاۤئمة بها حاضرة عندها متمثّلة في عالمها لا في هذا العالم و اقول كلامه هذا بِعَيْنِ معناه ذكره قبل هذا و قد تكلّمنا عليه هُناك فَلَا فاۤئدة في كثرة التكرار مرة بعد اُخْرَي و اِن كانَتْ عَادَتي انّي اَعْتَن۪ي بالتكريرِ للبَيان الّا انه مع الفاصلة الطويلة او لخفاۤءٍ في البيان الاوّل و قوله و الناس في غفلةٍ الي اخره نقول عليه لعلّه هو الذي غفل فان المواۤدّ اذا لميتعلّق بها ادراك كانت من عالم الغيب و عالم الغيب يكون من عالم الشهادة لتعلّق الادراك و علم الطبّ كلّه مبني في التنمية و التحليل و التبريد و التسخين و الترطيب و التجفيف و غير ذلك علي ثبوت ادراك القوي الماۤدّية لهذه الكيفيات و لو انحصر الادراك في النفس و الصور الملكوتية بطل علم الطب المجرّب المقطوع علي صحته و تأثير بعض الماديات في بعضٍ و ادراك بعضها لبعض كيف لا و هي النامية و الفاعلة و القابلة و الحاۤسة و المحسوسة و قد اتفق الفلّاحون علي انّ النخلة تأنس و تستوحش و تعشق و تخاف و قد صحّح هذه الامور و امثالها المجرّبون بلا نكيرٍ بينهم كما هو مذكور في علم الفلاحة و صحّ لكل مَن جرّبه مع انها ليس لها نفس ملكوتية و انما نفسها نباتية من هذا العالم مُؤلفة من هذه العناصر المشاهدة و احساسها لذلك من نوع احساس هذه الخمس الظاهرة و كل مَن فهم كلامي و امثاله عرف انّ المصنف هو الذي كان في غفلةٍ عن هذا لا العلماۤء و الحكماۤء الذين سمّاهم الناس
و قوله و الذي حصّلناه من كيفية الابصار هو الحريّ باسم الاضافة الاشراقية الي اخره ليس كذلك فان الاضافة الاشراقية لميفهم المصنف مراد القاۤئلين بها منها فانها كما تتحقق من العُقول و النفوس تتحقق من الجمادات من بعضها لبعضٍ فان بيتك اذ بنَي زيد له بيتاً عن يمين بيتك فقد حصلت النسبة الاشراقية لبيتك من نفس حضور بيت زيدٍ و كونه عن يمين بيتك و لو هدمَهُ و نقله زالت النسبة اليمينيّة الاشراقيّة فلميتّصِف بيتُك بها فاذا فهمتَ معني النسبة الاشراقية و الاضافة الاشراقية و العلم الاشراقي من هذا المثال فهمتَ معني
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 335 *»
الاشراقي الذي يريدون اهله لا انه شيء ينبعثُ من المشرق كما يتوهم و قوله لان المضاف اليه كالمضاف موجود بوجودٍ نوريّ كالذات ليس بصحيح بل قد يكون المضاف اليه نوريا دهريا و سرمديّا و ازليا و المضاف جماداً و حجراً فان الاضافة تتحقق في بيتك الذي هو حجر و طين اليك و انت المضاف اليه بنفسك فتقول هذا ملك نفسي فهو منسوب الي نفسك في الملك له و العلم به و كلّ ما خلق الله سبحانه حاضر عنده مضاف الي ملكه و ليس هذا العند في الازل بل كلها في الامكان في الاوقات السرمد كالفعل و كالحقيقة المحمدية صلي الله عليه و اله باعتبار و الدهر كالعقل الكلي و الروح الكلية و النفس الكليّة و الطبيعة الكلية و جوهر الهباۤء و الزمان كالاجسام من المحدّد الي الارض السابعة السفلي و كل هذه معلومة له بالعلم الاشراقي بحضورها كل في رتبة كونه او امكانه و وقته من ملكه و هو تعالي سيدي في عز جلاله متعالٍ في توحّده عمّن سواه وحده لا شريك له و هو الأن علي ما كان و لايؤده حفظهما و هو العلي العظيم ان في هذا لبلاغاً لقوم عابدين و نورا و هداية لقوم عارفين و مايعقلها الا العالمون و لا حول و لا قوة الّا بالله العليّ العظيم .
قال } قاعدة ان الصور الخياليّة للانسانِ جوهر مجرّد عن هذا العالم اعني عالم الاكوان الطّبيعيّة و المواۤدّ المستحيلة و الحركات و عليه براهين قطعية اوردتها في الاسفار الاربعة و ليست هي مجردة عن الكونين و الا لكانت عقْلا و معقولا بل وجودها في عالمٍ آخر يحذو حذو هذا العالم في كونه مشتملا علي افلاك و انواع ساۤئر الحيوانات و النباتات و غير ذلك باضعاف اضعاف هذا العالم و جميع ما يدركه الانسان و يشاهده بقوّة خياله و حسّه الباطن ليست حٰاۤلّة في جرم الدماغ و لا في قوة حالّة في تجويفه و لا هي موجودة في اجرام الافلاك و لا في عالم منفصل عن النفس كما زعمه اتباع الاشراقيّين بل هي قاۤئمة بالنفس لا كقيام الحال بالمحلّ بل كقيام الفعل بالفاعل { .
اقول لمّا فرغ من الكلام علي المشاعر الظاهرة اخذ في بيان المشاعر الباطنة و الذي يناسب ان يبتدئ امّا باوّلها ذكرا كالحس المشترك ثم الفكر ثم
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 336 *»
الخيال اَوْ باقربها الي الجسمانيات من حيث الافلاك الحاملة لها كالحيوة ثم الفكر ثم الخيال لكنه ذكرها علي سبيل التعداد و اكتفي به من جهة انه تابع للقوم و لهم كلام طويل عجيب علي الخيال و لعلَّهُ لميقف علي ما قالوا في الفكر و نحْن نشير الي ما لميذكره و الي ما ذكره
امّا الحسّ المشترك فانه في الحقيقة من البرازخ و البرزخ قوله اعلي الله مقامه البرزخ جامع للطرفين ليس مراده انه جامع للجوهر الادني و الاعلي و انما مراده الواصلة بين العوالم المتباينة كالافعال و الصفات و الاشراقات فالحس المشترك البرزخي ليس جامعاً للصفة الجسمانية الجوهرية و النفسانية الجوهرية لانه اشراق النفس علي لطائف الاجسام المادية فهو من حيث الصدور مشاكل لمؤثره و من حيث الظهور مشاكل لمحله فلاجل ذلك صار مشاكلا للطرفين لا جامعاً للجوهرين و هذا هو شأن البرزخ كلما يطلق بين المتباينين فتدبر . كريم
جامع للطرفين فهو قوّة في مقدم الدماغ حياته من نوع حيوة الحشرات كالخنافس و الذباب و البق و ما اشبهها لانه قوّة نفسانيّة تحجّرت و تجسّدت فهي ذات وجهين وجهها الاسفل جسماني يشاهد الجسمانيات كالقوي الظاهرة الخمس علي المذهب الحق و يأخذ منها ما حصّلَتْه من المدركات الخمس الملموس و المذوق و المشموم و المسموع و المبصر و يشافِهُ الخيال بوجهه الاعلي النفساني و يؤدّي اليه ما اكتسبه بعد ما يترجمه بلغة الخيال لانه يتلقّاهُ بلغة الاجسام و الجسمانيات و الخيال لايعرف لغتهم و هذا بابه المترجم لما يكتسبه منها لخازنه الخيال و امّا الفكر فمحلّه من الدماغ كمحل عطارد من الافلاك لانّ الفكر في العالم الكبير نفس فلك عطارد و قالوا انه موكل به ثلاثة ملاۤئكة شمعون و سيمون و زيتون و تحت كل من الجنود من الملاۤئكة ما لايحصي عددهم الا الله الذي خلقهم عز و جل فهم موكلون بانزال الخيالات و الصور و ساۤئر الهيئات و هم المركبون للصور المختلفة كصورة اجنحةٍ للانسان و كرجل له الف رأس علي حسب ما يأمرهم الله تعالي مما ينزّل من الخزاۤئن كما قال عز و جل و ان من شيء الّا عندنا خزائنه و ماننزّله الّا بقدرٍ معلوم فالفكر قوّة نفسانيّة قيل اذا تصرّفت بسبب القوة العقلية فهي فكر و اذا تصرّفت بالقوّة الوهميّة فهي خيال و الحاصل هي في العالم الصغير كنفس فلك عطارد في العالم الكبير فهو يرتّب الصور و يفكّكُها و يؤلفها
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 337 *»
علي حسب مقتضي باعثه من العقل او الوهم و امّا الحيوة فهي بمنزلة النور للقوي النفسانية و هي في الانسان الصغير بمنزلة نفس فلك القمر للانسان الكبير و قد قال تعالي و جعل القمر فيهنّ نوراً فافهم و قد تقدّم بَيان و مثال للحيوة الحيوانية الحسّية و امّا الخيال فقال المصنف انّ الصّورَ الخياليّة للانسان جوهر مجرّد عن هذا العالم اعني عالم الاكوان الطبيعيّة و المواۤدّ المستحيلة و الحركات اقول امّا انه جوهر فيصحّ باعتبار الباطن من ان الصفات و الاعراض ذوات يعني ابداناً تعليميّة معنويّة و لو ظهرت اعراض زيدٍ لك كحركته و كلامه و حرارته و برودته لمتفرق بينها و بين زيد الّا انّ زيداً يسند ما يحكيه عن نفسه و هي تسند ما تحكيه عن زيد و هي تأويل اهل الكهف و الرقيم فهي جواهر بهذا المعْني و بالنسبة الي اعراضها الا انها جواهر مستقلّة و الّا لماكانت قويً للنفس و لكانت نفوسا علي حدة اَلاتري انك انت ذو نفس واحدة و تنسب اليها هذه فتقول حسّي و خيالي و وهمي نعم هي باعتبار انبعاثها من نفسك تكون وجوهاً لها فهي جواهر في رتبتها و هي في رتبة النفس آلٰات فعليّة و امّا انه مجرّد فنعم هو مجرد عن الماۤدة العنصريّة و المدة الزمانيّة و له ماۤدّة نفسانية او برزخيّة مثالية و له مدّة مركّبة من بين الزمان و الدهر و يأتي تمام الكلام و قوله اعني عالم الاكوان الطبيعيّة قد تقدّم انه يريد بالطبيعة الطبيعة الجسميّة المركبة اما من العناصر الظاهرة او من الطباۤئع كالافلاك و قوله و عليه براهين اوْردتها في الاسفار الاربعة امّا المبرهن عليه من انه مجرد علي ما ذكرنا و جوهر كذلك فصحيح و امّا البراهين ففيها غلطات كث۪يرة لابتناۤئها علي اصوله و ايرادها يطول به الكلام و قوله و هي ليست مجرّدة عن الكونين و الّا لكانت عقلا و معقولا يعني انها ليست مجردة عن الكون البرزخي و ان كانت مجردةً عن الجسمي و لو كانت مجردة عن البرزخي كما تجرّدت عن الجسمي لكانت نفساً اذ ليس وراۤء
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 338 *»
البرزخ الّا النفس اعلم ان نفس كل شيء حقيقته التي بها هو هو فنفس زيد حقيقته التي بها زيد زيد بحيث لو نقص عنها ذرة او زاد فيها ذرة لميكن هو هو كالعشرة اذا زيد عليها واحد او نقص لمتكن هي هي و لكل موجود نفس و حقيقة كذلك و هي كله لايزيد عليه و لاينقص عنه فلجميع اجزاء هذا العالم حقيقة و نفس هكذا فالعرش له نفس بها يكون عرشا و للكرسي نفس و للافلاك نفوس و للعناصر نفوس و تلك النفوس هي عرصة الحقايق و الذاتيات و كذلك للجمادات و النباتات و الحيوانات و الاناسي لجميعها نفوس و ذوات هكذا و تلك الذوات كلها دهرية يجري كل نفس في جميع المظاهر الزمانية فحقيقة البسايط جارية في جميع الاوقات الزمانية فالعرش عرش في اول الزمان و اوسطه و اخره و ما بينها من الاوقات و كذلك الافلاك و العناصر و المواليد و زيد زيد حال تولده و طفوليته و شبابه و كهولته و هرمه و في جميع الاوقات و الامكنة و الحالات و العوارض العارضة فتلك الحقيقة الثابتة في جميع الاوقات و الامكنة و الحالات هي الحقيقة الدهرية الثابتة و تلك الحقيقة لها مراتب ثمان من فؤادها الي جسدها لان تلك المراتب من شروط كون الشيء شيئا تاما و تلك الحقيقة نزلت من عالم تجردها الي عالم الاعراض فلحقتها اعراض نزولاً و لتلك الاعراض نوعاً مرتبتان برزخية و دنياوية و انما حصلت تلك الاعراض من تعاكس تلك الاعراض و الخلط و اللطخ اللازمة للكثرة مع الضعف الحاصل لها حين الاعراض عن المبدء فالاعراض الدنياوية هي التي تشاهدها من العرش الي الفرش الا ان الاعراض تغلظ كلما نزلت و تلطف كلما صعدت و ما بين الحقايق و الدنيا روابط هي افعالها المتعلقة بالدنيا و هي التي بها تحس النفوس ما في هذه الدنيا و تلك الروابط هي عاقلتها و عالمتها و واهمتها و خيالها و فكرها و حيوتها التي هي موضع حسها المشترك و لحق تلك الروابط البرزخية ايضا اعراض و لطخ و خلط و تلك الروابط قائمة بالنفس صدوراً و بالبدن ظهوراً و هي توصل الادراك النوعي من النفس الي الجسد و المدركات الجزئية من الجسد الي النفس فيحصل بها للنفوس انحلال و نعومة و بسط و لطافة و قوة و قدرة فالانسان اذا نزل الي الدنيا صار شايعاً في الاعراض و بالقوة و لكن لميختلط بها اختلاط ممازجة بل مجاورة و تخلل فاذا صعد بدا في البروز الي ظهر اثاره و فهمه و قوته و لكنه مختلط بالبدن الدنياوي فاذا فارق روحه جسده بقي في جسده اجزاؤه الاصلية الجسدية و في روحهِ البخارية اجزاؤه الاصلية الروحية اما روحه البخاري فهو سريع التحلل و في حال التحلل يتفكك الاجزاؤ الاصلية الروحية فيسجد تحت العرش و يفقد نفسه ثم اذا تفرق بالكلية و تحلل اجتمع اجزاؤه الاصلية بالمناسبات الطبيعية علي صورة عمله اما صورة انسان او سبع او بهيمة و اما بدنه فلجموده بطيء التفكك و الاجزاء الاصلية مختلطة به و ما لمينحل انحلالا طبيعياً صادقا لايجتمع اجزاء بدنه الاصلي خالصا و كلما ينحل جزء يتخلص جزؤه الاصلي و يسكن في قبره مستديراً الي ان يجتمع جميع الاعضاء فتتركب علي هيئة طبعها و يعود اليه الروح و هو حال الرجعة ففي الرجعة الارواح غير خالصة عن اعراض البرزخ فاذ انقضي الاجل انحل الروح البرزخي في طبايعه و تفكك و استخرج منه الاجزاء الحقيقية و كذلك انحل البدن في الطبايع و اجتمع في القبر و ولج الروح في البدن و قام لله رب العالمين و في البرزخ روح المؤمن في فسحة و بالمناسبات الطبيعية يصل الروح الي البدن كما يصل من لذة يذوقها الانسان في المنام و روح الكافر في ضيق و يصل فوحه الي بدنه كما يصل الي بدن من رأي في المنام ما يكره و نعيم من ثمرات اعماله اللازمة له و جحيم الكافر من ثمرات اعماله لان الاعمال صور الثواب و العقاب و هذا القدر كاف هنا و في ما ذكرت شرح كثير من مطالبه اعلي الله مقامه التي رمزها لصلاح زمانه . كريم
و النفس اذا كملت كانت عنده عقلا فتكون عاقلةً لغيرها و لنفسها فهي معقولة و يريد به التنبيه علي اتّحاد العاقل و المعقول و قد تقدم بطلانه
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 339 *»
و قوله بل وجودها يعني القوّة الخياليّة في عالم اخر و هو عالم البرزخ بين المجردات و الاجسام المادّية يحذو حَذو هذا العالم يعني علي هيئة تركيبه من الابعاد و الالوان و الرواۤئح و الاصوات و ساۤئر الكيفيات في كونه مشتملاً علي افلاك و تسمّي تلك الافلاك هورقليا يعني ملكاً آخر اي عالم مُلكٍ غير عالم ملك الماديات العنصريّة و عناصر و انواع ساۤئر الحيوانات و النباتات و هذه عالمه السفلي و هو كما دلّت عليه الروايات يشتمل علي بلدٍ في المشرق يقال لها جابلقا و علي بلدٍ في المغرب يقال لها جابرسا و في بعض الاخبار ان لكل واحدة سبعينالف باب بين الباب الي الباب فرسخ و في رواية اخري مائة فرسخ و علي كل باب خمسونالفاً شاكي السلاح ينتظرون قيام القاۤئم عليه السلام عجّل اللّٰهُ فرجه و سهّل مخرجه و جعلنا من اعوانه و انصاره و المستشهدين بين يديه و الروايات مختلفة الظاهر في ذكرهما ففي الكافي عن ابن ابيعمير عن رجاله عن ابيعبدالله عليه السلام قال انّ الحسن عليه السلام قال انّ لله مدينتين احديهما بالمشرق و الاخري بالمغرب عليهما سور من حديد و علي كل واحدٍ منْهُمَا الفُالف مصراع و فيها سبعونالفالف لغة يتكلم كل لغةٍ بخلاف لغة صاحبها و انا اعرف جميع اللغات و ما فيهما و ما بينهما و ما عليهما حجة غيري و غير الحسين اخي ه ، و روي الحسن بن سليمن الحلي في منتخب بصائر سعد بن عبدالله الاسعدي باسناده عن الصادق عليه السلام قال انّ للّه عز و جل مدينتين مدينة بالمشرق و مدينة بالمغرب فيهما قوم لايعلمون بخلق ابليس نلقاهم في كل حين فيسألونا عما يحتاجون اليه و يسئلونا عن الدعاۤء فنعلّمهم و يسألونا عن قاۤئمنا متي يظهر و فيهم عبادة و اجتهاد شديد و لمدينتهم ابواب ما بين المصراع الي المصراع مائة فرسخ لهم تقديس و تمجيد و دعاۤء و اجتهاد شديد لو رأيتموهم لاحتقرتم عملكم يصلّي الرجل منهم شهراً لايرفع رأسه من سجدته طعامهم التسبيح و لباسهم الورق وجوههم مشرقة بالنور و اذا رأوا منّا واحداً لحسوه و اجتمعوا اليه و اخذوا من اثره من الارضِ يتبركون به لهم دويّ اذا صلّوا كاشدّ من دويّ الريح العاصف منهم جماعة لميضعوا السلاح منذ كانوا ينتظرون
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 340 *»
قاۤئمنا عليه السلام يدعون الله عز و جل ان يريهم ايّاه و عمر احدهم الف سنة اذا رأيتهم رأيتَ الخشوع و الاستكانة و طلب ما يقرّبهم الي اللّه عز و جل اذا احتبسنا عنهم ظنوا اَنّ ذلك من سخطٍ يتعاهدون اوقاتنا التي نأتيهم فيها لايسأمون و لايفترون يتلون كتاب الله عز و جل كما علّمناهم و ان فيما نعلّمهم ما لو تلي علي الناس لكفروا به و لانكروه و يسألونا عن الشيء اذا ورد عليهم من القرءان لايعرفونه فاذا اخبرناهم به انشرحت صدورهم لما يسمعون منّا و سألوا لنا طول البقاۤء و اَلَّايفقدونا و يعلمون انّ المنةَ من اللهِ عليهم فيما نعلّمهم عظيمةٌ و لهم خرجة مع الامام عليه السلام اذا قام يسبقون فيها اصحابَ السلاح و يدعون الله عز و جل اَن يجعلهم ممّن ينتصر بهم لدينه فيهم كهول و شبّان اذا رأي شَبابٌ منهم الكهلَ جلس بين يديه جلسة العبد لايقوم حتّي يأمره لهم طريق هم اعلم به من الخلق الي حيث يريد الامام عليه السلام فاذا امرهم الامام عليه السلام بامرٍ قاموا عليه ابداً حتّي يكون هو الذي يأمرهم بغيره لو انهم وردوا علي ما بين المشرق و المغرب من الخلق لافنوهم في ساعةٍ واحدة لايحثـل (كذا) فيهم الحديد لهم سيوف من حديدٍ غير هذا الحديد لو ضرب احدهم بسيفه جبَلاً لقدّه حتي يفصله و يغزوا بهم الامام عليه السلام الهند و الديلم و الترك و الروم و بربر و فارس و بين جٰابرسا الي جابلقا و هي مدينتان واحدة بالمشرق و واحدة بالمغرب لايأتون الي اهلِ دينٍ اِلّا دعوهم الي اللّه عز و جل و الي الاسلام و الاقرار بمحمدٍ صلي اللّه عليه و اله و التوحيد و ولايتنا اهل البيت فمن اجاب منهم و دخل في الاسلام تركوه و امّروا عليه اميراً و مَن لميُجب و لميقر بمحمد صلي اللّه عليه و اله و لميقرّ بالاسلام و لميُسلم قتلوه حتي لايبقي بين المشرق و المغرب و ما دون الجبل احد الّا آمن ه ، و سئل اميرالمؤمنين عليه السلام هل كان في الارض خلق من خلق اللّه تعالي يعبدون اللّه قبل خلق ادم و ذرّيّته فقال نعم قد كان في السموات و الارض خلق من خلق اللّهِ يسبّحون اللّه و يقدّسونه و يعظمونه بالليل و النهار لايفترون فانّ اللّه عز و جل لمّا خلق الارضين خلقها قبل السموات ثم خلق الملاۤئكة روحانيّين لهم اجنحة يطيرون حيث يشاۤء اللّه
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 341 *»
فاسكنهم ما بين اطباق السموات يقدّسون الليل و النهار و اصطفي منهم اسرافيل و ميكاۤئيل و جبرائيل ثم خلق عز و جل في الارض الجنّ الروحانيين لهم اجنحة فخلقهم دون خلق الملاۤئكة و خَفَضَهم دون ان يبلغوا مبلغ الملاۤئكة في الطيران و غير ذلك فاسكنهم فيما بين اطباق الارضين السبع و فوقهنّ يقدّسون اللّٰه الليل و النهار لايفترون ثم خلق خلقا دونهم لهم ابدان و ارواح بغير اجنحةٍ يأكلونَ و يشربون نَسْنَاس اشباه خلقهم و ليسوا بانسٍ و اسكنهم اوساط الارض علي ظهر الارض مع الجنّ يقدّسون اللهَ الليل و النهار لايفترون قال و كانت الجنّ تطير في السماۤء فتلقي الملاۤئكة في السماۤء فيسلّمون عليهم و يزورونهم و يستريحون اليهم و يتعلّمون منهم الخير ثم ان طاۤئفة من الجن و النسناس الذين خلقهم اللّه و اسكنهم اوساط الارض مع الجن تمرّدوا و عَصوْا عن امر اللّه فمرحوا و بَغَوْا في الارضِ بغير الحقّ و علا بعضهم علي بعضٍ في العتوِّ علي الله تعالي حتّي سفكوا الدّماۤء فيما بينهم و اظهروا الفساد و جحدوا ربوبيّة الله قال و اقامَتْ طاۤئفةٌ المطيعون من الجنّ علي رضوان الله و طاعته و باينوا الطاۤئفتَيْن من الجنّ و النسناسِ الذين عتوا عن امرِ الله قال فحطّ اللّه اجنحة الطاۤئفة من الجن الذين عتوا عن امر اللهِ و تمرّدوا فكانوا لايقدرون علي الطيرانِ الي السماۤء و الي ملاقاة الملاۤئكة ثم انّ اللّه تعالي خلق خلقا . الظاهر ان هذا ساقط من الحديث ( منه اعلي الله مقامه )
علي خلاف خلق الجنّ و علي خلاف خلق النسناس يدبّون كما تدبّ الهواۤم ( الهامة الدابة ) في الارض يأكلون و يشربون كما تأكل الانعام مِن مراعي الارض كلُّهم ذكران اعلم ان اهل المدينتين هي الاشباح و هي كلها ذكران لغلبة جهة الرب فيهم كالملئكة و هم علي خلاف الجن و النسناس لانهم جواهر يدبون كما يدب الهوام لانهم ينتقلون من محل عرضي الي محل يأكلون و يشربون كما تأكل الانعام التشبيه تشبيه صفة فان اكلهم التسبيح كما مر في الخبر المروي عن البصاير و مراعي الارض هي ارض المثال فانهم يسبحون اللّه في ارض المثال بافتقارهم و عبوديتهم و ليس فيهم شهوة النساء و الاولاد و لا الحرص و لا طول الامل و لا لذة عيش كالاشباح التي في المراة لباسهم ورق الشجر و هو ورق الشجر الاخضر لان عالم الاظلة اوراق الشجر الاخضر و شربهم من الاودية الكبار و العيون الغزار و هي عين المادة و واديها و بلدهم من وراء الشمس و القمر فهما يطلعان من دونهما في هذا العالم فالمدينة المشرقية جابرسا و المغربية جابلقا اذ من الاشباح الغالب عليها جهة السماء التي هي مطلع الشمس و منها الغالب عليها جهة الارض التي هي مغرب الشمس و كل يوم يصعد من الارض الي السماء سبعونالفاً من الاشباح العملية و تدخلها و لاتخرج منها و ينزل من السماء الا الي (كذا) الارض سبعونالفا من الاشباح المددية و الاشراقية فلايخرج من الارض و يتلاقون في الهواء و يسمع اصطكاك الاشباح الحس المشترك و كلهم ينتظرون خروج القائم لانهم انصاره فمهما حكم ايهم لايعصي ما امر و يفعل و يمضي في الفور الاتري انه لو امر الصداع ان يأخذ احداً اخذه و اذا امر الحمي ان تأخذ احداً اخذته و كذا لو امر الاشراقات الفلكية نفذت فيما امرت فلايعصون الله ما امرهم و يفعلون ما يؤمرون فبهؤلاء يقاتل اهل الشرق و الغرب فهم جيش لاينهزمون ابداً و لاينكسرون و لايعلم جنود ربك الا هو فافهم فقد القيت اليك فهم هذه الاخبار و هؤلاء لهم لغات عديدة لان كل شبح له لغة فلغة الصداع غير لغة الحمي و لغة الحمي غير لغة الفالج فالحمي تتكلم بالتركي و الفالج بالفارسي فافهم . كريم
ليس فيهم اناث لميجعل اللّه فيهم شهوة النساۤء و لا حب
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 342 *»
الاولاد و لا الحرص و لا طول الامل و لا لذّة عيشٍ لايلبسهم الليل و لايغشيهم النهار ليسوا ببهاۤئم و لا هواۤمّ لباسهم ورق الشجر و شربهم من العيون الغزار و الاودية الكبار ثم اراد الله ان يفرّقهم فرقتين فجعل فرقة عند مطلع الشمس من وراۤء البحر و كوّن لهم مدينة انشأها تسمّي جابرسا طولها اثناعشرالف فرسخ في اثنيعشرالفَ فرسخٍ و كوّن عليها سوراً من حديد يقطع الارض الي السّماۤء ثم اسكنهم فيها و اسكن الفرقة الاخري خلف مغرب الشمس من وراۤء البحر و كوّن لهم مدينةً انشأها تسمي جابلقا طولها اثناعشرالف فرسخٍ في اثنيعشرالف فرسخ و كوّنَ لهم سوراً من حديد يقطع الارض الي السماۤء و اسكن الفرقة الاخري فيها لايعلم اهل جابرسا بموضع اهل جابلقا و لايعلم اهل جابلقا بموضع اهل جابرسا و لايعلم بهم اوساط الارضين من الجن و النسناس فكانت الشمس تطلع علي اهل اوساط الارضين من الجنّ و النسناس فينتفعون بحرّها و يستض۪يۤئون بنورها ثم تغرب في عين حمئة فلايعلم بها اهل جابلقا اذا غربت و لايعلم بِها اهل جابرسا اذا طلعت لانها تطلع من دون جابرسا و تغرب من دون جابلقا فقيل يا اميرالمؤمنين فكيف يبصرون و يَحْيون و كيف يأكلون و يشربون و ليس تطلع الشمس عليهم فقال عليه السلام انهم يستضيۤئون بنور اللّه فهم في اشدّ ضوْءٍ من نور الشمس و لايرون ان اللّه خلق شمساً و لا قمراً و لا نجوما و لا كواكب و لايعرفون شيئا غيره فقيل يا اميرالمؤمنين فاين ابليس عنهم قال لايعرفون ابليس و لاسمعوا بذكره لايعرفون الّا الله وحدَهُ لا شريك له لميكتسب احد منهم خطيۤئة و لميقترف اثما لايسقمون و لايهرمون و لايموتون
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 343 *»
الي يوم القيمة يعبدون الله لايفترون الليلُ و النهارُ عندهم سواۤء ه ، و اقول ان هاتين المدينتين و من فيهما و ارضوهم و سمواتهم علي هيئة ارضينا و سمواتنا و انهم في الاقليم الثامن و اسفل عالمهم فوق محدّب محدّد الجهات و مع هذا فقد جمعهم و افلاكهم المسماة بهُورقليا في جوفه و جنان الدنيا و نيران الدنيا في ذلك العالم و من مات من المؤمنين الماحضين الايمان حملت الملاۤئكة روحه علي نجاۤئب من نورٍ الي جنانِ الدنيا في ذلك العالم و ان كان من المنافقين و الكافرين الماحضين قادت الملاۤئكة روحه بكلاليب و سلاسل من نار الي نار الدنيا في ذلك العالم و ماۤء الفرات و النيل و سيحان و جَيحان ينْزل من ذلك العالم الي فلك المحدّد الجهات ثم الي الملاۤئكة ثم الي السحاب ثم الي الانهار الاربعة ماۤء كل نهر من نظيره هناك و في بعض الروايات ما معناه انه يخرج من كل مدينة منهما كل يوم سبعونالفاً لايعودون و يدخلها سبعونالفاً لايخرجون الي يوم القيمة و اعلم انّ الذي عُلِّمته في هؤلاۤء الخارجين و الداخلين انهم يخرجون من جابرسا لايعودون و يدخلون جابلقا لايخرجون و من خرج من جابلقا دخل جابرسا كذلك و اذا كنتَ في مكان خالٍ لايحسّ بحركة و لا صوت و لا ريح في ليلٍ او نهارٍ فانّك تسمع كلامهم لان المغرّبين و المشرّقين يتلاقون في الهواۤء بين الارض و السماۤء فيتكالمون فتسمع كلامهم و تسبيحهم دَوِيّاً كدَويِّ النّحْلِ و كذلك تسمع صوت الماۤء النازل من عالمهم الي الانهار الاربعة لانه ينزل في حوض واسعٍ و الملاۤئكة تكيل السحاب منه فاذا اردتَ ان تسمع ذلك الانصباب فاربط اُذنَيْك باصبعيك لئلّاتسمع شيئا من هذا العالم فانك تسمع صوت انصباب الماۤء في الحوض و الحوض لايمتلي ابداً لانّ الملاۤئكة داۤئما تغرف منه فافهم و حُكي عن الحكماۤء الاقدمين انّ في الوجود عالماً مقداريّاً غير العالم الحسّي لاتتناهي عجاۤئبه و لاتحصي مُدُنه من جملة تلك المُدن جابلقا و جابرسا و هما مدينتان عظيمتانِ و لكلٍ منهما الف بابٍ لايحصي ما فيها من الخلاۤئق
و قال بعض العلماۤء في كل نَفَسٍ خلق الله عوالم يسبّحون الليل و النهار
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 344 *»
لايفترون و خلق اللّه من جملة عوالمِها عالماً علي صُوَرنا اذا ابصرها العارف يشاهد نفسه فيها ثم قال و كلّما ما فيها حيّ ناطق و هي باقية لاتفني و لاتتبدّل و اذا دخلها العارفون فانما يدخلون بارواحهم لا باجسامهم فيتركون هياكلهم في هذه الارض الدنيا و يجرّدون ارواحهم و فيها مداۤئن لاتحصي تسمّي مداۤئن النور لايدخلها من العارفين الّا كل مصطفي مختار و كلّ حديثٍ و آيَةٍ وردَتْ عندنا فصرفها العقل عن ظاهرها وجدناها علي ظاهرها في هذه الارض و كلّ جسدٍ يتشكّل فيه الروحاني من ملكٍ و جنٍّ و كل صورة يري الانسان فيها نفسه في النوم فمن اجساد هذه الارض انتهي ،
اقول في كلام هذا البعض بعض الكلام امّا قوله لايدخلها من العارفين الّا كل مصطفي مختار ففيه انها مدينتان قاۤئمتان و بازاۤئهما مدينتان منكوستان و هما متشابهان في الشكل مختلفتان في الحقيقة فامّا القاۤئمتان فلايدخلها الّا كل مصطفي مختار و امّا المنكوستان فلايدخلها الّا الفجّار و سكّان النار و امّا قوله وجدناها علي ظاهرها ان كان ظاهرها حقّا وجد في القاۤئمتين و ان كان باطلا وجد في المنكوستين و اعلم انّ لنا كلاماً في ترجمة لغات اهل هاتين المدينتين علي جهة الاجمال و التمثيل لاتحتمله اكثر الافهام فلذا اقتصرنا علي ذكر الروايات و انما قلنا علي جهة الاجمال لان تفصيلها لايعلمها كلها الّا العالم من آلمحمد صلي الله عليه و اله و قول المصنّف باضعاف اضعاف هذا العالم مراده به ان جميع الخلق من الانس و الجن و الملاۤئكة و الحيوانات البريّة و البحريّة و الجن و النسناس و الشياطين و النباتات و المعادن و الجمادات كلها مَن نزل من الخزاۤئن و مرّ علي هذا العالم اكتسي منه حلّة ينزل بها و مَن صَعِدَ منها و مرّ عليه القي فيه حلّته و خلق اللّه علي شكل هذا العالم عوالم مشابهة له بعدد كل واحدٍ من سكان عالمِنا مما له روح في قناديل و عَلّقها بهذا العالم فتكون اضعاف اضعافِه مضاعفة و مايعلم جنود ربّك الّا هو و قوله و جميع ما يدركه الانسان و يشاهدُه بقوّة خياله و حسّه الباطن
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 345 *»
ليست حاۤلّةً في جرم الدماغ يريد به ان القوي الباطنة ليست من عالم الاجسام لتكون حالة في الاجسام كالماۤء في الكوز او كالماۤء في العود الاخضر و انّما هي من عالم الملكوت و اقول انّها ليست من عالم الاجسام كما قال و لكنّها تتعلق بلطاۤئف الاجسام الماديّة لانّها انّما تظهر آثٰارُهَا في انتزاع الصور الخياليّة الّتي هي هيئات و اشعة من الصور المتّصلة الحاۤلّة بالمواۤدّ علي الصحيح بالنفس البُخَاريّة المتعلّقة بمثل الدماغ و ليس ما في الخيال اصلاً للخارجيّة كما زعمه الصوفيّة بل عندهم انّ ما في الخيال اصلٌ للصور الخارجيّة و المواۤدّ المتقوّمة بها حتّي قال بعضهم ماتتحرّك نملةٌ في المشرق او المغرب الّا بقدرتي علي اَنَّ القوة الحاۤسّة الخياليّة من اعالي الاجسام كما تصدق علي الماۤدّية تصدق علي المجرّدة عَن المواۤدّ و يشير قوله عليه السلام في تأويل قوله تعالي افلايرون انّا نأتي الارض ننقصها من اطرافها قال عليه السلام يعني بموت العُلماۤء و ما دلّ علي ان النفس جسم و قوله في تجويفه كما قلنا اي ليست حاۤلّة كحلول الاجسام الماديّة بعضها في بعضٍ و انما هي اشراق من نفس فلك الزّهرة يتعلق بالنفس البخاريّة و هي تتعلّق بالدّماغ و سريانها في النفس البخاريّة بواسطة نور نفس فلك القمر الساري في جميع الالٰات بتوسّط النفس البخاريّة قال الله سبحانه و جعل القمر فيهنّ نوراً لان الحيوة الحيوانية الّتي هي اشْراق من نفس فلك القمر سريان جميع القوي الادراكية بتوسطها فافهم سر قوله تعالي و جعل القمر فيهنّ نوراً ، و قوله و لا هي موجودة في اجرام الافلاك فيه ان اصلها موجود في اجرام الافلاك و هي النفس المتخيلة الكلية في نفس فلك الزهرة اذ ليس فلك الزهرة و غيره من الافلاك كما توهّمه كثير انها متحجّرة صلبة كما نقل عن بليناس انها في صلابة الياقوت فانّ هذا غلطٌ و مَن صَعِد منهم الي السّمواتِ و وجدها بصلابة الياقوت حتي يخبر بذلك و انما هي كما اخبر عنها خالقها العالم بما خلق في قوله تعالي ثم استوي الي السماۤءِ و هي دخان فاخبر بانه تعالي خاطبها و هي دخان و الخطاب بعد تمام الصنع و كون الخطاب كناية عن
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 346 *»
التكوين خلاف الظاهر بمعني انه بمعني التكوين في التأويل و علي ظاهره في التكليف و كلّ منهما مراد و الدليل القاطع المؤيد بقول الرضا عليه السلام قد علم اولوا الالباب ان الاستدلال علي ما هناك لايكون الّا بما هنا ه ، هو ان العلماۤء و الحكماۤء اتفقوا علي ان الانسان هو العالم الصغير و انه فيه كل ما في العالم الكبير فهو انموذج منه و آية عَليه و شاهدهم قوله تعالي سنريهم اياتنا في الافاق و في انفسهم حتي يتبيّن لهم انّه الحقّ و قوله تعالي و في انفسكم افلاتبصرون و ما نسب الي عليّ عليه السلام من قوله :
و انت الكتابُ المبينُ الذي ** * ** بِاَحْرُفه۪ يظهر المُضمَرُ
اَتَحْسبُ انك جرمٌ صغير ** * ** و فيك انْطَوي العَالم الاكبَرُ
فاذا ثبت انك نسخة العالم الاكبر ثبت ان فيك افلاكاً سبعة فلك حياتك كفلك القمر و فلك فكرك كفلك عطارد و فلك خيالك كفلك الزهرة و فلك وجودك الثاني كفلك الشمس و فلك وهمك كفلك المريخ و فلك علمك كفلك المشتري و فلك عقلك اي تعقّلك كفلك زحل و فلك نفسك و صدرك اعني خزانة علومك كفلك الثوابت و فلك قلبك اي عقلك كفلك الاطلس و جسدك كالعناصر الاربعة فهل فيك افلاك جزئيّة في صلابة الياقوت ام تكون افلاكك دخاناً بُخَاريّا فقد كشفتُ لك السرّ و اريتك الغيبَ شهادة في نفسك فان فهِمْتَ و الّا فخطابي مع غيرك فظهر لمن فهم ان السموات دخان بخارية و فيك كذلك فتلك القوي النفسانية الكليّة تعلّقت بافلاكها البخاريّة الدّخانية تعلّق اشراقٍ بتوسط نفس فلك القمر و كذلك القوي النفسانية الجزئيّة تتعلّق بافلاكها الجزئية اعني بطون الدماغ الثلاثة فانها خمسة و واحد باعتبار مقدّم كل بطن و مؤخّره كما ذكروا خمسة و الواحد الذي هو بمنزلة اشراق نور نفس فلك القمر علي الافلاك تتعلق تلك القوي بتوسط اشراقه هو نور الحيوة
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 347 *»
و قوله و لا في عالم منفصل عن النفس كما زعمه اتباع الاشراقيين صحيح و الّا لزم كون تلك القوي نفوساً متعدّدة متباينة و ليس هذا موجوداً فينا فهو باطل و قوله بل هي قاۤئمة بالنفسِ لا كقيام الحاۤل بالمحلّ صحيح سواۤء اريد بالحاۤل العرض ام الجوهر و قوله بل كقيام الفعل بالفاعل يعني قيام صدور و قوله كقيام الفعل بالفاعل بناه علي ما ذهب اليه من ان المدرك هو النفس بلا توسطِ شيء و انما هذه المتوسطات مُعِدّات لادراكها و هذا ليس بصحيح بل الصحيح انها تدرك بهذه الوساۤئط و الوساۤئط هي المدركة المترجمة و امّا النفس فتدرك ما ترجمَتْه الوساۤئط لا انّها تدرك بها قبل الترجمة كما توهمه اتباع الاشراقيّين و لا انها تدرك امثال ما ادركته الوساۤئط و ان الوساۤئط غير مدركة بل معدّة كما توهمه المصنّف نعم تلك القوي قاۤئمة بالنفس كقيام نور الشمس المشرق علي الجدار بالشمس قيام صدور .
قال } و تلك الصورة الحاضرة في عالم النفس قد تتفاوت في الظهور و الخفاۤء و الشّدة و الضعف و كلما كانت النفس الخيالية اشدّ قوّة و اقوي جوهرا و اكثر رجوعا الي ذاتها و اقل التفاتا الي شواغل هذا البدن و استعمال قواها المحرّكة كانت الصورة الممثّلة عندها اتم ظهوراً و اقوي وجوداً و هذه الصور اذا قويت و اشتدّت كانت لا نسبة بينها و بين موجودات هذا العالم في تأكد الوجود و التحصيل و ترتب الاثر و ليست هي كما ظنّه الجمهور انّها اشباح مثاليّة لايترتّب عليها اثار الوجود كما في المقامات غالباً لان ذلك لسبب اشتغال النفس بالبدن عند النوم ايضا و تمام ظهور تلك الصورة و قوة وجودها انما يكون بعد الموت حتي ان التي يراها الانسان بعد الموت يكون هذه الصورة التي يراها في هذا العالم كالاحلام بالنسبة اليها و لذلك قال اميرالمؤمنين عليه السلام الناس نيام فاذا ماتوا انتبهوا و حينئذ صار الغيب شهادة و العلم عينا و فيه سرّ المعاد و حشر الاجساد { .
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 348 *»
اقول قوله و تلك الصورة الحاضرة في عالم النفس يخالفه قوله قبل هذا بل وجودها في عالم اخر الي اخره يعني به عالم المثال و البرزخ و ذلك تحت عالم النفس فان كل واحدٍ منهما عالم علي حدةٍ و هنا جعله في عالم النفس و كلامه الاوّل اصحّ من كلامه هذا و قد نصّ علي الاوّل بانه ليس ما فيه مجرّدا عن الكونين و ذكرناه هناك فراجع و هنا جعله مجرّدا عن الكونين الكون الملكي و الكون البرزخي و قوله قد تتفاوت في الظهور و الخفاۤء و الشدّة و الضعف ظاهر و قوله و كلّما كانت النفس الخياليّة اشدّ قوّة الي قوله و اقوي وجوداً ظاهر لا اشكال فيه و قوله و هذه الصور اذا قويت و اشتدّت كانت لا نسبة بينها و بين موجودات هذا العالم في تأكد الوجود و التحصيل و ترتّب الاثر فَاقول المفهوم من كلامه انّها قبل اشتدادِها بينها و بين موجودات هذا العالم نسبة في تأكّد الوجود و بناۤء منطوق كَلَامه علي ما قدّم من انّها جواهر و ان الجواهر لها حركة تسير بها الي اللّه تعالي في السلسلة الطولية و بناۤء مفهوم كلامه علي انّ النفوس اصلها جسمانيّة و تترقي في معارج كمالاتها الي اَنْ تكون هي العقل اذ ليس عقل غيرها عنده و في المنطوق و المفهوم هفوات و اغلاط امّا انّها جواهر ففيه انها من عالم المثال كما هو صريح كلامه و كل ما في عالم المثال اشباحٌ و اظلّة و توهّم جوهريّتها ممّا روي و ممّا قيل انهم رجال و انهم يعبدون الله تعالي و بايديهم سيوف و اسلحة ينتظرون قيام القاۤئم عليه السلام عجل الله فرجه غفلة فان كلّ شيء يعبد اللّه و كل ينصر القاۤئم عليه السلام الجواهر و الاعراض اماسمعت قوله تعالي و ان من شيء الّا يسبح بحمده ، و قوله عليه السلام في الزيارة الجامعة الصغيرة يسبح الله باسماۤئه جميع خلقه و خطاب الحسين عليه السلام للحمّي التي كانت في عبدالله بن شداد حين عاده فلما دخل عليه السلام عليه طارت عنه الحمّي فقال عبدالله رضيتُ بما اوتيتم و الحمي تهربُ منكم فقال عليه السلام والله ماخلق الله شيئا الّا و امره بالطاعة لنا ثم قال عليه السلام يا
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 349 *»
كبّاسةُ قال فسمعنا الصوت و لمنر الشخص تقول لبّيك فقال عليه السلام الميأمركِ اميرالمؤمنين الّاتقربي الّا عدوّاً او مذنبا ليكون كفارة له فما بال هذا رواه الاميرزا في كتاب الرجالالكبير فانظر فان الحُمَّي من انصارهم و مايعلم جنود ربك الّا هو و اذا تأمّلت في الحديث المتقدم عن اميرالمؤمنين عليه السلام في اهل جابرسا و جابلقا انّهم كلهم ذكور و هم برزخ يشعر بانّهم اشباح بخلاف الملائكة و الشياطين في كونهم ذكوراً و ليسوا باشباح لانهم ليسوا برزخا و البرازخ منهم كذلك و مرادنا بالبرازخ ليست الجامعة بين الشيئين فانّهم جواهر و انما المراد بها الواصلة بين العوالم المتباينة كالافعال و الصفات فانها لاتكون الّا اعراضاً و عالم البرزخ هذا ظل العالم الاخروي قد مررنا عليه في النزول و نحن الأن ساۤئرون الي الاخرة و نمرّ عليه في الصعود و قوله و ليست هي كما ظنه الجمهور انها اشباح مثاليّة اضطِرابٌ منه فان الصور الخيالية ليست جواهر خلافا للصوفية فانك اذا تخيّلتَ زيداً لمتكن تلك الصورة زيدا و لا ذاتا قاۤئمة بنفسها و انت لاتذكرها الّا بان تلتفت الي زيدٍ فينتزع خيالك منه صورة شبَحِه۪ كما نطقت به الاخبار فاذا ثبت انها امثلة و اشباح و اظلة لمتترتّب عليها الاثار الوجودية و انما تترتب عليها الاثار من جهة مقبولاتها فانها كانت حاملة للجواهر الهباۤئيّة المجرّدة فلمّا نزلت الي هذا العالم لحقتها الاعراض المادِيّة منه و تلك الاشباح دالّة علي تلك الجواهر كما تدل صورتك الشّبَحيّة في المرءاة عليك فترتّب اثار الوجود عليها في الرؤيا و المنام و في اليقظة انما هو لدلالتها علي تلك الجواهر الهباۤئيّة كما اذا رأيتَ صورة زيد في المرءاة فان كل ما يترتّب عليها فانما هو لدلالتها علي زيد اعلم ان مراد هذا العالم العظيم ان لزيد مثلا نفس هو بها هو و هي الثابتة في جميع الاحوال و لتلك النفس افعال و اشراقات و هي تعقلها و علمها و وهمها و خيالها و فكرها فهذه الافعال منها تعلقت بحيوتها و تعلقت حيوتها بروحها البخاري و به سرت في البدن النباتي فاذا كسر البدن النباتي و تخلل و جمد الدم انقطع امداده البخار فتحلل البخار و خمد نار الحيوة المتعلقة به فبقي النفس و مشاعرها و ما كسبت من العلوم بواسطة المشاعر الظاهرة و الاعمال بواسطة البدن و القوة الحيوانية كشمس و نورها و قد كسرت مرءاتها و ذلك النور هو شبح النفس و ظلها و صدوراً وحداني و ظهوراً كان متعدد المراتب بواسطة مراتب الحيوة و الروح البخاري فذلك الشخص الظلي الوحداني هو الرجل البرزخي مصور بصورة علمه و عمله و ذلك الشخص دراك واجد لجميع ما اكتسبه بواسطة المشاعر الظاهرة يتوجه الي ايها شاء و مثل هذا الظل لكل رجل و لكل من العرش و الكرسي و الافلاك و اما الارض فهي و ان لميكن لها مقام ظلي كالافلاك الا انه علي حسبها لها مقام ظلي و هو ضعيف جداً لعدم التخلص و لذلك لاينفصل البدن الاصلي عن العرض بسرعة فهي ممازجة مع هذه الارض جداً و في الاناسي قد انفصلت في الجملة و يحصل الانفصال التام يوم القيمة بعد النفختين و لذلك الرجل الظلي تجرد مع الاقتران بالماديات و هو يدرك ما تحصله قبل من الماديات و اما المثل الاتية في الماديات فلايدركها مقرونة بالمادة و لكن يدركها بمثلها الملقاة كما يدرك العين ما يقابلها فالخيال في عالم الاظلة فكل ظل قابله يلقي شبحه فيه فيدركه و اما الآن فلايدرك الانسان ما لميدركه عينه لعدم تخلص خياله عن الاعراض الاتري انه قد يري في المنام حكاية غد كما هو فيقع كما يراه و ذلك ان الادوات تدرك نظايرها فالرجل في عالم البرزخ يدرك مثل هذا العالم المنفصلة و يفهم من يزوره و يزور اهاليه و يريهم و يزور قبره في كل وقت مناسب و بذلك ورد الاخبار و لو تخلص خيال الان لرأي مثلا من ساير العالم لميقابل عينه لان العالم يطرح منه مثل لامحة و تلك المثل في عالم الاظلة مع الخيال فيراها و لذلك قال ان عالم البرزخ له صباح و مساء و سماء و ارض مثل هذا العالم و المدن فيها اربعة اثنتان عليينيتان و منصوبتان و اثنتان سجينيتان منكوستان و ذلك الشخص الظلي البرزخي ان كان سعيداً ينعم في المثل الطيبة و ان كان شقيا فيعذب في المثل الخبيثة كمثال برهوت و حضرموت و عيون بقر و الجبال المشتعلة و السعيد في مثال وادي السلام و جنة المغرب و جبل رضوي و ساير مثل النعيم فافهم فقد شرحت لك كثيراً من مرادته ( مراداته ظ ) اعلي الله مقامه . كريم
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 350 *»
و قوله لان ذلك لسبب اشتغال النفس بالبدن عند النوم لايلزم مع هذا عدم حصول الاثار بل قد توجد الاثار ايضا قبل الموت كما هو شأن الاقوياۤء و اصحاب المعاجز و قوله و تمام ظهور تلك الصورة و قوّة وجودها انما يكون بعد الموت يريد به انّها جواهر و لكن المانع من ترتّب الاثار انما هو اشتغال النفس و ليس كذلك لان الامثال للامور الحقّة الصالحة كلها الموجودة في نفس فلك البروج و هي جواهر في رتبتها و اشباح لما فوقها و الامثال للامور الباطلة الطّالحة كلها الموجودة في الثري في دعاء الملك الصخرة الثور الحوت اليم الاكبر البردة العظمي نار جهنم الريح السموم النور الظلمة الهواء الثري الحرفان من الكتاب المخزون و لايعلم ما تحت الثري الا الله و فيه هبطت الصخرة من جنة الفردوس الي تحت الارضين يقف عليها الملك
العقل – الجهل
الروح – الثري
النفس – الطمطام
الطبع – جهنم
المادة – الريح العقيم
المثال – البحر
العرش – الحوت
الكرسي – الثور
فلك البروج – الصخرة
فلك المنازل – الملك
الذي تحت الطمطام الذي تحت جهنم التي تحت الريح
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 351 *»
العقيم التي تحت البحر الذي تحت الحوت التي تحت الثور الذي تحت الصخرة التي هي كتاب الفجّار المقابلة لفلك البروج الذي هو كتاب الابرار فالامور الحقة في نفس فلك البروج و امثالها في فلك البروج و هو كتاب الابرار و الامور الباطلة في الثري و امثالها في سجّين و هي الصخرة التي هي كتاب الفجار فالخيال الحق ينتزع الصور في الغاۤئب من كتاب الابرار و في الشاهد مما امره به الشارع عليه السلام و الخيال الباطل ينتزع الصور في الغاۤئب من الصخرة سجّين كتاب الفجار و في الشاهد مما نهاه عنه الشارع عليه السلام فتتّصِفُ النّفس بصفات افعالها التي هي انتزاعاتها و توجهاتها علي طبق محبة الله او سخطه و ذلك التوجه هو صفة النفس القائمة بها مادتها من جهة النفس و صورتها من ما توجهت اليه و هي جزاؤها يوم القيمة اذا بليت السراير و تلك الصفة تبرز يوم القيمة علي هيئة الموصوف حرفا بحرف الا انها تسند عن الموصوف و الموصوف يسند عن نفسه فافهم . كريم
كما اَشَار تعالي اليه في قوله سيجزيهم وصفهم و قوله و لكم الويل مما تصفون و الاثار المترتّبة عليها انما يمنع النفس من اظهارها عدم كمال اتّصافِها بها لغفلتها و تقصيراتها كمن يتعلّم صنعة و لميتم له العلم بها فانه لايقدر علي اظهار آثارها و ليست تلك القوي جواهر مستقلّة لتظهر اثارها اذا قويت و كملت و انما هي صفات فعليّة للنّفس فاذا قويت النفس في الاتّصاف اظهرت الاثار باَنْ تشرق من نور وجودها نوراً و تلبسه صورة واحدة من تلك الصور اذا شاۤءت فيخرج كذلك جوهراً او عرضاً كما شاۤءَتْ باذن اللّهِ تعالي كما امر الهادي عليه السلام صورة السبع الّت۪ي في مَسْندِ المتوكل ان يقوم سَبُعاً و يفترِسَ الساحر الهندي لانه عليه السلام تصوّرها سَبُعاً بان اعطاها ماۤدّة من فاضلِ وجوده و البس ذلك الفاضل اعني الشعاع تلك الصورة و اخرجه باذن اللهِ سبُعاً
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 352 *»
فلمّا افترسه امرها بالرجوع الي المسند و جذبَتْ صفة ذاته شعاعَها فقال المتوكل يا ابن الرضا لو رجعتَهُ من الصورة يعني الهندي فقال عليه السلام لو رجعَتْ عصيّ السحرة و حبالهم من عصَي موسي عليه السلام لرجع فليست الاثار اعلم ان الاثار ليست من الصفة تكونا و لكن منها تمثلا فلو كانت الصورة التي كانت علي مسند المتوكل علي هيئة حيّة لكانت تلدغه لاتفترسه او تبلعه كعصي موسي فالاثر من المادة لكن تنصبغ في بطن الصورة الاتري ان النور من وراء الزجاجات من الشمس لكن يظهر ذلك النور من الزجاجة الصفراء اصفر و من الحمراء احمر و هكذا فلاتغفل عن مراده اعلي الله مقامه . كريم
من الصفة و انّما هي من الموصوف بمعني ان الموصوف اذا تحقّق في الاتّصاف اظهر بفعله ما شاۤء من الاثار بان يظهر من اثر فعله ما شاۤء و يلبسه صورة من صور تلك الصفة و التحقق قد يكون في الدنيا و قد تحصل موانع للتّحقق مثل اشتغال النفس بالبدن و باحْوال الدّنيا فيكون في الاخرة لتساوي الخلاۤئق يوم القيمة في التحقق بصفات اعمالهم بنسبة قوابلهم من الاعمال و الاقوال و الاحوال و قوله حتّي ان التي يراها الانسان بعد الموت تكون هذه الصورة التي يراها في هذا العالم كالاحلام بالنسبة اليها يعني انّ الصور الخيالية في الدنيا بالنسبة اليها في الاخرة كالصورة التي يراها الشخص في المنام بالنسبة اليها في اليقظةِ و التشبيه امّا تبعاً للحديث او لظنّه مغايرة المنام لما في الخيال و الحق انّ الخيال يدرك الصور الشبَحيّة في المنام في عالم المثال و في اليقظة لانه مرءاة تنتزع الصور من الجواهر و من الصور و الالوان و الاعراض فتتّصف به النفس لانه من باب الكيف و ظهور الاثار منها كما ذكرنا و قوله عليه السلام الناس نيام فاذا ماتوا انتبهوا ه ، يعني انّهم انّما يدركون الصور كالناۤئم و هم ساۤئرون الي الاعيان فاذا ماتوا وصلوا اليها مثاله انك تسمع باصفهان و تتصوّرها من السماع فاذا اتيتَ البلد اصفهان عرفت انّ هذه هي صاحبة تلك الصورة التي عندك و المطابقة و الاختلاف ممّا فهمتَ و لو كانت اصفهان بذاتها هي التي في خيالك لوجبت المطابقة لكل احدٍ لانّ وجدان الشيء بنفسه لايختلف و لايختلف فيه
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 353 *»
و قوله و حينئذ صار الغيب شهادة و العلم عينا لايصح علي مراده اذ مراده ان ذلك الذي في الخيال هو بعينه ذات زيد الغاۤئب فاذا حضر زيد حضر بتلك الذات المتخيّلة و هو غلط و انّما الغيب الخيالي هو الوصف و الحاضر هو الموصوف و قوله و فيه سر المعاد و حشر الاجساد يشير به الي ان هذا الحاضر هوَ ذلك الخيال كما ان هذا المعاد هو ذلك الفاني و قد بيّنّا لك بطْلان هذا نعم هو دليله و آيته كما روي ما معناه ان نبيّا من انبياء الله عليهم السلام انكر قومه المعاد و قالوا ان كنتَ صادقاً فارجع لنا اسلافنا الماضين فسأل الله تعالي ان يبيّن لهم فالقي الله سبحانه عليهم الرؤيا في المنامات فكان احدهم يري اباه و جدّه و امّه و امّها فاستدلّوا بذلك علي البعث و لمتعد آباۤؤهم و انّما رأوا صورهم و اشباحهم و امنوا بما لميقبله المصنّف .
قال } قاعدة نفسيّة النفس ليست اضافة عارضةً لوجودها كما زعمه الجمهور من الحكماۤء من ان نسبتها الي البدن كنسبة المَلِكِ الي المدينة و الرَّبَّان الي السفينة بل نفسيّة النفس انما هي نحو وجودها لا كحال الملِكِ و الربّان و غيرهما مما له ذات مخصوصة تعرضها اضافة الي غيره بعد وجود الذات اذ لايتصوّر للنفس ما دام كونها نفساً وجود لمتكن هي بحسبه متعلّقة بالبدن مستعملةً لقواه الّا ان تتقلّب في وجودها و تشتدّ في تجوهرها حتّي تستقلّ بذاتها و تستغني عن التعلّق بالبدن الطبيعي و ينقلب الي اهله مسروراً او يصلي ناراً ذاتَ لهبٍ انّ في هذا لبلاغا لقوم عابدين { .
اقول اختلفوا في النفس هل هي نفس بذاتها ام هي نفس لغيْرهَا و يرجع الخلاف الي شيئين احدهما الي الوضع اي وضع لفظِ نفسٍ للذات المعيّنة او وضع لفظ نفس لغيبِ شيءٍ آخر و ذلك الاخر ظاهره و ثانيهما الي استقلالها بذاتها في الذات و الفعل او عدم استقلالها بدون ذلك الغير ذهب المصنف الي الاخيرَيْن من الشيئينِ و هما انّ الوضع لا علي الارتجال لهذا الجوهر المعروف فليست ذات اضافةٍ في اصل التسمية و في الذات و انْ ليس لها وجودٌ مستقِلّ
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 354 *»
لمتكن هي من جهته متعلقة بالبدن مستعملةً له و لقُواه في ساۤئر مداركها نعم يؤل امرُها الي ان تلحق بالمُفَارقات الجزئيّة بعد ان تتقلّبَ في اطوارِها و تتخلّص ممّا تلوّثَتْ به من اوساخ البدن الماۤدّي و انت اذا تتبعتَ استعمالات لفظة النفس وجدتها مستعملة في المعنيين الاستقلالي و الاضافي و الّذي اعرفه انّ ما ذكره المصنف من اوّل الاولَيْنِ اعني الوضع لذاتٍ معيّنة من غيْر ملاحظة اضافةٍ صحيح و انّ استعمالها في ذاتٍ تعرض لها الاضافة انّما هو لملاحظة الاشتقاق الذي افادَهُ قصدُ الواضع من المناسبة بينَ اللفظِ و المعني فلاجل ملاحظة المناسبة قيل نفس هذا البَدَن مثل مَلِك المدينة و رَبّان السفينة و انّ ما ذكره من اوّل الاحتمالين الاخيرين من ان ليس لها وجود مستقلّ
لمتكن هي من جهته متعلّقةً بالبدن الخ ، فان المراد بهٰذَا الوجود ليس نفس ماۤدّتها كما ذكرنا سابقاً مكرّرا عندنا مِن انّ ماۤدّتها في اصل كونها مجرّدة عن المواۤدّ العنصريّة الزمانيّة بخلاف ما ذهب اليه المصنف من انّ اصلها من الطبيعة العنصريّة الّا انها تتقلّب في مراتب اطوارها حتّي تكون عقلاً بل ماۤدّتها الاصلية نوريّة و لكنها ذات ابعاد نفسانيّة ملكوتية و الافعال تتبع هيئات الاشياۤء لا مواۤدّها فلذا كانت مقارنة في افعالها فلاتنفكّ عن التعلق بالابدانِ ابداً لانّها جسم و لاتكون بنفسها عقلاً لانها اذا كملت كانت تعي عن العقل و تدلّ عليه و اليه تشير فهي ابنته و مطيّته الحاملة لثقله الي بلدٍ يجتني من شجرها المعاني و لميكن بدونها بالغا لها الّا بشق نفسه فثاني الاحتمالين الاخيرين علي هذا صحيحٌ و قوله و تستغني عن التعلق بالبدن الطبيعي ليس بصحيح لانها اذا كان اصلها من البدن الطبيعي العنصريّ كيف تستغني عن التعلق به بل ينبغي علي قوله ان يكون تعلقها بالبدن الطبيعي اذا كملت اقوي لان الشيء اذا كمل اشتدّ ارتباطه باصله و قوي رجوعه اليه و امّا نحن فنقول كما قدّمنا انها هبطت الي البدن من المحل الارفع و هو عالم الملكوت و كانت غيباً في النفس النباتية الّتي في النطفة لخراب مسكنها بعد التكليف الاول و تبقي كامنة في النباتية و النباتيّة تبني لها مسكنها و هي مجتمعة قد وضعَتْ رأسها بين ركبتيها و نامت فاذا تم بناۤء
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 355 *»
بيتها رفعت رأسها و تربعت علي الطباۤئع الاربع و اخذتْ شيئا فشيئاً تقتنِصُ اطيار الافكار فاذا علّمها العقل مما علّمه اللّه حلّ صيدها له لانها اذا تعلّمت و ارسلها صعِدت الي ما فوق السموات و اتت له بالصيد الحلال المذكّي و ان لميعلّمها او لمتتعلّم سقط ريشها و بازاۤء هذه النفس الصالحة نفس امّارة و هي الكلب من اهل الكهف و لها سبع مراتب الاولي امّارة مغايرة لتلك الصالحة و هي كلب الهراش الثانية الملهمة او اللوّامة علي الخلاف الثالثة هي اللوامة او الملهمة علي الخلاف الرابعة هي المطمئنّة و هي حين تعلّمتْ ممّا علّمها العقل مما علّمه اللّه فاذا ارسلها طارت صاعدة الي ما فوق السموات و اصطادت له الصيد الحلال المذكي و في المرتبة الثالثة و الثانية تصطاد مرة من السموات صيداً حلالا مذكّي و مرّة تصطاد من الارضين حراماً او ميتاً و في الاولي تصطاد بغير ارسالٍ من تحت الارضين السبع حراما او ميتا لا غير و المرتبة الخامسة تكون راضيةً و السادسة تكون مرضيةً و السابعة تكون كاملة و في هذه المراتب الاربع الاخيرة تتّحد بالنفس الصالحة التي نحن بصَدَدِها و ليس هنا مكان هذا الكلام فيه و انما ذكرت هذا استطراداً تنبيهاً علي انّ هذه النفس ليست هي الاَمّارة و لا شيئا من مراتبها الثلاث الاولي و امّا الاربع الاخيرة فتتحد معها اتّحاد مجاورةٍ و تعارفٍ و مصافاةٍ و لهذا تكون في المراتب الاربع اخت العقل و مطيته و التي نحن بصددها ابنته بين اعلي الله مقامه ان النفس التي هي ظل العقل ابنته و جزوه لان مادتها من تأييدات العقل و صورتها من الصور الامتثالية فهي نفس شرعية و مثال من العقل و لها محل و هي النفس السفلية و هي اخت العقل لانها تنزله و جهته من نفسه كما ان المرأة نفس الرجل و الاخت نفس الاخ و لذا يكون للاخ ولاية علي الاخت كما في حديث . كريم
و تكون مطية له كما مرّ و الحاصل ان هذه النفس ليس اصلها من البدن الطبيعي بل اصلها من الملكوت
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 356 *»
كما قال علي عليه السلام اصلها العقل منه بدئت و عنه وعت و اليه دلّت و اشارت ه ، فهي بنته و اذا كملت عادت اليه اي الي رتبة بدئها من تنزّله لانها لمتُبْدأ منه عقلاً لتعود اليه عقلا و انما بدئت منه نفسا فتعود كما بدئت و لاتستغني عن التعلق بالبدن ابداً لما بينهما لذاتهما من المناسبة و المشابهة من الابعاد المقداريّة و قوله و ينقلب الي اهله مسروراً او يصلي ناراً ذات لهبٍ يريد به الاشارة الي انّها اذا اشتدّت في تجوهرها لحِقَتْ بالمراتب العليّة فكانت عقلاً و ان بقيت في انيّتها انحطّت من اوج الملكوت الي حضيض الناسوت و اقول انها اذا تزكّتْ شابهت مبدءها من النفس الكلية و اللّوح المحفوظ و ان رَكِبَتْ مناهي اللّٰهِ انحطّت الي سجين و شابهت ما في الثري قال اميرالمؤمنين عليه السلام و خلق الانسان ذا نفسٍ ناطقةٍ ان زكّيها بالعلم و العمل فقد شابهت اواۤئل جَوَاهرِ عللِها فاذا اعتدل مزاجُها و فارقتِ الاضدادَ فقد شارَكَ بها السّبع الشِّدَاد ه ، و قال تعالي كلّا انّ كتاب الفجّار لفي سجّين و ما ادراك ما سجّين كتاب مرقوم ويل يومئذ للمكذّبين فانها اذا تزكّت رجعت الي اهلها و هي مباديها من اللّوح المحفوظ فانقلابُها صعودها بعِلمها و عَملِها الي رتبة علّتها من النفس الكلّيّة و اذا ركبت مناهي الله خرّت من السماۤء فتخطفها الطير اي الشياطين او تهوي بها الريح اي هواها و شهواتها في مكان سحيق اي في سجّين انّ في ذلك لايةً للمؤمنين .
قال } قاعدة للنفس الٰادمِيّة كينونة كأنّ الشيخ اعلي الله مقامه عفي عن المصنف قوله لنفس الادمية كينونة سابقة علي البدن مع انه قال سابقا بان النفس جسماني الحدوث و هي تترقي من كونها نطفة ثم علقة و هكذا الي ان تصير نفساً مفارقة فاذا كانت مبدؤها من البدن فكيف يكون كينونتها سابقة علي البدن بل هي حاصلة من البدن متأخرة عنه فتدبر . كريم
سابقة علي البدن من غير لزوم التناسخ و لا استيجاب قدم النفس كما اشتهر عن افلاطون و لا تعدّد افراد نوع واحدٍ و امتيازها من غير ماۤدّة و استعداد و لا صيرورة النفس منقسمة بعد وحدتها كالمقادير المتّصلة و لا تعطيلها قبل الابدان بل كما بيّنّا دليله و اوضحنا سبيله في
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 357 *»
حواشي حكمة الاشراق بما لا مزيد عليه و اليه الاشارة في قوله تعالي و اذْ اخذ ربّك من بني ادم من ظهورهم ذرّيتهم و اشهدهم علي انفسهم الستُ بربكم قالوا بلي ، و قوله صلي الله عليه و اله الارواح جنود مجنّدة الحديث ، و عن ابيعبدالله عليه السلام انّ اللّه خلقَنا من نور عظمته ثم صوّر خلقنا من طينةٍ مكنونةٍ تحت العرش فاسكن ذلك النور فيه فكنّا نحنُ بشراً نُورانيّين و خلق ارواح شيعتِنا من طينتِنا و روي محمد بن بابويه قدس سرّه في كتاب التوحيد مسنداً عن ابيعبدالله عليه السلام انه قال ان الله عز و جل خلق المؤمنين من طينة الجنان و اجري فيهم من روحه و عن ابيجعفر عليه السلام مثله و هو ان اللّه خلق المؤمنين من طين الجنانِ و اجري صورهم من ريح الجنان و عن ابيعبدالله عليه السلام المؤمن اخو المؤمن لانّ ارواحهم من روح الله عز و جل و انّ المؤمن اشدّ اتّصالاً بروح الله من اتّصال الشمس بالشعاع و الروايات في هذا الباب من طريق اصحابنا لاتحصي كثرةً حتّي انّ كينونة الارواح قبل الاجساد كأنّها كانت من ضروريات مذهب الاماميّة رضوان اللّه عليهم { .
اقول قوله للنفس كينونة اي حصول و كونٌ سابقة علي البدن يعني كينونة سابقة علي البدن و المفهوم من كلامه انّ ذلك سَبْقٌ زمان لان التقدّم بهذا النمط تقدّم زماني و هو ينافي قوله انّها من الملكوت و معلوم عند جميع العلماۤء و الحكماۤء انّ الملكوت ليس من عالم الملك و انّ عالم الملك هو الذي في الزمان و ان عالم الملكوت سابق علي الزمان فلايكون سبقه زمانيّاً بل دهريّا و لكنه في ساۤئر كتبه يذهب الي انّ الزمان لايتقدّم عليه الّا البارئ سبحانه و الذي يظهر لي انه لايتصوّر الدهر و لا كيفيّة سبقه كما هو شأن الجمهور حتّي انّ منهم من يقول انّ المجرّدات سابقة علي الماۤدّيات سبقاً دهريّاً و لايتصوّر الّا السبق الزماني و انا امثّل لك بالتقدم الدّهري لعلّك تتصوّره و لو بعد حينٍ
فاقول انّ المحقّقين من اهل العلم و المعرفة ذهبوا الي انّ الاجسام قبل الارواح في الزمان
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 358 *»
و الارواح قبل الاجسام في الدهر اعلم انك اذا اعتبرت وقتا يحوي النفس و الجسد فقل انهما يوجدان معاً في ان واحد من انات ذلك الوقت و ان لمتعتبر ذلك الوقت فالنفس اقرب من المبدء و الجسد ابعد فهي اعلي منه و بهذا المعني اسبق و لما كان بينه و بينها اربع مراتب عبر عن كل رتبة بالف سنة فقيل ان الارواح خلقت قبل الاجساد باربعةالاف عام فاذا لميلد لك ولد ليس نفس له في عالم الدهر فاذا ولد خلق اللّه له نفساً حين خلق و ولد في عالم النفوس مقدمة علي جسده باربعةآلاف عام و كذلك اذا كفر هنا كفر هناك و ان سعد هنا سعد هناك و ان جهل هنا جهل هناك و ان علم هنا علم هناك و ما هناك ابداً مقدم رتبة و بذلك عرف سبق عالم الذر و تأخر عالم الاخرة عن الدنيا و من مات فقد قامت قيامته و كيفية اخراج الرب الذريته ( الذرية ظ ) من صلب الاباء و اخذ الميثاق عليهم و قيام الدعاة و قول الست بربكم بالجملة ان في ذلك لايات للمتوسمين فتدبر . كريم
و بيانه يتوقف علي ذكر مسئلةٍ ذكرها الرضا عليه السلام و هي انه قال ان الله خلق الحروف الي ان قال عليه السلام و الحروف لاتدل علي غير انفسها قال المأمون كيف لاتدل علي غير انفسها قال الرضا عليه السلام لان اللّه تعالي لميجمع لها مِنْها شيئا لغير معني ابداً فاذا الّف منها اربعة او خمسة او ستة او اكثر من ذلك او اقلّ لميؤلّفها لغير معني و لميكن الّا لمعني محدثٍ لميكن قبل ذلك شيئا الحديث ، فاخبر عليه السلام بانّ المعني لميكن قبل تأليف الحروف شيئا فافهم هذا و تفهّم به مثالي و هو انّي اذا قلتُ لك قامَ زيد و انت لمتعلم بقيامه الّا من اِخباري لميحصل لك هذا المعني الّا بعد اِخْباري و اِخْباري لفظ سمعتَه انتَ باذُنِك لانه من عالم الزمان سمعتَه الأن و فهمتَ معناه الذي ماحصل لك الّا بعد اِخْباري ايّاكَ بعقلك و عقلك خلق في الدهر و مكانه المجرد قبل الزمان و قبل الاجسام باربعةٰالاف سنةٍ و عقلك الأن هو هناك فقد فهمتَ معني قولي بعقلك في رتبة عقلك و وقته قبل خلق السموات باربعةالٰاف سنةٍ فافهم كيف سمعتَ كلامي في الزمان قبل معناه و فهمتَ معناه قبل كلامي باربعةالٰاف سنةٍ فتصوّر سبق الدهر لان الدهر ظرف العقول و المعاني و الارواح و الرقاۤئق وَ النفوس و الصور الجوهرية و الاجسام و الجسمانيات في الزمان و قد لوّح قول علي عليه السلام الي هذا حين قال الروح في الجسد كالمعني في اللّفظ بقينا في فاۤئدة و هي انّ ما بالفعل علي مذهبنا تبعا لمذهب ائمتنا عليهم السلام سابق في الكون علي ما بالقوّة لانّ اوّل فاۤئضٍ من المبدءِ الفيّاض و هو فعله عز و جل اقوي من الفاۤئض الذي بعده و اشرف و
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 359 *»
هكذا كل سابق اقوَي من لاحقه و اشرف و لا ريب ان ما بالفعل اقوَي ممّا بالقوة و اشرف فيكون ما بالفعل سابقا علي ما بالقوة بالذات كالحبّة الحنطة فانها سابقة علي السنبلة الخضراۤء و العود الاخضر ثم تغيب في العود الاخضر ثم تكون السنبلة ثم تعود الحبّة و تظهر من غيبها مع امثالها متكثّرة بتكثُّرِ قوابلها لانّ اصلها و هي الحبّة واحدة و تكثرت المواۤدّ منها بحسب تكثر القوابل كتكثّر الصور في المرايا المتعددة من صورة الوجه الواحدة و اختلافها لاختلاف قوابلها اعني المرايا المختلفة كذلك الحبّة و النفس فسبق النفس علي البدن سبق دهري لان وقتها قبل البدن هو عين وقتها بعد البدن و قوله من غير لزوم التناسخ ردّ علي مَن توهم انها اذا كانت موجودة قبل الابدان ثم انتقلت الي البدن لزم التناسخ المجمع علي ان القول به كفر و التناسخ انتقال الارواح بعد مفارقة ابدانها الي ابدانٍ غيرها و افترق اهل هذا القول علي اربعة مذاهب النسوخية و المسوخيّة و الفسوخية و الرسوخيّة فالنسوخيّة بالنون جوّزوا تناسخ الارواح من الٰادمي الي الادمي و مِن هؤلاۤء من اوجب التناسخ للنفوس الشقيّة وحدها حتي تكمل بالترداد من بدنٍ الي بدن فتتخلّص من الجسد الكثيف و تلحق بعالمها و المسوخيّة بالميم جوّزوا انتقالها من الادمي الي البهاۤئم و السباع و الطّير و منهم من جوّز ان السعيدة ترجع الي حيوان شريف كالفرس و الشقيّة ترجع الي حيوانٍ خسيس كالكلب و الخِنزير و منهم من زعم انها تَرجع الي حيوان يشاكلها بالطبع و بالعمل حتي ان روح القصّار ترجع الي حيوان الماۤء و روح الصيّاد الي جوارح الطير و الفسوخية بالفاۤء اوجبوا انتقالها الي جميع دواۤبّ الارض من الحيات و العقارب و الديدان و ساۤئر الحشرات و ربما يستشهدون علي ذلك من كتاب الله بقوله تعالي و ما من داۤبّة في الارض و لا طاۤئر يطير بجناحيه الّا امم امثالكم و قوله حتي يَلج الجمل في سم الخياط زعموا انه تدخل روح جمل في دودة كانت في الصغر تدخل في سمّ الخياط الابرة اي في ثقبها فتدخل الكافر الجنّة و ربّما استشهد لهم بما روي عن الصادق عليه السلام ما معناه انه سئل عن الخنفس و الحية و
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 360 *»
العقرب فقال عليه السلام ان الله تعالي يقول اولميهدِ لهم كم اهلكنا من قبلهم من القرون يمشون في مساكنهم ان في ذلك لايات افلايسمعون اخرجوا من النار فقال الله لهم كونوا نِشْن۪يشاً ه ، و الرسوخيّة بالراۤء جوّزوا انتقالها الي نوع الشجر و النبات و منهم من يُعِدّ لذلك بعض الاشجار كالغرس في الغرب و غيرها و كلّها خباط و ظلمات بعضها فوق بعض انّ اللبيب بمثلها لايخدع و قد صدق مَن قال الناس كلهم اكياس فاذا جاۤؤا الي الاديان افتضح الاكثرون كذا في سراج العقول مع اختلاف قليل و اصحاب التناسخ يقال لهم الخُرميّة بضمّ الخاۤء المعجمة و علي ما ذهب اليه من تقدّم كينونة النفوس قبل الابدان توهّم بعض بانه يلزم منه التناسخ و ليس بصحيح لان التناسخ انّما يلزم لو قلنا بانها تنتقل الي ابدانٍ غريبة منها و امّا اذا قلنا بانّ البدن ظهورها و تنزّلها فلايلزم ذلك علي انّ الذين حكموا بكفرهم لانكارهم المعاد لا بقولهم بانتقالها من اجساد الي اجساد و قوله و لا استيجاب قدم النفس كما اشتهر عن افلاطون يعني انّ كونها سابقة علي البدن لايوجب قدمها اذ علي قوله من انها زمانيّة يكون زمانها سابقاً علي زمان البدن و لا محذور فيه و الزمان كل ما فيه حادث و علي قول غيره بتقدّمها علي الزمان كما هو الحق لايلزم قدمها لانّها محدثة بتوسّط العقل و المسبوق بالغير لايكون قديماً و نقل عن افلاطون انه قال انّ النفوس كانت في عالم الذكر مغتبطة مبتهجةً بعالمها و ما فيه من الرّوح و البهجة و السرور فاهبطَتْ الي هذا العالم حتي تدرك الجزئيّات و تستفيد ما ليس لها بذاتها بواسطة القوي الحسّيّة فسقطت رياشها قبل الهبوط و اهبِطت حتي يستوي ريشُها و تطير الي عالمها باجنحةٍ مستفادةٍ من هذا العالم انتهي ، و اراد بعالم الذكر العلم و يحتمل بعيداً انه اراد بعالم الذكر اللوح المحفوظ فان اراد الاحتمال الثاني فقد اصاب الحقّ و ان اراد بالعلم علي الاحتمال الاول العلم الحادث فقدْ اَصَاب الحقّ الّا انا قد قرّرنا انَّ العِلْمَ الحادث علي قسمين علم امكاني راجح الوجود و هو عين معلومه و علم كوني و هو ايضا عندنا عين
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 361 *»
معلومه و هما علمانِ اشراقيّان حضوريّان حصوليّان لان المعلوم في رتبة حصوله و وقتِه۪ حاضر عند العالم بما هو به هو و هذا معني لايذهب اليه المصنّف و لا افلاطون و ان اراد بالذكر العلم الذي هو الذات كما يذهبون اليه من الاعيان الثابتة بمعني انّها لا موجودة و لا معدومة بل ثابتة فقد اخطأ الحقّ اذِ الذات ليس فيها شيء غيرها لا في الذهن و لا في الخارج و لا في نفس الامر و انما اسقط اللّه رياشها لانه نقل انه تعالي لمّا خلقها قال لها مَن انا فقالت فمن انا فاركسها في بحر الرجوع الباطن حتي وصلت الي نشأتها و خلصت عن رذاۤئل دعوي الانّيّة فقال لها مَن انا قالت انت الله الواحد القهار فلهذا قال اقتلوا انفسكم فانها لاتنال مقاماتها الّا بالقتل ه ، و معني سقوط ريشها انها كانت في حال تجرّدها تتصرّف فيما لها كيف شاۤءت بلا تكلّف فلكراهة ان تدّعي الربوبيّة اهبطت الي هذا البدن و حبست في هذا السجن الضيّق بعد مكانها الواسع الفسيح فاذا استفادت ما ليس لها الي ما لها حدثت لها اجنحة ملكيّة و ريش ملكوتي فطارَتْ في العالم الملكوتي بالطول و في العالم الملكي بالعرض و الي هذا المعني اشار ابنسينا في ابْياته التي في الروح في قوله :
ان كان اهبطها الالهُ لحكمةٍ ** * ** طُوِيَتْ عن الفطِن اللبيبِ الارْوعِ
فهبوطُها لا شكَّ ضربةُ لازبٍ ** * ** لِتكونَ سامعةً بما لميُسمَعِ
و تكون عالمةً بِكلّ خفِيّةٍ ** * ** في العالمَيْنِ فخرقُها لميُرقَعِ
و قوله و لا تعدّد افراد نوعٍ واحدٍ و امتيازُها من غير مادة و استعدادٍ يريد به ان النفس مجرّدة فلو كانت سابقة علي البدن مع تساوي ما في الابدانِ في الحقيقة و لايصحّ تعدّدها لان التعدّد في متحد الحقيقة انما يكون بالمميّزات و
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 362 *»
حصولها في البسائط يلزم منها التركيب المنافي للتجرّد لكانت تلك الحقيقة نوعاً لتلك الافرادِ المتعدّدة و لزم تعدّد افرادها و التّعدّد يمتنع في الشيء الذي لا ماۤدّة له و لا استعداد لزيادةٍ او نقصان كما هو شأن المجرّداتِ و عدم التعدّد منافٍ للواقعِ فاجاب بانّ تقدّمها علي الاجسام و الابدان لايلزم منه ذلك المحذور و هو كما قال امّا عنده فلانّها ماديّة الاصل كما تقدّم و لكنها تتقلّب في اطوارها حتي تلحق بمراتب العقول فتكون عقلا و تقلّبها في اطوارها هو تقلُّبُها في الابدان الماۤدّية و عودُها عقولا مجرّدة طارٍ علي اصلها و قد بيّنّا بطلان هذه المعاني التي عناها سابقاً و امّا عندنا فلايريد بالمجرد عن مطلق الماۤدّة الّا الواجب الحق عز و جل و كلّ ما سوي الذّاتِ القديم تعالي فهو ليس بمجرّد عن مطلق الماۤدّة بل ما هو غير الذات البحْت تعالي فهو محدث و كل محدث فانما خلق من ماۤدة و صورة محدثتين مخترعتَيْن لا من شيء نعم الماۤدة لاتنحصر في العناصر بل تكون ماۤدة عنصريّة للحوادث التي في الارض و ما عليها و ما تحتها و ماۤدّة طبيعية للافلاك و الكواكب و ملاۤئكتها و ماۤدة برزخيّة لهورقليا و جابلقا و جابرسا و من فيها و ماۤدّة جوهريّة للنفوس و ماۤدة نورانية للعقول و ماۤدة سرّيّة لعالم الامر و ماۤدة عرضية للاعراض و الصِّفات فماۤدّة كلّ شيء بحسبه و كذلك المميّزات فانها في كلّ رتبة من مراتب الممكنات الراجحة و المتساوية من نوعِ هيئات تلك الرتبة فالنفس مجردة عن الماۤدة العنصرية و المدّة الزمانيّة لا انها مجردة عن مطلق الماۤدة و مميّزاتها من نوع هيئاتها فتكون سابقة علي الاجسام و لايلزم تعدّد افرادِ نوعٍ واحدٍ من غير ماۤدّة و استعداد بل تتعدّد افراد نوعها لوجود الماۤدة الجوهريّة و الاستعداد و المميّزات الجوهرانيّة و لانقول انها نشت من المواضع الطبيعية بل كما قال ابنسيناۤء في ابياته :
هبطت اليك من المحل الارفعِ ** * ** ورقاۤء ذات تعزّزٍ و تَمنُّعِ
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 363 *»
و قوله و لا صيرورة النفس منقسمةً بعد وحدتها كالمقادير المتّصلة يريد به انه لايلزم من سبقها علي الابدان مع وحدتها في نفسها قبل خلق الابدان و تعدّدِها كونُها منقسمةً بعد تعلّقها بالابدان المتعدّدة كانقسام المقادير المتّصلة كالاجسام فيكون كل بدنٍ تعلّق به جزءٌ غير الجزءِ الذي تعلّق بالبدن الاخر و هو كما قال بل انقسامها انقسام النوع الي افراده الجزئيّة كما سمعتَ و قوله بل كما بيّنّا دليله الخ ، نقول عليه بل كما بيّنّا دليله و قوله و اليه الاشارة في قوله تعالي و اذ اخذ ربّك من بني ادم من ظهورهم ذرّيتهم الي اخر الاية يريد به ان كون النفس لها كينونة قبل الابدان يشير اليه قوله تعالي فان قوله و اشهدهم علي انفسهم دليل علي اعترافهم جميعاً قبل انكارهم في هذه الدنيا بقرينة قوله شهدنا اَن تقولوا يوم القيمة انا كنا عن هذا غافلين او تقولوا الاية ، و بقرينة قوله تعالي في الاخبار عن حال المنكرين في هذه الدار فماكانوا ليؤمنوا بما كذّبوا به من قبل ،
و هنا فاۤئدة احب ان تتطّلع عليها علي جهة الاختصار و الاشارة اعلم ان الواقعة الّتي اقام عليها عباده تعالي لتكليفهم بما فيه نجاتهم في عالم الذرّ حين كلّف الارواح كان ذلك في موضعين الموضع الاول جمعهم عند الركن العراقي الركن العراقي هو الركن الشرقي البارد الرطب و المراد منه عالم المواد الهبائية . كريم
من الكعبة المشرفة و الخلاۤئق حِصَصٌ مواۤدّ متميّزة ( بالتمايز الكوني ، كريم ) غير مصوّرة ( بالصور الشرعية ، كريم ) و جعل فيهم التّمييز و الاختيار متساوين في جهة التكليف ( لا من كل جهة و الا لماكان تمايز ، كريم ) فيهما كما قال تعالي كان الناس امّةً واحدة ليجري التكليف علي الاختيار ليهلك من هلك عن بيّنَةٍ و يحيي من حيّ عن بيّنة ثم كشف لهم عن عليّين كتاب الابرار ( اي صور الطاعات ، كريم ) من نفس فلك البروج و قال لهم يا عبادي هذه صور طاعتي من اجابني و اطاعني البستُه صورة اجابته منها ثم كشف لهم عن سجّين كتاب الفجار من نفس الصخرة التي تحت الارضين السبع و قال لهم يا عبادي هذه صور معصيتي من لميجبني و عصاني البستُه صورة معصيته منها و ما انا
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 364 *»
بظلام للعبيد ثم قال لهم الستُ بربّكم و محمّدٍ نبيّكم قالوا بلي باجمُعهم الّا ان اجابتهم مختلفة في مقاصدهم فالمؤمنون قالوا بلي بالسنتهم و قلوبهم فخلقهم بصور الاسلام ظاهرا و باطنا و المنافقون و الكفار قالوا بلي عند قوله الستُ بربكم ( الست بربكم كوني لاجابة الكل ، كريم ) بالسنتهم و عند قوله و محمد نبيّكم ( هذا شرعي لوجود الاختلاف ، كريم ) قالوا بلي متوقّفين منتظرين يعني بمعني سكتوا فخلقهم بصور الاسلام ظاهراً و لميخلق بواطنهم ( فلله فيهم المشية الي ان يكلفهم يوم القيمة بنار الفلق ، كريم ) لانهم لميقولوا بلي بقلوبهم و انما قالوا بلي علي جهة الوقف فوقف تعالي كما وقفوا و اليه الاشارة بقوله في التأويل و انتظروا اِنّا منتظرون ، ثم جمعهم هذا الجمع في عالم الظلال بعد عالم الهبا . كريم
ايضا في عالم الذرّ ( هذا الموقف مؤخر ظهوراً مقدم وجوداً ، كريم ) مرّة ثانية في الموضع الثاني في غدير خمّ ( لاخذ ميثاق الولاية ، يم ) من الذرّ الاول فقال لهم الستُ بربكم و محمد نبيّكم و علي وليكم و امامكم و الائمة من ولده ائمتكم فقال المؤمنون بلي بالسنتهم و قلوبهم فخلقهم الله بصورة اجابتهم صورة الايمان ظاهراً و باطنا و قالوا المنافقون و الكفار بلي بالسنتهم مستهزئين منكرين جاحدين فانزل الله علي نبيه صلي اللّه عليه و اله الله يستهزئ بهم و انزل و جحدوا بها و استيقنَتْها انفسهم ظلماً و علوا فتمّت كلمته و بلغت حجّته و ما ربّك بظلّام للعبيد ، و كثير من علماۤئنا كالعلّامة و السيّد المرتضي و غيرهما انكروا عالم الذر و قالوا انّ التكليف المذكور في الاية انما هو التكليف في هذه الدنيا بدليل قوله و اذ اخذ ربّك من بني ادم و لميقل من ادم و قال من ظهورهم ذرّيتهم و لميقل من ظهره ذرّيته و ايضا قالوا من المستبعد اَن يكلّف ما هو كالذّرِّ و الحق ان التكليف في الاية سابق علي هذه الدنيا سبقا دهريّا و ان كانت هذه الدنيا سَابِقَةً سبْقاً زمانيّا و امّا قوله تعالي من بني ادم من ظهورهم ذرّيّتهم فانّ للارواح و النفوس توالُداً كتَوالُدِ الاَبْدَان فاخذ تعالي كل نسمة من صلب ابيه و نثرهم بين يديه كما تأخذ
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 365 *»
بخيالك الف رجل كل واحد من صلب ابيه و اباه من صلب ابيه و هكذا الّا انّك لاتقدر علي ابراز ما في خيالك في الخارج و هو اخذهم هكذا بفعله و اقامهم في الخارج و كلّفهم ثم رجعهم في اصلاب آبٰاۤئهم الّا عيسي المسيح عليه السلام فانه مسح علي ظهر ادم عليه السلام و اخرج منه المسيح و لمّا كلفه لميردّه في صلب ادم عليه السلام بل بقي علي حكم المسح الاول فلذا سمّي المسيح كما روي عنهم عليهم السلام و امّا استبعاد تكليف ما هو كالذرّ فغلط لوجهين الاول ان الذر و ما هو اصغر منه دلّ الكتاب و السنة علي انّه مكلف كقوله تعالي و ما من داۤبّة في الارض و لا طاۤئر يطير بجناحيه الّا امم امثالكم مافرّطنا في الكتاب من شيء ثمّ الي ربّهم يحشرون فقد دلّ الكتاب علي ان كل ذي روح في الارض مكلف و انه يحشر و يحاسب باعماله و كذا قوله و ان من شيء الا يسبّح بحمده و لكن لاتفقهون تسبيحهم و التسبيح فرع التكليف و امّا السنة فمشحونة من ذلك الثاني ان المراد بقوله كالذر هو الكنايَة عن صِغَرهم بالنسبة الي فسحة عالم التكليف و مثاله انك تري الرجل و الجمل الذي تحت الجبل كالذرّة و الجبل اذا نسبته الي كرة الارض كان كالذرّة و اصغر و الارض علي ما ذكره بعض علماۤء الهيئة قدر جزء من خمسةعشر جزءاً من السها النجم الذي عند الوسطي من الثلاث من بنات نعْشٍ و السها اَخْفَي من اكثر النجوم فهو كالذّرّة فكون المكلَّف۪ين كالذرّ لعظَم ذلك المكان و سعته و الّا فهم علي هيئتهم في الدّنيا و اشدّ تمييزاً منهم في الدنيا و قوله صلي الله عليه و اله الارواح جنود مجنّدة الحديث ، لا دلالة فيه علي تقدّمها علي الابدان و انّما المراد انّها بنسبة بعضها الي بعضٍ عالم متجانس و متناوِعٌ كما انّ الابدان كذلك و قد ذكرنا في الفواۤئد و شرحها كيفيّة تعارف الارواح و تناكرها و تخالفها و تماثلها نعم فيه تلويح الي التقدّم الّا انّه لايقطع حجة الخصم
و قوله و عن ابيعبدالله عليه السلام انّ اللّه خلقنا من نور عظمته ثم صوّر خلقنا من طينةٍ مكنونة تحت العرش فاسكن ذلك النور فيه فكنا نحن بشراً
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 366 *»
نُورَانِيّين و خلق ارواح شيعتنا من طينتِنا ه ، فاعلم انّ بيان هذا ليس علي ظاهر لفظه و الاستدلال علي البيان جلّه من الاحاديث المتكثرة المتفرقة و لايمنعنا من الايراد الّا طول الكلام و لكن اشير لك الي معني من مَعانيه مُجرّدا عن الادلّة فقوله عليه السلام من نور عظمته المراد بالنور هنا هو الماۤء و هو الوجود و هو مادّتهم عليهم السلام و ليس المراد به الشعاع اذا اريد بالعظمة المفعولية اعني الحقيقة المحمدية صلي اللّه عليه و اله لانهم منه كالضوء من الضوء لا كالنور من الضوء و ان اريد بالعظمة الفعلية احتمل كون المراد بالنور الشعاع بمعني متعلّق الفعل فان الحدث اعني الضرب بسكون الراۤء ناشٍ من فعل زيد اعني ضرب بفتح الراۤء لان الحدث تأكيد الفعل مثل ضَربتُ ضَرْباً و لايصح ان يراد من العظمة الازليّة لان الازل لايخرج منه شيء و لايدخله شيء و لايخلق منه شيء و قوله عليه السلام ثم صوَّرَ خلقنا اي صورتنا اعني هَيْكل التوحيد الّذي حدوده غايات الخيرات و الطّاعات من المعارف و العلوم و الاعمال و الحدود هي الطينة اعني الصورة و هي صورة القابليّة و كانت تلك الهيئات الشريفة مكنونة تحت العرش الفعْلي او المفعولي فان اريد بالعرش الفعلي كان المعني انّه تعالي صوّر صُوَرنا علي هيئة فعله و مشيته و ارادته كما يصوّر الكاتب الكتابة علي هيئة حركة يده و ان اريد به المفعولي كان المعني انه تعالي صوّر صورنا علي هيئة صورة نبيّه محمد صلّي اللّه عليه و اله و هو سرّ التحتيّة فاسكن ذلك النور فيه يعني اسكن تلك الماۤدة في تلك الصورة بمعني انه البس تلك الماۤدة التي هي النور تلك الصورة التي هي الطينة لانّ الطينة التي هي منشأ الحسن و القبح هي الصورة كما مثّلنا في السرير الطيب و الصنم الخبيث كلاهما من الخشب فكنّا نحن بشراً نُورانيّين البشر عبارة عن الخلق العنصري الجسمي فان جعلنا الفاۤء في فكنّا للتفريع لميكن في ظاهر الحديث دلالة علي المدّعي لكون الظاهر ان المراد بالنور الماۤدة الطبيعية الجسمانية و الطينة الصورة الانسانية البشرية لقرينة قوله فكنّا نحن بشراً فانه مقتضي التفريع و لقرينة قوله و خلق ارواح شيعتنا من طينتنا فقد نطقت الاخبار عنهم عليهم السلام ان الله خلق قلوب شيعتهم من
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 367 *»
فاضل اجسامهم و المراد من الفاضل هنا الشعاع و ان اريد بالفاۤء الاستيناف امكن الاستدلال به علي المدّعي هذا كلّه علي رأي الغير و اما عندنا فهو ظاهر في المدّعي لِانَّ ماۤدتهم عليهم السلام سابقة علي جميع المكوَّنات سبْقاً سرمديّاً علي ارادة التفريع و الاستيناف و ما رواه ابنبابويه في كتابه التوحيد عن ابيعبدالله عليه السلام انه قال انّ اللّه تعالي خلق المؤمنين من طينة الجنان اعني من صور علّيّين اي صوّرهم بصور الاجابة و الطاعة كما تقدّم و اجري صورهم اي الصور الجوهريّة من ريح الجنان و هي الرّوح المنفوخة في تلك الطينة و هي الماۤدة النوريّة المعبّر عنها بالصور لان الارواح و النفوس صور جوهريّة و معني الحديث الثاني مثله و ما روي عن ابيعبداللّه عليه السلام المؤمن اخو المؤمن لانّ ارواحهم من روح اللّه يعني ان المؤمن اخو المؤمن لابيه و امه كما روي عن الصادق عليه السلام انّ اللّه خلق المؤمنين من نوره و صبغهم في رحمته فالمؤمن اخو المؤمن لابيه و امه ابوه النور و امّه الرحمة الحديث ، و المراد بقوله عليه السلام ابوه النور اي المادة و امّه الرحمة اي الصورة و هذا بخلاف ما اشتهر عن الحكماۤء من ان الاب هو الصورة و الام هي المادة و هذا غلط لانه قال صلي الله عليه و اله السعيد من سعد في بطن امّه و الشقي من شقي في بطن امّه ه ، و لايصح ان يكون السعادة و الشقاوة في المادة و انما تكون في الصورة كما مثّلنا بالسرير و الصنم المعمولين من الخشب و قوله عليه السلام لان ارواحهم من روح اللّه علي حدّ قوله تعالي و نفختُ فيه من روحي لان المعني روح لله تعالي خلقها و قدّسها و نسبها اليه تعظيما لها و تشريفا و هي روحهم عليهم السلام و معني انّ المؤمن ينفخ فيه من روحهم عليهم السلام انه يخلق من شعاع روحهم عليهم السلام لا انّ روح المؤمن جزؤ من روحهم عليهم السلام و انما روح المؤمن من شعاع ارواحهم عليهم السلام و مثاله انّ روحهم عليهم السلام كجرم الشمس المنير و هو في السماۤء الرابعة و شعاعُها الذي في الارض مثل لارواح الانبياۤء من روحهم عليهم السلام و اذا وضعت مرءاة في شعاع الشمس الذي في الارض انْعكس عنها نور و هذا المنعكس مثال لروح المؤمن من شعاع روحهم
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 368 *»
عليهم السلام اي شعاع الشعاع و قوله و ان روح المؤمن اشدّ اتّصالاً بروح الله من اتّصال الشمس بالشعاع في ما روي عن اميرالمؤمنين عليه السلام ما معناه و ان شيعتنا لاشدّ اتّصالاً بنا من شعاع الشمس بها و انّا لاشدّ اتصالاً باللّهِ من شعاع الشمس بها و معني هذا الاتصال في الحديثين واحدٌ و المراد باتّصال شيعتهم بهم ما اشرنا اليه من الخلق من الشعاع و المراد باتّصالهم باللّه اتّصالهم بفعله و مشيته و ارادته فاتّصالهم بمشيته في المواۤدّ الكونية الاصلية و بارادته في الصور العينيّة و وجه الاشديّة مع ان الشعاع و الشمس ضربه الله تعالي مَثلاً و اية لاولي الالباب فليس فيه نقص بوجهٍ ما هو ان الشمس و شعاعها امثال و ايات و هي صفات استدلالٍ و تعريف و هم عليهم السلام و شيعتهم ذوات و موصوفون و الحكم في الموصوف اقوي و اشدّ من الحكم في الصفة و قوله و الروايات في هذا الباب من طريق اصحابنا الي قوله من ضروريات مذهب الاماميّة (رض) ليس بمتّجهٍ بل الخلاف بين العلماۤء من الفريقين مشهور نعم الروايات ظاهرة في كينونة الارواح قبل الاجساد الّا انها قبليّة دهريّة كما قلنا .
قال } قاعدة في ان باطن هذا الانسان المخلوق من العناصر و الاركان انسانا نفسانيا و حيَوانيّاً برزخيّاً بجميع اعضاۤئه و حواۤسه و قواه و هو موجود الأن و ليست حياته كحيوة هذا البدن عرضيّة واردة عليه من خارج بل له حيوة ذاتية و هذا الانسان النفساني جوهر متوسط في الوجود بين الانسان العقلي و الانسان الطبيعي و هذا شبه ما ذهب اليه معلّم الفلاسفة في كتاب معرفة الربوبيّة فقال ان في الانسان الجسماني الانسان النفساني و الانسان العقلي و لستُ اعني انه هما لكني اعني به انّه متَّصِل بهما و انه منه لهما و ذلك ان يفعل بعض افاعيل الانسان العقلي و بعض افاعيل الانسان النّفساني و ذلك ان في الانسان الجسماني كلتا الكلمتين اعني النفسانيّة و العقليّة الّا انها فيه قليلة ضعيفة نزرة لانه صنم الصنم و قال في موضعٍ آخر منه انّ هذا الانسان هو صنم الانسان الاول الحق و قال ايضا ان
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 369 *»
قوي هذا الانسان و حياته و حالاته ضعيفة و هي في الانسان الاول قويّة جدّا و للانسان الاوّل حواۤسّ قويّة ظاهرة اقوي و ابين و اظهر من حواسّ هذا الانسان لان هذه انما هي اصنام لتلك كما قلنا مراراً انتهي { .
اقول قول المصنف ان في باطن هذا الانسان المخلوق من العناصر و الاركان الي قوله و قواه يريد ان في هذه الصورة الجسمية البشريّة المخلوقة من العناصر الاربعة النار و الهواۤء و الماۤء و التّراب و الاركان الاربعة اعني الحرارة و البرودة و الرطوبة و اليبوسة الجوهريات انساناً جسمانيا نفسانيّا و هذا مكانه من عالم المجردات وسط الدهر و هو تمام الصوغ الاول كالانسان الذي ولجته الروح في بطن امِّه من الزماني و في اوّل الدهر الانسان العقلي و هو اوّل الصوغ الاول كالنطفة للانسان الزماني و الانسان الروحي و هو وسط الصوغ الاول كالمضغة للانسانِ الزماني و في اخر الدهر الانسان الطبيعي النوراني و هو الكسر الثاني و الانسان الجوهريّ الهباۤئي و هو اوّل الصوغ الثاني و فيه تَحْص۪يص الحِصص و انسانا حيوانيا برزخيّا اي في الانسانِ الجسمي البشري ايضا انساناً حيوانيا برزخيّا و هو يعني بالانسان النفساني الانسان الذي هو الحيوان الناطق و بالانسان الحيواني الانسان البرزخي و قد حفظ شيئا و غابَتْ عنه اشياۤءُ بل الوصف الحق الحقيق بالتحقيق ما اُمليه عليك مما يتلي عَلَيَّ بهم عليهم السلام هو انّ هذا الانسان الجسمي البشري هذا هو الانسان النّباتي النامي و في جوفه الانسان الحيواني الحسّي الفلكي اهبطه اللّه علي الانسان النباتي من الافلاك من نفوسها و ابن ادم يشارك في هاتين النفسين النباتيّة و الحيوانية الحسّيّة جميع الحيوانات و في هذين الانسانين النباتي و الحسّي الفلكي انسان برزخيّ صوري مثالي البسهما صورته الظاهرة و في هذا البرزخي انسان نفسيّ نزل من النفس الكلّية و لبس ثوبه الاحمر النوراني الطبيعي و لبس فوقه ثوباً لا لونَ له ثم لبِسَ فوقه باطن الثوب البرزخي و تزمّل بالثياب الثلاثة و نزل الي الانسان الحيواني الفلكي و ولج في جوفه و دخل به في جوف الانسانِ النباتي فترتيب هذه الاناسي الانسان النفسي في الانسان الطبيعي النّوراني و هو الثوب
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 370 *»
الاوّل و هما في الانسان الهباۤئي الجوهري و هو الثوبُ الثاني و هم في الانسان البرزخي الصوري و هو الثوب الثالث و هم في الانسان الحيواني الفلكي الحسّي و هو الثوب الرابع و هم في الانسان النباتي و هو الثوب الخامس و الثياب الثلاثة السفلية اعني الصوري و الفلكي الحسّي و النباتي لكل واحدٍ منهم حواۤس و قويً و اعضاۤء بنسبة رتبته من الوجود الكونيّ و كذلك لكل واحد ايضا حيوة و تمييز و شعور و اختيار بنسبته ايضا و هذه الثلاثة الاناسي و مٰا لها ممّا ذكرنا كلها زمانيّة جسميّة عنصريّة كالانسان النباتي و ما ينسب اليه او طبيعية الطبايع الركنية الحرارة و البرودة و الرطوبة و اليبوسة التي هي اركان وجود الحادث المربع الكيفية فالافلاك ليست من العناصر حتي يتركب من نار و هواء و ماء و تراب و لكنها من الطبايع الركنية فكل فلك مربع الكيفية . كريم
ركنية كالانسان الحيواني الفلكي و ما ينسب اليه او صوريّة و الانسان الصوري هو ظل النفس و مثاله لا ظل الانسان النباتي و مثاله فيكون الانسان في البرزخ علي هيئة الانسان في الدنيا بل علي هيئة عمله و ليس صورة بلا مادة بل لها مادة برزخية هبائية و جسده الذي في هورقليا ايضا صورة ظلية لها مادة برزخية و صورة مثالية ظلية و هو اذا خلص كان علي هيئة عمله و قبله كان علي حسب عرضه . كريم
وصفية بدنيّة ظلّية كالانسان البرزخي و امّا الثوبان الاوّلان الاحمر و الذي لا لون له و هما الانسان الطبيعي النوراني و الانسان الهباۤئي الجوهري فتنسب اليهما الاعضاۤء و الحواۤس و القوي و الحيوة و التمييز و الشعور و الاختيار نسبة صلوح و هي نسبة كونهما لا انّها فيهما متمايزة تمايزاً حسِّيّاً كما في الاثواب الثلاثة و لا صوريّا جوهريّا كتمايزها في النفس و لا معنويّا كتمايُزِهَا في العُقُول و امّا النفوس و الارواح و العقول فتنسب اليها هذه الامور السبعة بنسبة رتبتها من الوجود الكوني بحيث لو تجسّم واحدٌ منها ظهر علي هيئة الانسان الجسمي النباتي و ليس المراد انّ الاعضاۤء توجد فيها علي هيئة الجسميات الّا انها اَعْضاۤء جوهريّة و معنويّة بل الموجود من هذه الاشياۤء فيها و ان كان بنسبة ذاتها انّما هو ما تحتاج اليه منها و ما لاتحتاج اليه منها ليس موجوداً فيها لان هذه الامور انما جُعِلت للانسان مطلقا لحاجته اليه مثل الرجل من الاعضاۤء تكون في الانسان النباتي لاجل الانتقال من مكان الي مكان و في الحسّي الفلكي لان النباتي صنمه و المنتقل هو الحسّي في
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 371 *»
الحقيقة و في المثالي لكونه سارٍ في اقطارهما و امّا النوراني الاحمر و الهباۤئي فحيث كانا في مرتبة الكسر كانت تلك الامور فيهما بالقوّة و الصلوح و امّا الثلاثة العالون فلاتحتاج في وصولها الي مكانٍ ليست فيه الي الانتقال لعدم الحاجب لها فلايحتاج الي رجلٍ معنويّة ينتقل بها كما يحتاج اليها الانسان الجسمي و الجسماني و لهذا صح ان توصف افعال اللّه بالعين و الاذن و الوجه و اليد و لايصحّ اَنْ توصَف بالرِجل لانّها آلَةُ الانتقال لا غير و ايضا حواۤسّ الثلاثة العالين انّما هي لادراك ما هو تحت عالمها فتحتاج الي الٰاتٍ تتوصّل بها اليها فتكون تلك المدركات بفتح الراۤء من نوع الٰالٰات لا من نوع ذلك العالي لانه لو فرض من رتبته ادركه بنفسه لكنه لايكون من رتبته الّا ذاته و ذاته يدركها بذاته لا بٰالٰاته لان سمعه و بصره و علمه و حياته و امثال ذلك من صفاته الذاتية هي ذاته لا انها شيء غيره و لا الٰات له خارجة عنه و لكنها افراد من جملةٍ كالجسد فانه هو مجموع الرأس و الرقبة و اليدين و الصدر و البطن و الرجلين و هذه في الجسد كالحيوة و العلم و السمع و البصر و القدرة في ذاتك و ليْست علي حد الاعضاۤء في الجسد فانها فيه متغايرة في انفسها فالرأس غير اليد و اليد غير الصدر و هكذا في انفسها لا ان تغايرها باعتبارِ تَغاير متعلّقاتها كالسمع و البصر و العلم و القدرة و الحيوة فانها في ذاتك كل واحدٍ منها عيْن الاخر و كل واحدٍ منها عين ذاتك مثلا انت الحيّ و انت العليم و انت السميع و انت البصير و انت القدير و لايقال انت الرأس و انت الصَّدْر و انت البطن و انت اليد و انت الرّجل الّا انّ الصفات الذاتية من الذات كالاعضاۤء من الجسد بمعني انّ كمالها عين كماله باعتبار الذّات فيهما و ابعاض كماله الفعلي اذا اريد منها الصفات الافعالية باعتبار متعلّقاتها علي نحو البدليّة ففي الحقيقة ليس في العالين باعتبار الذات اعضاۤء و لا حواۤسّ و امّا اعضاۤؤها و حواۤسّها فهي آلاتُ افعالِها و لاتدرك بها ما كان من رتبة ذاتها و انما تدرك بها ما تحْتَ عَالَمِها و المصنف يريد ان الانسان النفسي الذي هو احد العالين يعني النفس له اعضاۤء و حواۤس ذاتية من نوع جوهره و ليس كذلك و انما له اعضاۤء و حواۤس فعليّة ليست من سنخ عالمه و انما هي
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 372 *»
آلٰاتُ افعاله لانّ النفس مقارنة بافعالها للاجسام لِتدرك احوال الاجسام و ما اودع الله سبحانه فيها من العلوم و معلوم ان الٰالات المتوسطة بين الجسم و بين النفس بان تكون حاملة لافعال النفس لاتكون الّا اقرب الي سنخ الاجسام من افعال النفس فضلاً عن النفس فافهم و قوله و هو موجود الأن يعني به انّ الجسم المحسوس غير خالٍ عن تعلّقه به و ان كان تعلّق تدبيرٍ و التعبير بالأن للاشارة الي حالة الجسم مع تعلّقها به و الّا فالأن للوقت الملكي و اوقاتها كلها في اوقات الملكوت و هي الدّهر الّا ان التعبير بغير ما قال يَصْعُبُ و يخفي المعني المراد منه الّا علي الاَوْحد۪ينَ و قوله و ليست حياته كحيوة هذا البدن عرضية واردة عليه من خارج فاعلم ان البدن له حيوة ذاتية كما يأتي في كلام المعلّم الاوّل لان البدن وجود جامد بعيد عن مبدء الفيض اعني النور المحمدي صلي اللّه عليه و اله فيكون فيه جميع ما في العقل الكلي من الحيوة و الشعور و الاحساس و الاختيار الّا انها ضعيفة بنسبةِ وُجُودِه فان وجوده ضعيف و ما في العقل قويّة بنسبة قوة وجوده و المصنّف يعني بالحيوة العرضية للبدن الحيوة الحيوانيّة الحسّاسة و هي بالنسبة اليه ليست ذاتية و انما هي ذاتية للانسان الحيواني الفلكي و حيوة الانسان النفسانيّ ليست كحيوة البدن الذاتيّة و لا كالعرضية الحيوانية و قد حقّقنا الحيوانيّة التي يفسرونها بالتحرك بالارادة و يجعلونها جنساً للانسان و الطير الذي يسمّي بالبَبْغَا الذي يتعلم الكلام و الكلب و الخنفس و ما اشبهها في الفواۤئد و شرحها علي نحوٍ لمنسبق عليه و لميعرف الّا من كلامنا و حاصله ان الحيوة التي هي الحصة الحيوانيّة التي فصلها الناطق غير الحيوة التي هي الحصة الحيوانية التي فصلها الصاهل و التي فصلها النابح و تفصيل المسئلة يطلب من الفواۤئد و شرحها الّا انّ الصفات امثال الموصوفات فلذا قال تعالي و ما من داۤبّة في الارض و لا طاۤئر يطير بجناحَيْه الّا اُمَمٌ امثالكم ، و قال الصادق عليه السلام كلّ ما ميّزتموه باوهامكم في ادقّ معانيه فهو مثلكم مخلوق مردود عليكم او قال اليكم ه ، و قال عليه السلام العبوديّة جوهرة كنهها الربوبيّة فما فُقِد في العبوديّة
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 373 *»
وُجِد في الربوبيّة و ما خفي في الربوبية اُص۪يبَ في العبوديّة قال الله تعالي سنريهم اياتنا في الافاق و في انفسهم حتي يتبيّن لهم انه الحق اولميكف بربّكَ انه علي كل شيء شهيد يعني موجود في غيبتك و في حضرتك ه ، و ذلك لانّ الحيوة النباتيّة مثال الحيوة الحسّيّة و هذه مثال الحيوة النفسيّة و هي مثال الحيوة العقليّة و هي مثال الحيوة الفعليّة و الحيوة الفعليّة ملكُ الحيوة التي هي الحق عز و جل و قوله و هذا الانسان النفساني جوهر متوسّط في الوجود بين الانسان العقلي و بين الانسان الطبيعي في الجملة متّجه بمعني انه ليس في بساطة العقلي و لا في كثافة الطبيعي لان العقلي مجرّد عن الماۤدة العنصريّة و الطبيعية و عن الصورة الجوهرية و المثاليّة و عن المدّة الزمانية و الطبيعي الذي عناه عنصري صوري زماني و النفساني ليس بعنصري و لا طبيعي و لا زماني الّا انّه صوريّ كالطبيعي و جوهري دهري كالعقلي فتكون البَيْنيّةُ تمثيليّة لا حقيقيّة لان الحقيقيّة للانسان الحيواني البرزخي و امّا النفساني في وسط الدّهر و ذاته من المفارقات فهو بالغيب اولي منه بالشهادة و قوله و هذا شبه ما ذهب اليه معلم الفلاسفة اي ارسطوطاليس يعني به انّ قولنا ان في باطن هذا الانسان المخلوق من العناصر و الاركان انساناً نفسانيا و حيوانيا برزخيا شبه ما ذهب اليه المعلم الاول في كتاب معرفة الربوبيّة و هو قوله ان في الانسان الجسماني الانسان النفساني و الانسان العقلي و لست اعني انه هما لكني اعني به انه متّصل بهما و يريد المعلّم كما مرّ الّا انّ كلامه مجمل و تفصيله ان النفساني يَتّصل به الجسماني و ان كان بواسطة البرزخي و الهبائي و الطبيعي الاحمر و يتّصل بالعقلي ايضاً و ارَاد بالاتّصال انّه منه لهما اي ان من الجسماني يعني به في بعض احواله يكون منه لهما اي يفعل بعض افاعيل كلٍّ منهما لكن بتخلّقه باخلاقهما او باستعمالهِما له فيما لَهُمَا كما يسمع المرتاض تسبيح الجمادات و النّباتات و الافلاك و الملاۤئكة و يفهم نطقها و معني ثانيا لقوله انّه منه اي من الجسماني للنفساني و العقلي اي فيه من نوعهما يعني ان في
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 374 *»
الجسماني نفساً و عقلاً ذاتيّين بهما يتّصل بالنفساني و العقلي و يفعل بعض افاعيلهما الا ان نفسه و عقله ضعيفان بنسبة رتبته من الوجود الكوني و بهما خاطبه اللّه و كلّفه و اُثيبَ او عُوقبَ بهما و قول المعلّم الاول و ذلك انّ في الانسان الجسماني كلتا الكلمتين يعني به الكلمة العقليّة و الكلمة النّفسيّة يشير بهما الَي ما فيه لذاته من الكلمتين الضعيفتين و انما سمّي النفساني و العقلي كلمتين لانّهما صورتا التكلم مثل الضرب فاِنه صورة ضرَبَ و عند اكثرهم لايقال لغير المجرداتِ كلمة قالوا وَ لذا قال و كلمته القاها الي مريم في حقِّ لاهوتِ عيسي و في حقاۤئق الائمة عليهم السلام و لميسمّ شيئا من الاَجْسَام بالكلمة و من هنا ذهب المصنف الي اتّحاد بالصورة العقليّة لانّها كلمة العاقل و صورة ادراكه و لميجوّز اتّحاد العاقل بالماديّات و قد تقدّم الكلام عليه و قول المعلم لانه صنم الصّنم يشير به الي ان الانسان الجسماني ظرف و صنم لتلك الكلمتين الضعيفتينِ و هما صنما النفساني و العقلي فالانسان الجسماني صنم الصنم و قوله ايضا ان هذا الانسان صنم الانسان الاوّل الحقّ فيه شيء و هو ان مرادَهُ بالانسان الاول الحقّ ليس الا الانسان العقلي لانّه عنده هو الانسان الاول بمعني ان ليس قبله انسان و ليس بصحيح لان الانسان الكامل اعني نور الانوار صلي الله عليه و اله و هو النور الذي تنوّرت منه الانوار قبل العقلي و ايضا قوله الحق يشير به الَي انّ هذا الانسان غير حقّ امّا للاتّحاد المدّعي بالعقلي دون الماديّ و اِمّا لفناۤئه دون العقلي فانه غير فانٍ بَلْ بَاقٍ ببَقاۤءِ الله دون ابقاۤئه كما ذهب اليه المصنف و قد تقدم الكلام عليه هنا و في شَرْحالمشاعر و اِمّا لان الجسماني تجديدي الكمال و الذات و تدريجيّهما بخلاف العقلي فانه فيما له بالفعل غير منتظرٍ و قد اشرنا سابقاً الي بطلان هذا بل الانسان العقلي و الانسان الماۤدّي بحكم واحدٍ في كل شيء لان المخلوقية تجمعهما فلايتّحد احد منهما بعاقله و لايخرجان عن الامكان بل كل منهما منتظر فيما له متجدّد متدرّج في ذاته و صفاته و افعاله و ان اختلفت صورة التغيّر و التبدّل و الحاجة فيهما كما تختلف في النبات و الجماد
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 375 *»
و قوله انّ قوي هذا الانسان و حياته و حالاته ضعيفة و هي في الانسان الاول قويّة جدّا صحيح ظاهر و قوله و للانسان الاول حواۤسُّ قويّة ظاهرة اقوي و ابين و اظهر من حواۤسّ هذا الانسان ايضا صحيح و لكن علي نحو ما ذكرنا قبل هذا و قوله لان هذه اصنام لتلك نقول هي اصنام للكلمتين الضعيفتين فيما يحتاج الغيبُ اليه من امثالها كالعين و اليد و امّا الانسان الاول فقواه و حواۤسّه الذاتية لاتكون قوي هذا الانسان و حواۤسّه اصناما لها كما قدّمنا و اما قواه و حواۤسه الفعلية فكما قال لانّه يصطاد بها الصيد الذي بعد عن حريمه و قد تقدّمت الاشارة اليه فراجع .
قال } و اعلم ان مذهب هذا العظيم اثباتُ الانسان العقلي و الفرس العقلي و الحيوانات العقليّة و النبات العقلي بانواعه و الارض العقلية و النار العقلية و الجنة الحقّة الالهية و السموات العلي العقلية و ساۤئر الصور المفارقة الالهية و الطباۤئع النوعية الموجودة في علم الله و علم قضاۤئه و مظاهر اسماۤئه الباقية عند الله ببقاۤئه لانها ليست مستقلّة الوجود لكنها من شؤن الذات و حجب الربوبيّة و هو بعينه مذهب استاده افلاطون و سقراط في باب الصور و صاحب الشفاۤء لميتيسّر له تحصيل هذا المطلب و سلوك سبيله و لذلك صار يطعن علي القول بوجودِها و يقدح في شأن افلاطون و سقراط قدحا قديما و كأنه لمينظر الي كتاب اُثولوجيا او كأنه لمينسبه الي ارسطوطاليس بل الي افلاطون و بالجملة هذه المسئلة من احدي الغوامض الحكمية التي مَن اوتيها فقد اوتي خيرا كثيرا و لميتيسّر لاحد من الفلاسفة بعد عصر السابقين الاولين تحقيقها و تهذيبها عن المطاعن و الشكوك الّا لبعضٍ من هذه الامّة المرحومة حمداً له و شكراً علي فضله و كرمه { .
اقول اثبات هذه الامور العقلية التي ذكر بعضها تمثيلاً مما لاينبغي التوقف فيه بعد تصريح الكتاب و السنة من غير معارض و بعد شهادة العَقْل المهذّب لَهُمَا
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 376 *»
و قوله في علم اللّهِ يريد به في علم الله الذي هو ذاته و قد بَيّنّا فيما تقدّم ان علم اللّه الذي هو ذاته ليس فيه شيء موجود لا طبايع نوعيّة و لا صُوَر و لا معاني و لا اعيان ثابتةٌ و لا موجودة اذ لو ثبت في علمه الذي هو ذاته شيء غير ذاته لكان في ذاته شيء غيرها اذ لايعني بالعلم الذي هو ذاته امراً لفظيا او اعتباريّا و انّما نعني به المعبود عز و جل و انما هو تعالي علم و لا معلوم في ذاته لا عينا و لا معني و لا صورة بل جميع المعلومات مما هو غير ذاته البَحْت في الامكانِ و تعلّق العلم بها في الامكان في مراتب اماكنها و اوقاتها و هذا التعلق اشراقي نسبي يوجد بوجودِها و يفقد بفقدِها و قد تقدم الكلام مُفَصّلا لكن المصنّف و اتباعه يثبتون في علمه الذي هو ذاته كلّ معلومٍ ليس بمادِيٍّ و ذكرنا قبل ما يلزمهم من خلوّ علمه عن الماۤدّيات و كون الازل ظرفاً لغير الله تعالي و لذا الملا محسن كما ذكرنا عنه سابقا قال الازل يَسع القديم و الحادث و يلزمهم انّ الازل شيء قديم مكان او وقت غير اللّه تعالي الله عما يقولون عُلُوّاً كبيراً و قوله و في علم قضاۤئه يحتمل انّه اَرادَ بالعطف التفسيري و يحتمل ما يصطلحون عليه من ان القضاۤء هو العلم الكلّي الاجمالي الذي هو عبارة عن وجه الاشياۤء الاعلي الحاصل للّهِ تعالي او الحكم الازلي علي الاشياۤء بما هي عليه فيما لايزال فيكون في الاحتمالين اضافة علم الي قضاۤئه بيانيّة و عندنا الوجوه الثلاثة غير صحيحة اذ ليس للقضاۤء ذكر في رتبة الذّات و لا وصفيّة و انّما هو من الافعال الامكانيّة و قوله و مظاهر اسماۤئه الباقية عند اللّه ببقاۤئه يريد به كما تقدم انها باقية ببقاۤئه لا بابقاۤئه و قد قدّمنا ما معناه انّ الاسماۤء و مظاهرها بل كل ما هو غير الذات بالوجود او المفهوم او الاعتبار فهو محدث انّما يبقي بابقاۤء الله لا ببقاۤئه و لانعرف شيئا مطلقا غير الذات البحت تعالي الّا حادثا محتاجا في بقاۤئه الي امداده تعالي و قوله لانها ليست مستقلّة الوجود لكنّها من شؤن الذات و حجب الرّبوبيّة يريد به انّها لوازم الذات ليست مستقلة الوجود بدونِه۪ فَيا سبحان اللّه اذا كانت غير مستقلّة ثبتت المغايرة بينه و بينها اذ ليس في الذات جهة غير
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 377 *»
مستقلّةٍ و لزمه اما القول بقدمها فتتعدّد القدماۤء ان جوّز قديما غير مستقلٍ و اِمّا حدوثها و لزمه علي الفرضين الاقتران الممتنع من الازل الممتنع من الحدث و كيف لاتكون حادثة و هي خارجة عن الذات فان الشئون غير ذي الشؤن و الحجب غير المحتجب و باقي كلامه ليس فيه شيء من العلم .
قال{ اَفراد البشر متّفقة النّوع هيهنا واقعة تحت حدٍّ واحدٍ نوعيّ مركّب من جنس قريب و فصلٍ قريب مأخوذين من ماۤدّة بدنية و صورة نفسانيّةٍ لكنّ النفوس الانسانية بعد اتفاقها في النوع في بداية الامرِ ستصير بسبب نشأةٍ اخري و فطرة ثانيَة متخالفة الذوات كثيرة الانواع واقعة تحت اجناسٍ اربعةٍ لانّها في اوّل تكوُّنِها بالفعْل صورة كماليّة لمادّةٍ محسوسة و مادّة روحانية من شأنها ان تقبل صورة عقليّة تتّحد بها و تخرج بسببها من القوّة الي الفعل او صورة وهميّة شيطانيّة كذلك او صورة حيوانيّة بهيميّة او سبعيّة تحشر اليها و تقوم بها عند البعث في نشأة اخري لا في هذه النشأة و الّا لكان تناسخا لا حشراً و التناسخ ممتنع و الحشر الجسماني واقع }.
اقول افراد البشر عندهم متّفِقة النوع يعني يجمعُها نوع واحد و هو الحيوان الناطق و يريدون بالحيوان الجسم النّامي المتحرّك بالارادة و حصته هي الماۤدة و يريدون بالناطق النفس الملكوتيّة و حِصّتها و هي الفصل هي الصورة و هذا النوع عندهم للانبياۤء و المرسلين و الكافرين وَ المنافِقينَ و المؤمنين و المسلمين و هو قوله واقعة تحت نوعٍ واحدٍ نوعي و اَرادُوا به علي جهة الحقيقة و امّا عند اهل البيت عليهم السلام كما تفيده احاديثهم انّه علي جهة المجاز و اما علي جهةِ الحقيقة فافراد البشر اي الذين يصدق عليهم اللّفظ علي اقسامٍ مختلفة الحقيقة فمنها نوع محمد و اله الطاهرين الاربعةعشر صلي الله عليه و عليهم اجمعين فانّ مَاۤدة خلقتهم عليهم السلام النّور الّذي تنوّرَتْ منه الانوار المعبّر عنه بالحقيقة المحمّدية صلي الله عليه و اله و هي اوّل محدثٍ بفعل الله تعالي فقسمه سبحانه علي اربعةعشر حِصّةً لميفضل منها شيء بعد العدد المذكور و لمْينقص عنه شيء و لميجعل لاحدٍ من غيرهم فيها نَص۪يباً و البس تلك الحصص
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 378 *»
صُوَراً من هيئة مشيّته ناطقةً بتوحيده و الثناۤءِ عليه و بقوا الفَ دهرٍ كل دهرٍ مائةالف سنةٍ يسبّحون الله و يمجّدونه ثم خلق من شعاع ذلك مائة و اربعة و عشرينالف نور و خلق من كل نور نور نبيّ و جعل تلك النسمات رجالا كروبيّين خلف العرش تتوقد تلك الانوار لو قسم نور واحد منهم علي اهل الارض لكفاهم و بعث اليهم محمّداً و اهل بيته عليه و عليهم السلام نذُراً كما قال تعالي في شَأن نبيه صلي الله عليه و اله هذا نذير من النذر الاولي و بقوا يعبدون الله بدين نبينا صلي اللّه عليه و اله الف دهرٍ كل دهر مائةالف سنةٍ ثم اشرق من تلك الانوار اشعة فخلق من كل شعاع روح رجل من المؤمنين ثم خلق من شعاع انوار المؤمنين الملاۤئكة و من شعاع الملاۤئكة الحيوانات و من شعاع الحيوانات النباتات و من شعاع النباتات المعادن و من شعاع المعادن الجمادات و لك عبارتان بايّهما قلت و ارَدْتَ جاز ان شئت قلتَ خلق من شعاع النبيين المؤمنين و ان شئت قلتَ خلق من فاضل طينة النبيين المؤمنين فقد عبّر باحدهما عن الاخر الفاضل و الشعاع في اخبارهم عليهم السلام فحيوانية محمد و اهل بيته صلي الله عليه و اله ليست من نوع حيوانية الانبياۤء عليهم السلام و لا صورهم صلي الله عليهم من نوع صورهم عليهم السلام و كذلك اهل كل رتبة بالنسبة الي اهل الرتبة التي دونها نعم هي من شعاعها فلو اراد بدخول جميع افراد البشر تحت نوع واحد علي جهة المجاز و التسمية اللفظية صحّ و الّا فلا و قوله من جنس قريب و فصل قريب مأخوذين يعني اخذ الجنس من ماۤدة بدنيّة اي اُخِذ الحيوان الذي هو الجنس من الجسم النامي المتحرك بالارادة و من صورة نفسانية اي اخذ الناطق الذي هو الفصل من النفس الناطقة و بين كلامه هذا و ما سبق من كلامه تناقض و فيه اضطراب لانه قرّر فيما سبق ان حركة الجسم عرضيّة بمعني انها من النفس و هنا جعل الجسم هو الحصّة الحيوانية و الفصل من النفس اي الصورة فامّا ذكره ان الصورة من النفس الناطقة فقد اخذه من قوله ناطق و هو صحيح و ان كان ينافي كلامه السابق و امّا الماۤدّة اعني الحصّة الحيوانية فكيف يصح ان تكون الماۤدة التي هي الاصلُ
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 379 *»
جسماً و الجسم بجميع انواعه ظل و الصورة التي هي الفرع نفساً و النفس بجميع مراتبها هي ذو الظل و لايصح ان نريد بهذا الجسم الذي عبّر عنه بالبدن الجسم الذي هو النفس لان النفس جسم مجرّد عن المواۤدّ العنصريّة و الجسم البدني عنصري نباتيّ بل الحيوان المأخوذ في تعريف الانسان خلق قبل الاجسام النّامية و غيرها و قبل الحيوان المأخوذ في تعريف ساۤئر الحيوانات العُجْم و هو اي المأخوذ في تعريف الانسان الحقيقي نور عقليّ و حياته و تحركه عقليان البس صورة نفسانية ناطقة ثم اهبط علي نحو ترتيب ما قدمنا الي الانسان الحسّي الفلكي فهو نفس الحيواني الفلكي الحسّي و الحيواني الحسّي الفلكي نفس الحيوان الذي هو الجسم النامي المتحرك بالارادة و حركته هذه من الحسّي الفلكي و ليست هذه الحيوانية هي المأخوذة في تعريف الانسان الناطق و كأن المصنّف نسي ما ذكر عن المعلم الاول من كتاب الربوبية او لميفهم مراده و قوله لكن النفوس الانسانيّة بعد اتفاقها في النوع في بداية الامر فيه انها ليست متّفقة في النوع و انما المتفق منها افراد كل رُتبة فالمؤمنون متفقون في نوع رتبتهم و لمتتفق الانبياۤء عليهم السلام معهم و المؤمنون لميتفقوا مع المنافقين نعم خلق اللّه المؤمنين من نوره و صبغهم في رحمته كما قال جعفر بن محمد عليهما السلام و لميخلق المنافق من نوره نعم خلقه من شيء من الظلمة شبيهٍ بالنور و لو فرض ان المنافق امن خلق من النور حين امن و هذا الذي اشير اليه خفي جدّا قد انحطت عن نيله افهام العلماۤء و الحكماۤء و لايعرفه الّا ائمة الهدي عليهم السلام و انما اوقفوني عليه و ان كتب لك اوقفوك عليه اعلم ان معني هذا اللغز العظيم مشكل و الاشارة اليه ان الله سبحانه يخلق بمشيته اولاً مادة بسيطة متشاكلة الاجزاء و بساطتها عن التعينات الصورية لا التركيب مطلقا ثم يجعلها حصصاً و هذا هو الذر الاول باعتبار و كان الناس امة واحدة كل حصة قابلة للسعادة و الشقاوة و هذه الحصص تعيناتها تعينات كونية لا شرعية ففي هذا العالم كلهم يسبحون لله سبحانه و يسجدون و يؤمنون به و لولا ذلك لميحسن تكليف احد من الكفار بالتوحيد و هذا الذر كان عند الركن العراقي من اركان الكعبة المشرفة ثم احضرهم في غدير خم البرزخ بين حرم الله و حرم رسوله في عالم الظلال فكلفهم فخلق للمؤمنين ابدٰانا مركبة من مادة و صورة مادتها الماء العذب الفرات و هو النور و صورتها تراب السموات و هو الرحمة فالمؤمن اخو المؤمن لابيه و امه فبدء ابدانهم من النور و اليه يعودون و لايعودون الي الهباء الاول فيبطل الثواب و العقاب فان الجنة ايضا مخلوقة من النور و الرحمة و قبلهما لا جنة و لا نار و خلق للكافرين ابدانا من الماء المالح الاجاج و تراب الارضين و هما الظلمة و النقمة فالكافر اخو الكافر لابيه و امه فبدء ابدانهم من الظلمة و اليها يعودون لا الي الهباء لان النار في الظلمة فاذا اسلم الكافر الذي كان من الظلمة و النقمة يستحيل ظلمته و ماؤه الاجاج الي النور و الماء العذب كما يستحيل الكلب فيكون ملحاً طاهراً و نقمته و تراب ارضيه الي الرحمة و تراب السماوٰات فيكون مؤمنا بمادته و صورته و اخا للمؤمنين لابيهم و امهم كما ان الملح الحاصل من الكلب اخو الاملاح لابيهم و امهم بلا فرق عند الله سبحانه فليس مادة المؤمن و الكافر واحدة و الاختلاف في الصورة ابداً فان كل شيء يعود الي ما منه بدء و لفظة من تدخل علي المادة فلكل شيء خلقان كوني و شرعي و لا ثواب و لا عقاب في الكوني و انما الجنة و النار في الشرعي ففي الكوني يخلق بسايط وجود كل رتبة ثم يقع اشعة الدعوة من المبادي علي المنتهيات من سابق سبق و من متأخر لحق و من متخلف زهق و الله هو القاضي الحق . كريم ابن ابرهيم
و هو سرّ
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 380 *»
قول الباقر عليه السلام ما من عبد حَبَّنا و زاد في حبّنا و اخلص في معرفتنا و سُئِل مسئلة الّا نفثنا في روعه جواباً لتلك المسئلة و قوله عليه السلام ان حديثنا صعب مستصعب اجرد ذكوان ثقيل مقنّع لايحتمله ملك مقرّب و لا نبي مرسل و لا مؤمن امتحن الله قلبه للايمان قيل فمن يحتمله قال نحن و في رواية من شئنا او مدينة حصينة قيل فما المدينة الحصينة قال القلب المجتمع ه ، و ورد في توجيهه روايات بغير معني ما ذكر و الشاهد فيه قوله عليه السلام مَن شئنا و الاشارة الي ذلك الامر الخفي الذي هو من سر القدر ان افراد نوع كل رتبة تؤخذ لهم ماۤدة معرّاة عن حكمي السعادة و الشقاوة و تكون حصصاً كل حصّة قابلة للسعادة و الشقاوة و اذا دعاهم خلقوا من طينة اجابتهم او انكارهم و هذا الخلق الثاني فيه يخلق الله المؤمن المجيب من نوره و المنافق المنكر من الظلمة و هو الخلق الصوري الذي تنقلب فيه الحقاۤئق الصوريّة و ليس المراد انّ التغيير الذي هو منشأ السعادة و الشقاوة في خصوص الصورة كما توهّمه الاكثرون لان هذا الحرف هو الذي خفي علي الاكثر فان العذرة تنقلبُ ترابا و قالوا حقيقة التراب و العذرة واحدة و انما التغيير في الصور و خفي عليهم السّر بل التراب حين كان ترابا ليس من العذرة في الحقيقة لان المخلوق من ذلك التراب طاهر و يعود الي التراب و المخلوق من العذرة يعود اليها و هذان المخلوقان لايعودان الي العناصر ابداً و الّا لانقطع الثواب و العقاب و هذا مثل خفي و المخلوق من العناصر التي هي اصل العذرة و التراب عاد الي اصله فاذا ثبت ان كل شيء يعود
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 381 *»
الي اصله و قد علمتَ ان الله سبحانه خلق النور و خلق الظلمة من نفس النور من حيث نفسه لا من حيث فعله ربّه و هما حٰادثان بفعل الله الذي هو النور فمن خلق من النور يعود الي النور و من خلق من الظلمة يعود الي الظلمة و لايعود الي النور ابداً فمعني قولنا في ساۤئر كتبنا خلق مَنْ اَجاب بصورةِ الاِجابة و من الاجابة و من النور انه صوّر صورته علي هيئة الاجابة او الانكار خاصة بل الصورة و الماۤدّة معاً كما قلنا من ان المنافق خلق بنفاقه من الظلمة و اذا آمن خلق بايمانه من النّور اي خلق ماۤدّته بايمانه من النور و صوّرت صورته علي هيئة الْاجابة و لايعود الي الظلمة ابدا ما لمترتد و الحاصل انّ لفظة مِنْ انما تدخل علي الماۤدة كما تقول صغتُ الخاتم من فضّة و عملتُ السرير من الخشب فتدخل من علي الماۤدة و لاتدخل علي الصورة فلاتقل عمِلتُ السّريرَ من التربيع فقولهم بامتناع انقلاب الحقاۤئق يريدون به الحقاۤئق الثلاث لا غير الوجوب الذاتي و الامتناع الذاتي و الامكان و عندنا انما هي حقيقة الوجوب الذّاتي و الامكان و امّا الامتناع الذاتي فلا حقيقة له الّا مجرّد اللفظ اذ لا حقيقة له في الخارج و لا في الذهن و لا في نفس الامر و لا في الاعتبار و الفرض و انّما الحقيقة الحاۤقةُ للوجوب و المُحَقَّقَةُ للامكانِ فافهم و اذا توحّش قلبك من قولي هنا فافهم بياني و هو ان كل شيء يرجع الي اصله و المنافق بنفاقه خلق من الظلمة و اليها يعود فلو آمنَ بعد نفاقه خلق بايمانه كما قلنا من النور و اليه يعود و لايعود الي الظلمة ابداً و بالعكس المؤمن لو نافَقَ و لو صح امتناع انقلاب الحقاۤئق غير الوجوب و الامكان لعاد مَن آمَن بعد نفاقٍ الي اصله الظلمة و من نافق بعد ايمانٍ الي اصله النور و ليس كذلك اذ خصوصُ الصور لاتغيّر حقاۤئق المواۤدّ ما لمتتغيّر المواۤدّ بتغيّر الصُّوَرِ لكن تغيّر الحقاۤئق و المواۤد من جهة الامكان يجري في كلّ شيء و لذا قال تعالي و لو نشاۤء لجعلنا منكم ملاۤئكة في الارض يخلفون و قال تعالي و لئن شئنا لنذهبن بالذي اوحينا اليك و قال تعالي و من يقل منهم اني الهٌ من دونه فذلك نجزيه جهنم و امّا الواقع فلايقع الّا بين افراد كل مرتبةٍ فلايكون رجل من ساۤئر الناس نبيّا و لا العكس و علي هذا الواقع مبني
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 382 *»
ما نحن بصدده فقوله ستصير بحسب نشأةٍ اخري و فطرة ثانية متخالفة الذوات كثيرة الانواع واقعة تحت اجناسٍ اربعةٍ العقول و الشياطين و الحيوانات و السباع انما يكون في افراد رتبةٍ واحدة فان كان في رتبتَيْنِ فمن جهة الامكان بحسب صاحب المعجز و امّا تطوّر بعض افراد الانسان في بعض احواله في الاجناس الاربعة و دورانه عليها في تقلّب احواله فلعدم تحقّق الانسانية فيه اعني النفس المطمئنّة فما بعدها فانه قبل التحقق في رتبة الثلاثة الاخيرة اعني الشياطين و الحيوانات و السباع و هي رتبة واحدةٌ اذِ الثلاثة مشتركة في ثلاثة ارواح روح الشهوة و بها يأكلون و يشربون و ينكحون و روح المدرج و بها يدبّون و روح القوّة و بها يحملون الاثقال فالثلاثة ليس في واحدٍ منها روح الايمان ليخالفهم في الرتبة و هي لاتتحقّق اِلَّا في النفس المطمئنّة و هم اهل الجنس الاوّل و هو لايتطوّر في شيء من الثلاثة بحسب الواقع فلو فرض انه تطوّر في شيءٍ منها فبحسب الامكان لا بحسب الواقع و قوله لانّها في اوّل تكوُّنِها بالفعل صورة كماليّة لماۤدة محسوسةٍ و ماۤدة يريد اَنّ النّفس هيئة كمالٍ تكون لما يتألّف من ماۤدّةٍ عنصريّة و ماۤدّة روحانيّة بالتّدبير التكويني كما قرّر في العلم الطبيعي المكتوم مع ما بين الماۤدَّتَيْنِ من المواۤدّ المتوسطة فتكون تلك الهيئة لاجل جامعيّتها لهيئة العالمَيْنِ صالحةً لقبول العالي و السافل فقد تقبل الصورة العقليّة فتتّحد بها بحيث تخرج بسببها من القوة الي الفعل اي بان تكون عقلاً بالفعل بعد ما كانت بالقوّة و قد تقبل الصورة الوهميّة الشّيطانية فتكون شيطنةً بالفعل كذلك و كذلك لو قبلت الصورة الحيوانية البهيميّة او الصورة السَّبُعيّة و مرادُه انّها تتّحد بما قَبِلَتْ فلايكون شَيْئانِ و لهذا لميقل بثبوت عقلٍ للانسان فانّها بنفسها هي العقل اذا تخلّقَتْ باخلاق الروحانيين و تأدبَتْ بٰاداب الشريعة فان هذه الصفات هي الصورة العقليّة و كذلك حال النفس مع باقي الصور و يشكل عليه انّه يدّعي ان ادلّته مستفادة من
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 383 *»
الكتاب و السنّة و من التدبر في آيات اللّهِ في الافاق و في الانفس و طريق ذلك بيّنه الصادق عليه السلام كما مر في الحديث السابق و هو قوله العبوديّة جوهرة كنهُها الربوبيّة فما فُقِد في العبودية وُجِد في الربوبيّة و ما خفي في الربوبية اُص۪يبَ في العبوديّة الحديث ، و من اعمّ ذلك و اشملِه۪ الانسان فانه نسخة العالم الكبير كلّه ما فُقِد فيه وجد في العالم و ما خفي في العالم وجد فيه و اصيب و العالم الكبير له عقل غير نفسه لان هذا هو القلم و النّفس هي اللوح المحفوظ و يجب ان يكون في الانسان عقل و نفسٌ كما في العالم الكبير فهما اثنان و علي قول المصنّف انما هو نفس تعقل و هي الّتي في اصلِ نشوِها كانَتْ طبيعيّة جسمانيّة و الحَقّ انَّ هذه النَّفْس جوهر صوري مجرّد عَن المدة الزّمانيّة و الماۤدة العنصريّة صالح لقَبُول تعَلُّق العقل بها كَتَعلُّقِ النَّفْسِ بالجسْم مع عدم الاتّحاد بل العقل عقل و النفس نفس و الجسم جسم الاتري انّه اذا قبِلَتْ صورةً حيوانيّةً بهيميّة و اتّحدَتْ بها لمتكن لها حالةٌ به۪يميّة لا غير بحيث تخرج عن فصل الناطق الي الصاهل بل تكون لها حالةٌ بهيميّة لباعث الطبيعة التي نشأتْ عن تغيير الفطْرة و تبديلها و تكون لها حالة انسانيّة لباعث الفطرة التي فطر عليها فبالاولي التّطبعيّة يفعل الشهوات و بالفطرة الاصليّة يعترف بتقصيره في فعلِه ما فعلَ و يعرف الخير و اهله و بهما يكون صدره ضيِّقاً حرِجاً كأنما يصّعّد في السّماۤء لتوارد الداعيين من الطبيعتين من المختلفتين علي طرفي كلّ فعلٍ و ليس ذلك الّا لكونهِما غير متّحِدَتينِ نعم هما متمازجتان تمازجَ تداخلٍ من غير استهلاكِ احديهما في الاخري كما قد قرّرناه في الماهية و الوجود فقد قلنا هناك ان نور السراج القريب من السراج اشدّ نوراً و اضعف ظلمةً و كلّما بعد عن السراج ضعف النور و قويت الظلمة و هكذا حتي يَكون اخره فيه من النّور بقدر ما في اوله من الظلمة و ليس ذلك تمازج استهلاكٍ بَل جميع الاشعّة متعلّقة بالسّراج و جميع اجزاۤء الظلمة متعلّقة بالكثافة الحاجبة ففي هذه الحالة تكون القوّة البهيميّة متعلّقة بجهة اتّصاف النفس بالاعمال التي هي منشأ البهيمية و هي التي عوّجت فطرتها تعويجا لايخرجها عن الصورة الانسانية و الّا لكان ذلك الشخص
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 384 *»
من العجم لاينطق كما جري علي من مسخوا قردة و خنازير فانهم بقوا ثلاثة ايام يمشون علي اربع و لاينطقون و كذلك الحال في الشيطانية و السَّبُعيّة و العقلية و اضرب لك مثلا هو ان الجدار ليس فيه لنفسه نور و لا من شأنه ان يكون له نور من نفسه و لا بما اتّحدَ به ( اي بصورة اتحد به ، يم ) فاذا اشرقت عليه الشمس كان فيه نورٌ من الشمس فالنور هو ما اشرق عليه من الشمس لا غير فالنفس كالجدار و العقل كالنور المشرق عليه القاۤئم به قيام ظهور و هو قاۤئم بالشمس قيام صدور و هو منها و الشمس كالعقل الكلي و النفس ايضا من النفس الكلّية كذلك اي اشراق منها علي الجدار الذي هو الجسم النامي و الحسّيّ الحيواني الفلكي و المثالي و الهباۤئي و الطبيعي النوراني فان هذه الخمسة هي كالجدار للاشراق النفسي فافهم و قوله تحشر اليها و تقوم بها عند البعث في نشأة اخري الخ ، يريد انّ النفس تقوم بما اتّحد به من قبرها عند البعث يوم القيمة و هي نَشْأةٌ اخري لا في هذه النشأة يريد انّ النفس الانسانية لو انتقلَتْ الي الصُّورةِ البَهيميّة مثلاً في هذه النّشأة الّتي فيها لاتّحدَتْ بها كان تَناسُخاً و امّا اذا انتقلت اليها في نشأةٍ اخري فلا بأس اذْ لَا تناسخ كذا قاله هو و غيره لانّهم لمّا قالوا بسبق الارواح علي الاجسام فلمّا انتقلت الي الاجسام قيل لهم هذا تناسخ فلميكن لهم جواب الّا اَنَّ التناسخ الممنوع منه وقوعه في عالم واحد و نشأة واحدة و امّا اذا كانت في نشأتين فلا محذور فيه و ممّا استدلُّوا به حشر بعض النفوس في الصور الحيوانية و ما اقرب دليلهم من المصادرة علي انّ قولهم في نشْأةٍ اخري غير مسلّمةٍ
فانّ كثيرا من العلماۤءِ اعترضوا علي ما روي عنهم عليهم السلام انّ المؤمن اذا مات جعلت روحه في قالب كقالبه في الدنيا بانّ هذا تناسخٌ مع انه في نشأةٍ اخري و لمينفع الجواب بنشأةٍ اخري و انّما الجواب في الصورتين واحد و ليس بنشأةٍ اخري بل بانْ نقول القالب الذي جعلت فيه الروح هي الأن فيه و هو الثوبُ الثالث الذي ذكرناهُ قبل هذا فلمّا خرجت من الجسد خرجت بثوبها الذي هي الأن لَابسةٌ له و معني ان الروح جُعِلت فيه انّها قُبِضت به و نقول فيما نحن فيه انّا ذكرنا
انّ كل الحيوانات تشترك في ثلاثة ارواح روح الشهوة و
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 385 *»
روح المدرج و روح القوّة و المؤمن خاصة فيه اربعة ارواح الثلاثة و روح الايمان وَ بهذا تكون النّفس انسانيّة لانّ النفس الناطقة ( اي الانسانية الشرعية ، يم ) لاتفارق روح الايمان و اذا لمتكن فيها روح الايمان فليست مخلوقة من النور اعني النفس الكليّة و انما هي من النفوس الفلكيّة مع ما لبسَتْها من النفس الامّارة الّتي هي وجه الجهل الاوّل المعبّر بالماهية عنه اعلم انه بعد ما خلق الله سبحانه الانسان الجمادي و استعد للنفس النباتية فاشرق عليه ذلك النفس و استعدت اشرق عليها النفس الحيوانية و اذا استعدت اشرق عليها النفس الناطقة بالكلام و هذه النفس كونية لها مادة و صورة فاذا تصورت بصور العقل اي تأييداته سميت بالناطقة القدسية الانسانية و هي حينئذ ظل النفس الكلية الالهية و اذا عصت و تصورت بصور الجهل صارت امارة بالسوء فهذه النفس لها هاتان الجهتان دائما الا انه تغلب جهة و تضعف اخري فعند ضعف الامارة يحصل لها المراتب السبع الي ان تكمل فوجودها الشرعي من الكلية الالهية و ماهيتها الشرعية من الظلمة و النفس الشقية الشيطانية فلاتتقلب في الصور البهيمية الا من حيث الماهية و لا في صور الانسانية الا من حيث الوجود فافهم . كريم
و هذه النّفس مقابلة للنّفس الانسانية لانّها من الثّري كما انّ الانسانيّة من اللّوح المحفوظ و هذه الامارة اذ انتقل بها المؤمن كانت مطمئنّة و تكون اخت العقل كما مر ثم تكون راضية بقسم اللّه ثم مرضية للّه تعالي ثم كاملة اذا اعتدل مزاجها و فارقت الاضداد كما تقدّم و قبل اطمئنانها تكون لوّامة او ملهمة و قبل ذا تكون ملهمة او لوّامة كما مرّ و قبل هذا هي كما برزت امّارة بالسوء و هي الّتي تتقلّب بالحيوانية الحسيّة الفلكيّة في الصور كيف ما شاءت من صور كتاب الفجار و صورها الذاتية لها اما شيطانيّة و اما حيوانيّة بهيميّة و اما سبعيّة و اما مسوخية و ايّها غلب ميلها اليه حشرت فيها و النفوس الفلكية مركبها في جميع صور المعاصي كما انها اي الفلكية مركب النفس الانسانية في جميع صور الطاعات فاذا سمعت منا نقول ان النفس تحشر في صورة شيطان او حيوان او سبع او مسخ فانا نعني بها النفس الامّارة التي هي مقابلة للعقل فانها اذا محضت في ميلها و اطلق صاحبها عنانها كانت هي النكراء و الشيطنة التي عناها الامام الصادق عليه السلام و هي شبيهة بالعقل في التمييز و ليست بعقل و ليست بالنفس الانسانية التي من اشراق اللّوح المحفوظ الّتي هي مركب العقل و انّما هي التي هي
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 386 *»
مركب الجهل و لذا قال تعالي ان هم الّا كالانعام بل هم اضلّ ، و قال الباقر عليه السلام النّاس كلهم بهاۤئم الّا قليل من المؤمنين و المؤمن قليل و المؤمن قليل و ليس الكلام في الاية و الحديث علي سبيل المجاز بل علي الحقيقة و لكن بيانه مما يطول ذكره فالنفس الانسانيّة صورتها هذه الصورة الانسانيّة فاذا تخلق الشخص بطبيعة السَّبُعيّة مثلاً حتي انحصرت اعماله في اعمال السباع او كان الغالب في اعماله ذلك كان في هذه الدنيا ذا نفْسَيْن نفس سَبُعيّة قويّة مؤيدة بالعمل بمقتضاها و نفس انسانيّة محجوبة عن مقتضاها لا تعلق لها بذلك الشّخص الّا بصورته الظاهرة الانسانية فاذا مات علي هذه الحال و كان يوم الحشر و رجع كل شيء الي اَصْلِه سلبت عنه الصورة الانسانيّة بمتعلّقها من النفس الانسانية الّتي من شأنها الايمان لكنها كانت مغلوبة فحبست في صورتها و لميكن لها تسلّط علي اصلاح شيء من البَدَنِ و ظهرت السَّبُعيّة بصورتها الباطنة في ظاهر الشخص لمّا زالت عنه الصورة الانسانيّة و لمتكن النفس الانسانيّة محشورة في صورة سَبُع ليحتاج في دفع شبهة التناسخ الي انّها نشأة اخري لان ما سوي المؤمن فليس بانسانٍ في الحقيقة بل من الحيوانات الاربع اما شيطان و امّا مسخ كالقرد و الحيّة و العقرب و الخنافس و امّا حيوان كالفرس و الحمار و الثور و امّا سبع كالاسد و الهرّ و البازي و انما النفس المحشورة في احدي صور الحيوانات هي النفس الامّارة الملعونة و هذه صورها في الحقيقة لكنّه في هذه الدنيا البس صورة الانسان لاجابته الظاهريّة و هي محلّ صور علّيين فاذا كان حيوانا فان كان ذلك في الدنيا سلبت منه الصورة الانسانية الباطنة فاذا مات كذلك سلبت منه الظاهرة ايضاً و الحاصل كل ذي روح يحشر علي صورة حقيقته لا علي صورةٍ غيرها فاذا لميكن مؤمناً لميكن في الحقيقة انْساناً و النفس الناطقة بالحقيقة لاتكون الّا في المؤمن و لايحشر الّا فيها
و قوله و الّا لكان تناسُخا لا حشراً الخ ، يريد به تقرير ما قدّم من انّه لو كان في النشأة الاولي لكان عودُهُ في صورةٍ اُخْرَي تَنَاسُخاً لا حَشْراً وَ التَنٰاسخ قد مَنعَ النَّقْلُ و العقل منه و انما الذي اثبته النقل و العَقْلُ هو الحشر و هو عودُ
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 387 *»
الارواح الي اجسادها و حشرُهَا مع اَجْسٰادِها و اقول انّما يكون كونها في صورةٍ غير صورته الظاهرة تناسُخاً اذا كانت الصورة المنتقل اليها اجنبيّةً من المنتقل و اما اذا كانت صفةً له و هي هيئته و من هيئة اعماله خلقت فلايكون تناسخاً سواۤء كان في نشأة واحدة كما اشار اليه تأويل قوله تعالي بل هم في لبس من خلقٍ جديدٍ ام في نشأتين فان الشخص في هذه الدنيا يخلع صوراً و يلبس صوراً اذا نَمَّ بين الناس لبِسَ صورة العقرب او الحيّة و اذا اشتهي الشهوة المنهيّ عنها شرعاً لبس صورة خنزيرٍ او حيوانٍ و اذا غضِب لمحرّم لبس صورة سَبُعٍ و اذا ترك الغضب و اخذ في النميمة خلعَ صورة السبع و لبس صورة العقرب و هكذا و اذا خلع صور كتاب الفجّار و رَجَع الي ما امر اللّه كما اَمره تعالي لَبِسَ صُورةَ الانسان و هي صور كتاب الابرار و لايزال هكذا حتّي يأتيه الموت فاَيَّ صورةٍ قبَضَهُ عَلَيْها حُشِر عَلَيْهَا و هو قوله تعالي و جاۤءَتْ سكرةُ الموتِ بالحقّ ذلِك ما كنتَ منْه تَح۪يدُ ، و امّا الحشر فلايرتابون فيه الّا انّ حشر الأَرواح قام عليه الدليل العقلي و النقلي عندهم و امّا حشر الاجساد فلميثبتوه الّا من النقل و قالوا ان العقل لايدل عليه و نحن قد اشرنا اليه من جهة العقل و يأتي في محلّه انشاۤء اللّه تعالي بحيث يكاد يصل الي حدِّ الضرورة من جهة العقلِ .
قال } فالانسان في هذا العالم بين اَن يكون مَلكاً او شيطانا او بهيمةً او سبُعاً و يصير ملكاً ان غلب عليه العلم و التقوي او شيطاناً مَريداً ان غلب عليه المكر وَ الحيلة و الجهل المركب او بهيمة اِن غلبت عليه اثار الشهوة او سَبُعا ان غلبت عليه آثار الغضب و التهجّم فان الكلب كلبٌ بصورته الحيوانيّة لا بمادته المخصوصة و الخنزير خنزير بصورته لا بماۤدّته و كذا ساۤئر الحيوانات التي بعضها تحت صفات النفس الشهويّة علي اقسامها كالبغال و الحمير و الشاة و الدبّ و الفارة و الهرة و الطاووس و الديك و غيرها و بعضها تحت صفات النفس الغضبية كالاسد و الذئب و النمر و الحيّة و العقرب و العقاب و البازي و غير ذلك { .
اقول يريد انّ الانسان بما هو انسان متردِّد في هذا العالم اي عالم الدنيا
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 388 *»
عالم التكليف بين ان يكون ملكاً بسبب اعماله الصالحة او شيطاناً بسبب اعماله الطّالحة او به۪يمةً بسبب غلبة شهوته او سَبُعاً بسبب شدّة غضبه فيصير ملكاً ان غلب عليه العلم المقرون بالعمل و اتّقي اللّٰهَ و آمنَ به و عمل صالحا و اتّقي نفسه فلميُمَكِّنها من شهواتها و اتّقي الناس بان عمل معهم ما يحبّ ان يعملوا معه او يصير شيطانا مَريداً انْ غلب عليه في اعماله المكر و الكيد و العناد و الحيلة و الخديعة و الاستهزاۤء و السّخريّة و الكسل عن الطاعات و المبادرة الي المعاصي و الجهل المركّب بان يدّعي ما ليس له و لا معه او يص۪ير بهيمة ان غلبت عليه في اعماله و احواله آثار الشهوة ( علي خلاف محبة الله و رضاه و الا فلاتكون ذلك من صفات البهائم و كذلك في الغضب ، كريم ) من حب النكاح و النسل و المال و الجاه و الاكل و الشرب و اللباس اَوْ يصير سَبُعاً ان غَلبَتْ عليه آثار الغَضب و الجراۤءة و التهجّم و البطش و الامر فيما ذكر كما ذكرنا لك انّ النفس المنتقلة في هذه الصور المخالفة للانسانيّة باعمالها المخالفة لِمُرادِ اللّٰه سبحانه هي النّفس الامّارة مع مركوبها من النّفس الحيوانية الحسيّة الفلكيّة لا النفس النّاطقة القدسيّة فانّ هذه لاتفارق روح الايمان الّا لَمَماً ثم ترجع الَيْهَا روح الايمان و قوله فانّ الكلب كَلْبٌ بصورته الحيوانية لا بماۤدّته الي قوله و غير ذلك يريد انّ النفس و ان كانت اِنسانيّةً لكنها حين لَبِست الصورة الاخري كان ذلك الشخص علي حسب مقتضي تلك الصورة و ان كانت النفس انْسٰانيّة لان الكلب النّابح المعروف لميكن كلباً بحصّته الحيوانية و انما هو كلب بفصله الذي هو صورته اعني النّابح اقول نحن نقول بموجب هذا و لكن المادّة الّتي في الكلب حال تعلق صورته بها ليست بصالحةٍ للفرس الصاهل لانّ الحصّة قبل تعلق الفصل بها تصلح لكل منهما لانّها ماۤدة جنسية و بعد التعلق كلّ واحدة ماۤدة نوعيّة لا جنسيّة و لاتكون الماۤدة نوعيّة لغير نوعها مع انّا نسلّم لهم تساوي الحصص النوعية في الجنس و لانسلّم لهم انّ حيوانيّة النفس الناطقة حصّة من جنس حيوانية الصّاهل و النابح نعم حيوانية النفس الامّارة حصة من حيوانية
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 389 *»
الصاهل و النّابح و الزاۤئر و غيرها و انسانيتها ميتة اعلم ان للانسان المعروف نفسا يمتاز بها عن ساير الحيوانات فانه ينطق و ساير الحيوانات لاتنطق فتلك النفس الناطقة هي حقيقة الانسان و هي مركبة من مادة و صورة و هي حية و حيوتها من الملكوت و حيوة ساير الحيوانات من الافلاك ممازجة بالنباتيات فليست النفس الناطقة من حصة من جنس حيوانية ساير الحيوانات نعم مركوبها حيوان معتدل من جنس ساير الحيوانات صالحة لان تتأدب باداب العقل و النفس الانسانية التي هي اخت العقل اذا تأدبت تكون كلباً معلماً صيده حلال يصيد من السماوات و الاحياء و يذكر الانسان عليه اسم الله و يجوز له الاكل من صيده و هذه النفس غير الناطقة القدسية الملكوتية اذ هي بنت العقل فالناطقة التي في الانسان الظاهري اما ان تتبع العقل و تتصور بصورته و تكون حينئذ انسانا بمادتها و صورتها و اما ان تتبع الجهل فتتصور بصور الحيوانات و تكون كالبهايم فاذا صارت علي صورة البهايم تكون امارة و وجه الجهل و مع ذلك لاتكون من جنس ساير الحيوانات فانها ملكوتية و الحيوانات ملكية و محشرها فوق محشر الحيوانات فقوله اعلي الله مقامه ان حيوانية النفس الامارة حصة من حيوانية الصاهل الخ ، اما اراد به حيوانية مركوب الامارة كما قال انفا ان المنتقلة النفس الامارة مع مركوبها او اراد بالصاهل و النابح و الزاير الملكوتي فان النفوس الملكوتية تتصور بهذه الصور و تسمي بهذه الاسماء او اراد انها حصة من حيوانية هذه الحيوانات في الظهور او في التسمية و المجاز كما جوز سابقا بالجملة لا بد فيه من ارتكاب تأويل فان الكفار يحشرون يوم القيمة في محشر الاناسي الظاهر و الحيوانات لاتحشر معهم نعم في عالم النفوس الناطقة القدسية من سماواتها و من كرسيها و النفس الامارة من الصخرة و السجين و لاتقبل لو خليت و طبعها الا صور الحيوانات و هي اذا امنت صارت اخت العقل و التي من الكرسي بنته و هما وجود و ماهية فافهم . كريم
بمعني انّ الاَمَّارة هي الجوارح القابلة للتّعليم مما علّم اللّه العقول فاذا تعلّمت جعل اللّه لها نوراً انسانيّا تمشي به في الناس و كذا ساۤئر الحيوانات اي مثل الكلب و الخنزير في كون كلٍّ منهما بصورته لا بماۤدته ساۤئر الحيوانات التي بعضها تحت صفات النفس الشهويّة علي اقسامها كل واحدٍ بصورته الخاۤصّة به من الشهوة فان منها ما يكون معظم شهوته في النكاح و منها في الاكل و الشرب و منها في اللباس و منها في الجاه و التكبّر و الاستيلاۤء و الفخر و بعضها يدخل تحت صفات النفس الغضبيّة كالاسد و الذئب و النمر و الحيّة و العقرب و العقاب و البازي و غير ذلك علي اختلاف اخلاقها كما هو مذكور في طباۤئع الحيوانات و المراد ظاهر مما تقدّم .
قال } فبحسب ما يغلب علي نفس الانسانِ من الاخلاق و الملكات يقوم يوم القيمة بصورةٍ مناسبةٍ لها فيصير انواعاً كثيرة في الاخرة كما نطق به الكتاب الالهي كقوله و يوم يحشر اعداۤء الله الي النار فهم يوزعون و قوله و يومئِذ يتفرّقون و علي ما ذكرنا تحمل ايات المسخ في القرءان كقوله و ما من داۤبة في
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 390 *»
الارض و لا طاۤئرٍ يط۪ير بجناحيه الّا امم امثالكم و ايات اخري كقوله يوم تشهد عليهم السنتهم و ايديهم و ارجلهم بما كانوا يعملون و كقوله يا معشر الجنّ قد استكثرتم من الانس و كقوله و اذا الوحوش حشرت و قول الصادع صلّي الله عليه و اله يحشر الناس علي صور اعمالهم و في رواية علي صور نيّاتهم و في رواية يحشر بعض الناس علي صورةٍ تحسُنُ عندها القردة و الخنازير و الي هٰذا يأوّل كلام افلاطون و فيثاغورس و غيرهما من الاوّلين الذين كانت كلماتهم مرموزة و حكمتهم مقتبسة من مشكوة نبوّة الانبياۤء عليهم السلام { .
اقول قوله فبحسب ما يغلب علي نفس الانسان من الاخلاق و الملكات يقوم يوم القيمة بصورة مناسبة لها يريد ما تقدّم و قد عرفتَ ما نريد نحنُ من ان النفس المتصوّرة بالصور المذكورة ليست هي النفس الانسانية الناطقة فان هذه لاتفارق روح الايمان و انما المتصوّرة بتلك الصّور القبيحة انما هي النفس الامّارة و الصور المذكورة علي اختلافهٰا و تعدّدِها صوَرها لا انّها مناسبةٌ لها لان الامّارة مادة صالحة لان تلبس كل واحدةٍ من صور المعاصي المرسومة في كتاب الفجّار سجّين باعمالها الّتي هي حدودُ صُوَرِها فيكون المَحْشُور من تلك الماۤدة و تلك الصّور فهو كلب او خنزير او حمار او سبع او قرد و انّما كَانَ ناطِقاً و مميّزاً لان ماۤدّته من الامّارة التي هي مقابلة لِعَقْلِ الانسٰان و العقل اعطاه اللّه جنودا كما هو مروي علي ما في الكافي و غيره فقال الجهل يا رب انك قد قوّيته بجنود و انا ضدّه فقوّني فقوّاه بجنود ضدّ جنود العقل و هذه النفس الامّارة من الجهل فهو ناطق لصلوحه للانسان بان يكون اخاً لعقله و يَصْلح وجهه الذي هو النفس الامارة ان تكون اختا للعقلِ و من شأن الصلوح النطق و التمييز و قوله فيصير انواعا كثيرة يريد انّ الانسان بعد ان كانت جميع افراده داخلة تحت نوع واحد و هو الحيوان الناطق كان باعماله الباطلة التابعة لهوي نفسه خاصة انواعا كثيرة كالشياطين و الكلاب و الخنازير و القردة و الحيوانات و السّباع و لقد كنتُ في اوّل امري مقبِلا علي شأني منقطعا عن الخلق في اغلب احوالي و كنتُ اري في المنام اموراً عجيبة و بياناتٍ لما اشكل عليّ في
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 391 *»
اليقظة لااكادُ اُحصيها لايخالف منها شيء شيئا من الامور المنقولة و المعقولة و قد اتت بلدنا امرأة من العاۤمّة فاجرة ذات علمٍ و قد تولّعَتْ بها الزناة حتّي ماتت في بلدنا و كانت جميلة الصورة فرأيتُ في المنام مقبرة فيها قبور يفور منها الشرر و الدخان و رأيت بعض الرجال فيها امواتا غير مقبورين بل هم جِيَفٌ مرميّة و اجسامهم عظيمة و هي مفتولة كالحبال و الخيوط بصورٍ تذهل من قبحها العقول و رأيتُ تلك المرأة الفاجرة و كان اسمها حسناۤء جيفة عند تلك القبور غير مقبورة و هي في صورة فرس عظيمة قبيحة المنظر لايكاد الناظر اليها يملأ عينه منها لقبحها و ذلك لمّا كانت الفرس الغالب عليها شهوة النكاح جدّا كما ذكره العلماۤء و الحكماۤء في خواۤصّ الحيوانات و كانت تلك المرأة بهذه الحالة كانت بصورة الفرس قد عظّم جرمها للنار اَسْتجيرُ بالله من النار مع اني رأيتُ المرأة في صغري و وقت رؤيتي لها بعد اقبالي و لكن قبل علمي بطبع الفرس و بالجملة كل شخص يحشر علي صورته و صورته ما قبل من الصانع صنعه عليها و ذلك القبول هو الاعمال و هو قوله صلي الله عليه و اله يحشر الناس علي صور اعمالهم لانها هي صورهم الذاتية و قوله كما نطق به الكتاب الاِلٰهي كقوله و يوم يحشر اعداۤء اللّهِ الي النار فهم يوزعون و معني يوزعون قال القمي في تفسيره يجيئون من كل ناحية و قال الباقر عليه السلام يحبس اوّلهم علي اخرهم يعني ليتلاحقوا و ليس في هذه الاية دلالة علي شيء ممّا ذكر و انّما توهّم انها تدلّ علي تنويعهم و ليس كذلك و قولُه و قولِه۪ و يومئذٍ يتفرّقون و المراد من الاية ان اهل الجنة يحشرون اليها و اهل النار يحشرون اليها كما دلت عليه الايات بعدها لكنه اوّل التفرّق علي اختلاف الصور و الانواع و لا فاۤئدة في الكلام عليه و قوله و علي ما ذكرنا يعني من حشرهم في صور اعمالهم تحمل ايات المسخ يعني الايات التي ظاهرها المسخ في القرءان انما المراد منها حشرهم في صور اعمالهم كقوله و ما من داۤبّة في الارض و لا طاۤئر يطير بجناحيه الّا امم امثالكم يريد ان ظاهر الاية ان كل داۤبة تدب في الارض و كل طائر يطير
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 392 *»
بجناحيه كانوا من بني ادم كما هو ظاهر امم امثالكم لكنهم مسخوا دواۤبّ و طيراً و لمّا ثبت بطلان المسخ كان المراد بالامم و الامثال كونهم دواۤبّ و طيراً يوم القيمة حين يحشرون في صور اعمالهم فمنهم غداً عقبان و رخم و منهم خَيْلٌ وَ بِغَالٌ و حمير و منْهم قردة وَ خَنَازير و اَفْيٰال و منهم سباع و ذئاب و ليس المراد من الاية ما توهّمه بل المراد منها اَنّ كُلّ داۤبّة في الارض و كل طاۤئرٍ اُمَمٌ جري فيهم عدل اللّه بان ندبهم الي ما فيه صلاحهم من التكليف و ارسل اليهم نذراً من نوعهم لان كل نوع من الحيوانات امّة بنص القرءان و ان من امةٍ الّا خلا فيها نذير بنصّ القرءان و ماارسل سبحانه رسولاً الي امة من الامم الّا بلسان قومه ليبيِّنَ لهم بنصّ القرءان و ان كل امّة من الامم تحشر الي ربّها فيحاسبها فيقتصّ للجمّاۤءِ من القرناۤء و ليس في خصوص هذه الاية ما يوهم المسخ كما توهمه المصنّف الّا اذا اَوَّلَهَا بهذا التّأويل البعيد ثم يحتاج الي تأويلِ تأويله بما ذهب الَيْه و ليس هذا طريق التّأويل انّما يصح التأويل فيما يكون ظاهر الاية يوهم المسخ فيصرف ظاهرها الي معني صحيح و امّا هو فقد صرف ظاهرها الصحيح الي تأويله الغير الصحيح ثم حمله علي معني غير صحيح و قوله و آيات اخري كقوله تشهد عليهم السنتهم و ايديهم و ارجلهم بما كانوا يعملون فيه ما في ما قبله فان ظاهر هذه الاية ليس فيه ما يحتمل مدّعاه و انما المراد انهم يُختم علي افواههم فلاينطقون كما قال تعالي ثم تشهد عليهم جوارحهم و امّا انه انما شهدت عليهم جوارحهم لانهم كانوا من نوع العُجْم الصمّ البكم من الحيوانات فهو تأويل بَع۪يد بعدَ قوله تعالي اليوم نختم علي افواههم و تكلمنا ايديهم و تشهد ارجلهم بما كانوا يكسبون ، و قوله و كقوله يا معشر الجنّ قد استكثرتم من الانس فكذلك ليس في هذه الاية دليل علي مدّعاه و لا شاهد لِمٰا رءاه و انّما المراد منها هو ما في الاية الاخري قوله تعالي و انه كان رجال من الانس يعوذون برجالٍ من الجنّ فزادُوهم رهقا و ذلك كلّ ما توهّم بعض من الانس او اعتقدوا في الجن بانهم يضرّون او ينفعُونَ زادُوا في اغواۤئهم و امّا تأويلها بان الجنّ قد اغووا كثيراً من
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 393 *»
الانس حتّي اطاعوهم فيحشرون علي صور الجنّ من تفسير ظاهر الظّاهر فهو غير صحيح لانه و ان انطبق اخذ كثرة الجنّ بهم علي تفسير ظاهر الظاهر الّا انه يلزم منه ان كل منْ اغوته الجن حتي خرج بطاعتهم عن اصحاب اليمين يكون من الجن لا غير ذلك و ليس كذلك فالاولي عدم تأويلها علي مدّعاه و قوله و كقوله و اذا الوحوش حشرت مثل ما مضي اذ لا دلالة في الاية علي مُدّعاه و انما تدلّ علي ان الوحوش تحشر و لو ثبت في السنة او في الكتاب عدم حشر الوحوش جاز له تأويلها بانّ المراد بالوحوش العصاة من بني ادم لكن الامر علي العكس فلايَصح تأويله و امّا الايات التي تصلح شاهداً له فهي كثيرة لكنه لميذكر منها شيئا و هي مثل قوله تعالي افلميهد لهم كم اهلكنا قبلهم من القرون يمشون في مساكنهم انّ في ذلك لاياتٍ لاولي النّهي فان له ان يأوّلها بكَوْنِ ضميرِ الجمع في يمشون يعود الي المهلكين من القرون فانهم الان حيات و عقارب و خنافس و فيران يمشون في بيوت المخاطبين فيحمل ما يوهم المسخ علي انهم كذلك الأن مستورون تحت غطٰاۤء الصورة الانسانية و يوم القيمة يكشف عنهم الغطاۤء و مثلها فيما روي عن الصادق عليه السلام انه سئل عن العقرب و الخنفس و الحية فقال ان الله يقول اَولميهدِ لهم كم اهلكنا من قبلهم من القرون يمشون في مساكنهم ان في ذلك لايات افلايسمعون اخرجوا من النار فقال لهم الله كونوا نِشْن۪يشاً ه ، نقلتُه بالمعني و مثل قوله ان هم الّا كالانعام ، اولۤئك كالانعام بل هم اضلّ ، متاعاً لكم و لاَنْعامِكم و امثال ذلك فانّها هي التي يمكن الاستدلال بها علي المدّعي في تأويلها و امّا قوله و قول الصادع صلي الله عليه و اله يُحشر الناس علي صور اعمالهم و في رواية علي صور نيّاتِهِم و في رواية يحشَرُ بعض النّاسِ علي صورةٍ تحسُن عندها القِرَدةُ و الخنازير فهو صريح في المدّعي و قوله و الي هذا يَؤُل كلام افلاطون و فيثاغورس و غيرهما من الاوّلين الّذينَ كانت كلماتهم مرموزة و حكمتهم مقتبسة من مشكوة نبوّة الانبياۤء عليهم السلام يشير به الي ما نقل عنهم و مثله و اما كون كلامهم مقتبس من مشكوة
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 394 *»
النبوّة فصحيح و لكنه وقع فيه التّغيير من وجوه ثلاثة الاوّل ان احدهم اذا قرأ علي نبي من الانبياۤء عليهم السلام انفرد و اخذ يفرّع فروعاً فقد يقع الغلط في تلك الفروع لانه ليس بمعصوم و لا مسدّد من اللّه كالنبي عليه السلام الثاني ان كتبهم كتبوها باللغة السريانية و غيرها و المعرِّبون لها منهم من يفسّر كل كلمة بمعناها العربي لا كل كلامٍ و تكون الترجمة مخالفة للاصل كما لو فسّر في اللغة الفارسية قسم بُخُرْ فقال قسم يعني يمين و بُخُرْ يَعْني كُلْ فانّ المعني يبطل لانّ التَّرجمة كانت مخالفة للاصل اذِ الاَصْل احلف و الترجمة كُلِ اليمين و لوْ فسّرَ الكَلَام بكَلَامٍ لَصحَّ المَعْنَي فمن هذا و مثله يقع الغلط و الخَطاء الثالث انّ الحكماۤء في غالب اقوالهم يستعملون الاشارات و الرموز و اللوازم البعيدة و لايكاد يفهمها الّا مَن كان طبيعته من نحو طباعهم و خاض في علومهم و ربّما يكون المترجم لايفهم مرادهم فيكتب بخلاف مرادهم كما قالوا بان العقل مجرّد ففهم كثير منهم و منهم المصنّف ان العقل لا ماۤدة له اصلاً و انه بسيط الحقيقة فهو كلّ الاشياۤء كما ذكره في اوّل كتابه المشاعر و مرادهم انّ العقل مجرد عن المادة العنصريّة و المدّة الزمانيّة لا انه مجردٌ عن مطلق الماۤدة و الدليل علي انّ هذا مرادهم انهم قالوا اوّل ما خلق الله العقل فدلّ كلامهم هذا علي ان العقل ممكن و قالوا كل ممكنٍ زوج تركيبي فاذا كان مركّبا كان غير بسيط الحقيقة و انما مرادهم بالتجرد ما قلنا فمن مثل هذا يكثر الغلط بل قد يحصل الغلط من تحريف الكُتَّابِ في الاصل او الترجمة و لاجل ذلك و مثله قد يخالف قولهم قول الانبياۤء عليهم السلام و حيث جهل كلام الانبياۤء عليهم السلام فالمميّز للموافق لكلامهم عليهم السلام و المخالف هو الكتاب و السّنة لا غير و لاجل هذا ترانا لانكاد نجدُ قولاً من كلام المصنّف و امثاله موافقاً حتي انّ من لميفهم ربّما توهّم انّا نتعمّد الردّ عليهم و انا اعوذ باللّه اَنْ اَكُونَ من الجاهلين و اَسْئل اللّه العالم بسرّي و جهري اَلّايَكِلَني اِلَي نفسي و لا اِلي اَحدٍ سواهُ .
قٰالَ } و الّذي يذكر في كتب الحكمة الرّسميّة انّ شيئا واحداً لايكون
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 395 *»
صورة لشيءٍ و ماۤدة لشَيْءٍ آخرَ انّما يتمّ بحسب نشأةٍ واحدة و فيما لا تعلّق له اصلاً بمادّة جسمانيّةٍ فان النَفْسَ المتعلّقة بالماۤدة من شأنها ان تتصوّر بصورةٍ بعد صورة و تتّحد بها و ايضاً الصورة الحسّيّة مع كونها صورة لمادّة جسمانيّة بالفعل فهي معقولة بالقوّة و نحن قد اقمنا البرهان علي ثبوتِ الحركة الجوهريّة في جميع الطبائع الماۤدّيّة وَ النفس الانسانيّة اسرع المكوّنات استحالة و انقلابا في الاطوار الطبيعية و النّفسيّة و العقليّة و هي في فطرتها التكوينيّة نهاية عالم المحسوسات و بداية عالم الروحانيات و هي باب الله الاعظم الذي يؤتي منه الي الملكوت الاعلي { .
اقول ما ذكروه لايصحّ لا بحسب نشأة واحدةٍ و لا فيما لا تعلق له اصلاً بمادة جسمانية بل يكون الشيء ركناً لمعلوله اي مادة له و صورة لعلته بل كلّ الاشياۤء كذلك من فوق الدرّة الي ما تحت الذرّة فانّ النور الاول الذي هو اوّل فاۤئض من فعل اللّه صورة لفعل الله تعالي مثل ضرباً بسكون الراۤء فانه صورة لضرب بفتح الراء و هذا النور الذي هو صورة لفعله تعالي مادة لعقل الكلِ و صورة العقل الارض الجرز و البَلد الميت و العقل صورة للنور المذكور و ماۤدة للنفس و الصورة النّوعيّة صورة الخَشب و ماۤدة السرير و صورة وجهك المنفصلة اي الاشراقية صورة وجهك و ماۤدّة للصورة التي في المرءاة بل كل الاشياۤء اعراض لعِلَلِها و معروضات لمعلولاتها لا فرق بين ذلك في نشأة واحدة كما قلنا في الخشب و السرير و الصورة في المرءاة او غيرها و لا بين ما لا تعلّق له بالمواۤد الجسمانية كعقل الكل بالنّسبة الي النور الذي تنوّرت منه الانوار صلي الله علي محمد و اله و بالنسبة الي النفوس او غير ذلك و انما اشتبه ذلك عليهم حيث وَجدوا زيداً ذاتاً متقوّمةً بنفسِها استبعدوا ان يكون صفة و عرضاً و ذلك لعدم معرفتهم بفعل اللّه اذ لو عرفوا ان فعل الله سبحانه ذاتٌ قاۤئمة بنفسها بالنسبة الي ما سواها من الخلق و ان تذوّت جميع الذوات انما هو شعاع تذوّتِها و انّما يقال ان فعل اللّهِ و مشيّته عَرض بالنسبة الي ذات الحق عز و جل اذ ليس شيء بحقيقة الشيئيّةِ الا هو تعالي و مشيّته شيء به لا بنفسها و الخلق شيء
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 396 *»
بمشيّته لَا باَنْفُسِهمْ و قوله فان النفس المتعلّقة بالماۤدة من شأنها ان تتصوّر بصورة بعد صورةٍ و تتّحد بها بَناه علي نفيه لكون شيء واحدٍ لايكون صورة لشيءٍ و ماۤدة لشيءٍ اخر و قد قدّمنا ما سمعتَ في النفس من انّها من الملكوت و لاتتعلّق بنفسها بالمواۤدّ الجسمانيّة و انّما تتعلّق اَفْعَالُها بالمواۤدّ بواسطة الطباۤئع النورانية و الهباۤئيّة و المثاليّة و الفلكيّة لان النفس من حيث ذاتها من المفارقات فكيف تتعلّق بالمواۤدّ و من ان المتقلّب في الصور ليس هذه التي هي بنت العقل و انما هي الامّارة التي لو صلحت كانت اخت العقل لا بنته نعم لو صلحت هذه الامّارة اتّحدت قوله اعلي الله مقامه اتحدت هو اتحاد الصفة لا اتحاد الذات و الممازجة او الاستحالة فانما هو اتحاد الصفة يعني يصير صفة الامارة صفة المطمئنة نورانية طيبة صالحة فلايشتبهن عليك فان رطنهم لايعرفه الا ولد بطنهم . كريم
بتلك و قوله و ايضا الصُّورة الحسّيّة مع كونها صورةً لماۤدّة جسمانيّة بالفعل فهي معقولة بالقوّة اَمّا انّ الصورة الحسيّة صورة للمادة الجسمانية فظاهر اذ لا معني لمحسوسيتها الّا لقيامها بالمادة الجسمية قيامَ عروضٍ او قيامها بالصّورة العارضة قيام صدور و بمحلها قيام ظهور كالصّورة في المرءاة و لكن هذا لا كلام فيه و انّما الكلام في كونها معقولة بالقوّة فانّا لانسلّم انّها معقولة لتكون المحسوسة نفسُها معقولةً و انّما المعقول معناها اذِ العقل لايدرك بذاته الصور و ان كانت جوهريّة كالنفوس و انما يدرك ذلك بواسطة الوَساۤئط الّتي بينه و بين ما يدركه اذا كان تحت رتبة المعاني و اِنْ ارادَ بالمعقولة المتخيّلة فالخيال انّما يدرك صورة ما انتزع له الحس المشترك من الصّور سواۤء كانت المنتزعة من مادة ام من صورةٍ فالذي يدرك الخيال من الصورة المحسوسة صورتها لا انها بنفسها تصعد حتي تكون معقولة و لا انّ العقل ينزل حتي يكون من الحواس الظّاهرة و كأن المصنّف نسي كلامه السّابق في الحواس الظاهرة ان المدرَك من المرئي ليس هو الصورة الظاهرة و انما تدركه النفس بصورة ملكوتية مماثلة
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 397 *»
للمحسوسة مع ان النفس انزل رتبة من العقل فهلّاقال هناك ان المحسوسة تكون مدركة للنفس بالفعل بعد اَن كانت بالقوّة كما قال هنا او قال هنا انّ الصورة الحسيّة يدركها العقل بصورة مماثلة لها من عالم الملكوت و قوله و نحن قد اقمنا البرهان علي ثبوت الحركة الجوهريّة يريد انّه اذا ثبتت الحركة الجوهرية بان يكون الجوهر بنفسه يترقي من رتبته الي ما فوقها و هكذا صاعداً كانت الصورة الحسّية مع ارتباطها بالماۤدة صورة عقليّة و نحن قد قلنا له فهلّاقلتَ في الصورة المرئيّة كذلك علي ان الحركة الجوهريّة انّما تتحقق في نوعها فان الجوهر المعدني لايترقي حتي يكون جوهراً نباتيّا و النباتي لايكون حَيَوانيّا نعم المعدني يترقَّي في الرتبة المعدنية كأن يترقّي من الصخرية الي الزجانية ( الزجاجية ظ ) و من الزجاجيّة الي البلّورية و من البلّوريّة الي الالماسيّة و كذلك النباتي يترقي في الرتبة النباتية و هكذا و امّا قوله تعالي و الله انبتكم من الارض نباتا فليس المراد منه انّ النفوس الملكوتية و العقول الجبروتية تكوّنت من التراب و المعدن و النبات كما توهّمه مَن لميعرف ذلك من كلام ائمة الهدي عليهم السلام و انّما انزلها اللّٰه سبحانه من شجرة المزن و وقعت علي النبات و البقول و سرت في صفو النبات الذي تتكون منه النطْفة الظاهرة الحاملة في غيبها للنطفة الباطنة و ترقّت النّطفة الظّاهرة النباتيّة في رتبة النبات علقة ثم مضغة ثم عظاما ثم كساها تعالي لحماً و النطفة الملكوتية الناطقة غيبٌ في النباتيّة في اطوارها هذه فاذا كسيت لحماً و تمّت في بَشرِها و شعرها ظهرت الكامنة في غيب النباتية و هذا الظهور هو الذي سمّاه اميرالمؤمنين عليه السلام بالولادة الجسمانية و ذلك اذا تم لها اربعة اشهر و هذا معني قوله تعالي و الله انبتكم من الارض نباتا فهذا معني حركة الجوهر انه يترقي في رتبة نوعه لا غير فلاتكون الحسّية معقولة كيف و المصنِف انكر كون الماديّات معقولة في باب اتحاد العاقل بالمعقول و جعل المادّية معقولة بالتبع لصورتها العقليّة في حق الواجب تعالي فلاتقل انها ليست معقولة بالذات حال ماۤدّيتها فاذا ترقت عُقِلت بالذات لان الواجب تعالي لايصح هذا في شأن ادراكه للاشياۤء اذ لَيْس له حالتان
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 398 *»
كالمخلوق و قوله و النفس الانسانيّة اسرع المكوّنات استحالةً و انقلاباً في الاطوار الطبيعية و النفسيّة و العقليّة فيه كما قلنا ان المُتَطوّرة هي الامّارة لانها نشأت من نفس العالي و بعدت منه حسداً الي السفل فشأنها التقلّب في اطوار السافلين من صور الحيوانات و الشياطين و لاجل كونها من نفس العالي كانت هيئتها تشابه هيئته فلاجل هذه المشابهة قد تقبل تعليمه فاذا تعلّمت مما علّمه الله كانت اخته و الّا ردّت الي اسفل السافلين و قوله و هي في فطْرتها نهاية عالم المحسوسات و بداية عالم الروحانيات ليست نهاية عالم المحسوسات و لا بداية عالم الروحانيات لان نهاية عالم المحسوسات و بداية عالم الروحانيات عالم المثال و امّا النفس الانسانية فهي وسط عالم الروحانيات لانّ تحتها من الروحانيات الجوهر الهباۤئي و الطبيعة النورانية و فوقها الارواح و العقول و قوله و هي باب اللّهِ الذي يؤتي منه الي الملكوت الاعلي يدلّ علي توسّطها لانها باب الملكوت الاعلي فهي من الملكوت الاوسط كما قلنا و هذه صفة النفس الانسانية لا النفس المتقلّبة في صور المركبات الخبيثات المسخوطات كما قال جعفر بن محمد عليهما السلام .
قال } و فيها ايضا من كل باب من ابواب الجحيم جزؤ مقسوم و هي السدّ الواقع بين الدنيا و الاخرة لانها صورة كلّ قوة في هذا العالم و ماۤدّة كل صورة في عالمٍ اخر فهي مجمع بحْرَي الجسمانيات و الروحانيات و كونها اخر المعاني الجسمانية دليل علي كونها اول المعاني الروحانية فان نظرتَ الي جوهرها في هذا العالم وجدتها مبدأ جميع القوي الجسمانية و مستخدم ساۤئر الصور الحيوانية و النباتية و ان نظرتَ الي جوهرها في العالم العقلي وجدتها في بداية الفطرة قوّة مَحْضةً لا صورة لها في عالم العقل { .
اقول في النفس بقولٍ مطلقٍ كل بابٍ من ابواب الجحيم لانها فيها باب العلم و باب الوهم و باب الخيال و باب الفكر و باب الحيوة و باب العناصر
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 399 *»
سادس الابواب و هي ( اي النفس ) الباب الاعظم السّابع فيه ثلاث طبقاتٍ الفلق و هو جُبٌّ في جهنم اذا فتح اسعر النار سعراً و هو اشدّ النّار عذاباً و صَعُود و هو جبل من صفرٍ من نار وسط جهنم و اثام وادٍ من صفرٍ مذابٍ يجري حول الجبل فهو اشدّ النار عذاباً فالباب الاول ( العناصر ) الجحيم و الثاني ( الحيوة ) لظي و الثالث ( الفكر ) سقر و الرابع ( الخيال ) الحطمة و الخامس ( الوهم ) الهاوية و السادسة ( العلم ) السعير و السابعة ( النفس ) جهنم و ابتداۤء العدد علي هذا الترتيب من باب العناصر لانّه الاول و الثاني الحيوة و هكذا صاعداً علي الترتيب و فيها سبعة ابواب من النعيم جَنّة الفردوس ( النفس ) و جنة العالية ( العاقلة ) و جنّة النّعيم ( العالمة ) و جنّة دار المقامة ( الواهمة ) و جنة الخلد ( الخيال ) و جنّة المأوي ( الفكر ) و جنّة دار السّلام ( الحيوة ) فان عمل بطاعة الله كانت تلك الابواب ابواب الجنان و ان عمل بمعصية الله كانت تلك الابواب ابواب النيران و امّا الجنة الثامنة و هي جنّة عدن ( العقل ) ليست بابا في النفس و انّما هي باب في العقل و هو مطيع للّه و لايعصيه ابداً فلهذا لايكون باباً من النيران و من ثَمّ كانت الجنان ثماني و النّيران سبعاً و لكلٍّ من ابواب النيران السبعة حظيرة و هي ضحضاح من نار كلّ حظيرة تسمّي باسم اصلها نسبتها الي اصلها نسبة الواحد الي السبعين في ضعف العذاب و شدّته و لكل باب من ابواب الجنّة السّبعة حظيرة و هي جنّة خُلِقت من ظلّ اصلها نسبتها في النعيم الي اصلها نسبة الواحد الي السبعين و نيران الحظاۤئر لعصاة المؤمنين و جنّات الحظاۤئر لثلاث طواۤئف مؤمني الجنّ و المؤمنين من اولاد الزنا الي سبعة ابطن و المجانين الذين
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 400 *»
لميقع عليهم تكليف و ليس في اَهاليهم احد من اهل الجنّة ليشفعوا فيهم و اما الجنّة الثامنة جنة عدن فلا حظيرة لَها و انت قد علمتَ ما قلنا في النفس و قوله وَ هي السدّ الواقع بين الدنيا و الاخرة اي و النفس هي السّدّ اي البرزخ المضروب بين الدنيا لما تضمّنَتْ مِن صور جميع القوي اي الدّواعي النفسانية التي تتجسَّدُ الي مَواۤدِّها في الاخرة و هو قوله لانّها صورة كلّ قوّة في هذا العالم و ماۤدّة كل صورة في عالم اخر غير هذا يعني انها تتصور بصور دواعيها الشيطانيّة او الحيوانية او السبعيّة في الدنيا بان تلبس علي انسانيّتِها صورة شيطان او حيوان او سبع و في الاخرة تخلع الانسانيّة و تكون تلك الصور مواۤدّ لاصحاب تلك الصُّوَر و هذا مبني علي تجسم الاعمال لانه قال انها صورة في الدنيا مادة في عالم اخر اي في الاخرة و الحق في المسئلة انّ الاعمال لاتجسّم لانّها صور و اوصاف و لكن العاملين تلبس صور اعمالهم لانّ مادة العامل تستحيل الي ماۤدة ذي الصورة و حقيقة ذلك انه هو ذو الصورة اعلم ان الاعمال صفات العاملين و افعالهم و اثارهم قد نزلت من الخزاين الغيبية فهي في الخزانة الاولي جزاء و هو فعلية و حبة قد زرعت في ارض القابل فنبتت في الدنيا عملاً و يسنبل في الاخرة التي هي عالم الحبة الفعلية و تلك الحبة ليست بباينة عن نفس العامل بل هي هي فان الجزاء ليس بعرض المجزي و انما هو ذاتية فالجزاء الخير معانيه في عقل العامل و صورته الاصلية في نفسه و شعبها و فروعها في علمه و وهمه و خياله و فكره و حيوته و جسمه الاصلي ففيها يتفرق حورها و قصورها و اشجارها و انهارها و لهم فيها ما تشتهي الانفس و تلذ الاعين و صورتها العرضية في الدنيا و كذلك اصول العذاب في الجهل و صورتها في النفس الامارة و فروعها في العلم و الوهم و الخيال و الفكر و الحيوة و الجسم و صورها العرضية في الدنيا و هي المنهيات فالثواب صورته العمل المأمور به و مادته شعاع الامر و هما معاً الثواب و هو صفة المثاب و هو المثاب و هو العقل و النفس المطمئنة و تفصيلها و شؤنها و سعتها المشروحة و العقاب صورته العمل المنهي عنه و مادته ظل النهي و هما معاً العقاب و المعاقب الجهل و النفس الامارة و تفصيلها الضيقة الحرجة فافهم فلو كان الجزاء امراً خارجاً عن الذوات لكان عرضاً و لكان يسرع اليهم الفنا كالدنيا و لكن الجزاء صفات ذاتية كلما يرزق الانسان منه يشتد به ما هو عليه فافهم . كريم
و لكنه في الدنيا بصورة الانسان للمجاورة و في نفس الامر هم شياطين قال تعالي و كذلك جعلنا لكل نبيّ عدوّاً شياطين الانس و الجنّ و هم حمير قال تعالي ان انكر الاصوات لصوت الحمير و قال تعالي كمثل الحمار يحمل اسفاراً ، و امّا التجسم في الصفات فصورة العمل الموافق لامر الله و ارادته صورة الثواب و ماۤدته من
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 401 *»
امر اللّه الذي امتثله و حياته من الله سبحانه اي من رحمته و امّا صورة العمل المخالف لامر اللّهِ فصورة العقاب و ماۤدته من الامر الّذي خالفه و حياته من الله سبحانه اي من غضبه و الحق انّ النفس اللابسة لصورة الشيطان انها ماۤدة شيطانية و اللابسة لصورة الحيوان ماۤدة حيوانية و كذا لابسة صورة السبع ماۤدة سبعيّة و هي في الدنيا كما هي في الاخرة فهم شياطين و حيوانات و مسخ و سباع في الدنيا و لكن البِسُوا صورة الانسان للمجاورة من قوله ان الساعة آتية اكاد اُخْفيها لِتجزَي كلّ نفسٍ بما تسعي و لو كشف لك الغطاۤء في الدنيا لرأيتَ شياطين و كلابا و خنازير و قردة و حيوانات و لقد كان الصادق عليه السلام اراهم ابابصير كذلك ثم ردّه منحجباً و قوله فهي مجمع بَحْرَي الجسمانيات و الروحانيات يعني انّ النفس الانسانيّة الناطقة مَجمع بحري الجسمانيات لانها جسم و اصلها الطبيعة الجسمانية و تكون عقلاً و هذا مبني علي قوله الاوّل و امّا نحن فنقول امّا انها جسم بمعني انها نهاية ما يَصدق عليه اسم الاجسام و بمعني انها مركبة من الماۤدّة النورانية و الصورة الجوهريّة مع كونها من المفارقات المجردة عن الماۤدة العنصريّة و الطبيعيّة فصحيح و امّا انها ليست في كثافة الاجسام و لا لطافة العقول فصحيح فبلحاظ هذا المعني تكون برزخا بين عالمي الاجسام و العقول فتكون مجمع ذَيْنك البحرين بمعني جمعها لبعض صفات كلٍ منهما و امّا بمعني ما ارادَ فليس بصحيح و قد مر بيانه مكررا و قوله و كونها آخر المعاني الجسمانية دليل علي كونها اوّل المعاني الروحانية فيه انّ كونها آخِر المعاني الجسمانية دليل علي عدم كونها اول المعاني الرُّوحَانيّة كما اَنّ آخر المعاني النباتيّة لايكون اوّل المعاني الحيوانيّة و كما ان عالم المثال برْزخ بين الاجسام و المجردات و ليس واحداً منهما و لا من احدهما الّا علي نحو ما ذكرنا مِنْ انّ فيه بعض صفات كلٍّ منهما كما هو شأن البرازخ لان كلّاً من العالمَيْنِ مغاير للاخر و المغاير من حيث هو مغاير لايكون غير مغاير و لايكون كذلك الّا مع تعدد الصفات ليَكون ببعضها مغايراً و ببعضها
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 402 *»
غير مغاير و الذات البسيطة لايكون كذلك نعم قد تكون الذات المركبة كذلك و لكنها مغايرة لهما كالهواۤء بالنسبة الي النار و الماۤء و قوله فان نظرتَ الي جوهرها في هذا العالم وجدتها مبدأَ جميع القوي الجسمانيّة و مستخدم ساۤئر الصور الحيوانية و النباتيّة و ان نظرت الي جوهرها في العالم العقلي وجدتها في بداية الفطرة قوة محضة لا صورة لها في عالم العقل لكن من شأنها ان تخرج في باب العقل و المعقول من القوة الي الفعل اعلم ان النفس لايوجد جوهرها في هذا العالم و انّما يوجد فعلُهَا فيه و امّا جوهرها فلاينزل عن عالم الملكوت و كونها مبدأ جميع القوي الجسمانية من جهة فعلها لا من ذاتها الاتري انّها في الملكوت و فعلها في الملك لانّ الفعل لايقع في رتبة الذات و اَيْضاً اِنْ اَرادَ بالقُوَي الجسمانيّة القوي المدركة فقد انكرها و انما نسب الادراك و الشعور الي النفس كما تقدّم في الحواۤسّ الظاهرة بل جعل مدركاتها صوراً ملكوتية مماثلة للظاهرة و بالجملة هناك اخرج النفس عن الملك و اخلصَها للملكوت حتي في افعالها و هنا جعلها من عالم الملك بذاتها و قال انها اخر المعاني الجسمانية و ان اراد بالقوي الجسمانية القوي الغير المدركة لميصح كلامه اذ ليست مَبْدأً للعصب و العروق و ما فيها من القوي الّا ان يجعلها قويً حيوانيّة و حينئذٍ يصح هذا الجعل و يبطل مٰا قرّرَهُ هُنَاكَ في الحواۤس الظاهرة و قوله و مستخدِم ساۤئِر الصُّوَر الحَيَوانِيّة صحيح لكنّه بفعله وَ لا رَيْبَ اَنَّ فِعْلَها مرتبط بعالم الملك و لهذا قالوا النفس مقارنة باَفْعالِهَا بالاجْسَامِ و النباتات و قوله و ان نظرتَ الي جوهرها في العالم العقلي وجدتها في بداية الفطرة قوّة محضة لا صورة لها في عالم العقل اذا اراد كون معناها في العقل فصحيح و لكن ليس خاۤصّاً بالنفس بل الجدار معناه في العقل و المراد بالمعني العَقْلي انّه جوهرٌ لا صورةَ لَهُ اِذِ الصور مَباد۪يها في الرّوح و تمامها في عالم النفس و ان اريد بالعقل العقل الجزئي فهي فيه معني ظلّي منتزعٌ من الخارجي و
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 403 *»
لا صورة لذلك المعني الظلي لكنه عنَي به العقل الكلّي و معناها فيه جوهر لا صورة له و ليس الموجود في العقل عين النفس و انما هو معناها و هو بمنزلة البزر للثمرة علي الظاهر و في الحقيقة هو كالنار الكامنة في الحجر يخرج مِثَالها بالحكّ و اصلها باقٍ كما هو قبل الحكّ و امّا البزر فانه يفني في الزرع و يخرج في السنبلة باَطْواره و معني النفس الَّذي في العقل الكلّي اذا ظهر بصورتها الظاهرة لايذهب معناها منه كما في الحبّة في السنبلة بل هو باقٍ في كما هو قبل الظهور و لميكن العقل فاقِداً لشيء مما فيه من المعاني فافهم .
قال } لكن من شأنها ان تخرج في باب العقل و المعقول من القوّة الي الفعل و نسبتُها الأن الي صور ذلك العالم نسبة البزر الي الثمرة و النطفة الي الحيَوان و كما ان النطفة بالفعل حيوان بالقوة فكذا النفس بشر بالفعل عقل بالقوة و اليه الاشارة بقوله تعالي قل انما انا بشر مثلكم يوحَي اليّ انّما الهكم الٰه واحدٌ فالمماثلة بين نفس النبي صلي الله عليه و اله و ساۤئر النفوس من البشريّة في هذه النشأة و لمّا خرجت بالوحي الالهي من القوة الي الفعل صار افضل الخلاۤئق و اقرب الي الله من كل نبيّ و ملكٍ لقوله صلي اللّه عليه و اله لي مع الله وقت لايسعني فيه ملك مقرّب و لا نبي مرسَلٌ { .
اقول قد ذكرنا علي قوله لكن من شأنها ان تخرج في باب العقل و المعقول من القوة الي الفعل فيما مضي و فيما يأتي عدم صحة ذلك الخروج و علي تمثيل نسبتها الأن الي صور ذلك العالم بنسبة البزر الي الثمرة لان ذلك اليق لتمثيل قوله اذا نظرتَ الي جوهرها في العالم العقلي مع ما فيه من النقص و انما التمثيل الصحيح ما مثّلنا به من النار الخارجة من الحجر بالحَكِّ و لذا ذكرناه هناك و تمثيله لها في هذا العالم بالنسبة الي تطوّرها حتّي تكونَ عقلاً بالبزر بالنسبة الي الثمرة ايضا لايصح لان البزرَ ثمرته مثله فهذا يصحّ علي قولنا انها لاتخرج عن طورها النفساني كبزر الحنطة فان ثمرته حنطة من نوعه و لاتكون تمراً بل الذي من شأنها اَلّاتتعدّي طورها و ليس من شأنها ان تخرج في باب العقل و المعقول منَ القوة الي الفعل نباتها بان ينتقل ذلك المعني الي عين
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 404 *»
النفس بحيث يكون العقل خاليا منه و انّما يخرج مثالها البدلي كما تخرج النار من النار الكامنة في الحجر بالحَكِّ و اراد بصور ذلك العالم المعاني العقليّة و ليس كذلك بل الصور صور و المعاني معانٍ اذ الصور هيئاتٌ هندسيّة و المعاني هيئاتها معنويّة و قوله و النطفة الي الحيوان يريد به ان نسبة هذه النفس في هذه الحالة الي صور ذلك العالم اي العالم العَقْلي بمعني ترقّيها في تطوراتها حتي تكون بعينها عقلاً نسبة البزر الي الثمرة و النطفة الي الحيوان و قد سمعتَ ما قلنا في النفس و انّها لاتكون عقلاً بل اذا كملت و عادت اليه شابهته كما قال اميرالمؤمنين عليه السلام في حديث الاعرابي حيث قال في النفس اللاهوتية الملكوتية اصلها العقل منه بدئت و عنه وعت و اليه دلّت و اشارَتْ و عودتها اليه اذا كملت و شابهَتْه ه ، لان هذه النفس هي التي نسميها بنت العقل اذا كملت شابهته لا انها تكون عقلاً لان هذه هي النفس الكلية و هي اللّوح المحفوظ و العقل هو القلم و اللوح لايكون قَلَماً و ليست هذه النفس المتقلّبة في الصّور الحيوانيّة لان المتقلّبة هي النفس الامّارة كما مرّ و هي اذا تعلّمت من العقل حتّي كَانَتْ مطمئنّة كانت اخت العقل و قد سمعت ايضا ان التمثيل بالبزر الي الثمرة ليس بمطابق و تمثيل النسبة بالنطفة ايضا غير مطابق فان النطفة لاتكون نفسا حيوانية فلكية و لا ناطقة قدسية
لان النطفة لايكون من ذاتها الّا النفس النباتيّة و لكن تتلطّف منها ابخرة ناريّة و هواۤئيّة و ترابيّة اجزاۤء سواۤء من كل عنصر جزؤ و اجزاۤء ماۤئيّة جزءان فتجتمع الاجزاۤء الخمسة و تطبخها الطبيعة بمعونة اشعّة الكواكب التي يلقيها كرّ الافلاك طبخا معتدلاً و تتلطّف حتي تشابه في اللّطافة و الاعتدال جرم فلك القمر فتشرق نفسُه عليها فتظهر فيها بذلك الاشراق النفس الحيوانية الفلكية الحسيّة و قد كانت النفس الناطقة القدسيّة غيباً في غيب النطفة النباتيّة اي نطفةً معنويةً نزلَتْ من شجرة المزن من عليّين و تعلّقت بمادّة النطفة الظاهرة لان الناطقة كمنت في الفلكية و الفلكية كمنت في النباتيّة و النباتية تعلّقَتْ بالنطفة الظاهرة و تظهر الحيوانيّة الحسيّة الفلكيّة بالولادة الجسمانية عند تمام الاربعة الاشهر و بدؤ ايجادِ الناطقةِ القدسيّة و
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 405 *»
ظهورها عند الولادة الدنياويّة فتتعلّق بالحسّيّة تعلّق اشراق كتعلقها اي الحيوانية الحسّية بالنباتيّة فالنطفة المني النباتية لاتكون حيوانية حسّية كما ان الحسّية لاتكون ناطقة فضلاً عن ان تكون عقلاً لا بالفعل و لا بالقوّة نعم لو اراد اللّه سبحانه ان تكون عقلا كانت كما اذا اراد ان يجعل الصخر و المدر نبيّاً فانه علي كل شيء قدير و قوله و كما ان النطفة بالفعل حيوان بالقوّة فكذا النفس بشر بالفعل عقل بالقوة فيه ان النطفة نباتيّة و هي بالقوّة جسم حيواني اي تتعلّق به الحيوة الحيوانيّة الحسّيّة من الافلاك لا انّها حيوة بالقوة و انّما هي محلّها كما قلنا و قوله فكذا النفس بشر بالفعل عقل بالقوّة مثل الاوّل لانه يبني استدلالاته علي المجازفة و الالفاظ و الظواهر فان البشر بمعني الخلق و سمّي بشراً لظهوره و لانه خلق من بشرة الارض و المراد به الجسم اذ ليس النفس بشراً و انّما البشر الانسان الظاهر ذو الجسد لا ذو النّفس و الّا لصحّ كون الملك بشراً لانه نفس فلا معني لتنظيره فلاتكون النفس عقلاً لا بالفعل و لا بالقوّة كما لايكون التّراب الظاهر نفساً بالقوّة
و قوله و اليه الاشارة في قوله تعالي قل انّما انا بشر مثلكم يُوحَي اليّ انّما الهكم الٰه واحد ، في الاحتجاج في تفسير العسكري عليه السلام في سورة البقرة قال عليه السلام في هذه الاية يعني قل لهم انا في البشريّة مثلكم و لكن ربّي خصّني بالنّبوة دونكم كما يخصّ بعض البشر بالغني و الصحة و الجمال دون بعض من البشر فلاتنكروا ان يخصَّني ايضاً بالنبوة ه ، فالمراد بالبشر شخص ظاهر كغيره في الظهور لا كالملائِكة و العقول و الارواح و النّفوس و خصّه بالنّبوة و تأويله بانّ نفسه بشر محسوس كغيره ثم جعله نبيّا حيث كان البشر الظاهر صالحاً لنهاية درجات الامكان و هذا التّأويل انّما يصح لو كانت الجمادات و النباتات و الحيوانات و النفوس و الارواح و العقول من طينةٍ واحدة كما توهّمه البعض فانّه علي فرض هذا الوهم يمكن التأويل للاية بما قال تأويلاً غير صحيح اذ علي هذا الفرض يرد علي هذا التأويل انّ لطيف الشيء لايساويه
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 406 *»
كثيفه و لايكون الكثيف منه لطيفه الّا بقلب طبيعته و امّا علي القول الحق من انّ طينة العقول لايكون لشيء من الاجسام فيها نصيب فلايصحّ ان يكون النفس ماۤدّية و لا عقليّة بل كما قال تعالي و ما منّا الّا له مقام معلوم و لاتكون البشريّة الّتي ساوَي فيها الناس صلي اللّه عليه و اله هي التي كانت محلّاً للنبوّة و الوحي فان محلّ التعظيم و رفع الشأن منه لايساويه فيه احد روي في بصاۤئرالدرجات بسنده الي محمد بن مروان عن ابيعبدالله عليه السلام قال سمعته يقول خلقَنا الله من نور عظمته ثم صوّر خلقنا من طينة مخزونة مكنونة من تحت العرش فاسكن ذلك النور فيه فكنّا خلقا و بشراً نورانيّين لميجعل لاحدٍ في مثل الذي خلقنا منه نصيباً و خلق ارواح شيعتنا من ابدانِنا و ابدانَهم من طينة مخزونة مكنونة اسفل من تلك الطينة و لميجعل الله لاحدٍ في مثل الذي خلقهم منه نصيباً الّا الانبيٰاۤء و المرسلين فلذلك صرنا نحن و هم الناس و صار النّار هَمجاً في النّار و الَي النَّارِ ه ، و الاحاديث في كون طينتهم عليهم السلام لايشاركهم فيها غيرهم و في كون الوجودات الحادثة مراتب بعضها شعاع من بعض و ان كلّ مرتبة لاتخرج عن طور نوعها كثيرة جدّاً و من نظر في ايات الله سبحانه و امثاله الّتي ضربها لعباده في الٰافاق و في انفسهم ظهر انّ الحقّ ما دلّت عليه الاحاديث بحيث يشاهد ذلك رأي العين و انما خفي الحق مع ظهوره و وضوحه عن الاكثر لانّهم مااتوا البيوت من ابوابها و ذلك لانّ الله سبحانه امرهم بالاقتداۤء بهداةٍ وضعهم لهم و الاخذ عنهم و الردّ اليهم و اقتدوا بغيرهم و اخذوا عنهم فعُدِل بهم عن الطريق و هم لايعلمون انظر الي المصنف و قوله فالمماثلة بين نفس النبي صلي اللّه عليه و اله و ساۤئر النفوس من البشريّة يعني ان اصل نفسه الشريفة صلي الله عليه و اله و نفوس العلوج و الاعراب سواۤء في الطينة و انّما فضلت نفسه نفوسهم بالوحي و لايتدبّر قول اللّه الله اعلم حيث يجعل رسالته و كأنه ماسمع الاحاديث المتواترة معنيً انّهم عليهم السلام يتكلّمون في بطون امّهاتهم و انّ فاطمة عليها السلام تعلّم امّها خديجة احكام عباداتها و ما تحتاج اليه و كان الامام من آلمحمد صلي الله علي محمد و اله اذا خرج من بطن امّه وضع يديه علي
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 407 *»
الارض و سجد لله سبحانه و اذا رفع رأسه قال له ابوه يا بني اقرأ فيقرأ الصحف و التوريٰة و الزبور و الانجيل و القرءان و لو اَذِنَ له ابوه لاخبر بما كان و ما يكون الي يوم القيمة و في خطبة يوم الغدير و الجمعة لعلي عليه السلام كما رواه الشيخ في المصباح قال عليه السلام و اشهد انّ محمّدا عبده و رسوله استخلصه في القدم علي ساۤئر الامم علي علمٍ منه انفرد عن التشاكل و التّماثل من ابناۤء الجنس و انتجبه آمِراً و ناهيا عنه اَقامَهُ في ساۤئر عالمه في الاداۤء مقامه اذ كان لاتدركه الابصار و هو يدرك الابصار و لاتحويه خواطر الافكار و لاتمثّله غوامض الظنون في الاسرار لا اله الّا هو الملك الجبّار قرن الاعتراف بنبوّته بالاعتراف بلاهوتيّته و اختصّه من تكرمته بما لميلحقه فيه احد من بريّته فهو اهل ذلك بخاصّته و خلّته اذ لايختصّ مَن يشوبه التغيير و لايخالِلُ من يلحقه التّظن۪ين و امَر بالصلوة عليه مزيداً في تكرمته و طريقا للداعي الي اجابته فصلّي الله عليه و كرّم و شرّف و عظّمَ مزيداً لايلحقه التّنف۪يد و لاينقطع علي التأبيد الخطبة ، فبالله عليك تأمّل كلامه و وصفه عليه السلام لهذا النبي السيد الاكبر مثل قوله استخلصه في القدم علي ساۤئر الامم علي علم منه انفرد عن التشاكل و التماثل من ابناۤء الجنس و مثل قوله فهو اهل ذلك بخاۤصّته و خلّته و مثل قوله اذ لايختصّ من يشوبه التغيير الخ ، فهل مثل هذا صلي اللّه عليه و اله تكون نفسه من نوع نفوس العلوج و الاكراد و البوادي الذين هم اجدر الّايعلموا حدود ما انزل اللّه علي رسوله صلي الله عليه و اله فاذا فهمتَ ما ذكره عليه السلام و ما اشرنا اليه ظهر لك من غير احتمال منافٍ و لا شبهة انّه صلّي الله عليه و اله انّما بلغ ما بلغ بالوحي لكون نفسه الشريفة من الملكوت الاعلي خلقها الله سبحانه من طينةٍ مكنونة عنده لميشاركه فيها احد الّا اهل بيته الطاهرون عليهم السلام و اليه الاشارة بقوله و انك لعلي خلق عظيم و قوله و سراجاً منيراً و في الحديث اشارة بيّنة لاهل الاشارة في قوله عليه السلام لايصعد الي السماۤء الّا ما نزلَ منها اذ كل شيء لايتجاوز ما بُدِئ منه و قال جبريل عليه السلام لو تقدّمتُ انملةً لَاحترقتُ و في قول اميرالمؤمنين عليه السلام المتقدّم في حديث الاعرابي في الانفس
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 408 *»
قال عليه السلام في النفس النباتية و الحيوانيّة الحسّيّة فاذا فارقت عادت الي ما منه بُدئت عودَ ممازجة لا عودَ مجاورَةٍ و في النفس الناطقة قال عليه السلام فاذا فارقت عادت الي ما منه بديئت عَوْدَ مجاورةٍ لا عودَ ممازجةٍ ه ، لانها خرجت من مبدئها متميّزة متشخصة فتعود اليه كذلك بخلاف النباتيّة و الحيوانية الحسّيّة و لو كانت مثلهما لكانت مثلهما اذا عادت الي ما مِنهُ بدئت انعدمت صورتها و بطل فعْلها و وجودها و اضمحلّ تركيبها فاين الثريّا و اين الثري و لو كانتا اَصْلاً لها لَكانَتْ مثلهما و قوله لقوله صلّي اللّه عليه و اله لي مع اللّه وقت لايَسَعُني فيه ملك مقرّب و لا نبيّ مرسل ه ، هذا ممّا لا كلام فيه و لكنه لا شاهد له فيه و هذا الوقت هو حالتهم عليهم السلام في المقامات التي اشار اليها الصادق عليه السلام في قوله لنا مع اللّهِ حالاتٌ نحن فيها هو و هو نحن و هو هو و نحن نحن ه ، و في رواية الّا انّه هو و نحن نحن ، و هذه حالة كونهم مَحاۤلّ مشيّته و السن ارادته و تلك مثل الحديدة المحميّة بالنّار فانها حينئذٍ هي النار من حيث الحرارة و الاحراق و النار هي و من حيث الذات النّار النار و الحديدة الحديدة و قوله صلي الله عليه و اله لايسعني فيه لانّه ح بابُ اللّٰهِ الي جميع خلقه و لايكون احد بعده و بعد اهل بيته يقوم مقامهم لان مَن سواهم لايحتمل ان يكون واسطة بين اللّهِ عز و جلّ و بين خلقه اجمعين و الي هذا المعني اشار تعالي في قوله ماوسعني اَرْضي و لا سماۤئي و وَسِعني قلب عبدي المؤمن ه ، اذ غير عبده المؤمن صلّي اللّه عليه و اله لايسع جميع مرادات اللّه في خلقه و ان وسِع البعض .
قال } قاعدة اعلم انّ النفوسَ الخارجة من القوّة الي الفعل في باب العقل و المعقول قليلة العدد نادرة الوجود جدّاً في افراد الناسِ و الغالب من افراد النفوس هي النفوس الناقصة التي لمتصر عقلاً بالفعل و لكن لايلزم من ذلك بطلان تلك النفوس بعد الموت كما ظنّه اسكندر الافروديسي اذ مبني ذلك الظن علي انّ العالم عالمان عالم الاجسام الماۤدّيّة و عالم العقول و ليس كذلك
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 409 *»
بل انّ في الوجود عالما اخر حيوانيا محسوس الذات الظاهر من مذهب الملا ان النفوس الناقصة معادها في مقام العالم الحيواني المحسوس علي زعمه و ليس كلامه في البرزخ كما يشير اليه في الفقرة الثانية و الشيخ الجليل حمل كلامه علي معني البرزخ حملاً علي الاقرب الي الحق فتدبر . كريم
لا كهذا العالم يدرك بحواۤسّ حقيقيّة لا بهذه الحواۤس الدّاثرة و ذلك العالم منقسم الي جنّة محسوسة فيها نعيم السعداۤء من اكلٍ و شرب و نكاح و شهوة و وقاع و كلّ ما تشتهيه الانفس و تلذّ الاعين و نار محسوسة فيها عذاب الاشقياۤء من حميم و زقّوم و حيّاتٍ و عقارب { .
اقول انّ النفوس الخارجة من القوّة الي الفعل بان تكون عقلاً بالفِعْلِ اِنْ ارادَ به حصولها في عالم الاكوانِ فانّه لميكن و لايكون علي جهة الاقتضاۤء و التبيين الّا ان يشاۤء الله فانّه ما شاۤء اللّه كانَ و ما لميشأ لميكن و ان اراد حصولها في عالم الامكان فجميع النّفوس كذلك و ان كانت مختلفةً في انفسها من قلّة الوساۤئط و كثرها و المصنف بناۤء علي كلامه المتقدّم اراد هنا ان بعض النفوس تكمل فتكون عقلاً بالفعل كما في المعصومين من الانبياۤء و المرسلين و الائمة الطاهرين عليهم السلام الّا انّها بالنِّسْبَةِ الي باقي النفوس قليلة جدّاً و اكثر النفوس ناقصة لمتكمل و لايلزم من عدم كمالها بطلانها بعد الموت بل لها كون بعد الموت و قبل يوم القيمة في نعيم او عذاب اليم و نقل عن اسكندر الافروديسي ان النفوس تبطل بعد الموت قال و مبني ظنِه۪ علي انّ العالم عالمانِ عالم الاجسام الماۤدّية و عالم العقول و النفوس النّاقصة ليست من واحد منهما فيجري عليها حكمه فاذا لمتكن من عالم العقول عالم البقاۤء و لا من عالم الاجسام عالم الفناۤء كانت باطلة فردّ عليه المصنف بانه ليس كذلك بل ان في الوجود عالماً آخر ثالثاً متوسطا بينهما حيوانيا محسوسَ الذاتِ و هو عالم برزخي لا كهذا العالم لايدرك بهذه الحواۤسّ الدَّاثِرَة بل بحواۤسَّ حقيقيّةٍ و هذا بناۤء علي مذهبه كما تقدم ان للنفس حواۤسَّ ملكوتية و انّها تدرك بها الملموسات و المذوقات و المشمومَات و المسموعات و المبصرات بصورة
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 410 *»
ملكوتيّة مماثلةٍ لهذه المدركات و قد تقدّم الكلام علي كلامه و يريد انّ هذه النفوس الناقصة تحشر الي ربها في البرزخ كلٌّ بعمله لان هذا العالم منقسم الي جنّة محسوسة فيها نعيم السعداۤء من اكلٍ و شربٍ و نكاح و شهوة و وقاع و كلّ ما تشتهيه الانفس و تلذّ الاعين و الي نارٍ محسوسة فيها عذاب الاشقياۤء من حميم و زقّوم و حيّات و عقارب و قوله في هذه الجنّة و هذه النار انها محسوسة تشعر باَنّ جنّة الاخرة و نارها معقولتانِ فان اراد ذلك فقد قال بغير قول المسلمين و ان اراد بمحسوسة انّها في الاجسام الماۤدّية كما يوهمه ظاهر الاخبار انّ الجنّة عند مغرب الشمس و النار عند مطلعها فهو كلام قشري و انّما هما في الاقليم الثامن و الجنة عِند مغرب الشمس و يكون الليل و النّهار فيها كما قال تعالي لايسمعون فيها لغوا الّا سلاماً و لهم رزقهم فيها بكرة و عشيّا و النار عند مطلع الشمس و يكون فيها الليل و النهار كما قال تعالي النار يعرضون عليها غدوا و عشيّا لما علم انّ الاخرة ليس فيها غدوّ و لا عشيٌّ لا في الجنة و لا في النار و قوله و نكاح قد اختلف العلماۤء في جنّة الدنيا هل فيها نكاح ام لا و الحق انّ فيها نكاحاً فان ابانا ادم عليه السلام تزوّج امّنا حواۤء عليها السلام في هذه الجنّة و لانّها هي الجنّتان المدهاۤمّتان كما تفيده الاخبار و قد ذكرها سبحانه و قال حور مقصورات في الخيام لميطمثهن انس قبلهم و لا جاۤنّ و هذا الاقليم اعْني الثامن الذي فيه جنة الدنيا و نارها اسفله علي محدّب محدّد الجهات رتبةً فافهم ثم
اعلم ان النفوس الناقصة علي ثلاثة اقسام : قسم مَن محض الايمان محضا و هؤلاۤء بعد الموت تأوي ارواحهم الي الجنّة التي في المغرب اعني المدهاۤمّتان و اذا كان فجر يوم الجمعة و الاعياد صاح بهم الملك و ركبوا نجاۤئب من نور عليها قباب الزبرجد فيأتون وادي السلام بظهر الكوفة و يكونون هناك الي الزوال ثم يستأذنون الملك في زيارة اهاليهم و حفرهم فيأذن لهم فاذا كان وقت العصر صاح بهم الملك فيركبون نجاۤئبهم فيطيرون بين السماۤء و الارض الي غرفات الجنان و قسم من محض الكفر او النفاق محضاً و هؤلاۤء بعد الموت تأوي ارواحهم الي النّار الّتي عند مطلع الشمس فاذا كان وقت غروب الشمس
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 411 *»
حشرت ارواحهم الي برهوت في حضرموت و امّا اجسامهم فمن محض الايمان يخدّ له خدّ من الجنّة الي قبره يدخل عليه منها الروح الي يوم القيمة و من محض الكفر و النفاق محضاً يخدّ له خدّ من النّار الي قبره يدخل عليه منها الشّرر و الدّخان الي يوم القيمة و قسم ليس له محض في شيء فهؤلاۤء تكون ارواحهم مع اجسادهم في قبورهم و ليس لهؤلاۤء برزخ و انما ينامون في قبورهم الي نفخ الصّور و يمكن ان يحمل كلام اسكندر الافروديسي علي نفوس اهل القسم الثالث فانهم اذا ماتوا بطلت نفوسهم بالنسبة الي حكم البرزخ و هو حمل بعيد لان نفوسهم لاتبطل و انما هي متميزة في قبورهم و لو اراد بها النفوس الحيوانية الحسّيّة الفلكية صحّ الحمل لانها هي التي تعود بعد الموت الي ما مِنه بُدِئت عودَ مُمَازجة فتنعدم صورتها و يبطل فعلها و وجودها و يضمحلّ تركيبها فاذا كان يوم القيمة حشرت الي ربّها فحاسبها باعمالها فامّا الي الجنّة و امّا الي النار .
تنبيه و تذكرة اعلم انّ الجنان الثمان و حظاۤئرها السبع و النيران السبع و حظاۤئرها السبع كلّها من الامور المحسوسة و كلّها في الزمان و كلها حيوة و كلّها عاقلة و كلّها عقليّة و كلّها دهريّة و كلّها جسمانيّة بمعني انّ كلّ ما فيها فيه صفات الاجسام و افعالها و مدد الزمان و تجدّده و صفات النفوس و افعالها و صفات العقول و افعالها و امتداد الدهر و ثباته فتدرك الاجسام في الجنّة ما تدركه العقول و تدرك العقول ما تدركه الاجسام هذا مجمل الوصف و يأتي انشاۤء الله تعالي له تفصيل .
قال } و لو لميوجد ذلك العالم لكان ما ذكره حقا لا مدفع له فيلزم تكذيب الشرائع و الكتب الالهيّة من اثبات البعث للجميع و شيخ الفلاسفة ابوعلي نقل ما ذهب اليه اسكندر و ماقدر علي دفعه في رسالة الحجج العشر و غيرها علي انه قد مال اليه في رسالة اخري في سؤالات ابيالحسن العامري عند اتّصاله بالشيخ و بالجملة المنقول من امام المشاۤئين علي رواية اسكندر ان النفوس الناقصة الهيولانيّة منفسخةٌ بعد الموت و علي رواية ثامسطيوس انّها باقية و هذا مشكل
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 412 *»
علي ضوابطِهم لانها اذا كانت باقية و لمترسخ فيها رذيلة نفسانيّة تعذّبها و لا فضيلةٌ عقليّة تلذِّذها و لاامكن ان تكون معطّلة من الفعل و الانفعال فقالوا انّ عناية الله واسعة فلا بدّ ان تكون لها سعادة وهميّة ضعيفة من جنس ما يتصوّر من الاوّليّات كقول القائل الكل اعظم من الجزء و ما اشبه ذلك و لذلك قيل نفوس الاطفال بين الجنّة و النار هذا ما قاله الشيخ و ماادري اي سعادة تكون في ادراك العمومات الاوليّة { .
اقول يعني به انه لو لميوجد عالم البرزخ في الكون لكان ما ذكره اسكندر الافروديسي حقاً لا مدفع له لانّ النفوس الناقصة فوق عالم الاجسام فاذا فارقَتْ لمتنتَهِ الي عالم الاجسام و هي تحت عالم العقول فاذا فارقت لمتصل اليها فَتبطل اذْ ليس لها مَأوي و امّا اذا ثبت عالم البرزخ فانّها اذا فارقَتْ عادت اليه لِاَنَّها برزخيّة فلَايتطرّق عليها ابْطال فعلي قوله لو فرض عدم عالم البرزخ يلزم تكذيب الشراۤئع و الكتب الالهيّة فانها ناۤصّةٌ علي بعث جميع النفوس الناقصة و غيرها بل سَاۤئر نفوس الحيوانات و عبارة المصنّف هنا ليست منسبكة بل الاولي اَنْ يقول ان ما ذكره الاسكندر ليس حقّاً لمخالفته لساۤئر الشراۤئع و الكتب الالهيّة و لوجود عالم البرزخ الذي مرجعاً لَها و قوله و شيخ الفلاسفة ابوعلي يعني ابنسيناۤء نقل ما ذهب اليه الاسكندر و ماقَدر علي دفعه يشير الي انّ دفعَه يكون باثبات عالم البَرْزخ لكنه لميهتدِ الي رَدِّ كلامه بان النفوس الناقصة الهيولانيّة منفسحة بعد الموت و ابنسيناۤء اتّجه عنده كلامه بانّ هذه النفوس ارتفعت عن الاجسام و انحطّت عن العقول فلو لمنقل بانفساحها و بطلانها لزمنا كون متحيّز ذي وضعٍ لا في حيّز و لا ذا تعلّقٍ و المصنّف ردّه باثبات متعلّقها و حيّزها و هو عالم البرزخ و قوله و علي رواية ثَامسطيوس انّها باقية بعد الموت لانها ليست من نوع الطباۤئع الداثرة و استشكل هذا المصنّف بناۤء علي ضوابطهم من ان القول ببقاۤئها مع عدم كمالها في ظرفي السعادة و الشقاوة يلزم منه التعطيل لانها اذا كانت بعد الموت باقية و لمترسخ فيها رذيلة نفسانية تعذّبها و تخرج بذلك عن
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 413 *»
حكم التعطيل و لمترسخ فيها فضيلة عقليّة تلذّذها و تتنعم بلوازمها و لمنجوّز تعطيلها من الفعل و الانفعال كما هو شأن ساۤئر الكاۤئنات ثبت الاشكال علي قواعدهم من ان انواع النعيم منحصرة في اكتساب الكمالات و الفضاۤئل النفسانيّة و انواع التألّمات منحصرة في اكتساب النقاۤئص و الرذاۤئل النفسانية فاجاب بعضهم عن الاشكال الوارد علي كلام ثامسطيوس جرياً علي طريقتهم فقال ان عناية اللّه تعالي بصناۤئعه واسعة فاذا قيل ببقاۤئها تبعاً للشراۤئع و الكتب الالهيّة جاز في العناية العامة ان يجعل لها سعادة وهميّة ضعيفة من جنس ما يتصوّر من الاوّليات كقول القاۤئل الكل اعظم من الجزء لان هذه هي رتبة هذه النفوس الناقصة اذ لمتنتقل عن طبعانيّتها باكتساب خير او شرّ و لاجل عدم انتقالها عن طور اوّل نشأتِها قيل في نفوس الاطفال الذين هم كاصحاب النفوس الناقصة نفوس الاطفال بين الجنّة و النار اي لمترسخ فيهم فضيلة يكونون بها في الجنّة و لمتهملهم العناية الي تخليةٍ يكونون بها في النار قال المصنف هذا ما قاله الشيخ من ان العناية الواسعة لمتهملهم من سعادة وهميّة كجاهلٍ يفرض و يتوهم انّه عالم و يفرض ما يترتّب علي العلم و خاملٍ يتوهّم انّه ملِك و يفرض ما يترتّب علي السلطنة و كفقيرٍ يفرض انّه غني و يتوهم ما يترتّب علي الغني فانه يتلذّذ و يتنعّم بذلك التوهم و التّخيّل او بحصول علمٍ بالاوّليّات كمعرفة ان الكل اعظم من الجزء فبهذه الامور و امثالها يتخلّص من لزوم التّعطل من الفعْلِ و الانفِعَالِ ثم توقّف المصنّف في ظاهر كلام الشيخ في قوله اي سعادةٍ تكون في ادراك العمومات الاوليّة هذا ظاهر علمهم و باطنه و امّا المستفاد من كلام الائمة الاطهار عليهم السلام فهو ان المخلوق انما هو مخلوق بالتكليف و للتكليف فعلّة الايجاد التكليف و مقوّمات التكليف القبول فلولا القبول لما يؤمر به او لمخالفته لميكلّف و لو لميكلّف لميوجد و قبوله علي حسب استعداد كونه فمن قَبِل ما اُمِرَ به اُق۪يمَ في احسن تقويم و مَن لميقبل ما اُمِرَ به رُدَّ اسفلَ سافلين و مَن قصّر عن الغايتَيْنِ كأَنْ خلط عملا صالحا و اخر سيّئا و كالمرجَيْنَ لامْر اللّٰهِ و كالبُلهِ و الاطفال و الشيوخ الّذين ضعفت مشاعرهم و المجانين الذين لميدركوا رتبة
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 414 *»
التكليف مكلّفين تكون ارواحهم بعد الموت في قبورهم مع اجسادهم فهم كحال النّاۤئم الذي لايجري عليه في نومه الحلم لمتبطل نفوسهم و ليس لها برزخ لا في نعيمٍ و لَا عَذاب كما توهّمه المصنّف و انما هي جامدة في قبورهم مع اجسامهم الي يوم النشور فاذا نفخ في الصور خرجت نفوسهم باجسادها و قد زالت عنها الاعراض المانعة لها من البلوغ الي ما خلقت له باَنْ اكلَتِ الارض ما فيها من الاعراض و رجعت الي حالتها حين التكليف الاوّل في عالم الذرّ فانهم حينئذٍ لا مانع لهم و انّما المانع لهم عرض لهم في هذه النّشأة الدنياوية و لهذا قال تعالي لاولياۤئه و ملاۤئكته اشهدوا قالوا شهدنا ان تقولوا يوم القيمة انّا كنا عن هذا غافلين او تقولوا انما اشرك اباۤؤنا من قبل و كنا ذرّيّةً الاية ، فانه تعالي اشهد عليهم في حالة صحوهم و اجابتهم عن اختيار و شعور فلمّا نزلوا في هذه الدار لحقتهم اعراض الاغيار و غفلوا عمّا عاهدوا عليه الملك الجبّار فاخّر السؤال الي ظهور الحال فبقوا في قبورهم في الارض الي ان اكلت ما فيهم فاذا قاموا يوم البعث قاموا كما خلقوا لا مانع لهم كما قال تعالي و لقد جئتمونا فرادي كما خلقناكم اول مرة و قال كما بدأكم تعودون فليس جواب اسكندر في اثبات العالم البرزخي بل الجواب الحقيقي انه لايوجد شيء مسلوب الاتصاف بل كل شيء عاملٌ بعمله لا فرق بين النفوس الكاملة و بين الناقصة و لا بين العقول و الاجسام و لا بين الحيوانات و الجمادات و ان من شيءٍ الّا يسبّح بحمده فما من شيء الّا و يبلغ ما خُلِقَ له و النّفوس الانسانيّة فوق النفوس الفلكية الحيوانية الحسّية و الحيوانيّة الحسيّة فوق الاجسام فللنفوس الانسانيّة الناقصة مأوي تلحق به و تجاور النفوس الكاملة و الحسيّة تبطل بعد الموت و يضمحل تركيبها و تعود يوم القيمة ثم الي ربّهم يحشرون و المراد ببطلانها امتزاجها باصلها الذي منه بُدئت لا فناۤؤها و امّا الانسانية فلاتبطل لانّها لاتمتزج باصلها و انّما تبقي في قبرها متميّزة متشخّصة و انّما لمتلحق باحدي الدارين دار السعادة او الشقاوة لانّها لمتستوف مدّة تكليفها فانتُظِر بها مدة التيقّظ و الانتباه لئلّايقولوا يا ربّنا لولااخرْتنا الي اجل قريبٍ نُجبْ دعوتك و لما غلبت علي مشاعرهم الاعراض
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 415 *»
لميفهموا و ماكان اللّٰهُ ليضلّ قوما بعد اذ هديهم حتي يبيّن لهم ما يتّقون فانتظر بهم حتي صفت مشاعرهم فجدّد لهم التكليف و الحساب يوم الحساب فلحقت كل نسَمةٍ بما منه خُلِقَتْ و ليست سعادة الناقصة و شقاوتها وهميّة بل حقيقيّة و ان كانت تابعة للكاملة لان السعادة و الشقاوة فرع علي التكليف و تسبيح كل شيء بحمده شاهد بحقيقة التكليف كيف و قد صرّح به تعالي في حق الجمادات فقال تعالي فقال لها و للارض ائتيا طوعا او كرها قالتا اتينا طاۤئعين و طاۤئعين جمع مذكّر سالم لايستعمل الّا للعقلاۤء لانه سبحانه جعل في الجمادات من العقول مناط تكليفهم بنسبة حالهم كما جعل في الانسان كذلك فكل شيء من حيوان و جماد بلغ ما خلق له و الّا لكان لهم الحجة علي اللّه فسعادة كل شيء و شقاوته علي الحقيقة بنسبة مقامه من الكون فالقول ببطلان شيء من النفوس الانسانيّة باطل و القول ببطلان النفوس الحيوانية الحسّية بعد الموت بمعني امتزاجها كما قال اميرالمؤمنين عليه السلام و تعود يوم القيمة و ببطلان النفوس الانسانية بين النفختين بمعني تفكّكِها و تعود يوم القيمة حق كما قال الصادق عليه السلام و السلام علي من اتبع الهدي و اما كون نفوس الاطفال بين الجنة و النار فذلك حال تجديد التكليف لهم و سؤالهم لانهم لايسألون في قبورهم اذ لا برزخ لهم فيوقفون بين الجنّة و النار بمعني تكليفهم بعرضهم علي القيام بامر اللّه بان يأمرهم بالدخول في نار الفلقِ بعد البيان فمن اطاع الله سبحانه و دخلها كانت عليه بردا و سلاما و اخرج منها و ادخل الجنّة و من عصي التقطَتْه و بمعني انهم علي احدي الحالين امّا دخول الجنّة او دخول النار اذ لميتبيّن حالهم في ذلك الموقف الّا بعد التكليف بدخول الفلق فهم بين ان يطيعوا فيدخلوا الجنّة و بين ان يعصوا فيدخلوا النار .
قال } و امّا النفوس العامّية الغير الفاجرة التي لمتكتسب شوقا الي العلوم النظريّة فالفلاسفة عن آخرهم لميكشفوا القول عن معادها و معادِ مَن في درجتها اذ ليس لها درجة الارتقاۤء الي عالم القدس العقلي و لايصحّ القول برجوعها الي ابدان الحيوانات لبطلان التناسخ و لا بفناۤئها رأسا لما علم من
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 416 *»
استحالة الفساد علي غير المنطبعات فطاۤئفة اضطرّوا الي القول بان نفوس الصلحاۤء و الزهّاد تتعلّق في الهواۤء بجرم مركّب من بخار و دخان يكون موضوعا لتخيّلاتهم لتحصل لهم سعادة وهميّة و كذلك لبعض الاشقياۤء فيه و طاۤئفة اخري نفوا هذا القول في الجرم الدخاني و صوّبُوه في الجرم السماوي و صاحب الشفاۤء نقل هذا الرأي من بعض العلماۤء و وصفه بانه ممن لايجازف في الكلام حقّا و كذا صاحب التلويحات استحسن القول بالتعلق بالجرم الفلكي في السعداۤء و امّا الاشقياۤء فقال انه ليست لهم قوّة الارتقاء الي عالم السماۤء ( لانها ظ ) ذوات نفوس نوريّة و اجرام شريفة قال و القوة تحوجهم الي التخيل الجرمي و ليس بممتنع ان تكون تحت فلك القمر و فوق كرة النار جرم كريٌّ غير منحرقٍ هو نوع بنفسه موضوعاً لتخيّلاتهم من نيرانٍ و حيّات تلسع و عقاربَ تلدغ و زقّوم يشرب فهذه اقوال هؤلاۤء الافاضل و هي عن مسلك حقيقة العرفان و منهج انوار القرءان بعيدة بمراحل كما بيّنّاه في الشواهد الربوبيّة من وجوه المفاسد العقلية اللازمة لها { .
اقول ذكر هنا بعض اقوال الفلاسفة المبنية عندهم علي قواعدهم النظريّة المخالفة للشراۤئع الالهيّة و هو انهم بنوا مذاهبهم في النعيم الاخروي انه هو التلذّذ بالعلوم النظريّة و الّا طريق الي تحصيل النعيم الاخروي الّا معرفة ما قرّروا من الحكمة و توصيف الحقاۤئق مثل معرفة قوس السحاب و الهالة و ما حقيقة ذلك و اين هو موجود في بصر الناظر او في الغيم الرقيق مع اشراق اشعّة المنير عليه و ما حقيقة تلك الالوان و ما العلّة في ترتيبها و استدارتها و معرفة استضاۤءة النار و اين هي من السراج و ما المنير منه و امثال ذلك و كأني بكثير منهم ربّما لايصلّي و لايصوم و لايفعل مقتضي الشرائع السماوية و يعتقد ان النجاة فيما يقرّره بتخمينه و ظنونه و لهذا قالوا النفوس العامّية هي الّتي لمتكتسب شوقا الي العلوم النظريّة و لميكشفوا عن حقيقة معادها لانهم ماعرفوا حكمها من جهة انهم وجدوها ليس لها درجة الترقّي الي مراتب العقول لانهم لاتعرف البحث في تلك المساۤئل النظريّة و ثبت عندهم بما قرّره اهل
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 417 *»
الشراۤئع عليهم السلام من بطلان التناسخ و لميقدروا علي القول بنفيها و عدمها اصلاً لما قرّروه من ان الفساد انما يتطرّق علي هذا العالم المتغيّر المتبدّل و امّا ما ثبت ارتفاع رتبته عن الموادّ الطبيعيّة فلايمكن الحكم عليه بالفساد لانه عندهم ثباتٌ باۤتٌّ فوقف الاكثر عن الكلام في احوال تلك النفوس بعد الموت اذا فارقت اجسادها و ما يكون حالها قبل القيامة الكبري وقوف حيرةٍ و من جسر و تكلّم قال بما تسمع مما نقله المصنف عنهم مما يشهد عليهم انّهم جهلاۤء لا حكماۤء فان الحكيم امّا ان يقطع بالشيء عن الدليل القطعي الخاۤصّ لا الدليل التفريعي فانه تخميني مبني علي تخميني و امّا ان يرجع الي اهل الشرع عليهم السلام فينقل عنهم بعد ما ثبت عنده انهم ينطقون عن الوحي الالهي او يسكت كما سكت مَن قبله و لكن الباب الذي دخل عليهم منه هذا و امثاله اسقاط اعتبار العمل بالشراۤئع الالهيّة في تحصيل السعادة الاخرويّة و عدم اعتقاد انحصار الحق فيما اتت به الشراۤئع فلذا كانوا صُمّاً و بكما في الظلمات من يشأ اللّه يضلله و من يشأ يجعله علي صراط مستقيم فمن القاۤئلين مَن لمّا لميجد ملجأً الي القول بالتناسخ و لا الي القول بالتعطيل و الفناۤء قال ان نفوس الصلحاۤء و الزهاد لعدم ارتقاۤئهم الي درجة العلوم النظريّة و لعدم انهماكهم في الشهوات الدنياويّة لمتصل نفوسهم الي مراتب العقول لجهلهم بالعلوم و لمتنحطّ نفوسهم الي حضيض التّراب مع اجسادها في القبور لتجافي نفوسهم عن بعض الامور الدنياويّة فِي الجملة و حيث كانت نفوسهم لها تخيّلٌ ما وجب ان يكون لها تعلّق بشيء مناسِبٍ لمرتبة تخيّلها فتنصرف الي جهة الهواۤء فتتعلّق بجرمٍ مركّب من بُخارٍ و دُخانٍ يكون موضوعاً لِتخيُّلَاتهِمْ فتحصل لهم بعد مفارقة الارواح للاجساد سعادة وهميّة لان حظّ تلك النفوس من العلوم النظريّة صورة وهميّة و كذلك تحصل في ذلك الجرم الدخاني لبعض الاشقياۤء شقاوة وهميّة لتخيّل بعض الصور التي هي من صور الجهل فيه لانه اي ذلك الجرم البخاري الدخاني بين السماۤء الدنيا و بين الكرة البخاريّة اذ لايتجاوز ذلك مبلغ علم الفريقين عوام الصلحاۤء و عواۤم الاشقياۤء و منهم طاۤئفة اخري نفوا هذا القول في الجرم الدّخاني
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 418 *»
و صوّبوه في الجرم السماوي لعدم وجود جرم بخاري دخاني غير السّماۤء تكون فيه صور متخيّلة تتعلق به كما برهن عليه علماۤء الهيئة من انه ليس الّا كرة البخار و الطبقة الزمهَريريّة و الهواۤء البسيط و كرة النار و السّماۤء نعم سماۤء الدنيا يصلح لحصول الصور الخياليّة فهؤلاۤء في هذا الرأي كالّذين قبلهم في كل ما اعتبره الاوّلون اّلا في المتعلّق فان هؤلاۤء منعوا من وجود الجرم البخاري الدخاني و جوّزوه في السّماۤء سماۤء الدنيا و امّا الشيخ في الشفاۤء فقد نقل هذا القول الثاني عن بعضهم و وصف مَنْ نقل عنه بانه ممّن لايجازف في الكلام حقّا و كأنّه ماۤئل اليه و مثل الشيخ في استحسان هذا الرأي صاحب التلويحات فانه استحسن تعلق ارواح عواۤمّ السعداۤء بجرم السماۤء و امّا الاشقياۤء من العوام فقال انّه لَيْست لهم قوّة الارتقاۤءِ الي عالم السماۤءِ لان السموات ذوات نفوس نوريّة و اجرام شريفة طٰاهرة لانها فوق عالم العناصر اذْ اَجْرامُ الافلاك خلقت من الطباۤئع لا من العناصر و لاتنحَطُّ الي التّراب كالنفوس النباتيّة فاحوجتهم القوّة الي التخيّل الجرمي و ليس بممتنعٍ ان يكون تحت فلك القمر و فوق كرة النار جرم كري غير منحرقٍ بالكرة الاثيريّة هو نوع بنفسه اي ليس من الافلاك و لا من العناصر يكون ذلك الجرم الكري موضوعا لتخيّلاتهم القبيحة من نيران تلذعُ و حيّاتٍ تلسع و عقاربَ تلدَغ و حميم ينصبّ و زقّوم يشرب ثم قال المصنف فهذه اقوال هذه الافاضل و هي عن مسلك حقيقة العرفان و منهج انوار القرءان بعيدة بمراحل و اقول كلامه هذا فيهم صحيح امّا انه بعيد عن مسلك حقيقة العرفان فلان حبسهم للنفوس الناقصة في الرجوع الي الاجسام التي هي من عالم الملك و النفوس من عالم الملكوت لايطابق مسلك اهل العرفان لان النفوس اذا كانت من عالم الملكوت فلا اقل من رجوعها بعد الموت الي ما منه خلقت اي الي الملكوت فان كانت كاملة بالعلم و العمل كانت بنات العقل او اخواته كما اشار اليه سيد العارفين اميرالمؤمنين عليه السلام و خلق الانسان ذا نفسٍ ناطقةٍ ان زكّاها بالعلم و العمل فقد شابهت اوائل جواهرِ عللِها فاذا اعتدل مزاجها و فارقت الاضداد فقد شارَك بها السبع الشّداد ه ، و ان كانَتْ ناقصة جري علي من محض الايمانَ
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 419 *»
مَحْضاً حساب القبر ثم تلحق روحه بقول مجمل الي جنة الدنيا و علي مَن محض النفاق و الكفر محضا حساب القبر ثم تقاد روحه الي نار الدنيا و ان كان ممّن لميمحض الايمان و لا النفاق فهو ممن لميصل اليه البيان و هذا ان كان له عمل صالح خدّ له خدّاً من الجنّة الي قبره يدخل عليه منه الروح بفتح الراۤء فاذا كان يوم القيمة حاسبه بعمله فامّا الي الجنّة و امّا الي النار و ان كان له عمل طالح خدّ له خداً من النّار الي قبره يدخل عليه الدخَان و الشرر فاذا كان يوم القيمة حاسبه بعمله فامّا الي الجنّة و امّا الي النار و لكن علي تفصيل يطول ذكره و كذلك يفعل بالبله و المجانين و المستضعفين و الاطفال و في تفسير علي بن ابراهيم في قوله تعالي ذلكم بما كنتم تفرحون في الارض بغير الحق و بما كنتم تمرحون في الصحيح عن ضريس الكناسي عن ابيجعفر عليه السلام قال قلتُ له جعلتُ فداك ما حال الموحدين المقرّين بنبوة رسول الله صلي الله عليه و اله من المسلمين المذنبين الذين يموتون و ليس لهم امام و لايعرفون ولايتكم فقال اما هؤلاۤء فانّهم في حفرهم لايخرجون منها فمن كان له عمل صالح و لمتظهر منه عداوة فانه يخدّ له خدّا الي الجنة التي خلقها الله بالمغرب فيدخل عليه الروح في حفرته الي يوم القيمة حتي يلقي الله فيحاسبه بحسناته و سيّئاته فامّا الي الجنّة و امّا الي النار فهؤلاۤء من الموقوفين لامر الله قال و كذلك يفعل بالمستضعفين و البله و الاطفال و اولاد المسلمين الذين لميبلغوا الحلم الحديث ، و الفرق بين من محض النفاق محضا كما هو في اشارة آخر هذا الحديث في الناصب و انه يخد له خدا الي النار التي خلقها الله بالمشرق و بين العاصي الذي لميمحض انّ الماحض يخرج بعد الحساب الي النار بالمشرق و يوم القيمة مصيره الي الجحيم و من لميمحض لميخرج من قبره و يوم القيمة امّا الي الجنّة و اما الي النار و قولهم ان نفسه بعد الموت تلحق بجرم بخاري دخاني تحت فلك القمر او بفلك القمر او بجرم غير منحرق كما توهّمه صاحب التلويحات نشأ عن عدم معرفة بما في نفس الامر و عدم اطّلاع علي طرق الشراۤئع الالهيّة فان مدار عدم
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 420 *»
التعطيل علي ثبوت القوابل من المكلفين و اعظمها قوابل الاعمال فمن آمنَ و عمل صعدت نفسه الي المكان الذي ذكرت ربها فيه بطاعته و اجتناب معصيته و ذكرها فيه برحمته و هو درجات متعددة متفاوتة و لكلٍ درجات مما عملوا و مَن لميؤمن و لميعمل هبطت نفسه الي محل معصيته لله تعالي في المكان الذي ذكرها فيه بسخطه و غضبه و هو مقابل لعليّين سافل بنسبة علو عليّين فعليّون كتاب الابرار و سجّين كتاب الفجّار فضابطة مسلك العرفان انه اذا جعل نفوس عواۤمّ السعداۤء يتعلق تخيّلها بالجرم الفلكي جعل نفوس عواۤم الاشقياۤء يتعلّق تخيلها بالجرم الارضي و هذا في كل شيء بحسابه مثلا نفوس السعداۤء الكاملة تتعلق بنفس كتاب الابرار اعني علّيّين و هو الفلك الثامن المسمي بالكرسي و نفسه اللوح المحفوظ لايمسّه الا المطهّرون و مَن نزل عن هؤلاۤء ففي السموات السبع و نفوسها و هي الجنان السبع و التي فوق الكرسي هي الثامنة و لكل درجات مما عملوا و نفوس الاشقياۤء الكاملة في مراتب الشقاۤء تتعلّق بنفس كتاب الفجار اعني سجّين و هو الصخرة التي تحت الملك الحامل للارض السابعة و نفسه الثري الذي هو تحت الطمطام اعني الظلمة و هي تحت جهنم و هي تحت الريح العقيم و هي تحت البحر و هو تحت الحوت و هي تحت الثور و هو تحت الصخرة سجين و مَن نزل عن مقام هؤلاۤءِ من الاشقياۤء ففي الارضين السبع و نفوسها و هي النيران السبع و جعلهم تخيّل الشقي في جهة تخيّل السعيد بعيد عن حقيقة العرفان و انوار القرءان فانّ الذي يفيده العرفان و الكتاب و السنة ان محلّ تخيّل الخيرات و الطاعات في السموات فالخيال الحق في السماۤء الثالثة اعني فلك الزهرة و محل تخيّل الشرور و المعاصي في الارضين فالخيال الباطل في الارض الثالثة و هي ارض الطبع قالوا لونها اصفر كالزعفران و العلم بالخير خزانته نفس فلك البروج و العلم بالشرّ خزانته الثري و هو نفس كتاب الفجار و امّا النفوس العامّية الجاهلة فانها لميصل اليها البيان من اللّه لانها كانت مسجونة في سجن الطبيعة قد غطّت بصيرتها غشاوات الاعراض و كثافات الجبلّات البشريّة و ارتبطت بها اشباك المواۤد العنصريّة بثقلها و كدوراتها فبقيت
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 421 *»
مع جسدِها مقبورة في لحود الطباۤئع الي يوم القيمة فمن خلص منها قبل يوم القيمة لحق بامثاله و اخر تخلّص الاكثر يوم القيمة فيقوم خالصاً قد وصل اليه البيان و ظهر له البرهان فيحاسب فامّا الي الجنّة و امّا الي النار و لايلزم من هذا التعطّل لان التكليف في هذه الدنيا انما هو للتخلّص الارادي الحيواني اي الاختياري الانساني فاذا كان الكدورات و الكثافات متراكمة بحيث عجزت الارادة الاختياريّة الانسانية عن تخليصها دفنت في الارض لتخلّصها الارادة الطبيعية الجبليّة بمعونة قلّة الاغذية البدنيّة التي هي علة الاغشية النفسانية و اكل الارض لما بقي بعد الموت من الرطوبات و المواۤدّ و الاعراض كما تأكل النحاس الممتزج بالذهب خاۤصة دون الذهب اذا دفن فيها مدّة طويلة فانها تأكل النحاس كله و يبقي الذهب فاذا غسل بالماۤء و صفّي خرج الذهب خاۤصة كذلك النفوس الناقصة في الابدان الغليظة الكثيفة فجعلها مع ابدانها ابلغ في التخليص و انفي للتعطّل لان التكميل لمثل هذه النفوس الناقصة بالدفن مع اجسادها اقوي في التخلص و اشمل و ان كان بطاعات الله سبحانه و اجتناب معاصيْه بالارادة الاختياريّة الانسانية اعدل و اكمل و ادلّ و اجلّ و لكن هذا يكون لمن كان اقرب مزاجاً الي الاعتدال ممّن لطف حسّه و صفا ذهنه و من كان علي خلاف هذا توقّف تخلّصه علي الدفن في الارض فتفهّم ما اشرنا اليه .
قال } الاشراق الثاني في حقيقة المعاد و كيفيّة حشر الاجساد اما معاد الارواح و ثبوت السعادة الحقيقيّة للمقربين و الشقاوة بازاۤئها للاشقياۤء المردودين فهو مما بيّنّاه في كُتبنا المبسوطة و لا خلاف معنا للفلاسفة فيه و ان كان التحقيق فيه فوق ما حصّلوه و ضبطوه و نحن الأن في بيان حشر الابدان و فيه قواعد قاعدة في اصولٍ تكشف الحجاب عن كيفيّة حشر الاجساد و ان الابدان الانسانية الشخصيّة محشورة في القيامة كما وردَتْ به الشريعة الحقّة كما قال تعالي افحسبتم انما خلقناكم عبثا و انكم الينا لاترجعون و قوله قال من يحيي العظام و هي رميم قل يحييها الذي انشأها اوّل مرّة و هو بكل خلقٍ عليم و قوله قل كونوا حجارة او حديداً او خلقا مما يكبر في صدوركم الاية { .
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 422 *»
اقول شرع في بيان خصوص المعاد و كيفية حشر الاجساد فقال اما معاد الارواح و حشرها الي ربها يوم القيمة و سعادة السعداۤء و شقاوة الاشقياۤءِ للجزاۤء علي الاعمال الصالحة الحسنة بالحسني و علي الاعمالِ السيّئة بالسوۤءٰي فممّا لا اشكال فيه فقد تطابقت عليه نوازع العقول لان التكليف توجّه اليها لما اُودِعَ فيها من الحيوة و الشعور و التمييز و معرفة الخير و الشر و الجيّد و الرّد۪ي و التمكين من فعل الطاعات و المعاصي و صلوح كلّ الاشياۤء لشؤنها بحيث لايختلف فيه احد من العقلاۤء من المتّبعين للشراۤئع فليس بيننا و بين الفلاسفة فيه خلاف قال و ان كان التحقيق فيه فوق ما حصّلوه و ضبطوه و امّا معاد الاجسام فلميثبت لهم ذلك من طريق العقول لان المعاد انّما تعلّق بالارواح لانها مكلّفة مشعرة مختارة فيصحّ ثوابها و نعيمها و يصح عقابها و تأليمها لانّها حيّة مميّزة مختارة و اَمّا الاجسام فانّما اثبتوا معادها من جهة الشّرْع فانه هو المثبت لِمَعادِ الاجسام اذْ لمْيَكن لها شعور و لا تمييز و لَا اختيار فلايتوجّه اليها التكليف و لاتنتفع بثوابٍ و لا عقابٍ فليس في العقول ما يدلّ علي معادها و قد صرّح بهذا المعني المصنف في شواهد الربوبية و هنا اشار الي ذلك بقوله محشورة يوم القيمة كما وردت به الشريعة الحقّة و اقول انّ العقل يدل عليه بعين ما يدلّ علي معاد الارواح فان العلّة واحدة و مَن اطّلع علي مرءاة الحكماۤء شاهَد ذلك ببصَرِه و المراد بمرءاة الحكماۤء عمل الصناعة المكتوم اعني عمل الاكسير لانهم وضعوا مرءاة يشاهدون فيه كلّ شيء من العالم من عينٍ او معني ففيه اعادة الاجسام و بعثها بنحو اعادة الارواح و بعثها و صورة الاستدلال علي ذلك من جهة العقل ان الوجود المادّي لكل شيء من العالم فاض من فعل اللّه سبحانه كافاضة النور من السراج و معلوم انه حيوة و شعور و تمييز و اختيار و كل ما قرب من المبدأ كان اقوي و كل ما بعد كان اضْعفَ في الامور الاربعة كما ان نور السراج متساوٍ في نفس الاضاۤءة و اليبوسة و الحرارة و كل ما قرب من السراج كان اقوي في هذه الثلاثة الامور و كل ما بعد كان اضْعَف فيها حتي يفني النور فتفني الثلاثة جميعاً بفناۤئِه۪ و الوجود بهذه النسبة في كلّ شيء كل ما بعد من المبدأ ضعفت الامور
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 423 *»
الاربعة حتي يفني فتفني جميعا فالحيوة التي في الروح و الشعور و التمييز و الاختيار بحقيقتها في الجسد و سائر الجمادات الّا انها اضعف منها في الروح فالاجسام مكلفة لانها حيّة مشعرة مميّزة مختارة بنسبة كونها من الوجود و لهذا قال تعالي فقال لها وَ للارض ائتيٰا طوعا او كرها قالتا اتينا طاۤئعين و قال و ان من شيء الّا يُسبح بحمده و لكن لاتفقهون تسبيحهم و قد تقدّم لهذا بيان كثير فالارواح نور وجودي ذاۤئب و الاجسام نور وجودي جامد و الفرق بينهما كالفرق بين الماۤء و الثلج فالدليل الموجب للقول باعادة الارواح بعينه هو الموجب للقول باعادة الاجسام و ايضا لذّات النائم و آلٰامُه مختصّ بالروح و ان لحق الجسم منها شيء فبالتبعيّة للروح و لذّاتُ اليقظان للروح و الجسم معاً و لهذا تري الجاۤئع اذا شبع في المنام لايشبع جسده و لايقوم به و اذا شبع في اليقظة شبعت الروح و الجسد و الاعمال في هذه الدنيا التي يثاب عليها او يعاقب كانت بالروح مع الجسد و اذا بعث يوم القيمة ليجازي علي عمله كان مقتضي العدل ان يكون الثواب و العقاب علَي طبقِ مَنشأهما و سَبَبِهما فلو اثيبت الروح خاۤصّة علي العمل الذي وقع من الروح و الجسد لكان العامل قد نقّص من اجره و اللّه سبحانه يقول و ماالتناهم من عملهم من شيء و يقول اني لااضيع عمل عاملٍ منكم من ذكر او انثي ، و الشاهد علي هذا ايْضا في عمل الصناعة ان الاجساد البالغة التامّة في العمل هي مياهٌ جامدة كما قال علي عليه السلام علي ما رواه ابنشهراشوب في مناقبه و ابوالعباس في كتابه السرالمنير في علم التكسير ان عليا عليه السلام سئل و هو يخطب عن الصنعة فقال عليه السلام هي اخت النبوة و عصْمة النبوة ان النّاس يتكلمون فيها بالظاهر و انّي لاعلم ظاهرها و باطنها هي واللّهِ ما هي الّا ماۤء جامد و هواۤء راكد و نار حاۤئلة و ارض ساۤئلة ه ، فان الارض الساۤئلة هي من الماۤء الجامد كَذلك الاجساد هي من الارواح و قد ذكرنا قبل هذا ان الاجساد اذا عفّنت استحالت دُوداً ذات ارواحٍ و كقصّة عبدالملك بن مروان بن الحكم حين مات و قد تقدّمت و لانّ الاجساد اشياۤء نزلَتْ من الخزاۤئن الي هذه الدنيا كما قال تعالي و ان من شيء الّا عندنا خزاۤئنه و ماننزّله الّا بقدرٍ معلوم
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 424 *»
فاذا كانت اصلها في خزاۤئن الغيب عنده و انّما نزّلها بقدر معلوم فاذا كان كلّ شيء يرجع الي اصله فالاجساد اذا لمترجِعْ بقيَتْ في الدنيا او فنيت و لمترجع الي اصلها و هو خلاف مقتَضي القاعدة المقرّرة المتّفق عليها عقلاً و نقلاً فقد دلّ العقل بنحو ما ذكرنا علي اعادة الاجسام و اَمّا الدليل النقلي فقد تواتر من الكتاب و السّنة و اجمع المسلمون و جميع اهل الشراۤئع الالهية علي ذلك و المصنف اورد شيئا من الكتاب بياناً لنوع الدليل فقال كما وردت به الشريعة الحقة كما قال تعالي افحسبتم انما خلقناكم عبثا و انكم الينا لاترجعون فاخبر تعالي بانهم يرجعون يعني يوم القيمة و يحتمل في رجعة آلمحمد صلي الله عليه و اله بقرينة قوله و حرام علي قرية اهلكناها انهم الينا لايرجعون فقد دلّت الاخبار علي ان المراد من الاية ان من اهلكوا في الدنيا بالعذاب لايرجعون في رجعة اهل البيت عليهم السلام و اما يوم القيمة فانهم يعودون بلا شك و قوله تعالي قال من يحيي العظام و هي رميم قل يحييها الذي انشأها اوّل مرّة يعني ان الذي اخترعها لا من شيء يعيدها من طينتها فان هذا عندكم بالطريق الاولي و امّا عنده تعالي فَعلي حدٍّ سواۤء و قوله و هو بكل خلق عليم يعني انه يعلم ما اكلت الارض منهم كما قال جواباً لقولهم ائذا كنا ترابا ذلك رجع بعيد فقال تعالي قد علمنا ما تنقص الارض منهم و عندنا كتاب حفيظ و قوله قل كونوا حجارة او حديداً او خلقا مما يكبر في صدوركم يعني انه يعيدكم علي اسهل اعادة سواۤء كنتم حجارة يصعب في نفوسكم اعادة الحجر انْساناً او حديداً الذي هو اصعب عندكم اعادته من اعادة الحجر او خلقاً غير الحديد هو اصعب من الحديد و هو ما في صدورهم من الجحود وَ الانكار للاعادة فانه تعالي يجعلها مقرّة معترفة بالاعادة بعد الانكار بما اقام من الادلّةِ القاطعة عليهم في انفسهم حتي نقل قلوبهم الي التجويز و الاحتمال فَسئلوا مَن المُعيد فقال لهم المُعيد هو المبدئ فتقرّر التجويز في قلوبهم فسئلوا عن وقت الاِعَادة فقال كما يحتمل ان يكون بعيداً يحتمل ان يكون قريباً فلمّا انتقلوا الي احتمال القرب درّجهم الي انّ مَن ابتدأكم بعد اَن لمتكونوا شيئا لميمتنع منكم احد عن ارادته يُعيدكم مُلَبّ۪ين
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 425 *»
لدعوته حامدين له علي صنعه و تدبيره و حيث خلق نفوسكم باجابتكم خلقكم و صوّركم علي الحضور لا علي الغيبة فالأن انما استبعدتم البعث لانكم ابناۤء الوقت فاذا حضر وقت الاعادة و اعادكم ظننتم انكم مالبثتم في القبور و في الدنيا الّا قليلاً .
قال } و هي سبعة اصول الاصل الاوّل ان يقوم كلّ شخص بصورته لا بمادّته و هي عين ماهيّته و تمام حقيقته و مبدأ فصله الاخير فهو هو بصورته لا بماۤدته حتّي لو فرض تجرّد صورته عن مادّته لكان هو بعينه باقيا عند ذلك التجرّد و انما الحاجة الي الماۤدة لقصور بعض افراد الصور عن التفرد بذاته دون التّعلق الوجودي بما يحمل لوازم شخصه و يحمل امكان وقوعه و يقرّبه باستعداده الي جاعله و يرجّح وقت حدوثه علي ساۤئر الاوقات و نسبة الماۤدّة الي الصورة نسبة النقص الي التمام و الشيء مع تمامه واجب الحصول بالفعل و مع نقصه ممكن بالقوّة و لهذا ذهب بعض باتّحاد الماۤدة بالصّورة و هذا حقّ عندنا لا شبهة فيه كما اوضحنا سبيله في الاسفار الاربعة الّا ان هذا المطلب لايتوقّف عليه { .
اقول كلامه هذا و هو انّ كل شخصٍ يقوم بصورته لا بماۤدته و هي عين ماهيته فيه انّ كلّ شخص انّما يقوم بنفس ماۤدّته و بمثل صورته هذا ما دلّت عليه الاخبار عن الائمة الاطهار عليهم السلام و نطق به الكتاب لاولي الالباب و شهد له الاعتبار المستفاد من النظر في الافاق و في انفسهم امّا ما في الاخْبار و الكتاب فمنها ما روي عن الصادق عليه السلام في قوله تعالي كلّ ما نضجت جلودهم بدّلناهم جلوداً غيرها ليذوقوا العذاب في احتجاج الطبرسي و عن حفص بن غياث قال شهدتُ المسجد الحرام و ابن ابيالعوجاۤء يسأل اباعبدالله عليه السلام عن هذه الاية فقال ما ذنب الغير قال ويحك هي هي و هي غيرها قال فمثّل لي في ذلك شيئا من امر الدنيا قال نعم ارأيتَ لو انّ رجلاً اخذ لبنةً فكسرها ثم ردّها في مَلبنها فهي هي و هي غيرها و في تفسير علي بن ابراهيم قيل لابيعبدالله عليه السلام كيف تبدّل جلودهم غيرها قال ارأيت لو اخذت لبنةً فكسرتها ثم
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 426 *»
صيّرتها ترابا ثم ضربتها في القالب اهي التي كانت انما هي ذلك و حدث تغيّر آخر ه ، و امّا الاعتبار فهو الشارح للكتاب و الاخبار و ذلك انّ رُكْنَ الشيء الاعظم هو الماۤدة و امّا الصورة فهي هيئة للمادة في نفس الامر و ان كانت هي المشخّصة لانها صورة العمل الذي هو صفة الماۤدة فالمُعٰاد هو الماۤدّة بصورة عمله الاتري ان الانسان اذا غلبت عليه صفة الغضب يعاد ذلك الانسان بتلك الماۤدة في صورة سبع لان الصورة و ان كانت هي التي بضميمتها تتغيّر حقاۤئق الاشياۤء و تكون ماۤدة الانسان الذي غلبت عليه صفة الغضب مادّة سبع و بالصّور تتغير الحقيقة الواحدة بتغيّر الصفة فيكون الطين الذي صنع نصفه كلبا و نصفه انسانا اذا ولجتهما الحيوة تكلّم الانسان و ماۤدته طاهرة و نبح الكلب و ماۤدته نجِسَة لكن المُعٰاد للثواب او العقاب المادتان في الصورتين او الصورتان في الماۤدتين و لا شك ان المبعوث للثواب او العقاب هو الماۤدتان في صورتي عملهما لان الصورة في الحقيقة هيئة قبول الماۤدة في كلّ مقام بنسبتِه۪ و المواۤدّ تتغيّر بما انصبغت به من العمل و الصورة الظاهرة و الباطنة هيئة المنصبغ و المبعوث و المثاب و المعاقب هو المنصبغ لا الصبغ الذي هو الصورة و لايدفع الاعتراض عليه ارادة الحقيقة المتغيّرة من الصورة لان تلك هي الماۤدّة و تغيّرها انما هو بعملها و عملها هو قابليّتها و هو صفتها انّ اللّه عز و جل قال سيجزيهم وصفهم و هو عملهم لانه صورة الثواب و العقاب و الصورة سواۤء اريد بها الهندسة و الخطوط الظاهرة او المعنويّة ام اريد بها الحقيقة المتغيّرة هي هيئة الماۤدة خلقت من نفس المادة من حيث نفسها فليست الصورة علّة للحقيقة و لا لتغيّرها و انما هي معلولة لحال الماۤدة في صلوحها لصفة ما من فعل ربّها و به تكون طيّبةً و لصفة ما منها اي من نفسها من حيث هي و به تكون خبيثةً فالحقّ في هذه المسئلة ما يدل عليه لفظ المصنف لا ما يريد منه اذِ الحق اَن يقوم كل شخص بصورته فانّ القاۤئم غير الصورة نعم هو يقوم و يخرج بتلك الصورة و ليس لك ان تقول انه يريد ان الشخص انّما يقوم بطينته و هي الصورة فانه انسان و اذا غلبت عليه الشهوة لايقوم بانسانيته التي هي ماۤدّته اولا و انّما يقوم
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 427 *»
بحيوانيته التي تصوّر بها لانا نقول ان المصنف يقول لا بماۤدته و انما يقوم بصورته التي هي عين ماهيته و الماهيّة ان اراد بها علي المعني الاوّل من كون الماهية هي القابليّة اي قابلية الوجود للايجاد في الخلق الاول فهي الصورة النوعيّة كالصورة الخشبية للخَشَبِ وَ لا شك انّ الخشب انما يظهر بالخشبيّة الا انه الظاهر بصفته سواۤء اردتَ من الظاهر الماۤدة العنصريّة اذ لاتتقوم الصورة النوعية الّا بالماۤدة النوعية ام اردتَ من الظاهر المركب منهما فانه علي كلّ حالٍ لا بد ان تكون الاحكام المعلقة علي الصور المترتّبة عليها منوطةً بالمواۤدّ اوّلاً و بالذات و بالصور ثانياً و بالعرض سواۤء كانت الصور جنسيّة ام نوعيّة ام شخصيّة و ان اراد بالماهية علي المعني الثاني من ان الماهيّة للشيء هو المركب من ماۤدة و صورة اي من وجود و ماهية يعني من حصّةٍ من الجنس و حصّة من الفصل و مرادي ان الشيء التام الصنع المركب من ماۤدة جوهريّة و صورة او من مادّة عرضيّة و صورة هو من حيث هو ماهية و ظلمة و من حيث انه صنع الله او نور الله او اثر فعل الله وجود و نور و قولي صنع الله او نور الله او اثر فعل الله بمعني واحدٍ و انما هو تغيير العبارة اذ كل ما سوي الذات فمن فعل الله صدر لا من شيء حتي لايخفي كان قوله لا بمادته لا معني له اذ الماهية هنا هي مجموع الماۤدة و الصورة لان كونه اثر فعل الله لايدخل في شيء منه لا مادة و لا صورة بل لكل شيء من الخلق اعتباران يسمي احدهما نفسه التي من عرفها عرف ربّه و هي كونه اثر فعل الله و هو نور من عرفه عرف ربّه و يسمي ثانيهما نفسه التي لايعرف اللّه بها و هي كونه هو و هي ظلمة اذا اخرج المؤمن فيها يده لميكد يراها ففي النفس الاولي لا مادة و لا صورة و الّا لماعرف ربّه من عرفها لانه تعالي لايعرف بالمادة و الصورة و في النفس الثانية ماۤدة و صورة لاتتحقق في حال من الاحوال في جميع ما سوي الله سبحانه من الذوات و الصفات الجواهر و الاعراض المعاني و الاعيان الّا بمادة و صورة فقوله لا بماۤدته لا معني له و ان اراد انه يقوم بحكم صورته لا بحكم ماۤدته فمسلّم في الظاهر او في الحقيقة حكم الصورة من حكم المادة و معه
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 428 *»
و قوله و تمام حقيقته صحيح ان الصورة تمام الحقيقة و هي جزء الماهيّة بالمعني الثاني و لكن المبعوث هو نفس التمام ام الحقيقة التاۤمّة فتدبّر و قوله و مبدأ فصله الاخير ان اراد بالاخير المميز النوعي و الاول المميز الجنسي ففي ما ذكرنا جوابه مستوفيً و ان اراد به المميز الشخصي و الاول المميز النوعي فاسوءُ حالاً فان كثيرا من العلماۤء جعل المشخصات الشخصيّة اُموراً عقليّة اعتباريّةً لا تحقّق لها في الخارج و نحن و ان قلنا بوجودها و تحقّقها خارجاً لكنّا لانقول انّها جزؤ من الفَصْلِ المميّز للنوع و انّما هي مميزات للاشخاص و هي افراد من الفَصْل كما انّ الاشخاص اَفْرادٌ من النوع مثلا الفصل هو الصورة النوعيّة و هي مؤلّفةٌ من حدودٍ ستَّةٍ كمّ و كيفٍ و مكان و وقتٍ و جهة و رتبة مع متمّماتها و مقوِّماتِها من وضعٍ و اضافة و نسبة و اذنٍ و اجلٍ و كتاب فكما ان هذه الامور حصص من فصول الاجناس كذلك فصول الاشخاص حصص من فصول الانواع بهذه النّسبة فمميّز زيد عن عمروٍ و عمروٌ عن زيد حصّة من كل واحدٍ من هذه الامور التي مجموعها فصل الانسان عن الحيوان الصاهل و هكذا حكم ساۤئر المميزات من الفصول الحقيقيّة و الاضافيّة صاعداً و نازِلاً و الصورة هي الفصْل في كل شيء من الاجناس و الانواع و الفصول و هذه الاُمور هي حدود الصّورة و مقوّماتها و لَيْسَتْ مبدءً للفصل اذ ليس الفصل شيئا غيرها الّا اذا اريد بها خصوص الهيكل الظاهر لكنه ليس عين الماهيّةِ و تمام الحقيقة لان ما هو عين الماهيّة و تمام الحقيقة لايكون الّا المؤلّف من الامور الستّة و من الستة المتمّمات لها مع ما قامت به من المقبول فالذي ينبغي ان يقول فهو هو بصورته مع ماۤدته اَوْ يقول فهو هو بصورته و لايقول لا بماۤدته فانّه اذا لمينف الماۤدة كان معْنَي كَلَامِه انّه هو بما اتّصَفَ به ممّا غيّر ماۤدته الاُولي الي ماۤدة الصورة القاۤئم بها و قولهُ حتّي لو فرض تجرّد صورته عن ماۤدته لكان هو بعينه باقياً عند ذلك التجرّد يدلّ علي انّ مراده ليس المُعَاد الّا الصورة و امّا الماۤدّة فهي لازمةٌ
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 429 *»
للصورة مُقَوِّمة لهٰا بمعني انّ المترتب علي البَعْثِ من الثّواب و العقاب جارٍ علي حكم الصورة لا عَلي حُكمِ الماۤدّةِ و يوهم كلامه هذا انّ كلامنا عليه ليس متّجهاً لانّه لميرد نفي الماۤدة و انّما يريد ان الماۤدة الانسانية لايرجع بها اي علي حكمها و انّما يرجع علي حكم الصورة السَّبُعيّة فيتّجِه نفي الماۤدّة عَلَي هٰذا اعلم ان الفاظ هذا الجليل صعبة جدا و ادراكها صعب جداً جداً فلايخفي ان الشيء في ملك الله شيء بمادته و صورته و ان الله لميخلق شيئا فرداً قائما بذاته فلو لمتكن مادة فلا صورة لانها حدودها و لو لمتكن صورة فلا مادة الا ان الشأن في معرفة لحنه اعلي الله مقامه انه هل المراد بالمادة المادة العرضية ام المادة الذاتية و لا شك عند من يعرف لحنه ان المراد بالمادة الذاتية مثلا السرير لا بد له من مادة ذاتية و صورة ذاتية بزوالهما يزول السرير فما المراد بمادته و صورته هل المراد بالمادة هذه الحصص الخشبية التي يمكن ان تظهر بصورة الصنم ايضا و ربما تظهر ام غيرها و هل مادة الكلب هو مادة الملح اذا استحال الكلب ملحاً ام لا و اذا حشر الكلب و الملح و يجب ان يحشرا بمادتهما و صورتهما فالمادة المتقلبة بينهما لمن هي فليعلم ان المتقلبة عرضية لهما و مادة الكلب غير تلك المتقلبة و مادة الملح غير تلك و مادة الملح سعيدة طيبة من الجنة و لاتصير مادة الكلب و مادة الكلب شقية خبيثة لاتصير مادة الملح و المحشور محشور بمادة (كذا) و صورته و يدخل الجنة بمادته و صورته فتبين ان مادة الكلب هي اثر صنع الصانع حين صنع الكلب و صورته من نفس تلك المادة و هي غير تلك المتقلبة التي كانت دهوراً و لا كلب و تكون دهوراً و لا كلب فالكلب حقيقة له مادة و صورة و كانت قبل المادة الزمانية فانزلت الي المادة الزمانية ثم اخرجت منها و حين خرجت منها انصبغت بصبغها و ظهرت بهيئتها علي مقتضاها فاذا فارقت المادة الزمانية فارقت صبغها و هيئتها الزمانية و عاد الكلب بصورة صفته و عمله و طبعه و هذا معني قوله هي هي و هي غيرها فان الكلب المعاد هو كلب الدنيا الا انه كان في الدنيا بصورة تناسب اعراضها و في المعاد يحشر بصورة عمله سيجزيهم وصفهم فالمعاد مادة الكلب بصورة عمله لا صورة الكلب بلا مادة فالملا صدرا ان اراد بالصورة الصورة العرضية التابعة للمادة العرضية فقد اخطأ فانها ليست بمعادة و ان اراد الصورة الذاتية للكلب فعودها بلا مادة خطاء و لا حاجة اليه اللهم الا ان يريد احد بالصورة الكلب الحقيقي بمادته و صورته و بالمادة الزمانية العرضية فيصح و يطابق قول علي عليه السلام صور عالية عن المواد خالية عن القوة و الاستعداد و هو الاصطلاح الحق و انما يتكلم الشيخ بهذا الاصطلاح لانه يخاطب القوم و اصطلاحه الحقيقي عند نفسه اصطلاح الحديث لا غير و ان قلت ان الظاهر من قوله تعالي يحييها الذي انشأها اول مرة اعادة المادة العرضية قلت المراد العظام الاصلية لزيد لا العرضية فافهم راشداً موفقا شاكراً . كريم
المعْنَي و نحن نُرِيدُ اَنّ الماۤدّة الانسانيّة لاتلبس السّبعيّة و انّما اللَّابِسَة لتلك الصورة السبعيّة هي النفس الصالحة لكلّ صورة من الشَّيٰاط۪ينِ و الحيوانات و المسوخ و السِّبَاع اَعْني النّفس الْامّارة و هذه تنقلب مع كل صورةٍ لَبِسَتْها الي مَاۤدّةِ تلْكَ الصّورة فَمَنْ حُشِرَ خِنْز۪يراً حشر بصورةِ الخنزير و ماۤدّته لا بماۤدة الانسان ليقال انه يعاد بصورته لا بماۤدّته و المصنّف يريد انّه لو فرض قيام الصّورة بدون الماۤدة تحقّقت هويّة الشيء و ذاته بدون المادة بل بنفس ذلك المتجرّد بدونِ ماۤدَّتِه۪ و
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 430 *»
هذا لايعقل لان الصورة صفة و لاتعاد الصورة و الصفة للثواب و العقاب بدون الموصوف علي انّ هذا المبعوث علي اي فرضٍ ممكن و كل ممكنٍ زوج تركيبي و لايمكن قيام مصنوع علي مقتضي الحكمة ليس بمركب من الماۤدة و الصورة و لو فرض صورة لا ماۤدة فيها ظاهراً كالصورة في المرءاة فانها مركبّة من ماۤدة هي هيئة صورة المقابل و شعاعها و من صورة هي هيئة زجاجة المرءاة من كبر و بياض و صفاۤءٍ و استقامةٍ و اضدادها فان قال المبعوث منها نفس صورتها كان المعني انّ المبعوث صفات الزّجاجة لا هيئة المقابل لانها هي الماۤدّة و ان قال المبعوث نفس الصورة و هويّتها فهي الصورة و الماۤدة اذ لميوجد بسيط مستقِلّاً قال الرضا عليه السلام انّ اللّه لميخلق شيئا فرداً قاۤئماً بذاته دون غيره للذي اراد من الدّلالة عليه و اثبات وجوده ه ، و قوله باقياً عنْدَ ذٰلِكَ التَّجرد هٰذٰا غَلَطٌ لِانَّ الصُّورةَ صِفة في الحقيقةِ فكيف يكون الشّيء متحقِّقا بتحقّق صفتِه۪ بدُونِه۪ بحيث يكون اذَا فعل زيدٌ فعلاً يُوجِبُ العقوبة عُوقِبَتْ صورته التي هي صفة عمله لانها هي الّتي يحشر ف۪يها و امّا نفس ماۤدّته فلاتعاقب ما هذا الّا العجب العجيب و الامر الغريب و قد سمعتَ قول الصادق عليه السلام في قوله بَدَّلْناهم جلوداً غيرها ليذوقوا الْعَذاب انّها هي هي و هي غيرُهَا يعني هي هي من حيثُ مٰاۤدّتها و هي غيرها من حيث صورتها فان الصورة الاولي ذهبت و مادّتها اعيدت في صورة كصورتها الاولي انتُزِعت من علّتها فمثّل عليه السلام باللّبنة فانّك اذا كسرتها و صارت ترابا ثم ضربتها في قالبها الذي صورته علة صورتها فانها هي هي من حيث المادة و هي غيرها من حيث الصورة كما تقدم في الحديثين فان فهمتَ الحديثين حصل لك القطع بان قوله لو فرض تجرّد صورته عن ماۤدته الخ ، غلط ظاهر و الّا لزم عدم اعادة الاجسام كلّها لانها انما تُعَاد مواۤدّها في صور كصورها و ان الصور الاولي تفني و تحشر في صور كصورها يعني لمّا فنيت الصورة خلق لها صور من علل الصور الاولي مثلها لا انّها هي بعيْنها و هذا بنصّ الكتاب المجيد حيث قال تعالي بدّلناهم جلوداً غيرها لان هذه الغيريّة تدور علي احد امرين امّا ان تعاد مواۤدّ
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 431 *»
جلودهم في صور غير الصور الاوّلية او تعاد الصور بمواۤدّ غير مواۤدّها الاولي فاختر احدهما لان الله سبحانه اخبر بانها غيرها فلمّا دلّ الدليل علي عدم الغيرية في الصور و المواۤدّ معاً لامتناع الظلم وجب ان تكون في المواد او الصور و الصادق عليه السلام اخبر عن الله انّ الغيريّة في الصور و امّا المواد فهي بعينها تعاد و انت اختر لنفسك امّا قول الصادق و امّا قول الكاذب و قوله و انما الحاجة الي الماۤدة لقصور بعض افراد الصور عن التفرّد بذاته دون التعلّق الوجودي يريد انه انما احتيج الي المواۤد مع ان المقصود هو الصور لان بعض الصور قصرت عن حمل بعض ما يلزم المواۤدّ كالثِّقَل مثلا المتعلّق بالمادة اللازم لها فان الصورة لاتحمله الّا مع ارتباطها بالماۤدة و قصرت ايضا عن حمل امكان وُقوع الشيء و عن حمل ما يقرّب الشيء باستعداده التمكيني الي فعل صانعه و قبول تأثيره و عن ترجيح وقت حدوثه علي ساۤئر الاوقات و مكانه علي ساۤئر الامكنة فلما كان بعض الصور يعجز عن حمل هذه و امثالها بدون تعلّقها بمواۤدّها لميشترط في اعادتها تجرّدها عن المواۤدّ و لكن لمّا كانت هي المقصودة قلنا ان البعث لها لا للموادّ و اقول تَغَطْمَطَتْ امواجها و ماادري ايّ شيء من كلامه هذا اولي بالرد لكن علي سبيل الاشارة و الاختصار اقول ليس شيء من الصور بممكنٍ من جهة الايجاد علي مقتضي الحكمة ان ينفرد عن الماۤدة لان الصور صفات و اعراض و قد صرّح في ساۤئر كتبه ان الاعراض لا وجود لها اصلاً الّا وجودها لمعروضها و امّا لوازم الشخص فمنها الاعمال و ما يترتب عليها من الثواب و العقاب و هي من احكام المواۤد في كل حالٍ و امّا ترتبها علي الصور فمن جهة ان الصور من جملة احوال المواد و احكامِها و امّا وقوع امكانه فمن التمكين الفعلي الذي به التمكن الانفعالي الذي هو نفس الصورة و امّا تقريبه الي فعل صانعه و جعل جاعله فهو من ترجّح نفس امكانه عند تكوينه لانه هو و ترجيح وقت الحدوث و مكانه و رتبته و جهته و كمه و كيفه و وضعه و نسبه و اضافته و الاذن له و اجله و كتابه كلها مقوِّمات الصورة و اسبابها في كل شيء من المكوّنات غيبها و شهادتها فكيف يكون
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 432 *»
المسبّب مقوِّماً لسببه۪ و هنا ابحاث شريفة في بيان هذه الامور يطول الكلام بذكرها و لكنّا نذكر كثيراً منها متفرّقا في هذا الشرح في اماكنه و قوله و نسبة الماۤدة الي الصورة نسبة النقص الي التمام فيه ان هذا انما يلتئم علي رأي بعض الاشراقيين الذين يجعلون الوجود عارضاً علي الماهية في الخارج و المصنف يمنع ذلك و الماۤدة هي الوجود او بمنزلة الوجود و الصورة هي الماهيّة او بمنزلة الماهيّة و هو يري ان نسبة الماهية التي هي الصورة او بمنزلة الصورة الي الوجود الذي هو الماۤدّة او بمنزلة الماۤدة نسبة النقص الي التمام و قد تقدّم و هنا قد عكس من حيث لايشعر لان المواد هي النازلة من الخزاۤئن و الصور من عوارض المراتب في تنزلاته و الصور مركبة من هذه العوارض و هي النقائص و امّا الوجودات فهي في ذواتها هي التمام و ما لاحظ من انّ بها يتم الشيء مدخول بان الصور انما خلقت من ذات المصوّر الذي هو المواۤدّ فهي متقدمة علي الصور بالذات و الشيء لايوجد الّا بمادته و صورته لكن الماۤدة تتوقف علي الصورة توقّف ظهور و الصورة تتوقّف علي الماۤدة توقّف تحقّقٍ يعني توقّفا ركنيّا و الشيء مع تمامه واجب الحصول غالباً و عادة و بالفعل يعني ان شاۤء الله و مع نقصه ممكن الحصول بالقوة غالبا و عادة يعني انشاۤء اللّه ما شاۤء الله كان و ما لميشأ لميكن و قوله و لهذا ذهَب بعض الي اتّحاد الماۤدة بالصورة و هذا حق عندنا كلامه هذا مبني علي ما يذهب اليه من اتّحاد الماهيّة بالوُجُودِ خَارجاً في حملها عليه و بالعكس ذهناً و قد بسطنا الكلام علي هذا في شرحالمشاعر و امّا اتحاد المادة بالصورة ففي مقامَين الاوّل في الخلق الاوّل بالنسبة الي الخلق الثاني كاتّحاد الصورة النوعية بالماۤدّة النوعيّة في الخشب مثلاً فانّ ماۤدته من العناصر و الصورة الخشَبيّة هي صورته النوعية و الخشب مركب منهما و هذا مثال الخلق الاول و في صنع السرير اعني الخلق الثاني مادته الخشب ففي هذا المقام اتّحدت مادته العنصريّة بصورته النوعيّة فمادة السَّرير من الخشب الواحد الذي كان من ماۤدة
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 433 *»
و صورة و الأن هو مادة خاۤصّة و الثاني في الخَلْقِ الثاني في صنع السَّرير فانه مركب من الماۤدّة من الخشب و من الصُّورَةِ المعلومة فالسّرير شيءٌ وَاحِدٌ بَس۪يطٌ قدِ اتّحدَتْ فيه الماۤدّة بالصُّورةِ عند تسميته و استعماله و الاشارة اليه فالاتِّحاد بهذين المعنيَيْنِ صحيحٌ و امّا مَا لٰا صورةَ لَهُ فلَا ماۤدة له لان تحقّق احدهما متوقّف علي تحقّق الٰاخر و كذلك ما لَا ماۤدةَ لهُ لٰا صورة له و كل ما سوي المعبود بالحق تعالي فله مادة و صورة حقيقيتان و فعله اي مشيته و فعله و اختراعُه و ابداعه فله مادة و صورة اعتبارِيتانِ .
قال } الاصل الثاني ان تشخص الشيء عبارة عن نحو وجوده الخاصّ مجرداً كان او ماۤديّاً و اما المسمّي بالعوارض المشخّصة فهي من اماراتِ وجود الشخص و لوازمه لا من مقوماته و يجوز تبدّلها شخصا الي شخص او صنفاً الي صنفٍ مع بقاۤء هذا الشخص بهويّته العينيّة كما يشاهد من تبدّل اوضاع زيد و كمّياته و كيفياته و ايونه ( جمع اين ) و اوقاته و زيد زيد بعينه { .
اقول اختلفوا في المميزات للشّخص هل هي موجودة ام لا و انّما هي امور اعتباريّة و الاصح انها امور موجودة و علي الاصح هل هي عوارض ذاتيّة ام خارجيّة و الاصح من احتمالي الاصحّ انها ذاتيّة و انّها هيئات ماۤدّته و حدود صورته و اركانها و هي كمّ ماۤدته اي قدرها من كثرةٍ او قلّةٍ و كيفها و وقتها و مكانها و رتبتها و جهتها و متممات هذه من الوضع و النسب و الاضافة و الاذن و الاجل و الكتاب فهذه ستة و ستّة تتألّف منها الصورة التي هي القابلية التي هي الماهيّة و الشّيء يتألّف من مادته و صورته المتألِّفة من هذه الامور الستة و الستة فالستّة الاُولي هي الايام السّتة التي خلق الشيء فيها و السّتة الاخري متممات كل يوم من الايام السّتة و المصنف ذهب الي ان تشخّص كل شيء عبارة عن نحو وجوده الخاص اي جهة وجوده يعني بالوجود حصّة من الوجود خاۤصّة به و مراده ان تشخّص كل شيء من وجوده لا من ماهيته و لا من عوارض ذاتية او خارجيّة لا فرق في ذلك عنده بين المجرد الذي لا مادة له اصلاً كالواجب تعالي
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 434 *»
و كالمفارقات المحضة كعقل الكل و روح القدس و بين الماۤدّي الملكوتي كالنفوس الانسانية و الماۤدّي الطبيعي الجسمي فان الواجب تعالي عنده متعين عند نفسِه۪ بنحو وجوده و العقل و روح القدس متعينان بنحو وجودهما و النفس و الجسم متعيّنان بنحو وجودهما و ترد عليه اشياۤء فيما ذهب اليه منها ان الواجب تعالي عالم بذاته و علمه بذاته عين ذاته و ليس علمه بذاته بنحو التعين لان ذاته تعالي ليست نحو التعين فلايصح تعيّنه بنحو وجوده لان التعين ان اريد منه ما تفهمه الخلق لميصدق علي ذات اللّه سبحانه لان ما تفهمه الخلق منه هو التمييز و التمييز لايصح الّا مع الاشتباه و ليس ثَمّ اشتباه في حالٍ و ان اريد منه ما لاتفهمه الخلق لميحْسن التعبير عنه بما يشاركه خلقه فيه و منها انّ المفارقات المحضة كالعقول مثل عقل الكل و روح القدس جعلها مما لا مادة لها و انها ليست مما سوي الله سبحانه كما ذكره في اخر المشاعر و هذا غلط باطل في غلط باطلٍ لاتّفاق العقلاۤء من المسلمين و الحكماۤء علي ان اوّل ما خلق الله العقل و روح القدس لها اطلاقانِ اطلاق يراد منها عقل الكل اعني هذا المذكور و اطلاق يراد منها روح الكل فعلي الاوّل هي التي اول ما خلق الله سبحانه و علي الثاني تكون تحت العقل و هي اوّل تنزلاته حين قال تعالي له ادبر فادبر و اذا ثبت انهما حادثانِ ممكنان دخلا تحت ما اتفق الحكماۤء عليه و قبله كل من اتي بعدهم و هو ان كلّ ممكنٍ زوج تركيبي و ما لا مادة له و لا صورة كيف يكون زوجا تركيبيّا لان المركب انما يتركب من مادةو صورة و منها انّ الشيء اذا تميّز من نحو وجوده خاصة كان ما تميز به الجنس كالحيوان هو عين ما تعين و تميّز به النوع كالانسان و الفرس و الحمار و عين ما تميز به الجنس و انواعه عين ما تميّزت به افرادها من غير تغيير و لا تبديل و لا زيادة و لا نقصان لان التغيير في المميز و التبديل و الزيادة و النقصان ان كانت من نفس ذلك النحو فلا شيء غيره و ان كانت من غيره لمتكن المشخصات من نحو الوجود و انما هي من خارج فيلزم امّا ان تكون مميّزات الشيء لا من نحو وجوده بل من نحو ماهيته و صورته في جميع الممكنات لدخولها تحت الاجناس و الانواع و لتعدّد الاشباه و النظاۤئر
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 435 *»
فيقتضي تمييز بعضها عن بعضٍ الي امور خارجة عما اتفق بعضها مع بعضٍ فيه و الّا لميتحد افراد الحقيقة الواحدة و لو كان تمايزها من حقيقتها الجامعة لها لماتمايزت او لمااتحدت و امّا الواحد الحق عز و جل فلا تميّز له فيه لعدم الشبيه و النظير و المثل و الشريك سبحانه و تعالي و المصنف انما دعاه الي هذا القول توهم محافظتِه۪ للوحدة الحقيقيّة في صرف الوجود و لو انه لميقل بصرف الوجود و وحدة الوجود و انّه يصدق علي الواجب تعالي و الممكن بالاشتراك المعنوي لكان اشد له محافظة و اصحّ و لو انه استبصر بقول الله سبحانه سنريهم اياتنا في الافاق و في انفسهم ، و بقول الصادق عليه السلام العبودية جوهرة كنهها الربوبية فما فقد في العبودية وجد في الربوبية و ما خفي في الربوبيّة اُص۪يب في العبوديّة و استشهد عليه السلام بالاية المذكورة و بقول الرضا عليه السلام قد علم اولوا الالباب ان الاستدلال علي ما هناك لايكون الّا بما هيهنا ه ، لبَصّره اللّه تعالي اذا نظر في الافاق مثل السّرير انّما تميّز من الباب و الباب من السرير و تشخّص كل منهما بما هو نحو وجوده و هو الخشب سواۤء اراد الخشبَ الخاۤصّ ام العام لان الخشب هو وجوده او بمنزلة وجوده وَ لانَّ الخاۤصَّ لميتخصّص بمَا مِنْ ذَاتِه۪ من حيث هو و انّما تخصّص بما عرض له من المخصِّصات فَان حصّة الخشب الخاصة بالسَّرير انّما اخْتَصَّتْ به بما لحقها من تقدير صُورته و لولا ذلك التقدير لماكانت خاۤصة به بل تكون صالحة للباب و غيره و امّا ما ذكرنا من انّ الماۤدة وجود موصوفي و الصورة وجود صفتي فلايلزم منه تصحيح قوله ان تشخص الشيء عبارة عن نحو وجوده فان المشخّصات عندنا وجود صفتي فقد كان تشخصه نحو وجوده لانه مايريد الّا انّها صفة للوجود الخاص ذاتيّة اي انّها مِنْ وجوده من حيث انّه نور لا من حيث انّه هو فتنطبق ارادته علي ظاهر كلامه و امّا نحنُ فنريد بالصّورة الماهيّة و حدود الصُّورة هي مُقوِّمات الماهيّة و الماهيّة هي قابليّة الوجود و الماۤدة للايجاد و هي شرط لتحقّق الوجود و ظهوره و هي شراۤئط خارجة عن الوجود الموصوفي الّذي نسمّيه نحن بالماۤدة و انما هي من الوجود الصِّفتي الذي نسمّيه
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 436 *»
نحن بالصورة و قد ذكرنا هذه الشراۤئط و هي الستّة و الستة و لكنّها تكون جزء ماهيّة الشيء بالمعني الثاني و كل الماهيّة بالاول و قوله و امّا المسمّي بالعوارض المشخّصة فهي من امارات وجود الشخص و لوازمه لا من مقوّماته فكالاوّل فانهم يسمونها بالعوارض المشخّصة باتّفاقهم لانها هي مقوماته كما هو المتحقق الثابت فان هيئة السرير و صورته هي المقوّمة لماهيته اذ بدونها لا سرير و انّما هو خشَبٌ و ليست المادة بنفسها متقوِّمة بدون الصورة و كونها من لوازم وجود الشخص غير منافٍ لما قلنا لان الشروط و القابلية و الصورة لاتتقوّم بنفسها بلا اشكالٍ لانها اعراض و صفات و لاتوجد بدون معروضاتها و موصُوفاتها التي هي المشروطاتُ و المقبولات و المصوّراتِ الّا انّ الشروط المشخّصة تتوقف علي المشخصات بفتح الخاۤء توقفَ تحققٍ و تتوقف المشخّصات بفتح الخاۤء علي المشخّصاتِ بكسر الخاۤء توقف ظهور و كذا كونها من امارات وجود الشخص و قوله و يجوز تبدّلها شَخْصاً الي شخص او صنفاً الي صنفٍ مع بقاۤء هذا الشخص بهويّته العينيّة كالكلام الاول في الغلط فيا سبحان الله كيف حال حكمة هذا الرجل الفاضل مايكاد الناظر يجد في كلامه كلمة صحيحةً كيف يجوز تبدّل صورة سريرك الي سريرنا مع بقاۤء سريرك بهويّته امّا التبدل فقد ذكر الله سبحانه ما يدلّ علي بطلانه كما تقدم في قوله بدلناهم جلوداً غيرها بعد ما ثبت ان المعادة هي الاولي بمادتها و قال تعالي انها غيرها و ليست غيرها الّا في الصورة كما مثّل الصادق عليه السلام لذلك باللّبنة تكسرها و تصوغها في قالَبِهَا فكيف تتبدّل صورة سريرك الي سريرنا و انّما يعمل لسريرنا صورة مثل صورة سريرك لا انها تنتقل ثم اذا زالت صورة سريرك كيف يَبقي سريرك بهويّته العينيّة لانه ان اراد انّه تبقي ماۤدته يعني الخشب فصحيح و لكن لمتبق هويّته العينيّة اذ لو بقيت بعد زوال الصّورة لَبقي السَّرير و لماصلح للباب مع انه حينئِذٍ يصلح للباب و غيره فلاتتبدّل المشخصات من شيء الي شيء بل اذا زالت لمتعد ابداً و انما يعود مثلها اليه او الٰي غيره
و هنا اشكال حلّه و الجواب
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 437 *»
عنه خفيّ علي اكثر الاذهان و قد اشرنا اليه فيما مضي و في هذا الشرح مفرقا و وجه الاشكال انّ النبي يوشع عليه السلام و هو في قتال الجبارين غربت الشمس قبل ان يصلّي و دعا الله سبحانه فردّت له الشمس فصلّي اداۤءً و علي بن ابيطالب عليه السلام كان في بابل و لميصلّ فيها لانها ارض خسفٍ حتي غربت الشمس فدعا الله سبحانه فردَّتْ عليه الشمس فصلّي اداۤء و يوم كان رأس رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله في حجره في مرضه الذي توفّي فيه و نام و رأسه في حجر علي عليه السلام و كره ان يوقظه من نومه و لميصلّ و لمينْتبه حتّي غربت الشمس فدعا الله سبحانه فردّت له الشمس فصلي اداۤء مع ان الوقت مضي و هو عبارة عن المدّة و لا شكّ انها مضت فمقتضي هذا ان تكون الصلوة قضاۤء و لكنهما صلَّيا اداۤء و كذلك ما روي الجمهور في قصّة سليمن عليه السلام حتي توارت بالحجاب و لو كانَ المطلوب الصلوة قضاۤء لماسألوا اللّه اعادة الشمس اذ لا فاۤئدة في الاعادة الّا الصلوة اداۤءً و دعوي ان الفاۤئدة اظهار الفضيلة باطِلةٌ و ايضا وردت الاخبار عن الائمة الاطهار عليهم السلام انّ الله عز و جل يحشر يوم القيمة الايّام و الليالي و الشهور و السنين و بقاع الارض و الالوان و الاعراض و الحركات فتشهد للعاملين بالاداۤء و علي التاركين بتركهم فاذا ثبت هذا صحّ قول المُصنّف من اعَادةِ الصُّوَر و الجواب ان الصادق عليه السلام قد اشار الي ما فيه الجواب علي الحقيقة في الحديثين السَّابقَيْنِ و هو قوله في اللَّبِنة اذا كسرتها و كانَتْ تُرَاباً ثُمَّ وضَعْتها في قالَبِها فَاِنَّهَا هي هي و هي غيرها بمعني انّ ماۤدّتها هي الاولي و بصورتِها غيرها لانَّ صورتها الاولي انّما هي اثر القالب فتتقدّر الماۤدّة باثر القالب في الصورة الاولي فاذا كسرت ذهبت الصورة التي هي اثر القالَبِ فاذا وضعت تلك الماۤدّة في ذلك القالَبِ تَقدّرَتْ بِاَثرِه۪ كالتقدّرِ الاول بتقدير القالب و حيث ثبت انّ كل شيء ممكن جوهر او عرضٍ كلٍّ اَوْ جزءٍ كليٍّ او جزئيّ زوج تركيبي اي مركب من ماۤدّة و صورة ثبت ان الايام و الليالي و الشهور و السنين و المدد و الامكنة و الاعراض من الحركات و الاصوات و الالوان و غير ذلك كلها مركّبة من ماۤدة و صورة كل شيء منها فاذا
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 438 *»
اُع۪يد اُع۪يدت مادته و صورة قالبه التي كانت الاولي اشراقاً من هيئة القالب و الثانية اشراق ثانٍ فكما انّك تقول لنور الشمس الذي اشرق علي الجدار في وقتين انّه واحد باعتبار عدم المغايرة و عدم الاختلاف و عدم تغيّر ماۤدته في الوقتين و تقول انّه اثنان باعتبار انّ الممكن الباقي يحتاج في بقاۤئه الي مددٍ جديد كما قال تعالي بل هم في لَبْسٍ من خلقٍ جديدٍ و ان كان انّما يمدّ بما منه اوْ لَهُ لكنّه جديد قال عليه السلام لو لمنُزَدْ لَنفِدَ ما عندنا فافهم و قدْ ذكَرْنا في الفواۤئد و في شرحها بياناً لما ذكرنا هنا فاطلبه من موضعه و بالجملة يظهر لمن يَعقلُ ما قُلْنا اَنَّ المبعوثَ هُوَ الماۤدةُ و انّها هي الشيء مع الصورة و انّ الصورة حُدُودٌ مميّزةٌ للمواۤدّ و قبولها للصور هي انْفِعَالُها بها كالصورة النّباتيّة فانها تنفعل الماۤدّةُ بها فتكون الماۤدّة بها من نوع الشّجر و مزاجها اي الماۤدة ماۤءٌ اخْتَلطَ به نبات الارْضِ لان المزاج من ترجمة الصورة و ترجمة كلّ مزاج من عبارة صورته و الصورة الحيوانية تنفعل بها الماۤدة فتكون الماۤدة بها من نوع الحيوان و مزاجها اي الماۤدّة التي انفعلت بصورة الحيوان دَمٌ لانّه الحامل للابخِرة التي تتعلّق بها النفس الحيوانيّة الحسّيّة فهويّة الشخص العينيّة هي مادته المنفعلة المتلونة بصورته فان زالت المادة ذهبت صورته اصلا لانها ظل الماۤدة و ان زالت الصورة ذَهَبَ اختصاص الماۤدة الذي هو تقييد الصلوح فاذا اطلقت المادة من قيد الصورة ظهر الصّلوح الهيولاني لقبول صورة ذلك الشخص و غيره و قوله كما يشاهد من تبدّل اوضاع زيد و كمّياته و كيفيّاته و اُيُونه و اوقاته و زيد زيد بعينه اعلم ان اوضاع زيد اذا اريد بها القسم الثالث تغيّرت اسماۤء صفاته و هو ترتيب اجزاۤئه بالنسبة الي الامور الخارجة مثل اذا اسْتَقامت فقرات ظهره و انتصبَتْ و كان رأسه مما يلي السماۤء سمّي قاۤئما امّا لو لميكن رأسه مما يلي جهة السماۤء كالمضطجع لميسمّ قائما فتغير هذا القسم من الوضع انّما تبدّلَت الامور الخارجة و ذلك لاتغيّر نفس الشخص و كذلك القسم الاوّل من الوضع و هو التحيّز الظاهري اذا نسب الي زيد امّا اذا نسب الي الجوهر الفرد او اريد التحيّز الحقيقي المساوق لجرم زيد كمساوقة الروح للجسد بمعني عدم
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 439 *»
خروج شيء من زيد عن المكان حقيقة و لا شيء من المكان عن زيد كذلك فانه اذا تبدّل هذا لوضع لميكن زيد زيداً و كذلك الكم الحقيقي اذ لميكن زيد زيداً الّا بذلك الكم بخلاف الكمّ الظاهري كالسِّمَن و الضعف فان هذا لاتغيره لانه ليس هو الكم المقوّم لحقيقة زيدٍ و انما تقوّمت بالكمِّ الحقيقي و كذلك الكيفيات كالسواد و البياض و كذلك ايونه جمع اين و اوقاته فان ظواهرها اذا تبدّلت لاتغيّر زيداً كالمكان اذا اراد منه المواضع التي ينتقل منها اليها و كالحركة اذا اراد منها الكون الاول في المكان الثاني فانّ تبدّل هذه لاتغيّر الذات لانّها لمتتقوم صورتها التي هي قابليّتها بهذه الامور الظاهرة المسماة بهذه الاسماۤء لغةً بخلاف الحقيقيّة فانها اذا تبدّلت كان زيدٌ ترابا مثلا او فحما او ملحاً او هواۤء او غير ذلك و المصنف بني استدلاله علي هذه الظواهر التي لاتتقوم بها الاكوان .
قال } الاصل الثالث ان الوجود الشخصي مايجوز اَنْ يشتدّ و يتقوّي و انّ الهوية الجوهريّة مما يشتَدُّ و يتحرّك في جوهريّته حركة متّصلة علي نعت الوحدة الاتّصاليّة و الواحد بالاتّصال واحد بالوجود و التشخص و قول المشاۤئين ان كل مرتبة و حدّ من الاشدّ و الاضعف نوع اخر و ان كان حقا لكن بشرطِ الّايكون ذلك الحدّ حدّاً بالفعل لكن من الحدود المفروضة في الاشتداد فانها غير موجودة بالفعلِ و الّا يلزم حصول انواع غير متناهية بالفعل محصورة بين حاصرَيْن بل الموجود بالفعل هو الامر الشخصي المتوسّط بين الحدود المفروضة في كل حركةٍ و استحالةٍ سواۤء كانت في الجوهر او في الكيف و غيره { .
اقول الوجود الشخصي اي الحادث يجوز اَن يشتدّ و يضعف و هذا علي قواعدنا ظاهر لانه حادث اخترعه صانعه لا من شيء و انما هو اثر فعله و حيث كان ظهوره متوقفاً علي قابليته كان في نفسه علي حسب قابليته في الشدة و الضَّعْف لانه تأكيد الفعل فهو كاشراق الشمس ان كان ما وقع عليه صقيلاً صافياً كالمرءاة اشتدّ ضياۤءً ف۪ي نفسِه۪ و ان كانَ غيرَ صقيلٍ كالجدار ضعف ضياۤؤهُ مع اَنّ
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 440 *»
اشراقَ الشمس واحدٌ كذلك الوجود الشخصي ان صفت قابليته و صلحت باخلاص الشخص في الاعمال و صحة الاعتقاد و الاستقامة اشتدّ و قوي و ان ضعفت قابليته و اظلمت بالشوب في الاعمال و عدم صحة الاعتقاد و الاستقامة ضعف بل يكون ميتا كما قال تعالي اموات غير احياۤء بل مقبوراً في قبر طبيعته كما قال تعالي و ما انت بمسمعٍ من في القبور ، و امّا علي قواعدِ المصنف فلايشتدّ لذاته و لايقوي لانه ليس بحادث و القديم لاتختلف احواله و امّا ما يظهر من الشدّة و الضعف فليس ذلك فيه و انما هو في عوارضَ لحِقَتْه من مراتب التنزل فالشِّدّةُ و الضَّعْفُ انما هو في اللّواحق فقوله مما يشتدّ ينافي قواعده لان ما يقبل الزيادة يقبل النقيصة و مثله قوله و انّ الهويّة الجوهريّة مما يشتدّ و يتحرّك في جوهريّته فانه اذا اشتدّ و تحرّك من شيء خارج عن هويّته صحّ ما ذكرنا و ان كان من نفسه كان المقتضي للاشتداد ذاتيّاً له و الذاتي يكون بالفعل لا بالقوّة فلايصحّ الاشتداد في حقّه اِذْ كُلُّ ما يمكن للذّاتي فهو حاصل له بالفِعل فان اقتضي اشتِداداً فهو ما هو عليه فلايشتدّ زيادة الّا لمقتَضٍ طارٍ خارجيّ فلايتحرك بجوهريّته في نفسه مطلقا و قوله حركة متّصِلةً علي نعت الوحدة الاتّصاليّة و الواحد بالاتصال واحدٌ بالوجود ، امّا الحركة المتّصلة فهي للمتحرك و الوجود لذاته لايتحرك و ان فرض اعلم ان قوله ان فرض فرض مماشاة او فرض تنزيل علي الظاهر لانه قال و الوجود لذاته لايتحرك فلو فرض حركة ذاتية و لو علي حسب الظاهر كانت ذاته هي هي دائما و الحركة منها فيكون الشيء لازماً لحاله الاول كالافلاك فانها الان علي ما كان قبل لميشتد بالحركة الذاتية بحسب الظاهر و اما في الواقع فالافلاك ايضا صاعدة لا صعوداً مكانياً لان الحادث سائل و السائل مجاب و عابد و العابد مجزي . كريم
انه لذاته متحرّك حركة ذاتيّة كان لازما لحاله ( لان جميع ما للذات بالفعل ) الاوّل لايشتدّ بالحركة الذاتية كالافلاك و انّما يشتدّ بالعارضة فَثَبِّتِ العَرْشَ ثم انقش فانّه ان تحرّك فحركته اتصاليّة اذا اتّحدَ المقتضي و ما في المسافة اِذَا صَدَقَتْ عليه الوحدة بالاتّصال صدقَتْ عليه الوحدة بالوجود و هذا الصدق صناعي لا ذاتي اِذْ قد تصدُقُ عليه باعتبار الاتّصال التّدريجي انَّه واحدٌ
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 441 *»
مع انّه في الحقيقة و في نفس الامر متعدّد كالعلم المكتسب في الاوقات المتعددة مع عدم تخلّل الفصل و التعطيل اذَا كَان مختَلِفاً و مع تخلّل الفصل و التعطيل اذا كٰانَ متّحِداً و قوله بهذه الحركة من قاعدته المقرّرة من اثباتِ الحركة الجوهريّة و نحن نقول بها لكن لانقول بانّ المقتضي من ذات الجوهر بل المقتضي الاعراض التي هي حدود الماهية و الصورة فانّها هي المحركة للجوهر فيترقّي في مراتب الشدّة بصفاۤءِ القوابل و يتنزّل في مراتب الضّعف بضعفِها فحركته الجوهريّة التي يترقّي بها او يتنزل حركة انفعاليّة لا حركة فعليّة كما توهَّمه المصنف و اتباعه و قوله و قول المشاۤئين ان كل مرتبةٍ و حَدٍّ من الاشدّ و الاضعف نوع اخر يريدون به اَنَّ مَا امْتَدَّ علي نحو الاشتداد او الضّعْف تكون اجزاۤؤُهُ مُشكِّكةً فكلّ جزءٍ يصدق عليه التَّسَاوي و لو بحسب الصُّورة اَو الادراك او التّأثير او التأثر او غير ذلك يفرض كونه نوعاً علي حدةٍ و الممتدّ بمجموعه كالجنس لها و انّما كانت هذه الاجزاۤء اَنْواعاً مع انّها من حقيقةٍ واحدةٍ لما قلنا انّ الكمّ و غيره من المشخّصات و المشخصات هي الفصول الجزئيّة لزيد و عمروٍ فهي من الفصل الّذي هو النّاطق كزيدٍ و كعمروٍ من الحيوان الناطق الذي هو النوع و لا شك انّ الانواع من حقيقةٍ واحدة و ان الحصّة الحيوانيّة لكل نوع صالحة للنوع الاخر و انما المميّز بينها الفصول و الفصول في الحقيقة هي القابليّات و الصور و قد ذكرنا انَّها تتألّف من ستّة الكَمّ و الكيف و الوقت و المكان و الجهة و الرتبة و من ستّة متَمّماتٍ للستة الاولي الوضع و النّسبة و الاضافة و الاذن و الاجل و الكتاب و هذه المميزات في الاجناس جنسيّة و في الانواع نوعيّة و في الاشخاص شخْصِيّةٌ و اجزاۤء المشكك تمايزُهَا بهذه الامور فهي انواع للحقيقة المشكِّكَةِ و ان شئتَ قلتَ جزئيّات للنوع المشكّك و المصنف بني تمايزها علي قاعدته من كونه من انفسها و شرط حقيّة ما قَال المشاۤؤن علي كون الحدّ المميّز بين كل نوعينِ منها حدّاً بالفعل فقال لكن بشرط ان يكون ذلك الحدُّ حدّاً بالفعل لا من الحدود المفروضة في الاشتداد فانها غير موجودة بالفعل ( اي ان
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 442 *»
كانت الحدود المفروضة موجودة بالفعل ) و الّا يلزم حصول انواع غير متناهية بالفعل محصورةٍ بين حاصرَيْن ( الابتداء و الانتهاء ) هذه العبارة في غاية الاشكال و المراد منها ان الشيء الممتد في مراتب الشدة و الضعف علي نحو التشكيك يكون مختلف الاجزاء حقيقة و الملا صدرا يقول انه شخص واحد للاتصال و لانا لو قلنا بكون تلك المراتب انواعاً متعددة لزم حصول انواع غير متناهية بين الحاصرين اي المبدء و المنتهي و الشيخ اعلي الله مقامه يقول يلزم حصول الانواع الغير المتناهية بين حاصرين اذا اردنا التساوي الحقيقي في المراتب فانه حينئذ يلزم عدم التناهي لان الاجزاء المشكك متدرجة و لا نهاية لاجزائه و اما اذا اكتفينا بفرض التساوي في اجزاء يحصل انواع محصورة بين الحاصرين و لا محذور و يكفي ذلك في فرض الانواع او الاجناس فلايشترط في حصول الانواع المتعددة وجود حد بالفعل و لايتوقف علي فصل فعلي و يمكن ان يؤخذ ما بين الحاصرين شخصا بالفرض فافهم . كريم
و اقول انا قد اشرنا الي ان حصول تلك الانواع المتعددة لاتتوقف علي وجود حدٍّ بالفعل بل يكفي في فرض تعدّدِها صدق تساوي كل نوع منها بحسب الصورة او الادراك او التّأثير او التأثر و لايتوقّف علي فصلٍ او فاصل و لايلزم حصول انواع غير متناهيَةٍ بالفعل الّا اذا اريد بالتساوي الحقيقي و الوحدة الاتّصاليّة حقيقيّة لا عرفيّة فانه يلزم حصول انواع غير متناهية بالفعل ( تعليل لقوله لايلزم ) للاكتفاۤء بالفرضيّة محصورةٍ بين ابتداۤء و انتهاۤء لارادة ( تعليل لقوله يلزم ) التساوي الحقيقي مع الاتّصالِ الحقيقي لانه مع فرض الاتصال الحقيقي السَّيَّال و ارادة الامرِ المتساوي حقيقة تحصل انواع غير متناهية بالفعل في شيءٍ محصورٍ و ذلك غير واقعٍ نعم يمكن فرض جزئيّ شخصيّ بالفعلِ بين كلّ حدَّيْن مفروضَيْنِ من كلّ حركةِ ترقٍّ او نزولٍ من نموّ او ذبُولٍ و انْقلابٍ او عدولٍ و خروج او دخولٍ و امتزاج او حلولٍ و لهذا قال المصنّف بل الموجود بالفعل هو الامر الشخصي المتوسّط بين هذه الحدود المفروضة في كل حركة و استحالةٍ سواۤء كانت في الجوهر او في الكيف و غيره اقول يريد ان الحركة الجوهريّة كما تكون في الجوهر تكون في الكيف و غيره و هو كما قال الّا ان باعثها ليس نفس المتحرك و الّا لكانت وضعيّة كحركة الفلك او ما بمعناها كحركة جوهر الملك و ساۤئر البساۤئط فانها لاتتحقق فيها الشدّة و الضّعف الّا بالتبع لما يقبلهما او بما يقبلهما و كما يمكن فرض وجود امرٍ شخصي بالفعل متوسط بين هذه الحدود المفروضة في كل
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 443 *»
حركة و استحالةٍ كذلك يمكن فرض امرٍ نوعي بالفعل كذلك لان المتصل الواحد له وجود واحد و له ماهيّة واحدة و لكن بالنسبة الي رتبته من التحقّق و اما بالنسبة الي ما تحته فوجودات متعددة و ماهيات متكثرة و من ثَمّ اطلق المشّاۤؤن القول بنوعية كل مرتبة و حدّ بدون شرطية الفعليّة اذ لا فرق بين وجود الامر الشخصي المتوسط بين الحدود المفروضة و بين وجود النوع المتوسط بين الحدود المفروضة الّا بالاعتبار في اتّحاد الشيء المعتبر كما اشرنا اليه سابقا .
قال } و الذي يكشف عن ذلك و يدفع به الاشكال ان الوجود هو الاصل المتقدّم في الوجودية و الماهية تبع له اتباع الظل للشخص و المتصل الواحد له وجود واحدٌ و له حدود مفروضة و متي كان المحدود واحداً كانت الماهية واحدة غير متكثرة لكن اذا انتهي الي حد و وقف عنده كان متعيّن الماهية التابعة لذلك الحدّ و بالجملة كلما كان الوجود اشدّ و اقوي كان اكمل ذاتا و اتم جمعيّة للمعاني و الماهيات و اكثر اثاراً و افعالاً الاتري انّ نفس الحيوان لكونها اقوي وجوداً من ساۤئر النفوس النباتية و الصور العنصريّة تفعل افاعيل النبات و الجماد و العناصر و ما يزيد عليها و تفعل نفس الانسان افاعيلها كلها مع النطق و العقل يفعل الكل بالاشارة و البَارِئ يفيض علي كل ما يشاۤء { .
اقول قوله و الّذي يكشف عن ذلك اي يدلّ عليه دلالةً تكشف عن حقيقته و المراد من المشار اليه بذلك هو انّ الموجود بالفعل هو الامر الشخصي المتوسّط بين الحدود المفروضة في كل حركة و استحالة و ذلك الدّليل الكاشف ليس كاشِفاً من نحو مادّته و صورته و انّما هو مبنيّ علي طريقته و قواعده فمن سلَّمها له و قبِلها منه ظهرَ له صحّة دليله بمطابقة مراده غالباً و ليس هذه ضابطة الدليل و دليله هنا هو ان الوجود هو الاصل المتقدم في الوجوديّة و الماهية تَبعٌ له اتّباع الظّلّ للشّخص اقول و هٰذا الكلام بانّ الوُجُود اصل و هو يريد بالاصل انّه غير الماۤدة و غير الصورة و غيره منهم ( اي من الغير ) مَنْ قال هو الماۤدة و منهم من قال الاصل هو الماهية و امّا الوجود فعارض عليها و منهم من
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 444 *»
قال بعكس هذا و غير ذلك من الاقوال و هو بني مذهبه علي طريقةٍ اضطربت فيها عباراته في كتبه و حاصلها ما ذكرنا سابقاً و هو الوجود حقيقة واحدة تظهر في افرادٍ تصدق علي كلّ منها علي نحو التشكيك فصِرف الوجود البحت الذي لا شوبَ فيه اصلاً هو الحق تعالي و ما لحقه شوبٌ من نقاۤئص و اعدام فمنسوب الي الحوادث من حيث الانضمام و امّا من حيث نفسه فلميلحقه شيء و ما يلحقه من عوارض مراتب تنزلاته فلاحقة للضماۤئم و اما ذاته فباقية علي حالة الوجوب و لايدخل في الامكان بذاته و انما يدخلها بالعرض و جميع هذه الافراد ما نسب الي الحق تعالي و ما نسب الي الخلق فالوجود صادق عليها بالاشتراك المعنوي لدخول جميعها تحت حقيقة واحدة فوجودات الحوادث من سنخ الوجود الحق تعالي عما يقول عُلوّاً كبيراً
فقوله ان الوجود هو الاصل المتقدّم ان حملناه علي مذهبه فعباراته كما قلنا لك مضطربة لانه يقول بما سمعت مما قلنا عنه و يقول ايضا ان الوجود المنسوب الي زيدٍ اتّحدَتْ به ماهيّته في الخارج فهي عارضة عليه و في الذهن هو عارض عليها و يقول الماهية هي الماۤدة و الصورة و وجود زيد هو حقيقته و اصله و هو سارٍ في مادة زيد و صورته فان حملناه علي الماۤدة كما هو اختيارُنَا صحّ كونه مما يشتدّ و يضعف و ذلك بقبوله للمدد فحركته الجوهرِيّة بقابليته لا من نفسه و القابليّة هي الماهية بالمعني الاول فيكون الممتد بالاشتداد و الضعف في قوس الصعود او النزول صح ان يشتمل علي انواع بمعني ان كل شيء شخصي متوسط بين حدين مفروضين من حركتين او استحالتين او من مختلفيهما فان له وجوداً يعني ماۤدة اتّحدت في كل المميّزات و ماهية يعني صورة مؤلفة من تلك المميزات فانه قد صدقت عليه الوحدة التّشخصيّة من حيث المدركية او الاعتبار في نفسه و بالنسبة الي ما تحته تصدق عليه الكثرة من حيث جهة الاعتبار او المدركية و صح ان يشتمل علي جزئيات بالفعل بمعني ان كل شخصيّ متوسطٍ بين حدين مفروضين من حركتين او استحالتين او حركة و استحالة فان له وجوداً يعني ماۤدة تميزت بمشخصاته التي هي ماهيته و صورته و
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 445 *»
قابليته و اذا حملناه علي مذهبه اختلفت معانيه و اضطربت لان الوجود في نفسه عنده واجب و الواجب لاتصح عليه الحركة الجوهريّة و لا الاشتداد و لا الضعف و لا الامتداد و لا التشكيك و لا التعدد الذّاتي و امّا التعدّد في الاثار فمن تعدّد الافعال و لاينافي تعدد الافعال اتّحاد الفاعل فان الاثار تعدّد بتعدّد القابليات كتعدد الصور في المرايا المتعددة من المقابل الواحد و كل شيء يقبل الاشتداد و الضعف او الامتداد او التشكيك او التعدّد الذاتي و امثالها فهو حادث اذ ليس احد من العقلاۤء يطعن في دليل حدوث العالم في قولهم العالم متغيّر و كل متغيّر حادث فاذا قبل الوجود الاشتداد و الضعف سواۤء من نفسه ام من غيره كان حادثا و لايصح ان ينتهي الحادث الي غير حادث لان ما يخلق منه ان كان حادثاً فذلك المطلوب و ان كان قديما فان كان ذلك الحادث ان كان لميزل غيراً تعدّدت القُدَماۤء سواۤء كان خلق من ذات القديم ام من ظله ثم لا معني لقولنا خلق و ان كان طرءَ بعد القديم رتبة او وقتا تغيّرت احوال القديم بان كان وحده ثم كان معه غيره و كان لميخرج منه شيء ثم خرج و كان لاينسب اليه شيء ثم نسب و متغيّر الاحوال حادث و ان قال المصنّف بحدوث هذه طالبناه بتفسير معني هذا الحدوث هل معناه انه كان و لميكن ام معناه انه ظهر و كان خفيا ام تنزّل و كان عاليا ام انّ النازل ظلّ العالي ام ان معناه انه شأن من شؤنات الحق الذاتية الغير المجعولة اقترن بالماهية الثابتة في علم الحق تعالي الذي هو ذاته و تلك الماهيّة غير مجعولة و لما اقترنا كَان الاقترانُ حادِثاً فنُسِبَا الي الحُدوث لذلك الاقتران و الحاصل اني اكرِّرُ هذه المعاني و اَمْثالها تنبيهاً للغافلين و تذكرةً للمتّقين فقول المصنف في دفع الاشكال و هو انك اشترطتَ في قول المشاۤئين ان تكون الحدود المميّزة للانواع حدوداً بالفعل و لاتكفي الحدود المفروضة لئلايلزم حصول انواع غير متناهية محصورة بين حاصرين و ذلك ممتنع فكيف جوّزْتَ حصول جزئيّات كل جزئي شخصي بالفعل متوسطٍ بين هذه الحدود المفروضة في كل حركة و استحالة يريد به انّ الامر الشخصي المتوسط بين الحدود المفروضة في كل حركة و استحالةٍ موجود بدليل ان
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 446 *»
الوجود اصل لذلك الامر متقدّم في وجوديته علي الامر الشخصي و الامر الشخصي و ان توقف ظهوره علي الماهية الا ان الماهية تابعة للوجود كتبعية الظل للشخص و لما كان المتّصل الواحد من المشكك الممتدّ له وجود واحد هو اصل ذلك المتّصل و لذلك المتّصل حدود مفروضة و كان المحدود واحدا لانه محدود و له وجود واحدة كانت ماهيته واحدة غير متكثرة و كون المتصل واحداً انما هو بحدوده لانه اذا انتهي الي حدٍ قد فُرِضَ له و وقف عنده تعينت ماهيته بتبعيتها لذلك الحدّ فتخصَّصت وحدة هذا المتّصل لوحدة وجوده الّذي هو اصله و لوحدة ماهيته تبعاً لوحدة حدّه المنتهي عليه و ان كان مفروضاً بخلاف النوع لانّه و ان كان واحداً الّا انّه متَكثر باعتبار افراده فلايتحقق الّا بالحدّ الفعلي و نحن قد ذكرنا صحة فرض المشاۤئين و اِنْ لميكن حَدٌّ بالفعل لانّ النَّوْع واحد فيثبت في نفسه بما ثبت به الشخصي و انّما يفرض تكثّره بالنِسبة الي ما تحته لان الحدّ الّذي يقف عنده ذلك مفروض فيكون الوقوف مَفْرُوضاً و لايتحقّق فرض الوقوف لامر شخصي عند حدٍّ فَرْضي الّا باعتبار الصورة او المدركية او التأثير او التأثر و ما اشبهَها و التّعين الاعتباري لايُنَافي التكثّر و الشمول الذّاتي لاسيما اذا كان التكثر و العموم بالنسبة الي ما تحته فيصح فرض الانواع كما يصح فرض الاشخاص و قوله و بالجملة كلّما كان الوجود اشدّ و اقوي كان اكمل ذاتاً و اتمّ جمعيّةً للمعاني و الماهيات و اكثر آثاراً و افعالاً يريد بكلامِه۪ هذا ان الوجود لَمَّا كٰانَ له حركة جوهريّة لذاته كان مختلف المراتب في الشدّة فاستطرد ذكر بعض اوصاف المراتب المختلفة و لا ريب ان كل ما كان اقوي كان اكمل ذاتا و اتمّ جمعيّة اي اتمّ شمولا و احاطة بمعني ان كل ما يفعله الاضعف يفعله الاشد و زيادة و لذا قال الاتري ان نفس الحيوان لكونها اقوي وجوداً من ساۤئر النفوس النباتية و الصور العنصريّة تفعل افاعيل النبات و الجماد و العناصر و ما يزيد عليها يعني من افعال الحيوانية و تفعل النفس الانسانية كلّ ما تفعله الحيوانية و تفعل ما يزيد عليها و هو النطق و ما يرتبط به و العقل يفعل كل ما تفعله النفس
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 447 *»
الانسانية و زيادة الاشارة و ادراك المعاني المجردة عن الصور الجوهرية و المثاليّة الي هنا كلامه صحيح و قوله و البارئ عز و جل يفيض علي كلّ ما يشاۤء فيه اشارة الي ان الاشياۤء كلها منه تعالي بالسِنخ كما هو مذهبه من وحدة الوجود لانه ذكر الاشياۤء الحادثة متناسبة من الضعف الي الشدّة ثم ذكر البارئ سبحانه في جملتها مشعِراً بالنسبة و جعلوا بينه و بين الجنّة نسباً و انما النسبة بين الخلق و لو انّه عرف الحقّ تعالي لَماوصَفه هنا و لَوَضَع ذكر وَصْفِه۪ حيث قال ليس كمثله شيء و ان لا اله الّا هو .