شرح حديث عمران الصابي – الجزء الاول
من مصنفات
العالم الرباني و الحكيم الصمداني
الحاج السيد محمد كاظم الحسيني الرشتي
اعلي الله مقامه
«* جواهر الحكم جلد 4 صفحه 13 *»
d
الحمد للّه رب العالمين
و صلي اللّه علي خير خلقه محمد وآله الطيبين الطاهرين
امّا بعد فيقول العبد الجاني و الاسير الفاني المقيّد بوثائق الامال و الاماني كاظم بن قاسم الحسيني الرشتي انّ جناب الاكرم الامجد الانجد اللّوزعي الالمعي طالب البصيرة العليا في الدين الآميرزا زينالعابدين بلّغه اللّه اقصي مدارج العلم و اليقين بمحمّد و اله الطاهرين عليه و عليهم سلام اللّه ابدالابدين قد التمس منّي ان اكتب كلمات في شرح حديث عمران الصّابي و حلّ رموزه و فتح مقفّله و ايضاح مشكله و اظهار الاسرار المودعة فيه و انّي مع قصور باعي و قلّة اطلاعي قد كنت مشغولاً باشغال تمنعني عن التفرّغ لما اراد كما اراد مع ما فيه من كشف الاسرار التي لاينبغي اظهارها لاهل هذا الزمان لقوله7 لاتتكلّم بما تسارع العقول في انكاره و ان كان عندك اعتذاره و ليس كلّ ما تسمعه نكراً اوسعته عذراً و قال اميرالمؤمنين7 ما كلّ ما يعلم العالم يقدر ان يفسّره فانّ من العلم مايحتمل و من العلم مالايحتمل و من الناس من يحتمل و منهم من لايحتمل و لكنّي لمّا الزمت علي نفسي رعايته و اوجبت علي ما استطعت حمايته ما امكنني الاّ اجابته و سارعت الي نجح طلبته سالكاً الطريقة الوسطي و مازجاً بين التصريح في العبارة و التلويح بلطائف الاشارة فانّ في هذا الحديث الشريف من الاسرار و الاحوال مالاتسعه العبارة و لاتحويه الاشارة و اختصر في المقال لضيق المجال و تبلبل البال و تعارض الاحوال و اقتصر في شرح الحديث مايكون متعلّقاً بمسائل عمران الصابي دون غيره من باقي الحديث لاستلزامه التطويل و ادائه الي كثرة القال و القيل.
فاقول مستعيناً بالربّ الجليل بعد قطع الاباطيل و دحض الاضاليل قال مولينا و سيّدنا علي بن موسي الرضا7:
يا قوم ان كان فيكم
«* جواهر الحكم جلد 4 صفحه 14 *»
احد يخالف الاسلام و اراد ان يسأل فليسأل غير محتشم فقام اليه عمران الصابي و كان واحداً من المتكلّمين فقال يا عالم الناس لولا انّك دعوت الي مسألتك لم اقدم عليك بالمسائل فقد دخلت الكوفة و البصرة و الشّام و الجزيرة و لقيت المتكلّمين فلم اقع علي احدٍ يثبت لي واحداً ليس غيره قائماً بوحدانيّته أفتأذن لي ان اسألك؟ قال الرضا7 ان كان في الجماعة عمران الصابي فانت هو. قال انا هو قال سل يا عمران و عليك بالنّصفة و ايّاك و الخطل (الختل خ ل) و الجور قال واللّه يا سيّدي ما اريد الاّ ان تثبت لي شيئاً اتعلّق به فلا اجوزه.
اقول اعلم انّ السافل ليس الاّ محض افاضة العالي و لمّا دلّت الادلّة القطعية من العقلية و النقلية انّ الافاضة لاتكون بالجبر و الاضطرار و انّما تكون بالقبول و الاختيار فالعطاء علي نهج الاختيار يستدعي افاضة من يريد بما يريد كما يريد لا ما يريد المفيض كما يريد و ان كان ذلك ما يريد كما يريد بما يريد فوجب في الحكمة علي المفيض المعطي حينئذٍ السؤال من المستفيض للقبول و لذا جري الخطاب التكويني في الشرع الوجودي بلفظ الامر المنبئ عن التكليف المنبئ عن الاختيار و الارادة فقال سبحانه «كن» و ضمير الفاعل فيه انت الراجع الي المفعول المستفيض فكان المفعول هو فاعل فعل الفاعل الامر فسأله الامر الفاعل التكوّن و قبول مايعطيه من الوجود فقبل ثمّ قال تعالي «فيكون» بارجاع الضمير الي القابل المفعول و هذه القابلية للسؤال انّما تحقّقت و وجدت بالسؤال حين الخطاب لا قبله و لا بعده و لذا كان المخاطِب بالكسر و المخاطَب بالفتح مشتقّين من الخطاب فلمّا وجد المفعول بالوجدان الصلوحي الاقتضائي سألوا ربّهم بفقر قابليتهم ان يسألهم ما به يمتازون و يختلفون و يأتلفون فسألهم تقريراً للسؤال الاوّل و اجابة للسؤال الثاني ألست بربّكم و محمّد9 نبيّكم و علي و الائمّة الاحد عشر و فاطمة الصديقة عليهم و عليهاالسلام اولياءكم فاجابوا فمنهم علي جهة المحبّة و الموافقة لمراد اللّه سبحانه و منهم علي جهة المخالفة و الانكار فسعد من سعد و شقي من شقي هو الذي خلقكم فمنكم كافر و منكم مؤمن.
ثمّ لمّا التقي الماءان و اختلط
«* جواهر الحكم جلد 4 صفحه 15 *»
البحران بحر علّيين و بحر سجّين صار عند اهل سجّين قشر و رشح من علّيين و بالعكس و ذلك بتوارد القطرة النازلة من علّيين من المزن تحت العرش الخارقة للسموات الواصلة الي الارض و البخار الصاعد من سجّين الي الارض فالعرضيّات اختلفت بالقوة و الضعف و الزيادة و النقصان فعرضيّة اولئك فيهم تستدعي ظهور الايمان ظاهراً او فعل بعضٍ لبعض الطاعات و عرضيّتهم في اولئك تقتضي الكفر ظاهراً او فعل بعض المعاصي و هذا هو المراد بالخلط و اللطخ.
ثمّ لمّا كان الامام7 جابر الكسير و متمّم النقصان و ولي التدبير فاللازم عليه ان يصفّي اهل اللطخ و الخلط من كدورة الظلمات و يخرجهم من الظلمات الي نور الهدايات و ذلك الاخراج يجب ان يكون من دون الاكراه و الاجبار اذ لا اكراه في الدين فلذلك اجري كلامه اثباتاً لهذا الغرض و المدّعي مجري السؤال الاختياري و لانّ ما من المبدء الافاضة علي نهج السؤال و ليمكّن قابليات الحاضرين لطلب الحق و قبوله اذ بدون السؤال ربّما يحتشمون عن السؤال و لايسألونه فيبقون علي الضلال و ربّما ييأسون لمّا شاهدوا من ابطال حجج اهل المقالات و الملل فيحقّرون انفسهم عن سؤاله فيبقي علي ضلاله و مطلوبه7 الهداية و شأنه اخراجهم عن الضلالة ان قبلوا و لذا سألهم7 و قال يا قوم ان كان فيكم من يخالف الاسلام و اراد ان يسأل فليسأل غير محتشم الخ و انّما عمّم سؤاله اتماماً للحجّة علي الكفّار و المعاندين الذين انكروا و استكبروا و لم يقرّوا و اعانةً للطيّبين الذين غرّتهم عوارض الخلط و اللطخ العرضي فاظهروا الانكار ذاهلين عمّا في ذواتهم من الانوار و اكمالاً للنعمة بزيادة التبصرة و الهداية بعد الهداية و النور علي النور علي المؤمنين المقرّين و دفعاً لشبهة المشبّهين المموّهين الذين يموّهون علي عامّة الناس بانّهم سلام اللّه عليهم غير عالمين كما قال ابوحنيفة و مايعرف جعفربنمحمّد و انّما هو رجل صحفي الي غير ذلك من كلمات المموّهين و عند التخصيص لا تعمّ هذه المطالب و المقاصد.
و هذا في التكوين و التشريع في كلّ مقام بحَسَبه
«* جواهر الحكم جلد 4 صفحه 16 *»
الاّ انّ بيان احوالهما و كيفيّة سؤاله مما لاينبغي اظهاره في هذا الزمان الذي قد مدّ الجور باعه و اسفر الظلم قناعه و دعا الغي اتباعه فكثر مجيبوه و ملبّوه الاّ انّ الاسلام الذي هو شهادة ان لا اله الاّ اللّه و انّ محمّداً رسول اللّه9 و انّ عليّاً7 ولي اللّه اذا تجسّد في التكوين و تشخّص في التعيين ظهرت الصورة الانسانية علي اليقين كما قال مولانا اميرالمؤمنين7 انّ الصورة الانسانية هي اكبر حجة اللّه علي خلقه و هي الكتاب الذي كتبه بيده و الهيكل الذي بناه بحكمته و هي مجمع صور العالمين و هي الشاهد علي كلّ غائب و الحجّة علي كلّ جاحد و هي الصراط المستقيم و هي الصراط الممدود بين الجنّة و النار فالصورة الانسانية الظاهرة جسد و صورة للصورة الباطنية التي هي الاعمال و الاعتقادات فتصاغ البواطن علي تلك الحدود و الهيئات فكمال الاخلاص يقتضي كمال الصورة و جمالها و قلّة الاخلاص تقتضي اعوجاجها و عدم استقامتها و الانكار يقتضي الصورة الخبيثة البهيمية من الكلبية و الخنزيرية من الظاهرية و الباطنية فكما انّ الاسلام الظاهري انّما كان بقول الامام7 و كذلك الاسلام التكويني الحقيقي انّما كان بنور الامام و بقوله التكويني لانّ امراللّه واحد في الوجود و التكوين كذلك الكفر الظاهري كان بمخالفة الامام7 و انكاره كذلك الكفر التكويني بمخالفة القول التكويني قال تعالي فضرب بينهم بسور له باب باطنه فيه الرحمة و ظاهره من قبله العذاب لانّ الامام7 نعمة اللّه علي الابرار و نقمته علي الفجّار.
و قوله7 و اراد ان يسأل فليسأل تنبيه لما الامر عليه في الواقع الوجودي من الافاضة و الاعطاء علي مستحقّيها فانّ من لميرد السؤال لميقبل الجواب فالقابلية سؤال و اجابة كما انّ سؤال المفيض اجابة و سؤال و هو سرّ الامر بين الامرين الذي قام عليه العالم في النشأتين.
و قوله7 غير محتشم لبيان تمكين القابلية لانّ السؤال يستدعي سائلاً و مسئولاً و تمكين القابلية للاجابة و ذلك برفع الموانع و تخلية السرب و
«* جواهر الحكم جلد 4 صفحه 17 *»
اعطاء الامر و الاحتشام يمنع قابلية المطلوب عن السؤال فيحرم عن الجواب فيحرم عن الخير فيبطل غرض الايجاد([1]) و نقض الغرض من الحكيم محال.
فقام اليه عمران الصابي و قد كان رجلاً من الصابئة. فاختلف اقوال العلماء فيهم و في مذهبهم فقيل انّهم جنس من اهل الكتاب و عن ابن الجنيد انّهم قوم من النصاري و نقل العلاّمة انّهم مبتدعة النصاري كما انّ السامريّة مبتدعة اليهود و قيل انّهم ليسوا من النصاري و هو قول الشيخ في المبسوط و انّما هم عبدة الكواكب و يُقال انّ الصابئين فرقتان فرقة توافق النصاري في اصول الدين و فرقة يخالفونهم فتعبد الكواكب السيّارة و تضيف الاثار اليها و تنفي الصانع المختار و عن علي بن ابرهيم القمي صاحب التفسير الصابئون قوم لا مجوس و لا يهود و لا نصاري و لامسلمون و لكنّهم يعبدون الكواكب و النجوم.
و قال شيخنا و استادنا اطال اللّه بقاه و جعلني فداه الذين شاهدناهم قبلتهم من مهبّ الشمال و امّا ماينتسبون اليه من الانبياء فبعضهم يدّعي انّ نبيّهم يحيي و سمعنا من بعضهم انّ نبيّهم ابرهيم و من بعضهم ممّن يظهر منه اثار المعرفة انّ نبيّهم ادم فقلت له هل كان بعد ادم انبياء ام لا؟ فقال قد كان فقلت له لم لمتتّبعوهم و قد كان منهم من له شريعة نسخت شريعة ادم؟ فقال انّ ادم عهد الينا ان لا نتّبع احداً من الانبياء بعده و قال بعضهم انّ المعبود الحق هو ماري و زوجته شيماشي و له اولاد اربعة كبيرهم هييلزيوا و قضماهي و مندارهي و ششلامربه فلمّا ذكرت ذلك لذلك العارف انكر الاولاد و الزوجة و قال انّ هييلزيوا هو جبرئيل و مندارهي معناه ربّ الارض و هو اسم ماري و الحاصل انّهم ليسوا من اهل الكتاب و اخبرني ذلك الرجل الذي اسلم منهم و ظاهره الديانة و الصدق انّ لهم قراءة علي الذبيحة لا تحلّ الذبيحة عندهم الاّ بها و هي «ميدهيي شمند ادهيي قمطر خوالخ يثاهي هي القريخ هييل زيوا منسي متغيي قمطر خوالخ بوقضمايا» قال و لهم اسماء يحلفون بها و لا يكذبون اذا حلفوا بها و هي »نخست اپيرزنا وهللت اپيرزنا انانخاسا ماري هياساهوبي
«* جواهر الحكم جلد 4 صفحه 18 *»
هطاتي شفاشافي تكلاتي» انتهي كلامه جعلني اللّه فداه.
و قال صاحب الملل و النحل انّ الصابئة ظهرت في اوّل سَنَة من ملك طهمورث ثالث ملوك الدنيا و ان الفرق في زمان الخليل صلوات اللّه عليه كانت راجعاً الي صنفين الصابئة و الحنفاء فالصابئة تقول انّا نحتاج في معرفة اللّه سبحانه و معرفة طاعته و اوامره و احكامه الي متوسّط لكن ذلك المتوسّط يجب ان يكون روحانياً لا جسمانياً و ذلك لذكاء الروحانيات و طهارتها و قربها من ربّ الارباب و الجسماني بشر مثلنا يأكل ممّا نأكل و يشرب ممّا نشرب يماثلنا في المادة و الصورة و الحنفاء كانت تقول انّا في المعرفة نحتاج الي متوسّط من جنس البشر يكون درجته في الطهارة و العصمة و التأييد و الحكمة فوق الروحانيات يماثلنا من حيث البشرية و يمايزنا من حيث الروحانية و يلقي الي نوع الانسان بطرف البشرية ثمّ لمّا لميتطرّق للصابئة الافضاء الي الروحانيات البحتة و التقرّب اليها باعيانها و التلقي منها بذواتها فزعت جماعة الي هياكلها و هي السيّارات السبع و بعض الثوابت و ربّما تنزّلوا عن الهياكل الي الاشخاص التي لا تسمع و لا تبصر و لا تغني عن الانسان شيئاً و الفرقة الاولي هم عبدة الكواكب و الثانية عبدة الاصنام و قال ايضاً انّ الصابئة الاولي كانت تقول بنبوّة غازيمون و هرمس و هما شيث و ادريس عندهم و تنكر نبوّة من بعدهما من الانبياء ثمّ عادوا الي انكار النبوّة رأساً و زعموا انّهما كانا حكيمين لا نبيّين الخ.
و الحاصل انّهم ليسوا من اهل الكتاب و لا من اهل الذمّة و انّما هم حربيّون كما قال الصادق7 علي ما رواه صاحب مجمعالبحرين قال7 سمّي الصابئون لانّهم صبوا الي تعطيل الانبياء و الرسل و الشرايع و قالوا كلّ ما جاءوا به باطل فجحدوا توحيد اللّه تعالي و نبوّة الانبياء و رسالة المرسلين و وصيّة الاوصياء فهم بلا شريعة و لا كتاب و لا رسول انتهي الحديث و قوله7 جحدوا توحيد اللّه يعني علي التحقيق و الواقع لانّهم اثبتوا له الاولاد و البنين و وصفوه بصفات لا تليق بعزّ جلاله و عظم شأنه كما سمعت. و عمران قبل اسلامه و ايمانه كان من تلك الطائفة المخذولة و لذا سمّي بعمران الصابي و كان واحداً من
«* جواهر الحكم جلد 4 صفحه 19 *»
المتكلّمين الباحثين عن كلام اللّه و صفاته و افعاله و اثاره.
و لمّا كان مسألة كلام اللّه ممّا طال التشاجر و النزاع فيها بين الاشاعرة و المعتزلة و غيرهم من سائر الفرق و الملل من كونه قديماً او حادثاً عين الذات او غيرها او لا عينها و لا غيرها او هو عينها في المصداق و غيرها في المفهوم و غير ذلك ممّا وقع الكلام و البحث و الاختلاف فيه فلمّا كثر البحث في ذلك سمّوا الباحثين في ذلك متكلّمين ثمّ سري بحثهم و جري في غيرالكلام من سائر الصفات و الافعال و المبادي فجعلوه علماً برأسه و سمّوه علمالكلام لانّه هو الاصل في هذا المرام و جعلوا موضوع علمهم ذلك ذات اللّه سبحانه حيث انّ بحثهم في ذلك العلم انّما كان عن احوال اللّه سبحانه و صفاته الثبوتية و السلبية فتكون الذات هو الموضوع و لم يتفطّنوا انّ الموضوع هو الذي يبحث عن عوارضه الذاتية و العوارض مايعرض الشيء لذاته اي بغير واسطة كالتعجّب العارض للانسان او لامر يساويه كالضّحك العارض للانسان بواسطة التعجّب او لجزئه كالحركة العارضة للانسان بواسطة الحيوان الذي هو احد جزئيه كما قالوا و العرض ايضاً امّا ان يكون لازماً او مفارقاً و اللازم امّا ان يكون للماهية كالزوجية للاربعة او للوجود الخارجي الشخصي كالاحراق للنار او للنوعي كالكلية للانسان فاذا كان المبحوث عنه في العلم هو العوارض الذاتية و كان المعروض الموضوع هو ذات اللّه سبحانه القديمة فهذه العوارض لا تخلو امّا ان تكون حادثة او قديمة و علي الثاني لا تخلو امّا ان تكون هي اللّه سبحانه لا غير ام غيرها([2]) و علي الاوّل بطل الموضوع و العوارض لضرورة انّ العوارض خارجة عن ذات المعروض والاّ لمتكن عارضة فلابدّ من الاختلاف و ان كان بالاعتبار و التعدد الاعتباري موجبٌ لتكثّر الذات ان كان اعتباراً صواباً و صدقاً والاّ فكذب و باطل و علي الثاني تعددت القدماء و نفته ادلّة التوحيد و علي الاوّل كانت ذات اللّه سبحانه محلاً للحوادث ضرورة انّ الموضوع هو محلّ الاعراض كما نصّوا عليه في الفرق بين الموضوع و المحلّ بانّ الموضوع هو محلّ العرض فقط و المحلّ يكون محلا للجوهر كالهيولي للصورة الجوهرية و قد دلّت الادلّة
«* جواهر الحكم جلد 4 صفحه 20 *»
القطعيّة من العقليّة و النقليّة بامتناع كونه تعالي محلا للحوادث و امتناع كونه تعالي معروضاً لعارض او ملزوماً للازم او مشروطاً بشرط سبحانه و تعالي عمّا يقوله الملحدون علوّاً كبيراً فاللّه سبحانه ليس موضوعاً لعرض و لا محلاً لجوهر.
و قد ذكر بعضهم في الفرق بين علم الكلام و علم الحكمة اّن الكلام هو ما يبحث فيه عن احوال المبدء و المعاد علي نهج قانون الاسلام و الحكمة هي ما يبحث فيه عن احوال المبدء و المعاد لا من جهة قانون الاسلام بل بمقتضي العقل طابق قواعد الاسلام ام خالف لا انّهم يتعمّدون المخالفة و اذا اردنا تصحيح هذا الفرق يجب ان نقيّد الاسلام الذي يجري علم الكلام المتداول علي قوانينه و قواعده ما عليه العامّة من المخالفين و اما علي قواعد اهل بيت العصمة و الطهارة: فلايطابق شيئاً من ذلك و انما يخالفها و يضادّها كقولهم انّ موضوع علم الكلام ذات اللّه سبحانه و كقولهم انّ المفهوم ينقسم الي واجب لذاته و واجب لغيره و ممتنع لذاته و ممتنع لغيره و ممكن لذاته و كقولهم انّ مفهوم الوجوب و القدم و الحدوث امور اعتباريّة و كقولهم انّ الواجب مفهوم كلي منحصر في الفرد و كقولهم انّ المشيّة و الارادة من صفات الذات و هكذا من سائر اقوالهم الباطلة و عقايدهم الفاسدة المخالفة لما عليه اصحاب العصمة و الطهارة صلّياللّه علي محمّد و عليهم اجمعين كما فصّلنا و شرحنا في كثير من مباحثاتنا و اجوبتنا للمسائل و نشير الي نبذة فيما بعد انشاءاللّه تعالي.
و كذلك يجب تقييد العقل الذي عليه مدار قواعد علم الحكمة و قوانينه بما يعمّ الجهل و النكراء و الشيطنة حتي يمكن القول بمخالفته للشرع فحينئذ يقال انّ الحكمة قد تخالف الشرع و اما اذا فسّرنا العقل بما فسّره به الائمة الهداة: من انّه ما عبد به الرحمن و اكتسب به الجنان و انّه النور الالهي المحبوب عنداللّه تعالي حين قال الله تعالي اقبل فاقبل و قال له ادبر فادبر ثمّ قال له عند كمال الامتثال ما خلقت خلقاً هو احبّ الي منك و انّه النبي الباطني و انّه النعمة التي انعم اللّه بها عبده كما ورد في تفسير قوله تعالي و اسبغ عليكم
«* جواهر الحكم جلد 4 صفحه 21 *»
نعمه ظاهرة و باطنة عن الكاظم7 انّ النعم الظاهرة هي الانبياء و النعم الباطنة هي العقول و امثال ذلك ممّا ورد في العقل فلا يعقل كون العقل حينئذ مخالفاً لقانون الاسلام و قواعده بل العقل طبق الشرع و الشرع طبقه لايتخلّف احدهما عن صاحبه فصاحب العقل المستقيم الباحث عن معرفة الاشياء كما هي علي ما خلقه اللّه سبحانه هو الحكيم الذي شهد له الشرع و الكتاب و السنّة بصحّته و هو الذي اوتي خيراً كثيراً و اما ماسوي ذلك فليس بصاحب عقل سليم و انما هو صاحب النكراء و الشيطنة و علي طبق العقل بالمعني الاعمّ جرت حكمة الملاحدة و الصوفية و الزنادقة و علي طبق العقل الشرعي جرت حكمة الحكماء من علماء اهل البيت سلام اللّه عليهم و الحمد للّه وحده.
و عمران كان اوحدياً في علم الكلام و الدّقة و النقض و الابرام و في تعمّق الفكر و دقّة النظر و كان يجري مجري المتكلّمين و لايحصل له من تلك الطريقة البصيرة و اليقين و كان ضيّق الصدر كدر القلب ممّا تراكم عليه من الشبهات و عظم ما يشاهد في اقوال المتكلمين و اعتقاداتهم من الاضطرابات و الاختلافات و مقتضي تلك الاقوال و الاعتقادات الاقرار بربّ له اولاد و شركاء و انكار نبوة الانبياء و وصاية الاوصياء كما هو مقتضي دين الصابئة و شرح هذه الكلمات طويل و الاجمال اولي و لذا لمّا دعاه الامام بلفظ العموم و ارادة الخصوص اجابه و لبّاه لما فيه من النورانيّة المعنويّة فقال يا عالم الناس لولا انّك دعوتني الي مسألتك الخ.
امّا انّه عالم الناس فاوضح من ان يخفي و اشهر من ان ينكر في الظاهر و اما في الحقيقة فكلّ ما دخل حيطة الوجود يصدق عليه انّه انسان حقيقة او حقيقة بعد حقيقة اذ الاشياء كلّها بدت عن فعل اللّه سبحانه علي تلك الصورة الطيّبة فمنها ما بقي علي ما هو عليه فسمّي انساناً ظاهراً و منها ما خفيت فيه تلك الحقيقة فقدّرت الانسانية و ظهرت الحيوانية فسمّي بهيمة و حيواناً علي مقتضي تلك الصورة الظاهرة و بقيت الحقيقة محفيّة تحت الحجب و الاستار و هذا معني ما نعبّر عنه كثيراًما بالفطرة الاولي و الفطرة الثانية فكلّ ما في العوالم
«* جواهر الحكم جلد 4 صفحه 22 *»
الالف الف انسان و الامام7 عالمهم و سيّدهم لانّ اللّه سبحانه اتاه مالم يؤت احداً من العالمين طأطأ كلّ شريف لشرفه و بخع كلّ متكبّر لطاعته و خضع كلّ جبّار لفضله و ذلّ كلّ شيء له و لابائه و ابنائه و جدّته الصديقة صلّياللّه عليه و عليهم و عليها اجمعين و لا تكون الفضيلة و الشرافة الاّ بالعلم باللّه سبحانه كما برهن في محلّه فهو7 اذاً العالم في الناس علي جهة الاطلاق و هنا وجوه اخر من تصاريف ظاهر الظاهر و ان لم يرد عمران الصابي لكنّه امر واقعي بذكره يطول الكلام مع انّه مخفي عن الافهام و مستور عن الاحلام.
قوله لولا انّك دعوتني الخ يحتمل معنيين احدهما انّه من جهة غروره و اعجابه بنفسه و بعلمه و انّه بحيث لم يطق لكلامه متكلّموا الدهر و علماء العصر لم يبتدء بالكلام تعظيماً لشأنه و اثباتاً لرفعة مكانه و انّه مما لاينبغي ان يسأل احداً اذ ليس احد في زعمه اعلم منه حتي ينتفع منه بالسؤال و من جهة انّ تلك المسألة المستصعبة عليه مما لا يقدر احد علي الجواب عنه حيث مالاقي احداً من العلماء الكاملين قام له بحقيقة الجواب فقاس الامام بغيره جهلاً منه بمقامه7 من انّه الذي اشهده اللّه خلق السموات و الارض و خلق انفسهم فزعم انّه حينئذ لا فائدة في السؤال و تكثير المقال لكنّه لمّا دعاه الي السؤال اجاب و تحمّل المشقّة بلافائدة او انّه اذا قطع الامام7 عن الكلام و غلب عليه بالجدال فينقص مقامه عند الناس فلا يلوم حينئذ الاّ نفسه لانّه هو الذي دعاني اليه و ابتدأني و استنطقني.
و ثانيهما انّه لمّا رءاه7 قد قطع حجج جميع اهل الملل و الاديان و ابطل مقالاتهم و شبهاتهم علي مقتضي كلماتهم و قرأ علي اهل كلّ ملّة كتابه الذي بعثه الله لهم علي نهج احسن منهم و ابان جهلهم بكتابهم و بكلام نبيّهم و عرف بصافي الطويّة و خالص السريرة انّ هذا العلم مما لا يحصل من معلّم و لا يؤخذ من كتاب و لا يكتسب بسؤال و لا جواب اذ لا يمكن للمكتسب هذه الاحاطة العظيمة التي تبهر عندها العقول و الاحلام فعلم انّ ذلك من تأييد الهي و
«* جواهر الحكم جلد 4 صفحه 23 *»
فيض ربّاني قد ظهرت عليه العظمة و الكبرياء و الجلال و البهاء فاضمحلّت نفسه عند ظهور تلك الكبرياء و استحقرت عند ذلك النور و البهاء و لم يعدّ نفسه ممّن يتكلّم عند ذلك النّير الاعظم و الطود الاشمّ و كان احبّ ان يهتدي بهداه و يستنير بنوره ولكن حقارة نفسه و دناءة ذاته عنده7 و ظهور العظمة سلب عن يده عنان التمالك فلم يجسر للكلام و لم يقدر علي نيل منتهي المرام و لمّا كان الامام7 لايخفي عليه احوال الكائنات في كل النشئات اراد استجلابه و اسكان مافيه من الاضطراب و الاختلال حتي يتمكّن للخطاب و يقدر علي مقابلة السؤال بالجواب و لذا ابتدأ7 بالدعوة و قال فليسأل غير محتشم و قيد الاخير لهذه الدقيقة و لذا دعا في هذا المقام عند مخاطبته عمران دون غيره لما ذكرنا من معرفة حاله و مشاهدة اضطراب باله فمن هذه الجهة قال عمران لولا انّك دعوتني الي مسألتك لم اقدم اذ لم اقدر لما شاهدت من كمال عظمتك و حقارة نفسي فلمّا خاطبتني سكن روعي و ذهب خوفي و تمكّنت للسؤال و ارجو منك عظيم الاحسان و النوال و لعله لهذا خاطبه7 بعالم الناس حيث عرف ذلك منه و عرف مطلوبه و ضعفه فتداركه بما يتقوّي به لنيل مطلوبه فخاطبه بالعالم حيث علمت ما في قلبي و ابنت ما في مكنون ضميري فانت مطلوبي و حاجتي لانّي سافرت كثيراً و دخلت الكوفة و البصرة و الجزيرة ـ الظاهر انّها البحرين او مابين النهرين الدجلة و الفرات كما اشتهر علي السنة الناس الان ـ و لقيت المتكلّمين فلم اقع علي احدٍ يثبت لي واحداً ليس غيره قائماً بوحدانيته.
و هذا يدلّ علي كمال دقّة نظره و غور فكره لانّ كلّ من حاول ان يعرف اللّه سبحانه من غير جهة اهلالبيت: فقد هوي و غوي لانّ اللّه سبحانه لا يعرف الاّ بهم كما قال اميرالمؤمنين7 نحن الاعراف الذين لايُعرف اللّه الاّ بسبيل معرفتنا و قال7 فيالزيارة الجامعة من اراد اللّه بدأ بكم و من وحّده قبل عنكم و من قصده توجّه بكم و قال فيها بموالاتكم علّمنا اللّه معالم ديننا و قال ايضاً فيها ان ذكر الخير كنتم اوّله و اصله و فرعه و معدنه و مأويه و منتهاه و قال
«* جواهر الحكم جلد 4 صفحه 24 *»
ايضاً بنا عرف اللّه و بنا عُبد اللّه و لولانا ما عرف الله و ماعبد الله و امثالها من الروايات كثيرة لا تحصي فاذا كان الحقّ منحصراً فيهم و عندهم و كلّ ما عند مخالفيهم ليس الاّ كسراب بقيعة يحسبه الظمئان ماء حتّي اذا جاءه لم يجده شيئاً فكلّ من نظر في كلام المخالفين بعين صافية و بصيرة صادقة لا يجد ثباتاً ابداً في كلّ المسائل خصوصاً في معرفة اللّه سبحانه تريه يخبط خبط عشواء لانّه ما دخل البيت عن بابه و لذا قال لم اقع علي اَحَدٍ يثبت لي واحداً ليس غيره قائماً بوحدانيّته يعني يثبت لي انّ الصانع واحد ليس معه غيره.
فالكفّار و عَبَدَة الاصنام يجعلون مع الواحد في العبادة غيره من الاصنام و كذا كلّ من نظر الي غيره تعالي بنظر الاستقلال و التذوّت و الثنوية يجعلون معه غيره من يزدان و اهرمن و الاشاعرة يجعلون معه غيره و هي الصفات الزائدة عن ذاته تعالي المقترنة بها و المعتزلة يجعلون معه غيره حيث قالوا انّ الخلق مفوّضون واللّه معزول عنهم فصار مع اللّه مستقلاً اخر له فعل و تأثير بدونه تعالي اللّه عمّا يقوله الملحدون علوّاً كبيراً و الصوفية يجعلون معه تعالي غيره حيث قالوا بوحدة الوجود فصار الحق سبحانه و تعالي مقترناً بالاشياء فكانت الماهيّات و الكثرات معه مقترنة بذاته تعالي و اصحاب المفاهيم جعلوا معه غيره تعالي حيث قالوا انّ مفهوم الوجود مشترك معنوي بين اللّه و بين خلقه فجعل الواجب سبحانه فرداً و الممكن فرداً اخر فقد جعل الممكن ضدّه و قسيمه و مقترناً به و دعوي انّ المفهوم يخالف المصداق باطلة كما تكلّمنا عليه كثيراً و اصحاب الكليات جعلوا معه غيره تعالي حيث قالوا بعموم مفهوم الواجب و كونه تعالي فرداً من افراده و لا شكّ انّ الفرد مركّب من الكلي و الخصوصية و كذا من قال بانّ الصفات كلية تشمل اللّه سبحانه و غيره كالمشتقات كالعالم و القادر و الحي و غير ذلك و كذا من قال بانّ بسيط الحقيقة كلّ الاشياء حيث جعل معه غيره لئلاّ يلزم التركيب فقد وقع في التركيب من حيث لا يشعر لانّ جهة الذات المجرّدة غير جهة اجتماعها كلّ الاشياء اذ لا شكّ انّ المعنيين لا يفهم بلحاظ واحد و اصحاب الاعيان الثابتة جعلوا معه غيره صريحاً في الازل حيث قالوا انّ
«* جواهر الحكم جلد 4 صفحه 25 *»
الاعيان الثابتة مُستجنّة في غيب الذات استجنان الشّجرة في النواة و مندرجة فيها اندراج اللوازم في ملزوماتها و كذا من يقول بانّ الفاعل المقترن بالفعل المتعلق بالمفعولات هو عين الذات لانّه جعل معه غيره تعالي و الغلاة القائلين بانّ الفاعل هو الفعل او محلّه باعتزال الذات فقد جعلوا معه غيره مستقلاً سواه و لم يجعلوه قيّوماً قائماً بوحدانيته و صغّروا عظمة اللّه سبحانه اذ اخرجوه من سلطانه و قيّوميّته و كذا قائلون بانّ الخالق الفاعل هو الفعل و محلّه باذن الذات كالوكيل و كالسّيد اذا امر لعبده ان يفعل شيئاً فانّهما حينئذ معزولان عن الموكّل و السّيد تعالي ربّي و تقدّس عمّا يقول الظالمون و الملحدون علوّاً كبيراً.
و الحاصل قوله هذا يثبت كلّ اعتقاد حقّ و يمحو كلّ اعتقاد باطل و لايتحصّل بيان هذا الكلام علي الامر الواقعي الاّ في بيت نزل فيه الوحي علي المعاني كلّها و هو البيت الذي وسع احكام الربوبيّة كما قال عزّ و جلّ في الحديث القدسي ما وسعني ارضي و لا سمائي و وسعني قلب عبدي المؤمن فهو بيت اللّه اوّل بيت وضع للناس للذي ببكّة مباركاً لانّ اللّه تعالي لا يعرف من سنخ ذاته كما يأتي انشاءاللّه و انّما يُعرف ببيان منه حيث كان هو المجهول المطلق بالنسبة الي غيره تعالي و قد دلّت الادلّة القطعيّة من العقليّة و النقليّة انّ المحمّد صلّي اللّه عليهم هم باب اللّه و تراجمة وحيه و السنة ارادته فاين يوجد الحقّ من عند غيرهم اذ كان الحقّ للّه و هو قول النبي9 ما معناه يا ابن عبّاس لن تجد حقاً بيد احد من الخلق الاّ بتعليمي و تعليم علي7 فمن رام ان يعرف الحقّ لا عنهم فقد ضلّ ضلالاً بعيداً و خسر خسراناً مبيناً فلا يجوز لاحد ان يعتمد علي عقله في المسائل النظريّة الخلافية الاّ بعد الوزن علي ميزان كلماتهم فان وافقها فحقّ و الاّ فباطل و لمّا كان الشيء لا يجري عليه حكم القضاء الاّ بعد الوقوف علي باب الاذن و صدور الامر بالاذن و ان اقترنت الاسباب بمسبّباتها و كذا كلّ فعل مضارع اشتق منه فعل الاستفهام فقال اتأذن لي ان اسألك فقال الرضا7 ان كان في الجماعة عمران الصابي فانت هو فقال انا هو.
«* جواهر الحكم جلد 4 صفحه 26 *»
اقول و كيف لا يعلمه و لا يعرفه7 و قد قالوا في حقّهم كما في الزيارة الرّجبيّة و عندكم ما تزداد الارحام و ما تغيض و ماانعقدت نطفته في رحم امّه الاّ بمحضر و مرئي منه7 لانّ اللّه سبحانه جعلهم اشهاداً علي خلقه و اشهدهم خلق السموات و الارض و خلق انفسهم و ما سمّي باسمه الاّ بتعليمهم: فانّ الامام جعفر بن محمّد8 في زيارة الشهيد ابيعبداللّه الحسين روحي له الفداء يقول ارادة الرّب في مقادير اموره تهبط اليكم و تصدر من بيوتكم الصادر عما فصّل من احكام العباد فجميع ارادات الرّب عزّ و جلّ في جميع مقادير جميع الامور ترد و تقع علي قلوبهم و يصدر من قلوبهم التي هي بيوتهم جميع تفاصيل جميع احكام جميع العباد كما تشهد له عبارة الزيارة فمن مقادير احكام عمران كونه ذرّاً في الهباء و منها كونه رطوبة قطرة في الماء و منها كونه غذاء للشجرة و منها كونه غيباً في الثمر و منها كونه غذاء للأب و منها تخلّصه عن ثفل الكيلوس و الكيموس و صيرورته نطفة من مني يمني و منها انتقاله الي رحم المرأة و منها تطوّره الي اطوار النطفة و العلقة و المضغة و العظام و اكتساء اللحم و منها ظهور النفس الحسّية الفلكيّة و منها الولادة الدنياويّة و منها تغذيته و تنميته و تسميته و جميع احواله اذ كلّ ذلك بعين اللّه التي لا ترام و حفظه الذي لا يضام و الامام7 هو عين اللّه الناظرة و يده الباسطة و رحمته الواسعة و نعمته الشاملة فلنقبض العنان فللحيطان اذان.
ثمّ لمّا انّ عمران راعي الادب و استأذن للسؤال و الامام7 هو الكريم الذي لا يخيب من قصده و لا ييأس من امّله اذن له فقال سل يا عمران ثمّ بيّن له الطريقة التي من سلكها يصل القاصد الي مقصوده و الطالب الي مطلوبه خصوصاً من كان قصده العلم و مطلوبه المعرفة فانّ محض الامر بالاتيان و عدم الهداية الي الطريقة الموصلة ممّا لا يناسب شأن الحكيم فقال7 و عليك بالنّصفة و ايّاك و الختل و الجور. الانصاف ان ينصف خصمه بالاحتراز عن الختل و الجور و العناد و التّعصّب ليكون غرضه محض اثبات
«* جواهر الحكم جلد 4 صفحه 27 *»
مطلوبه و ان ظهر له في نفسه انّه مخطيء و خصمه علي الحقّ فانّ من كان علي هذه الصفة لا يكاد يصيب و ان ينصف نفسه بان لا يجعلها تابعةً لجماعة و مأنوسة بهم بحيث لا يسهل عليها مفارقتهم و تميل اليهم و ان كانوا علي الخطاء فيتكلّف متابعتهم لانّ حبّك للشيء يعمي و يصمّ فيكون خطاؤه اكثر من صوابه لانّ الذي مالت نفسه اليه و الي قوله لا يلزم ان يكون مصيباً و بان لا يتقيّد بقاعدة مأخوذة من غير اهلالعصمة: و يكون منجمداً اليها بحيث يقبل ما وافقها و يترك ما خالفها و يؤوّله اليها و هذا ايضاً لا يكاد يصيب و ان ينصف ربّه بالتوجّه اليه سبحانه بصافي الطويّة و خالص السّريرة و يكون نظره اليه تعالي قاصداً الحق من عنده ليتوصّل بذلك الي رضاه و قربه و قاصراً نظره الي كلامه تعالي و كلام اوليائه الذين جعلهم اللّه سبحانه ابوابه و حججه و ادلاّء الي سبيل رشده و ينظر اليهما نظر المتعلّم الجاهل بان يكون كلام اللّه امامه و دليله لا العالم الذي يجعل نفسه امام كلام اللّه فكلّ ما يوافق فهمه من كلام اللّه قبل و كلّ ما يخالفه انكر و اوّل الي ما فهمه فانّ هذا ليس بمنصف ربّه و لا نبيّه و لا اولياءه فلا يصيب ابداً فبيّن له الامام7 طريقة لو عرفها و سلك بها يصل الي المطلوب البتّة.
فقبل عمران نصيحته7 و عمل بمقتضاها فقال واللّه يا سيّدي ما اريد الاّ ان تثبت لي شيئاً اتعلّق به فلا اجوزه فبلّغه اللّه المقصود و هداه به الي سواء الطريق.
قال7 سل عمّا بدا لك فازدحم الناس و انضمّ بعضهم الي بعض فقال عمران الصابي اخبرني عن الكائن الاوّل و عمّا خلق.
قوله7 سل عمّا بدا لك كلمة لا يقولها الاّ مؤيّد من عنداللّه تعالي بروح منه الذي اشهده اللّه خلق السموات و الارض و خلق نفسه ليكون عالماً لا يجهل ذاكراً لا يغفل بصيراً لا يخطي و عالماً بانّه تعالي يمدّه و لا يكذّب قوله لانّه خليفته و حجّته اذ العلوم كلّها بيداللّه سبحانه و في خزانة ملكه فالذي لم يشهده اللّه ملكوت السموات و الارض لا يقدر ان يقول سل عمّا بدا لك علي
«* جواهر الحكم جلد 4 صفحه 28 *»
جهة العموم لعلّه يسأله عن شيء ليس عنده علمه لانّه لم يطّلع علي مكنون سرّه و لم يحضره مسألته و ما في وسعه ان يسأل ولو علّمه ايضاً و لم يكن مقبلاً بوجهه الي اللّه تعالي لعلّه تعالي لا يكشف عنه سرّ تلك المسألة و يحجب بحجب الغفلات و الموانع و بالجملة فهذه كلمة لايقولها صادقاً حقيقيّاً الاّ المعصوم المطّلع علي اسرار الوجود و اطوار الكائنات و ازدحام الناس و ضّم بعضهم ببعض لعظم شأن عمران في اعينهم و عظم مسائله لديهم سيّما في مقابلة قوله7 سل عمّا بدا لك فقال اخبرني عن الكائن الاوّل و عمّا خلق.
فالكائن الاوّل يريد به هو اللّه سبحانه بقرينة قوله و عمّا خلق و انّما سمّاه تعالي كائناً لانّه الثابت الذي لا يزول و لا يحول و لا يتبدّل و لا يتغيّر و لا يزيد و لا ينقص و هذا الاوّل ليس له ثان كما قال7 في الصحيفة السجّاديه و انت الاوّل في اوّليتك و علي ذلك انت دائم لاتزول فالاوليّة ثابتة له تعالي بلانهاية في عين اثبات الاخرية له كذلك اذ ليس فيه سبحانه جهة حتي يكون بها اوّلاً و جهة اخري ليكون بها اخراً لانّ مختلف الجهات حادث و ليست هناك اضافة و اقتران بشيء حتّي يكون بالاضافة الي شيء اوّلاً و بالاضافة الي الاخر اخراً فانقطعت الاوّلية و الاخرية في عين كون الاوّلية عين الاخرية و الاخرية عين الاوّلية في عين اللااوّلية و اللااخرية كما قال7 لم يسبق له حال حالاً ليكون اوّلاً قبل ان يكون اخراً و يكون ظاهراً قبل ان يكون باطناً الخ و امّا اثبات الاوّلية و الاخرية له تعالي فباعتبار الظهورات الفعلية كما في قوله تعالي هو الاوّل و الاخر فانّ الهاء هو الاوّل و الاخر و الواو هو الاخر و الاوّل و الهاء هو الباطن و الظاهر و الواو هو الظاهر و الباطن.
او يراد بالكائن الاوّل هو الصادر الكائن اوّلاً قبل تكوين الكائنات و ابداع المبدعات و هذا الاوّل ايضاً لاثاني له لكونه هو المبدء الاوّل و اوّل ظاهر باوّل ظهور الذي هو نفسه قد ملأ الامكان و الاكوان و الاصقاع و الازمان بنوره و ظهوره و كلّ ماعداه اشعّة انواره و عكوسات اثاره فلا يوجد في السّوي ما يعادل ذاته حتّي يكون هو الثاني له لانّ الثاني هو بدل الواحد و
«* جواهر الحكم جلد 4 صفحه 29 *»
انبساطه و تكريره و امّا في الاثار و الصفات فلا يعقل ذلك ارأيت احداً يقول السّراج هو الاوّل و الشعاع هو الثاني او انّ زيداً اوّل و قيامه الثاني و الاستقامة ثالث فان الاشعة و الاثار لا تذكر مع الذات حتّي تعدّ مَعَها لانّ الاثر معدوم عند المؤثر فكيف يكون هو الاوّل و هذا الثاني و كذا الاوليّة الانبساطية اي الحقيقة الوحدانيّة السارية في اطوار التعيّنات كالوجود المقيّد الذي هو الفؤاد فانّها ايضاً اوّل لا ثاني له لانّها في الحقيقة المتعيّنة المتعدّدة في العرض لا في الطول اوّل واحد و التعيّنات لا تكون ثانية لها و مرادي بالتعيّنات هي الافراد المتعيّنة من الحقيقة الواحدة لا نفس التعيّن كالانسان مثلاً عند التعيّن و التشخّص في الافراد لا يقال انّ الانسان هو الاوّل و زيد هو الثاني و عمرو هو الثالث لانّ الحقيقة ما تكثّرت حتّي تتعدّد و انّما تكثّرت العوارض فلحقتها بالعرض فالكثرة في الافراد لا في الحقيقة و لذا تراهم يقولون انّ الوحدة النوعيّة لا تنافي الكثرة الشخصية لانّ الانسان ماانقطع عن زيد حتّي يكون ثانيه بل زيد ايضاً انسان و كذا عمرو و بكر و هكذا فظهر لك من هذا البيان انّ الاوّل الذي لا ثاني له علي ثلثة اوجه فراجع تفهم.
و هذا الكائن الاوّل الذي هو الصادر الاوّل الذي هو التعيّن الاوّل اي اوّل ما برز من ظهور الحق سبحانه بالخلق الذي هو غير ذاته اختلف اراء العلماء و الحكماء في بيانه و تعيينه فمن قائل بانّه الوجود المطلق و الحق المخلوق به هو الوجود المنبسط و جهة الربط بين الحادث و القديم الذي هو مع الحادث حادث و مع القديم قديم و مع الشيء شيء و مع اللاشيء لاشيء و مع الواجب واجب و مع الممكن ممكن و هؤلاء هم الصوفية الملاحدة و من قائل بانّه المشيّة و الارادة و الابداع و الرحمة الكلية و من قائل بانّه الحقيقة المحمّدية9 و من قائل بانّه العقل الكلّي و العقل الاوّل.
و الاخبار و الروايات في تعيين ذلك مختلفة الورود ففي بعض الاخبار انّ اوّل ما خلق اللّه و الكائن الاوّل المشيّة و الارادة و الابداع كما قال الصادق7 خلق اللّه الاشياء بالمشيّة و خلق المشيّة بنفسها و في قول مولينا الرضا7 كما في
«* جواهر الحكم جلد 4 صفحه 30 *»
هذا الحديث الذي نحن بصدد شرحه انّ اوّل ما خلق اللّه سبحانه الاختراع و الابتداع ثمّ خلق الحروف فجعلها فعلاً منه يقول للشيء كن فيكون و في رواية اوّل ما خلق اللّه الهواء و في رواية اوّل ما خلق اللّه الماء و في رواية اوّل ما خلق اللّه نور نبيّك يا جابر و قال اميرالمؤمنين7 في خطبة له علي ما رواه المفضّل عن الصادق7 عنه الي ان قال الذي كنّا بكينونته قبل الخلق و قبل مواقع صفات تمكين التكوين كائنين غير مكوّنين موجودين ازليّين منه بدئنا و اليه نعود لانّ الدّهر فينا قسمت حدوده و لنا اخذت عهوده و الينا برزت شهوده الخطبة قال الصادق7 في معناه كنّا بكينونته في القدم و هو المكوّن و نحن المكان و هو المشيء و نحن الشيء و هو الخالق و نحن المخلوقون و هو الرب و نحن المربوبون و هو المعني و نحن اسماؤه و هو المحتجب و نحن حجبه كائنين غير مكوّنين نسبّحه و نمجّده و نقدسه في ستّة اكوان كّل كون منها ماشاءاللّه من المدا الحديث. و في رواية اوّل ما خلق اللّه القلم و اخري اوّل ما خلق اللّه العقل و في اخري اول ما خلق اللّه عقلي و اخري روحي و امثال ذلك من الاخبار و قد ذكرت المراد الجامع لهذه الاخبار كلّها في اللوامع الحسينيّة فلانطول الكلام بذكره هنا.
و قوله و عمّا خلق علي الوجه الاوّل بان يراد منه هو اللّه سبحانه ظاهر لانّه علي مذهب الصابئة يسأل عن الله و عن خلقه و عن كيفيّة احداثه هل هي علي جهة التوليد كما هو المعروف من مذهبهم او غيره كما هو مذهب الغير من خلقه الاشياء لا من شيء بلانسبة وارتباط او من شيء او من العدم اللاشيء مع النسبة و الارتباط ام لا كما سيأتي الكلام فيه انشاءاللّه مشروحاً.
و علي الوجه الثاني بان يراد من الكائن الاوّل اوّل الصادر مبدء المبادي و نور الانوار فالمراد بقوله عمّا خلق هو ما حَصَلَ و تحقّق من الكائنات باشراقه و تجلّيه في اقباله و ادباره لانّ الطّفرة لمّا ثبت امتناعها صار الكائن الاوّل مبدء الفيض و اصل النور و الخير و ماسواه بعده رشحة من رشحات انواره و لمعة من لمعات اثاره اذ لو فرض وصول الفيض الي السّوي بغير وساطة الكائن الاوّل بطل كونه هو الاوّل
«* جواهر الحكم جلد 4 صفحه 31 *»
لتساوي الكل حينئذ في الرتبة ولو فرض تساوي الكلّ في الرتبة و التّلقي من المبدء نقص فيض الجبّار و صغرت عظمة القهّار اذ لم يكن لجماله جمال و لجلاله جلال و لنوره نور فلا يكون كاملاً مطلقاً و لاحكيما فاذا فرض الاوّلية و الاخرية و التقدم و التأخّر كان لما سواه هو الواسطة و الباب في ايصال الفيض اليه كالسراج للاشعّة او كالقلب للاعضاء و الجوارح و ساير القوي فيكون معني قوله عمّا خلق هو ما يكون سبباً لخلقه و ايجاده و وصول الفيض اليه من الله سبحانه و اطلاق الخلق و الخالق علي هذا المعني غير عزيز في الايات و الروايات كقوله تعالي تبارك اللّه احسن الخالقين و قوله تعالي و اذ تخلق من الطين كهيئة الطير فتنفخ فيها فتكون طيرا باذني و قوله تعالي و تخلقون افكاً و قوله7 كما في الفقيه انّ اللّه سبحانه يبعث ملكين خلاّقين يقتحمان رحم المرأة من فمها و يقولون يا ربّنا كيف نخلقه ذكراً او انثي شقيّاً او سعيداً الحديث و قول الباقر7 كما في البحار انّ اللّه سبحانه خلق ملكاً و فوّض اليه امر سموات و ارضين فخلق سموات و ارضين([3]) ثم قال من مثلي فارسل اللّه اليه نويرة من نار قيل ما النّويرة قال7 نار بقدر الانملة فاستقبلها بجميع ما خلق فتخلّلها الي ان وصلت اليه لمّا ان دخله العجب الخ.
و اطلاق الخالق علي غيراللّه سبحانه ممّا لا شك فيه عند من له ادني انس بالقران و احاديث اهلالبيت: ولكنّه لا يجوز ان يطلق عليه بمعني الاستقلال فانّ هذا كفر و زندقة و اخراج للّه تعالي عن السلطنة و القيومية و تكذيب لقوله تعالي قل اللّه خالق كلّ شيء و قوله تعالي هل من خالق غير اللّه و قوله تعالي اروني ماذا خلقوا من الارض ام لهم شرك في السموات و امثالها من الايات و كذلك الروايات المتكثرة عن سادة البريّات الواردة في اللّعن و الطّعن علي من ينسب اليهم سلام اللّه عليهم الخلق و الرّزق و علم الغيب و غيرها من الامور التي تفرّد اللّه سبحانه بها و هو لايزال متفرّداً في كل شيء و لا يجوز ان يطلق و يراد به انّ الغير خالق و رازق و محيي و مميت باذن اللّه و امره علي ما تفهمه العامّة مثل ما يأمر المولي عبده بان يأخذ الدراهم و يشتري له
«* جواهر الحكم جلد 4 صفحه 32 *»
الشيء الفلاني و مثل ما يأمر الموكّل وكيله بان يمضي الامر الفلاني فانّ هذا ايضاً يلزم منه التفويض و اعتزال الحق تعالي و تعطيله و استقلال الخلق بنفسه و لو بوجهٍمّا فانّ الوكيل و ان كان يده يد الموكّل الاّ انّه حين يفعل معزول عنه خارج عن يده و كذلك العبد بالنسبة الي سيّده. و لذا ورد في الصحيح عن الصادق7 ما معناه من قال نحن خالقون بامراللّه فقد كفر الخ و هذا الامر يراد به ما هو المعروف عند الناس حين اطلاق الامر و الاذن.
و امّا اذا كان المراد انّ الخالق في الحقيقة هو اللّه سبحانه بفعله لا بذاته فالاسم ليس في الذات و للذات لصحّة السّلب في بعض الموارد و وجود الذات كما تقول لم يخلق اللّه ولدا لزيد و ليس اللّه بفاعل للقبيح فاذا كانت هذه الاسماء و الصفات هي عين الذات لم يجز ان تكون مغايرة معها لما ثبت عند الشيعه الفرقة المحقّة الناجية من انّ صفاته تعالي الذاتية عين ذاته بلافرض مغايرة ولو فرضاً و وجوداً و تجويزاً فوجودها يستلزم وجود الذات و عدمها عدمها والاّ تعدّدت القدماء ان كانت قديمة و تكون الذات محلاّ للحوادث ان كانت حادثة و كلّ اسم و صفة يصحّ سلبها و اثباتها فهي صفات الفعل لا الذات الاّ انّ الفعل لمّا كان مضمحلاً فانياً عند ظهور الذات اذا اطلق الاسم الفعلي ايضاً لايتبادر الذهن و لايسبق الاّ الي الذات لا لانّه موضوع للذات و لا انّ الصفة ثابتة لها عندها في رتبتها بل لانّ الصفة لها عند ظهورها بفعلها فهي تدور مع الفعل حيثما دار و لا شكّ انّ الفعل لا تظهر اثاره الاّ بمحلّ و متعلّق و لاشكّ انّ الصادر الاوّل الذي هو الكائن الاوّل اوّل ما تعلّق به الفعل امّا بنفسه او بفعل اللّه فيكون تلك الحقيقة هي الحاملة لفعل اللّه الذي هو امر اللّه الذي هو قول كن الذي هو الكلمة التي انزجر لها العمق الاكبر و هو قوله تعالي انّما امره اذا اراد شيئاً ان يقول له كن فيكون و هذا الامر هو الامر الذي قام به السموات و الارض كما في قوله تعالي و من اياته ان تقوم السماء و الارض بامره و قال الصادق7 في الدعاء كل شيء سواك قام بامرك و قوله تعالي و ينزّل الملائكة بالروح من امره علي من يشاء من عباده و هذا الامر هو الذي تتقوّم الاشياء به في كل حال و في كل ان لو فقدته اناً
«* جواهر الحكم جلد 4 صفحه 33 *»
انعدمت و بطلت و به تفعل الموجودات و الكائنات من المكلّفين افعالها و به تحقق سرّ الامر بين الامرين و هو الامر في قوله تعالي عباد مكرمون لايسبقونه بالقول و هم بامره يعملون.
فالذي نهاه الامام الصادق هو الامر بالمعني الاوّل مما هو المعروف في متفاهم العوام و الامر الذي اثبته الله تعالي هو الامر في قوله تعالي انّما امره اذا اراد شيئاً ان يقول له كن فيكون فالفاعل و الخالق هو اللّه بفعله لا بذاته و الصادر الاوّل هو الفعل او محل الفعل و هو اسم الفاعل لا ذات الفاعل و الاسم يشتقّ عند ظهور الاثر لا عند حقيقة الذات. الا تري القائم فانّه مشتقّ من القيام عنده لا قبله و كذا القاعد و غيره و لا تحقّق و لا تذوّت لهذه الصفة الاّ بالذات فعلي هذا المعني يصحّ نسبة الخلق الي غيره تعالي حين كونه محفوظاً بيده و في قدرته او يكون يده المحفوظة بذي اليد بمعني انّ الخلق سواه مخلوقون من اشعّة انوار الكائن الاوّل و الصادر الاوّل و لا شكّ انّ الشعاع اثر للمنير و فعل له و قد روي عن النبي9 في الكتب المعتبرة انّ اللّه سبحانه خلق من نوره العرش و الكرسي و خلق من نور علي7 الملائكة و خلق من نور فاطمة السموات و الارض و خلق من نور الحسن7 الشمس و القمر و خلق من نور الحسين7 الجنّة و الحورالعين. قال الصادق7 في زيارة الحسين7 ارادة الرّب في مقادير اموره تهبط اليكم و يصدر من بيوتكم الصادر لما فصّل من احكام العباد و قد شرحت هذا المطلب باكمل بيان في شرح الخطبة و لا يصحّ البيان بازيد من هذا لما في قلوب الناس من الامراض و الاغراض. فقول عمران اخبرني عن الكائن الاوّل و عمّا خلق يريد السؤال عن حقيقة الصادر الاوّل و اثاره و اشعّة انواره و ما خلقه اللّه سبحانه به و كيفيّة خلقه تعالي للاشياء به و انخلاقها منه.
فقال7 سألت فافهم اما الواحد فلميزل واحداً كائناً لا شيء معه بلاحدود و لا اعراض و لايزال كذلك.
«* جواهر الحكم جلد 4 صفحه 34 *»
المراد بالواحد هنا ذات اللّه سبحانه اي الاحد اذ قد يطلق احدهما و يراد به الاخر و امّا الوضع الحقيقي فالواحد موضوع للصّفة الفعليّة و فيه وحدة ظاهرية و كثرة اجماليّة و لذا لاينفي بنفيه القليل و الكثير كما ينفي بنفي الاحد فلوكان للذات البسيطة المحضة من حيث هي بلاحدود و لا اعراض كان لا يبقي بنفيه شيء فظهر انّه للصفة التي هي الوجه الواحد من الذات فالاحد موضوع لوحدة صرف الذات البحت مجرّدة و معراة عن جميع السّوي و الغير و الواحد موضوع للوحدة الوصفيّة في مقام القيّومية و الوضع في كلا المقامين يقع علي العنوان و ذلك انّ ذات اللّه سبحانه لا تدرك و لا تنال و لا تتغيّر عن حال الي حال و انّما ظهوره بصنعه و معرفته باثر فعله و هو سبحانه تجلّي بخلقه لخلقه و عرّفهم نفسه بنفسهم فلمّا وجدوا غابوا عن وجدانهم و شهودهم فعرفوا ربّهم بما نقش في لوح ذاتهم و حقيقة سرّهم و دخل المدينة علي حين غفلة من اهلها فماعرفوه الاّ من انفسهم لكن مصون السرّ عن النظر اليها و مرفوع الهمّة عن الاعتماد عليها فكان ظاهرهم هياكل بشريّة و باطنهم اسرار الهيّة و نشئات قدسيّة و مظاهر احديّة.
و لمّا كان بين الاسم و المسمّي و اللفظ و المعني لابدّ من المناسبة الذاتية فوجب ان تكون الاسماء الالهيّة الدالّة علي التوحيد مستنطقة و مستخرجة من الحروف الخلقية و لمّا كان حدود الخلق ستّة و هي الايّام الستّة التي خلق اللّه فيها الشيء فكانت الواو هي الاصل في الدلالة علي نفس الخلق من حيث هم و اذا كشفت عن باطن الواو التي هو باطن الحدود الخلقية و نظرت الي سرّها بزبرها و بيّناتها استنطق منها الاحد لكونه ثلثة عشر فدلّ ظاهر الخلق علي حقيقة التوحيد الصرف و الي هذا المعني وقعت الاشارة في الانجيل بقوله تعالي يا انسان اعرف نفسك تعرف ربّك ظاهرك للفناء و باطنك انا ه اي ظهور توحيدي لا سرّ ذاتي كما يقوله الملحدون من الصوفية فمن سرّ الواو ظهر الاحد فاذا اضفت الواو الي الاحد و نسبت الخلق اليه بكونه اليه و به و عنه علي جهة الاضمحلال و الزّوال باظهار سرّ القيّومية ظهر الواحد فالواحد فيه ذكر الغير علي جهة الاضمحلال و الاحد لا ذكر فيه للغير لانّه ظهور بعد القاء الواو ظاهر
«* جواهر الحكم جلد 4 صفحه 35 *»
نفسه فلا ذكر للغير فيه فالاحد هو الربوبيّة اذ لامربوب لا ذكراً و لا عيناً و لا كوناً و الواحد هو الربوبيّة اذ لامربوب كوناً و عيناً و الربوبيّة اذمربوب ذكراً و الاحد رتبة الذات و الواحد رتبة الاسماء و الصفات فهو ينبوع الاسماء و حقيقة المسمّي من حيث هو كذلك و الواحد الذي ليس من الاعداد هو الاحد و هو الذي اختصّ به القديم سبحانه و امّا الواحد الذي هو مبدء الاعداد و مقابل الاثنين و الثلثة فهو من الاعداد لكنّه ثلثة لانّ الممكن لايخلو عن جهات ثلثة الاّ انّ الوحدة لمّا غلب عليها اضمحلّ حكم التثليث و بقي حكم الوحدة من قبيل اطعني اجعلك مثلي و كما تقول للشخص انّه صفراوي المزاج و ان كان لايخلو من ساير الاخلاط فكان اوّل الاعداد بل اوّل الاشياء و مبدؤها الثلثة فاوّل الفرد ثلثة و اوّل الزوج اربعة و الاثنان اجمال الاربعة و الواحد اجمال الثلثة و لذا كان المثلث ابا الاشكال و اصلها و هو شكل ابينا ادم7 في العوالم الالفالف فنفي الوحدة العدديّة عن القديم سبحانه لكونه ثلثة و هي تستلزم الكثرات كلّها و جُملتها.
و لمّا كان الواحد فيه ما ذكرنا من عدم التمحض في الوحدة الكاملة البالغة قال7 في تفسيره امّا الواحد انّما عبّر عنه بهذا اشارة و رعاية لقول عمران فيما تقدّم ما لقيت من يثبت لي واحداً قائماً بوحدانيّته فاراد اثبات الواحد له كما اراد بما اراد لما اراد فقيد الواحد بقوله فلم يزل واحداً كائناً فنفي عنه تعالي الاضداد و الشركاء لانّ الذي لميزل كائناً ثابتاً لايزول و لا يحول و لا يتبدّل و لا يحسّ و لا يمسّ امتنع ان يكون له مثل اذ لو فرض وجَبَ ان يكون قديماً و موجوداً فاشتركا في القدميّة و اختلفا بالمميّز فتركّباً فتغيّرا اذ حالتهما قبل الفصل و التميز غير حالتهما بعد الفصل و التميز و القبل و البعد هنا ذاتيّان لا زمانيان فلميكونا ازلييّن اذ حدث فيهما ما لميكن قبل فكانا حادثين لعدم كون الوجود ذاتيّاً والاّ لميفقدا شيئاً و حالاً لميكن فالذي وجوده ذاته امتنع تعدّده و تكثّره لحصول التركيب و التغيير المنافيين لغيبة الوجود كما اثبتناه مفصّلاً في رسالة منفردة.
و قوله7 و لا شيء معه ردّ و ابطال لقول من زعم استجنان
«* جواهر الحكم جلد 4 صفحه 36 *»
الاعيان الثابتة في القدم و الازل و انها قديمة اذ القديم مالم يتعلّق به جعل حاعل و الاعيان عندهم كذلك سواء قلنا انّ الشيء اعمّ من الوجود ام مساوق له و كذا القول بزيادة الصفات من الذات كما هو مذهب الاشاعرة و كذا القول بانّ بسيط الحقيقة كلّ الاشياء و انّ الوجودات كلّها في ذات اللّه سبحانه بنحو اشرف و امثالها من الاقوال لانّ الذي ازلي غير مستند الي شيء وجوده ذاته بذاته فلو فرض انّ لغيره ايضاً وجود و تحقّق فان كان وجود الغير عين ذاته بكلّ اعتبار ارتفعت الاثنينية و ان لميكن عين ذاته كان فاقداً لذلك الوجود فلميكن الوجود ذاتياً له لانّ الذاتي لايتخلّف هذا خلف. فالذي هكذا لايكون معه شيء ابداً له ذكر في ذاته و صفاته الذاتية التي هي عين ذاته.
قوله7 بلاحدود و لا اعراض ردّ و ابطال لقول القائلين بوحدة الوجود بانّ الوجود هو ذات اللّه سبحانه و الخلق حدود و اعراض لذلك الوجود تعينّه بحدّ فيكون منشأ مرتبة من المراتب كالبحر و الامواج كما قال شاعرهم:
البحر بحر علي ما كان في القدم | انّ الحوادث امواج و انهار([4]) |
سبحانه و تعالي عمّا يقولون علوّاً كبيراً فانّ المحدود ينفعل بالحدّ و يتغيّر به لانّ حالة الاطلاق غير حالة التقييد ثمّ انّ المحدود لو لميكن صالحاً للحدّ ما يصحّ تحديده به و جهة الصلوح غير جهة الذات فتكثر الذات عند ذكر تلك الصلوحيّات مع انّ كلّ مايقبل الحدّ يقبل الزيادة و النقصان و كذلك القول في الاعراض لانّها هي الحدود او اعمّ منها و لا شكّ انّها خارجة عن حقيقة الذات و لا يتّصل بها الاّ لما بينهما من المشابهة و الملائمة و الايتلاف و كلّها نسب يجب تنزيه الباري سبحانه عنها لاستلزامها التركيب و كون الواجب حادثاً و الحادث واجباً لانّ النسبة تستدعي اتحاد الصّقع في المنتسبين لانّها رابطة و وصلة و الشيء الذي كلّ ماسواه معدوم عنده لا يقترن بشيء و لا يتّصل به و لا يرتبط معه ثمّ انّ الاعراض ان كانت حادثة يلزم ان يكون الواجب محلاً للحوادث و ان كانت قديمة يلزم تعدد القدماء.
و في هذا القول ايضاً اشعار الي بطلان ما ذهب
«* جواهر الحكم جلد 4 صفحه 37 *»
اليه المتكّلمون من انّ موضوع علم الكلام هو ذات اللّه تبارك و تعالي مع اتّفاقهم بانّ الموضوع ما يبحث فيه عن عوارضه الذاتية و اللّه سبحانه منزّه عن ذلك كلّه.
قوله7 و لايزال كذلك يعني انّه تعالي لا يتغيّر بخلقه الخلق لتكون له حالتان حالة قبل الخلق و حالة بعد الخلق بل حاله سبحانه واحد في الحالين و هذا دليل علي عدم النسبة و انّ نسبة الخالقية و المخلوقيّة لمتقع في رتبة الذات و انّما هي في مقام الاسماء و الصفات الفعلية الاضافيه فلو كانت النسبة جارية علي الذات تغيّرت البتة و ما صحّ القول بانّه تعالي لايزال منزّهاً عن الاقتران لانّ النسبة تابعة للمنتسبين فقبل وجود احدهما لمتوجد لاستحالة النسبة الاّ في الشّيئين و حيث كانت الحوادث معدومة وجدت بالايجاد كانت النسبة عند الايجاد فان كانت هذه النسبة مع الذات لمتكن حالها قبل الخلق هي حالها بعد الخلق و هذا خلاف مااجمع عليه المسلمون فابطل7 بهذا القول الربط بين الحادث و القديم كما عليه جماعة من الناس.
و كذلك ابطل بذلك قول من توهّم من قولهم: كان اللّه و لميكن معه شيء بانّ اللّه سبحانه كان في وقت لميكن هناك شيء ثمّ صارت الاشياء في وقت اخر فيكون الزمان زماناً فاصلاً بينه و بين خلقه حتّي توجّه عليهم كلام بعض الحكماء من انّ هذه الفاصلة الزمانيّة لاتخلو امّا ان تكون متناهية او غير متناهية فان كانت متناهية لزم تحديد الواجب و ان لمتكن متناهية يجب ان لا يوجد الخلق الي الان اذ كلّ وقتٍ فرض فيه حدوث الخلق تناهت الفاصلة و لزم التحديد ثمّ انّ هذا الوقت و الزمان الذي كان و لميكن شيء لايخلو امّا ان يكون شيئاً ام لا فان لميكن شيئاً ارتفعت السابقية و ان كان شيئاً لايخلو امّا ان يكون حادثاً او قديماً فان كان حادثاً وجب ان يكون في وقت ثمّ ينقل الكلام في ذلك الوقت بعين ما ذكرنا فيدور او يتسلسل او ينتهي الي عدم الوقت و الزمان و ان كان قديماً لزم تعدّد القدماء و ذلك معلوم البطلان. و لمّا تنبّه بعضهم الي هذه المفاسد و اشباهها من انقطاع الفيض الغيراللايق بالكريم الفيّاض و التعطيل فيما يصحّ الافاضة و الفعل و غير ذلك قال و
«* جواهر الحكم جلد 4 صفحه 38 *»
يجب ان نحمل الزمان السابق علي خلق الاشياء المستفاد من قولهم: كان اللّه و لميكن معه شيء علي الزمان الموهوم المتوهّم لا الموجود المحقق حتي يلزم ماذكروا. و ليت شعري ما الذي نفعه هذا التوهّم اذا لميكن صادقاً مطابقاً لما في الواقع و المفروض انّ في الواقع الوجودي لا وقت و لا زمان و امّا الواهمة فهي منوطة بوهم الواهم فاذا لم يتوهّمه المتوهّم قبل خلقه و قبل خلق الواهمة و التوهّم كيف كان الامر هل كان زمان و وقت لميكن فيه شيء ام لا و عليه العمدة و الاعتماد و الواهمة لاتغيّر الحقايق المتأصّلة الوجوديّة.
و كلّ هذه المغالطات انّما نشأت من ظواهر الاخبار و الاثار و الادعية كما في الدعاء يا ذا الذي كان قبل كل شيء ثمّ خلق كلّ شيء و غير ذلك و هم: لمّا عرفوا ذلك من قوله تعالي و ما ارسلنا من قبلك من رسول و لا نبي الاّ اذا تمنّي القي الشيطان في امنيّته فينسخ اللّه ما يلقي الشيطان ارادوا: نسخ القاء الشيطان من كلامهم: فقالوا كما عن اميرالمؤمنين7 فان قيل كان فعلي ازليّة الوجود و ان قيل موجود فعلي تأويل نفي العدم فبيّن ان «كان» ازليّة لا زمانيّة و الازل ليس عنده قبل و بعد و متي و القبل هو عين البعد و العكس و الاوّلية هي عين الاخريّة كالعكس كما قال اميرالمؤمنين7 لم يسبق له حال حالاً ليكون اوّلاً قبل ان يكون اخراً و يكون ظاهراً قبل ان يكون باطناً فاذن يكون حاله قبل الخلق هو حاله بعد الخلق فكما كان و لميكن معه شيء و كذلك يكون ابداً لميزل والاّ لكانت له حالتان و متغيّر الحالة حادث و لذا قال7 في جواب عمران و لايزال كذلك اي كائناً لا شيء معه بلاحدود و لا اعراض فبالاوّل نفي ما عليه المتكلّمون و بالثاني نفي ما عليه الصوفية الملحدون و اظهر الحق الصريح ولو كره المشركون و لا تتوهّم من ذلك اني اقول بالحدوث الذاتي و القدم الزماني كما عليه طائفة فانّ ذلك ايضاً لايناسب مقام القيّومية و قد شرحت الامر علي كمال ما ينبغي في اللّوامع و قد بيّن الامام7 في هذه الكلمات جميع ما يتعلق بامر التوحيد
«* جواهر الحكم جلد 4 صفحه 39 *»
و الاسماء و الصفات و ظهور الوسايط و كونه تعالي منزّهاً عن وصف الواصفين و متعالياً عن ادراك العارفين و انّ الاشياء لا تنتهي اليه تعالي و لا يقترن بها بل مرجع الاشياء و مصدرها ما يشابههما فرجعت من الوصف الي الوصف و دام الملك في الملك و انتهي المخلوق الي مثله و الجأه الطلب الي شكله.
فبقوله7 امّا الواحد اشار الي الصفات كلّها و الي الاحد الذي هو الذات امّا الصفات كلها فانّها مقهورة تحت الواحد فانّ الصفة هي ظهور الذات باثر من الاثار الفعلية و قد قلنا انّ جميع مراتب الخلق منحصر في قوي الواو فاذا اضيفت الي الاحد الذي هو ظهور الذات فتكثر الاسماء و الصفات للشيء الواحد لانّ الظهور بالمتعلّق ينصبغ بصبغه فللظهور بالرحمة يكون الرحمن و للظهور بالخلق يكون خالقاً و للظهور بالعظمة يكون عظيماً و هكذا الي ما لانهاية له من الاسماء التي تظهر و تشتقّ عند وجود المبدء الذي هو الاثر و لذا كان الواحد مبدء الاعداد الغير المتناهية و امّا الذات فلانّ الواحد لا قوام له الاّ بالاحد ضرورة انّ الصفة لا تقوم الاّ بالذات بنحو من انحاء القيام كما فصّل في محلّه و برهن في موضعه.
و بقوله واحداً كائناً اثبت جميع مراتب التوحيد التي ترتقي كليّات مراتبه الي خمسة الاف و مأتين و ثمانين مرتبة و بقوله لا شيء معه الخ اثبت تنزّهه عن جميع الممكنات اذ لا يجري عليه ما هو اجراه و بقوله7 و لايزال كذلك اثبت انقطاع الخلق عن الوصول الي عزّ جلاله و انقطاع النسبة مطلقاً بينه و بين خلقه فلا ينتهي اليه شيء و لا يتّصل به شيء و الخلايق لامحيص لهم عن النسبة والاّ عدموا و فنوا و اضمحلّوا فتكون النسبة الي اسمائه و صفاته و هي لمظاهره و مقاماته التي لا تعطيل لها في كلّ مكان و هو قوله تعالي و لولا دفع اللّه الناس بعضهم ببعض لهدّمت صوامع و بيع الايه. و شرح هذه الاحوال يضيق القلب بابرازها في السطور و لايضيق باخفائها في الصدور مع ما يستلزم من تطويل المقال و ليس لي الآن ذلك الاقبال.
قال7:
ثمّ خلق خلقاً مبتدعاً مختلفاً باعراض و حدود مختلفة لا في شيء اقامه و لا في شيء حدّه و لا علي شيء حذاه و مثله له
«* جواهر الحكم جلد 4 صفحه 40 *»
اقول هذا التراخي ليس زمانيّاً يتخلّل([5]) زمان بين ذاته تعالي و بين خلقه و لا دهريّاً و لا سرمديّاً و لا طبعيّاً و لا ذاتيّاً كتقدّم حركة اليد علي حركة المفتاح و لا غير ذلك من انحاء التقدّم و التّأخّر و انّما هو تراخ حقيقي بلا كيف و لا وضع لانّ جميع ما يتصوّر من انحاء التقدّم و التّأخّر و اقسامه كلّ ذلك مخلوق بهذا الخلق و لا يجري عليه ما هو اجراه و هذا الخلق هو الفعل المخلوق اوّلاً عبّر عنه بالمخلوق المبتدع ردّاً علي من يزعم انّه امر اعتباري لا وجود له متحقّق و هو باطل و انّما هو مخلوق مصنوع مخترع مبتدع ذات تذوّتت به الذوات و تحقّقت به الكينونات فكيف يكون امراً اعتباريّاً و اثره ذوات متأصّلة فانّ المفعول معمول للفعل و محدث به و لا يعقل تذوّت المعمول و اعتبارية العامل المؤثّر بل الفعل ايضاً عامل في الفاعل لكون فاعلية الذات انّما تكون بالفعل لا بالذات والاّ لزم الاقتران و التغيير المنفيان باجماع المسلمين كما سيأتي انشاءاللّه و هذا الخلق انّما وصفه بالابتداع علي معني الاختراع فانّ احدهما يطلق علي الاخر اذا افترقا و الاختراع كما سيأتي انشاءاللّه هو الخلق لا من شيء اصلاً فيكون هو مبدء الموجودات اذ كلّها مخلوقة من شيء اي من المادّة التي احدثها اللّه سبحانه بهذا الخلق فهي المخترع بالاختراع الاوّل الذي هو نفسه و حقيقته فانّ اللّه سبحانه اوّل ما خلق الفعل و هو المشيّة و الارادة و الابداع و الاختراع خلقه بنفسه لانّه حركة ايجاديّة و هي لا تتولّد من الذات و انّما تحدُث بنفسها لا بحركة غيرها كما قال7 خلق اللّه الاشياء بالمشيّة و خلق المشيّة بنفسها فنفس المشيّة هي جهة فاعلية نفسها باللّه تعالي فتدور المشيّة عليها علي خلاف التوالي لكون الاستدارة استدارة المعلول علي علّته و هي تدور علي المشيّة علي التوالي لكونها استدارة العلّة علي معلولها و بلافرض العلّية و الفاعليّة لم يتحقق الشيء ضرورة انّ المفعول يتقوّم بفاعله و المعلول يتقوم بعلّته الاّ انّ العلّة لما كانت صفة فعل لا صفة ذات لاستلزامها المقارنة و المناسبة و المرابطة لا يجوز ان تنسب الي الذات لتعاليها عن الاقتران فوجب ان تكون تلك الصفة في رتبة الفعل و عند احداث الفعل نفسه يكون للفعل جهتان جهة هي
«* جواهر الحكم جلد 4 صفحه 41 *»
تلك الصفة اي الفاعل و العلّة التي هما اسما الفاعل لا اسما الذات و جهة هي الانّية المعلولة فالعليا تدور علي السفلي علي التوالي و السفلي تدور علي العليا علي خلاف التوالي و التميز بين العليا و السفلي انّما هو عند التعلّق بالاثار و المتعلّقات و امّا في ذاته فانّما هي شيء واحد بسيط لا تعتبر فيه جهة و كيف و اقتران و اتصال كما قال الرضا7 و لا كيف له اي للفعل كما انّه لا كيف لذاته.
و انّما كان الجعل و الاحداث لا يتمّ في التأثير الاّ بالكيفيات الاربع لانّ كلّ واحد منها شرط لتحقّق الاخري في الظهور و الوجود و لذا قلنا اذا تعلّق الفعل بالمفعول حدث هناك اربع كيفيات النار لحرارة الحركة الايجاديّة المعبّر عنها بالفعل و لاستقراره في نفسه و عدم صيرورته نفس المفعول كما هو مذهب طائفة ، الهواء لربط الفعل بالمفعول و نسبته اليه فالربط رطوبة و رطب و جهة الفاعل حرارة ، الماء لربط المفعول بالفعل و توجّهه اليه للاستمداد منه ، التراب لحفظ المفعول مايقع عليه من تأثير الفعل و الفاعل و هذه الطبايع مما لابدّ منه في ممكن من الممكنات الاّ انّها تختلف ظهوراً و خفاء لشدّة بساطة المفعول و تركيبه اي ظهور البساطة و التركيب والاّ فالتركيب لايخلو منه ممكن كما اشتهر في قولهم كلّ ممكن زوج تركيبي و لما كان هذا الخلق الاوّل وجد بنفسه لا بامر اخر غيره كانت الطبايع هناك متحدة فالنار هناك هي نفس الثلثة و هي نفس النار و كلّ واحد منها نفس الاخر بل هو شيء واحد يطلق عليه هذه الاسماء كما تقول انّ اللّه تعالي عالم قادر سميع بصير و كلّ واحد من هذه الصفات هناك عين الاخر و اختلافها انّما ظهر باعتبار الاثار و المتعلّقات و هذا المثال تقريبي والاّ فالمشيّة عند الذات مختلفة كما صرّح7 في المتن كما نبيّن لك انشاءاللّه تعالي و لذا عبّر عنه بالاختلاف لانّ كلامه في الوحدة المحضة كما هي شأن سؤال عمران فيكون الفعل هو اوّل الخلق و هو المختلف في ذاته بالطبايع
«* جواهر الحكم جلد 4 صفحه 42 *»
الاربع و ان كان بينها اتّحاد و ايتلاف و هذه الطبايع ايضاً ظهرت فيه في الكونين و العالمين المعبّر عنهما بالعقدين و الحلّين ففي الحلّ الاوّل فالرطوبة فيه غالبة لانّها هناك اربعة اجزاء و اليبوسة جزء واحد و الحرارة و البرودة بالنسبة و في الحلّ الثاني فاليبوسة فيه غالبة لانّها هناك جزء واحد و الرطوبة جزءان فيحصل الانعقاد ففي كيفيّة خلق الفعل اخذ سبحانه و تعالي من رطوبة الرحمة بتلك الرطوبة التي هي نفس الرحمة بنفس الرطوبة بتلك النفس اربعة اجزاء بها و من هبائها اي اليبوسة نفسها بها جزء به ثمّ صعد بها بنفس الصعود في هواء عالم الظهور فتراكمت بها به و انعقدت بها به ثمّ قام عبداً خاضعاً خالصاً الفقير للّه سبحانه بكلّه و ببعضه فحباه سبحانه سرّ الكينونة مع البينونة فحوي الاشياء و جمع الصور و حضرت عنده الاعيان و انتهت اليه روابط عالم الامكان فظهر كعموم قدرة اللّه تعالي.
و حصلت له باعتبار الجهات اسماء: فهو الوجود المطلق لكونه في تحقّقه و تكوّنه و صدوره و انصداره لايحتاج الي شيء سوي فاعله و خالقه فوجوده مطلق اي ليس مشروطاً بشرط و قيد كسائر الحوادث و الموجودات و هذا معني اطلاق هذا الوجود و كونه لا بشرط لا علي ما يزعمون من انّه حقيقة واحدة انبساطية يتعيّن بالحدود و الاطوار و التعيّنات فانّ الامام الرضا7 نفي هذا المعني عنه و يسمّي ايضاً بـ الظهور و التجلّي الاوّل لكونه جهة ظهور اللّه سبحانه و ذكره و مذكوريّته في الامكان و يسمّي بـالفعل و الحركة الايجاديّة لكونه ظهوره سبحانه لغيره و موصل فيضه الي ما يريد من خلقه و يسمّي بـالفاعل لكونه ظهوره سبحانه له به و لغيره و يسمّي بالمشيّة لكونه اوّل الذكر و المذكور و به نشأت الاشياء و تاصّلت و بـالارادة حيث انّه مبدء الصور و الاعيان و بـالاختراع حيث انّه تكوّن لا من شيء و بـالابتداع حيث انّه تكوّن لالشيء و لاعلي احتذاء مثال و بـالتعيّن الاوّل حيث انّه اوّل مظاهر الحق سبحانه و ظهوراته في الامكان و بـالشجرة المباركة الزيتونة حيث انّه الاصل المنشعب عنه الحدود و الجهات و الحيثيّات و كونه مصفّي عن جميع ماليس له سبحانه و بـالمحبّة حيث انّه اوّل الميل الذي هو مبدء الايجاد و علّته و
«* جواهر الحكم جلد 4 صفحه 43 *»
بالرحمة حيث انّه به الاحسان و الامتنان و من اثره الماء الذي به كل شيء حي و بـالولاية المطلقة حيث انّه تدبير الحق للخلق في الخلق و الاخذ بذمام كلّ شيء و بناصية كلّ دابّة و بـالازل الثاني حيث انّه لا غاية لاوّله و لا نهاية لامده و هو منقطع و مضمحلّ له اوّل و اخر عند بارئه و بـصبح الازل حيث انّه اوّل ظهور الحق سبحانه كما انّ الصبح اوّل ظهور الشمس و بـادم الاوّل لكونه في اوّل الاصول و اصلها و غايتها و بـالاسم الاعظم حيث انّ كلّ الظهورات و التجلّيات الالهية انّما هي بفاضل تجليّه لها و بـالكاف المستديرة علي نفسها حيث انّه متمّم لحقايق الامكان و الاكوان و متمّم لنفسه بنفسه باللّه سبحانه و بـالسرّ المقنّع بالسرّ و السرّ المجلّل بالسرّ و السرّ المستسرّ بالسرّ حيث انّه مبدء المبادي و جواهر اوائل العلل و بـالسحاب حيث انّ الماء الواقع علي ارض الجرز انّما نشأ منه و صدر عنه و تاصّل به و بـالكلمة الاولي العليا حيث انّه اللفظ الصادر عن فعله سبحانه بنفسه و بـالامر حيث انّه حكم اللّه علي الموجودات و بـفلك الولاية المطلقة حيث انّه المستدير علي نفسه و قطبٌ لما سواه و بـالعلم حيث انّه الذكر الاوّل للاشياء الامكانية و بـالقدرة حيث انّه به استولي اللّه سبحانه علي الاشياء و استطال عليها و بـالعرش الاعظم الاعلي حيث انّه به ظهور مواد الخلق و تأييداتهم من عند اللّه سبحانه و غيرها من الاسماء و الصفات التي يطّلع عليها الفطن الماهر في استعمالات حفظة الشريعة: و الصلوة و تعدد الاسماء لاجل اختلاف جهات ذلك الخلق المبتدع و تلك الجهات المستدعية لتعدد الاسماء ليست ذاتيّة و انّما هي باعتبار تعلّقات الاثار و المفاعيل و هذه هي الاسماء العامّة للجهات العامّة.
و له ايضاً اسماء خاصّة لجهات خاصّة و هي لا تحصي و لا تعدّ و لا يصفها الواصفون و لا يعدّها العادّون مثل الحركة المطلقة فانّها اسم للفعل المطلق و امّا الحركات الخاصّة المتعلّقة باثار خاصّة كالقيام و القعود و الاكل و الشرب و غير ذلك فلها اسماء خاصّة كالقائم و القاعد و الاكل و الشارب و غير ذلك و قد برهنا في مقامه انّ
«* جواهر الحكم جلد 4 صفحه 44 *»
المشتقّات انّما تشتقّ من المصدر المشتقّ من الفعل فتلك هي اسماء الافعال لااسماء الذات فافهم.
فظهر لك انّ هذه الاختلافات ليست من حيث الذات و انّما هي من حيث الاعراض و الحدود و اليه الاشارة بقوله7 مختلفاً باعراض و حدود و لا شكّ انّ الاعراض و الحدود خارجة عن ذات المعروض و المحدود و جزء للحقيقة المتحصّلة من انضمام ذلك الحدّ فان كان المحدود الكينونة فتسمّي الحدود ذاتية كتحديد ذات الانسان بالحيوان الناطق و ان كان المحدود الصفات و الافعال فهي الحدود الفعليّة كتحديد الانسان بالكاتب و القائم و القاعد و لذا عد المنطقيّون امثال هذه الصفات من الخاصّة او العرض العامّ و امّا الحدود الذاتية مثل الفصول و المشخصات النوعية و الجنسية فعدّوها من الذوات لانّها امّا جزء الماهية او عينها علي زعمهم.
فالحدود الذاتية في المشيّة هي الطبايع الاربع المذكورة و مراتبه الذاتية في تكوينه من الحلّين و العقدين و اختلاف مراتبه ايضاً بالنقطة و الالف و الحروف و الكلمة التامّة و امثالها من الذاتيات التي لا نطوّل الكلام بذكرها لكن لا علي جهة الاختلاف و الكثرة و انّما هي علي محض الايتلاف و الوحدة و لا يمكننا ادراك تلك الجهات و الاختلافات لانّ اقصي مقامات الوحدة الحاصلة لنا بحيث لا يمكن لنا ان ندرك وحدة و بساطة اعظم و اشدّ منها هي ذاتنا و حقيقتنا لا من حيث هي هي و هي اثر المشيّة و الفعل الاوّل الاعظم بوسايط و لا شكّ و لا ريب انّ التّأثير انّما يقع في الرتبة السفلي لا الرتبة العليا و الاثر يحكي الوجه الاسفل من احد ظهورات فعل المؤثر فاذا كان هذا الوجه الاسفل الذي هو وجهٌ واحد من الوجوه الغير المتناهية في الوحدة و البساطة و الاتحاد كما تري فما ظنّك باصل الفعل و نفس المشيّة و حقيقة هذا الخلق المبتدع المخترع ولكن لمّا كان الفعل اثراً للذات و مضمحلاً لديها و فانياً عندها و الحادث لا يكون الاّ ذاالجهات قال7 خلقاً مبتدعاً مختلفاً و كان قوله7 بالحدود و الاعراض اشارة الي انّ هذه الاختلافات
«* جواهر الحكم جلد 4 صفحه 45 *»
الظاهرة انّما هي لاجل المتعلّقات و هي الحدود العرضية المتعلّقة بالمشاءات مثل هيئة حركة اليد بالنسبة الي الكتابة و رسم حدودها و خطوطها او الي انّ كلّ ممكنٍ زوج تركيبي و انّ هذا التركيب لا يكون الاّ بالاطلاق و التقييد و الاجمال و التفصيل و التعميم و التخصيص و لا تصحّ ان تكون الاجزاء متساوية في العموم و الخصوص و الاطلاق و التقييد فانّ ذلك خلاف وضع الحكيم بل لا يجري النظام المتقن الاّ عليه و يتفرّع علي ذلك صحّة عدم الصدور من الواحد الحق سبحانه الاّ الواحد الذي يتكثّر بالحدود و الاضافات و انحاء القرانات الفعلية و الذاتية الحقيقية او العرضية لا انّه لا يمكن ان يصدر من الواحد الاّ الواحد فبطل قولهم في الحكم و صح في الوقوع و الوجود كذلك الله ربنا و هنا احكام و تفاصيل اعرضت عنها.
و قوله7 لا في شيء اقامه اعلم انّ الاشياء كلّها قد قامت بالمشيّة و في محالّها الموجودة بها و هو قول اميرالمؤمنين7 و هو منشيء الشيء اذ لاشيء اذ كان الشيء من مشيته و الشيء انّما يسمّي شيئاً لانّه مشاء فاذا كانت الاشياء لا تقوم الاّ بها و في محالّها بها ففي اي شيء تقوم المشيّة الاّ بذاتها و هذا ابطال و ردّ لقول من زعم انّ الاوقات سابقة و كان وقت قبل خلق الخلق ثمّ اوجد الخلق فيه او هناك مكان و عالم خلقت المشية فيه الحاصل بالمشية خلقت الاشياء و لم يكن قبلها ما يعبّر عنه بـ«في» بكلّ معني من المعاني و بكل وجهٍ من الوجوه والاّ لزم امّا ان يكون قديماً او حادثاً لمتتعلّق به المشية فيكون له مؤثّر اخر او صدر عن ايجاب و اضطرار من دون ارادة و اختيار و التوالي كلّها باطلة.
و قوله7 و لا في شيء حدّه اعلم ان حدود الشيء و ان كانت صورة له الاّ انّها مكتنفة به محيطة عليه احاطة القشر لللب و كذا كلّ ظاهر بالنسبة الي باطنه و لذا جاز اطلاق الاب علي القشر كما جاز علي اللب و جاز اطلاق الابن علي اللب و الباطن كما جاز علي القشر الاّ انّ الاطلاقين في احدهما حقيقي و في الاخر صوري و التحديد لا يكون الاّ لمطلق يصلح للتحديد
«* جواهر الحكم جلد 4 صفحه 46 *»
بالحدود الغير المتناهية و امّا المشية و الفعل فهما شيء واحد متعيّن بذاته لا يصلح لغيره حتي يتحدّد فيتميّز افراده بتميز حدوده و اوضاعه و الفعل في ذاته واحد متعيّن و متميّز بذاته فلا يتحدّد لانّ التحديد للتّمييز و لذا عبّر عنه في الاخبار بانّه الاسم الذي استقرّ في ظلّه فلا يخرج منه الي غيره فيبطل اذا القول بقدم الماهيات وانّها اعيان ثابتة مستجنّة في غيب الازل و الوجود المحض يتحدد بتلك الحدود فلو كان كذا لكان حدّه في شيء و هو حدّ من تلك الحدود التي هي الاعيان و هذا في البطلان بمكان.
و قوله7 لا علي شيء حذاه الخ بيان لابتداعيّته اي خلقه لا علي صورة سابقة اي ما جعل و ما خلق محاذياً لخلق اخر و موازياً له و مماثلاً معه اذ لم تسبقه صورة و لا مثال لانّ الصور به خلقت و عنه صدرت و بظهوره تمثّلت و تحقّقت فلا يعقل تقدّمها حتّي يخلق هذا الخلق محاذياً و مماثلاً اذ لا يعقل قدم الصورة و لا حدوثها بلا محدث و لا احداث الوجود بلا مشيّة و لا ارادة و لا ثبوت مشيّة و ارادة غير المشيّة الاولي و الارادة الاولي و هذه الاوّلية لا ثاني لها و لا ثالث فلا تكون المشيّة خلقت علي احتذاء مثال فافهم و لا تكثر المقال فان العلم نقطة كثّرها الجهّال.
و لك ان تقول انّ قوله7 لا في شيء اقامه و لا في شيء حدّه بيان لاختراعية المشيّة و كونها مخلوقة لا من مادّة سابقة و قوله7 و لا علي شيء حذاه بيان لابتداعيّتها و كونها مخلوقة لا علي صورةٍ و مثال قبلها فوجدت الثوابت و الاوامر بالاولي و المنفيات و المناهي بالثانية و اليه الاشارة بقوله7 في الصحيفة فهي بمشيّتك دون قولك مؤتمرة و بارادتك دون نهيك منزجرة و المشيّة و الارادة بمعني واحد الاّ انّ متعلّقهما مختلف فافهم.
و لما كان المعبّر عنه بالوجود علي ثلثة اقسام الاوّل الوجود الحق و هو اية الذات الاقدس تبارك و تعالي و تقدّس باسمائه و صفاته و افعاله و الثاني هو الوجود المطلق و هو الامكان الراجح اي الذكر الاوّل الذي هو المشيّة و مراتبها
«* جواهر الحكم جلد 4 صفحه 47 *»
و احوالها الذاتية و الفعلية و الثالث الوجود المقيّد و هو الامكان الجائز اي المشاءات المتعلّقة بها المشيّة و لمّا اشار الامام7 الي القسمين الاوّلين باكمل اشاره و اتمّ تبيين اراد ان يشير الي الوجود الثالث اي الوجود المقيّد لانّ في الوجود امّا خالق و هو الاوّل او خلق و هو الثاني او مخلوق و هو الثالث او قل فاعل و فعل و مفعول.
فقال عليه الصلوة و السلام:
فجعل الخلق من بعد ذلك صفوة و غير صفوة و اختلافاً و ايتلافاً و الواناً و ذوقاً و طعماً
اقول هذه العبارة الشريفة تشعر انّ الاختلاف في الخلق الاوّل الذي ذكر انّه مختلف باختلاف الحدود و الاعراض المختلفة ليس اختلافاً تظهر اثاره و تتبيّن و انّما الاختلاف و الكثرة و التعدّد هناك بالنسبة الي ذات القديم جلّ شأنه و امّا بالنسبة الي مادونه فهو في الوحدة و البساطة بحيث لايمكن ابسط منه و لا اعلي منه و لذا ذكر7 الاختلاف و الايتلاف و الالوان و الاذواق و الطعوم التي هي جهات الاختلافات بعد ذلك.
و بيان ما ذكره7 بالاجمال هو انّ الفعل لمّا تعلّق بايجاد الاثر فاوجده اللّه به فانوجد ذلك الاثر و هو قوله تعالي كن فيكون فكن هو الفعل و هي الكلمة التي انزجر لها العمق الاكبر و يكون هو الاثر المشاء فله جهتان جهة تشير الي مبدئه و بها يشتقّ منها كن و يتولّد عنها لانّك اذا حذفت حرف المضارعة التي هي الياء و حذفت الواو التي في الوسط لالتقاء الساكنين يستنطق و هذا الاشتقاق اشتقاق الصفة اي ظهور الموصوف فيها بها و هذا معني كون نور محمّد و علي و فاطمة و الطّيبين الطاهرين من اولادهم: في صلب ادم7 و تولّد تلك الانوار المقدسة عن تلك الاصلاب الطاهرة و الارحام المطهّرة و الجهة الاخري تشير الي نفسه و كينونته و لذا تري ضمير الفاعل في فيكون يرجع الي نفس الاثر لا الي المؤثّر و لا الي فعله و لمّا كانت الجهة العليا الاولي جهة المبدء و ظهوره بفعله و اسمه و صفته كانت نوراً و ضياء و الجهة الثانية لمّا كانت جهة احتجاب المبدء و بعده عنه و اختفائه لديه كانت ظلمة و قد يسمّي الاولي بالوجود و الثانية
«* جواهر الحكم جلد 4 صفحه 48 *»
بالماهيّة و الاولي هي المادّه و الثانية هي الصورة و الشيء المخلوق الموجود مؤلّف و مركّب منهما تركيباً لميضمحلّ احد الاجزاء في الاخر بحيث يصدر منهما الامر الاخر الثالث كما هو مقتضي التركيب و لكنّ اللّه سبحانه بقدرته و مشيّته ركّبهما و الّفهما و جعل كلّ واحد منهما تامّ التأثير في اقتضائه حال التركيب فلذا تحقّق للشيء الاختيار لوجود مبدء ميلين متضادين فيه فبالجهة الاولي النوريّة يميل الي الخيرات و الطاعات الصّرفة المحضة و بالجهة الثانية الظلمانيّة يميل الي المعاصي و السّيئات و الشرور المحضة الصّرفة ولكن لمّا كانت له وحدة تأليفية لا يمكن ان يكون في حال التفاته الي احد الجهتين و اظهار مقتضاها ان يكون ناظراً الي الجهة الاخري فيشغله شأن عن شأن و الذي لا يشغله شأن عن شأن هو اللّه سبحانه المنزّه عن جهات التمييز و حدود التعيين و لذا قال تعالي ما جعل اللّه لرجل من قلبين في جوفه فاذاً دائماً يصدر عن الشيء امّا اثار النور و الخير او اثار الظلمة و المعصية فان كان نظره دائماً الي جانب الخير و جهته فهو الصافي الذي ليس بمشوب مع الظلمة و الشرّ و ان كان نظره و عمله الي الجانب الاخر دائماً سرمداً فهو صافي الظلمة و ان كان قد ينظر الي هذه الجهة و قد ينظر الي الاخري و هو الذي خلط عملاً صالحاً و اخر سيّئاً الاّ انّ الصفوة في الاطلاقات و التعبيرات لا تطلق الاّ علي اهل الخير و النور الذين نظرهم الي الجهة العليا المعصومون المطهّرون الذين لايغفلون و لايفترون عن طاعته و عبادته و غير الصفوة من سواهم من الذين خلطوا عملاً صالحاً و اخر سيّئاً و من المغمورين في المعاصي و المنهمكين في السيّئات الذين لا توجّه لهم الي بارئهم ابداً بحال من الحالات و هؤلاء الفريقان هم الغير الصفوة ثمّ انّ هؤلاء مختلفون فمنهم من تكون الصّفا و غيره فيه عن العمل التشريعي المستلزم للوجود التكويني و هم المطيعون و العصاة في كلّ سلسلة في العرض اي الذين اخذت طينتهم من علّيين و الذين اخذت من سجّين و الذين اصل طينتهم من علّيين و فيهم خلط من سجّين و الذين اصلهم من سجّين و فيهم خلط من علّيين و
«* جواهر الحكم جلد 4 صفحه 49 *»
المرجون لامر اللّه اّما يعذّبهم و امّا يتوب عليهم و منهم من يكون الصفا و غيره فيهم عن العمل التكويني المستلزم للوجود التشريعي و هم الواقعون في سلسلة الطول و هؤلاء ثماني طبقات.
فاعلي الصفوة الحقيقة المحمّديّة9 اعني قصَبَة الياقوت المشتملة علي عقود اربعة عشر ثمّ الانبياء المرسلون و غيرهم علي طبقاتهم ثمّ الانسان الرعيّة من حيث الكينونة الحقيقية لاالصورة الظاهريّة ثمّ الجنّ ثمّ الملَك ثمّ البهائم ثمّ النبات ثمّ الجماد و منهم من يكون الصفا و غيره فيهم بحسب تقدّمهم و تأخّرهم في الاجابة و الوجود من مراتب الشيء الواحد بحسب اقباله و ادباره و تكثرالجهات و قلّتها و هؤلاء ايضاً ثماني طبقات فاعليها في الصفا و الطهارة و قلّة الجهات الفؤاد اي الوجود المرتبط بالماهيّة ثمّ العقل الاوّل و العقل الكلي الذي قال اللّه تعالي له اقبل فاقبل ثمّ قال له ادبر فادبر ثمّ قال و عزّتي و جلالي ما خلقت خلقاً احبّ الي منك و لا اكملتك الاّ فيمن احبّ و هو اكمل الصفوة بعد الفؤاد و باب المراد و المداد الذي به الامداد و منه الاستمداد ثمّ الروح النور الاصفر الذي منه اصفرّت الصّفرة ثمّ النفس عالم الذرّ و النور الاخضر الذي منه اخضرّت الخضرة ثمّ عالم الطبيعة حجاب الياقوت و الجوهرة التي ذابت لمّا نظر اللّه اليها بعين الهيبة ثمّ عالم جوهر الهباء المادّه الجسمانية و هي البحر الذي حصلت لاجل ذوبان تلك الجوهرة اي الياقوته ثمّ عالم المثال و الاشباح ابدان نورانيّة لا ارواح لها ثمّ عالم الاجسام من العرش الي الثّري. فاصفي الموجودات المقيّدة العقل و اكدرها الجسم و اصفي الاجسام العرش ثمّ الكرسي ثمّ فلك الشمس ثمّ فلك زحل ثمّ فلك المشتري ثمّ المريخ ثمّ الزهرة ثمّ عطارد ثمّ القمر ثمّ كرة النار ثمّ كرة الهواء بالطبقات الثلث ثمّ كرة الماء ثمّ كرة الارض فالطفها و اصفيها العرش و اكدرها الارض و مابينهما متوسّطات فما قرب الي الاول اصفي و ما قرب الي الاسفل اكثف و اكدر و هذا هو المراد من قوله7 فجعل الخلق من بعد ذلك صفوة و غير صفوة فقد جمَع في هذا الكلام
«* جواهر الحكم جلد 4 صفحه 50 *»
الموجز المختصر جميع مراتب الوجود و مقاماتها و اطوارها و احوالها من حيث نفسها كما اشرنا اليها بالاجمال.
و امّا باضافة بعضها الي الاخر فقد اشار7 اليه بقوله و اختلافاً و ائتلافاً لانّ الاشياء كلّها اذا اضيفت بعضها الي بعض لايخلو عن واحد منهما لانّ اصلهما([6]) الطبايع الاربع و هي اثنان منها متباغضان متخالفان و اثنان منها متؤالفان متوافقان فالاوّل الحرارة و البرودة و جميع لوازمهما و مقتضياتهما و اثارهما و احوالهما و الثاني الرطوبة و اليبوسة و جميع لوازمهما و مقتضياتهما و اثارهما و احوالهما فبينهما بينونة و اختلاف و امّا هذه الاربعة اذا اجتمعت فبينهما نسبة و ايتلاف لانّ بعضها و ان كان يبغض البعض الاخر الاّ انّ هنا مُصلح اخر مناسب للمتباغضين يورث الاجتماع و الايتلاف فالحرارة تناسبها الرطوبة و هي تناسبها البرودة فتجمع بينهما في محلّ جامع و البرودة تناسبها اليبوسة و هي تناسب الحرارة فتجمع بينهما و الرطوبة و اليبوسة يجمعان بواسطة الحرارة و البرودة و هما يجتمعان و يأتلفان بواسطتهما فيتركب و يتألّف الشيء منها مع بقاء كلّ منها علي صرافة تأثيرها و تدبيرها و بها تتمّ اضلاع المربّع و تقوم معتدلة الزوايا ذلك تقدير العزيز العليم. فاصل الاختلاف من جعل النور الذي هو الوجود و منه الحرارة و جعل الظلمة التي هي الماهيّة و منها البرودة و من جعل نسبة كلّ منهما بالاخر التي هي الرابطة و هي المودّة و الرحمة المذكورة في الاية الشريفه و منها الرطوبة و اليبوسة فاختلفت و ائتلفت و هذا هو الحكم في كل شيء و كلّ ذرّة في الوجود المقيّد.
و لمّا كانت الاشياء تحرّكت علي المحور لا علي القطب اختلفت بحسب القرب عن القطب و البعد عنه و باعتبار الحدود و الاوضاع و القرانات تمايزت نقطة الجنوب و الشمال و نقطة المشرق و المغرب فتمايزت الحرارة عن البرودة و الرطوبة عن اليبوسة في الاشياء بحكم الغلبة و ظهور الاثار فتمايز الاختلاف عن الايتلاف الي ان قال الامام7 الارواح جُنود مجنّدة كلّما
«* جواهر الحكم جلد 4 صفحه 51 *»
تعارف منها ايتلف و كلّما تناكر منها اختلف فتقابلت الاشياء بالاختلاف و الايتلاف من النورانية و الظلمانية و الحرارة و البرودة و الحلاوة و الحموضة و امثال ذلك.
و امّا في الحركة الاولي التي هي الحركة علي القطب كلّ هذه الامور المختلفة فيها مؤتلفة و يظهر هذا الايتلاف في الاخرة فيرد الاختلاف الي الايتلاف و يظهر من كلّ واحد اثار جميع هذه الطبايع فالاختلاف و الايتلاف يردان علي شيء واحد فمختلف من جهة و مؤتلف من جهة و هما بحران يلتقيان و اوّل ملتقي هذين البحرين العقل ثمّ مادونه من المراتب و الاطوار و يجوز لك ان تقول انّ الاختلاف اشارة الي الشكل المثلث و الايتلاف الي المربّع و بجمعهما يحصُل حدّ الوجود و بالضّرب يمتاز الشاهد من المشهود و الموجود من المفقود فتظهر كلمة اللّه العليا في قوله تعالي انّما امره اذا اراد شيئاً ان يقول له كن فيكون و تستولي يداللّه علي كافّة الوري في قوله تعالي يداللّه فوق ايديهم. و الارض جميعاً قبضته و السموات مطويّات بيمينه سبحانه و تعالي عمّا يشركون فافهم ان كنت تفهم والاّ فاسلم تسلم.
ثمّ لمّا بيّن7 احكام الخلق من حيث الاضافات و القرانات التي تدور علي الاختلاف و الايتلاف المعبّر عنهما بالتواجه و التناكر في الذات و الصفات او في احديهما دون الاخر اراد7 ان يبيّن صفات الاشياء و احوالها و خواصّها و اقتضاءاتها الذاتيّة و الفعلية فقال7 و الواناً و ذوقاً و طعماً فاللون هو اقتضاء الطبايع الاربع فالحرارة و اليبوسة المجتمعان في النار تقتضيان الحمرة علي الاصحّ و ان قال بعضهم باقتضائهما الصّفرة نظراً منهم الي المرّة الصفراء فانّها حارّة يابسة قطعاً و لونها صفرة قطعاً و هذا وهم منهم فانّ الصّفرة ليست ذاتبة للمرّة المذكورة و انّما حصلت لخلطها مع الرطوبات البلغميّة الا تري الجمرة فانّها حارّة يابسة حمراء فاذا وضعتها علي الدهن و الحطب او غير ذلك ممّا فيه رطوبة تشتعل فتكون الشعلة صفراء و تري الشمس قرصها احمر و هي حارّة يابسة قطعاً فاذا وقعت اشعّته علي الارض و الجو بما فيهما من الابخرة و الادخنة و ساير الرطوبات يميل لونها الي الصّفرة و امّا اذا
«* جواهر الحكم جلد 4 صفحه 52 *»
وضعت الجمرة الحمراء علي الحديد و النحاس و غيرهما ممّا ليست فيه الرطوبة الزائدة فلاتبرح علي لون الحمرة و هذا معلوم واضحٌ انشاءاللّه و الحرارة و الرطوبة المجتمعان في الهواء تقتضيان الصّفرة علي الاصحّ و ان قال بعضهم باقتضائهما الحمرة نظرا منهم الي الدّم فانّه حارّ رطب اتّفاقاً و لونه الحمرة بالضرورة و هذا ايضاً وهم منهم فانّ حمرة الدّم ليست من لونه الذاتي و انّما لونه الذاتي ما ذكرناه الاّ انّ الحمرة حصلت بممازجة الصفرة مع الرطوبات البلغمية فانّ البدن اذا خلي من الرطوبات فني و الصفرة المختلطة بالبياض تقتضي الحمرة الا تري الزنجفر فانّه مركّب من الكبريت و هو الاصفر و من الزيبق و هو الابيض و من التأليف بالتركيب الاعتدالي تحصل الحمرة فحمرة الدم من هذا القبيل و البرودة و الرطوبة المجتمعان في الماء تقتضيان البياض و لا اعلم في ذلك خلافاً لاحد من اهل العلم و النقض بالاشياء الباردة الرطبة التي لونها غير البياض و الحارّة اليابسة التي لونها البياض كالملح و غيره مدفوع باختلاف اللون العرضي و الذاتي و كون الشيء ذاطبيعتين و ذالونين فانّ الملح مثلاً اذا صعّدته و اخذت رطوباته المائية تري في باطنه دهناً احمر برّاقاً كالياقوت و ينفصل عن عرق ماء ابيض و هكذا غيره يظهر لونه علي حسب طبيعته الخاصّة و هنا تفاصيل شريفة اعرضت عن ذكرها و بيانها و البرودة و اليبوسة المجتمعان في الارض و التراب و المرّة السوداء تقتضيان السواد اجماعاً منهم و لا يختلفون في ذلك و ما تري من الالوان المختلفة في الظاهر المنافية للطبيعة فكما ذكرنا و علي ما قلنا فافهم. و هذه الاربعة اصول الالوان و باقي الالوان كلّها بجميع اجناسها و انواعها و اشخاصها مستخرجة و متحصّلة من تأليف هذه الاربعة بعضها ببعض كالخضرة تحصل من اجتماع الصفرة و السواد و الزرقة تحصل من اجتماع البياض و السواد و هكذا امثالهما.
و لمّا كانت العوالم الالف الف كلّها انّما تحصّلت و تحقّقت من هذه الطبايع الاّ انّ في كل مقام بحسبه من ظهور الطبايع الاربع فقد اشار7 الي الوان جميع العوالم و سائر الصفات تتبع الالوان التابعة
«* جواهر الحكم جلد 4 صفحه 53 *»
للطبايع الاربع و اوّل ما تكوّن العرش تكوّن من انوار اربعة و العرش اوّل ما خلق اللّه تعالي كما دلّ عليه العقل و النقل و هو مركّب من انوار اربعة كما قال اميرالمؤمنين7 و هو النور الابيض و هو الحاصل من نور سبحان اللّه ظاهراً و باطناً و بياضه لشدة انفعاله و خضوعه و انكساره و هو في الباطن احمر قان و هو العقل الاول اي القلم و النور الاصفر و هو الحاصل من نور الحمدللّه ظاهراً و باطناً و هو الروح و اصل البراق و منشأ الوفاق و عليه الاتفاق و النور الاخضر و هو الحاصل من نور لا اله الاّ اللّه ظاهراً و باطناً و هو النفس الكلية و اصل عالم الذّر و النور الاحمر و هو الحاصل من نور اللّه اكبر ظاهراً و باطناً و هو الطبيعة الكلية مبدء الاجسام و علّة النقش و الارتسام و هو الذّر الثاني و عالم المباني بجميع الافلاك و العناصر و المتولدات و الموكّل بالركن الاوّل ميكائيل و يخدمه الصّبا و يعينه اسرافيل و عزرائيل بنصف قوّتهما و الموكّل بالركن الثاني اسرافيل و يخدمه الجنوب و يعينه الصّبا و جبرائيل و ميكائيل بنصف قوّتهما و الموكّل بالركن الثالث عزرائيل و يخدمه الشمال و يعينه جبرائيل و ميكائيل بنصف قوّتهما و الموكّل بالركن الرابع جبرائيل و يخدمه الدّبور و يعينه عزرائيل و اسرافيل بنصف قوّتهما و الكلام في هذا المقام طويل فجبرئيل صاحب الريش الاحمر و عزرائيل صاحب الجناح الاخضر و اسرافيل صاحب الجناح الاصفر و ميكائيل صاحب الجناح الابيض و هكذا كلّ مقام بحسب مافيه من الطبايع و الخواصّ فافهم.
و اما الطعوم فاعلم انّ كلياتها تسعة و هي الطعوم البسيطة عندهم لانّ الطعم لابدّ له من فاعل و هو الحرارة او البرودة او الكيفيّة المتوسطة و من قابل و هو الكثيف او اللطيف او المعتدل بينهما و اذا ضرب اقسام الفاعل في اقسام المنفعل حَصَل اقسام تسعة ينقسم الطعوم بحسبها فالحرارة انفعلت في اللطيف حدثت الحرافة([7]) و في الكثيف حدثت المرارة و في المعتدل حدثت الملوحة و البرودة ان فعلت في اللطيف حدثت الحُموضة و في الكثيف حدثت العفوصة و في المعتدل حدثت القبض و الكيفيّة المتوسطة بين الحرارة و الرطوبة و
«* جواهر الحكم جلد 4 صفحه 54 *»
البرودة ان فعلت في اللطيف حدثت الدّسومة و في الكثيف حدثت الحلاوة و في المعتدل حدثت التفاهة و هي علي نوعين احدهما ان لا يكون له طعم حقيقة و التّفة بهذا المعني يسمّي مسخيا و الثاني ان لا يكون لها طعم في الحسّ و يكون له طعم في الحقيقة لكن لشدة الالتيام بين اجزائه لا يتحلّل منه شيء يخالطا للسان فلا يحسّ بطعمه ثم اذا احتيل في تحليل اجزائه و تلطيفها احسن منه بطعم كالحديد و النّحاس.
اقول قولهم لايكون له طعم حقيقةً غلط فانّ كلّ ما دخل في الوجود من ذيالطبايع فانّ له طعماً و لوناً فانّ اللون و الطعم من اثار الطبايع و اقتضاءاتها فلايصحّ وجود المقتضي بدون المقتضي نعم قد يحصل موانع لظهور المقتضي فيمنعه عن الظهور لا الاقتضاء و قولهم رفع المانع من تتمّة المقتضي غلط منهم فانّ المانع شيء و المقتضي شيء اخر لا دخل لاحدهما بالاخر نعم رفع المانع شرط لظهور المقتضي لا لوجوده كنور الشمس فانّه موجود بوجودها ولكن اذا لميكن هناك جسم كثيف لميظهر النور فاذا وجد الجسم الكثيف ظهر النور فلايقال عند وجود الجسم الكثيف وجد النور هذا ظاهر انشاءاللّه تعالي. و الفرق بين العفص و القبض انّ القبض يقبض ظاهر اللسان و باطنه و العفص يقبض ظاهراللسان فقط.
و هذه الطعوم تجري في كلّ العوالم في كلّ المراتب لاتخصّ بمرتبة دون مرتبة اخري و بعالم دون عالم اخر في كلّ شيء بحسبه فاشار عليه الصلوة و السلام الي جميع ما في العوالم بكلّ احوالها فانّها لاتخلو من هذه الاطوار و الاحوال و يدخل في اللون الصفات كلّها و يدخل في الطعم الخواصّ و الخاصيّات باسرها و يدخل في الاختلاف و الايتلاف احكام جميع القرانات و الاضافات و النسب و الاوضاع و يدخل في الصفوة و غيرالصفوة جميع الذوات و الحقايق و الكينونات و الوجودات و الماهيّات في السلسلتين الطوليّة و العرضيّة بابي و امّي من متكلّم مااجمع كلامه و اوضح بيانه نعم هو ابن من قال اوتيت جوامع الكلم صلّياللّه عليه و علي جدّه و جدّته و ابائه و ابنائه الطيّبين الطاهرين المعصومين و لعنة اللّه علي اعدائهم و ظالميهم و مخالفيهم اجمعين ابدالابدين و دهرالداهرين.
«* جواهر الحكم جلد 4 صفحه 55 *»
و لمّا اشار الامام7 الي العلّة الفاعليّة بقوله ثمّ خلق و العلّة الماديّة و الصوريّة بقوله صفوة و غيرصفوة و اختلافاً و ايتلافاً و الواناً و ذوقاً و طعماً فالصفوة الوجود و هو العلّة الماديّة و الغيرالصفوة الماهيّة اي الحدود و الهندسة الايجاديّة من الزمان و المكان و الجهة و الرتبة و الكمّ و الكيف و الوضع و ساير الحدود و الاوضاع و القرانات و انّما كان الغيرالصفوة اشارة الي الماهيّة لانّها جهة البعد عن الوحدة و النور و الخير و الاختلاف اثبات حركة كلّ منهما فانّهما كرتان متداخلتاالسطوح يتحرّك كلّ منهما الي خلاف جهة الاخر فالوجود يتحرّك علي التوالي الي جهة مبدئه الذي هو قطب استمداده و استغنائه و افتقاره و الماهيّة تدور علي خلاف التوالي الي جهة الوجود من حيث نفسه لا من حيث مبدئه علي حدّ قوله تعالي وجدتها و قومها يسجدون للشمس من دون اللّه فهما مختلفان في جميع الاقتضاءات و الاحوال الاّ انّ في كلّ حركة يتبع احدهما الاخر فيكون حركة احدهما ذاتيّة و الاخري عرضيّة و هو حقيقة الاختلاف و امّا الايتلاف فهو الاشارة الي النسبة الارتباطيّة بين الوجود و الماهيّة ليتحقّق بهما التأليف و التركيب و لولاها لما صحّ الاقتران و الاجتماع و هي منزلة التراب الذي يمزج الملك بين النطفتين نطفة الرجل الحارّة اليابسة و نطفة المرأة الباردة الرطبة و هما المتضادّان المتباغضان و التراب يُناسب نطفة الرجل باليبوسة و نطفة المرأة بالبرودة فتربط بينهما و هو القاضي الذي يشير اليهما بالتراضي و اللون و الطعم من متمّمات العلّة الصورية و مكمّلاتها.
و لمّا اشار7 الي هذه المراتب اراد انيشير الي العلّة الغائيّة و انّها ليست لحاجته تعالي اليه سبحانه و تعالي عن ذلك علوّاً كبيراً.
فقال7:
لا لحاجة كانت منه الي ذلك و لا لفضل منزلة لميبلغها الاّ به و لا رأي لنفسه فيما خلق زيادةً و لا نقصاناً تعقل هذا ياعمران قال نعم واللّه يا سيّدي قال و اعلم ياعمران انّه لو كان خلق ما خلق لحاجةٍ لميخلق الاّ مايستعين به علي حاجته و لكان ينبغي انيخلق اضعاف ماخلق لانّ الاعوان كلّما كثروا كان صاحبهم اقوي و الحاجة ياعمران لاتسعها لانّه لميحدث من الخلق
«* جواهر الحكم جلد 4 صفحه 56 *»
شيئاً الاّ حدثت فيه حاجة اخري و لذلك اقول لميخلق الخلق لحاجة ولكن نقل بالخلق الحوايج بعضهم الي بعضٍ و فضّل بعضهم علي بعضٍ بلاحاجة منه الي من فضّل و لانقمة منه علي من اذلّ فلهذا خلق.
اقول اخذ7 في الاستدلال علي انّ الغاية في الايجاد ليست استكمالاً له تعالي بان يكون متمّماً لنقصانه تبارك و تعالي في ذاته بان لايتمّ الاّ به كالاعمال التي يفعلها العباد تتميماً لذاتهم و تكميلاً لحقيقتهم و لايزال بالعمل تزداد الذات و تترقّي الحقيقة و الوجود و لاتقف الزيادة علي حدٍّ فلايتمّ نقصان الامكان ابداً و لاتفني حاجتهم سرمداً و ان ترقت ذواتهم و تكمّلت كينوناتهم و كيف يجوز لعاقل انيثبت هذا النوع من الاستكمال لذات اللّه سبحانه و تعالي فانّ الاستكمال بالعمل الذي هو الاثر الذي هو معدوم و فانٍ في مرتبة المؤثّر فلايمكن تأثيره في استكماله و اكماله اذ لا وجود له هناك حتّي يكمل نعم اذا كان العامل اثراً لغيره ليكون ذاته اثراً لفعل الغير فيكون حركته بذاته و فعله بحقيقته الي جهة مبدئه فيستكمل بالتوجه الي مبدئه بدوام نظره اليه و امداده له بالمدد الذاتي الوجودي و امّا اذا كان الوجود عين حقيقة ذاته لا بامر اخر مستفاد فلايتوجّه الي اعلي منه ابداً و امّا اثار افعاله فلا ذكر لها في مرتبة ذاته فاين الاستكمال اذن و كذلك اذا كانت الغاية تحقّق صفة من الصفات الكماليّة التي لمتكن له تعالي فان ذلك ايضاً باطل و كفر بل لايعقل فانّ الذي وجوده ذاته لاينتظر و لايستقبل والاّ لميكن وجوده ذاته فانّ ذاتي الشيء لايتخلّف و قد شرحنا هذه المسألة باكمل شرح في بعض رسائلنا و كذلك هو سبحانه و تعالي لميتغيّر بخلق الخلق حتّي تحصل له الزيادة و النقصان كما قال اميرالمؤمنين7 لمتسبق له حال حالاً ليكون اوّلاً قبل ان يكون اخراً و يكون ظاهراً قبل ان يكون باطناً فلايتصوّر في حقّه استقبال و لا ماضٍ و لا حال لانّ متنقّل الحالات حادث فلايتفاوت حاله سبحانه قبل الخلق و بعد الخلق و مع الخلق فلايمكن ان تثبت له صفة بعد الخلق لمتكن قبل الخلق و لا اسماً قبل الخلق قد زال بعد الخلق و لا كان فاقداً خلقه قبل الخلق ثمّ صار واجداً له و لا كان
«* جواهر الحكم جلد 4 صفحه 57 *»
الخلق كامناً في ذاته بالوجود الجمعي الاجمالي ثمّ صار بعد الخلق ظاهراً بالوجود الفرقي التفصيلي و لا بنسبة و ارتباط بينه و بين خلقه لتكون له حالتان حالة في ذاته و حالة في نسبته بخلقه و لا انّ حبه الذاتي اقتضي الظهور العلمي و الكوني و لا انّه لكمال حسن ذاته و جماله اراد ان يري مثاله في المرايا الافاقيّة و الانفسيّة فانّ الجميل يلتذّ اذا رأي جماله في المرايا و لا حلّ في شيء لتكون له حالتان قبل الحلول و بعد الحلول و لا اتّحد بشيء و لا كان مطلقاً فتقيّد و منبسطاً فتعيّن و لا كانت الاعيان و الماهيّات مستجنّة في ذاته فبرزت و لا لازمة لذاته و لا كان فاقداً لشيء حتّي لايصحّ وقوع خطابه عليه لتخصّ خطاباته و لا كانت الاسماء اللفظيّة موضوعة لذاته و حقيقته حتّي تتفاوت حاله قبل الوضع و بعد الوضع و لا انّه تعالي قبل الخلق لميكن عالماً بالاشياء ثمّ علم بعد الخلق و لايصحّ السؤال و القول بانّه تعالي كيف كان علمه بالاشياء قبل الخلق و كيف كان بعد الخلق فانّ هذا السائل جاهل و المتكلّم المجيب بالفرق اجهل و لا غيرذلك من الاحوال الجارية عليه تعالي المستلزمة لزيادة و نقصان و تفاوت حالٍ قبل الخلق و بعد الخلق و بما ذكره7 انخرمت قواعد كثيرة متداولة بين الحكماء و العلماء من المتقدّمين و المتأخّرين كما اشرت الي بعض انواعها بالاشارة ولو اردنا كشف الحال و توضيح المقال و ذكر الاستدلال لطال بنا الكلام و لسنا بصدده.
و لمّا كانت هذه المسألة و ان كانت بحسب القول و اللسان متّفقاً عليها ولكن لسان احوالهم الظاهرة بلحن مقالهم يتكلّم بالفرق بين الحالتين و اثبات الزيادة و النقصان و لذا اشار7 ثمّ نبّه عمران و قال له تعقّل هذا ياعمران اي تفهّم و تنبّه علي انّ ما ذهبت اليه انت و غيرك في عقائدهم يبطله قولي و لا رأي لنفسه زيادة و لا نقصاناً و هذه الفقرات الثلثة و ان كانت خالية عن الاستدلال الظاهري و قد قلنا انّه7 اخذ في الاستدلال تنبيهاً علي انّ هذه الكلمات المباركة من القضايا التي قياساتها مَعَها و قد ذكر في هذه الفقرات روحي فداه جوامع العلم.
«* جواهر الحكم جلد 4 صفحه 58 *»
ثمّ اراد ان يبيّن الغاية الاصليّة الحقة و انّ فعل الله تعالي لايجوز ان يكون عَبَثاً و لا اتّفاقيّاً و لا ايجاباً و انّما هو فعل اختيار صَدَر عن كمال الارادة و الفائدة و الغاية و لايجوز ان تكون تلك الغاية راجعة اليه سبحانه ليكون محتاجاً فانّه تعالي لو خلق ما خلق لاجل احتياجه اليهم فوَجَبَ ان يخلق دفعة اضعاف اضعاف اضعاف ما خلق فانّه تعالي اذا فرضناه يتقوّي بخلقه فكلّما كان الخلق اكثر كانت القوّة اعظم و اشدّ فلِمَ اقتصَرَ في الخلق علي التدريج و علّقه بالاسباب و اجري عليه المسبّبات فان كان لاجل العجز و الضعف حتّي يحتاج الي معين فباطل ايضاً لانّ المفروض انّه قادر لا مانع له في مشيّته و خلق الخلق لحاجته فاذن مادام لمينقطع الخلق اي يصل الخالق الي حدّ لايقدر علي ازيد من ذلك او تنقطع قوابل الامكان عن صلاحيّة الايجاد او يخلق في كلّ دفعةٍ اضعاف ماخلق و هكذا الي مالانهاية له لمتنقطع الحاجة و الشقوق كلّها باطلة.
امّا عجز الخالق عن الخلق فظاهر و امّا قطع قوابل الامكان فباطل ايضاً لانّ قابليّة الامكان لانهاية لها فلاتنظر في شيء الاّ و يمكن في حقه الاشياء كلّها و بالقرانات و الاوضاع لاينتهي الي حدٍّ و لايقف علي مرتبة و حكمٍ و الثالث غيرواقع بالضرورة فثبت انّ الخلق ليس لحاجة نفسه فانّها افتقار محض و هو لايجامع الغناء المحض اذا لميكن فرق بينالخالق و المخلوق و المنشيء و المنشأ و المكوِّن و المكوَّن لانّ الحاجة من صفات المخلوقين و الفقر سمة المربوبين فلايجري عليه ما هو اجراه و الفقر عدمٌ و الوجوب وجود فلايجتمعان ابداً و لا ذكر لاحدهما عند الاخر و لمّا كان الامكان و الحاجة امرين وجوديين و كلّ ما كان كذلك يحتاج الي الواجب المحدث والاّ لكانا قديمين او معدومين و كلاهما محال فانّ عليالاوّل يلزم تعدّد القدما و قد دلّت الادلّة القطعيّة علي بطلانه كما ذكرت و شرحت في محلّها و عليالثاني يلزم ان لايكون الخلق ممكنين و محتاجين لانّ العدم يناقض الوجود فاذا لميكن الامكان و لمتكن الحاجة استغنت الخلائق و البديهة تقتضي بطلان ذلك فوجب ان يكون الامكان الذي هو الحاجة و الفقر امراً وجوديّاً مخلوقاً مجعولاً خلافاً
«* جواهر الحكم جلد 4 صفحه 59 *»
لبعض الحكماء و المتكلّمين بل اكثرهم من قولهم بانّ الامكان ذاتي لميتعلّق به جعل الجاعل والاّ لزم انقلاب الحقايق و للبعض الاخر حيث حكموا بانّ الامكان امر عدمي انتزاعي لاتحقّق له و لا تذوّت اصلاً.
و لمّا كان القولان كلاهما باطلين نبّه7 علي بطلانهما فقال7 و لذلك اقول لميخلق الخلق لحاجة ولكن نقل بالخلق الحوائج بعضهم علي بعض فالحاجة و الافتقار امران وجوديّان خلقهمااللّه تعالي و الزم الخلق ايّاها بمقتضي ذواتهم فانّ اللّه سبحانه و تعالي جعل في الخلق جهتين جهة غناء و هي عين جهة افتقاره الي اللّه تعالي لانّها وجهه فلاتتقوّم و لاتتحقّق الاّ بالنظر اليه سبحانه ليستمدّ منه فهي دائماً فقيرة اليه لائذة ببابه و سائلة من جنابه لاتري لنفسها تذوّتاً اصلاً فحيث كانت كذلك جعلها اللّه تعالي باباً لامداداته و فيوضاته منها يمدّ غيرها و بها يفيض علي غيرها فلمّا افتقر فيالغاية و النهاية استغني كذلك و الجهة الثانية جهة افتقاره و هي جهة استغنائه لانّها جهة انيّته و نظره الي نفسه و جهة ماهيّته و اعراضه عن مبدئه و احتجاب الحق به فهي بعيدة عن النور و هي فقيرة دائماً ناظرة الي غيره تعالي و هو الفقر سواد الوجه في الدارين كما انّ الاوّل هو الفقر الذي فخري و به افتخر فخلق اللّه سبحانه الحاجة و الزمها ايّاهم حين شعروا بانفسهم و نظروا الي جهات انّيتهم و ظهر حكم الغيور واحتجب صرف النور فلمّا تحقّق الوجود و الماهيّة تحقّقت النسبة الارتباطية ثالثة بينهما و كلّ واحدة محتاجة الي الاخر بجهة امّا الوجود فمحتاج الي الماهيّة في الظهور الكوني و العيني (و خل ) الحقيقي و الرسمي اكثر و اعظم و ان كان محتاجاً اليه في الوجود و التحقّق ايضاً و الماهيّة محتاجة الي الوجود في التذوّت و التحقّق لانّها حدوده و هيئات رسومه و ان كانت محتاجة ايضاً في الظهور فتوقّفهما تساوقي و الدور معي و كذلك حكم النسبة الارتباطية معهما و حكمهما معها فالنسبة كالمصدر و الوجود كاسم الفاعل و الماهيّة كاسم المفعول في الوجه الاسفل و هما مشتقّان من المصدر و هو منحل اليهما فكلّ الي كل مضاف و منسوب.
فلمّا تحقّقت هذهالثلثة
«* جواهر الحكم جلد 4 صفحه 60 *»
وجدت الطبايع الاربع متساوقة مترابطة متناسبة متوقّفة بعضها علي بعض فالنار ظهرت بالماء و الماء وجد بالنار و الهواء بالنار و ظهرت بالتراب و هو قد وجد بالهواء بها و كلّ واحد منها شرط لوجود الاخر و تحقّقه و الاصل في ذلك انّ الشيء انّما حَدَث بالفعل و الانفعال كما تقول اوجده فانوجد و لايكون الشيء شيئاً الاّ بهما معاً فالفعل وجدت به الحرارة و اثره الذي في المفعول وجد به الرطوبة و من تلقّي المفعول المدد من الفاعل المعبّر عنه بالميل المفعولي وجدت البرودة و من نفس المفعول من حيث هو الحافظة لما يرد عليها من فعل الفاعل وجدت اليبوسة فصار الشيء لايتمّ الاّ بهذه الاربعة و تلك الثلثة ففي تأصّله و وجوده مفتقر الي سبعة اشياء و تلك السبعة بعضها شرط لتحقّق الاخر و ظهوره ثم لمّا تكثّرت الاشياء و تعدّدت كانت علّة الكثرة قرانات تلك السبعة بعضها ببعض علي الاوضاع المتخالفة و الاطوار المتباينة ففي بعضها تجد غلبة النار و في بعضها الهواء و في بعضها الماء و في بعضها التراب و في بعضها الاثنين و في بعضها الثلاثة علي الاختلاف في مراتب الحرارة في السبعة و البرودة و اليبوسة و الرطوبة في المراتب السبعة التي لكلّ منها من جهة القوّة و الضعف كالمرتبة و الدرجة و الدقيقة و الثانية و الثالثة و الرابعة و الخامسة فصارت افراد الموجودات المتكثّرة يفتقر بعضها ببعض لافتقار تلك السبعة بعضها ببعض و شدّة الافتقار و ضعفه علي حسب ما في الشيء المفتقر من الطبايع و الاكوان فالسماء محتاجة في استدارتها علي الارض اذ لولاها لميظهر نورها و بركاتها و اشعّتها و منافعها و كذلك وجودها ايضاً لانّ الارض قابليّة لوجود السماء الاّ انّ الاوّل اظهر لغلبة الحرارة النارية فيها و غلبة البرودة الترابيّة في الارض و كذلك الحكم في العكس و شرح تفاصيل هذه الاحوال ممّا لايناسب هذا المقام فالاعراض عنه اولي و هذا مجمل معني قوله7 بل نقل بالخلق الحوايج فانّ اللّه سبحانه امسك الاشياء بعضها ببعض و اقام بعضها ببعض.
و لمّا كانت علّة الحاجة الارتباط و علّة الارتباط الحركة و كان اللّه سبحانه
«* جواهر الحكم جلد 4 صفحه 61 *»
منزّهاً عن الحركة المورثة للارتباط المورث للحاجة امّا كون علّة الارتباط الحركة فانّ الارتباط انّما يحصل من ميل احد الشيئين الي الاخر سواء كان الميل ذاتيّاً او وصفيّاً (ام خل) عرضيّاً و لا نعني بالحركة الاّ الميل و هو كون الاوّل بوجهه في المكان الثاني و هذا المعني هو المفهوم من الميل و امّا كون الارتباط علّة للاحتياج فانّ ذلك لايتحقّق الاّ بين امرين فكان كل منهما مفتقراً الي الاخر في تحقّق الرابطة و هي علّة التركيب فانّ المركّب في تحقّقه محتاج و مفتقر الي ربط الاجزاء و تأليفها فكلّ مرتبط مركّب لااقلّ من الجهتين اللتين يتحقّق بهما الجَهَة الثالثة التي تتحقّق بها الرابطة لتمام الشيء ثمّ انّ تلك الاجزاء المؤلّفة الاربعة تستدعي بحسب الاوضاع و القرانات اجزاء لاتتناهي فبيّن الامام7 بهذا الكلام بطلان ماذهب اليه الحكماء من الربط بين الحادث و القديم و اطالوا البحث في ذلك و لميعلموا انّ الربط مثبت للشيئين في كل من المرتبطين ضرورة انّ كلّ واحد منهما له ذات و جهة ارتباط الي الاخر اذ لايصحّ ان يكون ذات كلّ منهما عين الربط الي الاخر والاّ لكان امراً اخر تنسب اليه تلك الذات التي فرضناها انّها نفس الربط اذ لاتعقل النسبة و الارتباط الاّ بين الشيئين المتغايرين و الواحد من حيث الوحدة الحقيقيّة لاينسب الي شيء اصلاً فلايرتبط بشيء فالمرتبطان يحتاج كلّ واحد منهما الي الاخر لتحقق الارتباط فلمّا كانت الحاجة لاتسع الذات القديمة كما برهن عليه7 بالدليل العقلي كان الارتباط ايضاً لايسعها فتكون الروابط مطلقاً في الخلق بعضهم ببعض واللّه سبحانه و تعالي منزّه عنها مطلقاً و هو قول جدّه اميرالمؤمنين7 كما فيالخطبة اليتيميّة رجع من الوصف الي الوصف و دام الملك في الملك انتهي المخلوق الي مثله و الجأه الطلب الي شكله الخطبة. فالذات تبارك و تعالي قد انقطعت دونها النسب و الاضافات و الروابط و الشئون و الحالات و الكثرات تعالي ربّي عمّا يقولون علوّاً كبيراً فكلّ ما فيه نسبة و ارتباط من الصفات الاضافيّة و الخلقيّة تنتهي الي الافعال فهي الصفات الفعليّة و اذا اطلقت عليه تعالي فالمراد بعد التجريد عن تلك الروابط و الاضافات و هو قول مولينا اميرالمؤمنين
«* جواهر الحكم جلد 4 صفحه 62 *»
7 ان قيل كان فعلي معني ازليّة الوجود و ان قيل موجود فعلي تأويل نفي العدم فلايعتبر في الذات الاقدس المدلولات اللفظيّة و المفهومات الرسميّة و الاعتبارات الفكريّة و اذا اطلقت عليه تعالي تلك الاسماء و الصفات عند الطلب و الحاجة اذ لاتصل الي جهة معرفته بدونها فنزّهها عن جميع المفاهيم و الاعتبارات و اقصد بها معني واحداً احدي الذات و الصفات فانّ الالفاظ مرتبطة بالمعاني و الذوات بالمباني.
فلمّا بيّن7 انقطاع الخلق عن الوصول الي مقامالاحديّة بكلّ جهةٍ لاستلزام الوصول الارتباط و استلزام الارتباط الحاجة و استلزامها الحدوث و الامكان و هو سبحانه و تعالي منزّه عن كلّ ذلك اراد انيبيّن انّ الخلق مختلفون في شدّة الحاجة و ضعفها و قلّتها و كثرتها بنسبة بعضهم الي بعض والاّ فهم بالنسبة الي اللّه عزّ و جلّ كلّهم متساوون في الفقر و الحاجة و لذا كانت الموجودات كلّها كرة واحدة تدور علي قطب واحد و هو جهة استمدادها من الحقّ سبحانه فقال7 و فضّل بعضهم علي بعضٍ بلاحاجة منه علي من فضّل و لا نقمة منه علي من اذلّ فكلّ مفتقر الي غيره فيالوجود و التحقّق و التذوّت احوج بالنسبة اليالمفتقر اليالغير فيالظهور و البروز و ان كان فيالتحقّق ايضاً الاّ انّ هذهالجهة فيه اكثر و اظهر فهؤلاء افضل منالاوّلين لانّ كلّ من حاجته الي غيراللّه اقل دليل علي انّ حاجته الياللّه اكثر و كلّ من كان كذلك فلاشكّ انّه افضل لانّ الكمال كلّالكمال الاستغناء منالمخلوق و الافتقار اليالخالق و لذا قال9 الفقر فخري فالغالب عليه الحرارة الجوهريّة الغريزيّة افضل كالمبادي العالية من الانبياء و الاولياء و السموات و العرش و الكرسي و المجرّدات و اطوار الملائكة و غيرهم و كلّ من فيه الغالب جهة البرودة اسفل و انقص لانّ الحرارة صفة الفاعل و البرودة صفة المفعول المقبول الذليل فلاشكّ انّ المتّصف بصفة المبدء الفاعل اشرف من المتّصف بصفة القابل و ذلك معلوم واضح و شرح هذا الكلام طويل و قلبي للبيان كليل و ليس مرادي ظاهر مايعرفون.
و قولي بالحرارة الجوهريّة الغريزيّة احتراز عن
«* جواهر الحكم جلد 4 صفحه 63 *»
الحرارة الغريبيّة الموجودة في الشهوات الباطلة فانّها فيالحقيقة باردة يابسة و بالعرض حارّ يابس و ذلك حكم نار جهنّم فصار زحل اشرف من المرّيخ مع مافيه من البرودة الظاهرة و الحرارة الباطنيّة و ما فيالمرّيخ من الحرارة الظاهريّة و البرودة الباطنيّة و لهذا قالوا فيالمرّيخ انّه شيخ كبير قاعد علي كرسي من الدم فالشيخ الكبير مزاجه البرودة و اليبوسة مع الرطوبة الغريبيّة و اشتمل بظاهره الحرارة الغريبيّة العرضيّة فافهم و بما ذكرنا من التحقيق الدقيق ظهر التفاضل بين الموجودات.
و قوله7 و فضّل اللّه بعضهم علي بعض كما قال تعالي انظر كيف فضّلنا بعضهم علي بعض و للاخرة اكبر درجات و اكبر تفضيلاً و لمّا كان الاستكمال في حقّاللّه سبحانه المورث للحاجة قد نفاه7 عند نفي الخلق لغاية عائدة اليه تعالي و نفي الروابط عنه تعالي، اكدّ ذلك بقوله بلاحاجة منه الخ فاثبت انّ نسبة فعله الي كلّ الموجودات نسبة واحدة متساوية كما هو شأن الفاعل بالنسبة الي مفعولاته و فيه تنزيه له تعالي عن الظلم و خلافالحكمة و بيان لاتّحاد نسبة فعله مع كلّ المفعولات و تحقيق لانقطاع ذاته المقدّسة عن جميع الروابط و الاضافات و لمّا كان العبث و الترجيح من غيرمرجّح ضروريالبطلان عندهم: فاثبت7 بالتلويح ماصرّح اللّه تعالي بقوله الحقّ اللّه اعلم حيث يجعل رسالته فيكون الاختلاف بين الخلق بالتفاضل و عدمه بالامر بينالامرين في الذوات و الاعمال و الافعال لانّه سبحانه و تعالي انّما فضّل من فضّل بقابليّته للنور و الخير و طلب قوّة الحرارة الغريزيّة السعادة لا ابتداءً و اشقي من اشقي بخذلانه تعالي لاعراض ذلك الشقي عن مبدء النور و الخير و ما ربّك بظلاّم للعبيد و قال عزّ و جلّ بل طبع اللّه عليها بكفرهم و بكفرهم لعنّاهم و جعلنا قلوبهم قاسية الاية و هكذا الحكم في اختلاف المراتب و المقامات في انحاء السعادات و درجاتها و اطوار الشقاوة و دركاتها و هو قوله عزّ و جلّ فمن يرد اللّه ان يهديه يشرح صدره للاسلام و من يرد انيضلّه يجعل صدره ضيّقاً حرجاً كأنّما يصّعّد فيالسماء كذلك يجعل اللّه الرجس علي الذين
«* جواهر الحكم جلد 4 صفحه 64 *»
لايؤمنون و هذا صراط ربّك مستقيماً قد فصّلنا الايات لقوم يذّكّرون.
و لمّا بيّن7 العلّة الغائيّة في خلق الاشياء و العلّة في اختلافها و انّه انّما صار بفعله تعالي بسرّالامر بينالامرين اشار تلويحاً الي انّ الاختلاف علّة تعدّد الاسماء الجماليّة و الجلاليّة و اسماء القهر و الغلبة و ظهور العظمة و الجبروت و الكبرياء و القدرة و الرحمة و المغفرة و غيرها من الشئون الحقّية الظاهرة فيالاطوار الخلقية و لمّا انّ اللّه سبحانه انّما خلقالخلق للمعرفة كما في قوله تعالي في الحديث القدسي كنت كنزاً مخفيّاً فاحببت ان اعرف فخلقت الخلق لكياعرف و لمّا انّالمعرفة الكاملة لا تتمّ الاّ بمعرفة التوحيد فيالمراتب الاربع توحيدالذات و توحيدالصفات و توحيدالافعال و توحيدالعبادة و توحيدالصفات يشمل المقامات و العلامات و المعاني و المعاني لاتتحقّق الاّ باختلاف الذوات و تعدّد الموجودات ليكون كلّ موجود من الموجودات الحادثة مظهر اسم من الصفات الكماليّة فانّ الاسم عبارة عن ظهور الظاهر بالمتعلّق الخاصّ فانّ القيام مثلاً صار علّة لظهور اسم القائم و القعود علّة لظهور اسم القاعد و الاكل لظهور اسم الاكل و هكذا سايرالاسماء و تلك الاسماء الكماليّة هي مبادي الموجودات الخلقيّة و الاثار الحادثة الدالّة علي كمال صنعة الصانع و تنزيهه عن النقايص و استجماعه للكمالات و معرفتها من متمّمات معرفة التوحيد و الشرايط اللازمة و معرفة التوحيد بمراتبه الاصليّة و الفرعيّة المرتقية الي خمسة الاف و مأتين و ثمانين مرتبة بالمراتب الكليّة هي سبب الارتقاء الي معاليالدرجات و التوجه التامّ الي خالق السموات و بارئ المسموكات و هي سبب العناية الخاصّة و العامّة بالنسبة الي تلك النسمات و هي موجب البلوغ الي اقصي الغايات و الصعود الي اعليالدرجات و الخلاص عن حضيض الدركات و مشاهدة التجلّيات و الظهورات و تلك هي الغاية القصوي و المقصد الاسني الذي ليست فوقها درجة و لا وراءها مرتبة الاّ ما كان من هذا القبيل. و الي ذلك الاشارة بقوله روحي فداه و7 فلهذا خلق.
«* جواهر الحكم جلد 4 صفحه 65 *»
قال عمران ياسيّدي هل كان الكائن معلوماً في نفسه عند نفسه قال الرضا7 انّما تكون المعلمة لنفي خلافه و ليكون الشيء نفسه بما نفي عنه موجوداً و لميكن هناك شيء يخالفه فتدعوه الحاجة الي نفي ذلك الشيء عن نفسه بتحديد ما علم منها افهمت ياعمران قال نعم واللّه ياسيّدي.
اقول العلم هو حضور المعلوم عند العالم و هو يطلق و يُراد به معنيان احدهما نفس الحضور بمعني عدم الغيبوبة و ظهور الشيء للشيء بذاته لذاته او لمؤثّره و ذلك علم الشيء بنفسه في ذاته و حقيقته عند كشف السبحات و رفع الحجب و الانّيات و اسقاط الروابط و القرانات فيتحدّ هناك العالم و المعلوم و العلم من غير اعتبار المغايرة بين هذه الثلثة في نظره اذا في ذلك المقام و يعتبر هذه الاعتبارات الثلثة من لميكن في تلك الرتبة و انّما هو في مقام التفصيل فلايعتبر في العلم حينئذ جهة مغايرة و اختلاف اصلاً و ثانيهما التمييز اي تمييزه عن كلّ ماسواه و تعيينه بنفي غيره ليتعيّن و يتشخّص دون غيره كما تقول علمت فلاناً اي ميّزته عن غيره و عيّنته بالنسبة الي ماسواه باثباته عندك و نفي ماسواه و ذلك يكون بحصول الصورة المحدودة بحدود المعلوم المصوّرة علي صورته و هيئته لتمييزه عن غيره و لذا يقولون يجب ان يكون العلم مطابقاً للمعلوم و واقعاً عليه و منطبقاً معه و ذلك هو العلم التمييزي الصوري او المعنوي في مقام الفرق و التمييز و التفصيل.
و لمّا كان المعني الثاني هو المعلوم المعروف المتبادر عندهم حمل الامام7 كلام عمران كما هو الواقع علي هذا المعني المعروف كما يظهر من سؤاله فيما بعد هل كان علمه بضمير ام لا فاجاب7 بانّه لايجوز انيكون الكائن الاوّل سبحانه و تعالي معلوماً في نفسه عند نفسه عليالمعني الذي تفهمونه فانّ ذلك يستدعي انيكون غيره اشياء ليميّز نفسه عن غيره اذا اراد التشخيص و التعيين و هو لايكون الاّ بنفي جميع مايخالفه و عند اثبات الغير في النظر و الاعتبار و الملاحظة لا يتعيّن المقصود المطلوب فوجب نفيه ليتوجّه الي المطلوب واللّه سبحانه و تعالي لايقترن بشيء و لايتّصل بشيء
«* جواهر الحكم جلد 4 صفحه 66 *»
و لاينتسب الي شيء اذ لا شيء معه لانّه واحد و لاتكون الاحديّة التامّة الاّ بعدم ذكر ماسواه عنده اذا انعدمت الاشياء عنده و امتنعت و لايكون لها ذكر و لا اسم و لا رسم لتحقيق الوحدة المحضة و انقطاع الروابط المطلقة فكيف يتصوّر التمييز في حقّه تعالي بان يعلم نفسه عند نفسه اي تمييزه عن كّل ماسواه ولو كان ذكراً و ليست هناك حجب حتّي ترتفع و تتّحد المقامات الثلثة اي العالم و المعلوم و العلم كما في علم الشيء بنفسه عند كشف السبحات و ازالة الانيّات و ليست بينونته تعالي مع خلقه بينونة عزلة حتي يحتاج التمييز الي التحديد بالحدود و التعيّنات الخارجية ليلزم التركيب و لذا قال7 انّما يكون المعلمة لنفي خلافه اذا قصد بها التمييز عمّا عداه و ليكون الشيء نفسه بما نفي عنه موجوداً اي معلوماً بالوجدان لاالوجود بمعني العدم كما في الدعاء يا غائباً ليس بموجود اي ليس بموجود عند الناس في وجدانهم و مشاعرهم و مداركهم و اعيانهم والاّ فهو سبحانه اصلالوجود و حقيقته و وجودات الخلق اثر فعله و نور مشيّته.
و قوله7 و لميكن هناك شيء يخالفه يريد7 به انّه ليس هناك شيء غيره لا انّ هناك شيء يوافقه تعالي ربّي عن ذلك علوّاً كبيرا فان الموافقة التامّة لاتجتمع مع الاثنينيّة و لابدّ من تحقّق المخالفة في الغيريّة فاذا انتفت المخالفة بالكليّة انتفت المغايرة كذلك فلميبق الاّ واحد ليس معه شيء و ليس مقترناً بشيء و ليس منتسباً الي شيء بجميع انواع النسبة من المباينة و المساواة و العموم مطلقاً و العموم من وجه فاذا انتفت هذه النسب انتفي كون شيء معه تعالي اذ وجود شيء في رتبة الاخر يستلزم احدي النسب الاربع فاذا انتفت انتفت الاشياء كلّها بجميع وجوهها و احوالها و اطوارها و اوطارها في جميع اكوارها و ادوارها و اذكارها و هو قول مولينا الصادق7 عند قول القائل اللّه اكبر من كلّ شيء فهل ثمّة شيء فيكون اللّه اكبر منه فالاشياء كلّها مفقودة بجميع اوضاعها في ذاته عزّ و جلّ و موجودة في ملكه و خلقه و حيطة قيّوميته كما قال موليناالباقر7 ولميكن خلوا من الملك قبل
«* جواهر الحكم جلد 4 صفحه 67 *»
انشائه فابطل7 بذلك مذهب كثير من الحكماء من قولهم انّ معطيالشيء لايكون فاقداً له في ذاته و انّ الاشياء وجوداتها ثابتة للّه تعالي بنحو اشرف و انّ الاعيان الثابتة غيرمجعولة و كامنة في ذاته عزّ و جلّ مثل كمون الاعداد كلّها في الواحد و مثل اندراج اللوازم في الملزومات و مثل استجنان الشجرة في النواة و انّ مفهوم واجب الوجود كلّي يصدق علي الكثيرين فانّ الافراد مذكورة في الكلّي بنحو الاجمال و انّ الصفات الذاتيّة لها مفاهيم اعتباريّة متغايرة و المصداق واحد فيكون المصداق الواحد مصداقاً لمفاهيم مختلفة فيالجهات المختلفة و انّ الصفات الفعلية قديمة من جهة و حادثة من جهة و انّ بينالحادث و القديم ربط و نسبة و كذا قولهم انّ بسيط الحقيقة كلّ الاشياء لانّه اذا انتفت الاشياء و امتنعت هناك فلانفي هناك و لا اثبات و لا سلب و لا ايجاب و لا لا و لا نعم فانّ النفي و الاثبات متساوقان فيالرتبة لايوجد احدهما الاّ والاخر مقترن به في الصلوح و الذكر و لذا اتّفقوا علي انّ النفي فرع الاثبات فاذا بطل النفي و الاثبات بطل كون النفي مستلزماً للتركيب فلايكون بسيطاً مافرضناه بسيطاً هذا خلف. و امّا اذا قلت انّ البسيط هو الذي انعدمت جميع النسب و الاضافات عنده فلااثبات لا فيالخارج و لا فيالذهن و لا في نفسالامر فلا نفي و لا تركيب حال النفي كما يتحقّق التركيب حالالاثبات و ان كان بنحو اشرف و شرح هذه المقالات و ابطال تلك القواعد يطلب في اللوامعالحسينيّة7 فاذا بطل الذكر و بينونة العزلة بطل الاشتراك فبطل التمييز و التحديد لانّهما في مقام الاشتراك فما لا جنس له لا فصل له و الجنس هو مابهالاشتراك مطلقاً و الفصل مابهالامتياز كذلك فظهر الحق و بطل ماكانوا يعملون فغلبوا هنالك و انقلبوا صاغرين.
و لمّا بيّن الامام7 انّ علم الذات الاقدس بذاتها ليس علي جهة المغايرة بين العلم و المعلوم و لا علي جهة التعلّق و وقوع العلم علي المعلوم و لا بنحو التحديد و التمييز عمّا عداه و لا انّه شيء و العلم شيء اخر و لا انّ جهة كونه عالماً و علماً غير جهة كونه معلوماً و لا انّ هناك التفات و توجّه الي ذاته
«* جواهر الحكم جلد 4 صفحه 68 *»
تعالي و انّما هو سبحانه شيء واحد احدي ليس بمعاني كثيرة تسمّيه علماً و تسمّيه ذاتاً بلافرق بين قولك ذاته او علمه لا فيالمفهوم و لا فيالمصداق و لا فيالذهن و لا فيالخارج و لا فينفسالامر فالعلم و الذات لفظان يراد منهما شيء واحد بجميع الاعتبار و ماقيل انّ المفهومين متغايران و المصداقين واحد غلط فاحش فانّ المفهوم اذا خالف المصداق كان كذباً محضاً فالمفاهيم المختلفة يصدقان علي المصداق بجهات متعدّدة كما بيّنا في محلّه.
و لمّا بيّن الامام7 ذلك و عرف عمران ماهنالك عرف انّ مقامالذات مقامالسكوت و عدم البحث و الفحص و علمه بذاته ذاته بلامغايرة و لا كيف لذلك فعطف القول الي السؤال عن علمه بخلقه لمّا انقطع سؤاله عن علمه بذاته.
فقال رحمه الله:
فاخبرني ياسيّدي باي شيء علم ما علم ابضمير ام بغير ذلك قال الرضا7 ارأيت اذا علم بضمير هل تجد بدّا من انتجعل لذلك الضمير حدّاً ينتهي اليه المعرفة قال عمران لابدّ من ذلك قال الرضا7 فماذلك الضمير فانقطع و لميحر جواباً
اقول انّ الناس بعد مااتّفقوا علي انّ اللّه عزّ و جلّ عالم بخلقه علماً احاطيّاً لايعزب عنه مثقال ذرّة فيالارض و لا فيالسماء اختلفوا في كيفيّة علمه بالاشياء علي اقوال شتّي لانذكرها لعدم الفائدة و لميعلموا انّ علم اللّه سبحانه بالاشياء لايكيّف و لايحدّد لانّه قد سبق الكيف و الحدّ لانّ عنده المكيّف و المحدود و الغيرالمكيّف و المحدود فانّ فعل اللّه سبحانه لايكيّف و لايحدّ لقوله7 مامعناه و انّما قال للشيء كن فيكون بلالفظ و لا كيف لذلك كما انّه لا كيف له و لا كيف ايضاً لاثر فعله المتعلّق به الفعل اوّلاً و بالذات فانّ الاثر يشابه صفة فعل المؤثّر و من شرط العلم المطابقة بالمعلوم فكيف يكون العلم مكيّفاً مع انّ بعضالمعلومات غيرمكيّف و كيف لايكون مكيّفاً مع انّ بعض المعلومات مكيّف هذا كلّه فيالعلم الفعلي و امّا فيالعلم الذاتي فلاكلام هناك و لا بحث فسؤال عمران عن كيفيّة علمه تعالي هل هو بضمير اي بتصوّر و خيال كما فيالمخلوق او بحصول صور الاشياء المعلومة في ذاته عزّ و جلّ
«* جواهر الحكم جلد 4 صفحه 69 *»
حصولاً جمعيّاً وحدانيّاً غيرمتكثّر و لا مختلف كما عليه بعضالحكماء فاجاب7 بانّ اللّه سبحانه لايحتاج في علمه بالاشياء الي ضمير او شيء غيرها بل هو سبحانه و تعالي يعلم الاشياء بها لا بشيء غيرها فانّه اذا علم الاشياء بغيرها نسأل عن ذلك الغير هل علمه بغيره بضمير اخر ام لا فان كان الاوّل ننقل الكلام فيه فيتسلسل او يدور فان كان الثاني فنقول اذا جاز ان يعلم الشيء بنفسه فماالفايدة في اثبات الضمير و توسّطه في علمه بالاشياء فان قلت اثبات الضمير فيالعلم بالاشياء قبل كونها نقول ذلك الضمير هل هو هو سبحانه بلامغايرة اصلاً ام هو مع اختلاف الجهة ام غيره فان كان هو هو سبحانه فكان علمه ذاته فلايقال علم بضمير فانقطع السؤال و حصل الجواب و ان كان الثاني لزم الاختلاف فيالذات مع تعدّد الجهات و هو علامة الحدوث و ان كان الثالث فهل هو حادث او قديم فان كان حادثاً ننقل الكلام في كيفيّة علمه به قبل حدوثه بضمير ام بغيره فيدور او يتسلسل او نقول علم ذلك الضميرالحادث به فاذا جاز ذلك لا فرق بين حادث و حادث فماجاز في واحد هو الجايز فيالجميع و ان كان قديماً لزم تعدّد القدماء و ادلّة التوحيد تبطله فهو سبحانه علم الاشياء بذاته علي ما الاشياء عليه في اماكن حدوثها و مراتب وجودها بالاشياء قبل وجودها و بعد وجودهاو حين وجودها و مع وجودها بلااختلاف حالة و تعدّد جهة فافهم.
فاخذ7 فيالاستدلال علي ما ذكرنا بقوله ارأيت ان علم بضمير هل تجد بدّاً من انتجعل لذلك الضمير حدّاً ينتهي اليه المعرفة يعني اخبرني اذا كان علمه بضمير اي بشيء اخر سوي ذاته او سوي نفسالاشياء فلابدّ من انتجعل لذلك الضمير الذي علم الاشياء به حدّاً اي ضميراً اخراً ينتهي اليه معرفة هذاالضمير بذلك الضمير الاخر و هو الحدّ المنتهي اليه المعرفة فلمّا كان عمران عالماً فطناً دقيقاً علم بانّه بعد القول بانّه لابدّ للّه تعالي فيالعلم بالاشياء من واسطة و هي ذلك الضمير و ذلك الضمير ايضاً شيء منالاشياء فلابدّ في العلم به ايضاً من واسطة و هوالضمير الاخر فينقل الي ذلك
«* جواهر الحكم جلد 4 صفحه 70 *»
الضمير الاخر بعين ما ذكر فيالضمير الاوّل فاقرّ بلابدّيّة ذلك الحدّ فلزمه القول بالتسلسل و لذا سأله7 الزاماً بقوله روحي له الفداء فما ذلك الضمير الاخر الذي هو الحدّ الذي ينتهي اليه معرفة الضمير الاوّل فانقطع و لميحر جواباً لماحصَل له من الالزام و عدم كشف الجواب و الاهتداء اليالصواب.
ثمّ انّه7 اراد ان يبيّن له انّ العلم المتعلّق بالمعلوم في كلالمقامات انّما هو بنفس ذلك المعلوم لا بضمير اخر سواه فبيّن له مثالاً من نفسه حسب مقترحه و سؤاله.
فقال7 و روحي له الفداء:
لابأس ان سألتك عن الضمير نفسه تعرفه بضمير اخر فقلت نعم افسدت عليك قولك و دعويك ياعمران.
اقول يعني لابأس ان نبيّن لك حقيقة الحال و توضيح المقال بايراد المثال و هو انّك ربّما تظنّ بل تستيقن بانّ العلم هو الصورة الحاصلة عندك فتعرف الاشياء الخارجيّة العينيّة بها فكان علمك هو تلك الصورة و معلومك هو الامر الخارجي فان جعلت الضمير الذي هو الصورة الحاصلة او مايقوم مقامها هو العلم و جعلت المعلوم مغايراً للعلم فنسألك عن تلك الصورة تعلمها او تجهلها فان جهلتها فكيف علمت بها غيرها و ان علمتها فكيف؟ هل علمتها بتلك الصورة او بصورة مغايرة لها فان علمتها بها اتّحد العلم و المعلوم فيالضمير فالحكم باتّحادهما هناك دون غيره قول بلادليل و تحكّم ليس له اليالحقّ سبيل فان قلت انّ العيان يغني عنالبيان و نحن نجد يقيناً انّ الاشياء الغايبة عنّا نعلمها بالصور الذهنيّة و القوي الخياليّة فمعلومُنا هو تلك الاعيان المتأصّلة علمناها بما عندنا من العلوم (المعلوم خل) و ليس عندنا الاّ الصور الخياليّة والقوي الفكريّة قلت لو امعنت النظر وجدت العيان يشهد بماذكرنا من الاتّحاد فانّك اذا اردت ان تدرك شيئاً لايخلو امّا ان يكون ذلك الشيء المعلوم حاضراً عندك او غائباً عنك فان كان الاوّل فمااراك تحتاج الي ادراك الامر الحاضر الي الصورة الخياليّة الذهنيّة بل ربّما لاتلتفتُ اليها و لاتراها عند ادراك الشيء المحسوس
«* جواهر الحكم جلد 4 صفحه 71 *»
الحاضر او الموجود فوق مرتبة الصورة من الشخصيّة و المعنويّة المعبّر عنه بمعرفة النفس التي هي معرفة الربّ او المراتب النازلة عنها التي هي مقام ادراك الصفات و الاسماء ففي ادراك هذه الامور لاتحتاج الي الصور بالوجدان و العيان و امّا الاشياء الغايبة عنك التي تظنّ انّك ادركتها بصورها و اشباحها فلاشكّ انّ المدرك المعلوم ليس الاعيان الخارجيّة و لا الذوات العينيّة بلالمعلوم انّما هو تلك الصور فماعلمت سواها و لا ادركت غيرها و لكن لمّا كانت تلك الصور اشباحاً و هيئات حكت ظهورات الامر الخارجي و تلك ذوات لها و حقيقة كينوناتها كانت بظهورها غيّبت ذاتيّة تلك الصور و الاشباح فصرت لاتشير الاّ اليالاعيان الخارجيّة و هي ليست تلك و انّما هي تجلّياتها لتك الصور بها و الدليل علي ماقلنا انّك اذا رأيت زيداً قائماً ثمّ غاب عنك و انتقشت صورته في ذهنك فانت لاتعلم الاّ هيئة القيام اي ظهور زيد بالقيام الذي هو نفسالصورة الظاهر لها بها فلوكان المعلوم حقيقة هو زيد الموجود في العين الخارجي و وجب تطابق العلم والمعلوم و توافقهما و وقوع العلم عليالمعلوم وجب ان تعلم جميع الاحوال الطارية عليه من قعود و صحّة و مرض و حيوة و موت و غيرها من الاحوال مع انّك لاتعلم منها شيئاً فثبت انّ المعلوم ليس الاّ تلك الصورة الموجودة في الخيال.
فان قلت القول بعدم اتّحاد العلم و المعلوم لاينافي ذلك لانّ المعلوم حينئذ هو الشبح المنفصل من العين الخارجي المستقرّ في زمان حدوده و مكان وروده و شهوده و العلم هوالصورة الذهنيّة التي هي منتزعة من ذلك الشبح الخارجي فالمعلوم هو الشبح المنفصل و العلم هو الشبح المنفصل من الشبح المنفصل من الشبح المتّصل فبطل الاتّحاد و صحّ عدم معلوميّة الاحوال الطارية عليالعينالخارجي بعد انتزاع الصورة او قبلها قلت اذا صحّ انّالذهن مراة اي الصورة الذهنيّة مراة حاكية عنالشبح المنفصل الخارجي تمّ ماقلنا لانّ المراة لاتحكي الاّ مافيها و لا تدلّ الاّ علي ماهي عليه لا ماالخارج عليه فماتعرفه من المراة انّما هو نفس مافيها الاّ انّ لغلبة ظهور
«* جواهر الحكم جلد 4 صفحه 72 *»
العالي تضمحلّ ملاحظة انّيّتها و حقيقتها الاتري انّك اذا رأيت زيداً في المراة العوجاء و لمتكن رأيته قبل ذلك في غيرها تحكم عليه باعوجاج الصورة مع انّه فيالخارج ليس كذلك و حكمك بحسب زعمك و وهمك لميقع الاّ علي الموجود الخارجي فافهم ذلك و ابن عليه امرك تجد صحواً بلاغبار انّ في ذلك لعبرة لاوليالابصار هذا كلّه اذا علمت تلك الصورة بها.
و امّا اذا قلت علمتها بغيرها فقد افسدت عليك قولك و دعويك للزوم التسلسل فانّا ننقل الكلام الي تلك الصورة الاخري التي علمت الاولي بها و هيالمعبّر عنه بالضمير في كلام الامام7 فان علمتها بنفسها بقيالقول بالتوسط قولاً بلادليل و ان علمتها بالاخري ننقل الكلام اليها فيتسلسل و هذا معني قوله7 افسدت قولك و دعويك فبيّن7 انّ العلم عينالمعلوم مطلقاً و هوالحقّ من الاقوال في المسألة فانّ في هذهالمسألة ثلثة اقوال احدها انّالعلم عينالمعلوم مطلقاً كما هوالحقّ المنصور المختار المدلول عليه منالاخبار و الاثار عنالائمّة الاطهار و منالعقل المؤيّد المسدّد بكلام اولئك الاخيار عليهم سلاماللّه الملك الجبّار و الثاني انّ العلم غيرالمعلوم و هو مذهب الاكثر من المتكلّمين و الحكماء و الثالث انّ العلم منه عينالمعلوم و منه غيره فالصورة الذهنيّة العلم بها بنفسها فهناك اتحد العلم و المعلوم و امّا فيما سوي ذلك فالعلم غيرالمعلوم و قد اشرنا الي بطلان القول الثالث و منه يظهر بطلان القولالثاني.
فان قلت اذا كان علماللّه بالاشياء بنفس الاشياء يلزم انلايكون سبحانه قبل خلق الاشياء عالماً بها لعدم المعلوم لحدوث الاشياء قلت انّ هذاالعلم الذي هو عينالمعلوم هو العلم الفعلي الاقتراني الحادث عند وجود الفعل و المفعولات و هو الواح المخلوقات من اللوح و القلم و امّا العلم الذاتي بالاشياء في اماكن حدوثها و مواقع وجودها و حدودها فلميتعلّق به الادراك و لايقال كيف ذلك لانّ ذاته تعالي لايكيّف و لايقاس و
«* جواهر الحكم جلد 4 صفحه 73 *»
لايحد و هو سبحانه لايستقبل شيئاً و لاينتظر شيئاً و لايفقد شيئاً و كلّ ماسواه حادث و هو سبحانه و تعالي عالم بماسواه قبل حدوثها و بعد حدوثها و مع حدوثها لايعزب عن علمه مثقال ذرّة فيالارض و لا فيالسماء و مراد الامام7 بهذا الاتّحاد في العلم الفعلي لا العلم الذاتي فانّ ذاته تعالي لاتتّحد بشيء و لاتقترن بشيء و لاتنسب الي شيء و هو الواحد الحقّ و المجهول المطلق و ليس من مذهبهم و لا من ديدنهم سلاماللّه عليهم تكييف الذات و لا تحديد الصفات الذاتيّة لانّها عندهم هيالذات بلافرض المغايرة و كيف يقع منهم التحديد و التعيين واعلم انّي في اداء هذهالكلمات و ترديد هذه العبارات كما قال الشاعر:
تعرّضت في قولي بليلي و تارة | بهند و لا ليلي عنيت و لا هنداً |
و لولا انّي اخاف من الناس الذين يوسوس في صدورهم الخنّاس لاطلقت عنان القلم في هذا الميدان و لأريت عجب العجاب انّ في ذلك لذكري لاوليالالباب.
ثمّ اعلم انّالضمير هو الغايب الموجود تحت قشور الحجب و الظواهر و منه الضمير المستتر عند اهل النحو فالمجرّدات المحتجبة تحت المادّيّات ضماير مستكنّة و الاجسام الشهوديّة ظواهر بارزة و الذي ليس من المجرّدات المقترنة و لا من المادّيّات الحاجبة كاللاهوتيّات فليس بمضمر و لا بارز و الي ذلك الاشارة بقول اميرالمؤمنين7 اللفظ امّا ظاهر او مضمر او ليس بظاهر و لا مضمر و نحن قد بيّنا في كثير من مباحثاتنا انّ اللفظ هو كلّ ماسوياللّه و هو لايخلو من هذه الثلثة الظاهر و هو الاجسام و مايقاربها و المستتر كالارواح و مايقاربها و ما ليس بظاهر و لا مضمر هو عالم الوجود المطلق و مايقاربه فالادراكات الواقعة في المرتبة الانسانيّة فيالامور الغيبيّة من المعنويّة و الصوريّة كلّها من الضماير فالادراكات الصوريّة الغيبيّة من ضميرالنفس و الادراكات المعنويّة من ضميرالعقل و الادراكات الرقائقيّة من ضميرالروح و هو البرزخ بين العقل و النفس و الادراكات الشبحيّة من ضمير المثال و لذا
«* جواهر الحكم جلد 4 صفحه 74 *»
نسب ادراك الامور الغيبيّة الي الضمير والعلم هو الصورة الحاصلة في هذه الضماير و يختلف حسب اختلاف مراتبها بالقرب و البعد و الشدّة و الضعف الاّ انّ كلّها مشتركة في كونها من العلوم الصوريّة و انّما فسّرنا الضمير فيماسبق بالصورة الحاصلة من الشيء و لمنذكر المدرك للاشارة الي قول اميرالمؤمنين7 انّما تحدّ الادوات انفسها و تشير الالات الي نظايرها و قوله تعالي و ما منّا الاّ له مقام معلوم و انّا لنحن الصافّون و انّا لنحن المسبّحون فانّ المرءاة الحاكية عن المقابل انّما هي نفسالصورة لا الزجاجة الحاملة لها و كلّ شيء يعدّ حروف نفسه و شرح هذهالكلمة يطول به الكلام و لسنا بصدده.
و لمّا كان سؤال عمران عنالعلم الذاتي كما هو المعلوم المعروف عندهم و الجواب عن العلم الفعلي اقتداء باللّه تعالي حكاية عن موسي علينبيّنا واله وعليهالسلام في قوله تعالي و قال فرعون و ما ربّ العالمين حيث سأله عنالحقيقة و الكنه فاجابه موسي7 عنالافعال والرسم و قال ربّ السموات و الارض و مابينهما ان كنتم موقنين فاستظهر فرعون للتمسّك بباطله بالتموية و التلبيس و قال لمن حوله الاتستمعون من عدم مطابقة جوابه لسؤالي فانّي اسأله عنالذات و هو يجيبني عنالافعال و الاثار و قال ايضاً موسي تأكيداً للحجّة و توضيحاً للمحجّة و تبييناً بانّ الذات لاتعرف الاّ بالاثار ربّكم و ربّ ابائكم الاوّلين فلمّا رأي فرعون ذلك قال انّ رسولكم الذي ارسل اليكم لمجنون حيث لايفرّق بين موارد السؤال و لايجعل الجواب علي طبق السؤال فلاتصلح للنبوّة حيث يخالف العقل ثمّ اكّده موسي7 ايضاً بذكرالمعرفة بالافعال و الاثار ايقاعاً للفتنة و ايضاحاً للحجّة قال ربّ المشرق و المغرب و مابينهما ان كنتمتعقلون فالامام7 سلك مع عمران هذاالمسلك و اجاب عنالعلم الفعلي تنبيهاً علي انّ العلم الذاتي ذاته بلافرض مغايرة فكما انقطع العلم عنالذات انقطع عنالعلم لانّه هو فالجواب عنه لايقع الاّ في مقام الافعال و الاثار و لمّا لمينكشف له حقيقة الجواب من جهة ذكره7 للمعارضات و ايراده للالزامات ليصفي خاطره عنالشكوك و
«* جواهر الحكم جلد 4 صفحه 75 *»
الشبهات و يبطل ماعنده و يرجعه الي مقامالجهل البسيط الخالي عن جميع الاعتبارات ليتمكّن في قلبه الحقّ الثابت البحت البات اذ مادام الظرف ممتلياً من الكثافات لايمكن انيجعل فيه شيئاً من الطيّبات و لايكون ذلك الاّ بعد اخراج تلك القاذورات.
فلهذا قال7:
اليس ينبغي انتعلم انّالواحد ليس يوصف بضمير و ليس يقال له اكثر من فعل و عمل و صنع و ليس يتوهّم فيه مذاهب و تجزية كمذاهب المخلوقين و تجزيتهم.
اقول هذا تنبيه علي ما هو المعلوم المعروف بالفطرة و الضرورة انّالواحد من حيث هو واحد لايوصف بضمير لانّه ان كان هو بطل التوصيف لانّ بينالصفة و الموصوف لابدّ منالاقتران و هو دليل علي المغايرة و امّا الصفة الذاتيّة فهي عين الذات فليس هناك امران حتّي يقترنا و يتّصف احدهما بالاخر فالذات صفة و الصفة ذات اسمان يقعان علي شيء واحد.
فان قلت انّ ضميره هو ذاته بطلالاتّصاف و انقطعالكلام و ان كان غيره فان كان قديماً تعدّدت القدماء فلميكن مافرضناه واحداً واحداً هذا خلف و ان كان جهة من جهات الذات و شأناً من شؤنها فان كان في عين الذات تجزأت كتجزية المخلوقين و انقسمت كانقسامهم لانّ كلّ جهة يغاير الاخري فهو في ذاته ينقسم الي تلك الجهات المحدودة المختلفة المتغايرة فلميكن مافرضناه واحداً واحداً هذا خلف و ان كان من لوازمه الذاتيّة فكذلك ايضاً لانّ بيناللازم والملزوم مناسبة و مرابطة بهما يتحقّق اللزوم والاّ بطلت الملازمة و تلك المرابطة في جهة اللزوم فان كانت الملازمة فيالذات فالرابطة فيها والاّ فلا فلميكن مافرضناه واحداً واحداً هذا خلف و امّاالواحد الذي تطرؤ عليه الاحوال كالوحدات العدديّة والجنسيّة والنوعيّة والشخصيّة فليس من حيث هو واحد و انّما هو من حيث فيه كثرة و لذا قيّدنا الحيثيّة و ان كان الضمير حادثاً حالاًّ فيالقديم لزم انيكون سبحانه محلاّ للحوادث و هو يستلزم التجزية و الانفعال و كون الواجب ممكناً والممكن واجباً والمؤثّر اثراً و الاثر مؤثّراً و غيرذلك من
«* جواهر الحكم جلد 4 صفحه 76 *»
المفاسد و القبايح و ان كان حادثاً و مرتبطاً بالقديم بنحو منالربط الذاتي فلايصحّ ايضاً لاستلزامه النسبة المستلزمة للتركيب المستلزم للحدوث كما اشرنا اليه سابقاً و ان كان حادثاً و ليس حالاًّ بالقديم و لا مرتبطاً به و لا متّصلاً معه و انّما هو في ملكه قائم بفعله قيام صدور كسايرالحوادث والمجعولات فلايضرّ ذلك بان جعلهاللّه سبحانه و سمّاه ضميراً و قلباً له لاجل الشرافة كما في قوله تعالي و نفخت فيه من روحي و الكعبة بيتي و ماقاله تعالي خطاباً لادم7 علي مارواه الكليني فيالكافي يا ادم روحك من روحي و طبيعتك خلاف كينونتي و غيرذلك ثم جعله مخزناً لجميع العلوم الخلقيّة المتعلّقة بجميع الكينونات الحادثة كالعرش الذي خلق اللّه تعالي فيه تمثال كلّ شيء و جعَل فيه علمالبدا و علم الكيفوفة و علل الاشياء و غيرذلك منالعلوم والحقايق والرسوم فهو حينئذ وعاء و خازن لعلمه و علي هذا المعني يقال للائمّة: انّهم خزنة لعلماللّه تعالي و اوعية له و في زيارة علي7 علي ما رواه المجلسي فيالبحار و قلبه الواعي للعلوم الحقيقيّة و هذا القلب شخص واحد حادث جعل عنده خزائن الغيب ثمّ سمّاه قلباً و نسبه للشرافة الي نفسه و قال عزّ من قائل و عنده مفاتح الغيب لايعلمها الاّ هو و يعلم ما فيالبرّ والبحر و ماتسقط من ورقة الاّ يعلمها و لا حبّة في ظلمات الارض و لا رطب و لا يابس الاّ في كتاب مبين فافهم و هذاالضمير ليس بالضمير الذي اراد عمران و هذا ايضاً لايوصف به اللّه سبحانه حقيقة و انّما النسبة مجازيّة فعليّة للشرافة فنزّهاللّه سبحانه عنالضمير فقال7 انّه لايوصف بضمير و ليس يقال اكثر من فعل اه. يعني لاتقل انّ العلم لاشكّ انّه سابق عليالفعل و الصنع اذ لو لميعلم كيف يصنع فقبل انيخلق الخلق كيف علم الخلق لانّك ان قلت بصورة حاصلة عنده منالاشياء يلزم الكفر و ان قلت بالاعيان الثابتة المعدومة الكون الموجودة معالذات بالوجود الجمعي الاجمالي فكذلك و ان قلت انّ ذاته علّة للغير (لغيره خل) والعلم بذات العلّة مستلزم للعلم بذات المعلول قبل المعلول فكذلك و ان قلت انّ ذاته
«* جواهر الحكم جلد 4 صفحه 77 *»
متّحدة بالصور المعقولة فكذلك و ان قلت بثبوت المعدومات قبل خلقها و ايجادها فكذلك و ان قلت بالمثل النوريّة المفارقة القديمة فكذلك و ان قلت انّه خلقها و لميعلم بها الاّ بعد انخلقها او حين ماخلقها فكذلك فاذن لايجوز لك انتنسب الياللّه سبحانه شيئاً من هذهالمذكورات فانّها كلّها صفاتالمحدثات الممكنات فوجب الكفّ عن مقامالذات و التكلّم فيها والقول بانّه فعل بلاكيف امّا انّه كيف علم ففعل فلا لانّ ذلك ليس مقام الكيف والحدّ فلايعرف بهما او انّ منتهي الخلق الي الخلق لانّ الاشياء تنتهي الي ما بدء عنه و مبدء الاشياء الفعل و المشيّة لقوله7 خلق اللّه الاشياء بالمشيّة و خلقالمشيّة بنفسها فاذن تنتهيالعلوم و الافهام و الادراكات و الروابط والقرانات كلّها الي مقام فعل و عمل و صنعٍ.
ثمّ انّ القديم سبحانه و تعالي هوالحقّ الثابت و ماسواه حادث و ممكن و امكان فجميع النسب الحاصلة للقديم باعتبارالحوادث كلّها نسب اشراقيّة في رتبة الحوادث و ان نسبت اليه تعالي والاّ لزم التغيّر المستلزم للانفعال اذ يوجد في ذاته صفة لمتكن قبل ذلك فليس يقال فيالاسماء والصفات الاضافيّة والخلقيّة اكثر من فعل لانّ فَعَلَ علّة اسمالفاعل و اسمالمفعول والمصدرالمشتقّ منه اسمالفاعل و اسمالمفعول فالمبادي المسمّاة بالمعاني المسمّاة بالمصادر كلّها تحت فَعَلَ لانّ المصدر اثرالفعل فيكون مشتقّاً منه اشتقاق الشعاع من المنير و الاسماء اي اسماء الفاعلين والمفعولين كلّها تحت المصدر الذي تحتالفعل فاين المقام فوق فعل و كيف الكلام اكثر من انيقال صنع و فعل فتقول عَلِمَ و علْم و عالم و معلوم.
اخاف عليك من غيري و منّي | و منك و من زمانك و المكان | |
فلو انّي جعلتك في عيوني | الي يومالقيمة ماكفاني |
بابي هو و امّي لقد صرّح في عينالتلويح و كتم في عينالتصريح فاسكتوا عمّا سكتاللّه و ابهموا ماابهمهاللّه ثمّ انّاللّه سبحانه لايفقد شيئاً و لاينتظر شيئاً و لايستقبل شيئاً و لايمضي عنه او عن ملكه شيء و لايستغني عنه شيء و لايفوته شيء والخلق حادث فقير
«* جواهر الحكم جلد 4 صفحه 78 *»
عدم هالك فهو العالم بهم فيالازل في اماكن حدوثهم و مراتب وجودهم و مواقع شهودهم قبل خلقهم و بعد خلقهم و مع خلقهم و معني قبل خلقهم هو معني بعد خلقهم و معني الفقرتين هو معني حين خلقهم و مع خلقهم و معني مافقدهم هو معني كونهم عدماً بحتاً فيما لميزل و معني ليسوا معه تعالي هو معني خلقهم و امدادهم فيما لايزال فافهم و تبصّر لولا الخوف من فرعون و ملائه لشرحت هذهالكلمات حتّي ملأت الدفاتر الاّ انّ اللّه تعالي يقول و لكم في رسول اللّه اسوة حسنة.
و اتيانه7 بثلث صيغ لبيان متعلّق الفعل فانّ كليّات العوالم ثلثة الملك و الملكوت و الجبروت فالثالث للاوّل و الثاني للثاني و الاوّل للثالث و ذلك تمام الكون و العين او انّ لكلّ شيء ثلث جهات و كلّ جهة متعلّق فعل مخصوص او انّها ثلثة الفاظ علي معني واحد والعلم عنداللّه و لا قطع بشيء من الوجوه الثلثة.
ثمّ اعلم انّ « فعل» انّما هو الميزان في علم الصرف و هو بمعني التغيير و التحويل الي الحالات و التنقّل الي معالي الدرجات و اسافل الدركات و هذا التغيير العامّ الشامل لكلّ الذرات التكوينيّة انّما يكون بالفعل لا بغيره و لمّا كان الفعل هو امراللّه الاوّلي كما قال عزّ و جلّ انّما امره اذا اراد شيئاً ان يقول له كن فيكون فاصل الايجاد بالامر و هو قول كن و اذا استنطقته بالعدد و بالحروف كان عيناً و من الكاف اشتقّت الفاء بتكرارها اربع مرّات و من النون اشتقّت اللام اذا اضيفت اليها الالف كلّ ذلك لامور كثيرة يطول بذكرها الكلام و انّما كانت ثلثة لانّها اوّل الاشياء و ابوها و ادم الاوّل و شكله المثلث لانّه اوّل شكل خلقه اللّه و اوّل عدد وجد في عالم الامكان و امّا الواحد و الاثنان فليسا من الاعداد لعدم الوجود لهما في الوجود و الامكان بل الواحد الذي هو اوّل العدد ثلثة غلبت عليها جهة الوحدة فسمّيت باسمه و امّا الاثنان فهو الاربعة الاّ انّ الفرعين لمّا لوحظا في الاصلين و اندرجا فيهما فقيل اثنان والاّ فهما اربعة علي التحقيق كما حقّقنا في محلّه و لذا قالوا انّ اوّل الفرد هو الثلثة و اوّل الزوج هو الاربعة و هما لهما مقامان مقام الاجمال في الثلثة واحد و في الاربعة اثنان و مقام
«* جواهر الحكم جلد 4 صفحه 79 *»
التفصيل فيهما كلّ واحد منهما والسبعة الجامعة لهما معاً هو العدد الكامل فلايصحّ اذا قولهم انّ الواحد ليس من الاعداد و ان تركّبت الاعداد منه كما انّ الجزء الذي لايتجزّي ليس من الاجسام و ان تركّبت الاجسام منه و قولهم انّ الاثنين هو اوّل الاعداد و كذا قول فيثاغورث انّ الواحد و الاثنين ليسا من الاعداد فالظاهر انّ مرادهم انّ الواحد و الاثنين الذين هما واقعان في اوّل العدد ليسا من الاعداد و انّما اوّل العدد الثلثة و مادونها و هذا ليس بصحيح فانّ عالم الاعداد عالم مستقلّ مثل عالم التكوين فكيف يمكن ان يكون المكوّن في مبدء التكوين ليس من عالم الامكان و لا برزخ بين الامكان و القدم مع انّ من اقسام الوحدة الوحدة العدديّة و انّ الاثنين من العدد يقيناً و الحق هو الذي ذكرت انّ مبدأ الاعداد الثلثة و انّ الواحد هو الثلثة الغالبة عليها جهة الوحدة و الاثنين هي الاربعة الغالبة عليها جهة الاجمال فهما اصلان للاعداد و باقي الاعداد تفاصيل و فروع لهما و نسبتهما الي الاعداد كنسبة العرش و الكرسي الي ساير الموجودات اما طرق سمعك قول النبي9 ظهرت الموجودات من باء بسم اللّه الرحمن الرحيم و الباء هو الاثنان و النقطة هي الالف التي هي الواحد فافهم.
و لمّا كانت الثلثة هي اوّل الاعداد و الفعل اوّل المكوّنات في الامكان و الاكوان وجب ان يكون ظاهراً بثلثة احرف للدلالة علي الجهات الثلثة و اصل الفعل الذي هو اصل الاسم وجب ان يكون في الوسط و هو العين المستنطق عن « كن » و الطرفان حاملا ظهوره و موقعا نجومه و قابليّتا بروزه الاّ انّ الفاء من جانب الكاف التي هي مقام الاجمال و البساطة و لذا كان في جانبه الايمن و اللام من جانب النون التي هي مقام الكثرة و التفصيل الظاهر في الايسر فالفاء هو النبوّة و محلّها محمّد9 و اللام مقام الولاية و محلّها علي7 و هما اصلا اسمهما كما تقرّر عندنا انّ اصل الاسم في الوسط و انّما اخذ باطن الاسم في محمّد9 لبيان مقامه و وقوفه صلوات اللّه عليه في مقام الباطن و الاجمال و اخذ ظاهر اسم علي7 لبيان مقامه و وقوفه7 في مقام الظاهر و التفصيل و كلّ منهما محلّ للعين التي هي المشيّة الاّ
«* جواهر الحكم جلد 4 صفحه 80 *»
انّ الاوّل محلّ في الباطن في مقام الربوبيّة اذ لامربوب عيناً و اذمربوب ذكراً و الثاني محلّ في الظاهر في مقام الربوبيّة اذمربوب ذكراً و عيناً فدلّ الاسم علي المسمّي و جرت الصورة علي طبق المعني و لذا اخذت الفاء و العين و اللام علي الترتيب الخاصّ ميزاناً لعلم التصريف الذي هو التغيير و التحويل للاصل الواحد الي الامثلة المختلفة و كلّ تلك الامثلة ظهورات و تطوّرات و شئونات و تجلّيات لـ «فعل» فافهم ضرب المثل.
ايّاك و اسم العامريّة انّني | اغار عليها من فم المتكلّم |
هذا هو الاصل في الميزان و السّر في ذلك لمن له عينان لا ماذكره الصرفيّون من التكلّفات الفاسدة و التمحلات الباردة فانّ ماذكروه يصدق علي عمل و صنع كما ذكره الامام7 الاّ انّ الخاصيّة التي بني عليها الوجود و امتاز بها الشاهد و المشهود و ظهر بها(ظ) العابد و المعبود لاتكمل بل لاتتمّ الاّ في « فعل » و لذا قدّمه7 في الذكر و صار موضوعاً للعلوم و كلّها فعلم الصرف ابوالعلوم و النحو امّها خلافاً لما قالوا و شرح هذا الكلام طويل و لسنا الان بصدد بيانه.
و انّما اتي7 بصيعة فَعَلَ علي هيأة الفعل محرّكة و لميذكر اسمها الذي هو الفعل و المشيّة لبيان انّه هي الحركة الايجاديّة و الميل الاوّل للمحبّة الحقيقيّة و عالم احببت في المقامات القدسيّة و هو خلق ساكن اي مستقلّ ثابت اي قطب تدور عليه الاكوار و الادوار و تجري به الليل و النهار انّ في ذلك لعبرة لاولي الابصار فلو اتي باسمه الذي هو المصدر مع سكون العين دلّ علي جموده و سكونه و برودته و انجماده و هذا غيرمقصود لانّ الامام7 في صدد بيان انّ اليه تنتهي الروابط و تتعلّق جميع التعلّقات الكونيّة و به يعرف اللّه بالاسماء الاضافيّة و الخلقيّة و ليس وراءه رتبة الاّ الذات الاحديّة و تمام هذاالمعني علي اكمل التفصيل لايؤدّيه التعبير بالفعل الساكن الوسط.
و قوله7 و ليس يتوهّم فيه مذاهب و تجزية الخ يريد7
«* جواهر الحكم جلد 4 صفحه 81 *»
بانّ توهّم اختلاف الجهات و فرض الاعتبارات المعبّر عنها بالمذاهب و التجزية محال فضلاً عن وقوعها و ذلك كما تقول انّ فرض شريك الباري محال و كذلك كلّ صفة نقص اذ لميعقل في تلك الرتبة لانّ العين التي بها يعرف اللّه سبحانه ليست فيها مذاهب و تجزية و اقتران و اتّصال و افتراق و انفصال فكيف يعرف بها ذلك و قد قال اميرالمؤمنين7 انّما تحدّ الادوات انفسها و تشير الالات الي نظايرها فعين العقل و عين النفس و عين الجسم المحدودة بالحدود المعنويّة و الصوريّة الشبحيّة و الجسميّة كيف تدرك مالاكيف له و لا حدّ له و لا اضافة و لا اقتران فالعين التي بها يدرك ذلك الشيء تجب ان تكون مجرّدة عن هذه الكيفيّات و الحدود و الاعراض فاين المذاهب و اين التجزية لانّها صفة المخلوقين و لاتدرك الاّ بالعين التي بها تدرك صفات المخلوقين و بين المقامين بون بعيد كما لايخفي علي من له قلب او القي السمع و هو شهيد فلايجوز توهّم هذه الاشياء و غيرها من صفات النقص و لا فرضها في ذات الحق سبحانه و تعالي لانّه اجريها علي خلقه و لايجري عليه ما هو اجراه فهذا هو المذهب الحق و النمط الاوسط الذي يرجع اليه الغالي و يلحق به التالي و لذا قال7:
فاعقل ذلك و ابن عليه ما علمت صواباً
يعني تعقّل ماذكرنا لك و مالوّحنا اليك في طي الاشارات و ماصرّحنا في ضمن العبارات من السر الحق و الكبريت الاحمر ممّا خفي علي ابناء الزمان و لايمكن ذكر ذلك بصريح البيان وابن عليه اي اجعله اساساً لاعتقادك فانّه الاصل الذي تدور عليه الاصول و النور الذي تقتبس منه الانوار.
و لمّا انّ عمران تفطّن الي ماقال له ذلك الامام العالي الشأن عليه الصلوة و السلام من انّ الحركة و السير للمخلوق لايقع الاّ في المخلوق كما نبّه7 عليه بقوله و ليس يقال له اكثر من صنع و فعل و قد قال اميرالمؤمنين7 رجع من الوصف الي الوصف و دام الملك في الملك انتهي المخلوق الي مثله و الجأه الطلب الي شكله انعطف عن السؤال عن الخالق فاخذ يسأل عن المخلوق؛
فقال عمران يا سيّدي الا تخبرني عن حدود خلقه كيف هي و مامعانيها و
«* جواهر الحكم جلد 4 صفحه 82 *»
علي كم نوعٍ تكون ؟ قال7 قد سألت فافهم انّ حدود خلقه علي ستّة انواع ملموس و موزون و منظوراليه و مالاذوق له و هو الروح و منها منظوراليه و ليس له وزن و لا لمس و لا حسّ و لا لون و لا ذوق و التقدير و الاعراض و الصور و العرض و الطول و منها العمل و الحركات التي تصنع الاشياء و تعملها و تغيّرها من حال الي حال و تزيدها و تنقصها فامّا الاعمال و الحركات فانّها تنطلق لانّه لا وقت لها اكثر من قدر ما تحتاج اليه فاذا فرغ من الشيء انطلق بالحركة و بقي الاثر و يجري مجري الكلام الذي يذهب و يبقي اثره.
اقول سأل عن حدودالخلق و كيفيّتها و كمّيتها و معانيها اماالحدود فهي جمع حدّ و هو التعيّن الذي به يمتاز الشيء عن غيره او قل برودة بها ينجمد الماء الذائب و بيانه بالاجمال انّ اللّه سبحانه واحداً يقيناً فالوحدة هي الكمال المطلق فضدها الذي هي الكثرة نقصانٌ مطلق لضرورة التضادّ و تطابقهما من جهة العناد فوجب ان يكون اوّل ماصدر واحداً وحدة انبساطيّة حقيقيّة شموليّة و هي الماء الذي به كلّ شيء حي و هي نار الشجرة الزيتونة التي بها نضج ثمار الجنّة ثمّ لمّا كان تلك الوحدة اقتضت ظهور الكوني و التفصيلي في الوجود ليكون محلاّ لاسمائه الحسني و حاملاً لصفاته العليا فخلق اللّه سبحانه و تعالي مابه يحصل الامتياز و التعدد و ذلك هي الصورة و هي الهيئة التأليفيّة من اركان ستّة الزمان و المكان و الجهة و الرتبة و الكمّ و الكيف و لمّا كانت هذه الستّة اموراً متجدّدة سيّاليّة تقبل الاختلاف و يقطع به الايتلاف فكلّ جزء من اجزاء الزمان يقتضي بظهور ذلك الامر الواحد فيه بغير الحكم الذي في الجزء الاخر منه و هكذا يختلف الحكم بترامي الاجزاء الي مالانهاية له فكذلك الكيف يحدّد ذلك الامر الواحد بطورٍ و يقتضي حكماً غيرمقتضي الطور الاخر و اطوار الكيف لانهاية لها و هكذا حكم الكمّ و الجهة و الرتبة ثمّ نسبة هذه الحدود بعضها ببعضٍ تقتضي احكاماً مختلفة و اوضاعاً غيرمتناهية فتختلف الاشياء بحدودها و الحدود لانهاية لها الاّ انّ كلّياتها لمّا كانت ستّة كما عرفت ظَهَرَ بها العدد التامّ و لمّا كان كلّ شيء لايتحقّق الاّ برتبتين رتبة الاجمال و رتبة التفصيل و رتبة
«* جواهر الحكم جلد 4 صفحه 83 *»
الغيب و رتبة الشهادة وجب ان تثني الستّة فتحقّقت بذلك الاثناعشر و هو العدد الزايد لكون كسورها التي هي فروع ذاتها و لطيفة انّيتها زايدة علي ذاتها بخلاف الستّة فانّ كسورها مساوية غير زايدة لانّ الاوّل مقام تمام الشيء في نفسه و الثاني مقام ظهوره مشروح العلل مبيّن الاسباب جامع المراتب حاوي المقامات و لذا سمّي باسم الحدّ لانّ اعداد حروفه مطابقة لحقيقة ذاته و انّما سمّي بهذا الاسم لما قلنا لك من انّها محلّ الكثرة و الاثنا عشر اوّل كثرة وقعت في الوجود بمقتضي الشهود عند تمام الشيء بنفسه و بظهور اسبابه و علله.
و لمّا كان اصل الوجود هو ذلك الشيء الواحد و هو حامل مرتبة التوحيد و لمّا تكثّر تكثّرت اطوار التوحيد و مراتبه و لمّا كانت الكثرة في اوّل ظهورها انتهت الي الاثني عشر لما قلنا ظهرت كلمة التوحيد في اثنيعشر حرفاً في التكوين و التدوين امّا التكوين فلانّ الكلمة حاملة لظهور المعني و شارحة له علي حسب ماظهر فيه و لمّا كانت الحقيقة المحمّديّة9 الظاهرة في اثنيعشر حدّاً ظهرت فيها جميع مراتب التوحيد لقوله تعالي ماوسعني ارضي و لا سمائي و وسعني قلب عبدي المؤمن و المؤمن هو تلك الحقيقة المحمّديّة(ص) بالوضع الاوّلي الالهي فكانت تلك الحقيقة اصل الكلمة و الاثنا عشر حروفها المقوّمة لها المتمّمة لظهورات اثارها ظهرالتوحيد بتلك الكلمة بحروفها الاثني عشر في كلّ مراتب الوجود فكانت هي الكلمة التامّة كلمة التوحيد و حدّاً تامّاً مشتملاً علي الجنس القريب و الفصل و امّا التدوين فكما تري من ظهور كلمة التوحيد في اثنيعشر حرفاً و هي قول لااله الاّاللّه و قد تحدّدت بذلك الطبق حدود الايّام و الليالي و البروج و الشهور و ساير الكلّيات الحقيقية التفصيليّة و اليه يشير قول مولينا الجواد7 في زيارة ابيه8 السلام علي شهور الحول و عدد الساعات و حروف لااله الاّاللّه في الرقوم المسطّرات و لمّا جرت الدورة الاولي علي هذه الحدود جرت مراتب الوجودات كلّها علي طبقها لانّها هيئة ظهورها و صفة استدلالها فطابق الاسم و المسمّي و الصورة و المعني فهو حدّ واحد و هو حدّان
«* جواهر الحكم جلد 4 صفحه 84 *»
و هو حدود كثيرة من قوله تعالي و السموات مطويّات بيمينه. و يداللّه فوق ايديهم و قوله تعالي بل يداه مبسوطتان و قوله تعالي والسماء بنيناها بايدٍ الي غير ذلك من الايات الظاهرة من تلويح الروايات و هذاالذي ذكرنا مجمل بيان الحدود و الاشارة الي حقيقة المحدود.
و امّا انواعها فاعلم انّها كثيرة جدّاً لاتتناهي و لاتحصي ولكن هذه الجهات الكثيرة كلّها يجمعها شيء واحد لما قلنا انّ الاشياء حقيقتها واحدة قد تشعّبت جهاتها و تطوّرت اثارها فمنها تعدّد و تشعّب كتشعّب النور من المنير و الشعاع من الشمس و منها تشعّب كتشعّب التفصيل من الاجمال و المشتقّ من المبدء فالاوّل كليّاتها ثمانية انواع:
النوع الاوّل الحقيقة المحمّديّة (ص) بذاتها و حاملها و محمولها و هي قد تشعّبت الي سبعة شعب: الاولي الحقيقة المقدّسة النبويّة الظاهرة بالنبوّة المطلقة و الولاية المطلقة الاجماليّة نقطة الكلمة التكوينيّة و مبدء الوجودات التشريعية و سرّ الوجودات الشرعيّة في بسم اللّه الرحمن الرحيم اي تكوينيّتها و تشريعيّتها و تدوينيّتها و سرّها و غيبها و باطنها و نورها و ظاهرها فافهم ان كنت تفهم. الثانية الحقيقة المقدّسة العلويّة حامل الولاية التفصيليّة الباء في البسملة الحقيقيّة و المجازيّة من الغيبيّة و الشهوديّة و الالف في الكلمة الالهيّة و حامل اللّواء و ساقي الحوض قسيم الجنّة و النار عليه و اله صلوات الملك الغفّار الي يوم القرار. الثالثة الحقيقة المقدّسة لمولينا الحسن حامل الاجمال عن التفصيل و سرّ التفصيل عن التوصيل و رتبة الاجمال و مقام الاتصال. الرابعة الحقيقة المقدّسة لمولاناالحسين صاحب التفصيل و
«* جواهر الحكم جلد 4 صفحه 85 *»
القمر السائر في منازل التقدير صاحب العشرة الكاملة و الليالي المتتالية و الصبح الصادق و الحكم المطابق المهيّج للحرارة الغريزية دافع الابخرة و الطبايع الغريبيّة فافهم. الخامسة القائم المنتظر و السيف المشتهر الواقف علي الطتنجين و الالف بين الواوين. السادسة الائمة الثمانية حملة العرش و حفظة الفرش متمّموا القابليات مقوّموا الشرعيّات و مظهروا الخيرات و ناشروا الحسنات و دافعوا السيّئات. السابعة الحقيقة المقدّسة لفاطمة الصدّيقة تمام الكلمة الالهيّة و البسملة المعنويّة و ليلة القدر في الاسرار الشهوديّة سرّ طه و الطواسين و الامر بين الكاف و النون حاملة العلويّات حافظة لها عن التفرّق و الشتات و هذه السبعة قد تشعّبت من تلك الحقيقة تشعّب الاغصان من الشجرة و المشتقّ من المبدء و الافعال الستّة او السبعة من الفعل الماضي و هي المستقبل و الامر و النهي و الجحد و النفي و الاستفهام فافهم.
و تشعّبت منها باعتبار محمولها اربعشعب: الاولي النقطة الحقيقية التي لمتقبل القسمة لا وهماً و لا فرضاً و لا اعتباراً و هنا ثلث مقامات مقام الباطن و مقام باطن الباطن و مقام الظاهر و شرح هذه الكلمات الثلثة ممّا يطول به الكلام مع انّ هذا من مزالّ الاقدام فالاعراض عن بيانها اولي و اسلم بالنسبة الي مدارك الافهام مع انّا في صدد القسمة لا تحقيق مراتب الاقسام الثانية مقام الالف بمراتبها الاربع من اللينيّة و المتحركة القائمة و المبسوطة المنتشرة و الراكدة المنجمدة و هو قوله تعالي و هو العلي العظيم. و انّه في امّالكتاب لدينا لعلي حكيم. و هو الذي خلق من الماء بشراً فجعله نسباً و صهراً و لها مراتب في البواطن في مقامات الاسماء و مراتب المسمّيات يضيق صدري باظهارها و لايضيق بكتمانها.
«* جواهر الحكم جلد 4 صفحه 86 *»
الثالثة الحروف العاليات المنشعبة من الالف المنقطعة منها و هي السحاب المزجي و الحلّ الاوّل بل العقد الاوّل. و الرابعة الكلمة التامّة و الرحمة الواسعة العامّة و السرّ المقنّع بالسرّ و هذه هي مجمل مراتب المحمول و هي سبعة و حاملها واحد او سبعة او ثمانية او اربعة عشر او اثنيعشر.
النوع الثاني حقيقة الانبياء قد تشعّبت الي مأة الف و اربعة و عشرين شعبة الاّ انّ المتشعّب من الاصل واحد قد تعيّن بهذه الحدود و هذه هي الستّة المذكورة من الكمّ و الكيف و اخواتهما و الاصل فيهم خمسة و هي نسبة القلب في الارواح الثلثة الروح الحيواني المستقرّ فيه و الروح النباتي المستقرّ منه في الكبد و الروح النفساني المستقرّ منه في الدماغ و الصدر و هؤلاء هم اولواالعزم و ساير الانبياء بمنزلة ساير الجوارح و الاعضاء فالاوّل من هذه الخمسة هو محمّد9 الظاهر لهم فيهم بهم و الاشارة الي سرّ ذلك في حديث خلق نور محمّد9 في قوله7 فلمّا اتمّ السباحة في الابحر الاثني عشر قطرت منه مأة الف و اربعة و عشرون الف قطرة خلق من كلّ قطرة روح نبي من الانبياء و لاشك ّ انّ هذا العدد انّما يتمّ به9 فظاهريته من تلك القطرة لانّ القطب في كلّ رتبة من سنخها و هو حامل اسم الاصل فافهم.
النوع الثالث مرتبة الرعيّة من بنيادم علي القول المطلق الشامل لاهل هذه الدنيا و لما وراء جبل قاف من اهل جابلقا و جابرسا و هذه الرتبة من ذلك النور الواحد قبل تشعّبه الي تلك الشعب و ان كان بعده و لذا ليس كلّ واحد منهم علّة مستقلّة بدليل عدم بعثة الكلّ علي الكلّ و ان عمّت الشرايع في بعضهم و هذه الرتبة تتشعّب شعبتين احديهما شعبة النور و الثانية شعبة الظلمة فالاولي انشعبت من موافقة الاصل من حيث حكايته لفعل المبدء و الثانية انشعبت من نفس الاولي من حيث نفسها علي حدّ قوله تعالي و يسجدون للشمس من دون اللّه و كلاهما متقوّمان بذلك الاصل الاّ انّ الاولي منه و اليه و به
«* جواهر الحكم جلد 4 صفحه 87 *»
و الثانية به ليست منه و لا اليه و كلّ من هاتين الشعبتين تشعّبت الي حدود و انواع كثيرة باعتبار مزج هاتين الشعبتين و تداخلهما و تفارقهما و غلبة كلّ واحد منهما و تساويهما و كليّاتها تنحصر في خمسة مقامات لخمسة اشخاص.
الاوّل مقام المتبوعين من الانوار عند التمايز و التمحّض في النوريّة و قولي عند التمحّض لا اعني به البساطة و جهة الوحدة فانّ الوحدة مخصوصة باللّه الواحد القهّار و كلّ ممكن زوج تركيبي حتّي الواحد الذي هو اوّل الاعداد فانّا قد ذكرنا انّه مركّب من ثلثة اجزاء بل المراد بالتمحّض في الوحدة غلبة حكمها و اضمحلال حكم الكثرة في كلّ شيء بحسبه فالمتبوعون حيث قابلوا فوّارة النور بحكم الغيور تلاشت ظلماتهم و اضمحلّت انّياتهم فلايظهر منهم اثار الظلمة ابداً فهم اذن المتمحّضون في طاعة اللّه فهم المتمحّضون في النورية و هؤلاء اوّل المجيبين و المقرّين لمّا سألهم اللّه تعالي و قال لهم الست بربّكم و محمّد نبيّكم و علي اميرالمؤمنين و الائمّة الاحدعشر من ولده و فاطمة الصدّيقة صلوات اللّه عليهم اولياءكم فكانوا لسان السائل و حقيقة المسئول قد سألهم بهم فسألوا و اجابوا و هو قول مولينا الصادق7 نحن السائلون و نحن المجيبون في الكافي مامعناه انّ النبي9 سئل لم فضّلت علي الانبياء و قد بعثت اخرهم فقال9 لانّي كنت اوّل من امن و اجاب لمّا سأل اللّه تعالي الست بربّكم و كان سؤال علي اميرالمؤمنين و جوابه مشتقّين من سؤاله و جوابه9 اشتقاق الضوء من الضوء و اشتقاق الصدر و الدماغ و الكبد و سايرالجوارح و الاعضاء من القلب.
و انّما ذكرت هؤلاء من هذا القسم اي النوع الثالث مع انّهم من النوع الاوّل كما سمعت قبل لانّ لهم سلاماللّه عليهم مقامان مقام افتراق عن الخلق في رتبة ذواتهم المشاراليه بقوله تعالي و بئر معطّلة و قصر مشيد و مقام اجتماع و اتّصال مع الخلق المشاراليه بقوله تعالي قل انّما انا بشر مثلكم يوحي الي و ذلك مقام ظهورهم مع الانبياء: بالحصّة العرضيّة و مع الرعيّة بالحصّتين
«* جواهر الحكم جلد 4 صفحه 88 *»
العرضيتين فافهم قال اميرالمؤمنين7 انّي لاتقلّب في الصور كيف شاء اللّه.
الثاني مقام التابعين بالاحسان و هم الذين اجابوا السؤال عن بصيرة و يقين و حقيقة الاّ انّ اجابتهم كانت تابعة و متأخّرة عن اجابة الاوّلين و هؤلاء غلبت فيهم جهة النور و ان كان للظلمة اثر ظاهر الاّ انّ ظهور اثار النور غالب و هم الذين خلطوا عملاً صالحاً و اخر سيّئا عسي اللّه ان يعفو عنهم قال الصادق7 عسي في هذا المقام موجبة اي يجب علي اللّه في الحكمة انيعفو عنهم.
الثالث المتبوعون من الظلمات فقد اشاراللّه تعالي اليهم مفصّلاً بقوله او كظلمات في بحر لجّي يغشاه موج من فوقه موج من فوقه سحاب ظلمات بعضها فوق بعض فالظلمات في البحر اللجّي هو الاوّل و الموج الذي يغشاه هو الثاني لانّه سيّئة من سيّئاته و الموج الذي فوقه هو الثالث لانّه سيّئة من سيّئات الثاني و السحاب معوية لعنة اللّه. ظلمات بعضها فوق بعض فتن بنياميّة او بنيالعباس فوق بنياميّة و هؤلاء هم المتبوعون و الائمّة الدعاة الي النار و الواقفون علي قاعدة مخروط الظلمة في المخروطين المتداخلين و هم الذين انكروا اوّلاً و ما رسخ في حقايقهم اقرار بوجه من الوجوه.
الرابع التابعون بالاساءة و هم رعايا هؤلاء الذين تبعوهم علي علم و بصيرة كما اخبراللّه تعالي عنهم تاللّه ان كنّا لفي ضلال مبين اذ نسوّيكم بربّ العالمين فمالنا من شافعين و لا صديق حميم و هم الذين قال تعالي فيهم و من اهل المدينة مردوا علي النفاق لا تعلمهم نحن نعلمهم سنعذّبهم مرّتين و النفاق هو الاوّل و عدده يطابق كنيته و هؤلاء قد غلبت فيهم جهة الظلمة بعكس القسم الثاني.
الخامس المستضعفون الذين قد تساوت فيهم الجهتان و لميترجّح واحد منهما فبقي في عالم الامكان و لميخرج الي عالم الاكوان فظاهرهم تابع لاحدي الفريقين و باطنهم لميخلق بعد و هم المرجون لامراللّه امّا يعذّبهم و امّا يتوب عليهم و الترديد بعد وضوح الحال و كشف الاحوال
«* جواهر الحكم جلد 4 صفحه 89 *»
و لكلّ من هذه الخمسة ثمانية و عشرون مرتبة حاصلة من اقبال العقل و ادباره ففي مقام العقل واحد في طور ظهوره و تفّرقت المراتب في المراتب النازلة و هي العقل و الروح و النفس و الطبيعة و المادّة و المثال و الجسم و العرش و الكرسي و فلك البروج و فلك المنازل و فلكزحل و فلك المشتري و فلك المرّيخ و فلك الشمس و فلك الزهرة و فلك عطارد و فلك القمر و كرة النار و كرة الهواء و كرة الماء و كرة التراب و مرتبة الجماد و مرتبة النبات و مرتبة الحيوان و مرتبة الملك و مرتبة الجنّ و مرتبة الانسان و مرتبة الجامع و ان اردت انتضيف اليها الامكان و الكون و مراتب المشيّة الاربعة بل الثمانية فتكون عشرة كاملة ليكون المجموع واحداً و اربعين مرتبة فعلت. و لمّا كان كلّ مرتبة يربّيها اسم من الاسماء الخاصّة بها عن اللّه عزّ و جلّ و هي هواللّه الواحد الاحد الفرد المتفرّد المتوحّد القيّوم الرحمن الملك البديع الباعث الباطن الاخر الظاهر الغني المحيط السلطان الي اخر الاسماء المذكورة في محلّها فاذا اضفت الاصول الي الفروع يكون المجموع اثنين و ثمانين و لكلّ من هذه المراتب المذكورة ثلث مراتب فيكون المجموع مأة و ستّة و ستّين مرتبة فاذا لاحظت هذا المجموع في الخمسة المذكورة يكون الحاصل ثمانمأة و ثلثين مرتبة و هذه هي كليّات اضافيّة لهذه المرتبة و هنا مراتب و كليّات قد ضبطناها اكثر من هذا و تبلغ تلك الكليّات تسعة عشر الف الف و تسعمأة الف و تسعمأة و تسعون و ليس لي الان اقبال وجه حصر هذه المراتب.
و امّا الجزئيّات فلااحاطة لاحد عليها و لايبلغ بها الاّ علم الواحد الفرد جلّ و علا لانّ هذه المرتبة من جهة بُعدها عن الوحدة ظهرت فيها اثار الظلمة فتحقّقت الكثرة الغيرالمتناهية باثارها و احوالها و اقتضاءاتها بخلاف النوع الاوّل و الثاني فانّ ظهور الكثرة هناك قلّ لقلّة ظهور اثار الظلمة بل عدمها في الاوّل و قلّتها في الثاني و لذا تري اهل النوع الاوّل لايعصون ابداً ولو بترك الاولي و اهل النوع الثاني يتركون الاولي و لذا يعاتبون بل يعاقبون عليها.
ثمّ انّ الذي ذكرنا من المراتب المذكورة اوّلاً و هي ثمانمأة و ثلثون انّما هي
«* جواهر الحكم جلد 4 صفحه 90 *»
المراتب النورانيّة و كلّ مرتبة تقابلها جهة ظلمانيّة الاّ الفعل و مراتبه اذ ليس لها مقابلة و مضادّة مع شيء من الاشياء لانّها كلّها بها تحقّقت و بظهور اثارها تقوّمت و عليها دلّت و اليها اشارت و بها انتهت و لايصحّ ماذكرنا في مقام التضادّ فاذا نقصت من المجموع مأة و خمسين فيبقي ستّمأة و ثمانين في المراتب الظلمانيّة فتضيفها الي المجموع فيكون الحاصل الفاً و خمسمأة و ستّة و اربعين مرتبة و هنا مراتب اخر تركناها خوفاً للتطويل و صوناً عن اهل القال و القيل.
النوع الرابع من السلسلة الطوليّة مرتبه الجنّ المخلوقين من مارج من نار و هي نار الشجرة الخضراء و هي الشجرة الزيتونة الثابتة التي ليست شرقيّة و لا غربيّة و لهم حقيقة واحدة بسيطة و هي نارالشجرة قد تعلّقت بقوابل و حدود فكثرت جهاتها و قراناتها و احكامها الحاصلة من تلك القرانات الاّ انّ كلّياتها احدعشر فمنهم من هو ساكن في الكرة الاثيريّة و هؤلاء افضلهم و اشرفهم في مقام البساطة و منهم من هو ساكن في الهواء و منهم ساكنون في الماء و منهم ساكنون في التراب و منهم ساكنون في الارض الاولي و منهم ساكنون في الارض الثانية و هكذا الي السابعة و لكلّ من اهل هذه المراتب هيئات و اوضاع و احكام تضيق بها الدفاتر و كلّهم مكلّفون مختارون بعث اليهم الانبياء و الرسل و جعل فيهم الامر و النهي و الطاعة و المعصية و النور و الظلمة و تجري فيهم المقامات الخمسة المذكورة في النوع الثالث و مراتب تلك المقامات علي ماذكرنا انفاً فكلّ تلك المراتب موجودة فيهم بطريق الظلّ و النور و الشعاع و كلّها فيهم الجهة العليا و تضاف اليها جهاتهم السفلي اي جهات انّياتهم و حدود ماهيّاتهم التي هي منشأ الكثرة و علّة الاختلاف فانظر ماذاتري فانّ الجهات و المراتب المذكورة للانس كلّها عندهم جهة وحدة و اتّفاق و كثرتهم انّما هي بحدود انفسهم و تلك الحدود ليست بموجودة في مرتبة الانس كما انّ حدودهم لمتكن موجودة عند الانبياء كما انّ حدود الانبياء لمتكن عند الحقيقة المحمّديّة9 كما انّ حدودها لمتكن عندالفعل و الفعل و
«* جواهر الحكم جلد 4 صفحه 91 *»
متعلّقه كلّه عند اللّه سبحانه فانٍ باطل مضمحلّ فاذن تفطّن في كثرة الجنّ بالنسبة الي الانس فانّها لاتقاس و قد روي عنهم: انّ الانس عشر الجنّ و هذا ليس تحديداً تفصيليّاً لكنّه اجمالي حيث انّ نسبة الجنّ الي الانس نسبة العشرات الي الاحاد و حقيقة القياس علي مايزيد نسبة الاعداد الكثيرة الغيرالمتناهية الي الواحد الحقيقي و مايعلم جنود ربّك الاّ هو.
النوع الخامس مرتبة الملائكة سوي العالين فانّهم داخلون في النوع الاوّل و سوي الكروبيين الذين قال الصادق7 انّهم قوم من شيعتنا من الخلق الاوّل جعلهم اللّه خلف العرش لو قسم نور واحد منهم علي اهل الارض لكفاهم و لمّا سأل موسي ربّه ماسأل امر رجلاً منهم فتجلّي له بقدر سمّ الابرة فدكّ الجبل و خرّ موسي صعقاً و هؤلاء هم من النوع الاوّل في النوع الثاني او بالعكس اي من النوع الثاني في النوع الاوّل و امّا ماسواهم فهم متّحدواالمراتب و اختلافهم باعتبار القوابل و الحدود و في هذه المرتبة امتازت جهة النور عن جهة الظلمة فصارت جهة النور مبدء خلق مستقلّ و ان كان ضعيف التركيب و لذا صار لهم مقام معلوم لايترقّون عن ذلك كما اخبراللّه سبحانه حكاية عنهم و ما منّا الاّ له مقام معلوم و انّا لنحن الصافّون و انّا لنحن المسبّحون و روي عنهم: انّ الناقص الذي لايحتمل الكمال هو الملئكة و لهم مقام خاصّ و اسم خاصّ يسبّحون اللّه تعالي بذلك الاسم و مراتبهم لاتحصي و مقاماتهم و انواعهم لاتستقصي فجميع ما في الانس و الجنّ من المراتب و المقامات و الاضافات و القرانات فيهم اضعاف اضعاف اضعاف ذلك و عددهم بعدد اسماءاللّه تعالي و كلّ ملك يختصّ باسم لايسع للاسم الاخر بخلاف الجنّ و الانس فانّ كلّ واحد يدعو اللّه باسماء كثيرة علي حسب سيره في مقامات صعوده و نزوله و هذا مختصرالقول فيهم اذ قصدنا بيان الانواع و الاقسام لا ذكر حقايقها و شرح دقايقها.
و انواعهم بعدد انواع الموجودات لانّ من الملئكة موكّلين بتدبيرالسحاب و منهم موكّلون بتدبير المطر و منهم موكّلون بانزال المطر و منهم موكّلون بتعيين وضع المطر في مكان مخصوص و منهم موكّلون بمزج
«* جواهر الحكم جلد 4 صفحه 92 *»
المطرالواقع علي الارض مع التراب و منهم موكّلون بتقدير الماء و التراب عند المزج و منهم موكّلون بالتعفين و منهم موكّلون بالتقطير و العقد و منهم موكّلون بتدبيره الي ان يصير نباتاً من النباتات و منهم موكّلون بتدبير اصل النبات و منهم موكّلون بتدبير اغصانها و منهم موكّلون بتدبير اوراقها و منهم موكّلون بنضج ثمارها و منهم موكّلون باسقاط اثمارها و منهم موكّلون بتدبيرها اذا اغتذي بها الانسان مثلاً في فمه و منهم موكّلون بتدبير الغذاء في المعدة الي ان يصير كيلوساً و منهم موكّلون بتصفيتها و منهم موكّلون بنقلها الي عروق ماساريقا و منهم موكّلون بنقلها الي الكبد و منهم موكّلون بتقسيمها الي الاخلاط الاربعة و منهم موكّلون بدفع الفضلات و الاخلاط الغريبة و منهم موكّلون باجراء الاخلاط من الكبد في العروق و الاوردة و منهم موكّلون باجراء الروح البخاري من القلب في العروق الضوارب و الشريانات و منهم موكّلون بضبط الاخلاط ليصحّ تقديرها و نضجها لقوام البدن و هكذا الي مالانهاية له من تنقّلات الاطوار غير ما هو موكّل بتدبير كلّ جزء و كلّ عضو و كلّ شخص و كلّ سماء و كلّ مكوكب (كوكب خل) و كلّ جزء من اجزاء الكواكب و كلّ جزء من اجزاء الفلك و هكذا في الوجودات الكونيّة غير ماهو موكّل بالتسبيح و التقديس في الوجودات الشرعيّة غيرما هو شغله التسبيح و التنزيه و العبادة و الركوع و السجود و القيام و القعود و غيرذلك و كلّهم علي هيئات مختلفة و اوضاع عجيبة غريبة لو تصدّينا لشرحها لطال بنا الكلام و بالجملة هم روابط الفيض في الوجودات الكونيّة و الشرعيّة و نسبتهم الي الموجودات نسبة الحروف الي الاسماء و الافعال.
و امّا الظلمة فقد صارت مبدء خلق مستقل و ان ضعف التركيب بمعني انّ حكم الظلمة غالب و حكم النور قدر الامساك خاصّة و هم الشياطين و هم في طرف الضد مع الملئكة كالماهيّة مع الوجود فالشياطين بعدد الملائكة موكّلون بضدّ ماوكّلت به الملائكة و عكسه حرفاً بحرف لايزيدون عليهم و لاينقصون و لهم احكام و اوضاع و هيئات غريبة و لانواعها و كلّياتها اسماء و احوال لايناسب المقام لذكرها فالاعراض عنه اولي.
«* جواهر الحكم جلد 4 صفحه 93 *»
النوع السادس الحيوانات من البهائم و هي حقيقة واحدة تشعشعت من نور الملائكة بتوسط الافلاك فاختلفت بالحدود و القوابل فصارت انواعاً مختلفة باعتبار غلبة الطبايع في الايّام الستة فصارت طيوراً عند غلبة الهواء و سباعاً عند غلبة النار و التراب و وحوشاً عند غلبة التراب او النار اذا الّفت الاجزاء علي خلاف الاعتدال الطبيعي و اهليّة عند غلبة الماء و هكذا نمط ساير الاحكام و ساير الانواع و مراتبها و انواعها اضعاف اضعاف اضعاف الجن و الانس كما ذكرنا في الجنّ حرفاً بحرف لانّ المأخذ فيهما واحد.
النوع السابع النباتات خلقهااللّه تعالي من شعاع الحيوانات و اصلها صفو العناصر و مادّتها من لطايف الاغذية فاذا عادت عادت الي مامنه بدئت عود ممازجة لا عود مجاورة و حقيقتها واحدة اختلفت بالحدود و القوابل ولكن لضعف نوريتها و بُعدها عن المبدء وقفت في حد خاصّ تجذب الغذاء و تتحرّك في الكمّ و الكيف و الوضع و امّا الاين فلاتتحرّك فيه ظاهراً و امّا فيالحقيقة فكما قال عزّ و جلّ و تري الجبال تحسبها جامدة و هي تمرّ مرّ السحاب و انواعها كثيرة لاتحصي و اقسامها عديدة لاتستقصي.
النوع الثامن الجمادات قد خلقت من فاضل النباتات و اصلها العناصر و ضمّ بعضها ببعض و هي كثيرة انواعها عجيبة اقسامها شرحها يؤدّي الي التطويل الاّ انّ مجمل القول في ذلك ما مرّ في الجنّ و كثرته بالنسبة الي الانس فانّ المراتب المندرجة في الانس و الجنّ و الملائكة و الحيوانات و النباتات كلّها في الجمادات و نسبتها اليها نسبة الواحد الي الاعداد الغيرالمتناهية ولو مدّني اللّه سبحانه بمعونته كتبت في العلم الطبيعي في احوال المعادن و خواصّها و ساير احوالها رسالة مبسوطة مفصّلة و ذكرت فيها انشاءاللّه تعالي اشياء لمتكتب في كتاب و لميجر ذكرها في خطاب المأخوذة من دليل الحكمة من اهل فصل الخطاب سلاماللّه عليهم في كلّ باب و هذاالذي ذكرنا هو مجمل انواع الخلق الحاصلة باختلاف حدودها و ذاتيّاتها و عرضيّاتها في السلسلتين اي الطوليّة و العرضيّة.
«* جواهر الحكم جلد 4 صفحه 94 *»
واعلم انّ الاختلاف الحاصل في الاشياء انّما هو بتعدّد الجهات و الاضافات و لك ان تحكم بكلّ نظر حكماً في العالم من الوحدة و الاختلاف و لك ان تقول انّ العالم واحد و لك ان تقول اثنان و لك ان تقول ثلثة و لك ان تقول اربعة و لك ان تقول خمسة و لك ان تقول ستّة و لك ان تقول سبعة و هكذا الي الالف و الف الالف و الاف الالف و هكذا و كلّ عدد يكون بانظار مختلفة عديدة و لايلزم انيكون ذلك من جهة واحدة و الامام7 اختار في الجواب عن حدود خلقه و انواعه الستّة دون غيرها لانّ الستّة هي العدد التامّ و هي اصل الكثرات و علّة الاختلافات باسرها اما سمعت اللّه سبحانه يقول خلق السموات و الارض في ستّة ايّام و قد ذكرنا سابقاً انّ ذلك النور الواحد الالهي لما تعيّن بالحدود الستّة التي هي المشخّصات الحقيقيّة الاصليّة لاغيرها و هي الزمان و المكان و الجهة و الرتبة ظهرت الاختلافات الواقعة في العالم و لمّا كانت الستّة اصلاً لهذه الاختلافات اختارها7 في الجواب دون غيرها و لانّ الستّة اوّل تفصيل المبدء و انبساطه فانّ مبدء العدد هو الثلثة و تكرارها في العالمين هي الستّة و لانّ الستّة اذا ثنّيت يظهر العدد الزايد الذي هو الاثناعشر و هي حدّاللّه لخلقه فاشار7 بباطن التلويح انّ الاختلافات كلّها انّما نشأت من حدود الولاية مع ان اصحاب الولاية و الامامة اسماءهم الغيرالمكرّرة ستّة و هي علي و الحسن و الحسين و محمّد و جعفر و موسي صلّياللّه عليهم و باقي الاسماء تكرار هذه الستّة و قد قال اللّه تعالي عمّ يتسائلون عن النبأ العظيم الذي هم فيه مختلفون و قال اميرالمؤمنين7 اي اية هي اكبر منّي و اي نبأ اعظم منّي و قال النبي9 ياعلي مااختلف في اللّه و لا في و انّما الاختلاف فيك يا علي و هو قوله تعالي انّما انت منذر و لكلّ قوم هاد قال9 اناالمنذر و علي الهادي والهداية هي الايصال الي المطلوب و اعطاء كلّ ذيحق حقّه و السوق الي كلّ مخلوق رزقه من احكام الاجابة و الانكار فلمّا كانت الولاية هي فصلالخطاب و هي منشأ الاختلاف و اصلها الستّة المكرّرة اختار7 من الاعداد الستّة.
و فيه لطيفة دقيقة فانّ
«* جواهر الحكم جلد 4 صفحه 95 *»
الستّة اشارة الي السرّ الذي بين الكاف و النون فانّ كلمة «كن» اصلها « كون » حذفت الواو للاعلال و هي الايّام الستّة و هي قوله تعالي و ذكّرهم بايّام اللّه و لمّا كان الوسط له جهتان باعتبار الطرفين تثنّي الواو و تكون اثنيعشر و تلك حدوداللّه و من يتعدّ حدوداللّه فقد ظلم نفسه و لطيفة اخري ان الستّة اشارة الي الواو المنكّس التي في اخر الاسم الاعظم و هو اشارة الي رجوع الدولة الي اهلها و عود السلطنة الي مستقرّها و كلّ ذلك مما اراده الامام7 و روحي له الفداء و الي هذه الدقايق اشار7 بقوله سألت فافهم فانّ فيه دقّة و غموض لايسع المقام ذكرها فاكتفينها بالاشارة بلطيف العبارة.
انّ حدود خلقه علي انواع: ملموس قال بعض العلماء: «اي النوع الاوّل من حدود الخلق اي الاعراض التي بها يمتاز الشيء عن غيره الملموسات اي الاعراض التي تلمس و تماسّ جلد الحيوان او عضواً مخصوصاً من اعضائه كالخطوط و السطوح و كالخشونة و الملاسة و نحو ذلك و كالاصوات و الكيفيّات العارضة لها بالتقطيع و هي الحروف التي تماسّ و تصل الي العصب المفروش في مقعر الصماخ و هذا نوع واحد من الحدود يمتاز عن غيره بالمماسة و الوصول و قال7 و موزون اي والقسم الثاني من الحدود الذي يوزن و يقدّر الاشياء باعتباره و هو الخفّة و الثقل الاضافيّان و هما لايماسّان شيئاً و ان كان محلّهما باعتبار الاعراض الملموسة ملموساً و هذا لاينافي كونهما ملموسين بمعني كونهما مدركين بالقوة اللامسة اذ هذا المعني مصطلح اهل العقل و ليس معناه اللغوي فتفطّن ثم قال7 و منظور اليه اي و القسم الثالث من الحدود المبصرات التي لاتلمس و لاتوزن كالاضواء و الالوان و القسم الرابع مالاذوق له و هو الروح اي لايكون ملموساً و لا موزوناً و لامنظوراً اليه بقرينة المقابلة و لمّا لميذكر7 المذوقات سابقاً فنفي الذوق صريحاً و قال و هو الروح بالضم و الفتح اي الروايح المشمومة و لمّا كان الضوء الذي هو مبصر اوّلاً و بالذات ممّا ينكر وجوده بعض العقلا و يقول ليس الضوء الاّ ظهور اللون و ليس كذلك علي ما عليه المحقّقون بشهادة الحسّ و
«* جواهر الحكم جلد 4 صفحه 96 *»
المشاهدة لانّا نري الضوء و اللون شيئين نبّه7 بدخوله في المبصرات بقوله و منها اي من جملة الحدود المذكورة منظور اليه و ليس له وزن و لا لمس و لا حسّ اي و لاحركة لدفع توهّم ان الضوء يتحرّك في سطوح الاجسام كما يشاهد بحسب الظاهر اذ لاشكّ بانّ الضوء عرض و لايمكن انتقاله من محلّ الي محلّ كما تقرّر في محلّة و لا لون اذ الضوء ليس بملوّن و لا نفس اللون و لا ذوق له اي لا طعم له و كأنّه اشار الي هذا الذي ذكرنا من انّ هذه الفقرة الشريفة ليست لبيان نوع اخر من الحدود بل لبيان تحقّق قسم من المنظور اليه بتغيير الاسلوب بقوله و منها و تصريحه7 بكونه منظوراً اليه اذ معلوم انّ بعد جعل مطلق المنظوراليه نوعاً لايكون القسم الخاصّ من المنظوراليه نوعاً اخر و ايضاً في كلامه7 اشارة معنويّة الي هذا بانّ المنظور اليه الذي لايكون له لون ليس الاّ الضوء لانّ غيره مالميكن ملوّناً و مضيئاً لايبصر البتّة. ثمّ قال7 و التقدير و الاعراض اي القسم الخامس من الحدود التقدير اي الحكم علي الاشياء و العلم بها و قياس بعضها علي بعض و ساير الاعراض جمع عرض بالكسر و هو الامر الحفي الذي يستحقّ الموصوف به المدح او الذم فيكون هذا القسم اشارة الي مجموع الكيفيّات النفسانيّة و لمّا كان العلم اشرفها بل اكثرها يترتّب عليه وجوداً و عدماً افردها7 و ذكرها مع الاعراض. ثمّ قال7 و الصور و الطول و العرض اي القسم السادس من الحدود الصور اي الاوصاف التي لاتلمس و لاتوزن و لاتبصر و لاتشمّ و لاتكون من الاعراض النفسانيّة سواء كانت اموراً عينيّة كالحرارة و البرودة و مطلق الطعوم او اموراً اعتباريّة كمطلق الاضافات و النسب و من جملتها الطول و العرض و هما امتدادان متوهّمان في الجسم فذكرهما بعد الصور من قبيل ذكر الخاصّ بعد العامّ و لايبعد ان يكون اشارة الي شمول الصور للاوصاف الاعتباريّة انتهي.
اقول انّ ماذكره رحمهاللّه و ان كان مطابقاً و موافقاً لمايتراءي من ظاهر كلامه7 حسب متفاهم عامّة الناس الاّ انّ ذلك ليس جارياً علي الحقيقة الواقعيّة التي عليها يبتني كلام الامام7 المحيط بجميع العوالم و الاكوان مع انّ هنا اعراض اخر ما ذكرها علي حسب شمول هذا البيان فان لوحظ شمول ماذكر لمالميذكر فيجب الاقتصار علي اقلّ من ذلك.
و الذي افهم انّ هذه السّتة المذكورة اشارة الي بيان جميع مراتب الموجودات في جميع السلسلة من الطوليّة و العرضيّة علي جهة العموم علي معني الحقيقة بعد
«* جواهر الحكم جلد 4 صفحه 97 *»
الحقيقة لا العموم المصطلح عند القوم و ذلك انّ الذات عند التأثير و الايجاد يحدث الفعل الذي هو الحركة الايجاديّة اوّلاً ثمّ يحدث بالفعل المفعول المطلق و هو حقيقة وحدانيّة معرّاة عن جميع القيود و الحدود و هو المصدر الذي يقع تأكيداً للفعل ثمّ بالمفعول المطلق يحدث المفعولبه و هو علي قسمين غيبي و شهودي و كلّ ما كان كذلك فلابدّ من برزخ متوسّطٍ بين الطرفين ليؤلّف بينهما و هذه ستّة حدود في كل موجود و مشهود و مفقود الاوّل الفعل و هو الحركة و العمل و الصنع و الاحداث و الثاني المفعول المطلق و هو المصدر اثر الفعل منتهي اليه الحركة الغير المكيّف بل صرف الاثرية و الحدوث و الثالث المفعولبه القريب للمبدء المقتضي للغيبيّة لاجل المشابهة و الرابع البرزخ المتوسط بين الغيب و الشهادة و الخامس المفعولبه البعيد الشهودي الظاهر لاجل البُعد عن المبدء و السادس ظهور المفعولبه في الكون المختلط و الواقعي الثانوي الممتزج بالغرايب و الاعراض التي لحقته في عالم الادبار و البُعد و كلام الامام7 ينطبق علي هذه الستّة حتّي يصلح انيكون جواباً لكلّ سؤال من كلّ سائل.
و لمّا كان عالم الشهادة في القوس الصعوديّة اقرب الينا فابتدء7 بذكره فاشار الي العالم الظاهري و الواقعي الثانوي القشر الحاجب للاصل بقوله7 ملموس فانّ اللمس اقرب الحواسّ و اوّل مايتعلّق بظاهرية الشيء المجاورة لظاهر جلده او قشره او غيرذلك و لمّا كان الوزن ادقّ و ابعد من اللمس اذ قد نعرف ظاهر الشيء باللمس ولكن لمنطّلع علي مقداره و معياره و فيه اشارة الي انّ المقدر الموزون المعيّن للشيء ذلك الجسم الاصلي الحقيقي لا البشريّة الظاهرة الحاملة للاوساخ و الكثافات و هذه الكثافات اعراض لاوزن لها و لا مقدار و انّما الموزون المقدر حقيقة الجسم الذي لايتبدل و لايتغيّر فاشار7 بالموزون الي الذاتي من عالم
«* جواهر الحكم جلد 4 صفحه 98 *»
الشهادة التي تقع في معرض التقدير و الوزن و الحكم بخلاف الملموس الاوّل العرضي و ان كان ذلك الاصلي ايضاً ملموساً و اشار7 الي عالم البرزخ المتوسّط بين عالم النفوس و الارواح و بين عالم الاجسام بقوله روحي فداه و منظوراليه فان النظر و الابصار كما هو الحق بالانطباع لابخروج الشعاع و لا بغيره سوي الانطباع و هذه الصورة المنطبعة في الجليديّة المنتزعة من الصورة المقترنة بالمادّة الجسميّة كالتي في المرءاة هي عالم البرزخ بين عالمي الغيب و الشهادة فانّ مافي المرءاة دليل الصورة الخارجيّة و الصورة هي من عالم المثال لمّا اقترنت بالمادّه الجسماني وجد الجسم فالمنظوراليه اوّلاً و بالذات هو المثال و هو البرزخ بين الغيب و الشهادة لانّها ليست في اللطافة كالصور النفسيّة و لا في الكثافة كالحقيقة الجسميّة و اشار7 الي العالم الغيبي الرابع بقوله الشريف و ما لا ذوق له و هو الروح فان الروح ليس بملموس و لا موزون و لا مذوق بالحواس الظاهريّة بل هو مجرّد عن المادّة الجسمانيّة و مقتضياتها و احوالها فلايدرك بالحواس الظاهرة و الروح في هذاالمقام اعمّ من العقل المعنوي و الروح الرقايقي و النفس و الطبيعة و المادّة لانّ الروح قد يطلق علي هذا المجموع و لهذا يقولون خرجت روح فلان و الخارج هو هذه الامور مع المثال كما هو المعلوم.
ثمّ اراد7 انيشير الي المفعول المطلق بعد مافرغ عن بيان حقيقة المفعولبه فقال7 و منها منظوراليه وليس له وزن و لا حسّ و لا لمس و لا لون و لا ذوق انّما اتي بالفاصل في هذاالمقام منها دون الباقي بل اكتفي في الفصل بالواو لانّ تلك الحدود و الذوات و ان كانت اموراً مختلفة الاّ انّها كلّها حدود و جهات لهذا الشيء الواحد بل الاصل في الاختلاف اثنان فعل و مفعول مطلق و لذا اتي7 عند ذكر كلّ واحد منهما منها و امّا ماسويهما فشئونهما و احوالهما فاكتفي بالواو للفصل فانّ كثرة المباني تدلّ علي كثرة المعاني كما انّ قلّة المباني تدلّ علي قلّة المعاني فافهم. ثمّ انّ هذاالمفعول المطلق المسمّي بالمصدر و الاثر و الوجود هو المنظور اليه و قد ذكرنا انّ
«* جواهر الحكم جلد 4 صفحه 99 *»
المنظوراليه هو الصورة و الصفة و هذا و ان لميكن صورة مثاليّة او نفسيّة او عقليّة الاّ انّها صورة الهيّة و صفة استدلاليّة و ربوبيّة ظاهرة في المخلوقين ليعرفوا بها القديم تعالي فهي صفة لفعله تعالي و دليل عليه و لذا تري المفعول المطلق يقع تأكيداً للفعل اذ في هذه الصورة يكون مثالاً و دليلاً للفعل لافرق بينه و بين الفعل في التعريف و التعرّف و المعرفة الاّ انّه اثر الفعل و عبده و خلقه فهو المنظوراليه حقيقةً لانّ النظر الي المبدء انّما هو في هذه الرتبة لانّ الشيء لايتجاوز حدّه و لايتعدّي ذاته فجميع مداركه و مشاعره في اي شيء يكون انّما هو في مقام ذاته و هو قول علي7 انّما تحدّ الادوات انفسها و تشير الالات الي نظايرها فاذا اراد انينظر الي مبدئه فانّما ينظر الي ماتجلّي له به و ماتجلّي له به انّما هو حقيقة ذاته التي هي صفة فعله فيعرف الموصوف بالصفة في الصفة و لذا قال7 انّه المنظوراليه اثباتاً لقول جدّه اميرالمؤمنين7 رجع من الوصف الي الوصف و دام الملك في الملك و انتهي المخلوق الي مثله و الجأه الطلب الي شكله. صفة استدلال عليه لا صفة تكشّف له.
و لمّا كانت الاعراض و الالوان و الطعوم و الاحساس الغيري و امثالها من لوازم الماهيّة و الصورة و هذاالمقام مقام الوجود المحض المجرّد عن ملاحظة الماهيّة نفي7 مقتضياتها و قال روحي فداه و ليس له وزن و لا لمس و لا حسّ و لا لون و لا ذوق و الاشارة الي الجميع في قوله7 كنّا اشباحاً بين يدي اللّه قيل و ماالشبح قال7 ابدان نورانيّة لاارواح لها و شرح حقيقة الحال لايسعه المقال و ربّما نشيراليه فيما بعد انشاءاللّه تعالي.
واعلم انّ الفعل في حدّ ذاته شيء واحد لاتكثّر فيه و لا تعدّد و امّا من جهة تعلّقه بالمفعولات تحصل له حدود عرضيّة هي ذاتيّة في المفعول اي حقيقة ذات المفعول علي هيئة ذلك الحدّ العرضي الا تري انّك اذا اردت انتكتب الالف تجعل حركة يدك مستقيمة و هذه الاستقامة و ان كانت عرضيّة بالنسبة الي الحركة التي هي الفعل لكنّها ذاتيّة بالنسبة الي نفس الالف المكتوب
«* جواهر الحكم جلد 4 صفحه 100 *»
فجميع التقادير و الصور و الهيئات و الاوضاع و الاضافات كلّها مذكورة في الفعل و تلك الاذكار هي المعبّر عنها بالامكان الراجح الوجود و لمّا كانت هذه الصور و الهيئات و التقادير متأخرة عن رتبة ذات الفعل قدّم7 ذكرها و لمّا كانت مضمحلّة فانية عندالفعل و ليست لها اثار ظاهرة حتّي صحّ اطلاق العدم عليها كما في قوله تعالي اولا يذكر الانسان انّا خلقناه من قبل و لميك شيئاً و لم يعدّ7 تلك الاعراض و التقادير و الهيئات قسماً اخر برأسه و انّما ادرجها7 في طيالكلام فقال7 اشارة الي هذاالمقام و التقدير و الاعراض و الصور و الطول و العرض و هذه كلّها وجوه الفعل و المشيّة عند التعلّق و اليه الاشارة بقوله7 ملك له رءوس بعدد الخلايق ممّن وجد وممّن لميوجد الي يومالقيمة.
ثمّ اراد7 انيشير الي الحدّ السادس و العالم السادس فقال روحي فداه و7 و منها العمل و الحركات التي تصنع الاشياء و تعملها و تغيّرها من حال الي حال و تزيدها و تنقصها و هذا هو الحدّ السادس و العمل و الحركة اشارة الي الفعل كما قال اميرالمؤمنين7 الفعل ماانبأ عن حركة المسمّي و هو الاصل في ايجاد الاثار و المفعولات ثمّ نسب هذه الحركة الي الاشياء بعد فرضها ذاتاً و لاشكّ انّ الفاعل انّما يفعل و يوجد الحركة و يغيّرها من حال الي حال و من الزيادة الي النقصان و من النقصان الي الزيادة لانّها عند ذات الفاعل مضمحلّة فانية باطلة والفعل و ان كان اصلاً بالنسبة الي الاثار و المفاعيل لكنّها عند الذات مضمحلّة باطلة زايلة متجّددة و جمع الحركة امّا باعتبار تعدّد الذوات الفاعلة كما هو الظاهر بقرينة قوله7 تصنع الاشياء الخ او باعتبار تعدّد المتعلّقات الموجبة لتعدّد الافاعيل اي توصيف الفعل بالتعدّد و يحتمل في الباطن و التأويل انيكون الضمير المستتر في تصنع راجعاً الي الحركات و هي التي تصنع الاشياء و تغيّرها من حال الي حال و تزيدها و تنقصها والحركة الايجادية هي المشيّة و هي التي تصنع الاشياء يعني انّ اللّه تعالي يصنع الاشياء بها كما في قوله7 خلق اللّه الاشياء
«* جواهر الحكم جلد 4 صفحه 101 *»
بالمشيّة و خلق المشيّة بنفسها.
و لمّا كان الفعل مضمحلاّ متلاشياً عند ظهور الذات جعل في حقيقته التصرّم و التقضي و التجدّد و السيّاليّة فقيل في تعريفه الفعل ما دلّ علي معني في نفسه و مقترن باحد الازمنة الثلاثة كما قال7 و هذا الحديث الشريف كما يأتي المشيّة خلق ساكن لايُدرك بالسكون فالاستقلال دليل السكون و الاقتران دليل الاضمحلال اذ لا شيء في التصرّم و التقضّي و السيّاليّة باظهر و اوضح من الزمان كما يأتي بيان هذا مشروحاً انشاءاللّه تعالي فاراد7 بيان عدم استقلاليّة الفعل و المفعول المطلق التي هي صارت علّة الاستقلال كما قال9 الفقر فخري و به افتخر و قال تعالي و مارميت اذ رميت ولكنّاللّه رمي. و ماتشاءون الاّ ان يشاءاللّه فاشار الي ذلك بقوله الشريف فامّا الاعمال و الحركات فانّها تنطلق اي تذهب و لميقل7 يعدم و يبطل لانّ الاشياء لاتخرج عن ملك اللّه سبحانه بل كلّ شيء ثابت في مكانه و زمانه الاّ انّ من الاشياء ماهي سريعة السير و منها ماهي بطيئة فاذا انطلقت الحركات لمتعدم و لمتبطل بل تخرج من الشهادة الي الغيب بل تخفي نفسه عنك و لذا قال7 لانّها لا وقت لها اكثر من قدر ماتحتاج اليه فاذا فرغ من الشيء انطلق الحركة و بقي الاثر لانّ الحركة هي الفعل و هو من العالم الاوّل الاعلي فاذا اراد الفاعل احداث شيء ينزّل الفعل من عالمه الاعلي الي مقام التعلّق لايجاد ذلك الشيء فاذا تمّ الشيء رجعت الحركة الي اصلها في عالم الغيب و بقي الاثر متعلّقاً بوجه منها الاّ انّ ذلك الوجه كاصله من عالم الغيب.
و قوله7 و يجري مجري الكلام الذي يذهب و يبقي اثره لانّ الكلام صوت متعلّق بالهواء و هو جسم رقيق سيّال فمادام انت تؤلّف الكلام بمدد جديد له وجود فاذا سكتّ بطل التأليف لكثرة الرطوبة المانعة عن الاستمساك و البقاء الاّ انّ دلالته التي هي اثره و شبحه ينتقش في صدر المخاطب و تبقي منتقشة فيه مادام الالتفات باقياً والاّ فلا فالكلام اي الكلمة دليل الفعل و الدلالة اية المفعول فالمفاعيل كلّها دلالات كلمة كن و تلك الكلمة هي العلّة التامّة الحقيقيّة و لاشكّ انّها تخفي
«* جواهر الحكم جلد 4 صفحه 102 *»
عند ظهور الدلالة و تظهر بها فيها فافهم فالخلق علي هذاالقياس لانّ فعل اللّه تعالي كلمة و الخلق دلالة و الدلالة ليست شيئاً الاّ ظهور الكلمة و وصفها و رشحها لاتقوّم لها الاّ بها فاذا وقعت الدلالة علي قلب المخاطب اي ظهور الاثر المطلق الذي هو الوجود اذا تعلّق بالماهيّة تحقّق المعني فيثبت و يبقي باعتبار التعلّق الغيري فذلك علّة الانجماد فلوكانت الدلالة لمتتعلّق بشيء و الوجود لميتعلّق بالماهيّة كانت تنطلق ايضاً بانطلاق الكلمة اي يغيب و يخفي لوجود مقتضي الغيبة و عدم المانع من التعلّقات ولكن الدلالة لمّا تعلّقت يقال بقي اثرالكلام و كذلك الوجود لمّا تعلّق بالماهيّة يقال بقي اثرالفعل و المشيّة و خفيت المشيّة حتّي قال بعضهم كما هو المشهور عند القوم انّها امرٌ عدمي لاوجود لها الاّ محض الربط و ذلك من جهة عدم تفطّنهم للسرّ الذي اشرنا اليه من انّها ظهور الكنز المخفي و صفته فالاصل فيها الغيبة في عين الظهور و هو معني قوله7 و يبقي الاثر فانّ الاثر هو ظهور المؤثّر في رتبة الاثر و خفاء المؤثّر في رتبة الاثر فلايزال المؤثّر مخفيّاً عند الاثر في عين ظهوره له به و ظاهراً لديه عند خفائه عنه به فخفاؤه لشدّة الظهور و استتاره لعظمالنور و هذا معني قوله7 و يبقي الاثر فبيّن روحي له الفداء في هذا الكلام الموجز المختصر جميع اطوار الوجود و اسراره و حقايقه و اشاراته و دقايقه و كم من عجائب جمّة تركت ذكرها في هذا المقام و من هذه الجهة تراه7 اعتني بهذا البيان كمال الاعتناء و قال لعمران سألت فافهم فأتي بالعبارة الظاهرة المناسبة لفهم العوام المطابقة لحقيقة الواقع في كلّ مقام فرض الفاعليّة و التأثّر و لمّا كان نظر الامام7 في الاشياء ليس نظر الانجماد و التعيّن نظر الي الفعل و الحركة و المنظور اليه بدون الكيف و الحدّ و جهاته و شئونه فجعل الخلق ماسوي اللّه امرين كما هو الواقع فعل و مفعول فاتي عند ذكرهما بقوله7 منها و جعل المفعول خمسة لانّه كفّ الحكيم و سرّ الكليم فافهم هذاالبيان المكرّر بالفهم المسدّد.
قال عمران يا سيّدي الا تخبرني عن الخالق اذا كان واحداً لا شيء غيره و
«* جواهر الحكم جلد 4 صفحه 103 *»
لا شيء معه اليس قد تغيّر بخلقه الخلق ؟ قال الرضا7 قديم لميتغيّر عزّ و جلّ بخلقه الخلق ولكّن الخلق يتغيّر بتغييره قال عمران فبأي شيء عرفناه ؟ قال7 بغيره قال فأي شيء غيره ؟ قال الرضا7 مشيّته و اسمه و صفته و مااشبه ذلك و كلّ ذلك محدث مخلوق مدبّر قال عمران يا سيدي فأي شيء هو ؟ قال7 هو نور بمعني انّه هاد لخلقه من اهل السماء و اهل الارض و ليس لك علي اكثر من توحيدي ايّاه.
اقول و ان كان الامام7 اجاب عن جميع هذه المسائل التي سألها عمران سابقاً عند قوله7 و ليس يقال اكثر من فعل و صنع و عمل و ذلك جواب لكل سؤال ولكن عمران ماتفطّن لدقائقه و مااستشعر اسراره و حقايقه و لمّا سأل عن حدود خلقه و اجابه7 بما اجاب اورد اشكالاً و اعتراضاً و هو انّ الخالق لاشكّ فيه انّه هو الذات فهي العلّة للحوادث الممكنات و لاشكّ انّ بين العلّة و المعلول و الخالق (و المخلوق ظ) لابدّ من مناسبة و مرابطة بها تصدر عنه المخلوقات المختلفة و يختصّ مخلوق بالخلق و الجعل دون الاخر مع تساويهما في نفس المخلوقيّة و المجعوليّة والحاصل لابدّ بين الجاعل و المجعول من نسبة و موافقة فانّ مباين الشيء لايصدر عن الشيء و عند فقد النسبة مطلقاً لا ذكر لاحدهما عند الاخر فكيف يتصوّر الجعل و الايجاد الذي هو الاتصال و نسبة المجعول الي الجاعل و هذا لاشكّ فيه فاذا تحقّقت النسبة و ذكرت قبل انّ الواحد سبحانه لاشيء سواه و لاشيء غيره فاذا اوجد حدود خلقه المختلفة يتحقّق النسب المختلفة و لااقلّ من نسبة الخالقيّة والمخلوقيّة و ذلك يستلزم التغيير اذ حدث فيه مالم يكن عنده سابقاً.
و ان قلت هذه النسب كانت قديمة غيرمجعولة و هي الاعيان الثابتة فيالازل المستجنّة في غيب الذات لمتزل كما زعمه جماعة فراراً من هذا الاشكال، فلايجدي نفعاً لانّ تلك الاعيان ان لمتكن شيئاً لمتتحقّق النسبة و ان كانت شيئاً، ان كانت معدومة بطلت الشيئيّة و النسبة و الاختصاص اذ لاتمايز في الاعدام اتّفاقاً و ان كانت موجودة فان كانت عين ذاته تركّبت ذاته لانّ حالة التركيب
«* جواهر الحكم جلد 4 صفحه 104 *»
متأخّرة عن حالة الاجزاء البسيطة فانّ التركيب عارض للاجزاء و العارض مؤخّر عن المعروض و ذلك ايضاً يستلزم التغيير و ان كانت خارجة عن الذات فهي قدماء مستقلّون كلّ واحد منهم مستقل بفعله و تأثيره و ذلك خارج عمّا نحن فيه مع انّ ادلّة التوحيد تبطل تعدّد القدماء و ايضاً نقول انّ الخالق ان كان هو ذات اللّه عزّ و جلّ فقبل الخلق هل كان خالقاً ام لا فان قلت نعم يلزم صدق المشتقّ قبل وجود المبدء و ذلك في البطلان بمكان فانّ الخالق من له الخلق فقبل الخلق اطلاق هذا الاسم يكون كذباً او تسمّي الذات خالقاً من باب الاصطلاح و التسمية و ذلك غير ما كنّا نبغ فانّا نريد الخالق بمعني الاحداث و الايجاد فحسب فاذا لميجز وجود هذا الاسم قبل الخلق فبعد الخلق يسمّي بهذا الاسم فحصل له اسم و صفة في ذاته تعالي لميكن قبل و ذلك هو التغيير و هذا تقرير سؤال عمران في قوله اليس قد تغيّر بخلقه فاجابه7 بكلمة واحدة و قال7 انّه قديم لميتغيّر عزّ و جلّ بخلقه لانّ القديم هو الذي وجوده ذاته لذاته بذاته و هذاالمعني و الحقيقة يستلزم التوحيد الخالص كما اثبتنا في رسالة منفردة لبعض الاحبّاء المخلصين فانّ الاقتران و الاتصال و الكثرة و النسب كلّها تستلزم صفة وجوديّة لمتكن و ذلك ينافي كون الوجود ذاته لانّ ذاتي الشيء لايتخلّف فوجب انيكون واحداً بالغاً في الوحدة حدّ الكمال و لايتحقّق الكمال الاّ اذا لميذكر عنده شيء اصلاً فانقطعت حينئذ النسب و الاضافات و الروابط و التعلّقات لانّها كلّها نقصان في الوحدة الكاملة اذ فيها شوب الكثرة فاذن اين النسبة و اين الربط و قد ذكرنا سابقاً انّ الربط و النسبة يستلزمان التركيب و الكثرة.
و امّا قولهم بوجوب النسبة بين الجاعل و المجعول فان كانت النسبة بين المجعول و بين فعل الجاعل و صفته و اسمه فنعم و ان كانت بين الذات و بين المجعول فلا. الاتري الكتابة فانّها مطابقة و مناسبة لحركة يد الكاتب لا لذات الكاتب و لذا حُسن الخطّ لايدلّ علي حسن ذات الكاتب و لاقبحه علي قبحها نعم يدلاّن علي استقامة حركة يده و اعوجاجها لا غيرذلك فلو كانت
«* جواهر الحكم جلد 4 صفحه 105 *»
النسبة المخصّصة في الذات لدلّت الكتابة علي الذات دلالة تكشف له و لذا قال اميرالمؤمنين7 ان قلت الهواء صفته فالهواء من صنعه صفة استدلال عليه لا صفة تكشف عنه فالنسبة بين الذات و بين المجعول منقطعة رأساً و بين الفعل و بين المجعول ثابتة قطعاً.
فان قلت اذا انتفت النسبة فكيف الايجاد و الاحداث المنبئان عن الاتصال قلت الايجاد بالفعل لا بالذات و الفعل لااستقلال له الاّ بالذات احدثه اللّه بلاكيف و النسبة من الكيفيّات وجدت بالفعل فلايجري عليه ماهو اجراه و الفعل ليس بمكيّف و لا محدود و لا متّصل و لا منفصل فكيف تسأل في خلقه و صدوره عن الكيف و هو الذي كيّف الكيف و ايّن الاين و قد صرّح بذلك مولينا الرضا7 علي ما في الكافي الي ان قال7 و امّا ارادة اللّه فاحداثه لا غير لانّه لا يروّي و لا يهمّ و لا يفكّر و انّما يقول للشيء كن فيكون بغير لفظ و لا كيف لذلك كما انّه لا كيف له فاذا كان الكيف هناك منتفياً و تريد ان تعرفه بالكيف فلاتصل اليه ابداً لانّ الشيء لايعرف الاّ بما هو عليه لو عرفت الاحمر بالبياض و الابيض بالسواد و ذاالهيئة بغيرها و غيرالهيئة بها لنتعرفها انظر الان الي ذاتك و حقيقتك بعد كشف السبحات و ازالة الانّيات من غيراشارة تجدها شيئاً غيرمحدود و لا مكيّف منزّه عن الاتصال و الانفصال و الافتراق و الاجتماع و النسب كلّها و هي دليل معرفتك لله تعالي و اية توحيده فيك فيجب انيكون مجرّدة عن جميع القرانات و الروابط و هو قول موليناالصادق7 في العبد انّ الدال دنوّه باللّه بلاكيف و لا اشارة فاذا انقطع الكيف في ذاتك و هي مخلوقة بالمشيّة في الوجه الاسفل المحدود بالنسبة اليها بعد وسايط عديدة فماظنّك بالفعل و المشيّة في الوجه الاعلي عند صدورها عن العلي الاعلي فلاتسأل عن الكيف و عن الربط هناك اذ لاربط و لاكيف. فقف علي هذا الحدّ الذي اوقفتك عليه و لا تتجاوز فتهلك فتكون من الخاسرين فعند صدور المعلول عن العلّة ينعدم الفصل و الوصل مطلقاً لانّ الفصل يستدعي
«* جواهر الحكم جلد 4 صفحه 106 *»
فاصلة غيرهما و ليست و الوصل يستدعي تشابه المتصلين في الملتقي و ذلك يستدعي كون المعلول علّة و العلّة معلولاً مع انّ الوصل و النسبة لاتعقل لانّ الوصل لايكون الاّ بكون احدهما في رتبة الاخر و لاشكّ انّ الاثر معدوم في رتبة المؤثّر فكيف الوصول نعم يكون الوصول الي جهة ظهور المؤثّر الذي هو نفس الاثر و علي هذا المعني يحمل قول مولينا الصادق7 انّا لاشدّ اتّصالاً باللّه من شعاع الشمس بالشمس و شيعتنا اشدّ اتصالاً بنا من شعاع الشمس بالشمس و لاشكّ انّ شعاع الشمس ليس متّصلاً بذاتها لانّه اثرها و هو معدوم عندها فالاتصال في جانب الظهور لاالذات و للاشاره الي هذه الدقيقة قال موليناالصادق7 من عرف الفصل من الوصل و الحركة من السكون فقد بلغ القرار في التوحيد.
و امّا الجواب عن السؤال الثاني هو انّ الخالق و الفاعل ليسا اسماء الذات فانّ الادلّة القطعيّة من العقليّة و النقليّة دلّت علي انّ الذات البحت ليس لها اسم و لا رسم و لا اشارة اليها و لا عبارة عنها و هو المجهول المطلق لاسيّما الخالق فانّ الاماميّة مطبقون علي انّه من صفات الافعال لا من صفات الذات فان الصفات الذاتيّة لايجوز نفيها و اثباتها و توصيف الذات بضدّها بخلاف صفة الفعل فلايجوز انتقول قدر و لميقدر و علم و لميعلم او قدر و عجز و علم و جهل بخلاف قولك خلق و لميخلق و فعل و لميفعل فانّ هذا النفي صحيح فاذا صحّ السلب دلّ علي عدم الحقيقة و انّه ليس اسماً للذات و انّما هو من اسماء الافعال فاذن وجود هذا الاسم كعدمه لايستلزم تغييراً اذ لايقع الاسم علي الذات الاتري النحاة متّفقين علي انّ اسم الفاعل مشتقّ من الفعل الا تريهم متّفقين علي انّ المشتقّ فرع للمبدء فتكون الاسماء فروعاً للافعال فافهم و لاتكثر المقال فانّ العلم نقطة كثّرها الجهال فظهر انّ قدمه عزّ و جلّ يقتضي ان لايتغيّر بخلقه كيف و التغيير انفعال و هو لابدّ له من فاعل كيف يصحّ القول بانّ الاثر يؤثّر في مؤثّره بل يجب القول بانّ الخلق يتغيّرون بتغييره سبحانه.
و في كلامه صلوات اللّه عليه و علي ابائه و ابنائه ابطال و تزييف لكلام الحكماء
«* جواهر الحكم جلد 4 صفحه 107 *»
القائلين بانّ الماهيّات ليست بمجعولة و انّ الاختلافات الواقعة منسوبة الي الماهيّات ليس للّه فيها صنع و انّ اللّه تعالي ماجعل المشمش مشمشاً بل جعله موجوداً و امثاله من الكلمات بل بيان و توضيح و شرح لقول جدّه الصادق7 لايكون شيء في الارض و لا في السماء الاّ بسبعة بمشيّة و ارادة و قدر و قضاء و اذن و اجل و كتاب فمن زعم انّه يقدر علي نقص (نقض خل) واحدة فقد كفر و في رواية فقد اشرك ه. فلايكون تغيير في الوجود كائناً ماكان و بالغاً مابلغ الاّ بجعله سبحانه و بتغييره سبحان من يغيّر و لايتغيّر.
و لمّا عرف الجواب و علم انّ الروابط منفصمة و النسب منقطعة و انّ الاسماء لاتقع علي الذات اشكل عليه الامر في المعرفة لانّ الشيء امّا ان يكون يعرف من جهة ذاته او باثاره و امّا طريق الذات مسدود في هذاالمقام و الاثار اذا لمتكن بينه و بينها نسبة و ارتباط فكيف الدلالة و كيف المعرفة و لذا سأل رحمه الله و قال فباي شيء عرفناه قال7 بغيره و لاينافي عدم الربط لانّا اذا رجعنا الي انفسنا رأيناها فقيرة محتاجة لاتملك لنفسها نفعاً و لا ضرّاً و لا موتاً و لا حيوةً و لا نشوراً فعرفنا انّا لمنخلق انفسنا بالضرورة و لميخلقنا من هو مثلنا فاذن ننفي عن خالقنا جميع اوصافنا و اخلاقنا و احوالنا ممّا هي لنا فنعرفه بالجهل به و نصفه بان لايوصف و نقول سبحان ربّك ربّ العزّة عمّا يصفون اذ كلّ ما نُدرك صفاتنا و كلّ ما نعلم حالاتنا فلايوصف بها خالقنا و سادّ فقرنا و مقوّي ضعفنا و قد قال سيّدالساجدين7 و لمتجعل للخلق طريقاً الي معرفتك الاّ بالعجز عن معرفتك.
ولكن عمران لميتفطّن لحقيقة الجواب و سأل عن ذلك الغير قال7 مشيّته و اسمه و صفته يعني انّ وجود الغير و السوي انّما تحقّق بالمشيّة فظهر فقر الاشياء و عجزها و جهلها و اضطرت الي التوجّه الي غني عالم و عالم مطلق ثمّ انّه سبحانه و تعالي وصف نفسه لهم و بيّن لهم اسماءه و صفاته ليعرفوه بها و تلك الصفات و الاسكماء بيّنها لهم بالبيان الحالي و جعل حقايقهم و ذواتهم ذلك البيان فهم الاسم و الصفة بما جعله تعالي لهم فكلّ شيء اسم لانّ الاسم مادلّ علي المسمّي و كلّ فقير بفقره يدلّ علي الغني و بعجزه يدلّ علي
«* جواهر الحكم جلد 4 صفحه 108 *»
القادر و بجهله يدلّ علي العالم و لمّا انّ الخلق لايعلمون الاّ ماعلّمهم اللّه وصف نفسه لهم بهم كما في الدعاء يا من دلّ علي ذاته بذاته. بك عرفتك و انت دللتني عليك و دعوتني اليك و لولا انت لمادر ما انت و هذه الصفة صفة رسم لا صفة حقيقة كما انّ النملة تزعم انّ للّه زبانيتين([8]) و امّا الحقيقة الواقعيّة فقد سدّ الغني المطلق باب الوصول اليها فبفعله و بمشيّته و اسمه و صفته عرفناه معرفة رسم و هذه المعرفة لاتستدعي الارتباط و النسبة اذ لمتقع علي الحقيقة فتكشف عن الواقع و لذا قال7 صفة استدلال عليه لا صفة تكشّف له ولو كانت هذه المعرفة لاجل المناسبة الذاتية كانت معرفة واقعيّة و لمّا كانت المعرفة تزيد اذ ليس وراء الذات رتبة مع انّ العباد لايزالون يترقّون في المعرفة ابدالابد و دهرالسرمد بلانهاية و لاانقطاع و لا تقصر المسافة بينهم و بين الذات عزّ و جلّ سبحانه و تعالي عمّا يصفه الواصفون علوّاً كبيراً.
ثمّ اكّد7 ما اسّسه و شيّد ما بناه و قال كلّ ذلك محدث مخلوق مدبّر حتّي لايتوهّم احد انّ المشيّة عين الذات او انّ الاسم و الصفة ذاتيتان كما هو المشهور بين العلماء الذين ماوردوا حوضهم و ماشربوا من كأسهم صلّياللّه عليه و عليهم.
و لمّا انّ عمران عرف طريق المعرفة سأل عن المعروف بهذه المعرفة يعني الذي عرفتموه باسمه و صفته اي شيء هو فاجاب7 بانّه نور اقتداءً له تعالي في كتابه اللّه نورالسموات و الارض العدم ظلمة و الوجود نور و كلّ ما سواه لم يخل عن ظلمة العدم و الفقر و الحاجة فتمحّضت النوريّة للغني المطلق وحده لاشريك له. و لمّا كان الامام7 بيّن انّا عرفناه بغيره فلانعرف الاّ جهة قيّوميّته لا حقيقة ذاته و يتراءي من قوله7 نورٌ انّه بيان للحقيقة فسّر مراده بمعني القيّوميّة بمعني انّه هاد لخلقه و خارج لهم من ظلمة العدم الي نور الوجود و من ظلمة الامكان الي فسحة الاكوان و من ظلمة الابهام الي نورالتعيين و التشخيص و من ظلمة الجهل الي نورالعلم و من ظلمة النقصان الي فضاء التمام و الكمال الاضافيّين و هو قوله تعالي اللّه ولي الذين امنوا يخرجهم من الظلمات الي النور لا ماذكره بعض
«* جواهر الحكم جلد 4 صفحه 109 *»
المتكلّفين من الصوفيّة و ممن يميل اليهم و يحذو حذوهم انّ المراد بالنور هو الوجود و اثبتوا بذلك علي زعمهم مسألة وحدة الوجود بانّ اللّه سبحانه هو وجود السموات و الارض فانّ هذاالقول باطل عاطل بيّنا فساده بالعقل و النقل في كثير من مباحثاتنا و اجوبتنا للمسائل.
ثمّ اراد7 انيوضح و يشرح انّ الخلق لايصلون الي مقام الذات و لايعرفون و انّما هم مكلّفون بتوحيده و تنزيهه عن الشوائب الامكانيّة والحدود الخلقيّة لا علي البحث و الفحص عن حقيقة ذاته المقدّسة فقال7 ليس لك علي اي بعد ما تبيّن لك من المراتب السابقة ليس بمعقول لك سؤال اكثر من توحيدي ايّاه من الشوائب العدميّة و العلايق الظلمانيّة الامكانيّة بانّه نور محض موجد لجميع الاشياء بالتفاته و نظره و احداثه و ايجاده و اما انّ حقيقته ماذا، فلا لانّه لايمكن انيكون معلوماً لشيء سوي ذاته. و يحتمل انيكون هذهالفقرة اشارة الي قول اميرالمؤمنين7 في الحديث نحن الاعراف الذين لايعرف اللّه الاّ بسبيل معرفتنا و فيالزيارة من اراداللّه بدء بكم و من وحّده قبل عنكم و من قصده توجّه بكم الي غيرذلك من الروايات فمراده7 ليس لك ان تتعدّي عمّا احّده لك من توحيداللّه سبحانه فانّه هوالحق الذي لاشكّ فيه و الثابت الذي لاريب يعتريه صدق ابن رسولاللّه صلّياللّه عليه و علي ابائه و ابنائه فواللّه من شذّ عنهم شذّ الي النار.
قال عمران يا سيّدي اليس قد كان ساكتاً قبل الخلق لاينطق ثمّ نطق قال الرضا7 لايكون السكوت الاّ عن نطق قبله و المثل في ذلك انّه لايقال السراج هو ساكت لاينطق و لا يقال انّ السراج ليضيء فيما يريد انيفعل بنا لانّ الضوء من السراج ليس بفعل منه و لا كون و اّنّما هو ليس شيء غيره فلمّا استضاء لنا قلنا قد اضاء لنا حتّي استضأنا به فبهذا تستبصر امرك.
اقول لمّا انّ الامام7 اثبت بالبرهان القطعي انّ اللّه سبحانه لميتغيّر بتغيّر خلقه و انّما هو احدث المشيّة و احدث الاشياء بها و نشأ منها
«* جواهر الحكم جلد 4 صفحه 110 *»
الاسماء و الصفات و الافعال فحصلت الاشياء منه تعالي بقوله كن قال يلزم علي ذلك انيكون اللّه تعالي قبل خلقه الخلق ساكتاً ثمّ نطق و معني السكوت اي معطّلاً عن الفيض لايفيض و هذا نقص و ايضاً يلزم التغيير اذ حالة السكوت غير حالة النطق و يؤيّده قوله تعالي كنت كنزاً مخفيّاً فاحببت اناعرف فخلقت الخلق لكي اعرف فاجاب7 اوّلاً بانّ هذا التعبير لايصحّ لانّ السكوت لايجوز انيكون في الوجود قبل النطق لانّ النطق حركة و السكوت سكون و لاشكّ انّ الحركة اشرف من السكون و النطق وجود و السكوت عدم و الوجود اشرف منالعدم و النطق حيوة و السكوت موت والحيوة اشرف من الموت فاذا تحقّقت الاشرفيّة فلايتقدّم الاخسّ عليها لا لذاتها و لابجعل جاعل والضرورة قضت ببطلان الطفرة فاذا كان كذلك فلايصحّ قولك اكان ساكتاً فنطق لانّ السكوت دائماً مسبوق بالنطق فعبارتك باطلة و هذا مايتعلّق بالامر اللفظي.
و امّا الحقيقة فاعلم انّ الضدّين كلّ واحد منهما مذكور عند الاخر فاذا انتفي احدهما مطلقاً ذكراً و عيناً و كوناً انتفي الاخر يقيناً فاذا كان كذلك فاللّه سبحانه لايذكر في ذاته المقدّسة شيء من المخلوقات ابداً لانفياً و لااثباتاً و لاوجوداً و لاعدماً والفعل لا ذكر له في رتبة الذات حتّي يلزم تغيير النسبة بل هو سبحانه علي حالة واحدة قبل الخلق و بعد الخلق و مع الخلق قال اميرالمؤمنين7 لمتسبق له حال حالاً ليكون اوّلاً قبل ان يكون اخراً و يكون ظاهراً قبل انيكون باطناً و في قول سيّدالساجدين7 كذلك انت اللّه في اوّليّتك و علي ذلك انت دائم لاتزول و اذا كان كذلك فالخلق ليس مقترناً به و لامتّصلاً معه حتّي يلزم التغيير و تفاوت الحالتين اللتين عبّرت عنهما بالسكوت و النطق بل الخلق مقترن بالفعل و المشيّة و مُنتهٍ اليه والفعل اسم استقرّ في ظلّه فلايخرج منه الي غيره اي في ذاته لا في ذات اللّه تعالي كما قالالصادق7 خلق اللّه الاشياء بالمشيّة و خلق المشيّة بنفسها فالاشياء تنتهي الي المشيّة و هي لا تنتهي الي الذات قال اميرالمؤمنين7 انتهي المخلوق الي مثله و الجأه الطلب الي شكله فاذا كان كذلك انقطع الكلام عن
«* جواهر الحكم جلد 4 صفحه 111 *»
الذات بالنفي و الاثبات فحينئذ لايلزم التغيير و لاالسكوت و النطق اذ لايقال هناك سكوت و لانطق اصلاً و مايروون انّاللّه كان متّكئاً فاستوي جالساً تلك من اختراعات بعض الصوفيّة لاكلام الامام7 و ان كان يجوز تأويله لو صحّ بظهور من الظهورات الفعليّة.
ثمّ اراد الامام7 انيشرح له حقيقة الامر بالمثال الذي ضربه اللّه تعالي للناس في الافاق و في انفسهم كما قال تعالي سنريهم اياتنا في الافاق و في انفسهم حتّي يتبيّن لهم انّه الحق و من تلك الايات و الامثال السراج فانّ السراج له ضوء ذاتي هو ذاته و معه بل ليس ذاته الاّ ذلك لاينفكّ عنه و هذا الضوء ليس بفعل منه و لاكون و ايجاد له لانّه ذاته لاشيء غيره فهو في رتبة ذاته و كينونة قيّوميّته علي ما هو عليه من الضياء و النورانيّة فلمّا حصلت الاجسام الكثيفة و حصل اشراق من السراج علينا لايقال انّ السراج تغيّر عمّا هو عليه كان ساكتاً ثمّ نطق اذ مازاد عليه شيء و ما نقص و هذه الاستضاءة التي فينا ليست من ذاته و انّما هي من اثار تجلّيه لا دخل لها في حدّ ذاته فذاته علي ما هو عليه قبل الاشراق و بعد الاشراق في جميع النسب و الاضافات و الاشعّة الواقعة علينا ليست شيئاً عند السراج حتي يوصف بها و لذا اذا قيل لك اي شيء في الدار تقول سراج و لاتقول سراج و شعاع فانّ الشعاع الذي في الغير ليس شيئاً عنده حتّي يذكر معه فنسبة السراج في الحالين واحد و لذا قال7 والمثل في ذلك انّه لايقال للسراج هو ساكت لاينطق لانّ الضوء الموجود في السراج هو ذاته في كلّ حال فان كان ساكتاً فلاينطق ابداً و ان كان ناطقاً فلايسكت ابداً بل هذه الاحوال لاتجري عليه لانّها اثار صنعه و احداثه و لايقال انّ السراج ليضيء فيمايريد انيفعل بنا اي يتجدّد فعل الاضاءة فيه و اقتضاؤها فيما يقتضي انيفعل بنا من الاضاءة لانّ الضوء من السراج ليس بفعل و لا كون و هو الضوء الذاتي الذي هو عين ذات السراج لا الضوء الواقع علينا فانّه لاشكّ انّه اثر لضوء السراج لكنّه لاينسب الي اصل الضوء الذي في ذاته فلو كان ينسب الي ذلك الضوء يلزم زيادة و نقصان و تغيير و تفاوت حال بالنسبة الي قبل الاستضاءة و بعدها
«* جواهر الحكم جلد 4 صفحه 112 *»
فوجود ذلك الضوء و عدمه عندالسراج سواء يقيناً.
و قوله7 و انّما هو ليس شيء غيره اي الضوء الذاتي او الواقع علي الجدار اذا نسبناه الي السراج فانّه ليس شيئاً مذكوراً معه و لا مقترناً و لا متصّلاً به و يحتمل انيريد7 بقوله انّ الضوء لمّا كان دليلاً و اية فلايتوجّه الاّ الي السراج و لايري شيئاً غيره كما في الدعاء لايسمع فيه صوت الاّ صوتك و لايري فيه نور الاّ نورك والكلّ وجه السراج و مثاله او يكون المراد ان ليس للضوء وجود مستقلٌّ مباين غيرالسراج فانّ وجوده تابع و ظلّ لاتحقّق و لا تذوّت في الخارج الاّ للسراج فلاشيء مستقلاً سواه.
قوله7 فلمّا استضاء لنا قلنا قد اضاء لنا حتّي استضأنا به اي فلمّا اظهر ضوءه لنا باشراقه و تجلّيه قلنا قد اضاء لنا بفعله فانّ “اضاء” فعل يوجد عند الحدوث لاقبله فقبل الاضاءة لايقال انّ السراج يريد انيضيء لنا اذ ليس شيء قبل الاضاءة غيره حتّي تتعلّق به الارادة و لاتكون الارادة الاّ و المراد معه فلمّا اظهر ضوءه بفعله قلنا قد اظهر فعله لنا حين احداث الضوء الواقع علينا فنحن استضأنا بذلك الضوء فذات السراج اية اللّه و للّه المثل الاعلي و الضوء الواقع علينا من السراج اية المشيّة و هذاالضوء لميكن له ذكر قبل وجوده عندالسراج حتّي يقال انّه ساكت عنه اذ لايصحّ السكوت الاّ في محلّ صلوح النطق و لايصحّ هذه الصلاحيّة الاّ بذكر هذا الضوء في السراج مع انّه ليس كذلك فلايصحّ ان يقال انّ اللّه سبحانه كان ساكتاً قبل خلق المشيّة فنطق بالمشيّة لانّ المشيّة لاذكر لها في الذات حتّي يصحّ النطق بها و السكوت عنها و لايقال انّ اللّه يريد انيوجد المشيّة لانّ المشيّة و الارادة ليستا الاّ نفس الفعل فلاذكر لها الاّ حين وجودها لا قبلها و لا بعدها و ذكر كلّ شيء في رتبة شيء وجوده و لايصحّ انتكون الذات ذكر المشيّة والاّ لكان القديم حادثاً و الحادث قديماً نعم الاشياء تذكر في الوجه الاسفل من المشيّة اي الامكان الراجح و لا ذكر لشيء قبلها ابداً والاّ لزم تكثّر الذات و القول بالاعيان الثابتة و انّها لا موجودة و لا معدومة و لا شيء و لا لاشيء شطط من الكلام و لايليق باولي الافهام مع انّا قد اشبعنا الكلام في ابطاله في كثير من مباحثاتنا و اجوبتنا للمسائل.
«* جواهر الحكم جلد 4 صفحه 113 *»
قال عمران يا سيدي فانّ الذي كان عندي انّ الكائن قد تغيّر في فعله عن حاله بخلقه الخلق قال الرضا7 احلت ياعمران في قولك ان الكائن يتغيّر في وجه من الوجوه حتّي يصيب الذات منه مايغيّره ياعمران هل تجد النار يغيرها تغيّر نفسها او هل تجدالحرارة تحرق نفسها او هل رأيت بصرا قطّ رأي بصره قال عمران لمار هذا.
اقول علي اصل القوم من انّ المشتقّ هو الذات الثابت لهاالمبدء و انّ الفاعل و الخالق ذات اللّه سبحانه بذاته او بفعله و انّ النسبة حاصلة بين القديم و الحادث و انّ صدق مفاهيم المشتقّات علي الواجب والممكن بالاشتراك المعنوي لامناص عمّا ذكره عمران رحمه الله من لزوم التغيير بخلقه الخلق بالضرورة و لمّا كان عمران معتقداً لهذه الاصول الفاسدة والعقايد الباطلة و القواعد الباردة الكاسدة كان يلزمه القول بالتغيّر فالذين لايتديّنون بدين محمّد9 لايستشكلون في التزام التغيّر و امّاالذين يتديّنون بدينه9 حيث عرفوا من مذهبه9 امتناع التغيّر عليه تعالي لايتفوّهون و لايقولون بالتغير و امّا السنة حالهم فشاهدة بذلك و منادية باعليالصوت علي ذلك كما قلنا لك من استلزام تلك الاصول و القواعد ايّاه و امّا عمران فلمّا كان من الصائبة كان لايتحاشي عن اظهار مايتفرّع علي قواعده من لزوم التغيّر فقال مولاناالرضا7 احلت ياعمران اي اتيت بشيء محال في قولك انّ الكائن يتغيّر في وجه من الوجوه لانّ التغيير تصيير الشيء من حال الي حال و لاشكّ انّ هذا التصيير ليس من ذات الشيء لانّها كانت مقتضية الحالة الاولي بنفسها فلابدّ انيكون من علّة خارجيّة بالضرورة و تلك العلّة امّا اثرها او مؤثّرها و الاوّل باطل لانّ الاثر لايصل الي رتبة المؤثّر فضلاً عن انيؤثّر فيه و الثاني خلاف المفروض فلايصحّ تغييرالذات حتّي تصيب الذات منه اي من فعلها او من نفسها مايغيّرها سيّما في مقام يفرض كون الوجود عين الذات من غيرمغايرة ولو اعتباراً.
ثمّ مثّل لهذا المطلب و بيان الاحالة بتمثيلات في الممكنات من الايات التي اراها اللّه
«* جواهر الحكم جلد 4 صفحه 114 *»
سبحانه الخلق في الافاق و في انفسهم حتّي يتبيّن لعمران الحقّ فانّ العالم مثل حالي والكلام مثل مقالي و لاشكّ انّ الحالي اجلي من المقالي فقال7 ياعمران هل تجد النار يغيرها تغير نفسها و هو استفهام انكاري اي لايمكن انيكونالنار بفعلها في غيرها تغيّر نفسها هذا علي تقدير انيكون بغيرها بالباء الموحّدة و يحتمل انيكون مضارع غيّر من باب التفعيل و معناه علي هذا انّه لايمكن انيغيّر النار تغيّر نفسها اي التغيّر الناشي من نفسها و علي الاحتمالين انّه لايمكن انيتحقّق في ذاتالنار حالة الاحالة مثلاً بعد مالميكن متحقّقاً فيها باحالتها غيرها لتكون ذاتها متأثّرة عنها و يلزم المحال بل ذات النار بذاتها بحيث لو وصل اليها شيء تحيلها الي نفسها لكن بعد وصول شيء اليها يتحقّق الاحالة بالفعل و استحالته بالنسبة اليه لا في ذات النار.
ثمّ مثّل7 مثالاً اخر و قال روحي فداه هل تجد الحرارة تحرق نفسها و انّما اختار في المثال النار والحرارة لانّهما صفتا الفاعل و حكايتان له النار صفة والحرارة صفة بعد صفة كقوله تعالي في بسماللّه الرحمن الرحيم فانّ اللّه هوالموصوف و الرحمن صفة للّه و الرحيم صفة بعد صفة فافهم ضرب المثل.
ثمّ مثّل7 مثالاً اخر في هذا المعني و قال روحي فداه و هل رأيت بصراً قطّ رأي بصره فانّ البصر فيها قوّة تجذب الصورة و تنزعها من المقابل و لايمكن انتنزع من نفسها صورة نفسها فاوضح الامر بامثلة ثلثة ليكون البيان تامّاً شاملاً بجميع الاحوال الثلثة التي في الانسان و اعلم انّ ماذكرنا هو شرح لظاهر عبارة الامام7 و امّا بيان حقيقة الامر في ذلك علي مااراد7 فممّا يجب كتمانه و سرّه اذ ماكلّ ما يعلم العالم يقدر ان يفسّره فانّ من العلوم مايحتمل و منها مالايحتمل و من الناس من يحتمل و منهم من لايحتمل و لاحول و لاقوّة الاّ باللّه.
فقال عمران الاتخبرني يا سيّدي اهو في الخلق ام الخلق فيه قال الرضا7 جلّ ياعمران عن ذلك ليس هو في الخلق و لا الخلق فيه تعالي عن ذلك و ساعلمك ماتعرفه به و لاقوّة الاّ باللّه اخبرني عن المرءاة انت فيها ام هي فيك فان كان ليس واحد منكما في صاحبه فباي شيء استدللت بها
«* جواهر الحكم جلد 4 صفحه 115 *»
علي نفسك ياعمران قال عمران بضوء بيني و بينها قال الرضا7 هل تري من ذلك الضوء في المرءاة اكثر ممّا تريه في عينيك قال نعم قال7 فارناه فلميحر جواباً قال الرضا7 فلااري النور الاّ و قد دلّك و دلّ المرءاة علي نفسكما من غير انيكون في واحد منكما و لهذا امثال كثيرة غير هذا لايجد الجاهل فيها مقالاً و للّه المثل الاعلي ثمّ التفت7 الي المأمون فقال الصلوة قد حضرت فقال عمران ياسيّدي لاتقطع علي مسألتي فقد رقّ قلبي قال الرضا7 نصلّي و نعود فنهض7 و نهض المأمون فصلّي الرضا7 داخلاً و صلّيالناس خارجاً خلف محمد بن جعفر ثمّ خرجا فعاد الرضا7 الي مجلسه و دعا بعمران فقال سل ياعمران.
اقول لمّا اسّس القوم اصلاً و هو انّ مباين الشيء لايصدر عنه و انّ العلّة هي ذات اللّه تعالي فاختلفوا في وجه المناسبة فمنهم من قال انّ الخلق اعيان ثابتة كامنة في ذات القديم و مستجنّة فيه استجنان الشجرة في النواة و تلك الاعيان صالحة للوجود و قابلة لخطاب قول “كن” و تلك الاعيان مختلفة في ذاتها و غيرمجعولة و كّل واحدة تطلب نحواً خاصّاً من الوجود فاختلفت الذوات و الموجودات و لهم علي ذلك ادلّة ذكرتها في اجوبة المسائل الرشيديّة و قال اخرون انّالوجود هو شيء واحد و هو واجبالوجود و حقايق الخلق حدودالوجود و انّياته و ماهيّاته فعلي القول الاوّل يكون الخلق فيه و علي القول الثاني يكون هو في الخلق و قال اخرون في وجه المناسبة انّالوجود حقيقة مشتركة بين الواجب و الممكن و علي هذا القول ليس الواجب في الممكن و لا الممكن في الواجب الاّ انّ كلّ واحد منهما عينالاخر فانّ المشتركين في الحقيقة الجامعة متساويان فيها كالانسان الجامع لزيد و عمرو و بكر و لايعقل انيكون احد الافراد علّة و الاخر معلولاً و لذا حكموا في النوع بانّه كلّي مقول علي كثيرين متّفقين بالحقيقة في جواب ماهو و قال اخرون انّ الاشتراك في المفهوم و ليس في المصداق و هذا القول يرجع الي القول الثالث ان كان المفهوم صدقاً
«* جواهر الحكم جلد 4 صفحه 116 *»
و ان كان كذباً يرجع الي القول بنفي المناسبة و هو خلاف مراد القائل والحاصل لمّا كان القول الرابع و الثالث في البطلان بمكان اعرض عمران عن التعرّض للسؤال فيهما و سأل عن القسمين الاوّلين الذين ذهب اليهما الفحول من اهل المعقول من الصوفيّة و غيرهم من اهل الفضول.
فقال عمران ياسيّدي الا تخبرني أهو في الخلق كما هو مذهب اصحاب القول بوحدة الوجود و كما هو مذهب اصحاب الاتّحاد والحلول و ليس قول ذوق المتألّهين منهم ببعيد ام الخلق فيه كما هو مذهب اهل القول بالاعيان الثابتة و اصحاب القول بانّ المعلومات صور علميّة في الازل و انّ معطي الشيء ليس فاقداً له و انّ بسيط الحقيقة كلّ الاشياء و انّ كلّما في الخلق فيه سبحانه بنحو اشرف اعلي و امثال ذلك من المذاهب و جامع المذاهب هو الذي سأله عمران فانّها كلّها ترجع الي القسمين بعد القول بوجود الربط و المناسبة.
فقال7 جلّ ياعمران عن ذلك و بداهة العقل المستنير يشهد بخلاف ذلك فانّه تعالي لوكان في الخلق اي مظروفاً كان محاطاً و كان قد سبقه و احاط به اخر و يلزم منه الاقتران ايضاً و كلاهما علامة الحدوث و ان كان كما يقولون من القول بوحدة الوجود يلزم الاقتران و الانفعال و التكثّر و التركيب و كلّ ذلك علامة الحدوث بالاتّفاق و الملازمة بيّنه واضحة في الجميع و ذكر تفاصيل الاحوال و مايلزم هذه الاقوال يطول به المقال الاّ انّا قد ذكرنا و فصّلنا في كثير من اجوبتنا للمسائل خصوصاً في شرح اية الكرسي و اجوبة المسائل الهنديّة و من ارادها فليرجع اليها و كذلك اذا كان الخلق فيه فانّ ذلك اقبح و اشنع فيكون محلاً منفعلاً مقترناً متكثّراً متّصلاً منفصلاً متغيّراً والداً و غيرها من القبايح فالحق القديم الازلي سبحانه و تعالي اجلّ و اعظم من ان يحلّ في شيء او يحلّ فيه شيء او يتّصل بشيء او يتّصل به شيء او ينفصل عن شيء او يقترن بشيء او يتّحد بشيء او ينفعل عن شيء او يكون مثله شيء فكلّ ما ميّزتموه باوهامكم في ادقّ معانيه فهو مخلوق مثلكم مردود اليكم و امّا ماورد في بعض الاخبار مثل داخل فيالاشياء لا كدخول شيء في
«* جواهر الحكم جلد 4 صفحه 117 *»
شيء و خارج عنها لا كخروج شيء عن شيء و قوله تعالي و هو بكلّ شيء محيط فالمراد بالاحاطة الاحاطة القيّوميّة كاحاطة السراج بالاشعّة و للّه المثل الاعلي و المراد بالدخول دخول الظهور بالصفة الفعليّة لا بحقيقة الذات سبحانه و تعالي عن ذلك و قد قالوا: كما في الكافي انّ اللّه خلو من خلقه و خلقه خلو منه اه يعني انّ الخلق لايذكر عند الذات و حكمه حكم الامتناع هناك فاذن اين الاحاطة و اين الدخول و اين الخروج فانّ الاحاطة لاتكون الاّ بعد فرض الشيء المحاط و كذلك الدخول و الخروج فاذ لا شيء فلا حكم هذا بالنسبة الي الذات و امّا بالنسبة الي الفعل و الاسماء و الصفات فهو داخل في كلّ شيء و لذا لاتري شيئاً الاّ و تريه سبحانه قبله او بعده او معه و خارج عن كلّ شيء و محيط بكلّ شيء و ذلك معلوم ظاهر انشاءاللّه تعالي.
و لمّا كان اصل هذه الشبهة نشأت من مشاهدتهم انّ الخلق يدلّ علي الخالق بالانّ و الخالق يدلّ علي المخلوق باللّم و لايكون ذلك الاّ بالربط و المناسبة و لمّا لميسلكوا في هذه المسالك بهداية اهلالبيت: وقعوا فيما وقعوا من الاضطرابات و قالوا ماقالوا من الخرافات اراد الامام7 انيزيل هذه الشبهة و يقمعها من اصلها و يبيّن طريق الاستدلال من غير انيلزم انيكون احدهما في الاخر و لمّا كان الوصف الحالي والبيان المثالي اجلي و اوضح و ابعد من تطرّق الشبهات و الاحتمالات عن البيان المقالي و الامام7 هو الحجّة البالغة اتي ببيان من البيانات الحاليّة لترتفع الشبهة عن اصلها و لذا قال7 و سأعلمك ماتعرفه به فانّ المعرفة التامّة لاتكون الاّ فيما لاتقوم معه الاحتمالات و الشبهات و لمّا نسب الاعلام الي نفسه الشريفة و المعرفة الي عمران استشعر قدرة اللّه سبحانه تبرّء من حوله و قوّته و اعتصم بقوّة اللّه تبارك و تعالي لنفسه و لمّا نسب الي عمران من انّه يعرف ببياني فانّ اللّه هو القادر الفعّال لما يشاء ولو شاء انيحول بيني و بين بياني فعل ولو شاء انيحول بين بياني و بين معرفة عمران فعل فيجب الاعتصام بحوله و قوّته لئلاّ تخيب الظنون و هو سبحانه و تعالي عند ظنّ كلّ امرئ و لذا قال7
«* جواهر الحكم جلد 4 صفحه 118 *»
و لاقوّة الاّ باللّه اي لاقوّة لي للبيان و لا لعمران في المعرفة و لا لشيء من الاشياء في مقتضياتها و حالاتها الاّ باللّه و لمّا تقوّي7 بقوّة اللّه سبحانه و اعتصم بحبله اخذ فيما وعده عمران من البيان.
فقال7 اخبرني عن المرءاة هل انت فيها ام هي فيك فالمراد بالمرءاة قد يكون الزجاجة في ظاهر الاستعمال حسب متفاهم عامّة الناس و قد يكون نفس الصورة المنطبعة فيها فانّها هي التي تري المقابل فيها و هي الة الرؤية و محلّها لا الزجاجة و المراد بها هنا كلا الاطلاقين فانّك اذا نظرت في المرءاة تري وجهك فيها و تعرفه بها بماتجلّيت لها بها اذ قد انفصل منك نور و شعاع قد تعيّن بالحدود الستّة فظهر ذلك النور فيها حسب تلك الحدود من الاستقامة و الاعوجاج فاذا قطعت النظر عن الحدود عرفت المقابل و اذا توجّهت الي الحدود احتجبت عنه و بالجملة عند التقابل بالمرءاة تشاهد نفسك فيها مع انّك لست فيها حتّي ظهرت هناك و ليست هي فيك حتّي تدلّ عليك و لمّا كان هذا المعني ممّا لاشكّ فيه و لاشبهة تعتريه ترك7 احد شقّي الترديد و قال7 فان كان ليس واحد منكما في صاحبه فباي شيء استدللت بها علي نفسك و مراده7 ان يبيّن لعمران كيفيّة التأثير و الحكاية التي في المرءاة و التوصيف و التعريف و القيّوميّة و الاحاطة و الانبساط و الشمول و الاحداث و الايجاد والفعل و المصدر و المفعول المطلق و المفعولبه و كيفيّة الاستدلال و بيان حقيقة الخطاب في كن فيكون و الخطاب الشفاهي و النقش الفحواني و المثال و التجلّي و القيام الصدوري و القيام العضدي و الركني و القيام الظهوري و دخول المبدء في الاثر و خروجه عنه و تجلّيه له به و احتجابه عنه و حقيقة الربط و حكم البرزخ و نهاية الحوادث و علّة الممكنات و حقيقة الحدوث و كون الذات خلواً من الاسماء و الصفات و اطوار الامكان و الممكنات وانّ بينه و بين خلقه بينونة صفة لا بينونة عزلة و امثالها من المطالب الجليلة و المراتب العظيمة التي تاهت عندها عقول الحكماء و احلام العلماء كلّ ذلك بمقابلة المرءاة للشاخص و معرفة جهة الاستدلال من المرءاة علي الشاخص و من الشاخص علي المرءاة بظهور احكام
«* جواهر الحكم جلد 4 صفحه 119 *»
الاشتقاق و الاعلال و تصريف الاصل الواحد الذي هو الفعل علي التحقيق الي الامثلة المختلفة من الافعال السبعة و الصيغ الاربعهعشر و ظهور تلك الامثلة و الصيغ بصفة الرفع و النصب و الجرّ و الجزم و الضمة و الفتحة و الكسرة و السكون و تطوّرها الي اطوار الحقيقة و المجاز و النقل و الاشتراك و التواطؤ و التشكيك و ظهورها بالاشكال المستديرة و المثلّثة و المربّعة و المخمّسة و هكذا الي نهايات الاشكال بالاوضاع و انغماسها في ظلمات الاوساخ و الاعراض و الغرايب و تطهيرها بالات التعفين و التقطير و استخراج الارض السائلة و النار الحائلة و الماء الجامد و الهواء الراكد و جعل بعضها ارضاً و بعضها ماء و فلاحة الارض بالماء و هكذا من العلوم و الاحوال و الاطوار و الاكوار و الادوار و حقيقة الليل و النهار.
فمراد الامام7 من السؤال عن نمط الاستدلال توقيف عمران الي هذه الدقايق و اطلاعه علي جملة من تلك الحقائق لكنّه رحمهاللّه لميتفطّن الي مراده7 و ظنّ انّه7 يسأله عن كيفيّة الاستدلال بحسب الابصار اي كيفيّة الابصار فقال انّما استدلّ عليها بضوء بيني و بينها و الظاهر من هذا الجواب انّه يقول في الابصار بخروج الشعاع كما هو احد الاقوال الاربعة في المسألة بمعني انّه يخرج شعاع من العين علي هيئة المخروط رأسه عند مركز العين و قاعدته عند سطح المبصر حتّي يكون وصول الشعاع الي المبصر سبباً لرؤيته و يكون باعتبار كونه صقيلاً و انعكاس الشعاع منه الي الرائي سبباً لرؤيته نفسه و يكون جواب عمران بقوله بضوء بيني و بينها منطبقاً عليه و يكون مراده من الضوء هذا الشعاع و امّا علي القول بالانطباع فسببه ارتسام صورة الرائي في الصقيل ثمّ منه الي العين و لايمكن انيراد بالضوء الشعاع اذ لا شعاع علي هذا فلابدّ ان يراد بالضوء معناه الظاهر و هو من شرايط الابصار مطلقاً و لامعني للتقييد حينئذ بقوله بيني و بينها و لمّا انّ عمران غفل عن مراد الامام7 و اجاب بخلاف المقصود من السؤال و الجواب ايضاً علي فرض تطابقه مع السؤال الذي توهّمه لميكن صحيحاً اذ المعروف من طريقة اهلالبيت: انّ الابصار
«* جواهر الحكم جلد 4 صفحه 120 *»
بالانطباع لابخروج الشعاع اراد الامام7 ان ينبّهه علي فساد معتقده في الابصار ثمّ يوقفه علي ما اراد7 في هذا المثال من نمط الاستدلال.
فقال7 بناء علي مذهبه علي القول بخروج الشعاع هل تري من ذلك الضوء في المرءاة اكثر ممّا تراه في عينيك فقال عمران نعم لانّ قاعدة المخروط في سطح المرءاة و رأسه الذي هو النقطة في العين قال الرضا7 فارناه اي اذا كان الضوء في المرءاة اكثر ممّا في العين و لايمكن الاعتذار من عدم الابصار لكونه صغيراً كما في العين و الضوء من المبصرات بالذات اذا لميكن مانع من ابصاره و معلوم انّه يري ضوء الشمس و غيرها في سطح المرءاة و لا مانع من رؤيته فيها فارنا ذلك الضوء الذي تقول به في سطح المرءاة امّا حسّاً او عقلاً فلميحر جواباً اي فلميردّ جواباً لائقاً لانّه تفطّن بانّ القول بتحقّق امر محسوس في شيء لايحكم الحسّ بتحقّقه و لا دليل عقلي تدلّ عليه سفسطة لايقول به عاقل و تصحيح الرؤية بهذا النحو مع قطع النظر عن المفاسد الواردة علي هذا القول لايفيد القطع بتحقّق هذا المخالف للحسّ فعجز عن الجواب و سكت.
ثمّ اراد الامام7 انيبيّن له الامر في الواقع و هو انّك اذا قابلت المرءاة يظهر منك تجلّي و ظهور هو نورك مثل نور الشمس المسمّي عندنا بالشبح المنفصل من الشبح المتّصل و ذلك نور واحد من شأنك الواحد و المرءاة تقابل ذلك الشبح الذي هو نورك فيظهر فيها ذلك النور و هو الشبح الثاني المنفصل من ذلك الشبح المنفصل و يتكيّف و يتحدّد بكيفيّة الزجاجة و حدودها من الصقالة و الكدورة و الحمرة و الصفرة و الاعوجاج و الاستقامة فيظهر ذلك الشبح دالاّ عليك علي حسب الحدود فالمرءاة نورٌ منك قد ظهر و تشعشع من نورك او قل هو الشبح المنفصل من الشبح المنفصل من الشبح المتّصل و الدليل علي انّ ما في المرءاة شبح ذاتك لا اصل ذاتك هو انّك واحد و المرءاة ربّماتكون الفاً و في كلّ مرءاة تري نفسك فلو كان ما في المرايا هي ذاتك يجب انتتكثّر حين كونها واحدة و تكون واحدة حين كونها كثيرة و الضرورة تقضي ببطلانه فيكون ما فيالمرءاة شبح الذات و الدليل علي انّ مافيها هو الشبح المنفصل من الشبح
«* جواهر الحكم جلد 4 صفحه 121 *»
المنفصل هو انّك اذا ظهرت ينفصل عنك شبح ينتقش في مكان ظهورك و زمان بروزك و ساير حدوده الستّة المشخّصة فاذا غبت عن ذلك المكان كلّما تلتفت الي ذلك المكان و ذلك الوقت تجد مثالك و شبحك الواحد علي هيئة كونك الاوّل في ذلك المكان و ذلك الوقت و تجد في خيالك المرايا مقابلة لذلك الشبحالواحد فهو واحد و مافي المرءاة الف فثبت انّ نسبة ما في المرءاة الي ذلك الشبح نسبة ذلك الشبح الي نفسك المقابلة و لمّا كانت المرءاة انّما تحكي الصورة و الجسم التعليمي خاصّة قلنا انّه المنفصل من الشبح المتّصل بك و هو الصورة الجسميّة التي هي الصورة المثاليّة و لمّا كانت الاشباح كلّها شؤناتك و اطوارك و ظهوراتك و صفاتك و الذات قدغيّبت الصفات فاذا نظرت الي المرءاة لاتلتفت الاّ الي نفسك ماحياً بظهورها الاثار و الاسماء و الدليل علي ذلك انّك اذا رأيت وجهك في المرءاة الحمراء تراه احمر مع انّ وجهك ليس فيه حمرة و انّما هو ابيض مثلاً فاذا عرفت الذي ذكرنا لك عرفت انّ ما في المرءاة نورك و شعاعك لا ذاتك و حقيقتك و لمّا كان الابصار كما هو الحق بالانطباع لا بخروج الشعاع كما زعمه عمران فاذا وقع عينك علي المرءاة انتزعت صورة المرءاة و انطبعت في صقالة انسان العين و منها انتقل الانطباع الي محل التقاطع و منها الي الحسّ المشترك اي بنطاسيا المستقرّ في البطن الاوّل من التجويف الاوّل من الدماغ و منه تنطبع الصورة في الخيال و هو في البطن الثاني من التجويف الاوّل من الدماغ و منه الي النفس التي في الصدر و منه انخلعت الصورة الشخصيّة و لبست الصورة النوعيّة فارتسمت في العقل و هكذا فظهر لك انّ العين مرءاة اخري لتلك المرءاة فنورك هو الذي في المرءاة و نور المرءاة هو الذي في العين فالنور الذي في العين من المرءاة هو الذي دلّك علي المرءاة فدلّك علي نفسك بتوسط العين بتوسّط المرءاة و النور الذي منك في المرءاة هو الذي دلّ المرءاة علي نفسك فعرفتك بما فيها من نورك ثمّ دلّ المرءاة علي نفسها لانّ حقيقتها هي ذلك النور المحدود فبذلك النور عرفتك و عرفت نفسك و انت بالنور الذي في العين عرفت المرءاة و عرفت نفسك فانت عرفت المرءاة و هي عرفتك من دون ان
«* جواهر الحكم جلد 4 صفحه 122 *»
تكون انت بذاتك في المرءاة ام المرءاة بذاتها فيك و الدال في هذا المقام ليس الاّ النور الذي هو ظهورك و اشراقك فيها لا عين ذاتك و حقيقة وجودك لا الضوء الذي بينك و بينها علي زعم عمران و ان جعلنا الضوء هو الفعل و المرءاة اثر الفعل لايصحّ ايضاً لانّ المراد بالدال هو عين المدلول علي ما برّهنا في مباحثاتنا في الاصول فاذا كان المدلول عليه هو نفس الاثر و الناظر هو العالي لايجوز انيكون الة الملاحظة و النظر هو الفعل لانّ الفعل لايجوز انيكون عين الاثر و ان كان العكس يصحّ في مقام من المقامات بنظر من الانظار و لذا ذكر7 في النفس الملكوتيّة الالهيّة انّما هي ذات اللّه العليا و شجرة طوبي و سدرة المنتهي و جنّة المأوي من عرفها لميشق ابداً و من جهلها ضلّ و غوي ه و لايصحّ العكس فافهم.
و ايّاك و اسم العامريّة انّني | اخاف عليها من فم المتكلّم |
و قولي باتّحاد الدليل و المدلول ليس علي ماتعرفه العوام بل علي طور اخر من البيان يطول به الكلام و ليس المتّحد مع الدلالة المقصود من الدلالة بل الواقع عليه الدلالة و ليس الدالّ الاّ الدلالة فافهم ان كنت تفهم والاّ فاسلم تسلم و الي هذا الذي ذكرنا اشار الامام7 سابقاً بقوله هل تري من ذلك الضوء في المرءاة اكثر ممّا تراه في عينيك يعني طريق الاستدلال و جهته هو النور الذي في العين من المرءاة و هو شعاعها و شبحها به عرفت المرءاة التي فيها نور نفسك فعرفتها بنورها الذي هو من نورك و قوله7 فلا اري النور الاّ و قد دلّك و دلّ المرءاة علي انفسكما من غير انيكون في واحد منكما فالنور الذي دلّك علي المرءاة و علي نفسك هو شبح المرءاة في العين و النور الذي دلّ المرءاة علي نفسها هو تجلّيك و ظهورك المطلق مع قطع النظر عن خصوصيّة الحدّ فهي عرفتك بذلك النور الذي هو المثال الذي القيته في هويّتها و عرفت نفسها ايضاً بتعريفك ايّاها فالمراد بالنور في هذا المقام هو المثال و الشبح و الشعاع و الخطاب و امثالها من العبارات و الاشارات.
و قوله7 من غير انيكون في واحد منكما
«* جواهر الحكم جلد 4 صفحه 123 *»
الضمير المستتر المرفوع يرجع الي قوله واحد منكما المذكور بالكناية لدلالة المقام عليه فيكون تقدير الكلام هكذا من غير انيكون واحد منكما في واحد منكما لانّ المقصود في هذا المقام كيفيّة الاستدلال علي الخالق و معرفة المخلوق ايّاه من غير انيكون واحد منهما في الاخر و ليس بين الخالق و الخلق واسطة كما قال7 في هذا الحديث الشريف حقّ و خلق لاثالث بينهما و لاثالث غيرهما فاذن اي شيء غيرهما يدلّهما علي انفسهما من غير انيكون في واحد منهما مع انّ المقصود اثبات الاستدلال من غير انيكون الخالق في المخلوق و المخلوق في الخالق مع عدم الواسطة فعلي هذا وجب انيجعل النور هو شعاع العالي اي ظهوره الذي هو نفس السافل و ليس ذلك عين العالي و لا العالي في السافل نعم هو فيه بظهوره و اشراقه و تجلّيه فاذن يكون المراد انّ النور الذي هو المثال دلّك و دلّ المرءاة علي انفسهما من غير انيكون واحد منهما في الاخر اي في واحد منهما فاذا نظراللّه سبحانه الي عبيده ينظر اليهم بنفسهم لا بذاته تعالي ليكونوا في ذاته تعالي و اذا نظر العبد الي اللّه تعالي ينظر اليه بنفسه تعالي اي بصفة فعله الظاهرة له به لا بذاته تعالي لتكون عنده اي عند العبد فالنور يدلّك علي المرءاة اي الصورة و يدلّ المرءاة و الصورة عليك.
و توضيح المقال في هذاالمقام الذي هو من مزالّ الاقدام و كم زلّت للاعلام فيه اقدام هو انّه قال اميرالمؤمنين7 انّما تحدّ الادوات انفسها و تشير الالات الي نظايرها و قال تعالي و ما منّا الاّ له مقام معلوم و قد دلّت الادلّة العقليّة القطعيّة بانّ الشيء لايتعدّي ماوراء مبدئه اي فوق حقيقة ذاته و جوهره فكلّ ما يدركه يصل اليه و كلّ ما لايدركه لايصل اليه اذ لو جاز انيدرك مالايصل اليه لجاز انيدرك ذات الواجب او ذوات الائمّة الطاهرين سلاماللّه عليهم بالنسبة الي من دونهم و في الزيارة فبلغ اللّه بكم اشرف محلّ المكرّمين الي ان قال7 و لايطمع في ادراكه طامع مع انّ الادراك معناه الوصول فكيف الادراك مع عدم الوصول ان هو الاّ تناقض ظاهر و تهافت باهر فاذا عرفت ذلك عرفت انّ الدالّ لولميكن في مرتبة المدلول و المستدلّ لميكن دالاّ له و عليه و لكان يلزم
«* جواهر الحكم جلد 4 صفحه 124 *»
ماذكرنا من صعود الشيء عن مرتبة ذاته فيلزم اجتماع النقيضين و هو باطل فاذا كان كذلك فما معني قول الامام7 في هذه الفقرة المباركة فلا اري الاّ النور قد دلّك عليه من غير انيكون في واحد منكما فكيف يستدلّ الشيء بماليس عنده و كيف يكون الدالّ خارجاً عن حقيقة رتبة المستدلّ في جهة الاستدلال و مقامه لامطلقا و انّما قيّدت جهة الاستدلال لئلاّ يتوهّم انّ السافل في رتبة العالي اذا استدلّ بالسافل علي نفسه بنفسه فانّ نظر العالي الي السافل في رتبة السافل لا في رتبة العالي حتّي يلزم ذلك و المستدلّ هو الظاهر بالدليل و هذه الظاهريّة في العالي شبحه و مثاله و في السافل بالنسبة الي العالي ذاته و حقيقته التي هي التفات العالي و نظره و عينه التي اعارها ايّاه و الي ذلك المعني يشير قول الشاعر:
كلانا ناظر قمراً ولكن | رأيت بعينها و رأت بعيني |
و الجواب انّ لكلام الامام7 وجوهاً من البيان احدها ماذكرنا قبل انّ الضمير المرفوع في يكون راجع الي قوله واحد منكما المذكور بقرينة المقام من قبيل قوله تعالي و علّم ادم الاسماء كلّها ثمّ عرضهم علي الملائكة فانّ الضمير الجمع المذكر العاقل لايرجع الي الاسماء و انّما مرجعه المسمّيات المدلول عليها قرينة المقام و هي ذكر الاسماء فانّها لابدّ لها من المسمّيات و بقرينة انبئوني باسماء هؤلاء و غيرها من القراين و هكذا هنا فانّا بعد ماعرفنا من مذهب ائمّتنا سلاماللّه عليهم انّ الشيء لايعرف الاّ ما في ذاته او في ملكه كما في ادراك العالي للسافل فانّه يدركه بذاته في ملكه و في قيّوميّته لا في ذاته فيكون السافل في ذات العالي و كما في ادراك السافل للعالي فانّه يُدرك وجه العالي في ذاته لا في ملكه اذ المفروض انّه ملكه فكيف يتقدّم الشيء علي نفسه في التحقّق و الوجود و يكون موجوداً قبل انيكون موجوداً حين كونه معدوماً و بداهة العقل تأبي ذلك و عرفنا
«* جواهر الحكم جلد 4 صفحه 125 *»
منهم سلاماللّه عليهم ايضاً ان ليس في الوجود الاّ الخلق و الحق لا ثالث بينهما و لا ثالث غيرهما حتّي يكون ذلك الثالث رابطة بينهما و دالاً عليهما من غير انيكون في واحد منهما و عرفنا منهم سلاماللّه عليهم ايضاً ان ليس بين الحق و الخلق جهة جامعة و قدر مشترك و هو ايضاً صلوات اللّه عليه و علي ابائه و ابنائه في صدد بيان انّ الحق ليس في الخلق و العكس فكيف يسوغ ان يأتي7 بثالث لاهذا و لاذاك و يجعله الة الدلالة فاين اذن مااثبتنا من قول اميرالمؤمنين7 انّما تحدّ الادوات انفسها و تشير الالات الي نظائرها و سايرالادلّة القطعيّة المذكورة في محلّه و في المرءاة التي اتي بها7 مثلاً للاستدلال علي انّ استدلال الاثر علي المؤثّر لايلزم انيكون المؤثّر في الاثر و لا الاثر في المؤثّر و لا مدخليّة في المثال لامر ثالث مع انّ الذي دلّ الشخص علي نفسه من جهة النظر في المرءاة هو نفس شعاع الشخص المنطبع في المرءاة المنفصل منها الي العين و الذي دلّ المرءاة علي الشخص و علي نفسها هو نفس ذلك الشعاع و الشبح المنفصل من الشخص فيها اذ لولا ذلك الشبح لماعرفت المرءاة التي هي نفس الصورة الشاخص المقابل و لولاه من حيث التعيّن بالحدود الستّة لماعرفت الصورة التي هي المرءاة نفسها و تحقّقها و انّيتها بك عرفتك و انت دللتني عليك و دعوتني اليك و لولا انت لمادر ما انت و ذلك النور و الشبح هو عين المرءاة و ملك الشاخص فافهم هذا الكلام المكرّر المردّد بالفهم المسدّد واللّه الموفّق فاذن لامناص عن القول بانّ الضمير لايرجع الي النور و انّما مرجعه واحد منكما فيكون المعني فلااري النور و هو الذي شرحناه و فصّلناه الاّ و قد دلّك ياايّها الشاخص الناظر في المرءاة بعينك لتري وجهك الظاهر في المرءاة بالمرءاة فيها علي نفسك و هي الظاهرة في المرءاة لا الذاتيّة الحقيقيّة و الظاهرة هي الذات المعتبرة في المشتقات فافهم.
و ثانيها انّ النور الواقع في المرءاة له اعتبارات اعتبار في نفسه من حيث انّه نور و اعتبار من حيث انّه في المرءاة و اعتبار من حيث انه الصورة المعيّنة في المرءاة و اعتبار من جهة المقابل بحيث يفقد بتلك الجهة جميع جهات المرءاة و المرءاة بنفسها فالدال علي المقابل و علي الكينونة هو النور بالاعتبار الاخير مع قطع النظر عن ملاحظة كونه في المرءاة فهو الدال من غير انيكون في الشاخص
«* جواهر الحكم جلد 4 صفحه 126 *»
و من غير انيكون في المرءاة من حيث هي كذلك و الاشارة الي هذا المعني قول اميرالمؤمنين7 كشف سبحات الجلال من غيراشارة و محو الموهوم و صحو المعلوم و المراد من دلالة النور علي المرءاة نفسها هو النفس التي في قول اميرالمؤمنين7 من عرف نفسه فقد عرف ربّه فيجب اعتبار النور لا من جهة المرءاة في نفسها و ان كان فيها كما في قول الحسين7 في الدعاء الهي امرتني بالرجوع الي الاثار فارجعني اليها بكسوة الانوار و هداية الاستبصار حتّي ارجع اليك منها كما دخلت اليك منها مصون السرّ عن النظر اليها و مرفوع الهمّة عن الاعتماد عليها انّك علي كلّ شيء قدير و في الحديث علي ما نقل لي بعض العلماء عن اميرالمؤمنين7 لو عرفت اللّه بمحمّد9 لحدّدت ولو عرفت محمّداً9 باللّه لكفرت مع انّه7 قال نحن الاعراف الذين لايُعرف اللّه الاّ بسبيل معرفتنا و قالوا: بنا عرفاللّه و بنا عُبد اللّه و هكذا فالجمع بين الحديث الاوّل و باقي الروايات هو ماذكرنا و هو المراد من هذه الفقرة المباركة بناءً علي انتجعل الضمير المرفوع المستتر راجعاً الي النور ولكن هذا المعني بعيد عن الافهام خصوصاً عن فهم عمران في ذلك الزمان اللّهمّ الاّ انيكون ذلك بعناية الامام و التفاته صلّياللّه عليه و علي ابائه و ابنائه الطاهرين.
و ثالثها انّ المراد بالنور هو الفعل اي الوجود المطلق الرابط صاحب البرزخيّة الكبري لا علي مايعرفون من معني الربط و البرزخيّة بل علي ماعندنا ممّا شرحنا في كثير من مباحثاتنا و رسائلنا و اجوبتنا و الفعل وجه الفاعل للمفعول و وجه المفعول الي الفاعل و لمّا كان حقيقة المفعول هي الهيئة العرضيّة للفعل و تلك الهيئة علّة الدلالة و موجدها و هي الكلمة نسب اليها الدلالة توسّعاً و ملاحظة لحكم الاقتران فانّ الفعل كلّما قرب من نفسه العليا و السرمد و الامكان لطف و رقّ بحيث يكاد يخفي عن نفسه و يظهر في كلّ شيء و كلّما بعُد عن نفسه المذكورة و الامكان الراجح و السرمد و نظر الي جهة المتعلّق كثف و غلظ حتّي يكاد يخفي عن كلّ شيء و يكون من جملة
«* جواهر الحكم جلد 4 صفحه 127 *»
المفعولات فبذلك النظر يكون الفعل دليلاً علي المفعول و بالنظر الاعلي يكون وجهاً للفاعل فينظر الفاعل الي المفعول بذلك الوجه و المفعول ايضاً ينظر الي الفاعل بذلك الوجه الاّ انّه في الاسفل و هذا الفعل و ان كان علّة للمفعول و ليس جزء و لا داخلاً في حقيقته علي ماهو الحق من المذهب خصوصاً قد نصّ عليه الرضا7 عند ردّه لقول ضرار لكنّه ظاهر في المفعول و فيه حكاية له و لذا قلنا في توجيه قول البصريين من انّ المصدر اصل و مبدء اشتقّ منه الفعل كما قلنا انّ الفاعل مشتقّ من المصدر و من الفعل و ان كان لايقال ذلك علي التحقيق لامور كثيرة ليس الان موضع شرحها و بيانها فاذن يكون الفعل هو النور الذي يدلّ الشاخص الذي هو الذات و المرءاة التي هي الاثر من غير انيكون في واحد منهما لانّ الفعل ليس عين ذات الفاعل و لا عين ذات المفعول خلافاً لجماعة كثيرة من الملاحدة.
فان قلت قول عمران بضوء بيني و بينها يمكن انيراد به الفعل لانّه بين الفاعل و المفعول فلم نفي الامام7 و ردَع عمران عن ذلك ، قلت امّا اوّلاً فلأنّ عمران مااراد بقوله ذلك الاّ انّه فهم ماذكرنا سابقاً انّ الامام7 يسأله عن كيفيّة الابصار هل هو بالانطباع او بخروج الشعاع او بغير ذلك فقال انّه بخروج الشعاع و هو الضوء المتوسّط بين مركز العين و بين المرئي كما ذكرنا سابقاً و لميعرف عمران هذه الدقايق و قراءة كتاب الافاق و الانفس لانّ هذا الكتاب مافتحه الاّ الائمّة الهداة سلاماللّه عليهم و دلّوا عليه شيعتهم كما فعله الانبياء سلاماللّه عليهم من قبل و عمران لميكن الاّ من اهل الجدال و ماكان يتفطّن الي هذه الاشياء ولو اراد عمران ذلك مانفاه7. و امّا ثانياً فلأنّ هذا القول بظاهره لايصحّ اذ لايقال انّ الفعل بين اللّه و بين خلقه ليكون اللّه سبحانه محدوداً بين الحدّين و هذا المعني هو الذي يتراءي من ظاهر قوله بضوء بيني و بينه و لمّا كان الناس شأنهم الاقتصار علي مفاهيم الالفاظ و العبارات و هذه العبارة بمفهومها ماتدلّ علي حقيقة المراد من هذه
«* جواهر الحكم جلد 4 صفحه 128 *»
المسألة فلذا نفاه7 لئلاّ يلزم التحديد و التشخيص.
و رابعها انّ المراد من المرءاة نفس الزجاجة لا نفس الصورة و النور الذي هو الدليل نفس الشبح و الشعاع و لاشكّ انّ النور ليس في واحد منهما لا من المرءاة و لا من الشاخص فان قلت اذن فمامعني قوله7 و دلّ المرءاة علي انفسكما فانّ الزجاجة لاتشعر حتّي يدلّ عليها غيرها علي مبدئها و مقابلها، قلت علي هذا يكون المراد دلّ المرءاة علي نفسها اي جعلها بحيث يكون دليلاً علي غيرها فافهم و هذه الوجوه الثلثة كلّها علي تقدير رجوع الضمير الي النور و الوجه الاوّل هو المعتمد القوي والرابع بعيد بحسب الظاهر و الثاني اقوي من الثالث والكلّ مراد لانّهم: يتكلّمون بكلمة و يريدون بها سبعين وجهاً هذا من جهة التقريب و المثال والاّ فيزيد مدلول كلامهم: عن الف الف وجه لانّهم وجه اللّه الباقي و قدرة اللّه الواسعة و الكلام علي مقدار عقل المتكلّم صلّياللّه عليهم اجمعين.
و قوله7 و لهذا امثال كثيرة غير هذا لايجد الجاهل فيها مقالاً و للّه المثل الاعلي واعلم انّ كلّ شيء يدلّ علي هذا المطلب لانّ اللّه تعالي خلق الخلق و بيّن لهم صفة قيّوميّته و ظهور قدرته و انّه بائن عن خلقه بينونة صفة لا بينونة عزلة و لمّا وجب انيبيّن بيّن سبحانه و تعالي و له الحمد و له الشكر اجلي البيانات و احسنها و اعلاها و هو البيان الحالي الواضح الجلي و كلّما كان البيان اقرب الي المبيّن له كان اكمل و اوضح و احسن و هو سبحانه لايعدل عن الراجح الي المرجوح فهو سبحانه جعل مثال هذه المسألة في كلّ شيء من الاشياء الاّ انّه لمّا كان هذه المسألة ممّا يجب الاعتناء بها فمن هذه الجهة اظهر مثال هذه المسألة اكثر و اجلي بالنسبة الي غيرها من المسائل و لهذا قال7 و لهذا امثال كثيرة غير هذا يعني ماظهر منها والاّ ففي كلّ شيء هذه المسألة موجودة ولو اردنا شرح الامثال المضروبة لطال بنا الكلام و نشير الي بعضها اشارة اجماليّة.
منها السراج و الاشعّة كما تقدّم من كلامه7 باوضح بيان فانّ
«* جواهر الحكم جلد 4 صفحه 129 *»
كلاً منهما يدلاّن علي الاخر و ليس واحد منهما في واحد منهما و في ظهور السراج في الاشعّة لا من حيث هي شرح جميع احوال المبدء و في نفس الاشعّة جميع احوال الخلق في اطواره و طبايعه و الوانه و اقتضاءاته و ساير احواله و في ظهور السراج في الاشعّة العلوم الارتباطيّة مثل علم الطريقة و علم الشريعة و مسألة الامر بين الامرين و تحقّق الاختيار في العالمين و مسألة البداء و علل الاشياء و مسألة علم اللّه بالمخلوقات قبل وجودها و مع وجودها و بعد وجودها و حكم العلّية و المبدئيّة و سائر الاحكام التي فيها ارتباط بين الفاعل و المفعول و الامر و المأمور و هكذا.
و منها المتكلّم و الكلام فانّ بينهما شرح احوال الوجود باسرها لاسيّما هذه المسألة التي مبناها بينونة الصفة لا بينونة العزلة فانّ الكلام يدلّ علي المتكلّم من غير انيكون الكلام في المتكلّم و بالعكس و يشرح جميع احواله و مايريد من تأليف الكلام و ورد في القرءان و الاخبار اطلاق الكلمة و القول و الكلام علي الذوات المتأصّلة كقوله تعالي و مصدّقاً بكلمة منه اسمه المسيح و قوله تعالي و لقد وصّلنا لهم القول اي الامام و قوله7 نحن الكلمات التي لايستقصي فضلنا و لايستحصي و غير ذلك من الاخبار و الاثار.
و منها المؤثّر و الاثر علي جهة العموم مثل القائم و القاعد و الاكل و الشارب بالنسبة الي القيام و القعود و الاكل و الشرب و غيرذلك.
و منها حكم اهل النحو في الفعل انّه هو العامل و المؤثّر في الفاعل و انّ الاصل في العمل هو الفعل و لاشكّ انّ العامل المؤثّر اقوي و اشدّ تأصّلاً من المعمول المتأثّر بل لا نسبة بينهما فيالقوّة و الضعف مع اتّفاق كلمة الكلّ علي انّ الفعل متقوّم بالفاعل و صادر عنه فكيف يكون المؤثر صادراً عن الاثر و القول بانّه حكم لفظي لايجب تطابقه مع المعني غلط فاحش لما اثبتنا من المناسبة و المطابقة في رسالة عليحدة موضوعة لذلك و في غيرها من اجوبة المسائل فلانطيل الكلام بذكره لانّ ذلك من المعلوم من مذهب اهلالبيت:.
«* جواهر الحكم جلد 4 صفحه 130 *»
و منها قولهم انّ اسمالفاعل و اسمالمفعول والصفة المشبّهة و ساير المشتقّات كلّها مشتقّة من الفعل كما هوالحقّ او من المصدر كما هوالحقّ ايضاً فانّ المصدر مشتقّ من الفعل و هذه المذكورات مشتقّة من المصدر و قد اتّفق القوم علي انّ المشتقّ فرع للمبدء و هو الاصل فكيف يكون الفاعل فرعاً للمفعول المطلق و سرّ ذلك كلّه في بينونة الصفة فلو كان الفاعل هو الذات لما كان معمولاً للفعل او المصدر الذي هو الاثر و لو لميكن المقصود من الفاعل هو الذات لاستقلّ الفعل و لا الاثر فالفاعل صفة للذات و نور منها القاها في هويّة الاثر ليدلّ عليها كالشبح في المرءاة الدالّة علي الشاخص المقابل من غير انيكون احدهما في الاخر و شرح هذا الكلام ممّا يطول به الكلام و من عرف سرّ المشتقّات و حقّق معناها و عرف احكام تصاريف الاصل الواحد الي الامثلة المختلفة فقد بلغ القرار في التوحيد.
و منها حكم الحديدة المحماة بالنار فانّها حاكية للنار و دليلة عليها من غير انيكون النار في الحديدة و لا هي فيها والنار الظاهرة فيها هي اثر النار الاصليّة لاذاتها و لذا اذا قابلت الحديدة بالنار من غير اتّصال تحمرّ الحديدة و تحرق من غير انيتغيّر النار المقابلة بوجه بحيث يخرج منها شيء او يدخل فيها شيء فيحصل فيها الزيادة و النقصان باحداث الحرارة في الحديدة و ذلك معلوم واضح.
و منها النفس التي من عرفها فقد عرف اللّه و معرفتها كما في حديث كميل في قول اميرالمؤمنين7 كشف سبحات الجلال من غير اشارة و محو الموهوم و صحو المعلوم و هتك الستر لغلبة السرّ نور اشرق من صبح الازل فيلوح علي هياكل التوحيد اثاره و جذب الاحديّة لصفة التوحيد و اطفئ السراج فقد طلع الصبح و الحاصل امثلة هذا المعني كثيرة لايجد الجاهل فيها مقالاً لانّها لايعرفها الاّ العالمون كما قال عزّ و جلّ و ضربنا الامثال للناس و مايعقلها الاّ العالمون و قال عزّ و جلّ و كأيّن من اية في السموات و الارض يمرّون عليها و هم عنها معرضون فالجاهل بالامر لايجد في معرفة تلك الامثال و
«* جواهر الحكم جلد 4 صفحه 131 *»
الصفات مقالاً يئول اليه او الجاهل المعاند لايجد مقالاً للدفع لوضوح تلك الامثال و الايات لانّ حجّة اللّه بالغة فلاتدحض و لايمكن لاحد الاعتراض عليها و يقابلها بالردّ و الدفع الاّ انينكروا بعد وضوح الحقّ و ظهور الامر كما قال تعالي يعرفون نعمة اللّه ثمّ ينكرونها و اكثرهم الكافرون و قال تعالي و جحدوا بها واستيقنتها انفسهم والاّ فامراللّه تبارك و تعالي بالغ الحجة واضح المحجّة لايجد الجاهل بالامر الساذج طبيعته و الصافي طويّته عن صور الاوهام الفاسدة و الشكوك الباطلة ليكون الجهل جهلاً بسيطاً فيه مقالاً يؤدّي اليه الاحتمال المنافي للوضوح و الظهور او الجاهل بالجهل المركّب لايجد مقالاً لدفعه لماعنده من الصورالباطلة لظهور الامر فيمحو ماعنده من الصورة الباطلة و تنتقش مكانها الصورة الحقّة او الجاهل المعاند المكابر للحقّ بعد وضوحه و ظهوره فلايجد سبيلاً الي الانكار من جانب (جهات خ ل) التمويه و التلبيس لكمال ظهور الحق بحيث لايسع معه التلبيس كيف و قد قال سبحانه و تعالي اليوم اكملت لكم دينكم و اتممت عليكم نعمتي.
و قوله7 و للّه المثل الاعلي في بيانه وجوه كثيرة تضيق بها الدفاتر الاّ انّا نذكر في هذا المقام بعضاً من تلك الوجوه تنبيهاً لنوع المراد:
احدها انّ المراد بالمثل هو الصفة و المراد انّ للّه سبحانه و تعالي الصفة العليا يعني كلّما تذكر له صفة و تبيّن له اسماً فانّه تعالي اعلي من ذلك لاتحيط به الواصفون كما قال7 ضلّت فيك الصفات و تفسّخت دونك النعوت و حارت في كبريائك لطايف الاوهام و هو قوله عزّ و جلّ سبحان ربّك ربّ العزّة عمّايصفون و قوله تعالي فلاتضربوا للّه الامثال انّ اللّه يعلم و انتم لاتعلمون فانّ الصفة المطابقة لاتمكن الاّ بعد الاحاطة فاذا امتنعت الاحاطة امتنع التوصيف فكلّ ما نصف و نقول و نبيّن فانّه عندنا او ذاتنا و هو سبحانه و تعالي صفته اعلي من ذلك و لمّا مثل الامام7 لتقريب الافهام و لبيان ما كتب اللّه سبحانه و تعالي لخلقه من وصفه في الالواح الافاقيّة و الانفسيّة و كان قد يتوهّم متوهّم انّ هذا المثال هو المثال الحقيقي و التوصيف هو التوصيف الواقعي رفع7
«* جواهر الحكم جلد 4 صفحه 132 *»
هذه الواهمة بقوله7 و للّه المثل الاعلي اقتداءً بكتاب اللّه العزيز.
و ثانيها انّه لمّا امتنعت معرفة الذات الاقدس و هو سبحانه و تعالي انّما خلق الخلق ليعرفوه لقوله عزّ و جلّ كنت كنزاً مخفيّاً فاحببت اناعرف فخلقت الخلق لكي اعرف و كانت المعرفة بغيرالاحاطة او الاتحاد ممتنعة و امتنع نزول القديم الي الحدوث و صعود الحدوث الي القدم وجب عليه سبحانه في الحكمة انيعرّف الخلق نفسه تعريف رسم و يعرّف الخلق انفسهم ليميز العابد من المعبود و الطالب من المطلوب فجعل سبحانه و تعالي و له الحمد و الشكر الخلق مجمع العالمين و ملتقي البحرين بحر الوحدة و بحر الكثرة بحر الكمال و بحر النقصان و جعل سبحانه الوحدة لها مراتب و الكمال ايضاً له مراتب كالنقصان و الكثرة ليعرف الخلق بالكمال الظاهر فيهم بهم ربّهم و بالنقصان انفسهم و لمّا كان الرب سبحانه و تعالي فوق رتبتهم فوجب انيثبتوا له اعلي مايجدون في انفسهم اي في رتبة الامكان من الكمال التام الذي لايجدون اعلي منه و هذا الكمال و انلميكن لايقاً لحضرة الجمال و الجلال الاّ انّ هذا الذي عندهم و هو سبحانه قال معاذ اللّه اننأخذ الاّ من وجدنا متاعنا عنده فمهما اثبت له سبحانه و تعالي كمالاً يجد في تصوّره و فرضه ما هو اكمل منه فهو الكافر الخارج عن الدين و مهما اثبت له سبحانه كمالاً يجد وراءه حدّاً انتهي اليه المعرفة و اثبته لا بالنهج الذي يدركه و بالطور الذي يعرفه و يعرف من هو مثله ممّن هو في عالم الامكان فذلك هو الدين الخالص فالمثل الاعلي له سبحانه و ان كان هو سبحانه منزّهاً عن الجميع و الي هذا الذي اشرنا اليه يشير قوله تعالي سبحان اللّه عمّا يصفون الاّ عباداللّه المخلصين فاستثني وصف المخلصين و اثبتها له و نفي وصف غيرهم و لمّا كان هذا الاستثناء يوهم انّ وصفهم لايق بجلال قدسه ازال سبحانه هذه الواهمة بقوله سبحان ربّك ربّ العزّة عمّايصفون و لمّا كان في هذا التنزيه توهّم انّ المخلصين خارجون عن حدّ الديانة و الايمان اظهر سبحانه و تعالي عنهم الرضا بقوله و سلام علي المرسلين فبيّن سبحانه انّ وصفهم و انلميكن لايقاً للحضرة الاحديّة
«* جواهر الحكم جلد 4 صفحه 133 *»
الاّ انّهم اتوا باقصي ماعندهم من الكمال و هو قول مولانا الباقر7 و لعلّ النمل الصغار تزعم انّ للّه زبانيتين لمّا رأتهما كمالاً لمااتّصف بهما و يلوح الي جميع ماذكرنا قوله تعالي الكم الذكر و له الانثي تلك اذاً قسمة ضيزي و قوله تعالي و يجعلون للّه مايكرهون و قوله تعالي و اذا بشّر احدهم بالانثي ظلّ وجهه مسودّاً و هو كظيم يتواري من القوم من سوء ما بشّر به ايمسكه علي هون ام يدسّه في التراب الا ساء مايحكمون و امثالها من الايات الكثيرة فاذن فالمثل الاعلي للّه سبحانه هو الذي يثبته سبحانه و ذلك المثل خلق من مخلوقاته و ملك من مماليكه واللام للتمليك كما في قوله7 في الصحيفة لك يا الهي وحدانيّة العدد فبيّن7 لعمران انّ هذا المثل الذي ضربت لك و الصفة التي بيّنتها لاجل تفهيمك خلق من مخلوقاته و هو غاية وسعنا و مبلغ علمنا كما قال الصادق7 كلّما ميّزتموه باوهامكم في ادقّ معانيه فهو مخلوق مثلكم مردود اليكم و هو الكمال المطلق الذي نحن ندركه.
و ثالثها انّ المراد بالمثل الاعلي هو نفس الامام7 كما في الزيارة الجامعة والمثل الاعلي و الدعوة الحسني و حجج اللّه علي اهلالدينا و الاخرة و الاولي فالامام7 هو المثل بكلّ المعاني و الوجوه من معاني المثل فانّ السراج الوهّاج هو الذي قال عزّ و جلّ يا ايّها النبي انّا ارسلناك شاهداً و مبشّراً و نذيراً و داعياً الي اللّه باذنه و سراجاً منيراً و قال تعالي مثل نوره كمشكوة فيها مصباح المصباح في زجاجة الزجاجة كانّها كوكب درّي يوقد من شجرة مباركة زيتونة لاشرقيّة و لاغربيّة يكاد زيتها يضيء ولو لمتمسسه نار نور علي نور يهدي اللّه لنوره من يشاء و يضرب اللّه الامثال للناس و اللّه بكلّ شيء عليم فاذا كان هو السراج الوهّاج كان جميع ماسواه اشعّته و النسبة كما ذكره7 قبل هذا فلانعيده لما في قلبي و امّا المرءاة والشاخص المقابل فهو السراج الظاهر بالاشعّة فانّ المقابل من حيث هو كذلك غيرالذات البحت البات الخالص فكلّ ما سوي الذات ممّا ينسب اليها صفة لها فعليّة لا ذاتيّة و اعلي الصفات و اكملها هو المثل الاعلي و هو المذكور في الزيارة فلنقبض العنان
«* جواهر الحكم جلد 4 صفحه 134 *»
فللحيطان اذان.
فعاد الرضا7 الي مجلسه و دعا بعمران فقال7 سل ياعمران. قال ياسيّدي الاتخبرني عن اللّه تعالي هل يوحّد بحقيقة او يوحّد بوصف قال الرضا7 انّ المبدء الواحد الكائن الاوّل لميزل واحداً لاشيء معه فرداً لا ثاني معه لا معلوماً و لا مجهولاً و لا محكماً و لا متشابهاً و لا مذكوراً و لا منسيّاً و لا شيء يقع عليه اسم شيء من الاشياء غيره و لا من وقت كان و لا الي وقت يكون و لا بشيء قام و لا الي شيء يقوم و لا الي شيء استند و لا في شيء استكن و ذلك كلّه قبل الخلق اذ لا شيء غيره و مااوقع عليه من الكلّ فهي صفات محدثة.
اقول انّ فيما ذكره الامام7 و روحي له الفداء سابقاً من نفي النسبة و الارتباط بينه و بين خلقه و انّ الخلق حوادث انقطع ذكرهم في القديم فهم هناك في حكم الامتناع فاذن ليس ظهور المؤثّر في الاثر الاّ بالصفة التي هي نفس الاثر لا بالذات و الحقيقة لانّ الذات اذا ظهرت بطلت الاثار و انعدمت كما قال7 انّ للّه سبعين الف حجاب من نور و ظلمة لو كشف واحد منها لاحرقت سبحات وجهه ماانتهي اليه بصره من الخلق فاذا كان هذا حال الحجب فماظنّك بالذات فاذن كيف يوحد بحقيقة ولكنّه لما قد رسخت في ذهن عمران تلك القواعد الباطلة و العقايد الفاسدة لميلتفت الي الاشارات و الدقايق بل التصريحات في اوّل النظر و اوّل البحث و لذا سأل عن اللّه سبحانه هل يوحّد بحقيقة او يوحّد بوصف و هذا السؤال له معنيان بقراءة يوحّد بالحاء المهملة احدهما انّ حقيقة الخلق و الحق واحدة مشتركة و انّما التوحيد و التفريد بالوصف بانّه سبحانه موصوف بالوحدانيّة و غيره موصوف بالكثرة فتوحيده سبحانه ليس بحقيقة ذاته بحيث لاذكر لماسواه عنده ولو فرضاً و صلوحاً كما هو مقتضي القول بوحدة الوجود و عليه حملوا قول اميرالمؤمنين7 ليس بينه و بين سائر خلقة بينونة عزلة بل بينونة صفة يعني انّ ذاته تعالي ليست مباينة لذات
«* جواهر الحكم جلد 4 صفحه 135 *»
الحوادث و انّما المباينة في صفة الوجوب و الامكان و اما الذات من حيث هي هي ليست الاّ هي تصلح لعروض الوجوب و الامكان و لذا جعلوا الوجوب و الامكان من المفاهيم الاعتباريّة و هذا هو مقتضي القول بالاشتراك المعنوي في الوجود و ساير الصفات بين الواجب و الممكن.
و هذا ايضاً مقتضي القول بانّ الواجب كلّي منحصر في الفرد فانّ مفهوم الواجب لايأبي عن الصدق علي الكثيرين و انّ الاعيان الثابتة مستجنّة في غيب الذات الاحديّة و انّ المفهوم ينقسم الي الواجب و الممكن و الممتنع و انّ الخلق من سنخ الحق سبحانه و انّ اشرف الموجودات و اعلاها واجبالوجود و اسفل الموجودات و ادناها الهيولي و مابينهما متوسّطات كلّ ما قرب الي الاعلي كان اعلي و كلّ ما قرب الي الاسفل كان اسفل و انّ الاشياء في ذاته تعالي بوجه اشرف فانّ موجد الشيء ليس فاقداً له و انّ بسيط الحقيقة كلّ الاشياء و امثالها من الاقوال الباطلة كلّها يرجع الي ما سأل عمران من انّ اللّه تعالي يوحّد بحقيقة او بوصف فانّ عند هؤلاء التوحيد بالوصف لا بالحقيقة الاّ انّ منهم يقول بذلك بلسان مقاله و منهم من يقول بلسان حاله.
و ثانيهما انّ توحيد الخلق ايّاه سبحانه هل هو بحقيقة الذات بحيث ادركوها و نالوها و وجدوها علي ما هو عليه من التوحيد و التفريد ام لا بل لايمكنهم ذلك و انّما توحيدهم له سبحانه باعتبار ظهوره بصفة من الصفات و تجلّي من التجلّيات كما هو شأن معرفة الاثر المنفصل عن ظهور فعل المؤثّر فانّ الاثر حامل صفة و اسم للمؤثّر يعرفه بها و لايمكن انيصل الي ذات المؤثّر فمنتهي توحيدهم الوصول الي ذلك الاسم بسرّ الرسم لا حقيقة الذات كما قال اميرالمؤمنين7 صفة استدلال عليه لا صفة تكشّف له فيكون توحيده الخلق حينئذ بالصفة لا بالحقيقة.
و في بعض النسخ يوجد بالجيم المعجمة بالبناء علي المجهول والمراد بالوجود الظهور بالوجود للغير اذ لاشكّ بانّه موجود بذاته في ذاته عند ذاته و امّا عندالغير فهل هو كذلك اويوجد بالصفة و الاسم و الرسم كما في الدعاء ليس بموجود اي عند الغير و الاّ فليس غيره في الحقيقة
«* جواهر الحكم جلد 4 صفحه 136 *»
موجوداً سواه لايري فيها نور الاّ نورك و لايسمع فيها صوت الاّ صوتك.
و لمّا كانت هذهالمسألة من امّهات المسائل و مهمّاتها اذ عليها يبتني جميع قواعد الدين و فيها وقع الاشتباه العظيم و الاختلاف الشديد بين المسلمين و مااكتفي عمران بالاشارة في الجواب و فهمه بلحن الخطاب كما فعل7 غير مرّة اراد7 بسط المقال في هذه الاحوال و توضيح الكلام في الجواب فقال7 انّ الكائن الاوّل لميزل واحداً لا شيء معه في رتبة ذاته و الاشياء كلّها اي الممكنات و الامكانات باسرها في مرتبة ذاته تعالي معدومة ممتنعة لاذكر لها فيها اصلاً فكان فرداً لا ثاني له في الصفات و لا في الذات فهو الاوّل الذي ليس له ثاني فهو دائماً اوّل كما في الصحيفة السجاديّة كذلك انت الاوّل في اوّليّتك و علي ذلك انت دائم لاتزول فاذا كان كذلك فاخريّته هي اوّليّته و بالعكس لا بالاضافة الي شيء من الاشياء و صفة من الصفات و قران من القرانات فاذن لا ثاني له مطلقاً لا معلوماً مدركاً للمشاعر بجهة من الجهات و اعتبار من الاعتبارات و لا مجهولاً اي شيئاً ثابتاً لاتدركه المشاعر و لاتحويه الضماير اذ المفروض عدم الغيريّة لاستدعاء الازليّة و ذاتية الوجود ايّاه و لا محكماً اي امراً لا شبهة فيه و المتقن المحكم الموجود علي كمال الاعتدال و الاستقامة الجاري علي محض الحكمة من وضع كلّ شيء في موضعه و لا متشابهاً بخلاف ماذكرنا الجاري علي خلاف الاعتدال بحقيقة ما هو اهله بالنسبة الي الاوّل والاّ فالمتشابة ايضاً من المحكم و لذا نقول اعوجاج الجيم من الاستقامة واللّه سبحانه جعل هذا الاختلاف و عدم الاعتدال من الاستقامة و احكام الصنع كما في قوله تعالي و من يرد اللّه ان يهديه يشرح صدره للاسلام و من يرد انيضلّه يجعل صدره ضيّقاً حرجاً كأنّما يصّعّد في السماء كذلك يجعل اللّه الرجس علي الذين لايؤمنون و هذا صراط ربّك مستقيماً فاذن لا متشابه اصلاً كما قال عزّ و جلّ صنع اللّه الذي اتقن كلّ شيء و هذا مقتضي المشيّة الحتميّة و تقسيم الكتابين اي التدويني و التكويني الي المحكم و المتشابه كما في قوله تعالي هو الذي انزل عليك الكتاب منه ايات
«* جواهر الحكم جلد 4 صفحه 137 *»
محكمات هنّ امّ الكتاب و اخر متشابهات الايه و قوله تعالي ضرب اللّه مثلاً رجلاً فيه شركاء متشاكسون و رجلاً سلماً لرجل الاية من مقتضي المشيّة العزميّة فالمحكم مأخوذ من القبضة المأخوذة باليمين و المتشابه مأخوذ من القبضة المأخوذة بالشمال و ان كان كلتا يديه يمين فافهم فاذ لا ذكر للاشياء في الذات فلا محكم هناك و لا متشابه.
و لامذكوراً بالامكان او الكون في رتبة العقول و الارواح و النفوس و الطبايع و المواد و الامثال و الاشباح و الاجسام و الاجساد و الاعراض و الصور و الهيئات و المقادير و هكذا متسافلاً و كذلك متصاعداً الي مقامات الفؤاد و نقطة الكلمة و الفها و حروفها و كلمتها نفسها و دلالتها و قرانات حروفها بعضها ببعض و وقوع الدلالة علي قلب المخاطب و الاطوار الحاصلة من تلك الايقاعات و الالزامات و ظهورات الاسماء و حقيقتها و مواقعها و محالّها و هكذا ساير المراتب اذ كلّ ما هو مذكور في هذه المراتب و المقامات ممتنعة في مرتبة الذات فلامذكور سواه الاّ و هو مخلوق فلايكون معه و لايكون هو تعالي موصوفاً به و لا منسيّاً اي متروكاً مُعرضاً عنه كما في قوله تعالي اليوم ننسيهم كما نسوا لقاء يومهم هذا و قوله تعالي نسوا اللّه فنسيهم او منسيّاً غيرمذكور بالاضافة اذ كثير من الاشياء يكون مذكوراً في مقام و عالم و منسيّاً في عالم اخر مثل مايوجد ذكره الامكاني و لميكوّن في الكون مثل سعادة الاشقياء و شقاوة الانبياء و محو القيمة و غيرها و قد يكون اشياء مذكورة في عالم العقول و لميتشخّص و لميتصوّر في عالم فهي هناك منسيّة و هكذا قس المراتب و المقامات و امّا المنسي بحيث لا ذكر له في مرتبة من المراتب حتّي في الامكان فلاوجود له اصلاً بوجه من الوجوه لانّ متعلّق الجعل لايكون عدماً بحتاً و الحادث بنفسه لايتكوّن ولو فرض التكوّن فهو مذكور في محلّ التكوّن و القديم لايكون وجوده الاّ ذاتيّاً متأصّلاً مذكوراً عنده فلايكون سبحانه منسيّاً.
و لا شيء يقع عليه اسم شيء من الاشياء غيره بعد ما فصّل7 بذكر بعض الاشياء ثمّ اجمل و ذكر جامع القول و هو انّه تعالي ليس شيئاً يقع عليه اسم شيء من ساير الاشياء غيره تعالي و كلّ ما وقع عليه اسم فهو
«* جواهر الحكم جلد 4 صفحه 138 *»
حادث لانّ الاسم يقتضي الارتباط بينه و بين المسمّي و كلّ ما فيه ارتباط و اقتران حادث فبقي القديم هو الذي لا اسم له و لا رسم مع انّ الاشياء كلّها اسماء له.
خفي لافراط الظهور تعرّضت | لادراكه ابصار قوم اخافش | |
و حظّ عيون النحل من نور وجهه | لادراكه حظّ العيون الاعامش |
فكلّ شيء غيره ممّا يقع عليه اسم شيء من الاشياء الموجودة الممكنة او المكوّنة فهو خلقه و الخلق الحادث لايصحّ انيكون مقترناً بالقديم الازلي و لا انيكون موجوداً معه فلمّا بيّن7 تنزيهه سبحانه عن مطلق الاقتران و كون شيء معه في الازل و هذا التنزيه هو الاصل والاسّ الاساس في التوحيد لكن بشرط انيكون بلااشارة امّا اذا كان مع الاشارة فليس بتنزيه و انّما هو تحديد و لاجل عدم الفرق بين المقامين اشتبه الامر علي جماعة من الفحول فقالوا بالجمع بين التشبيه و التنزيه فراراً عن التحديد و التجسيم فوقعوا فيهما و ضلّوا و اضلّوا كثيراً و ضلّوا عن سواء الطريق.
و لمّا ذكر7 حكم التنزيه اراد7 انيبيّن تذوّته سبحانه و استقلاله و انّه باين عن صفات المخلوقين متأصّل و متقوّم بمحض ذاته لا بشيء سواها فقال7 و لا من وقت كان و لا الي وقت يكون اي يكون له اوّل و اخر قد تحدّد بالوقت و الزمان كالممكنات اذ لا بقاء لها الاّ بالوقت و هو من اجزاء العلّة الصوريّة و الشيء لايقوم الاّ بالمادّة و الصورة و لا بشيء قام من القيامات الاربعة القيام الصدوري كقيام المعلول بالعلّة و الاثر بالمؤثّر و الكلام بالمتكلّم و الشعاع بالمنير و القيام الركني العضدي كقيام الصورة بالمادّة و قيام الشيء بالمادّة و الصورة و القيام الظهوري كقيام المادّة بالصورة و ظهور الشمس بالارض و الجدار و القيام العروضي كقيام الاعراض بالجواهر كالالوان و الهيئات بالاجسام و قد بسطنا القول في هذه القيامات في تفسيرنا علي اية الكرسي و كتابنا اللوامعالحسينية فانّ فيهما في هذا البحث اسرار عجيبة غريبة لاتتحمّلها العقول و الافهام الاّ بعناية خاصّة من الملك العلاّم.
و لا الي شيء يقوم اي يكون تقوّمه و تحقّقه منتهية الي شيء من الاشياء كالذوات السيّالة
«* جواهر الحكم جلد 4 صفحه 139 *»
المتجدّدة التي اذا انتهت الي غاية كمالها و حفظت الصورة في اضمحلالها استقلّت ككون الانسان تراباً ثمّ دخاناً ثمّ سحاباً ثمّ مطراً ثمّ ثمراً ثمّ كيلوساً ثمّ كيموساً ثمّ دماً ثمّ نطفةً ثمّ علقةً ثمّ مضغةً ثمّ عظاماً ثمّ اكتسائه لحماً ثمّ انشائه خلقاً اخر فلمّا انتهت فطرته و خلقته الي هذه الصورة و الهيكل استقلّت و قامت بالروح فلايزال كذلك لاتفقد هذه الصورة و الهيئة و الروح ان كان من اهل الايمان المستقرّ و لا كذلك ربّنا عزّ و جلّ لاتعتريه الاحوال و لا الي شيء استند كيف و هو سبحانه سند من لا سند له و ذخر من لا ذخر له و استناده تعالي بذاته لا بشيء سواه والاّ لميكن وجوده عين ذاته لذاته بذاته هذا خلف. و استناد الاشياء كلّها بفعله تعالي اذ لااقتران لها بذاته جلّ و علا لانّها هناك معدومة و العدم البحت لايقترن بالوجود الصرف و لا في شيء استكن و هذا واضح.
و لمّا كانت هذه الامور التي نفاها7 عنه تعالي بعضها ممّا يثبت له تعالي بضرورة الاسلام و الايمان بل بضرورة العقل مثل كونه تعالي معلوماً و مجهولاً و مذكوراً و خالقاً و فاعلاً و الخالقيّة تستند الي الفعل و الخلق و لولاهما لميتحقّق الاسمان و كونه تعالي علّة للاشياء و العلّة من حيث هي تستدعي المعلول فصحّ التضايف و التساوق و كونه تعالي عالماً و هو يستدعي المعلوم و كونه تعالي مريداً و هو لايكون الاّ و المراد معه و امثالها ممّايوصف هو تعالي به و ذلك ينافي مانفاه7 كليّاً بقول مطلق اراد7 انيذهب هذه الواهمة و يبطل هذا الايراد و يوضح هذا الاشكال بقوله7 و ذلك كلّه قبل الخلق اي ماذكرنا من الامور المنفيّة (الممتنعة خل) من كونه تعالي ليس بمعلوم و لامجهول و لامذكور و لامنسي و لامحكم و لامتشابه و غيرذلك انّما هو قبل الخلق اذ لا شيء غيره حتّي يكون باعتبار ذلك الغير معلوماً او مجهولاً او مذكوراً او يجعل له اسماً يدعوه بذلك هوهو و لاسواه فاذا كان كذلك تنفي عنه تعالي جميع الصفات و الاسماء التي فيها نسبة و ارتباط و اقتران و امّا وصفه تعالي بتلك الاوصفاف و اثبات بعض تلك الامور فانّما هو بعد الخلق و نسبته اليه تعالي فيكون معلوماً عندهم بالاثار مجهولاً بالذات مذكوراً عندهم يذكرونه
«* جواهر الحكم جلد 4 صفحه 140 *»
تعالي عند الطلبات و دواعي القابليّات فحصول هذه الاسماء انّما هو عند الخلق و مع الخلق و امّا قبل الخلق فلا اسم و لا ذكر و لا مذكور.
و لمّا كان في هذا الجواب توهّم تغييره تعالي بخلقه و تجدّد الحالات له تعالي و قد قامت الضرورة علي بطلانه و قال اميرالمؤمنين7 لمتسبق له حال حالاً ليكون اوّلاً قبل انيكون اخرا و يكون ظاهراً قبل انيكون باطناً اراد7 رفع هذه الواهمة فقال روحي له الفداء:
و ما اوقعت عليه من الكلّ فهي صفات محدثة و ترجمة يفهم بها من فهم
اي ما اوقعت عليه تعالي من الصفات و الاسماء بقول مطلق فهي ليست ذاتيّة توصف الذات بها حتّي يلزم التغيير و تجدّد حال له و تفاوته قبل الخلق و بعد الخلق و انّما هي صفات و اسماء حدثت عند تعلّق فعله تعالي بمفعولاته فهي حادثة منتهية الي الفعل لا الي الذات فهي صفات الافعال لا صفات الذات ولكنّ الفعل لمّا كان مضمحلاّ و فانياً عند الذات لا ذكر له معها ينتقل الذهن عند ملاحظة هذه الصفات الي الذات و لذا قالوا انّ الذات غيّبت الصفات و هذه الذات الملحوظة المدركة بتلك الاوصاف ليست هي كنه الذات و انّما هي مثالها الذي نسمّيه بالذات الظاهرة و هي الذات المعبّرة في المشتقّات و تمام الكلام في هذا المقام في شرح خطبة الطتنجيّة فاذن لايلزم التغيير و الاختلاف المتوهّم و لمّا كان الممكن كما قال مولانا الصادق7 كلّ ما ميّزتموه باوهامكم في ادقّ معانيه فهو مخلوق مثلكم مردود اليكم فلايصل احد الي كنه الذات و صرف الحقيقة اين التراب و ربّالارباب اتي7 بلفظ الكلّ اي كلّ الاسماء و الصفات ممّا فيه اقتران و ارتباط كما في صفات الاضافة و الخلق ام لا كما في صفات القدس ممّا تدركه و تعرفه و تتلفّظ به و تلاحظه و تتوجّه اليه كلّ ذلك صفات محدثة احدثها اللّه تعالي لك لتعرفه بها و هي المثال الذي القاه في هويّتك كما قال اميرالمؤمنين7 و لذا قال7 و ترجمة اي بيان و تعليم للخلق يفهم بها من يفهم التوحيد و المعرفة و ساير العقايد قال تعالي و علي اللّه قصد السبيل و قال ايضاً تعالي لاتحرّك به لسانك لتعجل به انّ علينا جمعه و قرءانه فاذا
«* جواهر الحكم جلد 4 صفحه 141 *»
قرأناه فاتّبع قرءانه ثمّ انّ علينا بيانه و لذا قال7 في خطبته فيالتوحيد في مجلس المأمون اسماؤه تعبير و صفاته تفهيم و ذاته حقيقة و كنهه تفريق بينه و بين خلقه و غيوره تحديد لما سواه.
قال7:
و اعلم انّ الابداع و المشيّة و الارادة معناها واحد و اسماؤها ثلثة و كان اوّل ابداعه و ارادته و مشيّته الحروف التي جعلها اصلاً لكلّ شيء و دليلاً علي كلّ مُدرك و فاصلاً لكل مشكل و بتلك الحروف تفريق كلّ شيء من اسم حق او باطل او فعل او مفعول او معني او غيرمعني و عليها اجتمعت الامور كلّها و لميجعل للحروف في ابداعه لها معني غير انفسها يتناهي و لا وجود لها لانّها مبدعة بالابداع و النور في هذا الموضع اوّل فعل اللّه تعالي الذي هو نورالسموات و الارض و الحروف هو المفعول بذلك الفعل و هي الحروف التي عليها الكلام.
اقول لمّا وصف الحقّ سبحانه بما هو عليه ممّا وصف نفسه لنا بنا ماهو عليه قبل الخلق و بعد الخلق و احكام الصفات الارتباطيّة والاضافيّة و احكام صفات القدس الغير المنوطة بالاضافة و الارتباط و بيان كيفيّة اطلاق الصفات و الاسماء عليه تعالي و معرفة المراد منها و انّ المخلوق لاينتهي الاّ الي المخلوق و انّ الشيء لايقرأ الاّ حروف نفسه و ذكر مالايجوز وصفه سبحانه عليه ابداً و مايجوز وصف فعله عليه حين الفعل و مالايجوز عليه و غيرذلك من احوال التوحيد كلّها اراد7 انيبيّن لعمران حقيقة الجعل و المجعول فقال7 اشارة الي الاوّل و اعلم انّ الابداع و المشيّة و الارادة معناها واحد و اسماؤها ثلثة و ذكر ايضاً7 ليونس بن عبدالرحمن علي ما رواه في الكافي بالفرق بين المشيّة و الارادة فانّه7 قال يايونس اتدري ما المشيّة قال لا قال7 هي الذكر الاوّل اتدري ما الارادة قال لا قال7 هي العزيمة علي مايشاء قال اتدري ما القدر قال لا قال7 هو الهندسة و وضع الحدود و صرّح مولينا الصادق7 بالفرق حين قوله لايكون شيء في الارض و لا في السماء الاّ بسبعة بمشيّة و ارادة و قدر و قضاء و
«* جواهر الحكم جلد 4 صفحه 142 *»
اذن و اجل و كتاب فمن زعم انّه يقدر علي نقص واحدة فقد كفر فيجب انيكون المشيّة غيرالارادة حتّي تعدّ قسماً اخر و في قول علي بنالحسين8 في الصحيفة فهي بمشيّتك دون قولك مؤتمرة و بارادتك دون نهيك منزجرة اشارة الي الفرق حيث نسب القول و الامر الي المشيّة و نسب النفي و النهي و الانزجار الي الارادة.
و في كلام موليناالكاظم7 صراحة بالفرق بمالامزيد عليه كما في الكافي عن معلّيبن محمّد قال سئل العالم7 كيف علماللّه قال علم و شاء و اراد و قدر و قضي و امضي فامضي ماقضي و قضي ماقَدَرَ و قَدَرَ ما اراد فبعلمه كانت المشيّة و بمشيّته كانت الارادة و بارادته كان التقدير و بتقديره كان القضا و بقضائه كان الامضاء و العلم متقدّم و المشيّة ثانية و الارادة ثالثة و التقدير واقع علي القضاء بالامضاء فللّه تبارك و تعالي البداء فيما علم متي شاء و فيما اراد لتقدير الاشياء فاذا وقع القضاء بالامضاء فلا بداء فالعلم بالمعلوم قبل كونه و المشيّة في المشاء قبل عينه و الارادة في المراد قيل قيامه و التقدير لهذه المعلومات قبل تفصيلها و توصيلها عياناً و وقتاً و القضاء بالامضاء هو المبرم من المفعولات ذوات الاجسام المدركات بالحواسّ من ذيلون و ريح و وزن و كيل و ما دبّ و درج من انس و جنّ و طير و سباع و غيرذلك ممّا يُدرك بالحواس فللّه تبارك و تعالي فيه البداء مما لاعين له فاذا وقع العين المفهوم المدرك فلا بداء واللّه يفعل مايشاء فبالعلم علم الاشياء قبل كونها و بالمشيّة عرف صفاتها و حدودها و انشاءها قبل اظهارها و بالارادة ميّز انفسها في الوانها و صفاتها و بالتقدير قدّر اقواتها و عرّف اوّلها و اخرها و بالقضاء ابان للناس اماكنها و دلّهم عليها و بالامضاء شرَح عللها و ابان امرها و ذلك تقدير العزير العليم هـ .
ففي هذا الحديث الشريف و امثاله من الاحاديث تصريح بانّ المشيّة غير الارادة و امّا مغايرة الابداع للارادة فلم نقف في اخبارهم و اثارهم مايدلّ علي ذلك فالوجه في الجمع بين هذه الاخبار و بين قوله7 علي ما في هذا الحديث الشريف بعدَم الفرق انّهما اذا اجتمعتا افترقتا و اذا افترقتا اجتمعتا فاذا
«* جواهر الحكم جلد 4 صفحه 143 *»
قلت شاء و اراد فالفرق بينهما انّ المشيّة هي مبدأ الكون و الفعل المتعلّق بالوجود اي المادّة الاوّليّة و الهيولي الاولي و لذا قال7 هي الذكر الاوّل اذ لايصحّ انيكون الشيء مذكوراً في ذاته تعالي و انّما يكون مذكوراً في رتبة الحدوث و لمّا كانت الحوادث كلّها لايخلو من المادّة و الصورة و تنتهي في جميع احوالها اليهما والمادّة لاشكّ انّها ذات و اصل والصورة عرض طار عليها فيكون وجود المادّة من تمام قابليّة الصورة للتمكين من التكوين فتكون المادّة في التكوين مقدّمة علي الصورة و لمّا كان الفعل انّما كان عند المفعول و هو قول مولينا الصادق7 لاتكون الارادة الاّ و المراد معه كان اوّل الذكر التكويني الحدوثي للاشياء الفعل المتعلّق بالمادّة التي هي الوجود الاجمالي الامر الواحد المنبسط الساري في اطوار الحدود و التعلّقات الجاري فيها جريان البحر في الامواج فهو الماء الاوّل الذي كان العرش اي المشيّة عليه اي ظاهراً فيه و مستوياً عليه فافهم.
و لمّا كانت المادّة اي الوجود لا تحقّق و لا تأصّل لها الاّ بالماهيّة التي هي الصورة لتحقّق التركيب الذي هو رسم كلّ الحوادث الممكنات و تحقّق الضدّين الذي به يباين القديم عن المخلوقات فتكون الماهيّة علّة ثبات الوجود و تحقّقه و ظهوره الكوني فيكون الفعل المتعلّق بالصورة عبارة عن العزيمة التي تؤكّد ذلك الذكر الاوّل و تثبّته و قد قال7 انّ العزيمة هي الارادة و لمّا كان الاجمال مقدّماً في الوجود علي التفصيل و الوحدة علي الكثرة و الوجود علي الماهيّة كانت المشيّة اصلاً تحقّقت بها الارادة و لمّا كان ماهو اقرب الي المبدء الحق اشدّ تأصّلاً و ثباتاً و ما هو ابعد اشدّ اضمحلالاً و دثوراً و فناءً كان الوجود و الامر و الاثبات و القول منسوبة الي المشيّة و النهي و العدم و النفي و الماهيّة منسوبة الي الارادة و لمّا كان بهما تحقّق الشيء لايكفي احدهما في ايجاد الشيء و تكوينه جعل لهما اسماً ظاهراً واحداً و هو كلمة «كن» فالكاف لاستدارتها التامّة و لكونها تمام الواحد الظاهر فيه الاحد اسمٌ للمشيّة و النون لنقصان الاستدارة و لكونها تمام العشرة الظاهرة فيها مراتب التوحيد في عالم الكثرة و الاختلاف
«* جواهر الحكم جلد 4 صفحه 144 *»
اسمٌ للارادة و هما اصلان يدور عليهما الاكوان و الاعيان ولكن لمّا كان بينهما كمال الاتّصال بحيث لايقوم احدهما بدون الاخر و لايتمّ الشيء الاّ بهما بل هما اسمان لفعل واحد باعتبار متعلّقين فانّ الفعل باعتبار تعلّقه بالوجود سمّي مشية و باعتبار تعلّقه بالماهيّة سمّي ارادة و الفعل واحد في المقامين و التعدد في التعلّق صار احدهما يطلق علي الاخر عند الوحدة و الافتراق فاذا قلت المشيّة و اطلقت صحّ ارادة الارادة منها و اذا قلت الارادة و اطلقت صحّ ارادة المشيّة منها والدليل علي صحّة الاطلاق هذا الحديث الشريف و الاخبار الكثيرة الواردة لحدوث الارادة فانّه في كثير منها لفظ الارادة وحدها و في الاخري المشيّة وحدها مع انّ المقصود هما معاً كما في التوحيد عن مولينا الرضا7 انّ المشيّة و الارادة من صفات الافعال فمن زعم انّ اللّه لميزل شائياً مريداً فليس بموحّد ه فصحّ الامر كما ذكرنا بما ذكرنا لما ذكرنا.
و كذلك الحكم في الخالق البارئ المصوّر فانّ هذه الاسماء الثلثة اذا ذكرت متفرّقاً جازت ارادة كلّ واحد منها من الاخر فيكون اسماء ثلثة لها معني واحد و امّا اذا ذكرت مجتمعة فالخالق هو الفاعل بالمشيّة و البارئ هو الفاعل بالارادة و المصوّر هو الفاعل بالتقدير و كذلك الخالق و الفاعل اذا اجتمعا افترقا فصحّ اطلاق كلّ منهما علي الاخر و امّا اذا اجتمعا افترقا فالخالق هو محدث المادّة و الفاعل هو محدث المادّة و الصورة معاً و لذا يقال انّ اللّه خالق الخير و الشرّ كما في الحديث القدسي المذكور في الكافي و في قوله تعالي قل اللّه خالق كلّ شيء الشامل بعمومه للكلّ و لايقال انّ اللّه تعالي فاعل الشرّ او فاعل القبيح سبحانه و تعالي عمّا يقولون علوّاً كبيرا. و كذلك الحكم في الخالق و الجاعل اذا افترقا كان لهما معني واحد و اذا اجتمعا كان الخالق بمعني محدث المادّة و الجاعل بمعني محدث الصفات و اللوازم و الهيئات و الصور و ملزم الصورة للمادّة و الجامع بين اللوازم و ملزوماتها و هو قوله تعالي الحمد للّه الذي خلق السموات و الارض و جعل الظلمات والنور و بمعني المقلّب والمصيّر كما في قولك جعلت الطين خزفاً. و كذلك الحكم في الاسم و الصفة فاذا افترقا اطلق كلّ
«* جواهر الحكم جلد 4 صفحه 145 *»
منهما علي الاخر و لمّا سئل مولينا الرضا7 عن الاسم قال7 الاسم صفة لموصوف و اذا اجتمعا افترقا فالصفة هي صرف ظهور الموصوف و مشاهدته من غير التفات الي جهة مخصوصة و هو قوله7 صفة استدلال عليه لا صفة تكشّف له فالصفة هي الدليل و الكاشف و امّا الاسم فهو ظهور المسمّي في محلّ خاصّ كالقائم اسمٌ للظاهر بالقيام و القاعد اسمٌ للظاهر بالقعود فاذا اطلقت هذه الاسماء و توجّهت الي صرف الذات و لمتلتفت الي جهة من الخصوصيّات فهي الصفة فاذا لاحظت الظهور في تلك المحال و الاماكن فهي اسم.
و امّا اطلاقهم الصفة علي نفس المصادر التي هي المبادي للاسماء المشتقّة و الاسم علي نفس تلك الاسماء و المشتقّات فجهل بالواقع و حقيقة الامر فانّ الصفة اذا اطلقت علي تلك المبادي لايريدون من هذا الاطلاق الاّ جهة ظهور المؤثّر الفاعل في تلك المبادي لا من حيث نفسها فانّها من حيث نفسها حجاب لاصفة فملاحظتها من تلك الجهة هو المشتقّ و هو الذي ذكرنا لك انفاً فافهم فانّ هذا المقام ليس موضع استقصاء هذا المرام.
و امّا الابداع و الاختراع فقالوا انّهما ايضاً كذلك فاذا افترقا كان كلّ منهما يطلق علي الاخر و اذا اجتمعا فالاختراع هو الخلق لا من شيء اي لا من مادّة اي احداث المادّة بنفسها و الابتداع هو الخلق و الايجاد لا لشيء اي لا لغاية و لا علي احتذاء مثال اي خلق الصورة الاولي التي نسمّيها القابليّة الاولي بلاصورة قبلها كما قال اميرالمؤمنين7 ابتدع ما خلق بلامثال سبق و لا تعب و لا نصب و قال سيّدالساجدين في الصحيفة و ابتدعت المبتدعات بلااحتذاء فاذا كان متعلّق الابتداع الصورة فيكون متعلّق الاختراع المادّة فيكون الاختراع قبل الابتداع و النسبة كالنسبة بين المشيّة و الارادة فبالاختراع كان الابتداع و ممّا يؤيّد ماذكرنا و يشيّده ما في كلام سيّدالساجدين في الصحيفة في دعاء عرفة انت الذي ابتدء و اخترع و استحدث و ابتدع و احسن صنع ما صنع فجعل الاختراع عند الابتداء فهو الذكر الاوّل و ظهور الحدوث و الافتقار و الكثرة لمّا كان في الصورة و الماهيّة نسب اظهار الحدوث و المكوّنات الي
«* جواهر الحكم جلد 4 صفحه 146 *»
الابتداع و ذلك ماكنّا نبغ فتمّ الصنع علي احسن النظام بهما اي بالاختراع و الابتداع و لذا اردفهما7 بقوله و احسن صنع ما صنع فالاختراع هو احداث المادّة و الابداع هو احداث الصورة و قولي احداث المادّة و الصورة مسامحة في التعبير والاّ فالاختراع هو الفعل المتعلّق بالمادّة و المحدث لها و الابداع هوالفعل المتعلّق بالصورة و الاحداث هوالمصدر الحاصل من الفعل فافهم.
ثمّ انّه7 انّما قارن الابداع بالمشيّة و الارادة و جعله معهما علي معني واحد لنكتة و هي اثبات و توضيح حدوث المشيّة و الارادة من كلامه7 بمالايخفي علي احد فانّ الابداع هو الاحداث لا من شيء اتّفاقاً و لا احد من العلماء بل و من العقلاء قال بقدم الابداع فاذا كان الابداع المتّفق علي حدوثها هو بمعني الارادة و المشيّة فكيف يتصوّر مع ذلك قدمهما و لذا فسّر7 الارادة في موضع اخر علي ما في الكافي بالاحداث و قال7 و امّا ارادة اللّه فاحداثه لاغير لانّه لايروّي و لايهمّ و لايفكّر و انّما يقول للشيء كن فيكون الحديث.
قوله7 و كان اوّل ابداعه و ارادته و مشيّته الحروف التي جعلها اصلاً لكلّ شيء، اعلم انّ الحروف علي ما هوالمعروف عند الناس كما حملوا عليه الحروف المذكورة في هذاالمقام اربعة اقسام:
احدها الحروف الرقميّة و يسمّونها بالنقشيّة و هي امور حصلت من انبساط الالف اللينيّة باطوار الحدود و القيود من انحاء الاعوجاجات و الاستقامة كما قالوا انّ الاختراع اختراعان و الابداع ابداعان الاختراع الاوّل المشيّة والثاني الالف من الحروف و الابداع الاوّل الارادة و الابداع الثاني الباء من الحروف و قالوا معني كون الالف اختراعاً انّها نزلت بتكرّرها فكانت عنها الباء و الاصل في الالف انّها لاحركة لها فلمّا تنزّلت بالحركة حدثت عنها الالف القائمة المتحرّكة التي طولها الف الف ذراع كما كانت الالف اللينيّة قبل تنزّلها بالحركة طولها الف الف قامة ثمّ مالت الالف المتحرّكة علي الباء فحدثت من ميلها الجيم و الباء نزلت بتكرّرها فكانت عنها الدال و مالت علي الدال فحدثت
«* جواهر الحكم جلد 4 صفحه 147 *»
الهاء و هكذا ساير الحروف انّما حصلت و وجدت من هذين الاصلين الذين هما الالف و الباء.
و ثانيها الحروف اللفظيّة فهي امور حصلت من الهواء المأخوذ الي الجوف المتحصّص في مبدء الفم الذي هو الحلق الي منتهاه الذي هو الشفه بالضغط و القرع و القلع و القمع فتحصل صور و اشكال محفوظة قائمة بالهواء يؤلّف منها مااراد اللافظ و يركّبها بمناسبة المعني الذي يريد ان يظهره بها فاذا الّفها و ركّبها كانت الهيئة المجموعة المؤلّفة مرءاةً قابلت وجه قلب المتكلّم و اشرق ذلك المعني الموجود في القلب علي تلك المرءاة و انطبعت المرءاة و انطبعت صورته في الحسّ المشترك و منه الي الخيال و منه الي النفس و منه بانتزاع الصورة الشخصيّة الي العقل فما في اللفظ من المعني شبح للمعني الاصلي و ما في قلب المخاطب من مفهوم اللفظ شبح الشبح و سيأتي لهذا الكلام زيادة بيان انشاءالله تعالي.
و ثالثها الحروف العدديّة و هي تطلق علي قوي الحروف من الاعداد التي هي لها بمنزلة الارواح و منها تستخرج الروحانيّات و الملائكة العلويّات و الخدّام السفليّات و يعمل بها انحاء التصرفات و تطلق ايضاً علي حروف القوي و الاعداد مثلاً الميم اربعون و يؤخذ حروفه و هي هكذا ا ر ب ع و ن ثمّ يؤخذ حروف قواه هكذا و ا ح د م ا ت ي ن ا ث ن ي ن س ب ع ي ن س ت ه خ م س ي ن ، و علي هذا القياس ساير حروف القوي من حروف الثلث و الربع و الخمس الي اخر الكسور التسعة.
و رابعها الحروف الفكريّة و هي صور الحروف المتنزّلة من عالم الغيب الي المعاني العقلية و تسمّي بالحروف العقليّة و الجبروتيّة و المتنزّلة منها الي الرقايق الروحية و منها الي الصور الشخصيّة النفسيّة المجرّدة و منها الي الصور الشبحيّة المثاليّة البرزخيّة و تطلق ايضاً علي معاني الالفاظ و الحروف المتنزّلة من تلك المراتب الي عالم الشهود و الاجسام و اطلاقات الحروف علي ما هو المعروف عند علماء الفن و غيرهم
«* جواهر الحكم جلد 4 صفحه 148 *»
لاتخلو من هذه الاربعة و كلّ هذه الاربعة متأخّرة عن خلق الذوات و حقايق الموجودات المتأخّرة عن الاختراع و الابتداع لانّ هذه الحروف في الحقيقة امثال و صفات و حكايات للذوات و قوالب لظهورها باثارها فكيف تكون اصلاً و اوّل مخترع كما صرّح به الامام7 و ذكر انّها اصل لكلّشيء و عليها اجتمعت الامور كلّها.
الجواب انّ مراده7 من الحروف هي الحروف الكونيّة و الذوات المتأصّلة الحقيقيّة و انّما عبّر عنها بالحروف لانّه7 اراد انيجعل هذا الكلام مقدّمة لجواب عمران عن السؤال عن اللّه تعالي هل يوحّد بحقيقة ام يوحّد بوصف فانّه7 يريد انيبيّن له انّه تعالي يوحّد بالوصف الذي وصف به نفسه و بيّن لخلقه و البيان لمّا كان باداء الكلمات و هي انّما تكون بتأليف الحروف و هو سبحانه تجلّي للاشياء بها و وصف نفسه لها بها فكان هو سبحانه و تعالي بمشيّته و ارادته و اختراعه المتكلّم و الخلق هي الكلمات و اجزاء الخلق هي الحروف و لاشكّ انّ الاجزاء اصل للهيئة التأليفيّة التركيبيّة و قد نطق اللّه سبحانه في كتابه العزيز بذلك حيث قال و مصدّقاً بكلمة منه اسمه المسيح عيسي بن مريم قال عزّ و جلّ و تلقّي ادم من ربّه كلمات فتاب عليه و الكلمات هم المحمّد صلّياللّه عليه و عليهم و قال عزّ و جلّ و اذ ابتلي ابرهيم ربّه بكلمات فاتمهنّ و قال عزّ و جلّ لوكان ما في الارض من شجرة اقلام و البحر يمدّه من بعده سبعة ابحر مانفدت كلمات اللّه قال7 نحن الكلمات التي لايستقصي فضلنا و لايستحصي و قال عزّ و جلّ و لقد وصّلنا لهم القول اي الامام7 و عن ابيجعفر7 انّه قال انّ اللّه تبارك و تعالي تفرّد في وحدانيّته ثمّ تكلّم بكلمة فصارت نوراً ثمّ خلق من ذلك النور محمّداً و عليّاً و عترته ثمّ تكلّم بكلمة فصارت روحاً و اسكنه في ذلك النور
«* جواهر الحكم جلد 4 صفحه 149 *»
و اسكنه في ابداننا فنحن روحاللّه و كلمته احتجب بنا عن خلقه فمازلنا في ظلّ العرش خضراء مسبّحين نسبّحه و نقدّسه حيث لا شمس و لا قمر و لا عين تطرف ثمّ خلق شيعتنا و انّما سمّوا شيعة لانّهم خلقوا من شعاع نورنا ه فافهم و اطلاق الكلمة علي الذوات ممّا لايستريبه عاقل متتبّع في الاخبار و الاثار و كلمات العلماء الابرار.
فقوله7 و كان اوّل ابداعه و ارادته و مشيّته الحروف التي جعلها اصلاً لكلّ شيء و هي ثمانية و عشرون حرفاً من الحروف الظاهرة الكونيّة و تسعة و عشرون بملاحظة ظهور الاصل الواحد في صيغ التصاريف و ثلثة و ثلاثون بملاحظة تفاصيل الكلمة التي هي الاصل الواحد كما سيأتي انشاءاللّه بيانها مشروحاً ولكنّا نجري الكلام في هذا المقام علي الثمانية و العشرين التي نزلت عليها الكلام الكريم و لها وجوه كثيرة نقتصر علي وجهين منها.
احدهما انّ الثمانية و العشرين جميعها علي قسمين احدهما الحروف النورانيّة و هي اربعهعشر مظاهر يداللّه و وجهاللّه و اسمي الجواد و الوهّاب و هي هياكل التوحيد الاربعة عشر و الذوات الطيّبة التي عليها كل امر مستقرّ و الشجرة الطيّبة التي اصلها ثابت و فرعها في السماء تؤتي اكلها كلّ حين باذن ربّها و ثانيهما الحروف الظلمانيّة و هي الذوات الخبيثة الملعونة المسخوطة المنقوشة علي صخرة سجّين اسفلالسافلين فمن القسم الاوّل تفيض الخيرات و تنفجر الحسنات و تظهر الخيرات و من القسم الثاني تنبعث الشرور و الطغيان و تتراكم ظلمة العدوان و تتكثّر جنود الشيطان و بهما كان الطتنجان خليجان احدهما ماء عذب فرات سائغ شرابه والاخر ماء اجاج فهذه الحروف بدرجتيه في علّيين و سجّين اصل لكل شيء لانّ كلّ شيء خلق من قبضة من النور الذي هو من شعاع الحروف النورانيّة و من قبضة من الظلمة التي هي فاضل ظلمة الحروف الظلمانيّة و خلق الاشياء بجميع احوالها و اطوارها و اكوارها و ادوارها و اوطارها و جميع مالها و منها و بها و عليها و عنها و لديها و فيها و عندها كلّها من هذه الحروف تحقّقت و بها تأصّلت و عنها نشأت و اليها عادت و عليها دلّت و
«* جواهر الحكم جلد 4 صفحه 150 *»
هي دليل علي كلّ مُدرك بكسر الراء و فتحها امّا الاوّل فلانّ القوي المدركة امّا نورانيّة نزلت من علّيين و امّا ظلمانيّة صعدت من سجّين علي اختلاف مراتبها من النورانيّة و الظلمانيّة في الصفا والكدورة والبساطة و التركيب و غيرذلك كلّ هذه المراتب من هذه الحروف حصلت و هي دليلة عليها فالحروف النورانيّة دليلة علي جميع القوي النورانيّة من قوله تعالي ثمّ جعلنا الشمس عليه دليلاً و الحروف الظلمانيّة بالعكس حرفاً بحرف و فاصلاً لكلّ مشكل لانّ الاشكال انّما يقع عند الجهل بعلل الشيء و جهاته و مباديه و اسبابه فاذا كانت المبادي هي هذه الحروف الثمانية والعشرون فمن احاط بها و عرفها و وقف عندها و جعل نسبة كلّ حرف في موقعها ارتفع عنده الاشكال و ظهر الامر و وضح و بتلك الحروف تفريق كلّ اسم حق او باطل او فعل او مفعول فبالحروف النورانيّة التي هي مبدأ للاسماء الالهيّة الطيّبة و اسماء الافعال من حيث تعلّقها الي النور و الخير المعبّر عنها باليد اليمني و اسماء المفعولين من حيث انفسهم من حيث نظرهم الي باريهم و الحروف الظلمانيّة التي هي مبدأ للاسماء السوءي الخبيثة و اسماء الافعال من حيث تعلّقها الي الشرور و المعاصي و الظلمات المعبّر عنها بيد الشمال و ان كان كلتا يديه يمين و اسماء المفعولين من حيث انفسهم الباطلة و ذواتهم الخبيثة تفريق كلّ اسم حق و باطل الخ ثمّ اجمل7 الكلام و جمع الكلّ و قال روحي فداه و عليها اجتمعت الامور كلّها لانّ اللّه عزّ و جلّ يقول و ان من شيء الاّ عندنا خزائنه و اصلها الخزانتان اللتان هما الحروف النورانيّة و الظلمانيّة و كلّ شيء مركّب من هذين الاصلين فافهم و لاتكثر المقال فانّ العلم نقطة كثّرها الجهّال.
و ثانيهما انّ الثمانية و العشرين هي الحروف الكونيّة التي عليها مدار الشيء في القوسين الصعوديّة و النزوليّة و هي ثمانية و عشرون حرفاً لثمانية و عشرين مرتبة الحرف الاوّل الالف و هي اسم للعقل و الثاني الباء و هي اسم للنفس و الثالث الجيم و هي حرف للطبيعة و الرابع الدال و هي حرف للمادّة الكليّة و الخامس الهاء و هي حرف المثال و شكل الكلّ و السادس الواو و هي حرف
«* جواهر الحكم جلد 4 صفحه 151 *»
جسم الكلّ و السابع الزاء و هي حرف العرش و الثامن الحاء و هي حرف الكرسي و التاسع التاء و هي حرف فلك البروج و العاشر الياء و هي حرف فلك المنازل و الحادي عشر الكاف و هي حرف فلك زحل و الثانيعشر اللام و هي حرف فلك المشتري و الثالث عشر الميم و هي حرف فلك المرّيخ و الرابع عشر النون و هي حرف فلك الشمس و الخامس عشر السين و هي حرف فلك الزهرة و السادس عشر العين و هي حرف فلك عطارد و السابع عشر الفاء و هي حرف فلك القمر و الثامن عشر الصاد و هي حرف كرة النار و التاسع عشر القاف و هي حرف كرة الهواء و العشرون الراء و هي حرف كرة الماء و الحادي والعشرون الشين و هي حرف كرة التراب و الثانيوالعشرون التاء و هي حرف الجماد و المعدن و الثالثوالعشرون الثاء و هي حرف النبات و الرابعوالعشرون الخاء و هي حرف الحيوان و الخامس والعشرون الذال و هي حرف الملائكة والسادسوالعشرون الضاد و هي حرف الجنّ و السابعوالعشرون الظاء و هي حرف الانسان والثامنوالعشرون الغين و هي حرف الجامع الكلّي7.
و هذه الحروف هي اصول الموجودات و عليها اجتمعت الامور كلّها لانّ جميع ذرّات الكاينات ممّا هو في الوجود المقيّد كلّها لاتخلو من هذه الحروف الاّ انّ تركيب بعضها من بعضها اظهر والاّ فكلّ شيء فيه هذه الحروف كالانسان فانّه مركّب من القوي الاربع التي هي الصفراء و الدم و البلغم و السوداء مع انّك تقول في بعض الامزجة انّها صفراويّة او دمويّة او بلغميّة و هكذا و ذلك لغلبة ظهور تلك القوّة و خفاء القوي الاخر لا عدمها بالمرّة و كذلك اذا رأيت في بعض الموجودات لا ذكر لبعض هذهالاحرف فيها و ذلك واضح ظاهر انشاءاللّه فهذه الحروف هي الاصل لكلّ شيء و الدليل علي كلّ شيء لانّ الاشياء تعرف بحدودها و مباديها و اسبابها و هي هذه الاحرف و بها تفريق كلّ اسم حق او باطل الخ لانّ الادراك و العقل و التمّيز بها يحصل فيحصل الفرق بين الامور التي ذكرها7.
ثمّ لمّا كان الفعل هي الكلمة التي
«* جواهر الحكم جلد 4 صفحه 152 *»
انزجر لها العمق الاكبر كما قال تعالي انّما امره اذا اراد شيئاً انيقول له كن فيكون و هذه الكلمة تتحقّق بنقطة و الف و حروف و تأليف كانت الحروف اشارة الي حروف الكلمة الايجاديّة و هي المرتبة الثالثة منها و المشيّة اشارة الي النقطة منها و الارادة الي الالف و لمّا كانت النقطة و الالف لا ظهور لهما الاّ بالحروف جعَلَها اوّلاً و يحتمل انتكون الحروف اشارة الي المرتبة الثالثة من مراتب الفعل عند التعلّق بالمفعول فانّ اوّل مراتبه عند التعلّق هو المشيّة بمعني الذكر الاوّل و ثانيها الارادة و هي العزيمة و ثالثها القدر و هي الهندسة و الحدود و الاوضاع و الكلمة مجموع عالم الوجود المقيّد فنقطتها هي الكون و الوجود مبدء هذا العالم و الفها هي الماهيّة والصورة متعلّق الارادة و الفها هو القدر و هو الحدود و الاوضاع و الاشخاص و القرانات و العلل و الاسباب و المبادي و كلّ ما في الوجود المقيّد منشأه و اصله و دليله هذاالمقام و يحتمل انتكون الحروف اشارة الي الحروف العاليات حروف الاسم الاعظم و هي اربعة في الدال و سبعة في الحمد و ستّة فيه بالتنزيل و اثنيعشر فيه بالضرب و اربعهعشر فيه بالجمع و التثنية و ثمانية و عشرون في الدنيا و الاخرة و تسعة و عشرون فيهما و البرزخ و ثلثة و ثلثون عند السير في ميادين التوحيد في رتبتي الاجمال و التفصيل و هذه الحروف هي اوّل ماخلقه اللّه تعالي بالابداع و المشيّة و الارادة و جَعَلَها اصلاً لكلّ شيء و دليلاً علي كلّ مدرك و فاصلاً لكل مشكل و لذا قال انّه حلاّل المشاكل و بها تفريق كلّ اسم حق او باطل لانّه فصل الخطاب و في الزيارة و فصل الخطاب عندكم و ايات اللّه لديكم و عزائمه فيكم و نوره و برهانه عندكم و امره اليكم فاذن اجتمعت الامور كلّها عليها و ذلك واضح ظاهر.
و لمّا كان لكلّ حقيقة غيبيّة مظهر في عالم الحسّ و الشهود صارت الحروف اللفظيّة و الرقميّة صفة حاكية لها في هذا العالم و الحروف الفكريّة و العدديّة حاكية لها و واصفة ايّاها حيث انّ الاثر علي هيئة مؤثّره و يشابه صفة فعله فجرت الحروف اللفظيّة حاملة لظهورات اثار الحروف المعنويّة الباطنيّة فحكت مثالها
«* جواهر الحكم جلد 4 صفحه 153 *»
و ظهرت علي عددها و صفتها و هيئتها و دلالتها و ترتّبت عليها اثارها و لمّا كان كلّ شيء من حيث هوهو مع قطع النظر عن جميع الاضافات و القرانات و الروابط و العلل و الاسباب و المبادي و الاحوال و الافعال و الاطوار و الاوطار و الاكوار و الادوار و ساير مقتضياتها لايحكم عليه و لا به لانّه مجرّد عن جميع النسب فاين الحكم و الحمل و انّما النسب و الاضافات و الاحكام لانحاء الروابط الغيريّة قال7 كما هو الواقع و لميجعل للحروف في ابداعه لها معني غيرانفسها يتناهي في الجعل الاوّل اذ ليس لها معني الاّ نفسها و هي النفس التي من عرفها عرف ربّه و المراد بالنفس هي الشيء من حيث هوهو لا بملاحظة الامر المضاف او المنسوب اليه و لذا قالوا انّ اجتماع النقيضين و ارتفاعهما في المرتبة يجوز و يريدون مرتبة الشيء من حيث نفسه مع قطع النظر عن النسب الخارجيّة من كونه مركّباً او بسيطاً او عالياً او سافلاً و جميع الاحوال التي تصير مناطاً للحمل و الحكم المستلزمين للنسبة و الصفة و كذلك الحروف اللفظيّة من حيث نفسها لاتدلّ الاّ علي نفسها امّا الدلالة علي الامور الغيرالمتناهية لا تكون الاّ بالتركيب و التأليف و البسط و المزج و غيرذلك من الاحوال كما سيأتي بعض بيانه انشاءاللّه تعالي فيكون حاصل معني الكلام انّه تعالي لميجعل ابداع الحروف لمعني معيّن متناه غير انفسها بل انّما معانيها المتناهية هي انفسها لاغير و امّا مايعني بتراكيبها فهي غيرمتناهية و هي في الحقيقة معاني تراكيبها لا معاني انفسها البسيطة ثمّ انّه7 اراد انيبيّن انّ الحقايق الكونيّة و الذوات المتأصّلة و ان كانت تتراءي في بادي النظر انّها امور متحقّقة ساكنة ثابتة الاّ انّها دائمة الحركة سريعة الذوبان و الفنا بل لابقاء لها الاّ حين وجودها وقت وجودها كما قال عزّ و جلّ و تري الجبال تحسبها جامدة و هي تمرّ مرّ السحاب قال7 و لا وجود لها لانّها مبدعة بالابداع اي لا بقاء لها و لا تحقّق بل لا وجود لها الاّ حين صدورها عن الفعل و لذا تري انّك اذا سكتّ عن الكلام بطل و اضمحلّ و اذا اردت ان تبقيه و تثبته لابدّ من انتكرّر الفعل و الابداع و لذا شرط اهل النحو
«* جواهر الحكم جلد 4 صفحه 154 *»
في الفعل الزمان و التجدّد و لمّا كانت الاشياء انّما كانت شيئاً بالمشيّة فاذا كانت المشيّة متجدّدة غيرقارّة و لا ثابتة بالنسبة الي مبدئها و باريها كذلك الاشياء التي هي الحروف للكلمة الاولي التي تكلّم اللّه بها بالمشيّة فلاوجود للحروف قارّة في زمان بل وجودها و عدمها و مجيئها و ذهابها مقترنان ممتزجان كالحركة و الزمان لوجوب التشابه بين العلّة و المعلول و قد دلّ الشرع كما في قول اميرالمؤمنين7 علّة ماصنع فعله و هو لا علّة له و دلّ العقل المسدّد بالشرع انّ المشيّة هي الابداع و هي العلّة باللّه لفعل الاشياء و هي متجدّدة سريعة الفناء و الزوال و لذا قال حاملها و محلّها و سرّها9 الفقر فخري و به افتخر كانت المعلولات المصنوعات التي اوّلها الحروف كذلك فلذا ظهرت الحروف اللفظيّة علي طبق الحروف الكونيّة و صارت بحيث لا بقاء لها و لا وجود الاّ حين صدورها من اللافظ المتكلّم.
و اعلم انّ هذا المقام و ان كان مقام اثبات الحركة الجوهريّة و انّ الحوادث في بقائها و استمرارها تحتاج الي العلّة كما تحتاج اليها في وجودها و تكوّنها و ذكر النقوض الواردة و رفعها و بيان انّه لاينافي عينيّة الحشر و النشر و استحقاق الثواب و العقاب و لكنّي تركت ذكرها خوفاً للتطويل و صوناً من اصحاب القال و القيل و لما في قلبي من الكسل و الملل عافانا اللّه و ايّاكم من العيب و الزلل.
ثمّ اراد7 تمثيلاً لهذه الحقيقة الدقيقة و اللطيفة الغامضة بانّ الاشياء و الذوات لا تأصّل لها الاّ حين صدورها و لا بقاء لها اكثر من ذلك الاّ بعون و مددٍ جديد فاشار7 بما مثّل اللّه تعالي في كتابه العزيز بقوله اللّه نورالسموات و الارض مثل نوره كمشكوة فيها مصباح الاية و لاريب انّ الاشعّة متقوّمة بالشعلة المرئيّة التي هي السراج الوهّاج و هو علي ما وصَف اللّه سبحانه مركّب من نار و من دهنٍ فمادام الدهن و النار موجودتان في السراج فالاضاءة موجودة و الاشعّة ثابتة فاذا عدما عدم السراج فعدمت الاشعّة و الدهن و النار المتعلّقة به باتيانه تدريجاً لا دفعةً فالسراج بتجدّد الدهن و النار لميزل طريّاً لا بقاء له الاّ حين وجوده فالاشعّة كذلك لانّها متحقّقة بالسراج و
«* جواهر الحكم جلد 4 صفحه 155 *»
معلولة له فاذا جري التصّرم و التقضّي و التجدّد في العلّة ففي المعلول بالطريق الاولي ثمّ اراد7 تطبيق المثال بالممثّل بالطف الاشارة فقال روحي فداه والنور في هذا الموضع اوّل فعل اللّه الذي هو نور السموات و الارض و الحروف هو المفعول بذلك الفعل و هي الحروف التي عليها الكلام و النور اي السراج في هذا المقام من الاستدلال والاّ ففي المقام الاخر اشارة الي امور اخر يطول الكلام بذكرها و السراج هو المركّب من الدهن و النار المتجدّدين و هو الاشارة الي الفعل و المشيّة فاذا جري التجدّد في المشيّة و الفعل ففي المشاء و المفعول بالطريق الاولي فالفعل هو نور السموات و الارض و المفعول هو السموات و الارض اللذان هما الحروف الكونيّة المعنويّة و هي التي عليها الكلام الالهي فقوله تعالي اللّه نور السموات اشارة الي الاسم المكرّم الحادث عند الفعل بالفعل لا غير و هو منوّر السموات و الارض اي الهادي لهما بالهداية الوجوديّة و التكوينيّة الظاهرة بالهداية التشريعيّة في الوجود الشرعي و الشرع الوجودي هذا اذا جعلت المصدر بمعني الاسم الفاعل امّا اذا جعلته بمعناه فتكون الاشارة الي العلّة الماديّة فيكون الاسم المكرّم الذي هو نور السموات و الارض تأكيداً و صفة للاسم الذي هو منوّر السموات و الارض كقولك ضربت ضرباً في قوّة قولك ضربت ضربت فالصورة واحدة و المعني كما قال الحجّة7 في دعاء رجب لا فرق بينك و بينها الاّ انّهم عبادك و خلقك فتقها و رتقها بيدك بدؤها منك و عودها اليك الدعاء فافهم.
اخاف عليك من غيري و منّي | و منك و من زمانك و المكان | |
فلو انّي جعلتك في عيوني | الي يوم القيمة ماكفاني |
و لمّا كان الحروف اللفظيّة علي طبق الحروف الكونيّة عطف7 القول اليها و قال و هي الحروف التي عليها الكلام اي الحروف التي لا وجود لها الاّ حين صدورها هي الحروف التي عليها الكلام و السموات حينئذ الالف اللينيّة و الالف القائمة المتحرّكة و الارض الباء التي هي الالف المبسوطة و النور في هذا
«* جواهر الحكم جلد 4 صفحه 156 *»
الموضع هو النقطة الجوهريّة الغيبيّة الظاهرة في النقطة التي هي مبدأ الالف التي هي مبدأ الباء فالنقطة الاولي هي النفس الرحماني الاوّلي و الثانية هي الثانوي و هي النقطة التي تحت الباء اي لبّها و سرّها و غيبها و هي الالف القائمة و النقطة التي سرّها و غيبها و تحتها هي الالف اللينيّة و التي سرّ الالف اللينيّة و غيبها و تحتها هي النقطة الثانية المعبّر عنها بالنفس الرحماني الثانوي و هي الاولي في المقام الثاني و سرّها و غيبها و تحتها النقطة الاولي التي هي نورالسموات و الارض و الي الجميع الاشارة بقول مولينا اميرالمؤمنين7 و انا النقطة تحت الباء فافهم و لاتكثر المقال فانّ العلم نقطة كثّرها الجهّال.
([3]) في البحار هنا زيادة: فلمّا رأي الاشياء قد انقادت له
([7]) الحرافة: طعم يلذع اللسان بحرارته. المنجد
([8]) زُبانَيا العقرب: قرناها. المنجد