شرح العرشية الجزء الاول – القسم الاول
من مصنفات الشیخ الاجل الاوحد المرحوم
الشیخ احمدبن زین الدین الاحسائی اعلی الله مقامه
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 2 *»
بسم اللّه الرحمن الرحيم
الحمد للّه ربّ العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم الدين ايّاك نعبد و اياك نستعين اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين انعمت عليهم غير المغضوب عليهم و لا الضاۤلّين و صلي اللّه علي الامين محمد و اله الميامين الذين بيّنوا الدين و اوضحوا الحق المبين بالادلة الموصلة الي اليقين صلي الله عليه و عليهم اجمعين .
امّا بعد فيقول العبد المسكين احمد بن زينالدين الاحساۤئي انّ جناب المحترم الممجد و المعظم المسدّد الاخوند الملّا مشهد بن المرحوم المبرور العلي الملا حسينعلي الشبستري رفع اللّه قدره و شأنه و علّا في درجات المعالي و التوفيق مكانته و مكانه قد التمس منّي ادامَ اللّهُ توفيقه و جعل امدادَه بكل ما تقرّ به العين من احوال الدارين رفيقه اَنْ اشرح الرسالة المسمّاة بالعرشيّة للعالم الجليل الفاخر و الحكيم المتوغّل الماهر محمد بن ابراهيم الشيرازي المعروف بملّا صدرا التي وضعها في بيان النشأة الاخري مع ما انا عليه من الاشتغال بكثرة الاعراض و مداومة الامراض مضافاً الي قلّة البضاعة و كثرة الاضاعة فاستعفيتُه مرة بعد اُخري فلميعفني من ذلك و حيث لايمكنني ردّه بالاكراه اجبته علي حسب ما يسهل عليّ من المقدور اذ لايسقط الميسور بالمعسور و الي الله ترجع الامور .
قال المصنّف { بسم اللّه الرحمن الرحيم الحمد للّه الّذي جعلنا ممّن شرح صدره للاسلام فهو علي نور من ربه و اوجدنا من عباده الذين اتاهم رحمة من عنده و علما من لدنه و هداهم الي صراط الله الحق باليقين و جعل لهم لسان صدق في الاخرين .}
اقول كلامه هذا كله مقتبس من ايات القرءان و اشار بقوله ممن شرح صدره للاسلام الي ان ما يخوض فيه من الابحاث من تحقيقاته صادر عن البراهين القطعية الناشية عن العلوم اللدنية التي هي ثمرات الرحمة العندية
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 3 *»
اقتبسه مما قال تعالي للخِضر عليه السلام في قوله فوجدا عبداً من عبادنا اتيناه رحمة من عندنا و علّمناه من لدنّا علماً و انما ادّعي ذلك لانه يري ان ما ادّاه نظره اليه حق لا شك فيه لان ذلك النظر كان عن الكشف بسبب التدبر في الافاق و في الانفس و العلم الناشي عن ذلك هو العلم اللّدني
و اقول ان الكشف علي قسمين قسم يكشف الناظر به عن حقيقة ما يتدبر فيه و ينظر و ليس له لحاظ غير ذلك فاذا انقطع عما سوي تدبّر الاية ظهر له بعض ما فيها من الايات و العنوانات لان كل شيء خلقه الله تعالي في تقدير الله جعله دليلا و مدلولا عليه و شاهداً و مشهودا و كتابا و مكتوباً و بيانا و مبيّنا و تابعا و متبوعا و عارضا و معروضا و علة و معلولا و امثال هذه فاذا نظر في الاية متدبّراً لها غير ملتفت الي ما يفهم قبل و لا الي قواعد عنده و لا الي ما انست به نفسه من المساۤئل فانه ينفتح له بنسبة اقباله و اخلاصه في اقباله و ما حصل له من الايات و الدلالات فلا شك في صحّته و قطعيته و ذلك العلم لَدُنّيٌّ قال سبحانه و كذلك نري ابراهيم ملكوت السموات و الارض و ليكون من المُوقنين و قال تعالي في الحديث القدسي مَن اخلص للّه العبوديّة اربعين صباحاً تفجّرت ينابيع الحكمة من قلبه علي لسانه الحديث ، و هذا هو الذي يصح فيه قوله تعالي و الذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا و ان الله لمع المحسنين ، و قسم يكشف الناظر به عن حقيقة خصوص مقصوده فان انقطع في النظر في الافاق و في الانفس تحصيلاً لتصحيح معاندته و مكابرته للحق او للغير حصل له شبه قويّة و عبارات متينة و تدقيقات خفيّة تؤيّد باطله لايكاد يتخلّص منها و يردّها و يعرف وجه بطلانها الّا صاحب الكشف الاوّل و الافاق و الانفس و ان كانتا لميُخلقا باطلا و لا عبثا الّا انه سبحانه لمّا اجري حكمته علي الاختبار و الامتحان ليميز الخبيث من الطيب فقال تعالي ان الساعة اتية اكاد اخفيها لتجزي كل نفس بما تسعي و لان الخبيث يشابه الطيّب قال تعالي و مثل كلمة طيبة كشجرة طيبة و قال تعالي و مثل كلمة خبيثة كشجرة خبيثةٍ فشبّه كلّا منهما بالشجرة و كذا في اية فاحتمل السيل زبدا رابيا و مما توقدون عليه في النار
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 4 *»
ابتغاۤء حلية او متاع زبد مثله كذلك يضرب الله الحق و الباطل و ذلك لما بين الضدين من كمال المعاكسة حتي انه يعرف الشيء بضده و كل ذلك لفائدة التمييز و الاختبار و لذا قال عليه السلام لو خلص الحق لميخف علي ذي حِجيً و لكن يؤخذ من هذا ضغث و من هذا ضِغث فيمزجان فهنالك هلك من هلك و نجا من سبقت له من الله الحسني ، او كما قال فيعرف المعاند من المشابهات شُبَهاً يؤيّد باطله و مثل هذا في عدم الاصابة من انقطع في النظر في الافاق و في الانفس لتحصيل ما يؤيد ما اَنِست به نفسه من الاعتقادات او المساۤئل فانه يحصل له منهما ما يؤيّد ما في نفسه و مثل هذا ايضا مَن كان عنده قواعد و ضوابط لما يعلم و يعتقد فينظر في الافاق و في الانفس ليحصل له ما يقوّي ما عنده من العلوم فاذا ظهر له شيء منهما عرضه علي قواعده فان وافق قَبِله و ان خالف تأوّله او طرحه و لعلّ الخطأ في قواعده فالكاشف علي نحو واحد من هذه الثلثة لايكاد يصيب الحق الّا نادراً بخلاف الاوّل فانه لايكاد يخطئ الحق مع ان كل واحد من الاربعة يدّعي الصواب و هي دعوي باطلة الا ان يشهد الله سبحانه بصحّتها و ذلك بما انزل في محكم كتابه و اوحي الي نبيه صلي الله عليه و اله و الهم اولياۤءه اهل البيت عليهم السلام فاذا اختلفت الاربعة فعليهم الترافع الي محكم الكتاب و السنة فمن شهِدا له بالصدق فهو الصادق و من لميشهدا له فاولٰۤئك هم الكاذبون
و المصنف في كل كتبه و رساۤئله يدّعي المرتبة الاولي و لهذا قال هنا جعلنا ممَن شرح صدره للاسلام فهو علي نور من ربّه و كون المرء علي نورٍ من ربّه انما يعلم اذا كان سالكاً طريقةَ محمد و اهل بيته صلي اللّه عليه و اله بحيث لايقول الّا ما قالوا و يتجنّب كلّ مَن سواهم فان الذين هداهم اللّه الي صراط الله الحق باليقين هم محمد و اهل بيته الطيبون صلي الله عليهم اجمعين و مَن تَبِعَهم في اقوالهم و اعمالهم و اهتدي بهديهم و استضاۤء بنورهم لانهم هم الذين احيوا دين ائمتهم عليهم السلام و ليس منهم مميتالدين و لا اهل التلوين الّذين اخذوا ذات الشمال في ساۤئر الاقوال و الاعمال و هم يحسبون انهم يحسنون صنعاً و في
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 5 *»
عبارته عكس الترتيب الطبيعي حيث جعل الجعل ممّن شرح صدره للاسلام مقدّماً علي الايجاد من الذين اتاهم رحمة من عنده و امّا الذين جَعل الله لهم لسان صدق في الاخرين فهم محمد و اله صلي الله عليه و اله و شيعتهم المتبعون لهم في كل ما اراد الله منهم و هذا انشاۤء اللّه تعالي ظاهر لا شك فيه و لا شبهة تعتريه .
قال { و الصلوة علي خير من انزل عليه الكتاب و اشرف مَن اوتي الحكمة و فصل الخطاب محمد و اله الفائزين من ميراث النبوة و الحكمة بالحظ الاوفي و القدح المعلي عليهم السلام و لهم الدعاۤء من الحق الاعلي .}
اقول ان المصنّف ليس له التفات الي غير مطلبه غالباً و لهذا لميكن في خطبته ما يدلّ علي براعة استهلالٍ كما يفعله كثير من العلماۤء حتي ان قوله فيما تقدم و هدٰاهم الي صراط اللّه الحق باليقين لميرد به الاستهلال و الاشارة الي ان ما ذكره في هذه الرسالة الصراط و معناه و كيفيته و لا عيب في امثال ذلك لانّها امور لفظيّة لميتعلّق بها امر اخرويّ
و قوله القدح المعلّي بكسر القاف و هو السّابع من سهام الميسر قال الاميرزا محمد المشهدي بن محمدرضا بن اسمعيل بن جمالالدين القمّي في تفسيره المسمي بكنزالدقاۤئق و بحرالغراۤئب في تفسير قوله و ان تستقسموا بالازلام ، من عيونالاخبار عن ابيجعفر محمد بن علي الباقر عليهما السلام انه قال كانوا يعمدون الي الجزور فيجزّؤنه عشرة اجزاۤء ثم يجتمعون عليه فيخرجون السهام فيدفعونها الي رجل و هي عشرة سبعة لها انْصِباۤء و ثلاثة لا انصباۤء لها فالتي لها انصباۤء فالفذّ و التوءم و المسبل و النافس و الحلس و الرقيب و المعلّي فالفذّ له سهم و التوءم له سهمانِ و المسبل له ثلثة اسهم و النافس له اربعة اسهم و الحلس له خمسة اسهم و الرقيب له ستّة اسهم و المعلّي له سبعة اسهم و التي لا انصباۤءَ لها السفيح و المنيح و الوغد و ثمن الجزور علي من لميخرج له من الانصباۤء شيء و هو القمار فحرّمه الله تعالي و في تفسير علي بن ابراهيم مثله ثم قال بعد كلام و معني تجزئته عشرة اجزاۤء اشتراۤؤه فيما بين
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 6 *»
عشرة انفس كما ذكر في حديثِ الجواد عليه السلام لا تجزئة لحمه و الفذ بالفاۤء و الذال المعجمة المشدّدة و التوءم بالتاۤء المثناة الفوقانية و الهمزة و المسبل كمُحْسِن بالسين المهملة و الباۤء الموحّدة و النافس بالنون و الفاۤء و السين المهملة و الحِلس بكسر الحاۤء و سكون اللام و السين المهملة و قد يحرك و الرقيب بالقاف و الراۤء علي وزن فَعِيل و المعلّي بضم الميم و سكون العين و فتح اللام و السفيح بالسين المهملة و الفاۤء و الحاۤء المهملة علي وزن فَعيل كالمنيح بالنّون و الحاۤء المهملة و الوغد بالواو و الغين المعجمة و الدال المهملة و قيل معني الاستقسام بالازلام طلب معرفة ما قسم لهم بالاقداح يعني السهام و ذلك انهم اذا قصدوا فعلاً ضربوا ثلثة اقداح مكتوب علي احدِها اَمرني ربّي و علي الاخر نهاني عنه و علي الثالث غفل فان خرج الامر مضوا علي ذلك و ان خرج الناهي تجنّبوا عنه و ان خرج الغَفل اجالوها ثانيا و في بعض الاخبار ايماۤء الي ذلك انتهي ، و في الرسالة الفَرقيّة للشيخ يحيي بن عشيرة البحراني من تلامذة الشيخ علي بن عبدالعال الكركي ذكر مثل ما تقدم ثم قال رواه علي بن ابراهيم في تفسيره و كانت قريش تستقسم بالازلام في طلب الارزاق و كانوا يتفأّلون بها في اسفارهم و ابتداۤء امورهم و هي سهام مكتوب علي بعضِها امرني ربّي و بعْضها نهاني ربّي و بعضها لميكتب عليه شيء فبيّن الله ان العمل بذلك حرام انتهي ، اقول و الموجود في كتب اللّغة تقديم بعض السهام و تأخير بعض فيجعلون الرقيب هو الثالث و المسبل هو السادس و الحلس هو الرابع و النافس هو الخامس كما في القاموس و غيره و في القاموس ايضا المعلّي كمعظّم اي
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 7 *»
بضم الميم و فتح العين ثم اللام المشدّدة المفتوحة و اعلم اني انّما اطلتُ في ذكر القدح المعلّي مع عدم فائدة تتعلق منه بما نحن بصدده۪ لاتفاقِ بعضٍ سألني عنه مكرّرا فذكرتُ سؤاله فاستطردت ذكره و عسي ان ينتفع به لو وقف عليه و لكثرة ما تذكره العُلماۤء مثالاً لبعض مَن نال نص۪يباً وافراً من مطلبه و قوله و لهم الدعاۤءُ من الحقّ الاعلي ، يَحتملُ وجوهاً و المصنّف ربّما اراد وجهاً منها اوْ اكثر منها انّ دُعاۤء اللّٰهِ سبحانه لعبادِه۪ باوامره و نواهيه و ما ندب اليه مما احبّ و كره انّما هو لهم عليهم السلام اي تأسيس و تشييد لولايتهم و تعريف لمراتبهم و ثناۤء عليهم باَلْسنةِ فراۤئضه و عزاۤئمه و نوافله و هذا الوجه اعلي الوجوه و اشرفها و هو طريق اولياۤئه اليهم عليهم السلام و قيل انّ الالواح التي نزلت فيها التورية تسعة اظهر موسي عليه السلام منها سبعة و اخفي اثنين و الذي اعرف ان هذا الوجه مما في اللوحين المخفيّين عن بنياسراۤئيل و منها انّ الدعاۤء بل ساۤئر الاعمال لهم عليهم السلام لان جميع اعمال العبدِ و مكاسبه لسيّده لايَمْلِكُ منها شيئا و علي السّيّدِ القيامُ عَلَي عَبْدِه۪ بما فيه بقاۤؤهُ و الي هذا المعني اشار عليه السلام في الزيارة الجامعة المختصة بشهر رجب في قوله انا ساۤئلكم و آمِلُكم فيما اليكم التفويض و عليكم التعويض يعني تعويض العبيد العاملين علي اَعْمالِهمْ الصحيحة و طريق التصحيح ما دلّوا عليه عبيدهم من الاقتداۤء بهم بان يوقعوا جميع اعمالهم لله سبحانه مخلِصين له وحده لا شريك له علي طبق ما امرهم تعالي به من الاقتداۤء بهم و التمسُّك بحبلهم و اخلاص الولاية لهم و البراۤءة من اعداۤئهم و قد امروا بذلك عبيدهم عن امر ربّهم و خَالقهم عز و جل فاذا عملت العبيد اعمالهم علي هذا النحو صحّت اعمالهم و قُبِلت اي قبلها الله سبحانه منهم و اَهْدَاها الي ساداتهم و مواليهم و عَلَي ساداتهم عليهم السلام تعويضهم عن اعْمالهم و حيث كان خلقُ العبيدِ لهم فضلاً من اللّه و منّاً عَليهم و تكَرُّماً اتمّ نعمته عليهم عليهم السلام اَن عوّض العبيد عن امتثال امره بما فيه بقاۤؤهم و صلاح دنياهم و آخرتهم و فوّض ايصال ذلك اليهم الي ساداتهم عليهم السلام علي حسب ما اريهم من تأويل قوله هذا عطاۤؤنا فامنن او اَمْسكْ بغير
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 8 *»
حسابٍ ، و منها انّ الدعاۤء لهم من الحق الاعلي هو الصّلوة عليهم قال تعالي هو الذي يصلي عليكم و ملاۤئكته و ذلك في قوله انَّ اللّه و ملاۤئكته يصلّون علي النّبي يا ايّها الّذين امنوا صلّوا عليه و سلّموا تسْليماً فان اريد من الدعاۤء لهم من الحق صلاته ففي قوله تعالي هو الذي يصلّي عليكم و ملاۤئكته و قوله تعالي انّ الله و ملاۤئكته يصلون علي النبي و ان اريد من الخلق بامر الحق سبحانه ففي قوله تعالي يا ايها الذين امنوا صلّوا عليه و سلّموا تسليماً اي صلوا عليه و علي اله و سلموا الامر كلّه لهم و منها ان المعني عليهم السلام قوله اعلي الله مقامه و منها اي من المعاني التي يحتمل العبارة ان المعني اي ان معني العبارة عليهم السلام يعني معني لهم الدعاء عليهم السلام يعني ان معني الدعاء السلام و لهم بمعني عليهم فلهم الدعاء اي عليهم السلام و ذلك ظاهر ، محمدكريم .
و الدّعاۤء لهم اي نسلِّم عليهم و ندعو لهم من اللّه بان يعجّل فرجهم و يسهّل مخرجهم وَ امثال هذا من خصوص الدّعاۤءِ و منها انّ الدعاۤء لهم من الحقّ تعالي امر عباده بولايتهم و الاقتداۤء بهم و الرد اليهم و التّسل۪يم لهم و بالبراۤءة من اعداۤئهم .
قال { فيقول العبد الذليل المحتاج الي عفو ربّه الجليل محمد الشيرازي المدعو بصدرالدين جعل الله قلبه منوّرا بنور المعرفة و اليقين هذه رسالتي اذكر فيها طاۤئِفةً من المساۤئل الربوبيّة و المعالم القدسية الّتي انار اللّه بها قلبي من عالم الرحمة و النور و لميكن وصلت اليه ايدي افكار الجمهور و لميوجد شيء من هذه الجواهر الزواهر في خزانة احدٍ من الفلاسفة المشهورين و الحكماۤء المتأخّرين المعروفين حيثُ لميُؤتَوا من هذه الحكمة شيئا و لمينالوا من هذا النور الا ظِلّاً و فَيْئا اذ لميأتوا البيوت من ابوابها فحرموا من شراب المعرفةِ بسَرابها بل هذه قوابسُ مقتَبَسةٌ من مشكوة النبوة و الولاية مستخرجة من ينابيع الكتاب و السّنة من غير ان تكتسب من مناولة الباحثين او مزاولة صحبة المعلّمين .}
اقول قوله اذكر فيها طاۤئفة من المساۤئل الربوبية الخ ، مثل قوله في المشاعر و قد نبّهتُ علي كثير من بطلان دعواه هناك في شرحنا علي المشاعر و
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 9 *»
ربّما نذكر هنا شيئا يظهر للناظر فيه بطلان هذه الدعوي في كثير من كلامه و انّه ماخرج عن طريقة الباحثين و المعلمين الّا في بعض المواضع فانه خرج عن بعض كلامهم الي اسوء مما قالوا و اقبح مما ذكروا و ان كان قولهم اكثره لايجري علي قواعد الدين و لاينطبق علي سنة سيد المرسلين صلي اللّه عليه و اله اجمعين و ذلك لان دعواه انه لايقول الّا بقول محمدٍ و اهل بيته الطاهرين صلَّي الله عليه و اله الطيّبين و لو كان الامر كما قال لماذهب الي ان الخلق من الله سبحانه بالسِّنخ و هذا المذهب عند اهل البيت عليهم السلام كفر و زندقة و لماقال بسيط الحقيقة كل الاشياۤءِ و معطي الشيء لَيْس فاقِداً له في ذاتِه۪ لا في ملكه و امثال ذلك مما ينكرونه و يبرءون منه و ممَّنْ ذَهَب اليه و يأتي بيان كثير من بطلان دعواه في مواضعها
و المراد بالمساۤئل الربوبيّة المساۤئل التي يبحث فيها عن بيان صفات الربوبيّة و اَفعالِها و الربوبيّة يطلق علي شيئين احدهما الربوبية اذلامربوب و هذه هي ذاتُ اللهِ القدسيّة عزّ و جلّ و لايجوز الكلام عند اهل البيت عليهم السلام فيها لاحدٍ من الخلق لا ملك مقرّب و لا نبي مرسل اسمع قول الصادق عليه السلام كما رواه الشيخ في المصباح في دعاۤء يوم الاربعاۤء قال عليه السلام اللّهمّ فُتَّ ابصار الملاۤئكة و علمَ النبيين و عقول الانسِ و الجنِّ و فَهْمَ خيرتِك من خلقِك القاۤئِم بحجّتِكَ و الذاۤبّ عن حَرمك و الناصحِ لعبادِك و ف۪يك الصابرِ علي الاذي و التكذيب في جنبِك و المبلّغ رسالٰاتِك الدعاۤء ، فاذا كان سبحانه فاتَ اَبْصَارَ الملاۤئكة اَن تدركَهُ و علم النّبيين ان يحيطَ به و عقول الانسِ و الجنّ ان تُميِّزَهُ وَ فَهْمَ رسول اللّهِ صلّي اللّٰهُ عليه و اله ان يكتنِهَهُ فكيف يكتنهه المصنّف و لاتتوهّم من قوله انه لايكتنهه احد و لايدّعي ذلك فانّ تمييزه بالصفات الكاشفة له هو اكتناهه و هو يدّعي معرفة حقيقةِ الوجود و انّها حقيقة واحدة فصرف الوجود هو الحق تعالي و الوجودات الحادثة انّما لحِقتْها النقاۤئص من مراتب تنزّلاتها و بتلك النقاۤئص العارضة لها من مراتب تنزّلاتها نسب اليها الحدوث و لفظ الوجود صادق علي صرف الوجود و عليها بالاشتراكِ
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 10 *»
المعنوي و قوله انّها منه بالسّنخ و امثال هذه العظاۤئم الدّاۤلة علي الاكتناه و ستسمع كثيرا منها و اذا سمعتَ شيئاً مما نقول به من الصفات و الاوصاف و الاسماۤء فلانعني بها الّا القسم الثاني مما تطلق عليه الربوبيّة و لانريد القسم الاول فانا نعوذ باللّٰهِ ان نتكلّم فيه و نبرأ الي اللّه تعالي من ذلك و ثانيهما الربوبيّة اذْمربوب و نعني بها الفعل بجميع اَقْسَامه من المشيّة و الارادة و الابْداع و غيرها و المقامات و العلامات الّتي لا تعطيل لها في كلّ مكانٍ و هو المسمي بالعنوان اي الاية و الدّليل و مع هذا فنتكلم فيهما بما تكلّم به محمد و اله الطيبون صلي اللّه عليه و اله و المعالم القدسيّة القول فيها كالقول في المساۤئل الربوبيّة و قوله التي انار اللّه بها قلبي من عالم الرحمة و النور نريد به نحن ما يحصّله المؤمن من نور العمل الصالح الخالص المقبول لانه من صبغ الرحمة اي من هيئة الولاية اعني حدود الايمان و امتثال اوَامرِ اللّٰهِ و اجتناب نواهيه و هو الماهِيّة المعبّر عنها بالصّورة لانّ الماهية هي صورة الاجابة او الانكار فان اجاب حين قال تعالي له الستُ بربِّك و محمد نبيّك و علي و ذرّيّته الطيبون اولياۤؤك و ائمتك صُوِّرَ علي هيئة الولاية و هي المراد من الصبغ في الرحمة كما ذكره جعفر بن محمد عليهما السلام في قوله انّ الله خلق المؤمنين من نوره و صبغهم في رحمته الحديث ، و هو صورة الاجابة بالاقوال المرضية و الافعال الزكية و الاعمال الصالحة و ان انكر ذلك صُوِّرَ علي هيئة العداوة و هي الصبغ في الغضب و هو صورة الانكار بالاقوال الوقيحة و الافعال القبيحة و الاعمال الغير الصحيحة وَ مَا يحصّله من نور الاعتقادات الصحيحة التي اتت بها الشريعة المحمديّة لانه من النور الذي خلق منه المؤمن اعني الماۤدّة المنيرة بنور الامتثال المشفوع بصحيح الاعمالِ و المراد به الوجود اعني مادة المؤمن فالنور الذي يستنير به القلب في الحقيقة هو ما كان من نور المادة اعني الوجود الذي هو شعاع من نور النبوة و من نور الصورة اعني الماهية المطمئنة التي هي من هيئة الولاية و لو اكتسب من غير نور النبوة و هيئة الولاية بان اعتقد غير ما دلّوا عليه عليهم السلام
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 11 *»
و قال غير ما قالوا و عمل بغير ما امروا به و اجتنب غير ما نهوا عنه كان مظلماً و من الناس من يعجبك قوله في الحيوة الدنيا و يشهد الله علي ما في قلبه و هو الدّ الخصام و هم يحسبون انهم يحسنون صنعاً هذا هو الذي نريد بما يُنيرُ به اللّهُ قلب عبده المؤمن و امّا ما يريد المصنّف فهو ما حصل بالكشف و الرياضات و قد بيّنّا لك فيما سبق حال اهل الكشف فانهم لايكونون كلهم مصيبين لما ذكرنا و لهذا تراهم يختلفون و تقع بينهم مباينة ابعد مما بين السّماۤء و الارض لانهم لميكونوا طالبين من طريق واحد و دليل واحدٍ حتّي لو اختلفت افهامهم و مذاقاتهم رجعوا الي ذلك الطريق الواحد فيؤلّف بينهم و يجمعهم بل كانت ادلّتهم مختلفة و مطالبهم مختلفة كما ان افهامهم مختلفة فيقع بينهم التباين و الاختلاف و لايزالون مختلفين و قوله و لميكن وصلتْ اليه ايدي افكار الجمهور صحيح فانّ اكثر ما ذكره لميتنبَّهْ اكثرهم له و لكنه لايلزم من ذلك كونه صحيحاً و ستقِف علي كثير ممّا اقوله و يظهر لك صحة قولي اذا وزنْتَه بميزانِ اَهْلِ الحق عليهم السلام و قوله و لميوجد شيء الخ ، بلي قد وُجِدَ في مرابطِ كثيرٍ منهم كثيرٌ مثل معني انّ كل شيء في ذات الحق بنحوٍ اشرف فانّ معطي الشيء ليس فاقداً له في ذاته و هذا موجود في كلام كثير من الحكماۤء مثل ابينصر الفارابي فانه قال واجب الوجود مبدأ كل فيضٍ و هو ظاهر علي ذاته بذاته فهو الكل من حيث لا كثرة فيه فهو من حيث هو ظاهر ينال الكل من ذاته فعلمُه بالكلِّ بعد ذاته و علمِه بذاته و يتّحد الكل بالنسبة الي ذاته فهو الكل في وحدةٍ انتهي ، و هذا عنده من الجواهر الزوٰاهر حتي طمِع به و بامثالِه علي ضاۤلّين سبقوه اليها حتي نسب تلك الضلالة و امثالها الي نفسه مع انّ ابانصر من جملة ائمّته و مع هذا يزعم انه مذهب امامنا و اِمامُنا اميرالمؤمنين عليه السلام قال انتهي المخلوق الي مثله و الجأه الطلب الي شكله و لميقل عليه السلام انتهي المخلوق الي خالقه و الجأه الطلب الي صانعه و موجده و قوله حيث لميُؤْتَوا من الحكمة شيئا علي مراده ليس بصحيح و امّا
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 12 *»
علي مقصده فقد اوتوا شيئا و حُرِموا اشياۤء و قوله و لمينالوا من هذا النور الّا ظِلّا و فيئاً هو يريد به انهم انما نالوا ظلا و فيئا و يريد بالظلّ و الفيء عكس النّور اي الظلمة و الظّلّ يُستعمل بمعني الظّلمة عكس النور و يستعمل بمعني نور النّور و مدّعاه الاستعمال الاوّل و ما في نفس الامر انّه جري عليهم القدر بالامرَيْنِ و الفيء هو الظّل او الظل يخصّ الاوّل الي ما قبل الزوال و الفيء يختص بما بعد الزوال لانه من فاۤء بمعني رجع و هو ما وجد بعد عدمه اوْ ما زاد بعد نقصه و قوله اذ لميأتوا البيوت اي المعرفة او اهل المعرفة و خزّانها عليهم السلام مِن ابوابها اي من حيث اُلهِموا او من حيث عُلِّموا او من الوساۤئط و علي الكل تأويل قوله تعالي و جعلنا بينهم و بين القري التي باركنا فيها قُريً ظاهرة و قدّرنا فيها السَّيْر سيروا فيها ليٰالي و ايّاماً آمِن۪ين ، و قوله فحُرِموا من شراب المعرفةِ بسَرابها الّذي يحسبه الظمان ماۤءً اي حُرموا من وُرود حياضها بوُرودِ غياضها يعني حيث وَرَدُوها باراۤئهم و اهواۤئهم و هو الباطل كان ذلك مانعاً لهم من وُرُودِها من حيث اُمِروا به و هدوا اليه من اخذها من اهلها و هو الحقّ وَ ما احَقَّ المصنِّفَ بهذا لو كان يعلم بهدي الله سبحانه و قوله بل هي قوابس مقتبَسة الخ ، قوابس جمع قابس لميسمع جمعه علي قوابس و القابس طالب النار لا النار المطلوبة كما اراده المصنف و لكن الخطب سهل لان المراد معروف و ليس الاشكال في اللفظ و انّما الاشكال في المعني .
قال { ذكرتُها لتكون تبصرةً للسلّاك النّاظرين و تذكرة للاخوان المؤمنين و ان كانت شنعةً للجهّال و الجدليّين و غيْظا لاعداۤء نور الحكمة و اليقين و اولياۤء ظلمات الشياطين المطرودين و لكنّي اعتصمتُ بوجه الله القديم و اولياۤئه من شر عداوة المعاندين و احتجبتُ بملكوته العظيم و انواره من ظلمات اوهام المعطِّل۪ينَ الهي ان افتخرتُ فبما انعمتَ عليَّ و قد امرتَ و امّا بنعمة ربك فحدّث
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 13 *»
و ان اسأتُ او ظلمتُ نفسي فقد استغفرتُ و قد قلتَ و من يعمل سوۤءا او يظلم نفسه ثم يستغفر اللّه يجدِ اللّهَ غفوراً رحيما .}
اَقول قوله و ان كانت شنعةً للجهّال و الجدليّين يشير به الي انّ ما ذكره فيها قد عارضه فيه اهل زمانه لما في معانيها من الشناعة لمخالفة اكثرها لما عليه كاۤفّة المسلمين فان كان هذا الذي ذكره هُو الحق كان رسول الله صلي اللّهُ عليه و اله لميبلّغ الدّ۪ين الي من اتّبعه من المسلمين و يلزم منه الرّد لمحكم الكتاب المبين و الّا كان ما ذكره فيها باطلاً لمخالفته لما عليه كاۤفّة المسلمين الّذين اقرّهم عليه رسول الله صلي اللّه عليه و اله وَ بَشّر مَن اسْتقامَ علي ذلك منهم بالجنّة و قوله و غيظاً لاعداۤء نور الحكمة و اليقين فيه انّه انّما يغيظ مَنْ لميقدر علي تزييفه و ردّه بالادلّة القاطعة و امّا من يظهر له بطلانه بالادلّة القطعية الضروريّة فانه لايغيظه لانه في الحقيقة ليس نوراً للحكمة و اليقين و انما يراه المصنف كذلك و ليس كذلك مثل ما ذكر في اول المشاعر من ان العقل الكلّي و ما فوقه كل الاشياۤء و هذا الكلام عنده من نور الحكمة و اليقين لان العقل عنده بَسيط الحقيقة و بسيط الحقيقة كل الاشياۤء بعين ما قرّره في المشاعر و قد بَيّنّا هناك بطلان كلامه و اَدِلّتِه۪ و يأتي في هذا الشرح عند ذكر المسئلة انشاۤء اللّه تعالي و اقول هنا كلمة يستدلّ بها كل عارفٍ طالبٍ للحقّ و هي كيف يكون العقل بسيط الحقيقة و هو محدث و المحدث لايكون الا مركبا و قد قرّر الحكماۤء ان كل ممكنٍ زوج تركيبي و كيف لايكون محدثا و فوقه غيره في قوله العقل و ما فوقه كلّ الاشياۤء و ايضاً ان علّة العقل غير ذاته فيجب ان يكون ذا جهتين جهة من نحو علته و جهة من نحو معلوليّته اي نفسه و لانعني بالمركب الّا ما هو كذلك
و قوله و لكنّي اعتصمتُ بوجه اللّه القديم يريد به انّه احتجب عن شرّ عداوة المعاندين و تحصّن بوجه اللّه القديم اي بذاته القديمة هذه طريقتهم اذا اطلقوا وجه اللّه يريدون به ذات اللّه و بالقدم المعني المعروف الذي هو ازل
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 14 *»
الازال و نحن اذا قلنا وجه اللّه فنريد به واحداً من امور احدها الوجه هو المقامات و هي من الذاتِ كالقاۤئم من زيد و كالشعلة المرئيّة في السراج من النار و هو اسم الفاعل و مثال الذات الفاعلة و ثانيها الوجه هو الفعل و هو وجه الفاعل الي المفعول و وجه المفعول من الفاعل و ثالثها الوجه هو المفعول الاَوّل الذي مواۤدّ الاشياۤء كلها حِصَص منْ اشعته و هو النور الذي تنوّرَتْ منه الانوار و هو نور محمدٍ صلي اللّه عليه و آله و رابعها الوجه هو عقل الكل و هو الباب اي باب اللّه الي خلقه و باب اعمالهم اليه تعالي و خامسها الوجه ذمامُ اللّه المنيع الّذي لايطاول و لايحاول و هو الولاية اعني ولاية محمد و اله المعصومين صلي اللّه عليه و اله و سادسها الوجه قد يطلق علي الذاتِ مجازاً كما يريده المصنف و غيره و نريد بالقدم اذا لمنرِد الوجه السَّادِس هو القدم الامكاني فان لمنرد به ما بلغ ستة اشهر فصاعداً كان المراد به الدهري و هو السبق العقلي و النفسي اي الجبروتي و الملكوتي او السرمدي و هو وقت للوجه الاول و الثاني و اما الوجه الثالث فقد نلحقه بالجبروتي اي بوقت الرابع و اكثر ما نطلقه علي الثاني لارتباطه به و الكتاب و السنة ناطقان بهذه الاطلاقات و ارادتها في مقاماتها كلّ فيما يختصّ به فالقديم الزماني ما له ستة اشهر فصاعداً كما قال عز و جل حتي عاد كالعرجون القديم ، و القديم الدهري ما قبل الزمان و يُسمّيه بعضهم بالقدم بالنظر الي فرضه قبل الزّمان حتي قال ان القول بالحدوث الذاتي قول بقدم شيء غير اللّه تعالي لزعمهم ان جميع الحوادث في الزمان و القديم السرمدي مذهب كثيرين فان السرمد عندهم وقت للذاتِ البحت و هُو ما بين الازل و الابد اي الدوام و الامتداد بينهما تعالي الله عما يقولون علوّا كبيرا و لذا قالوا بقدم المشية و الارادة و اجماع اهل البيت عليهم السلام علي حدوثهما و هو مذهبهم و مذهب من اخَذَ
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 15 *»
عنهم و اقتدي بهم و المراد من الاعتصام هو الاحتجاب هذا هو المعروف عند الناس و امّا عند الخواۤصّ فالاعتِصام الحقيقي هو الاعتصام بذمام الله المنيع الذي لايطاول و لايحاول و الذمام عهد الله الذي اخذه و اكّده علي خلقه و هو ولاية الله الحق سبحانه اعني ولاية محمد و علي و الهما الطيبين صلي الله عليهما و آلهما الطاهرين و هي معرفة الله سبحانه و توحيده و عدله و نبوّة محمد نبيّه صلّي الله عليه و اله و معرفته من الله و ولاية اهل بيته الطاهرين و امامتهم و معرفتهم من الله سبحانه و من رسوله صلي الله عليه و اله و نبوّة جميع الانبياۤء عليهم السلام و معرفتهم و لو اجمالاً من الله و من رسوله و من آلِ رسوله صلّي اللّه عليه و اله و الايمان بجميع ذلِك و بكتُب الله سبحانه التي انزلها علي رسله و بما اوحي الي انبياۤئه و اولياۤئه عليهم السلام و باليوم الاخر و بجميع ما اتي به محمد صلي الله عليه و اله من احوال الموت و القبر و البرزخ و احوال قيام القاۤئم عليه السلام عجل الله فرجه و سهّل مخرجه و بما اخبر به هو و اهل بيته من رجعتهم و احوالها و بفناۤء الخلق و ببعثهم و حشرِهم و بالجنةِ و النار و بوجودهما الأن و بالصراط و الميزان و الحشر و النشر و المرصاد و الحساب و تطاۤئر الكتب و الختم علي الافواه و انطاق الجوارح و بالحوض و الشفاعة للمذنبين من الموحّدين من امته امّة الاجابة و غير ذلك مما نطق به الكتاب و اخبر به صلي الله عليه و اله و اقامة الصلوة و ايتاۤء الزكوة و صيام شهر رمضان و حج البيت ممن استطاع اليه سبيلا و الامر بالمعروف و النهي عن المنكرِ و الجهاد في سبيل اللّه بالنفس و المال و القيام بجميع ما فرضه الله و سنّه رسول اللّه صلي الله عليه و اله و ندب اليه من فعل او ترك كلّ ذلك علي طبق ما امر الله تعالي به و بيّنه رسوله و اوصياۤؤه صلي الله عليه و اوصياۤئِه عن اللّه تعالي مؤتمّاً بهم مسلِّماً لهُمْ راۤدّاً اليهم مقتدِياً بهم مواليا لهم متبريا من اعداۤئهم و ممن مال اليهم و اقتدي بهم و قدّمهم علي مَنْ قدّمه الله و رسوله صلي الله عليه و اله و ممّن لميتبرّأ منهم في الدنيا و الاخرة آتِياً بجميع اعماله مشفوعةً بالايمان الخالص لله سبحانه الباۤتّ الثابت بجميع مٰا اشرنا اليه مجملاً و مفصّلاً و ما ذكرنا هو معني قولنا هو محبّ
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 16 *»
لهم بجَنانه و اركانه و لسانه فالقيام بذلك علي حدِّ ما حدّ اللّه تعالي و حدّ رسوله و اوصياۤؤه صلي الله عليه و اله هو الاعتصام بذمام الله تعالي الحقيقي و اَمّا الاعتصام بالاعتماد و التوكّل علي اللّهِ و علي ولاية محمد و اله صلّي اللّه عليه و اله او التوكّل علي خصوص الولاية كما يقع من اصحاب الفرق الّذين لايعرفون غيره و لايحتملون الّا الفرْق و التعدّد فالصَّادق فيه المستقيم بحيث لايعتريه الريب يجري له اثر ذلك و يَكونُ بِه۪ محفوظاً من كل ما يكره ما دام معتصماً بالتّذكّر و اِنْ قصّر في اكثر التّكاليف ما لميكن منكرا و امّا الاعتصام باللَّفظ مع اتيانِه۪ بالمنافيات فلايكاد ينتفع به نعم لو لَازَمَ ذلك حصل له نوعُ وقايةٍ في الجملة بنسبة مَا اعتادت به نفسه فاذا توقّي من الخلق اَن يطّلعوا علي عوراته سُتِرت عوراته او اكثرها عن عاۤمة الناس و امّا الخواۤصّ فتظهر لهم عوراته منكشفةً علي نحو ما اشار اليه المتنبّي في شعره حيث يقول :
ثوبُ الرياۤءِ يشفّ عمّا تحتَهُ ** * ** فاِذَا التحفْتَ به۪ فانّك عاري
و اعتصام المصنّف من ايّ الاقسام و انت اذا عرفتَ الاقسام و اردتَ ان تعرف الشخص من ايّ الفِرق فانظر الي يقينه و يقينُ المرء يعرف في عمله كما اشار اليه اميرالمؤمنين صلوات الله و سلامه عليه فان كان قوله من قولهم عليهم السلام و رأيه من رأيهم و اعتقاده من اعتقادهم فهو يميل معهم حيثما مالوا و ان كان من مميتالدين فهو يميل معه حيثما مال
و اعلم ايها الناظر في كلامي انّي اَعتقد انّي اذا قلتُ قولا فانّي اُمل۪ي علي كاتبين لايغادرانِ صغيرة و لا كبيرة فلاتتوهّم عليّ ان بيني و بين المصنّف شيئاً من عداوة او حِقد او حسدٍ او تكبّر او شيءٍ حداني الي الردِّ عليه غير بيان الحقّ فاني انا و انت مسئولانِ و لاتتوهّم انه كما يجوز عليه الغلط و الغفلة تجوز عليّ لانّك اذا تتبعتَ كتبه وجدته يَميل في عباراته و اعتقاداته لمثل ابنعربي و عبدالكريم الجيلاني و ابنعطاۤءاللّهِ و اضرابهم و يأوّل كلام اهل البيت عليهم السلام علي كلامهم و يحمله علي مراد
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 17 *»
اعداۤئهم و لا كذلك انا و تتبّع كلامي تجد كل قولٍ و كلامٍ فيه لايطابق صريح كلامهم عليهم السلام و ما دلّوا عليه قد زيّفتُه و ابطلته بادلّتهم عليهم السلام ان افتريته فعليّ اجرامي و انا بريۤء مما تجرمون و اسمع كلام المصنف في دعواه حيث يقول الهي ان افتخرتُ فبِما انعمتَ عليّ و قد امرتَ و اما بنعمت ربّك فحدِّث ثم اسمع ما اقول له يا شيخ ان الله سبحانه امر نبيه صلي الله عليه و اله الذي قد ثبت ان الله سبحانه انعم عليه بنور الولاية و النبوة و صدّقه بالمعاجز الباهرة و البراهين الزاهرة و امّا ما سواه فلاتصل اليه نعمة من اللّه عز و جلّ الّا بتبليغ النبي صلي الله عليه و اله و اداۤئه عنه تعالي و لايثبت لمدّعيها شيء منها الّا بالاخذِ عنه و الاتباع له و اللزوم له في مأٰخِذِ النعمة المدّعي ثبوتها فان كان قول المدّعي من قوله صلّي الله عليه و اله و اعتقاده علي سبيل اعتقاده و تحديده علي نهج تحديده فله ان يقول و الّا فلا و امّا تحقيق قوله و ان اسأتُ او ظلمتُ نفسي الخ ، فيحتاج الي تطويل و لا طاۤئل فيه فيما نحن بصدده .
قال { و هذه المساۤئل المرسومة في هذه الرسالة الموسومة بالحكمة العرشية بعضُها يندرج في الايمان باللّه و بعضها يندرج في العلم باليوم الاخر و هذان العلمان المشار اليهما في كثير من ايات القران بالايمان بالله و اليوم الاخر هما اشرف العلوم الحقيقية التي بها يصير الانسان من حزب ملاۤئكة الله المقرّبين و بانكارها و جحودها يقع في ضلالٍ مبين و يخرج من ربقة المؤمنين و يحجب عن جمال ربّ العالمين و يحشر مع الشّياطين كلّا بل ران علي قلوبهم ما كانوا يكسبون كلّا انهم عن ربّهم يومئِذٍ لمحجوبون .}
اقول يشير بتسميتِها بالعرشيّة الي انّه استوي بنور قلبه علي ما اودَع فيها من المساۤئِل فَاَفَاد كلَّ مستفيدٍ بنسبة قابليّته و استعداده من جواهر المعارف الزّواهر اي من الايمان بالله و من العلم باليوم الاخر و هذان العِلمانِ الذي يشير اليهما يعني بالاوّلِ منهما معرفة اللّٰهِ الحقيقية التي عرفه بها انبياۤؤه بالبراهين القطعية كما ذكره في آخر المشاعر و انما عبّر عن هذا العلم بالايمان للاشارة
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 18 *»
الي انّه من مدارك القلوب الّتي هي مقرّ اليقين و الثبات الباۤتّ لتجرّد هذه المدارك عن الصور النفسانية اذ من ليس له صورة لايعرف بصورة و ذلك تناوُلٌ من قول اميرالمؤمنين عليه السلام و انّما تدركه القلوب بحقاۤئق الايمان فلذا عبّر عنه بالايمان و في معرفة اليوم الاخر عبّر بالعلم لانّ مدارِكَه بالصور النفسانيّة و العلم صورة المعلوم و انّما كانا اشرف العلوم لان العلم قسمان قسم يطلب لذاته و قسم يطلب لغيره و الذي يطلب لذاته هو النّهاية فيكون لا شكَّ اشرف من الّذي انّما يطلب بالعرض اي لغيره و الذي يطلب لغيره قد يكون يُطْلب له غيره فتكون اشرفيّته اضافيّة فمعرفة اللّه و توحيده شيء واحد في الحقيقة اذ لايثبت احدهما بدون الاخر هذا في طريقة اهل الظاهر الذين تتكثر عندهم الحقيقة الواحدة بتكثر مفاهيمها و هي مفاهيم يأخذونها من مدلولات الالفاظ علَي حسب افهامهم القاصرة و اَبْصَارهم الحاسرة و هي اقوي طريقٍ للشيطان الي اغواۤء الانسان و امّا المعرفة الصحيحة فمعرفته عز و جل هي توحيده اذ ليس المراد بالتوحيد تفريده و تمييزه من غيره اذ ليس معه غيره بحيث لايعرف الّا بابانته من ذلك الغير و انما توحيده انّه هو و ليس يعرف الّا بهذا فمعرفته توحيده و توحيده معرفته و كذلك معرفة عدله بل معرفة نبوّة انبياۤئه و ولاية اوليٰاۤئه و معرفتهم صلي الله عليهم اجمعين و فيما رواه ابنشاذان في مناقبه عن اميرالمؤمنين عليه السلام الي اَن قال عن رسول اللّهِ صلي اللّه عليه و اله عن الله عز و جل الي ان قال تعالي و ان لميشهد الّا اله الّا انا وحدي او شهِد بذلك و لميشهد ان محمداً عبدي و رسولي او شهد بذلك و لميشهد ان علي بن ابيطالب خليفتي او شهد بذلك و لميشهد ان الائمة من ولده حُجَجي فقد جحد نعمتي و صغّر عظمتي و كفر باياتي و كتبي و رسلي ان قصدني حجبتُه و ان سألني حَرمتُه و ان ناداني لماسمع نداۤءه و ان دعاني لماستجِبْ دعاۤءه و ان رجاني خيّبتُه و ذٰلكَ جزاۤؤه منّي و ما انا بظلّامٍ للعبيد الحديث ، اشارة اي في هذا الحديث اشارة الي انّ معرفته تعالي هي معرفة مقاماته و علاماته و معانيه اي معاني افعاله عليهم السلام و غير ذلك مما اشرنا اليه اذ من لميعرف الاية و
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 19 *»
الدليل لميعرف المدلول لان المدرك انما هو الاية و الدليل فمن لميعرف ما يدرك لميعرف ما لايدرك قال اميرالمؤمنين عليه السلام نحن الاعراف الذين لميعرف اللّه الا بسبيل معرفتنا و قال اميرالمؤمنين عليه السلام وجوده اثباته و دليله آياتُه يعني وجدانه لكل من سواه انما هو اثباتُه باياتِه۪ و امّا الايمان باليوم الاخر فمن لوازم الايمان باللّه اي بوجوده و توحيده و عدله و تفرّده بملكه و توحّده بسلطانه الذي سقطت الاشياۤء دون بلوغ امده و لايبلغ ادني ما استأثر به من ذلك اقصي نعْتِ الناعتين و لاتنكشف اثار ذلك الدالّة عليه لاكثر الخلق المكلّفين الّا يوم القيمة و قد وعد سبحانه ببيان كلّ ما وصف به نفسه و صفاته و افعاله و ما يتعلّق بذلك و ما يرتبط به في مثل قوله تعالي و اقسموا باللّه جهد ايمانهم لايبعث الله من يموت بلي وعداً عليه حقّا و لٰكنّ اكثر الناسِ لايعلمون ليبيّن لهم الذي يختلفون فيه و ليعلم الّذ۪ين كفروا انهم كانوا كاذبين فكان مستلزِماً لبيان ما دعا اليه المستلزم لبيان صدق وعده المستلزم لِحٰاۤقِّ عدله و حكمته و لا ريب انّ هذين العلمين اَشْرف من ساۤئر العلوم الشرعية سواۤء عُلِّلت الْاشرفيّة بالفرق بين المطلوب لذاته و المطلوب لغيره امْ بكونِ اشرفيّة العلوم باشرفية موضوعاتِها لانّهما اشرف العلوم الحقيقيّة علي الاعتبارين لان العلوم التي بها يصير الانسان من حزبِ ملاۤئكة اللّٰهِ المقرّبين مثل علم الطريقة اي علم اليقين و التقوي الموسومة بتهذيب الاخلاق و تعديل احوال النفس بل روي شقيق البلخي عن الصادق عليه السلام في مصباحالشّريعة في تفسير قول النبي صلي الله عليه و اله طلب العلم واجبٌ علي كل مسلمٍ و قول اميرالمؤمنين عليه السلام اطلبوا العلم و لو بالصّين قال الصادق عليه السلام يعني علم اليقين و التقوي و المراد به علم الاخلاق اي العلم باخلاق الله و اداب الرُّوحانيّين و كذلك علم الشريعة و هو العلم بالاحكام الشرعيّة الفرعية للعمل باوامر اللّهِ و اجتناب نواهيه و ما طُلِبَ منَ العُلومِ لهٰذَيْنِ العِلمَيْنِ فانّ القاۤئم بهذه العلوم كما اُمِر من اقترانه بالعملِ بما عَلِمَ يصير من حزب ملاۤئكة اللّه المقرّبين و هم ملاۤئكة الحجب اعني الكَرُوبيّين وَ هم حَقاۤئق الانبِياۤء و المرسلين كما رواه ابن
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 20 *»
ادريس في مستطرفات السراۤئر عن الصادق عليه السلام و قد سُئِل عن الكروبيين فقال (ع) قوم من شيعتِنا من الخلق الاول جعلهم الله خلف العرش لو قسم نورُ واحدٍ منهم علي اهل الارض لكفاهم و لمّا سأل موسي ربّه ما سأل امر رجُلا من الكروبيين فتجلّي للجَبل فجعله دَكّاً ه ، و قوله و بانكارها و جحودِها يقع في ضلال مبين يريد به ان بجحود هذه العلوم لاسيما الاشرفَين يَصير كذلك يعني بانكارها عن معرفة اي من بعد ما تبيّن له الهدي لانّ الانكار لايكون الّا بعد المعرفة قال تعالي ام لميعرفوا رسولهم فهم له منكرون و قال تعالي يعرفون نعمت الله ثم ينكرونها و كذلك الجحود انّما يكون بعد العلم و البيان كما قال سبحانه و جحدوا بها و استيقنَتْها انفسهم ظلما و عُلوّاً ، و لا شكّ انّ من انكرها بعد المعرفة و جحدها بعد الاقرار و الاستيقان يقع في ضلالٍ مبين و يخرج من ربقة المؤمنين و الربقة بكسر الراۤء حَبْل تربط به الحيوانات و احكام الاسلام و حدود الايمان التي تجمع من دخل فيه كالعروة التي في الحبل و الخروج عن ربقة المؤمنين او المسلمين عبارة عن الخروج عن حدوده وَ احكامه فمن خرج عن ربقة المؤمنين قد يبقي له اسلامُه و من خرج عن ربقة المسلمين دخل في حزب الكافرين و يحجب عن جمال ربّ العالمين اي عن معرفته و معرفة اولياۤئه و طاعتهم و عمّا يترتّب علي ذلك من النعيم الداۤئم و يحشر مع الشياطين اي شياطين الانس من ازواجه اي امثاله من ابناۤء صنفه و شياطين الجنّ من قرناۤئه المقيَّضَةِ لمن يعشو عن ذكر الرحمن و شياطين الانس هم الذين ران علي قلوبهم اي غلب و غطّي بَصاۤئر قلوبهم ما كانوا يكسبون من المعاصي و المعاصي هي علّة الرَّيْن وَ قابليّته التي هي علّة تعلّق فعل الله سبحانه باحداث الرَين علي قلوبهم كما قال تعالي و قالوا قلوبنا غلْفٌ بل طبع اللّٰهُ عليها بكفرِهم فان فعلهم المعاصي باختيارهم هو علّة الطبع و الرين و لهذا قالَ بل ران علي قلوبهم ما كانوا يكسبون فنسب سبحانه الرّين علي قلوبهم الي ما كانوا يكسبون من المعاصي و ان كان سبحانه هو الموجد له الّا انه لميكن موجدا له بمحض فعله و خصوص محبته و رضاه و انما اوجده بمقتضي
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 21 *»
افعالهم الوقيحة و اعمالهم القبيحة كلّا انّهم اي حقّاً انهم عن ربهم يومئذٍ لمحجوبون اي يوم يقوم الناس لربّ العالمين لمحجوبون عن ثوابه و رحمته .
قال { فهذا اوان الشروع في عرض هذه الانوار علي صحاۤئف الاذهان و الافكار و الحوالة الي كتبنا المبسوطة في اقامة الحجة و البرهان في كلٍّ من المساۤئل و الانظار الّا اشارة خفيّة يُكْتفَي بها للقرائح اللطيفةِ و تهتدي بها النفوس المتوقدة الشريفة و نُورِدُها في مشرقين .}
اقول انه يريد ان في قلبي جواهر من العلْم زواهر الي اخر ما ذكر سابقا فبعد ان بيّنتُ انّها ليست من نحو ما ذكروا و انّما هي من مشكوة النبوة و الولاية فلايتوقّف طالب النجاة و النور لو وجد فيها ما يخالف ما عنده فهذا وقت الشروع في عرض هذه الجواهر علي صحاۤئف اذهان الطالبين و افكار المريدين من حيث الفطرة فان الحقّ اذا ورد مجرّدا عن الدّليل و كانت الفطرة باقية لمتغيّر قبلَتْه و امّا اذا غُيِّرتْ كانت للشخص طبيعتانِ طبيعة الفطرة و هي صورة الحق و طبيعة التّطبع الذي غيّر الطبع و الاولي تقبل الحق بغير دليل لموافقته لها و الثانية تنكره فاذا اقام الداعي الدليل المحكم الرافع لكلِّ شبهة فان كانت الطبيعة لمتبلغ حدّ الملكة بل هي في سلطٰان الحال امكن قبول الحق لبقاۤء مقتضي الفطرة اي لميستولِ التطبع علي جهات النور من القلب و لو بتكرار الدليل و مداومة الاستدلال و المراد بمقتضي الفطرة ان النكتة البيضاۤء التي في القلب لميستولِ عليها سواد المعاصي و امّا اذا كانت الطبيعة الثانية اعني طبيعة تغيير خلق الله و تبديله كانت طبيعةً لٰا تطبّعا بل كانت ملكة لا حالا فانه لايقبل الحق و ان كرّر عليه الاستدلال بالادلّة القاطعة و هو قوله تعالي كلا بل ران علي قلوبهم ما كانوا يكسبون اي غلب و غطّي عين البصيرة نعم هو بالفطرة الاولي يعرف الحق و يعترف به و لايقبله و لايعمل به و جحدوا بها و استيقنتْها انفسهم ظلماً و علوّاً اذ لميبق للفطرة مقتضٍ لاستيلاۤء المعاصي بنُكْتتِها السوداۤء علي نكتة الفطرة البيضاۤء
و قوله و الحوالة الي كتبنا المبسوطة الخ ، يريد اِنّه اذا توقّف الفهم
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 22 *»
بعروض الشبهة او عدم الاحتمال علي الدليل فهو مذكور في مثل الاسفار و الشواهد الربوبيّة و اقول انّما يذكر في كتبه المبسوطة البراهين المنطقيّة و هي لاتفيد العلم العياني كما هو المدّعي و انّما تفيد اسكات الخصم و اقناعه علي انها اذا كانت قطعية انما ينتفع بها مَنْ لميغلب الرّين علي قلبه فان الله سبحانه يقول انما انت منذر من يخشاها و يقول و لو انّنا نزّلنا اليهم الملاۤئكة و كلّمهم الموتي و حشرنا عليهم كلّ شيءٍ قُبلاً ماكانوا ليؤمنوا الّا انْ يشاۤء اللّه بان يغيّر ما هم عليه و تغيير الخلقة و تبديلها قد يكون من المعاصي و قد يكون من العلوم فان العلوم اذا لمتكن مستفادةً من آثار اهْل الحق عليهم السلام و رسخت في قلب المتعلم و نفسه كانت اسْوء حالاً من الاَعْمال السيّئة و اشدّ اِضْلالاً و لهذا تجد تعليم الجاهل و تعلّمه اقرب و اسهل من تعليم العالم و تعلّمه و هٰذا جَارٍ فيما نحن بصدده فان قلتَ هذا وارِدٌ في حقّك قلتُ انا راضٍ بهذا في حَقّي و لكنّي غير راضٍ به في حقِ اميرالمؤمنين و اهل بيته الطاهرين صلي اللّهُ عليه و اهل بيته لانّي لماقل بشيءٍ من نفسي لميكن عنهم عليهم السلام فاذا اعترضتَ علي قولي عنهم عليهم السلام كنتَ معترضا عليهم و لا كذلك كثير ممّن يدّعي و الشاهد علي الجميع استشهاد المستدل فاذا وجدته يستشهد بكلام زيدٍ و عمروٍ او بكلام اميرالمؤمنين و اله عليهم السلام و يأوّله الي كلام زيد و عمروٍ فهو ممن يأخذ عن زيدٍ و عمروٍ و اذا وجدته يستشهد بكلام اميرالمؤمنين و اله صلي الله عليه و اله او بكلام زيد و عمروٍ و يأوّله الي كلام اميرالمؤمنين و اله عليه و عليهم السلام فهو ممن يأخذ عن اميرالمؤمنين و اله عليهم السلام و من يأخذ عنهم لايرد الاعتراض في حقّه خصوصاً اذا كان ممن يعرف مرادهم عليهم السلام من تعليمهم و يعرف مراد خصمِه فافهم .
قال { المشرق الاول في العلم باللّه و صفاته و اسماۤئه و اياته و فيه قواعد : قاعدة لدنّيّة في تقسيم و اثباتِ اوّل الوجود ان الموجود اما حقيقة الوجود او غيرها و نعني بحقيقة الوجود مٰا لٰايشوبه شيء غير الوجود من عموم او خصوص او حدّ او نهاية او ماهية او نقص او عدمٍ و هو المسمّي بواجب الوجود
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 23 *»
فنقول لو لمتكن حقيقة الوجود موجودة لميكن شيء من الاشياۤءِ موجوداً لكن اللازم باطل بديهة فكذا الملزوم .}
اقول انّما قال مشرق لان المشرق هو جهة بدوّ النور و الاشراق يشير بذلك الي ان تبيينَه اشرقَ بتأسيس اثبات معرفة اللّه في قلوب المريدين كما هو مدّعاه و المراد بالعلم بالله معرفته و هي معرفة الذّات و معرفة الصفات بانها عين الذات و معرفة الاسماۤء بانّها هي الذات المتّصفة ببعض الصفات و معرفة الايات بانها هي الامثال التي ضربها في خلقه لخلقه كما قال تعالي و تلك الامثال نضربها للناس و مايعقلها الا العالمون ، و في هذا المشرق قواعد اي ضوابط كلّيّة لان القاعدة في اصطلاح العلماۤء هو الامر الكلي المنطبق علي الجزئيات فقال قاعدة لدنيّة اي لمتكن عن سماعٍ و لَا نقلٍ و انّما هي من الكشف المستفاد من التّدبر في الايات الٰافاقية و الانفُسيّة و قد تقدّم ما اشرنا اليه من حال الكشف المدّعَي و انّ فيه الحقّ و فيه الباطل و انّ صورتي الحق و الباطل متشابهتانِ و قوله في تقسيمِ بكسرة واحدة من غير تنوين لان المضاف اليه مقدرٌ لفظا لان تقسيم و اثبات المعْطوف علي تقسيم مضٰافانِ الي اوّل الوجود فيكون اوّل الوجود هو محلّ التقسيم و لا اشكال فيه علي رأي المصنّف لان اول الوجود هو حقيقة الوجود و حقيقة الوجود عنده في نفس الامر هي محلّ التقسيم بان يكون الخالص منه واجب الوجود و المشوب منه بالنقاۤئص ممكن الوجود لما لحقه من عوارض مراتبه و لهذا صدق اطلاق الوجود علي الخالص و المشوب من باب الاشتراك المعنوي و يكون اطلاق لفظ الوجود علي الواجب و الممكن كاطلاق لفظ البياض علي بياض القرطاس و بياض الثوب و التراب و ليس ذلك عنده الّا انه حقيقة واحدة بعض افرادها واجب الوجود و هو خالصها قبل تنزُّله و بعض افرادها ممكن الوجود اذ بعد تنزّلها اختلط كلّ فردٍ منها بعوارض رتبة تنزّله و هذا وَ امثاله هو الجواهر الزواهر و العلم اللدنّيّ فالحكم للّه العليّ الكبير
و امّا عَلَي رأينا المستفاد من مذهب ساداتنا و موالينا عليهم السلام ان محلّ التقسيم هو الوجود الحادث الذي احدثه اللّه بفعله لا من شيء عند من يقول
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 24 *»
بقولنا و عند المصنف و من يقول بقوله امّا ما عندنا فظاهر و امّا ما عند المصنف و اتباعه فيلزمه ان محلّ التقسيم لايكون الّا حادثا لانه مكتنَهٌ و لو اجمالاً فان من ادرك فرداً من افراد الحقيقة الواحدة الصادقة علي كلّ فرد لذاته من حيث هو اي مع قطع النظر عن عوارض الرّتَب اللّاحقة له فقد ادرك صرف تلك الحقيقة و ما يشيرون اليه الا كالخشب فانّ صرفه هو هذه الهيولي و الصّورة النوعيتان و ما الافراد التي لحقتها العوارض الغيريّة الّا كالباب و السَّر۪ير و الصنم فانّ حصَصَها هي بعينها تلك الهيولي و الصورة النوعيّتان و انّما لحقتها عوارضُ مَراتبِ تنزّلاتها فتغايرت بالمشخصات و العبارة الصريحة عن مقاصدهم انّ الحق تعالي ماۤدّة كلّ شيء كما قلنا في الخشب و الصورة الموهومة هي العبد من حيث نفسه و لهذا قال بعضهم انا اللهُ بِلا انا يعني انّ الانانية هي العبد و هي في الحقيقة حدود خارجة عن حقيقة الحصة المحدودة و اسمع قول امامهم مميتالدين في الفتوحات المكيّة نقلته من انتخاباتها للشيخ ابيحيّان الطبيب الشيرازي قال في الباب المأتين و احدي و ثمانين في معرفة منزل الضم و اقامة الواحد مقام الجماعة من الحَضرة المحمّدية (ص) ،
صلوةُ العصرِ ليس لها نظيرُ ** * ** لضمِ الشملِ فيها بالحبيبِ
هي الوسطي لامر فيه دَورٌ ** * ** يحصّله علي امرٍ عجيبِ
فسمّاها العصر “٢” لانه “٢-” ضم الشيء الي شيء لاستخراج مطلوبٍ فَضُمَّتْ ذاتُ عبدٍ مطلقٍ في عبوديّته لاتشوبُها ربوبيّةٌ بوجهٍ من الوجوه الي ذاتٍ حقٍّ مطلقٍ لاتشوبُها عبوديّة بوجهٍ من اسمٍ الهيٍّ لطلب الكون فلمّا تقابلت الذاتان بمثل هذه المعاني كان المعتصر عينَ الكمالِ للحق و العبدِ كان المطلوب له وجه العصر فان فهمتَ ما اشرنا اليه فقد سعِدتَ و القيتُك علي مدرك الكمال فَارْقَ فيها انتهي ، يريد بالمعتصر من العبوديّة الصرف التي هي الصورة و الحدود و الهيئة الموهومة و من الربوبيّة الصرف التي الماۤدّة الوجوديّة هو الانسان الذي هو عين الكمال للحق و العبد
و قال عبدالكريم الجيلاني في كتاب الانسان
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 25 *»
الكامل بعد كلام طويل في اسم الله قال فاستدارة رأس الهاۤء اشارة الي دوران رحا الوجود الحقّي و الخلقي علي الانسان فهو في عالم المثال كالداۤئرة التي اشار بها اليها فقل ما شئتَ ان قلتَ الداۤئرة حق و جوفها خلق و ان شئت قلتَ الدائرة خلق و جوفها حقّ فهو حق و هو خلق و ان شئت قلتَ الامر فيه بالابهام فالامر بالانسان دوري بين انه مخلوق له العبوديّة و العجز و بين انه علي صورة الرحمن فله الكمال و العزّ قال الله تعالي و الله هو الولي يعني ان الانسان الكامل الذي قال فيه الا ان اولياۤء الله لا خوف عليهم و لا هم يحزنون لانه يستحيل الخوف و الحزن و امثال ذلك علي الله لان الله هو الولي الحميد و هو يحيي الموتي و هو علي كل شيء قدير اي الولي فهو حق متصوّر في صورةٍ خلقيّة او حق متحقق بمعانٍ الهيّة فعلي كل حالٍ و تقدير في كل مقام و تقرير هو الجامع لوَصْفَي النقص و الكمال و الساطع في ارض كونه بنور شمس المتعال فهو السماۤء و الارض و هو الطُّول و العرض و في هذا المعني قلتُ :
ليَ الملكُ في الدارين لمارَ ف۪يهما ** * ** سواي فارجو فضله اوْ فاَخشاهُ
الي اَن قال من هذه القصيدة و هي طويلة :
و انّي ربٌّ للانام و سيِّدٌ ** * ** جميعُ الوري اسمٌ و ذاتي مسمّاهُ
لي الملك و الملكوت جلّت سجيَّت۪ي ** * ** ليَ الغيبُ و الجبروتُ منّيَ مَنْشَاهُ
الي اخر قصيدته و كلامه و قال ايضا في الكتاب المذكور :
و ما الناسُ في التّمثالِ الّا كثلجةٍ ** * ** و انت لها الماۤءُ الذي هو نابعُ
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 26 *»
و لكن بذَوب الثلج يُرْفَعُ حكمهُ ** * ** و يُوضَع حكم الماۤءِ و الاَمْرُ واقِعُ
و هذا ايضا من كبار ائمته و اذا تتبعتَ كتب المصنّف مثل هذا الكتاب و غيره وجدتَ قوله قول هؤلاۤء الّا ان عباراته و استدلالاته بطور استدلالات الحكماۤء بخلاف عبارات هؤلاۤء و لا شك في كون المستفاد منها اكتناه الذات لان الوجود عندهم حقيقة واحدة الّا ان الصُّوفيّة عباراتهم ادلّ علي مطلوبهم من عبارات المصنّف لكنّه يصرّح في كثير من عباراته بذلك مثل كون الخلق منه بالسنخ و مثل الوجود حقيقة واحدة صرفها واجب الوجود و مشوبها الممكن و بيّن في المشاعر و غيره انّ الوجودات المشوبة بالنقاۤئص لميكن لذاتها لان ذاتها منزّهة عن ذلك و انّما لحقتْها لخصوصِ مراتب التنزل و علي ما هو الحقّ من انّ محل التقسيم هو الوجود الممكن انّ اتّحاد هذه الحقيقة ليس واقعيّا و انّما هو بلحاظ صدق الاسم من جهة الاصطلاح لا من جهة اللغة فان لفظ الوجود لميوضع لذاتٍ و انّما وضع لصفةٍ اعني المعني المصدري اي الكون في الاعيان كما قاله بعض الصوفية من ان الوجود عند العوام هو الكون في الاعيان و امّا عندنا فالوجود ما به الكون في الاعيان انتهي ، اقول و كلام العوام حق بحسب وضع اللغة و اما ما به الكون في الاعيان فهو الموجود و هو حقيقة ماۤدة الشيء اذ بها مع تحققها بالمعيّنات الجنسيّة او النوعية او الشخصيّة يتحقّق الكون في الاعيان و هذا اظهر من الشمس لمن فتح عينيه و نظر في نفس الامر و امّا من غمّض عينيه و نظر الي من قال فانه يري انّ الوجود شيء هو جوهر الّا انه يتصوّر شيئا غير الشيء لانه لايفهم ما يقول و لكن تبع من يقول تَبعاً لغيره كما قال اميرالمؤمنين عليه السلام ذَهب مَن ذَهَب الي غيرِنا الي عيونٍ كدرة يفرغ بعضُها في بعض و ذهب مَن ذَهب الينا الي عيون صافية تجري بامر اللّه لا نفادَ لَها ه ،
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 27 *»
هذا و قد اجمع العقلاۤء من الحكماۤء انّ كلّ ممكن زوْجٌ تركيبي و المصنّف ممن يقول بذلِك و يراد من هذا انه لايمكن الا بان يكون له اعتبار من صانعه و هو المادة و اعتبار من نفسه و هو الصورة و الصورة عبارة عن الفصل في النوع او حصّة من الفصل في الشخص و المادة عبارة عن حصة من الجنس في النوع او عن حصّة من حصة النوع في الشخص و الاجناس اي الحصص الجنسية لاتتقوم الا بالفصول و كذلك الحصص النوعيّة و المراد بعدم تقوّمها بدون الفصول انّها في نوعها قبل الفصل شايعة غير متعيّنة بدون المميّز فاذا فرض انّ حصة الانسان المادّية شايعة في الوجود الصرف قبل تنزّلِها الي رتبة الفصل كانت ممازجة للواجب اذ لايمكن تميّزها فيه فيكون متكثّرا او محلّا للغير و بعد التنزّل و تعلّق الفصل كان لها حالة التركيب غير الحالة الاولي حالة البساطة اِذْ حالة الاتّصال غير حالة الانفصال و كان للواجب الذي هو محلّها او كلها او كلّيّها حالة غير الحالة الاولي لانه قد تنزّل من ذاته شيء سواۤء فرضته جزءا ام جزئيا ام اشراقاً ام غير ذلك فانها حالة اخري غير الاولي و مختلف الحالات حادِثٌ اتفاقا ثم ان هذه الحصّة النازلة المنحطّة مجانسة لما انحطّت عنه و لهذا عبّر تعالي عن هذا المعني في الانكار علي من جعل الملائكة بناتٍ له سبحانه بقوله تعالي و جعلوا له من عباده جزءاً لان الولد جزؤ من والده و مناسب له فقال تعالي و جعلوا بينه و بين الجنّة نسباً اي مناسبة فيلزم علي قوله و قول اتباعه احتياجه تعالي الي الماهية لانه من جنس من لايتقوّم الّا بها اوْ ان الوجود الممكن يتقوّم في عالم الاكوان و يظهر بدون الماهيّة فتبطل الكلية المتفق عليها ان كل ممكن زَوجٌ تركيبي و هو خلاف دليل العقل من انّ الممكن لايتكوّن الّا ذا جهتين جهة من ربّه و جهة من نفسه و خلاف قول الرضا عليه السلام قال ان الله لميخلق شيئا فرداً قاۤئما بذاتِه دون غيره للذي اراد من الدلالة علي نفسه و اثبات وجوده ه ، و ان قال شخص ان الواجب عز و جل وجود بحت لايحتاج في قيامه الي شيء غيره من ماهيّة و غيرها بخلاف الوجود الممكن قلنا هذا حقّ و لكن يلزم انّ الوجودين متغايرين لاتجمعهما حقيقة واحدة كيف و هما علي حدّ كمال
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 28 *»
المباينة التي هي خلاف المجانسة و المماثلة و المعاكسة و المضاۤدة لان هذه النسب نسب الخلق قال امامُنا الرضا عليه السلام كنهُه تفريق بينه و بين خلقه و غيوره تحديد لما سواه يعني ان مثل المجانسة و السنخيّة و المماثلة و المشابهة و المعاكسة و المضاۤدّة و المقابلة و المخالفة نسب للخلق فاذا ذكرت فهي حدود للخلق و ان نسبت في التّعبير اليه كما لو قلتَ هو سبحانه ليس بجسم فانّ النفي تحديد للجسميّة و الجسميّة وصف للخلق و لايوصف بشيء من ذلك لا بنفي الجسم و لا بالجسم و انّما ذلك تحديد لاثبات معرفة من هو ثابتٌ في الاذهان
ثم اعلم ان محل التقسيم مع لحاظ التسمية من يصدق عليه اسم الوجود من حيث انه هست كما في اللّغة الفارسية ثلاثة انواع احدها مثال الفاعل و اسمه كالقاۤئم بالنّسبة الي زيد فانه اسم لفاعل القيام لا لذاتِ زيد و الّا لكان زيدٌ ابداً قاۤئماً و لهذا يقال الفاعل اي اسم لمحدث القيام من حيث هو محدث للقيام لا مطلقا و هذا هو الذي عناه الحجة عجّل الله فرجه و سهل مخرجه بقوله في دعاۤء شهر رجب و مقاماتك التي لا تعطيل لها في كل مكان يعرفك بها من عرفك لا فرق بينك و بينها الّا انهم عبادك و خلقُكَ الدّعاۤء ، وَ هُوَ المسمّي بالعنْوَانِ و ثانيها الفعل اعني المشية وَ الْاِرَادة و الابداع و ما اَشْبَه ذلك و ثالثها المفعول الاوَّل و هو عندنا هو النور المحمديّ و هو اول فاۤئض عن الفعل و من اشعّتِه۪ خلق الله سبحانه كلّ شيءٍ المؤمن من نفس الشعاع و الكافر من عكس الشعاع فالاوَّل ايةُ اللهِ العُلْيَا من عرفه فقد عرف اللّه لانه وصفُ اللهِ الاعلي الذي وصف به نفسه و من عرف الوصف عرف الموصوف و الثاني هو امر اللّٰه الذي به قامت الاشياۤء قيام صدورٍ و هو كحركة يد الكاتب بالنسبة الي الكتابة و الثالث هو امر اللّهِ المفعولي الذي به قامت الاشياۤء قيام تحقّق اي قياماً ركنيّا و هو كالمداد بالنسبة الي الكتابة
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 29 *»
و هذه الثلاثة هي الّتي يمكن اَنْ تكون محلّا للتّقسيم و ان كانَتْ انّما جمعتْها حقيقة التّسمِية و ان التقسيم في كلّ شيء بحسبه فاذا طلبتها بالتقسيم امتنعَتْ عليك لانّ التقسيم انّما يصح في الحقيقة التي تساوي افرادها اوْ اجْزاۤؤها في ذات جهة التقسيم لانّك تريد تقسيمها الي افراد ذاتيّة منها و لو اردتَ تقسيمها من حيث التسمية صح كأن تقول الذي يطلق عليه اسم الوجود ينقسم الي ما يسمي بالمقامات و الي مَا يسمي بالفعل و الي ما يسمّي بالمفعول و مثال ذلك في المحسوس قاۤئم بالنسبة الي زيد هو احد مقاماته لانه صفة صيغت من فعله و اثر فعله الّذي هو القيام و حركة احداثه للقيام هي فعله كالمشيّة في حق اللّه عز و جل و له المثل الاعلي و القيام هو اثر الفعل و متعلّقه كالحقيقة المحمديّة المسمي بالنور المحمديّ و اما فعل المصنّف فبان يتصوّر حقيقة بسيطة و يقسّمها مع بساطتها الي صرف الوجود اي خالصه عن الخلط و يجعله هو الواجب تعالي و الي الوجودات المشوبة بالنقاۤئص و يجعلها وجودات الاشياۤء و يبالغ في بيان الجواهر الزواهر و يقول بان هذه الاعدام وَ النقاۤئص لمتلحق هذه الوجودات لذواتها لتنزُّهِهَا عن ذلك و انّما لحقتْها من عوارض مراتب تنزلها و لهذا يمثّلونها بالثلج و هو سبحانه كالماۤء فالكسر اذْ عرض للثلج لميعرض للماۤء كذلك عندهم الوجودات هي مع قطع النظر عن العوارض هي صرف الوجود فاذا لحقتها العوارض كانت لمراتب التنزل فان قلتَ ان المصنف لايريد هذا قلتُ لك انا اذا لمافهم مراده فهل كان صهره الملا محسن يفهم مراده و يقصد قصده لايسعك انكار ذلك فاقول لك قال داماده الملا محسن في الكلمات المكنونة كما ان وجودنا بعينه هو وجوده سبحانه الّا انه بالنسبة الينا محدث و بالنسبة اليه عز و جل قديم كذلك صفاتنا من الحيوة و القدرة و الارادة و غيرها فانها بعينها صفاته سبحانه الّا انها بالنسبة الينا محدثة و بالنسبة اليه قديمة لانها بالنسبة الينا صفة لنا ملحقةٌ بنا و الحدوث اللازم لنا لازم لوصفِنا و بالنسبة اليه سبحانه قديمة لان صفاته لازمة لذاته القديمة و ان شئت ان تتعقّل ذلك فانظر الي حياتك و تقيدها بك فانّك لاتجد الّا رُوحاً تختصّ بك و ذلك هو
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 30 *»
المحدث و متي رفعتَ النظر من اختصاصِها بك و ذقتَ من حيث الشهود ان كل حيّ في حياته كما انت فيها و شهدتَ سريان تلك الحيوة في جميع الموجودات علمتَ انها بعينها هي الحيوة التي قامت بالحي الذي قام به العالم و هي الحيوة الالهيّة و كذلك ساۤئر الصفات الّا ان الخلاۤئق متفاوتون فيها بحسب تفاوت قابلياتها كما نبّهنا عليه غير مرّة و هذا احد معاني قول اميرالمؤمنين عليه السلام حيث قال كل شيء خاضع له و كل شيءٍ قاۤئم به غني كل فقير و عز كل ذليل و قوّة كلّ ضعيف و مفزع كل ملهوف انتهي ، فاذا لميكن قوله هذا قولا بوحدة الوجود المجمع بين العلماۤء علي تكفير معتقدِها فما القول بوحدة الوجود اذاً بل هذا قول بوحدة الوجود و وحدة الموجود و مع هذا صرف كلام اميرالمؤمنين عليه السلام عن مراده الي مراد الملحدين بان جعل قوله كل شيء قاۤئم به اي قاۤئم بذاته و الله يقول و من اياته ان تقوم السماۤءُ و الارض بامره ، و الصادق عليه السلام في دعاۤئه يقول كلّ شيء سواك قام بامرك و المراد بالامر امّا الفعلي فكل شيء قام بفعله قيام صدور و يصدق عليه انه قاۤئم بالله اي بفعله و اما الامر المفعولي اعني الحقيقة المحمدية التي من شعاعها خلق ماۤدّةَ كلِ شيءٍ فكل شيء قاۤئم بها قياماً ركنيا كما هو شأن الماۤدة و اللّه سبحانه اقام الاشياۤء بمواۤدّها كما في الدعاۤء يمسِكُ الاشياۤء باظلّتها اي بمواۤدها و صُوَرِها و يصدق عليه ان الاشياۤء قاۤئمة به اي بفعله و كذلك قوله عليه السلام غني كلّ فقير يعْني يمدّه بما يجبر فقره و يتمّم نقصه و يقوّي ضعفه بشيء يصل الي الفقير المحتاج لميكن وصل اليه قبل ذلك و لايجوز ان يكون ذاك المدد جزءاً من الذاتِ القديمة تعالي ربي بل من شيءٍ ممكنٍ من نوع المحتاج و لو كان من ذاته لتجزّأ و تغيّرت اَحْواله فيا سبحنَ اللّه كيف طبع علي قلوبهم باعمالهم و هم يحسبون انّهم يحسنون صنعاً و مع هذا فالبليّة الكبري انّهم يقولون هذا مذهب ائمة الهدي عليهم السلام و اعظم بليّة تعصّبُ مريديهم لهم بانّ الحق ما قالوا و من قولهم كما مر انّ وجودات الاشياۤء و حقايقها قديمة و انّما التغيير في العوارض اللّاحقة لمراتب التنزل قول الملا محسن قبل الكلام
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 31 *»
الذي نقلنا عنه و هو طويل قال في بيان سرِّ سرِّ القدر انّ هذه الاعيان الناشئة ليست اموراً خارجة عن الحقّ بل هي نسبٌ و شؤن ذاتيّة فلايمكن ان تتغيّر عن حقاۤئقها فانها حقاۤئق ذاتيّات و ذاتيّات الحق سبحانه لاتقبل الجعل و التغيير و التبديل و المزيد و النقصان فبهذا علم ان الحق سبحانه لايعيّن من نفسه شيئا لشيء اصلاً صفةً كان او فعلاً او حالاً او غير ذلك لان امره واحد كما انه واحد و امره الواحد عبارة عن تأثيره الذاتي الوحداني بافاضة الوجود الواحد المنبسط علي الممكنات القابلة له الظاهرة به و المظهرة ايّاه متعدّدا متنوّعا مختلف الاحوال و الصفات بحسب ما اقتضَتْه حقاۤئقها الغير المجعولة المتعيّنة في علم الازل انتهي ، اقول قوله المنبسط علي الممكنات غلطٌ علي مذهبه بل ينبغي ان يقول المنبسط علي القديمات الازليّات سبحانها و تعالَتْ عن مقالة المسلمين و الحاصل و انّهم ليقولون منكراً من القول و زُوراً لا حول و لا قوة الا باللّه العلي العظيم و لقد اطلتُ في بيان مرادهم فعسي ان يرتدع مريدُهم
و قوله اما حقيقة الوجود يعني به الوجود الّذي لميَشُبْه شيء غير الوجود من عمومٍ يشتمل علي الاشياۤء و المصنف يقول صرف الوجود بسيط الحقيقة و بسيطة الحقيقة كل الاشياۤء فايّ عموم انتفي عمّن هو كل شيء او خصوص يفيد التحديد بكل انواعه او حدٍّ يتركب من جنس و فصل فاي حدٍّ انتفي عمّن هو شيء لايسلب عنه شيء كما ذكره في برهانه علي ان بسيط الحقيقة كل الاشياۤء فان قوله شيء جنس تحته شيء يسلب عنه شيء و شيء لايسلب عنه شيء و هذا حدّ تام قد اشتمل علي جنس و هو شيءٌ و فصلٍ و هو لايُسْلَبُ عنه شيءٌ او نهايةٍ بان ينتهي اليه شيء و ايُّ نهايةٍ انتفت عمن انتهَتْ اليه جميع الاشياۤء او ماهيّةٍ يعني مغايرةً للوجود و الّا فلا ماهيّة لشيء من الخلق الّا آية لماهيته سبحانه لكن قلنا ان المخلوق له وجود و ماهيّة لانه لا بد له من اعتبار من صانعه و هو جهة وجوده اي مادته المحدثة لا من شيء و من اعتبارٍ من نفسه و هو جهة ماهيّته و انّيّتِه۪ اي صورته المحدثة من نفْسِ مادّته من حيث هي و اما
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 32 *»
الخالق فهو هو فوجوده هو ماهيّتُه بلا مغايرةٍ لا في الذهن و لا في الخارج و لا في نفس الامر لَا فرْضاً و لَا اعتباراً او نقصٍ بان يحتمل زيادةً فيما هو كمال او عدمٍ بان يفقد ما يصح عليه و لكن لو بنينا علي مذهب المصنف و اتباعه قلنا افاضة الوجود الواحد المنبسط علي الممكناتِ هل هو كمال في حقّه تعالي ام نقص فان كان كمالاً كان فاقداً لكمالٍ قبل الافاضة و ان كان مفيضا في الازل كانَتِ الموجودات غيبها و شهادتها جواهرها و اعراضها ازليّة و ان كان نقصاً في حقه فان كانت الافاضة في الازل شٰابَهُ نقصٌ لذاته فلميكن صرف الوجود و ان كانت بعد الازل ساوي الوجودات الممكنة لانها عند المصنف و اتباعه لميلحقها النقص لذاتها و انما لحقها من عوارض مراتب تنزّلاتها فيكون الواجب كذلك فلميكن لتقسيمه مُحَصَّلٌ و لا فاۤئدة ثم فرّع علي تقسيمه فقال علي نحو الاستدلال فنقول لو لمتكن حقيقة الوجود موجودة لميكن شيء من الاشياۤء موجودا لكن اللازم باطل بديهةً فكذا الملزوم و اقول بطلان اللازم و الملزوم علي مراده بديهة لا شك فيه الّا انّه يرد عليه اشكال و هو انّ شرط صحة الشَّكْل ان يوصل بمعلوماتٍ الي مجهول و هذا اوصل الي ما هو اظهر من معلوماته لان الوجودات عنده قبل لحوق العوارض من صرف الوجود فهي باقية علي الصرافة لذاتها و ان التغيير لاحق للمراتب فيصير كلامه مثل قولك لو لميكن زيدٌ موجوداً لميكن زيدٌ موجوداً مع انّ العوارض ان كانت اشياۤء فهي من الوُجودات و الّا فلَمْيلحق الوُجودات شيء و كذلك مراتب التنزل و الوجودات صرف الوجود او صرف الوجود هو الوُجودَات .
قال { اما بيان اللزوم فلان غير حقيقة الوجود امّا ماهيّة من الماهيات او وجود خاص مشوب بعدمٍ او قصور و كل ماهيّة غير الوجود فهي بالوجود موجودة لا بنفسها كيف و لو اُخِذت نفسها مجرّدةً عن الوجود لمتكن نفسُها نفسَهَا فضلاً عن ان تكونَ موجودةً لان ثبوت شيء لشيء فرع علي ثبوتِ ذلك الشيء و وجوده و ذلك الوجود ان كان غير حقيقة الوجود ففيه تركيب من الوجود بما هو وجود و خصوصيّة اخري و كل خصوصيةٍ غير الوجود فهو عدم
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 33 *»
او عدميّ و كلّ مركّبٍ متأخّرٌ عن بسيطه مفتقر اليه و العدم لا دخل له في موجوديّة الشيء و تحصّله و ان دخل في حدّه و مفهومه و ثبوت كلّ مفهوم لشيء و حمله عليه سواۤء كان ماهيّة او صفة اخري ثبوتيّة او سلبيّة فهو فرع علي وجود ذلك الشيء و الكلام عاۤئد اليه فيه او ينتهي الي وجودٍ بحْتٍ لايشوبه شيء .}
اقول قوله امّا بيان اللزوم فلان غير حقيقة الوجود الخ ، فيه اوّلا انّ هذه الدعاوي من قوله وجود فكثيراً ما اقول ما معني وجود فشيء لَايقول به احدٌ الّا احد رجلين امّا ناطق بما لايعقله و لايتوهّمه اذ لا معني لوجود الّا حصول و ثبوت و لكنه سمع هذا الكلام يدور علي الالسن فعني بقوله وجود ما فهم من كلامهم فهو يعني المفهوم الذي حصّله من الفاظهم فيتوهّمه شيئاً و ليس في الحقيقة شَيئا الّا المعني الصفتي الّذي يوصف به الثابتُ و لاتستغرب كلامي من ملاحظة انه كيف يكون كل الخلق يقولون ما لايفهمون فاني اقول لك ليس كلّ الخلق كذلك بل كثير منهم انكره و كثير قالوا هو معني اعتباري و كثير قال هو الماۤدّة و من قال هو الماۤدة لايريد ان لفظ الوجود موضوع عليها بل لان الحكماۤء المتقدّمين الٰاخذين عن الانبياۤء عليهم السلام عبّروا عنها باعتبارِ معني هست في الفَارسيّةِ فقالوا في التعبير تبعاً لتعبيرهم و هذه آثار اهل الهدي محمد و اله صلّي اللّه عليه و اله و اخبارهم في جميع خطاباتهم و محاوراتهم مانطق احد منهم بهذا اللفظ مريداً ما اراد هؤلاۤء قطّ مع ان ظاهر كلام اميرالمؤمنين عليه السلام انه اراد بالوجود هو الكون في الاعيان و هو المعني المعروف بين الناس و ذلك في قوله عليه السلام لمن سأله يوم الجمل فقال اتقول ان الله واحد فقال عليه السلام يا اعرابي انّ القول في انّ اللّه واحد علي اربعة اقسام الي ان قال عليه السلام فامّا الوجهان اللذان يثبتان فيه فقول القاۤئل هو واحدٌ ليس له في الاشياۤء شبيه كذلك ربّنا و قول القاۤئل انه عز و جل ربّنا احديّ المعني يعني انه لاينقسم في وجودٍ و لا عقلٍ و لا وهم كذلك اللّه ربّنا عزّ و جل ه ، و المراد بقوله عليه السلام في وجودٍ يعني في الخارج و لا عقلٍ يعني في
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 34 *»
التصوّر و التعقّل و لا وهمٍ يعني في الفرضِ و الاعتبار و هو ظاهر في المدّعي من انّه عليه السلام اَرادَ بالوجود الخَارج يعني الكون في الاَعْيَانِ لانه هو المَعْرُوف في الوضع العربي لٰكِنَّ النّاسَ طريقتهم جارية في متابعة بعضهم بعضاً من غير تأمّل و لا تدبّر فيما سمعوا و ما هذا بعجبٍ بعد قول اللّهِ و لكن اكثر الناس لايعلمون ، و لكن اكثرهم لايعقلون ، و لكن اكثرهم يجهلون و لايفقهون و ان هم الّا كالانعام بل هم اضلّ حتّي انهم بالغوا في تخصيص هذا المعني حتّي ان المصنف في كثير من كتبه منها المشاعر انكر ان تكون لله سبحانه ماهيّة و انّما هو وجود بلا ماهية و لوْ فهم ما تكلّم به لظهر له انّه تعالي ماهية و لا وجود له بالمعني الذي عني هو و اتباعه و انّما وجوده الّذي يعرفه العباد ما بيّنَهُ اميرالمؤمنين عليه السلام بقوله وجودُه اثباته و دليله آياتُه ه ، و اذَا سلّمنا التسمية فكيف نسلّم ان ما يعني به في حق الحق عز و جل هو ما يعني به في حق الخلق حتي يقال فيهما عَلَي حقيقةٍ واحدةٍ لٰا فرق بينهما في نفس الامر و في الخارج الا ان الخالص منه حق و المشوب منه خلق مع ان الشوب لميلحق المشوب لذاته و لايستحيي العالم المشهور ان يعرض كلامه هذا علي العلماء و العارفين بل و الجاهلين و اما رجل يتكلم معهم فيتكلم بالفاظهم و معانيهم كما كنت اتكلم به و انا اعني المادة او المعني العام او المصدري او النسبي
و قوله فلان غير الوجود اما ماهية من الماهيات فنقول عليه قد ذكرنا في ساير كتبنا و رسائلنا ان الوجود له معنيان و كذا الماهية فمرة يطلقان في الخلق الاول الذي هو المادة و الصورة النوعيتان او الجنسيتان فنعني بالوجود المادة و نعني بالماهية هو الصورة و مرة يطلقان في الخلق الثاني اي الشخصي فنعني بوجود زيد كونه اثر فعل الله و نور الله و صنع الله و هو بهذا اللحاظ يعرف به الله لان الاثر يدل علي المؤثر و النور يدل علي المنير و الصنع يدل علي الصانع و منه قول اميرالمؤمنين (ع) اتقوا فراسة المؤمن فانه ينظر بنور الله قال الصادق عليه السلام يعني بنوره الذي خلق منه و نعني بماهية زيد انه هو و بهذا اللحاظ لايعرف به الله لان الله سبحانه لايعرف بهويّة زيد فاذا قلنا الوجود
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 35 *»
او الماهية بالمعني الاول نريد به ما نطلقه في الخلق الاوّل و اذا قلنا الوجود و الماهيّة بالمعني الثاني نريد به ما نطلقه في الخلق الثاني فلاتغفل عن هذا في كل موضعٍ فقول المصنف امّا ماهيّة من الماهيات ما يُريد بالماهيّة فانْ اَرادَ بها شيْئا فما معني شيء ليْس بموجودٍ و ان لميكن شيئا فالعبارة عنها غلط و لكنّ القوم اختلط عليهم الامر و عمّيت عليهم المناهج لانهم يريدون انّ الماهيات اشياۤء لازمة للذات في الازل فهي ثابتةٌ فاذا اشرق نور الوجود عليها ظهرت و يتخيّلونه شيئا كالنور اذا اشرق علي الاواني الثابتة في المكان المظلم ظهرت و لهذا يقول فهي بالوجود موجودة لا بنفسها فنَقول اذا كانت في علمه الذي هو ذاته كيف لاتظهر اليس الوجود الحق نوراً بل لاتظهر حتّي يشرق عليها نوراً ثم اذا اشرق عليها النور و ظهرت هل نزلت عن رتبتها فتكون قبل ايجادها اشرف منها بعد ايجادها ام بقيت بعد الايجاد في محلّها من الذّات فتكون ذاته محلّا للاغيار ام هي ذاته ام من ذاته فهي وجود ام النازل بالايجاد مثالها و الحقيقة لمتزل ماندري ما يفعل هو و اتباعه مع انهم يجعلونها عين الوجود و غير الوجود في مثل كلامه هذا و ذلك انهم يرون انّ الوجودات بذاتها واجبة و الماهية بذاتها واجبة و معني كونهما ممكنين ان يجعل سبحانه الماهية الغير المجعولة متّصفة بالوجود الغير المجعول فاذا قرن بين الازليّين حصل ممكن تأمّل بعين البصيرة و الانصاف هل هذا قول موحّد بَل هذا قول مسلم و اريد اذكر لك كلامهم في هذا فانه صريح فيما قلتُ و ان كان طويلا قال الملّا محسن في الكلمات المكنونة بعد ان ذكر ان الماهيّة ليست بجعلِ جاعلٍ و كذلك الوجود الي ان قال بل تأثيره في الماهيّة باعتبار الوجود بمعني انه يجعلها متصفةً بالوجود لا بمعني انه يجعل اتصافها موجوداً متحقِّقا في الخارج فانّ الصّباغ مثلاً اذا صبغ ثوبا فانه لايجعل الثوب ثوباً و لا الصبغ صبغاً بل يجعل الثوب متّصِفاً بالصّبغ في الخارج لا اَن يجعل اتصافه به موجوداً في الخارج فليست الماهيات في انفسها مجعولة و لا وجوداتها في انفسها ايضا مجعولة بل الماهيات في كونها موجودة مجعولة و الوجودات من حيث تعيّناتها و خصوصياتها مجعولة و ذلك
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 36 *»
لان الامكان انما يتعلّق بالوجود من حيث التعيّن و التخصّص لا من حيث الحقيقة و الذات فانه واجب من هذه الحيثيّة فالوجود وجودٌ ازلاً و ابداً و الماهيّة ماهيّة ازلاً و ابداً غير موجودة و لا معدومة ازلاً و ابداً و ليست هي في منزلةٍ بين الوجود و العدم بل انما وجوداتها بالعرض و تبعيّة الوجود لا بالذات و لهذا لايسمي وجوداً بل ثبوتا و من هنا يعلم ان الماهيات عين الوجود و الحقيقة و ان كانت غيره بالاعتبار انتهي ما اردتُ نقله من كلامه فباللّٰهِ عليك انا اقدر آتي بكلامِ ردّ و تقبيحٍ اعْظم من تقبيحهم في كلامهم و باللّهِ عليك هل زدْتُ في وصفهم بالعدول عن الحق علي ما سمعتَ من كلامهم مع ان الملا محسن في كتابه قرّةالعيون قال اعلموا اخواني هديكم الله كما هداني مااهتديت الّا بنور الثقلين و مااقتديتُ الّا بالائمة المصطفَيْن و برئتُ الي الله مما سوي هدي الله فان الهدي هدي الله نه متكلمم نه متفلسف نه متصوّفم نه متكلّف بلكه مقلّد قرءان و حديث پيغمبرم و تابع اهل بيت انتهي ، ثم ذكر فيه من هذا النوع القبيح ما هو سخن العيون فباللّه عليك هل يدل شيء من القرءان او من احاديث النبي او اهل بيته صلي الله عليه و اهل بيته علي شيء مما ذكره بل الكتاب و السنة يبرأن الي الله من كلامه الفاسد و اعتقاده الكاسد و الحاصل انا اذا نقلتُ كلاماً لهم مايظهر لكل ناظرٍ بطلانه الّا بان اُبيِّنَهُ كلمةً كلمةً و لايسع المقام و لكني اذا اوردته فمن سبقت له العناية من الله تعالي بالهداية يظهر له ما خفي علي مُريديهم ثم اذا كان عندهم الماهية عين الوجود و انّما التغاير بالمفهوم كما سمعتَ من قول الملا محسن ان الماهيات عين الوجود و الحقيقة و ان كانت غيره بالاعتبار فالمصنف بني تقسيمه علي الاعتبار ام علي الحقيقة فان كان علي الحقيقة بطل اصل تقسيمه الذي جعله برهانه و دليله و ان كان علي الاعتبار سقط دليله من عين الاعتبار لانه يريد غير الوجود الصرف و الماهية كما سمعتَ عين الوجود و هو حق الّا ان يريد بالوجود احد الاعراض كالمصدري او العام او
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 37 *»
النسبي او الرابطي الوجود المصدري هو المعني المصدري المعبر عنه في الفارسية بودن و هو مصدر وَجَد و الوجود العام هو المعني البسيط المعبر عنه في الفارسية بهست و الوجود النسبي هو ما صار سبب نسبة موجود الي زيد في قولك زيد موجود مثلا و هو المعبر عنه في الفارسية باست كما تقول فلان قائم است فلان نايم است و اما الرابطي هو ما ينتزع من الخارج و هو عندهم امر اعتباري ذهني و ذلك كقولك زيد طويل فتنتزع الطول من الطويل و ليس له وجود خارجي و هو الرابط بين زيد و بين الطويل به قلت زيد طويل كذا قالوا ، ١٢ .
فان الماهيات غيرهَا في الانظار القشرية و امّا في النظر الذي هو من نور اللّه فكل شيء ماهيّة بنسبة رتبته من التحقق و الثبوت و كذلك الوجود الخاۤصّ المشوب بعدم او قصور فان الوجودات عندهم من حيث الحقيقة و الذات واجبةٌ فلايصح في الحقيقة اَنْ تكون الماهيات و الوجودات المشوبة غير الوجود كيف لا و هي عنده ازليّة ابديّة غير مجعولة بل هي في ذاتها اشياۤء متحققةٌ فما معني الوجود غير هذا و قوله و كل ماهيّة غير الوجود فهي بالوجود موجودة فيه ان الماهية اذا كانت عين الوجود كما سمعتَ من كلام دامادِه۪ و انّها اشياۤء ثابتة غير مجعولة بالذات فما معني كونها موجودة بالوجود و انما تكون موجودة بالوجود اذا لمتكن شيئا ثم كانت بالوجود شيئا و ايضا قد قدّمنا كلاما كثيراً في شأن هذا الوجود المدّعَي و نقول ايضا اذا رجعتَ الي فطرتك و فهمك و قطعتَ نظرك عن كل ما قالوا وجدت بالبديهة ان معني كون الشيء موجوداً انه هسْت و معني اوجده الله سبحانه يعني خلقه و احدثه و لميكن قبل ذلك شيئا كما قال سبحانه اولايذكر الانسان انا خلقناه من قبل و لميكُ شيئا يعني اخترعه و المراد به مثلا زيد فانه لميكن شيئا ثم احدثه سبحانه و المحدث هو الحيوان الناطق و اين حقيقته التي يسمونها بالوجود هل تجد شيئا غير الحيوان الناطق و لهذا اجمع العقلاۤء من العلماۤء و الحكماۤء ان قولك الانسان حيوان ناطق حد حقيقي تام جامع لجميع ذاتيات الانسان فلو كان الوجود حقيقة الانسان و هو غير الحيوان الناطق لماكان حدّاً تامّاً لكن لما كان المخلوق قبل الخلق معدوماً كان بعد الخلق غير معدوم بل هو موجود فيقال اوجده اللّه عز و جل بعد العدم و يرجع
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 38 *»
معني الوجود الي واحد من المعني المصدري او العام او النسبي او الرابطي و كلها من العام بمعني هست كما في الفارسية و المصنف الذي يبالغ في الوجود و انه شيء غير هذه لانه اصل الموجود و هذه صفات الموجود و يتكلف التكلفات التاۤمّة ما يخرج في جميع عباراته عن واحدٍ من هذه و ان لميرده حيث لايقدر علي غيرها اذ ليس غيرها و انت اذا تتبّعت كلماته وجدتها كلها تدور علي احد تلك الاربعة فتعرف ذلك بما اذا قابل ما ذكره بضده و معلوم ان كل شيء اذا لميوجد لميكن موجوداً و انما يكون موجوداً بالوجود اي اذا كان موجوداً لا انّ الوجود شيء تخلق به الاشياۤء قاۤئم بها او قاۤئمة به الّا مواۤدها و صورها و هما صدرَا عن احداث اللّه تعالي لهما بفعله و ايجاده و به كان الموجود كونَ صدورٍ و نحن نعبّر عن المادة بالوجود الموصوفي و عن الصورة بالوجود الصفتي و قوله فهي بالوجود موجودة لا بنفسها يريد به انها كانت ثابتة في العلم الازلي فاشرق عليها نور الوجود كالاواني في المكان المظلم اذا اشرق عليها نور ظهرت و كانت قبل الاشراق ثابتة غير ظاهرة و انت اذا نظرت في ذلك النور المظهر للاواني وجدته لا تأثير له في ايجاد الاواني اذ هي موجودة قبل اشراقه و هذا مرادهم و قد سمعتَ ما مثّل به الملّا محسن من الثوب و الصبغ و علي ما قالوا لاتكون الماهيات بالوجود موجودة نعم هي به ظاهرة و علي هذا لميكن الوجود حقيقة و انّما هو عرض من ساۤئر الاعراض و الحقيقة انما هي الماهية فانظر الي هذا التناقض و الاضطراب في كلامهم و اعتقادهم و نحن نقول كما قالت ائمتنا عليهم السلام ان الماهيات قبل الايجاد لمتكن شيئا لا موجودة و لا مذكورة و لا معلومة بل كان الله وحده سبحانه و لا شيء معه و لايعلم انّ معه شيئا كما قال الصَّادق عليه السلام كان ربنا عز و جلّ و العلم ذاته و لا معلوم و السمع ذاته و لا مسموع و البصر ذاته و لا مبصر و القدرة ذاته و لا مقدور فلمّا احدث الاشياۤء و كان المعلوم وقع العلم منه علي المعلوم و السمع علي المسموع و البصر علي المبصر و القدرة علي المقدور ه ،
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 39 *»
ثم انه عز و جل امكن الممكنات علي وجهٍ كلّي لايتناهي في الكلي و الجزئي مثل الجزئي علي وجهٍ كلي امكان زيد فانه يمكن ان يكون عمراً و ارضاً و سماۤء و برا و بحرا و حيوانا و نباتا و جماداً و جنة و ناراً و نبيّا و كافرا و ملكا و شيطانا و ماۤء و هواۤء و معني و عينا و جوهرا و عرضا و غير ذلك الي ما لا نهاية له فاذا اوجده زيدا و هو فرد من تلك الافراد الغير المتناهية بقي ما سواه علي حكم الامكان في مشيته تعالي فاذا شاۤءَ غيّر زيداً الي ما شاۤء مما لايتناهي و ان شاۤء اخرج من امكانات زيدٍ ما شاۤء مع بقاۤء زيد و هو سبحانه علي كل شيء قدير فكانت تلك الممكنات خزانته الّتي لاتفني ينفق منها كيف يشاۤء و منها ايجاد كل شيء و منها امداد كل شيء و هي علمه الامكاني الذي لايحيطون بشيءٍ منه الّا بما شاۤء اي بما كوّنه منها فالاولي خزانة الممكنات الكليّة الّتي لاتتناهي ابداً و هي طبق مشيته الامكانية لايكون شيء منها زائداً علي الامكانات فتتعلق بواجبٍ او بممتنعٍ او بغير شيء و لايكون شيء من الامكانات زاۤئداً عليها بحيث لايمكن ان تتعلّق به مشيّة بل هي طبقها فالمشيّة ادم الاكبر الاوّل و الامكانات حَوّاه و وقتهما السرمد و كل واحدٍ من الثلاثة طبق الاخر و مساوقٌ له و الثانية خزانة المكونات و هي طبق المشية الكونية و المشيّة الكونية هي المشيّة الامكانية و انما اختلف الاسم باعتبار المتعلّق و وقتها السرمد لانها هي الاول و وقت متعلقها المقيّد الدهر للعقول اوله و للنفوس اوسطه و للمواد اخره و للاجسام الزمان اعلاه لمحدّد الجهات و اوسطه للسموات و اسفله للجمادات و النباتات و اوّل متعلّقها الحقيقة المحمدية و وقتها وجهه الاعلي من السرمد و وجهُهُ الاسفل من الدهر فهي برزخ بين عالم الامر و عالم الخلق و كذلك عالم المثال برْزخ بين المجردات و الجسمانيات و وقته كذلك وجههُ الاعلي من الدهر و وجهه الاسفل من الزمان و انما اشير الي هذه النبذة و امثالها و ان لميكن في الظاهر لها تعلّق بكلام المصنف لاني مااريد خصوص شرح كلامه و انما اريد اثبات الاشارة و الهداية الي حكمة ائمة الهدي عليهم السلام و
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 40 *»
اعتقادهم فاذا مرّ شيء له تعلّق ما في الباطن بشيء من حكمتهم عليهم السلام ذكرتُ نبذةً منه فافهم فقولنا تبعاً لقول موالينا و ائمتنا عليهم السلام ان الماهيات لمتكن قبل الايجاد شيئا لا موجودا و لا ممكنا و لا مكوّنا و لا كائنا و لا مذكورا و لا معلوما فلمّا امكن الامكانات كانت موجودة بالوجود الامكاني معلومة مذكورة بالعلم الامكاني الذي لايحيطون بشيء منه فاذا شاۤء تكوينها كوّنها فكانت معلومة له تعالي ايضا بالعلم الكوني و كانت معلومةً لاولياۤئه الذين اشهدهم خلْقها حين كوّنَها بمشهدٍ منهم عليهم السلام فان اردنا منها المعني الاول من الاطلاق في الخلق الاوّل كما ذكرنا كانت مكوّنة بعد تكوين الوجود بِسبعينَ سنةً لانّها ح۪ينئذٍ هي الصورة و الوجود هو الماۤدّة النوعيتان و الفعل المتعلّق بها في احداثها صفة للفعل المتعلق بالوجود في اِحْدَاثِه و ان اردْنا منها المعني الثاني كانت هي الشيء و هي الوجود و هي المخلوقة في رتبتها اوّلاً و بالذّات و الوجود في هذا اعني المعني الثاني من الاطلاق في الخلق الثاني هي بلحاظ انه نور الله و اثر فعل اللّه و صنع الله كما تقدم فقول المصنّف و لو اُخِذَتْ نفسها مجردة عن الوجود لمتكن نفسُها نفسَهَا الخ ، فيه امّا علي قولنا فقد سمعتَ حكمها خصوصاً علي المعني الثاني فانها هي الشيء و الوجود ان كان غير الايجاد اي الاحداثِ فهو عرض كما سمعتَ انه ح من احد الاربعة لا مناص عنه و ان كان هو الايجاد فهو الفعل و هو كحركة يد الكاتب تحدث بها الكتابة و لاتكون منها و انّما هي من المداد و امّا علي قوله فاذا كانت هي الاعيان الثابتة الغير المجعولة قبل الوجود و هي عين الوجود و الحقيقة و هي الصور العلميّة و هي غير مجعولة قبل وصفها بالوجود و بعده فانها اذا اُخِذَتْ مجرّدة عن الوجود فهي هي لانها عنده كاۤئنة في الازل بغير تكوين و لا جَعْلٍ فلو لمتكن متحقِّقةً قبل وصفها بالوجود الذي يريده لميصح اَن يقال انّها في علمه الذي هو ذاته ثابتة وَ انّها عين الوجود و انها صور علمية و انها كاۤئنة بغير جعلٍ لانّ ثبوتَ شيءٍ لشَيْءٍ فرع علي ثبوت ذلك الشيء و وجوده۪
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 41 *»
و قوله و ذلك الوجود يعني الوجودات المشوبة اِن كان غير حقيقة الوجود يعني صرف الوجود ففيه تركيب من الوجود بما هو وجود يعني ان تلك الحصّة من الوجود من حيث هو اي مُبرَّأةٌ عن النقاۤئص و الاعدام لذاتها فانها من حيث الذات و الحقيقة واجبٌ كما تقدم في كلام الملا محسن و من خصوصيةٍ اخري اي مركب منهما و كلّ خصوصية غير الوجود فهو عدم او عدمي و هذا منتقض بكون الخصوصيّة من الواجب و ذلك لانّ ذلك اما من الوجودات او من الماهيات و الوجودات قد برّأ ذاتها عن النقاۤئص و الاعدام و الماهيات ليست مختصةً بماهيات الانسان او الحيوانات بل المراد بها ماهيات الاشياۤء جواهرها و اعراضها اذ هي صور المعلومات كلها و قد تقدم في كلامهم انها عين الوجود و الحقيقة فيكون الجزءانِ من المركب من الوجود و الحقيقة فاين العدم لان الوجود ليس بمجعول و الماهية ليست بمجعولة و لميكن في المركب شيء مجعول الّا جعل الموضوع متّصفا بالمحمول و الموضوع عند المصنف في الخارج الوجود و في الذهن الماهيّة و صريح كلام داماده في الكلمات المكنونة ان الموضوع هو الماهية لانّ جعلها متصفةً بالوجود عبارة عن حمل الوجود عليها و عنده انها ليست في نفسها مجعولة و كذا الوجود و انما يتعلق بها الامكان من جهة الاتصاف و يتعلّق بالوجود من جهة التعيّن و التخصّص فالجعل انما لحق التركيب و التركيب ماهية ايضاً فلا جعل في الحقيقة و لهذا قال شاعرهم :
اللّهُ ربّي خالقٌ ** * ** و بريق خَلقي خُلَّبُ
يعني ليس له حقيقة و انما هو موهوم و ان قال بعدميّة التركيب فقد قال و العدم لا دخل له في موجودية الشيء و الوجود و الماهية في انفسهما عين الوجود و الحقيقة كما قالوا فمن اين يجيء العدم لما يجعله غير الوجود و هو يرده في الحقيقة الي الوجود و لكن يقول الشاعر :
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 42 *»
كم ذا تموه بالشعبين و العلم ** * ** و الامر اوضح من نار علي علم
اراك تسئل عن نجد و انت بها ** * ** و عن تهامة هذا فعل متهم
فاقول للمصنف كما اقول لداماده قل انا الله و لاتخف فانك بالتصريح تستريح و تريح و قوله فهو عدم او عدمي اي ظلّ موهوم او اعتباري فرضي او مجتثّ الاصل فيه ما ذكره من ان مراده بغير حقيقة الوجود هي الوجودات المشوبة و الماهيات الثابتة و هم قد نصّوا علي ان الوجودات المشوبة انّما يتعلّق بها الامكان من حيث التعيّن و التخصّص لا من حيث الحقيقة و الذات فانه واجب من هذه الحيثيّة بمعني انَّ وجود زيدٍ قبلَ تعيّنه و تخصّصه بزيد هو واجِبٌ و انّما تَعلَّق بهِ الامْكان لتعيّنِه و تخصُّصِه بزيدٍ و امّا من حيث ذاته فانه واجب فان كان يريد انه عدم يعني لميتعين بزيد او ان اصل ما تعين بزيد عدم فهو مجتث الاصل فهو باطل لان عدم الاختصاص لايجعله عدما او عدميا لانه لذاته واجب و ان كان من حيث التركيب ممكنا و هم يقولون الوجود وجود ازلا و ابدا فانه اذا كان مشوبا مركبا ليس وجودا ازلا و ابدا ثم كيف يكون الواجب مركبا و مشوبا و يكون عدما و عدميا و كيف يقبل الوجوب حالات متغيرة متبدلة و كذا الكلام في الماهيات بالطريق الاولي فالاولي للمصنف ان يأتي بعبارة غير هذه فيقول ان كان الوجود قديما واجب الوجود فهو الحق تعالي و ان كان غيره فهو حادث ممكن الوجود و يستريح من هذا الخبط القبيح من العاقل في الدنيا و الاخرة و قوله و كل مركب متأخر عن بسيطه هذا علي الظاهر صحيح عند العوام لانه يريد به التأخر الزماني و لكن الواقع ان بعض المركبات متأخرة عن بسائطها اذا كانت بسائطها مركبة كالجدار المركب من طين مركب من الماء و التراب و من حجر مركب من طين مركب من ماء و تراب او من صخر مركب
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 43 *»
من ازدواج العناصر و بعض المركبات ليست متأخرة عن بسائطها البسيطة و انما هي مساوقة لها في الظهور و اما التقدم الذاتي اذا لوحظ هنا فهو من نوع البسائط المركبة كالمركب من الكسر و الانكسار فان بسائطه مساوقة له في الوجود و اذا اعتبرت تقدمها علي مركبها ذاتا كتحققها في العلم و التصور فانها حينئذ مركبة لان الكسر انما يتصور قبل المركب منه اذا كان مركبا من مادة هي هيئة المنتزعة من كسر خارجي في مركب و من هيئة ذهن المتصور من بياض و كبر و استقامة و صفاء و اضدادها كالصورة في المرءاة فانها مركبة من صورة المقابل المنفصلة هي مادتها و من هيئة المرءاة اعني هيئة زجاجيتها من بياض و كبر و استقامة و صفاء و اضدادها و ذلك كما لو تخيلت العرض فان تخيّلته من حيث هو عارض كانت صورته و صورة معروضه مادة “٦” لصورة علمك بذلك و صورتها “٦-” هيئة خيالك من حيث صفاۤئه و استقامته و سعته و اضدادِها و ان تخيّلته وحده كانت صورته وحدها مادة لصورة علمك به و صورتها هيئة خيالك كذلك فلاجل ذلك قلنا ان بعض المركباتِ تتأخر عن بساطتها ظاهراً ان كانت بساۤئطها مركبة و ذاتا ان كانت بساۤئطها مركبة في العلم و بعضها لاتتأخر عن بساۤئطها اذا كانت بساۤئطها بسيطة بعدم كونها معلومة قبل مركباتها مثل اوّل صادرٍ عن فعلِ اللّه سبحانه فانه لا بدّ ان تكون فيه الجهتان جهة من ربه و جهة من نفسه اذ كل مفعول مركب من جهتين فصاعداً و اول صادرٍ مركب من الجهتين و لايتأخر عنهما بل يكون مساوقاً لهما فافهم و احتفظ بهذه المسئلة فانها من اسرارهم عليهم السلام قال الرضا عليه السلام مشيراً الي ذلك لمن كان له قلب او القي السمع و هو شهيد ان الله سبحانه لميخلق شيئا فرداً قاۤئما بذاته دون غيره للذي اراد من الدلالة علي نفسه و اثبات وجوده ثم تلي عليه السلام قوله تعالي و من كل شيء خلقنا زوجين لعلكم تذكرون مستشهداً بذلك و قوله و العدم لا دخل له في موجوديّة الشيء و تحصّله هذا حقّ و لكنه هو الذي حكم عليها بالوجوب و الوجود و هو الذي حكم عليها بالعدم و قوله و ان دخل في حده و مفهومه غير مسلم لانّه ان كان ما يشير اليه
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 44 *»
من العدم شيئا فله مفهوم و له تحقّق امّا امكانيّ و امّا كوني و هو مخلوق لانه اذا تصوّر شيئا فهو لانه موجود فاذا قابله بمرءاة ذهنه انطبعت صورته في مرءاة ذهنه فما في الذهن لايكون الّا ظلّاً لخارجي بدليلِ انّك لاتتصور شيئا الّا بان تلتفِتَ بذهنك الي مكانه و وقته و لاتقدر ان تذكر شيئا الّا اذا نظرتَ بذهنك الي مكانه و وقته و الوجدان شاهد به شهادة عيان و قول الصادق عليه السلام كل ما ميّزتموه باوهامكم في ادقّ معانيه فهو مخلوق مثلكم مردودٌ عليكم و قول الرضا عليه السلام كما رواه في اول علل الشراۤئع بسنده الي الحسن بن علي ابن فضّال عن ابيالحسن الرضا عليه السلام قال قلتُ له لِمَ خلق اللهُ الخلق علي انواع شتي و لميخلقه نوعاً واحداً فقال لئلّايقع في الاوهام علي انه عاجز و لاتقع صورة في وهمِ احدٍ الّا و قد خلق الله عز و جل عليها خلقاً لئلّايقول قاۤئل هل يقدر الله عز و جل علي ان يخلق صورة كذا و كذا لانه لايقول من ذلك شيئا الّا و هو موجود في خلقه تبارك و تعالي فيعلم بالنظر الي انواع خلقه انه علي كل شيء قدير ه ، و قوله تعالي و ان من شيء الّا عندنا خزاۤئنه و ماننزله الّا بقدر معلوم و منها الصورة التي في الذهن فانها لاتقع في ذهن شخص الّا بعد ان يُنزلها سبحانه من خزاۤئنها الثمانيةعشر الي ذهنه بمشية و ارادة و قدرٍ و قضاۤء و اذن و اجلٍ و كتاب كما دلّت عليه اخبارهم عليهم السلام و فيها فمن زعم انه يقدر علي نقص واحدة فقد كفر و في رواية اخري فقد اشرك و روي نقص بالصاد المهملة و المعجمة و ايضا حين اختلف زرارة و هشام بن الحكم في النفي فقال زرارة ليس بمخلوق و قال هشام هو مخلوق فقال الصادق عليه السلام للساۤئل قل بقول هشام في هذه المسئلة و الحاصل انّ مَنْ تصوّر من النفي شيئا و له اسم يصدق عليه فهو مخلوق و الّا فلايدخل في مفهوم و لا حدٍّ اذ لايدخل في شيءٍ الّا شيءٌ و كل شيءٍ ماخلا الله سبحانه فاللّه خَلَقهُ
و قوله و ثبوت كل مفهومٍ لشيء و حمله عليه سواۤء الخ ، صحيح في ان ذلك الشيء الذي حمل عليه مفهومٌ موجودٌ لانّه لايصح الحمل الّا علي موجودٍ لان ثبوته له فرع علي وجوده و كذلك المحمول فانه لو لميكن موجوداً لم
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 45 *»
يصح حمله اذ لايصح حمل لاشيء و مجرّد التصور لو سلّمنا امكانه بدون وجود المتصوّر لايجعل المحمول عليه محمولاً عليه فاذا تصوّرتك قديماً و قلتُ انتَ قديمٌ مَاكنتَ بقولي قديماً مثل مذهب المصنّف ان الامكان ليس بشيء مخلوقٍ و انما هو امر اعتباري فاذا قلتُ عصاي ممكنة لماحمل عليها شيئا علي قولهم فاذا لمتكن ممكنة كانت قديمةً و هي عندهم مخلوقة و ما يجيبون به مثل كلامي هذا وساوسُ و ترّهاتٌ لايحسن ان تُكتب و لولا انّ البيان واجب من اللّهِ سبحانه علي مَن علّمه البيان لكان اكثر ما ذكروا يحرم ذكرها و تدوينُها في الكتب ثم انّا نقول انّ استدلاله هذا اذا بناه علي ما نذهب نحن اليه من انّ الوجودات التي يصحّ نسبتُها الي الحوادث حوادث اخترعها عز و جل لا من شيءٍ بل اشتقّها من اثار فعله كاشتقاق الضرب بسكون الراۤء من ضرب بفتح الراۤء الذي ينبئ عن حركة الفاعل و انّ الماهيات خلقها من نفوس تلك الوجودات من حيث انفسها و لميكن لشيء من الوجودات و لا لشيءٍ من ماهيّاتها ذكر في علمٍ بكونٍ و لا عينٍ الّا بكونها ممكنة بامكان اللهِ تعالي و لميكن لها ذكر في عينٍ و لا علمٍ قبل جعلِها ممكنة بحالٍ من الاَحْوالِ بل كان الله سبحانه متوحِّداً بِذاته لايعلم ان معه في ازله الا ايّاه و ليس في علمه الذي هو ذاته الّا هو و هو الان علي ما كان يعلمها و يعلم كل ما سواه في اوقات وجوداتها و امكنة حُدودِها فاذا بني استدلاله علي هذا الذي هُو مذهب ائمة الهدي عليهم السلام صحّ استدلاله معنيً لان كلّ ما سوي اللّه عدم من حيث حقيقته و انّما هو الله سبحانه افادها انفسها و وجودها من فعله بواسطة علَلِها فافاد المعلول بواسطة علّته و افاد علّته بواسطة علّيّتها و هكذا فيصحّ اوّل استدلاله الي قوله و الكلام عاۤئد اليه فيه و امّا قوله او ينتهي الي وجودٍ بحتٍ فليس بصحيح ان اراد الحقيقة كما هو مذْهَبُهُ و لو ارادَ المَجاز كما هو مذهبُنا تبعاً لمذهبِ اَئمّتِنا عليهم السلام كان صحيحاً و ذلك ما قرّره سيّد الوصيين صلوات اللّه عليه قال (ع) انتهي المخلوق الي مثله و الجأَه الطلب الي شكله ه ، فيكون قوله او ينتهي الي وجودٍ بحتٍ لايشوبه شيء اي الي افاضة فعل وجودٍ بَحْتٍ لايشوبه شيء فيكون نسبة
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 46 *»
الانتهاۤءِ اليه سبحانه عبٰارة عن نسبته الي فعله مجازاً .
قال { فظهر ان اصل موجوديّة كلّ موجودٍ هو محض حقيقة الوجود الذي لايشوبه شيء غير الوجود فهذه الحقيقة لايعتبر لها حدّ و لا نهاية و لا نقص و لا قوّة امكانيّة و لايشوبها عموم جنسي او نوعي او فصلي او عرضي او خاۤصّي لانّ الوجود متقدّم علي هذه الاوصاف العارضة للماهيات و ما لا ماهيّة له غير الوجود لايلحقه عموم و لا خصوص فلا فصل له و لا تشخّص له بغير ذاته .}
اقول قوله فظهر انّ اصل موجوديّة كل موجود هو محض حقيقة الوجود مبني علي ما ذكر من مذهبه و فيه ما ذكرنا من مذهبنا لانّ قوله محض حقيقة الوجود يشير الي القول بالسِّنْخ يعني به انّ اصل موجودية المخلوق هو ذات الحق عز و جل و هو مذهبه في هذه المسئلة فانّ اصل موجودية الجدار هو وجوده و كل وجودٍ فهو ذات الحق تعالي ربّي او من ذاتِ الحق تعالي و كلامه هذا تفريع علي ما ذكر قبله فوجود الجدار من حيث ذاته و حقيقته عنده واجب و الامكان لحق تعيّنه و تخصُّصَهُ بالجدار كما مثّلوه بالبحر و امواجه فان البحر هو الكل في وحدته و الموجة جزؤ من البحر تعيّن بالموجة و تخصّص بضرب الريح فتميّزت من كبر و صغر و ارتفاع فاذا سكنت الريح التي هي علة تحريك الماۤء الذي هو علّة تميّز الجزء من ماۤء البحر ذهب التميّز و اتّصل الجزء بالكلّ فليس الّا البحر و مثّلوه بالثلج و الماۤء فانّ الماۤء هو اصل موجوديّة الثلج تعيّن ذلك الجزء للثلج باشتداد البرودة حتّي جمد الماۤء فكان الجامدُ ثلجاً يقبل الكسر فاذا ذهبت البرودة ذاب الثلج فصار ماۤءً لا كسر فيه اذ الكسر لميقع في الماۤء و نحو ذلك من تمثيلاتهم كالحروف اللفظية من النفَس بفتح الفاۤءِ و كالاعداد من الوَاحد و كالحروف الرقميّة من المداد و قد بيّنّا بطلان ذلك في اكثر كلماتنا بل لكثرة اعتناۤئنا بابطال ذلك ربّما يتوهّم مَن لايعلم انّي مااردتُ الّا مكابرةَ هؤلاۤءِ و عنادهم و ليس بيني و بينهم نبوَة و انّما اُبَيِّن ما لااُعْذَر في ترك تبيينه و الله علي ما نقول وكيل و قوله فهذه الحقيقة لايعتبر فيها حدّ و لا نهاية قد اشرنا فيما تقدّم ان
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 47 *»
كلام المصنّف في بيان الوجودات المشوبة يلزم منه كونها جِنْساً و قوله قبل هذا او ينتهي الي وجودٍ بحتٍ و يريد اَنّ الاشياۤء في تقوُّمِها و افتقارها و تحقّق وجودها تنتهي الي الذات البحت حقيقة يلزم منه انّ الذّات تكون غايةً و نهاية لغيرها و قد اطبق الحكماۤء و العلماۤء علي انّه اذا انتهي شيء الي شيء غيره كٰانا حادثَيْنِ لانقطاعِ كلٍّ بالاخر و لانه اِنْ حَلّ احدهما في الاخر لزمهما الحدوث و ان افترقا او اجتمعا لزمهما الحدوث لان الافتراق و الاجتماع من الاكوان الاربعة التي لاتكون الّا في الحوادث و كذا الحال و المحلّ و برهان هذه ظاهر و لهذا نفي المصنّف النهاية و لا نقص و لا قوة امكانيّة قد بيّنّا فيما سبق ان حكمه بكون الافاضة و الايجاد و الاشياۤء من نفس ذاته يلزم منها النَقص و الاسْتكمال و الفقدان المستلزمة للحدوث و لهذا بمقتضي طبيعة الفِطرة نفاها عن مقام الوجوب و بمقتضي طبيعة تغيير الفطرة و تبديلها اتي بما يلزم منه ذلك المحذور و قوله و لايشوبها عموم جنسي او نوعي او فصلي الخ ، الحقّ انّ الحقّ سبحانه و تعالي منزَّهٌ عن ذلك كلِه۪ كما قال الّا ان كلامه يلزم منه كل ما نفاه و تعليله في قوله لان الوجود مقدّم علي هذه الاوصاف العارضة للماهيات الخ ، يبطله حكمه هو و اتباعه بانّ كلّ شيء في الازل و الازل ليس فيه تقدّم او تأخّر فكلّ ما في الازل حكمه واحد و حكم من قال بان التقدم و التأخر و الشدة و الضعف و ما اشبهها اذا كان من نفس الشيء لذاته من دون شيء غيره لايضر و لاينافي القدم و الوجوب باطل لان ذلك لايتحقق الّا في المختلف المتعدّد اذ الوحدة الحقيقية لايصح فيها فرض تقدم و تأخّر و شدّة و ضعف امّا علي مذهبنا فظاهر لان الازل هو الله سبحانه لا انّه ظرف فيه الواجب تعالي و غيره او يصلح لغيره و امّا عندهم فكلامهم مختلف مضطرب مع انهم يجعلون فيه اشياۤء مُتَعدِّدة و فيه التقدم و التأخر و اذا عورضوا في ذلك قالوا انها موجودة لله سبحانه وجودا جمعيّا بغير تكثر و يقولون المشية قديمة في الازل هي ذات اللّه و لكنها متأخرة ذاتا و قالوا علمه بذاته هو علمه بمخلوقاته الّا انه متأخر عن علمه بذاته و قالوا
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 48 *»
كلامه صفة قديمة ازليّة لكنها متأخرة عن الذات رتبة و لاادري كيف يرضون ان يكون البسيط متكثرا متعدِّداً و بعضه سابق علي بعض قال الملّا في الوافي في بيان معني قوله عليه السلام و لاكان خلواً من الملك قبل انشاۤئه الخ ، قال و تحقيقه ان المخلوقات و ان لمتكن موجودة في الازل لِاَنْفُسِها و بقياس بعضها الي بعض علي ان يكون الازل ظرفاً لوجوداتها كذلك الّا انها موجودة في الازل لله سبحانه وجوداً جمعيّا وحدانياً غير متغيّرٍ بمعني انّ وجوداتها اللّٰايَزاليّةَ الحادثةَ ثابتةٌ لله سبحانه في الازل كذلك و هذا كما ان الموجودات الذّهنيّةَ موجودةٌ في الخارج اذا قيّدت بقيامها بالذهن و اذا اطلقت من هذا القيد فلا وجود لها الّا في الذهن فالازل يسع القديم و الحادث و الازمنة و ما فيها و ما خرج عنها الخ ، فانظر كيف جعل الازل يسع القديم و الحٰادث و غيرهما فهل هو ذات ام محلّ ام وقت و هل يسع بنفسه ام بفعله و المعلوم من كلامه ان الازل ليس ذاتاً لقوله يسع القديم و الحادث و المعلوم ايضاً انه يسع بنفسه و لااقدر علي بيان ما فيه من المفاسدِ و مِن ذلك قوله في انوارالحكمة قال نورٌ تكلُّمه سبحانه عبارة عن كون ذاته بحيثُ تقتض۪ي القاۤء الكلام الداۤلّ علي المعني المراد لافاضة ما في قضاۤئه السَّابق من مكنونات علمه علي من يشاۤء من عباده فانّ المتكلم عبارة عن موجد الكلام و التّكلّم فينا ملكة قاۤئمةٌ بذَواتِنا نمكن بها مِن افاضة مخزوناتِنا العلميّة علي غيرنا و فيه سبحانه عين ذاته الّا انه باعتبار كونه من صفات الافعال متأخّر عن ذاته قال مولينا الصادق عليه السلام ان الكلام صفة محدثة ليست بازليّة كان اللّٰهُ عز و جل و لا متكلم و تمام الكلام في كلامه عز و جل يأتي في مباحث الكتب و الرسل انشاۤء اللّٰهُ انتهي كلامه و اقول قوله قال مولينا الصادق عليه السلام جارٍ علي العادة و الّا فمولاه الكاذب الّذي اقتدي به علي بن اسمعيل بن ابيبشرٍ الاشعري الّذي يقول بقدم الكلام و ذلك كما قال اميرالمؤمنين عليه السلام يقينُ المنافقِ يُرَي في عملِه۪ ه ، فانظر كيف يصح ان يكون ما هو عين ذاته متأخّراً عن ذاته فماادري مَنْ
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 49 *»
اخّره عن ذاته هل هو نفس الاعتبار مع كونه في نفسِ الْاَمْرِ و الواقع هو ذاته فيكون الاعتبار يقلب الحقاۤئِق حتي انّي اذا اعتبرتُ انّ الرّجل دبٌّ او حمار مشي علي اربعٍ و نَبتَ في بَشَرِهِ الشّعر ام هو في نفس الاَمْرِ متأخِّرٌ و لكن تلك الذات مشتَمِلةٌ علي حِصصٍ متعدّدةٍ بعضُهٰا متقدّم و بعضُهٰا متأخِّر و الكلّ غير خارج عن الذاتِ كما قال في الكلمات المكنونة في بيان سرِّ سرِّ القدر فانه قال و سرُّ سرِّ القدر انّ هذه الاعيان الناشية ليست اموراً خارجةً عن الحقّ بل هي نِسَبٌ و شئُونٌ ذاتِيّةٌ فلايمكن ان تتغيّر عن حقاۤئقها فانّها حقاۤئق ذاتِيَّاتٌ و ذاتيّات الحقّ سبحانه لاتقبل الجعلَ و التّغيير و التّبديل و المزيد و النقصان انتهي ما اردْتُ نقلَهُ و مرادي من الاستشهاد بكلماتهم ابطالُها لانّه يقول مثلاً هو بسيط مطلق و معني البساطة اللّاۤئقة بمقام الحقّ عز و جل انه احديّ المعني لايصحّ عليه شيء من انواع الكثرة و التعدّد و الاختلاف بجميع انواعها من النِّسَبِ و الاضافات و الكلّيّة و العموم و الاطلاق و الكُلّ و الاختلاف في الذات و الاحوال لا في نفس الامر و الوَاقع و لا في الخارج و لا في الذهن لا في الاحتمال و التجويز و لا في الفرض و الاعتبار مطلقاً ممّا يجري في الوجود او الوجدان و يشمل هذا و امثاله قوله عليه السلام كلّ ما ميّزتموه باوهامكم في ادقِّ معانيه فهو مثلكم مخلوق مردودٌ عليكم و مع هذه الاوصاف و الحدود التّوحيديّة يقول انّ وجودات الاشياۤء المشوبة بشيء من النقاۤئص و الاعدام قبل الشوب و بعده من حيث ذواتها و كذلك الماهيات من حيث لحاظ اللّامجعوليّة كلّ ذلك في ذاته البحت اذ هي صور علمِه الذي هو ذاته و ما لا ماهيّة له اي كلّ شيء ليس له ماهيّة غير الوجود يعني انّما له وجود خاصة و يريد به الواجب الحق سبحانه و قد قلنا سابقاً انه سبحانه له ماهيّة و هي وجوده فالاحسن في التعبير ان يقول ما كانت ماهيته نفس وجوده لايلحقه عموم و لا خصوص لان العموم تكثر ذاتي و تعدّد معنوي ظاهريّ بمعني وقوعه كالكلّ او تجويزه كالكلّي او الحكم علَيْه كاشتريتُ العبد كلّه و الخصوص حصر و تحديد ينافي القدرة المطلقة و العِلْم المطلق فهو لازم للحدوث و هو دليل صحيح و حقّ لا مرية فيه و انّما الاشكالات المنافية
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 50 *»
لاثباتِ الصَّانع و لاثبات التوحيد في ادلّتهم التي يعرفون بها المعبود عز و جل فانّها كما سمعتَ مستلزمة للجحود و تعدّد المعبود و تركّبه و تشبيهه بخلقه و انتَ فتح اللّه مسامعَ قلبك ان كنتَ تفهم ما اقول من كلامهم فالحمد لله علي التوفيق و ان كان فهمك متوقّفا علي بيان كلّ كلمةٍ فذاك نخرجُ به عَمَّا نحنُ فيه اذ كلّ كلمة حقيقيّةٍ فيها اشكالات متعددة و لاجل هذا اذكر كلامه و اَكِلُ فهم معناه و ما يرد عليه الي فهمك
فان قلتَ انا لاافهم منه الّا انه كلام مستقيم قلتُ قبل نقلي له علي جهة النقض له و الردّ عليه و ابطاله فكما قلتَ لانّكَ حٰالة الغفلة نظرتَ الي كلام مَن اقرّتْ له الفحول من العلماۤء و لايخطر علي قلبك انه غير مستقيم كما كان حال مَن قبلك من العلماۤء و ذلك لان الناظر مع الغفلة عن التنبيه يلتبس عليه داعي طبيعة الفطرة و داعي طبيعة الاعتياد و التغيير لخلق الله و التّبديل لِتشابُهِ الداعيين و تماثُلِ متعلّقِ كلٍّ منهما لمتعلّق الاخر كما قدّمنا من ان الحق و الباطل متشابهانِ و امّا اذا ذكرتُ لك ما كنتَ تظنّ انه صحيح بانّه باطلٌ ارتاعَتْ نفسُكَ و استغربَتْ ذلك فرَجعَتْ الي نفسِها فنظرَتْ الي ذلك الشيء بعين الفطرة الاولي الّتي فطر اللّه الناس عليها فعرفْتَ الشيء بنفسه لا بالالتفاتِ الي قول زيد و عمروٍ قبل اَن تلاحظ طبيعة التبديل المكتبسة كما في قوله تعالي فطرة اللهِ التي فطر الناسَ عليها لا تبديلَ لخلق الله اي لاتبدِّلوا خلقَ اللّٰهِ فعند ذلك تكون محسِناً للنظر مجاهداً لتحصيل الصواب فيما استغربَتْهُ نفسُك فتدخل في اهل قوله تعالي و الّذين جاهدوا فينا لنهدينّهم سُبُلَنَا و انّ اللّه لمع المحسنين فتفهّم هذه الدقيقة و هذا السّرّ في تحصيل الهداية الي الصواب فقوله فلا فصل له و لا تشخّص له بغير ذاته صحيح كما مر لان مَن لايجري عليه العموم و الخصوص ليس له فصل لان الفصل هو المميّز بين المشتركات في الذات و لا تشخُّصَ له بغير ذاته و ذلك لانّه اذا وُجِدَتْ ذاته بنفسها تشخّصت بنفسها بالطريق الاَوْلَي.
قال { و لا صورة له كما لا فاعل له وَ لَا غاية بل هو صورةُ ذٰاتِهِ و هو مصوّر كلّ شيءٍ لانه كمال ذاته و هو كمالُ كلّ شَيءٍ لانّ ذاته بالفعل من جميع الوجوه
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 51 *»
فلا معرّف له و لا كاشف له الّا هو و لا برهان عليه الا ذاته فشهد بذاته علي ذاته و علي وحدانيّة ذاته كما قال شهد اللّه انه لا اله الّا هو لان وحدته ليست وحدة شخصيّة توجد لفرد من طبيعةٍ و لا نوعيّة و لا جنسيَّةٍ توجد لمعني كلّيٍّ من المعاني و ماهية من الماهيات .}
اقول انّ المعبود بالحقّ عز و جل لا صورة له لانها من لوازم المصنوعية اذ لاتتحقّق المصنوعيّة الّا بتأليفِ من مادة هي وجوده علي اصطلاحِ القوم و من صورة هي ماهيّته علي اصطلاحهِمْ و لانها اي الصورة هي قابلية الماۤدّة “٢” للصنع و انفعالها “٢-” فكما انه عز و جل لا فاعل له يصنعه و لا غاية له اي لشيءٍ منه فيلزمها الابعاد سواۤء كانت حسّيّة ام معنويّة واقعة ام مفروضة ام محتملة كذلك لا صورة له و هذا مما لايختلف فيه احد الّا من عدل عن مقتضي الادلة القطعية مثل قوم من الصوفية فانّهم قالوا انّه متناهي الذات لانّ هذا هو مقتضي التفريد و الابانة من السواۤء غير متناهي القدرة و مثل الكراميّة و الحنابلة القاۤئلين بانّ البارئ تعالي جسم علي صورة الانسان حتي انّ قوماً منهم رَووا انّه نظر في المرءٰاةِ فرأي صورة نفسه فخلق ادم عليها و حكي ابواسحق النظام و محمد بن عيسي برغوث ان قوما قالوا انه تعالي الفضاۤء نفسه و ليس بجسم لان الجسم يحتاج الي المكان و نفسه مكان الاشياۤء و قال برغوث و طاۤئفة منهم يقولون هو الفضاۤء نفسه و هو جسم تحلّ الاشياۤء فيه الّا انّ هؤلاۤء قالوا و ليس بذي غاية و لا نهاية و لكن القول بالجسم يلزمه التحديد و النهاية كما برهن عليه في الحكمة و هذه الاقوال الفاسدة و امثالها ربّما نسبت الي اقوام من المعتزلة و الكراميّة و الحنابلة و قد قامت الادلّة القاطعة التي لايتوقّف فيها الّا مكابر او سوفسطاۤئي علي نفي الصورة و الجسمية و قول المصنف بل صورته ذاتُه صحيح لان الصورة في حقه تعالي كينونته و قيامه بنفسه و هي علمه بذاته فمعني علمه بذاته كينونته و معني كينونته قيامه بذاته و معني قيامه بذاته الغني المطلق و الوجوب الحقّ و معني الغني المطلق احتياج كل ما سواه اليه و قيام كل ما سواه به و مرادُنا من نسبة هذه
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 52 *»
المَعاني الي هذه الصفات هو العبارة عن معرفتنا لمفاه۪يم ما اراد منّا معرفته من وصفِه نفسَهُ لنا بهذه الصفاتِ لٰا ما هي عليه منْه عزّ و جلّ لان ذلك لايعلمه الّا هو لان ذلكَ هو ذاته سبحانه و تعالي و قوله و هو مصوّر كلّ شيءٍ يراد منه انّه لمّا كان ما سواه محتاجا اليه في كلّ شيء حتّي في معرفته نفسه و معرفة غيره له بانّه محتاج الي الغني عما سواه في كل شيء وَسَمها بمِيسم الفقر و الحاجة اليه بان قلّدها بالعلامة الداۤلّة علي ذلك الافتقار المطلق و هي الصورة الجارية علي طبق ارادته عز و جل لتكون عاۤمّة الدّلالة علي ما اراد من شرحه و بيانه لاولي الالباب من قوله عز و جل ان في خلق السموات و الارض و اختلاف الليل و النهار لايات لاولي الالباب الذين يذكرون الله قياماً و قعوداً و علي جنوبهم و يتفكرون في خلق السموات و الارض ربّنا ماخلقتَ هذا باطلاً سبحانك فقنا عذاب النار فكانت الصورة للاستشهاد و الاستدلال كمالاً للاية و الدّليل كما انّها نقص في حق المستدلّ عليه لانها وسم الفقر و الاحتياج و حيث كان التصوير هدايةً و تعليماً لاداۤء الشهادة بما حُمِّلَ من بيانها عَلَي طبق ما اراد من العباد كان الصنعُ و الايجاد جارياً علي حكم قبول قوابلها للامداد ليقوم التكليف بالقسط و العدل في البلاد و لهذا شاۤء تصويرهم علي حسب الاستعداد فقال تعالي في اي صورةٍ ما شاۤء ركبك فما استقام في تصوّره فمن حسن اجابته و قابليته و ما اعوجّ في تصوّره فمن سوۤء انكاره و قابليته قال تعالي و لكلٍ دَرجاتٌ ممَّا عملوا ، و قوله و هو كمال كلِ شيءٍ فالجملة معطوفة علي قوله بل هو صورة ذاته ثم علّل كونه كمال كل شيء بكون ذاته بالفعل فقال لانّ ذاته بالفعل اي لايكون شيء من كمالِها و مما تكمّل به غيرها بالقوّة او فاقدة له بل كل ما لها من كل شيء من الكمالات بالفعل اي حاصل له غير منتظرٍ و لا متوقعٍ لمفقود او لما بالقوّة و يريد المصنّف انّ كل كمال وصل الي احدٍ من الخلق كلّيّ او جزئيّ فهو في ذات الله عز و جل بالفعل علي نحوٍ اشرف منه في غيره لانه غير منتظر لشيء من الكمالات مما يعلم و ممّا لايعلم و كلّها فيه بالفعل لان الغني المطلق
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 53 *»
ليس فيه ما بالقوة من جميع الوجوه و الّا لكان مقيّداً في حالٍ و هذا هو المطابق لما يذهب اليه من انّ معطي الشيء ليس فاقداً له في ذاته و ان كلّ شيء من انواع الخيرات و الكمالات و الوجودات فهو في ذاته بنحوٍ اشرف و لا ريب انّ تصوير الشيء بصورة طاعته و بصورة معصيته كمالٌ لانه صوّره بصورة اجابته سواۤء كانت خيراً ام شرّاً يعني انِ استجاب لله تعالي حين قال له الستُ بربّك و محمّد نبيّك و علي و اله عليه و عليهم السلام ائمتك و اولياۤئِك الاستجابة الحسني بتصديق الجَنَان و قول اللسان و عمل الاركان صوّرَهُ بصورةِ اجابته و هي صورة الايمان و التوحيد و ان استجاب لله تعالي الاستجابةَ السّوۤءي بان انكر ذَلكَ بعد البيان صوره بصورة انكاره و هو صورة المعاصي و الكفر و لا ريب انّ التصوير علي هذا التقدير في شأن الفريقين كمال و حقّ كما ذكرنا فيكون بالفعل له في ذاته بنحوٍ اشرف و الّا لكان فاقدا او منتظراً للوجود او للبلوغ كما في ما هو بالقوّة او محتاجاً لغيره في افاضة الخير و الكمالات الي الغير هذا علي مذهبه من كونها في ذاته بنحوٍ اشرفَ و امّا علي مذهبنا فتصويره سبحانه للاشياۤء كمال في حقّها و ما هو كمال في حقها فهو نقص في حقّه عز و جل مثلا كمال الممكن في الاستمداد و الزيادة و الاستمداد و الزيادة نقص في حق الواجب سبحانه و تعالي فكلّ كمالٍ يصل الي الممكن فنَقول فيه امّا ان يكون حادثا او قديماً فان كان حادثا امتنع ان يكون في ذات اللّهِ و ان كان قديما امتنع ان يكون في ذات الحادث فان قلت الذي في ذات اللّهِ سبحانه لاينزل بنفسه الي الحادث و انما النّازل اليه اثره و ظهوره الاتري انّك اذا علمتَ مسئلةً من العلم كانت في نفسِك فاذا علَّمت بها زيداً لمتنزل هي بنفسها الي زيد بحيث تخلو نفسُك منها كالدرهم اذا اخرجته من الكيس خلا الك۪يس منه و انّما ينتقش في نفس زيد صورة ما انتقش في نفسك من المسئلة فكذلك ما نحن فيه قلتُ لك اوّلاً هذا الاثر النازل اثر فِعْليّ ام اثر ذاتي بمعني ان النّازل مصنوع من شعاع ما في الذات اِمَّا بمعني ان ما في الذات اثّر مثله في زيد بفعلٍ منه من مادّة مخترعةٍ و انما هيئة النازل كهيئة فعلِ ما في
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 54 *»
الذات كالكتابة فان مادّتها و هو المداد لا من حركة يد الكاتب و لا من نفس يده و لا من نفس الكاتب و انما الذي من الكاتب ان هيئة الكتابة هيئة حركة يده لا نفس الحركة و لا هيئتها المتّصلة بالحركة و انما هيئة الكتابة هي شعاع هيئة حركة يد الكاتب و لهذا نعبِّر عن هيئة الكتابة بانّها هيئة حركةِ اليدِ المنفصِلةُ من جهة انّ هيئة الكتابة هيئة حركة يد الكاتب لكن لحركة يده هيئتان هيئة متّصلة بالحركة لاتفارقها اذ لاتتحقّق الحركة الّا بها و هيْئة منفصلةٌ عنها و هي التي تقوّمت بها الكتابة و المنفصلة شعاع للمتّصلة و اِمَّا بمعني انّ ما في زيدٍ نفس ظهور ما في الذات اي تنزّله بنفسه في مراتبه الي زيد و عمروٍ او حصّة من الذات وصلت الي زيد و لايصح للمصنّف و اتباعه شيء من ذلك لانّه ان كان النازل اثراً من فعل الذات مخترعاً لا من شيء صحّ لنا ذلك و لايصح لهم لانّ اثر فعل الذات المخترع لا من شيء لايصح ان يكون في الذات و الّا لميكن مخترعاً فعلي هذا يكون المعطي فاقداً له في ذاته لانه لاحق بالصفات السلبيّة نعم يكون العبارة عنه في حق الحق عز و جلّ ان معطي الشيء ليس فاقدا له في ملكِه۪ و ان كان النازل ظهور ما في الذات بمعني تنزّله بنفسه فقد كانت الذات مختلفة الاحوال و مختلف الاحوال حادث و ذلك بالنسبة الي احوال الظٰاهر و الظهور فان حالة الظهور غير حالةِ البطون و ان كانت في مراتبه و لهذا حكموا علي الوجودات بانّها تلحقها من المراتب عوارض تشوبها و هي نقاۤئص و بها تميّزت من صرف الوجود و ان كان النازل حصّة من الذات وصلت الي زيدٍ فقد تجزَّأَتِ الذات و تكثرَتْ سواۤء قلنا اِنَّ تنزلاتِ الحصّة و تكثّر مَراتبها انّما هي بالنسبة الي زيدٍ خاۤصّةً كما توهّموا ام مطلقاً و ثانيا هل كانت هذه العطايا التي تزعمون انها في الذات بنحوٍ اشرف عنده معلومة متعينة بمعني انه يعلم انّ في ذاته اشياۤءَ غيره ام لميعلم ان في ذاته غيره فان كان يعلم فقد كان محلّاً لغيره۪ فليس بصمدٍ لكون ذلك الغير له مدخل في ذاته تعالي او يكون معروضاً اَوْ عٰارِضاً و ان كانَ لميَعْلم و انتم تعلمون فانتم اعلم منه بنفسه و يكون هذا ردّاً لقوله تعالي و اللّه يعلم و انتم لاتعلمون ،
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 55 *»
فكون كمالاته و ما يجوز له يجب له لايلزم منه انّ ما يخلقُ لخَلْقِه من كلّ ما يكون كمالاً في حقّهم يكون غير فاقدٍ له في ذاته لكونه كمالاً في حقه عز و جل فان جميع ما في الخلق من الايدي و الارجل و الاعين و الرؤس و الوجوه و الالسن و العظام و الشعر و البشر و العورات و آلات النكاح و المني و الحيض و الاكل و الشرب و النوم و اليقظة و الضحك و البكاۤء و الحركة و السكون و غير ذلك مما خلق عز و جلّ لخلقه كمال في حقّهم فان الفاقد منهم شيئاً منها ناقص و كلّها ليست كمالات في حقّ الحق جلّت عظمته بل نقاۤئص فعلي قولهم انّ مُعْطي الشيء ليس فاقداً لهُ في ملكه و انّ ذاته بالفعلِ غير منتظرٍ لشيء يجوز عليه لان ما يجوز عليه يجب له فمثل هذه الّتي ذكرتُ هو سبحانه اعطاها عبادَهُ لحاجتهم اليها فاذا كانت في ذاته بما فيها من النقاۤئص و المذاۤمّ فاين صرف الوجود الّذي يذكرونه فاعتبروا يا اولي الابصار و قوله فلا معرِّفَ له و لا كاشف له الّا هو يعني لا معرِّف للوجود الصرف و هو الحق عز و جل بحيث يعرفه عباده الّا هو لانّه عز و جل لايعرف من نحو ذاته و انّما يعرف بما وصفَ به نفسه لخلقه و لا كاشِفَ له الّا هو هذا لايصحّ علي جهة الحقيقة و انّما يصحّ علي جهة المجاز بان يريهم آياته في الافاق و في انفسهم حتّي يتبيّن لهم بما تعرّف به فيكشف لهم عن حقيقة ما اراد منهم من معرفته يعني لا مبيّن لحقيقته اي حقيقة معرفته الّا هُوَ و الكشف عن حقيقة ذاته لغيره عندنا غير ممكنٍ علي ما يُر۪يدُونَ اَمّا من جهته عز و جلّ فكلّ ما يجوز عليه فقد وجب له لانّه كما قدّمْنَا غير متوقعٍ و لا منتظرٍ اِذْ لَيْس فيه فقدٌ و لا ما بالقوّة وَ تبْ۪يينُهُ لنَفْسِه۪ هو نَفْسُهُ و قد كان منه ما فات الغايات و انقطعتْ دُونه النهايات حتي خفي لشدّة ظهوره عن كل ما سواه و امّا من جهة كلّ ما سواه فلانّ ظهوره لهم يفنيهم اصلاً في نفس الامر عند انفسهم و عنده سبحانه لان ظهوره بذاته كان و هو ذاتُه و هو الازل و في رتبة الازل يمتنع وجود شيءٍ سواه فقد امتنع ظهوره بذاته لغيره لعدم الغير في رتبة الظهور بالذات و لعدم بقاۤء الغير و لامتناع ثبوته و وجوده عند الظهور فقد امتنع ظهوره بذاته بمعني ادراكِ احدٍ
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 56 *»
سواه لا بمعني انه لايصحّ ظهوره بذاته لذاته اذ يجب ظهوره بذاته لذاته لانه هو ذاته فقد وجب انكشافه بذاته لذاته علي نحو الحقيقة و امتنع انكشافه لما سواه علي نحو الحقيقة و اما علي نحو المجاز فهو ما تعرّف لخلقه بما وصف به نفسه لهم و هو حقاۤئقهم فقوله فلا كاشف له الّا هو واجب له علي جهة الحقيقة و ممتنع لخلقه علي جهة الحقيقة و جاۤئز واقع لخلقه علي جهة المجاز و ما جاز و وقع لهم وجب له معهم
و قوله و لا برهان عليه الّا ذاته مثل قوله و لا كاشف له الّا هو و قوله فشهد بذاته علي ذاته الخ ، اقتباس من قوله تعالي شهد اللّه انه لا اله الّا هو و مشيراً الي قول اميرالمؤمنين عليه السلام يا من دلّ علي ذاتِه بذاته فاما شهادته في الاية ففيها وجهان احدهما ما قاله بعضهم من ان شهادة الحقّ للحقّ حقٌّ يعنون ان الشاهد و المشهود عليه و الشهادة واحدٌ و هو الحق الذي لا تعدّد فيه و لا تكثّر فشهد بانه هو و ان لا اله الّا هو و شهادة الملاۤئكة انّه هو و ان لا اله الّا هو شهادة الرسم بالرسم للرسم و شهادة اولي العلم كنوع شهادة الملاۤئكة الّا ان ذلك عند عاۤمّة الناس انّ شهادة الملاۤئكة شهادة اصليّة برزخيّة و امّا عند الخصيصين فشهادة الملاۤئكة فرعيّة ظلّيّة و امّا ما في الدعاۤء ففيه وجوه ذكرناها في شرح المشاعر و غيره و منها ان الذات المدلول عليها هي الذات البحت و الذاتُ الداۤلة كذلك و الدلالة ما خلق من وصفه نفسه لخلقه بذواتهم او باياته و امثاله في الٰافاق و في انفسهم او بما اشرق علي خلقِه۪ من صفة وحدته التي يستدلّون بها علي وحدانيّته و اشباه ذلك و منها ان المدلول عليها هي الذات البحت و الدالّة هي معانيه اي معاني افعاله عليهم السلام و منها ان المدلول عليها هي العلامات التي لا تعطيل لها في كلّ مكانٍ و الداۤلة هي الذات البحت او هي العلامات او هي المعاني و منها ان المدلول عليها هي المعاني عليهم السلام و الداۤلّة هي الذات البحت او المقامات او العلامات او المعاني و امثال ذلك فان كان المدلول عليها
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 57 *»
هو الذات البحت فالدلالة بالايات سواۤء كانت الداۤلة هي الذات البحت ام المقامات ام المعاني و ان كان غيرها فمنها ما سمعتَ ممّا يجوز عليه علي نحو ما وصف به نفسه علي السن اولياۤئه عليهم السلام لا علي نحو الاراۤء المتشعّبة التي هي طرق الضلالة الي النارِ و انما قلنا في شهادَة الملاۤئكة و اولي العلم بما قالوا انها شهادة الرسم بالرسم للرسم لان وحدته عز و جل ليست وحدة شخصيّة كوحدة زيدٍ توجد لفردٍ من طبيعةٍ فان وحدة زيدٍ ثبتت له من طبيعة الحيوان الناطق يعني حصّةً منها تميّزَتْ بمُمَيّزات شخصية يلزم منه التحديد بنفي ما سواه اي بانّه هو لا عمروٌ و لا وحدة نوعيّة يتميّز بها الانسان من افراد انواع الحيوان و لا وحدة جنسيّة كما يتميّز بها الحيوان المتحرّك بالارادة من انواع الجسم النامي يعني وحدة كلّيّة توجد لمعني كلّيّ يتميّز بها مما يدخل معه تحت جنسٍ واحدٍ كما تكون لواحدٍ من الجنس او الفَصْلِ او النوع او الخاصّة او العرض العاۤمّ فانّها و ان كانت كلّية بالنّسبة الي ما تحتها الّا انها جزئيّة بالنّسْبَة الي ما فوقها تتميّز بمميّزات نوعيّة او جنسيّة كلّ واحدَةٍ عما يشاركها ممّا يدخل معها تحتَه فَاِنَّ هذه الوحدات اضافية لتركّبها من الحصص و المعيّنات المتألّفة من الهيئات و الاعراض و الهندسة من النسب و الاوضاع المتممات لقوابلها و المكمِّلات لها اذ ليس واحدة منها حقيقية لانّها مؤلّفة من ابعاد معنويّة و صوريّة و حسّيّة و من اجزاۤء و ابعاض جوهريّة و عرضيّة اذَا توجّهَ اليها الفؤاد و القلب و النفس حلَّلها بخلاف الحقيقية فانّ الفؤاد يشهد امثالَها بسيطة و القلب يدرك ايٰاتها متّحدة و النفس تري اثارها واحدةً و كلّ ذلك في المحاۤلّ الثلاثة الخارج و الذهن و نفس الامر لا اله الّا الله الواحد الاحد الصمد الذي لميلد و لميولد و لميكن له كفؤا احد و قوله و ماهيّة من الماهيات يمكن ان يجعل عطفاً تفسيريّاً لمعني كليّ كما هو في نفس الامر اذ لايكون شيء يصدق عليه اسم الشيئيّة الّا و هو ماهيّة لانّها هي هويّته من جهة نفسه و الظاهر انه اراد بالمعني الكلّي ما كان من الكلّيّات الخمس فيكون الماهيّة اعم و علي كل تقدير فانّ الوحدة التي تحصل
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 58 *»
للمعني الكلّي و الماهيّة لاتكون حقيقيّةً بل قد تكون وحدة شخصيّة و هي انما يحصل من التحديدات و المميّزات او نوعية او جنسية و هي تكون كذلك و ان كان لايلزم في افراد مشخصاتهما الخصوص كما في الشخصيّة بل يكفي فيها الخصوص الاضافي لا الحقيقي و اعلم ان الخصوص الذي هو منشأ الوحدة يختلف باختلاف العوالم فخصوص الاجسام لايصلح ان يقوم مقام خصُوص الملكوت من المجردات عن المواۤدّ العنصريّة و خصوص الملكوت الذي هو عالم النفوس و الطباۤئع و جواهر الهباۤء لايصلح لتخصيص الجبروت لما فيه من الهندسة الظاهرة و خصوص الجبروت الذي هو عالم العقول لايصلح لتخصيص عالم الامر السرمدي لما فيه من الهندسة الباطنيّة و خصوص عالم الامر السرمدي لايصلح لتخصيص الازل عز و جل لما فيه من اعتبار التعدد لانه خلق بنفسه فالوحدة الازليّة لايشابهُها شيء و ما سواها من الوحدات فهو ظلُّ وحدة فعل الازل و فعل الازل وحدته مثل وحدة نفسه و بَدَلُهَا .
قال { و لا ايضا وحدة اجتماعية توجد لعدّة من الاشياۤءِ و قد صارت بالاتحاد في الوجود او الاجتماع شيئا واحداً و لا اتّصاليّة كما في المقادير و المقدّرات و لا غير ذلك من الوحدات النسبيّة كالتماثل و التجانس و التشابه و التطابق و التضايُف ايضا كما ستعلم و ان جوّزته الفلاسفة و التوافق و غير ذلك من اقسام الوحدات الغير الحقيقيّة .}
اقول ايضا ليس الوحدة التي يوصف بها تعالي وحدةً اجتماعيّة و هي توجد من اجتماع اشياۤء كما تقول بعتك هذا الذي في الصندوق فتشير اليه باشارة الوحدة مع ان فيه ذهباً و فضّة و جوهراً و ثياباً لاعتبار المجموع من حيث الاجتماع و قد صارت بالاتّحاد في الوجود اي الحصول و الظهور واحداً كالموجود المجتمع من الوجود و الماهية و كالكسر و الانكسار فان الوجود و الكسر متوقفان في الظهور اي الكون في الاعيان علي الماهية و الانكسار و الماهية و الانكسار متوقفان في التّحقق الّذي يحصل الكون في الاعيان علي الوجود و الكسر فاحدهما متوقف علي الاخر في الحصول فصار الشيء الواحد
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 59 *»
منهما لاتّحادهما في الوجود اي الحصول و كذلك ما يحصل من الاجتماع كما مثّلنا بما في الصّندوق و كذلك الوحدة الاتّصاليّة كما في المقادير كالعشرة فان وحدتها انما حصلت من انضمام خمسةٍ الي خمسةٍ و كالمقدرات كالدراهم العشرة فانّ وحدتها من انضمام خمسة دراهم الي خمسة دراهم فلما اتّصلت الخمسة الثانية بالاولي في المقدار و المقدّر كانا بالاتصال شيئا واحداً حتّي يقال هذه عشرة و تلك عشرة و كذلك في التّماثل كما في الاجناس و الانواع و الاصناف فان وحدة الجنس و النوع و الصنف مع كثرة افراد كلٍّ منها انما هي من جهة تَماثل افرادها و كذلك التجانس.
و الفرق بينهما انّ التّماثل يُعنَي به ما كانت الافراد من صنف واحدٍ كالتركي و التركي او من نوع واحدٍ كزيد و عمروٍ او من حصّة جنس كالانسان و الفرس اذا لحظ منهما الحصّة الحيوانية او تقول كحيوانية الانسان و الفرس و امّا التجانس فيراد منه مثل الانسان وَ الفرس فانّهما من جنس واحدٍ فتقول هذا الحيوان فيدخل فيه الانسان و الفرس و هذا الجسم النامي فيدخل فيه الحيوان و الشجر و التشابُه كوحدة الامثال علي الظاهر كوحدة مثل المنافقين مع مثل الذي اسْتَوْقَد ناراً كما ذكره سبحانه و انما قلتُ علي الظاهر احترازاً عمّا يذهبون اهل التأويل من ان مثل المنافقين هو بعينه مثل الذي استوقد ناراً فتكون علي هذا الوحدة هنا شخصيّة لا وحدة تشابه كما اراد المصنف لان المشبّه عندهم عين المشبّه به فلا تعدّد في نفس الامر و كذا في كل تشبيهٍ في الكتاب و السنة المنقولة باللفظ لان المنقولة بالمعني ربّما كان الناقل ليس ممن لميصل الي هذا المقام و انّما نقل علَي مدلول اللغة ظاهراً
و وحدة التّطابق قد تحصل باعتبار مطابقة الصفات او التعلق او المعاني او للذّوات او المقادير فتلاحظ الوحدة في جهة التّطابق في كلّ شيءٍ بنسبته و اظهر ما يعبّر عنها في الضدّ و المخالف و المقابل فيقال مثلا هذا ليس باسود فتريد كل ابيض لانّه ليس باسود و كل اسود لانّه ليس بابيض و في زيد في الدار زيد مبتدأ و الجار خبر و ان شئت قلتَ و المجرور خبر و زيد ليس بقاۤئم اي قاعد او جالس و ليس بقاعد اي قاۤئم او منتصب و كذا المترادف في المعاني و الحاصل تنظر جهة
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 60 *»
التطابق فيتّحد المتعدد فيها و ح يدخل التطابق في التّشابه مع تطابق الصفات و في التجانس مع تطابق المعاني و في التَّماثل مع تطابق الذوات و وحدة التّضايف في كل شيئين توقّف كلّ واحدٍ علي الاخر في جهة التوقف فيجري في الستة السَّابقة من حيث الصدق اللّغوي و قوله و ان جوّزته الحكماۤء يعني بان تكون وحدة التضاۤئف يجوز اطلاقها علي اللّه عز و جلّ لقولهم بالايجاب فيكون الفاعل يلزمه المفعول و لاينفكّ عنه و المصنف قد ذكر ذلك في الكتاب الكبير و نصَره و ان لميقل باللفظ ان الفاعل الحق عز و جل فاعل موجب قال فصل في ان المعلول من لوازم ذات الفاعل التام بحيث لايتصوّر بينهما الانفكاك بيانه ان الفاعل اما ان يكون لذاته مؤثّراً في المعلول ام لايكون فان لميكن تأثيره في المعلول لذاته بل لا بد من اعتبار قيدٍ آخر مثل موجود او صفة او ارادةٍ اوْ الةٍ او معالجة او غيرها لميكن ما فرض فاعلاً فاعلاً بل الفاعل انما هو ذلك المجموع ثم الكلام في ذلك المجموع كالكلام في المفروض اوّلاً فاعلاً الي اَنْ ينتهي الي امرٍ يكون هو لذاته و جوهره فاعلاً ففاعليّة كلِ فاعل تاۤمٍ الفاعليّةُ بذاته و سنخه و حقيقتِه لا بامرٍ عارضٍ لهُ فاذا ثبت انّ كل فاعل تاۤمٍّ فهو بنفس ذاته فاعل و بهويّته۪ مصداق للحكم عليه بالاقتضاۤءِ و التأثير فيثبت انّ معلوله من لوازمه الذاتية المنتزعة عنه المنتسبةِ اليه بسِنْخه۪ و ذاته انتهي ، لكنّه لَمْينتهِ عمّا يقول فقد اثبت له وحدة التّضَايف من حيث لايشعر فان قلتَ هذا لايلزم المصنّف لانّه عنده ان الوجود حقيقة واحدة و انّما الوجودات شؤن تلك الحقيقة الغير المجعولات و هي غير مباينةٍ لتلك الحقيقة بل القابل و المقبول و الفاعل و المفعول شيء واحد فلايتّحقق التضايف الّا في المتباينات و حيث ذهب الي الاتحاد لميكن قاۤئلا بجواز وحدة التضايف عليه تعالي لان هذه الوحدة حقيقية بخلاف الحكماۤء من المشّاۤئين فانّهم جوّزوا عليه تعالي وحدة التضايف لان افراد الوجودات عندهم مباينة له ليست من سنخٍ واحدٍ عندهم فوجود الواجب مغاير لوجودات معلولاته و حيث كانت لازمةً لذاته غير منفكّة عندهم عنها لتَماميّة علّيّتِه كانت
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 61 *»
مرتبطةً به ارتباطا غير معلوم الكنه اذ يلزم من معلوميته امّا معلومية علته او انفكاكها عنها و المعلوميّة ممتنعة و الانفكاك ينافيه تمامية العلّة و المصنف منع من ذلك التجويز لتوقف الوحدة علي لحاظ المغاير بخلاف ما ذهب اليه فان المغايرة صورته قلتُ انما قلتُ اثبت له تعالي وحدة التضايُف من حيث لايشعر لانه توهم انّ هذا التضايف ليس حقيقيا لعدم مغايرة العلّة للمعلول بل هذه الوحدة هي الحقيقية و هو توهّم فاسد من وجوه الاوّل انّا قد اثبتنا المغايرة و المباينة بالادلة النّقلية من الكتاب و السنة و العقلية الضروريّة فان مختلف الحالات و المتغيّر الاطوار و المراتب كيف يصحّ اتّحاده بالازلي و يكون من سنخه الثاني لو سكتنا عن المغايرة في الحقيقة فكيف نسكتُ عن الاعتبارية فان المعلولات انما قيل لها ذلك لفرض المغايرة و الّا لماصح تأثير الشيء في نفسه بدون فرض مغايرة او حمله عليه اوْ ان يصدق عليه كلام لميصدق من جهة صدقه عليه و مهما فرضت المغايرة بكل اعتبار وجبت المغايرة بين الواجب و غيره لانّ الازل لايجوز عليه الفرض و التقدير و الامكان و الاحتمال و ان جاز ذلك في العلة الغير الواجبة بالذات و بين معلولها في بعض الاحوال لوجود الحالة الجامعيّة بينهما و هي الامكان بخلاف الواجب بل امّا تقول هو الله و لا علة و لا معلول و لا ظاهر و لا مظهر و لا مؤثر و لا تأثير فتسقط جميع ما يصدق علي الخلق مما جلّ و دَقّ و امّا ان تقول هو اللّه و خلقه فتثبت تلك الامور و مٰا اشبهها للخلق و تنفيها عن الحق عز و جل بكل اعتبار كما قال الرضا عليه السلام كنهه تفريق بينه و بين خلقه و غيوره تحديد لما سواه الثالث انّ الربط لايتحقّق الّا بين حادثين للزوم الاقتران و الاجتماع و المشابهة التي لاتكون الّا في الممكنات و ذات اللّه عز و جل لايكون بينها و بين شيءٍ غيرها اجتماع و لا اقتران و لا مشابهة و لا افتراق و لا غير ذلك من احوال الخلق لا في نفس الامر و لا في الخارج و لا في الذهن الرابع قد اثبتنا بالكتاب و السنة و اتفاق العقول علي ان الفاعل لايكون
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 62 *»
فاعلاً بذاته الّا الفاعل بالطبيعة علي زعمهم ايضا بل اما يكون فاعلاً بفعله و امّا ان يكون غير فاعل لذلك المفعول فانه اذا لميكن المفعول صادراً بفعل الفاعل لميكن الفاعل فاعلاً لذلك المفعول و لا المفعول مفعولاً له ثم لو جاز ان يكون فاعلاً بذاته و هي البسيطة المطلقة المنزهة عن جهةٍ و جهةٍ و حيث و حيث و عن كل ما سوي محض الذات البحت لزم ان تكون علي الدوام فاعلةً لمفعول واحدٍ لاينتهي لعدم انتهاۤئها و لايتعدّد لعدم تعدّدها و لايختلف في ذاته و لا في صفاته لعدم اختلافها كذلك اذْ اَقلُّ احواله ان يكون علي هيئة علته كالصورة في المرءاة فكما تكون علي هيئة المقابل في الانتهاۤء و عدمه و التخطيط كذلك يكون المفعول فيكون غير متناهٍ و غير مختلفٍ و اذا ثبت انه فاعل بالاختيار بمعني انه ان شاۤء فعل و ان شاۤء ترك لان الاشياۤء واقفة علي باب “٢” التكوين اعني التمكين “٢” حتي يؤذَنَ لها بالخروج الي عالم الكون و الّا لكان تعالي يخاف الفوت فلايكون ذا اَناةٍ تعالي سيدي و مالكي لا كما يتوهمه المصنف و اتباعه من انه فاعل بالرضي او بالعناية لما في ذلك و ما اشبهه من المفاسد و يأتي في محلّه الاشارة الي شيء من ذلك انشاۤء الله تعالي انتهت المفعولات الي فعله لانّها اثاره من حيث مواۤدِّها و امثاله من جهة صورها كما ان حروف الكتابة صورها امثال هيئة حركة يد الكاتب فاذا انتهت الاشياۤء الي فعله المحدث كما قال اميرالمؤمنين عليه السلام انتهي المخلوق الي مثله و الجأه الطلب الي شكله ه ، كان الربط بين الفعل و المفعول موجبا للتضايف و وحدته غير حقيقية فمن جعل وحدة التضايف بين الواجب و بين خلقه فقد الحدَ سواۤء جوّزها علي الله سبحانه ام لا و سواۤء جعل الخلق مباينين للخالق ام لا الا انّ من جعلها مباينة فالحاده من وجهين احدهما دعوي الربط بين الخلق و بين الحق تعالي و ثانيهما اطلاق وحدة التضايف عليه و من لميجعلها مباينة للخالق فالحاده من وجوه لاتحصي لا حول و لا قوة الّا بالله العلي العظيم و من الواجب عليّ ان اتكلم علي كلام المصنّف الذي نقلناه من الكتاب
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 63 *»
الكبير لحاجة الناظر الي ذلك و لابتناۤء كثير مما يأتي عليه فاقول ان الاستقصاۤء مما لاينبغي لانّي اذكر كثيرا من ذلك في اثناۤء كلامي في المقام المناسب له سواۤء ذكرته هنا ام لماذكره كما هي عادتي و ثانيا يطول الكلام فيه بحيث نخرج عن المقصود زيادة عن المعتاد فقوله فصل في انّ المعلول من لوازم ذات الفاعل التام بحيث لايتصوّر بينهما الانفكاك فيه ان هذا انما يصحّ اذا كان الفاعل فاعلاً بالايجاب لا بالاختيار ثم ان كان فاعلا بالايجاب و قيل بمباينتها له لزم الاقتران خاۤصة و لو قيل بعدم مغايرتها لزم الاتّحاد و يكون التعبير بانها من اللوازم انما هو بملاحظة تأخّرها عن العلّة رتبة و يلزم منه القول بالمباينة و المغايرة اذ الشيء الواحد لايصح فرض تأخره عن نفسه رتبة و لا تأخر بعضه عنه لانه ح ليس بواحدٍ و لا فرض العلّيّة و المعلوليّة و لا اللّازميّة و الملزوميّة لكونها من ملزومات المغايرة و عدم تصوّر الانفكاك لايصحّ الّا في الشيء الواحد البسيط الحقيقي و الّا فكل اثنين يتصوّر الانفكاك بينهما الّا بلحاظ حال الربط فانهما من هذه الحيثية لايتصوّر الانفكاك او ان الاثنينيّة اعتباريّة فانها عندهم يقولون هي من حيث المفهوم يعني ان كونهما اثنين من حيث تغاير المفهومين و في الذات واحد و الكل ليس بصحيح فان لحاظ الحيثية لايوجب الاتّحاد و لا عدم تصوّر الانفكاك في غير حال اللحاظ و تغاير المفهومين اذا كان في الشيء المتّحد في الخارج و في نفس الامر يوجب كذب الذهن فصدق تغاير المفهوم يوجب التعدّد اذ الاعتبار من اقسام الحوادث الواقعة فانّ الذات الواحدة لايمكن اعتبار تعددها الّا من جهة الصفات او الاجزاۤء او الجزئيات الطبيعية و كُلُّ ذلك منافٍ لوحدة الذّات اذا اخذت فيها علي نحو الحقيقة فانّه لو اعتبر ما ليس بواقع متحقّقٍ انّه واقع متحقِّقٌ امّا في الاكوانِ او الامكان لميكن ذلك الاعتبار صحيحاً و ان كان في الاكوان او الامكان كانت الذات متعدّدة امّا خارجاً و اِمّا حكماً و ليس وَاحِدٌ ممّا هو هكذا بواحدٍ بسيطٍ في الحقيقة بل هو متعدّد متكثّر و قوله بيانه ان الفاعل اِمّا ان يكون لذاته مؤثرا في المعلول اَوْ لايكون جوابه انّ الفاعل مؤثر في المعلول بفعله لانه لو كان مؤثرا فيه لذاته
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 64 *»
فالتّأثير ان كان متأخّرا عن المؤثر رتبةً كان هو من الفعل كما هو المعقول و الواقع و ان لميكن متأخّرا فان كان هو الذات بكل اعتبارٍ كانَت الذات فعلاً و يلزم منه مع اتفاق العقلاۤء علي حدوث الفعل بكل انواعه و اصنافه و افراده ان تكون الذات فعلاً و هو يستلزم فاعلا يحدثه و يحدث به و يقيمه و يقيم به و ان كان غير الذات لزم تعدّد القدماۤء و تكثّر الامثال الازليّة و ايضا لو كان مؤثراً لذاته لاختلفت احواله لان التّأثير متأخر عن المؤثر و لو في الفرض و الاعتبار و لو بالمفهوم فحالة التأثير بعد حالة الذات في نفسها و المتغيّر الاحوال و مختلفها حادث بلا خلاف و لو كان فيما يعلمه و قوله فان لميكن تأثيره في المعلول لذاته بل لا بد من اعتبار قيدٍ اخر جوابه لا بدّ من اعتبار قيدٍ آخرَ و هو الفعل اي المشيّة و الارادة و الابداع كما قال الرضا عليه السلام اسماۤؤها ثلاثة و معناها واحدٌ و قوله لميكن ما فُرِض فاعلاً فاعلاً بل الفاعل انّما هو ذلك المجموع جوابه ان ما فرضه المصنف من كون الذات البحت فاعلاً لميكن فاعلا اذ لو فرض ذلك لزم ما قلنا فلا بدّ من قيدٍ يسند الفعل به اليه و هو المشية و الارادة اعني الفعل و ليس المجموع فاعلاً بل الفٰاعل مثالُ الذاتِ البحتِ بفعله اعني المشية و الارادة و المعلول يستند الي الفعل و الفعْل احدثه الفاعل بنفسه اي بنفس الفعل و اقامه بنفسه فهو قائم بالفاعل قيام صدور و بنفسه قيامَ تحقّقٍ اي قياماً ركنِيّاً و المعلول قاۤئم بالفعلِ قيام صدور و باثر الفعل قيام تحقّق اي قياماً ركنيّا و ليس المعلول مستنِداً الي الفاعل لذاته و لا الي المجموع بمعني صدوره من كلٍّ من الفاعل و الفِعْل علي سبيل التعاقب او التبعيض و التوزيع او من القدر المشترك بينهما و الفاعل علي الحقيقة ليس هو الذات البحت و الّا لزم ما قلنا سابقا من انه يكون فاعلاً لمعلول واحدٍ غير منتهي التمام علي الدوام بل الفاعل هو الذات الظاهرة بالمفعول و هو الذي عَنيناهُ بمثال الذات اعني الصفة العنوانية و المعلولات تنتهي الي الفعل كما قال مقتدانا اميرالمؤمنين عليه السلام انتهي المخلوق الي مثله و الجأه الطلب الي شكله ه ، و شكل المخلوق هو الفعل لانه مخلوق و لان هيئة المخلوق من هيئته كما قلنا بان هيئة الكتابة من هيئة حركة يد
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 65 *»
الكاتب لَا انّها تنتهي الي الفاعل و قوله الي ان ينتهي الي امرٍ يكون هو لذاته و جوهره فاعلاً جوابه ما قلنا انه لاتكون الذات فاعلا و انّما الفاعل مثالها الاتري زيداً مرة يفعل و مرّة لايفعل و لو كانت ذٰاته بنفسها هي الفاعلة لكانت الفاعلية عين حقيقتها فلاتتحقّق الّا فاعلةً و لكنها اذا لمتفعل فهي الذات حقيقة و اذا فعلت فهي حينئذٍ قد لبست ثوباً اعني المثال الذي هو ظهورها بالفعل اي فعلها لما ظهرتْ به و ذلك المثال من الذات بمنزلة القاۤئم من زيد و القاۤئم من زيد اذا فتَّشْتَ عن حقيقته وجدته اسماً لفاعلِ القيام لا لذات زيدٍ فهو في الحقيقة مصاغ من فعل زيد للقيام و من القيام الذي هو اثره فجعل اسماً لفاعل القيام و مثاله كالحديدة المحماة بالنار فانّ ذلك فاعل الاحراق لان الحرارة التي هي فعل النار هي المحرقة و الحديدة محلّها الحامل لها فالعالم العارف بالله سبحانه ينتهي عنده الكلام الي امرٍ يكون هو بفعله فاعلاً لَا بذاته و قوله ففاعليّة كل فاعلٍ تامٍّ الفاعليّةُ بذاته و سنخِه۪ و حقيقته لا بامرٍ عارضٍ له جوابه ان الفاعلية لايتحقق بذات الفاعل كما لايقال انّ المقابل للمرءاة هو الفاعل للصورة و انّما تتحقق للشيء بكونه فاعلاً بفعله و لذا سمي بالفاعل و ليس كون الفاعل فاعلاً بفعله يلزم منه انّه ليس بتاۤمٍّ لاحتياجه في فاعليته الي فعله كما نبّه المصنف عليه بقوله كل فاعلٍ تاۤمٍّ لان الشيء لو تحقّقت له الفاعلية بدون الفعل و توقفت فاعليته علي الفعل اتّجه كلام المصنّف لكنّ الذات البحت لايتّصف بصفات الخلق لذاته و هي صفات الاضافة اي الّتي مفاهيمها تنشأ عن الارتباطات كالفاعلية فانها تقتضي فعلا و مفعولا و الخالق و الرازق و المعطي و ما اشبه ذلك فان صفات الاضافة صفات الخلق و لايَجُوز اَنْ يتّصف بها الحق تعالي و الفاعلية انّما يوصف بها من يفعل و فعل نعم الذات البحت متّصفة بمعني الفاعلية و لا فعل و لا مفعول و معناها هو القدرة و العلم و كذلك سائر صفات الخلق فالذات بنفسها تاۤمّة و فوق التمام بمعني الفاعلية الذي هو ذاتها اعني القدرة و العلم المطلقين فلايلزم من قولنا ان الفاعل لايفعل بذاته و الّا لَماكان فاعلاً و انما يفعل بفعله نسبة الاحتياج و النقص فان قلتَ يلزم علي قولِك انه تعالي لايوصف بالعلم و
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 66 *»
القدرة و السمع و البصر لان مفاهيمها اقتضاۤء الاضافَة فالعلم يقتضي عالما و معلوما و كذلك الباقي و هذا خلاف ما عليه كل العلماۤء و الحكماۤء و العقلاۤء قلتُ نعم الامر كما قلتَ فانّ العلم المقتضي معلوماً و القدرة المقتضية مقدوراً و السمع و البصر و غيرهما لايصح ان يوصف بها تعالي لانها صفاتٌ فعليّة و انما يوصف بمعانيها و هو العلم و القدرة و كذلك يوصف تعالي لذاته بمعني الخالق و هو القدرة و العلم و لايوصف لذاته بالخالق لانه من صفات الافعال و امّا اِذا سمعتَ عنهم عليهم السلام يقولون هو سبحانه عالم يريدون به العلم الذي هو ذاته و هو تعالي لذاته عالم و لا معلوم و قادر و لا مقدور و امّا المقتضي للاضافة فهو من صفات الافعال لاتوصف به الذات البحت و كذلك الفاعل فافهم ان وُفِّقتَ للهدي فهمتَ و الله سبحانه ولي التوفيق ففاعليّة كل فاعل تاۤمٍّ الفاعلية بفعله لا بذاته و سنخه و قوله فاذا ثبت ان كل فاعل تاۤمٍّ فهو بنفس ذاته فاعل و هويّته مصداق للحكم عليه بالاقتضاۤء و التأثير جوابه لميثبت من هذا شيء و انما الثابت انه بفعله فاعل و انّ هويّته تعالي لو كانت مصداقاً للحكم عليه بانها تقتضي لذاتها الفاعلية و التأثير لكان فاعلاً في الازل و مؤثّراً في الازل و قد ثبت انّ الازل هو الذات البحت فاما ان يكون مؤثِّراً في ذاته او يكون في ذاته شيء غيرها يكون مؤثراً فيه او يكون الازل شيئا غير الذات قديماً فتتعدّد القدماۤءُ و يَكون وقتاً او مكاناً و التأثير فيه نفسه باحداثه او بعضه او يكون فيه غير الحق تعالي فتتعدّدُ القدماۤء و يكون محلّا او وقْتاً لما احدث فيه و قوله فيثبت ان معلوله من لوازمه الذاتية المنتزعة عنه المنتسبة اليه بسنخه و ذاته جوابُه انه لميثبت ان معلوله من لوازمه الذاتية بل الثابت في نفس الامر ما سمعتَ حكاية بعضه من كلامنا و في قوله المنتزعة منه تصريح الي ان الاشياۤء عند المصنف ان لمنقل انه لميرد انها اجزاۤء منه تُقْتَطع تَنْفَصِل منه بعد ذلك اللزوم بذاتها او تُنْتَزع منه بصورها و اشباحها مع بقاۤء حقاۤئقها كلّ في رتبته من الذات و انما تنفصل من حقاۤئقها التي في ذاته كانفصال النار من الحجر بالزناد او انفصال اللفظ من النفس او تنحطّ منها صورها و اشباحها و اظلّتها مع بقاۤءِ حقاۤئقها في
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 67 *»
ذاته متّحدة بها او قاۤئمة بها قيام عروضٍ او معلّقة به تعليق الظل بالشاخص و في كل ذلك تثبت المغايرة و يثبت التضايف فتجويزه لهذه الوحدةِ عليه عين تجويز القوم المشّاۤئين و لهذا قلنا من حيث لايشعر و قوله المنتزعة عنه صريح في اخْذِهَا من الذات البحت و قوله المنتسبة اليه محتمل لاحد الوجوه التي ذكرناها في كيفية الانتساب و قوله بسنخِه و ذاته صريح في انّ الاخذ بالاقتطاع و هذا هو المرجو من جناب المصنف من الوقوع في ذات الله سبحانه و تعالي ثم نرجع الي كلامه في هذه الرّسالة فنقول و قوله و التوافق يعني انّ الوحدة الحاصلة من توافق شيئينِ في جهة تكون غير حقيقية كوحدة توافق الاربعة و السّتّة في النصف فان النصف في نفسه و ان كان واحداً الّا انه منسوب الي متغايرَيْن فلاتكون حقيقية فلاتصدق عليه تعالي و اقول ان جميع الوحدات التي ذكرها تكون صادقة عليه تعالي علي ما قرّره من كلامه ليس منها شيء يخرج عن الوحدة الحقيقية الّتي عناها من كلامه حين اثبت التلازم بين الذات و معلولاتها و احال تصوّر الانفكاك بينهما و منعُه لذلك ممنوع بما يلزم من اعتقاده الذي اثبته و برهن عليه .
قال { بل وحدته وحدةٌ اخري مجهولة الكنه كذاته الّا انّ وحدته اصل الوحدات كما ان وجوده اصل الوجودات فلا ثاني له و كذا علمه الوحْداني نفس حقيقة العلم الذي لايشوبه جهل فيكون علما بكلّ شيء من جميع الوجوه و هكذا القول في جميع صفاته الكمالية .}
اقول هو يريد انّ وحدته مغايرة لجميع الوحدات كما ذكر قبل هذا الكلام بلا فاصلة و بيّن وجه ذلك انّ وحدته تعالي مجهولة الكنه كذاته و ما سواها معلومة الكنه ثم بيّن انّ وحدته المجهولة الكنه اصل لساۤئرِ الوحدات يعني انّها استقصّ جميع الوحدات كما ان وجوده كذلك لجميع الوجودات و علمه ايضا استقصّ لجميع العلوم و قدرته و ساۤئر صفاته اصول لساۤئِر صفات الخلق
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 68 *»
و قوله كذَاتِه۪ لايُر۪يدُ به اَنّ الوحدة مُغَايرة في نفس الامْرِ لذاته و انما الذات لما كانت معروفة عند الكل بانّها مجهولة الكنه و الوحدة لمتُعرَفْ بذلك عند الكلّ و انما يعرف ذلك العارفون باللّه من ان وحدة ذاته هي عين ذاته فشبّهها في هذه المجهولية بها و مراده انّها هي هي و الامر الواقع كذلك بقينا في كونِ وحدته المجهولة الكنه اصلا لجميع الوحدات الحادثة كما ان وجوده تعالي اصل لجميع وجودات الحادثات و كذلك صفاته كلها اصل لصفات خلقه و هذا هو المعروف من مذهبه و مذهب اتباعه القاۤئلين بوحدة الوجود الاتسمعهم يقولون معطي الشيء ليس فاقداً له في ذاته فاذا قلتَ لهم الحجر في ذاته و الثّمر قالوا نعم بوجه اكمل و نحوٍ اشرف و ربّما مثّل بعضهم ذلك بالنار في الحجر فانها كامنة في الحجر كذلك الاشياۤء كامنة في ذاته و كما انه اذا حكّ الحجر بالزناد خرجت النار و هي مثال الكامنة لا ذاتها بحيث اذَا خرجت نقص كَمُّ الكامنة و فقد الحجر شيئا مما هو كامن فيه بل الظاهر مثال الكامنة نزل من الكامنة و لميفقد الحجر شيئا ممّا فيه كذلك ذوات الاشياۤء و صفاتهم اذا نزلَتْ من غيب الذات فانّما نزل مثالها و شبحُهَا و ما في الذات باقٍ في رتبته لميتحوّل و لمتفقده الذات قال المصنّف في المشاعر في كيفية علمه تعالي بكل شيء فذاته احق بالاشياۤء من الاشياۤء بانفسها فحضور ذاته تعالي حضور كل شيء فما عند اللهِ هي الحقاۤئق المتأصّلة التي نزل هذه الاشياۤء منزلة الاشباح و الاظلال انتهي ، و قال الملا محسن في الكلمات المكنونة فانّ الكون كان كامناً فيه معدوم العين و لكنه مستعِدّ لذلك الكون بالامر و لمّا امر تعلّقت ارادة الموجدِ بذلك و اتّصل في رأي العين امرهُ به ظهر الكون الكامن فيه بالقوّة الي الفعل فالمظهر لكونهِ الحقُّ و الكاۤئن ذاته القابل للكون فلولا قبوله و استعدادهُ للكون لماكان فماكوّنه الّا عينه الثابتةُ في العلم لاستعداده الذّاتي الغير المجعول و قابليّته للكون و صلاحيّته لسماع قول كن و اهليته لقبول الامتثال فمااوجده الا هو و لٰكن بالحقّ و فيه او نقول ذات الاسم الباطن هو بعينه ذات الاسم الظاهر و الفاعل بعينه هو القابل فالعين الغير المجعولة عينه تعالي فالفعل و القبول له يدان
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 69 *»
و هو الفاعل باحدي يديه و القابل بالاخري و الذات واحدة و الكثرة نقوش فصحّ انه مااوجَد شيئا الّا نفسه و ليس الّا ظهوره انتهي ، و حيث الزمناهم بالقول بوحدة العلة التاۤمة مع معلولها كما تقدّم لانَّ ما لايمكن تصوّر انفكاكه واحد و تلك الوحدات التي نفاها اشياۤء معلولة له تعالي فهي لازمة لذاته لايمكن تصور انفكاكها و ما لايمكن تصوّر انفكاكه بسيط فهو واحدٌ بوحدةٍ حقيقية لان الذات واحدة و النقوش كثيرة كما قالوا لزِمهم اثبات ما نَفَوا و الاعتراف بما انكروا و لزمهم ان تكون تلك الوحدات مجهولة الكنه لانها وحدة مجهول الكنه و قد صرّحوا بكونها معلومة الكنه فيلزمهم امّا كون معلومة الكنه مجهولة الكنه او رفع الجهالة بالكلّ او خطأ قولهم في الكلّ و ذلك لانّ وحدته عندهم اصل الوحدات كلها كما ان وجوده اصل الوجودات و علمهُ اصل كل العلوم و كذلك ساۤئر الصفات و يريدون ان الوحدة حقيقة واحدة و كذا الوُجود وَ العلم و القدرة و غيرها فصرف الوحدة التي لايشوبُهَا شيء غيرها هِيَ وحْدَته عز وَ جلّ و هي عين ذاته تعالي و ساۤئر الوحدات شؤن لها قاۤئمة بها انحطّت بما عرض لها من نقاۤئص مراتب تنزّلها من غير ان تلحق تلك النقاۤئص لها لذاتها بل هي في ذاتها مبرأة عن شوب النقاۤئص و كذلك صرف العلم الذي لايشوبه جهل و صرف القدرة التي لايشوبها عجز و صرف الوجود الذي لايشوبه عدم و كذا ساۤئر الصفات ما خلص و صفا فهو الواجب تعالي و مَا كَانَ مَشُوباً فهو ما ينسب الي الممكن من غير ان يلحق الشوب شَيْئاً منها لذاته فما ثبت للوجودات من الوجود ثبت للوحدات من الوحدة الحق و لساۤئر العلوم من العِلْم الذي هو حقيقة العلم و لساۤئر القُدَرِ من القدرة التي هي صرف حقيقة القدرة و هكذا ساۤئر الصفات و يرد علي قوله هذَا علي كل واحدٍ منها ما ورد علي الوجود صرفه و مشوبه علي قوله ما اَوْرَدْنَاهُ وَ نوردهُ و امّا علي ما نقوله نحن تبعاً لائمّتنا عليهم السلام من انّ الذّات البحت لايلزمُها شيء و لاتلزم شيئا و لاتكون فعلاً و لا ارادة و لا مشيّة لئلّاتكون مستندة الي غيرها او مستنَداً لغيرها و لاتدخل مع غيرها تحت مفهومٍ و لا في قَيْدِ لفظٍ او معني بل هي مبرّءةٌ من كلّ ما يجوز علي غيرهَا فلاتوصَفُ
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 70 *»
الّا بالوحدة الحقيقيّة التي لايكون منشاؤها متوقفا علي شيء غيرهَا و قوله و كذا علمه الوحداني نفس حقيقة العلم الخ ، يريد به ما يريد في الوجود و قد بيّنّا بطلان ارادته و مقصوده في ما تقدم و في شرح المشاعر و غيره اذ علمه الوحداني هو ذاته الحقّ سبحانه و ليس في ذاته الحقّ شيء غيره و لايكون مطابقاً لشيء و لا مقروناً بشيء و لا واقعاً علي شيءٍ و العلم الذي يشير اليه المصنف هو ما يفهمه و لهذا يجعله مطابقا للمعلوم و واقعاً عليه و مقترناً به و لا شكّ ان كل ما يكون مفهوما لاحدٍ من الخلق او مطابقاً لشيء او واقعا عليه فهو محدث و كذلك ساۤئر الصفات و قوله فيكون علماً بكلّ شيء الخ ، صريح في انّ علمه الذّاتي البحت متعلق بكل شيء و مطابق لِكلّ شيء و واقع علي كل شيء لان المفهوم من العلم ذلك اذ لو لميكن متعلّقا بالمعلوم و مطابقا له و واقعا عليه لميكن علماً به و يلزمه امّا ان يكون العلم في الامكان لان المعلومات كلها ممكنةٌ او المعلوم في الازل لان العلم في الازل و يجيء هنا ما ذكرنا قبل من كون الازل ظرفا او محلا للغير من قديم او حادث و المعلوم المقطوع به انّ الازل هو الذات الحق عزّ و جل و هو العلم الحق عز و جل فلايكون وقتاً لغيره و لا محلاّ لحادثٍ و لا قديم و يجيۤء علي كون العلم في الامكانِ كون الازل في الامكان و بالعكسِ بالعكس و كلاهما محال و لايلزم من قولنا هذا كونه غير عالمٍ بها بل هو عالم في الازل بها في الامكان فالعلم في الازل لايخرج عنه لانه هو الازل و لو جاز ان يخرج منه كان ممكنا و المعلومات كلها في الامكان لاتخرج منه ابداً و التعلّق بها في الامكان مع وجودها لا قبله و هذا هو العلم الاشراقي و اذا اردتَ ان تتصوّر هذا فنضرب لك مثلاً و هو انّك سميعٌ حقيقةً و لميكن احد يتكلم فتسمع كلامه فاذا وجد مَن تكلَّم سمعتَ كلامَه حين تكلّم لا قبله و لايقال لك قبل كلامه انّك اصمّ لستَ بسميعٍ بل انت سميع و لكن لميوجد مسموع فاذا وجد المسموع تعلّق السمع به و وقع عليه و هذا التعلق و الوقوع لميكن قبل المسموع لانه نسبته و اضافته يوجد بوجوده و يفقد بفَقْدِه و انت علي كل حالٍ سميع بغير
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 71 *»
اختلاف في حال سمعِك بعده و قبله و مثله خروج الصورة منك في المرءاة لميكن قبل المرءاة و لا بعدها و المنطبع فيها اشراق منك لمتختلف حالتك قبل الانطباع و بعده و لميتجدَّدْ لك حال و لا اضافة و لا نسبة و انما المتجدِّد حال الانطباع فالاضافة و النسبة و التجدّد للمنطبع في المرءاة فافهم المثال وَ تَرقَّ منه الي معرفة الحق المتعال في مراتب التعريف و معارج التوصيف و اشرب صافياً و دع عنك ترّهَاتِ الصوفيّة لانهم يقولون يعلمها في الازل مع ان المعلوم اذا لميكن شيئا كيف يعلم ما ليس بشيء و لكنهم يقولون هي في الازل اشياۤء و اعيان ثابتة في الازل و لهم اختلافات في ذلك الثبوت و التحقق فمنهم من يجعلها كالحصة النوعية من الجنس فانّ حصّة الانسان من الحيوان لميكن محدثاً لها و هي عينه باعتبار و غيره باعتبارٍ و الي هذا المعني اشار الملا محسن في الكلمات المكنونة في ما تقدم مما نقلناه عنه في قوله فالعين الغير المجعولة عينه تعالي و منهم من يجعلها شؤنات ابرزها من ذاته او شؤنات برزت من دون ابرازٍ او صور علميّة معلقة به تعلّق الظلّ بالشّاخص او هي صور لذاته يخلعها تارة و يلبسُهَا اخري الي غير ذلك من الوساوس الشيطانية ثم اذا كانت في الازل فان كانت غيره تعددت القدماۤء ان قالوا بقدمها و كان الازل محلّا للحوادث ان قالوا بحدوثها و ان قالوا كما في الكلمات المكنونة هي عينه فلم يعبّرون عنها بالمغايرة و الكثرة و يقولون هي و هو تعالي و ان قالوا هي غيره فلم جعلوا غيره عينه و جعلوا له من عباده جزءا انّ الانسان لكفورٌ مُبين .
قال { قاعدة عرشيّة كلّ ما هو بسيط الحقيقة فهو بوحدته كل الاشياۤء لايعوزه شيء منها الّا ما هو من باب النقائص و الاعدام و الامكانات فانك اذا قلتَ ج ليس ب فحيثيّة كونه ج ان كانت بعينها حيثية انه ليس ب حتي يكون ج بعينه مصداقا لهذا السلب بنفس ذاته فكانت ذاته امراً عَدَمِيّاً و لكان كل من عقل ج عقل ليس ب لكن التالي باطل فالمقدّم كذلك فثبت انّ موضوع الجيميّة مركب الذات و لو بحسب الذهنِ من معني وجوديٍ به يكون ج و من معني به يكون ليس ب و غيره من الامور المسلوبة عنه فعلم ان كل ما يُسلبُ عنه امر
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 72 *»
وجودي فهو غير بسيط الحقيقة مطلقا و كل ما هو بسيط الحقيقة فغير مسلوب عنه امر وجودي فثبت انّ البسيط كل الموجودات من حيث الوجود و التّمام لا من حيث النقاۤئص و الاعدام و بهذا ثبت علمه بالموجودات علماً بسيطاً و حضورها عنده علي وجهٍ اعلي و اتمّ لان العلم عبارة عن الوجود بشرط ان لايكون مخلوطاً بماۤدّة فافهم يا حبيبي و اغتنم .}
اقول قوله كل ما هو بسيط الحقيقة فهو بوحدته كل الاشياۤء اي بكمال بساطته التي لايمكن فيها فرض التعدّد و الكثرة كل الاشياۤء لانه بحكم عكس النقيض امر وجودي لايسلب عنه شيء كما ذكره في المشاعر باطلٌ بعين ما استدلّ به فانّه انّما استدلّ علي ذلك بانه اذا سلب عنه شيء و اخذ ذلك السلب في مفهومه لزم التركيب فتقول له بسيط الحقيقة امر بحتٌ لا امر لايسلب عنه شيء لان قولك انه امر لايسلب عنه شيء مثل قولك امر سلب عنه شيء اذ في الحالين يلزم التركيب فيلزم التركيب من امرٍ وجودي و امرٍ عدمي فيما فررتَ منه و يلزم التركيب من امر وجودي و من امر وجودي فيما التجأتَ اليه و هو لايسلب عنه شيء و التركيب من الوجوديّين اظهر في التركيب و اقبح لان لايسلب نفي سلب و هو اثبات و انّما البسيط انّه امر بدون قيدٍ علي ان قولك فحيثيّة كونه ج ان كانَتْ بعينها حيثيّة انّه ليس ب يصح اذا اخذت الحيثيّة و لكن لو قيل بنحو ذلك كما يذهب اليه المتكلمون و امثالهم من تقسيم الصفات الي ثبوتية و سلبيّة فانهم اذا وصفوه بسلبٍ مثل هو تعالي ليس بجسمٍ و لكنهم لميأخذوا حيثيّة السلب في مفهوم الثبوت فلايلزمهم المحذور و الذي نذهب اليه تبعاً لساداتنا عليهم السلام اَنّا اذا وصفناه في التعبير عند التعريف بالاوصافِ السّلبية نجعلها حدوداً للاغيار كما قال الرضا عليه السلام كنهه تفريق بينه و بين خلقه و غيوره تحديد لما سواه يعني كنه معرفته تفريق بينه و بين خلقه اي تنزيهه عما يجوز علي خلقه و غيوره اي جميع غَيْراتِه من جميع ما يناله الادراك ممّا ينفي و يثبت فهو اوصاف ما سواه و تحديد لهم فقولك ليس بجسمٍ تحديد للجسم بالنفي و بالجسمية فافهم هذا ما نقوله ظاهراً و امّا في الحقيقة فلايعرف
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 73 *»
بنفيِ ما سواه اذ ليس معه شيء منَ السواۤء حتّي يميّز بنفيه و انما هو هو لايشتبه بشيء اذ ليس معه شيء لا في ذاته و لا في ازله لانه ذاته و لا في علمه لانه ذاته اذ كان العلم تعالي و لا معلوم فاذا وجد المعلوم وُجِد معلوماً و اذا لميكن شيءٌ فما معني معلوم و لا معلوم فاذا لميكن شيء معه فما معني قولك سُلِب عنه او لميسلب عنه نعم من كان يقول بثبوت الاشياۤء معه اعيان ثابتة في ذاته او في علمه او معلّقة به كما يقوله المصنف و اتباعه فيصح عنده القول بانه سلب عنه او لايسلب لكنه يبطل عليه قوله بسيط الحقيقة للزوم التركيب علي قوله سلب عنه و لايُسْلَبُ و بقوله كل الاشياۤء فانّ ما هو كُلٌّ ليس ببسيطٍ كيف و هو يقول مركّب الذات و لو بحسب الذّهن و لا شك ان جميع عباراته مقتضاها التركيب و التعدد بحسب الذهن و بحسب الخارج لايخفي علي احدٍ الّا مَنْ نظره فيها نظر تقليدٍ او من هو ناظر الي من قال لا الي ما قال و قوله لايعوزهُ شيء منها الّا ما هو من باب النقاۤئص فيه انا نقول ما هو من باب النقاۤئص شيء او ليس بشيءٍ فان كان شيئا فالله سبحانه خالقه فهو شيء داخل في الاشياۤء و ان كان ليس بشيءٍ فلا معني لاستثناۤء ما ليْس بشيء علي اَنَّ المصنّف في الكتاب الكبير يذهب الي اتّحاد الشّيء و الموجود و عدم تحقق الشيئيّة بدون الوجود في كلّ طور فالنقاۤئص و الاعدام و الامكانات باي اعتبارٍ كان من الاشياۤء فان سلبها عنه كانت ذاته مركّبة من سُلوب اشياۤءَ مثل هو ليس بجسم و ليس بماهيّة و ليس بنقصٍ و ليس بعدمٍ فان هذه كلّها موجودة اما عنده ففي الذهن و امّا عندنا تبعاً لموالينا عليهم السلام برئتُ الي اللّه تعالي و اليهم من خلافهم فهي موجودة في الخارج و ما في الاذهان فاشباح و اظلّةٌ منْتزعةٌ من ذواتها و موصوفاتها الخارجيّة فان اللّه عز و جل جعل الذهن مرءاةً فاذا اردتَ ادراك شيءٍ اَوْ تَذكّره ممّا ادركته ثم غاب عنك او عزب عن ذهنك التفتَّ بمرءاة خيالك و قابلتَ بها ذلك الشيء في مكانه و وقته فتجد مثاله قاۤئما هنالك في وقت الادراك الاول فتنطبع صورته في مرءاة خيالك و يستحيل اَنْ تدرك شيئا بدون ذلك و يأتي تمام البيان فلايكون في الذهن حقيقة الشيء الخارجي بعينها
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 74 *»
ما سوي عوارضها الخارجية كما زعموا بانك اذا تصوّرتَ النار كانت حقيقة النار اعني الحرارة و اليبوسة الجوهريين في ذهنِك بذاتها معرّاة عن الاحراق و انّما في ذهنكَ الصور المنتزعة من الخارجي و لذا لاتذكر شيئا او تتصوّره حتي تلتفتَ بمرءاة ذهنك الي مظنّة كونه في وقته او في محلّه و وقته ان في ذلك لايات لقومٍ يعقلون و مما يدل علي ذلك ما روي عن الرضا عليه السلام كما تقدم و انما اذكره تسهيلاً لتحصيله و تكريراً للتأكيد ليثبت في الاذهان و تطمئن قلوب اهل الايمان قال عليه السلام كما رواه الصدوق في اول عللالشراۤئع باسناده الي الحسن بن علي بن فضال عن ابيالحسن الرضا عليه السلام قال قلتُ له لِمَ خلق الله الخلق علي انواعٍ شتّي و لميخلقه نوعاً واحداً فقال لئلايقع في الاوهام علي انه عاجز و لاتقع صورة في وهم احدٍ الّا و قد خلق اللّه عز و جل عليها خلقا لئلّايقول قائل هل يقدر الله عز و جل علي ان يخلق صورة كذا و كذا لانه لايقول من ذلك شيئا الّا و هو موجود في خلقه تبارك و تعالي فيعلم بالنّظر الي انواع خلقه انه علي كل شيء قدير و قال جعفر بن محمد عليهما السلام كلّ ما ميّزتموه باوهامكم في ادقّ معانيه فهو مثلكم مخلوق مردود عليكم ه ، و الحاصل هذه الالفاظ الموضوعة بازاۤء هذه المعاني مثل نقص و عدم و امكان و ماهية و ما اشبه ذلك هل هي الفاظ مهملةٌ او مستعملة فان كانت مستعملةً فهي انما وضعت بازاۤء معانٍ موجودة و ان كانت لمتوضع بازاۤء معان موجودة فهي مهملة و اجمع العقلاۤء علي انها مستعملة موضوعة بازاۤء معان موجودة و لو في الذهن و قد بيّنا الموجود في الذّهن و اقول هذه الموجودة في الذهن مَن خلقَها و كذلك الامور الاعتبارية بل ثبوت شيئيّتها مَن خلقها فان كانت مخلوقة لهم فقولهم هو كلّ الاشياۤءِ يَعْنُون كل الاشياۤء من خلقه فتكون الاشياۤء من خلقهم سُلِبَتْ عنه و ان كانت من خلقه او من خلقهم و لاتُسْلَبُ عنه فاستثناۤؤه لها غَلطٌ و علي كل تقدير فلايكون كلّ الاشياۤء و انما هو كلّ الاشياۤء التي يعيّنُها المصنّف لان الاشياۤء و ان كانت جمعاً محلّيً بالالف و اللام و قد نصّ العلماۤء علي افادته العموم لكنّ المصنّف يريد به العموم العرفي فان قلتَ
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 75 *»
انه يريد اللغوي و لكن هذه ليست اشياۤء حقيقية و انّما هي امور اعتباريّة قلتُ قد بيّنّا انّ الاعتبار من عالمِ الخلقِ و انّ هذه الامور اشياۤء مخلوقة غاية الامر هل هي مخلوقة للّهِ ام مخلوقة لهم و اللّهُ خلقكم و ما تعملون و قوله فانك اذا قلت ج ليس ب فحيثيّة كونه ج ان كانت بعينها حيثيّة انه ليس ب ، قَدْ قلْنَا عليه انّه لايلزم ذلك بل يجوز ان يكون كونه ليس ب لايتّحد بكونه ج فيكون كونه ليس ب مستنداً الي فعل كونه ج او اثر فعله او لبعض احواله بحيث لايكون جزء ماهيته كما قلنا فيما تقدّم في الصفات السلبية من كون السلب راجعاً الي نفسه اوْ اِلَي متعلقه اعني المسْلوب علي نَحوِ مٰا اشارَ اليه الرّضا صلوات الله عليه بقوله و غُيورهُ تحْد۪يدٌ لما سِوَاه و قلنا عليه ايضا انّما يصح السلب و لا سلب في مقامٍ يمكن فيه الثبوت اذ النفي فرع الثبوت و لو ذهناً و امكاناً و وجود غيره في مقامه ممتنع ذهنا و خارجاً و في نفس الامر بكل اعتبارٍ فيسلب و لايسلب و حكمهما انّما يصح فرضه فيما يصحّ تحقّقهُ و في مقام الذات يمتنع فرض وجود شيءٍ و لو عقلاً فسقط اعتبار قوله هذا عند اهل الاعتبار و قوله حتي يكون ج بعينه مصداقا لهذا السلب بنفس ذاته قد قلنا عليه انّه لٰايجب ذلك اذا سلب عنه شيء لجواز ان يكون مصداقاً بنفس الصفة و الفعل و الاثر كَذَات زيدٍ انما تكون مصداقا للقاۤئم بنفس الظهور بالقيام و من حيث الفعل و اثره اعني القيام و امّا اذا اخذتَ السلبَ في ماهيّة الذات كان المسمي اي الذات هو الثبوت و النفي و علي هذا لايقال يكون الثبوت مصداقاً للنفي الّا مجازفة في التّعبير بل يقال ان الذات مصداق للثبوت و النفي و علي كلّ تقدير انّما يضرّ لزوم التركيب علي قولنا و اما علي قوله فلايضر لزوم ذلك اذ مصحّحات ذلك عنده كثير منْهٰا ان الكثرة نقوش و لايضرّ ذلك مع اتّحاد الذّات و منها ان الوحدة الحقيقية تستهلك الكثرات و منها انّ الاَشْيَاۤءَ شُؤُنٌ حَاصِلَةٌ لَهُ حُصُولاً جَمْعِيّاً وَحْدَانيّاً لٰايَقْدَح كثراتها و تركيباتها في وحدةِ الحقّة و بساطة الحَقيقةِ و منها انها عوارض له باعتبار مراتب تنزّلاته و امثال هذه
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 76 *»
العبارات الباطلة و مٰالُهَا الي معني واحدٍ كما نقول الشجرة واحدة بلحاظ وحدتِها و كثيرة بلحاظ اغصانها و ورقها و ثمرها و كلامهم علي هذا ناقص فينبغي لهم اَلَّايقولُوا ليس كمثله شيء بل كل شيء مثله و بهذا يتم كلامهم و كأني بك ايها الناظر في كلامي هذا تنكره و تقول انهم لايقولون بهذا و لايريدونه و كأني بك اذا قلت لك اسمع قول شاعرهم :
كلّ ما في عوالمي من جمادٍ ** * ** و نباتٍ و ذات رُوحٍ مُعَارِ
صُوَرٌ لي خلعْتُها فاذا ما ** * ** زِلْتُها لاازُولُ و هي جواري
انا كالثوبِ ان تلوّنتُ يوماً ** * ** باحمرارٍ و تارةً باصفِرارِ
تسكتُ و لاتردّ جواباً و قوله فكانت ذاته امراً عدميّا يريد به ان الذات اذا كانت مصداق ليس ب كانت مصداقاً لعدمٍ و كذا قوله و لكان كل من عقل ج عقل ليس ب و فيه ان التعبير عن مراده ان يقال انّ الذات تكون مصداقاً للاثبات و النفي ليس علي نحو التوزيع و لا علي نحو التعاوُرِ بل لمجموعهما فتكون الذات وجوداً عَدَماً فيلزم ارتفاع النقيضين اي لا وجوداً و لا عدماً او اجتماعهما اي وجودا و عدماً و ح هنا دقيقة تعالت عن التمييز بالكنه و هو انا قد قرّرنا ممّا دلّ عليه عباده عز و جل ان كلّ ما يجوز عليهم يمتنع عليه و ما يمتنع عليهم يجب له سبحانه فيجب في حقه اجتماع النقيضين بجهة واحدة فتقول هو عالٍ دانٍ بجهة واحدة قريب بعيد كذلك و يجب له ارتفاع النقيضين و هو عين اجتماعهما فتقول هو لا عالٍ و لا دانٍ و لا قريب و لا بعيد الّا ما كان مما هو من صفات الخلق لانه يمكن في حقهم فلايجتمع له تعالي ذلك و نقيضه فلاتقول عالم جاهل لا عالم و لا جاهل متحرك ساكن لا متحرّك و لا ساكن لان صفات الخلق فيها التضاۤدّ حقيقة و صفات الحق سبحانه لا تضاۤدّ فيها حقيقة اذ لايمكن اعتبار كثرة فيها مطلقا فعالٍ و دان و قريب و بعيد التي تجوز علي الخلق لاتجوز علي الحق تعالي لا هي و لا ضدّها فلاتقول هو عال كعلو زيدٍ دانٍ كدنوّه لانهما في الجهة و هي لاتجوز عليه
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 77 *»
و لاتقول هو قريبٌ كقرب زيد و بعيد كبعده لانهما في المسافة و لا عالم كعلم زيد و لا جاهل كجهله لانّهما في ثبوت الغير و عدمه فلزوم كون الذات وجوداً و عدماً وصف له بصفات خلقِه لانه في المتضاۤدّ في الحقيقة لا من حيث لزوم اجتماع النقيضين او ارتفاعهما اللَّذَيْنِ ينسبانِ الي الحقِّ تعالي بل هما من منسوبات الخلق و لو اريد بهما ما يصح عليه تعالي اي الوجود الذي يصح عليه و العدم الذي يصح عليه جاز و ليس وصفه بالعدم مع الوجود من اخذ نفي الغير في كنه الذاتِ لان ذلك النفي مما لايجوز عليه و ما يجوز عليه هو الوجود بالايات اي اثباته باياته و العدم الوجود بالذاتِ فانّه عز و جل مفقود بذاته لكل ما سواه و موجودٌ بٰايٰاته لكل مَن خلقه و براه اذ ليس للوجود و العدم معني في حقّ ذاته المقدسة عز و جلّ غير هذا و امّا معناهما المعروف عند الخلق فهو انما يصح علي فعله و علي مثله الْاعلي المشار اليه بقول الحجة عليه السلام في دعاۤء شهر رجب يعرفُكَ بِهَا مَنْ عَرَفَك لا فرق بينك و بينها الّا انهم عبادك و خلقك الدعاۤء و قوله فثبت ان موضوع الجيميّة مركب الذات و لو بحسب الذهن من معني وجودي به يكون ج و من معني به يكون ليس ب قد اشرنا فيما ذكرنا انّ معناه عنده او لازم كلامه ان مدلول ج غير مدلول ليس ب ليصحَّ التركيب و قد صرّح به في قوله مركّب الذّاتِ و ظاهر قوله و لكان كل مَن عقل ج عقل ليس ب عدم مغايرتهما مع دلالة ج علي الثبوت و دلالة ليس ب علي النفي و بين الكلامين تباين عظيم لان ظاهر ان كلّ من عقل ج عقل ليس ب اتّحاد المفهوم او اتّحاد المِصْدَاق و كلا الامرين ينافي التركيب فيه و كلا الشّقّين في الاوّل يستلزم التركيب فيه و قوله و لو بحسب الذهن يدلّ علي ان التّغاير في المفهوم خاصّة مستلزم لعدم الوحدة الحقيقية و هو عندنا كذلك و امّا عندهم فقد يكون علي نحو لاينافي الوحدة الحقيقيّة فانظر الي كثرة الاضطراب في اقوالهم و اعتقاداتهم
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 78 *»
و قوله و غيره من الامور المسلوبة عنه يدلّ علي ان الامر المسلوب عنه يوجب التّركيب و يُنَافي البساطة الذاتيّة فيجب ان لايُسْلَب عنه ذلك الامر و يراد من هذا الامر كل وجوديٍّ و عليه يكون غيره ما ليس بوجودي و لا ما كان من النقاۤئص و الاعدام و غيره في كلامه معطوف علي ما الكلام فيه و هو يبطل استثناۤءه فيكون كل ما يَصدق عليه اسم الشيء داخلاً في حكم سُلِب عنه اوْ لايُسْلب عنه كما ذكرنا سَابِقاً فَافهم فقوله فثبَت انّ البَس۪يطَ كلّ الموجودات من حيث الوجود و التّمام فيه مٰا قرّرنا ان البسيط هو المنزّه عن كلّ شيءٍ من الموجودات و الّا كان مركبا من تضايف نسبته اليه و حصوله له كما قال اميرالمؤمنين عليه السلام و كمال توحيده نفي الصفات عنه لشهادة كل صفة انها غير الموصوف و شهادة الصفة و الموصوف بالاقتران و شهادة الاقتران بالحدث الممتنع من الازل الممتنع من الحدث ه ، و كل شَيْئين بينهما نسبة الاقتران بالاجتماع و الافتراق و فيه ايضا ان قوله من حيث الوجود و التّمام ترجيح من غير مرجحٍ اِذِ الوُجُود و الْعَدم المُقَابل لَهُ وَ التّمَام و النقص و ما اشبهها من الاَشْياۤءِ كما تقدّم و قد قدّمنا ايضاً علي انّ هذه العبارات كلها انّما تصح لفظاً و معني علي فرض انّ مَعهُ غيره في ازله و رتبة قدمه و بعد ثبوت وحدته و تفرّده في كل رتبة و مقام هو هو بالضرورة يمتنع فرض سُلِبَ اوْ لايُسْلَب كما قال الرضا عليه السلام في جوابه لعمران الصابئ حين قال يا سيدي هل كان الكاۤئن في نفسه ( معلوما ظ ) عند نفسه قال الرضا عليه السلام انّما تكون المَعلمةُ بالشيء لنفي خلافه و ليكونَ الشيء نفسه بما نفي عنه موجوداً و لميكن هناك شيء يخالفه فتدعوه الحاجة الي نفي ذلك الشيء عن نفسه بتحديد ما علم منها افهمتَ يا عمران قال نعم واللهِ يا سيدي فان قلتَ ان المصنّف يقول بمعني الحديث لانه لايثبت شيئا ينافيه و الامام عليه السلام انما قال و ليس هناك شيء يخالفه قلتُ قوله عليه السلام الي نفي ذلك الشيء عن نفسه بتحديد ما علم منها ينافي ما تقول لانّ مراده عليه السلام عدم وجود شيء معه اصلا لا وجود شيء لايُخَالفه حتي يصحّ قول المصنّف كل
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 79 *»
الاشياۤءِ لاني اسألك هل يعلم شيئا موجوداً في الازل غير ذاته ام لايعلم فان كان لايعلم شيئا موجوداً غيره تعالي كان ما قلنا و ان كان يعلم شيئا موجوداً غيره وجب عليه في علمه لنفسه تحديدُ ما علم منها ليتميّز عن الغير فمراده عليه السلام ان ليس معه غيره ليحتاج الي تمييز نفسه منه و قوله و بهذا ثبت علمه بالموجودات علماً بسيطا يريد به علمه بها علي وجهٍ كليٍّ ازليٍّ عنده و هي مع كونها ذوات الاشياۤء غير مغايرة لذاته لانّها علمُه بها الّذي هو ذاته قال الملا محسن في رسالته التي وضعها في كيفيّة علمه تعالي لابنه علمالهدي قال فللاشياۤء وجهانِ وجه الي الحق سبحانه و هو من هذا الوجه حاصل له متحقّق عنده حاضر لديه في الازل حصولا جمعِيّا وحدانيا غير متكثر و لا متغيّر باقٍ و بالجملة علي ما يناسب ذاته عز و جلّ و صفاته و افعاله و وجهٌ اخر الينا و هي من هذا الوجه لمتحصل و لمتتحقّق و لمتوجد الّا فيما لايزال وجوداً متفرّقاً متكثّراً متغيّراً نافداً و بالجملة علي ما يناسب ذواتنا انتهي ، فتكون الذات عندهم واجدةً في الازل للاجمالي فاقدة للتَّفْص۪يلي فما في الازل غير مغاير للذات عندهم اذ الاشياۤء لاتسلب عنه في الازل بخلاف ما في الامكان فيكون غير عالم في الازل بما في الامكان مما نعلمه نحن مما هو من الوجه التفصيلي و قال المصنف بعد هذا و حضورها عنده علي وجهٍ اعلي و اتمّ و يريد به ما اراد صهره فكان عالما في الازل عندهم بنصف المعلومات لان المعلومات التي عنده في الازل يعلمها بعلمه الذي هو ذاته بلا مغاير بينها و بينه و لا تكثر تعالي اللّه عما يقولون علوا كبيرا و مذهبنا تبعاً لمذهب ساداتنا عليهم السلام انّه تعالي في الاَزل الّذي هو ذاته و ليس يعلم ازلاً غير ذاته الّا الازال الحادثة المخلوقة عالم و لا معلوم اي هو عالم و لا معلوم يعني لميكن في الازل معلوم غيره لان الازل هو ذاته و ليس في ذاته شيء نعم لك اَنْ تقول هو عالم في الازل بها في الحدوث و الامكان و ليس لك ان تقول هو عَالِمٌ بها في الاَزلِ فتكون هي في الازَل و انّما هو سبحانه في الازل عالم بذاته و لايعلم في الازل غيره فلمّا
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 80 *»
وجدت الاشياۤء في الامكان في امكنة حدودها و ازمنة وجودها وقع العلم عليها اذ لايقع العلم علي غير شيء و الّا لكان جهلاً قال الصادق عليه السلام كان اللّه ربنا عز و جل و العلم ذاته و لا معلوم و السمع ذاته و لا مسموع و البصر ذاته و لا مبصر و القدرة ذاته و لا مقدور فلمّا احدثَ الاشياۤء و كان المعلوم وقع العلم منه علي المعلوم و السمع علي المسموع و البصر علي المبصر و القدرة علي المقدور ه ، فتفهّم هذا الحديث الشريف و انا اظنّ انّك تعترف بان جعفر بن محمد عليهما السلام يعلم و انه اعرف منهم بالله و بعلمه سبحانه و اذا اثبتوا الاعيان الثابتة في الازل و اثبتوا علمه تعالي بهم في الازل علي سبيل الاجمال كانوا قد جعلوا ذات اللّهِ محلّاً لغيره و انه يعلم بعض المعلومات لان الذي في الازل هو الاجمالي و امّا التفصيلي الذي هو اشرف من الاجمالي فلميحصل عندهم لِلّهِ سبحانه في الاَزلِ فهو فاقدٌ له تعالي ربّي تعالي ربّي لا حول و لا قوة الّا باللّهِ العلي العظيم و قوله و حضورُها عنده علي وجهٍ اتمّ يريد انّها حاضرة في ذاته علي وجه اتمّ و اشرف بحيث لايكون منها تكثّر في الذات و لا مغايرة كما هو رأيهم في قولهم معطي الشيء ليس فاقداً له في ذاته و قد تقدم بعض الكلام معهم في ذلك و يأتي و قوله لان العلم عبارة عن الوجود بشرط الّايكون مخلوطاً بماۤدّة يريد انّ العلم بسيط لانه اذا اراد انه حقيقة الوجود لايمكنه ان يجعله ماۤديّا او مخلوطا بها فيكون قد جعل في ذات الحق سبحانه ماۤدة لاستلزامها التركيب فاذا اشترط في الوجود الذي هو العلم عدم الشوب بالماۤدة كان هو حقيقة العلم و صرف العلم و هو العلم الازلي لانّ الوجود المخلوط بالمواۤدّ و النقاۤئص حادث ليس هو حقيقة الوجود و ليس هو حقيقة العلم و نحن نقول له العلم بها حضورها عنده فان اراد حضورها عنده كل شيء في مرتبة وجوده من ملك الله سبحانه كما نذهب اليه نحن و ان علمه بها هو عين ذلك الحضور الذي هو نفس كونها كان عالماً بكلّ شيء و صحّ لايعزب عنه شيء في الارض و لا في السماۤء و ان
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 81 *»
اراد بحضورها عنده كونها في الازل و انّما قيل عنده لانّ وجودها مترتّبٌ علي وجوده فله التقدّم الذاتي و ذلك الحضور لاجل كونه في الازل لايكون مخلوطاً بالماۤدّة لتقدّس الازل عن المواۤدّ لزمه ما قلنا سابقاً من كونها قديمةً و مخلوطةً بذاته او مقْرونةً به او كونه محلّا لها و كون المواد و المخلوط بالمواۤدّ غير معلومة له في الازل فيكون فاقداً لها و قد قال ان معطي الشيء غير فاقدٍ لهُ فان قلتَ انه قال انّها في ذاته بنحوٍ اشرف قلتُ هو ما يعنون به من الوجه الاجمالي بقينا في الوجه التفصيلي و النحو الاخسّ لميكن علي قولهم معطِياً له و هو فاقدٌ له فقول الملا محسن في الرسالة المذكورة في اولها الحمد لله العليم الحكيم الذي لايعزب عن علمه مثقال ذرّة في السموات و لا في الارض مناقض لقوله انه لايعلم في الازل الّا الاجمالي و لقول المصنّف لان حضورها عنده علي وجهٍ اعلي و اتمّ بشرط الّايكون مخلوطا بماۤدة لان من لميكن علمه الّا بالمجملات و بشرط ان لايكون مخلوطاً بماۤدة لايكون عالماً بكل شيءٍ بل ببعضٍ دون بعضٍ بخلاف ما اذا قلنا انه تعالي متفرّد في ازله ليس معه غيره فهو عالم و لا معلوم لان علمه عين ذاته و لميكن في ذاته و لا مع ذاته شيء ليكون معلوماً فاذا وجد الشيء وقع عليه العلم و مثاله كما اذا اشعلتَ سراجاً في الهواۤء فانه لايقع منه شعاع علي شيء فاذا وجد كثيفٌ ظهر النور عليه و لميكن النور معدوماً بل هو موجود و لكن المستنير معدوم فاذا وجد المستنير ظهر النور فانه علي هذا التقرير يكون عالماً بكل شيء لكن الشيء المعلوم لميوجد في ذاته و انّما وُجِدَ خارج الذات فافهم يا حبيبي و اغتنم و قد قال المصنف هذا اللفظ و نحن و هو قد عرضنا بضاعتنا عليك و كشفناها بين يديك فانا اقول هذا قول محمد و اهل بيته الطاهرين (ص) و المصنف يقول قال الفارابي و مميتالدين فاختر لنفسك ما يحلو و قد بسطنا الكلام في جوابنا للملا محمد الدامغاني ايده الله و في شرح المشاعر فما خفي عليك هنا فاطلبه من هناك .
قال { قاعدة مشرقيّة واجب الوجود واحد لا شريك له لانه تام الحقيقة كامل الذات غير متناهي القوّة و الشدّة لانه محض حقيقة الوجود بلا حدٍّ و نهاية
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 82 *»
كما علمت اذ لو كان لوجوده حدّ او تخصّص بوجهٍ من الوجوه لكان تحدّده و تخصّصه بغير الوجود فكان له محدِّد قاهر عليه و مخصِّص محيط به و ذلك محال فما من كمال وجودي و لا خير الّا و فيه اصله و منه نشؤهُ و هذا هو البرهان علي توحيده .}
اقول قوله واجب الوجود محكم لا اشكال فيه امّا انّه واحد فلان ما زاد عليه يوجب النقص في كل منهما لكون كل منهما محصوراً بالاخر اذ قولك هو غني عن كلّ شيءٍ لايستلزم الغني المطلق بل قد يلزم منه احتياج و نقص اذا فرض آخر لان الاخر ان كان محتاجاً اليه ثبت التوحيد و حصل الغني المطلق و ان كان مستغنيا عنه قلنا كونه محتاجاً اليه اكمل من كونه مستغنيا عنه فيكون مع وجود المستغني عنه ناقصاً هذا في شأن ذاته و في شأن فعله ان كان كل ما سواه معلولا له حصل الغني المطلق و الكمال الحقّ و ان وجد شيء لميكن معلولاً له و قد ثبت انّ احتياجه اليه و كونه معلولاً له اكمل في حقّ فعله لعمومه كان نقصاً فاشار سبحانه الي المعني الثاني اذاً لذهب كل الهٍ بما خلق اي لو كان اله غيره لاستبدّ كلّ صانعٍ بمصنوعاته و تميّز كل صنعٍ بتمييز صانعه و مقتضي الكامل المطلق ان يستند كل ما سواه اليه فيقع التدافع بين صنعي الصانعَيْنِ في كل مصنوعٍ فاذا لميكن احدهما صانعاً لكل شيء فان كان لنقص في نفسه و فعله كان مصنوعاً و ان كان لتعلق صنع الاخر به كان عاجزاً و كان مصنوعاً و الوجهان جاريان فيما لو تبعّض الصنع في المصنوع الواحد او وقع الصنعان فيه او ارتفعا عنه فدلّ قوله تعالي علي هذه المعاني بالمطابقة و بالتضمن و بالالتزام و اشار سبحانه الي المعني الاول بقوله تعالي و لعَلَا بعضهم علي بعض ،
و امّا انه تعالي لا شريك له ففي اربعة امور :
الاول توحيد الذّات لان الحق منحصر في الازل و الازل هو ذاته اذ لو كان ظرفاً له لكانا قديمين ازليّين لهما ظرف قديم و هكذا فيتسلْسَل فاذا كان الازل ذاته لميكن سوي الازل الّا المصنوع المستند الي صانعه في كل شيء اي في كل ما يصدق عليه اسم الشّيء و ليس له ضدّ لانّ الازل ليس شيء غيره الا
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 83 *»
الامكان و الامكان و ما فيه مصنوعه تعالي و المصنوع لايكون ضدّا و الّا لماصدر عنه لان الضّد هو المقابل و امّا الممتنع فمعناه مصنوع له سبحانه و ما يريدون منه ان قصدوا متصوّراً فهو مخلوق لله تعالي و ما في اذهانهم صورة ذلك سواۤء اشاروا بذلك الي حقّ ام الي باطل فان كان حقّا فاللّه موجد كل خير و ان كان باطلاً فالله خلقه بمقتضي اوهام المبطلين علي حدِ قوله تعالي بل طبع الله عليها بكفرهم فافهم كي تسلم و تغنم و ان لميكن متصوّرا فليس بشيء و ليس هذا علي حد الامتناع الامكاني فان الامتناع الامكاني مخلوق كل ما ميّزتموه باوهامكم في ادقّ معانيه فهو مثلكم مخلوق مردود عليكم او اليكم علي اختلاف النقلَيْنِ و الذين يزعمون انهم يتصوّرون شريك البارئ سبحانه غلطوا لان الذي يتصورونه ما انتزع من هُبل و اللّات و العُزّي و ما اشبهها حيث جعلوها المشركون شركاۤء و ورد نفي الشريك اي ما جعله المشركون شريكا توهّموا هذا المعني فيتصورونه و ليس الممتنع شيئا و لا عبارة عنه الّا ما استعمل في الموهوم الممكن اذ لو كان شيئا لعلمه الله سبحانه حيث يقول قل اتنبئونه بما لايعلم في السموات و لا في الارض و قال تعالي و جعلوا للّه شركاۤء قل سَمّوهم ام تنبئونه بما لايعلم في الارض .
و الثاني توحيد الصفات بمعني ان معاني صفاته ليس فيها شريك فليس له شريك في حياته اذ لا موت فيها و لا في علمه اذ لا جهلَ فيه و لا في قدرته۪ اذ لا عجزَ فيها و هكذا ساۤئر صفاته قال تعالي ليس كمثله شيء .
و الثالث توحيد افعاله بمعني انه سبحانه تفرّد بايجاد الشيء لٰا من شيء فلايخلق احدٌ سواهُ شيئاً من المواۤدّ قال هذا خلقُ اللهِ فاروني ماذا خلق الذين من دونه و قال تعالي ماذا خلقوا من الارض ام لهم شرك في السماوات و قال تعالي قل الله خالق كل شيء و هو الواحد القهار .
و الرابع توحيد عبادته بان لايعبد الّا هو و لايتوكّل الّا عليه و لايرجو الّا ايّاه و لايخاف الّا ايّاه فالموحّد في العبادة لايجد في كل مقاصده و سره و علانيته الّا اللّٰه فمن كان يرجو لقاۤء ربّه فليعمل عملا صالحاً و لايشرك بعبادة ربّه
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 84 *»
احداً فاذا وجد العارف من وصفه تعالي و معرفته الوحدة الحقّية في المراتب الاربعة ظهر له انه تعالي تام الحقيقة كامل الذات لانه بذلك اللحاظ في كل المراتب الاربعة لايفقد كمالا و لايحتمل الزيادة اذ كل كمالٍ فمن فيضه فلايكون متناهي القوة و الشّدّة لان التناهي يستلزم غيراً و ذلك امّا ان يكون ايّاه اوْ يكون عنه فلاتتناهي شدّته و قوّته و علي اصطلاح القوم من تسمية الوجود اذا كان تعالي حقيقة الوجود كان ما يفرض نهاية ان كان وجودا فهو تلك الحقيقة او صادر عنها و ان لميكن وجوداً لمتكن نهاية فان ما لميكن وجوداً ليس شيئا و هو قول المصنّف لانّه محض حقيقة الوجود بلا حدٍّ و لا نهاية كما علمت و قوله اذ لو كان لوجوده حدّ او تخصّص بوجهٍ من الوجوه لكان تحدّده و تخصّصه بغير الوجود يريد به انه لمّا كان حقيقة الوجود كان الحد و التخصّص المفروض غير الوجود اذ لو كان وجوداً لكان داخلا تحت تلك الحقيقة و لكنه غير الوجود و غير الوجود محتاج الي الوجود فيكون ما هو محتاج اليه قاهراً له و مخصّصاً له و محيطاً به و هو محال اذ لايحيط به ما في تقوّمه محتاج اليه و هذا ظاهر
و قوله فما من كمال وجودي و لا خير الّا و فيه اصله و منه نشؤُه الخ ، اقول فيه اعلم ان الكمال عَلي ثلاثة اقسامٍ القسم الاوّل الكمال الحقّي و هو الذّات الحقّ عز و جلّ و القسم الثاني الكمال الحقيقي و هو الكمال الفعلي و هو ما ينسب الي الفعل و المفعول الاوّل اعني الحقيقة المحمديّة و ما يشتق منهما و هو المثال و الاية و الوجه المسمي بالعنوان و القسم الثالث الكمال الممكن و هو ما يكون من صفات العقول و النفوس و الاجسام و المصنف و اتباعه يزعمون ان القسم الاَوّل هو منشأ القسمين الاخيرين و هو المعني عندهم بنحوٍ اشرف يعني ان كمال العقل هو في الذات الحقّ عز و جل بنحوٍ اشرف و هو كمال الذات او من كمال الذات علي الاحتمالين و هو قوله و فيه اصله و منه منشأوه اي في الواجب اصله يعني اصله
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 85 *»
هو ذات الحق او انه شأنه فالاوّل كالحروف من الالف و الثاني كالنار من الحجر و العلّة في ذهابهم الي هذا و نحوه تقديرهم للكون و النّشؤ بمقتضي افهامهم و قياسهم له علي ما يصدر عنهم بهوي انفسهم و مَن اضلّ ممّن اتّبع هويه بغير هديً من اللّه فاخبرني ايّها الناظر في ايّ كتاب رووا هذا عن نبيهم محمدٍ صلي اللّه عليه و اله و في ايِّ حديثٍ نقلوه عن اله صلي الله عليه و اله و لكنهم لمّا سمعوا ما وصل اليهم من اهل الحق عليهم السلام مِنْ انّ اللّه سبحانه خلق كلّ شيءٍ و فيها اشياۤء لاتدركها عقولهم و قالوا عليهم السلام انه عز و جلّ خلق الْاشياۤء لا من شيء فاستبْعَدَتْ عقولهم اَنْ يكون شيء لا مِنْ شيءٍ و انّما يكون الشيء من الشيء فلمّا نظروا تناهت عندهم العلل الي علّةٍ لا علّةَ لها و هو ذات الله عز و جل فقالوا ما قالوا و ليست القدرة الباهرة بايجاد شيء من شيء لان ذلك شأن قدرة المخلوق العاجز و انّما القدرة الباهرة بايجاد الشيء و احداثه لا من شيءٍ و ايضا انا قد ذكرنا مكرراً و نذكر انه يلزم علي قولهم انّه يلد لان هذا المعني الذي يشيرون اليه احد اصناف الولادة و قد ذكرنا ايضا انّه اذا انشأها من ذلك الاصل الذي هو ذاته او من ذاته كان مختلف الاحوال اذ حال الذات قبل الاخراج مغايرٌ لها بعد الاخراج لانّ البارز ان كان هو بعينه هو الكامن خلت الذّات و اختلفت الحالات و ان كان غيره فالبارز اِنْ كان من ظهور الكامن و شعاعه فحالة الاشراق غير حالة عدمه و ان لميكُنْ من ظهور الكامن و شعاعه لميكن منه و انّما كوّنه لا من شيء و قوله و هذا هو البرهان علي توحيده يريد به انّ كونه محض حقيقة الوجود بلا حدّ و لا نهاية بحيث لو فرض من الاغيار غيرٌ فهو امّا منه و امّا عنه و الّا كان محدوداً بذلك الغير متناهياً و هذا بُرْهانٌ محكم علي التوحيد كما ذكر و ان لميصحّح قوله منه او عنه لانه يريد الابتداۤء و التبعيض و التنزل و الظهور و هذه عندنا باطلةٌ في حق ذاته تعالي و انما يصحّ في خزاۤئنه الامكانيّة .
قال { فلايمكن تعدّد الواجب لانه لو تعدّد لكان المفروض واجباً محدوداً لوجود ثاني الاثنين فلميكن محيطاً بكلّ وجودٍ حيث تحقّق وجود لميكن له و
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 86 *»
لا حاصلاً منه فاۤئضاً من لدنه فحصلت فيه جهة عدميّة امتناعية او امكانيّة فكان زوجاً تركيبيّاً كالممكناتِ و لميكن تحت حقيقة الوجود الذي لايشوبه حدّ و عدم هذا خلف فثبت الّا ثاني له في الوجود و انّ كلّ كمالٍ وجوديّ رشح من كماله و كل خير لمعة من لوامع نورِ جماله فهو اصل الوجود و ما سواه تبع له مفتقر في تجوهرِ ذاته اليه .}
اقول قوله فلايمكن تعدّد الواجب حقّ لا في الخارج و لا في الذهن و لا في نفس الامر لانّه لو تعدّد ففرض اثنين فما زاد لكان المفروض واجباً اوّلاً بالنظر الي من فرض معه محدوداً بذلك المفروض فتقول هو الّا المفروض ثانيا فكان في المفروض واجباً جهة امكانيّة او امتناعية بان تكون هو و يمكن ان يحيط بكمال المفروض معه او يمتنع فتكون ذاته مركبة مما هو بالفعل و مما هو بالامكان او بالامتناع و المركب لايكون واجبا لما في ذاته من الانتظار و التوقع و هو قول المصنف لوجود ثاني الاثنين فيكون منتهياً اِلي كمال الثاني اذا لميكن كمالُه لَه او عنه فيكون فاقداً ناقصا لانه اذا تحقّق وجود و كمال مغايران له و لميكونا له و لا عنه كان فاقداً لهما غير محيط بهما فوجوده و كماله مقيّدان بذلك الغير فتكون ذاته منتظرة متوقعةً لما يمكن او يمتنع و قوله و لا فاۤئضاً منه يشير به الي ان الكمالات و الوجودات الممكنة فاۤئضة من ذاته و قد بيّنّا في كثير ممّا كتبنا ان جميع الكمالات الممكنة ليس كمالات حقيقيّة و انما هي نقاۤئص في ذواتها و انما سمّيت كمالات في الممكنات لكونها في الحقيقة اجزاۤء و آلٰات لذوي الحاجات يكون فاقدها محتاجاً اليها و بها يدرك حاجته فسمّيت لهذا كمالات و الّا فهي نقاۤئص و كذلك الوجودات الممكنة علي حدٍّ واحدٍ فاذا كانت نقاۤئص و حقاۤئقها من حيث ذواتها اعدام فكيف تكون فاۤئضةً من الذات الكاملة كمالاً غير متناهٍ في الغني و التحقق الذاتي انْ هذا الّا اختلاق فلو حصل تحقق او كمال غيره اي ليس له و لا عنه لتركّبت ذاته كما قلنا مما به هو من الواجب له و ممّا هو فاقد له فيكون كساۤئر الممكنات و لميكن تحت حقيقة الوجود الذي لايشوبه حد و عدم اي لمتكن
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 87 *»
حقيقة الوجود الصرف صادقة عليه هذا خلفٌ فثبت ان لا ثاني له اي ليس غيره في الوجود و المصنّف يريد بان الواجب تعالي لا ثاني له في مطلق الوجود و هو غلط و نحن نريد انه لا ثاني له في الوجود الحق و ذلك لامتناع التّعدّد في الوجود الحق و لا ثاني له في الوجود الممكن لان الممكن اثر فعله فلاينسب الي رتبته كما لاينسب القيام الي رتبة زيد فلايقال انه ثانٍ لزيدٍ قال و ثبت ايضاً ان كل كمالٍ وجوديّ رشحٌ من كماله ، هذا مثل ساۤئر كلماته و ليس بصحيح الّا اذا اريد انّ كلّ كمالٍ فيما سواه و هو المدلول عليه بقوله كلّ كمال وجودي رشح و اثر من فعله لميفض شيء منها من الذات لا بالانفصال و لا بالاشراق و لا بالتنزل و الظهور و امّا اذا اريد انّ شيئاً منْهَا كعِلم زيْدٍ فاۤئضٌ من ذات الحقّ بالانفصال او بالاشراق او بالتنزل و علي اي معني فُرض فهو باطل لانّه نقاۤئص لايصح في دين الاسلام انه تعالي محلٌّ لها اَوْ اَنَّها جزءٌ منه او حصّة كحصّة النوع من الجنس و الشخص من النَّوْع او انها اشراق من ذاته سواۤء فرض انّه اقتطعها او ميّزها او افاضها ام كانت كذلك باصلها الغير المجهول فعل ذلك بالله سبحانه ام كانت بغير تكوين ام غير ذلك علي اختلاف انظارهم و كذلك قوله و كل خير لمعة من لوامع نور جماله فانه في مراده و في مرادنا كالكمال و كالوجود و قوله فهو اصل الوجود و ما سواه تبع له مفتقر في تجوهر ذاته اليه كساۤئر اقواله و قولنا فيه كساۤئر اقوالنا لانّ الاشياۤء تتحقّق بمواۤدّها و صورها فمواۤدّها التي يسمي بالوجودات و صورها المسماة بالماهيّات اخترعها عز و جل بفعله و ايجاده ليس من اصلٍ متحقّق قبل الاختراع و ليس لها ذكر كوني قبل ذلك الّا بما هي ممكنة في العمق الاكبر فجميع الاشياۤء و ما لها و ما ينسب و ينضاف اليها تنتهي الي فعله و جميع اياته ناطقة بذلك لكل من له اذن واعية منها انّك اذا ضربت بيدك او بخشبةٍ علي الارض مثلاً حصل لذلك صوت فتدبّر من اين اتي هذا الصوت مع العلم الضروري بان الاشياۤء اذا وجدت من شيء انّما توجد من نوعها و ليس في يدك و الخشبة و لا في الارض صوت ليخلق ذلك
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 88 *»
الصوت الذي سمعته منه و انّما خلق اي مادّته لا من شيء و ليس من الهواۤء لانّ الهَواۤء ليس فيه صوت فان قلتَ انك قُلْتَ ان الاشياۤء لاتوجَد الّا من نوعها و الهواۤء نوع الصوت قلتُ انّ النوع يتحقّق في فرده بلا تغيير كالانْسٰان في زيد بخلاف الهواۤء فانه لو كان نوعاً له علي المعني المعروف من النوع لكان الهواۤء بنفسه هو الصوت و انّما التشخص في الصغر و الكبر و القصر و الطول كما اذا تلفّظتَ تلفّظاً صغيراً حكاية للفظٍ كبير فيكون اللفظ هو الهواۤء كالتّنفس بدون صوتٍ و اذا دَقَقْتَ في اسفلِ حوضِ ماۤءٍ يسمع الصوت و ليس ثَمَّ هواۤء نعم الهواۤء هو محلّه اي محلّ قيامه فهو من جملة مشخّصاته و المشخّصات خارجة عن النوع و الّا لميتحقّق النوع اصلا فالنوع تؤخذ منه ماۤدة الشخص و صورته و تؤخذ من الجنسِ مادة النوع و الصوت مادته مخترعة لا من صوت و صورته من الكبر و الصغر و الطول و القصر مخلوقة منه اي من نفس الصوت من حيث هو كما خلق الانكسار من نفس الكسر من حيث نفسه نعم اذا فتّشتَ عن حقيقة صورته وجدتها محدثة من هيئة الدَّقّ فَانّ الدفعَ هو الفعل الذي به حدث الصوت و قد بَيّنّا مراراً ان هيئة المفعول من هيئة الفاعل كما تري ان هيئة الكتابة من هيئة حركة يد الكاتب و منها النور الظاهر من السراج فانه حدث من مسّ فعل النار اي حرارتها و من دخان الدهن الّذي حدَث مِن تكليس حرارة النار التي هي فعلها و ليس في النار نفسِها ضياۤء و لا في حرارتها و يبوستها ضياۤء و لا في الدخان ضياۤء فمن اي شيء خلق الضّياۤء و هكذا جميع الاشياۤءِ و بالجملة مذهبنا في هذه الامور تبعاً لمذهب موالينا وَ سَادَاتنا صلّي الله عليهم اجمعين ان الحق عز و جل لاتكون ذاته مبدأ لشيءٍ ممّا سِوَاه في كلّ شيء و انّ كلّ ما سواه اثر فعله لميكن له ذكر و لا اسم و لا رسمٌ قبل فعلِه۪ بحالٍ منَ الْاَحْوال بل كل شيء منها و لها مخترع و اثر لِفِعْلِه۪ فكل شيء سواه ينتهي الي ايجاده و صنعه و قوله فهو اصل الوجود و ما سواه تبع له يريد به ان ذاته تعالي لما كانَتْ حقيقة الوجود كان ما سواها من كلّ الوجودات تابعاً لِتلك الحقيقة في التحقق بها اي تحقّق كل شيء بنفس تحقق الذات فلا تحقّق لها الّا تحقّق الذات
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 89 *»
و بهذا المعني تكون الاشياۤء اعراضاً له قاۤئمة به قيام عروض و قد قال في المشاعر في الاستشهاد علي ثبوت الوجود مستشهداً بكلام الحكماۤء انهم قالوا ان وجود الاعراض في انفسِها وجوداتها لموضوعاتها او وجود العرض بعينه حلوله في موضوعه انتهي ، و هو تمثيل منهم لوجودات الاشياۤء و قيامها بالوجود الحق و هذا منطبق علي التشبيه بالثلْج و الماۤء و قد ذكرنا قبل قول شاعرهم في قوله :
انا كالثوب ان تلوّنْتُ يوماً ** * ** باحمرارٍ و تارةً باصفرارِ
فكون ما سواه تبعاً له مفتقراً في تجوهر ذاته اليه من هذا القبيل و كل هذا من فروع القول بوحدة الوجود و كل ما ارادوه باطل ليس من الحق في شيء بل الحقّ انّ ما سواه مفْتقر في تجوهر ذاته الي صنعه و الي امره و صنعه فعله التي قامت به قيام صدورٍ و امره اوّل مخلوقٍ صدر عن فعله قامت به الاشياۤء قيام تحققٍ قياما ركنيّا لان وجوداتها من شعاع وجوده فافهم .
قال { وهمٌ و ازاحة ان اوهن الطرق و اضعف الحجج علي التوحيد طريقة بعض المتأخرين نسبوها الي ذوق بعض المتألهين حاشاهم عن ذلك يبتني علي كون مفهوم الموجود المشتق امراً شاملاً عامّا و كون الوجود شخصيّاً حقيقيّا مجهول الكنه قالوا يجوز ان يكون الوجود الذي هو مبدء اشتقاق الموجود امراً قاۤئما بذاته هو حقيقة الواجب و وجود غيره عبارة عن انتساب ذلك الغير اليه فيكون الموجود اعم من تلك الحقيقة و من غيرها المنتسب اليه و معناه احد الامرين من الوجود القاۤئم بذاته و ما هو منتسب اليه و معيار ذلك ان يكون مبدء الاثار .}
اقول هذا الذي جعله المصنف اوهن الطرق ادقّها و امتَنُها و ان كان فيه تقصير من جهة التعبير و لعل من نسبوه اليه عبّر عن مقصوده علي نحو الرمز بنوع التمثيل كما اذا قلت زيد مثلا شخص حقيقي و ذات متحققة فاذا اردت ان تعبّر عن بعض اثاره الفعلية او الانتسابيّة قلتَ الزيادة اِشتققتها من لفظ اسمِ زيدٍ فتحقّقها بنسبتها بالاشتقاقِ مِنْ لفظِ اسم زيد لان حقيقة هذا اللفظ اعني الزيادة
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 90 *»
اِنّما تقوّمَتْ بِمَاۤدتها التي هي صورة ماۤدة اسمه يعني ان الزاي فيها من صورة زاي زيد و ياۤءَها هي صورة ياۤئه و دالها صورة داله و الفُهَا تولّدتْ من الياۤءِ و هاۤؤها اجْتُلِبَتْ من عوارض المقام و هو التأنيث و لو لميرد التأنيث او المبالغة لميؤتَ بها فاذا تدبَّرْتَ الزيادة وجدتها متقوّمةً بالانتساب الي اسم زيد يعني الاشتقاق منه و قدْ قلنا فيما مضي و نقول فيما يأتي انشاۤء اللّه تعالي و قلنا في اكثر كتبنا انّ هيئة المخلوق من هيئة فعل خالقه تعالي و الفعل يجري في المفعولات علي حسب قوابلها كما قلنا ان هيئة الكتابة في جميع حروفها علي هيئة حركة يد الكاتب و ما وجود جميع الكائنات و تحقّقها و تذوّتها و تجوهرُها اذا نسبْتَها الي وجود الحق عز و جل و تحقُّقِه سبحانه الا كوجود لفظ الزيادة و تحققها و تذوّتها من لفظ اسم زيد و للّه المثل الاعلي و مثل ضرْباً الذي هو المصدر المشتقّ مِنْ ضَرَب الذي هو فعل زيدٍ و ضرْباً معْني اشْتقَاقِه و حقيقتُه انَّ ضاده صورة ضادِ ضرب و راۤءه صورةُ راۤءِ ضَرب و باۤءه صورة باۤءِ ضَرَبَ فزيد في هذا المثل آيةُ الذاتِ الحقّ عز و جل و ضَربَ الذي هو فعل زيد آيةُ مشيّته تعالي و ضرباً الذي هو المصدر آيةُ مفعوله فوجود ضرْب بسكون الراۤء انما هو عبارة عمّا اشتُقَّ من ضرب بفتح الراۤء فاذا جعل الحكيم الوجود شخصيّاً حقيقيّا يعني ذاتا بسيطةً واحدة تشخصّها بما هي ذات لا غير قاۤئما بذاته هو حقيقة الواجب تعالي بقوله مجهول الكنهِ و جعل وجود غيره عبارة عن انتساب ذلِكَ الغير اليْه اي ان حقيقة وجود كل موجود كالمعني الاشتقاقي من اسم الذات علي نحو ما اشرنا اليه من التمثيل و التبيين و انّما عبّر بالموجود علي ارادة المعني الاشتقاقي علي طريقة الرمز و التمثيل لميكن طريق اقوي و لا ادقّ و لا اصحّ من طريقه و لا امتَن من تحقيقه الّا انّه لوَّح بسرّ اللّه لٰال اللّه فتلقاه من لايلقاه و قول المصنّف فيكون الموجود اعمّ من تلك الحقيقة و من غيرها ليس بشيء لان العارف لايطلق الموجود بهذا المعني المتعارف علي الذات البحت اذ هذا المعني المتعارف انّما يطلق علي الايات يعني انه عز و جل موجود باثباته اي اثبات معرفته في العقول لانّه تعالي كما قال سيّد الوصيين
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 91 *»
عليه السلام وجوده اثباته و دليله آياته ه ، نعم يطلق هذا اللّفظ من حيث التسمية علي كلّ ما هو شيء في رتبة صحة الاطلاق و هذا القيد للاحتراز عن تناول ارادة الذات البحت لانه تعالي لاتطلق عليه عبارة و لاتميّزه اشارة اذ كل ما ينسب الي شيء او ينسب اليه شيء او يلحقه اقتران او افتراق فهو مخلوق و الله سبحانه خالقه فافهم و قوله قبل قالوا يجوز الوجود الذي هو مبدء اشتقاق الموجود الي اخره نقول عليه ان اراد القاۤئل بقوله الذي هو مبدء اشتقاق الموجود انّه باعتبار اشتقاق الموجود من اسمه اي الذي سمّي به نفسه لخلقه علي نحو ما اشرنا اليه كما هو ظني به و ان كان فهم الناقلون منه خلاف ما اراد كان صواباً لان تلك نسبة تحقق الموجود و كونِه من فعلِ صانعه۪ بل تلك النسبة هي نفس كونه و تحقّقه اذا لميرد بالنسبة نفسها المعني اللّغوي و ان اريد بها اللغوي فنسبة كونه و تحقّقه الي الوجود الحق نسبة كون ضرْب بسكون الراۤء و تحقّقه الي ذات زيْد و المصنف فهم من تلك النسبة النسبة اللغويّة و المنسوب ذات الموجود و المنسوب اليه ذات الحق سبحانه و لا شكّ في بطلان ذلك بهذا المعني امّا الذين نقل عنهم فالله سبحانه اعلم بما ارادوا و كذلك المتألّهون الذين نقل اولٰۤئك عنهم الّا انّ ظنّي انّ هذا مرادهم و هو امّا ان النسبة هي الاشتقاق من الاسم كما اشرنا و الاسم هو الفعْل و الاشتقاق اَخْذ الذات من هيئة الفعل اي اخذ ماهية الموجود اَوْ اَخْذ ماۤدّته مِنْ اَثرهِ و امّا ان النّسبة اللّغويّة و يراد انّ نسبة تحقّق الموجود و كونه الي الوجود الحقّ كنسبة الضرب الذي هو المصدر في التحقق و الكون الي ذاتِ زَيْدٍ و امّا اذا اريد ما فهم المصنّف فباطل و هو الذي ذكره بقوله و معناه احد الامرين من الوجود القاۤئم بذاته و ما هو منتسب اليه و لعلّ قولهم ان الوجود امر قاۤئم بذاته يشير الي ما وجّهنا به الكلام المنقول فافهم .
قال { ثم بالغوا في امرٍ سهلِ المؤنةِ و هو ان الوجود لو كان قاۤئما بذاته لصحّ اطلاق الموجود عليه و اهملوا ما هو مِلاك الامر و هو ان ذاته تعالي هل هو عين معني الوجود المطلق الذي يثبُتُ للاشياۤءِ بعض انحاۤئه و افراده ام لا علي ان
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 92 *»
هذا الباب مسدود عليهم حيث انه ليس للوجود المطلق الشامل للموجودات معني الّا الانتزاعي المصدري المعدود من المعقولات الذهنيّة الّتي لايطابقها شيء .}
اقول قوله و هو ان الوجود الخ ، يريد ان تخص۪يصهم الموجود بالحادثات لا معني له بل ان كان الوجود الذي فرض قاۤئما بذاته متحقِّقاً صحّ اطلاق الموجود عليه و اذا صحّ ذلك لزمهم كون مفهومه مشتقا منتسباً الي وجود قاۤئم بذاته فلايكون المفروض كونه قاۤئما بذاته قائماً بذاته و يلزم التسلْسل بنقل الكلام الي القاۤئم بذاته الثاني و هكذا و علي كلّ حال يكون الموجود اعم من الحقيقة اي القاۤئم بذاته و من المنتسب اليه و اقول قد ذكرنا في هذا الشرح و غيره ان ما يعقل من الوجود و الموجود فانّما هو حادث نعم يجوز ان يطلق من باب التسمية علي العنوان و لقاۤئل ان يقول يمكن الفرق بين الشيء القاۤئم بذاته و القاۤئم بغيره فيطلق الوجود علي الاوّل لكونه محض الوجود او ماهيته هي وجوده بلا اعتبار مغايرة لا خارجاً و لا ذهنا و لا في نفس الامر بخلاف الثاني فانه في الخارج و في الذهن و في نفس الامر وجود و ماهية فهو موجود و لايطلق عليه وجود الّا بلحاظ ركنه الايمن او كونه بمعني الصنع و الاثر و النور بالمعني الثاني من معنيي الوجود و الماهية كما تقدّم و الحاصل ان القاۤئم بذاته انّما يصح اطلاق لفظ الموجود بمعني ما نفهم من الموجود علي عنوانه من باب التسمية او علي تأويل معرفته باياته او وجوده باثباته و قوله و اهملوا ما هو ملاك الامر بكسر الميم و هو ما به قوام الشيء يعني به انّ مناط البرهان علي ذلك يتوقّف علي تحرير المطلوب و هو ان ذاته تعالي هل هو عين معني الوجود المطلق الّذي يثبت للاشياۤء بعض انحاۤئه و افراده ام لا يشير به الي نحو من انواع استدلاله و كلامه يشير به الي انّ ما نعني به من الوجود الشامل للحقيقة ليس هو هذا المعني الانتزاعي المراد بمعناه بالفارسية بهستي فان هذا معني مصدري ليس له مصداق خارجي و انما هو من الامور الذهنيّة و اقول معني كلامه هذا باطل من وجوه احدها ان كلامه في
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 93 *»
مواضع كثيرة من كتبه لاتأبي هذا و لكنه لمّا تنبّه له هنا وجده قبيحاً فاعرض عنه و ثانيها ان اصل هذا الاصطلاح لميكن من وضع لغةٍ من اللغات و انّما اصطلحوا بوضع هذا اللفظِ علي شيءٍ لايعرفون له معني الّا الانتزاعي المصدري و حيث كان هذا لايقع الّا صفة و الصفة مسبوقة بالموصوف و الموصوف انْ وصف بالوجود قبل تحقّق الوجود وجب اما ان يكون صفة او يكون الوجود هو الموصوف فيلزم علي الاوّل التسلسل و علي الثاني ثبوت المدّعي و ان لميوصف بالوجود وجب ان يوصف بالعدم المنافي للتّحقق حداهم الحال الي اثبات كون الوجود اسماً للذات الموصوفة و من هنا يقولون الوجود عند العوام هو الكون في الاعيان و عند الخواۤصّ ما به الكون في الاعيان فاذا زوحموا في بيانه اضطربت عباراتهم و مقاصدهم فمن بين نافٍ او مثبتٍ لمطلق شامل للواجب و الممكن او لعامٍ مصدري او نسبيّ اوْ رابطي او لشيء لايعرفه و اذا تتبّعت كلماتهم ظهر هذا و نحن في كلامنا معهم لا بدّ لنا من استعمال هذا اللفظ الّا انا نريد به في معنيين في المعني الاول هو المادة و الماهية هي الصورة و في المعني الثاني هو بتأويل الصنع و الاثر و النور و الماهية بتأويل هويّة الشيء من حيث نفسه فكلام المصنف باطل لدوران كلامه علي كل معني من هذه المذكورات و ثالثها ان قوله من المعقولات الذهنية الخ ، ينافي قوله تعالي و ان من شيء الا عندنا خزاۤئنه و ماننزّله الا بقدرٍ معلومٍ و قول الرضا عليه السلام المتقدّم فاذا اثبت الكتاب و السنّة شيئا كان قول كل نافٍ له باطلاً و المصنّف مع دقّة نظره و شدّة توغّله سَلك مَسلك ارباب القشور من انّ الشيء الموجود هو الثخين الغليظ كالجبل و الانسان و امّا مثل المعاني و الصفات فهي عندهم امور ذهنيّة ليست موجودة الّا في الاذهان و لمتكن مخلوقة للربّ الرحمن سبحانه و تعالي عما يقولون علوا كبيراً و يأتي الكلام في هذا المقام انشاۤء الله تعالي و رابعها لمّا تبيّن له بطلان استعمال الوجود المطلق في الواجب و الممكن انكر صدقه علي ذات الواجب و الممكن و اما اتّصافه به بمعني تحققه و ثبوته فهو صادق عليه تعالي و علي الممكن عنده و قد قلنا انه باطل اذا عني به الصدق علي
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 94 *»
الذات من حيث حصولها كما هو الثابت الجازم عنده لانه تعالي انّما يُوصف بهذا المعني من حيث اثبات معرفته في قلوب المؤمنين كما قال اميرالمؤمنين عليه السلام وجوده اثباته و خامسها لمّا تبيّن له بطلان استعمال الوجود المطلق في الواجب و الممكن انكر صدقه اي صدق المعني المصدري عليه عز و جلّ و علي الموجودات و كانت عباراته في ساۤئر كتبه مصرّحة بذلك ففرّ عن ظاهره الي باطنه فكان قد وقع فيما فرّ عَنه من حيث لايشعر فجعل ذلك الذي فرّ عنه عنواناً لمٰا يريده من شيء واحدٍ مطلق يصدق قويّه علي القديم و ضعيفه علي الحادث فقال كما يأتي بعد هذا بل الحق انّ هذا المفهوم العام الذي هو مبدء اشتقاق الموجود المطلق عنوانٌ لاَمْرٍ محقّق حاصلٍ في الاشياۤء الخ ، فقد فر بقوله عن معني باطلٍ الي معنيً ابطل منه اذ ربّما يقال عليه لو قال بالاوّل انه اخطأ حيث قال بالاشتراك اللفظي لجواز ان يصدّقه كثير من الجاهلين باللهِ و لكنه جعل هذا عنوانا ليتمحّض ان مراده بالاشتراك بين الواجب تعالي و بين الممكن الاشتراك المعنوي لان الاشياۤء من سنخه تعالي فاعتبروا يا اولي الابصار و قوله علي ان هذا الباب مسدود عليهم يعني به باب كون الوجود المطلق الصادق علي الواجب و غيره انما هو الوجود الحقيقي لا الوجود الانتزاعي المصدري و قوله من المعقولات الذهنية التي لايطابقها شيء يعني خارجي نقول عليه زيادة علي ما تقدم ليفهم من وفّق الفهم و الهداية هذه الامور الذهنيّة شيء ام ليست شيئا فان كانت شيئا فلايخلو امّا ان يكون منتزعة من الخارجي او لا فان كانت منتزعة من الخارجي فقد طابقها شيء و ان لمتكن منتزعة فاما ان يكون ذاتا او صفة فان كانت ذوات فمن خالقها في الذهن و لا شكّ ان خالقها هو ربّها فان قيل هو النفس او قيل هي صفة مع ان ايجاد صفة بلا موصوف ممتنع عقلا و نقلا كما روي عن الرضا عليه السلام فتكون تلك كلّها ردّاً لكتاب اللّهِ العزيز حيث يقول و ان من شيء الا عندنا خزاۤئنه و ماننزّله الّا بقدرٍ معلومٍ و يقول تعالي و اسرّوا قولكم او اجهروا به انه عليم بذات الصدور ، الايعلم من خلق فاذا
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 95 *»
اخبر تعالي انه خلقها و وضعها في الذهن بقدر معلوم كان قوله لايطابقها شيء باطلا و ان لمتكن شيئا فجعلها اشياۤء في الذهن و لا شيء باطل .
قال { ثم ليت شعري كيف وضع الرجل اللغويّ او العرفي لفظا مشتقا و لميفهم بعدُ مفهومَ مبدء الاشتقاق و كيف يكون المشتق اعرف المفهومات و مبدؤه اخفي المجهولات بل ممتنع التّصوّر و كيف يكون المشتقّ معني واحداً و مبدؤه متردّد بين امرين احدهما تلك الذات المجهولة الكنه و ثانيهما النسبة اليه و النسبة الي المجهول مجهولة ايضا .}
اقول يقول ليتني اشعر و هو تعجّب منه حيث جعلوا مبدء الاشتقاق مجهول الكنه و اشتَقّوا منه معلوم الكنه يريد ان الذي ينبغي ان يكون مبدء الاشتقاق معلوما ليتمكن من الاشتقاق منه و فيه انّهم انّما ارادوا من الشيء القاۤئم بنفسه بمعني الوجود المعني الانتزاعي المصدري لا ان ذاته عندهم معلومة بهذا المعني لينافي قولهم مجهول الكنه و جعلوا اثاره موجودة بالوجود المعروف و هذا انّما اطلقوه علي مجهول الكنه لا علي جهة الاكتناه بل علي جهة التعريف للمقصود و السير الطبيعي في التعريف انْ يكون المشتق معلوم الكنه لقربه منهم و مجانسته لهم فيعرفون ما يجانسهم و لما كان المبدء مجهول الكنه و ذاته المجهولة الكنه ليست مبدء الاشتقاق و انّما مبدء الاشتقاق فعله و اثر فعله اللذانِ لَهُما نوع مجانسةٍ لهم فيحسن ان يطلقوا عليهما ما يعرفون و ان ينسبوا اليهما ما يكتنهون و لمّا كانا ليسا مبدءاً للاشتقاق من كل شيء يصحّ ان ينسب اليه الفعل و الاثر و انما يكونان مبدءاً اذا نُسِبا الي الشيء القائم بنفسه الذي هو مجهول الكنه اطلقوا عليه ما يعرفون ليتعيّن عندهم في كون فعله و اثره هما مبدء الاشتقاق لا ما نسبا الي غيره فيجب في دليل الحكمة بل في العقل ان يكون المشتق معلوم الكنه و المشتق منه اعني علّته التي ينتهي اليها معلوم الكنه و لو بوجهٍ ما و يجب ان يكون الشيء الذي يرجع الي حكمه كل شيء و لايرجع حكمه الي شيء غيره مجهول الكنه و الّا لكان مدركا و المدرك مجانس و المجانس يجب ان يرجع الي الغير المجانس و الغير المدرك و الرَّجل اللغوي و
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 96 *»
العرفي لايمكنهما وضع لفظٍ بازاۤء ما لايدركانِه لما تقرّر من انه يجب ان يكون بين اللّفظ و المعني مناسبة ذاتية لان الاسم كما قال الرضا عليه السلام صفة موصوف و لا شكَّ في وجوب المناسبة بين اللفظ و المعني و لا شك في لزوم الاقتران بين اللفظ و المعني و الاقتران و المناسبة يمتنعان في حق الغني المطلق القاۤئم بنفسه فيجب ان يكون ما يتقوّم به مبدء الاشتقاق اخفي المجهولات و ممتنع التصوّر نعم من يزعم ان الاشتقاق من نفس الذات لا من فعْله و اَمْرِه كالمصنّف اذا قُبِل منه هذه الاوهام الباطلة يصح ان يقول ما قال من كلّ ممتنعٍ محال و قوله و كيف يكونُ المشتقّ وَاحِداً معني واحداً و مبدؤه مردّد بين امرين احدهما تلك الذات المجهولة الكنه و ثانيهما النسبة اليه و النّسبة الي المجهول مجهولة ايْضا مشتمل عَلي مغالطة و امور غير مسلّمةٍ و اشياۤء مختلطة لو اردنا تفصيل ذلك لطال الكلام مع عدم الفاۤئدة و انما المطلوب بيان الحق اذ ليس هذه الامور مختصة بقوله هذا بل كل اقواله او جلّها من هذه المقولة و نحن نعْلم انه لميرد ذلك و انما هذا عنده طريق مستقيم و نحن نقول عليه بنحو ما تقدّم انّهم لميريدوا من وحدة المشتق الوحدة الحقيقيّة و انّما اَرادوا الوحدة النوعية و الجنسيّة و امّا مبدؤه فهو النسبة الي فعله و اثره لا غير و اما الذات المجهولة الكنه فليست مبدءاً كما ذكرنا فليس المبدء متكثّرا بالتردّد عند اهل الحقّ عليهم السلام و امّا التردّد بين الشيئين في المبدأ فلايكون الّا علي رأي المصنّف فيكون المبدأ علي الصحيح هو الذات المعلومة اعني الفعل و اثره فان قلت كيف يكون الفعل ذاتا و هو امر اعتباري او صفة علي قولك قلتُ انّ الفعل انما يكون عرضاً قاۤئما بالفاعل قيام صدورٍ بالنسبة الي الذات الحق لانّ هذه نسبته بالنسبة اليه تعالي و امّا بالنسبة الي آثاره التي هي المفعولات فهو ذاتٌ متحقّقة تذوّتَتِ الذواتُ من صفةِ هيئة تذوّتها فاذا نسبتَ تذوُّتَ ذاتِ زيدٍ الي تذوُّتِ ذاتِ الفعل الذي قلنا انه عرض
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 97 *»
بالنسبة الي ذاتِ الحق عز و جل كان جزءاً من الفِالفِ جزء هي ذات الفعل و الفعل هو ادم الاوّل عليه السلام و حوّاۤؤه هي امكانات الاشياۤء و وقته السرمد و مكانه هو الامكانات المشار اليها و قوله و النسبة الي المجهول مجهولة فيه ان النسبة اذا كانت الي ذات المجهول البحت حيث تصحّ النسبة و امّا اذا كانت نسبةَ اشراقٍ و نسبة تأثيرٍ فليست مجهولةً بل هي معلومة كما نحن فيه لان النسبة ترجع في الحقيقة الي الفعل و التّأثير و هي معلومةٌ فافهم و لاتصغِ الي اوهام المصنّف و متابعته لاراۤءِ مَن تقدّم عليه .
قال { بل الحق ان هذا المفهوم العام الذي هو مبدء اشتقاق الموجود المطلق عنوان لامرٍ محقّق في الاشياۤء متعدِّد حسب تعدُّدِها مقول بالتشكيك عليها بالاشدّيّة و الاقدميّة و مقابلَيْهِما و اكمل الموجودات و اشدّها هو الوجود الحق الذي هو محض حقيقة الوجود لايشوبه شيء غير الوجود و هو اظهر الوجودات و اوضحها بحسب نفسه لكن لفرط ظهوره و قهره و استيلاۤئه علي المدارك و الاذهان صار محتجباً عن العقول و الابصار فحيثيّة خفاۤئه بعينها حيثية ظهوره و علي هذا تبتني مسئلة التوحيد و به ينفتح بابه لا بغيره اصلا .}
اقول يريد ان مفهوم الانتزاعي المصدري العام كما ذكره نقلا عن كلام اولٰۤئك النّاقلين عن بعض المتألّه۪ين و انّه من المعقولات الذهنيّة التي لٰايطابقُها شَيْءٌ الذي جعله اولۤئك شامِلاً لجميع الاشياۤء واجبها و ممكنِها ظلّي اعتباري لا تحقّق له في الخارج فكيف يصدق مثل هذا النحو من الوجود علي الذات الحق سبحانه بل الحقّ في المَسْئلةِ انّ هذا المذكور عنوان اي دليلٌ و آية لامرٍ اي لوجودٍ محقّق ثابت في نفسه في الخارج و هذا الوجود المحقّق سارٍ في الاشياۤء متعدّد فيها حسب تعدّدها بكل نوع من انواع التعدد تعدّد الاعداد في مراتبها او في معدوداتها و تعدّد الانواع من الاجناس او تعدد الحصص النوعية او الفصليّة و تعدد الجزئيّات و تعدّد الاجزاۤء و الحاصل انه اذا كان تعدّده بحسبها فكل طور من اطوار التّعدّد جارٍ في افرادِهَا و كلّ طورٍ من التَّعدد الجاري في افرادها
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 98 *»
يجري في اطوار ذلك الوجود السّاري في الاشياۤء كلّ بحسبه و هذا معني كلامه و ما يوافقه من المعاني و قد قلنا انّ الذي التجأ اليه اسوء من الذي فرّ عنه لانّه لميرض بكون الوجود المطلق الشامل للواجب و للاشياۤء ان يكون مصدريّا ذهنيّا انتزاعيّا و حكم بان هذا عنوان لوجود ذاتي متحقّق شامل للواجب تعالي و للاشياۤء بكل نوع من انواع حقاۤئقها و اعراضها و اوصافها و اسماۤئها و ساۤئر آثارِها متّحد بماهياتها علي طبق ما هي عليه من الذّوٰات و الاحوال و الاثار و صلوح الانتزاعي لذلك التّعدد و الكثرات المختلفة محقّق لكونه هو اكوانها في الاعيان امّا الحقيقي الذي يزعم ان الانتزاعي عنوانه فلايصلح لشيء ممّا ذكر اذ ما يليق بالوجوب لايليق الحدوث بمثله و قسيمه او جزئه او جزئيّه و كيف تكون حقيقة واحدة بعض افرادها هو الحق عز و جل و بعضها الجدار و الحجر و الشجر و تلك الحقيقة صادقة علي ذوات تلك الافراد جميعها بالتواطي و ان كانت صادقة علي ذواتها من حيث الكم و الكيف بالتشكيك فنفي المصنف الانتزاعيّ المصدري و شمولَه مع امكان توجيهه الي نوع من الصحة و اثبت الحقيقي الذي كان الانتزاعي عنوانه و العنوان وصف المُعَنْوَنِ و صفته التي من عرفها فقد عرف المُعَنْوَنَ فيجري فيه كل ما يجري في العنوان و الّا لميصح كون العنوان عنواناً ما هذا الّا شيء تكاد السموات يتفطرن منه و تنشق الارض و تخرّ الجبال هَدّاً و قال ذلك الحقيقي الذاتي الذي هو حقيقة الاشياۤء اعني ما كان الانتزاعي المصدري عنواناً له مقول بالتشك۪يك عليها بالاشدّية و الاقدمية و مقابلَيْهِما يعني انّ ذلك الوجود الحقيقي يقال علي جميع الاشياۤء واجبها و ممكنها بالتشكيك فالفرد الواجب يقال عليه ذلك الحقيقي بالاشديّة و الاقدميّة شدّة و قوّة و قدماً ليس لها نهاية و ليس وراۤءَهَا غاية و لايحتمل في شيءٍ مما يصح عليه امكان الزيادة لا ذهناً و لَا خارجاً و لا في نفسِ الامر و الافراد الممكنة يقال علي كل واحدٍ بنسبة مرتبته من الكون بالشدّة و بالضعف و بالتقدم و التأخر و النقص و الزيادة و اقول اذا اراد به ما نريده نحن من كون المراد بالوجود هو الماۤدة صحّ قوله في كل ما يتعلق بالحوادث و بطل قوله في كل ما
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 99 *»
ينسب الي الذات الحق تعالي مطلقاً اي سواۤء اراد به الماۤدة ام غيرها و قوله و اكمل الموجودات و اشدّها هو الوجود الحق الخ ، يريد به انّ تلك الحقيقة الوجودية تحتها افراد تصدق علي افرادها بالتشكيك و اكمل الموجودات و اشدّها هو الوجود الحق فيكون الوجودات الممكنة عنده افراد ذلك النوع الذي سمّاه الحقيقة و الواجب واحد منها الّا انه قوي شديد خالص لايشوبه شيء و هي غير خالصة بل مشوبة باشياۤء ليست وجودات فيلزمه ان الاشياۤء كل واحد منها واجبها و ممكنها اما ان تكون جزئيّات تلك الحقيقة او اجزاۤء من ذلك الكلّ و علي كل تقديرٍ يكون المصنّف و اتباعه من الجاعلين بينه و بين خلقه نسبا كما في قوله تعالي فيمن قال انّ الملاۤئكة بنات و جعلوا بينه و بين الجنّة نسباً ، و المصنف ايضا قائل ان تلك الحقيقة الخالصة عن شوب النقاۤئص هي الواجب تعالي فيكون من الجاعلين له من عباده جزءاً ان الانسان لكفورٌ مبين و يلزمه ايضا انّ هذه النقاۤئص و الاعدام و الماهيات و المعقولات الذهنيّة ان كانت اشياۤء فهي امّا مخلوقة و امّا قديمة فان كان الوجود حقيقة لكل شيء فهو حقيقة لها فلاتكون نقاۤئص بل قد تكون متمّمة و قد قرّرنا في شرحالمشاعر و غيره انّ اللّه عز و جل لميخلق شيئا فرداً قاۤئماً بذاته للذي اراد من الدلالة عليه و اثبات وجوده كما قال الرضا صلوات اللّه عليه و الاشياۤء بجميع اجناسها و انواعها و افرادها و ابعاضها و صفاتها و احوالها و افعالها و اقوالِها كلّها مركّبة من وجودٍ هو مادّتها و من ماهيّة هي صورتها فاذا خلق اللّهُ وجود شيءٍ بقي في خزانة جنسه او نوعه او امكانه غير متميّز و لا متحصِّص و لا متشخّصٍ بل هو كالقطرة في الماۤء قبل انفصالها و كالحرف في مداد الدواة و لميكن متعيّنا لذلك الشّيء في نفسه و لا عند احدٍ من الخلق حتي يلبسه فعل الفاعل عز و جلّ ما قدّر له من الصّور المشخّصة و الحدود المعيّنة كما قال تعالي في اي صورة ما شاۤء ركّبَكَ فاذَا لبس الكسوة ظهر في الاعيان و هكذا كلّ حصّةٍ من جنس او من نوعٍ بل حقيقة هذه الوجودات كلها حِصَصٌ من اجناسِها تتميّز بالفصول التي هي الصور
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 100 *»
النوعية او حصص من الانواع تتميّز بالحدود الهندسيّة و الهيئات الشخصيّة بل حقيقة تلك الوجودات عند مَن ينظر بنور اللّه اجزاۤء من كلٍّ لَا جزئيّات من كلّي و انّما هي كما في الباب و السرير و الصنم من اجزاۤء الخشب تتميز بالصور و علي كل فرض فان كلّ وجود منها فانّما كماله بتحقّقِه و تعيّنه و ذلك متوقف علي هذه المعيّنات و هي اشياۤء و ما كونها اشياۤء الّا بتحقّقها في مقاماتها و في انفسها هي وجودات و مُعَيِّنات نوعيّة فهي كحصص الخَشب فانّها في انفسِها وجودات و معيّنات نوعيّة ثم يُميّز بعضُها منْ بعضٍ بالمعيّنات الشخصية فالتمييزات النوعية و التمييزات الشخصيّة علي نمطٍ واحدٍ و اذا فحصتَ عن حقاۤئقها وجدتها كلها وجودات موصوفيّة و وجودات صفتيّة و ليس فيها شيء غير هذين اذ ما ليس بوجود ليس بشيء و ان كان وجود كل شيء بحسبه و ما يظن انه نقص بمعني عدم فهو ان كان شيئا فهو وجود مخلوق كغيره و الّا فلا شيء و لا عبارة عنه و دعوي امتزاج شيء بلا شيء او تركيبه منه و من لاشيء باطلة اذِ الامتزاج او التركيب انّما يكون من الوجوديات و حيث ذهب المصنف الي ان الوجودات المشوبة هي في ذوات انفسها علي ما هي عليه قبل الشوب و انّما عرض لها ما لحقها من عوارض مراتب تنزّلاتها للرتبة لا لذاتها فعليه ان يكون كلّ ما تصدق عليه الشيئيّة وجوداً بنسبته و كل ما هو وجود فهو لذاته باقٍ عَلَي صرافة الوجود لذاته كما قالوا في الماۤء في الثلج فتتساوي جميع الاشياۤء فلايكون للتخصيص فاۤئدة بل علي قوله كلّ شيء ازليّ لذاته و انما ينسب الحدوث و الامكان للافراد المشوبة مِنْ حيث لحوق عوارض المراتب لها و كل شيء منها غير مُحْدَثِ الذّات و انما نسب اليه الحدوث للعوارض و علي قولنا تبعاً لقول موالينا عليهم السلام كلّ شيء سوي الذات الحق عز و جل حَادثٌ لا من شيء اي لمتكن ماۤدّته مأخوذةً من شيء قبله غير مخترع الماۤدة ليكون مصنوعاً من غير مصنوع فكل شيءٍ منها لميكن مذكورا قبل جعله ممكنا لا بكونٍ و لا بامكانٍ و لا بعلمٍ و لميكن مذكوراً قبل كونه الّا بامكانه قال تعالي اوَلايذكر الانسانُ اَنَّا خلقناه من قبلُ و لميكُ شيئاً ، فالذي يزعم المصنف
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 101 *»
انّه غير الوجود ما هو حتّي نعْرفه فان كان قوله حقّا بان الوجود هو حقيقة كل شيء فليس شيء غيره و ان كان شيء ثبت غير الوجود فالوجود لايكون حقيقةً لشيء فقوله هو الوجود الحق الذي هو محضُ حقيقة الوجود لايشوبه شيء يلزم عليه انّ هنا اشياۤء غير الوجود و قد بيّنا ان الامور الذهنيّة و الاعتبارية و امثالهما ان لمتكن اشياۤء موجودة لمتكن اشياۤء تشوب غيرها و لايلزمنا ما يتوهم انها غير موجودة او انها موجودة بالوجود فان الوجود موجود و لايقال انّما وجد بنفسه و غيره وجد به لان قولك انه وجد بنفسه اتريد به انه هو الايجاد فيلزمك انه فعل لا مفعول ام تريد ما به التحقّق و القوام فيلزمك ما نقوله انّه الماۤدة و آية ذلك ان الصورة في المرءاة تقوّمت بماۤدّتها فاذا قلتَ انّما تقوّمَتْ بقيّوميّة المقابل للمرءاة و هو وجودها قلتُ هذا صحيح و لكن تعرف كيفيّة التّقوّم و باي شيء كان ام لا فان كنتَ تعرف ذلك وجب منك القول بما نقوله و ان كنتَ لاتعرف فانا عليَّ البيان و الله سبحانه المستعان قد ذكرنا ذلك مرارا الّا انّه لغموضه و عدم التفات اكثر البصاۤئر اليه خفي قبل البيان و بعده و الان اذكره ان الشيء يتقوم في بقاۤئه بما تقوّم به في ابتداۤئه و في الابتداۤء تقوّم بماۤدته و صورته و من ايات هذا الصورة في المرءاۤة و نمثّل بها للبيان امّا مَاۤدّة الصّورة في المرءاة فهي ظِلّ المقابل المشرق علي المرءاةِ المنفصل و لمنرد بالمنفصل حصول الانفصال فيه و عدم اتّصاله بالمقابل لانه ظل له و لو انفصل عنه فني و انّما نريد ان الهيئة المتّصلة بالمقابل المتقوّمة به قيام عروضٍ لمتكن هي التي في المرءاة بل التي في المرءاة ظلّها فهو متقوم بالمقابل اعني ذا الظِلّ تقوّمَ صدورٍ و متقوم بالمرءاة تقوّم عروضٍ و هيئة الصورة اي صورتها هي هيئة المرءاة من الكبر و الصفاۤء و البياض و الاستقامة و مقابلها و قد قلنا انّ مادّتها التي هي ظلّ القاۤئمة بالمقابل قاۤئمة بما في المقابل قيام صُدُورٍ و اشراق فهي داۤئمة الاشراق و الافاضة كاوّل المقابلة و المرءاة داۤئمة الانتزاع بقابليتها و الاستفاضة فكلُّ بقاۤئها و دوامِها كاوَّل حصولها و لماُرِد التشبيه اصلاً الا للتّعبير بل المراد ان
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 102 *»
جميع احوالها في اوقاتها حالٌ وَاحدٌ يعني كل انٍ اوّل اشراقها و افاضتها و انتزاعها و استفاضتها اِذْ ما به الكونُ بهِ المَددُ و كل مصنوع لايتوقف الّا علي العلل الاربع الفاعلية و هي فعل الفاعل و هذه لاتدخل في هويّة المحدث و لا في مفهومه لانه كحركة يد الكاتب لاتدخل في هويّة الكتابة و لا في مفهومها و الماۤدّية و الصوريّة و لا هويّة له غيرهما و لا مفهوم له من غيرهما و الغاۤئيّة كالاولي اذ هما لوازم الوجود اي التحقق و الثانية و الثالثة للماهية بمعني انّ الشيء حقيقته و هويته جميعاً لميشذ عنها شيء فيهما و امّا الاولي و الرابعة فخارجان عن حقيقة الشّيء بحقيقتهما نعم هيئته صورة هيئة الاولي و صلوح هيئة الرّٰابعة فالايجاد اي الاحداث من الاولي و التّحقق و التذوتُ و الشيئيّة من الثانية و الثالثة و نعني بالعلّة الثانية الموصوفيّة و بالثالثة الصِّفتِيّة فان فهمتَ كلامي هذا فهِمْتَ القيّوميّة و ما به التقوّم و الّا فالي اللّه ترجع الامور و قوله و هو اظهر الموجودات و اوضحها الخ ، يعني ان الموجودات اثار و الاثار و ان ظهرت فانما ظهورها من فاضل ظهوره و هو سبحانه ظاهر باياته محتجب عما سواه بما سواه كما ظهر لما سواه بما سواه قال اميرالمؤمنين عليه السلام لاتحيط به الاوهام بل تجلّي لها بها و بها امتنع منها و اليها حاكَمها ه ، و انما كان اظهر من كل شيء لان كل شيء اثر ظهوره و الاثار و الصفات مع انها هي الظاهرة تضمحل في ظهور الموصوف مثل ما اذا اردتُ اَن اُخاطِبَك فاني لااتمكّن اَن اتوصّل اليك الّا بواسطة صفتِك لانهٰا اَقْرب اليَّ من ذَاتِكَ لِظُهُورها فاقول يا قاعد فاخاطبُك بالقعود مع انّي غير ملتفتٍ اليه الّا بالعرض و لماقصده و انما المقصود اَنْتَ لما اريد منك لا من الصّفة مع انّك قد غيّبتَها بشدّةِ ظهورك بها فانت اظهر عندي و عندك و عند كل من يسمع كلامي من صفتك و انّما تذكر صفتك بالعرض اذِ القعود اثر من فعلك و لو كان اظهر منك لكان هو المظهر لك لانه اذا اجتمع في مقامٍ او رتبةٍ ظاهرٌ و اظهر مترتبان اي احدهما عن الاخر او من الاخر او به كان الاظهر هو المظهر للظاهر و اليه الاشارة بقول سيّدالشهداۤء عليه السلام علي ما نقله بعضهم ملحقاً بدعاۤئه يوم عرفة قال عليه السلام ايكون لغيرك
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 103 *»
من الظهور ما ليس لك حتي يكون هو المظهِرَ لك متي غِبتَ حتي تحتاجَ الي دليلٍ يدلّ عليك و مابعدتَ حتّي تكون الاشارةُ هي الّتي توصل اليك عمِيَتْ عينٌ لاتراكَ ( و لاتزال ظ ) عليها رقيباً و خسِرتْ صفقةُ عبدٍ لمتجعل له من حبِّكَ نصيباً ه ، فلاجل ذلك لايخفي علي احدٍ كيف يخفي علي اَحدٍ و لميكن الاحد احداً الّا به لكنّه عز و جل لفرط ظهوره لانّه لا نهاية لظهوره لانّه اظهر من نفسِك لنفسِك ظهوراً لايتناهَي و لشدّة قهره و استيلاۤئه علي المدارك و الاذهان و غيرهما لعدم امكان اجتماعها معه في رتبة و المدرك للشيء مجتمع معه و مُلْتَقٍ به احتجب بها عنها كما قال علي عليه السلام و بها امتنعَ منها و روي عن النبي صلي الله عليه و اله ان للّه سبعينالف حجاب من نورٍ و ظلمةٍ لو كشف حجابٌ منها لاحرقت سبحات وجهه ما انتهي اليه بصره من خلقه ه ، و لمّا تجلّي تعالي بجزء من شعاع نور العظمة و الستر الحادثين للجبل و لموسي عليه السلام جعله دكّا و خرّ موسي صعقا و روي انّه بقدر الدّرهم و روي انه بقدر ثقب الابرة و في صحيحة عاصم ابن حميد عن الصادق عليه السلام فيمن يدّعي الرُّؤية قال ذاكرتُ اباعبداللّه عليه السلام فيما يروون من الرؤية فقال الشمس جزؤ من سبعين جزؤا من نور الكرسي و الكرسي جزؤ من سبعين جزءا من نور العرشِ و العرش جزؤ من سبعين جزءاً من نور الحجاب و الحجاب جزؤ من سبعين جزءاً من نور الستْر فان كانوا صادقين فليملئوا اعيُنَهم من الشمس ليس دونها سَحاب اقول و المراد من الستر اوّل مفعولٍ صدر عن فعله تعالي فاذا كان نور الشمس جزءاً من ستّةعشرالفَالفٍ و ثمانيةٰالاف الفٍ و ثمانمائةالف جزءٍ من نور الستر الذي هو شعاع الستْر و هو جزءٌ من سبعين جزءاً من السّتر فيكون نور الشمس جزءاً من مائة و اثنين و ثلاثينالفَ الفِالفٍ و خمسمائة و خمسةٍ و ستينالفَالفٍ و ستّمائةالفِ جزءٍ من السّتر و الستر اثر فعله و محلّه و متعلّقه اذ لميكن في الاكوان قبله اثر لفعل اللّهِ عز و جل و هذه الشمس لاتكاد تدركها الابصار لشدّة نورِها و وضوح ظهورها فكيف يُدْرَك في ظهوره سبحانه و لمّا كان في عز جلاله كما قال عبده المرتضي و مولانا و سيّدنا الرضا عليه
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 104 *»
السلام كنهه تفريق بينه و بين خلقه كانت حيثيّة خفاۤئه عن كل مدرك سواه بعينها عين ظهوره لكلِّ من برأه و انشاه و قول المصنف فحيثية خفاۤئه مع انه لايجوز عليه اطلاق الحيثيات و الجهات انّما هو للتعبير و التعريف و قوله و علي هذا نبتن۪ي مسئلة التوحيد و به ينفتح بابه لا بغيره اصلاً يريد به ان ابتناۤء التوحيد و فتح مغلق ابوابه علي النهج السديد علي ما قرّره من كون صرف حقيقة الوجود هو الواجب و لايصحّ المشاركة في هذا المفْهوم مع لحاظ اخذ الخلوص عن الشوب بالنقاۤئص و الاَعْدام و انّما تصحّ المشاركة في اصل الحقيقة و الحاصل مَبْنَي التوحيد عنده علي صحة القول بوحدة الوجود بل وحدة الموجود و ان كان باعتبارِ قيدٍ كقول بعضهم اَنَا اللّٰهُ بِلا اَنَا و امّا نحن فعندنا هذا مبني الشرك كما نطق به القرءان المجيد في قوله عز و جل و جعلوا له من عباده جزءاً انّ الانسان لكفور مبين و قوله عز و جل و جعلوا بينه و بين الجِنّة نسباً اي مجانسةً و لقد علمتِ الجِنّةُ انهم لمحضرون فان القول بوحدة الوجود كفر بالاجماع و يَصدق ذلك علي وجهٍ ظاهر و وجهٍ خفي امّا الوجه الظاهر فجعل وجود الحق و وجود الخلق داخلانِ تحت حقيقةٍ واحدةٍ و امّا الوجه الخفي فجعل وجود الحق الذاتي و وجود الخلق مقولا عليهما بالاشتراك المعنوي بل اللّفظي اذا اريد بالوجود فيهما الحقيقي الذي هو حقيقة الموجود سواۤء جعل وجود الخلق محدثاً مخترعاً و شرّك بين الوجودَيْن بالمعنوي للزوم كونهما من حقيقةٍ واحدة او باللفظي لوجوب المناسبة الذاتية بين اللفظ و المعني ام جعله قديما باي نحوٍ من انحاۤء مقاصدهم كما تقدم نعم لو اطلق عليهما لفظ الوجود من باب التسمية في التعريف و التبيين او اريد به العام المطلق الانتزاعي و كان عني به في الواجب الحق تعالي عنوانه لميكن به بأس .
قال { قاعدةٌ صفاته تعالي عين ذاته لا كما تقوله الاشاعرة من اثبات تعدّدها في الوجود ليلزم تعدّد القدماۤء الثمانية و لا كما قالته المعتزلة من نفي مفهوماتها رأساً و اثبات اثارِها و جعل الذات نائبة منابها كما في اصل الوجود عند بعضٍ
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 105 *»
تعالي عن التعطيل و التشبيه بل علي نحوٍ يعلمه الراسخون في العلم من الامّة الوسط الذين لايلحقهم الغالي و لايفوتهم المقصّر .}
اقول اعلم ان المعروف من مذهب اهل البيت عليهم السلام عينيّة صفاته تعالي بمعني انّها هي هو عز و جل و هو مذهب اتباعهم من شيعتهم و هذا عندهم مما لا ريْبَ فيه الّا انّ كلّا منهم تكلّموا في معني ذلك فذهب جلّ اهل الظاهر منهم من محقّقي المتكلمين انّ مئال معانيها و مفاهيمها الي نفي اضدادها فمعني حيّ انه ذات ليست بميّتة و عالمة ليست بجاهلة و قادرة ليست بعاجزة و هكذا كلامهم في باقي صفاته الثبوتيّة و ذلك انّهم قالوا اذا لمنرجعها الي نفي اضدادِها فامّا ان نجعل لها مفاهيم متغايرة و مغايرة لمفهوم الذات اوْ لا فان كانت لها مفاهيم متغايرة فان كانت قديمة لزم تعدّد القدماۤء و ان كانت حادثة كان خلواً منها قبل كونها و علي الحالين يكون محتاجاً الي الغير و ان لمنجعل لها مفاهيم متغايرة لمتكن صفاتٍ و لميصف نفسه بشيء فلا بدّ من ارجاع مفاهيمها الي نفي اضدادها و منهم من قال بكونها عين ذاته و لميرجع في ذلك الي شيء و ائمّتُنا عليهم السلام قالوا و كمال توحيده نفي الصفات عنه و في بعض رواياتهم و نظام توحيده نفي الصفات عنه و معني الروايتين من النفي نفي زيادتها علي الذات بل هي الذات و انّما تغايرت اسماۤؤها و تكثرت باعتبار تغاير متعلقاتها و تكثّرها و نحن نقول بهذا و سنشرحه شرحاً شافيا انشاۤء اللّه تعالي مَن شرب من كوثره شربة لميظمأ ابداً و ذلك مما دلّونا عليه عليهم السلام
امّا قولهم صلي اللّه عليهم و كمال توحيده فهو يدلّ انه قد يحصل التوحيد لبعض الناس مع قولهم بالصفات و اختلاف معانيها و هؤلاۤء ساۤئر اتباعهم و هو توحيد الجملة و هو ان يقولوا الله سبحانه واحد و قد وصف نفسه بصفاتٍ فيجب التصديق بها و انها عين ذاته من غير ان يذوقوا في ذلك معني الاتّحاد او التعدد و قولهم بالاتّحاد و لو ابتلاهم العارف تبيّن له انهم ذاهبون الي التعدد معني و الاتّحاد لفظاً حتي ان الطبرسي رحمه الله في تفسيره جامعالجوامع قال في قوله تعالي و هو معهم اينما كانوا قال ما معناه يعني و هو معهم بعلمه فكأنه
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 106 *»
يشاهدهم و انما قال بعلمه فراراً مِنْ اَنْ يقول بذاته فيلزم المحذور من الاجتماع مع خلقه و الحواية كما تحويهم الامكنة فعدل الي انه معهم بعلمه لا بذاته و هو صريحٌ في ارادة مغايرة العلم للذات الّا انّه قاۤئل بالاتّحاد و لكن ما داموا قاۤئلين بالتوحيد فهم موحّدون بتوحيد الجملة يعني انه تعالي واحد و هذه ليست آلهة و انّما هي صفاته فليس الّا هو كما ان النملة تزعم ان لله زبانَيْن و هي موحّدة فيصدق علي اهل هذا القول القول بالتوحيد الّا ان كمال هذا التوحيد نفي الصفات بهذا المعني الذي يريد هؤلاۤء لانه في الحقيقة قول بالتعدد و لهذا قال عليه السلام لشهادة ان كل صفةٍ انها غير الموصوف و شهادة الصفة و الموصوف بالاقتران و شهادة الاقتران بالحدث الممتنع من الازل الممتنع من الحدث و امّا قولهم عليهم السلام و نظام توحيده نفي الصفات عنه فهو ظاهر و امّا مراد الخصيصين من شيعة الائمة الطاهرين عليهم السلام فهو انّه سبحانه و تعالي واحد بسيط احدي المعني لا تكثر في ذاته لا لفظا و لا معني و لا خارجاً و لا ذهنا و لا في نفس الامر و لا في الفرض و الاعتبار بل هو تعالي بكل لحاظٍ في كل حال واحد كامل فوق النهاية بما لايتناهَي في كلّ شيء لذاته و كل ما سواه فهو صادر عن فعله و صنعه و اثارُ فعله كثيرة متعدّدة و كل شيء منها لايكون الّا بعلمه و مشيته و ارادته و قدره و قضاۤئه و باذنٍ منه تعالي و اجل و كتاب فاذا كان صوت ممّا خلق فهو حاضر لديْه فيقال له علي ما تعرف خلقه ممّا عرّفهم انه سميع لانه ادرك الصوت المسموع لانه لايكون الّا حاضراً لديه في مكان حدوده و وقت وجوده فباعتبار ادراكه المسموع وصفته بالسميع و اذا لحظْتَ ما هنالك لمتجد الّا الذات الكاملة و اذا كان لون او مقدارٌ ممّا خلق فهو حاضر لديه فهو مدرِك له عالم به فيقال له علي ما تعرف الخلاۤئق ممّا عرفهم تعالي اِنه بصير لادراكه للّونِ المبصَر لان اللون و المقدار لايكون شيء منهما الّا حاضراً لديه في المكان الذي حدّه فيه و الوقت الذي عَدّه فيه فباعتبار ادراكه للمبصر من اللون او المقدار المرئي وصفتَه بالبصير و ليس هنالك الّا ذاته المقدّسة الكاملة و هكذا ساۤئر الصفات و ادراكه لذلك عند وجود الشيء المدرَك بفتح الراۤء انما
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 107 *»
هو تعلق الادراك و وقوعه عليه فيُسَمّي هذا الواقع المتَجدّد عند وجود متعلقه بمعني ما بيّن لخلقه فانه تعالي بيّن لهم ان ادراك الصوت اسمه سمع و الموصوف به سميع و ادراك اللون اسمه بصرٌ و الموصوف به بصير و هكذا فاذا لحظتَ الموصوف لميكن منه شيء الّا انه مدرك و ادراكه المتعلّق بالمدرك بفتح الراۤء حادث بحدوثه و هو قبل هذا التعلق كامل كما تقول زيد سميع لذاته بمعني انّه هو ذلك الكمال المسمي بالسميع الذي اذا وجد الصوت تعلّق به فهو سميع قبل كلام عمروٍ فاذا تكلم عمرو تعلّق سمع زيد بكلام عمرو فزيد هو السميع و هو البصير اي اذا وجد لون ابصره و ليس بعض زيد سمعاً يدرك الاصوات و بعضه بصراً يدرك الالوان و انّما السميع البصير العليم هو ذات زيد تكثرت الاسماۤء و النسب باعتبار تكثر المتعلّقات فكذلك ما نحن فيه فانّما قلتَ هو سبحانه سميع بصير عليم قادر و كثّرتَ اسماۤءه الصفاتيّة باعتبار تكثر متعلقات ادراكه فاذا قلت صفاته تعالي التي وصف بها نفسه حي عالم سميع بصير قادر فتريد باعتبار تعلّق تسلّطه سبحانه بالحيوة و المعلوم و المسموع و المبصَر و المقدور و ان قلتَ هذه الصفات منفيّة عن ذاته فتريد انه ليس هناك الّا ذاتٌ كاملة متسلِّطة لا غير و ليس هناك اشياۤء متغايرة مغايرة لذاته بكل اعتبارٍ الّا انّك تصفه بالسمع بلحاظ انه مدرك الاصوات و تصفه بالبصر لانه مدرك المبصرات فصح قولك ان صفاته عين ذاته و تريد انّ ما اصفه به من شيء فانّما هو ذاته لا غير و صحّ قولك بنفي الصفات عنه و تريد انّه ليس الّا الذات البحت الكامل فهذا معني صفاته عين ذاته و معني و نظام توحيده نفي الصفات عنه ثم اعلم انه تعالي سميع قبل المسموع لان المسموع حادث و سمعه هو ذاته و معني ذلك اذا قلتَ سميع بالصوت ان السمع تعلّق بالصوت و لايتعلق به الّا اذا كان شيئا و في الازل لميكن شيء الّا الله الواحد الحقّ المبين فلا بدّ ان يكون السمع تعلّق بالمسموع بعد وجوده و باي نحوٍ من انحاۤءِ الوجود لميكن كلامي و اصواته شيء منها متّصِفاً بشيء من تلك الانحاۤء في الازل و الّا لكان كلامي مع الله في الازل تعالي الله و لايصح ايضاً ان يكون في الازل ليس بسميع فيكون
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 108 *»
فاقداً لكمالٍ فيجب ان يكون جميع معاني صفاته حاصلة له في الازل و هي ذات اللّه تعالي فاذا وجد شيء من المتعلقات تعلّق به الادراك و لذا نقول قولك هو تعالي عالم بها في الازل باطل اذ ليس شيء منها في الازل ليكون عالماً به و قولك هو تعالي عٰالم في الازل بها في الحدوث صحيح لانّه في الازل عالم لانّ علمه ذاته و معلوماته حوادثُ فيعلمها حين وجدت في امكنة حدودها و ازمنة وجودها و لو قلتَ انه عالم بشيء و لا شيءَ كانَ جهلاً الاتري انّك اذا قلتَ اعْلَمُ ان في يدك شيئا و لميكن في يدي شيء انك جاهل لانّك ادّعيتَ علم شيءٍ و لا شيءَ فلايلزم من قولنا قولك انه تعالي عالم بها في الازل باطل تجهيله تعالي بل العلم اَلَّايكون عالما بها في الازل لعدم وجودها في الازل و العلم لميتعلّق بشيء و دعوي التعلّق ح باطلة و ان كان العلم و هو ذاته تعالي موجوداً في الازل الّا انّ المعلوم و هو انت ليس في الازل و هذا هو قول مقتدانا جعفر بن محمد عليهما السلام كان اللّه ربّنا عز و جلّ و العلم ذاته و لا معلوم و السمع ذاته و لا مسموع و البصر ذاته و لا مبصر و القدرة ذاته و لا مقدور فلمّا احدث الاشياۤء و كان المعلوم وقع العلم منه علي المعلوم و السمع علي المسموع و البصر علي المبصر و القدرة علي المقدور ه ، فتدبّر في هذا الحديث الشريف و اسلك بهذا النور في هذا الطريق المظلم فقد نصبتُ لك المنار و كشفتُ لك الاسرار و بقي لهذا تتِمّة و هي قوله عليه السلام وقع العلم منه علي المعلوم فيه تنبيهٌ علي ان العلم يقع علي المعلوم و يطابق المعلوم و يقترن بالمعلوم فلو كان العلم غير واقعٍ علي المعلوم او غير مطابقٍ له او غير مقترنٍ به لميكن العلم علما و لميكن المعلوم معلوماً و هذا مما لا خلاف فيه و لا اشكال يعتريه فاذا حكمتَ بان صفات الله تعالي عينُ ذاته اي هي هو فقولك وقع العلم منه علي المعلوم يكون معناه فاذا احدث الاشياۤء و كان المعلوم وقع الذات تعالي علي المعلوم فهل ترضي ان يكون الامام عليه السلام يريد انه وقع تعالي علي المعلوم و طابقه و اقترن به او انه يريد ان العلم الواقع المطابق المقترن حادث و لايلزم منه القول بانه تعالي لميعلم او انه عليه السلام مافهم الكلام و لايدري ما يقول و ما يلزمه فان كنتَ
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 109 *»
مؤمناً بسرهم و علانيتهم قاۤئلاً بامامتهم مقتدياً بهم قلتَ هو عليه السلام عالم باللّه و بما يصح عليه و يمتنع علي جهة الحقيقة الامكانيّة و عالم بما قال و انه يريد انّ التعلق و الوقوع و المطابقة و الاقتران انّما هي للعلم الحادثِ الاشراقي الذي يوجد بوجود المعلوم بل نفس هذا العلم هو ذات المعلوم و ليس هو القديم الذي هو الله سبحانه فان العلم المتعلّق بما سواه و مطابق له هو الاشراقي الحادث كما قال تعالي حكاية عن قول موسي عليه السلام في جوابه لفرعون حين قال قال فما بال القرون الاولي قالَ علمها عند ربي في كتاب لايضلّ ربّي و لاينسي و لاتتوهّم بان هذا القول يلزم منه خلوّه من العلم او يلزم كونه جاهلاً كما ذكرنا قبل هذا فانه تعالي لايكون خِلْواً من ذاته اذ علمه القديم هو هو و هو العلم الكامل المطلق و امّا العلم بالحوادث فذاته عز و جل خلوٌ منه لانه انما هو كمال امكاني و كل كمالٍ امكاني فهو ناقص لايجوز ان يكون هو اللّه تعالي نعم لميكن ملكه خلواً من هذا العلم اعني العلم بها اي المقترن بالمعلوم و المطابق له و الواقع عليه و الّا لميكن علماً و هو كتابه تعالي و هو حادث كله مخلوق و الله سبحانه هو خالقه و خالق كلّ شيء و هذا العلم له مراتبُ اعلاها العلم الامكاني المتعلق بامكانات جميع الاشياۤء مما كان و مما يكون و مما لايكون و لو كان انّما يكون اذا شاۤء اَنْ يكون و هذا هو العلم الذي قال تعالي في وصفه بانّ الخلق لايحيطونَ بشيءٍ منه الّا اذا كوّنه قال تعالي و لايحيطون بشيء من علمه الّا بما شاۤء اي لايحيط احد من خلقه بشيء من تكوين ما يمكن تكوينه الّا بما شاۤء تكوينه اي كوّنه اوْ اخبر تعالي بانه يكوّنه مثل امكان زيدٍ اوجده سبحانه علي وجهٍ كلّي غير متناهي الافراد مثلا يمكن ان يخلقه زيداً اوْ عمراً او خنزيراً او طيراً او ارضا او سماۤء او ملكا او نبيّا او شيطانا او جبلا او ناراً او ماۤءً و هكذا بلا نهاية فاذا احدثَ زيداً كان قد اَحْدَثَ فرداً منها فزيد هو مفرد و فيه الامكان الكلي فلو شاۤء تعالي خلقه ما شاۤء كما شاۤء و لايعلم احدٌ من الخلق ايّ شيءٍ يخلق منها الّا بما شاۤء بان يخلق ما شاۤء او يخبر بانه يخلقه كذا و دون هذه من مراتب العلم الامكاني العلم الكوني و هو ما اَلْبس من حُللِ الوجود و الكون ثم
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 110 *»
العلم الزَّيْتي اي المنسوب الي قوله تعالي يكاد زيتها يضيۤء و هو لمتمسسه نار و هو الارض الميت و الارض الجرز و القابليّات و الاستعدادات ثم العلم العقلي اي المعاني ثم العلم الروحاني اي الرقاۤئق اعني مبادي التصوير ثم العلم النفسي اي الصور الجوهريّة و هو اللوح المحفوظ ثم العلم الطبعاني اي الطيَن بفتح الياۤء ثم العلم الهيولاني اي الحِصَص المادّية ثم العِلْم البَرْزخي اي الصُّوَر الشبَحيّة الظليّة ثم العلم الجسماني اي الحصولات و التحققات الجسمانيّة و هكذا و كلّ شيء من خلقه من جوهر او عرض علم له سبحانه حادث و اعلي الجميع و اعظمه و اشرفه و اعمّه و اشدّه احاطة بلا غاية و لا نهاية هو العلم الامكاني كما قلنا و تَعْدَادُنا هذا علي جهة التمثيل و الّا فهي من حيث اجناسها الكلية الفُالفِ علم و لَوْ لُوحِظَ الانواع و الاصناف و الافراد لنفِدَ البحر قبل اَن تنفد كلماتُ ربّي و لو جئنا بمثله مدداً و الحاصل من التعبير بالصفات هو الوصف المتعلّق بمبادي اسباب المفعولات من صفات الافعال فكما يكون وصفك لزيدٍ بالكاتب من حيث صدور الكتابة من فعله فالصفةُ متعلّقة بمبدئها من فعل زيد فمِن فعلِه۪ بدأتْ و اليه انتهت في وصفِ زيدٍ باسمِ الفاعل يعني الكاتب لاشتقاقه من الفعل وَ اثرِه۪ كذلك يكون الوصف له تعالي بتلك الصّفاتِ من حيث صدور متعلقاتها الّتي بها سُمِّيت و منها تَكثَّرَتْ من اثر فعله الّذي هُوَ مَبْدَءُ اشتقاقِها فمن حيث التعلّق و الاقتران تثبت الصفات منوطةً بمباديها و لا من حيث كان معناها الاَحدِيُّ ذاته المقدسة عز و جل فهو الحقّ الكامل المطلق و فعله مبدء لما اتّصف به لتعريف عباده من الصفات فافهم و قوله لا كما تقوله الاشاعرة الخ ، اعلم ان الناس اختلفوا في صفاته تعالي فاتفقت الاشاعرة علي انّ للهِ صفاتٍ موجودةً قديمةً قاۤئمةً بذاته و اثبتوا قدماۤء مع اللّه تعالي قاله شارح المحصّل للرازي اقول و هي الحيوة و العلم و السمع و البصر و القدرة و الارادة و الكراهة و الادراك فتكون القدماۤء مع الذات تسعةً و قال شارح المحصّل ذهب عبداللّهِ بن سعيدٍ من اصحابنا و الشيخ ابوالحسن الاشعري اوّلاً الي ان القدم صفة زاۤئدة علي ذات القديم فيكون قدم
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 111 *»
الله تعالي صفة زائدة علي ذاته انتهي ، و اثبتَ الاشعري اليَدَيْن صفة قاۤئمة بالبارئ سبحانه و كذا الوجه من غير تجسّم فجعلوا القدماۤء كثيرة و قالوا قام الاتفاق علي نفي قديمٍ ليس هو ذاتَ اللّهِ تعالي و صفاته بما هو مقرّرٌ في اَدلّة التّمانع و امّا ذاتُ اللّه فهي قديمةٌ لِوُجوبِ وُجُودِها الذَّاتي و امّا صفاته فهي قديمة غير مستقلّة بنفسها بل مستندة اليه لانها عندهم معانٍ له تعالي قديمة و هي مبادي المحمولات علي ذاته و لهذا لايضرّ تعدّدها و قدَمها لانّ ادلّة التّمانع لاتدلّ الّا علي نفي الٰهَيْن قادِرَيْنِ عَلَي الاِسْتقلالِ و لاتدلّ عَلَي نفي صفاتٍ للذات الواحدة لانها من حيث مفاهيمها المتعدّدة كمالات للذات الواحدة و ادلّة التمانع لاتدلّ علي نفي كمالات الذات و ان كانت متغايرة و امثال هذه الكلمات الباطلة فانّ ادلّة التّمانع مبنيّة علي فرض قديم مغاير و الصفة الّتي يدّعونها ان كانت مغايرة للذات في الازل لزمها حكم القديم المغاير الذي يصحّ عليه التمانع و تصدق عليه ادلّته و مع ذلك فلمتنحصر ادلّة التوحيد في ادلّة التمانع بل تكون في دليل الفرجة الذي ذكره الصادق عليه السلام و في دليل الحكماۤء الذي يلزم منه التركيب ممّا به الاشتراك و ممّا به الامتيَاز و ان لمتكن مغايرةً للذات فهو العينيّة التي بُنِيَ عليهَا حُكم التّوحيدِ عند اهل التّوحِيدِ عليهم السلام لكنّ الاَشاعرةَ يدّعون التوحيد مع اثبات هذه المعاني الكثيرة المتغايرة المغايرة للذّاتِ و يزعمون انّها معاني الذات و انّها مبادي المحمولات علي الذّات كالعلم فانه يشتق منه العالم المحمول علي الذات فتقول اللّٰهُ عالم و كالقدرة المشتق منها القادر المحمول علي الذات فتقول اللّٰهُ قادر و اثار الذّات متوقّفة عليها فنفيُها يستلزم نفي الذات و يزعمون انّها لو كانت حادثة لكان محتاجاً في اظهار آثار كمالاته الي المخلوق و لكان فاقداً لها قبل ايجادها و لكانَ مَحلّاً للغير و يَلْزمُهُمْ اَنَّ جَعْلَها معاني للذات مستلزم لكون الذات هي الجملة المتألّفة من الامور المتغايرة و لانعني بالمركب الذي لايوجد كذلك في الذهن او في الخارج او في نفس الامر اِلّا حَادثاً سَوَاۤء كان ثبوته في احدِ المحاۤلِّ الثلثة بالوجود و التحقّق ام بالتعقّل و التّصور ام بالفرض و التجويز و الاحتمال الّا هٰذا
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 112 *»
اي لانعْني بالمركب الذي لايصدق علي مقام الحق تعالي الّا ما كان كذلك و ما اشبهه و صحّة حملِها علي الذات دليل المغايَرةِ الحقيقيّة اذ لايحمل الشيء علي نفسه و امّا صحة ذلك عندنا مع قولنا بالعينيّة فلانّا لانعني بمفهوم شيء منها اذا اردنا به الذاتي القديم الّا الذات و ان جميع مفاهيم هذه الصفات المتعددة لفظا مفهوم واحدٌ هو مفهوم الذات البحت البسيط و لايحمل شيء منها اذا قُصِدَ به القديم علي الذات قطّ اذ لايحمل الشيء علي نفسه مع لحاظ الاتّحاد من كل جهةٍ بكل اعتبارٍ اللّهم الّا ان نقصد به المعني الحادث اعني صفات الافعال فانها حينئذٍ معانيه بمعني معاني افعاله كقاۤئم و ضارب بالنسبة الي زيد فاذا قلنا الله عالم و اردنا بالمحمول القديم كان معني كلامنا اللّهُ عِلْمٌ يعني انّ ذاته عليمةٌ و يكون في قوة قولنا زيد زيد فانّا قد نحمله عليه باعتبار مغايرةٍ ما قد تحصل لمن جهل الاتّحاد و توهّم التّعدد بان ظن انّ زيداً المذكور غير زيدٍ المعلوم فتبيّن له فتقول زيد زيدٌ اي زيد المسئول عنه او المذكور زيد المعلوم فكذلك تقول اللّه عالم اي علم بمعني ان المسئول عنه او المذكور علم او عالم و يكون الحمل اَوَّلِيّاً ذاتيا اي المفيد للاتّحاد بحسب المعني و المفهوم نعم لو اردنا بالمحمول الحادث كما نقول في المختص بالحادث اللّهُ خالق فنقول اللهُ عالم بكل شيء و قادر علي كلّ شيء كان مرادنا بالمحمول معني فعليّاً فانّ عالم و قادر في المثال لايصحّ حملُهُ عَلَي الذّات بالحمل الاَوّليّ الذّاتي لانّهما من اَسْماۤءِ الافعال و مفهومهما و معناهما مقترنانِ بٰاثارِهما مُطَابقانِ لهُمَا بل هما في الحقيقة متَّحِدانِ بهمَا و يلزمهم علي جعلها مبادي المحمولات علي الذات ما اشرنا اليه من انّ حملها علي الذات ان كان حملاً اوّليّاً ذاتيّا يستلزم الاتحاد و القول بالعينية و ان كان حملاً بالمتعارف لزم القول بتركيب الذات في العقل الّذي هو ظرف التحليل اذِ الاتّحاد الحاصل من الحمل المتعارف انما هو في الوجود علي دعوي كثير من المحقّقين و الاتحاد في الوجود لايُنافي التّركيب في غير الوجود لان الاتّحاد فيه اعتباري و هو لاينافي التّركيب مطلقاً كما هو الحَقّ و يلزمهم من كونها قديمة ما يلزم من كونها حادثة وَ عدم تَنَاهي الحاجة مع فرض القِدَم و
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 113 *»
عدم صلوحها للايجاد بدون توسّط الفعل ثم الفاعل للاثار بالفعل هل هو الذّات فيستغني عنْها في ايجاد الاثار فيلزمها النقص لان عدم الحاجة الي القديم نقص فيه لذاته ام هي الفاعل فيستغني عن الذات فيقع النقص علي الكامل المطلق ام هما معا فلايكون واحد منهما علّة تاۤمّة امْ احدهما بالاخر فتدخل الحاجة علي الفاعل الي الواسطة او النّقص علي الواسطة و قوله و لا كما قالته المعتزلة من نفي مفهوماتِها رأساً و اثباتِ آثارِها و جعل الذات ناۤئبة منابها يعني به انّ اعتقادَنا كما انه ليس كما قالته الاَشاعرة من مغايرتها للذَّات و انه تعالي مدرك و فاعل لٰاثارِها بِهَا مع تحقّقِ قدمِه تعالي و قدَمِها كَذٰلِكَ ليْس كما قالَتْه المعتزلةُ مِنْ نفي مفهوماتها بمعني كونها غير موجودةٍ و لا معدومة و انّما يثبتون احوالاً لاتوصف بالوجود و لا بالعدم و لا بغيرهما من المتقابلات اي لا واجبة و لا ممكنة و لا قديمة و لا حادثة و لا مجامعة له تعالي و لا مفارقةً و هي عندهم معلولات للمعاني التي اثبتها الاشعري فالمعاني كالعلم و القدرة و الاحوال كالعالميّة و القادريّة اذِ القادريّةُ عندهم صِفة القادرِ و القادِرُ مشتق من القدرة و ابوهاشم من المعتزلة جعل الاحوال اربعةً القادريّة و العالميّة و الحَيِّيَّة و الموجوديّة و جعل هذه الاربعة معلّلة بحالةٍ خامسةٍ تسمّي الالوهيّة و بناۤءُ ذلك منه علي انّ الذواتِ بجملتها متساويةٌ في الذاتية فلولا اختصاص ذاته تعالي بصفة الالوهيّة لماكان اولَي من غيره بهذه الصفات و زعم ان هذه الاحوال الخمسة ثابتة في الازل مع اللّه تعالي فقد وافق الاشاعرة في كون هذه الخمسة موجودة ثابتة في الازل مع مغايرتها للذات و امّا باقي المعتزلة فقالوا بالاحوال كلّها اي كل حالٍ من احوال الصّفات الثبوتية لا خصوص هذه الخمسة و قالوا هي ليست موجودة و لا معْدومة و لا قديمة و لا حادثة و ليست هي ايّاه عز و جل و لا غيره و ما اشْبهَ ذلك من المتقابلات و قالوا لا معني للقديم الّا ذلك و هو كونُه اموراً كثيرةً في الازل و الظاهر انّ هذا قول مثبتي الاحوال كابيهاشم و تابعيه الذين اثبتوا الخمسة المذكورة و امّا غيرهم فلميثبتوا شيئا من الاحوال و لمينفوه و علي هذا لايقولون انّه لا معني للقديم الّا
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 114 *»
ذلك لانّ القَديمَ الَّذ۪ي هو الذّات لمينفوه بعد ما اثبتوه و الاحوال عندهم ليست ثابتة و لا منفيّة و الحاصل امّا ما اختصّ به ابوهاشم و اَتْباعه فالادلّةُ المبطلةُ لما ذهبت اليه الاشاعرة مبطلةٌ له و امّا الباقون فاعتقدوا نفي جميع الصّفاتِ من حيث مفهوماتِها اصْلاً و اثبتوا آثارَها و جعلوا الذّات ناۤئبةً في اِحْدَاث الاثار مَنابَهَا اي مناب الصّفات زعماً منهم ان كلّ اثرٍ لايَنْشَأُ الّا عمّا هو مجانسٌ لَهُ في معني مفهُومِه۪ الاشْتقاقي فالعلم انّما ينشأ عن العلم و السمع انما ينشأ عن السمع و لاينشأ العلم عن السمع و لا السمع عن العلم او البصر و اثباتُ مبادي تلك الاثار ان كان علي جهة القدم تعدّدَتِ القدماۤء و علي جهة الحدوث يلزم احتياج القديم الي الحادث و خُلوّهُ عَمّا هو محتاج اليه في حالٍ مّا و هو ما قبل حدوثِه۪ فوجب القول في الصفات المُتوَسِّطة بينَ الذَّاتِ و الٰاثار بالحال المتوسّط بين النفي و الاثبات فراراً من لزوم المحذور علي القول بكل واحدٍ منهما من القدم او الحدوث و الوجود او العدم و الاتّحاد او التعدُد و حيث كانتِ الاثار مجعولةً و المجعول لا بدّ له من جاعل و كانت علّتها غير موجودةٍ وجب اعتبار كون الذات نَاۤئبةً منَابها في الايجاد لساۤئر الاثار و ليس في شيء ممّا قرّروا شيء صحيح يقُوم عليه دليل بل مقتضي الادلّة نفي جميع ما قالوا فانّ اثباتهم الاحوال ان كان اثبتوا به شيئا لزمهم ما فرّوا منه فان الشيء لايخلو من ان يكون قديماً او حادثا و ان سموه حالا فانه لايخلو من ذلك و عدم اثبات شيء مع الذات الحق تعالي لايلزم منه الحاجة و لا الخلو لانه تعالي لايحتاج الي شيء في ايجاد شيء اذ الشيئية من مشيته و الاثار مبدؤها بفعله ذواتها و ما هي به هي و ليست من اصل معه لان ذلك الاصل ان كان قديما لميجز الايجاد منه اذ يلزم تغييره المنافي للقدم فان القدم يأبي التغيير لذاته و ان كان حادثا نقلنا الكلام الي مبدئه فيدور او يتسلسل و انما اخترعها اختراعا و البسها من هيئة اختراعه قبولها منه و مفهومها الاشتقاقي هو من معني ما اخترعها عليه فلايحتاج في احداثها الي شيء اذ لا شيئية لشيء مما سوي ذاته المقدسة الا ما اخترعه عليه بفعله و البسه من هيئة اختراعه فلاتحتاج الذات المقدسة في احداث الاثار الي ما اثبتوه من المبادي و الاحوال
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 115 *»
علي انها اذا احدثتها بفعلها فهي اثارها اي اثار فعلها و النيابة لاتعقل الا مع اثبات المؤثر لان المؤثر النائب ان كان لذاته صالحا للتأثير استغني عن غيره و ان لميكن صالحا لايمكنه التأثير بالنيابة الا مع اثبات المنوب عنه و تحققه ليكون بنيابته عنه فاعلا فاذا جوزوا تأثيره علي النيابة عما ليس بموجود فما الموجب الي الحكم بكون فعله علي جهة النيابة الا توهّم اخذ حقائقها من تصوّر مفاهيم تلك الصفات و حيث بيّنّا انّ حقاۤئقها مخترعة و ان وصفه تعالي بتلك الصفات انما هو من حيث انه فاعلها فتكون تسمية تلك الصفات بما سمّيت به انما هي من فعله لتلك المعاني لان هذه الصفات صفات الافعال كما ذكرنا سابقاً كما تسمي زيداً بكاتب و تصفه بحالة الكاتبية فانّ ذلك ليس الّا بما اشتققتَ من فعله الكتابة لا ان الكاتبيّة حال لذاته اوْ انّ الكاتب صفة لذاته و انما ذلك صفاتُ فعله و بما رددنا عليهم اعني اصحاب المعاني
و اصحاب الاحوال يعلم مذهبُنا من عينيّة الصفات بمعني انّا اذا وصفناه بعليم و قادر و سميع و بصير فان اردنا المعني الازلي فلانعني بتلك الاوصاف الّا محض الذات البَحْت و ان مفاهيمها نفس مفهوم الذات البحت و ان معانيها عين معني الذات البحت و لا تَكثّر و لا تعدّد و لا تغاير لا في الخارج و لا في نفس الامر و لا في التعقّل و لا في الفرض و الاعتبار بحال من الاحوال و انّما وصفناه بذلك مع قولنا هذا تبعاً لوصفه نفسه تعالي بذلك بعد قيام الدليل القطعي عندنا علي انّ مراده تعالي بوصفِ نفسِه بذلك وصفه نفسه لتعليم عباده باوصاف افعاله كالكاتب و القاۤئم و المتحرك و الناۤئم في وصف زيد بها مع انها صفات افعاله و الافعال متّحدة في نفسها و انّما تكثّرت و اختلفت اسماۤؤها باعتبار تكثر متعلّقاتها و اختلافها و ليس مرادنا بقولنا انّ صفاته عين ذاته انّ صفاته مغايرة له بالمفهوم متّحدة به بالمعني كما يؤيده المصنّف في قوله في الكتاب الكبير ردّاً علي من اعترض علي الحكماۤء القاۤئلين بالعينية حين قال المعترض اذا كان وجود الواجب عين ذاته و الوجود معلوم الكنه و الذات مجهول الكنه لزم كون المعلوم عين المجهول قال المصنف قول المعترض لتوهمه انهم حكموا بعينيّة هذه المفهومات كما في
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 116 *»
الحمل الذاتي الاولي و ذهوله عن انّ مرادهم من العينيّة هو الاتّحاد في الوجود كما هو شأن الحمل المتعارف لا الاتّحاد في المفهوم كما في حمل معاني الالفاظ المترادفة بعضها علي بعض حملاً اوليّاً غير متعارفٍ انتهي ، و نحن قد بيّنّا ما يلزم القاۤئل بتغاير المفاهيم من وقوع التركيب و التعدد اذ في نفس الامر لا فرق بين القائل بتغاير مفاهيمها الازليّة و بين الاشاعرة في قولهم بالتّغاير و المغايرة لانّ التغاير عند الفريقَيْن مستفاد من دلالة الفاظها و معٰاني الالفاظ غير محصورة فيما تعرفه الاعراب بل قد تتعدّد المعاني التي يوضع اللفظ لها و العالم بها يعبّر عن مقصوده بما شاۤء و لا مناسبة بين الحادث و القديم فيكون ما يدُلّ علي الحادث لايدلّ عَلي القديم لعدم المشابهة بحالٍ و الصفاتُ القديمة كالْعَالم و القادر ليس مفهومها ما نعرفه من مفهوم صفات الافعال لتكون مغايرةً له بالمفهوم و انّما مفهومها عين معناها و مفهومها مفهوم الذات البحت و ليستا اثنتين كما يتوهّم مِنْ قولنا صفاته عين ذاته و انّما ذلك شيء واحد بمعني واحد لا من حيث خصوص الصدق بل ليس الّا شيء واحدٌ لا اله الّا هو العزيز الحك۪يم و كلامُنا هذا في اثبات مذهبنا و نفي مذاهبهم يشعر لمن يفهمه بالاستدلال القطعي بعد ما بيّنّا ان كل ما سوي هذا الطريق مستلزم للتركيب و التعدّد و الحاجة و الحدوث و ان لمنذكر ادلّة ذلك مفصّلة لان ذكر الدليل في كل مكانٍ علي شيء واحدٍ يوجب التطويل و التكرير مع انا نذكر ما يكفي الفاهم في كثير من المواضع
و قول المصنّف كما في اصل الوجود عند بعضٍ يشير به الي نفي مفاهيم الصفات و حقائقها مع اثبات اثارِها و جعل الذّاتِ ناۤئبةً مناب الصفات في اِحْدَاثِ اثارها ممّا ذهب اليه المعتزلة مثل نفي الوجود الحق تعالي و جعل الذات ناۤئبة منابه في الثبوت و التحقّق كما ذهب اليه بعض فانّ بعض الرواقيّين و منهم شيخ الاشراق ذهبوا الي انّ الوجودات في جميع الموجودات امورٌ اعتباريّة لا تحقّق لشيء منها في الخارِج و انّما تحقّقها في الخارج بنسبتها اليه تعالي لانه هو المتحقّق الوجود في الخارج و ربّما ذَهَب بعض هؤلاۤء الي عدم
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 117 *»
تحقّقه في الخارج حتّي في شأن الحقّ سبحانه نعم ذاته متحقّقة في الخارج و هي ناۤئبة مناب وجوده تعالي و المصنّف قال انّ القاۤئلين بالاحوال و نفي ذواتها و اثبات اثارها و انّ الذات الحقّ ناۤئبة مناب تلك الاحوال في اثباتِ آثارِهَا حالهم في سخافة القول مثل حال النافين للوجودِ الحقّ و انّ الذّات ناۤئبة منابه في التحقق لانّ المصنّف يذهب الي ان الحق تعالي وجود بحتٌ و لا ماهيّةَ له فقولُ هؤلاۤءِ عكس قوله
و اقول امّا القائل بنفي الوجود و اثبات الذّات فلكلامه توجيه يقرِّبُه من الصحة و المصنف ان اراد بنفي ماهية الواجب عدم تركّبه من وجودٍ و ماهيّة فله وجه و الّا فلا لانها هي الانّيّة و الهويّة و لايساويه في ذلك شيء لانه هو الكبير المتعزز المتعظّم لا اله الّا هو الكبير المتعال نعم هويته هي ماهيّته و هي حقيقته و هي وجوده بلا تعدّد و لا تغاير لا في الخارج و لا في الذّهنِ و لا في نفس الامر و لا في شيءٍ ممّا تفرضه الاَوْهَام و امّا توجيه كلام نافي الوجود في شأن الحق عز و جل فهو انّ الوجود في حق الواجب سبحانه و في حقِّ عِبَادِه لَيْسَ شيئا غير معني التحقق و الثبوت و قول هذا السواد الاعظم انه ذات و جوهر متحقّق بنفسه و به تحقّق ما سواه من الهويات و المواۤدّ و الصُّور و هو مغاۤئر لها و سَارٍ فيها و به كل شيئيةٍ من شيئيّاتِ الذوات و الصفاتِ و الجواهر و الاعراض فشيء لا اصل له و لميوضع هذا اللفظ لمعنيً جوهريّ و انّما وضع لمعني وصفي و قولهم اذا فَتَّشْتَ عنه وجدتَ ما اَدْرَكَ كلّ واحدٍ منهم انّما هُوَ ما يؤمي اليه الاخر بغير تصوّر و لا برهانٍ ذوقي استند الي دليل الحكمة فهم فيه يتتابعون يفرغ بعضها في بعضٍ و عارفوهم يشيرون الي شيء و انا اصوّره لك مثلاً الصورة في المرءاة شيء تحقّق بالوجود و هو شيء اشرق من ظهور المقابل للمرءاة سارٍ في الصورة كَسَرَيان الروح في الجسد به تحقّقت الصورة و تقوّمت به و هو مغاير لها و جوهر فيها هي في الحقيقة عارضة عليه و امرهم هذا كله مبني علي مسئلة وحدة الوجود و لهذا يستدلّون بما ورد في الكتب الالهية من نحو قوله تعالي ايها الانسان اعرف نفسك تعرف ربّك ظاهرُك للفنا و باطنك انا ه ، و اذا سمعوا قول منكرٍ لما قالوا من ذلك قالوا انّ الوجود لاتدركه قلوب
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 118 *»
المحجوبين و انّما تدركه القلوب التي رفع الله عَنْها الحجب و الاَسْتار حتّي شاهدوا الاسرار و لو كشِف لهم الغطاۤء لوجدوا ان قلوبهم هي المحجوبة عن الاسرار بميلهم و متابعتهم للاشرار و ترك الاقتداء بانوار الائمة الاطهار صلي الله عليهم ما اختلف الليل و النّهار و اذا اردت اَنْ تتحقّق صحة كلامي فتدبّر في عباراتهم تجدها لاتنطبق الّا علي المعني العام المصدري المعبّر عنه بالفارسية بهست و لو عنوا بالوجود الذي هو غير المعني المصدري انه هو الماۤدّة كما ذهب اليه بعضهم لكان حسنا و لهذا نحن في عباراتِنا اذا كنّا نجري في كلامنا علي ما يتفاهم نعني به الماۤدّة علي المعني الاول كما تقدّم او كون الشيء اثر فعل اللّٰهِ علي المَعْني الثَّاني او المعني المصدري فاذا عَنَيْنَا به الماۤدّة صحّ ظاهِراً و بَاطناً لانّها هي حقيقة الشيء و بها يَتَقَوّمُ تقوُّماً ركنيّا و لانّه سبحانه يمسِك الاشْياۤء بذواتها و لانّها هي اوّل صادرٍ عن فعل اللّٰهِ تعالي و المصنف حيث ذهب الي انّ الوجود حقيقة الشيء و انه مغاير للمادة و الصّورة جعل قولهم الانسان حيوان ناطق هو حدّ تاۤمٌّ جامع لجميع ذاتيات المحدود انّه حدّ للماهيّة لئلّايقالَ عليه انه لو كان ذاتيا لماخرج عن الحد التام اوْ انّ الحَدَّ غير تاۤمّ مع اتّفاقهم علي انّه تاۤمّ مع انَّه انّما جمع الماۤدّة التي هي الحيوان و الصورة التي هي النّاطق لا غير و لو كان الوجود ذاتيّاً غيرهما لوجب اعتباره في الحدّ التام و لكن الاتّفاق علي انّ هٰذا الحدّ ليس لخصوص ماهيّة الانسان دون وُجوده۪ بل هو حدّ للانسان بكل ذاتيّاته فلو كان الوجود بالمعني الذي يشير اليه حقيقة للانسان و من ذاتيّاته لوجب ذكره في الحد التاۤمّ و اذا ثبت انه يعبّر به عن الماۤدّة و انّ الماۤدة هي كنه الشيء و انها في كلّ شيء بحسبه صحّ اَنّ الحقّ سبحانه هو الذات المقدّسة و انّ تلك الذّات متحققة بذاتها بدون ان ينسب اليها وجود مغاير لها يحقّقها بل بفاضل تحقّق فعلِها تحقّق كل متحقّقٍ و جاز اَنْ يقال انّها ناۤئبة مناب الوجود في تحقّق ذاتها بذاتِها و في تحقّق الاشياۤء بفاضلِ تحقّقها اي تحقّق فعلها و ذلك علي مذاق من لايعرف التحقّق الّا بالوجود الذي يتوهمونه و قول المصنف تعالي عن التعطيل و التشبيه يشير به الي ان قول هؤلاۤءِ يلزم منه التعطيل و قول
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 119 *»
الاشاعرة و قوله بل علي نحوٍ يعلمه الرّاسخون في العلم الي اخره يريد انّ كون صفاته عين ذاته تعالي علي نحوٍ لايعلمه الّا الراسخُون في العلم الّذين هم الامّة الوسط الصادق عليها خير الاشياۤء اوسطُها الذين لميلحقهم الغالي لبلوغهم الغاية و النهاية في التوغّل و الرسوخ في العلم و لايفوتهم المقصّر اي لايتجاوزهم من قصّر عن رتبة الرسوخ و ظاهر الفقرتين بمعني واحدٍ و لو قال لميلحقهم المقصّر و لايفوتهم الغالي لكان لهما معنيان و كان الكلام اليق بمراده ان كانت النسخة صحيحة و يحتمل حصول تغيير في الكلام من النّسّاخ و الخطب سهل و انّما الخطب عظيم في مراده بهؤلاۤء من هم فانه يعني مثل الاعرابي و البسطامي و الفارابي و اشباههم من الصِّنْفَيْنِ فانّهم هم الراسخون في العلم عنده و ذلك النحو الذي علموه من عينية الصفات علي نَوْعَيْنِ اَحدهما كما قال عبدالكريم في الانسان الكامل في استشهاده :
ءَاَحطْتَّ خُبْراً جملةً و مفصّلا ** * ** بجميع ذاتِك يا جميعَ صفاتِه۪
ام جلّ قدرُك ان يُحاطَ بكنهِه۪ ** * ** فاَحطتَهُ اَلَّايُحَاطَ بذاته۪
حاشاك من غايٍ و حاشي اَن تكن ** * ** بك جاهلاً وَيْلاه مِن حَيراته۪
و الظاهر انّ مراده بقوله يا جميع صفاته انها مغايرة له في المفهوم و في المعني باعتبارٍ و هي عيْنه من حيث وحدة الوجود لانّه في اوّل كتابه قال انّ علم التّصوف هذا مبني علي مذهب السّنة و الجماعة و معلوم ان المتبادر من ذلك مذهب الاشاعرة و قد سمعتَ مذهب الاشاعرة فيكون الاتّحاد في قوله يا جميع صفاته من وحدة الوجود و الّا فهي من حيث هي في المفهوم و المعني و التحقق مغايرة للذّاتِ فلا فرق بينها و بين ساۤئر الاشياۤء في المغايرة للذات و الاتّحاد بها
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 120 *»
و هذا ممّا يصدق عليه ذلك النحو عند المصنّف لقوله بوحدةِ الوجود في غيرها ففيها بالطريق الاَولي و ان كان في خصوص البحث هنا لايريد هذا النوع من الاتحاد و ثانيهما انّها من حيث المفهوم مغايرة للذات في نفس الامر و متّحدة بالذات من حيث المصداق علي نحو ما قرّر في ساۤئر الوجودات مع ماهيّتها في اتحادِها بها في الخارج لانها مصاديق لماهياتها تحمل تلك الماهيات عليها في الخارج و هذه الوجودات و ان حملت عنده علي الماهيات في ظرف التحليل الذهني الّا انّ الواجب ليس له ماهيّة عند المصنف ليتعاكس الحملان لاختلاف الظرفين و مفهومات صفاته تعالي عند المصنف وجودات فالحمل فيها بالحمل الذاتي الاوّلي الغير المختلف في الظرفين و الحاصل ان مراده الوجه الثّاني من النحو المذكور و يقال عليه ان الراسخين في العلم الحقّ لايقولون بانّ الصّفات الذّاتية مغايرة للذات بمفاهيمها اذ ليس لها مفهوم الّا مفهوم الذات اذ لاتكتنه الخلاۤئق الّا ما كان من انواعها بل الحقّ انّها في انفسها اذا اريد منها الصّفات الذاتيّة غير متغايرةٍ في المفهوم و لا مغايرة للذات بل هي الفاظ مترادفة فان العلم هو السمع و هو البصر و القدرة فكل صفةٍ هي الاخري في المفهوم و المعني و كلٌّ منها هي الذات من جهة انها الاخري هذا اذا وصف بها و اريد من الصفة الصفة القديمة فرضاً و الّا ففي الحقيقة لميصف بها نفسه لان الوصف ان كان له لميحتج اليه و ان كان لتعريف ما سواه فهو يستحيل ان يعرّف نفسه بها لغيره لعدم الفاۤئدة في ذلك و لان ذلك خلافُ ما هو عليه في عز جلاله لاستحالة ان يكون مدركاً للغير و انّما يصف نفسه لهم بما يمكن اَنْ يعرفوه به و هي صفاتُ افعالِه۪ لانها هي التي يمكن ان تعرف مفهوماتها و يُسْتَدلّ بها عليه بمعرفة آثارها و متعلّقاتها بخلاف ما لو اريد بها الذاتية فانّه يكون معني اللّه عليم قدير اللّٰهُ اللّهُ اللّٰهُ علي انّا قَدْ قدّمنا انّه ماوصف نفسه الّا بصفات الافعال اذ ليس في الازل صفة و موصوف و انّما في الازل ذاتٌ بَحْتٌ هيَ الازل لا اله الّا هو العزيز الحكيم .
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 121 *»
قال { قاعدة مشرقيّة علمه بجميع الاشياۤء حقيقة واحدة و مع وحدته علم بكل شيء لايغادر صغيرة و لا كبيرة الّا احصاها اذ لو بقي شيء لميكن ذلك العلم علماً به لميكن هو حقيقَة العلم بل كان علما بوجهٍ و جهلاً بوَجْهٍ و حقيقة الشيء بما هي حقيقة الشيء غير ممتزجةٍ بغيره و الّا لميخرج جَميعه من القوّة الي الفعل .}
اقول قوله علمه بالاشياۤء حقيقة واحدة ان اراد به ما لايعرفه و لايفهمه فحكمه عليه بانه حقيقة واحدة ليس بصحيح بل القياس التخميني يقتضي التكثر لانّ ما كان متعلقهُ متكثراً مختلفاً يجب ان يكون في نفسه كذلك و الّا لكان مغايراً للمعلوم غير مطابق له و اذا لميطابق المعلوم كان جهلاً و لان المعلوم ليس حقيقة واحدة و العلم الاجمالي متعلق بالمعلوم الاجمالي و علي هذا تبقي اشياۤء لميكن عالماً بها و هي المعلومات التفصيليّة فانه ح غير عالمٍ بها و لميكن حقيقةَ العلم بل كان علماً بوجهٍ و جهلاً بوجهٍ فان قلتَ انما قال حقيقة واحدة و ذلك غير منافٍ للتفصيليات قلتُ لانّ التفصيليات انّما كانت تفصيليات لاشتمالها علي المتعددات المختلِفَات و العلم باحد المختلفَيْنِ لايكون علما بالاخر بدون اختلافٍ و ان وقع فانما يقع علي الجهة الجامعة لهما مثلا لو قلنا العلم حصول الاشياۤء للعالم لكان شاملاً لحصولها خاۤصة و يكون حصول البياض و السواد واحداً الا انّ المعلومَ حينئذٍ العدد بان الحاصل اثنان و امّا انّهما مختلفان او متّفقان فغير داخل في شمول الحصول فيحتاج العالم في تحصيل اللَّوْنين الي شيئين اخرَيْنِ غير الحصول الجامع لهما من غير نوع الحصول فلايكون العلم حقيقة واحدةً بمعلوماتٍ مختلفة الحقاۤئق الّا بجهة جامعةٍ لها فلا بدّ ان يكون العلم مطابقا للمعلوم و مطابقته ان يكون العلم بالمتحد متّحِداً و بالمتكثر متكثراً و بالمختلفِ مختلفاً و بالمجمل مجملاً و بالمفصّل مفصّلاً و لايمكن غير هذا و لهذا قلنا ان العلم نفس المعلوم لانه لاتنفتح مقفلات الاسرار الّا بهذا العيار و يأتي انشاۤء اللّه زيادةَ بيان توصل مَن عرفها الي العيَان و لكن المصنف لمّا جعل صفاته تعالي عين ذاته و انّها هي المرتبطة بالمعلومات وقع بين محذوراتٍ في
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 122 *»
نظره فان جعل العلم متكثراً بتكثّر المعلوم و هو عين الذات لزمه كونُ الذاتِ البسيطةِ متكثّرةً و ان جعل تكثّره غير مستلزم للتكثر في الذات لميقبل منه الّا بفرض مغايرة العلم للذّاتِ و لو في التّعقل او الفرض و قد نفي المغايرة فيهما و ان جعلها غير المرتبطة خالف جعله مراده لانه لايريد الّا المرتبطة و لايعرف غيرها و لايعني سواها فلميجد بُدّاً مِن ان يحكم بكون العلم حقيقة واحدة لتصحّ له دعوي العينيّة و ان يحكم بشمول هذه الحقيقة الواحدة من حيث وحدتها و عدم الاختلاف فيها لكلِ شيء لئلّايلزمه التّجهيل فورد عليه انّه لميكن العلم مطابقا للمعلوم في الخارج كما هو المطلوب لان المعلوم اذا كان مختلفا متغايراً متكثّرا متعاقِباً لايطابقه ما ليس بمختلفٍ و لا متغايرٍ و لا متكثرٍ و لا متعاقبٍ و اذا لميطابق فقد خالف اذ لا واسطة بينهما فيكون جهلاً و ان حكم بالمطابقة مع عدم المطابقة في الخارج و نفس الامر فقد حكم بما لايعلم اذ الحكم اذا خالف الواقع في نفس الامر مع ظهور المخالفة عند الحاكم باطل و الحكم الباطل بالصحة لايجعل الباطل صحيحا فانك اذا حكمتَ علي زيد الموجود بانّه معدوم مع عدم اختلاف الحيثيّة لايكون بحكمك معدوماً و هو موجود لانّ قوله و مع وحدته فهو علم بكل شيء ان اراد فيه بهذه الوحدةِ الوحدةَ الجنسيّةَ او النّوعيّة كانت التّعلقات و الارتباطات بالاشياۤء الشخصيّة شخصيّة لايصلح ما تعلّق بزيد اَنْ يتعلّق بالجدار فانّ الجهات الشخصيّة من الحقيقة الواحدة النوعية غير تلك الحقيقة النّوعيّة فانَّ الحقيقة النوعية لاتتعلق بذاتها بكليّتها بفردٍ من افرادها الّا بالجهة المختصّة بذلك الفرد المتلبّسة بمشخّصات ذلك الفرد او بالحقيقة الذّاتيّة المنتشرة في ساۤئر الافراد علي جهة النوع لا علي جهة البدليّة فمن الفرض الثاني يكون المعلوم اجماليا كليّاً فتخرج جميع التفصيليات و تبقي غيرَ معلومةٍ حتّي يدبّر لها المصنّف امراً تكونُ به۪ معلومَةً و من الفرض الاول يكون العلم غير تلك الحقيقة الواحدة التي هي الذات المقدّسة عند المصنّف و انّما العلم تلك الجهات المتعددة و التعلقات المتكثّرة و الارتباطات المطابقة و هذا و ان كان هو مذهبَ ائمة الهدي عليهم
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 123 *»
السلام الّا انّ العيْنيّة تمتنع لان الصفة حينئذ فعليّة لا ذاتية و يلزم المصنف علي مذهبه الّايكون البارئ عز و جل عالما بكل شيء بذاته في الازلِ و هذا و ان كان مذهبَ ائمة الهدي عليهم السلام اذ القول بانه تعالي عالم بها في الازل يلزم منه وجودها في الازل معه سبحانه و هو اجل و اعزّ من ان يكون معه في الازل غيره و انّما هو عالم في الازل بها في اماكنها و اوقاتها من الامكان فان العلم في الازل و المعلوم في الامكان فلايجوز ان يقول هو عالم بها في الازل و يجب ان يقول انه عالم في الازل بها في الحدث و حينئذٍ يكون العلم هو وقوع العلم اي تعلقه الحادث علي المعلوم حين وجد المعلوم كما قال الصادق عليه السلام فلما احدث الاشياۤء و كان المعلوم وقع العلم منه علي المعلوم و قد تقدّم الحديث فيما سبق الّا انّ هذا مخالِفٌ لما يذهب اليه كما هو صريح كلامه من ان العلم تعلّق بها في الازل و اِنْ اَرادَ المُصَنِّف من العلم ما يعرفه فقد اخطأ في جعله حقيقة واحدةً لانّه مطابق للمعلوم و المعلوم متكثر مختلف فان لميجعل العلم متكثراً مختلِفاً لميكن العلم مطابقاً للمعلوم فقد اخطأ اِمّا في جعْلِه۪ حقيقة واحدة او في جعل العلم غير مطابقٍ للمعلوم و اخطأ ايضاً في جعل ما يعرفه من العلم عين ذات الحق عز و جل لانه يلزم منه امّا جعل الذات مكتنهَةً له معروفة بالكنه او جعل ما يعلم و يعرف عينَ ما لايعرف و لايحاط به علماً فَيكونُ الحادث عين القديم فتلزم التجزية و التركيب او انقلاب الحقاۤئق و قوله لميكن هو حقيقةَ العلم الخ ، يراد منه انه لو بقي شيء لميكن معلوماً لذلك العلم لميكن ذلك العلم علما مطلقاً فانّ العلم المطلق اي الذي لايشوبه جهل بشيء هو الذي لايفوته شيء و لايغادر صَغ۪يرة و لَا كبيرةً الَّا اَحْصَاهَا فلو بقي شيء لميحط به ذلك العلم كان غير مطلَقٍ بل بشيء دون شيءٍ فيكون مشوباً بجَهْلٍ و هذا صحيحٌ و قوله و حقيقة الشيء بما هي حقيقة الشيء يعني به انّ حقيقة الشيء بذاتِها لٰا بشيءٍ آخر مغايرٍ لتلك الحقيقة غير ممتزجة بغير ذلك الشيء صحيحٌ لانّها لو امتزجت بغيره لمتكن حقيقة له بذاتِها
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 124 *»
و قوله و الّا لميخرج جميعه الخ ، يعني انّه لَوْ فقد شيئا فانّما ذلك لعدم استكماله لما هو له لذاته اذ لميخرج ما به استكمال من القوة الي الفعل و هذا في الجملة و الظاهر صحيح و فيه مناقشات لا فاۤئدة لذكرِها نعم تمام الفاۤئدة في واحدة و هي قوله لميخرج جميعه فان المصنف لايقدر و لايجوِّز انْ يقول لو لميحط اللّه سبحانه بشيءٍ من الاشياۤء لكان تعالي لميخرج جميعه من القوّة الي الفعل لانه عزّ و جل شيء بَسيط احدي المعني لايصح عليه اطلاق لفظٍ يستلزم التجْزية و التبعيض و لو في الفرض و العلم الذي هو عينه تعالي يصحّ عليه ذلك في الفرض كما قال لميخرج جميعه و ليس ذلك الّا لاجل ما يتَوهم بينهما من المغايرة و انّهما شيئان لكن القول بالتثنية يستلزم فساداً فيقول لدفع الفَساد في وهمه ان العلم عين الذات مع التّفرقة بينهما و من هذا المعني الذي ليس في نفسه غيره اوردنا عليه ما سمعتَ سابقا علي قوله حقيقة واحدة و مع وحدته علم بكل شيء و عنده انّه علم الابيض بما هو عليه من البياض و الاسود بما هو عليه من السواد و المتحرّك بما هو عليه من الحركة و السَّاكن بما هو عليه من السكون و هذه الحقاۤئق المتباينة يطابقها بوحدته و هذا لايصحّ الّا اذا التزم انه بنفسه العلم الاجمالي و بهذه الحيثيّة العلم التّفصيلي فيرد عليه ان تعلّقه بكلّ فردٍ هل هو عين تعقله ( تعلقه ظ ) بالاخر المباين له ام غيره و كذا مطابقته لكلٍّ منهما فلمّا فرّقوا بين الاجمالي و التفصيلي و نسبوا الاجمالي الي الازل و التفصيلي الي الحوادث لزمهم اِمّا اتّحاد التعلّق و المطابقة و هذا يستلزم مع اتّحادِ المعلومات بعضها ببعضٍ خروج جميع المعلومات التفصيلية المستلزم لعدم الحقيقة الواحدة المشار اليها لِخرُوج التفصيليّة و اِمّا تعدّدُ التعلّق و المطابقة فتتعدّد المعلومات و هٰذا يَسْتَلْزِمُ مع عدم صحة العينيّة او تكثّر الذّاتِ عدمَ الاحَاطة بالمعلومات في الازل لتجدُّدِها و تعاقبها .
قال { و قد مرّ انّ علمه يرجع الي وجوده فكما ان وجوده تعالي لايشوب بعَدمِ شيء من الاشياۤء فكذلك علمه بذاته الذي هو حضور ذاته لايشوب بغيبةِ شيء من الاشياۤء لانّ ذاته مشيّئ الاشياۤء و محقّق الحقاۤئق فذاته احق بالاشياۤء من
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 125 *»
الاشياۤء بانفسها اذِ الشيء مع نفسه بالامكان و مع مُشَيِّئِه۪ و مُحَقِّقه۪ بالوجوب و وجوب الشيء ءٰاكدُ من امكانه . }
اقول قوله و قد مرّ انّ علمه يرجع الي وجوده من جهة اعتبار العينيّة و اتّحاده بالذّات معنيً عند المصنّف و عندنا الاتّحاد معني و مفهوماً و من جهة انّ الوجود حقيقته وجوبٌ اذِ الامكان عدم وجودٍ او امكان عدمٍ و العلم حقيقته وجود واجبٌ اِذ عدم العلم بشيء امّا عدم وجودٍ او امكان عدمٍ فيتّحد العلم بالوجود في الوجوب وجوباً و في الامكانِ امكاناً و قوله فكما انّ وجوده لايشوب بعدم شيء الخ ، يشير به الي ما قرّره من ان بسيط الحقيقة كلّ الاشيٰاۤء بناۤء علي القول بوحدة الوجود يعني ان حقيقة الوجود هو الحقّ سبحانه و انّه بوحدته هو كلّ الوجودات الّتي في الاشياۤء و قد قدّمْنا بطلان كلامه فيما سبق و قوله فكذلك علمه بذاته الي اخره يشير به الي ان العلم هو الحضور و انّ علمَه بذاتِه۪ هو حضور ذاته لذاته و انّه اي علمه بذاته لايخلط بغيبةِ شيء منَ الْاَشياۤءِ و هو صريح في ان حضور ذاته هو حضور كلّ شيء كما ان وجود ذاته وجود كلّ شيءٍ فامّا قوله الاوّل اعني ان علمه يرجع الي وجوده اي يكون هو ايّاه فانّما يصحّ اذا اريد من العلم المذكور العلم الذاتي هو الذات من غير فرض مغايرة بوجهٍ ما لا في المفهوم و لا في المعني و حينئذٍ فصحة القول فيه ان تعبّر عنه في جميع ما تريد ان تقول فيه بلفظ اسم الذات فان اتّسَق الكلام لك و صح فقولك فيما اردتَ صحيح فتقول انّ ذاته بجميع الاشياۤء حقيقة واحدة و مع وحدتها ذاتٌ بكلّ شيءٍ لاتغادر صغيرة و لا كبيرةً الّا احصَتْها اذ لو بقي شيء يعني لو خرج شيء من الاشياۤء عن الذات لمتكن ذاتاً به لمتكن هي حقيقة الذات بل كانت ذاتا و شيئا آخر فان كان هذا الكلام يحسن منك كان كلامُك بعبارة العلم صحيحاً لانّك لاتعني بالعلم الّا الذّات و ان قلتَ يجوز ذلك لاجل اختلاف المفهوم قلتُ لَكَ اذا قلتَ في شأن زيدٍ كلاماً لايتأتّي لك الّا بكنيته كابيعمروٍ و انت تدّعي ان المقصود ذات زيد لميقبل منك بل يكون دليلا
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 126 *»
علي انّك لمترد ذات زيد و الّا لتأتّي باللّقب كما يتأتّي بالكنية فلو كنتَ تعني بعباراتك الحقيقة الواجبة الوجود لصحّ وصفك باسم الذّات كما يصحّ باسم العلم لكنّك تريد بالعلم شيئا غير ما تريد بالذات و مطلق المغايرة مانعة من الاتّحاد فكما يجوز لك اَنْ تقول انّ ذاتَ العِلم محيطة بذوات المعلومات بذاته يجوز لك ان تقول انّ ذات اللّه محيطة بذوات الموجودات بذاته فاذا جاز في الاوّل و لميجز في الثاني دلّ علي اختلاف المقصود من العبارتين و مخالفة العلم للذات و قول المصنّف يرجع الي وجوده لفظي لايطابق المعني لان العلم المتعلّق بالمعلومات المرتبط بها المطابق لها لايصح ان يراد به الذات لانها لاتتعلّق بالمعلومات و لاترتبط بها و لاتطابقها فلاتصحّ العينيّة و كلّ ما تسمع من عباراتهم مدخولةٌ و لكن اتّسَعَ الخرقُ علي الراقع و لايسع الّا الايهام و الابهام و الاجمال حتّي يأتي امر اللّهِ عجّل اللّه فرج وليّه نعم العلم الذي يصحّ تعلّقه بما سوي اللّهِ و يرتبط به و يطابقه الذي لايعزب عنه مثقال ذرّة في الارض و لا في السّماۤء هو العلم الحادث و هو الكتب الالهيّة كما قال تعالي قال علمها عند ربّي في كتاب لايضلّ ربّي و لاينسي ، و امّا العلم الذي هو الذات فلايصحّ ان يتعلق بالممكنات و لايرتبط بها و لايطابقها لان الذات لاتتعلق بالممكنات و لاترتبط بها و لاتطابقها و لايلزم من قولنا هذا انه تعالي غير عالم بها لانّها لمتكن موجودة في الذات و انّما هي موجودة خارج الذات و خارج الذات هو الامكان و العلم الامكاني محيط بها و قد تقدّم انّه تستحيل تعلّق العلم بلاشيء فاذا لمتكن موجودة في الذات لميصح ان يعلم بها بالذات و قولنا لميتعلق العلم الذي هو الذات بشيء سوي الذات سالبةٌ بانتفاۤء الموضوع الاتري انك تكون عالما و بصيراً و اذا لميكن في يدي شيء لاتعلم ان في يدي شيئا و لاتري شيئا و اذا قلتَ اني لااعلم ان في يدك شيئا لمتكن بذلك القول جاهلاً و لا اعمي بل تكون بعدم تعلّق علمِك بشيءٍ في يدي عالماً بل لو ادّعيتَ العلم كنتَ جاهلاً اذ لا معلوم فكذلك ما نحن فيه و كم نكرّر هذه الحقاۤئق الحقّة النورانيّة و كم نردّد
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 127 *»
البيان و لكن الخواطر امتلأت من العيون الكدرة كما قال اميرالمؤمنين عليه السلام ذهب من ذهَب الي غيرنا الي عيونٍ كدرةٍ يُفْرغُ بعضها في بعضٍ و ذهب من ذهب الينا الي عيونٍ صافيةٍ تجري بامر اللّهِ لا نفاد لها ه ، و العلم الذي يتّحد بالذات مفهوماً و معني هو العلم بالذات خاۤصّة لانّ العلم عين المعلوم في كل رتبةٍ من المراتب في الوجوب و الامكان علي الصحيح و قد اشرنا الي دليلِ هذا في شرحالمشاعر و امّا قوله الثاني اعني فكما انّ وجوده لايشوب بعدم شيء الخ ، فقد بيّنّا ما يلزمه و لاسيّما علَي ما ذكره من ان بسيط الحقيقة كلّ الاشياۤء و قد ابطلناه سابقاً و اذا جعل العلم المتعلّق بكل الاشياۤء عين الذّات توجّه عليه من الرد ما توجّه علي ما هو متّحد به في كونه كل الاشياۤء و يتّجه علي قوله الثالثِ اعني كون علمه بذاته الذي هو حضور ذاته حضور الاشياۤء اتّحادُ الحُضورَيْنِ مَا اَوْردنا علي كون الذات كل الاشياۤء مع ما خصّوه بالاجمالي فيخرج التَّفْصيلي فيكون حضور الذّات حضور بعض الاشياۤء اعني الامور الاجماليّة و امّا التفصيلية و ان كانت معلومة لكنّها معلومة بعلمٍ متجدّد فلايكون حضورها حضور القديم و يلزمه ان البسيط الحقيقة بعض الاشياۤء ثم حيث حضر شيء حضر بعض الذات لان كلّ ما هو كل الامور المختلفة المتعدّدة المتعاقبة متعدّد مختلف متعاقب فاذا حضر زيد حضر ما هو زيد او ما به زيد دون ما هو ابنه اوْ ما به ابنه و كذا ابن ابنه ان جعل بسيط الحقيقة كل الاشياۤء و ان جعله كل الاشياۤء الاجماليّة فهي اي الاجمالية ازليّة عنده لان الذات ازليّة و لاتكون في الازل كل ما لميكن و اذا وجدت التفصيليّة وقع تعيّن الذّات لان التفصيلية تعيّن الاجماليّة التي هي الذّات فيكون المصنف و اتباعه هُمْ تَعَيُّنُ الذات الحق عز و جل و قوله لان ذاته مشيّئ الاشياۤء و محقّق الحقاۤئق معناه عند اهل الحقّ انه سبحانه مشيّئ الاشياۤء بمشيّته اذ الشّيء انّما هو شيء بمشيّته كما اشار اليه اميرالمؤمنين عليه السلام في خطبته يوم الغدير و الجمعة بقوله في الثناۤء علي اللّه سبحانه و هو منشئ الشّيء حين لا شيء اذ كان الشيء من مشيّته رواه
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 128 *»
الشيخ في المصباح فقوله عليه السلام اذ كان الشيء من مشيته يشعر بالاشتقاق و امّا انّ اللّه سبحانه شيء فعلي ما نعرف من وصف العنوان و هو خلق احدثه عز و جل لتعرفه العبيد بصفة التوحيد و التفريد و مشيّة اللّه سبحانه عند اهل الحق عليهم السلام هي فعله اذ ليس للّه مشية و ارادة الّا فعله روي الصدوق عن الرضا عليه السلام في كتابه التوحيد انه عليه السلام قال المشية و الارادة من صفات الافعال فَمنْ زعم انّ اللّٰهَ لميزل مريداً شاۤئياً فليس بموحّدٍ ه ، فهو عز و جلّ مشيّئُ الاشياۤء بفعله و كذا محقّق الحقاۤئق فان تكوينها تحقّق بفعله تحقّق صدور و ذواتها تحقّقت بما اخترع لها من المواد و الصور تحقّقا ركنيّا
و معني قوله عنده انّها تحقّقت بذاته تحقّقاً ركنيّا كما هو مذهب المشهور من الصوفيّة انّ وجودَ الاشياۤء ذاته و وجوده تعالي و بعضهم ذهب الي انّ وجود الاشياۤء فعله تعالي و ذهب اليه ضرار بن عمر و اتباعه و المعروف من مذهب المصنف الاوّل و المراد ان الاشياۤء مركّبة من وجود و ماهيّة يعني من مادة و صورة كما هو المعروف من مذهب الحكماۤء علي نحو الاتفاق ان كلّ ممكن زوج تركيبي فقول المصنّف فذاته احقّ بالاشياۤء من الاشياۤء بانفسها يريد انه تعالي كوّن الاشياۤء و شيّئَها و حقّقها بذاته لا بفعله اذْ ذواتها من ذاته مثل الكتابة التي تحدث من المهر المنقوش فان حقيقتها من القرطاس فاذا مهرت بمهرك في القرطاس الابيض كان ما لميسوّد من القرطاس هو الكتابة فالقرطاس اولي بهذه الكتابة من الكتابة نفسها فالكتابة البيضاۤء من القرطاس هي وجود الكتابة و مادتها و امّا ماهيّتها و حدودُها و صورتها فمن المداد و اذا كانت الاشياۤء عندهم بهذه المثابة صَحَّ لَهُ و لهم ما ذكره من التعليل من قوله اذ الشيء مع نفسه بالامكان الخ ، و امّا عند اهل الحق عليهم السلام فكما سمعتَ قبل هذا من انه تعالي انّما شَيّئَها و حقّق حقاۤئِقها بفعله تحقّقا صدورِيّا و بما اخترعَ لها من المواۤدِّ و الصُّوَر لا من شيءٍ تحقُّقاً رُكنيّاً فعلي القول الحق انه سبحانهُ اَحقُّ بالاشياۤء من الاشياۤءِ بانفسِها بمعني اَنَّ كُلَّ ما به هي هي لذاتها و لما ينسب اليها فهو نِعَمُهُ وَ عطاياهُ و كلّ ما انْعَم به علي احد مِنْ شيء وَ اَعْطَاهُ ايّاهُ فهو في يده و في قبضته لميُخَلِّهَا من يده
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 129 *»
ح۪ينَ افَاضَها علي عبده۪ و الّا لمتكن شيئا اذ هي انّما هي شيء بكونها في قبضته و هو قول الصّادق عليه السلام في الدعاۤء كل شيء سواك قام بامرك لا انّ الاشياۤء من ذاته او بذاته و انّما كل ما سواه فعن فعله لا من شيء فذاته احقّ بالاشياۤء من الاشياۤء بانفسها لان كل شيء منها فهو نعمُهُ التي اخترعها لا من شيء فتفضّل عليهم بما هم به هم و كلُّ شيءٍ في قبضتِه و هو قوله تعالي قل مَن بيده ملكوتُ كل شيء و هو يجير و لايُجار عليه ، فقوله اذ الشيء مع نفسه بالامكان اي متقوِّم بها قيام تحقّق و هذا صحيح و قوله و مع مشيّئِه و محقِّقه۪ بالوُجوب ليس بصحيح اذ الشيء ليس مع صانعه كالكتابة البيضاۤء من المهر في القرطاس الابيض ليكون معه بالوجوب بل هو مع صانعه بالامكان ايضاً اي متقوّم بفعله قيام صدورٍ و لو اُريد الوجوب العِلِّيّ لماخرج بذلك عن الامكان لانّ هذا الوجوب راجحي لا ازلي بل و لا تعيّني فادخال وجوبه في وجوب الازلي مغالطة او قول بوحدة الوجود كما هو مذهب المصنّفِ و لذا جعل وجوب ثبوته مع اللّه وجوباً ازلِيّاً و لذا قال و وجوب الشيء ءاكدُ من امكانه لانه لميرد الوجوب العلّيّ يعني وجوب وجود المعلول عند وجود علته التاۤمّة لان هذا الوجوب ليس ءاكدَ من امكانه لجواز تحويل هذا الوجوب و عدم جواز تحويل الامكان فهو ءاكَدُ من الوجوب بالعلّة .
قال { و من استصعب عليه ان يكون علمه تعالي مع وحدته علما بكل شيء فذلك لظنّه ان وحدته عدديّة و انه واحد بالعدد و قد سبق انّه ليس كذلك بل هو واحد بالحقيقة و كذا ساۤئر صفاته و لا شيء غير حقيقة الحقّ واحد بالحقيقة بل الاشياۤء الممكنة لها وحدات اخر غير هذه الوحدة كالشخصيّة و النوعيّة و الجنسيّة و الاتّصاليّة و ما يجري مجراها و هذا من غوامض ( المسائل ظ ) الالهيّة فما عند اللّه هي الحقاۤئق المحصّلة المتأصّلة الّتي تنزل الاشياۤء منها منزلة الاشباح و الاظلال فما عند اللّه من الاشياۤء احقّ بالاشياۤء مما عند اَنْفسها .}
اقول يقول و من استصعب عليه انْ يكون علمه تعالي مع وحدته علماً بكلّ شيء فلاجل ظنه بانّ الوحدة الّتي نطلقها عليه وحدة عدديّة لان العلم
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 130 *»
حينئذ و ان كان واحداً الّا انّه احد الموجودات و الواحد من الخمسة لايحيط بالخمسة مثلا و نحن نريد بوحدة علمه تعالي الوحدة الحقيقيّة بمعني انّه هو و ليس شيء غيره و انا اقول لك ايّها الناظر انّ الالفاظ قد تشتبهُ في دلالتها فربما اختلف المستدلّانِ لفظاً و هما متفقان معني و قد يكونان مختلفين معني و هما متّفقان لفظا فاذا اردتَ التمييز في المقاصد فاستخبر القاۤئل بالوحدة الحقيقيّة ما تعني مثلاً بها و ما تعني بالعدديّة و النوعيّة وَ الجنسيّة فانه اذا تكلّم في بيان ما ذكر اتي بعبارة ادلّ علي مقصوده مما ذكر اوّلا لان الساۤئل ربّما نبّهه علي معنيً كان قبل السؤال غافلاً عنه فان تعسّر عليه اللفظ الصريح فاطلب منه المثال فوحدة العدد ليست هي وحدة الواحد لان المُراد من الوحدة هنا الوحدة الاجتماعيّة لانّ العدد هو الكمّية كالعشرة فانها شيء واحد و كمّية واحدة فوحدتها ليست حقيقية لاشتمال العشرة علي وحداتٍ متعدّدة و وحدة الواحد ان قصد بها العدد خرجت عن الحقيقية كما اذا قلتَ هذا واحد تريد به اوّل ما تتألّف منه كمّية العدد تقول واحد اثنان ثلاثة فالثلاثة تركّبتْ من وحدات عدديّة بخلاف ما اذا لمترد ما تتألّف منه الكمية بل تريد واحدٌ لا نَظير له لان هذه الوحدة من الوحدة الحقيقية الجاۤئزة علي الحقّ تعالي من حيث التسمية فالواحد قد تكون وحدته من العددية و لايجوز حينئذٍ علي اللّه تعالي و قد تكون من الحقيقيّة فتجوز عليه تعالي و هذا ما اشار اليه اميرالمؤمنين عليه السلام في قوله للاعرابي الذي سأله عن الواحد يوم الجمل قال عليه السلام يا اعرابي انّ القول في انّ اللّه واحد علي اربعة اقسام فوجهان منها لايجوزانِ علي الله عز و جل و وجهان يثبتان فيه فامّا اللذانِ لايجوزان عليه فقول القائل واحد يقصد به باب الاعدَاد فهذا ما لايجوز لانّ ما لا ثاني له لايدخل في باب الاعداد اَماتري انه كفر مَن قال ثالثُ ثلاثة و قول القاۤئل هو واحد من الناس يريد به النوع من الجنس فهذا ما لايجوز عليه لانّه تشبيهٌ و جل ربّنا عن ذلك و تعالي و امّا الوجهان اللذان يثبتان فيه فقول القاۤئل هو واحدٌ ليس له في الاشياۤء شبه كذلك ربّنا و قول القاۤئل انه ربّنا عز و جل احدي المعني يعني به انه لاينقسم في وجودٍ و لا عقلٍ و
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 131 *»
لا وهمٍ كذلك ربّنا عز و جل ه ، اقول و انّما كان الواحد له وحدتانِ يصدق عليهما لانه لميدخل بذاته في العدد كما هو رأي الاكثر و اوّل من ذهب الي هذا فيثاغورس و روي الصدوق في توحيده عن الباقر عليه السلام الي ان قال و الواحد المباين الذي لاينبعث من شيء و لايتّحد بشيءٍ و من ثم قالوا انّ بناۤء العدد من الواحد و ليس الواحد من العدد لان العدد لايقع علي الواحد بل يقع علي الاثنين الحديث ، فقال عليه السلام بقولِ من افرد الواحد من العدد من الحكماۤء فالوحدة العدديّة تتحقّق في شيئين احدهما الوحدة الّتي تتألّف منها الكمّية و ثانيهما الوحدة التي تحصل للكمّية بعد تألّفها و امّا وحدة الواحد الذاتيّة فهي من الحقيقيّة و المصنف يقول من استبعد كون العلم مع وحدته علما بكل شيء فانّما ذلك لظنه انّا نريد بوحدته الوحدة العدديّة اي الوحدة التي عرضت للكمّية بعد تألّفها و نحن انما نريد بالوحدة الحقيقيّة و اقول قد عرفتَ الوحدة العددية فينبغي ان تعرف النوعيّة و الجنسيّة و المراد منها انّ الجنس حقيقة واحدة تحتها انواع متعددة بمعني ان تلك الحقيقة الجنسية مع وحدتها تنقسم الي حِصَصٍ كل حصّةٍ مادّةٌ لنوع من انواع ذلك الجنس فتلك الوحدة الجنسيّة لاتّحاد حصص انواعه في رتبة الجنس كحصص الحيوان المأخوذة في انواعه كالانسان و الفرس و الطير و ما اشبهها فانّها متّحدة في رتبة الحيوان اي كل حصّة منها جسم نامي متحرك بالارادة فمن حيث لحاظ الحيوانية هي واحدة وحدة جنسيّة و من حيث لحوق الفصول لها تعدّدت الانواع بالمميّزات و كذلك الوحدة النوعيّة بالنسبة الي افراد النوع فالوحدة الجنسية متكثرة بفصول الانواع و الوحدة النوعية متكثرة بالمميّزات الشخصية فاذا عرفت هذا فارجع الي المصنف كما قلنا لك و اسئله ما يعني بالوحدة الحقيقيّة بعد ما قرّر انّ حقيقة الوجود واحدة فما كان صرف الوجود العاري عن شوب النقاۤئص و الاعدام هو الوجود الحق سبحانه و ما كان مشوباً بالنقاۤئص و الاعدام فهي وجودات الممكنات و بعد ما
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 132 *»
قرّر ان هذه النقائص و الاعدام لمتلحقها لذاتها و انما لحقتْها من عوارض مراتب تنزلاتها و هذه العوارض العارضة اللاحقة لها بواسطة مراتب التنزلات هي المميزات لتلك الافراد الوجوديّة بعضها من بعض لانّها هي المتمّمات للقوابل الشخصيّة و اذا نظرتَ بعين البصيرة المجرّدة عن التقليد و الاوهام لمتجد ما وصف المصنّف الا كالخشب فانه الٰاية المطابقة لتوصيفاته فانّه حقيقة نوعيّة و وحدته وحدة نوعيّة و الحصص المأخوذة منه للباب و السرير و غيرهما فانها باقية علي صرف الخشبيّة لذاتها و انّما تميّزت الحصص بعضها عن بعض بما لحقها من الهندسة و الحدود الّتي هي عوارض لمراتب تنزّلات الوجودات و لاسيّما علي رأي المصنف و اتباعه القاۤئلين بان الموجود في الذّهن الاشياۤء بماهيّاتها و حقاۤئقها معرّاةً عن عوارضها الخارجيّة لا بصورها و اشباحِها و الموجود في الخارج ما انحطّ من اشباحها و امثالها كذلك ان حقيقة الوجود هو الواجب الحق سبحانه و حضوره الذي هو العلم الذاتي حضور الاشياۤء للاولويّة المذكورة لانّه مشيّئها و محقّقها و تلك الحقيقة البَسيطة مع كمال وحدتها هي كل شيء من الاشياۤء بحقيقته و ما انْحطَّ عن هذه الحقيقة و تنزّل مِنْهَا فانّمَا هو شبح و ظلّ لحقيقته الّتي طوتْها تلك الحَق۪يقة الحقّة كَما انّ حُضور الخشب حضور السرير و البَاب فان حقيقة الخشب مَعْ وحدتِها هِيَ كلُّ شَيْءٍ منَ الْاَشْياۤءِ الّتي عُمِلَتْ منه و وحدته عَلَي ما يلزم من كَلام المصنِّف اوْ تكون وحدة الوَاجب جنسيّة اَوْ نَوْعيَّة اِذْ لَيْس للحَقِّ تعالي وحدة عَلي تقريره اِلَّا جنسيّة اَوْ نوعيّة لا شخصيّة و لا اتّصَاليّة و لا غير ذلك لِانَّ جَعْله جميع حقاۤئق الْاشياۤءِ الحادثة في ذاته او في علمه الذي هو ذاته و اَنَّ وجوداتها من سنخ وجوده يلزم من ذلك اَنّ وحدته وحدة نوعيّة و انّه كلّي تنزل من وجوده و حقيقته وجودات الْاشياۤء و حقاۤئقها نُزُولَ الشّبح من الشَّاخِص و ليس لانّها ظلّ له تعالي ليكون قاۤئلاً بالظّلّية بل لان حقاۤئقها من سنخه و ذلك لان حقاۤئقها في ذاته فان كانت مغايرة لذاته لزمَهُ التكثر و التّعدّد المنافيين للوحدة و اِنْ لميكن مغٰايرةً لذاته كان نزول هذه الحوادث من ذاته نزول النوع من الجنس و الشخص من النوع و
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 133 *»
هو نزول الجزئيّ من الكلي في الغيب الذهني و في الخارج نزول الجزء من الكل او النور من المنير و علي كلّ حال يكون هذا القول قولاً بان للّهِ سبحانه ولداً لصدق الولادة علي خروج كل شيء من شيء باي نوع من الخروج روي الصدوق في التوحيد باسناده الي الصادق عليه السلام عن ابيه الباقر عليه السلام عن ابيه عليه السلام انّ اهل البصرة كتبوا الي الحسين بن علي عليهما السلام يسئلونه عن الصمد فكتب اليهم بسم اللّه الرحمن الرحيم امّا بعد فلاتخوضوا في القرءان و لاتجادلوا فيه و لاتتكلّموا فيه بغير علم فقد سمعتُ جدّي رسول اللّه صلي الله عليه و اله يقول مَن قال في القرءان بغير علم فليتبوّء مقعدَه من النارِ و ان الله سبحانه قد فسّر الصمد فقال الله احد الله الصمد ثم فسّره فقال لميلد و لميولد و لميكن له كفؤا احد لميخرج منه شيء كثيف كالولد و ساۤئر الاشياۤء الكثيفة التي تخرج من المخلوقين و لا شيء لطيف كالنفس و لاتتشعّب منه البدوات كالسِّنَة و النوم و الخطرة و الهم و الحزن و البهجة و الضحك و البكاء و الخوف و الرجاۤء و الرغبة و السأمة و الجوع و الشّبَع تعالي ان يخرج منه شيء و ان يتولّد منه شيء كثيف او لطيف و لميولد و لميتولّد من شيء و لميخرج من شيء كما تخرج الاشياۤء الكثيفة من عناصِرها كالشيء من الشيء و الداۤبّة من الداۤبّة و النبات من الارض و الماۤء من الينابيع و الثمار من الاشجار وَ لا كما يخرج من الاشياۤء اللطيفة من مراكِزِها كالبصر من العين و السمع من الاذن و الشم من الانف و الذوق من الفم و الكلام من اللسان و المعرفة و التمييز من القلب و كالنار من الحجر لا بل هو الله الصمد الذي لا من شيء و لا في شيء و لا علي شيء مبدع الاشياۤء و خالقها و منشئ الاشياۤء بقدرته يتلاشي ما خلق للفناۤء بمشيّته و يبقي ما خلق للبقاۤء بعلمه فذلكم اللّه الذي لميلد و لميولد عالم الغيب و الشهادة الكبير المتعال و لميكن له كفؤا احد ه ، فتدبّر هذا الحديث الشريف يظهر لك انّ ما ذهب اليه المصنف و اتباعه من الولادة و ان كان الظاهر من كلام المصنف المغايرة لانّه ذاهب كما يأتي عَنْ قريب الي انّ نزول الحادثات الخارجيّة من حقاۤئقها المتأصّلة القاۤئمة بذاته و تلك الحقاۤئق هي
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 134 *»
المنشِئة لهذه الاشباح الخارجيّة باللّه فاذا جرينا علي ظاهر المستفاد من كلامه من المغايرة كانت تلك الحقاۤئق المغايرة مباينةً للذّات لازمةً لها و بهذا تتحقق المغايرة الموجبة للتركيب في نفس الامر و ان كان في اعتقاده ان حصولها له حصول جمعي وحداني اذ هو كلّها فلاينافي حصولها و لزومها وحدته الحقيقية كما لاينافي تعدّد اغصان الشجرة و اوراقها و ثمرها وحدة الشجرة فانها في نفس الامر شجرة واحدة فلحاظ وحدتها في نفسها مستهلك لتلك الكثرات اذ حصول تلك الكثراتِ للشجرة حصول جمعِيٌّ عنده و قد ذكر فيما سبق في قوله فلايمكن تعدّد الواجب لانه لو تعدّد لكان المفروض واجبا محدوداً لوجود ثاني الاثنين فلميكن محيطاً بكل وجود حيث تحقق وجودٌ لميكن له و لا حاصلاً منه فاۤئضاً من لدنه الٰي اخره انتهي ، و هو صريح انّ المغاير في وجوده اذا كان الحق تعالي محيطاً به و هو حاصل من الوجود الحق فاۤئض من لدنه داخل تحت حقيقة ذاته اذا حصل مع الحق تعالي لاينافي وحدته اذ حصوله كحصول الاغصان و الورق للشجرة و هو حصول جمعيٌّ لانه تعالي كل ما سواه من الاشياۤء و مادّة التأليف تحقِّقُ الكليّة و الوحدة المشار اليها هي وحدة الكل يعني الوحدة الحقيقيّة ثم قال بعد ذلك و ان كل كمال وجوديّ رشح من كماله و كل خير لمعة من لوامع جماله فهو اصلُ الوجود الخ ، انتهي ، و هو يؤيّد ما ذكرنا فاذا كان الوجود في الكل واحداً و علمه راجع الي وجوده فقوله في هذه القاعدة لتقرير انه تعالي كلّ الاشياۤء فكما انّ وجوده تعالي لايشوب بعدم شيء من الاشْياۤء فكذلك علمه الذي هو حضور ذاته لايشوب بغيبة شيءٍ من الاشياۤء الخ ، مثل ما ذكرنا ان علمه عين وجوده الّذي هو ذاته و وجوده كل الموجودات و علمه عين وجوده فهو عين المعلومات علي حدّ عينيّة الشجرة لاجزاۤئها فوجوده وجودها و عدمُها عدمُه اذ ليست عند المصنف آثاراً له فلايلزم من عدمها عدمه بل في الحقيقة يكون كلام المصنف راجعاً الي ان الاشياۤء اجزاۤؤه او جزئيّاته بل الاول اوجه بما يلزم من كلامه و تمثيلهم بالحروف اللفظيّة من النفس بفتح الفاۤء و بالحروف النقشية من المداد و
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 135 *»
بالاعداد من الواحد و ما اشبه ذلك يشهد بانّ اللازم من كلامه هو الاول و قوله فما عند اللّه هي الحقاۤئق المحصّلة المتأصّلة التي تنزل الاشياۤء منها منزلة الاشباح و الاظلال صريح في جميع ما اوردنا علي كلامه من المغايرة و ان الذات محلّ لجميع تلك الذوات و ان الوحدة التي ادّعاها وحدة النّوع في الاذهان و العقول و وحدة الكل في الخارج و انها كوحدة الشجرة مع ما تألّفت منه و وحدة الخشب بالنسبة الي الحصص المأخوذة منه لان هذا العند الذي ذكره المصنّف اِنْ ارادَ به ما هو خارج الذّات كانت تلك الحقاۤئق ممكنةً حادثةً بعد اَنْ لمتكن شيئاً مذكوراً و هذا دين ساداتنا محمد و اَهْل بيته الطاهرين صلي الله عليه و عليهم اجمعين اذْ دينهم انّ كلّ ما سوي ذات الحقّ سبحانه و تعالي حادث بعد ان لميكن شيْئاً مذكوراً فكان مَذْكوراً بايجادِه۪ و امكانه لا قبله و اِنْ ارادَ به ما هو الذات الحق عز و جلّ توجَّه ما سبق و نحوه من المطاعن و الاعتراضات و قوله الّتي تنزل الاشياۤء منها الخ ، يعني انّ الاشياۤء الموجودة في عالم الاكوان منزلتها من حقاۤئقها التي في ذات الحق تعالي منزلة الشبح و الظل من الشاخص و الشبح هو الظل كما روي عن الصادق عليه السلام و المراد منه الصورة لان الصورة ظل ذي الصورة و الصورة معلقة بالشاخص كالظلّ و المراد من الشبَح الصورة المنفصلة بالاشراق عنه لا الصورة المتصلة العارضة القاۤئمة به قيام عروض لانّ هذه يطلق عليها صورة الشخص و هي المتّصلة و امّا المنفصلة فهي التي تقع في المرءاة فانها قاۤئمة بصورته المتّصلة قيام صدور و نعني بالشبح حيث يطلق في الغالب الصورة المنفصلة في المرءاة و معني الانفصال هنا القيام بغير الموصوف كما مثّلنا و لمّا كانت الاشياۤء المكوّنة ذواتٍ متحقّقة عند المصنف و الاشباح و الاظلّة اعراضاً عنده قال انّ الاشياۤء كالاعراض في التعلق و التقوّم و لذا قال منزلة الاشباح و الاظلال و ذلك اِمَّا اَنّهُ غَفل عن ملاحظة سرّ الخَليقة اوْ انّه ماعرف كون المعلول بالنسبة الي علته الحقيقيّة عرضاً فان هذا حكم نفس الامر ان المعروض عرض لعلته الحقيقيّة و المراد من العلة الحقيقيّة
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 136 *»
هي التي تحدث ماۤدةَ معلولِها لا من شيء بخلاف العلة التي لاتصدر عنها الّا الصورة فان تلك ليست حقيقيّة كالبنّاۤء في صنع الجدار فعلي قولنا يتّجه كونها اعراضاً لعللها و علي قول المصنف العلل الازليّة هي الحقاۤئق المتأصِّلَةُ و امّا الحوادث الكونية التي هي من تلك الحَقاۤئق بمنزلة الاشباح و الاظلال فهل عند المصنّف يجعلها اَشِعَّةً انحطّت عن تلك الحقاۤئق ام هي تلك الحقاۤئق انفسها نزلت من اَوْج قدسها الي حضيض طباۤئعها بذواتها بحيث خلت اوجاتها منها ام هي باقية في مرَاكزها و النّازل منها اَبْدَالُها او امثالها ام تكيّفت اوقاتها و اماكنها بِهَيْئَاتِ كَيْنُونَاتِها فعلي كل فرضٍ يرد عليه الموانع المنافية لقوله فعلي الاشعّة تكون اعراضا و لايلايم قوله منزلة الاشباح لان الاشباح اعراض و لاتكون الاعراض بمنزلة الاعراض و علي نزول الحقاۤئق يلزم انقلاب الحقاۤئق لانّ تغيّر حال القديم يجعله حادثا و تكون الذّات فاقِدة و الابدال من انواع الولادة المنافية للازل و الامثال جمع مثلٍ فبِسُكون الثاۤءِ تَتعدَّدُ القُدَماۤء و بالتّحريك اشباح لا بمنزلة الاشباح و علي التكيّف هي اثار الاشباح و اذا كانت الاشياۤء تعود في عودها الي مباديها كانت المنحطّة عاۤئدة الي ما منه بدئت فان كان عودُها عودَ مُجَاوَرةٍ تكثّرتْ علي نحو التضعيف فيعظم الخطب و ان كانَ عودَ ممازجةٍ انتهي تنعّم السعداۤء و تألّم الاشقياۤء هذا كله ان كانت المنحطّة ذواتٍ و الّا فالصفات مباديها هيئات الموصوفات و افعالها لا ذواتها و لايتجاوز شيء من الاشياۤء مبدؤه و حينئذ يكون العود عود ممازجة و تنتهي الاوصاف العملية و اعلم انّي لوّحتُ بهذه الكلمات الي الدلالة علي طريق معرفة سرّ الخليقة في الذوات و الصفات ليبني العارف بها حكمة معرفته علي نمط كيفيّة بدؤ الاشياۤء لانه عز و جل خلق الاشياۤء موصوفات الاشياۤء و صفاتها مشروحة العلل مبيّنة الاسباب لتعرف العباد كيفيّة الاستدلال علي ما اراد من طرق الهداية و الرشاد كما اشار في الكتاب المجيد في قوله يا ايّها الناس ان كنتم في ريب من البعث فانا خلقناكم من تراب ثم من نطفة ثم من علقَةٍ ثم من مضغة مخلّقة و غير مخلّقة لنبيّن لكم فقوله لنبيّن لكم اشارة الي ان كل شيء خلقه من صفة او موصوف
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 137 *»
فانه دليل و مستدلّ عليه و علّة و معلول و غاية و مُغيّا و اذَا سمعتَ انّه عز و جل انّه لايعرف الّا بما عرّف نَفْسَهُ فاعلم انّ المراد ان اسباب التعريف و آلَةَ البيانِ ما خلق من خلقه و ما بيّن من اسبابها و مسبّباتها فمن عرف سرّ الخليقة وصل الي معرفة الحقيقة و لذا قال صلي الله عليه و اله اللهمّ ارِني الاشياۤء كما هي ه ، فنبّهتُ بتلك الكلمات التي عارضتُ بها المصنف ليس لخصوص الاعتراض لا واللّهِ و لكن بقصدِ ان بيان تلك الحقاۤئق لاتعرف الّا بردّ ما يخالفُها من كلام المصنّف و غيره لانّي اذا ذكرتُ كلاماً قال المصنّف او غيره بخلافه لايعرف انّ كلامي حق بل و لايقبل منّي الّا اذا ابطلتُ كلامَ مَن خالَفَهُ و حيثُ كان ابطال كلام الخصم مع تقدّمه و شهرته و انس الاذهان بمذهبه و بعباراته يحتاج الي كلام طويل و تقديم مقدّمات و نقض كلامهم بعد ايراد حُجَجِهِمْ و الوقت لايسع ذلك لوّحتُ بالخلاف و عدم رضاي بقوله ليتنبّه مَن له رَويّةٌ عَلَي انّي و ان اطلتُ الكلام لاينتفع الّا اولوا البصاۤئر و الافهام من العلماۤء الاعلام المنصفين الطّالبين بتعلّمهم وجه الملك العَلّام لان الرّد بعد القبول و لبس ثوب الجهل بعد الشهرة بالعلم صعب مستصعب لايحتمله الّا مؤمن امتحنَ اللّٰهُ قلبه للايمان و شرح صدره للاسلام و الحاصل انّ هذه الحقاۤئق التي هي حقاۤئق الاشياۤء هي الّتي عناها بالكل في قوله كل الاشياۤءِ و لايمكن ان يتكلّم بها احد و يحكم بانه كلها و انها عنده و في علمه الذي هو ذاته و انّها في ذاته بنحوٍ اشرف في قولهم ان معطي الشيء ليس فاقداً له في ذاته و لكنه بنحو اشرف و ان للاشياۤء وجْهَينِ وجهاً اجماليّاً و هو علمه بها و هي حقاۤئق الاشياۤء و هي الصور العلمية اللازمة لذاته المتعلقة بها تعلّق النور بالمنير و الظل بالشاخص و انّها غير مجعولةٍ و انّما المجعول وجوداتها بمعني تعلّق الكون بها يعني اظهارها بعد الكمونِ كالنّار الكامنة في الحجر تخرج بحَكِّ الزنادِ و امثال هذه من عباراتهم المختلفة لفظا و معنيً المتّفقة علي قدمها و عدم مجعوليّتها الّا اذا كانَ عالماً بها مدرِكاً لها و حيثُ ذكر المصنف و اتباعه هذه الاوصاف دلّ علي انّهم في زعمهم مدركون لها مع انهم لميأتهم وحي بذلك و لاتجاوزوا مشاهدة الملكوت فيكون وصفهم
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 138 *»
ناشئا عن مقايستهم لذلك بما عَرفُوا مِنْ انفُسِهِمْ فلذا اخْطأوا في اقوالهم و اعتقاداتهم كيف و قد قال اميرالمؤمنين عليه السلام نحن الاعراف الذي لايعرف اللّه الّا بسبيل معرفتنا الحديث ، و المراد ان الله سبحانه لايعرف الّا بما وصفوه في خطبهم و احاديثهم اَوْ لايعرف اللّه الّا باعتقادِ اَنّهم عليهم السلام حُجَجُه و ابوابه و انّهم اولياۤء احكامِه۪ و حفظة شرائع دينه اوْ لايعرف اللّهَ الّا من عرفهم لانهم عليهم السلام وصفُه الذي وصف نفسه به لعباده ليعرفُوه فالاول للمؤمنين و الثاني للعارفين و الثّالث للانبياۤء و المرسلين و قال الصادق عليه السلام في الدعاۤء عقيب الوتيرة بعد العشاۤء كما رواه الشيخ في المصباح قال عليه السلام بدت قدرتُك يا الهي و لمتبد هيئةٌ يا سيّدي فشَبّهُوك و اتّخذوا بعض اياتك ارباباً يا الهي فمن ثَمّ لميعرفُوك ه ، و هؤلاۤء قولهم و اعتقادهم مخالف لاحاديث ائمة الهدي عليهم السلام و لكلامِ اللّه الّذي اَنْزلَهُ علي نبيّه صلي الله عليه و اله و لما اقرّ رسول الله صلي الله عليه و اله عاۤمّةَ المسلمين و اجري احكام دينهم عليه فانه صلي اللّه عليه و اله اقرهم علي المعارف المعروفة المتداولة و وعدهم علي القيام به دخول الجنّة اذ ليس شيء مما نقلنا عن اولۤئك مطابقاً لشعاۤئر المسلمين فان قول المصنّف فما عند الله هي الحقاۤئق المحصّلة المتأصّلة الي اخر قاعدته لايدلّ عليه كتاب و لا سنّةٌ و لا عقْلٌ .
قال { قاعدة علمه تعالي بالممكنات ليس صوراً مرتسمةً في ذاته كما اشتهر عن معلِّم الفلاسفة و المشّاۤئين و تبعهم ابونصر و ابوعلي و غيرهما و لا كما ذهب اليه الرواقيُّونَ و تبعهم الشيخ المقتول و العلّامة الطوسي و المتأخّرون من كون علمه بالممكنات عين ذوات الممكنات الخارجيّة لانّ علمه قديم و الممكنات كلّها حَوادث و لا ما ذهب اليه المعتزلة لبُطلان شيئيّة المعدومات و لا ما توهمتْه الاشاعرة من ان العلم قديم و لميتعلق بممكنٍ الّا وقت حدوثه و لا ايضا كما نسب الي افلاطون من انّ علمه تعالي ذوات قاۤئمة بانفسها و صور مفارقة عنه تعالي و عن المواۤدّ و لا الي الذي نُسِبَ الي فرفوريوس من اتّحاده
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 139 *»
تعالي بالمعقولات علي ما فهمه الجمهور من الاتّحادِ و لا الّذي تجشّمه و اقتحمه بعض المتأخرين و لميمكنهم تحصيله من العلم الاجمالي بل علي نحوٍ اشرنا اليه و قررناه علي وجهٍ محصّل مشروحٍ في كتبنا المبسوطة.}
اقول قال المصنف في كتابه الكبير المسمي بالاسفار فصل في تفصيل مذاهب الناس في علمه تعالي بالاشياۤء احدها مذهب توابع المشّاۤئين منهم الشيخان ابونصر و ابوعلي و بهمنيار و ابوالعباس اللوكري و كثير من المتأخرين و هو القول بارتسام صور الممكنات في ذاته تعالي و حصولها فيه حصولا ذهنيّا علي الوجه الكلّي الثاني القول بكون وجود صور الاشياۤء في الخارج سواۤء كانت مجردات او مادّيات مركّبات او بساۤئط مناطاً لعالميّته تعالي بها و هو مذهب شيخ اتباع الرّواقيّة شهابالدين المقتول قدّس سرّه و من يحذو حذوه كالمحقّق الطوسي و ابنكمّونة و العلّامة الشّيرازي و محمد الشّهرستاني صاحب كتاب الشجرة الالٰهيّة الثالث القول باتّحاده تعالي مع الصور المعقولة له و هو المنسوب الي فرفوريوس مقدّم المشّاۤئين اعظم تلامذة المعلِّم الاوّل الرابع ما ذهب اليه افلاطون الالهي من اثبات الصور المفارقة و المُثُل العقليّة و انّها علوم الهيّة بها يعلم اللّه الموجودات كلّها الخامس مذهب القاۤئليْن بثبوت المعدومات الممكنة قبل وجودها و هم المعتزلة فعلم البارئ عندهم بثبوت هذه الممكنات في الازل و يقربُ من هذا ما ذهب اليه الصوفيّة لانّهم قاۤئلون بثبوت الاشياۤء قبل وجودها ثبوتا علميّاً لا عينيّاً كما قالته المعتزلة السّادس مذهب القاۤئلين بانّ ذاته علم اجماليٌّ بجميع الممكنات فاذا علم ذاته علم بعلمٍ واحدٍ كل الاشياۤء و هو قول اكثر المتأخرين قالوا للواجب تعالي علمان بالاشياۤء علم اجمالي مقدّم عليها و علم تفصيلي مقارن لها السابع القول بان ذاته تعالي علم تفصيلي بالمعلول الاوّل و اجماليّ بما
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 140 *»
سواه و ذات المعلول الاول علم تفصيلي بالمعلول الثاني و اجمالي بما سواه و هكذا الي اواخر الموجودات فهذا تفصيل المذاهب المشهورة بين الناس و ربّما قيل في وجه الضبط اَنّ مَن اثبت علمه بالموجودات فهو امّا ان يقول انه منفصل عن ذاته اولا و القاۤئل بانفصاله اما ان يكون بثبوت المعدومات سواۤء نسبها الي الخارج كالمعتزلة او الي الذهنِ كبعض مشاۤئخ الصّوفية مثل الشيخ العارف المحقق محييالدين العربي و الشيخ الكامل صدرالدين القونوي كما يستفاد من كتبهما المشهورة ام لا و علي الثاني امّا ان يقول بانّ علمه تعالي بالاشياۤءِ صور خارجيّة قاۤئمة بذواتها منفصلة عنه تعالي و عن الاشياۤء و هي المثُلُ الافلاطونية و الصور المفارقةُ او يقول بان علمه بالاشياۤءِ الخارجيّة نفس تلك الاشياۤءِ فهي علومٌ باعتبارٍ و معلوماتٌ باعتبارٍ آخر لانها من حيثُ حُضورها جميعاً عند البارئ و وجودها له و ارتباطها اليه علوم و من حيث وجوداتها في انفسِهَا و لمادّتها المتجدّدة المتعاقبة الغاۤئبة بعضُها عن بعضٍ بحسب الزمان و المكان معلوماتٌ قالوا فلا تغيّر في علمه تعالي بل في معلوماته و هذا ما اختاره شيخ الاشراق و متابعوه و القاۤئل بعدم انفصاله امّا ان يقول غير ذاته و هو مذهب الشيخين الفارابي و ابيعلي او يقول انه عين ذاته فحينئذ اما ان يقول انّ ذاته تتّحد بالصورة العلية كفرفوريوس و اتباعه من المشّاۤئين او يقول ان ذاته بذاته علم اجمالي بجميع ما عداه او بما سوي المعلول الاول علي الوجه الذي اشرنا اليه فهذه ثمانية احتمالات ذهَبَ الي كلٍّ منها ذاهبٌ انتهي كلامه
اقول ثم انه اخذ في الكلام علي كل واحد منها علي جهة البسط و نحن نقتصر في الكلام عليها علي ادني ما يحصل للفاهم الموفّق بما كتب من القول الحق في العلم فنقول قد ذكرنا مراراً انّا لانتكلّم الّا في علمه الحادث المخلوق اعني ما خلقه و سمّاه علماً له بنحو ما قالوا فيه ائمة الهدي عليهم السلام و امّا علمه الذي هو ذاته فلايجوز الكلام فيه لانه هو ذاته تعالي و انّما نتكلّم فيه بنحو التنزيه كما نتكلم في ذاتِ اللّهِ اذ لا فرق الّا في الاسم بمعني ان علمه و ذاته لفظان مترادفان لا بمعني اختلافهما في المفهوم و انّما اتحدا في المصداق لان ما
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 141 *»
اختلفا في المفهوم يمتنع نفي التعدّد عنهما في المفهوم و ما امتنع نفي التعدد عنه فهو متعدد و كل متعدّد فهو مركب و ان كان في ظرف التحليل اعني الذهن و التعقّل لصدق التركيب و الكثرة عليه في حالٍ و ان كان في حالٍ هو متّحد فرضاً فقد اختلفت حالاه و ما اختلف حالاه فهو مركب حادث و قد تقدّم انّ مرادنا بكون الصفات عين الذات انّها الفاظٌ مترادفةٌ و انّ ما اريد منه تغاير المفاه۪يم هي الصفات الفعليّة التي هي مغايرة للذات و متغايرة في المفهومات لانها اشياۤء حٰادثة وصف بها نفسه لتعرفوه بصفات افعاله كما تعرف زيداً بانه ضارب و المصنّف بسط الكلام علي هذه المذاهب جرحاً و تعديلاً فالكلام علي كلامه عليها احقّ بالكلام عليها لما في كلامه من ايهام الصواب لاشتهاره بين مَن كان بعده حتّي ظنّ كثير منهم ان ليس وراۤء عبادان قرية و لكن لاجل طوله عدلنا عنه الي الكلام عليها علي جهة الاختصار و الاقتصار الّا انّه يلزم منه ما ينبغي بيانه انشاۤء الله تعالي
فنقول امّا المذهب الاول اعني مذهب الشيخين ابينصر الفارابي و ابيعلي بن سيناۤء و من ذكر معهم سابقا و هو القول بارتسام صور الاشياۤء في ذاته تعالي فاصل مأخذه قياس صفات الخالق عز و جل علي صفات المخلوق لشبهة انها اية صفات الحق تعالي و هو غلط لانها انما هي اية لصفات افعاله لا لصفات ذاته و لا اشكال في بطلان هذا المذهب لانّه تشبيه بالمخلوق و للزوم كون ذاته تعالي محلّاً لتلك الصور المتغايرة المتباينة التي لاتعقل الّا حادثةً و هؤلاۤء جعلوا علمه تعالي فعلِيّاً لتقريرهم ان العلم ينقسم الي فعلي و انفعالي و قالوا الفعلي ما يكون سبباً لوجود المعلوم في الخارج و الانفعالي ما يكون مُسَبَّباً عن المعلوم في الخارج فعلمُ صانع البيت بالبيت الذي يريد بناۤءه من قبيل الفعلي لكنّه لَيْسَ سبَباً تامّاً لوجودِ البيتِ لانّ ماۤدّته من الحجارة و الطين ليس فاعِلاً لهما و كذلك ساۤئر ما يتكوّن منه و يتوقّف عليه بخلاف علم اللّهِ بالاشياۤء فان كل شيء منها و لها صادر عن علمه تعالي لانه تام الايجاد و الفاعلية كما انه تام الوجود و التحصّل انما امره اذا اراد شيئا ان يقول له كن فيكون فقوله و كلامه الذي هو تابع
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 142 *»
لارادته الذاتية هو تعقله للاشياۤء فكينونية الاشياۤء في الخارج تابعةٌ لمعقولها الذي هو عبارة عن قوله و تلك الصُّور العقليّة هي كلماتُ اللّهِ الّتي لاتنفد و امثال هذا من مقايساتهم بمداركهم الحادثة التي لاتعقل الّا ما هو من نوعها و اعلم انّ الناس قد اختلفوا في العلم فمنهم قال هو غير المعلوم مطلقا اي في الغيب و الشهادة و استدلّوا علي المغايرة بان العلم قد يكون موجوداً في الذهن و المعلوم في السوق فان علمك بزيد هو ما في خيالك من صورته و هو في السوق او في الصحراۤء و منهم من قال عين المعلومِ مطلقاً في الغيبِ و الشهادة امّا انّه عينه في الغيب فلان صورة زيْدٍ التي في خيالك هي صورة هيئته حين حضوره و اذا غابَ عنك و مضي الي السوق لمتكن عالماً به هل هو حيّ ام ميت متحرك ام ساكن و انّما تعلم صورة هيئة الحُضور التي هي هو فهي بعينها هيئة حضوره و لا شكّ انّها معلومةٌ لك فبايّ شيءٍ عَلِمْتَها بنفسِها اَمْ بصورة غيرها فاِنْ علمتَها بنفسِها ثبت اَن العلم عينُ المَعْلُوم و ان عَلِمْتَها بغيرِهَا لَزِم الدَّوْرَ او التَّسَلْسُل و امّا انه عينهُ في الشَّهادة فَلِانَّ زَيْداً اِذَا حضر عندك تكون عالماً به فما علمُكَ به حين حضوره لا جاۤئز اَنْ يكونَ علمُكَ صورتَهُ الخياليّة لانه اذا حضر عندك لمتكن عندك صورة غير حضوره بما هو عليه من صورة او لون او وضعٍ اذ لو فرض وجود صورته في الخيال انطبقت علي الحضوريّة حتّي لو كنتَ تَتَخَيَّلهُ علي هيئةٍ و حضر بهيئةٍ مخالفةٍ لما في خيالك انمحت ما في خيالك و تكيّفت بالهيئة الحضوريّة فلاتنحفظ الّا الهيئة الحضوريّة و لهذا نقول انّما ينتزِع الخيال صورة الشيء عند غيبته فليس عندك علم به غير حضوره بما هو عليه من الحُضور عندك و هذا الحضور ليس شيئا مغايراً لما هو حاضر به فلو كان المعلوم بالحضور نفسَ هيئةِ جلوسِه او لونَ بَشَرتِه او نوعَ ملبوسِه او حالٍ من احواله او تحقّقِه۪ و وجوده۪ كان علمك به ما كان معلوماً لك مما حضر به زيد عندك من ذاته او ساۤئر احواله فعلمُك بهيئةِ جلوسه حضور تلك الهيئة الخاص الجزئي الذي هو نفس هيئة جلوسه لا الحضور العام الكلي فانّ العلم بالخضرة التي في الثوب حضور
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 143 *»
الخضرة الذي هو نفس تلك الخضرة لا الحضور العام الذي هو ضدّ الغيبة الصالح للسواد و البياض و الصفرة فانه لو كان هذا العام هو العلم لَماجهل احدٌ شيئا و لماعلِم احدٌ شيئا لانه ليس مطابقاً بالمطابقة التي هي بالمميّزات اذ ما يطابق الخضرة من حيث خضريّتها غير ما يطابق البياض من حيث بَياضيّته اذ حُضور الخضرة حينئذ بخضريّتها و حضور البياض ببياضيّته اذ كلّ منهما انّما هو هو بما هو به متميّز و ذلك حقيقته بنفسِه۪ بخلاف ما لو اريد الحضور العاۤمّ فانّه شيء واحد في الحاضرين و منهم من قال العلم عين المعلوم في الغيب اي اذا كان المعلوم هو الصورة لئلّايلزم الدور او التسلسل و غير المعلوم اذا كان غير الصورة لانها حينئذ تابعة للمعلوم فيكون العلم بعضه عين المعلوم و بعضه غيره و هذا المذهب في جعل بعض العلم غير المعلوم كالاوّل في البطلان لانّ العلم لايكون في حال غير مطابقٍ للمعلوم و لا شكّ انّ الصورة الخياليّة لاتطابق الا حالة الانتزاع لانك اذا تصورت حالاً من احوال زيدٍ كنتَ عالماً به و هو حال حضوره فاذا غاب عنك لاتعلم الّا الحال التي رأيته عليها لانّها هي حالة انتزاع الخيال لها منه فاذا رأيته قاعداً ثم غبتَ عنه لمتعلم الّا حال قعوده و لاتعلم هل قام امْ نام امْ مات اَمْ سار فلايكون ما عندك علماً به و الّا لكان مطابقا فاذا تحرّك تحركت الصورة التي في خيالك او قام قامت او نام نامَتْ و هذا ظاهر و امّا الصورة العلميّة فلا شكّ انها معلومة بها و قد ثبت فيها ان العلم عين المعلوم و غيرها مثلها الّا انه قد خفي ذلك علي كثيرٍ من جهة عدم ادراك الحضور الخاۤصّ الذي هو ذات الحاضر و من توهّم حصول صورةٍ خياليّة حال الْحُضُور و من عدم تعقّل العلم الاشراقي فان كون حضور زيد عندك علماً لك به قد خَفِيَ علي كثيرٍ لعدم فهمهم للعلم الاشراقي النسبي الّذي يوجد بوجود المعلوم لانّه نفسه و ينتفي بانتفاۤئه لانه نفس كونه و عدم معرفته بانه وجوده للعالم في رتبة مكانه و وقته و لايلزم مِنْ قولِنا انّه يوجد بوجوده و ينتفي بانتفاۤئه انّه يكون في حالٍ غيرَ عالمٍ بها لما قرّرنا بانّه تعالي لميفقد شيئاً من ملكه في ملكه و هكذا شأنه جلّ شأنه لم
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 144 *»
يجد شيئا من خلقه في ذاته و لميفقد شيئا من خلقه في مُلْكِه و الحاصل ان الحَقّ في المسئلة ان العلم عين المعلوم في الحادث و القديم فمن لميفهم ينبغي له اَلّاينكر ما لايدرك فكم خبايَا في زوايا و حيث كان القديم لايدرك الحادث منه شيئا وجب علي الحادث ان يقتصر في معرفة القديم علي ما تعرّفَ له به و وصف به نفسه و اما الحادث فقد كانت له مراتب متفاوتة متكثرة مثل زيد مثلا فان له ذكرا في عالم الامكان و له في عالم الاكوان مقامات يذكر في كل مقام بنسبة رتبته فيه فله حصة نورانية في عالم الامر المفعولي و معني في العالم العقلي و رقيقة في العالم الروحاني و صورة جوهريّة في العالم النفسي و طبيعة في العَالم الطبيعي و ذَرّة في العالم الهيولاني و صورة في العالم المثالي و جسمٌ في العالم الجسماني مختلف المراتب و لاجل ذلك قال تعالي و ان من شيء الّا عندنا خزاۤئنه و قال فمن ثقلت موازينه فاخبر بكثرة الخزاۤئن و الموازين للشيء الواحد و كلُّ واحدٍ من هذه المراتب فهي علم اللّهِ سبحانه بها من زيدٍ و في كل رتبة منها و امثالها يكون العلم عين المعلوم و قد اشار تعالي لاهل الاشارة الي ذلك بقوله تعالي قال فما بال القرون الاولي قال علمها عند ربّي في كتابٍ لايضلّ ربّي و لاينسي و بقوله قد علمنا ما تنقص الارض منهم و عندنا كتاب حفيظ فعلمه بذاته هو ذاته لفظا و معني و علمه بما سواه هو ما سواه فذواتهم علمه تعالي بذواتهم و صفاتهم علمه تعالي بصفاتهم و كما لايوجد ما سواه في ذاته لايوجد علمه تعالي بهم في ذاته و اذا نفيتَ عنه تعالي الزمان و نسبته و مدده و نفيتَ الاستقبال ظهر لك انه لميكن خلواً من ملكه في ملكه و كانت ذاته خلواً من ملكه في ذاته و ليس خلواً منه في خارج ذاته اعني الامكان كل شيء في مكانه و وَقْتِه۪ من الامكان فكان في ازله عالماً بكل شيء منها حين كان بما به كان قبل ان يكون عند نفسه و عند من سواه من الحوادِثِ و تفهم هذا اذا رفعتَ الانْتظار و الاستقبال عن مقام اَزلِ الٰازال سبحانه و تعالي ظهَر لَكَ ما اَشرْنا اليه من العلم المستفاد بيانه كما سمعتَ من مذهب ائمتنا عليهم السلام
و امّا هؤلاۤء القاۤئلون بانه صُوَر الاشياۤء المرتسمة بذات الحق تعالي فقد اخطأوا
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 145 *»
الصّواب و طلبوا الرِّيَّ من السراب انّ الصور حوادث و لايكون الذات محلّا للحوادث مع ما ذكرنا مكرّرا انّ كل ما يكونُ ذكرا للحادث فهو حادث سواۤء كان صورةً ام غيرها و لذا منعنا ان يكون تعالي ذاكراً لها في الازل لانّ كل ما له بها نسبة او ربط او تعلّق او مطابقة او شيء من انواع الذكر وَ التعلّق فهو حادث و انّما هو سبحانه ذاكر في الازل لها في الحدث بما هي مذكورة به في تحقُّقٍ ما فالصور لاتكون الَّا حادِثة سواۤء كانت بهندسةٍ و حدودٍ حسّيّة ام معنويّة و لاتكون الّا متغايرةً و مغايرة للذات و ثبوت التغايُر في التحقق و الخارج او في الذهن و التعقل او في الفرض و الاعتبار دليل الحدوث و صدورها عن علمه لايستلزم كون ما صَدرتْ عنه قديما بل يكون حادثاً يصْدر عنه الحادث فانّك تحدث في نفسِكَ عزماً تحدِثُ به امراً و كذا كونه تعالي تام الايجاد و الفاعليّة لايستلزم ذلك و كون قوله و كلامه هو تعقّلهُ للاشياۤء موجب للتشبيه و الحدوث لانه سبحانه لايهمّ و لايروّي و لايفكّر و لايتصوّر و لايتعقّل لان هذه صفات المخلوقين و قول ان تعقّله تابع لارادته الذاتية باطل لان التّابع في صفةٍ حادثة لشيء شاهد بحدوثه و حدوث متبوعه و لا ارادة ذاتِيّة للحق سبحانه لان الخلق لميصلوا الي الازل حتي يخبروا بما شاهدوا من وجود ارٰادة ازليّةٍ له و لا اخبرهم بذلك و ليس له نظير و ندٌّ ليخبروا عنه بما في نظيره و ندّه و انّما يعرف من جهة ما يصف به نفسه و هو تعالي خاطب العباد علي لسان نبيّه و السنة اوصياۤئه و خلفاۤئه صلّي اللّه عليه و عليهم اجمعين و ائتمنهم علي سرّه و امرهم ان يؤدّوا الي عباده جميع ما اراد لهم من الهداية و اخبروا عليهم السلام بانه عزّ و جل ليس له ارادةٌ هي ذاتُه و ليست الارادة علماً له و انّما هي فعله لا غير فمن زعم انّ للّهِ ارادة ذاتيّة هي ذاته و علمه تعالي فقد تقوّل علي اللّه سبحانه و وصفه بما منع من اَنْ يُوصَفَ به و قد تقدّم ما رواه الصدوق في توحيده عن الرضا عليه السلام انه قال المشية و الارادة من صفات الافعال فمن زعم انّ اللّه لميزل مريداً شاۤئِياً فليس بموحِّدٍ ه ، و القاۤئلون بارتسام الصور ان قالوا باتّحاد العلم بالمعلوم لزمهم كون ذاته تعالي محلاً لذواتِ الاشياۤء و هو افضع ( افظع ظ ) من القول بالمغايرة و
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 146 *»
ان كان ايضاً باطلاً
و امّا المذهب الثاني و هو القول بوجود صور الاشياۤء في الخارج كما تقدّم فان ارادوا بها المُثُل الافلاطونية بمعني ان الصور الخارجيّة قاۤئمة بذواتها منفصلة عنه و عن الاشياۤء اي المعلومات فهو باطل بارادة العلم القديم لان القديم لايكون خارجا عن الذات و لا صورا متغايرةً و لو ارادوا العلم الحادث كان صحيحاً ليس فيه الّا مغايرة العلم للمعلوم
و امّا المذهب الثالث و هو القول باتّحاده تعالي مع الصور المعقولة له و هو المنسوب الي فرفوريوس و اتباعه و ظاهر كلام المصنف اختياره حيث قال في الكتاب الكبير و امّا المنسوب الي فرفوريوس فقد بالغ الشيخ الرئيس و من تأخّر عنه الي يومنا هذا في الردّ عليه و تزييفه و تسفيه عقل قاۤئله كما يظهر لمن تصفّح كتب الشيخ كالشفاۤء و النجات و الاشارات و كتب الشيخ الاشراقي كالمطارحات و حكمةالاشراق و التلويحات و كذلك كتب غيرهما ككتاب بهمنيار المسمّي بالتحصيل و كتب المحقّق الطوسي و الامام الرازي و غير هؤلاۤء من اللّاحقين و قد تكلّمنا في هذا المقام في مباحث العاقل و المعقول من الفن الكلّي بما لا مزيد عليه و مَن اراد الاطّلاع علي كيفيّة هذا المذهب و حقيّته و دقّتِه و لطافته فليراجع الي ما هناك حتي يظهر له علوّ مرتبة قاۤئله في الحكمة و رسوخه في العلم و صفاۤء ضميره بشرط ان يكون ممن له قوّة خوضٍ في العلم و شدّة غورٍ في التّفكر و ذلك فضل الله يؤتيه مَن يشاۤء انتهي كلامه و ذلك لموافقتِه له في اتحاد العاقل و المعقول و قد بيّنّا بطلان القوْل باتّحاد العاقل و المعقول في شرحالمشاعر و انه يلزمه اتّحاد العالم بالمعلوم كما هو مراده بهذه العبارة فيكون غير الصور المجردة من ساۤئر المعلومات المادّية الزمانيّة اَمّا انّها غير معلومة او انّها في ذاته متّحِداً بهَا و ما ذكره المصنف من رد المشائخ علي فرفوريوس و تسف۪يه رأيه فهو في محلّه و لكن كما قال الشاعر : و عينُ الرضي عن كلِ عيبٍ كليلةٌ ، و كيف لايكون ما قالوا في الرّد عليه صحيحاً و هو يثبت صُوَراً و لاتكون الّا متمايزة متغائرة باي فَرْضٍ اعْتُبِر و يجب ان تتميّز من
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 147 *»
الذَّاتِ و لو عنده تعالي بان يعلم انّ في ذاته صُوراً غير ذاتِه۪ هي صور غيره فان علم ذلك وجب التَّغاير و التَكثّر و اعتبار الاتّحاد بحيثيّةٍ او ملاحظةٍ ما ينافي الوحدةَ الذّاتيّة و البَساطةَ الحقّيّةَ و ان لميعلم ان في ذاته و حقيقته شيئاً مغائراً كان الحكم بوجود صورٍ و باتّحادِها ضلالاً مبيناً علي ان قوله مع المصنّف و اتباعهما بانا نريد بالاتّحاد غير ما يفهمونه عامة الناس غلط و مغالطة لانّهم يدّعون علي النّاس انّهم مايفهمون من الاتّحاد الا الامتزاج و هو غير مرادٍ بل مرادهم شيء آخر مايعرفونه الّا الخواۤصّ و هذا من تعظيم الحقير بابهامه و الّا فانهم يريدون به كاتّحاد الشجرة مع اغصانها فان الاغصان و ان تمايزت و تشخّصت في انفسها لكنها غير متمايزة لا في انفسها و لا في الشجرة اذا قلتَ الشجرة و اردتَ بها الكلّ من حيث هي شيء واحدٌ اذ ليس شيء غير الشجرة و هذا الاتّحاد اسوء حالاً من الاتّحاد بالامتزاج لان المغايرة اضمحلّت بالامتزاج و هي باقية بذلك الاتّحاد المدّعي فبالامتزاج اقرب للبساطة مما بالفرض و الاعتبار فان قلتَ ان في ما هو بالامتزاج مفاسد منها ان ما هو غير الذات يلزم منه انقلاب الحقاۤئق ان كانت الصور حادثة الي قدم الكل او حدوث الكلّ و افتقار الغَنِي الي الاَجْزاۤءِ اِنْ كانت قديمة و منها اختلاف الحالات و منها الامْتزاج فانّه من صفات الخلق بخلاف ما هو بالاعتبار قلتُ هذا صحيح فيما بالامتزاج و من ثم انكرنا الكلّ الامتزاج و الاعتبار امّا الامتزاج فلمثل ما قلتَ و امّا ما بالاعتبار فاوّل ما فيه انه لايغيّر الشيء عن حكم ما هو عليه في نفس الامر فانّك اذا اعتبرتَ ان شيئا موجوداً معدوم اوْ بالعكس او ان الفقير غني او بالعكس او ان القديم حادث او بالعكس لميكن ما اعتبرتَ مما هو خلاف ما هو عليه و ثانيا انك بعد ان عرفتَ ان الاعتبار لايغيّر ما هو الواقع كنتَ في كلّ احوالك منكراً للتوحيد و لانعني بالشرك الذي لايغفره اللّه الّا هذا و نحوه و ليس هذا الشِّرك اللّازم من هذا ممّا يخفي حتي يحتمل التسامح فيه فيكون ما يلزم من الاعتبار اقبح مما يلزم من الامتزاج و ان كانا من نوع واحد الّا ما من الامتزاج قد يخفي في بعض الصور علي بعض الناس فربّما لاينافي مطلق العفو
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 148 *»
و امّا المذهب الرابع و هو ما ذهب اليه افلاطون علي ما نقل عنه من كون علمه صُوراً منفصلةً عن ذاته و عن الاشياۤء و هي المثل بضم الميم و الثاۤء اي مثل الاشياۤء فهي قديمة بها علم الاشياۤء الحادثة فلايكون جاهلاً لقدمها و منفصلة عنه فلايكون مركبا منها و عن الاشياۤء فلايتصل القديم و الحادث و نقل كثير من العلماۤء ان افلاطون اجل قدراً من ان يريد هذا المعني المعروف و انّما يريد بالقدم القدم الامكاني و كأنه اشار الي علمه الامكاني الذي لايحيطون بشيءٍ منه الّا بما شاۤء كونه من الممكنات و انه جعلها في العنصر الاوّل انّها في الكتاب الاوّل الذي هو خزانة الاكوان او الامكان و هي منفصلةٌ عن ذاته لانها من جملة مخلوقاته و منفصلة عن خلقه لانّه خلقها و جعلها علّة لمن هو دونها و علي هذا التوجيه يكون الكلام صحيحاً و اِنْ اُريد به العلم الازلي الذي يحكم اهل التوحيد بانه عينُ ذاتِ الله سبحانَهُ فهو باطل لانّ الحكم عليه بالانفصال عن الذّاتِ مع قدمه موجب لتعدّد القُدَماۤءِ و بالانفصال عن الاشياۤء تثليثٌ للقِسْمةِ بان يكون شيء ثالث لا خالق و لا مخلوق و ليس علي حدّ الركن من الجملة الواحدة كما قال الصادق عليه السلام لحمران بن اعين في العلم من كماله كيدك منك ه ، لان اليد غير منفصلةٍ و قوله فيما نقل من مذهب افلاطون و المثل العقليّة لايريد العقل الامكاني علي ارادة العلم الازلي و انّما يريد به تعقّل الحقّ سبحانه للاشياۤء الذي هو عبارة عن قوله كن فان هذه الكلمة التاۤمّة هي وقوع ارادته علي المراد و الارادة هي ذاته تعالي هذا قول المصنف و هو خطأ بل الحق اَلّايقال تعقّله تعالي اذ لايصحّ الاخبار بالتعقّل عنه و اذا قيل فالارادة الحق منه ان معني التعقّل ايجاد معقوليّة الشيء المعقول و هو عبارة عن قوله و كلمته التاۤمّة التي هي نفس ارادته و هي المعبر عنها بكن و قوله و انها علوم الهية بها يعلم الله الموجودات كلّها صالح بظاهره للمصنف و لَنَا مع اختلاف الارادتين
و امّا المذهب الخامس مذهب المعتزلة فهو قولهم بثبوت الاشياۤء المعدومة في الامكان لانهم يفرقون بين الوجود و بين الثبوت و عندهم ان ثبوتها في الامكان ازلي و كذا قالت الصوفية بثبوت الاشياۤء قبل وجودها ثبوتا
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 149 *»
علميّاً لا عَيْنِيّاً و الحقّ ان القول في الثبوت و الوجوب و القدم و عدمه في هذه الاشياۤء المشار اليها هو ان الثبوت الذي يريدون به مغايرة الوجود معني اصطلاحي و الانسب فيه ان يقال كان الله سبحانه و لا شيء و انما هو وحده ثم خلق المشيّة بنفسها يعني بها الفعل اي خلق الفعل بنفسه ثم خلق الامكان و ما فيه من الممكنات علَي وجهٍ كلّيّ و هي الاشياۤء الثابتة اي الموجودة بالوجود الامكاني ثم اوجدَها بالوجود الكوني و هي صور علمية بالاشياۤء امكانية في وجودها الامكاني و صور علمية اي ذوات و صفات علمية بالاشياۤء كونية في وجودها الكوني ففي الرتبة الامكانية خلقها عز و جل كذلك و هي الخزاۤئن التي لاتنفد ثم خلقها في الرتبة الكونية و هي الخزاۤئن المحتاجة في حصولها و في بقاۤئها الي المدد من الخزاۤئن الامكانية فالمعدومة في الامكان موجودة بالوجود الامكاني الذي يقع علماً و معلوماً بخلاف المعدومة بالعدم الامتناعي فانها ليست شيئا و لايقع علماً و لا معلوماً و ليس لها لفظ و انّما اللفظ المستعمل فيما يتوهم انّه منها و هو ممكن اذ لايكون لفظ الّا بازاۤءٍ ممكن موجود امّا في الامكان و اما في الاكوان فلايكون بازاۤء القديم تعالي و الّا لزم الاقتران و الازاۤء اللذان هما من صفات الحوادث و لايكون بازاۤء الممتنع علي ما يريدون لانه ليس بشيء و انّما يعبّر به عمّا يتوهمونه و ان كان انّما يذهبون الي الممكن لانهم يتصوّرونه و الممتنع لايمكن تصوّرهُ و انما يتصوّرون ممكِناً يُسَمُّونه ممتنِعاً و لو اطلقنا علي هذه الممكنات الثابتة في الامكان الذي هو من جملة ما خلق سبحانه القدَم فنريد به القدم الامكاني او اللغوي و هو السابق او الشرعي و هو ما كان له ستة اشهر فصاعداً و امّا القدم الذي هو المعني الاصطلاحي فهو ذاتُ الله سبحانه بلا مغايرة في حالٍ و من اعتبر المغايرة سواۤء كانت في نفس الامر ام في الخارج ام في الذهن ام بالفرض و الاعتبار و ان كان بالمفهوم فانّه ماعرف القدم المعلوم و كذا الازل عز و جلّ فبهذا المعني و هذا التأويل يكون قولهم صحيحا و حقّا و الّا فهو باطلٌ عاطلٌ و قول الصوفيّة بثبوت الاَشْياۤء قبل وجودِهَا ثبوتاً عِلْميّاً لَا عيْنِيّاً عَلَي ظاهِره صحيح في الثبوت قبل التكوين الّا انّه
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 150 *»
علي نحو الامكان امّا عَلي نحو القدم فليس بصَحيحٍ و امّا كونها علوماً لا اعيانا فيصحّ علي الظاهر و امّا في نفس الامرِ فهي علوم و هي اعيان و هي صفات و هي علل و هي معلولات و هي ادلّة و هي مدلولات و كذلك ساۤئر الخلق كلّ شيء في هذه الاعتبارات بحسب رتبته من الوجود الكوني
و امّا المذهب السادس فهو القول بان ذاته تعالي علم اجمالي بجميع الممكنات فاذا عَلِمَ ذاته عَلِمَ كلّ شيء بعلمٍ واحد و هذا العلم الاجمالي سابق علي الاشياۤء لانه ذاته و ذاتُه سابقةٌ علي كلّ شيء و له تعالي علم تفصيلي بالاشياۤء مقارن لها في التّحقُّقِ و بعض اهل هذا القول جَعَلَ ذاتَهُ علماً اجماليّا بالاشياۤء كلّها و بعضهم جعل ذاته تعالي علماً تفص۪يليّاً بالمعلول الاول و اجماليّا بما سواه و هذا المذهب بجميع شقوقه متهافتٌ منافٍ لقواعد التوحيد و ضوابط القدم فان من جعل ذاته علماً اجماليّا بالاشياۤء او بالمعلول الاوّل او بما سواه يلزمه ان تكون ذاته غير عالمةٍ بالتّفصيليّة و التجاۤؤهم الي الاجمال فراراً مِن تغيّر العلم اذا تعلق بالجزئيّة الزمانية و التفصيليّة ثم تغيّرت بعد التّعلّق بخلاف ما اذا كان التعلّق علي وجه كلّي و وقعوا في ما يلزمهم من تبْعيض العلم و جعله عضين فان من جعل الذات اجماليّا في كل الاشياۤء اخرج منه جهة التفصيل و مَن جعله اجماليا بالمعلول الاول اخلي من العلم تفصيله و اجمال ما سواه و من جعله اجماليا بما سوي المعلول الاول اخرج تفصيله و اجمال الباقي فلايكون علمه عاۤمّاً لكلّ شيء مع تكثّر ذاته بتكثّرِ متعلّقاتها و اختلافها و قوله فاذا علم ذاته علم كل شيء يشير به الي ان الاشياۤء لوازم ذاته و يلزم من العلم بالملزوم العلم باللازم و فيه مع انّ اللازميّة و الملزوميّة و اللزوم صفات الخلق تكثر جهاته و اختلاف اعتباريّاته فانّ العلمَ باللّازم لازم للعلم بالمَلْزُوم لا نفسه و الاجمالي المقدّم عليها مقدّم علي التفصيلي المقارن لها و مغاير له
و امّا المذهب السابع و هو القول بان ذاته تعالي علم تفصيلي بالمعلول الاول و اجمالي بما سواه و ذات المعلول الاول علم تفْصيلي بالمَعْلول الثاني و اجمالي بما سواه و ذاتُ المعلول الثاني علم تفصيليٌّ بالمَعْلُول الثّالث و اجمالي
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 151 *»
بما سواه مما بعده و هكذا و يلزم هذا القول ما يلزم ما قبله و كون معلولاته علماً ذاتيّاً لَهُ قَد۪يماً مع حدوثِه۪ اذ المعلولات حادثة و كلام صاحب هذا المذهب في علمه الذي هو ذاته فمعلولاته و معلولات معلولاته علي اختلافها و اختلاف اطوارها في الاجمال و التفصيل و التقدم و التأخر و العلّة و المعلوليّة هي علمه الذي هو عين ذاته فانا
ايّ شيء اقول يا ابنَ وُدّي ** * ** ما لهذا القول شرحُ (كذا)
عافانا اللّه من هذه الامراض المزمنة و الحاصل انّ المذاهب ما سمعتَ ذكرها بالاشارة فالاوّل ما اشتهر عن معلّم الفلاسفة بانه صور الممكنات كما تقدّم و حصولها في ذاته حصولاً ذهنيّا جارياً علي اصلهم في ثبوت الوجود الذهني بان الاشياۤء توجد في الذهن بذواتها و حقاۤئقها معرّاة عن العوارض الخارجيّة لا باشباحها و امثالها كما ذهب اليه بعض مشاۤئخ الصوفيّة كابنعربي و غيره و الثاني ما ذهب اليه الرواقيون و المحقق الطوسي و الشيخ المقتول و من حذا حذوهم كما تقدم بانه صور الاشياۤء في الخارج و كلٌّ علي اصله في الثبوت فمنهم من نفي الوجود الذهني و انّ ما يُرَي في الذهن هو ثابت بحقيقته في الخارج الّا انها معدومة كالمعتزلة و منهم من اثبت الوجود الذهني في الحادث و نفاه في القديم و اثبت هذه الصور في خارج الذات صوراً علميّةً هي عين ذوات الممكنات فمنهم من جعل ذلك علمه بها القديم و منهم من جعل ذلك علمه الحادث و هذا مذهب ائمة الهدي عليهم السلام و امّا ما توهّمته الاشاعرة كما ذكره المصنف في المتن من انَّ الْعِلْمَ قديمٌ و لميتعلّق بممكنٍ الّا وقتَ حُدُوثِه۪ فاعلم انّ ظاهر كلام المصنّف انّهم يزعمون انّ العلم الازلي مع تحقّقه في نفسه بما هو علم اذا وجد الممكن ارتبط به امّا انّه قديم فظاهر فان صفة القديم من حيث هو قديم لاتكون حادثة و الّا لكانت حيثية القدم حادثة فيكون امّا حدوث القديم او الحيثيّة ليست له و امّا انّ العلم لايتعلّق بالممكن الّا وقتَ حدوثه فهو خلافُ ما يعرف من مذهب الاشاعرة لان المعروف من مذهبهم انه
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 152 *»
سبحانه خاطب المعدومين و كلفهم و اَمرهُمْ و نهاهُمْ وَ مَعْلُوم من هٰذَا انّه علمهم حين كلّفهم فكيف لايتعلّق علمه بهم الّا وقت وجودهِمْ هذا خلاف المعروف من مذهبِهمْ و علي هذا لو صحّ عنهم فلا عيبَ فيه لانّ العلم القديم لاتصحّ نسبة التعلق اليه و لو صحّ فلا عيبَ فيه مثل بصرك فانه موجود و ان لميوجد مرئيّ فاذا وُجِد المرئيّ تعلّق بَصرك به و كذلك سمعُك هو موجود قبل وجود كلامٍ فاذَا وُجِدَ كلام تعلّق به و كذلك العِلمُ و لو تعلّق بما لميوجد له كان جهلاً لا علماً فلو قيل بان علم اللّه القديم لايتعلّق بالممكن الّا بعد وجودِه۪ عنده لكان حقّا و هذا هو مذهب الحقّ و قد تقدّم حديثُ الصادق عليه السلام كان اللّه ربّنا عز و جل و العلم ذاته و لا معلوم و السمع ذاته و لا مسموع و البصر ذاته و لا مبصر و القدرة ذاته و لا مقدور فلمّا احدث الاشياۤء و كان المعلوم وقع العلم منه علي المعلوم و السمع علي المسموع و البصر علي المبصر و القدرة علي المقدور ه ، و هذا ظاهر لا اشكال الّا في شيء و هو نسبة الوقوع و التعلق و ما اشبههما الي القديم و هو ممتنع لان ذلك من صفات الممكنات فلا بدّ لَنا من التّأويل و هو انّ العلم القديم هو السّابق علي المعلوم و امّا الوقوع و التعلق و المطابقة و ما اشبهها فالمراد بها العلم الحادث المساوق للمعلوم و لمّا كان في حقيقته اثراً من فعلِ القديم نُسِبَ اليه فق۪يلَ وقع علي المعلوم اي تعلّق اثر فعله بالمعلوم كما مثّلنا من تقدّم وجود سمعك علي كلام زيد فلمّا تكلم وقع سمعك اي سماعك و ادراكُك لكلامه و هو اثر سمعك الذي هو انت في قولي انت السميع و ادْراكك للكلام سَمْعٌ حادثٌ بحدوث الكلام و هو معني فعليٌّ اشراقي فتعلّق علم الواجب تعالي بالممكن حين وجوده لان هذا التعلّق اشراقي فهو من الذاتي كالنور من المنير و كالصورة التي اذا وضعت المرءاة مقابلة للشخص انطبعت فيها و قد ذكرنا الصورة مراراً متعددة و قلنا بانّها من المقابل للمرءاة اشراق و ظلّ منفصل فالاشراق المنفصل القاۤئم بالصورة المتّصلة و هي التي في المقابل قيام صدور هو مادة الصورة التي في المرءاة و صورتها هيئة المرءاة و معني كونها منفصلة انها قاۤئمة بما في الشخص قيام صدورٍ و ليست هي صورة
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 153 *»
الشخص المرئيّة فيه لان هذه لاتتغيّر بتغيّر المرايا لقيامها بالشاخص قيام عروض و التي تقع في المرءاة تتغيّر بتغيّر المرايا فهي منفصلة منه كالكلام من المتكلّم و كالنور من المنير فهي اشراق فعلي من الصورة القاۤئمة بالشاخص تظهر بظهور المرءاة و تذهب بذهابها و هي اية العلم بالمعلومات الحادث بحدوثها اعني تعلّق الذاتي و اشراقه فكما ان شرط ظهور اشراق النور من المنير وجود الكثيف المقابل و شرط ظهور الصورة من الشخص وجود المرءاة كذلك شرط تحقّق هذا العلم الاشراقي الذي هو تعلّق العلم الذاتي بالممكنات حين وجودها وجود الممكن المعلوم اي حضوره للعالم الحق و البسيط البحت بما به هو و ما به هو هو ظهور الحقّ تعالي به له و هو كنه المعلوم و كنه المعلوم هو ظهور الحقّ بذلك المعلوم لذلك المعلوم مثلاً حقيقة زيدٍ هي ظهورُ الله سبحانه لزيدٍ به و ظهوره سبحانه لزيدٍ به اشراقٌ فعلي لا ذاتي لانه لو كان اشراقاً ذاتيّاً لكان زيدٌ قديماً و لكنه اشراقٌ فعْليّ يعني انه لمّا اراد ان يتعرّف الي زيدٍ ليعرفه وصف نفسه سبحانه لزيد و ذلك الوصف هو حقيقة زيد و نفسه التي من عرفها عرف ربّه و ذلك انه تعالي نقش زيداً علي هيئةِ معرفته نقشاً فهْوانيّاً يعني خاطبه به علي جهة المكافحة و لا شك ان احداث ذاته اشراق فعليّ و تلك الذات المحدثة هي المُتَجلَّي بها لها و هي النور الاشراقي و كان زيدٌ قبل هذا الاحداث غاۤئباً لميكن مذكوراً بالذكر الكوني ثم حضر بما هو به هو فنفس حضوره هو ما به هو و هو المتجلّي به و هو العلم به و هو اشراق فعلي صدر عن علمه تعالي الَّذ۪ي هو ذاته صدوراً اشراقيّاً فعلِيّاً لا ذاتيّا فافهم فقد ردّدتُ و كرّرت بما خرجْتُ به عن تهذيب العبارة و عن المقصود لتفهم المقصود و امّا ما تجشّمه و اقتحمه بعض المتأخرين من امر العلم الاجمالي في الذات او بالنسبة الي بعض المعلومات او كُلُّهَا فقد اشرنا قبل هذا الي بطلانه
و اعلم انّ هنا مذاهب عجيبة كثيرة منها انه تعالي لايعلم الامور المستقبلة و شبّهوه بكونه مدركاً قالوا كما انه لايدرك المستقبلات فكذلك لايعلم المستقبلات و هو قول لبعض العاۤمّة و نسبه الي هشام ابن الحكم و من اطلع علي
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 154 *»
كلمات هشام بن الحكم و احتجاجاته عرف بان هذه النسبة افتراۤء و كذبٌ
و منها انه لايعلم الامور الحاضرة و شبّهوه بكونه قادراً قالوا كما انه لايقدر علي الموجود فكذلك لايعلم الموجود و نسب ابنالراوندي هذا القول الي معمّر بن عبّاد احد شيوخ الاشاعرة و منها انه تعالي لايعلم نفسه خاۤصّة لعدم تناهيها فلايُحَاط بكنهها و يعلم ما عدا ذاته و نسب ابنالراوندي هذا القول الي معمّر بن عبّادٍ ايضاً فقال انه يقول انَّ العالم غير المعلوم و الشيء لايكون غير نفسِه۪
و منها انّه تعالي لميكن فيما لميزل عالماً بشيءٍ اصلاً و انّما احدث لنفسه علما عَلِمَ به الاشياۤء و نسب هذا القول بعض العاۤمة الي جهم بن صفوان
و منها انه تعالي لايعلم كل المعلوماتِ علي تفاصيلها و انما يعلم ذلك اجمالاً و هؤلاۤء يسمّونهم المسترسليّة لانهم يقولون يسترسل علمه علي المعلومات اجمالاً لا تفصيلاً و هو مذهب الجويني من متكلمي الاشعريّة
و منها قول مَن قال انه يعلم المعلومات المفصّلة ما لميفضِ القولُ به الي محال و زعموا ان القول بانه يعلم كل شيء يفضي الي المحال و هو ان يعلم و يعلم انه يعلم و هلمّ جرّاً الي ما لا نهاية له و كذلك المحال لازمٌ اذا قيل انه يعلم الفروع و فروع الفروع و لوازمها الي ما لا نهايةَ له قالوا و محال اجتماع كل هذه الغير المتناهية في الوجود و هذا مذهب ابيالبركات البغدادي صاحب المعتبر
و منها قول من زعم انه تعالي لايعلم الجزئيّات الشخصيّة و انّما يعلم الكليات التي لايجوز عليها التغيّر كالعلم بانّ كل انسانٍ حيوان و يعلم نفسه ايضا و هو مذهب ارسطو و ناصري قوله من الفلاسفة كابنسيناۤء و غيره
و منها قول من زعم ان الله تعالي لايعلم شيئا اصلاً لا كلّيّا و لا جزئيّا و انما وُجِدَ العالم عنه لخصوصيّة ذاته فقط من غير ان يعلمه كما ان المغْناطيس يجذب الحديد لقوة فيه من غير ان يعلم بالجذب و هذا قول قومٍ من قدماۤء الفلاسفة و غير ذلك من المذاهب الباطلة و يمكن الاستدلال لهذه الاقوال بادلّة بعض من تقدّم من المذاهب السابقة و لا فاۤئدة فيها .