رسالة فی اختلاف مراتب الموجودات فی قبول التکلیف
من مصنفات السید الاجل الامجد المرحوم الحاج
سید کاظم بن السید قاسم الحسینی اعلی الله مقامه
«* جواهر الحکم جلد 3 صفحه 487 *»
بسم الله الرحمن الرحيم
اعلم انك كلفت و قبلت و نوديت فاجبت فهل تدري ماذا قلت عند القبول و الاجابة هل قلت نعم او قلت بلي فان هذين القولين اي الاجابتين مختلفان حسب اختلاف الكينونات في الاقتضاءات و انحاء الاجابات و قد تكون اجابة نعم بلي لا من حيث كونها نعم و ذلك اذ اختلت الشروط و انهدم بنيان الاستقامة للقصور الكلي لا الجزئي فان الجزئي يستلزم اجابة نعم و عند تراكم الغيوم الحاجة لانبثاث نور شمس الظهور المتشعشع من افق المحبة و السرور علي اراضي القابليات و مرايا الاستعدادات و تلك الغيوم انما تأصلت و تحصلت و حجبت و تكونت من اشراق شمس العناية علي ارض الجرز فتصاعدت به الابخرة الرطوبات الفضلية الزايدة المستجنة في بعض تلك الاراضي و هي جهات الانيات و شؤون الماهيات الزائدة علي قدر الامساك الممتزجة بهواء الهوي و دعوي اني انا الله فاستعانت تلك الجهات الزائدة العارضية باشراق شمس العناية الالهية للتراكم و التثاقل الي ان صارت سحابا عقيما المثار من الريح العقيم فحجبت الشمس بها عن الاضاءة الكاملة و الانارة الحقيقية للسائلين الواقفين ببابها لا بل حجبت الاراضي المستعدة عن الاستمداد منها و الاستضاءة عنها و الاستقرار دونها و اخراج النبات الحسنة و الازهار الطيبة و الاثمار الجنية بنظرها الا مما ظهر من تحت تلك الغيوم و هو نور مشوب بالظلمة فلميحصل النضج الكامل الا بارتفاع ذلك الغيم ففي مثل هذه الاحوال تكون اجابة نعم بلي لكنه لا من حيث كونه نعم لكن لما كانت الشمس من حيث الجرم اكبر و اوسع من الارض كلها فضلا عما تتكون منها الابخرة و تنعقد منها السحاب لميكن هذا الحجب كليا و المنع مطردا واقعيا بل تحصل لكثير من الاراضي المقابلة بها و الاستنارة عنها و النظر اليها فان لمتمنعها اليبوسة الكلية التي هي طبع الموت و عدم القبول و الانفعال الا بعسر شديد و فقدان الرطوبة
«* جواهر الحکم جلد 3 صفحه 488 *»
العملية و العلمية التي هي طبع الحيوة في الكبد و القبول و الانفعال بسهولة فتحترق بالمقابلة و لمتكن مالحة سبخة فلاتنتفع بالمواجهة تخرج منها ثمرات مختلف الوانها فيها شفاء للناس و لما كانت الرطوبة الفضلية ليست ذاتية مستقلة ثابتة بل هي عرضية تفني سريعا و تنجلي الشمس و ينبسط النور ثم تجتمع تلك الرطوبات و تتصاعد و تتراكم و تحجب ثانيا و هكذا فانت يا اخي في مثل هذه الحالة فانظر في اي ارض وقعت و الي اي شيء استندت و اعلم قطعا انه سبحانه من جهة انه تعالي ابي انيجري الاشياء الا باسبابها ما جعل قوام هذه العالم السفلية الا بالشمس و ما اخلتفت احوالها الا باختلافها في مقابلة نور الشمس مع الحجاب او بدونه مصفاة من الكدورات العارضة او معها فعلي مقدار قبولها من نور الشمس تأصلت و تحققت و جرت عليها الاحكام و استمرت علي الدوام.
فاذا عرفت هذا فاعلم ان الامام عليهالسلام هو الشمس المضيئة في الانام و في كل العوالم و به احي الله البلاد و اقام العباد في مقاميهم التكويني و التدويني علي سبيل الرشاد و لولاه لساخت الارض باهلها و نوره هو ما حمله الله سبحانه مما فيه صلاح الكون و بقاؤه و سبب دوامه و استمراره كما حمل الشمس ما به قوام الاجساد العنصرية و بقاؤها و هو نورها و لما ان الالجاء و الاضطرار مما يقبحه اهل الاعتبار وجب انيكون نور الامام عليهالسلم هي التكاليف الشرعية التي بها صلاح الدارين و نظام احوال النشأتين و تيسير الكل لما خلق و اعطاء كل ذي حق حقه و السوق الي كل مخلوق رزقه فاختلفت مارتب الموجودات حسب اختلافهم لقبول التكليف في الكيف و الكم و الجهة و حسب مقابلتهم لنور الشمس الحقيقي الواقعي مستجمعي الشرايط او احتجابهم عنه بحجب الغيوم او الاحتجاب في البعض و الانجلاء في الآخر او في اغلبية الانجلاء او الاحتجاب و الاختفاء و لكل مقام من هذه المقامات احكام و . . . يضيق الصدر بذكرها كما لايضيق بكتمانها و ها انا اشير الي بعض تلك الاحوال و الاعمال مما يجوز بيانه و لايخفي برهانه فنقول:
اما القسم الاول فلسنا في هذا المقام بصدد بيانه لطول بحثه و دقة مأخذه و
«* جواهر الحکم جلد 3 صفحه 489 *»
صعوبة مسلكه مع انا قد اشرنا اليها في هذا المقام باحسن وجه مما يمكن الاشارة اليه.
و اما الاقسام الثلاثة الاخر فيختلف احوالهم باختلاف الاصقاع و الادلة فمن ارتحل عن بلد تكثر فيها الغيوم و الامطار و تتراكم السحب و الرعد و البرق و الظلمات الي بلد آخر فقد استراح من تلك الاحوال المنكرة و المسالك الوعرة و الظلمات المهلكة الا المستضعفين من الرجال و النساء و الولدان لايستطيعون حيلة و لايهتدون سبيلا فاولئك عسي انيعفو عنهم و كان الله عفوا غفورا و تلك البلدة من جهة بطلان الطفرة ليست صاحية خالية عن الغيوم بل هذا المقام الثاني الذي ينجلي وقتا و يتراكم في آخر و اغلبية التراكم و الانجلاء انما هو بمقدار البعد عن البلدة الاولي و القرب اليها فاذا لميقف لكثرة التعب و لايمنعه تعب السفر عن التغرب يصل الي بلد وسيع و فضاء فسيح بلدة صاحية و عن الغيوم و الرعود خالية عارية فيري نور الشمس ظاهرا و عن الشك و الريب عاريا و يري الشيء كما هو فيستضيء بنور الشمس و يجلس مجلس الانس ففي المقام الثالث مقام القطع و الكشف و الشهود و العلم بحقيقة طاعة المعبود و معرفة حقيقة الركوع و السجود و المقام الثاني علي اختلاف مراتبه مقام القطع الثانوي و العلم النفس الامري دون الواقعي و المقام الاول مقام الظن و التخمين و فقدان العلم و اليقين و القطع الظاهري و بالحكم الظاهري انظر يا قرة عيني الي تفاوت المقامات و تباين الدرجات و لاترض باسفل الدرجات فتقول لست مكلفا بازيد من ذلك نعم ان كنت لمتستشعر لذلك و كنت غافلا عما هنالك او لمتجد الدليل و لمتهتد السبيل و الا فانت مطلوب بذلك مسؤول عما هو لك لقبح العمل بالاسفل مع التمكن من الاعلي و اكل الميتة الجيفة مع التمكن من البر الخالص و قد دل عليه القرآن لمن له عينان في قوله تعالي ان الذين توفيهم الملئكة ظالمي انفسهم حيث بقوا في مقام الجهل و الظن مع تمكنهم من العلم و تنبههم لذلك قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين في الارض حجبتنا الغيوم و ادركنا الظلام فلميبصرنا قالوا ألمتكن ارض الله واسعة فتهاجروا فيها فاولئك مأويهم
«* جواهر الحکم جلد 3 صفحه 490 *»
جهنم و ساءت مصيرا الا المستضعفين من الرجال و النساء و الولدان لايستطيعون حيلة و لايهتدون سبيلا الآية، حيث ان الظلمة قد احاطت بهم فضعيوا الطريق و لميجدوا الدليل و لميهتدوا الي السبيل فوقفوا حياري و بقوا في قيد الظن و الجهل اساري فاولئك عسي الله انيعفوا عنهم لقصورهم لا لتقصيرهم و اسناد القصور و نفي التقصير مسامحة في العبارة و الدليل عليه قوله تعالي و كان الله عفوا غفورا فان العفو و المغفرة لايكونان الا مع التقصير ثم اشار الحق سبحانه الي المنافع المترتبة علي الخروج من تلك الوادي بقوله تعالي و من يهاجر في سبيل الله يجد في الارض مراغما كثيرا و سعة من العلوم و الانوار و مشاهدة الاشياء كما هي و الاستبصار في امر دينه و مقابلته لنور الشمس مصفي عن الكدورات و منزها عن الدناءات و معرفته اقتضاء الكينونات و تباين الاقتضاءات ثم لما كان المقام لغير المعصوم و لايأمن من الخطا و ان قل و ندر اشار الحق سبحانه الي حكمهم و حالهم في المعرفة عند الخطا بقوله تعالي و من يخرج من بيته مهاجرا الي الله و رسوله ثم يدركه الموت الذي هو عدم العصمة و الحكم بما خالف الواقع و عدم مقابلته للنور الذي طبعه طبع الحيوة كما قال تعالي فاحييناه و جعلنا له نورا ففاقد النور علي طبيعة الموت فقد وقع اجره علي الله لانه تعالي بفعله و فضله و كرمه جابر الكسير و متمم النقصان لانه محسن و ما علي المحسنين من سبيل اذا اخطأوا و الدليل علي ان المراد من الموت الخطا قوله تعالي و كان الله غفورا رحيما.
و امثال هذه الآيات في القرآن كثيرة و لكن ابناء هذا الزمان لما لميجدوا الا الحجاب و لميسكنوا الا التراب و لميشاهدوا الا النقاب اذا سمعوا شيئا من تلك الناحية و كلاما من وراء الحجاب تلقوه بالانكار فحرموا عن مزاوجة تلك الابكار لكنهم لو تأملوا بصافي النظر و خالص الفكر و البصر لرأوا الامر عيانا فان لميتأملوا فليحفظوا وصيتي بان لاينكروا اشد انكار و لايخرجوا عن حد الاعتبار الا ما خالف ما لايحتمل الشك و الانكار كما قال مولانا الكاظم عليهالسلم علي ما رواه في الخصال امور الاديان امران امر لا اختلاف فيه و امر فيه
«* جواهر الحکم جلد 3 صفحه 491 *»
خلاف فما ثبت لمنتحليه من كتاب مجمع علي تأويله او سنة عن النبي صلي الله عليه و آله لا اختلاف فيها او قياس تعرف العقول عدله ضاق علي المستوضح تلك الحجة ردها و وجب عليه قبولها و ما لميثبت لمنتحليه حجة من كتاب مجمع علي تأويله او سنة عن النبي صلي الله عليه و آله لا اختلاف فيها او قياس وسع خاص الامة و عامها الشك فيه و الانكار له الحديث، و هذا لعمري اصل اصيل لايتعد (يتعدي ظ) له الا جاهل او معاند فاذا رأيت شيئا يخالف فهمك و عقلك لاتسارع اليه بالانكار فان فهمك ليس مدار الحق و الباطل لانك ما اوتيت من العلم الا قليلا فانظر ان كان يخالف الاجماع الضروري بين المسلمين فاحكم بكفره و ان كان ضروري المذهب فاحكم بارتداده عن الحق و ضلالته بعد ما تبين له الرشد و خلوده في النار ما دامت السموات و الارض و كذا ان كان احداث قول ثالث في الاجماع المركب و انت تعلم انه يعلم ان قول المعصوم عليه السلام غير خارج عن احد القولين و منحصر فيهما لا اذا ما لميعلم و ان كنت تعلم لان علمك ليس بحجة للغير و اما اذا خالف الاجماع المحصل او المنقول او امثال ذلك فليس عليك ان ترده الا انيكون لك دليل قاطع علي بطلانه فليكن انكارك حينئذ جزئيا لا كليا لكن الاشكال كل الاشكال في معرفة مخالفة الاجماع و موافقته اذ كثيرا ما يقع الخطا في معرفة ذلك و كم قيل ان الفلاني مخالف للاجماع مع انه في عين الوفاق و الله الموفق للصواب و اليه المرجع و المآب فاذ قد حفظت وصيتي هذه فاصغ الي الكلام قاصدا لفهم المرام و حافظا لسوق المقام.
و اعلم ان كل خلق لابد له من انخلاق و الا لما خلق حين خلق و كل انخلاق لابد له من الاعتبار في الوفاق و الا لما انخلق حين انخلق فاذا قطعت نظرك عن اعتبار الانخلاق سقط التكليف و بطل التعبير و لميكن الشيء شيئا اذ بدون التشيؤ لميظهر الشيء اي لميتعلق به الجهل فلميوجد و قولنا لميظهر تسامح و احتراز عما عسي انيتوهم علية الانخلاق للخلق و هو باطل او تساوقهما في الوجود و هو كذلك و اثبات للترتب و اظهار للانخلاق بالقشرية
«* جواهر الحکم جلد 3 صفحه 492 *»
فثبت ان المخلوق متقوم بالقبول و القبول و جبرية المقبول مناقضة ظ و الفصل بين الجبر و الاختيار مكابرة واضحة فثبت الاختيار في القبول فتكون عطية المعطي تكليفية فيكون الايجاد علي جهة التكليف فالمكلف به هو المادة و القبول هو الصورة و المجموع هو المكلف بفتح اللام و الموجد بكسر الجيم هو المكلف و الفعل هو التكليف و التمكين هو الدليل و وجه المبدأ هو السبيل و هو ما خاطب الحق سبحانه في الخطاب الثاني الكاشف عن الخطاب الاول ادع الي سبيل ربك بالحكمة و الموعظة الحسنة و جادلهم بالتي هي احسن فدعا داعي الحق سبحانه الكينونات تحت حجاب اللاهوت و الاحدية بالحكمة فاسرعت في الاجابة و اضمحلت و ذابت دون جلال جمال البهاء و نطقت بانك انت الله و دعاها تحت حجاب الواحدية و الالوهية بالموعظة الحسنة فاجابت و سكنت و تيقنت فقامت بالعبادة و سلكت طريق الزهادة و انقطعت الي معبودها و اشتغلت بركوعها و سجودها و دعاها تحت حجاب الرحمانية بالمجادلة بالتي هي احسن فاجابت لكنها تكاسلت و قعدت عن العبادة و اضطجعت و نامت و حجبتها الكثرة عن ملاحظة الوحدة و الجزئيات عن مشاهدة الكليات فتراكمت الصور و تعارضت و اختلفت و تناقضت و تواردت فصارت مبدأ الوسوسة و الريبة و الشك و الظن و العلم في مقام الجزئي تتعاور فيها الظنون و تتراكم عندها الاوهام و ضل دونها الافهام مقام كثير الاخطار و عظيم الاوزار و اعلي مقاماتها العلم و آخر مراتبها الريب و الجهل البسيط و المركب فاذا انتهت مراتب تكاليف الكينونات و الذوات جرت الاحكام و توجهت التكاليف بعين توجهها و جريانها في الصفات فانها نتايج الذوات و اقتضاءات الكينونات و لما كانت الصفة تتبع الموصوف و الفرع علي مقتضي الاصل كان التكليف الثاني الذي هو التكليف الوصفي و الشرعي الثانوي المنبيء عن الشرعي الاولي علي حكم الذات و الاصل في كل مقام من المقامات الثلاثة فيكون العمل الظاهري الوصفي في كل مقام بحسبها بحسب ذلك المقام ففي الاول علي جهة العيان و المشاهدة و في الثاني علي جهة اليقين و البصيرة و في الثالث علي جهة العلم و
«* جواهر الحکم جلد 3 صفحه 493 *»
الا فالذي يقوم مقامه من الظن و امثاله انثبت و بالجملة في كل عالم تكليفان كوني و وصفي و هما متطابقان ينبيء احدهما عن صاحبه و صاحبه يشهد له و لما كان القبول علي قسمين متناقضين احدهما الاجابة و هي تستدعي الهيكل التوحيد و الصورة الانسانية و ثانيهما الانكار و هو يستدعي هيكل الكفر و الصورة الشيطانية و مبدأ كلتا الصورتين مستجنة في الشيء المكلف و يترتب علي كل مقتضاه و معني ذلك ان الفاعل المبدئ بالنسبة الي ما يصدر عنه في اعلي مقام و اشرف و اسني مكان فلايقاس علوه و سموه بالنسبة الي المفعول بوجه من الوجوه فاذا اوجد الشيء لا من شيء نقشت له صورتان صورة في عليين و صورة في سجين و ذلك ان الشيء له جهتان جهة من مبدئه و جهة من نفسه المتقومة بالاولي فالجهة الاولي من حيث هي هي منزهة عن الصور و عن كل كثرة و جمعية لانها وجه المبدأ و هو لايحكي غيره فاذا هو مثاله و آيته و دليله و هو هو له في غير ما هو غيره و هو فاعل فعل اللازم فليست لتلك الجهة صفة و لا عبارة و لا اشارة و لا تحديد و لا تمييز و الجهة الثانية لها مقامان احدهما مقام ملاحظتها بالاولي و جعلها آلة للتوصل الي الذروة العليا و ثانيهما مقام ملاحظتها من حيث نفسها محتجبا بها عن الاولي الاعلي يسجدون للشمس من دون الله فالاول يقتضي حدا و صورة و مشخصات كالثاني الا ان الصورتين مختلفتان بل متضادتان لان الاول مقام كيف ادعوك و انا انا و كيف لاادعوك و انت انت اذ ملاحظة النفس من حيث ربه يقتضي الفقر المطلق في سره و علانيته و غيبه و شهادته وحركاته و سكناته و لحظاته و بدواته و خطواته و خطراته و كل ما له و به و عنه و منه و فيه و معه و عنده و عليه من الشؤون و هذا الفقر المطلق هو العبودية المحضة و هو الذي افتخر به رسول الله صلي الله عليه و آله في قوله صلي الله عليه و آله الفقر فخري و به افتخر و حصر فخره فيه و لذا صارت العبودية اعلي مناقبه و اشرف فضايله اذ كل فضيلة من اثرها.
و هذه العبودية حقيقة جامعة حاوية لكل طاعة و عبادة و خضوع و خشوع الا ان لها اربعة اركان تتم بها و ثلاث مقومات فيتم بها البيت الحرام و يختص
«* جواهر الحکم جلد 3 صفحه 494 *»
بالله سبحانه و يكون مطافا لجميع المكلفين عليه اسبوعا لذلك السر من انه انما يتم بسبعة و هو السبع المثاني فان الصلوة كانت في اول ما شرعت مثني مثني و الحج لايتم الا بعمرة مفردة كانت او متمتعا بها و فاتحة الكتاب تثني في كل صلوة و الاسبوع ثنيت بيوم و ليلة و كل ذلك للسر الذي اشرنا اليه تفهمه انشاء الله تعالي فاول الاركان الاقبال الي مبدئه و موجده و الاعراض عن كل ماعداه و الا لما خلصت عبوديته و الثاني القيام بخدماته ناسيا نفسه و شاغلا عنها بربه فاقدا وجدانه و الا لما تمحض فقره و الثالث ملاحظة اضمحلال كل شيء دون جلال عظمته و قهاريته و الرابع ملاحظة اضمحلال نفسه و نسيانها و فنائه في بقاء ربه و اعدام وجوده و نوره عند سطوع شروق شمس ازليته فاذا تجاوز عن هذه المرتبة تمحضت الجهة الاولي فاما المقومات الثلاثة الواجبة فاولها دوام الذكر و ثانيها الاقرار له بالوحدانية و بالمبين للتوحيد و الحافظ له و التابع فيه و ثالثها التسليم انكم لنتؤمنوا حتي تعرفوا و لنتعرفوا حتي تصدقوا و لنتصدقوا حتي تسلموا ابواب اربعة لايصلح اولها الا بآخرها ضل اصحاب الثلاثة و تاهوا تيها بعيدا و خسروا خسرانا مبينا و هذا المجموع هو حدود تلك الصورة و مشخصاتها و هذا هو هيكل التوحيد علي احد المعنيين.
و هذه الحدود المعنوية لما تشخصت و تصورت بالصورة الظاهرية كانت علي الصورة الانسانية فانها علي تلك الحدود و الاقتضاءات من حيث البنية و الفعل اما الفعل فان لها عزما و ارادة و حركة نفسانية التي بها كل افعالها و حركاتها في مقامات احوالها و هي مثال العبودية و لها توجها و التفاتا و ميلا الي الشيء بحيث حال التوجه الي شيء لايلتفت الي الآخر ابدا ابدا و هو مثال الركن الاول و لها قياما و وقوفا و هو مثال الركن الثاني و لها تعود بانحاء مختلفة كل منها اشارة الي حقيقة من الحقايق من بعضها حكم الركن الثالث و لها استراحة و نوما في الليل و هو مثال الركن الرابع و لها كلاما و نطقا و هو مثال المقوم الاول و لها انزجارا و انبعاثا و هو مثال المقوم الثاني و لها سكونا و اطمينانا و هو مثال المقوم الثالث و اما البنية ففيها هذه المراتب علي انحاء مختلفة يطول بذكرها
«* جواهر الحکم جلد 3 صفحه 495 *»
الكلام و تطابق الانسان بالعالم الكبير امر قد فرغ منه و قد شرحنا في اجوبتنا لبعض المسائل ذلك و لعمري ان سر هذه السبعة سري في كل الوجود في كل مقام من الغيبة و الشهود و هو قول مولانا اميرالمؤمنين عليهالسلم ان الصورة الانسانية هي اكبر حجة الله علي خلقه و هي الشاهد علي كل غايب و الحجة علي كل جاحد و هي كتاب الذي كتبه بيده و هي الهيكل الذي بناه بحكمته و هي مجموع صور العالمين و هي المختصر من اللوح المحفوظ و هي الصراط المستقيم و هي الصراط الممدود بين الجنة و النار و هذه هي الصورة الصلوة في الاعمال التشريعية المشتملة علي الروح و الجسد روحها النية و جسدها الاركان الاربعة التي هي بمنزلة الرأس و الصدر و اليدين و الرجلين و لذا كانت الصلوة عمود الدين ان قبلت قبلت ماسواها و ان ردت ردت ماسواها لكونها اصلا لكل عمل و طاعة و هذا هو الشرح الصورة الاولي التي هي هيكل التوحيد و اما الثانية فان الجهة الثانية التي هي من نفسه لما انقطعت عن الاولي تشخصت و تحددت بما يقابل الاولي لانها جهة مخالفها و مضادتها فيكون هيكل الشرك و النفاق فكما كان الاصل في تلك الصورة العبودية يكون الاصل في هذه الصورة الاستغناء و الاستقلال المدعي و المجتث فاركانها الكفر و الشرك المتحصلان عن الاعراض في مقابلة الاقبال و مخالفة امر الله سبحانه في مقابلة القيام بخدماته و الاستكبار في مقابلة الخضوع و الجحود في مقابلة المعرفة السرية و المحبة و النسيان في مقابلة دوام الذكر و الانكار في مقابلة الاقرار و الشهادة و الاعراض في مقابلة التسليم و هذه الحدود المعنوية لما تشخصت و تصورت بالصورة الظاهرية كانت علي صور شتي من صور البهايم و حشرات الارض من عدم الاستقامة و اختلافها انما هي من جهة اختلاف البطلان و تشعبها و اختلاف الهوي الا ان الكل مشتركة في الهوي الي اسفل السافلين و النظر اليه ناكسوا رؤوسهم عند ربهم و هذا هو السر في جمع الظلمات و افراد النور و جمع الشمائل و افراد اليمين قال تعالي رجلا فيه شركاء متشاكسون و رجلا سلما لرجل هل يستويان
«* جواهر الحکم جلد 3 صفحه 496 *»
مثلا الحمد لله بل اكثرهم لايعلمون و لما كانت الصورة الاولية هي الصورة الوفاقية و ليست فيها شائبة الغني و الاستقلال فلحقت بالحق سبحانه و اسندها الي نفسه كرامة لها و تشريفا ان الله خلق آدم علي صورته علي احد الوجوه فكانت في اعلي عليين و الصورة الشيطانية لما كانت في مقابلها كانت في اسفل السافلين فتلك الصورة الاولية لما قطعت عن نفسها و نظرت الي ربها و مارأت لنفسها تذوتا و لا تحققا و لاتأصلا بل نظر اليها بعين الفقر المطلق الذي لايملك نفعا و لا ضرا و لا موتا و لا حيوة و لا نشورا و لاشك ان الاشياء كلها واقفة بباب الفيض و مقابلة لفوارة النور و مستمدة منها آنا فآنا و الا لفنيت و اضمحلت و بطلت و عادت لمتكن شيئا و لاريب ايضا ان القابلية التي هي الصورة كلما طهرت و نظفت و صفت و تجوهرت و تلألأت و تصيقلت كان انعكاس النور عليه اكثر و افاضة الخيرات عليها اشد لحسن قابليتها و استعدادها و صفاء طويتها و كثرة استمدادها و لاشك ايضا ان الصفاء المعتبر في الاستفاضة ليس الا الاقبال و التوجه الي الله سبحانه و الاعراض عن الشوايب الكدرة النفسانية فكلما كان هذا المعني في الشيء اكثر كان نظر الحق اليه اكثر لانه يسبق الغير في النظر و الالتفات فاذا لميكن في الشيء شائبة السوي و لميعرف الا الله و لميطلب سوي مراد الله و لميكن له حاجة الا الله بحيث نسي الغير بالمرة فهو اكثر من الكل نورا و اشدهم صفاء و ضياء و اعلاهم منزلة و مقاما و اسناهم درجة و مكانا فيكون محط نظر الله اول مرة و وعاء ذكره و عيبة امره و نهيه و تابوت حكمته و باب معرفته و ترجمان وحيه و لسان ارادته لبطلان حكم الطفرة و وجوب العلل و المعلول في السلسلة الطولية و هو قوله تعالي الله اعلم حيث يجعل رسالته و قوله تعالي في مقام التعليل عباد مكرمون لايسبقونه بالقول و هم بامره يعملون فثبت بالبرهان القاطع ان المتحلي بتلك الصورة و السالك علي تلك الطريقة معدن كل خير و منبع كل احسان لان الخير معدنه من امر الله سبحانه القيم للاشياء و هي اول ما تقابله و تستمد منه فاذا سبقت الغير لايستمد الغير الا منها لانها في كل آن سابقة و واقفة علي باب الفيض و المدد و يستحيل انيتلقي
«* جواهر الحکم جلد 3 صفحه 497 *»
الفيض من امر الله الا بواسطتها فتكون تلك الحقيقة المقدسة قائمة مقام الله بامره في الاداء اذ كان لاتدركه الابصار و لاتحيط به خواطر الافكار فيكون هو الولي و هو الحامل لولاية الحق سبحانه هنالك الولاية لله الحق هو خير ثوابا و خير عقبا فعلمت ان هيكل التوحيد هو هيكل الولاية و صورتها و معدن كل خير و صواب و حقيقتها فكل الخيرات من رشحات انوار الولي و كل الطاعات من نفحات آثاره.
و اما صورة الشيطانية فلما كانت تقابلها كانت مبدأ كل الشرور و المعاصي و الخبائث و الرذايل فاستقرت في اسفل السافلين كما استقرت الاولي في اعلي عليين فتشعشعت عنها الانوار و انفصلت عنها الاشعة و الآثار فنزلت و فتنت تلك الصورة الخبيثة و تدخنت من الحرارة الغضبية الكلبية المتعلقة بفحم باطنها المتحصل من الخبث المأخوذ من الشجرة الخبيثة المجتثة شجرة زقوم طلعها كأنه رؤس الشياطين و تبخرت من رطوبات الحمق و البلادة المستجنة في تلك السريرة النجسة و اشرقت عليها نار الغضب فصورت الابخرة و الادخنة و نزلت تلك الاشعة و الانوار فاختلط بعضها ببعض علي الاختلاف ظهرت في البعض الظلمة و في الآخر النور و . . . فحصلت في ما سوي الاصلين الاصيلين صورتان احداهما في عليين و هو كتاب الابرار و الثانية في السجين و هو كتاب الفجار فبني للكل بيتين بيت في الجنة و بيت في النار و جعل لهم منبهان ملك مسدد من شعاع الصورة الاولية الالهية و شيطان مقيض من ظلمة تلك الصورة الخبيثة و كانت تلك الصور الطيبة التي اقامها الله سبحانه مقامه في ساير عالمه في الاداء تتنزل من عالم الي عالم في الصور الطيبة و الاشباح المطهرة و الحقايق الطاهرة لتكميل الناقضين و ارشاد المسترشدين و لترجمة الوحي للخلق اجمعين الي اننزلت الي عالم الاجسام و تشرف بها الزمان و المكان فكانت تتقلب في الصور كيف شاء الله الي انظهرت في عالم الظهور و البروز و لهداية الخلق اجمعين و تبليغهم الي اقصي مدارج اليقين . . . بنيتهم بالتشريع في التكوين ليستوفوا نصيبهم من رب العالمين و كذلك تلك الطينة
«* جواهر الحکم جلد 3 صفحه 498 *»
الخبيثة النجسة تتصاعد بالبخار لتقوية الاشرار و مساعدة الفجار و لحمل الاوزار و دعوة اصحابهم الي النار الي انبرزت في عالم الظهور و البروز فظهرت الصورتان و التقي البحران هذا عذب فرات سائغ شرابه و هذا ملح اجاج فقابل تمام الكفر مع تمام الايمان و لما كان في القوس الصعودي تنعكس القضية فيتقدم الاسفل علي الاعلي و الظلمة علي النور و الكثيف علي اللطيف و الخبيث علي الشريف و النجس علي الطاهر بعكس النزول كتقدم الكيلوس علي الكيموس و الكيموس علي الدم و الدم علي النطفة و النطفة علي العلقة و العلقة علي المضغة و هي علي العظام و هي علي اكتساء اللحم و هو علي النفس و هي علي الروح و هي علي العقل و هو علي الفؤاد و النور و هكذا و لما كان الامر كذلك كان الغلبة للكفار و لينالوا نصيبهم من الكتاب و لايحسبن الذين كفروا انما نملي لهم خير لانفسهم انما نملي لهم ليزدادوا اثما، و لهم عذاب اليم.
و لما كان ظاهر الوجود انما يتم و يكمل بدوران الكواكب السبعة في البروج الاثني عشر و المنازل الاربعة عشر النورانية علمنا ان باطن الوجود يجب انيكون كذلك لما اثبتنا بالبراهين القطعية ان الباطن طبق الظاهر و الظاهر وفقه و تنزله و احدهما ينبئ عن الآخر مع ما عندنا من الاعتبارات العقلية علي هذا الترتيب المخصوص و ان الوجود لايستقيم الا بهذا و قد علمت ان ولي الامر و مظاهر امر الله و نهيه الذي هو الغوث و الرحمة و القطب و محل نظره سبحانه يجب انيكون في كل عالم حسب ذلك العالم لئلا تسيخ الارض باهلها كالشمس بالنسبة الي الارض و اهلها و لكن من جهة غلبة سلطان الجور و اقتضاء الكون ذلك ظهر كل من تلك الاقطاب الاثنيعشر التي عليها مدار القضاء و القدر لكن بالظهور يظهر قطبيتهم علي الكل و مبدئيتهم علي الجل و القل او انيقروا لهم بذلك ليستوجبوا به جزيل العطاء و جميل الحباء كما ظهرت لهم في الكينونات في الاكوار و الادوار الاولية فانكرهم بعض في الاكوار و الادوار الثانية و هم الاكثر و اقر لهم بعض و هم الاقل و قليل من
«* جواهر الحکم جلد 3 صفحه 499 *»
عبادي الشكور و جهلهم بعض و العارفون المقرون ايضا علي اقسام مختلفة فاذا صفيتهم تجد المقرين علي الاخلاص بينهم كالشعرة البيضاء في البقرة السوداء كما ان المقرين بالنسبة الي المنكرين كذلك في هذه الدورة و هذه الاقاليم و ان كان لهم سلام الله عليهم اشياع و اتباع في العوالم و الاقاليم الاخر فظهروا للكل بقدر قابليتهم و اعطوهم مقدار استعدادهم فانظر مقدار استنارة الحجر و المدر بالنسبة الي الزجاجة و البلور من الشمس مع ان للشمس ليس الا اشراق واحد و هو قولهم عليهمالسلم انا نجيب بقدر ما نسأل فان زاد السائل في السؤال قدر حرف زدنا في الجواب كذلك و ان نقص نقصنا فبقوا الناس عن الاستفاضة عنهم معزولين و عن باب فيوضاتهم عليهمالسلم مطرودين و ان كان كل ما لهم و عليهم من الذوات و الصفات فانما هو بهم و عنهم و اليهم سلام الله عليهم الي هذا الزمان الذي زاد الطغيان و كثر العصيان و قوي الشيطان و تم العدد الزايد الذي هو مثني عدد التام عليهم سلام الله الشامل العام و همت رؤساء الجور و الضلالة انيعاملوا بالآخر معاملتهم بالاوائل عليهمالسلم لحكم المقابلة و تقدم الظلمة و ظهور الصورة الشيطانية و كان في ذلك ارتفاعه عليهالسلم عن بشريته و عوده الي نوريته و رجوعه الي صقعه و عالمه صلي الله عليه و آله و هو يستلزم فساد الكون الجسماني و خراب العالم الرسمي و انتسيخ الارض باهلها مع ان كثيرا من اهل الارض ما نالوا نصيبهم من الكتاب و مانضجت اكثر الطبايع و ما استقامت فلم تتم الحجة عليهم و كان ممن تنضج في الدنيا فلايرد الي العقبي و ما ظهرت النطف الطيبة المقرة في عالم الذر المستنجة في الاصلاب الطاهرة و النجسة و الكدرة و كان من ذلك توهم عدم اتمام الحجة علي الكافرين و اكمال النعمة علي المؤمنين و خلاف ما اجري الحق سبحانه عادته من الامهال و عدم التعجيل فانما يعجل من يخاف الفوت و محبته للمراجعة للتذكير و التذكر و امثال ذلك من الاحوال و الحكم و المصالح التي جهلنا اكثرها فلمتكن المصلحة في خراب العالم و كذلك الجهاد و المقاتلة معهم مع ان اكثر الناس ممن غرته الدنيا و باع آخرته بالثمن الاوكس الادني فلايطيقون متابعته و لايصبرون علي
«* جواهر الحکم جلد 3 صفحه 500 *»
دولته لحكم البينونة و غلبة الهياكل الشيطانية فان قاتلهم حتي قتلهم عن آخرهم تعود بعض المحذورات المتقدمة مع ان التصفية الكاملة و التنقية البالغة ما حصلت فكيف يجوز انيقتلهم عن آخرهم فان فعل كمولانا الحسين عليهالسلم و جعلني الله فداه يكون كمولانا و جعلني الله فداه كان يجري عليه ما جري عليه عليهماالسلم و تعود المفسدة المتقدمة و لمتعد في مقدمة سيدي الحسين عليهالسلم لمكان من هو مثله و بدله و المستقل في تقويم الكون وحده و الا لانعدم و لا اقل من حصول تغيير كلي و اما في مقدمة سيدنا و امامنا و قطب رحي وجوداتنا عجل الله فرجه فلميكن له عليهالسلم بدل و لميقم بمقامه احد لانه خير آية اوتيت به بعد نسخ آية و انسائها قال الله سبحانه ماننسخ من آية او ننسها نأت بخير منها كالقائم عليهالسلم الذي اتي بعد سيدنا الحسن بن علي العسكري عليهمالسلم و كان خيرا منه او مثلها و هو باقي الائمة اللاحق بعد السابق سلام الله عليهم اجمعين.
فلما كان ابقاء الكون و ايصال الخلق الي اكمل غاياتهم و اشرف نهاياتهم مما هو المقصود الاصلي في اصل الايجاد و التكوين و كان في اعدامه و خرابه خلاف المقصود و ان الله سبحانه يجري الاشياء علي اسبابها و لمتكن اراضي قابليات الخلق مستأهلة و مستعدة لاستمرار اشراق نور الشمس الالهية عليها من غير حجاب فغابت الشمس و ظهر الليل و الليل اذا يغشي و انعكست بنورها علي الكواكب الاجسام الكثيفة الصيقلية فسكنت الارض و تبردت و لولا غروب الشمس لفسد الكون الثانوي في هذه الاقاليم و لولا طلوعها ظاهرة نيرة لفسد ايضا فهي المدبرة للكون الثاني بطلوعها و غروبها و اظهار نورها من وراء الحجاب و لذا تري الليل قد تقدم علي النهار مع ان النهار خلق قبله فان طالع الكون يوم خلق كان هو السرطان و الكواكب كانت في اشرافها فتكون الشمس في نصف النهار وقت صلوة الظهر فاذا قويت بنية المركبات الارضية و السماوية المدبرة بنظر الشمس و صفت عن الغرايب و الكدورات و خلصت عن الاعراض و الكثافات و خلت عن القوم الجبارين و تروحت و عادت كما خلقت
«* جواهر الحکم جلد 3 صفحه 501 *»
تذهب ظلمة الليل و يستمر نور النهار و انكشفت الحجب فهنالك يعود كل شيء الي اصله و يظهر كل احد في مرتبته و يعرف كل ذي حق حقه و احاطت كل صورة من الهيكلين علي اشعتها فيكون اما نور دائم او ظل قائم فلا انقطاع لاحدهما و لا نفاد و كلما ازداد احدهما يزداد الآخر الي ما لانهاية له فافهم السر الحق و الكبريت الاحمر و لاتقل ان هذا قول بلادليل فان كل ذلك بدليل الحكمة و هو اقوي الادلة و اشرفها و لاتكذب بما لمتحط به علما و عنت الوجوه للحق القيوم و قد خاب من حمل ظلما.
فاذا فهمت حقيقة السر في غيبة امامك الذي هو الشمس المطلق و النور الحق و علمت وجه عدم استيهال اراضي الاستعدادات و مهابط الفيوضات لتقابل الدائمي الابدي من كونها مشوبة بالادخنة و البخارات المنتنة الكثيفة النجسة المتصاعدة من بحر سجين و اسفل السافلين و انها قبل انتطهر لمتقبل استمرار اشراق نور الشمس عليها فوجب الغروب فاظهار النور في القمر بامر مستقر لمناسبته مع الليل في الطبيعة و قد يداوي المرض بالمناسب فلهذة الجهة تري اهل العلم المكتوم اذا اخرجوا الانوار السبعة من الارض بقيت الارض كثيفة منتنة يطهرونها بارسال الابيض الغربي الذي هو مثال يوشع بن نون الذي هو مثال القمر الظاهر علي الجوزهر فاذ قد علمت هذا القدر من الكلام و فهمت فاعلم ان كلمة الله الحسني و آيته الكبري و محبته العليا التي بها تحققت و تأصلت الاشياء و حقيقة استندت الاكوان و الاعيان و الامكان كلها اليها و استفادت التأصيل منها لانها هي التي انزجر لها العمق الاكبر الا ان انحاء الانزجار مختلفة باختلاف اعيان الممكنات فمنها ذات و منها صفات و منها توصيفات اي كونها موصوفة بذلك و لاشك ان الطفرة في الوجود باطلة و ان بين الاثر و مؤثره من حيث انه مؤثرة لابد من مناسبة تصحح صدور ذلك الاثر منه دون غيره فيكون طرق الاستفادة و مبادي الافادة مختلفة لكن المبادي كلها مستندة اليها فالذوات استفادت التذوت من ذاتها و الصفات من صفاتها و التوصيفات من آثارها و قد قلنا لك سابقا ان الاستفادة كلها علي جهة التكليف
«* جواهر الحکم جلد 3 صفحه 502 *»
من الذوات و الصفات و لما كان التكليف هو المادة و القبول هو الصورة في كل عالم و مقام بحسبه و ان التكليف من الله سبحانه و القبول من العبد و ان المكلف هو تلك الكلمة بالله سبحانه و الكلمة لاتتعدي الي الغير بنفسها بل انما هي بدلالتها و الدلالة من حيث هي لاتظهر و لاتتحقق و لاتتقوم الا في محل و هو قلب المخاطب او السامع فالكلمة الاولية التي هي احببت اناعرف و هي الظهور الاول من الظاهر الاول بالظهور الاول علي حكم الاتحاد في الحقيقة و هي كلمة كن المشروح في كهيعص فان الكاف من كن يقتضي الهاء اذ الفعل لها نسبة و لحاظ الي الفاعل و لحاظ الي المفعول فبالاول ظهرت الهاء و بالثاني ظهرت الياء و بالمجموع ظهرت العين التي هي عبارة اخري لكلمة كن او هي شرح النسبة بين الفعل في اللحاظ الثاني مع مفعوله و الصاد اشارة الي ربع الدورة الفلكية الوجودية اشارة بالكسر الي المخرج و بالجملة ان الكلمة لابد لها من محل تستقر دلالتها فيه و ينطبق عليها و قد ثبت بالادلة القطعية ان ذلك المحل هو الحقيقة المحمدية صلي الله عليه و آله و هو المؤمن الذي آمن بالله في الازل الثاني قبل كل خلق فاصطفاه و اجتباه فوسع قلبه الشريف شروق الانوار الالوهية و الاحدية و الواحدية و الرحمانية فكان هو العرش مستوي الرحمن في آخر المقامات و هو قوله تعالي ماوسعني ارضي و لا سمائي و وسعني قلب عبدي المؤمن و هو الذي استخلصه في القدم علي ساير الامم علي علم منه انفرد بالتشاكل و التماثل عن ابناء جنسه اقامه مقامه في ساير عوالمه في الاداء اذ كان لاتدركه الابصار و لاتحويه خواطر الافكار.
و لما كان الاثر علي مثال المؤثر و هيكله صارت تلك الدلالة كلمة تامة علي اربعة اجزاء معا ليس واحد منها قبل الآخر انما كانت اربعة اجزاء لان الكلمة لاتكون الا هكذا من مراتبها الاربعة التي بها تتم من كونها نقطة الي ان صارت الفا حتي تقطعت بالحروف المناسبة فاجتمعت و تمت و لان الكلمة انما تتحقق في مقام تمام الشيء و الشيء لايتم الا اذا كملت علله الاربع و اركانه الاربعة القوة الجاذبة المستمدة للفيض و الجاذبة له المسبحة لله باسمه القابض
«* جواهر الحکم جلد 3 صفحه 503 *»
المتحصلة من العلة الفاعلية و القوة الهاضمة المحللة له و المهيئة له بالتمكين من الفاعل و التمكن من نفسه بالفاعل للقبول و هي عبارة عن تعفين النطفتين في الكبد و في بطن الفرس و حمام مارية و المسبحة لله باسمه الباعث او الرحمن او الحي المتحصلة من العلة المادية و القوة الدافعة ما لايليق له و لايناسبه مما لايستأهل انيكون غذاء له في الحقيقة بانيكون جزء ماهيته المسبحة لله باسمه المحيي او المبين المتحصلة من العلة الصورية و القوة الماسكة لما يناسبه و يصلح له و يتقوي به من الامدادات الالهية الخاصة به الصالحة له المسبحة لله باسمه الحافظ المتحصلة من العلة الغائية و هنا مراتب اخر لا نطول الكلام بذكرها و بالجملة ان الكلمة لاتتم الا باربعة فلذا كانت تلك الكلمة الالهية الكلية المتحصلة من الدلالة الاولية الحاملة للكلمة الاولية ذو اجزاء و مراتب اربعة و كل مرتبة حرف منها و ان كانت كلمة في مقام استقلالها لتطابق دورة الوجود و سريان وحدة المعبود في كل مخفي و مشهود و تلك الكلمات هي التي بني عليه الاسلام في التكوين و التشريع و هي سبحان الله و الحمدلله و لا اله الا الله و اللهاكبر و لما ان الشيء لما تم له ثلاث مراتب و ملاحظات و نظرات نظر الي عاليه و ان كان نفسه و نظر الي سافله الي ما لانهاية له و نظر الي مقامه المتوسط و مرتبته و كل مرتبة تامة فيتكرر تلك الكلمات او تلك الاربعة ثلاث مرات فتكون اثني عشر فلك انتقول ان الكلمات الاثنيعشر او ان الكلمة الواحدة لها اثناعشر مقام (مقاما ظ) كالشجرة و اصلها و فرعها و لقاحها و اغصانها و اوراقها و هكذا فصارت تلك الكلمات الاولية محال الكلمة الكلية و الرحمة الواسعة و المحبة الحقيقية اثني عشر كلمة و هي تلك الكلمات التامات التي لايجاوزهن بر و لافاجر و هي التي تلقي آدم بها ربه و هي التي ابتلي بها ابراهيم ربه و هي التي لوكان ما في الارض من شجرة اقلام و البحر يمده من بعده سبعة ابحر مانفدت كلمات الله و لما كانت الكلمة الثانية التشريعية و هي الصلوة طبق تلك الكلمة الالهية الاولية التكوينية و صورة لها اشتملت علي هذه الكلمات الاربعة علي التكرار المذكور و في اليومية سبع مرات للاشارة بان الاثني عشر هي
«* جواهر الحکم جلد 3 صفحه 504 *»
السبع المثاني و القرآن العظيم و لما ان التوحيد في المخلوق انما هو بتوصيف الحق سبحانه و ذلك لايكون الا بفعله و هو لايظهر الا بذلك المحل فبه ظهر التوحيد و انتشر و هو قوله عليهالسلم فبهم ملأت سماءك و ارضك حتي ظهر انلا اله الا انت كان حروف لا اله الا الله بعدد تلك الكلمات التي هي اجزاء التوحيد و اركانه السلام علي شهور الحول و عدد الساعات و حروف لا اله الا الله في الرقوم المسطرات و لما ان المبادي الفرعية يحكي عن الاصلية كانت البروج اثني عشر و الشهور اثني عشر و الساعات اثني عشر و اثني عشر و الابحر اثني عشر و امثال ذلك و بالجملة تلك الكلمات الطيبة صارت فوارة النور من بحر القدر و لسان الوحي و ترجمانه فكل ما من الله سبحانه يظهر في الوجود من ذلك الباب المكرم و لايظهر ما من العبد من حدود قابلياتهم بل لايتحقق الا بذلك ايضا.
و لما ان الاشياء كما قلت لك في جميع احوالها و اطوارها و اوطارها من الكينونات و الصفات مستندة الي ذلك الباب و واقفة عليه و لائذة بفنائه فافيض منه علي الكل بجميع مراتبه بما يناسبها و قد اعطي الحق سبحانه بذلك الباب الذي هو العرش كل ذي حق حقه و ساق الي كل مخلوق رزقه فافاض علي الذوات بنور تلك الكينونة و شعاعها الذي يحكي عن ذات الكينونة في حكم الوجهية و البابية فاينما تولوا فثم وجه الله و علي الصفات و الآثار و الاعمال باثر تلك الكينونة و لما ان ما من الحق كما ذكرت لك علي جهة التكليف و البيان لا الالجاء و الاضطرار و ان التكليف هو شيء واحد يختلف باختلاف المقامات و الحيثيات و الجهات و القيودات و لكن كل ذلك علي حدود التوحيد كان التكليف منحصرا في القول بالست بربكم و محمد صلي الله عليه و آله نبيكم و علي و الطيبون من ولده الاحد عشر و فاطمة عليها و عليهمالسلم ائمتكم و سادتكم و مواليكم و هذا القول في المقام الاول في الذكر الاول فان شئت قلت مقام المحبة في احببت اناعرف الظاهرة في الرتبة الثانية الشارحة للاولي مقام محبوبية الحق سبحانه للخلق و محبوبيتهم له من حيث انهم عارفيه و هذه الحيثية
«* جواهر الحکم جلد 3 صفحه 505 *»
لبيان الواقع و تنبيه الجاهل و الا فليست الحقيقة هناك الا المعرفة فالتكليف في هذا المقام ليس الا تجلٍ و ظهور تلألؤ و بروز و يوصل الفيض في هذه المرتبة اليه بكل الجهات و ليست هناك جهة و جهة و حيث و حيث فالتكليف التكويني هناك ليس الا محض الظهور و التجلي و التشريعي هناك علي العبارة الظاهرة اسماع الوحي بكل جهة و جانب لايفرق بين صوب و صوب و هذا هو المقام الذي قد تحير فيه ايوب شك و بكي و هذا هو الانبعاث عند المنطق اي حال التكليف في الذكر الاول شك و بكي قال هذا امر عظيم و خطب جسيم لما عرف ان ذلك التجلي و الوحي من مخلوق الي مخلوق فاوحي الله تعالي اليه يا ايوب اتشك في صورة انا اقمته اني ابتليت آدم بالبلاء فوهبت له بالتسليم له بامرة المؤمنين و انت تقول هذا امر عظيم و خطب جسيم فوالله لاذيقنك من عذابي او تتوب الي بالطاعة لاميرالمؤمنين عليهالسلم قال عليهالسلم ثم ادركته السعادة بي و اما موسي النبي علي نبينا و آله و عليهالسلم فلميتوقف و لميتحير و لميشك لما سمع ذلك التكليف من الشجرة العلوية قال ابن ابي الحديد:
يا ايها النار التي شبت[1] السنا
منها لموسي و الظلام المجلل[2]
و قد يظهر لبعض آل الله سماع هذا التكليف في بعض مقامات التشريع بحيث ترتفع عنه الجهات الا انه في مقامه لايصل الي حد تكليف الانبياء في هذا المقام و ذلك القول الذي هو التكليف في المقام الثاني اي مقام الذكر عالم الجبروت و عالم العقول في التكوين ايجاده علي هيكل التوحيد مادته النور و صورته الاستقامة و صفته الرضا و التسليم و معناه الانحناء و الخضوع و الركوع ان قبل ذلك و الا فعلي هيئة الانكار و هيكل الشرك في مقابلات ما وصفت لك و اما في التشريع فالهامه بواسطة ميكائيل العلوم المخزونة في ابواب البيت الاول من الركن الاول من العرش من معرفة الله سبحانه بالبراهين القطعية و الاسرار
«* جواهر الحکم جلد 3 صفحه 506 *»
الالهية الباطنية و دوام المراقبة و الذكر و كثرة الصلوة علي محمد و آل محمد و امثال ذلك من الامور الكلية و الاحكام الواقعية الحقيقية و التكليف في العالم الثالث عالم النفوس في التكوين عرض الصورة الانسانية التي هي حدود التوحيد و صورة الايمان و التقوي عليه و صوغه عليها ان قبل و الا فعلي هيئة الكلاب و الخنازير و القردة و غيرها مما تقتضي قابلية انكاره و في التشريع بمعرفة الهامه بالواردات و الخطرات بواسطة الملائكة الثلاثة في فلك عطارد الذين هم سيمون و زيتون و شمعون معرفة الله سبحانه بالادلة القطعية و القياسات اليقينية و المقدمات الحقيقية و الاستدلال بالان و بالمجادلة بالتي هي احسن و بالقيام بخدمة المعبود جل جلاله و ترك الحسد و البغض و العداوة و التصورات الباطلة و ما لايعينه من الامور الرذيلة و لميكن للفظ و الكلام مدخلية في هذه التكاليف لا تكوينيها و لا تشريعيها و كل ذلك ظهور ذلك التكليف الاول الذي هو الست بربكم اهـ و انما اختلفت جهات التعبير عنه باختلاف المقامات و الحالات فلما بلغ الخلق الي عالم الاجسام صار تكليفهم في التكوين عرض الصورة الانسانية علي الكل علي السموات و الارض و الجبال فابين انيحملنها و اشفقن منها و حملها الانسان حين صوغه عليها حين قبوله لها انه كان ظلوما جهولا حيث لميطابق في اكثرهم ظاهره بباطنه و قوله مع فعله و علانيته مع سره و كذا اختلاف كل نوع من انواع الاجسام في افراده و اشخاصه و كل ذلك من جهة قبولهم التكليف المناسب لهم و انكارهم لذلك و في التشريع ظهرت الالفاظ و العبارات و الاشارات و التلويحات و دليل الخطاب و فحوي الخطاب و لحن الخطاب و دليل التنبيه و دليل الاشارة و المنطوق من الصريح و غيره و المفهوم و امثال ذلك و انما اختلفت لان التكليف يقتضي ذلك و لو خلص الحق لميخف علي ذي حجي و لكن اخذ من هذا ضغث و من هذا ضغث فامتزجا فيهلك من يهلك و ينجو من سبقت له من الله الحسني و هذا هو استنطاق طبايع المكلفين و استظهار سرايرهم و استعلام بواطنهم مع ان التكليف من حيث هو كذلك كلفة و مشقة يحتاج الي القبول و لايكون ذلك الا
«* جواهر الحکم جلد 3 صفحه 507 *»
بالطلب و السعي فهناك تزيد المراتب و تكثر المطالب اذ ليس للانسان الا ما سعي و ان سعيه سوف يري ثم يجزيه الجزاء الاوفي و ان الي ربك المنتهي و قد علمت ان المكلف هو تلك الكلمة العليا و التكليف هو ذلك القول و لما وقع في عالم الاجسام تعبر بهذه العبارة الظاهرة من قول فاعلم اني انا الله، لا اله الا انا فاعبدني و امثال ذلك فابان الملكف عن التكاليف الخاصة بالجسم من الاعمال التي لايشترط فيها النية المصطلح عند الفقهاء بباب المعاملات بالعبارة اللفظية و الاشارة اللغوية فناسب كل تكليف مقامه و كل توصيف و تبيين مرتبته و قد نشأ الكل عن اصل واحد و عاد اليه و لكن لما كان هذا حال العوالم الثلاثة منفردة و اما اذا اجتمعت و اقترنت و اتصلت فلاشك ان للمجموع حكما و تأثيرا ليس في كل واحد واحد فلوحظ المجموع و جعل له تكليف من الله يتعبد به و ذلك هو تكليف الكينونة و هو الاعمال المشروطة بالنية و اعظمها الصلوة و اعلاها و اشرفها و اقواها.
و لما كان الانسان هو الجامع المملك الكلي الحاوي لكل المراتب اختصت التكاليف كلها به و غيره علي حسب ما فيه من المراتب الظاهرة و الخفية و قد علمت ان ما من الله تعالي الواصل الينا بواسطة الداعي صلي الله عليه و آله شيء واحد و انما يختلف ظهوراته حسب القابليات في المراتب المختلفة بالصور المتفاوتة و تلك الصور و ذلك الاختلاف المقتضي لاختلاف الصور و الهيئات لدقة مأخذه و صعوبة مسلكه لايعلمه الا من اشهده الله خلق السموات و الارض و اراه اقتضاء القابليات و جعله شاهدا علي خلقه و دليلا علي هداية سبله و قد قلنا ايضا ان حكم التكليف التشريعي حكم التكليف التكويني حرفا بحرف و قد قال تعالي ان الله لايغير مابقوم حتي يغيروا ما بانفسهم و لما كان الكون في القوس الصعودي يترقي من الاسفل الي الاعلي و من الكثيف الي اللطيف كما دريت سابقا و كل مرتبة يظهر في الكون الجسمي لابد له من تكليف و جهة توجه الي الله سبحانه و ذلك لابد له من مبلغ و مؤد عن الله سبحانه و قد علمت ان المبلغ الحقيقي و المؤدي الواقعي هو تلك الكلمات الطيبة الطاهرة في
«* جواهر الحکم جلد 3 صفحه 508 *»
الهياكل البشرية و ان المخلوقات بقضها و قضيضها مستفيدة منهم و مستندة اليهم لكن كما وصفت لك من ان كل شيء انما يستند اليهم حسب رتبته في مقام ظهورهم له فيها بما يناسبها و كان مبدأ الكون في اول ظهوره الثانوي في القوس الصعودي هو القشر و الظاهر قبل النضج الكامل المقتضي لظهور الاصل و الحقيقة الغائبة في هذه القشور بالقوة بعد ان كانت بالفعل فلميظهروا عليهمالسلم بانفسهم بل انما ظهروا بامثالهم و اشباحهم و اشعتهم التي هم الانبياء و المرسلون علي محمد و آله عليهم سلام الله ابد الآبدين لان الانبياء قد وجدوا من عرقهم و من رشحات فاضل ظلهم في النزول في السلسلة الطولية فلابد من ظهورهم في هذا القوس قبلهم سلام الله عليهم و الا لاختل الترتيب و فسد النظام و لما ان الانبياء ليس كل واحد منهم علة مستقلة في تقويم الكون ذاته و صفاته بل المجموع من حيث المجموع علة لمجموع الطبقة الثانية التي هي مقام الرعية ما استقل كل واحد واحد منهم في تبليغ الكون احكامهم التكويني و التشريعي.
و لما ان كل جزء من الفلك و الكوكب الثابت المركوز فيه له مناسبة و وضع و محاذاة في الموضع المخصوص من الاجرام السفلية يخص ذلك الكوكب بالتأثير فيها و التدبير لها جزئيا لا كليا و لذا اثبتنا لكل كوكب من الكواكب الثابتة في فلك البروج فلك التدوير لا الحامل فان حركته ليست كلية تشمل العالم كله فليس له فلك الحامل المحيط بالعالم و انما هو مظهر النفس الجزئية فيكفيه فلك التدوير اختص كل نبي بما يناسبه من الرعية المقبلين عليه في العالم الاول و الآخذين منه و لما كان الحكم الكوني الاولي لاتمام الصورة و البنية و الخلقة الظاهرة مع الحكم الثانوي من نضج تلك البنية و تمامها و اعتدالها و قوامها باطنا بالاسباب التشريعية الالهية متطابقان و كانت تلك البنية و الخلقة الظاهرة ما تمت و نضجت و اعتدلت الا اذا طرأت عليها ستة حالات كما ان الكون في اصل الخلقة في عالم النزول في قوس ادبر فادبر ماتم الا بستة مراتب مرتبة من العقل و النفس و الطبيعة و المادة و المثال و الجسم و في الصعودي من النطفة و العلقة و المضغة و العظام و اكتساء اللحم و انشاء الخلق
«* جواهر الحکم جلد 3 صفحه 509 *»
الآخر و هو الاصل و الاحوال المتقدمة كلها مقدمات و معدات لاظهاره فاذا ظهر اللاحق بطل حكم السابق و نسخ بخلاف ما اذا ظهر السادس فانه يبقي و يستمر ابد الآبدين و دهر الداهرين الي ما لانهاية له لايبطل حكمه و كلما طالت عليه المدة و زادت تزيد قوة و نموا و شبابا و جدة في الدنيا و الآخرة في الجنة او في النار و لما كان الامر كذلك كانت الشرايع ستة خمسة منها منسوخة و السادسة باقية دائمة مستمرة ببقاء الكون و تمام الامر في هذه المسألة قد شرحناه في بعض اجوبتنا للمسائل التي اتانا (اتتنا ظ) من ارض الغري علي مشرفها آلاف التحية و الثنا من الرب العلي.
و لما نسخت تلك الشرايع و نضجت الطبايع و قويت البنية ظهر الاصل الدائم و هو الشريعة المخصوصة بظهور نبينا صلي الله عليه و آله و ان كانت الشرايع كلها له فكانت هي الروح في الشرايع و هي المستمرة الدائمة الباقية مر الدهور و الاعوام و الازمان لان امته صلي الله عليه و آله خير امة اخرجت للناس فاظهر صلي الله عليه و آله شريعته و اوضح حجته لكن لما كان لما ذكرنا من تعاكس حكم القوس الصعودي و لان الطبايع بعد تمام الخلقة و ولوج الروح و ظهور احكامها لمتنضج نضجا قويا تاما بحيث يترتب عليها مقتضي الروح الحيوانية بل هي بعد ضعيفة لم تتحمل الامور العظيمة التي تقتضيها النفس من ارتكابها من المشي و الاكل و الشجاعة و النكاح و امثال ذلك فلاتطيق البنية حمل تلك الاحكام فيرفق معها و يغذيها بالاغذية اللطيفة الرقيقة التي يناسبها كالدم حال كونه جنينا في بطن الام يشربه من صرة (سرة ظ) الام من الدم الصافي الذي لا كثافة فيه حتي يحتاج الي التصفية مرة اخري فتجتمع لديه الفضلات فاذا خرج يشرب اللبن و هو ذلك الدم يبيض في ثدي الام فيحرم عليه التغذي بالدم بعد ما ظهر في هذه الدنيا و يضره ايضا فاذا بلغ سنتين يمنع من شرب اللبن لان البنية قد قويت فلايمسكها اللبن الرقيق و علي هذا القياس كلما قويت البنية تقوي الغذاء و يمنع عن السابق او يكثر كما هو المشهور فتختلف عليه الاحوال من الجني (الجنين ظ) الي الرضاع الي الفطم الي الصبي الي
«* جواهر الحکم جلد 3 صفحه 510 *»
المراهقة الي البلوغ و في كل هذه الحالات تختلف عليه احوال الاغذية و الاطعمة و الاشربة و اللباس و الكلام و الادراك و سلوك الناس و معاشرتهم معه فاذا بلغ حد البلوغ و الرشد يكون اول مقام الحكم عليه فلايستقر الا علي ثلاثين سنة او اربعين.
فاذا فهمت هذه الآية التي ضربها الله لك مثالا لشريعة محمد صلي الله عليه و آله فطب نفسا و قر عينا حيث بصرك الله بامور دينه و عرفك ما غمض علي الخلق و علمت ان هذا الاختلاف و الاغتشاش مما يجب و سيعود كل الاختلاف الي الايتلاف و ان نصب الوصي واجب من قبل الله و ان النسخ لازم في زمان النبي صلي الله عليه و آله و بعده اذ التكاليف اسباب للترقي و اغذية للتقوي و النمو و الرشد و انه من قبل الله سبحانه فلايقبل و لايعمل عليه الا من جهة الفؤاد النور و العقل المسدد و هيكل التوحيد فاذا كان الرجل قد تربي في الكفر و الشرك و استولت عليه الصورة الانسانية فلايطيق التوجه الي الله سبحانه و حمل تكاليفه كما ينبغي فينكر و لايقبل ابدا فيموت في ساعته مثل الرضيع اذا غذيته بغذاء الرجل الشاب القوي فيعالجه الحكيم الطبيب الحاذق باكمل علاج الي انتتقوي البنية و تذلل النفس الامارة الصعبة المستصعبة فتحمل ما حملتها و تطيق علي حملها و كذا كان عادة رسول الله صلي الله عليه و آله مع امته اذ كلفهم في اول الامر ما لايصعب عليهم و لاتشمئز نفوسهم منه و ربما يكون ذلك صلاحهم الي مدة معينة فاذا انقضت المدة انقضي الحكم و يأتي لهم بحكم آخر يوافق كينوناتهم فاذا انقضت مدته ينسخ و هكذا و لذا قد كثر النسخ في زمان رسول الله صلي الله عليه و آله و قد يكون كثيرا من الاحكام انقضاء مدتها بعد زمان النبي صلي الله عليه و آله فيوصي الي وصيه عليهما السلم انيغير حكمه اذ انقضت تلك المدة فما ينسخ الوصي انما هو بامر النبي امرا خاصا لا كما توهمه كثير من الناس كل ذلك اتماما لقابلياتهم و تمكينا لقبول ما يكلفهم بابي رسول الله و امي لقد عاملهم معاملة الطبيب الرفيق و الوالد الشفيق و قد قال تعالي في حقه و هو كما قال لقد جاءكم رسول من انفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص
«* جواهر الحکم جلد 3 صفحه 511 *»
عليكم بالمؤمنين رؤف رحيم فان حارب رسول الله صلي الله عليه و آله الكفار اعانة للقلوب المايلة الي الحق و اسماعا لصيت التكليف علي المكلفين و تبليغا الي كافة الخلق اجمعين و احكاما لبنيان هذا الدين المتين و اتماما لقابلية من يأتي بعد ذلك من الاعوام و السنين و اعلاء لكلمة الحق علي العالمين و افشاء لذكر الله الحق المبين و من دون محاربته صلي الله عليه و آله لميتيسر ذلك و لخمد ذكره و نسي امره و بطلت الغاية في بعثته لكنه قد امر وصيه بعدم المحاربة و سل السيف و الجهاد بل امره بتأكيد الحجة و اهداء المحجة من غير سيف و لا حرب حفظا للشريعة و صونا لها عن الجور و عدم النصفة و استنطاقا لما استجن في الطبيعة و احترازا عن خمود ذكر الله و ذكر رسوله و ابقاء للامة و محافظة للشيعة ليشتهر الامر في اعقاب تصل القشور الي اللباب فوجبت التقية و اوجبها علي عليهالسلم علي الرعية و جرت في ذريته الطاهرة عليهم سلام الله ما دامت الدنيا و الآخرة و من التقية ايقاع الاختلاف بين الرعية لئلا يتميز الغث من السمين و يسلم الدين و اهله من المؤمنين و من ذلك ايراد الكلام علي العموم و الخصوص و الاطلاق و التقييد و المحكم و المتشابه و الظاهر و المؤوَّل و النص و المجمل و التلويح و الاشارة و المكاتبة و الكلام علي الجهات و الحيثيات و الاعتبارات و جعل هذه الكلمات بين ايديهم ثم سوقهم الي مايريدون منهم من التكليف و تيسيرهم لما يصلح لهم من ذلك الدين الشريف نظرا الي اقتضاء كينوناتهم و سؤلات استعداداتهم و قابلياتهم و لميغفلوا سلام الله عليهم عن احوال المكلفين دقيقة و لا جليلة و كل ذلك اصلاحا لبنيتهم مثل ما يفعل الاب مع ولده من اول تولده الي انيبلغ عشرين سنة الي زماننا هذا الذي كثر فيه الاختلاف و انقطع الايتلاف و غاب مولانا و امامنا حجة الله علي الخلق اجمعين عليه سلام الله ما دامت السموات و الارضين و عجل الله فرجه و سهل مخرجه قد عظم الخلاف و انعدم الوفاق و بقوا في حيرة عجيبة و ظلمة و شديدة يسيرون في الوادي المظلمة المهولة المخوفة و وقفوا حياري و في قيد الجهل و عدم البصيرة اساري و ما دروا ان الي من استنادهم و الي من مردهم و معادهم و
«* جواهر الحکم جلد 3 صفحه 512 *»
ممن يأخذون تكليفهم و الي من يلجؤون في دينهم حيث كانوا في العالم الثالث مقام المجادلة بالتي هي احسن فلايعرفون الا ما ادركته حواسهم الصورية في ظاهرهم او باطنهم و لايدركون الا الجزئيات التي لايمكنهم التعدي عنها و ان كانوا يزعمون انا ندرك الكلي و نرد عليه الجزئيات لكن التبسوا في التباس شديد و ليس استنادهم في ذلك الكلي الا الي الغير ثم مع ذلك لايمكنهم اجراء حكمه في كل افراده و جزئياته او الي الجزئيات التي نبهوهم عليها و عرفوهم اياها و هل هذا الا الجزئي و امثلة ما ذكرنا كثيرة لانطول الكلام بذكرها الاتري انهم اتفقوا علي وجود الامام عليهالسلم و لايشكون فيه و ان الامام لو لميكن لساخت الارض باهلها و مع ذلك تحيروا في امر تكليفهم و اختلفوا و خصصوا هذه الكلية لما لميعرفوا و لا لوم عليهم ذلك مبلغهم من العلم و شأن الواقف في مقام البحث و المجادلة فانهم يرون امورا كثيرة لا ارتباط لبعضها مع بعض فان توافقت حصروا بعضها و لميحفظوا اكثرها و انتخالفت اخذ كل ما عرف و طرح الآخر لحكم المضادة المتوهمة و غيره عكس الامر لذلك و سر هذا الاختلاف علي العموم ما ذكرنا من وقوفهم في مقام يقتضي ذلك و اما في ما نحن فيه فلانهم لما اتفقوا علي مقتضي الفطرة لاستدعائها ذلك ظاهرا بينا بمساعدة سابق التقدير و ولي التدبير حيث جمعهم عليه لئلا تنهدم بنيتهم و لميفعل في جميع الامور لمحبة الاختلاف راعيكم الذي استرعاه الله امر غنمه اعلم بمصالح غنمه فانشاء جمع بينها لتسلم و انشاء فرق بينها لتسلم.
و بالجملة عرفوا بالفطرة بمقتضي العبودية المستجنة التي هي اصل هيكل التوحيد انهم ليسوا بمهملين و لا معطلين بل اراد مخترع اكوانهم و مبتدع اعيانهم فيهم ارادة و علموا جهلهم بتلك الارادة بسبب قصورهم و نقصانهم و ان الله قد جعل لهم اقوياء كملين يعلمونها بتعليم الله سبحانه و يعلمونها اياهم فلما غاب المعلم عليهالسلم انسد علينا العلم مما كنا نستفيد منه و نأخذ عنه من الامر
«* جواهر الحکم جلد 3 صفحه 513 *»
الواحد الغير المتعدد المقرون بارادته عليهالسلم و ان تعدد[3] و حينئذ اما انيرتفع التكليف او يجب علينا الطلب و السعي لتحصيل المكلف به مع بقاء التكليف و لايمكن الخدش في التكليف و القول بارتفاعه للاجماع المستند الي الفطرة الصحيحة فوجب الامر الثاني الي هنا اتفقت كلمتهم و اقتضت ادلتهم بتيسير سايقهم و زايدهم من حيث لايشعرون و ليس في مانعرف و نجد من ينكر التكليف و يجعل نفسه مهملا سدي فيفسد ما يصلحه و يصلح مايفسده و لااظن ذلك بعاقل فلما عرفوا للطلب و توجهوا نحو المطلب و استشعروا جميعا بان المطلوب معلوم الا ان لكل مطلوب بعيد عنا بالمسافة الظاهرية او الباطنية طريقا و سبيلا و دليلا اما الدليل فلئلانضل السبيل و اما السبيل فلوجوب قطعه للتوصل لكونه واسطة و حجابا فراموا معرفتهما و تعيينهما و لما نظروا الي ما يصلح انيكون سبيلا وجدوا كتاب الله و اخبار آل الله و لايشكون ان مايعرف منهما علي جهة القطع هو السبيل قطعا بدلالة العقل الصريح لكنهم استشكلوا في ذلك فلما نظروا في الاخبار وجدوها علي انحاء مختلفة و اقسام غير مؤتلفة.
فمنها ما هو المتواترات فاتفقوا علي ان هذا مما يفيد القطع بالمقصود لكنهم لما نظروا الي المتواترات وجدوها علي قسمين احدهما ما تواتر ورود معناه عن المعصوم عليهالسلم و ان اختلفت الالفاظ و التعبيرات و هذا القسم قد اجمعوا علي اعتباره و حجيته و ثانيهما ما تواتر ورود لفظه و قد اجمعوا علي ان ذلك لايفيد المقصود لان افادة المقصود من الخبر يشترط فيها امران الاول صحة وروده عن الامام عليهالسلم و الثاني صراحة دلالته و نصيتها و عدم تطرق الاحتمال فيها ففي المتواترات اللفظي قد تحقق الشرط الاول فان قارنه الشرط الثاني فهو معتبر اتفاقا و اجماعا.
و منها الآحاد و هي ما لمتتواتر فاختل فيها الشرطان جميعا فان انضمت معها قراين حالية او مقالية تفيد القطع بالمراد فهي معتبرة و حجة اتفاقا.
«* جواهر الحکم جلد 3 صفحه 514 *»
فكان اتفاقهم الي هذا المقام و لميختلف فيه احد من عقلاهم و اما مابعد ذلك الي انيصلوا الي المقصود فقد اختلفوا اختلافا شديدا و الوجه في ذلك الاختلاف جهات الشيء و حيثياته فبكل حيثية يمكن انيكون مبدأ حكم من الاحكام و اعتقاد من الاعتقادات و مذهب من المذاهب لمن لايحيط بالشيء و لايكون اعلي من تلك الحيثيات و الجهات و ذلك لان المكلف به بعد القطع بحصول التكليف يحتمل انيكون باقيا علي ما هو الاصل من اعتبار العلم و القطع به قطعا اوليا نفس امري و يحتمل ايضا انيكون ابتدائيا واقعيا و يحتمل انيكون من جهة الاختلال الواقع في المقام من غيبة الامام الذي هو الشرط الثاني لتكليف الانام لايعتبر فيه ما يعتبر في حضوره عليهالسلم من القطع الثابت التام و الا لميكن فرق في المقام فيكتفي بالظن عند العجز عن العلم و هكذا الشك عند العجز عن الظن و لا سبيل اليه للوهم و العلم المعتبر يحتمل انيكون عاديا ايضا و السبيل يحتمل انيكون كل ما يحصل به العلم او الظن بالمطلوب و ان لميرد فيه خبر و لميسند الي اهل الذكر فيه حكم لمطلوبيته اطمينان النفس و سكون القلب الا ما حصل القطع بعدم اعتباره و حجيته و يحتمل انيكون السبيل اربعة الكتاب و السنة لما هو المعلوم و الاجماع لحصول القطع بالمطلوب من الاتفاق قطعا و العقل لكونه هو النبي باطنا و هو ما عبد به الرحمن و اكتسب به الجنان و يدور في هذين المقامين القطع الا الظن و يحتمل انيكون السبيل نفس الاخبار المنسوبة الي الامام من غير نظر الي حصول القطع او الظن بالمراد بل يكفي عدم العلم ببطلانه و كذبه و يحتمل انيكون منحصرا في الاخبار وحدها و اما الكتاب فلا لكونه يحتاج الي المبين فما استفيد منه ان وافق ما قال المبين عليهالسلم فهو و الا فذروه في سنبله و ردوه الي اهله اهل العلم الذين يستنبطونه منهم و امثال ذلك من الاحتمالات بحسب الجهات المعتبرة في المطلوب و السبيل و الدليل فلما قامت الاحتمالات نظر اهل المجادلة الي الجهات و لمينظروا الي الشيء من جهة الذات البحت البات فتمسكوا في الترجيح بالاحتمال الآخر و رجحوه علي الآخر فقال قائل منهم ان المعتبر ليس الا العلم
«* جواهر الحکم جلد 3 صفحه 515 *»
لقوله عليهالسلم المتفق عليه لا تكليف الا بعد البيان و البيان ينافي الظن مع الآيات الناهية عن العمل بالظن و ان الظن لايغني من الحق شيئا و ان الظن في نفسه قبيح فلايصار اليه لان العمل بالظن يستلزم اجتماع النقيضين في حال الاختلاف ان قيل باصابة كلا الظنين و الا يستلزم اتباع الهوي و الباطل ان قيل بتخطئة احدهما و ايضا يلزم الاختلاف في الدين الواحد الحق فان الظن لايقف علي حد فلايزال في الاضطراب و التجدد و لايثبت الا بالعلم و ايضا ان عمل بالظن يستلزم الافتراء بالله سبحانه لان يقول ما ليس له به علم بل يجوز خلافه و الله سبحانه يقول و لاتقف ما ليس لك به علم ان السمع و البصر و الفؤاد كل اولئك كان عنه مسؤلا، قل ءالله اذن لكم ام علي الله تفترون و ما ظن الذين يفترون علي الله الكذب.
و بالجملة قد شاهد العقل و طابقه النقل بان الظن لايغني من الحق شيئا فبنوا امرهم في تحصيل الاحكام الشرعية المكلف بها علي جهة القطع و اليقين و اعرضوا عن الظن و التخمين و يظهر من كلام بعض الاعلام انهم يريدون القطع الابتدائي الواقعي لكن المشهور منهم القطع النفس الامري و كلامهم مضطرب في الثاني ايضا هل هو قطعي ام عادي و هؤلاء هي الطائفة الموسومة بالاخبارية و يلقبون انفسهم بالمحدثين لانهم قصروا نظرهم في متون الاخبار و الآثار و ما تأملوا دقيقا في مايظهر منها لاولي الابصار من القواعد الكلية و اللطائف الحسنة في استنباط الاحكام التكليفية فانكروا حجية العقل و الاجماع و كذا الكتاب المجيد زعما منهم بانه ليس لنا بل هو علم غيرنا نحتاج الي الترجمة و لانعرف منه شيئا و لمنجد فيه نصا حتي قالوا ان قل هو الله احد ليس نصا في المراد و اما الاجماع فلمتدل الاخبار علي حجيته و اما العقل فلاسبيل له الي المدارك الشرعية فحصروا السبيل الي متن الاخبار و ادعوا العلم القطعي في معرفة الحكم الشرعي اقول و قد خبطوا في كل ما ذهبوا اليه خبط عشواء و ذلك لانهم في مقام المجادلة و محل البحث و المناظرة و ترتيب المقدمات و ملاحظة الاعتبارات كما هو شأن اهل هذا الشأن و العلم و الظن في هذا المقام
«* جواهر الحکم جلد 3 صفحه 516 *»
لهما اسباب يتفرعان عليها فان الصورة الحاصلة في الذهن لايخلوا اما انتكون لها صورة معارض تتعقبها ام لا و الاول لايخلوا اما انيميل الي المعارض و لو قليلا يسيرا جزئيا لايعبأ به ام لا بل يجده باطلا عاطلا شيطانيا و الثاني هو الوسوسة و الاول فان كان الميل الي المعارض جزئيا غير مستمر كوجوده بل يأتي في بعض الاحوال كالبرق الخاطف و يذهب و هذا هو الريبة فان استقر المعارض فان كان مرجوحا فهو الوهم و ان كان متساويا فهو الشك و ان كان راجحا فهو الظن فان انعدمت الصورة المعارضة مطلقا بحيث لاذكر لها فهناك العلم فخذ الذي ذكرنا لك صافيا و ليس بعد هذا الكلام كلام و لاتكثر المقال فان العلم نقطة كثرها الجهال.
فعرفت من هذا الكلام ان لا واسطة بين العلم و الظن و لا منزلة بينهما و لايكون العلم الا بارتسام الصورة من غير ذكر معارض اصلا و المعارض علي اقسام لان العلم علي اقسام و هذه الاقسام من تعدد الاصقاع لا العلو و السفل و العلة و المعلول بل لتعدد البيوت التي هي خزانة العلوم الصدرية و المراد بها جهات وجوديات الصور في كل صقع و مقام ليس العلم الا ماذكرنا و الوجه في هذا التعدد هو ان العلم لايخلو اما انيكون حصوله بالنسبة الي الشيء من حيث هو هو و من حيث وقوعه في المدرك من غير ملاحظة امر آخر معه ام لا بل باعتبار ملاحظة وقوعه مع الاخر فان كان الاول فهو الذي يسميه الناس بالعلم العقلي اي الذهني لا الخارجي كما هو احد اطلاقاته و ليس هو ما تحقق عندنا و عند المحققين من اهل العلم من كونه خارجا عن عالم الصورة و اما نسبته الي الذهن فقط اشعارا بانه قد لوحظ من حيث هو هو ففي هذا المقام يجب نفي المعارض علي جهة العموم و الاطلاق فلو احتمل احتمالا بعيدا في هذا المقام يختل العلم لان المعارض قد وجد في بيته و تحقق في صقعه الا انتكون وسوسة في الصدر من الوسواس الخناس الذي يوسوس في صدور الناس من الجنة و الناس فان ذلك لايضره و ان كان الثاني فلايخلوا اما انيكون مستندا الي العادة او الي النقل فان كان الاول فهو العلم العادي فالصورة الحاصلة في هذا
«* جواهر الحکم جلد 3 صفحه 517 *»
المقام تحت الحاصلة في المقام الاول و اخص منه فكان اعم فلايضره لو وجد معارض في الصقع الاول لانه غير بيته فلاينهدم الا اذا هجم المعارض علي بيته و صقعه و ينتسب المعارض المخالف ايضا الي العادة كالاصل فان كان الثاني فالمراد من العلم المتحصل من النقل هو الاشراق بما في ضمير الغير و باطنه و ذلك الاشراق يتصور علي وجهين:
الاول اشراق النفس علي الباطن و الضمير و الاستعلام مما فيه و هذا لايكون الا للكملين الواصلين اما الي اعلي عليين او الي اسفل السافلين علي طور آخر و هذا العلم لايسمي نقليا بل يسمي حضوريا و شهوديا و يتعذر ذلك لامثالنا من الناقصين الواقفين في مقام المجادلة و الثاني قرع الالفاظ المسموعة من المتكلم المناسبة لمعانيها المستجنة في الباطن الدالة عليها بتلك المناسبة علي طبل الاذن و اخذ الحس المشترك صورتها المقدارية المدلول عليها بتلك الصورة الجسمية علي طبقها و وفقها و ايصالها الي النفس و ادراكها لها و انتقاشها فيها.
ثم لما كان مايظهر من اللفظ من المعني ليس هو عين ما في ضمير المتكلم و لا حقيقته بل انما هو ظهور من ظهوراته الباطنية قد ظهرت بقدح زناد القرع و الضغط و القلع علي حجر الهواء المنجمد في فضاء الفم فالمعني هو شرر ذلك التصادم كالثمرة للشجرة و هو قول مولانا الرضا عليهالسلم ان الحروف لمتكن لها معان غير انفسها فاذا الفتها تؤلفها لمعني حادث لميكن قبل ذلك فيكون المعني هو ظهور باطن الشخص و اشراقه في قابليته الالفاظ فهي بمنزلة المرايا المتعددة و المعني الثابت في ضمير الشخص بمنزلة المقابل و المدلول عليه بالالفاظ بمنزلة المقابلة و المواجهة المتحصل منهما الظهور المنبسط علي حقايق الالفاظ و المرايا المتشخص بتشخص تلك المرآة فان كانت المرايا مختلفة متفقة في الصفا و الاستقامة تحكي الشاخص المقابل كما هو مع الاختلاف و التعدد و مع الاختلاف الكثير لاتدل الا علي شيء واحد فلايضر في وحدة المحكي و ان كثر الحاكي و ان كانت مختلفة و متفاوتة في
«* جواهر الحکم جلد 3 صفحه 518 *»
الصفا و الكدورة و الاستقامة و الاعوجاج تختلف الحكايات فالمطلع علي الشاخص لمير الا الواحد و كذا المطلع علي المرايا في مشهد واحد و الا فاذا تعاقبت الاشخاص و لميروا الشاخص و رأي كل واحد مرآة و حكاية فهناك يختلف الامر عندهم و ماكنا منهم انشاء الله تعالي فاذا عرفت هذا المثال الذي ضربه الله لك دليلا لمعرفة خلقه عرفت حكم الالفاظ و علمت ان المعني يختلف باختلاف الالفاظ و لو جزئيا يسيرا و يكون اختلافا ما الا انيكون عالما به من غير جهة اللفظ.
و لما كان الشيء لايتم مترتبا عليه الاثر بل اقول لايوجد الا بالمادة و الصورة فاذا تحققتا يظهر الشئ مشروح العلل مبين الاسباب كانت الالفاظ ايضا لاتتم الا بالمادة و الصورة و المادة علي قسمين بسيطة و مركبة كالخشب المركب من العناصر الاربعة المركب كل منهما من المادة و الصورة الجسميتين مثلا و الصورة ايضا كذلك بسيطة كالكرة و الدائرة و ان لمتوجد الصورة الا مركبة من المشخصات الستة و الحدود السبعة و الاركان الثمانية و مركبة و هي ظاهرة و لاشك ان لكل جزء من اجزاء المادة دخلا في تقويم المركب بحيث اذا اختل ذلك الجزء بطل المركب و كذا الصورة الا ان الشيء لما كان في بعض الاحوال مشتملا علي مكملات زائدة لازمة يشتبه الامر في الفرق و اجراء الاحكام عند الاختلال و لما كانت الاشياء صدرت عن فعل الله سبحانه علي نظم محكم و امر متقن و شريعة قويمة و سنة سنية دالة علي حكمة الصانع و علمه و حيطة سلطنته و جبروته و قهاريته بحيث لولاها لفسدت الاشياء و لميتم النظام و ان كان هو سبحانه سبب كل ذي سبب و مسبب الاسباب من غير سبب كانت الالفاظ ايضا مادتها و صورتها علي ترتيب حسن و وضع محكم متقن و نسبة ارتباطية اذ اختل ذلك الترتيب اختل المعني فاذا تغير تكون مرآة لمعني آخر فلايفيد المعني المراد.
و لما كان كل حق و صواب و نور و خير انما هو من آثار هياكل التوحيد و اشعة انوارهم فلولاهم لميوجد حق بل لميتحقق باطل وجب ان يكون ذلك
«* جواهر الحکم جلد 3 صفحه 519 *»
الترتيب اللفظي علي تلك الاوضاع منسوبا اليهم متحققا منهم و لما كانت الاشياء انما اجريت علي اسبابها جريا لعادة الحق سبحانه وجب انيكون لايصال تلك الاوضاع اللفظية الالهية سبب يتوسط بيننا و بين مبادينا لتمكين الاستفاده و تمكن قبول الافادة و لما كان حسن النظام يقتضي حسن التأليف و حسن التأليف يقتضي حسن الارتباط بين الاشياء و حسن الارتباط الكامل يقتضي انيكون كل شيء دخيلا في وجود كل شيء اما انيكون من جهة التكميل او التتميم من الشرط و اللزوم و الصفة و الدلالة و الاقتران و النسبة و امثال ذلك كانت الاشياء بعضها سببا لشيء و مسببا لآخر و دليلا لشيء و مدلولا لآخر و حجة علي شيء و محتجا علي آخر و شرطا لشئ و مشروطا بآخر و كتابا لشيء و مكتوبا في آخر و هكذا في جميع اطوار الوجود و هو قوله تعالي و لولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع و بيع و صلوات و مساجد يذكر فيها اسم الله فاقام الاشياء باظلتها بهذا المعني و ادام الملك في الملك فلمتر شيئا الا و هو دليل لشيء و سبب لشيء و مقتض لشيء و ذكر لشيء و هكذا و لما كانت الاستفادة و التلقي يجب انيكون علي حسب المقام و المرتبة كانت الافادة و الافاضة اللفظية لفظية و لما كانت الالفاظ اعراضا لاتتذوت الا بالموضوعات يجب انيكون مستندة الي لافظ و متكلم في الالقاء و الاداء و لما كان النظام لايستقيم بدون اللفظ علي جهة العموم في كل الاحوال من اول التولد الي انيموت و بدونه لايعيش ما اقتضت المصلحة و حكم التدبير انيجعل للالفاظ نبيا و يرسله الي الخلق ليعلمه الالفاظ و لما كانت الاعراض صفات الموضوعات و الصفة من مقتضيات الموصوف و مسؤولات قابلياته و لايمكن ذلك الا بكمال الارتباط بين الصفة و الموصوف.
و لما عرفت ما قلنا لك ان ما من الله سبحانه واحد لا اختلاف و ما هو لله الذي هو هيكل التوحيد الذي هو الصورة الانسانية لايقتضي الا الواحد اذ ليست له ارادة سوي ارادة الله فلايشتهي الا الواحد و ليكن هيكل النفاق الذي هو الصورة الشيطانية لما ظهرت بنتنها و خبثها و دخانها و بخارها الكدر المظلم في
«* جواهر الحکم جلد 3 صفحه 520 *»
الوجود و تمكن في اكثر الموجودات و استقر فيها علي الاصالة الذاتية مما يناسبها كذلك و اصاب بعضها لطخ و بعضها خلط و استشم البعض منها رائحة و هي لاتستدعي الا الكثرات و الاختلافات و دواعي الانيات و تجدد الشهوات علي الاصول المجتثات اختلفت الاشياء لاختلاط تلك الطينة النجسة في الاقتضاءات و تفاوتت في الشهوات و منها الالفاظ فان مقتضي هيكل التوحيد ليس الا اللفظ العربي و لذا كان لسان كل اهل الجنة بخلاف اهل النار لكنها لما قلنا اختلفت فاقتضت اختلاف الالفاظ بالفارسية و الهندية و الرومية و التركية و السريانية و اليونانية و امثال ذلك فاعطي الحق سبحانه بولي الامر الحامل للواء الحمد كل قابلية ما اقتضت و كل طائفة ما استدعت و طلبت من الالفاظ بالهام او بخلق علم ضروري او من قبل ابينا آدم علي نبينا و آله و عليهالسلم علي ما نفصله في مابعد انشاء الله تعالي فكل طائفة اختصت بلغة من اللغات هي الحجة علي غيرها فيها و يجب تحصيل تلك اللغة ان وجب منها و معرفة الفاظ تلك اللغة و ترتيبها و مناسبة مادتها و صورتها و اقتضاءات القرانات التي بينها و الاوضاع التي هي عليها و لما كانت المعاني كثيرة غير متناهية و الانسان ابدا يحتاج الي التعبير و ليست المعاني المحتاج اليها محدودة معينة و لميمكنه حصر تلك المعاني فضلا عن حصر الالفاظ الدالة عليها فلو اقتصر علي الالفاظ الحقيقية الخاصة بكل معني لضاق عليهم المنهج و لاضطربوا في تعبيراتهم و اخراج ما في ضمايرهم و ايضا لو اقتصر علي خصوصيات الالفاظ الموضوعة الاولية لانعدمت اللطايف و المحسنات اللفظية و لميكن اختصار شيء و الغاؤه و تعميته و تجنيثه و امثال ذلك و ايضا لو كان كذلك لما اظهرت الطبايع بما استجنت و السراير بما اضمرت و الضماير بما استرت و هو السر الحقيقي الواقعي في هذا الشأن و لما كان الامر كذلك جعل للانسان اصولا و قواعد كلية في الالفاظ يتصرف في جزئياتها و هو الاوضاع النوعية فرخصوهم انيستعملوا كل لفظ بما يناسبه و انينقلوا كل لفظ الي ما يناسبه و انيستعيروا كل لفظ لما يناسبه و انيستعملوا كل لفظ في كل معني علي جهة النقل و ان لميعلموا
«* جواهر الحکم جلد 3 صفحه 521 *»
جهات المناسبة و قد علمهم بها تعليما عاما من حيث لايشعرون و جعلوا المعاني الكثيرة مشتركة في لفظ واحد و الالفاظ الكثيرة في معني واحد و امثالها من الاحوال اللفظية و انت تعلم ان كل معني يناسب كل معني و كل لفظ يصلح للنقل و الاشتراك و المجاز و الاضمار علي خلاف الوضع الاولي و انت ان لمتحط خبرا بكل الاستعمالات و مراد المتكلم بتلك الدلالات و ان كنت من اهل اللغة و اللسان فان القراين المجازية اكثرها حالية و المقالية قد تكون خفية سيما بالنسبة الي كلمات من بعد عهده و طالت مدة مقالته و ان لمتكن من اهل اللسان يجب عليك انتتعلم تلك اللغة و كيفية تركيبها من المادة كما هو في علم الصرف في اللغة العربية فان المادة ليست بسيطة بل هي مركبة ايضا من مادة و صورة و من الصورة كما في علم النحو فيها و في اصل الدلالة كما في علم اللغة سيما اذا لمتلاق اهل اللسان و تلتجئ في علم ذلك بكتب النقلة و الحفظة التي شاع خطاهم و فسقهم و فساد عقيدتهم و وقوع الاختلافات الكثيرة التي بينهم في اصل الدلالة و في الصرف و النحو فان استفادة النقلة تلك اللغات اغلبها من الاشعار و من موارد الاستعمالات بحسب الاستقراء و امثال ذلك و لاشك ان تحصيل العلم القطعي و العادي باصل المعني بهذه الامور قليل جدا فلو حصل فاغلبها بالامور الظنية و يجب عليك انتجري في معرفة معني اصولا كثيرة كلها ظنية من اصالة عدم النقل و عدم المجاز و عدم الاشتراك و عدم الاضمار و امثال ذلك الا انيكون قراين قطعية تدل علي ذلك المعني و لااظنها تحصل في كل الالفاظ المستعملة في معانيها و لا في اكثرها فالمتحصل من النقل انكان حال مشافهة المتكلم و علم قطعا ان المتكلم مراده افهامه و التبيين له و تفهيمه مراده و كان عالما قادرا علي حسن التعبير ليكشف عما في الضمير ذلك علم قطعي لا معارض له في صقعه و مقامه و ان لميرد المتكلم افهامه او لميعلم ذلك منه او يكون المخاطب من الحملة الي من هو افقه منه او يكون ناقصا عن التعبير و حسن التأدية او يكن المخاطب المشافه ناقصا عن فهم المراد لايمكن له القطع بالمفاد فان ظن ببعض القراين و القواعد شيئا فهو و الا فيبقي في زاوية الاجمال
«* جواهر الحکم جلد 3 صفحه 522 *»
فان القواعد كليات قد يكون بعض الجزئيات له مخرج منها بحسب النقل و اللغة فجاء المعارض و ذهب القطع و ان لميكن حال المشافهة و كان غايبا عن المتكلم فلايخلو الكلام عن احوال لان الكلام هو المركب من الكلمتين او الاكثر بالاسناد و الكلمة هي اللفظ الموضوع لمعني مفرد و اللفظ هو الحروف المصوغة من الهواء بتقطيعه بالقرع و القلع و الضغط و تأليفها علي هيئة مخصوصة تناسب ذلك المعني المقصود ابرازه و الا لكان لغوا و ايضا ان الوحدة هي المطلوبة في كل حال و الكثرة خلاف الاصل و الحقيقة سيما في الالفاظ التي مدارها علي الافادة و الاستفادة و وجودها تبعي و لذا كان الاختصار و التقليل ما لميكن مخلا بالمعني هو المطلوب فلم كانت الهيئة و الصورة داخلة في حقيقة الالفاظ و مقومة لافادة المعني و لم لميوضع و لميجعل لكل معني حرف واحد ليكون سهل التناول و التفاهم و سهل المؤونة في الحفظ و الضبط و امثال ذلك من المنافع.
فان تكلفت في الجواب و قلت لان المعاني كثيرة و الالفاظ اي الحروف ثمانية و عشرون و هي لاتؤدي و الاشتراك اذا كثر و جاوز الحد يخل في الفهم و يجب تكثير القراين فيستلزم التطويل و هو عين ما فررنا منه قلت اما كان الله سبحانه قادرا انيجعل لكل معني حرفا واحدا متغايرا بعدد المعاني كالهيئات المركبة المتباينة الغير الداخلة تحت امر جامع فلم رجح هذا علي ذلك مع اشتراكهما في الافادة و التأدية و ترجيح ذلك بالاختصار و الوحدة المطلوبة فلئن سلمنا ذلك و التزمنا الهيئة من غير دليل قلت لم اختلفت الهيئات و كثرت الاعتبارات و الجهات في الكم و اما الكيف فربما تتكلف فيه و تقول ذلك من جهة التمايز و الفصول و اما الكم فلم اختلف مع ان نسبة المعاني الي كل الالفاظ بزعمكم سواء فلم اقتصر في بعض المعاني بحرف واحدة كهمزة الاستفهام و كاف التشبيه و باء التعدية و واو القسم و امثالها و في بعضها بحرفين كإن الشرطية و اذ الزمانية الظرفية و من الابتدائية و قد التحقيقية و امثالها و في بعضها بثلاثة احرف و هي ظاهرة و في بعضها باربعة احرف جوهرية كباب دحرج و
«* جواهر الحکم جلد 3 صفحه 523 *»
امثاله في الافعال و الاسماء منها كثيرة او عرضية كباب اكرم في الافعال و امثاله و كذا في الاسماء و في بعضها بخمسة احرف و هي في الاسماء و الافعال في العرضية كثيرة و في بعضها بستة احرف و هي في عرضية الافعال كثيرة و لم كانت تلك الالفاظ جوهرية و الباقي عرضية و لم لمتتساوت (تتساو ظ) و اختلفت مع ان نسبتها الي كل المعاني سواء و الاختصار هو المطلوب فان قلت ان هذه الاختلافات و الكثرات ترجع الي خصوصيات المعاني و نسبتها الي الالفاظ فاقتضي كل معني ما يناسبه من اللفظ فهو الحق المطلوب و الا فان كانت منسوبة الي اللافظين و لاشك ان خصوصيات الافراد لا دخل له في المراد اذ لايكون الاختلاف المنسوب الي النوع الا نوعيا و لايمكن انيكون شخصيا لعدم الاحاطة في الجزئيات و هي تختلف في التأدية كاللين و الغلظ و الرخاوة و الشدة و امثال ذلك كما نشاهدها و اما خصوصيات المعاني فلا و لئن سلمنا يجب انيجعل لكل معني الفاظا مترادفة من الثلاثية و الرباعية و الخماسية و اقل و اكثر في كل لغة و الواقع بخلافه.
فان قلت ان ذلك الاختلاف باعتبار اختلاف طبايع كل طائفة في تأدية ذلك المعني فاذا اراد طايفة الاستفهام مثلا يجب السرعة في الجواب و اظهار الحال و الا لضاق صدره فاقتصر في اللفظ باخصر لفظ و امر كالهمزة مثلا و في وقت آخر يجب التأني و التطويل فجعل لفظ اطول من ذلك و هكذا قلت ان هذا ايضا و ان كان من المناسبة لكنها ليست بمعتبرة كثيرا الا اذا توافقت المناسبة المعنوية مع اقتضاء المقام اذ قد يختلف في مقامات كثيرة مثل لام التأكيد مع ان اللافظ يحب التطويل للتثبيت و التقرير و كذا حروف الشرط و الموصول و امثالهما فلئن فتحت هذا الباب فلاشك ان المحبوب و المبغوض لكل طائفة و لكل احد و لاشك ايضا ان اللافظ مع محبوبه يحب التطويل و مع مبغوضه بالعكس و كذا لكل احد حالة عجلة و سرعة و حالة اطمينان و سكون فاذن يجب انيكون لكل معني في كل لغة لفظان بل ثلاثة لدوران احوال اللافظين عليها لفظ في غاية الاختصار كالحرف الواحد و في غاية التطويل كالسداسي و
«* جواهر الحکم جلد 3 صفحه 524 *»
السباعي و الحد الاوسط في الحد الاوسط و الواقع بخلافه و مدعي ذلك مكابر و دعوي الاختفاء باطلة لمسيس الحاجة و وجود المقتضي و رفع المانع فلا معني للخفاء و الاختفاء و سيأتيك انشاء الله سر حقيقة هذه الاقوال باوضح المقال فان قلت ان هذه الاختلافات منسوبة الي فعل الله سبحانه و ارادته قلت ان هذا باطل اذ ما من الله ليس الا واحدة و الكثرة انما هي بالعرض و العرضي يعلل و قد قال تعالي ان الله لايغير مابقوم حتي يغيروا ما بانفسهم فثبت ما قلنا ان هذه الهيئات الحرفية و اللفظية لاتكون الا لمناسبة المعاني و هذا الذي ذكرت لك كله علي جهة المجادلة بالتي هي احسن و اما دليل الحكمة فاعلم ان كل ذات له اثر فاذا تنزلت تلك الذات الي مقام ادني تنزل اثره الي ما يناسب اثر ذلك المقام و لاشك ان الذات لاتتنزل الا في مقام يناسبه و معني المناسب انيكون علي طبعها و هيئتها و خاصيتها فان اختل شرط واحد من هذه الامور اختل النزول و الظهور اذ لو كان في الطبيعة مخالفا للذات و مبايناتها لميحك عنها و لميدل عليها و لميستند اليها فبطل حكم النزول هف لان النزول لايخلو اما انيكون بالصفة و ايضا ان نظرك في الشيء لايخلو عن وجهين احدهما مشاهدة ذلك من حيث هو و جريان احواله عليه و ثانيهما مشاهدة غيره فيه و لاتشاهده الا اذا ظهر ذلك فيه اما بتقييده بعد ما كان مطلقا و بانجماده بعد ما كان ذائبا او بالقاء مثاله فيه و يجب في الكل المناسبة و في بعضه العينية اذ النار لايتقيد بالماء و الماء لاينجمد و يكون نارا و لايشك فيه عاقل و اما ماتري في عبارات اهل الصناعة الفلسفية انه قد انقلب النار ماء فليس علي ظاهرها فانهم يريدون حكم الاغلبية و النسبة في الشدة و الضعف و تحصيل النطفتين لا الحكم الحقيقي فانه مستحيل الا اذا انقلبت النار بواسطة الهواء ماء و العكس و هو خلاف ما نحن بصدده لبطلان حكم الحكاية و المشاهدة هناك اذ المظهر لو خالف الظاهر لميكن مظهرا هف و قد اعطاك الامام عليهالسلم اصلا كليا فقال ان المعني في اللفظ كالروح في الجسد و لاريب ان الاجساد تنزل الارواح بحسب اطوارها المختلفة و مقاماتها المتباينة و كذلك الالفاظ بالنسبة الي المعاني مع ان الاجساد
«* جواهر الحکم جلد 3 صفحه 525 *»
قد تلحظ من حيث هي و يغفل عن الارواح بخلاف الالفاظ فانها لاتلحظ و لاتقصد الا مظاهر للمعاني و استفادتها و لااظنكم تنكرون المناسبة بين الروح و الجسد فما بالكم تنكرونها بين افعالها و آثارها فان المعاني هي آثار النفس بالله سبحانه المنتزعة عن الحقايق الكونية و الامكانية و لاتنكر ذلك و الالفاظ مظاهرها في العوالم الجسمانية و الجسدانية كما ان الاجساد و الاجسام مظاهر الارواح و الاشباح و موارد افعالها في عوالمها افتؤمنون ببعض الكتاب و تكفرون ببعض مع ان حكم الله في الصفات منجوه في الذوات بلافرق اذ الصفة لو لمتكن علي هيئة الموصوف لمتكن صفة و لا الموصوف موصوفا ماتري في خلق الرحمن من تفاوت، و لو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا مع ما بين الالفاظ و المعاني من الاقتران الدال علي الاتصال الدال علي المناسبة و المشابهة بين المتصلين اذ اقتران المتباينين مما يستحيله العقل و ان كان الله سبحانه قادرا علي ذلك و ما تري من اتصال النور و الظلمة فانها لجهة جامعة و هي النور من حيث نفسه المتصل بالنور المحض بواسطة النور المذكور فيه الظلمة و قد تكون وسائط خفية لاتدركه عقولنا و لاتبلغه افهامنا نشرح ذلك في ما يأتي انشاء الله تعالي.
و بالجملة فاذا عرفت المناسبة بين اللفظ و المعني بالدليلين اجمالا و ان كنا نفصله في ما بعد انشاء الله بالادلة الثلاثة و الموازين الاربعة فاستمع لما يتلي عليك من الكلام و اعلم ان في الالفاظ و الحروف نظران احدهما الي البسايط الثمانية و العشرين المعروفة و ثانيهما الي المركبات و اما البسايط فلما كان العالم مترتبا علي ثمانية و عشرين جزءاً قد حصل منها كل ما تري من الموجودات الغيبية و الشهودية الغير المتناهية و هذه المراتب علي ثلاثة مراتب متطابقة احدها مراتب فاعلية الحق سبحانه الظاهرة بالاسماء الثمانية و العشرين و ثانيها مراتب المفعولات الثمانية و العشرين المتقومة بتلك الاسماء في مراتبها المصورة بالصورة الانسانية المحدودة بحدود التوحيد و هيكله او قل ان المجموع هي اجزاء ذلك الهيكل و حدوده و ثانيها مراتب المفعولات الثمانية و العشرين المتقومة بتلك الاسماء في مراتبها المصورة بالصورة الانسانية المحدودة بحدود التوحيد و هيكله او قل ان المجموع هي اجزاء ذلك الهيكل و حدوده و ثانيها (ثالثها ظ) مراتب العكوس و
«* جواهر الحکم جلد 3 صفحه 526 *»
الظلال و الاضداد الثمانية و العشرين المتقومة بالاسماء السوءي الخبيثة النجسة في مراتبها المصورة بالصورة الشيطانية المحدودة بحدود الكفر و الشرك و النفاق و لما كانت الحروف صفات تلك المراتب جرت فيها تلك المراتب الثلاثة فالحروف العاليات ما كانت بازاء الاسماء المنتسبة اليها و الحروف السافلات الناكشات ما كانت بازاء المراتب السافلة المعكوسة و المتوسطات بهذا التقسيم و ان كانت عاليات ايضا ما كانت بازاء مراتب المفعولات المقصودة بالذات في الايجاد ففي كل حرف تلحظ هذه الملاحظات الثلاثة و لذا تري علماء الجفر يستخرجون من كل حرف اسم الملك الموكل به الذي هو مظهر التقدير و التدبير و اسم الشيطان الخادم لذلك الملك علي جهة التسخير و ترتب عليه آثار عجيبة غريبة من بسط و قبض و حيوة و موت و خير و شر و امثال ذلك كما هو المعروف عندهم و لما كانت جهة الفعل المتعلق بالمرتبة المعينة الخاصة حسب تلك المرتبة مختلفة و ان كانت في رتبة واحدة فيشار بحرف واحد الي تلك الاسماء المختلفة حسب تعدد ظهور وجه الفاعل فيها و لذا تراهم يقولون ان الالف القائم بازاء اسم الله البديع و الباء بازاء اسم الله الباعث و الالف بازاء العقل و الباء بازاء النفس و الالف المعكوس بازاء الاسم السوء المرتاب و الباء المعكوسة بازاء الاسم السوء المتوهم و قد ورد ان الالف آلاء الله و الباء بهجة الله اي الظاهر بالآلاء و النعمة و الظاهر بالبهجة و اختلف ظاهرا لكن المآل واحد و امثال ذلك مما يظهر من تلويحات الاخبار و تعريضاتها كثير لانطول الكلام بذكره و الغاية التنبيه و الاستشعار و يحصل بذلك فقد ظهر لك ان كل حرف يصح ان يشار بها الي الفاعل و المفعول الطيب و الخبيث و الفاعل باسمائه المختلفة المتعددة المتفاوتة في المفهوم و المصداق و المفعول بجهاته المتعددة المتباينة المتضادة في كل مرتبة و لاتستغرب و قد وقع ما ذكرت لك في اخبار اهل البيت عليهمالسلم و في القرآن هذا مجمل حال بسايط الحروف و الالفاظ.
و اما المركبات فتختلف احوالها و اطوارها و تدور معها ظهورات المعاني
«* جواهر الحکم جلد 3 صفحه 527 *»
فتختلف باختلافها فان تركيب الالفاظ ليس مزجيا صوريا و ان كان معنويا بل منها ترتيب و وضع و اضافة و اقتران كالانسان المركب من الرأس و الصدر و اليدين و الرجلين و غيرها و كل جزء يشار به الي حكم من الاحكام و الي اصل من الاصول و حال من الاحوال و كذلك في الترتيب من تقديم حرف و تأخير آخر و توسيط آخر و كذلك في تثليث الاجزاء و تربيعها و تخميسها و تسديسها و تسبيعها و كذلك في عدم الاتيان بالحروف و الاجزاء المخصوصة دون غيرها من الحروف بملاحظة البسط الكبير و كذلك في عدم الاتيان بالمرادف علي الظاهر و كذلك في تكثير الحروف النارية مثلا في كلمة و الهوائية او المائية او الترابية في الاخري و بالعكس و كذلك التكثير و التقليل و التوسيط في الحروف النورانية و الظلمانية و الجبروتية و الملكوتية و الملكية و المهملة و المعجمة و المجوفة و الصمدانية و الليلية و النهارية و امثال ذلك من الاحوال فان كل هيئة تناسب حكما من الاحكام و كل حرف تشير و تدل الي حقيقة من الحقايق و الجامع للمجموع يدل علي المجموع و قد تذكر الكلمة و يراد بها مايدل علي الترتيب خاصة و قد تذكر و يراد بها مايدل عليه الطبايع خاصة و قد تذكر و يراد بها مايدل عليه الصفات من الجهر و الهمس و القلقلة و الاطباق و الاستعلاء و الاستفلاء و امثال ذلك و قد يراد بها المجموع كما قد وقعت في الخطابات الالهية و الاحاديث المعصومية عليهمالسلم و لذا كان القرآن فيه تفصيل كل شيء و الجامع لكل رطب و يابس فان مايدل عليه المجموع المركب يدل علي احواله و صفاته و آثاره و مباديه و علله و اسبابه و شرايطه كالاجزاء و الحروف بصفاتها و ترتيباتها و امثالهما مما ذكرنا لك و قد بينا شطرا منها في اكثر مباحثاتنا و اشرنا الي بعضها في اللوامع الحسينية عليهالسلم في البسملة و كهيعص و حمعسق و امثالها و ذكرها يؤدي الي التطويل و لا فائدة و كذلك التأدية و التعبير يدل علي حكم من الاحكام الذي لايدل عليه غيرها و كذلك التعبير من التصريح و التغيير و التقدير و الاضمار و الحذف و التقديم و التأخير و المفهوم و فحوي الخطاب و لحن الخطاب و دليل التنبيه و الاشارة و
«* جواهر الحکم جلد 3 صفحه 528 *»
امثالها كل ذلك يدل علي احوال و امور لايدل عليها غيره و يستعمل كل ذلك اللافظ المتكلم علي حسب مقامه و مرتبته اي يريد و الا فكلها موجودة في كل لفظ مركب او عبارة مجتمعة من كلمات ثم ان كل لفظ لايدل علي معني في كل لغة الا انيكون جاريا علي مقتضي قواعد تلك اللغة و قوانينها ظاهرا و باطنا ظاهرا و ان كان كل هيئة تدل علي شيء الا ان ذلك لايدركه الا الله او من اطلعه علي غيبه ممن ارتضي من الرسل هذا حكم اللفظ علي حسب الحقيقة و الواقع فاذا اتاك لفظ من الالفاظ او عبارة من العبارات تحتمل كل هذه الوجوه لكنك انظر الي اللافظ المتكلم فان كان من . . .
(الي هنا كان في النسخة)
[1]– (شب ظ).
[2]– (مجلل ظ).
[3]– اي الحكم لان كل ذلك من الامر الواحد.