رسالة الاستبصار فی معنی اصابة العین
من مصنفات السید الاجل الامجد المرحوم الحاج
سید کاظم بن السید قاسم الحسینی اعلی الله مقامه
«* جواهر الحکم جلد 3 صفحه 319 *»
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله رب العالمين و صلي الله علي محمد و آله الطاهرين.
اما بعد فيقول العبد الجاني کاظم بن قاسم الحسيني الرشتي ان هذه کلمات ذات تبيين توضح عن صريح الحق المبين جوابا لمسألة عويصة صعبة مستصعبة سأل عنها بعض العارفين و قد کتبتها مع کمال تبلبل البال و اختلال الاحوال و عروض الامراض المانعة من استقامة الحال و قد اتيت بما هو الميسور لانه لايسقط بالمعسور و الي الله ترجع الامور و هو المستعان و عليه التکلان.
قال سلمه الله تعالي: مايقول سيدنا و مولانا و عمادنا و مقتدانا سيد العارفين و زبدة الفقهاء المحققين و قطب دائرة الموحدين و من له في کل علم رابطة يبين الشک عن اليقين ما قولکم فيمن عينه تصيب الشيء ما سبب هذه الاصابة و ماعلتها و ما علامتها.
اقول: ان العلة و السبب في اصابة العين و الله سبحانه هو العالم هي ان الاجزاء الصغار الردية الحادة الغالب عليها اليبوسة في الدرجة الرابعة التي تضعف معها عن التماسک مع الحرارة القوية الغريبة الغير المعتدلة قد عرضت لها سمية يستحيل الغذاء بعد الکيموس اليها و لمتزل تتصاعد و لما کانت العين اوسع الاعضاء مساما و اسرعها قبولا لقوية (لقوة خل) الرطوبة فاذا صعدت تلک الاجزاء لمتجد مخرجا سوي العين فتخرج من مساماتها و تستقر في رطوباتها (بطوناتها خل) فاذا حصل لها هيجان لها بقوة التفات نفس الشخص الصاحب لتلک الاجزاء و الحامل لها کان يتعجب من شيء و تتوجه بالالتفات الي ظاهر البدن تتقوي تلک الاجزاء في البروز و الظهور فتقع علي کل مايقابلها و تنفذ فيه و تفعل فيه فعل السموم الحادة اذا نفذت في الشيء القابل و کلما
* جواهر الحکم جلد 3 صفحه 320 *»
تتقوي الحرارة الغريبة کانت قوة خروج تلک الاجزاء اکثر و اقوي و لذا تري صاحب العين المصيبة اذا اراد القوة في الاصابة يجوع ثلاثة ايام لتکثر الحرارة و تقل الرطوبة و تزيد اليبوسة و تقوي تلک الاجزاء کثرة و قوة و فعلا فتصيب کما يريد کما في تفسير مجمع البيان ان الرجل منهم اي من الذين يصيبون بالعين کان اذا اراد انيصيب صاحبه بالعين يجوع ثلاثة ايام ثم کان يصفه فيصرعه بذلک و ذلک بانيقول للذي يريد انيصيبه لمار کاليوم مثله فينصرع و ذلک لما ذکرنا من تسبيب اسباب هيجان تلک الابخرة الحادة المسمومة و کلما کان التعجب و التفات النفس اشد و اقوي کان التأثير اشد و لذا لاتؤثر او تؤثر قليلا عند اهمال النفس و عدم التفاتها فالعين بمنزلة البلورة و لها القوة الجامعة و تلک الاجزاء الحاملة للحرارة الحادة المنبعثة عن وجه النفس الذي هو القلب اللحم الصنوبري بمنزلة حرارة الشمس فبالمقابلة يحصل الاحراق و ان عظم المقابل.
فان قلت ان تلک الاجزاء اذا کانت لها سمية و حدة کما ذکرت فلم لايتضرر صاحب العين بها ضرورة انفعال الاجزاء من الغرائب الحادة السمية.
قلت عدم الضرر لاعتياد الطبيعة بها لانها صحبتها من اول تکون المزاج کالسموم التي في الافاعي و العقارب و سائر الحيات و غيرها من الحيوانات ذوات السموم نعم اذا عرضت تلک الاجزاء بعد نضج المزاج و تحقق الاعتدال الاضافي دفعة واحدة تضر البدن و تفسده مثل الطاعون و الحميات الوبائية و امثالها و اما ما کان من اصل الطبيعة باستحالة الغذاء اليها فتعتاد الطبيعة بذلک فلايضرها کما يشاهد اشخاص يتعودون بشرب السم فلايضرهم و کذلک الحال في هذه الاجزاء و لما کانت بنية الانسان اقوي و انضج و احر و اعلي کانت السموم الخارجة من عينه الطف و انفذ و اقوي في الفعل و تتفاوت الاشخاص في ذلک کما هو الظاهر.
فان قلت فعلي ما ذکرت يجب ان لايصيب العين الا البدن و مايتعلق به من ظواهره و خوافيه خاصة مع انها ربما تؤثر في الامور الغيبية و المعنوية کالعلم و الجهل و البلادة و الحمق.
«* جواهر الحکم جلد 3 صفحه 321 *»
قلت لما (فما خل) ان امر الله سبحانه و تعالي واحد في الغيب و الشهادة ما تري في خلق الرحمن من تفاوت، و ما امرنا الا واحدة يجري (تجري خل) في النفس من الغرائب و الغرايز و الصحة و الفساد و السمية و الترياقية کما يجري في البدن حرفا بحرف و قد قال مولانا الرضا7 قد علم اولوا الالباب ان الاستدلال علي ما هنالک (هناک خل) لايعلم الا بما هاهنا فما ذکرنا في البدن الجسماني يجري بعينه في النفس الغيبية لان الظاهر عنوان الباطن و المجاز قنطرة الحقيقة فافهم و اما علامتها فالظاهر ان العين المصيبة في الغالب عظيمة راکدة ليست براقة و لا مخمرة لتوارد تلک الاجزاء و تکاثفها و قد تکون براقة اذا تلطفت تلک الاجزاء و تنعمت و تکون لها لمعات و لها تاثير قوي في الاصابة.
قال سلمه الله تعالي: و ما حکمها و ما الواجب علي الصائب و ما الموجب للمصاب و ما تکليفهما و ما دواؤهما و هذه الفاظنا و عندکم معانيها و هي جمل و عندکم تفاصيلها.
اقول اما حکمها فلماجد احدا من الفقهاء تعرض لهذه المسألة نفيا و اثباتا و الذي يقتضيه النظر بملاحظة مظان الادلة و مواقعها انه لايترتب عليها حکم شرعي لسکوت النبي9 عن حکمه لما قيل له9 ذلک و قد ذکر المفسرون ان اسماء بنت عميس قالت يا رسول الله ان بنيجعفر تصيبهم العين افاسترقي لهم قال نعم فلو کان شيء يسبق القدر لسبقه العين انتهي، فلو کان لهذه الاصابة حکم شرعي لبينه النبي9 و اثبته و لميقتصر بالرقية لعموم البلوي لشدة ابتلاء الناس بالذين يصيبون بالعين و ماصح له9 او لاحد من الائمة: السکوت في هذا المقام فحيث سکتوا و ابهموا علمنا انه لايترتب عليه شيء في الدنيا من الاحکام الشرعية بالنسبة الي القصاص و الدية و قد تأخر حکمها الي يوم القيامة و قد قال7 ان رسول الله9 امر باشياء و نهي عن اشياء و سکت
«* جواهر الحکم جلد 3 صفحه 322 *»
عن اشياء و ليس سکوته عنها جهلا و لا ابهامه لها غفلة فاسکتوا عما سکت الله و ابهموا ما ابهمه الله هـ ، و لان هذه الاصابة ليست باختياره بالاختيار الظاهري و لا اعجاب الشيء اياه و تعجبه منه باختيار منه بحسب الظاهر فلايمکنه التحرز فمقتضي لطف الله سبحانه ان لايؤاخذه بالعقوبة و يؤيده قوله7 کل ما غلب الله عليه فهو اولي بالعذر و مع هذا کله لميحصل القطع الحقيقي بان الضرر المذکور من العين و هي السبب التام في هذا الامر لا غير و ما ذکرنا من انه اذا اراد انيصيب يجوع ثلاثة ايام ليس لاجل اصل الاصابة بل انما هو لزيادة تأثيرها و شدة ظهورها فلا منافاة و بالجملة فاصالة عدم التکليف اقوي مستمسک في هذا المقام لا انيثبت دليل قطعي علي التکليف الخاص و القياس بلزوم الدية بقتل الخطا قياس مع الفارق مع ان القياس من اصله ساقط في مذهبنا فالواجب علي المصيب ح التحرز مهما امکن عن تهيج النفس بما يستدعي للمقابلة لتحقق الضرر.
و قوله سلمه الله تعالي و ما الموجب للمصاب لعله غلط في التعبير لان مراده ما الذي يجب علي المصاب في الحکم التکليفي بالنسبة الي المصيب و قد بينا ذلک ان المصيب لايلزمه شيء و المصاب ليس له انيدعي عليه بشيء و الله سبحانه يفعل في عباده مايشاء.
و قوله سلمه الله و ماتکليفهما فقد سبق جوابه من انه لاتکليف عليهما لان الضرر الحاصل من العين لو فرض انها العلة التامة في ذلک انما هو شيء من غير اختيار و لايطيق سلب ذلک منه کالحائط الواقع علي احد او کالنار التي تحرق احدا او کالبلورة التي تقابل شخصا بعد اشراق الشمس عليها فتحرقه او تجرحه او تصيبه ضررا و کالشخص الواقع من علو من غير اختياره اذا ازلقه الريح الشديدة و الهواء العاصف فيصيب شخصا و يقع عليه فيقتله و امثالها من الامور التي لايمکن التحرز منها بخلاف القتل خطاء و ان لميکن قاصدا له لکنه يسعه التحرز بالتفطن و التوعي و ملاحظة الاطراف و الجوانب و عدم المسارعة و المبادرة الي مايوجب الخطاء حتي لايقع في ذلک و کذلک النائم اذا انقلب
«* جواهر الحکم جلد 3 صفحه 323 *»
علي احد فقتله کالظئر و کذلک الساهي فانه يمکنهم التحرز ابتداء لئلايقعوا في هذه الورطة بخلاف العيان فانه لايمکنه ذلک و الدليل عليه انه يصيب اولاده بالعين و يتلف زرعه و سائر امواله و لو امکنه التحرز لتحرز يقينا و لميکن سببا لهلاک اولاده و تلف امواله فالحکمة الالهية لاتقتضي انتکون عقوبة للعيان من قصاص او دية او غير ذلک فجري الامر فيه علي مقتضي لطف الله و رحمته و کرمه بخلاف قتل الخطاء فان العقوبة فيه بالکفارة و التزام الدية لاجل عدم التحرز مع تمکنه من ذلک فافهم و اغتنم و کن من الشاکرين.
و قوله سلمه الله تعالي و مادواؤهما جوابه ان الدواء اما بالعقاقير و الادوية فانها لاتمکن و لاتتداوي لان تلک السمية التي في العين تسبق تأثير کل دواء و لايبقي للدواء معها اثر بالمرة فاذا لميکن الدواء اقوي تأثيرا لايصادم المرض البتة و لذا تري ان الطاعون و الوباء لايؤثر فيهما الدواء غالبا لسبق تاثير السمية عن تأثير الدواء و منعها اياه عن التأثير اللهم الا انيکون اکسيرا حاضرا فياکل منه المصاب مقدار الکفاية حتي يبرأ و الا فغيره من سائر الادوية فلاتقابل تأثيرها تأثيرها و اما الدواء بغير العقاقير فالاسم الاعظم او حضور الامام المعصوم7 و مسه بيده الشريفة او دعاؤه له او التداوي و الاستشفاء بالآيات القرآنية و لاسيما قوله تعالي و ان يکاد الذين کفروا الي آخر السورة يکتبها بالحروف المقطعة و يحملها معه و کذلک المعوذتين يقرأهما و يحملهما و قد روي النبي9 انه کان يعوذ الحسن و الحسين8 بهما کما في البحار و فيه ايضا عن جعفر بن محمد8 قال کان رسول الله9 يجلس الحسن7 علي فخذه اليمني و الحسين7 علي فخذه اليسري ثم يقول اعيذکما بکلمات الله التامة من شر کل شيطان و هامة و من کل عين لامة ثم يقول هکذا کان ابراهيم ابي يعوذ ابنيه اسماعيل و اسحاق و ان موسي7 عوذ ابني هارون بهذه العوذة و روي ان جبرئيل رقي رسول الله9 و علمه الرقية و هي بسم الله ارقيک من کل عين حاسد الله يشفيک و روي ان النبي9 امر
«* جواهر الحکم جلد 3 صفحه 324 *»
العاين انيتوضا و امر المعيون انيغتسل بذلک الماء و بالجملة اسم الله سبحانه دواء و ذکره شفاء کما قال7 في الدعاء يا من اسمه دواء و ذکره شفاء، و اما العين المصيبة فدواؤها متعذر بحسب العقاقير و الادوية من جهة العادة و الاسباب الظاهرية التي اجري الله سبحانه فعله عليها و ان کان الله سبحانه يفعل مايشاء کما يشاء بالاسباب الخفية لانه سبب کل ذي سبب و مسبب الاسباب من غير سبب يفعل ما يشاء و يحکم مايريد و اما الاسباب الظاهرة فمن جهة اعتياد الطبيعة و لزومها لها و صيرورتها لها کالطبيعة الثانية و حصول المزاج فلاتقتضي رفعها کالسمية عن العقارب و الافاعي و الحيات و اما التداوي بمواظبة ذکر الله سبحانه و تعالي عند استحسان شيء و اعجابه اياه فمؤثر جدا کما قال ابوعبدالله7 علي ما رواه في البحار ان العين حق و ليس تامنها منک علي نفسک و لا منک علي غيرک فاذا خفت شيئا من ذلک فقل ماشاءالله لا قوة الا بالله العلي العظيم ثلاثا و عنه7 قال من اعجبه من اخيه شيء فليبارک عليه فان العين حق و عن النبي9 قال من رأي شيئا يعجبه فقال الله الصمد ماشاءالله لا قوة الا بالله لميضر شيئا هـ ، و بمثل ماذکرنا و امثاله يندفع ضرر العين انشاءالله تعالي.
قال سلمه الله تعالي ـ و لمنجد احدا من العلماء تعرض لها الا نادر منهم و لميذکر تفاصيلها.
اقول ـ قد تعرض لها جماعة من العلماء و الحکماء و انا اذکر لک ما وقفت عليه من کلماتهم لتعرف انها ليست مما يشفي العليل و يروي الغليل قال الجاحظ لاينکر انينفصل من العين الصائبة اجزاء لطيفة تتصل به و تؤثر فيه و يکون هذا المعني خاصة في بعض الاعين کالخواص في بعض الاشياء و قال الرازي ان الشخص اذا استحسن شيئا فقد يحب بقاءه کما يستحسن ولد نفسه و بستان نفسه و قد يکره بقاءه کما اذا استحسن الحاسد بحصول شيء حسن لعدوه فان کان الاول فانه يحصل عند ذلک الاستحسان خوف شديد من زواله و
«* جواهر الحکم جلد 3 صفحه 325 *»
الخوف الشديد يوجب انحصار الروح في داخل القلب فح تسخن (يسخن خل) القلب و الروح جدا و (او خل) تحصل في الروح الباصر کيفية قوة مسخنة و ان کان الثاني فانه يحصل عند ذلک الاستحسان حسد شديد و حزن عظيم بسبب حصول تلک النعمة لعدوه و الحزن ايضا يوجب انحصار الروح في داخل القلب فتحصل فيه سخونة شديدة فثبت (فتثبت خل) ان عند الاستحسان القوي يسخن الروح جدا فيسخن شعاع العين بخلاف ما اذا لميستحسن فانه لاتحصل هذه السخونة و قال ابوهاشم و ابوالقاسم البلخي لايمتنع انيکون العين حقا و يکن معناه ان صاحب العين اذا شاهد الشيء و اعجب به استحسانا کانت المصلحة له في تکليفه انيغير الله ذلک الشخص و (او خل) ذلک الشيء حتي لايبقي قلب ذلک المکلف متعلقا به فهذا التغيير غيرممتنع ثم لايبعد ايضا انه لو ذکر ربه عند تلک الحالة و بعد عن الاعجاب و سأل ربه فعنده تتغير المصلحة و الله سبحانه يبقيه و لايفنيه و لما کانت هذه العادة مطردة لاجرم قيل للعين حق و نقل الرازي عن الحکماء انهم قالوا هذا الکلام مبني علي مقدمة و هي انه ليس من شرط المؤثرات انيکون تأثيره بحسب هذه الکيفيات المحسوسة اعني الحرارة و البرودة و الرطوبة و اليبوسة بل قد يکون التأثير نفسانيا محضا و لاتکون القوي الجسمانية لها تعلق به و الذي يدل عليه ان اللوح الذي يکون قليل العرض اذا کان موضوعا علي الارض قدر الانسان علي المشي عليه و لو کان موضوعا فيما بين جدارين عاليين لعجز الانسان عن المشي عليه و ما ذاک (ذلک خل) الا لان خوفه من السقوط منه يوجب سقوطه منه فعلمنا ان التأثيرات النفسانية موجودة و ايضا ان الانسان اذا تصور کون فلان موذيا له حصل في قلبه غضب و سخن مزاجه فمبدأ تلک السخونة ليس الا ذاک التصور النفساني و لان مبدأ الحرکات البدنية ليس الا التصورات النفسانية و لما ثبت ان تصور النفس يوجب تغير بدنه الخاص لميبعد ايضا انيکون بعض النفوس تتعدي تاثيراتها الي سائر الابدان فثبت (فتثبت خل) انه لايمتنع في العقل کون النفس مؤثرة في سائر الابدان ايضا و جواهر النفوس مختلفة
«* جواهر الحکم جلد 3 صفحه 326 *»
بالماهية فلايمتنع انيکون بعض النفوس بحيث يؤثر في تغيير بدن حيوان آخر بشرط انتراه و تتعجب منه فثبت ان هذا المعني امر محتمل (يحتمل خل) و التجارب من الزمن الاقدم ساعدت عليه و النصوص النبوية نطقت به فعند هذا لايبقي في وقوعه شک و اذا ثبت ان الذي اطبق عليه المتقدمون من المفسرين في تفسير هذه الآية باصابة العين کلام حق لايمکن رده هـ ، و قال الشريف الاجل الرضي الموسوي قدس الله روحه ان الله سبحانه يفعل المصالح بعباده علي حسب مايعمله (يعلمه خل) من الصلاح لهم (بهم خل) في تلک الافعال التي يفعلها فغير ممتنع انيکون تغييره نعمة زيد لمصلحة عمرو و اذا کان يعلم من حال عمرو انه لو لميسلب زيدا نعمته اقبل علي الدنيا بوجهه و نأي عن الاخرة بعطفه و اذا سلب نعمة زيد للعلة التي ذکرناها عوضه عنها و اعطاه بدلا منها عاجلا و آجلا فيمکن انيناول قوله7 العين حق علي هذا الوجه انه قد روي عنه7 ما يدل علي ان الشيء اذا عظم في صدور العباد وضع الله قدره و صغر امره و اذا کان الامر علي هذا فلاينکر تغيير حال بعض الاشياء عند نظر بعض الناظرين اليه و استحسانه له و عظمه في صدوره و فخامته في عينه کما روي انه قال لما سبقت ناقته الغضباء (العضباء خل) و کانت اذا سوبق بها لمتسبق ما رفع العباد من شيء الا وضع الله منه و يجوز انيکون ما امر به المستحسن للشيء عند رؤيته من تعويذه بالله و الصلوة علي رسول الله قائما في المصلحة مقام تغيير حالة الشيء المستحسن فلاتغيير عند ذلک لان الرائي لذلک قد اظهر الرجوع الي الله تعالي و الاعاذة به فکأنه غير راکن الي الدنيا و لا مغتر بها انتهي کلامه (ره).
و باقي الاقوال التي لمنذکر من نوع ما ذکرناه و هي في البطلان بمکان فلايحتاج الي بيان و قد سمعت من بعض نقلا عن بعض الحکماء: ان السر في ذلک ان النفس الشريرة تربي البدن علي مقتضاها فتفسد البدن لمکان المناسبة بين النفس و الجسم فتظهر آثار فسادها في العين التي هي الطف الاعضاء و اصفاها و اشرفها فتؤثر في الخارج و ذلک هي علة الاصابة هـ ، و هذا کما تري و
«* جواهر الحکم جلد 3 صفحه 327 *»
يلزم من ذلک انتکون النفوس الخيرة تظهر منها بواسطة العين من اصلاح البدن مقابلات ماتظهر من النفوس الشريرة مع ان الوجدان ينادي بخلافه و العيان يشهد بفساده مع ان ذلک يستلزم ظهور البدن علي ما عليه النفس و ان الجسد لاتخالف النفس و ان لايکون هناک لطخ و خلط يقتضيان مخالفة مقتضي البدن للاعراض الغريبة مع مقتضي النفس و علي هذا يجب ان لايکون الکافر الا قبيح الصورة مشوه الخلقة بادي العورة منکس الرأس مقوس الظهر و لايکون المؤمن الا حسن الصورة جميل الوجه معتدل المزاج بريء عن الاعوجاج متناسب الاعضاء کما هو شأنه کالکافر في الآخرة عند رجوع کل فرع الي اصله مع ان الضرورة تشهد بخلاف ذلک في الدنيا و بالجملة ان هذا القول ساقط من اصله و لايشبه کلام حکيم من قوله تعالي و من يؤت الحکمة فقد اوتي خيرا کثيرا.
قال سلمه الله ـ مع انه قد ورد عن ائمتنا: لو کشف عن اهل القبور لوجدتم غالب موتاکم من العين.
اقول رواه المجلسي (ره) في البحار و في معناه احاديث اخر عديدة مثل ما روي عن النبي9 ان العين حق و انها تدخل الجمل و الثور التنور و عنه9 ان العين تنزل الحالق و هو ذروة الجبل من قوة اخذها و بطشها و عن ابيعبدالله الصادق7 انه قال لو نبش لکم عن القبور لرأيتم ان اکثر موتاکم بالعين لان العين حق الا ان رسول الله9 قال العين حق فمن اعجبه من اخيه شيء فليذکر الله في ذلک فانه اذا ذکر الله لميضره و عن النبي9 ان العين لتدخل الرجل القبر و الجمل القدر و امثالها من الروايات کثيرة و لاريب ان العين حق و علة اصابتها و ان ذکرها بعض العلماء و الحکماء کما ذکرنا لک بعض مقالاتهم مما لايسمن و لايغني من جوع و لکن تفاصيل احوالها من حکمها و علامتها و دوائها و ما يتعلق بها من سائر الاحوال لميذکر في کتاب و لا في سؤال و جواب و قد ذکرنا
«* جواهر الحکم جلد 3 صفحه 328 *»
لک تفصيل تلک الامور مع کمال اختلال الاحوال و تبلبل البال و عروض الامراض المانعة من استقامة الحال و قولکم و نري في الغالب تصيب الرعية و لاتصيب الراعي ماعرفت المراد منه فان کان مرادکم من الراعي رؤساء الدين و رؤساء الشريعة و حکام الاسلام فانهم ليسوا و ان بلغوا مابلغوا اعظم من رسول الله9 و الحسن و الحسين8 فانهم قد اصابهم العين کما في البحار عن عبدالکريم بن محمد بن المظفر السمعالي في کتابه ان جبرئيل نزل علي النبي9 فرآه مغتما فسأله عن غمه فقال له ان الحسنين8 اصابتهما عين فقال له يا محمد العين حق فعوذهما بهذه العوذة و ذکرها و قد ذکرنا لک سابقا ان ابراهيم7 عوذ ابنيه اسماعيل و اسحاق و موسي7 عوذ ابني هارون7 کل ذلک من العين و اما رسول الله9 فقوله تعالي و ان يکاد الذين کفروا الخ، اقوي شاهد علي انه9 اصيب بالعين و قول يعقوب کما حکاه الله سبحانه عنه في قوله لبنيه يا بني لاتدخلوا من باب واحد و ادخلوا من ابواب متفرقة و قد ذکر المفسرون انه خاف عليهم من العين فاذا کان هؤلاء الاکابر الذين هم اجلاء الرعاة غيرسالمين من اصابة العين فما ظنک بغيرهم من سائر الرعاة الجزئية فان کان المراد غير هذا فلابد من البيان حتي يتوجه اليه الجواب الصواب و الي الله سبحانه المرجع و المآب و صلي الله علي محمد و آله الاطياب.