تتمة الرسالة فی جواب المیرزا محمد علی المدرس
من مصنفات السید الاجل الامجد المرحوم الحاج
سید کاظم بن السید قاسم الحسینی اعلی الله مقامه
«* جواهر الحکم جلد 3 صفحه 191 *»
بسم الله الرحمن الرحيم
قال- ما المراد بالكاف المستديرة علي نفسها و ما المراد بالعمق الاكبر.
اقول- اعلم ان المراد بالكاف المستديرة علي نفسها هي المشية و الاختراع و انما عبر عنها بالكاف لكونها مقام الواحدية التي قد تممت بالاحد و الواحد اول ظهور الاحد و الاحد مقام الوحدة المطلقة البساطة الصرفة و مقام الربوبية اذ لامربوب و لا ذكر للكثرة فيه بوجه من الوجوه و الواحد اول ظهوراته و اول ما نشأ منه و هو مقام الاسماء و الصفات و الاضافات و التعلقات و هو مقام الربوبية اذ مربوب اما صلوحا و ذكرا او تعينا و كونا كالواحد قبل العدد فانه يصلح انيكون نصف الاثنين و ثلث الثلاثة و ربع الاربعة و خمس الخمسة و هكذا الي ما لانهاية له و مع العدد تكون هذه الصفات كلها وجودية عينية و هذا مرادنا بالذكر و العين و البسملة اشارة الي مقام الواحدية في الوجه الاعلي لان حروفها تسعة عشر و هو استنطاق الواحد و انما استنطق له اللفظ المشتمل علي هذا العدد للاشارة الي قيوميته للعوالم كلها من المبادي و المتولدات كالافلاك التسعة و العناصر الاربعة و المواليد الثلاثة و الانسان و الجن و الملك و هذه تسعة عشر و هذه هي متعلقات الواحدية و مظاهرها و مهابط ظهور اثارها و الا فهي بسيطة ليس فيها كثرة ابدا بوجه من الوجوه و البسملة هي الظهور الكلي
«* جواهر الحکم جلد 3 صفحه 192 *»
الجامع للمراتب كلها و لذا كانت تسعة عشر و لما قلنا انفا ان الواحد لا قوام له الا بالاحد و لا تحقق له الا به لانه الصفة و لاتقوم الا بظهور الموصوف فيها و الا لمتكن صفة فيجب ملاحظة الاحد في الواحد ليكون متمما له فاذا اضفت الاحد الي الواحد الذي هو تسعة عشر بالاستنطاق العددي يكون المجموع عشرين و استنطاقه الكاف و لما كان بالواحد المتقوم بالاحد و الظاهر فيه الاحد ظهرت القيومية و قد دل العقل و النقل ان القيومية صفة فعلية و مبدأ الافعال المشية الكلية الاولية التي هي ادم الاول فناسب انيعبر عنها بالكاف التي هي جامعة لمراتب القيومية المطلقة من ظهور الاحد في الواحد علي جهة الاطلاق و لما كانت المشية انما خلقت بنفسها فخالقية الحق لنفسها (لنفسها و خل) انما كانت بنفسها كما قال مولانا الصادق عليهالسلام خلق الله الاشياء بالمشية و خلق المشية بنفسها، و اية ذلك السراج فان النار انما امدته و اوجدته بنفسه لا بسراج اخر ثم الاشعة به فالاشعة انما تستدير بالسراج في استمداد النور لانه منه و السراج يستدير بنفسه علي نفسه في استمداد النور فان النور ليس في النار بالبديهة و انما يحصل لا من شيء حين التعلق فنورية السراج انما هي احدثتها النار بنفسها ثم احدثت نورية الاشعة بها و النار جعلت السراج خزانة لجميع ما يحتاج اليه السراج و ما تحتاج اليه الاشعة فافهم، و معني الاستدارة الحركة (للحركة خل) بكل الجهات فان كانت من المعلول في استمداده (استمداده و خل) من علته و افتقاره اليها كانت الاستدارة علي خلاف التوالي و ان كانت من العلة في الافاضة و الامداد لمعلولها بكل جهاته كانت الاستدارة علي التوالي و انما كان الاول علي خلاف التوالي لانه سير و حركة من الاسفل الي الاعلي و هو خلاف مقتضي الطبيعة بخلاف الثاني فانه سير من الاعلي الي الاسفل.
فاذا فهمت هذا و فهمت ان المشية لما خلقت بنفسها كانت لها جهتان جهة امداد و هي نفسها في التعبير و جهة استمداد و هي هي في التعبير فهي حين كونها ممدة تستدير عليها من حيث كونها مستمدة فتكون الاستدارة حينئذ علي
«* جواهر الحکم جلد 3 صفحه 193 *»
التوالي و من حيث كونها مستمدة تستدير عليها نفسها من حيث كونها ممدة فتكون حينئذ علي خلاف التوالي و هذان الاعتباران فيها في تزييل الفؤاد و الا فهي شيء واحد ليس في الامكان ابسط منها و لذا تري شيخنا اطال الله بقاه كثيرا ما يعبر عن المشية بالكاف المستديرة علي نفسها و انها تدور علي نفسها علي خلاف التوالي و نفسها تدور عليها علي التوالي بالمعني الذي ذكرنا.
ثم اعلم ان هنا وجه اخر دقيق و هو انه قد يعبر بالكاف المستديرة علي نفسها و يراد بها كاف كن قبل لحوق النون و طريانها عليها و قبل تحقق النسبة الارتباطية بل حال صرف الجهة الاولي في الشيء التي هي هيكل التوحيد فان المشية لها جهتان جهة دلالة و حكاية و جهة ولاية و قيومية و بالجهتين تظهر الالوهية الكلية المستقهرة لكل الاسماء و الصفات فالجهة الاولي يعبر عنها بالكاف لان الاحد الذي ظهر في الواحد بدون ملاحظة الواحد فتلك الجهة صفة التوحيد و هيكل التنزيه و التفريد لكنها ماتصل الي الذات البحت جل شأنها فتطلب الذات بما تجلي لها بها في مرتبتها و ذلك التجلي هو عين مرتبتها لا مرتبة الذات البحت فهي حينئذ تستدير علي نفسها (نفسها و كلما خل) تطلب الغير في نفسها و كلما تطلب مقاما اعلي تقع في مقامها كما قال الشاعر:
قد ضلت النقطة في الدائرة
و لمتزل في ذاتها حائرة
محجوبة الادراك عنها بها
منها لها جارحة ناظرة
سمت علي الاسماء حتي لقد[1]
فوضت الدنيا مع الاخرة
و لما كانت تلك الجهة هي جهة التوحيد و الجهة (جهة خل) الثانية جهة التعلق و الارتباطات الاسمائية و الصفاتية في مقام التعلق و لما كان الفيض الي الاشياء كلها يصل بالمشية فتختص الجهة العليا بظهورات التوحيد لمقامها و غيرها من المفعولات و المعلومات و لما كان الخلق يجمعها رتبتان احدهما الوجود المطلق و هو عالم الامر و ثانيهما الوجود المقيد و هو عالم الخلق و الوجود
«* جواهر الحکم جلد 3 صفحه 194 *»
المطلق هي الكلمة التي انزجر لها العمق الاكبر و الوجود المقيد دلالة تلك الكلمة او الماء النازل من سحابها و في كلا المقامين ظهور التوحيد علي حسب ذلك المقام فيكون ذلك الظهور المطلق في خمسة اطوار و لا سادس فالهاء من الحروف اشارة الي تلك المراتب و لذا اختير لها اسم ظاهره عين باطنه اي صورة ظاهره عين صورته باطنه كما هو صفة التوحيد كما عن النبي صلي الله عليه و آله التوحيد ظاهره في باطنه و باطنه في ظاهره و قد وقعت الاشارة الي التفصيل الذي ذكرنا في الكتاب الكريم في قوله تعالي بسم الله الرحمن الرحيم كعهيص فالبسملة كما ذكرنا هي تمام مقام الواحدية و عند فنائها في الاحد اي ظهوره فيها تظهر الكاف و هي المستديرة علي نفسها و لكن لايقال في هذا المقام انها تدور علي نفسها (نفسها علي خل) خلاف التوالي و نفسها تدور عليها علي التوالي كما في المقام الاول لان الجهات و الاعتبارات و الاضافات و التعلقات كلها منتفية هناك فمعني استدارتها حينئذ انتفاء الجهات و عينية الاولية و الاخرية و القبلية و البعدية و الخفاء و الظهور و لذا اردف سبحانه الهاء بالكاف لانها تمام ظهورات التوحيد و سر هياكل التفريد و هي اول ما نشأ من الكاف التي هي الجهة العليا من كن و لما كان التعلقات انما هي في الرتبة الثانية اردف سبحانه الياء بالهاء و لما كان التعلق ظهورا و صفاتيا لا قوام له الا بالوجه الاعلي في اللحاظ الثاني فاذا لاحظت الهاء في الياء في مقام الارتباط استنطق منها النون و هو تمام كلمة كن فبين سبحانه اثر كل جهة من تلك الكلمة ذيل ذكر مؤثره ليعلم ان لها في مقام البساطة حكما و في مقام التركيب حكما اخر و لذا اردف سبحانه العين بالياء فان العين هي تمام عدد الكلمة ثم بين سبحانه الصاد الذي هو البحر تحت العرش و هو الماء الذي به كل شيء حي و هو مادة الموجودات كلها علي جهة الاطلاق سواء كان بذاته او بشعاعه و ظهوره و اثره و هذا هو الماء الذي استوي عليه العرش الذي هو كلمة كن كما قال عزوجل و كان عرشه علي الماء و هو اثر تمام الكلمة من حيث الارتباط و به تتم الاشياء و تقوم الموجودات كما قال عزوجل و من اياته انتقوم السماء و الارض بامره و
«* جواهر الحکم جلد 3 صفحه 195 *»
الامر هو هذا الماء الذي هو الصاد في عرف اهل البيت عليهمالسلام اعلم ان الاستدارة انما تكون علي القطب و هو انما يكون نقطة وجود الشيء و اصل ذاته و منه استمداده و هو وجه الشيء الي مبدئه و باب استفاضته و استمداده منه و باب افاضة المبدأ و امداده له فدوران الاشياء كلها علي ذلك و تطلق عليه المادة و الهيولي الاولي ايضا و لما كانت الاشياء لها مادة خلقت منها و اصل نشأت عنه و ذلك الاصل من اثر المشية يقال ان الاشياء كرة مجوفة تدور علي المشية اي باثرها الا ان الاثر اضمحلت فيه جهة نفسه فليس الا حكاية غيره و اما المشية فانها اول مخترع باول اختراع فليس لها مادة غيرها حتي تدور عليها و تكون قطبا لها كما في غيرها و انما هي شيء واحد احدثها الله سبحانه بنفسها اي لا بمادة غيرها فهي مادة نفسها و صورتها فهي كرة مصمتة نفسها قطبها و لا محور لها فهي الكاف المستديرة علي نفسها انما كررت البيان لاجل التوضيح و التفهيم فافهم.
و اما العمق الاكبر فالمراد به الامكان الراجح و ان اطلق علي الجائز فانما هو بالاضافة و النسبة و انما سمي عمقا لعدم انتهائه في كل شيء فهو المحيط الواسع الجامع لكل ما يصلح انتتعلق به قدرة الله عزوجل و انما سمي اكبر (و انما اكبر خل) لان الاعماق كلها مطوية فيه فلايعادله في السعة و الاحاطة شيء و المراد بالامكان الراجح ذكر الاشياء في رتبة المشية و نسميه محل المشية الامكانية و هو العلم الذي كانت الاشياء فيه مذكورة و لميكن مكونة كما في الحديث عن الصادق عليهالسلام في قوله تعالي هل اتي علي الانسان حين من الدهر لميكن شيئا مذكورا قال عليهالسلام كان مذكورا في العلم و لميكن مكونا و قال ايضا عليهالسلام كما في الكافي و علم الله السابق المشية و هذا الذكر مثل ذكر الاعداد كلها الي ما لانهاية له في الواحد قبل ظهورها و كل شيء في الامكان كلي صالح لكل شيء و تلك الصلاحية و الذكر هو الامكان و انما سمي راجحا لمرجوحية جريان العدم عليه لوجود المقتضي و رفع المانع و الله سبحانه انما يفعل بالاسباب فكلما يقتضي شرطا و سببا و لازما و ملزوما و
«* جواهر الحکم جلد 3 صفحه 196 *»
مادة و صورة فيوجده سبحانه عند تحقق شرايطها و يعدمه عند عدمها.
و اما الامكان اي محض الذكر فلايقتضي الا المشية التي هي الوجه الاعلي منه و المشية هي الظهور الاول الذي لايحتاج في تحققه الي شيء سوي الله سبحانه و هو سبحانه لميختلف حاله فليس هناك مانع للبقاء فيكون مستمر الوجود و انما قلنا راجحا و ما قلنا واجبا كما قالوا لان الله سبحانه قاهر قادر من ورائها محيط لايستحيل عليه شيء اذا شاء انيعدم الامكان فعل لكن ذلك مرجوح لما ذكرنا فيكون وجوده راجحا.
و اما الامكان الجائز فهو المركبات مما تحت المشية من العقل الكلي الي الثري لانها كلها متوقفة علي الشرائط و الاسباب و المتممات و المكملات فتوجد بوجودها و تعدم بعدمها و هما بالنسبة اليه علي حد واحد و لذا توجد تارة و تعدم اخري و هذا ظاهر.
قال سلمه الله تعالي – و انتبين لي السلسلتين الطولية و العرضية.
اقول– اعلم ان السلسلة الطولية هي مراتب الموجودات في العلية و المعلولية و معني ذلك ان السافل شعاع العالي كالشعاع للسراج و تنحصر هذه المراتب في ثمانية: الاولي الحقيقة المحمدية و هي شجرة الخلد و علي عليهالسلام اصلها و فاطمة فرعها و الائمة اغصانها، الثانية حجاب الكروبيين و هم قوم من شيعة آل محمد عليهمالسلام من الخلق الاول جعلهم الله تعالي خلف العرش لو قسم نور واحد منهم علي اهل الارض لكفاهم و لما سأل موسي ربه ما سأل امر رجلا منهم فتجلي له بقدر سم الابرة فدك الجبل، و خر موسي صعقا و عدد هؤلاء الملائكة مائة الف و اربعة و عشرون الفا لان كل ملك مربي نبي من الانبياء، الثالثة الانسان اي الرعايا و هؤلاء انما خلقوا من شعاع الانبياء عليهم السلام و هم باب فيضهم و امدادهم من الله عزوجل، الرابعة الملائكة غير العالين و الكروبيين و هم انما خلقوا من شعاع نور الانسان و هم حملة التدابير المتعلقة بالانسان و غيرهم بعد اننزلت من الخزائن العليا الي الحقيقة الانسانية
«* جواهر الحکم جلد 3 صفحه 197 *»
فنزلت في اطوارها و شؤوناتها بتلك الملائكة و لذا قال صلي الله عليه و آله ان رجلا من شيعة علي افضل من جبرئيل و هو سلمان و دلت الاخبار ان الشيعة قد سبقت الملائكة في التقديس و التسبيح و التهليل كما سبقوا عليهمالسلام شيعتهم، الخامسة الجان المخلوقين (المخلوقون خل) من نار الشجر الاخضر الذي خلق من فاضل طينة الانسان كما عن الصادق عليهالسلام، السادسة البهائم و حشرات الارض من الحيوانات، و السابعة النباتات كانواع الاشجار البرية و البحرية و البرازخ، و الثامنة الجمادات من العناصر و المعادن و سائر المركبات.
و هذه المراتب انما يقال لها الطولية لوقوع كل واحد منها تحت رتبة الاخري بحيث لا ذكر لها عند من هو اعلي منها كالشعاع بالنسبة الي السراج فلايلحق السافل العالي و ان صعد و ترقي الي ما لانهاية له لان له مقام معلوم لايتعداه و لايتجاوز عنه و لذا ورد في الزيارة فبلغ الله بكم اشرف محل المكرمين و اعلي منازل المقربين و ارفع درجات المرسلين حيث لايلحقه لاحق و لايفوقه فائق و لايطمع في ادراكه طامع، و لذا حرم علي الرعية تمني مرتبة الانبياء و علي الانبياء تمني مرتبة الائمة عليهمالسلام و لذا لما خطر علي قلب ادم ابينا عليهالسلام ذلك عوتب و اخرج من الجنة حتي تاب مع ان الخطور كان خطورا عمليا و الا لعصي و فعل المحرم و ليست هذه الحرمة و هذا النهي الا من جهة ان كل واحد شعاع و اثر للاخر فلايمكن اللحوق الي مرتبة المؤثر و الا لجاز لاحد تمني رتبة الالوهية و ادعاء معرفة الذات المقدسة تعالي الله عن ذلك علوا كبيرا فافهم راشدا موفقا.
و اما السلسلة العرضية فهي ما تجمع الكثيرين حقيقة واحدة ظاهرة في الاطوار و التعينات فاذا نظرت الي الحقيقة تري شيئا واحدا و اذا نظرت الي الاطوار و التعينات و الافراد تري امورا كثيرة و ظهور تلك الحقيقة في تلك الافراد علي السواء و انما تختلف الافراد في القوة و الضعف و الرقة و الغلظة بالقابليات فيصح للكثيف تمني رتبة الشريف و للضعيف تمني رتبة القوي لا بمعني الحسد بل يستحب (يحتسب خل) له ذلك و تلك المراتب المتقدمة لا
«* جواهر الحکم جلد 3 صفحه 198 *»
بالنظر الي الاعلي و الاسفل كالانبياء فان لهم حقيقة واحدة قد ظهرت في مائة الف و اربعة و عشرين الف هيكل مختلف و كالانسان فانه حقيقة واحدة قد ظهرت في الافراد الغير المتناهية بدوا و عودا و كذلك الحيوانات و النباتات و الجمادات و هذه الافراد تترقي و تصعد و تزيد نموا و قوة و صفاء و جدة و شبابا لكنها في مقامها لايتعداه فتستدير بالعرض و الوضع كرة صحيحة الاستدارة و لا انقطاع لهذا السير و هي في مرتبتها و مقامها كما اخبر الحق سبحانه عنهم بقوله تعالي و ما منا الا له مقام معلوم و لكنها تتزايد شرفا الي ما لانهاية له كما قال عزوجل في الحديث القدسي حديث الاسرار كلما رفعت لهم علما وضعت لهم حلما ليس لمحبتي غاية و لا نهاية، انظر الي الجماد فانه تصفو اما بالمعالجة او بالفطرة الي انتبلغ رتبة الاكسيرية ثم اذا زاد سقيا يزداد عملا و تأثيرا الي انيطرح المثقال في الف الف و هكذا الي ما لانهاية له لكنه جماد لاتبلغ مقام النبات ابدا فحركته في العرض و لو كان في الطول لوصل الي النبات و هو الي الحيوان و ماتري في الانسان انه كان نطفة ثم اخذ في النمو بالروح النباتية الي انتهاء حد النباتية ثم صار حيوانا ثم صار انسانا و ذلك ليس من الحركة في الطول و انما هو ظهور المراتب الكامنة و (او خل) المشرقة علي تلك القابلية فلو فصلت الانسان بالفؤاد رأيت كل مرتبة منها في مقامها لميتعداها نعم ظهرت كل مرتبة اذا تم نضج البنية كالجدار الذي يظهر نور الشمس عليه و ليس الجدار و الشمس او النور من حقيقة واحدة و لا ان الجدار صار نورا فاذا فصلتهما يعود كل منهما الي اصله و لذا اذا غربت الشمس لمتجد نورا علي وجه الارض و كذلك الروح الحيوانية اذا (فاذا خل) فارقت لمتجد حركة و لا اقتضاء و لا طلبا لافرق بين الجسد الملقي بعد مفارقة الروح و بين الحجر و هذا لا اشكال فيه فالموجودات في رتبهم في السلسلة العرضية يسيرون الي ما لانهاية له من مبدأ تكونهم الي انظهروا في الدنيا الي انيرتحلوا الي الاخرة الي ما شاء الله من ابد الابدين و دهر الداهرين.
و اذا اردت انتعرف كليات المراتب في السلسلة العرضية في كل شيء
«* جواهر الحکم جلد 3 صفحه 199 *»
من الاشياء فاعلم ان الشيء لما بدا من فعل الله سبحانه لايكمل و لايتم الا بعد اكمال القوسين الصعودي و النزولي اما النزولي فلصيرورته جامعا مملكا و اما الصعودي فلاظهار تلك المراتب و بلوغه الي غاياتها المقررة له فلولا النزول لميتم الصعود و لولا الصعود لميكمل الشيء فاول المبدأ هو الوجود و يعبر عنه بالفؤاد فلما خلقه الله سبحانه تعين و تركب فحصل من اول تركبه و تعينه العقل الكلي في العالم الكلي و الجزئي في العالم الجزئي ثم استنطقه الله سبحانه فقال له ادبر فادبر فاول ما ادبر مقبلا علي الخلق (الخلق ثم خل) الي مقام الارواح ثم الي مقام النفوس عالم الذر تمام الخلق الاول من عالم الغيب ظهور الشيء الغيبي مشروح العلل مبين الاسباب ثم الي مقام الطبيعة الكسر بعد الصوغ الاجمال بعد التفصيل المزج بعد الامتياز ثم الي مقام المادة و تمام الكسر و جوهر الهباء و ظهور الحصص و الذر من غير الامتياز ثم الي مقام المثال و الصورة و الشبح و الظل بدن نوراني لا روح له ثم الي مقام الجسم المركب من المادة و الصورة ثم الي مقام العرش الفلك الاطلس المحيط بالعالم الجسماني كله فلك الافلاك ثم الي مقام الكرسي الظاهر بالكواكب ثم الي فلك البروج الاثني عشر ثم الي فلك المنازل الثمانية و العشرين ثم الي فلك الشمس ثم الي زحل و القمر ثم منها الي المشتري و عطارد ثم منها الي المريخ و الزهرة ثم الي كرة النار ثم الي كرة الهواء ثم الي كرة الماء ثم الي كرة الارض الي هنا تمت مراتب الادبار.
ثم امر الله سبحانه بالاقبال فقال له اقبل فاقبل فاخذ في الصعود فاول ما صعد الي مقام الجماد مبدؤه البخار و الدخان و السحاب و المطر و التيام الاجزاء الاربعة من العناصر علي وزن معلوم مقدر و المزج التام ليكون المجموع شيئا واحدا و يتحقق الجماد في اول المزج (المزج ثم خل) الي مقام المعدن و هو مقام النضج بعد المزج اي النضج الاول ثم الي مقام النبات ثم الي مقام الحيوان ثم الي مقام الجن ثم الي مقام الملائكة ثم الي الانسان و في هذا المقام تظهر المراتب (مراتب خل) المتقدمة النازلة كلها و يظهر العقل المتنزل المقبل
«* جواهر الحکم جلد 3 صفحه 200 *»
المدبر ثم في الكلي الي مقام القطب الغوث الجامع الكلي و مقام ظهور النفس الملكوتية الالهية ذات الله العليا و شجرة طوبي و سدرة المنتهي و جنة المأوي من عرفها لميشق ابدا و من لميعرفها ضل و غوي و هذا المقام هو تمام بلوغ البدو الي العود و الاول بالاخر و الاخر بالاول و هو مقام قاب قوسين ثم منه يصعد الي مقام اعلي و هو تلك اللطيفة الالهية و هو مقام اللانهاية و ليس لها مقام اعلي منه لانها نهاية ذكره و مبدأ ذاته فلايتعداها ابدا و انما يسير في هذه الرتبة بلانهاية و لا غاية لها و هي في كل مقام يطلب اعلي من مرتبتها فلاتصل اليها و تدور علي نفسها سائرة الي اعلي منها و هي في مرتبتها و مقامها فالحق سبحانه دائم التجلي عليها في مقامها بنفسها فلايلحق الي اعلي منها و هذا السير لا انقطاع لها و انما كررت العبارة لاجل التفهيم و قد ذكرت لك السلسلتين باوضح بيان فتفهم راشدا و ليس لي الان قلب لاشرح مراتب تينك السلسلتين علي كمال التفصيل و فيما ذكرنا كفاية لاولي الدراية.
و اما الحقيقة فاعلم ان لها في اخبار اهل البيت عليهمالسلام اطلاقات:
الاول حقيقة الشيء من ربه التي لها كينونة و تأصله و لها تعبيرات في اخبارهم عليهمالسلام منها الروح كما قال تعالي لادم علي ما في الكافي روحك من روحي و طبيعتك خلاف كينونتي و هذا الروح روح مخلوقة وجه الله سبحانه في خلقه و منها الحقيقة كما في حديث كميل في سؤاله لاميرالمؤمنين عليهالسلام ما الحقيقة فقال عليهالسلام ما لك و الحقيقة قال كميل اولست صاحب سرك قال عليهالسلام بلي و لكن يرشح عليك ما يطفح مني قال اومثلك يخيب سائلا قال عليهالسلام كشف سبحات الجلال من غير اشارة الحديث، و منها النور كما في قوله عليهالسلام اتقوا فراسة المؤمن فانه ينظر بنور الله قال عليهالسلام في تفسيره يعني من النور الذي خلق منه، و منها الاب كما في رواية مولانا الصادق عليهالسلام ان الله خلق المؤمنين من نوره و صبغهم في رحمته فالمؤمن اخو المؤمن لابيه و امه ابوه النور و امه الرحمة و قد تطلق عليه الوجود
«* جواهر الحکم جلد 3 صفحه 201 *»
و المادة و الوجه و الفؤاد و العلم و المحبة و التجلي و الظهور و الامر المفعولي و السر و اللب و المثال كما قال عليهالسلام صور عارية عن المواد خالية عن القوة و الاستعداد تجلي لها فاشرقت و طالعها فتلألأت فالقي في هويتها مثاله فاظهر عنها افعاله و قال الصادق عليهالسلام اذا تجلي ضياء المعرفة في الفؤاد هاج ريح المحبة فاستأنس في ظلال المحبوب فاثر محبوبه علي ما سواه و باشر اوامره و نواهيه، و هنا اطلاقات اخر و قد نطلق عليها المفعول المطلق و الاثر و المصدر و الخطاب الشفاهي و النقش الفهواني و النفس الرحماني و عالم المعاني و اللب الانساني و نور الانوار و حقيقة الحقايق الي غير ذلك من الاطلاقات و المراد بهذه الحقيقة هو اثر فعل الله سبحانه و اول ما تعلق به المشية الكونية بالاصالة مطلقا او بالنسبة الي مراتبه النازلة و نسبته الي فعل الله سبحانه نسبة المصدر الي الفعل فان الضرب هو الاثر الحاصل من ضرب فاشتق منه الضارب و المضروب لانك اذا لاحظت فيه ظهور المبدأ يكون مثالا حاكيا عنه كالصورة الحاكية للمقابل في المرآة فمن هذه الحقيقة تشتق منه اسم الفاعل فهو في هذه الحالة مثال و صورة لا ذكر لشيء غير المبدأ فيه و هو اذن صفة و اسم و لانعني بالاسم و الصفة غير هذا كما قال عليهالسلام ان الاسم ما انبأ عن المسمي و قال الرضا عليهالسلام الاسم صفة لموصوف و اشار عليهالسلام الي هذا الذي ذكرنا بقوله كشف سبحات الجلال من غير اشارة و يريد عليهالسلام بذلك محو اعتبار غير المبدأ ليتمحض في الوصفية و الاسمية فبهذا الاعتبار نسبه سبحانه الي نفسه و سماه روحه فهو اذن منتف الجهات و الحيثيات لان الكثرة من لوازم الاثنينية و هي انما يتحقق بتغاير الصفة فاذا لميكن الغير لمتكن الاثنينية فتنتفي بذلك كل جهة و حيثية و اذ لا جهة و لا حيث فلا كيفية فلا حد و لا وضع فلميبق الا حرف المثال الدال علي الحق و لله المثل الاعلي و ليس كمثله شيء و هذا هو الوجه الاعلي من الاثر فاتقنه تجد ما لاتحيط به العبارة و الوجه الثاني مقام كونه اثرا و مفعولا مطلقا فهو حينئذ مادة للشيء و مدلول خطاب كن قبل تحقق لفظ يكون اي المصدر قبل الوقوع المتحقق به المفعول به و هو مس النار للدهن في
«* جواهر الحکم جلد 3 صفحه 202 *»
السراج و الكسر قبل الانكسار في اللحاظ في رتبة الذات و هو في الوجه الاول صفة التوحيد و في الوجه الثاني معاني الاسماء و الصفات و مظاهر التجليات و ذكر الحيثيات لظهور بدائع فاطر الارضين و السموات و هذان الوجهان تطلق عليهما الحقيقة من ربه فاذا وجدت في كلمات مولانا و استادنا اطال الله بقاءه و جعلني فداه الحقيقة من ربه فاحمله علي احد المعنيين المذكورين و المائز قرينة المقام و لكن الاغلب هو الوجه الاول الاعلي.
الثاني حقيقة الشيء من نفسه و يطلق عليها في اخبار اهل البيت عليهمالسلام الام و الحجاب و المجتث و الظلمة و العدم و الباطل و الجهل و المثل السوء و السجين او قبضة من سجين و الماء المالح الاجاج و العمل و الامل و القابلية و الارض الجرز و امثالها من التعبيرات و المراد بها جهة الانية و حدود الصورة و مقام الانفعال و الانوجاد فان الله سبحانه لما اوجد الخلق انوجد فالوجود في اوجد هو الحقيقة الاولي و الانوجاد الحقيقة الثانية فلولا الثانية لميظهر الاول بل لميوجد و لولا الاولي لمتكن الثانية فهما متساوقان في الوجود كل واحدة شرط تحقق الاخري و قيام احداهما بالاخري قيام تحقق و لما كانت الاولي وجه الله سبحانه و جهته كانت الانوار تنسب اليها و لما كانت الثانية جهة النفس و هي خلاف جهة الرب كانت الظلمات تنسب اليها فلهما حركتان ذاتيتان و حركتان عرضيتان فعند ذاتية كل تكون عرضية الاخري فلاتجتمع الذاتيتان للزوم التناقض في حال واحد فان احداهما تطلب الحق بالذات و الاخري الباطل بالذات فان مال الشخص الي الحق فتكون الحركة ذاتية للاولي و تتبعه الثانية بالعرض و كذلك بالعكس و لاتجتمع العرضيتان ايضا لعدم المانع للمجموع و الحاصل ان الثانية هي الصورة و الاولي هي المادة و الصورة هي المشخصات الستة التي هي الزمان و المكان و الجهة و الرتبة و الكم و الكيف و هي الماهية و القابلية و كل واحد منها اجزاء لها و حدود و متممات للقابلية و الاولي نور واحد يتقدر بهذه الحدود فافهم انشاء الله تعالي.
الثالث الشيء المركب منهما و هو الولد المتولد من الحقيقة الاولي التي
«* جواهر الحکم جلد 3 صفحه 203 *»
هي الاب و الثانية التي هي الام و اول المركبات هي النفس الناطقة المعبر عنها بانا ثم العقل ثم الروح ثم النفس الي اخر المراتب المتقدمة في بيان السلسلة العرضية فراجع.
[1] (لها خل).