شرح المشاعر – الجرء الرابع
من مصنفات الشیخ الاجل الاوحد المرحوم
الشیخ احمد بن زین الاحسائی اعلی الله مقامه
قال فكما ان وجوده لايشوب بعدم و نقص فكذلك علمه الذي هو حضور ذاته لايشوب بغيبة شئ من الاشياء كيف و هو محقق الحقايق و مشيء الاشياء فذاته احق بالاشياء من الاشياء بانفسها فحضور ذاته تعالي حضور كل شئ فما عند الله هي الحقايق المتأصلة التي نزلت هذه الاشياء منها منزلة الاشباح و الاظلال .
اقول ربما يتوهم من كلامه في قوله في العلم بغيبة شئ انه فارق بين
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 513 *»
الوجود و العلم و لكن كلامه بعد هذا و هو قوله فحضور ذاته تعالي حضور كل شئ صريح في الاتحاد لانه يريد بالحضور هنا العلم و هو بعينه الوجود و كون العلم هو الحضور صحيح و كون الوجود هو الحضور صحيح الا ان الحضور الذاتي شئ واحد و هو العلم و هو الوجود و هو السمع و هو الذات و هكذا الا انه لايكون حضور كل شئ و لا حضور شئ سواه تعالي سواء اعتبر كونه وجودا ام ( او خل ) علما اذ لايتحد القديم بالحادث لان الحادث عدم و نقص و القديم لايخرج في حال من الاحوال عن ازله و الحادث لايخرج في حال من الاحوال عن امكانه و لايجتمع الوجوب الذاتي مع الامكان في حال من الاحوال و قوله فكما ان وجوده لايشوب بعدم و نقص ينافي قوله فحضور ذاته تعالي حضور كل شئ فان حضور ذاته وجودا كان ام ( او خل ) علما اذا كان حضور كل شئ اتحد القديم بالممكن و ذلك مستحيل كما سمعت و دعوي امكان هذا الاتحاد بل وقوعه بناء علي ان حقيقة الممكن حدود موهومة كما قال شاعرهم :
و ما الناس في التمثال الا كثلجة ** * ** و انت لها الماء الذي هو نابع
و لكن بذوب الثلج يرفع حكمه ** * ** و يوضع حكم الماء و الامر واقع
و قال آخر :
كلما في الكون وهم او خيال ** * ** او عكوس في المرايا او ظلال
و امثال ذلك باطلة نشئت من وساوس الشيطان و قوله كيف و هو محقق الحقايق و مشيء الاشياء صحيح و لكنه محقق الحقايق بفعله بان اخترع لها حقايق و وجودات لا من شئ و هو جاعل الاشياء بمشيته كذلك بل لميكن شيئا الا بمشيته بان جعل لها مشيئات و حقايق بها
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 514 *»
كانت اشياء و لميكن تعالي محققا ( لها خ ) بحقيقته و لا مشيئا لها بشيئيته بل بمشيته جل ان يلابسه شئ او يدانيه شئ او ينسب شئ منه الي شئ غيره او ينسب شئ من غيره الي شئ منه او يكون بينه و بين شئ منه او بين ما ينسب اليه و بين شئ غيره ربط او نسبة او مقارنة او فصل او وصل و تعالي عن جميع ذلك علوا كبيرا و قوله فذاته احق بالاشياء من الاشياء بانفسها حق و لكن ليس علي نحو ما قال و اراد بل علي نحو ما نبه عليه هو سبحانه في آياته مثل السراج فان الشعلة المرئية احق بالاشعة المنبثة من الاشعة بانفسها مع ان الشعلة ليست آية للحق تعالي و انما هي آية للوجه الباقي الذي يتوجه اليه الاولياء لان الشعلة المرئية كما مر متعددا دخان قد كلسته النار الغائبة التي هي آية الرب الخالق بفعلها فانفعل الدخان عن فعل النار بالاستضائة فهي بمنزلة القائم بالنسبة الي فاعل القيام يعني ان القائم اسم لفاعل القيام و القائم متقوم من حركة ايجاد القيام التي فعل الفاعل و من القيام الذي هو اثر تلك الحركة فتركب منهما اسم الفاعل و جميع الاشعة المنبثة متقومة بالقائم من جهة ركنيه تقومت بركنه الايمن اعني الحركة تقوم صدور و بركنه الايسر اعني الاثر الذي هو القيام تقوما ركنيا و ليس بين الاشعة و بين النار تعلق و لا ربط و لا شئ من انواع النسب و انما الارتباط و التعلق و السببية بينها و بين فعله فان كانت النار وجودها هو نفس وجود الاشعة صح ما يدعيه لكن النار ليس بينها و بين الاشعة تعلق بوجه الا ان التعلق لفعلها كذلك ليس بين ذات الله عز و جل و بين الاشياء تعلق بوجه و انما التعلق بين فعله و بينها علي نحو ما قررنا فقد بطل قوله عند من صح اعتقاده و صفي حسه و لطف و هذا ظاهر و ما اكثر ما اكرر هذه المطالب النفيسة لمن عسي ان يتذكر و قوله فحضور ذاته تعالي حضور كل شئ يريد لما كان علمه راجعا الي وجوده يعني انه صادق عليه كما تقدم في بحث عينية الصفات و كان وجوده حقيقة واحدة تتعلق بذاتها بكل شئ بحيث يكون حضور ذاته اي وجودها
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 515 *»
حضور كل شئ اي وجود كل شئ لان وجود ذاته تمام كل شئ كما تقدم كان علمه حقيقة واحدة تتعلق بذاتها بكل شئ بحيث يكون حضور ذاته اي علمها حضور كل شئ اي العلم بكل شئ و يلزم من هذا ان علمه تعالي بذاته هو علمه بمخلوقاته فيلزم من اتحاد العلم اتحاد المعلوم و العبارة عن هذا اللازم ان مخلوقاته هم ذاته فيلتزم بهذا من غير استنكار و لا استيحاش الا ان ذلك علي جهة الاجمال و كلامه بعد هذا ظاهر في ذلك حيث قال فما عند الله هي الحقايق المتأصلة التي نزلت هذه الاشياء منها منزلة الاشباح و الاظلال فنقول عليه اولا اذا اثبت ( ثبت خل ) في ذاته الحقايق المتأصلة لان العلم بها عين العلم بذاته فالذي جعل ( جعله خل ) بمنزلة الاشباح و الاظلال هل هي معلومة له ام لا فان كانت معلومة له فكلها عنده لا حقايقها المتأصلة خاصة فيتوجه عليه ان كلما دخل في علمه في ذاته متحد به سواء كان مثبتا ام ( او خل ) منفيا فمما ينتقض عليه دليله علي قوله بسيط الحقيقة كل الاشياء و غير ذلك و ان كانت غير معلومة له بطل قوله فكذلك علمه الذي هو حضور ذاته لايشوب بغيبة شئ من الاشياء فانه حينئذ يشوب بغيبة نصف الاشياء بل اكثر لان الفروع اكثر من الاصول و ثانيا هل يجد تعالي في علمه الذي هو ذاته ان في علمه الذي هو ذاته حقايق متأصلة لخلقه ام لا فان علم ان في علمه و ذاته حقايق غيره فقد علم انه مركب لان تلك الحقايق هل هي الذات ليس غيرها شئ ام هناك ذات فيها تلك الحقايق فان لميكن شئ الا تلك الحقايق تناقض قوله في ساير كتبه بان ذاته تعالي غير مجعولة بالذات و ان تلك الحقايق غير مجعولة بالتبع و ما بالذات غير ما بالتبع فيلزم التركيب علي فرض ان ليس شئ غير ( من خل ) تلك الحقايق و ان كان هناك ذات غير تلك الحقايق لزم التركيب او كونه محلا لغيره من الحقايق المتأصلة و من الاشباح و الاظلة و الاعراض و من الامور الثابتة و من الامور المتجددة المتقضية اذ لايجوز ان يكون ليس عنده الا الثابتة المتأصلة و ما سواها ليس عنده فيكون غائبا ( غايبة خل ) عنه فلايكون العلم صرف حقيقة العلم و ما اعجب ما
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 516 *»
يقولون من ان علمه تعالي محيط بكل شئ لايعزب عنه شئ و يحصرون ذلك كله في الاصول و يخرجون هيئاتها و جزئياتها و اشباحها و تفصيلاتها و ظواهرها و حدودها و مقاديرها و ما اشبه ذلك عن ذلك العلم المطلق فنحن نعلم ما لايعلم تعالي عن ذلك و الحاصل انما اذكر هذه الامور بدليل الحكمة و الموعظة الحسنة لا بدليل المجادلة بالتي هي احسن لانبهك علي هذه الهفوات التي كانت عند اكثر الناس هي حقايق العلم و اسراره لمينكرها من الناس احد الا محمد و اهل بيته صلي الله عليه و آله والله ماكان بيني و بين المصنف و اتباعه بينونة و لا شئ يكره و انما حداني علي ما كتبت احياء دين محمد و آله صلي اله عليه و آله و ان افتريته فعلي اجرامي و انا بريء مما تجرمون .
قال المشعر الثالث في الاشارة الي صفاته الكمالية القاعدة المذكورة في عموم تعلق علمه تعالي بالاشياء مطردة في ساير صفاته فقدرته مع وحدتها يجب ان يكون قدرة علي كل شئ لان قدرته حقيقة القدرة فلو لمتكن متعلقة بجميع الاشياء لكانت قدرة علي ايجاد شئ دون شئ آخر فلمتكن قدرته صرف حقيقة القدرة .
اقول هذا كالسابق و الكلام عليه كالكلام علي السابق الا انه يرد عليه شئ سبق منا جوابه و التنبيه عليه و هو ما يقولون بان العلم اعم من القدرة فان من جملة ما يتعلق به العلم ذاته و الامور المستحيلة علي زعمهم و لاتتعلق القدرة بذاته و لا بالمحالات و نحن اشرنا الي الجواب فيما تقدم فراجعه فانك لاتجده في كتاب غير ما كتبناه الا عادلا عن الصواب .
قال و كذا الكلام في ارادته و حيوته و سمعه و بصره و سائر صفاته الكمالية فجميع الاشياء من مراتب قدرته و ارادته و حيوته و غير ذلك و من استصعب عليه ان علمه مثلا مع وحدته علم بكل شئ و كذا قدرته مع وحدتها متعلقة بكل شئ فذلك لظنه ان وحدته تعالي و وحدة صفاته الذاتية وحدة عددية و انه تعالي واحد بالعدد و ليس الامر كذلك بل هذه ضرب آخر من
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 517 *»
الوحدة غير العددية و النوعية و الجنسية و الاتصالية و غيرها لايعرفها الا الراسخون في العلم .
اقول يريد ان الكلام في سائر الصفات الثبوتية كالكلام في الوجود و في العلم كما تقدم من عموم تعلقه و ان ذلك اعني تلك الحقيقة المتعلقة اولي بما تعلقت به من نفسه و من غيره و ان حضور تلك الحقيقة هي عين حضور ما تعلقت به كما مضي في الوجود و في العلم و انت خبير بما اوردنا عليه فيما تقدم في هذه الدعوي و بينا بطلان دعويه بدليل الحكمة ليس فيه شئ من دليل المجادلة بالتي هي احسن لئلايحصل الالتباس في المقدمات و في الحمل و الاشتباه في معاني المقدمات بين ما يراد منه المعني بالمفهوم و بالعكس و بين المتأصل بالمنتزع و غير ذلك و بما قدمنا ينتقض ما ذكره هنا و هنا اشياء يحتاج في نقضها علي شئ آخر غير ما ذكرناه هناك و ان كنا ذكرناه مفرقا في هذا الشرح و منه قوله و كذلك الكلام في ارادته و حيوته و سمعه و بصره فان الارادة علي رأيه هو و اكثر القوم من المتكلمين و الحكماء المتألهين و الصوفية و غيرهم قديمة و هي ذات الله و هي العلم الخاص بالمصلحة و ليست العلم المطلق و مذهب ائمتنا عليهم السلام انها حادثة و ليس لله ارادة قديمة لان الارادة لاتكون الا و المراد معه و لانه تعالي لميزل عالما قادرا ثم اراد ( و خ ) لان ارادته انما هي احداثه لا غير لانه لايروي و لايهم و لايفكر و قد روي الصدوق في توحيده عن الرضا عليه السلام انه قال المشية و الارادة من صفات الافعال فمن زعم ان الله لميزل مريدا شائيا فليس بموحد ه ، و محاجته مع سليمن المروزي كما في التوحيد و عيون اخبار الرضا و الاحتجاج و غيرها مما لاتنكر حتي انه عليه السلام لميترك لسليمن حجة و لا نوع احتمال و لا شك ان كل من له ادني عقل يحكم بحدوثها من جهتين الاولي ان الله سبحانه قال في كتابه العزيز سنريهم آياتنا في الآفاق و في انفسهم حتي يتبين لهم انه الحق ، و قال الصادق عليه السلام العبودية جوهرة كنهها الربوبية فما فقد في العبودية وجد في الربوبية و ما خفي في الربوبية اصيب في العبودية الحديث ، و قال الرضا
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 518 *»
عليه السلام قد علم اولوا الالباب ان الاستدلال علي ما هناك لايعلم الا بما هيهنا ه ، و في الابيات المنسوبة الي اميرالمؤمنين عليه السلام :
و انت الكتاب المبين الذي ** * ** باحرفه يظهر المضمر
اتحسب انك جرم صغير ** * ** و فيك انطوي العالم الاكبر
و غير ذلك مما يدل علي ان دليل هذه و امثالها يوجد في الانسان و الذي تجد في نفسك ان ارادتك حادثة فانك قد تريد فتوجد ارادتك و قد لاتريد فتنفي ارادتك و لو كانت هي ( هذه خل ) ذاتك لماامكن نفيها مع وجود ذاتك و لو اعتبارا لانك لو اعتبرت نفي شئ ( الشئ خل ) مما هو انت لمتقدر الا بملاحظة المغايرة و لو اعتبارا و تصورا او اعتبار حيثية و كل ذلك لايتصور في حق القديم تعالي مع انك تقول لميرد الله قال تعالي اولئك الذين لميرد الله ان يطهر قلوبهم و قال تعالي يريد الله بكم اليسر و لايريد بكم العسر فكيف تكون هي ذاته و هي تنفي و تثبت و لايصح ان يقال ان هذه ارادة الافعال و هي لا شك حادثة و نحن انما نريد و نعني بالقديمة التي هي ذاته الارادة القديمة لانا نقول انتم تتكلمون بما تفهمون و تعقلون ام بما لاتفهمون و لاتعقلون فان كان بما لاتفهمون و لاتعقلون فامسكوا فان العاقل لايتكلم فيما لايعقل علي انكم كيف تصفون ما لاتفهمونه و تحكمون ( علي خ ) ما لاتعقلونه و ان كان بما تفهمون فالارادة انما هي طلب الفعل او نفس الفعل لانها ميل الذات الي جهة مطلوبها فاذا فرضتم ان الارادة قديمة فما معني اراد الله ذاته فكما انك تقول علم ذاته و سمع ذاته فما معني اراد ذاته يعني احب نفسه او اراد ان يكون هو اياه او يكون سميعا و بصيرا و عليما فكان ما اراد بارادته ام اراد ما لميدخل في قدرته ام اراد ما كان و اذا فرضتم ان الارادة في الازل تتعلق بما في الحدوث كالعلم فان كان الميل هو التعلق الحادث بحدوث المتعلق فذلك حادث و ان كان الميل في الازل و التعلق و المتعلق في الحدوث قلنا هل الميل حالة غير حالة عدم الميل ام هي هي فعلي الاول تختلف احواله و مختلف ( المختلف خل ) الاحوال حادث و علي الثاني يلزم انكم تقولون بما لاتعقلون و الجهة
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 519 *»
الثانية انكم لاتعرفون الازل و لمتدركوه و لمتروه و لاصعدتم اليه فترون ما ثم و لانزل اليكم فتشاهدون ما جائكم به و لميأتكم منه خطاب و لا كتاب و لا رسول يخبركم بما تدعون و انما جائكم منه رسول صادق صلي الله عليه و آله يخبركم عنه انه ليس هو ارادة و لا له ارادة قديمة هي ذاته ام غيرها بل ارادته هي عين فعله بلا مغايرة و لذا قال الصادق عليه السلام اما الارادة من الخلق الضمير و ما يبدو لهم من الفعل بعد ذلك و اما ارادة الله فاحداثه لا غير لانه لايروي و لايهم و لايفكر و قال الرضا عليه السلام المشية و الارادة و الابداع اسماؤها ثلثة و معناها واحد و لما قال سليمن المروزي انها هي العلم قال عليه السلام المشية ليست كالعلم فانك تقول افعل ان شاء الله و لاتقول افعل ذلك ان علم الله و من قال بخلاف هذا فهو قائل بما لايعقل او مفتر علي الله هذا بدليل الحكمة و اما بدليل المجادلة فقال مدعي قدم الارادة و المشية لوجهين الاول انها لو كانت حادثة لكانت محدثة بارادة غيرها و تلك الارادة ان كانت حادثة كانت حادثة بارادة اخري و يلزم التسلسل فيجب ان تكون قديمة و الثاني انها صفة و الصفة لاتقوم بنفسها و لا بغير موصوفها فلو كانت حادثة كان تعالي محلا للحوادث و هو باطل فيجب ان تكون قديمة و الجواب عن الاول ما ذكره عليه السلام قال ان الله تعالي خلق المشية بنفسها ثم خلق الخلق بالمشية فاذا كانت محدثة بنفسها كما هو شأن كل فعل من عالم الغيب كالنية فانها محدثة بنفسها لا بنية اخري او الشهادة كالحركات الظاهرة فانها محدثة بنفسها لا بحركة اخري فلايلزم التسلسل و هذا ظاهر و الجواب عن الثاني اما عن كونها صفة و الصفة لاتقوم بنفسها فغير مسلم فان كل شئ من الخلق فهو صفة فعله تعالي و جميع الجواهر قائمة بانفسها اذ كل معلول جوهري فهو قائم بنفسه و هو صفة علته لانه من الفعل
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 520 *»
كالمصدر المؤكد ( مؤكد خل ) من الفعل في قولك ضرب ضربا و اما ان الصفة لاتقوم بغير موصوفها فغير مسلم فان كل صفة قائمة بموصوفها قيام صدور فهي قائمة بغير موصوفها فالاشعة صفة السراج و نور الشمس و القمر و هي قائمة بالجدار و الكلام صفة المتكلم و هو قائم بالهواء و الارادة من هذا النوع و هذا ظاهر فانه تعالي اقامها بنفسها و اقام الاشياء قيام صدور بها و قياما ركنيا بنفسه اي بمادته و اما انه لو كانت حادثة كان محلا للحوادث فهو حق و لكنه تعالي ايضا كما لايجوز ان يكون محلا للحوادث لايجوز ان يكون محلا للقدماء فان قلت يجوز في القديم لانها ذاته قلت لو كانت ذاته جاز لكنها غيره لكون ( غير الكون خل ) مفهومها معلوما مدركا لانه ميل الذات و الذات لاتكون ميلا لنفسها و الا لزم التغاير و التعدد و ان قلت انها غير مدركة قلنا لك فلم سميته بما لمتدركه و لميسم نفسه به فان قلت قد سمي نفسه بكونه مريدا قلنا انما سمي نفسه بكونه فاعلا بها كما قال تعالي انما امره اذا اراد شيئا ان يقول له كن فيكون و ارادته هي امره المعبر عنه بكن و يأتي ان شاء الله بيان هذه الآية و رفع ما يتوهم فيها من الاشكال و اما حياته تعالي و سمعه و بصره فكما قلنا في العلم لانها هي الذات بلا مغايرة فاذا اردت بالحيوة ما تفهمه من معني الحيوة فهو معني محدث من معاني افعاله لانك لاتدرك الا الحادث و هو الموجود في الحيوانات اعني التحرك بالارادة و علي قول المصنف تكون ذات الله سبحانه القديمة عين حياتها التي هي الله سبحانه عين حيوة الفرس و الكلب التي هي التحرك بالارادة و سمع الله الذي هو الله سبحانه هو عين سمع الحيوان الذي هو ادراك صوت قرع طبل الاذن و البصر الذي هو ذات الله القديمة هو عين بصر الحيوان الذي هو ادراك صورة المرئي المنطبعة في الجليدية تعالي الله عما يقولون ( يقول الظالمون خل ) علوا كبيرا و كيف لايستصعب علي من عرف الله هذه الدعاوي الباطلة لاستحالتها لا لظنه ان الوحدة التي يدعونها وحدة عددية حيث جعلوا وجوده تعالي عين وجود الاشياء و علمه بذاته عين علمه بها و كذا حياته عين حيوتها الي آخر ما قالوا او وحدة نوعية او جنسية او غيرها و كيف يكون الاستصعاب من جهة
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 521 *»
توهمه في الوحدة و هم يصرحون بها في تمثيلاتهم فيقولون كالبحر و الامواج فان وحدة البحر تطوي كثرة الامواج و كالصوت و الحروف و كالمداد و الحروف المكتوبة و كالشجرة و الاغصان و الورق و كالماء و الثلج و كالثوب و الالوان المختلفة عليه و غير ذلك من تمثيلاتهم المصرحة بدعويهم و قوله لايعرفها الا الراسخون في العلم يكون معناه عند من عرف الله لايعرف كلمة الكفر في دعوي الاسلام الا الراسخون في الجهل بالله اعني علم التصوف فاعلم هداك الله ان هذه الوحدة التي يدعيها في قوله ان وجوده تعالي عين وجودات الاشياء و حضور ذاته في العلم عين حضور ( ظهور خل ) الاشياء و حياته عين حيوة الاشياء و انها لايعرفها الا الراسخون في العلم اظهر من نار علي علم و انما يبعدونها بالعبارات المختلفة فتارة يقولون الاشياء شؤن ذاته و تارة اطوار ذاته او ظهوراته او صور له يلبس منها ما شاء و يخلع ما شاء او الوانه و اعراضه يقول شاعرهم :
كل ما في عوالمي من جماد ** * ** و نبات و ذات روح معار
صور لي خلعتها فاذا ما ** * ** زلتها لاازول و هي جوار
انا كالثوب ان تلونت يوما ** * ** باحمرار و تارة باصفرار
الخ ، و تقدم قوله :
و ما الناس في التمثال الا كثلجة ** * ** و انت لها الماء الذي هو نابع
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 522 *»
و لكن بذوب الثلج يرفع حكمه ** * ** و يوضع حكم الماء و الامر واقع
و امثال ذلك فكيف مثل هذا لايعرفه الا الراسخون في العلم و هو يقول ان وجوده عين وجود الاشياء فان اراد ان وجودات الاشياء حصص من الذات تميزت من الذات بمشخصات لحقت الحصص لنفسها لا للذات فذلك كوحدة الشجرة و بساطتها فانها قد طوت كثرة الغصون و الورق عند لحاظ وحدة الشجرة و ان اراد ان وجودات الاشياء ظهورات الذات فهي تجلياتها و التجليات اشراقات منفصلة من الذات قائمة بها قيام صدور و هذه ليس وجود الذات وجودها لانها آثار فعلية صدرت بفعل الذات و ليست هي الذات كما ذكرنا سابقا و قد قال الملا احمد بن محمد بن ابراهيم اليزدي في حاشيته علي هذا الكتاب في الاشارة الي بيان هذا المعني الذي يشير اليه المصنف بل المراد ان الواحد كما كان مبدء لجميع مراتب الاعداد بمعني ان ليس شئ منها الا الواحد المكرر فلايوجد في مرتبة منها شئ سوي الواحد نعم انه قد تكرر فيها و مع هذا لايمكن ان يقال ان شيئا منها هو الواحد كذلك الباري تعالي شأنه اصل جميع الاشياء و جميعها واحدة في هذا المعني و هو تعالي مقوم لها بالمعني المذكور آنفا مع انه لايمكن ان يقال انها من حيث هي كذلك عينه تعالي و لا هو عينها انتهي ، يشير بعدم الصدق من هذه الحيثية الي ما اشرت اليه في قولي بمشخصات لحقت لنفسها لا للذات ثم قال و لاينافي كلا منهما ما قصد نفيه هيهنا كما يظهر لك الآن من بيانه انتهي ، و اعلم ان تنظيره يخالف مقصوده لان مقصوده ان العشرة تكرر فيها الواحد بذاته ليطابق اعتقاده و اعتقاد المصنف من ان وجود الحق عين وجودات الاشياء و لذا قال ليس شئ منها الا الواحد المكرر فلايوجد في مرتبة منها شئ سوي الواحد و حقيقة المنظرية ان العشرة اذا فرض انها مؤلفة من تكرر الواحد كان المتكرر امثال الواحد لا ذات الواحد
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 523 *»
اذ الواحد لايتكرر فاذا قلت ( ثبت خل ) ان مراده في ذات الواجب مع الحادثات ما يراد من الواحد مع العشرة كان معناه ان وجودات الاشياء ظهورات الواجب و شؤنه لا نفس وجوده و قوله و مع هذا الي قوله مع انه لايمكن ان يقال انها من حيث هي كذلك عينه تعالي و لا هو عينها ينافي ما اراد من قوله و هو تعالي مقوم لها لانه اراد بل صرح كما في تمثيله بالواحد في العدد انها عبارة عن تكرره في مراتب ظهورها فان اراد هذا المعني فمعني كونه مقوما لها انه عينها و هي عينه كما ذكر مميتالدين بن عربي في شعره في كتابه الفصوص :
فلولاه و لولانا ** * ** لماكان الذي كانا
فانا اعبد حقا ** * ** و انا الله مولانا
و انا عينه فاعلم ** * ** اذا ما قيل انسانا
فلاتحجب بانسان ** * ** فقد اعطاك برهانا
فكن حقا و كن خلقا ** * ** تكن بالله رحمانا
الخ ، فان اراد هذا المعني فينبغي ان يقول انه باعتبار التكرر في المراتب فهو غيرها و هي غيره و باعتبار انها انما هي تكرره فهي عينه و هو عينها و ظاهر عباراته انه اراد هذا المعني بدليل قوله من حيث هي و ان اراد به المغايرة الحقيقية وجب ان يراد بالتكرر التكرر بالظهورات لا بالذات و هذا و ان كان ايضا باطلا من جهة انهم يريدون ظهوراته بذاته لا بافعاله و مفاعيله و لو اراد هذا لكان حقا لكنهم مايريدون الا اتباع الباطل و لهذا قلنا انه لايريد الا المعني الاول و اما المعني الثاني فلايريده علي الظاهر و ان كان ايضا باطلا و لهذا قال لاينافي كلا منهما ما قصد نفيه اي لاينافي كونه تعالي و مقوما لها بمعني انها ليست الا تكرره انه غيرها و انها غيره و لاينافي كونها عبارة عن تكرره انها غيره و انه غيرها لكني اقول انه ينافيه لان الحيثية فرقوا بها ان كانت شيئا فهي منها و هي تكرره و ان لمتكن شيئا فلا فارق
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 524 *»
فتشبث بالتمسك بمذهب من يعتقد ان الحق معهم و فيهم و بهم عليهم السلام .
قال المشعر الرابع في الاشارة الي كلامه و كتابه كلامه تعالي ليس كما قالته الاشاعرة من انه صفة نفسية هي معان قائمة بذاته لاستحالة كونه محلا لغيره و ليس ايضا عبارة عن خلق اصوات و حروف دالة و الا لكان كل كلام كلام الله و ايضا امره و قوله سابق علي كل كائن كما قال انما امره اذا اراد شيئا ان يقول له كن فيكون .
اقول اشار بقوله الي كلامه و كتابه الي الفرق بينهما بقرينة العطف الذي يقتضي المغايرة و اراد التفسير علي خلاف الاصل و سيذكر المصنف الفرق ثم قال الكلام في الحقيقة ليس كما قالته الاشاعرة ابوالحسن علي بن اسمعيل بن بشير ( بشر خل ) الاشعري و اصحابه تبعا لمحمد بن عبدالوهاب القطان فانهم ذهبوا الي ان كلام الله صفة لذات الله نفسانية و هو عبارة عن معان قائمة بذاته او صورها القائمة بذاته كما قال الشاعر :
ان الكلام لفي الفؤاد و انما ** * ** جعل اللسان علي الفؤاد دليلا
قال المصنف في رد كلامهم لاستحالة كونه محلا لغيره و هذا التعليل حق لنا بمعني ان تلك المعاني او الصور معاني الخلق و صورهم و يستحيل في حقه تعالي ان يكون محلا لغيره و لكن هذا التعليل يرجع ردا عليه بعين ما هو رد علي الاشاعرة لان اثباته للحقايق المتأصلة في ذاته التي يسمونها بالاعيان الثابتة يلزم منه ان يكون محلا لغيره او انها هي هو و عندي ايضا ان كونه هي اياه ليس بمخرج له عن كونه محلا لغيره و ليس كما قالته المعتزلة و عناهم بقوله و ليس ايضا عبارة عن خلق اصوات و حروف دالة و يريد انه عبارة عن اصوات و حروف مخلوقة لان الكلام ليس هو خلق الاصوات لان خلق الاصوات هو التكلم و الكلام عبارة عن اصوات مخلوقة و الا لكان كل كلام كلام الله اقول انه رد كلام المعتزلة بوجهين الاول هذا الالزامي و هو قوله و الا لكان
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 525 *»
كل كلام كلام الله و هو غير لازم عند المعتزلة لان هذا مبني علي انه لا مؤثر في الوجود الا الله و المعتزلة لايسلمونه و انما تسلمه الاشاعرة و الثاني قوله و ايضا امره و قوله سابق علي كل كائن كما قال انما امره اذا اراد شيئا ان يقول له كن فيكون فاذا كان الامر و القول من الكائنات لزم ان يسبقه امر و قول كما هو ظاهر من قوله تعالي فننقل الكلام الي هذا السابق فيكون مسبوقا بامر و قول و هكذا فيدور او يتسلسل فاذا امتنع ان يكون الكلام كما قاله الاشاعرة و لا كما قاله المعتزلة وجب ان يكون له معني آخر يحمل عليه هذا معني كلام المصنف و قد بينا لك بطلان الوجه الاول و هذا الوجه اعني الثاني ابعد من الصواب لان هذا الوجه اعني الثاني ان اراد به الاستدلال عليهم بظاهر اللفظ فليس مما يناسب من مثله مع ما يشير به في جميع كلماته ان جميع ما يورد من المواهب و الاسرار التي لايقف عليها الا الاقلون و الراسخون في العلم و ان اراد به الحقيقة فهو غلط فاحش و ذلك لان الامر و القول هو المعبر عنه بكن و هو الفعل و لايريد الكلام و ليس هذا مراد المعتزلة لان المراد عندهم هو الالفاظ و اذا اطلق الكلام انما يراد منه الالفاظ لانه هو المتعارف عند عامة المكلفين و قد قالوا عليهم السلام انا لانخاطب الناس الا بما يعرفون ه ، و الآية الشريفة يراد فيها من الامر و القول خصوص الفعل و لذا قال الصادق عليه السلام لا كاف و لا نون و انما اراد فكان او كما قال و اعلم انك اذا جريت علي ظاهر الآية من كون الارادة غير الامر و غير الفعل لظاهر الشرط قلنا لك ان ظاهر الشرط توقف الارادة عليه فانه اذا لميرد لميقل كن فاذا اراد قال كن و هذا ظاهر في توقف وجودها علي العزم علي الفعل و الميل اليه كتوقف القول فهي مقارنة و مشروطة الوجود و المقارن لغيره و مشروط الوجود حادث و كل حادث متوقف علي قوله كن فيلزم اما ان تكون الارادة عبارة عن الفعل المعبر عنه بكن او حادثة به و الاول هو مذهب اهل الحق عليهم السلام كما مرت الاشارة اليه و
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 526 *»
الثاني يلزمه منه ما فر عنه فارادته تعالي عين فعله و لو كانت هي علمه لماصح الشرط فلايقال انما امره اذا علم الشئ ( شيئا خل ) ان يقول له كن فيكون لان العلم لايكون مشروطا بخلاف الارادة و وقوعها بعد اذا دال علي استقبال وجودها فافهم و كلام المعتزلة و الاشاعرة في معني كلام الله لغة و المصنف اراد من الكلام غير ما اراد الفريقان و هو طور آخر و هو و ان كان في الجملة صحيح في نفس معناه لكن لايصح علي اطلاقه لان ظاهر كلامه ان كلام الله محصور فيما قال فيرد عليه ما يرد عليهم لانه اذا اراد بالكلام ما وضع هذا اللفظ بازائه في اصل اللغة الحقة التي هي كلام الله تعالي و كلام اوليائه عليهم السلام فكل شئ كلام الله يعني جميع افراد الانسان و الحيوانات و النباتات و المعادن و العناصر و الجواهر و الاعراض و الحركات و السكنات و الحاصل جميع ما احاط به علم الله الامكاني و الكوني مما تعلمون و مما لاتعلمون و منه ما ذكره المعتزلة كلام الله و افراده كلمات الله و كلمات الله و هذا معني غير ما ذكره المعتزلة فهو يتكلم عليهم بما لايريدون لانهم يريدون به ما خوطبوا به من لغة العرب و معناه وجه من سبعين وجها من اللغة الحقة الاصلية و المصنف رد عليهم بمقتضي وجه آخر من السبعين غير ما هم بصدده و اين هذا من هذا و ان اراد به ما وضع اللفظ بازائه في لغة العرب المعروفة فكلام المعتزلة متجه و اما كلام الاشاعرة علي مقتضي اللغة الحقة فلايسمي كلاما حقا و انما يسمي كلاما باطلا و معني قولي هذا انهم ذهبوا الي ان هناك شيئا في نفس الواجب تعالي مغايرا لذاته و هذا باطل فلايقال له كلام في الحق و انما يقال له كلام في الباطل اي في كتاب الفجار فان كل ما يرد علي الاوهام من الامور الباطلة فهي ظل من ( ما في خل ) الثري و مما تحت الثري كما لو اعتقد او توهم تعدد الالهة او تركيب الواجب او كونه معلولا لما قبله او ان له والدا او ان له صاحبة و امثال ذلك من الامور الباطلة فانها مثبتة في الالواح الباطلة المعبر عنها بسجين و كتاب الفجار و بالثري و ما تحت الثري و بالجهل الكلي و امثال ذلك و اذا ذهب وهم شخص الي شئ منها بنجوي الشيطان انزل الله
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 527 *»
سبحانه صورة ذلك من ذلك الكتاب الي وهم ذلك الشخص بمقتضي عمله و استعداده و طلبه لذلك من الوهاب بقابلية السوءي و هو ظل ما في كتاب الفجار سجين و ما اشبهه من الالواح الباطلة فهو في اللغة الحقة كلام في اللوح الباطل فلايسمي كلاما في الحق و انما يسمي كلاما مع انه باطل لانه انزله الله بمقتضي قابليته السوءي و انما خلق تلك الالواح التي ليس فيها الا الباطل للذي اراد من الدلالة عليه ان كلما سواه فله ضد و جميع ما في الحق فله ضد في الباطل لان المخلوق لايقدر علي ان يتقوم بسيطا محضا لما قلنا من انه لا بد له من اعتبار من ربه و اعتبار من نفسه و لتعلم بذلك انه تعالي انما ضاد بين الاشياء ليعلم الا ضد له فقول الاشاعرة علي مراد المصنف و علي ما اشرنا اليه من اللغة الحقة التي هي كلام الله و كلام اوليائه ليس كلاما الا اذا اريد به ما في كتاب الفجار سجين بخلاف كلام المعتزلة فانه كلام علي اللغة الحقة و علي لغة العرب التي هي وجه واحد من سبعين وجها هي اللغة الحقة فرده مردود و ان كان ما اراد من معني الكلام صحيحا و لكنه نوع من انواع الكلام لاينحصر فيه .
قال بل هو عبارة عن انشاء كلمات تامات و انزال آيات محكمات و اخر متشابهات في كسوة الفاظ و عبارات قال و كلمته القاها الي مريم و روح منه ، و في الحديث اعوذ بكلمات الله التامات كلها من شر ما خلق و الكلام النازل من عند الله هو كلام و كتاب من وجهين و الكلام لكونه من عالم الامر غير الكتاب لكونه من عالم الخلق و المتكلم من قام به الكلام قيام الموجود بالموجد و الكاتب من اوجد الكلام يعني الكتاب و لكل منها منازل و مراتب و كل متكلم كاتب بوجه و كل كاتب متكلم بوجه .
اقول قوله بل هو اي الكلام عبارة عن انشاء كلمات تامات فيه اشعار بانحصار الكلام في هذه المعاني و قد بينا لك ان الحصر فيها ليس بصحيح و قول الله سبحانه و علم آدم الاسماء كلها ثم عرضهم اي المسميات علي الملئكة فقال انبئوني باسماء هؤلاء صريح بان الله هو خالق الاسماء و واضعها علي مسمياتها فاخبرني اي الكلمات المسميات ام الاسماء ام هما معا و هل الاسماء
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 528 *»
صفات المسميات المعنوية ام اللفظية فان كنت ممن يفهم اللحن كما في قول الصادق عليه السلام علي ما رواه الكشي انا لانعد الرجل من شيعتنا فقيها حتي يلحن له و يعرف اللحن ه ، و ممن يؤمن بالله و كلماته كما في قوله قل الله خالق كل شئ و هو الواحد القهار و تعرف ان الكلمات في اصل اللغة اعني اللغة الحقة هي المسميات مثلا كجرم الشمس اعني الكوكب النهاري الذي ينسخ وجوده وجود الليل فانها من المسميات و هي ( فهي خل ) الاسماء المعنوية كنور الشمس فانه اسم معنوي و هي ايضا اللفظية كلفظ الشمس فانه اسم لفظي و الثلثة مما اتي ان شاء الله تعالي و كل منها كلمة تامة في مقامها بنسبة رتبتها من الوجود فيدخل في المسميات جرم الشمس بالاصالة و نور الشمس بالعرض و يدخل في الاسماء نور الشمس في المعني و لفظ الشمس في اللفظ و كما يصدق الاسم علي ما يدعي حصر الكلام فيه من الذوات و المعاني يصدق ايضا علي الالفاظ فيكون رده علي المعتزلة علي غير ما ينبغي و لو رد عليهم بنقض حصرهم الكلام في الالفاظ لاتجه كلامه و قوله و انزال آيات محكمات الخ ، عطف علي قوله انشاء كلمات تامات و العطف يقتضي المغايرة فلايكون تفسيرا للمعطوف عليه بل المراد انه تعالي انشأ كلمات تامات هي الذوات و الموصوفات و انزل منها صفاتها و اسمائها لان الاسماء معنوية كانت ام لفظية صفات لتلك الموصوفات و اعراض لتلك الذوات و كانت الاسماء قبل انزالها لازمة لمباديها من المسميات حتي عرض لها القوابل ففصلها من مباديها و اقامها بها قيام صدور مثل الصورة التي في المرءاة فانها قبل انزالها في المرءاة لازمة لصورة الشخص ( الشمس خل ) المقابل فلما عرضت القابلة لها اعني المرءاة فصلها منها و اقامها بذلك المبدأ اعني به صورة الشاخص اللازمة قيام صدور و اراد بانشاء كلمات التكلم بها و الكلمات التامات العقول فانها كلمات منشأت كما ذكر في كتاب اسرارالآيات قال و اما الكلمات التامات فهي الهويات الفعلية النورية التي وجودها عين الشعور و الاشعار و العلم و الاعلام انتهي ، و كلامه له وجه ان لميرد حصر الكلمات
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 529 *»
التامات في الذوات العقلية و الا فلا لان من الكلمات التامات العاقلون بل هم الكلمات الكاملات اذ العاقل اتم من العقل و ايضا في قوله الهويات الفعلية ما ينافي المذهب و ما قام عليه الدليل من ان كل ممكن محتاج في بقائه و تحققه الي المدد و انه لايستغني عن المدد طرفة عين و الا لاستغني ابدا و لايمد لبقائه و تحققه الا بما لميأته و لميصل اليه او وصل اليه ثم خرج عنه و اعيد اليه نازلا بعد ان صعد عنه و هو يريد بالفعلية الغير المنتظرة لشئ بل جف في حقها القلم فكان كل ما لها و اليها بالفعل فهي كاملة لذاتها او مستكملة غير منتظرة لمدد و لقد لوح الي ما يفيد هذا المعني فيما ذكره اول الكتاب في قوله ان العقل و ما فوقه كل الاشياء فقد جعل العقل و الذي فوقه هو الباري تعالي كل الاشياء لكونهما بسيطي الحقيقة و انت خبير بان كلما سوي الله تعالي فهو محتاج الي مدده و كل ممكن فهو زوج تركيبي فليست العقول بسيطة و لا مستغنية و قوله فوجودها عين الشعور و الاشعار الخ ، اذا اريد بوجودها نور الله اي كونه غير ناظر الي ما سوي الله فانه حينئذ يقظة و اما اذا اعتبر كونه ناظرا الي نفسه و ( او خل ) الي غير الله فانه حينئذ لا شعور فيه و الي ذلك الاشارة بتأويل قوله و تحسبهم ايقاظا و هم رقود نعم العقل تنام عينه و لاينام قلبه و شعوره بنفسه بالله سبحانه بامره المفعولي اعني الحقيقة المحمدية و اشعاره لما دونه بالله بواسطة امره و كذلك علمه و اعلامه و مراده هنا مما ذكر او المراد لنا مما ذكر ان انشائه تعالي تكلمه و كلامه مفعولاته في كل رتبة من مراتب الاكوان و مجعولاته كتابه بمعني ان كلامه مفعولاته العقلية و النفسية باعتبار كونها منشأة و باعتبار تمايز افرادها بمشخصات هندسية هي كتابه لان ( لانه خل ) الالف المبسوطة ( المبسوط خل ) كما قال عز و جل و كتاب مسطور في رق منشور و مفعولاته اللفظية التي يعبر عنها ترجمانه اي يعبر عن صورها النفسانية حاكيا لترتيبها مع مدلولاتها بلسانه من غير تغيير و لا تبديل و لا تقديم و لا تأخير و مفعولاته الرقمية التي تنقش في الاوراق بصور ما نقشت في الالواح فكلامه تعالي صادق علي المراتب الاربع باعتبار كونها منشأة و بمعني ان ما انشأه منها اذا وصفه ( وضعه خل ) فبما يتقوم فيه من مكان و وقت و جهة و
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 530 *»
رتبة اقتضي تفاوتها بسط تلك المنشئات كل في وقته و مكانه و جهته و رتبته بمعونة كمه و كيفه فكان الجامع لما انتشر منها و انبث كلامه ( كتابه خل ) تعالي و هو في الصور الجوهرية و هي النفوس و في جوهر الهباء و في المثال و في الاجسام بجميع مراتبها و اما في العقول فهي و ان كانت متمايزة تمايزا معنويا بحيث يتميز في العقل معني الخاتم عن معني البيت في التعقل بمميزات معنوية بحيث لايشتبه احدهما بالآخر الا انها في الظاهر لميكن تمايزها بالصورة فاطلق عليها البساطة فلايقال لها كتاب لعدم الانتشار فيها و الانبساط فهي كلامه بخلاف ما دونها من النفوس و ما تحتها و اما الارواح فلها اعتباران فلذا يطلق عليها النفوس تارة و تارة العقول و حيث اثبتنا لها صورا كهيئة ورق الآس فانها بمنزلة المضغ في تخلق الانسان و قد قال تعالي ثم من مضغة مخلقة و غير مخلقة دل علي رجحان الحاقها بالنفوس فتكون كتابا و لما كان اكثر استعمال الجعل في اللوازم و التوابع حسن ان نقول كلامه مفعولاته و كتابه مجعولاته و المصنف عبر عن الجعل بالانزال لمناسبة الآيات و لا بأس به و هذا و ان كان اظهر من تعبيرنا في الظاهر لكن تعبيرنا اقرب للتعبير عن حقيقة الامر لان الانزال جعل في الحقيقة و اليه الاشارة بقوله تعالي و كذلك اوحينا اليك روحا من امرنا ماكنت تدري ما الكتاب و لا الايمان و لكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء الآية ، و ذلك لان النور الذي اوحي الله سبحانه الي نبيه صلي الله عليه و آله كان روحا و هو ملك و هو خلق اعظم من الملائكة اعني روح القدس المسمي بعقل الكل و جعله تعالي نورا اي قرءانا و ان شئت قلت انزله قرءانا و المعني واحد اذا اردت بالانزال الجعل و الا لميصح علي ظاهر الانزال بمعني انه حطه من عال الي سافل بل كانزال الملك الامين علي اقرارات المؤمنين بالولاية الي الارض حجرا اعني الحجرالاسود فافهم الاشارة و قوله و انزال آيات يشير به الي ان افراد ذلك المجموع المبسوط المنتشر المسمي بالكتاب هي آياته و لعل المناسب ان يقال المجموع كله كتاب و انواعه سوره و اصنافه آياته و اشخاصه كلماته و لا مزية في الاطناب في هذه
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 531 *»
المعاني لاني لست بصدد شئ غير تصحيح الاعتقاد و اذا ذكرت غير ما يتعلق بذلك فانما هو استطراد او تنبيه علي مزية يتوقف عليها بعض تصحيح الاعتقاد و كثرة ردي علي المصنف ليس لان بيني و بينه نبوة او حسد او عداوة و انما اريد بيان الحق و هداية من يطلب الرشاد و ان الله سبحانه يعلم ما في ضميري و يطلع علي قصدي و هو سائلي عن ذلك و قوله محكمات و اخر متشابهات فالذوات المحكمات ذوات المؤمنين الممتحنين و اتباعهم و هو الذوات المطهرات كالمعصومين عليهم السلام و ما يلحق بهم مما كثر خيره من اتباعهم و هذا المحكم في كل بحسبه من الروح الكلية و النفس الكلية الي التراب الصالح الطيب و المتشابه من النفس الامارة الكلية الي التراب المالح و الارض السبخة و قوله في كسوة الفاظ الخ ، قد تقدم ما يكفي لبيانه فانا قد ذكرنا ان الالفاظ و العبارات من الكلام و من الكتاب كل في رتبته فلاينحصر الكلام و الكتاب فيما ذكره و استشهاده بقوله و كلمته القاها الي مريم و روح منه علي الحصر ينفيه قوله تعالي رب ارجعوني لعلي اعمل صالحا فيما تركت كلا انها كلمة هو قائلها و ما في قوله تعالي فتلقي آدم من ربه كلمات ، و في الحديث اعوذ بكلمات الله التامات كلها من شر ما خلق قد ورد فيه بانها رجال و بانها الفاظ لما قدمنا من تساوي الكل في كونها صنعه فما لميتمايز ( يتميز خل ) بالمشخصات الشخصية سواء في الانواع او الاصناف او الاشخاص فهو كلام علي اصطلاحه و ما كان كذلك فهو كتاب و قوله و الكلام النازل من عند الله هو كلام و كتاب من وجهين ( و خ ) هو ما اشرنا لك اليه فانه بلحاظ البساطة و ( او خل ) البساطة كلام و بلحاظ التعدد و ( او خل ) الانبساط كتاب و الكسوة كما قلنا يجري فيها هذا باعتبارين و هذا ظاهر و قوله و الكلام لكونه من عالم الامر غير الكتاب لكونه من عالم الخلق يريد به ان الكلام الذي هو الهويات العقلية من عالم الامر اي الفعل و التكوين و
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 532 *»
هذا كما هو مقرر عندهم ان عالم الامر عالم العقول و عالم الخلق عالم النفوس و عندنا ان عالم الامر هو عالم الاختراع و الابداع اعني المشية و الارادة و اما العقول فهي من عالم الخلق نعم عالم الخلق هو المفعولات و هي قد تكون حاملة لافعاله تعالي كحمل الحديدة لحرارة النار و يكون عز و جل فاعلا بها و اليه الاشارة بقول علي عليه السلام في شأن الجواهر المجردة من الملئكة و الارواح و النفوس قال عليه السلام و القي في هويتها مثاله فاظهر عنها افعاله انتهي ، و يمكن بهذا الاعتبار جعلها من عالم الامر لما يظهر بها او عنها من التكوينات فعلي هذا يجوز ان يقال عليها عالم الامر و عالم الخلق باعتبارين و علي كل حال عالم الامر غير عالم الخلق لان الاول عالم التكوين و الثاني عالم التكون و قوله و المتكلم من قام به الكلام قيام الموجود بالموجد يريد به ان المتكلم هو منشئ الكلام بدليل ما ذكر قبل من قوله عبارة عن انشاء كلمات الخ ، و فسره هذا بقوله من قام به الكلام الخ ، و معناه ان الكلام قائم بالمتكلم قيام صدور لا قيام عروض و حلول و هذا صحيح الا انه مناف لقوله السابق من اتحاد الموجود بالموجد و لكن هذا علي مذهبنا صحيح الا انا نتفارق معه في المراد من المتكلم فانه علي مفاد طريقته و عباراته انه الذات البحت و عندنا هو مثال الذات اعني فاعل الكلام و صانعه و يحتمل انه يريد ان الكلام قائم بالمتكلم اي متحقق به لا انه من حيث هو مصنوع له لان هذا عنده صفة الكتاب لا صفة الكلام و يؤيد هذا الاحتمال قوله و الكاتب من اوجد الكلام يعني الكتاب فجعل الفرق بينهما ان المتكلم من تقوم به الكلام ( بالكلام خل ) و الكاتب من اوجده و يفهم من هذا انه لايريد ان المتكلم من اوجد الكلام و يؤيد هذا رده لكلام المعتزلة كما تقدم فيكون عنده من اوجد الكلام ليس بمتكلم بل هو كاتب و اذا قلنا اراد بقيام الموجود بالموجد استناده اليه لانه من عالم الامر اذ هو فوق التجدد و الحدوث انطبق مراده علي اعتقاده و لكن الكفر ملة واحدة و الحق ان المتكلم من اوجد الكلام و هو قائم بفعله قيام صدور و المتكلم اسم فاعل الكلام فهو
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 533 *»
صفة مركبة من الايجاد و الموجود به اعني الكلام يعني مركبة من الفعل و الحدث و مسماه مثال الذات البحت اعني فاعل الكلام و موجده و هو الظاهر بالكلام و اما الكاتب فهو اسم لموجد الكتابة لكن لما كان الكلام اثر الحركة الموجدة له المتقضي بانقضائها لانه و ان كانت هيولاه من الهواء في الاصل فان مادته من حركة موجده لانها اصوات صاغها من حركته و الانتهاء الحاملة لها و من الهواء بل في الحقيقة انما صاغها من حركته في الهواء فالهواء من مقومات مادته فلما كان كذلك كان قائما بمصدره اي بفعل موجده قيام صدور و محل ظهوره الهواء و الكتابة ليست مادتها من فعل الكاتب بل هي من المداد فكانت هيئاتها المشخصة لها و ان كانت من هيئات حركة مؤثرها متقومة بمادتها الاجنبية فكانت الكتابة قائمة في القرطاس و هذا ما اشرنا اليه قبل هذا من كون المجعولات كتابه تعالي لانه عز و جل اقامها بموادها في اوقاتها و اماكنها اذ هي من حدود قابلياتها و قوله و لكل منها ( منهما خل ) منازل و مراتب يريد ان لكل من الكلام و الكتاب منازل “٢” اذا تنزل من مصدره اليها “٢-” ظهر فيها “٢-” لمن يخاطب به و لمن يرسل اليه فمنازلهما في عالم الاسرار غير منازلهما في عالم الانوار و هي غيرها في عالم الاشباح و هي غيرهما في عالم الاجسام اذ هما في عالم الاسرار حيوة و في عالم الانوار اشراق و في عالم الاشباح تصور و خطاب و في عالم الاجسام كلام و كتاب و هذا تمثيل لما يظهر و الا ففي الحقيقة كلها حيوة و اشراق و تصور و خطاب و كلام و كتاب و كذا في المراتب و الفرق بين المنازل و المراتب ان المنازل ظهورهما في كل رتبة و المراتب نسب المنازل الي المبدء في القرب و البعد و انما جمع بينهما في مطلق المنازل و المراتب لصدق كل واحد منهما علي ما يراد من الآخر باعتبار و قد اشار الي هذا بقوله و كل متكلم كاتب بوجه و كل كاتب متكلم بوجه يعني ان المتكلم هو الموجد للكلام و الكاتب هو الموجد للكتابة و انما يقال لهذا الموجد متكلم “٦” بلحاظ ان ما “٢” اوجده “٢٦” قائم بفعله قيام صدور باعتبار ان
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 534 *»
مادته المتقوم بها من حركته الايجادية علي نحو ما مر و يقال له كاتب “٦” بلحاظ ان ما “٢” اوجده “٢٦” قائم بمحله المتشخص فيه به اي بذلك المحل و اما الفرق بالتقضي و البقاء فانما هو بالنسبة الينا و اما في الحقيقة فكل مخلوق مضبوط اجل خروجه الي الكون و تقضيه و بقائه و هي مختلفة علي حسب قوابلها و في حقيقة هذه الحقيقة ان كل شئ لايخرج عما اقيم فيه من مراتب ملكه تعالي سواء الكلام و غيره و كيف يدخل شئ في ملكه و علمه الامكاني و الكوني و يخرج عنه و قد اشار الي هذا المعني بقوله قد علمنا ما تنقص الارض منهم و عندنا كتاب حفيظ و هو كتاب ملكه و سلطانه عز و جل .
قال و مثاله في الشاهد ان الانسان اذا تكلم بكلام فقد صدر عن نفسه في لوح صدره و مخارج حروفه صور و اشكال حرفية فنفسه ممن اوجد الكلام فيكون كاتبا بقلم قدرته في الواح صدره و منازل صوته و مجاري نفسه بفتح الفاء و شخصه الجسماني ممن قام به الكلام فيكون متكلما فاجعل نفسك مقياسا لما فوقه .
اقول قوله و مثاله جار علي متعارفهم في التعبير لا علي طريقة اهل الحق عليهم السلام لانهم اذا ارادوا بيان ذلك بهذا قالوا و آيته و دليله و ان قالوا و مثاله لاجل تفهيم السائل فانهم عليهم السلام مايريدون محض التمثيل و انما يريدون الآية و الدليل و معني كلامي ان مجرد التمثيل لايكون دليلا بخلاف ما لو قيل آية او دليل و قد ثبت بالنقل الصحيح و العقل الصريح ان ذلك و امثاله قد جعله دليلا بل علي نحو المعاتبة كما اشار اليه تعالي بقوله و كأين من آية في السموات و الارض يمرون عليها و هم عنها معرضون و قال و تلك الامثال نضربها للناس و مايعقلها الا العالمون و لا شك ان الكلام منا آية لاولي الالباب قال تعالي سنريهم آياتنا في الآفاق و في انفسهم حتي يتبين لهم انه الحق و قوله ان الانسان اذا تكلم بكلام فقد صدر عن نفسه يعني بسكون الفاء في لوح صدره يعني خياله و تصوره لانه لوح النفس و مخارج حروفه التي
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 535 *»
هي محال وجودات الحروف الثابتة صور و اشكال حرفية يعني ان تلك الاصوات انما تمايز بعضها عن بعض بتلك الصور و الاشكال و المراد بها الصور و الاشكال الجوهرية لها اذ لاتتقوم بدونها و هي مثل الجهر و الهمس و القلقلة و الشدة و الرخاوة و التفشي و امثال ذلك و نفسه بسكون الفاء ممن اوجد الكلام فيكون كاتبا باعتبار نقش ( نفس خل ) صورها في خياله و هيئاتها و صفاتها في سمعه و ذواتها في الهواء فهو كاتب بقلم قدرته اعني احداثه للحروف في الواح صدره اي خياله و منازل صوته التي اولها النقطة الممتدة من جوفه الي الهواء الخارج عن فمه و هذا هو الالف اللينة و هي عند المحققين ليست من الحروف و انما هي الهيولي التي تقطع منها الحروف التي اولها الالف المتحركة ثم الهاء الي آخر الحروف بالنسبة الي مخارجها و هو الباء الموحدة فنفس المتكلم ممن اوجد الكلام بفعلها في منازل ظهوراته و تنزلاته فيكون كاتبا و هو الذي قام به الكلام قيام صدور فيكون متكلما و قوله فشخصه الجسماني الخ ، يوهم انه قام به قيام عروض لكن اذا لاحظنا ما تقدم من كلامه في قوله كقيام الموجود بالموجد وجهنا هذه العبارة لكل احد بنسبة اعتقاده في معني قيام الموجود بالموجد فاما المصنف فهو قائل بوحدة الوجود و ان الاشياء من سنخ صانعها بل وجودها وجوده تعالي و حيث شبه الكلام بالموجود و قيامه بالمتكلم كقيام الموجود بالموجد ظهر مراده هنا ان الكلام هو المتكلم و صادق عليه فحيثما قال خطأ فذاته خطأ و هكذا و اما نحن فنقول الموجود قائم بامر الله الفعلي اي المشية و الارادة و الابداع قيام صدور و بالامر المفعولي الذي هو نور الانوار اعني اول صادر عن فعل الله و هو الحقيقة المحمدية قياما ركنيا و هو قيام التحقق و الكلام قائم بحركة المتكلم قيام صدور و الكتابة قائمة بالمداد قيام تحقق و علي النظر الحق ان الانسان المتكلم هو من اوجد الاصوات فباعتبار انها قائمة به قيام صدور هي كلام و هو متكلم و باعتبار قيامها بالهواء و بمتعلقاتها من الاسماع و النفوس المؤثرة فيها حين توجه اليها قيام عروض هي كتاب و هذا هو المقياس الحق لانه هو آية الله تعالي لهذا
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 536 *»
المذكور في الآفاق و في الانفس .
قال و الكلام قرءان و فرقان باعتبارين و الكلام لكونه من عالم الامر منزلة الصدور و لايدركه الا اولوا الالباب بل هو آيات بينات في صدور الذين اوتوا العلم و مايعقلها الا العالمون و الكتاب لكونه من عالم الخلق منزلة الالواح القدرية يدركه كل احد بقوله تعالي و كتبنا له في الالواح من كل شئ موعظة و الكلام لايمسه الا المطهرون بل هو قرءان كريم في لوح محفوظ لايمسه الا المطهرون تنزيل من رب العالمين فتنزيله هو الكتاب .
اقول قوله و الكلام قرءان و فرقان باعتبارين قد يراد منه مطلق الكلام و قد يراد به الجملة فان اريد الاول كان المراد من قوله قرءان ما يقرأ اي يتلفظ به او ما يعلم فان ذلك قرائة معنوية و القرءان مصدر بمعني القرائة كالغفران و الفرقان ما يرتفع به الالتباس منه فيصدقان علي الكلام باعتبارين و ان اريد الثاني كان المراد الكلام المعجز المنزل علي محمد صلي الله عليه و آله بخصوص لفظه و معناه و نظمه و هو مجموع ما بين الدفتين و الفرقان هو الفارق منه بين الحق و الباطل او كله بهذا الاعتبار فانه فارق بين الحق و الباطل اذ لايأتيه الباطل من بين يديه و لا من خلفه و في الحديث الفرقان المحكم الواجب العمل به و القرءان جملة الكتاب ه ، و علي ظاهر الحديث المتشابه ليس من الفرقان ما دام متشابها فاذا رد الي المحكم لحق به و هو من القرءان قبل الرد و بعده و اما في الحقيقة فالمتشابه من الفرقان قبل الرد ايضا لانه حينئذ يميز المؤمن من غيره فان المؤمن يؤمن به كما اخبر تعالي عنه فقال تعالي هو الذي انزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن ام الكتاب اي الفرقان الواجب العمل به و اخر متشابهات فاما الذين في قلوبهم زيغ و هم غير المؤمنين فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة و ابتغاء تأويله فكان المتشابه من الفرقان لتمييزه لغير المؤمنين و استنطاقه لما في ضمائرهم الي ان قال تعالي و الراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا و كان من الفرقان لتمييزه لاهل الايمان به و المنزل علي نبينا صلي الله عليه و آله كما في
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 537 *»
الحديث نزل القرءان علي اربعة ارباع ربع فينا و ربع في عدونا و ربع سنن و امثال و ربع فرائض و احكام انتهي ، فهو قرءان باعتبار انه يقرأ و هو فرقان باعتبار انه يفرق بين الحق و الباطل فالربع الاول مميز للحق بالثناء عليهم و الدعاء اليهم و الربع الثاني مميز للباطل بذم اهله و النهي عنهم و الربع الثالث مميز للمتممات من الاعمال و المكملات ( الكمالات خل ) لها و دال علي طريق النجاة و واعظ للعصاة فهو فارق بين طريق الحيوة و النجاة و الهلاك و الربع الرابع ظاهر فكان الكلام قرءانا و فرقانا باعتبارين و قوله و الكلام لكونه من عالم الامر منزلة الصدور يريد به ان الكلام هو الفعل او مظهر الفعل لان عالم الامر هو عالم الفعل هو كذلك لان الكلام ان اريد به المعنوي فهو ظاهر في كونه من عالم الامر مثل فعل الله الذي هو مشيته و ارادته و ابداعه و اختراعه لانه اذا اراد شيئا كان ما اراد ان يكون و قوله تعالي انما امره اذا اراد شيئا ان يقول له كن فيكون يراد من الامر نفس الارادة كما قال الصادق عليه السلام لا كاف و لا نون و انما اراد فكان ما اراد ان يكون ه ، او كما قال عليه السلام فالامر هنا هو الارادة و هو كلام معنوي لانه عبارة عن محض الايجاد و ان اريد به الكلام اللفظي فهو آلة التأدية و التبليغ الي المكلفين و هو من عالم الامر الثاني الجعلي كما قال الرضا عليه السلام في كلامه لعمران الصابي و كان اول ابداعه و ارادته و مشيته الحروف التي جعلها اصلا لكل شئ و دليلا علي كل مدرك و فاصلا لكل مشكل الي ان قال ثم جعل الحروف بعد احصائها و احكام عدتها فعلا منه كقوله عز و جل كن فيكون و كن منه صنع و ما يكون به المصنوع فالخلق الاول من الله الابداع لا وزن له و لا حركة و لا سمع و لا لون و لا حس و الخلق الثاني الحروف لا وزن لها و لا لون و هي مسموعة موصوفة غير منظور اليها الحديث ، فالفعل الاول الابداع و الارادة و المشية و هو خلق ساكن لايدرك بالسكون و به احدث سبحانه الحروف و جعلها فعلا منه كما مر في الحديث و الحاصل ان اطلاق عالم الامر علي الكلام بهذا المعني لا بأس به لكنه لا دائما بل بهذا الاعتبار لانه ايضا من عالم الخلق و
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 538 *»
كونه يستعمل فعلا او حاملا للفعل لايختص به بل كل ما في عالم الخلق يستعمل فعلا اذا خلق الله به شيئا لانه حامل للفعل كما قال اميرالمؤمنين عليه السلام في وصف نفوس الملأ الاعلي قال و القي في هويتها مثاله فاظهر عنها افعاله الحديث ، و علي كل تقدير فمنزل المعنوي الصدور و هذا ايضا كلام باعتبار و كتاب باعتبار فانه في الصدور و ما في الصدور مكتوب فيها كما قال تعالي اولئك كتب في قلوبهم الايمان و مما كتب الشهادتين و المعاد و الولاية نعم اذا لوحظ انبعاثه و تقومه بمصدره تقوم صدور لا حلول اختص ظاهرا بكونه كلاما و في نفس الامر هو كتاب مكتوب في لوح ملكه تعالي فكما يكون الكلام من عالم الامر يكون من عالم الخلق و كما يكون في الصدور يكون في الاسماع و ليس كلما لايدركه الا اولوا الالباب من عالم الامر بل قال تعالي و يخلق ما لاتعلمون فان ما لايدركه اولوا الالباب الذين عناهم من عالم الخلق اكثر مما يدركونه بما لايكاد يحصي و استشهاده بقوله تعالي بل هو آيات بينات في صدور الذين اوتوا العلم لايخص بل كما كان في صدورهم من عالم الامر كذلك يكون كتابا فان اطلاق الكتاب في القرءان علي الامام عليه السلام ثابت في كل موضع من القرءان و لا رطب و لا يابس الا في كتاب مبين ، حم و الكتاب المبين هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق و هو الذي قال انا كتاب الله الناطق و استشهاده بقوله تعالي و مايعقلها الا العالمون عليه لا له فان المراد بها ( به خل ) الامثال المكتوبة في لوح الآفاق كما قال تعالي و كأين من آية في السموات و الارض يمرون عليها و هم عنها معرضون و هذه التي يمر عليها الجاهلون و لايعقلونها هي التي يعقلها العالمون مع ان الجهال يدركونها فان قلت انما اراد ان الجاهلين لايعقلونها قلت انما اراد ان الجاهلين لايدركونها بحواسهم و لو اراد انهم لايدركونها بعقولهم لميكن بين ما هو من عالم الامر و بين ما هو من عالم الخلق فرق بل ربما تكون اسرار المحسوسات اخفي من اسرار المخلوقات ( المعقولات خل ) كما هو مشاهد
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 539 *»
و قوله و الكتاب لكونه من عالم الخلق منزلة الالواح القدرية ربما يفهم منه و مما قبله اختصاص ما هو من عالم الخلق بنزوله في الالواح القدرية و ما هو في ( من خل ) عالم الامر بالواح الصدور و قد اشرنا الي عدم الاختصاص بل يكون كل منهما في المنزلتين باعتبار و ايضا قوله الالواح القدرية مبني علي ما اصطلحوا عليه من ان القضاء سابق علي القدر لانه من صقع الالوهية و القدر من لوازم الماديات ( الماهيات خل ) و هذا بخلاف ما عليه اهل العصمة عليهم السلام فان القدر عندهم سابق علي القضاء و ان كليهما متعلقة الحوادث الا ان القدر فعل الله المتعلق بتقدير ( به تقدير خل ) الحوادث من الغيب و الشهادة في اجل بدئها و فنائها و بقائها و ارزاقها و سعادتها و شقاوتها و غير ذلك و القضاء بعد القدر يتعلق بتتميم المقدرات و حيث كان يجري مجري القوم لا علي طريقة ائمتنا عليهم السلام قال ان ما في الالواح القدرية يدركه كل احد و قد بينا ما فيه و استشهاده بقوله تعالي و كتبنا له في الالواح من كل شئ موعظة فيه ما تقدم فان مما هو عنده من عالم الامر اللوح المحفوظ و قد كتب فيه القلم ما كان و ما يكون و قال تعالي علمها عند ربي في كتاب و قال و عندنا كتاب حفيظ و كذا قوله و الكلام لايمسه الا المطهرون الخ ، فان فيه قوله تعالي في كتاب مكنون لايمسه الا المطهرون فانه تعالي اخبر ان القرءان في كتاب مكنون ذلك الكتاب لايمسه الا المطهرون و ان جعل الضمير في يمسه للقرءان لا للكتاب صح و لكنه هو المنزل من رب العالمين و عنده ان المنزل هو الكتاب لقوله فتنزيله هو الكتاب فكلامه لايستقيم منه شئ الا علي معناه الاول في قوله باعتبارين .
قال الموقف الثاني في الاشارة الي الصنع و الابداع و فيه مشاعر المشعر الاول فاعلية كل فاعل اما بالطبع او بالقسر او بالتسخير او بالقصد او بالرضا او بالعناية او بالتجلي و ما سوي الثلثة الاول ارادي البتة و الثالث يحتمل الوجهين و صانع العالم فاعل بالطبع عند الدهرية و الطباعية و بالقسر مع الداعي عند المعتزلة و بغير الداعي عند اكثر المتكلمين و بالرضا عند الاشراقيين و
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 540 *»
بالعناية عند جمهور الحكماء و بالتجلي عندالصوفية و لكل وجهة هو موليها فاستبقوا الخيرات. اقول اعلم ان هذا التقسيم جار علي طريقة الظاهر التي يستعملها الحكماء الاولون و الانبياء عليهم السلام لتعريف العوام و جري عليها المتأخرون و المتكلمون و هي مبلغهم من العلم و اما في الحقيقة التي خلق سبحانه عليها الخلق و عرفها انبيائه و رسله و اوليائه عليهم السلام ففاعلية كل فاعل بالاختيار و ان الجبر غير متحقق في العالم اصلا الا علي نحو التتميم و الاعانة و قد بينا وجه ذلك في رسالتنا المسماة بالفوائد و في شرحنا عليها من اراد الاطلاع علي ذلك طلبه هنالك و قول المصنف هنا بل في سائر كتبه من هذا النوع اذ لايعرف الا ما قاله من قبله ممن هو من نوعه و لقد صدق ( فيه و خ ) فيهم قول اميرالمؤمنين عليه السلام ذهب من ذهب الي غيرنا الي عيون كدرة يفرغ بعضها في بعض الحديث ، و قوله اما بالطبع و هو من يصدر عنه الفعل بمقتضي طبيعته بلا شعور منه بما فعل و لا ارادة فيكون فعله ملايما لطبعه و قد يكون مع الشعور الا انه لميكن له داع غير ميل الطبيعة او بالقسر اي قد يكون الشئ فاعلا بالقسر و هو الذي يصدر عنه فعل بغير ارادته سواء كان عن شعور ام لا و يكون علي خلاف محبته او بالتسخير و هو الذي يصدر عنه الفعل بمقتضي ارادة المسخر و داعيه و يكون ذلك منه اعم من شعوره و ارادته و رضاه بل قد يشعر و قد لايشعر و قد يريد بمقتضي طبيعته و قد لايريد و قد يرضي بمعونة بعث المسخر و قد لايرضي او بالجبر و هو ان يفعل المختار بغير اختياره بل بارادة مجبره او هو بمعني القسر او القسر بمعناه او بالقصد و هو الذي يفعل بارادته لغرضه المقصود بفعله سواء كان بسبب معونة حصول الدواعي و انتفاع الموانع ام بنفس ارادته او بالرضا و هو الذي يكون علمه الذاتي علة لوجود مفاعيله و عين معلوميتها له عين وجودها عنه و علمه بها عين فعله لها بلا اختلاف في شئ من ذلك او بالعناية و هو الذي يكون فعله تابعا لعلمه بوجه الخير ( الجبر خل ) في ذلك الفعل في
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 541 *»
نفس الامر فيفعل عن ذلك العلم من غير قصد زائد علي ذلك العلم او بالتجلي و هو ان يلقي مثاله في هويات الاشياء بحسب قوابلها و هذا تعريف ما ذكر من التقسيم في الجملة و يأتي تتمة الكلام ثم قال و ما سوي الثلثة الاول يعني ما سوي الفاعل بالطبع و الفاعل بالقسر و الفاعل بالتسخير ارادي يعني ان فعل الفاعل بالقصد و بالرضا و بالعناية و بالتجلي ارادي صدر عنه بارادته و قد اشرنا الي ان ما كان بالطبع قد يكون اراديا و لايلزم ان كلما صدر عن طبيعة الشئ لايكون اراديا او بغير شعور بل قد يكون عن ارادة و شعور بل لو بينا ( بنينا خل ) علي حاق حقيقة الامر لميوجد فاعل ينسب اليه الفعل حقيقة الا بارادة و شعور الا انه في كل شئ بحسبه و ان ما كان بالقسر او الجبر لايكاد ينفك عن الشعور و الارادة الا ان ذلك بمعونة تتميم نقص طبيعته و ذاته من قسر القاسر و اجبار المجبر اذ اقتضاء طبيعة ذي الطبع و ذات المقسور و المجبور كان ناقصا لكونهما ناقصتين ( ناقصين خل ) في اقتضائهما لذلك الفعل فكان الاجبار متمما و ميل الطبيعة معينا للشئ و خفاء ( خفاه خل ) ما اشرنا اليه في النباتات و الجمادات و الحيوانات انما عرض للاوهام لاقتصار نظرها علي ما انتقش فيها من افعال المختارين من نحو بني آدم و لو تنزلت الي كل رتبة دونها بحليتها او ترقت الي كل رتبة فوقها باخلاقها لعرفت ما اشرنا اليه و اما ما جعله اراديا و هو الاربعة الباقية فنقول اما الفاعل بالقصد ففعله ارادي و هو اكمل الفاعلين لكونه فاعلا مختارا بكل رتبة من مراتب الاختيار لصدق الفعل بالارادة و بالرضا و بالعناية و بالتجلي عليه و انتهاء ( انتفاء خل ) صدق فعل الطبيعة و القسر و التسخير عنه و اما الفاعل بالرضا فاذا اريد منه ما اريد منه فلا بأس و اما اذا اريد منه ما يعني المصنف و اهل ملته فلايكون اراديا فانهم يجعلون الفاعل بالرضا هو الذي يكون سبب فعله للاشياء علمه بمعني ان علمه بها نفس فعله لها و عين عالميته بها عين فاعليته لها و مع هذا كله فيريدون من هذا العلم العلم الفعلي ( العلم الذي خل ) هو ذاته فليزمهم ان تكون ذاته صنعا و مصنوعا فرضاه بفعله عين رضاه بذاته فهو فعله و هذا معلوم من طريقتهم المنكوسة المتعوسة و لو ارادوا بذلك العلم العلم
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 542 *»
الحادث بحدوث المعلوم سواء جعلوه فعله لها ام نفسها لمنعترض عليهم بمثل هذا الاعتراض لانه يكون الفاعل غير المفعول و غير الفعل و اما الفاعل بالعناية فانه يلزم منه القول بالجبر في افعال العباد لانه عندهم هو الذي يتبع فعله علمه بوجه الخير ( الجبر خل ) في نفس الامر و علمه بوجه الخير ( الجبر خل ) كاف في الصدور عن الارادة الا ان يجعلوا ذلك العلم ارادة فيكون اراديا مع لزوم الجبر ثم اذا جعلوه ارادة فان قالوا بحدوثه صح لهم كل ما سوي لزوم الجبر و اما اذا قالوا بقدمه امتنع الفعل في القدم و القدم في الحدوث او انفكاك احدهما عن الآخر لان العلم عندهم كاف في صدور الاشياء و لو كان سابقا في وجوده علي صدورها لميكن كافيا لانهم اذا جعلوه كافيا كان كافيا في القدم فتصدر حيث يكون كافيا فتكون صادرة في القدم و مع هذا كله فالجبر لازم علي انا قد بينا ان الارادة حادثة لانها من صفات الافعال و لاتكون الا و المراد معها كما دلت عليه اخبار اهل الحق عليهم السلام و هم لايريدون بالعلم الا الذات البحت سبحانه و تعالي عما يقولون علوا كبيرا و قال المصنف و الثالث يحتمل وجهين يعني الارادة و الشعور و عدمها و ليس كذلك بل كما قلنا من انه قد يشعر و قد لايشعر و قد يريد و قد لايريد لا انه يحتمل ان يكون ذا ارادة و شعور و ان لايكون كذلك فتكون حالاته واحدة في كل ما يصدر عنه بباعث مسخرة بل يكون في بعض الاحوال مشعرا بل و مريدا بسبب داعي طبيعته كالمجبور علي النكاح مثلا فانه لو لميشعر او لميرد لميحصل له الانعاض و ان كان بداعي الطبيعة البشرية و قد يكون في بعض الاحوال غير مريد و لا مشعر و لو قال يحتمل ذلك في حالين لكان اصح لعبارته و معناه قوله و صانع العالم فاعل بالطبع عند الدهرية و الطباعية الخ ، قال في الكتاب الكبير و اذا علمت اقسام الفاعل فاعلم انه ذهب جمع من الطبائعة و الدهرية خذلهم الله الي ان مبدء الكل فاعل بالطبع و جمهور المتكلمين الي انه فاعل بالقصد و الشيخ الرئيس وفاقا لجمهور المشائين الي ان فاعليته للاشياء
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 543 *»
الخارجية بالعناية و الصور العلمية الحاصلة في ذاته علي رأيهم بالرضا و صاحب الاشراق تبعا لحكماء الفرس و الرواقيين الي انه فاعل الكل بالمعني الاخير اي بالرضا و سنحقق لك في مبدء ( مستأنف خل ) الكلام في الاصول الآتية ان شاء الله تعالي ان فاعل الكل لايجوز اتصافه بالفاعلية باحد من الوجوه الثلثة الاول و ان ذاته ارفع من ان تكون فاعلا بالمعني الرابع لاستلزامه مع قطع النظر عن الاضطرار التكثر بل التجسم تعالي عن ذلك علوا كبيرا فهو اما فاعل بالعناية او بالرضا و علي اي الوجهين فهو فاعل بالاختيار بمعني ان شاء فعل و ان لميشأ لميفعل لا بالايجاب كما توهمه جماعة من الناس فان صحة الشرطية غير متعلقة لصدق شئ من مقدمها و تاليها بل وجوبه و كذبه بل امتناعه الا ان الحق هو الاول منهما فان فاعل الكل كما سيجيء يعلم الكل قبل الوجود بعلم هو عين ذاته فيكون علمه بالاشياء الذي هو عين ذاته منشأ ( نشأ خل ) لوجودها فيكون فاعلا بالعناية انتهي كلامه ،
اقول قد فسر الفاعل بالعناية قبل هذا الكلام بانه الذي يكون علمه بالشئ بنحو اصله ( اصلحه خل ) بحسب نفس الامر منشأ لفعله من دون قصد زائد علي العلم و داعية خارجة عن ذات الفاعل فاقول و ما المراد من قوله من دون قصد زائد الخ ، هل يريد بالقصد الزائد داعيا غير نفس الفعل ام يجعله نفس الفعل فان اراد به غير الفعل فعندنا انه لا شك انه تعالي ليس له داع غير نفس فعله لان ارادته و قصده و مشيته نفس ايجاده تعالي لانه لايهم و لايفكر و لايروي و ان اراد به شيئا غير فعله فتعالي ربي عن ذلك و ان اراد بان الفاعل لايكون فاعلا بالعناية الا بلحاظ عدم مطلق القصد اي باي معني يكون فلايصح هذا الكلام لان من يفعل بغير قصد ليس بمختار و جعله العلم قصدا او ارادة لانه ذاته تعالي و هي ارادة ليس بصحيح لان ذاته و علمه الذي هو ذاته غير منتظر لشئ و لا محصل ( تحصل خل ) لشئ بل كل شئ حاصل له قبل الفعل و بعده علي حد واحد فقصده و ارادته لما يفعل فعله له لا غير و لايصح ان يفعل بغير ارادة فيكون فاعلا بالطبيعة او بالجبر و لا ان يكون له ارادة غير فعله فيكون ذا ميل و داع و ذا فكر و ترو اذ من كان كذلك فهو مصنوع غير صمد بل يكون للاشياء مدخل فيه تعالي ربنا
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 544 *»
عن ذلك فلايكون فاعلا بالعناية الا علي معني انه فاعل بالقصد و لايكون فاعلا بالقصد الا علي معني ان قصده عين فعله لا غير الا اذا اريد بالفاعل الفاعل الممكن و المصنف صرح في الكتاب الكبير بانه تعالي فاعل بالعناية كما سمعت من كلامه و ذكر الملا احمد في حاشيته علي المشاعر ان الحق عند المصنف هو القسم الاخير الذي ذكرنا اعني الفاعل بالتجلي و لكنه بحسب مقام آخر و مرتبة اخري و هو هيهنا في مقام آخر فلا منافاة بين ما حققه هيهنا و بين ما هو الحق عنده فخذ هذا و كن من الشاكرين انتهي ، اقول ان القول بانه فاعل بالتجلي كالقول الاول فيما يرد عليه فان معناه ان الاشياء المحدثة هيئات صفات ذاته قياسا علي ظهور المقابل للمرءاة بهيئة صورة ذاته و لو صح هذا لعرفت ( لمعرفة خل ) صفات ذاته بهيئاتها فتكون مدركة كما انك تعرف صفات المقابل للمرءاة و تدرك هيئاته بواسطة صورته في المرءاة فتكون نفسك هي صفة ذاته التي تجلي بها لك و الحق ان المعروف بمعرفة النفس انما هو الصفة التي تعرف لك بها من توصيفه و هي حادثة بفعله فهي صفة استدلال عليه لانها صفة الوصف و التعريف لا صفة تكشف له لكونها صفة ذاته و ربما كان قول المصنف في كتاب ( الكتاب خل ) الكبير الذي نقلناه في بيان الفاعل بالاختيار قال بمعني ان شاء فعل و ان لميشأ لميفعل و لميقل و ان شاء ترك او ان شاء لميفعل يشير الي انه فاعل بالتجلي و قد قلنا انه كالقول بالعناية و يريد بتغيير العبارة في قوله و ان لميشأ لميفعل انه شاء لما يريد فعله في الازل قبل ان يفعله و ان لميشأه في الازل يشاء ( لميشأ خل ) ان يفعله في الامكان و قد ذكرنا في شرحنا في مواضع متعددة انه قبل ان يفعل له ان يفعل و ان لايفعل و كل ذلك عن قصد خاص بالمفعول هو نفس فعله و اما نحن فنقول اذا شئنا هو فاعل بالتجلي و هو حق و اذا قال المصنف انه فاعل بالتجلي فليس بصحيح لانا نريد انه سبحانه تجلي للعباد بايجادهم لا بذاته فانه تعالي لاتتغير حاله فكان غير متجل في الازل ثم تجلي و من كان كذلك فهو حادث لاختلاف احواله و ان كان متجليا في
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 545 *»
الازل كان ما تجلي به قديما تعالي ربي بخلاف قول المصنف الذي يري ان خلقه منه بالسنخ فان ( و ان خل ) وجودهم وجوده فعنده اذا تجلي فانما تجلي بذاته و هذا باطل و قوله و علي اي الوجهين فهو فاعل بالاختيار ليس علي مراده بصحيح لانه لايريد بالاختيار انه ان شاء فعل و ان شاء ترك بل يريد انه راض بفعله و ان كان لا بد ان يفعل او انه في علمه انه يفعل فليس له الايفعل و علي اي الوجهين فهو فعل بالاضطرار و قد بين في هذا الكتاب ان القول بانه فاعل بالتجلي للصوفية و قوله و لكل وجهة هو موليها فاستبقوا الخيرات يريد به من الآية مراد الصوفية بانه تعالي هو يسيرهم في هذه الجهات بالعناية السابقة و العلم الازلي لا غير كما قال هو الذي يسيركم في البر و البحر اي في الاقوال و المعاني او في الغيب و الشهادة او في الاجسام و الارواح او في الاحكام و الاعتقادات و ليس الامر كما زعم لانه تعالي لو اجري الايجاد علي ما ذهب اليه او التكاليف للزم الجبر في افعال العباد و لتساوت الخلائق في الايجاب بل يجب الاتحاد فلايوجد الا شخص واحد لان فعله واحد بجهة واحدة بل يبطل الايجاد لعدم جواز التكليف الذي هو الغاية في الصنع بل الحق انه سبحانه اجري صنعه علي مقتضي القابليات التي هي الاعمال و الاقوال و الاعتقادات و لكل شخص او اهل مذهب وجهة من اعمالهم هو موليها باعمالهم كما قال تعالي بل طبع الله عليها بكفرهم فلايوليها بفعله و علمه الا بقوابل اعمالهم و ماظلمناهم و لكن ظلموا انفسهم و في هذا فاستبقوا الخيرات .
قال المشعر الثاني في فعله تعالي ففعله تعالي امر و خلق امره مع الله و خلقه حادث زماني و في الحديث انه قال رسول الله صلي الله عليه و آله اول ما خلق الله العقل و في رواية القلم و في رواية نوري و المعني في الكل واحد و في كتاب بصائرالدرجات لبعض اصحابنا الامامية رضي الله عنهم قال حدثنا يعقوب بن يزيد عن محمد بن ابيعمير عن هشام بن سالم قال سمعت
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 546 *»
اباعبدالله عليه السلام يقول و يسألونك عن الروح قل الروح من امر ربي قال خلق اعظم من جبرئيل و ميكائيل لميكن مع احد ممن مضي غير محمد صلي الله عليه و آله و هو مع الائمة عليهم السلام يسددهم انتهي ،
اقول هذا الكلام من المصنف في بيان فعل الله تعالي و ذكره للعقل يظهر منه انه هو الفعل و هو غلط ظاهر فان العقل من المفعولات و ليس اول مخلوق منها و انما هو اول مخلوق من المركبات و المقيدات ففي الكافي عن الصادق عليه السلام انه قال ان العقل اول خلق من الروحانيين عن يمين العرش الخ ، و العرش المذكور له اربعة اركان و هذا العقل الايمن منه و روي ان القلم اول غصن اخذ من شجرة الخلد فتكون شجرة الخلد خلقت قبله و في تاريخ الحسن العسكري عليه السلام و روح القدس في جنان الصاقورة ذاق من حدائقنا الباكورة فتكون جنان الصاقورة غرسوها عليهم السلام قبل ان يخلق روح القدس و هو العقل و هو القلم المأخوذ من شجرة الخلد و لما اثمرت كان اول من اكل من ثمرها روح القدس يعني انه اول من ذاق ثمرة الوجود من حدائق محمد و آله صلي الله عليه و آله و ذلك لان اول ما صدر من فعل الله سبحانه و ايجاده الحقيقة المحمدية كما قال صلي الله عليه و آله حين سأله جابر بن عبدالله الانصاري (ره) عن اول ما خلق الله فقال صلي الله عليه و آله نور نبيك يا جابر الحديث ، و هو الماء الذي منه كل شئ حي ثم ساقه الي الارض الجرز و الارض الميت اعني ارض القابليات فانزل بها الماء فاخرج به من كل الثمرات و اول من خرج و اكل فاكهة الوجود العقل و فعل الله تعالي هو مشيته و ارادته قال الصادق عليه السلام خلق الله المشية بنفسها ثم خلق الخلق بالمشية ه ، فامر الله هو فعله و هو مشيته و ارادته و ابداعه قال الرضا عليه السلام المشية و الارادة و الابداع اسماؤها ثلثة و معناها واحد و قال الصادق عليه السلام الارادة من الخلق الضمير و ما يبدو لهم بعد ذلك من الفعل و اما ارادة الله فاحداثه لا غير لانه لايروي و لايهم و لايفكر ه ، و قوله امر و خلق ، تفسير لفعل الله مجاز قد يتسامح فيه لكنا نقول فعل
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 547 *»
الله تعالي هو امره و يطلق الامر علي الفعل و هو ما قامت به الاشياء كلها قيام صدور و علي المفعول الاول و هو نور الانوار و الحقيقة المحمدية صلي الله عليه و آله و هو ما قامت به الاشياء قياما ركنيا و مثالهما اذا قابلت المرآة انطبعت فيها صورتك فالصورة “٢-” المنطبعة شعاع من صورتك التي قامت بك فهي “٢-” قائمة بصورتك قيام صدور و الصورة المنطبعة في المرآة قائمة بهذا الشعاع قياما ركنيا لان هذا الشعاع القائم بصورتك قيام صدور هو مادة الصورة “٦” المنطبعة في المرآة و صورتها “٦-” هيئة المرآة من بياض او سواد و استقامة او اعوجاج و صفاء او كدورة و كبر او صغر و هي قائمة بمادتها قياما ركنيا فافهم فالفعل هو الامر و المفعول من الخلق و الحقيقة المحمدية اول مخلوق صدر عن فعل الله فاذا صدر المفعول عن فعل الله فالفعل هو الامر الفعلي و اذا صدر عن المفعول فالمفعول حامل لفعل الله كالحديدة الحاملة لحرارة النار فكما ان الحديدة لاتحرق بنفسها و انما تحرق بحرارة النار الحاملة لها كذلك المفعول لايكون امر الله بمعني فعله و لا ان يصدر عنه شئ الا لكونه محلا لفعل الله فافهم و قوله امره مع الله قال الملا احمد صاحب الحاشية المذكور سابقا فان قلت كيف يكون امره معه و هو تعالي علة له و هي متقدمة علي المعلول و هو لايكون في مرتبة العلة قلت المراد بالمعية بقرينة المقابلة عدم تجدده و استمراره و المراد بقائه ببقائه كما سيجيء عن قريب انتهي ، و فيهما ان كون امر الله مع الله كما تدل عليه المقابلة باطل اما ان الله تعالي مع كل شئ فحق بمعني انه معه به و بما له و عليه و ماكنا عن الخلق غافلين و اما ان الامر مع الله فحق بمعني انه لايخرج عن سلطانه و ملكه ابدا لا كما توهماه من البقاء فانه فان مستحيل في ذات الله تعالي ممتنع الوجود و البقاء بل وجوده و بقائه في الامكان الراجح غير متناه فيه و ان كان متناهيا عند الله فانيا في رتبة ذاته مستحيل الوجود و اما ان الله تعالي علة فباطل لان الله سبحانه ليس علة لشئ بل كل شئ علته صنعه و هو فعله و صنعه علة نفسه بالله كما قال الصادق عليه السلام خلق الله المشية بنفسها ثم خلق الخلق بالمشية فالمشية علتها نفسها بالله كما ان
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 548 *»
علة الاشياء هي فعل الله الذي هو المشية بالله فكما نقول علة الاشياء فعل الله كذلك نقول علة فعله نفس الفعل لان الاشياء خلقت بالفعل و الفعل خلق بنفسه كما نقول علة الكتابة حركة يد الكاتب لا ذات الكاتب و ليس لك ان تقول ان ذات الكاتب علة العلة لان المعلول يدل بهيئته علي هيئة علته كما تدل الكتابة هي بهيئتها علي هيئة حركة اليد و لاتكون شئ من ذلك دالا علي الكاتب بوجه من الوجوه الا علي وجود صانع لاتنتهي صنعته اليه و انما تنتهي الي فعله و حركته و الفعل لاينتهي الي الذات و الا لساوقها في الوجود كما ساوقت الكتابة حركة يد الكاتب و من هنا قال اميرالمؤمنين صلوات الله عليه و علي آله الطاهرين انتهي المخلوق الي مثله و الجأه الطلب الي شكله و قال عليه السلام علة ما صنع صنعه و هو لا علة له الخ ، و الحاصل ان اطلاق العلة عليه علي نحو الحقيقة غير جائز الا علي معني انه فاعل بفعله لا كما يقولون انه فاعل بذاته بل علي معني ان الاشياء بجميع انحائها من موادها و صورها وجوداتها و ماهياتها مقبولاتها و قابلياتها و كل شئ منها و لها مستندة الي فعله تعالي خاصة و اما كون بقائه ببقائه فلا بل بقاؤه بما يمده من الامدادات الامكانية الغير المتناهية و هي قد احدثها الله سبحانه لا من شئ و اقامها بنفسها كما قال عليه السلام يمسك الاشياء باظلتها اي بذواتها و قوام كل شئ بفعله و بامداده مما احدث من الخزائن الامكانية التي لاتنفد و لاتتناهي لا اله الا هو و قوله و خلقه حادث زماني يعني احدثه في الزمان فالزمان ظرف لاحداثه و هذا الحصر محصور اذ ليس كل مخلوقاته زمانية فان نور محمد و آله صلي الله عليه و آله مخلوق قبل ان يخلق الله شيئا و الزمان انما هو ظرف الاجسام و لايصح ان يكون ظرفا لغيرها فلايصح ايجاده قبل الاجسام و الامكنة و لا ايجادهما قبله بل هي اي الثلثة متساوقة الوجود و ايضا اذا كان الخلق حادثا زمانيا فالزمان يكون حادثا زمانيا او ليس بحادث او هو من الامر ماادري ما اقول لهؤلاء
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 549 *»
و قوله و في الحديث انه قال رسول الله صلي الله عليه و آله الخ ، قد تقدم ان العقل هو القلم و هو ملك و المراد به عقل محمد و آله صلي الله عليه و آله و هو وجه وجودهم الذي نسميه بالماء الذي منه جعل كل شئ حي و كان عرشه علي الماء و بالحقيقة المحمدية و بامر الله المفعولي الذي به قامت الاشياء لان مواد جميع الاشياء منه و في الدعاء كل شئ سواك قام بامرك و من الاشياء القائمة بامر الله المفعولي العقل المذكور و هو وجه تلك الحقيقة و هو القلم و هو الروح من امر الله و كذلك الحقيقة ملك و في الحديث عن الصادق عليه السلام حين سأله سفيان الثوري عن قوله ن و القلم و ما يسطرون قال نون ملك يؤدي الي القلم و هو ملك يؤدي الي اللوح و هو ملك يؤدي الي اسرافيل الحديث ، فنون الحقيقة المحمدية و القلم عقله و اللوح نفسه صلي الله عليه و آله و لا شك ان العقل ملك اعظم من جبرئيل و ميكائيل و الملئكة اجمعين و عظمة هذا الملك فوق ما نصف و لكنه مركب من الوجود و الماهية فوجوده مس النار اي نار المشية و هو اثرها اي الحقيقة المحمدية و ماهيته ارض القابلية اي الزيت الذي يكاد يضيء و لو لمتمسسه نار و قد تقدم بيانه في بيان السراج لانه هو المذكور في قوله تعالي مثل نوره كمشكوة فيها مصباح المصباح في زجاجة فنوره المشبه ( المشية خل ) بالمصباح هو العقل بقرينة ذكر زيته و مس النار له و لايكون الا في المركب و ما قبله ليس بمركب ظاهرا لانه مس النار في المصباح و الزيت و في النبات الماء و الارض الميتة و الارض الجرز و قوله عليه السلام لميكن مع احد ممن مضي غير محمد صلي الله عليه و آله يعني بكله و الا فكل نبي يكون معه بوجه من وجوهه او رأس من رؤسه بل و يكون مع سائر الاولياء و مع المؤمنين بل و مع غيرهم حالة سلوكهم طريق الحق و لهذا قال النبي صلي الله عليه و آله لحسان بن ثابت لما قال شعره المشهور يوم الغدير الذي اوله :
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 550 *»
يناديهم يوم الغدير نبيهم ** * ** بخم و اسمع بالنبي مناديا
قال صلي الله عليه و آله لازلت مؤيدا بروح القدس ما نصرتنا بلسانك مع علمه انه يتغير عن الصلاح و لذا قيد الدعاء نعم لايوجد روح القدس بكل جهاته الا عند محمد و اهل بيته صلي الله عليه و آله و لايسعه غير قلوبهم لانه باب الله الي جميع من هو دونه من خلقه و يكون عند الائمة عليهم السلام واحدا بعد واحد و لمينزل الي الارض الا علي محمد صلي الله عليه و آله و منذ نزل ما صعد و هو الآن مع الحجة عليه السلام عجل الله فرجه .
قال و قال محمد بن علي بن بابويه قدس الله روحه في كتاب الاعتقادات اعتقادنا في النفوس انها الارواح التي تقوم بها حيوة النفوس و انها الخلق الاول لقول النبي صلي الله عليه و آله و سلم ان اول ما ابدع الله هي النفوس المقدسة المطهرة فانطقها بتوحيده ثم خلق بعد ذلك سائر خلقه و اعتقادنا فيها انها خلقت للبقاء و لمتخلق للفناء لقوله صلي الله عليه و آله ماخلقتم للفناء بل خلقتم للبقاء و تنقلون من دار الي دار و ان الارواح في الدنيا غريبة و في الابدان مسجونة و اعتقادنا فيها انها اذا فارقت الابدان فهي باقية منها منعمة ( متنعمة خل ) و منها معذبة الي ان يردها عز و جل الي ابدانها و قال عيسي بن مريم للحواريين اقول لكم الحق انه لايصعد الي السماء الا ما ينزل منها و قال جل ثناؤه و لو شئنا لرفعناه بها و لكنه اخلد الي الارض و اتبع هواه .
اقول قال الملا احمد اليزدي صاحب الحاشية هنا المراد بالنفوس هيهنا هو العقول فان النفس بمعني الذات قد تطلق عليه و المراد بالنفوس ثانيا هو ما هو المصطلح عليه و قوله فانطقها بتوحيده لعل المراد بانطاقها هو جعل وجودها بحيث تدل علي توحيده فتأمل انتهي ، و لعل مراده بالنفوس الاولي الذوات او العقول او الذوات هي العقول كما ذكره المحشي و هذه الاحتمالات مما تحتمله عبارته لا مما يريده لانه انما يريد ما قاله من قبله ان وقف عليه و الذي يطابق ما في نفس الامر ما ذكرناه مرارا مكررا ان اول ما خلق بفعله نور محمد صلي الله
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 551 *»
عليه و آله كما دلت عليه الاخبار الكثيرة منها ما رواه فضلالله بن محمود الفارسي في كتابه رياضالجنان بسنده الي جابر بن عبدالله قال قلت لرسول الله صلي الله عليه و آله اول شئ خلق ( خلقه خل ) الله تعالي ما هو فقال نور نبيك يا جابر خلقه الله ثم خلق منه كل خير ثم اقامه بين يديه في مقام القرب ما شاء الله ثم جعله اقساما فخلق العرش من قسم و الكرسي من قسم و حملة العرش و خزنة الكرسي من قسم و اقام القسم الرابع في مقام الحب ما شاء الله ثم جعله اقساما فخلق القلم من قسم و اللوح من قسم و الجنة من قسم و اقام القسم الرابع في مقام الخوف ما شاء الله ثم جعله اجزاء فخلق الملائكة من جزء و الشمس من جزء و القمر و الكواكب من جزء و اقام الجزء الرابع في مقام الرجاء ما شاء الله ثم جعله اجزاء فخلق العقل من جزء و العلم و الحلم من جزء و العصمة و التوفيق من جزء و اقام القسم الرابع في مقام الحياء ما شاء الله ثم نظر اليه بعين الهيبة فرشح ذلك النور و قطرت منه مأةالف و اربعة و عشرونالف قطرة فخلق الله من كل قطرة روح نبي و رسول ثم تنفست ارواح الانبياء فخلق الله من انفاسها ارواح الاولياء و الشهداء و الصالحين ه ، و غير ذلك من الاخبار و الحاصل انا اذا اردنا توفيق كلامه او بيان ما هو الواقع من عبارته بتوجيهها و صرفها الي النحو الحق قلنا المراد بالنفوس الاولي ذوات محمد و آله صلوات الله عليه و عليهم فانها اول ما خلق الله تعالي و هي الارواح التي بها حيوة نفوس ما سواهم و نسميها ارواحا باعتبار حيوتها في ذاتها و احيائها لما سواها باذن الله تعالي و لا شك ان نفوسهم عليهم السلام اول ما خلق الله تعالي و قوله صلي الله عليه و آله ان اول ما ابدع الله اي اوجده بابداعه الذي هو مشيته النفوس المقدسة المطهرة اي النفوس التي هي محال مشية الله و هي حقايقهم عليهم السلام التي هي هياكل التوحيد لان حقيقة كل واحد منهم عليهم السلام هيكل التوحيد و حقيقة حدوده و ذلك لان الهيكل هو الصورة و الصورة هندسة و حدود مثل الايمان بالله لايشوبه احتمال ريب و ذكر لله لا غفلة فيه و مراقبة لا التفات فيه و حضور لا غيبة فيه و توجه لا سهو فيه و امثال هذه الحدود الماحضة فالصورة المؤلفة من
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 552 *»
هذه الحدود و امثالها هيكل التوحيد و اعلي هياكل التوحيد اربعةعشر هيكلا و معني مقدسة مطهرة يعني منزهة مكرمة عن رذائل الانية و الدعاوي و قوله فانطقها بتوحيده و ذلك لما اراد ان يعرفوه وصف نفسه لهم و جعل ذلك الوصف حقائقهم فذواتهم ذلك الوصف فنطقهم بما عرفهم من انفسهم قال عليه السلام من عرف نفسه فقد عرف ربه و اعلم انه تعالي اظهر علي ذواتهم و ظواهرهم آثار وحدته فلذا تقول انا لان صانعك واحد و لو كان صانعك اثنين لما قدرت ان تقول انا بل تقول لنفسك نحن كما انك تري ظلك عن مصباح واحد واحدا و عن مصباحين اثنين فتكون انت اثنين و لو كان صانعك ثلثة كنت ثلثة لانك اثر ثلاثة مؤثرين بثلاث حركات كما تري ظلك عن ثلثة مصابيح ثلثة اظلة لانها اثر ثلثة مؤثرات و الي هذه الدلالة اشار الصادق عليه السلام في قوله :
فيا عجبا كيف يعصي الاله ** * ** ام كيف يجحده الجاحد
و في كل شئ له آية ** * ** تدل علي انه واحد
و قوله و اعتقادنا انها خلقت للبقاء و لمتخلق للفناء يرد عليه اعتراض لايكاد يحله علي الحقيقة الا المعصومون عليهم السلام او يكون بنورهم و تعليمهم و اما توجيه كثير من العلماء لدفع الاعتراض فليس دافعا ( رافعا خل ) له و انما يأتون بمقدمات اقناعية اكثرهم ينقطع عندها و قلبه غير قابل لها الا انها مبلغهم من العلم و الاشارة الي الاعتراض هي انه قد اتفق الكل من الحكماء و العقلاء علي قاعدتين الاولي ان كل ما سبقه العدم لحقه العدم و الثانية ان كل ما له اول فله آخر و مقتضي هاتين القاعدتين ان الاشياء اعني ما سوي الله اما ان تكون قديمة ليس لها اول او لميسبقها العدم فتكون باقية و اما ان يكون لها اول او سبقها العدم فتكون فانية و قولي او في الصورتين لتقسيم التعبير و جواب السيد الداماد بان لها اول و سبقها العدم و مع هذا
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 553 *»
لايلحقها العدم لابقاء الله لها فهي باقية ببقاء الله ليس عن دليل و انما حكم بالبقاء بظاهر اجماع المسلمين و بحثنا ليس مبنيا علي النقل و انما هو مبني علي الادلة العقلية اما من دليل الفؤاد اعني دليل الحكمة و هو اعلاها و هو دليل الانبياء و الاولياء او من دليل العقل اعني دليل اليقين المسمي بدليل الموعظة الحسنة و هو دليل المتقين و الصالحين او من دليل العلم اعني دليل المجادلة بالتي هي احسن و هو ادناها و هو دليل العلماء و الحاصل ان الباحثين في هذه المسئلة تشتتت انظارهم و اختلفت اقوالهم فمن الناس من قال بقدم العالم و منهم من قال بقدم النفوس المجردة و منهم من قال بحدوث الاشياء عن غير بصيرة و انما معوله علي النقل و هو و ان كان مصيبا في القول الا انه غير عارف بالدليل حتي ان من هؤلاء من يستدل علي الحدوث و نفسه لاتسكن لدليله الا من جهة التسليم للنقل فكل ما لايخالف النقل يقول به مع انه قد يعتقد ما ينافي اعتقاده فيقول مثلا ان العالم بجميع جزئياته و كلياته حادث مسبوق بالعدم و ان الجنة و اهلها و النار و اهلها باقون بغير فناء يلحقهم و لا انقطاع ابدا و يعتقد مع هذا صحة القاعدتين المذكورتين و انت خبير بان مقتضاهما اما قدم ما سوي الله تعالي و اما فناء ما سوي الله تعالي و انقطاعه و اعلم اني افيدك بيانا لاتجد رافعا لذلك الاعتراض و لا كاشفا لهذه الشبهة علي الحقيقة غيره ان وفقت لفهمه و هو ان كلما سوي الله تعالي فهو حادث بمعني انه مسبوق بالغير و ان كل مسبوق بالغير فهو حادث و اذا قلت ان الحادث هو المسبوق بالعدم قلنا لك ان العدم ليس شيئا يسبق و انما معناه انه كان عدما في رتبة من فوقه و علي كل تقدير فله ابتداء و علي القاعدة السابقة يجب ان يكون له انتهاء لكن الانتهاء في العود لايكون اعلي من الابتداء في النزول و لا انزل منه بل يجب ان يكون مساويا له في الرتبة و لما كان المحدث محتاجا في بقائه الي المدد كما هو مبرهن عليه وجب ان يمده صانعه عز و جل بما به بقاؤه و هذا المدد و ان كان بحسب قابليته من اعماله الصالحة او الطالحة الا انه يكون مما لميصل اليه لان المدد جديد فيكون اعلي رتبة مما وصل اليه قبل سواء كان من الخير ام من الشر
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 554 *»
و هذا المدد يجب ان يكون مما له من نوع مادته و صورته فاذا وصل اليه المدد الذي كانت رتبته اعلي من ابتداء ما خلق منه كانت رتبة هذا الواصل الجديد رتبة لابتداء الموصول فتكون اوليته به فوق اوليته بما قبله و يكون انتهاؤه به بعد انتهائه بما قبله فاذا امده بمدد آخر بحسب اعماله و استعداده كان هذا المدد الثاني من فوق الاول رتبة فيكون الممدود بالثاني اعلي اولية من اوليته بالاول و انتهائه بالثاني بعد انتهائه بالاول بان يصل الي وقت لولا المدد الثاني لفني قبله لان ابتداء المدد الثاني قبل ابتداء المدد الاول و هكذا بلا نهاية في رتبة الامكان و مثاله لو بنيت جدارا طوله عشرة اذرع كان ظله مثلا منتهيا الي عشرة اذرع لان انتهاء طول ظله بحسب علو رأس الجدار فاذا بنيت عليه عشرة اذرع مثلا حتي كان علو الجدار عشرين ذراعا كان رأسه الاول الذي هو اعلاه في وسطه و كان ظله عشرين ذراعا فكان انتهاء الظل بحسب ابتدائه من رأس الجدار و هكذا فالمدد لاينقطع عن الحادث و الحادث بالمدد المتجدد مختلف الابتداء ففي كل مدد متجدد يسبق ابتدائه به ابتدائه بالمدد الاول و يتأخر انتهاؤه بالثاني عن انتهائه بالاول فالحادث لاينتهي ابتداؤه بهذا المعني اي يتجدد الامدادات فكل ما وصل اليه مدد من مقام عال خلق به الممدود من مقام ذلك المدد و الانتهاء بنسبة علو الابتداء و لا انقطاع للمدد و لا الابتداء فلا انقطاع و لا نهاية للانتهاء فافهم فان قلت كيف يخلق من المدد الجديد و هو مخلوق قبله قلت انه يكسر و يصاغ بالمدد في رتبته و مثاله اذا كان عندك خاتم صغته من مثقال فضة ثم اردت ان تمدده و تقويه بمثقال آخر كسرته و صغته من المثقال الاول و من المثقال الثاني فكان خاتمك ليس من مثقال و هي الرتبة الاقلية السفلي بل هو من مثقالين و هي الرتبة الاكثرية العليا و كذلك الدراهم فان العشرة الدراهم اذا انفقتها ( انقصتها خل ) في شؤنك مثلا تنتهي في يومين و لو زدتها حتي كانت عشرين تنتهي في اربعة ايام لانها عشرون لا عشرة فتأخر حينئذ وقت الانتهاء و هكذا اذا جعلتها مأة و اذا كنت دائما تنفق منها و تزيدها لاتفني
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 555 *»
ما دمت ( دامت خل ) تزيدها لانها هي الكثيرة ( الكثرة خل ) اللاحقة لا القليلة الاولي فافهم فان قلت ان الزيادة للحادث انما هي في طرف الرجوع و العود و هذا يلايم قول الداماد رحمه الله و انت لمترض بقوله قلت انه يري ان المدد للبقاء لميكن ابتدائه ابتداء للممدود بل الممدود منقطع الابتداء غير منقطع الانتهاء و هذا مما ينافي مقتضي القاعدتين الصحيحتين المتفق عليهما اللتين شهدت لهما الاخبار و اتفقت عليهما العقول و نحن نقول ان ابتداء هذا المدد الجديد ابتداء للممدود فاذا اردت تصوره فانظر الي مثل الخاتم فان بقائه بالمثقالين انما كان اطول من بقائه بالمثقال لان بقاءه بالمثقالين من علو رتبتهما و اكثريتهما لا من دنو المثقال و اقليته و كذلك مثل الجدار و الدراهم و هو قوله صلي الله عليه و آله و انما تنقلون من دار الي دار و هو كما قال صلي الله عليه و آله الطاهرين لانهم انزلهم الله في اطوارهم بحكيم صنعه و تقديره في مراتب الادبار من المعاني العقلية الي جواهر الاظلة الروحية الي الصور الجوهرية الي الطين الطبيعية بفتح ياء الطين جمع طينة الي الجواهر الهبائية الي الاشباح المثالية الي المواد العنصرية ثم دعاهم بحكيم صنعه و تقديره اليه في مراتب الاقبال من لطائف الاغذية الي النطف الي العلق الي المضغ الي العظام الي الاكتساء لحما الي تمام الخلقة بنفخ الروح فالتقوا باشباحهم الي القبور فالتقوا بجواهر هبائهم الي ما بين النفختين و هو مدة اربعمأة سنة فالتقوا بالطين الطبيعية بفتح ياء الطين لانهم بقوا في البدء فيها اربعمأة سنة فمكثوا في العود كذلك و هو ما بين النفختين نفخة الصعق و نفخة البعث فاذا هم قيام ينظرون الي البعث و الحشر و النشر فالتقوا بذرهم حين قال لهم الست بربكم قالوا بلي في مدة خمسينالف سنة الي الجنة و مقام الرفرف الاخضر فالتقوا بنفوسهم في اللوح المحفوظ الي ارض الزعفران فالتقوا بجواهرهم الاظلة الروحية الي مقام الاعراف فالتقوا بمعانيهم العقلية الي مقام الرضوان فالتقوا بافئدتهم النورية و لايزالون في هذا المقام يسيرون بلا غاية و لا نهاية يمدون في درجات هذا المقام غير المتناهية بمحبة
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 556 *»
الله و رضوانه كما قال تعالي في حديث الاسرار كلما وضعت لهم علما رفعت لهم حلما و ليس لمحبتي غاية و لا نهاية و قوله و ان الارواح في الدنيا غريبة يعني ان محلها في العالم الاعلي فانزلت في دار التكليف و سجنت في الابدان في هذه البلدة الخراب تلفح عليها الرياح الاربع الجنوب من الكبد و الصبا من الرية و الشمال من الطحال و الدبور من المرة الصفراء يعوي حوله الذئب اي الغضب و الخنزير اي الشهوة و لقد اجاد ابنسينا في ابياته في الروح التي اولها :
هبطت اليك من المحل الارفع ** * ** ورقاء ذات تعزز و تمنع
الي آخرها و هي مشهورة و قد اشتملت علي مطالب جليلة و انما انزلها الله سبحانه في هذه الدنيا النكدة و وضعها في هذا القفص الضيق لاجل التكليف لانه اراد ان يرفعها الي منازل قربه و كانت بعيدة غير متناهية فامرها باخذ المتاع لسفرها اليه و لتكثر من الزاد فان السفر طويل و الطريق بعيد الي الغاية البعيدة القصوي و لتعلم ما جهلته من العلوم و العقايد كما اشار اليه ابنسينا في الابيات المشار اليها في قوله :
ان كان اهبطها الاله لحكمة ** * ** طويت عن الفطن اللبيب الاورع
فهبوطها لا شك ضربة لازب ** * ** لتكون سامعة بما لميسمع
و تكون عالمة بكل خفية ** * ** في العالمين فخرقها لميرقع
و لانزالها في هذا السجن سر آخر اشاروا عليهم السلام اليه في اخبارهم بما معناه انها لما كانت في العالم الفسيح انبسطت في نفسها لما وجدت في ذاتها من القوة فالقيت في هذا السجن لئلاتدعي الربوبية و قد اشار الحكماء الاولون
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 557 *»
الالهيون الي هذا المعني برموزهم فقالوا ما معناه انها عصت فسقط ريشها فوقعت الي الارض و اصل ذلك ان آدم عليه السلام اكل من الشجرة فنزع منه لباس الجنة فاهبط الي الارض و المعني في الكل واحد و ان اختلفت العبارات ،
عباراتنا شتي و حسنك واحد ** * ** و كل الي ذاك الجمال يشير
و قوله فهي باقية فمنها منعمة و منها معذبة الي ان يردها عز و جل الي ابدانها اعلم انه اذا حضر ملك الموت الشخص فان كان مؤمنا حضره النبي و علي و الائمة صلي الله عليه و عليهم و اوصوا به ملك الموت فاستوصي به فيظهر له في احسن صورة و هي ما يكسوه الولي عليه السلام للقائه محبه فيقبض روحه باختياره فتخر الروح ساجدة تحت العرش بين يدي الله سبحانه ثم يكسوها حلة صفراء من الركن الايمن الاسفل من عرشه ثم تهبط الي جنازته فتكون معه فاذا غسل و كفن و حمل الي قبره صارت معه ترفرف علي جنازته او تمشي امامها علي اختلاف الروايتين فاذا شرج عليه اللبن اتاه رومان فتان القبور و كتب الميت اعماله في قطعة من كفنه باملاء رومان و يجعلها علي عنقه و هو قوله تعالي و كل انسان الزمناه طائره اي كتابه في عنقه ثم يأتيه منكر و نكير و يسألانه فاذا اجاب بشراه بالخير ثم يخد له خد من الجنة التي في المغرب المدهامتان الي قبره يأتيه منها الروح بفتح الراء و تروح روحه مع الملك الي الجنة و تجتمع بارواح اسلافه يأكلون و يشربون و يتنعمون فاذا كان يوم الجمعة او العيد اتاهم الملك عند طلوع الفجر بنجائب من نور عليها قباب الياقوت و الزبرجد فيركبون و تطير ( يطير خل ) بهم بين السماء و الارض فيأتون النجف الاشرف فيبقون الي الزوال ثم يستأذنون الملك في زيارة اهاليهم في الدنيا و قبورهم فيأذن لهم فيأتون اهاليهم و معهم ملائكة يحجبون عن ابصارهم كل ما يكرهون من اهاليهم ثم يزورون مواضع حفرهم فاذا كان ظل كل شئ مثله صاح بهم الملك فيركبون فتطير بهم الي غرف الجنان و ان كان الشخص منافقا حضروه
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 558 *»
عليهم السلام و اوصوا ملك الموت بان يشدد عليه فيستوصي بذلك فيقبض روحه و ينزعها غرقا و ينشطها نشطا فاذا كان في قبره اتاه رومان و كتب اعماله ثم اتاه منكر و نكير و سألاه فلميجب فيضربانه بمرزبة من حديد محمية في النار اعوذ بالله من سخط الله ثم يخد له خد من النار التي في المشرق عند مطلع الشمس الي قبره يأتيه منها الدخان و الشرر و يمضي الملك بروحه الي النار التي في المشرق يعرضون عليها غدوا و عشيا فاذا غربت الشمس اتي بها الي بئر برهوت بوادي حضرموت يعذب فيها الي طلوع الشمس فيؤتي به اليها و الي النار و هكذا و يعجبني ان اورد حديثا يناسب المقام لما فيه من ذكر هذين الصنفين ارويه بطرقي عن مشائخي المتصلة الي ابن ابيعمير عن زيد النرسي عن ابيعبدالله عليه السلام قال سمعته يقول اذا كان يوم الجمعة و يومي العيدين امر الله رضوان خازن الجنان ان ينادي في ارواح المؤمنين و هم في عرصات ( غرفات خل ) الجنان ان الله قد اذن لكم بالزيارة الي اهاليكم و احبابكم من اهل الدنيا ثم يأمر الله رضوان ان يأتي لكل روح بناقة من نوق الجنة عليها قبة من زبرجدة خضراء غشاؤها من ياقوتة رطبة صفراء و علي النوق جلال و براقع من سندس الجنان و استبرقها فيركبون تلك النوق عليهم حلل الجنان ( متوجهون خ ) متوجون بتيجان اللؤلؤ الرطب يضيء كما تضيء الكواكب الدرية في جو السماء من قرب النار اليها لا من البعد فيجتمعون في العرصة ثم يأمر الله جبرئيل في اهل السموات ان يستقبلوهم فتستقبلهم ملائكة كل سماء و تشيعهم ملائكة كل سماء الي السماء الاخري فينزلون بوادي السلام و هو واد بظهر الكوفة ثم يتفرقون في البلدان و الامصار حتي يزوروا اهاليهم الذين كانوا معهم في دار الدنيا و معهم ملئكة يصرفون وجوههم عما يكرهون النظر اليه الي ما يحبون و يزورون حفر الابدان حتي اذا ما صلي الناس و راح اهل الدنيا الي منازلهم من مصلاهم نادي فيهم جبرئيل بالرحيل الي غرفات الجنان فيرحلون قال فبكي رجل في المجلس و قال جعلت فداك هذا للمؤمن فما حال الكافر فقال ابوعبدالله عليه السلام ابدان ملعونة تحت الثري في بقاع النار و ارواح خبيثة
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 559 *»
تجري بوادي برهوت في بئر الكبريت في مركبات خبيثات ملعونات تؤدي ذلك الفزع و الاهوال الي الابدان الملعونة الخبيثة تحت الثري في بقاء النار فهي بمنزلة النائم اذا رأي الاهوال فلاتزال تلك الابدان فزعة ذعرة و تلك الارواح معذبة بانواع العذاب في انواع المركبات المسخوطات الملعونات المضعفات مسجونات فيها لاتري روحا و لا راحة الي مبعث قائمنا فيحشرها الله من تلك المركبات فترد في الابدان و ذلك عند النشرات فتضرب اعناقهم ثم تصير الي النار ابد الآبدين و دهر الداهرين انتهي ، اقول قد ذكرت بعض احوال الفريقين علي الاقتصار و في هذا الحديث الشريف ذكر عليه السلام بعض الاسرار التي خفيت علي اكثر البصائر و الابصار و لولا اني لست بصدد بيانها لاطلقت عنان القلم في ميدان البيان حتي يقف الناظر علي ما لمتسمعه الآذان و اما من ليس بمؤمن و لا كافر و هم الذين لميمحضوا الايمان و لا الكفر و النفاق فتبقي ارواحهم في قبورهم الي يوم القيمة و لايسئلون في قبورهم يلهي عنهم فاذا كان يوم القيمة جدد لهم التكليف و حوسبوا علي اعمالهم فاما الي الجنة و اما الي النار و قوله و قال عيسي بن مريم عليه السلام الخ ، يعني انه لايصعد الي السماء بمقتضي طبيعته الا ما نزل منها اما صعود ما لمينزل من السماء اليها بقاسر او معين متمم فانه ممكن فعلي ظاهر الحال الارواح و النفوس نزلت من السماء فتصعد الي السماء اذا فارقت الابدان لانها تأوي الي الجنة التي في المغرب المدهامتان و هي الآن في الاقليم الثامن و اسفله علي محدب محدد الجهات في الرتبة اذ لا جهة ورائه و اما الابدان فانها باقية في الارض لانها خلقت منها و اليها تعود هذا ظاهر الحال و اما في حقيقة الامر فكل شئ انزله الله سبحانه من سماء ذلك الشئ الي ارضه قال تعالي و ان من شئ الا عندنا خزائنه و ماننزله الا بقدر معلوم و التنزيل الاظهار فان الغيب اعلي و الشهادة سواء في طرف الخيرات ام في طرف الشرور في كل شئ بحسبه فعلي هذا اذا طال مكثها في الارض صعد جسدها الثاني الي جابرسا او جابلقا و انفسها النباتية الي عناصرها
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 560 *»
و الحيوانية الي هورقليا و جسدها الاول الي هذه العناصر المحسوسة فلاتدركها ابصار اهل الدنيا و اهل العصمة عليهم السلام ابصارهم تدركها علي ما ذكرناه في جواب مسئلة اجساد الائمة عليهم السلام ورد انها لاتبقي في حفرها اكثر من ثلثة ايام و كذلك اجساد الانبياء عليهم السلام او اكثر من اربعين يوما علي اختلاف الروايتين لاختلاف مراتبهم في الشرف ثم ترفع الي السماء من ان رفعها عبارة عن خلعها الصور البشرية و انها باقية في حفرها الي يوم يبعثون منها و قوله و قال جل ثناؤه و لو شئنا لرفعناه بها و لكنه اخلد الي الارض و اتبع هواه يعني و لو شئنا ان نرفعه بالآيات التي اتيناه بان نحفظها عليه فلاينسلخ منها او نرفعه بالتفضل او العفو و لكنه لما قصد الي العلو نظر الي انيته فانحط بذلك الميل الي اسفل و اتبع هويه فاتخذ الهه هواه و اضله الله علي علم و ذلك لانه خلق من سجين و اصابه لطخ من عليين فتعلق به فاتاه الله بعض آياته بواسطة ذلك اللطخ فلما انتهت مدة تعلق اللطخ انسلخ منه فانسلخ هو من الآيات بانسلاخه من اللطخ يشير بهذا الاستشهاد الي ارتفاع الارواح العلوية و انحطاط الارواح السفلية كل لاحق بمركزه قال الله تعالي كل الينا راجعون فالمؤمن راجع الي الله من حيث يحب و المنافق راجع الي الله من حيث يكره .
قال و قال ايضا قدس سره في كتاب التوحيد ناقلا بسنده المتصل عن ابيعبدالله عليه السلام ان روح المؤمن لاشد اتصالا بروح الله من اتصال شعاع الشمس بها .
اقول المراد بروح الله الروح الكلية التي خلقت من شعاعها البراق و الروح الكلية هي الركن الايمن الاسفل من العرش و هو النور الاصفر الذي اصفرت منه الصفرة و هو ملك يؤدي الي اسرافيل احكام الحيوة و هو روح محمد و آله ( اهل بيته خل ) الطاهرين صلي الله عليه و آله و هو الروح من امر الله و الروح من امر الرب و الروح يطلق علي اربعة ملئكة الاول الروح من امر الله و هو النور الابيض و هو العقل الكلي و هو الركن
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 561 *»
الايمن الاعلي من العرش و هو القلم و الثاني الروح من الرب المشار اليه اولا و هو الركن الايمن الاسفل من العرش و ربما اطلق احدهما علي الآخر و الثالث و الرابع الروحان اللذان علي ملئكة الحجب اعني الكروبيين الثالث هو الركن الايسر الاعلي من العرش و هو النور الاخضر الذي اخضرت منه الخضرة و هو ملك يؤدي الي عزرائيل او انه يؤدي الي ميكائيل او هو اللوح المحفوظ و الرابع الركن الاسفل الايسر من العرش و هو النور الاحمر الذي احمرت منه الحمرة فهذان يطلق علي كل منهما الروح و علي كل منهما القائم علي ملئكة الحجب اعني الكروبيين و باصطلاح الحكماء الابيض هو العقل الكلي و الاصفر هو الروح الكلية و الاخضر هو النفس الكلية و الاحمر هو الطبيعة الكلية و الاربعة المذكورة هم الملائكة العالون الذين لميسجدوا لآدم عليه السلام لانهم هم الانوار التي سجدت الملائكة لآدم عليه السلام لكونها مشرقة علي صلبه و لذا قال تعالي في عتاب ابليس حين استكبر عن السجود لآدم عليه السلام قال له استكبرت ام كنت من العالين و هم هؤلاء الاربعة و روح المؤمن مركبة من اشعة الاربعة فهي في الحقيقة شعاع من تلك الانوار و انما قال اشد اتصالا بروح الله من اتصال شعاع الشمس بها و في الروايات عن اميرالمؤمنين صلوات الله عليه ( عليه السلام خل ) اشد اتصالا من شعاع الشمس لا من اتصال شعاع الشمس و هي اوجه من هذه الرواية لان المفضل عليه هو شعاع الشمس لا اتصال شعاع الشمس فان كان اللفظ من المعصوم فهو اعلم بما قال و ما يقوله فهو واقع منه بقصد عن علم و ان كان من غيره بان كان منقولا بالمعني فالسهو من الناقل و الحاصل انما قال اشد مع ان شعاع الشمس في اتصاله بها آية لذلك و الله القادر العليم ضربه مثلا و جعله آية لذلك فلايصح الاختلاف و لا التخلف لان عالم المجردات اشد من عالم الاجسام و عالم هو اصل لعالم الشهادة فيكون فيما يتساويان فيه من عالم الشهادة فافهم و انما سمي الله تعالي هذه الروح المخلوقة روحا له و نسبها اليه تشريفا لها علي سائر الارواح
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 562 *»
كما قال الكعبة ( للكعبة خل ) بيتي و المراد بالمؤمن هنا هم الانبياء عليهم السلام لا سائر المؤمنين ان اريد الحقيقة لان ارواحهم عليهم السلام لميكن شعاعها حقيقة الا حقايق ارواح الانبياء عليهم السلام و ان اريد المجاز جاز ان يكون المراد سائر المؤمنين لان ارواح المؤمنين اشعة لارواح الانبياء و ارواح الانبياء اشعة لارواح الائمة عليهم السلام كما صرحت به الاخبار .
قال و نقل الشيخ المفيد رحمه الله في كتاب المقالات من كتاب نوادرالحكمة لبعض علمائنا الامامية اصحاب التوحيد رضي الله عنهم مسندا الي ليث بن ابيسليم عن ابنعباس قال سمعت رسول الله صلي الله عليه و آله لما اسري به الي السماء السابعة ثم اهبط الي الارض يقول لعلي بن ابيطالب عليه السلام يا علي ان الله تبارك و تعالي كان و لا شئ معه فخلقني و خلق روحي من نور جلاله فكنا امام عرش رب العالمين نسبح الله و نحمده و نهلله و ذلك قبل ان يخلق السموات و الارض فلما اراد ان يخلق آدم (ع) خلقني و اياك من طينة عليين و عجنت بذلك النور و غمسنا في جميع الانهار و انهار الجنة ثم خلق آدم (ع) و استودع صلبه تلك الطينة و النور فلما خلقه استخرج ذريته من ظهره فاستنطقهم و قررهم بربوبيته فاول ما خلق الله و اقر له بالعدل و التوحيد انا و انت و النبيون علي قدر منازلهم و قربهم عن الله عز و جل في حديث طويل .
اقول قوله لبعض علمائنا الامامية يعني ان كتاب نوادرالحكمة و هو المسمي بدبة شبيب الدهان لان شبيبا يبيع الادهان المختلفة و عنده دبة فيها بيوت يضع في كل بيت منها دهنا غير الآخر و هذا الكتاب جمعه محمد ابن احمد بن يحيي الاشعري و سماه كتاب نوادرالحكمة لانه ليس في نوع من العلم بل و لا مرتبا بل جمعه في فنون شتي فلقب الكتاب بدبة شبيب الدهان و قوله صلي الله عليه و آله يا علي ان الله كان و لا شئ معه يعني به ان الازل ينافي الكثرة و التعدد و فيه رد علي مثل المصنف و امثاله الذين يجعلون ذخيرة علمهم و اسراره اعتقاد ان بسيط الحقيقة كل الاشياء و برهنوا عليه بانه
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 563 *»
شئ لايسلب عنه شئ و قد تقدم احتجاجهم و ابطاله فيكون معه كل شئ لانه كل شئ و مع اعتبار ان الواجب تعالي لا مجعول بالذات تكون الاشياء المفهومية لا مجعول بالتبع و سموا الاشياء اللاحقة في رتبة ذاته بالتبع من مفهومات الاشياء المتغايرة في انفسها المغايرة بالاعيان الثابتة و اعتقاد ان معطي الشئ ليس فاقدا له في ذاته لانه مبدء كل شئ فلايفوته شئ الا انها في ذاته بنحو اشرف و ان وحدته لقوتها طوت كثراتها و امثال هذه الترهات الفاسدة و كلها منفية بقوله صلي الله عليه و آله كان الله و لا شئ معه و ان كل ما دل عليه لفظ ماخلا الله سبحانه فهو محدث لا من شئ و لا اصل له و لا ذكر قبل احداثه و انما اخترع اصله حين اخترعه بفعله فلا ذكر له بوجه من الوجوه قبل احداثه بالفعل ثم قال صلي الله عليه و آله فخلقني و خلق روحي من نور جلاله فاتي بالفاء المفيدة للترتيب بلا مهلة اشعارا بانه ليس بينه و بين خلقه شئ و ان تفرده مساوق لوجودهم في انفسهم و عنده في اوقات وجودهم و امكنة حدودهم و ليس معهم و لا باين منهم بينونة عزلة فيكون محصورا و انما هو معهم بفعله و امره الذي قام به كل شئ و لاجل ذلك ورد فيما رووا كان الله و لا شئ معه و هو الآن علي ما كان ه ، يعني ان توحده و تفرده سابق لهم و مساوق معهم و لاحق و لميجمع شيئا من جميع الاشياء معه تعالي حال من الاحوال بل هو الواحد الاحد الفرد الصمد خلو من خلقه و خلقه خلو منه لا بمفارقة و لا بملاصقة و لا بمقارنة و لا بمباينة و لا باتصال و لا بانفصال و لايصدق علي شئ غير ذاته و لايصدق عليه شئ و المحتملة للتفريع ايضا اشعار بالتفريق الذي اشار اليه ابوالحسن الرضا عليه السلام في قوله كنهه تفريق بينه و بين خلقه و غيوره تحديد لما سواه ه ، يعني مثل قولي خلو من خلقه و خلقه خلو منه لا بمفارقة و لا بملاصقة الي قولي و لايصدق عليه شئ و
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 564 *»
امثالها فانها غيور و هي حدود ما سواه يعرف بها غيره و يستدل بها عليه من حيث صفة التعريف كما قال اميرالمؤمنين عليه الصلوة و السلام صفة استدلال عليه لا صفة تكشف له و قوله صلي الله عليه و آله من نور جلاله اي من اثر جلاله و الجلال الحجاب و هو فعله اذ به “٢-” ظهر بمفعولاته و به “٢-” احتجب بهم عنهم و هذا النور هو الحقيقة المحمدية صلي الله عليه و آله و هو محل الفعل المتقوم به كالانكسار فانه محل الكسر المتقوم به و كالقيام في قولك قائم الذي هو اسم فاعل القيام فان القيام محل الحركة المتقومة به و هما القائم الذي هو اسم الفاعل و ليس مسمي قائم ذات زيد بل مسماه مثاله الظاهر بالقيام الفاعل له و ان كنت تجد ان مسمي قائم هو ذات زيد فاسئل الله ان يصلح وجدانك و يكشف لك الحجب المانعة من ادراك ذلك و قوله صلي الله عليه و آله فكنا امام عرش رب العالمين كنا قبل عرش الموجد للعالمين اي جميع الخلائق و العرش له اطلاقات منها المشية و منها نور محمد صلي الله عليه و آله المشار اليه بقوله تعالي ماوسعني ارضي و لا سمائي و وسعني قلب عبدي المؤمن فانه احد معاني الرحمن علي العرش استوي و باعتبار مراتب هذا القلب هو كل المعاني للآية و منها المركب من اربعة انوار نور احمر منه احمرت الحمرة و نور اصفر منه اصفرت الصفرة و نور اخضر منه اخضرت الخضرة و نور ابيض منه البياض و منه ضوء النهار و في رواية منه ابيض البياض و منها العلم قال تعالي و كان عرشه علي الماء انه حمل دينه العلم و منها جميع الخلق و منها الملك قال تعالي رب العرش العظيم اي رب الملك العظيم و منها محدد الجهات و منها عالم الغيب بالنسبة الي عالم الشهادة الي غير ذلك فاما الاطلاق الاول فسابق ذاتا مساوق ظهورا و اما الثاني فمتحد لانه هم عليهم السلام و اما الملك و العلم و الغيب فباعتبار يكون نوره صلي الله عليه و آله مساوقا و باعتبار سابقا و ما سوي ذلك فهو سابق و يجوز ان يكون الامام بفتح الهمزة الوجه و قوله صلي الله عليه و آله نسبح الله و نحمده الخ ، في بعض رواياتهم انهم بعد
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 565 *»
ان خلقوا بقوا وحدهم ليس شيئا بعد الله غيرهم عليهم السلام يسبحون الله قبل ان يخلق شيئا من خلقه سواهم الف دهر كل دهر مأةالف سنة علي ما يظهر لي من اشارات الاخبار و اذا قلت كل دهر مأةالف سنة فاريد علي ما يظهر لا ان هذا التقدير منصوص بخصوص لفظه بل بمعناه بل قد يستفاد اقل و قد يستفاد اكثر و الظاهر لي هذا العدد و الله سبحانه و رسوله و آله صلي الله عليه و آله اعلم ثم خلق الانبياء عليهم السلام و كانوا هداة للانبياء و الانبياء عليهم السلام يدينون الله بولايتهم و حبهم و يستنون بسنتهم و يمتثلون امرهم و يعرفون الله سبحانه بسبيل معرفتهم الف دهر كل دهر مأةالف سنة ثم خلق المؤمنين من انوار الانبياء و اشعة انوارهم قال صلي الله عليه و آله فلما اراد ان يخلق آدم (ع) خلقني و اياك يعني عليا عليه السلام من طينة عليين كناية عن اجسامهما عليهما السلام و عجنت بذلك النور الذي هو اول صادر بفعل الله تعالي و هو الحقيقة المحمدية و هو الماء الذي به حيوة كل شئ و هو وجودهم و غمسها في جميع الانهار من العلوم و العقل و الحياء و الحب و الرضا و السخا و الصبر و الشكر و غير ذاك من انهار صفات الطاعات و الفضائل و الفواضل و انهار الجنة الاربعة نهر الماء و هو يجري من ميم بسم من بسم الله الرحمن الرحيم و نهر اللبن من هاء الله و نهر العسل من ميم الرحمن و نهر الخمر من ميم الرحيم فالماء حيوتهم لانهم اسماء الله و اللبن علمهم و العسل حبهم و الخمر سكر معرفتهم ثم خلق آدم (ع) و استودع صلبه تلك الطينة و النور قال العباس ابن عبدالمطلب في مدح النبي صلي الله عليه و آله :
من قبلها طبت في الظلال و في ** * ** مستودع حين يخصف الورق
ثم هبطت البلاد لا بشر ** * ** انت و لا مضغة و لا علق
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 566 *»
بل نطفة تركب السفين و قد ** * ** الجم نسرا و اهله الغرق
تنقل من صالب الي رحم ** * ** اذا مضي عالم بدا طبق
حتي احتوي بيتك المهيمن من ** * ** خندق علياء تحتها النطق
و انت لما ولدت اشرقت ** * ** الارض و ضائت بنورك الافق
فنحن في ذلك الضياء و في ** * ** النور و سبل الرشاد نخترق
و ليس قوله بل نطفة ان نورهم صلي الله عليهم المتعلق بصلب آدم (ع) المنتقل في الاصلاب الشامخة و الارحام المطهرة نطفة مدرة بل نطفة نور مقدرة تجري فيهم جري الارواح في الاجسام لانهم عليهم السلام في تلك الحال علي كمال الاستقامة و تمام الاعتدال مثل ما روي ان فاطمة عليها السلام كانت تعلم امها خديجة احكام دينها و هي في بطنها و كلهم في مثل هذا النوع قبل و بعد فلما خلقه اي آدم استخرج ذريته من ظهره استخرج من آدم ابنه شيث و يافث و استخرج من ظهريهما اولادهما و هكذا اخرج كل نسمة من ظهر ابيه و هو سر قوله تعالي و اذ اخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم و لميقل من ظهره و انما قال صلي الله عليه و آله من ظهره اختصارا في التعبير مع ظهور الحال و لان الخارج من الاب الخارج من ابيه خارج من اب ابيه و لهذا كان اب الاب ابا بل اولي من ابنه ببنيه و ذلك لان المكلفين في عالم الذر اخذهم سبحانه من ظهور آبائهم بالتوالد كما في هذه الدنيا و كلفهم ثم رجعهم الي اصلاب آبائهم ( آبائه خل )
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 567 *»
فاستنطقهم بما جعل فيهم من العقول و الفهم و الاختيار و رفع عنهم الموانع فيما اراد منهم و قررهم بربوبيته فقال الست بربكم و محمد نبيكم و علي وليكم صلي الله عليهما و آلهما فقالوا بلي فمنهم من اجاب بقلبه و لسانه و هم المؤمنون و منهم من انكر بقلبه و لسانه و هم الكافرون و منهم من اجاب عن غير علم و هؤلاء مرجون الي يوم القيمة و منهم من يلحق في الدنيا باحد الاولين بعد مدة و تفصيل هذه المقامات طويل فاول ما خلق الله و اقر بالعدل و التوحيد انا و انت ( و خ ) انما قال و انت بالنسبة الي من سواهما و لايلزم منه التساوي فقد روي ان نور محمد صلي الله عليه و آله خلق قبل خلق نور علي من نور محمد صلي الله عليهما و آلهما بثمانينالف سنة و هو مقر بالعدل و التوحيد ثم خلق منه نور علي عليه السلام كما تحدث سراجا من سراج قال علي عليه السلام انا من محمد صلي الله عليه و آله كالضوء من الضوء و النبيون علي قدر منازلهم و قربهم من الله عز و جل فمن اقر قبل كان افضل و اول النبيين وجد بعد خلق محمد و آله صلي الله عليه و آله بالف دهر كل دهر مائةالف سنة و اتفق المسلمون علي ان افضل الانبياء خمسة محمد صلي الله عليه و آله و نوح و ابرهيم و موسي و عيسي و اتفقوا علي انه صلي الله عليه و آله خير الخلق و اختلفوا في الاربعة من اولي العزم فاكثر العامة ان ترتيبهم في الفضل ابراهيم ثم موسي ثم عيسي و قال بعضهم ثم عيسي ثم موسي و اتفقوا علي مفضولية نوح و اما اصحابنا فاكثرهم علي ان الترتيب في الفضل هكذا ابراهيم ثم نوح ثم موسي ثم عيسي و قيل نوح ثم ابراهيم ثم موسي ثم عيسي و هذا هو المترجح ( المرجح خل ) عندي فان ابراهيم علي نبينا و آله و عليه السلام و ان كانت ممادحه و ذكره و فضائله في الاحاديث اكثر من نوح عليه السلام الا انه مع ذلك كله من شيعة نوح لقوله تعالي و ان من شيعته لابرهيم و لقوله تعالي و اذ اخذ الله من النبيين ميثاقهم و منك و من نوح و ابرهيم و موسي و عيسي بن مريم و هو في مقام التفضيل لا في مقام السبق في الوجود في الدنيا و الا لأخر محمدا صلي الله عليه و آله و ايضا ليس في الانبياء عليهم السلام من نبوته عامة الا محمد و نوح عليهما السلام و اما ابراهيم عليه السلام فانما ارسل الي اربعين بيتا و ليس نسخ الشريعة
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 568 *»
دليلا علي الافضلية و الا لكان عيسي افضل الاربعة و ايضا فان نوحا عليه السلام اوتي من الاسم الاعظم خمسةعشر حرفا و ابرهيم عليه السلام ثمانية و موسي اربعة و عيسي اثنين و الله سبحانه و رسوله و خلفاؤه اعلم و بالجملة من سبق الي الاجابة كان افضل و الذي يترجح عندي في تفضيل الاربعةعشر معصوما صلي الله علي محمد و آله ان افضلهم و سيدهم رسول الله صلي الله عليه و آله و هذا معلوم ثم من بعده اميرهم علي بن ابيطالب عليه السلام ثم الحسن ثم الحسين عليهما السلام لحديث سيدا ( سيدي خل ) شباب اهل الجنة و تفضيل الحسن علي الحسين عليهما السلام بالنص الخاص عن الصادق عليه السلام روي الصدوق (ره) في اكمالالدين باسناده الي هشام بن سالم قال قلت للصادق جعفر بن محمد عليهما السلام الحسن افضل ام الحسين فقال الحسن افضل من الحسين عليهما السلام قلت فكيف صارت الامامة من بعد الحسين في عقبه دون ولد الحسن فقال عليه السلام ان الله تبارك و تعالي لميرد ذلك الا ان يجعل سنة موسي و هرون جارية في الحسن و الحسين عليهما السلام الاتري انهما كانا شريكين في النبوة كما كان الحسن و الحسين شريكين في الامامة و ان الله عز و جل جعل النبوة في ولد هرون و لميجعلها في ولد موسي و ان كان موسي افضل من هرون ه ، ثم القائم عليه السلام عجل الله فرجه لحديث و تسعة من ذرية الحسين (ع) تاسعهم قائمهم اعلمهم رواه المقداد في شرح الباب الحاديعشر و في اخري تاسعهم قائمهم اعلمهم افضلهم و حديث الوصية في قول النبي صلي الله عليه و آله لعلي عليه السلام في امر الوصية و انا ادفعها اليك يا علي و انت تدفعها الي وصيك و يدفعها وصيك الي اوصيائك من ولدك واحدا بعد واحد حتي تدفع الي خير اهل الارض بعدك الحديث ، خرج تفضيل الحسن و الحسين عليهما السلام بحديث سيدا شباب اهل الجنة و بقي الباقي و في معانيه روايات كثيرة ثم الائمة الثمانية عليهم السلام كلهم في الفضل سواء و مما تحمل احاديث المساواة علي ذلك ثم فاطمة عليها السلام كما يشير اليه ما رواه في الفقيه فيما
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 569 *»
اوصي محمد عليا عليهما السلام و علي آلهما يا علي ان الله عز و جل اشرف علي الدنيا فاختارني منها علي رجال العالمين ثم اطلع ثانية فاختارك علي رجال العالمين ثم اطلع ثالثة فاختار الائمة من ولدك علي رجال العالمين ثم اطلع رابعة فاختار فاطمة عليها السلام علي نساء العالمين ه ، و هو يشعر بتفضيلهم عليها عليهم و عليها السلام و مثل حديث الانوار التي تزهر بها لعلي عليهم السلام فانها بقيت كذلك الي ان ولدت الحسين ( الحسنين خل ) عليهم ( اجمعين خ ) السلام .
قال فقد ظهر من هذه النقول بعد شهادة البرهان للعقول ( المعقول خل ) ان للارواح كينونة سابقة علي عالم الاجسام و العقول القادسة و الارواح الكلية عندنا باقية ببقاء الله فضلا عن ابقائه لانها مستهلكة الذوات مطوية ( مطويات خل ) الانوار عند سطوع نور الجلال لايرومون النظر الي ذواتهم خاشعين لله تعالي .
اقول اما كون الارواح لها كينونة سابقة علي عالم الاجسام سبقا دهريا فهو ظاهر و اما السبق الزماني فهو محل الخلاف و اكثر المحققين علي ان الارواح سابقة علي الاجسام في الدهر و اما في الزمان فالاجسام سابقة عليها لانها انما تتكون من الاجسام كالثمرة من الشجرة و المستفاد من كلام ائمة الهدي عليهم السلام ان الروح موجودة في غيب النطفة كوجود الشجرة في النواة و الحبة في العود الاخضر قبل ان تظهر السنبلة و هو معني ما ذكره اكثر المحققين فيكون القول به متحققا نعم لو قلت انها موجودة في الزمانيات غير ظاهرة الكينونة اصبت و هو معني قول المحققين و الآن زيد الذي يخاطبك انما تخاطبك روحه في هذا القفص و هي الآن ليست بذاتها في الزمان و انما تكون في الزمان بتعلقها بالجسم تعلق التدبير فاذا قلت لك قام زيد سمعت اللفظ حين الخطاب بجسمك و آلاته و ادركت معناه بروحك في مرتبتها من عالم الغيب فقد ادركت المعني قبل خلق السموات و الارض باربعةآلاف عام و قوله و العقول القادسة اي المتقدسة المتنزهة بذاتها عن شوائب المواد العنصرية و المدد الزمانية و الصور الهندسية لا انها متقدسة عن مطلق المادة و مطلق المدة و مطلق الصورة كما توهمه اكثر المتأخرين بل لها مواد
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 570 *»
نورانية و مدد دهرية و صور معنوية و الارواح الكلية و هي الرقائق الغيبية فهي في عالم الغيب كالمضغ في عالم الشهادة بالنسبة الي اطوار الجنين و العقل كالنطفة و تمام الخلقة كالنفس عندنا باقية ببقاء الله يريد انها كالظل للشاخص بقرينة قوله فضلا عن ابقائه و هذا غلط ظاهر فان الاشياء كلها لا فرق بين الارواح و الاجسام قائمة بامر الله الفعلي اي المشية قيام صدور و بامر الله المفعولي اي النور المحمدي صلي الله عليه و آله قياما ركنيا اي قيام تحقق قال الصادق عليه السلام في الدعاء كل شئ سواك قام بامرك فبقاء كل شئ بابقاء الله بدوام الامداد قوله لانها مستهلكة الذوات مطوية الانوار عند سطوع نور الجلال لان مادتها من ذلك النور و هيئتها اي صورتها من اثر هيئته كما تري من صورة الكتابة فان مادتها من المداد و صورها ( صورتها خل ) من هيئة حركة يد الكاتب و لاتتوهم ان نور الله عز و جل كما يذهب اليه هؤلاء من انه نور الذات الغير المصنوع فانهم لايعرفون الله تعالي و انما نور الله هو فعله و هو مفعوله و اسماؤه و صفاته اي صفات افعاله و كلها محدثة مخلوقة بفعل الله اما الفعل فخلقه الله بنفسه اي نفس الفعل لانه فعل و ايجاد و لايحتاج في ايجاده الا الي فعل و ايجاد و هو فعل و ايجاد فلايحتاج في ايجاده الي غير نفسه و اما ما سوي الفعل فخلقه الله بالفعل فهم مستهلكون بوجدانهم في انوار فعله و آيته الكبري لايرومون النظر الي ذواتهم خاشعين لله فانين ( قائمين خل ) في خدمته و مراقبتهم لحضرته و قد ذكر الملا احمد اليزدي اعتراضات لبعض الناظرين في قوله باقية ببقاء الله لان ظاهره القول باتحادها به تعالي و احببت ان اذكره مختصرا و اذكر جوابه ليظهر لك الحال قال في حاشيته منها ان الاتحاد في الوجود لايتصور الا بين الكلي و جزئي ذلك الكلي كالانسان الموجود بوجود جزئياته و لايصح الاتحاد بين الامور الجزئية و لا بين الحقائق المتباينة كالانسان و الفرس و الواجب ليس كليا للعقول لتندرج تحته و منها ان التباين بين الانسان و الفرس
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 571 *»
دون التباين بين الواجب و الممكن و اذا امتنع في ضعيف التباين الاتحاد ففي شديد التباين بالطريق الاولي و منها ان للواجب بالذات خواص منها الايكون مجعولا و للممكن خواص منها ان يكون مجعولا فلو جاز الاتحاد بينهما كان الشئ و الواجب مجعولا و غير مجعول هذا خلف و منها ما ثبت انها متأصلة في نفس الامر و ان لها علة جاعلة متقدمة عليها بخلاف الواجب فلو جاز الاتحاد فاما ان تكون قديمة فيلزم انقلاب الحقايق و ان بقيت علي امكانها مع اتحادها بجاعلها كان جاعلا لنفسه و متقدما علي نفسه لان الجاعل متقدم علي المجعول و منها ان وجود الواجب ضروري و وجودها جائز فالوجود و العدم فيه سواء و لو جاز الاتحاد كان الشئ ضروريا جائزا هذا خلف قال سلمه الله و يمكن الجواب عن هذه الوجوه جميعا بان المراد ان الارواح الكلية باقية ببقائه ليس ما هو ظاهره كما فهمه المعترض بل المراد انهم لايلتفتون الي ذواتهم اصلا بل يقصرون النظر في ذاته فما بقي في الوجود في نظرهم هو وجود الله تعالي لا غير فلا التفات لهم الي وجودهم فكانت الاثنينية مرتفعة في نظرهم و اذا كان الامر كذلك فكأنه صار وجوده وجودها اذ لا غير عندها الخ ، انتهي ملخصا و انت خبير بان هذا الجواب غير رافع للاعتراضات اصلا لان الجواب انما هو بالاتحاد في الوجدان و الاعتراض علي دعوي الاتحاد في الوجود لانه هو المستلزم للبقاء بخلاف الاتحاد في الوجدان فانه لايستلزم البقاء و الاعتراض متجه و لا مرد له لان الايرادات نشأت عن حسن الفهم لا عن سوء الفهم .
قال قال سعيد بن جبير لميخلق الله خلقا اعظم من الروح و لو شاء ان يبتلع السموات و الارضين في لقمة لفعل و قال بعضهم الروح لمتخرج من كن لانه لو خرج من كن كان عليه الذل قيل فمن اي شئ خرج قال من بين جماله و جلاله انتهي ، اقول معني كلامه ان الروح هو امره تعالي و قوله كن فهو نفس امره تعالي الذي به تتكون الاشياء فسائر الموجودات خلقت و كانت من امره و امره لايكون من امره و الا لزم الدور او التسلسل بل عالم امره تعالي نشأ من
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 572 *»
ذاته نشو الضوء من الشمس و النداوة من البحر .
اقول قول سعيد بن جبير لميخلق الله خلقا اعظم من الروح يريد به عقل الكل فانه عندهم قبل جميع المخلوقات و لميخلق الله شيئا قبله و هو غلط لانهم انما تمسكوا بما ذكره بعض الحكماء بزعمهم انه تعالي بسيط من كل جهة و البسيط كذلك لايصدر عنه الا الواحد و بظواهر بعض الاخبار مثل اول ما خلق الله العقل و اول ما خلق الله روحي و قد غفلوا عما في نفس الامر و ذلك اما في زعمهم ان الواحد لايصدر عنه الا الواحد ( واحد خل ) فهو ليس كما زعموا اما اولا فلان الصادر عن صانعه لايصدر الا بواسطة الفعل لا من الذات لان هذا ولادة و اذا ثبت بالعقل و النقل ان العقل مفعول و ان المفعول لايصدر عن ( من خل ) ذات الفاعل و انما يصدر من فعله و الفعل يتعدد بتعدد اوقات الايجادية ( الايجاد به خل ) و امكنة محدثاته فيجب تعدد مفعولاته لكن الفاعل اذا كان مختارا فهو في ارادته ان شاء فعل و ان شاء لميفعل لانه انما يفعل اذا كان المختار غنيا بمقتضي المصلحة فلما اقتضت المصلحة وحدة اول مفعول لميحدث الا عقلا واحدا و ليس لانه لايمكن الا واحد و كيف لايمكن الا واحد و هو صادر عن فعل المختار و فعل المختار انما يكون في وقت دون وقت و جهة دون جهة و هيئة دون هيئة و ذلك موجب لتعدد الصادر منه و لان كون البسيط الذي ليس له الا جهة واحدة يجب اتحاد مفعوله و انما ذلك من معاني الخلق و اما ثانيا فلان الخالق الذي يجب فيه اجتماع النقيضين و ارتفاعهما بحيث يكون اجتماعهما عين ارتفاعهما مثل اوليته نفس آخريته و ظاهريته عين باطنيته و قربه غير ( عين خل ) بعده و علوه نفس ( عين خل ) دنوه و هكذا من الامور المتناقضة مثل هو عال عين ليس بعال و ظاهر عين ليس بظاهر و هكذا لايصح ان تقدر قدرته علي قدر ادراك العقول فان من قدر قدرة الله سبحانه علي قدر عقله هلك فحيث بعد صدور اكثر من واحد عن البسيط فيما تدركه عقولهم لايبعد فيما لاتدركه عقولهم و لاتقدر قدرته علي قدر عقولهم قال الله تعالي و يخلق ما لايعلمون
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 573 *»
و قوله و لو شاء ان يبتلع السموات و الارضين في لقمة لفعل مأخوذ من ظاهر بعض الاخبار و هو كناية عن كبره او عظمه و قوله و قال بعضهم ان الروح لمتخرج لانه لو خرج من كن كان عليه الذل قول له لانه انما استشهد به لانه ارتضاه و يريد هذا القائل غير ما يريده علماء الدين عليهم السلام لانهم انما يريدون بالروح المخلوقة الصادرة من نور الانوار اعني الحقيقة المحمدية و من ارض القابليات و هي تطلق كما تقدم علي العقل الكلي عقل الكل و علي الروح الكلية و هؤلاء يريدون به عالم الامر اعني الفعل و علي رأيهم انه قديم متحد بالذات معللين بانه تعالي صنع الاشياء بذاته و الا لاحتاج في صنعه الي غيره فبين ان الروح لو كانت مخلوقة للزمها ذل المصنوعية و الانفعال بل هي امر الله و كل كلامهم باطل لان هذه الروح مخلوقة صادرة من كن كصدور الصوت من القرع و ان اصطلحوا علي تسمية الفعل بالروح ففيه ان الروح عند اهل الشرع و اهل المعارف الالهية اذا اطلقت تبادرت الافهام الي الروح المخلوقة اعني العقل او الروح و اما الذلل فلازم لذاتها و ان لحقها العز بالله كغيرها من الامور الطيبة قال تعالي و لله العزة و لرسوله و للمؤمنين يعني بالله و من يستنكف عن عبادته و يستكبر فسيحشرهم اليه جميعا و اما هؤلاء فحيث حكموا باتحاده بالله لزمهم تنزيهه عن الذل و نحن لما نزهنا المعبود عز و جل عن الاتحاد بالسوي حكمنا علي الروح بالذل لذاتها و قد قال الله تعالي و هم من خشيته مشفقون و من يقل منهم اني اله من دونه فذلك نجزيه جهنم كذلك نجزي الظالمين و هؤلاء لايقولون بان الروح من السوي قال الملا احمد اليزدي المذكور صاحب الحاشية في ان العالم حادث زماني .
قال و هذا مبني علي ما قال يعني المصنف من ان العقول القادسة و الارواح الكلية باقية ببقاء الله دون ابقائه فليست بعالم بمعني ما سوي الله فافهم انتهي ، فتأمل في هذا الكلام و ما ارادوا منه فانهم جعلوا الارواح و العقول ليست مما سوي الله تعالي ربي كيف خلقها ثم لمتكن سواه لا حول و لا قوة الا بالله
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 574 *»
العلي العظيم و قيل للبعض القائل فمن اي شئ خرج قال من بين جماله و جلاله .
اقول من عظيم وساوسهم ان الروح تولد لا بالايجاد الذي يعبر عنه بكن بل من جماله الذي هو نور الذات و جلاله الذي هو قدس الذات و طهرها و قهرها لكل شئ فلذا نزه الروح عن الذل و الجمال قيل هو نور الذات و الجلال هو الحجاب و قيل الجلال هو حجاب الذات اي نورها الذي تحتجب به و الجمال نور الجلال و الحاصل هذا الاعتقاد ظاهر الفساد و لو وجهنا قوله من بين جماله و جلاله قلنا ان جلاله و جماله القديمين هما عين الذات البحت و الذات البحت لميلد و لميولد و لميكن له كفوا احد و الجمال و الجلال الحادثين ليس الا فعله و صفات فعله باي اعتبار او مفعوله و صفات مفعوله و كل له داخرون لايستكبرون عن عبادته و قول المصنف اقول معني كلامه ان الروح هو امره تعالي و قوله كن فهو نفس امره تعالي الذي به تتكون الاشياء و انا اقول كأنهم لايعرفون الذي يراد من الروح حيث يريدون به امره الذي هو فعله و قوله و كن فهو نفس امره ايضا ظاهره ليس بصحيح بمعني انه ان اراد ان كن بلفظه حقيقة هو امره الذي هو فعله فنعم كن صورة الامر فقد جعلها الله سبحانه منه بهذا المعني لانه ( لان خل ) في الحقيقة انما خصت صورة الامر بكن للاشارة الي ان الفعل تكوين يشار اليه ( اليها خل ) بالكاف التي هي الاشارة الي الكون و النون اشارة الي العين المكونة فقوله و كن نفس امره غلط يقول الصادق عليه السلام لا كاف و لا نون و انما اراد فكان ثم انا قد ذكرنا في الشرح مرارا متعددة ان الامر قسمان امر هو الفعل اي المشية و الارادة و الابداع و امر هو المفعول الاول يعني النور المحمدي صلي الله عليه و آله فبالامر الاول قامت الاشياء قيام صدور و بالثاني قامت الاشياء قيام تحقق يعني قياما ركنيا و قال المصنف فسائر الاشياء خلقت و كانت من امره يعني فعله و هذا صحيح عندنا و ان كان هو يعتقد ان كثيرا من الاشياء امور اعتبارية ليست
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 575 *»
مخلوقة كالامكان و الحدوث و امثالهما و قال و امره لايكون من امره و الا لزم الدور او التسلسل و اقول يريد ان كن امره فلايكون صادرا من كن الذي هو امره و هذا تصحيح لكلام ذلك البعض القائل و هذا ليس بصحيح لما قدمنا ان الامر الذي هو الفعل خلقه الله بنفسه كما قال الصادق عليه السلام خلق الله المشية بنفسها ثم خلق الاشياء بالمشية و هي الفعل المخلوق به فاذا كان مخلوقا بنفسه فاين الدور و ( او خل ) التسلسل لانا لانريد ان نفسه شئ غيره لانه ايجاد و الايجاد محدث لايحتاج في ايجاده الا الي ايجاد و هو ايجاد فلايحتاج في ايجاده الي غير نفسه و قال المصنف بل عالم امره نشأ من ذاته نشو الضوء من الشمس و النداوة من البحر و اقول يريد ان العقل ( الفعل خل ) نشأ من ذات الله مثل نشو الضوء من الشمس و الضوء ليس بفعل من الشمس و انا ماادري ما يريد المصنف هل يريد انه ولادة من ذاته تعالي او انه ظل لازم له تعالي او انه امر فرضي و انما يريد انه تعالي فاعل بذاته فذاته فعله و عبارته و ما يظهر من كلماته صادقة علي الثلثة و كلها باطلة و قوله و النداوة من البحر و هي اجزاء صغار من ماء البحر نفسه فان اراد بالمثلين معني واحدا لميكن مريدا للثلاثة و انما يريد واحدا و هي الولادة لان النداوة ظاهرا ليست عرضا للماء و ان اراد كونها عرضا فهو يريد اوسط الثلاثة و علي كل تقدير فمراده باطل ليس من الحق في شئ و انما ذاته الازل و فعله في الامكان و الحدوث الراجح و اين الرب و اين العبد .
قال و قال ابنبابويه ايضا في كتاب الاعتقادات اعتقادنا في الانبياء و الرسل و الائمة عليهم السلام ان فيهم خمسة ارواح روح القدس و روح الايمان و روح القوة و روح الشهوة و روح المدرج و في المؤمنين اربعة ارواح و في الكافرين ثلثة ارواح و اما قوله تعالي و يسئلونك عن الروح قل الروح من امر ربي فانه خلق اعظم من جبرئيل و ميكائيل كان مع رسول الله صلي الله عليه و آله و مع الملئكة و هو من الملكوت انتهي كلامه .
اقول ان الخمسة الارواح هنا جواهر نفسانية بسائط يعني انها حصص
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 576 *»
جزئية متشخصة تشخصا نوعيا و هو مرادنا بكونها بسائط و ذلك كاجزاء الشئ الواحد فان الشئ متعين بتعينات شخصية و اجزائه كل منها متعين بتشخصات نوعية لانها حصص من النوع لاتتمايز التميز الشخصي الا بانضمام بعضها الي بعض و مرادنا بالتشخص الشخصي ما يفيد معني غير معني المادة و كل جزء قبل الانضمام اذا تشخص التشخص الشخصي افاد معني في نفسه غير ما يفيده بالانضمام و لذا قلنا ان كلا منها تشخصه نوعي بهذا المعني و الا فانه اذا فصلت الحصة الجزئية للشئ قبل الانضمام لزمها التشخص الشخصي بالنسبة اليها اما بالنسبة الي المركب فتشخصها نوعي مثلا اذا قلت ق فان لها في نفسها تشخصا شخصيا بمعني انها غير قولك م لكن تشخصها في نفسها بالنسبة الي ما يتركب منها نوعي فتقول قم فتكون القاف بانضمامها الي باقي ( سائر خل ) الحروف مفيدة معني شخصيا غير ما تفيده في قولك قلب و غيرهما في قدر و هذا معلوم لمن له معلوم فهذه الارواح ارواح جزئية للشخص الانساني فروح القدس هي روح العصمة و لاتوجد الا في الانبياء و الرسل و الائمة عليهم السلام و بها يمتنعون من المعاصي “٢” الصغائر و الكبائر مع القدرة عليها “٢-” و التمكن منها “٢-” اختيارا و روح الايمان و هي روح اليقين القار في الجنان بمطابقة عمل الاركان مما يرضي الرحمن و توجد في الانبياء و الرسل و الائمة عليهم السلام و في المؤمنين المستقري الايمان و روح القوة و هو القوة التي يقدر بها علي حمل الثقيل و معاناة الاشياء الشاقة و روح الشهوة و هي التي بها يشتهي الاكل و الشرب و النكاح و ما اشبه ذلك و روح المدرج و هي القوة التي بها يدب في ( علي خل ) الارض و يدرج و هذه الارواح “٦” الثلاث ( الثلاثة خل ) توجد في الانبياء و الرسل و الائمة عليهم السلام و في المؤمنين و في الكافرين و في سائر الحيوانات فاذا اجتمعت “٦” مع روح القدس “٥” استولت “٥” علي الثلاث و مالت “٦” بها “٥-” الي مقتضاها من الطاعات بحيث لاتخرج عن سلطانها “٥-” ابدا الا ان يشاء الله تعالي فهي “٦-” مستهلكة الالتفات الي مقتضي نفسها “٦-” لغلبة روح القدس عليها “٦-” و اذا اجتمعت “٦” مع روح الايمان و لمتكن معها روح القدس و كانت روح الايمان مطمئنة او ( مطمئنة خ ) راضية
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 577 *»
بل او راضية مرضية ما لمتكن كاملة كالاولي فان روح الايمان تستولي علي الثلاث من غير استهلاك فتكون الثلاث في اغلب احوالها تابعة لروح الايمان و قد تحيص حيصة فتميل بطبعها الي مقتضي ذاتها لعدم فناء طبيعتها بالكلية فتقارف المعاصي و تلم لمما و تردها بالمجاهدات روح الايمان الي الطاعة و التوبة و تستدرك ما قصرت عنه او فرطت فيه من مجاهدتها بالتوبة او بالندم و الاستغفار و هو كما روي قائم مقام التوبة لمن لايريد بنيته الا مراد الله و محبته ان الذين اتقوا اذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فاذا هم مبصرون اللهم اغفر لنا ما مضي من ذنوبنا و اعصمنا فيما بقي من اعمارنا انك اكرم المسئولين ففي اهل العصمة عليهم السلام خمسة ارواح و في المؤمنين اربعة ارواح و في الكافرين و المنافقين و المشركين و سائر الحيوانات ثلثة ارواح و ذلك قول الله عز و جل ان هم الا كالانعام بل هم اضل و اما قوله و يسئلونك عن الروح قل الروح من امر ربي ففيه وجه ان الروح الحيواني اي المتحرك بالارادة و ذلك لان بعض اليهود اتوا الي النبي صلي الله عليه و آله و قالوا نسأله عن الروح فان اجاب فليس بنبي لان الانبياء حكماء لايتكلمون لاحد بما لايفهمه و ان لميجب فهو نبي و لما كان صلي الله عليه و آله حجة الله علي جميع خلقه و لايجوز ان يكون لله تعالي حجة يسئل فيقول لاادري لميجز الايجيب اذا سئل و كان حكيما لايضع الاشياء في غير مواضعها و لايتكلم احدا بما لايفهمه اجاب بحقيقة الجواب علي نوع الابهام ( الايهام خل ) لعدم الجواب فقال من امر ربي و ذلك بامر الله و تسديده لنبيه و امر “٦” الله هو الحقيقة المحمدية كما ذكرنا مرارا و يطلق “٦” علي الفعل ايضا كما تقدم الا انه في هذه الآية علي هذا التوجيه تتعين ارادة الحقيقة المحمدية منه بقرينة قوله من الدالة علي الابتداء فانها لاتدخل الا علي المادة فتقول صغت الخاتم من فضة و خلق الانسان من تراب و الفعل لايصح ان يكون مادة للمفعول كما تري في الكتابة فانها ليست مركبة من حركة اليد بان تكون مادة للكتابة نعم تكون صورته من هيئة الفعل كما تري صورة الكتابة من هيئة الفعل و اما المفعول
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 578 *»
الحقيقي فكذلك و ان خفي علي اكثر الافهام توهم ان مادته من الفعل قياسا علي ما فهم من ضرب ضربا فان ضربا هو المفعول الحقيقي و هو الذي يقع غاية و تأكيدا لانه ناش منه و ليس كما فهم من ضربا و ان كان ضربا آية للمفعولات بفعل الله الا ان احرفه ليست هي احرف ضرب بعينها و لا منها و انما هي مصاغة في قالب احرف ضرب بمعني ان المتكلم جذب هواء الي جوفه و صاغه احرفا بآلة مخارج ( مخرج خل ) الحروف من لسانه و اسنانه و لهاته و حلقه فلما قال ضرب و اتي بلفظ دال علي الفعل و اراد ان يؤكده باثره و الاتيان بغايته و اثره لايكون الا بما يشابهه فجذب هواء كالاول و صاغ حروفه في قالب حروفه ليعلم انه اثره و تأكيدا له ناش عنه و ليس ناشيا منه فالفعل احدثه الله بنفسه في الامكان الراجح و اخذ به هواءا امكانيا من الراجح فصاغه به فيه و هو النور المحمدي صلي الله عليه و آله ثم بعد ما شاء الله من الدهور صاغ من ( هذا خ ) النور و من قابليته التي هي الزيت الذي يكاد يضيء و لو لمتمسسه نار اي و لو لميتعلق به الفعل المكني عنه بالنار اي المشية بالفعل المذكور عقلا و هو العقل الكل المسمي بالعقل الكلي و بالروح من امر الله و هو النور الابيض و روحا و هو روح القدس و هو روح الكل المسمي بالروح الكلي و بالروح من امر ربي و قد يطلق علي النفس ايضا فيقال قبض ملك الموت روحه او نفسه و تطلق علي العقل قال صلي الله عليه و آله اول ما خلق الله العقل و اول ما خلق الله روحي و قال الصادق عليه السلام ان الله خلق العقل و هو اول خلق من الروحانيين عن يمين العرش و فيه وجه آخر و هو انه ملك اعظم من جبرئيل و ميكائيل و روي عنه عليه السلام و هو الذي اشرنا اليه بانه من امر الله او من امر ربي و هو من الملكوت و اعلم انه قد وقع خلاف في الملكوت و قد اشرنا اليه قبل هذا فيما تقدم الي بعضه و الاكثر علي انه تحت الجبروت و الجبروت فوقه بناء علي ان الملكوت عالم النفوس و الجبروت عالم الارواح و قال بعض بالعكس و هو مروي ايضا و هذا في هذا الحديث فيه احتمالان ناشيان من ان الروح المذكورة في الحديث المفسر للآية هل المراد به العقل الذي هو من امر الله ام الروح التي هي من امر
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 579 *»
الرب و الفرق في التعبير بين امر الله و امر الرب انا نريد بامر الرب اي المربي و هو اسم الرحمن الذي استوي برحمانيته علي العرش فاعطي كل ذي حق حقه و ساق الي كل مخلوق رزقه و امر الله هو اسم الله و هو العقل و الالف القائم و صورته في بساطته هكذا ا و الالف المبسوط هو النفس اي اللوح المحفوظ و صورته هكذا ب و الروح بينهما و صورتها هكذا ك فافهم .
قال و قد اخذ هذا الكلام من احاديث ائمتنا المعصومين صلوات الله عليهم اجمعين و المراد من روح القدس الروح الذي كان مع الله من غير مراجعة الي ذاته و هو المسمي عند الحكماء بالعقل الفعال و من روح الايمان العقل ( المستفاد خ ) الذي صار عقلا بالفعل بعد ما كان عقلا بالقوة و من روح القوة النفس الناطقة الانسانية و هي عقل هيولاني بالقوة و من روح الشهوة النفس الحيوانية التي شأنها الشهوة و الغضب و من روح المدرج الروح الطبيعي الذي هو مبدء التنمية و التغذية و هذه الارواح الخمسة متعاقبة الحصول في الانسان علي التدريج .
اقول قوله اخذ هذا الكلام الخ ، يريد به الصدوق (ره) و قوله و المراد من روح القدس الي قوله الي ذاته يريد منه غير ما تدل عليه عبارته فان الذي تدل عليه عبارته انه الروح المخلوقة و هو الملك الذي يكون مع الانبياء و الرسل و الائمة عليهم السلام و انها مع الله بالاقبال عليه و عدم الغفلة عن ذكره و لذا قال و هو المسمي عند الحكماء بالعقل الفعال و اما مراده فانه يعني به الروح الذي هو امره تعالي و هو كن و ليس صادرا من كن الذي هو امره و هو ناش من ذات الله نشو الضوء من الشمس و النداوة من البحر كما تقدم الاشارة اليه و الي فساده و اما قوله بالعقل الفعال فاعلم ان العقل الفعال يطلقه الحكماء الالهيون الاولون علي عقل الكل الذي فوض الله تعالي اليه الايجاد فهو بالله يصنع ما دونه و بعضهم و هم اصحاب العقول العشرة يطلقونه علي العقل العاشر الذي هو عقل العناصر و قد قررنا بطلان قول هؤلاء و لو فرض صحته فالعقل الكل ( الكلي خل )
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 580 *»
احق بهذه الصفة و في العلل للصدوق (ره) بسنده الي عمر بن علي عن ابيه علي ابن ابيطالب صلوات الله عليه ان النبي صلي الله عليه و آله سئل مم خلق الله عز و جل العقل فقال خلقه ملكا له رؤس بعدد الخلائق من خلق و من لميخلق الي يوم القيمة و لكل رأس وجه و لكل آدمي رأس من رؤس العقل و اسم ذلك الانسان علي وجه ذلك الرأس مكتوب علي كل وجه ستر ملقي لايكشف ذلك الستر من ذلك الوجه حتي يولد هذا المولود و يبلغ حد الرجال او حد النساء فاذا بلغ كشف ذلك الستر فيقع في قلب هذا الانسان نور فيفهم الفريضة و السنة و الجيد و الردي الا و مثل العقل في القلب كمثل السراج وسط البيت ه ، اقول فهذا بعض ما ذكر من فعله في عالم الغيب و ما ذكر في فعله في عالم الشهادة و الشهادة قول الله عز و جل له اقبل فاقبل ثم قال له ادبر فادبر فقال تعالي و عزتي و جلالي ماخلقت خلقا احب الي منك بك اثيب و بك اعاقب و لااكملتك الا فيمن احب ه ، اقول و قد تقدم انه يكون مع الانبياء و المرسلين بوجه من وجوهه و هو روح عصمتهم و لمينزل بكله قبل ولادة محمد صلي الله عليه و آله و منذ نزل عليه لميصعد قط فهو بكله مع خلفائه عليهم السلام و هو الآن بكله مع الحجة عليه السلام و هو باب اجابة المعصومين فمن كان عنده بوجه فكلما طلب من بابية ذلك الوجه اتاه به ذلك الوجه و ليس غير ذلك الوجه و محمد و آله صلي الله عليه و آله هو عندهم بكله فكل ما يسئلون منه يأتيهم به و هو نور ليلة القدر روي الحسن بن سليمن الحلي في مختصربصائر سعد بن عبدالله الاشعري و فيه عن الحسن بن عباس بن جريش عن ابيجعفر الجواد عليه السلام قال سأل اباعبدالله عليه السلام رجل من اهل بيته عن سورة انا انزلناه في ليلة القدر فقال ويلك سألت عن عظيم اياك و السؤال عن مثل هذا فقام الرجل قال فاتيته يوما فاقبلت عليه فسألته ( و سألته خل ) فقال (ع) انا انزلناه نور عند الانبياء و عند الاوصياء لايريدون حاجة من السماء و لا من الارض الا ذكروها لذلك النور فاتاهم بها و فيه بهذا السند قال الصادق عليه السلام انا انزلناه نور كهيئة العين علي رأس
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 581 *»
النبي و الاوصياء عليه و عليهم السلام ( صلوات الله عليه و عليهم اجمعين خل ) لايريد احد منا علم ( علي خل ) امر من امر الارض او من امر السماء الي الحجب التي بين الله و بين العرش الا رفع طرفه الي ذلك النور فرأي تفسير الذي اراد مكتوبا ه ، اقول قوله كهيئة العين قيل لعل المراد بالعين هنا عين الشمس و يحتمل ان يكون المراد ( ان يراد خل ) بها الدور بين ( الدورتين خل ) انتهي ، و الذي افهم ان المراد بها عين تعقله ( تعلقه خل ) من دماغه عليه السلام قوله و من روح الايمان يعني به المراد من روح الايمان العقل المستفاد الذي صار عقلا بالفعل بعد ما كان عقلا بالقوة اقول العقل لغة الحبس و عند اهل الشرايع و الملل يطلق علي معان علي حسب مراداتهم و مذاقاتهم الاول العقل الذي هو مناط التكليف الشرعي من حيث انه يدعو الي التأدب بالآداب الشرعية بقدر الوسع او دون الوسع علما و عملا فلايتوجه الي فاقده التكليف و قيل في تحديده بوجوه متقاربة منها انه قوة غريزية يلزمها العلم بالضروريات عند سلامة الآلات فالنائم علي هذا التعريف لايسمي عاقلا لعدم العلم و مثله ما يعرف به حسن الحسن و قبح القبيح و منها انه قوة ادراك الخير و الشر و التميز ( التمييز خل ) بينهما و التمكن من معرفة اسباب الامور و ما يؤدي اليها و ما يمنع منها و منها انه العلم ببعض الضروريات و هو العقل بالملكة و قريب منه ما قيل انه العلم بوجوب الواجب و استحالة المستحيل في مجاري العادات و منها انه عدم الجنون عما من شأنه ذلك فهو صفة اولي للانسان تدعو الي الافعال الحسنة و ضده الجهل و الهوي او صفة يستعد بها لاستنتاج ( لاستفتاح خل ) المجهولات من المعلومات و ضده الجنون المعني الثاني العقل هو العلم التام بالشئ الحاصل من التأمل التام فيه المعني الثالث هو التأدب بالآداب الحسنة في طلب العلم بالاشياء من حيث حسنها و قبحها و كمالها و نقصها و نفعها و ضرها و العمل بذلك المعني الرابع العقل هو التأدب بالآداب المستفادة من التجارب بمجاري الاحوال المعني الخامس العقل هو جودة الذهن و سرعة انتقاله الي الدقائق مع
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 582 *»
حبس النفس علي الحق و هو الذي اشير اليه في الحديث العقل ما عبد به الرحمن و اكتسب به الجنان و قد يطلق عليه الذكاء و الفطنة و الفهم و البصيرة و كذا الكياسة و ان كان مع حبس النفس علي ضد الحق مع رعاية منافع الدنيا فقط فليس بعقل بل تسمي ( يسمي خل ) النكراء و الشيطنة و الجربزة و الفطانة البتراء و يقابل هذا العقل الجهل و الحمق و الغباوة و البلاهة و البلادة المعني السادس العقل ميل النفس الي الافعال الحسنة و العقل بهذا المعني فطري و كسبي و كذا بالمعني الذي قبله و الفطري منه ما خلقه الله تعالي مع خلق النطفة و هو الاعلي من مراتب الفطري و منه ما يخلق عند الولادة و هو المتوسط و منه ما يخلق عند البلوغ و هو الادني و الكسبي ما يحصل بعد ذلك بتكرر مراجعة العقل في المعاني و معالجة الصنايع و وقته كل العمر و هو قول الحكماء في اشاراتهم ان زمن الربيع لايعدم من العالم اي ان وقت تحصيل الكمالات لايفقد في اول العمر و في وسطه و في آخره و هذا الكسبي اختياري فمن طلب وجد و اما الفطري فقيل انه اختياري عند التكليف الاول في عالم الذر و قيل انه ايجابي لان تنزلات العقل الاول في المراتب الكونية عند ظهوره بها باذن الله عز و جل ايجابي تكويني اقول و الحق انه اختياري بل الحق انه ليس في الوجود اضطرار بل كل الموجودات مختارة لانها ( لانه خل ) اثر المختار فهم من فهم و قد حققناه في مباحثاتنا و في الفوائد بما لا مزيد عليه و لا مناص عنه المعني السابع العقل هو النفس الناطقة الانسانية باعتبار مراتبها في استكمالها علما و عملا و يطلق هذا المعني علي نفس تلك المراتب و علي قواها في تلك المراتب و ذلك ان للنفس قوة باعتبار تأثرها عما فوقها و تلقيها ما يكمل جوهرها من التعقلات و يسمي ذلك عقلا نظريا و باعتبار تأثيرها في البدن بتكميل جوهره اختياريا لانه آلة لها في تحصيل العلم و العمل و للنفس ايضا قوة اخري تسمي عقلا عمليا و للاول اعني العقل النظري اربع مراتب الاولي استعداد بعيد للكمال و هو محض قابليتها للادراك و يسمي عقلا
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 583 *»
هيولانيا تشبيها بالهيولي المجردة عن الصور احترازا عن الهيولي الثانية التي اخذت الصورة فيها اعني المادة و هي الجسم الثانية استعداد متوسط لتحصيل النظريات بعد حصول الضروريات بالاولي و يسمي عقلا بالملكة يعني بالقوة لا بالفعل الثالثة استعداد قريب لاستحضار النظريات متي شاء و يسمي عقلا بالفعل و قيل يسمي هذا عقلا مستفادا الرابعة الكمال و هو تحصيل النظريات مشاهدة و يسمي عقلا مستفادا و قيل يسمي هذا عقلا بالفعل و قد يعتبر هذا بالقياس الي جميع مدركاته بحيث لايغيب عنه شئ و هو بهذا المعني انما يكون في الآخرة كذا قيل و منهم من جوزه في الدنيا لنفوس قوية لاتشتغل بشئ و لا شك في وجوده في الدنيا مع اهل العصمة عليهم السلام و هو قوله تعالي و لااكملتك الا فيمن احب و اهل محبته علي الحقيقة محمد و اهل بيته الطاهرين عليه و عليهم السلام و من دونهم شيعتهم من الانبياء و المرسلين و الخصيصين من اتباعهم و للثاني و هو العقل العملي ايضا اربع مراتب الاولي تهذيب الظاهر باستعمال الشرايع المعنوية الثانية تهذيب الباطن من المهلكات الردية و ترك الشواغل عن عالم الغيب الثالثة تجلي النفس بالصور القدسية بعد القرب و الاتصال بعالم الغيب بمباشرة روح اليقين الرابعة انجلاء ضياء المعرفة بالفؤاد و استغراقه بانوار الجلال و الجمال و هو مقام الصدق في المحبة مع الله في جميع المواطن بحيث لايفقده حيث يحب و لايجده حيث يكره و اعلم ان ما يطلق عليه اسم العقل اثنان احدهما الجوهر الدراك للاشياء و هو متعلق بباطن الجسم الصنوبري الذي في الصدر و هو القلب الذي عناه الله سبحانه بقوله تعالي و لكن تعمي
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 584 *»
القلوب التي في الصدور تعلق التدبير و مرادنا بقولنا بباطن الجسم انه لايتعلق بالاجسام الا بالواسطة و الواسطة هنا هي النفس المسماة بالصدر فان المراد بالصدر هنا هو النفس و الخيال فانه صدر القلب الذي هو العقل الجوهري و هو رأس من العقل الكلي او وجه منه فالنفس مستنيرة باشراقه عليها كاستنارة الجدار باشراق الشمس عليه و ثانيهما فعله و ادراكه و بصره و سمعه و هو متعلق بباطن الدماغ و مرادنا بباطن الدماغ الذي في الرأس فعل النفس و الخيال و ادراكهما و بصرهما و سمعهما و ذلك في دماغ الرأس فهما اي فعل النفس و الخيال و ادراكهما و بصرهما و سمعهما مشرقان باشراق وجه العقل عليهما كاشراق النفس و الخيال باشراق القلب عليهما و الاول رأس من عقل الكل و ذلك الرأس هو امر الله الخاص بعقل ذلك الشخص و عقل ذلك الشخص الخاص به الذي يقبل الزيادة و النقصان هو اشراق وجهه اعني الرأس الخاص به من العقل الكلي عليه فالاشراق عقل الشخص يزيد باصلاح قلبه بحسن الغذاء و بالاعمال الصالحة و النيات الخالصة و ينقص بعكس ذلك و اما وجهه الخاص به من العقل ( عقل خل ) الكل فلايزيد و لاينقص و المستفاد و بالفعل هو القابل للزيادة و النقصان و حيث كان اختيار المصنف ان المستفاد هو النهاية جعله روح الايمان و كان الذي يجول في خاطري ان المرتبة الثالثة هي المستفاد و بالفعل هي الرابعة ثم اعلم ان روح الايمان ليست هي العقل لان العقل هو وجه الوجود اعني الفؤاد الذي هو حقيقة الشئ من ربه و هو نور الله الذي ينظر به المؤمن و له هيكل معنوي مركب من حدود “٢” جبروتية معنوية احدها “٢-” روح الايمان فروح الايمان ركن من اركان العقل الشرعي لانه نور صور علي هيئات هياكل التوحيد و قوله في وصف المستفاد الذي صار عقلا بالفعل بعد ما كان عقلا بالفعل يريد به الفعل ما يقابل القوة لا قسيم المستفاد و قوله و من روح القوة اي المراد من روح القوة في الحديث النفس الناطقة الانسانية و هي عقل هيولاني بالقوة ليس بصحيح لان العقل بجميع
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 585 *»
انواعه قوي للنفس الناطقة الانسانية لانه ان اراد بها الفلكية اي الحيوانية الحسية فهذه مركب للنفس الكلية التي هي مركب العقل و ان اراد بها الناطقة القدسية فالعقل من قواها بل هو مركبها و هي روحه لانها هي الفؤاد من عرف نفسه فقد عرف ربه علي ان الامام عليه السلام في نفس حديث الارواح الخمس فسرها بالقوة التي يحمل بها الاثقال و لهذا تكون في كل حيوان ناطق او صامت و اين هذه من العقل الهيولاني الذي النور الاولي اعني اول اشراق وجهه من العقل ( عقل خل ) الكل علي باطن قلبه الصنوبري و كذلك قوله المراد من روح الشهوة النفس الحيوانية فان هذه هي الحساسة الفلكية التي اصلها الافلاك و مقرها القلب لها قوي ثلث روح المدرج و روح الشهوة و روح القوة و الامام عليه السلام حين ذكر الارواح فسر روح القوة بالقوة التي يحمل بها الثقيل و روح الشهوة التي بها يأكل و يشرب و ينكح و روح المدرج التي بها يدب و يدرج و يمشي و كل الثلث من قوي الحيوانية الحساسة الفلكية و انما فسرها بهذا حيث لميأخذ الحديث من اصله و انما اخذه من اعتقاد ابنبابويه فاقتصر علي ما فيه و وجه الارواح الثلاث علي هذه المعاني الغيبية و المراد من الطبيعي الذي هو مبدؤ النمو هو النفس النباتية و هي غذاء تركب من جزء من التراب و جزء من الهواء و جزء من النار و جزئين من الماء بعد تعديلها و تميزها عن الغرائب علي ما قرر في العلم الطبيعي قوله و هذه الخمسة متعاقبة الحصول علي التدريج يريد ان كل واحدة شرط لما بعدها و الشرط سابق علي المشروط فتكون متعاقبة في حصولها للشئ شيئا فشيئا و هذا الكلام ربما يجري في البعض لكن ليس علي ترتيب ما ذكره لان الثلثة الاواخر اعني روح القوة و روح الشهوة و روح المدرج في الحقيقة متساوقة لكون كل واحدة من متممات الاخري لكن اذا غفلنا عن هذا النظر في الحقيقة و اعتبرنا الظاهر فالحصول قسمان حصول دهري و حصول زماني اما الحصول الدهري فالسابقة روح القدس بما لايكاد يتناهي و في
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 586 *»
الحصول الزماني هي آخرها حصولا و من دون روح القدس في الحصول الدهري روح الايمان و هي قبل روح القدس في الزماني ( الزمان خل ) و من دونها روح القوة في الحصول الدهري لكونها من آثار الطبيعة الكلية كما اشار سبحانه اليه قال تعالي علمه شديد القوي ذو مرة فاستوي و هو جبرئيل عليه السلام حامل النور الاحمر و هو الطبيعة و من دون روح القوة روح المدرج في الدهري و هي بعد روح الشهوة في الحصول الزماني لان روح الشهوة هي ميله الي التكون و الغذاء و هو حاصل في النطفة .
قال فالانسان ما دام في الرحم ليس له الا النفس النباتية ثم تنشأ له بعد الولادة النفس الحيوانية اعني القوة الخيالية ثم يحدث له في اوان البلوغ الحيواني ( الحيوانية خل ) و الاشتداد الصوري النفس الناطقة و هو العقل العلمي و اما العقل بالفعل فلايحدث الا في افراد البشر و هم العرفاء و المؤمنون حقا بالله و ملائكته و كتبه و رسله و اليوم الآخر و اما روح القدس فهو المخصوص باولياء الله .
اقول قوله فالانسان ما دام في الرحم ليس له الا النفس النباتية يدل علي انه يريد بتلك الارواح المذكورة ( ما فوق خ ) الماديات لحصره ( بحصره خل ) الانسان من النطفة الي الولادة في النفس النباتية و قد اشرنا الي ان ارواح ( روح خل ) الشهوة مساوقة للنباتية لان النمو انما يكون بالاغتذاء بالملائم و لانعني بروح الشهوة الا الميل الي الملائم و هذا موجود في النطفة و الا لمتكن علقة نعم هي في الحيوان اظهر و هي تلك بعينها و لكنها قبل ضعيفة لضعف احساس النطفة بالنسبة الي احساس الحيوان و ان كانت فيما وراء هذا العالم ظاهرة قال اميرالمؤمنين صلوات الله عليه ان لله في كل يوم ثلثة عساكر عسكر ينزلون من الاصلاب الي الارحام و عسكر ينزلون من الارحام الي فضاء الدنيا و عسكر يرتحلون من الدنيا الي الآخرة ه ، و المصنف تكلف هذا التأويل بصرف تلك القوي الي النفوس لاجل ذكرها بلفظ الارواح و الامام عليه السلام بين ان روح القوة مثلا بها يحمل الثقيل و روح المدرج بها يسعي و يدب و يدرج و روح الشهوة بها يأكل و يشرب و ينكح و كل هذه
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 587 *»
ارواح مزاجية و هي قوي للنفس الحيوانية الحسية لا ان روح القوة التي يحمل بها الثقيل هو العقل الهيولاني كما توهمه و لا ان روح الشهوة التي بها يأكل و يشرب هو القوة الخيالية و لا ان روح المدرج هو الذي يحدث عند البلوغ الحيواني فعلي قوله لايقدر علي المشي ( الشئ خل ) قبل البلوغ حتي يحصل له العقل العلمي اي الكسبي و اين كلامه من كلام الامام عليه السلام و انما تكلف هذا التأويل البعيد حيث ان الامام عليه السلام عبر عنها بالارواح و المصنف لايعرف من الارواح الا المجردات و قوله و اما العقل بالفعل فلايحدث الا في افراد البشر و يريد به المرتبة الثالثة من العقل و هو المستفاد و يريد به ما اراد الامام عليه السلام من روح الايمان و ليس كما اراد لانه عليه السلام يعني بروح الايمان نور اليقين الناشي عن الاعمال الصالحة و النيات الخالصة لا التلوين الناشي من مداومة قرائة المثنوي و اوهام الملا رومي كما قال و هم العرفاء و عطفه المؤمنين علي العرفاء يدل علي انهم غيرهم و علي كل تقدير فانما يعني ما يزنه بميزانه فالمؤمنون حقا بالله عندهم ( عنده خل ) الذين يقولون ان بسيط الحقيقة كل الاشياء و امثال هذا في الملائكة و الكتب و الرسل و اليوم الآخر فان اللفظ و ان صح في اصل الوضع لميصح في نفس ارادته و اما روح القدس فكما قال مخصوص باولياء الله الا ان المراد منها في هذا المكان غير الملك الذي يسددهم عليهم السلام بل المراد به نفوسهم الملكوتية الالهية التي اصلها العقل منه بدت و عنه وعت كما يأتي ان شاء الله .
قال و هذه الارواح الخمسة انوار متفاوتة في شدة النورية و ضعفها كلها موجودة بوجود واحد اي مراتب مندرجة ( متدرجة خل ) الحصول فيمن وجدت له و الذي يعضد ما ذكره صاحب الاعتقادات من طريق الرواية ما نقل عن كميل بن زياد انه قال سألت مولانا اميرالمؤمنين صلوات الله عليه و علي اولاده اجمعين فقلت يا اميرالمؤمنين اريد ان تعرفني نفسي قال يا كميل اي نفس تريد ان اعرفك قلت يا مولاي و هل هي الا نفس واحدة قال يا كميل انها هي اربعة النامية النباتية و الحسية الحيوانية و
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 588 *»
الناطقة القدسية و الكلية الالهية و لكل واحدة من هذه خمس قوي و خاصيتان فالنامية النباتية لها خمس قوي جاذبة و ماسكة و هاضمة و دافعة و مربية و لها خاصيتان الزيادة و النقصان و انبعاثها من الكبد و الحسية الحيوانية لها خمس قوي سمع و بصر و شم و ذوق و لمس و لها خاصيتان الرضا و الغضب و انبعاثها من القلب و الناطقة القدسية لها خمس قوي فكر و ذكر و علم و حلم و نباهة و ليس لها انبعاث و هي اشبه الاشياء بالنفوس الملكية و لها خاصيتان النزاهة و الحكمة و الكلية الالهية لها خمس قوي بقاء في فناء و سقم في شفاء ( و نعيم في شقاء خل ) و عز في ذل و فقر في غنا و صبر في بلا و لها خاصيتان الرضا و التسليم و هذه التي مبدؤها من الله و اليه تعود قال الله تعالي و نفخت فيه من روحي و قال يا ايتها النفس المطمئنة ارجعي الي ربك راضية مرضية و العقل وسط الكل .
اقول قوله و هذه الارواح الخمسة انوار متفاوتة في شدة النورية و ضعفها ليس بصحيح لان شأن المتفاوتة في الشدة و الضعف ان تكون من نوع واحد كما ذكره بقوله و كلها موجودة بوجود واحد و هذه شهادة منه ان روح القدس التي ربما رفع رتبتها عن ( من خل ) الايجاد بل قال انها لمتخرج من كن كما يظهر من كلامه السابق لمن تدبر فيه و روح الشهوة الحيوانية كما قال من نوع واحد ليس بينهما فارق و لا مميز الا شدة روح القدس و ضعف روح الشهوة لان الخمس كلها موجودة بوجود واحد من طينة واحدة و لا حول و لا قوة الا بالله العلي العظيم و قد اشرنا ان روح القدس لميخرج منها شئ و لميخلق منها شئ الا الاربعةعشر معصوما عليهم السلام ان اريد بها صفة النفس الكلية كما يأتي و ان اريد بها العقل او الملك لمينزل في غيرهم نعم خلق الله من شعاعها ارواح انبيائه ( الانبياء خل ) و رسله مأةالف نبي و اربعة و عشرونالف نبي و ذلك بعد ما مضي منذ خلقوا عليهم السلام الف دهر كل دهر مأةالف سنة و بقي الانبياء يدينون الله سبحانه بدين الاربعةعشر عليهم السلام الف دهر كذلك ثم خلق من شعاع ارواح الانبياء عليهم السلام ارواح المؤمنين اعني الارواح الناطقة القدسية للمؤمنين التي عناها اميرالمؤمنين عليه السلام بقوله السابق التي ليس لها انبعاث
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 589 *»
و هي اشبه الاشياء بالنفوس الكلية ( الملكية خل ) و من اشعتها خلق نفوس الملئكة و من اشعة نفوسهم خلق النفس الحيوانية و اين هذا من ذلك ( ذاك خل ) و كيف تكون الخمس موجودة بوجود واحد بل ليست بوجود واحد و لا بايجاد واحد الا علي رأي المصنف بان كل الاشياء بوجود واحد و هو وجود ( بوجود خل ) صانعها فان اراد هنا ما يعتقده كما ذكر سابقا فقد ابطل مدلولات الالفاظ و معانيها كما ابطل الاعتقاد و قوله فانها مندرجة ( متدرجة خل ) الحصول فيمن وجدت له يعني به ان حصولها لمن هي فيه علي التدريج كحصولها في نفسها في مراتب وجودها و علي قوله فما اكبر روح الشهوة و ما اصغر روح القدس لان الذي بينهما درجتين روح القوة و روح الايمان و الحاصل لا فائدة في البيان هنا و لا في العتاب و قوله و يعضد ما ذكره صاحب الاعتقادات الخ ، هذا لايعضده و ليس بينهما مناسبة لان حديث الارواح يذكر فيه قوي النفس الناطقة و ملكاتها و قوي جسدها و طبيعته و حديث كميل في تعداد الانفس ذواتها لا صفاتها و لهذا كانت الانفس باعتبار ذواتها اربعا و الارواح خمس لان روح القدس في الحديث الاول صفة النفس الكلية الالهية في حديث كميل و روح الايمان صفة الناطقة القدسية و روح القوة و روح الشهوة و روح المدرج صفات و قوي للحيوانية الحسية بمعونة القوي الجسمانية التي هي قوي النفس النباتية و النفس النامية النباتية هي مركبة من العناصر الاربعة جزء من الغذاء الناري و جزء من الترابي و جزء من الهوائي و جزءان من المائي اجتمعت الخمسة و اتحدت بالانحلال حتي صارت كيموسا فنضجت بنظر الكواكب فصارت نفسا نباتية نامية و لها خمس قوي تستمد منها ما تلطف لها ( تلطفه بها خل ) من الاغذية جاذبة من المرة الصفراء و ما تقوم مقامهما كما في الشجر من الحرارة و اليبوسة و هي ركن العنصر الناري و شأنها جذب مادة الغذاء و جذب الغذاء بعد تخليصه من المادة و ماسكة من المرة السوداء و ما يقوم مقامها ( مقامهما خل ) من اليبوسة و البرودة و هي الركن الترابي و شأنها امساك الغذاء علي ما يناسبه و هاضمة من الدم و ما يقوم مقامه و منبعها الكبد من الحرارة و الرطوبة و هي الركن الهوائي و شأنها
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 590 *»
ضم المادة و الكيلوس و الكيموس و احالته من نوع العضو و دافعة من البلغم و ما يقوم مقامه و منبعها الرية من الرطوبة و البرودة و هي ( هو خل ) الركن المائي و شأنها دفع الغذاء الي العضو و دفع فاضله الي ما بعده و مربية و هي قوة من النفس تفعل النفس بها تنمية الاعضاء بما هو من نوعها من الغذاء فهي فعل النفس النامية لانها تألفت من طبايع الاربع السابقة فكانت طبيعة خامسة فللنفس النباتية خمس قوي اربع مركبة كل واحدة من طبيعتين و الخامسة من الجميع لاحتياج الرتبة ( التربية خل ) الي الكل لان النمو يحتاج الي الاربع السابقة علي جهة الشيوع لا التمايز و للنفس النامية خاصيتان الزيادة عند اتصال الغذاء علي الوجه الملائم المقارب للاعتدال و هي النمو و النقصان عند اختلال الشرائط و هو الذبول و انبعاث النفس النامية من الكبد لانها محل الرطوبة و الحرارة و اللذين هما علة الهضم الذي هو علة الاتحاد الذي هو منشأ النفس النامية و الثانية النفس الحسية الحيوانية و هي من النفوس الفلكية لان النفس النامية مقرها الدم الاصفر المتعلق بالعلق الدم الذي في تجاويف القلب من الجانب الايسر اكثر فتلك الاجزاء اللطيفة التي هي النفس النامية اذا اعتدل نضجها حتي كانت بخارا لطيفا بتأثير اشعة الكواكب كالشمس و القمر و النجوم و بمر الليل و النهار تلطف ذلك البخار المعتدل في ميزانه و نضجه حتي ساوي جرم الافلاك فاشرقت عليه النفس الفلكية فتحرك بحركتها مثاله اذا قربت خشبة يابسة من الجمر الملتهب فانها تصفر ثم تسود بحرارة الجمر ثم تشتعل فيها النار و ان لمتتصل بها لانها بحرارتها تكلست حتي صارت فحما فتعلقت النار بها بواسطة الهواء المتصل بالجمر و بالخشبة فهذه هي النفس الحيوانية الحسية و تكون في كل حيوان بري او بحري من انسان او غيره مؤمن او كافر نبي او غيره كما ان النباتية تكون في كل من ذكر و تكون في سائر النباتات بل قد تكون في ما دون النباتات من البرازخ كالمرجان فانه و ان كان من الاحجار فهو من الاشجار لانه ينمو و لذا قيل انه برزخ بين النبات ( النباتات خل ) و المعدن و لها خمس قوي تدرك بها المحسوسات سمع تدرك به الاصوات اذا دق
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 591 *»
الصوت بواسطة الهواء باب سمعها ادركته بصوته في حجابها و هو الطبل المصنوع علي باب الدماغ من خرق الاذنين و بصر تدرك به الالوان و الاضواء بانطباع صورها في جليدية العينين بالقوة التي في تقاطع قصبتي العينين و شم تدرك به روائح الاشياء بواسطة حلمتي المنخرين بانبساطهما في الرائحة الطيبة و انقباضهما في الخبيثة و ذوق تدرك به الطعوم بواسطة اللسان بنفوذ لطيف من ذي الطعم ملائم او منافر في تجاويف مسامه و لمس تدرك به لين الاشياء و خشنها برقة ( قوة خ ) احساس سارية منها في سائر الجسد الا انها في انملة السبابة اقوي لشدة رقة الاحساس فيها و لها خاصيتان الرضا و الغضب و الرضا اختيار الشئ و طمأنينة القلب عنده لانبساط برودة الروح و الغضب بالعكس و هو غليان دم القلب لطلب الانتقام لالتهاب حرارة النفس و انبعاثها من القلب لان سبب تعلقها من الافلاك بالحيوان هو الابخرة المعتدلة في الوزن و النضج المتعلقة بالدم الاصفر المتعلق بالعلق الدم الكائنة في تجاويف القلب من الجانب الايسر منه اكثر كما مر و النفس الناطقة القدسية و هي جوهر نوراني و وصف قدسي الهي و انموزج تصويري فهواني و كتاب صوري رباني فهي هيكل التوحيد و المثل المنزه عن التحديد اصلها النور و وكرها قمة الطور و لها خمس قوي فكر من عطارد و ذكر من زحل و علم من المشتري و حلم من القمر و نباهة من الشمس و ليس لها انبعاث لتجردها من المواد العنصرية و المدد الزمانية و هي اشبه الاشياء بالنفوس الملكية التي هي عالية عن ( من خل ) المواد عارية عن القوة و الاستعداد و لها خاصيتان النزاهة لتقدسها عن اوساخ الطبيعة و انطباعها بموافقة احكام الشريعة و الحكمة لتلاشي انيتها في الانوار العقلية و روي عن الصادق عليه السلام انه قال ان الصورة الانسانية اكبر حجة الله علي خلقه و هي الكتاب الذي كتبه بيده و هي الهيكل الذي بناه بحكمته و هي مجموع صور العالمين و هي المختصر من اللوح المحفوظ و هي الشاهد علي كل غائب و هي الحجة علي كل جاحد و هي الصراط المستقيم الي كل خير و هي الصراط
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 592 *»
الممدود بين الجنة و النار ه ، و هذه النفس شعاع من النفس الرابعة اعني النفس الكلية الالهية فهي بالنسبة الي الكلية نور و عرض قائم بها اي بنورها قيام تحقق و هو القيام الركني و هيكل الانسان الظاهر ظل هيكلها فهو مثلها و هي اصله تتعلق بهذا البدن تعلق اشراق لانها لاتنزل من روحها و انما هي كما قال الشاعر :
هي الشمس مسكنها في السماء ** * ** فعز الفؤاد عزاء جميلا
فلنتستطيع اليها صعودا ** * ** و لنتستطيع اليك النزولا
و الرابعة النفس الكلية الالهية هي الكتاب المبين و الكتاب الحفيظ و اللوح المحفوظ و النور الاخضر و الكون المائي و الباء من بسم الله الرحمن الرحيم و هي ( هو خل ) اسم الرحمن و هو شريك الفرقان و هي نفس الله التي لايعلم ما فيها عيسي بن مريم في قوله تعالي تعلم ما في نفسي و لااعلم ما في نفسك و يأتي بعض اوصافها في حديث الاعرابي و لها قوي خمس بقاء بالله في الفناء في سبحات وجهه و سقم ( و نعيم خل ) من خشيته في شفاء ( شقاء خل ) نعمته و رحمته و عز بخدمته و عبادة ( و عبادته خل ) و تفويض الامور اليه في ذل عبوديتها لعز ربوبيته و فقر مغن اليه في غني التوكل عليه و صبر علي المكروه في بلائه و لها خاصيتان الرضا بما يفعله و هو العبودية الخالصة و التسليم له في كل ما يجريه و هذه النفس التي مبدؤها من الله اي من فعله و محبته لا من ذاته لانه لايخرج منه شئ و لايعود اليه شئ و لكن كل شئ مبدؤه من الله اي من اصله الصادر عن فعل الله تعالي فانه يقال له من الله و اليه تعود اي الي مبدئها من اثر فعله تعود كما قال الي الله ترجع الامور اي الي حكمه و تقديره و قال الله تعالي و نفخت فيه من روحي و هي روح خلقها و كرمها و شرفها بالانتساب اليه و الاختصاص به كما قال بيتي و عبدي كما شرفها بانتساب مبدئها منه و عودها اليه و قال تعالي يا ايتها النفس المطمئنة ارجعي الي ربك راضية مرضية اي ارجعي راضية بمأواك ( بما اراك خل ) من فضله و رحمته و
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 593 *»
رضوانه مرضية اي راضيا لك و عنك شاكرا لاعمالك و العقل وسط الكل ه ، اي باطن هذه النفوس الاربع لانها تنزلاته في ادباره حين قال تعالي له ادبر فادبر او في اقباله اليها عنه حين قال تعالي اقبل فاقبل ففي النزول نزل بها و في الصعود صعد بها و روي ان اعرابيا سئل اميرالمؤمنين عليه السلام عن النفس فقال (ع) عن اي الانفس ( النفس خل ) تسئل فقال يا مولاي هل النفس عديدة فقال عليه السلام نعم نفس نامية نباتية و نفس حسية حيوانية و نفس ناطقة قدسية و نفس الهية ملكوتية فقال يا مولاي ما النباتية قال قوة اصلها الطبايع الاربع بدؤ ايجادها عند مسقط النطفة مقرها الكبد مادتها من لطائف الاغذية فعلها النمو و الزيادة و سبب فراقها اختلاف المتولدات ( المولدات خل ) فاذا فارقت عادت الي ما منه بدئت عود ممازجة لا عود مجاورة فقال يا مولاي و ما النفس الحيوانية قال قوة فلكية و حرارة غريزية اصلها الافلاك بدؤ ايجادها عند الولادة الجسمانية فعلها الحيوة و الحركة و الظلم و الغشم و الغلبة و اكتساب الاموال و الشهوات الدنيوية مقرها القلب سبب فراقها اختلاف المتولدات فاذا فارقت عادت الي ما منه بدئت عود ممازجة لا عود مجاورة فتنعدم صورتها و يبطل فعلها و وجودها و يضمحل تركيبها فقال يا مولاي و ما النفس الناطقة القدسية قال قوة لاهوتية بدؤ ايجادها عند الولادة الدنيوية مقرها العلوم الحقيقة الدينية موادها التأييدات العقلية فعلها المعارف الربانية فراقها عند تحلل الآلات الجسمانية فاذا فارقت عادت الي ما منه بدئت عود مجاورة لا عود ممازجة فقال يا مولاي و ما النفس اللاهوتية الملكوتية فقال قوة لاهوتية و جوهرة بسيطة حية بالذات اصلها العقل منه بدئت و عنه وعت و اليه دلت و اشارت و عودتها اليه اذا كملت و شابهته و منها بدئت الموجودات و اليها تعود بالكمال فهي ذات الله العليا و شجرة طوبي و سدرة المنتهي و جنة المأوي من عرفها لميشق و من جهلها ضل سعيه و غوي فقال السائل يا مولاي و ما العقل قال العقل جوهر دراك محيط بالاشياء من جميع جهاتها عارف بالشئ قبل كونه فهو علة الموجودات و نهاية المطالب انتهي ،
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 594 *»
اقول قوله (ع) بدؤها عند مسقط النطفة يعني في الرحم اذ قبل سقوطها هي من المعادن فلما سقطت في الرحم و كانت نطفة الرجل حارة يابسة التقت بنطفة المرأة و هي باردة رطبة حصلت النفرة بين ما هو كالنار و بين ما هو كالماء فصرف الله تعالي بحكمته دم الحيض اليهما فتوسط بينهما و فيه مزاج بارد يابس و هو التراب الذي اخذ مادته الملك من الارض من الموضع الذي اذا مات لايدفن الا فيه فماثه و مزجه باذن الله عز و جل في النطفتين فببرودته يكسر حرارة نطفة الرجل لئلاتحرق نطفة المرأة و بيبوسته يكسر رطوبة نطفة المرأة لئلاتطفي نطفة الرجل و تكون نطفة الرجل بقدر نصف نطفة المرأة ليعتدلا في الطبايع و التراب قد يكون بقدر نطفة الرجل او نصفها او ربعها او سدسها او اقل و كل هذه يكفي في مطلق التوفيق بينهما الا انه اذا كان بقدر نطفة الرجل او اكثر ربما فسد المزاج فغلبت السوداء فربما تكون محترقة و اذا قل كثيرا ربما فسد المزاج فتغلب الصفراء او البلغم و اذا كان بقدر النصف الي ما يقرب من مساواة نطفة الرجل صلح المزاج و كانت السوداء معتدلة في رجحانها فيعتدل المزاج فيكون عاقلا عالما حافظا زكيا فان خلص التراب من الشوائب كانت صافية فيكون حينئذ نبيا او وصي نبي قال الرضا عليه السلام مابعث الله نبيا الا صاحب مرة سوداء صافية ه ، فاذا اجتمعت الاسباب تألفت القوة اي النفس النامية النباتية التي بها يحصل العقد و النمو و حينئذ بتقدير الله تعالي تحصل للمرأة حمي ضعيفة لتعين بحرارتها حرارة الرحم ليحصل التعفين الذي هو علة الانحلال ليحصل الغذاء الذي به النمو و ليحصل العقد الذي هو علة الامتزاج و لذلك قال عليه السلام بدؤها عند مسقط النطفة قال عليه السلام و سبب فراقها اختلاف المتولدات اي ( و خل ) المتولدات من الغذاء الطعام و الشراب بزيادة احد الطبايع الاربع بعضها علي بعض حتي تبطل الطاغية الزائدة الاخري الناقصة فيبطل تركيب القوة المتألفة من الكل بالاعتدال فتفارق الاخلاط فاذا فارقت عادت الي ما منه بدئت عود ممازجة لا عود مجاورة فتلحق حرارتها بالنار فتمتزج بها و تلحق رطوبتها بالهواء فتمتزج
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 595 *»
به و تلحق برودتها بالماء فتمتزج به و تلحق يبوستها بالتراب فتمتزج به في ( و خل ) كل ذلك امتزاج استهلاك للتميز ( للتمييز خل ) لا استهلاك فناء و قوله عليه السلام في النفس الحيوانية قوة فلكية و حرارة غريزية اصلها الافلاك يريد ان النفس الحيوانية من نفوس الافلاك علي نحو ما اشرنا اليه قبل و هي حرارة لانها من علة الكون و ركن الحيوة و غريزية اي طبيعية اصلها الافلاك كما مر سابقا و هي في غيب النامية النباتية لان متعلقها الذي هو الابخرة المعتدلة وزنا و نضجا كامنة في النطفة الامشاج و في غذائهما اي النطفتين و في التراب الذي يقال انه ليس منهما و لا من غيرهما و هذه كلها مختلطة بالغرائب و الاعراض الفاسدة فهي حينئذ متعلقة في غيبها فاذا تخلصت من الاعراض الغريبة و اتحدت بالتعديل و النضج ظهر المتعلق المتخلص المعتدل بالنضج و ظهرت النفس الكامنة فيه عند تمام الاربعة الاشهر التي هي الولادة الجسمانية لان الجسم “٢” ولد النفس “٦” و هو “٢” اول ايجادها “٦-” اي ظهورها “٦-” في متعلقها “٦-” و الولادة الثانية التي هي الولادة الدنياوية ( الدنيوية خل ) و هي خروج الجنين من بطن امه صورة الاولي فقوله عليه السلام ايجادها ان اريد به ظهورها من الغيب الي الشهادة فهي الاولي و الثانية صورة لها و ان اريد به ظهورها الي فضاء الدنيا فهو علي الظاهر ظاهر و لايصح ان يراد بايجادها من الغيب عند الولادة الظاهرة كيف و هو الحاكم بوجودها و تحققها عند تمام الاربعة الاشهر و قوله و فعلها الخ ، اي فعلها الطبيعي الحيوة اي التحرك بالارادة و الحركة اي الكون الاول في المكان الثاني و الظلم اي وضع الاشياء في غير مواضعها و الغشم اي الاخذ بعنف و الغلبة اي الاستيلاء و اكتساب الاموال و الشهوات الدنيوية لشدة الحرص مقرها القلب لانها متعلقة بالابخرة الصافية المعتدلة الناضجة المتعلقة بالدم الاصفر المتعلق بالعلق الدم الكائنة في تجاويف القلب سبب فراقها اختلاف المتولدات لانها اذا اختلفت الطبايع و ما تولد منها افسد القوي منها ضده فلميبق لها قرار لفساد مكانها و خرابه فاذا فارقت عادت الي ما منه بدئت اي الي نفوس الافلاك عود ممازجة لانها من قوي متعددة من الافلاك المتعددة فاذا تفكك
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 596 *»
تركيبها بطلت فامتزج كل جزء منها باصله كقطر ( كقطرة خل ) الماء في البحر فيبطل فعلها و وجودها و يبطل تركيبها و قال عليه السلام النفس الناطقة القدسية قوة لاهوتية اي روحانية بدؤ ايجادها عند الولادة الدنيوية معناه كما تقدم في الحيوانية الحسية بل سابقة علي النطفة لانها كانت في غيب النطفة المعنوية ففي الكافي بسنده الي ابياسمعيل الصيقلي الرازي عن ابيعبدالله عليه السلام قال ان في الجنة لشجرة تسمي المزن فاذا اراد الله ان يخلق مؤمنا اقطر منها قطرة فلاتصيب بقلة و لا ثمرة اكل منها مؤمن او كافر الا اخرج الله تعالي من صلبه مؤمنا ه ، فهي كامنة في النطفة القاطرة من شجرة المزن علي البقلة و الثمرة ( التمرة خل ) فاذا اكلها انتقلت الي الكيلوس ثم اذا صفي انتقلت الي الكيموس ثم الي النطفة التي في الصلب ثم الي الرحم في النطفة و منها الي العلقة ثم الي المضغة ثم الي العظام ثم اذا تمت الخلقة ظهرت ثم اذا ولد طلعت كما مر مقرها العلوم الحقيقية الدينية اي العلوم المقرونة بالاعمال الصالحة فانها مسكن طمأنينتها موادها التأييدات العقلية اي استمدادها من الانوار العقلية المشرقة علي كنهها فعلها المعارف الربانية اي انها تنزع الي معرفة خالقها فراقها عند تحلل الآلات الجسمانية التي هي محل اشراقها و تعلقها فاذا تحللت و تفككت بسبب اختلاف الاخلاط فارقت صاعدة الي ربها راضية بما قضي عليها فتعود الي ما منه بدئت عود مجاورة لا عود ممازجة لان بدأها دائما يتجدد في اوليته فاذا عادت اليه لمتمتزج به لانه كان تحت بدئها حال رجوعها فاذا صعدت الي مبدئها المتجدد الاعلي لمتصل اليه الا و قد تجدد لها بدؤ قبله و فوقه و هكذا من فضل رفيع الدرجات الذي لاتفني خزائنه فلاتزال مجاورة لبدئها غير ممازجة له لتجددها لتجدد بدئها ففي كل آن لها بدء جديد و قال (ع) النفس اللاهوتية الملكوتية قوة لاهوتية اي روحانية قدسية و جوهرة بسيطة انما قال جوهرة بسيطة مع ان الناطقة القدسية كذلك لان تلك و ان كانت في نفسها جوهرة بسيطة لكنها بالنسبة الي هذه عرض
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 597 *»
مركب من شعاع هذه و ظل هيئتها فكانت هذه احق بالجوهرة البسيطة حية بالذات اي لاتموت بل باقية بابقاء الله لانها وجهه الذي لايهلك ( لاتهلك خل ) الي سائر خلقه و بالذات لا ان حياتها من فاضل نفس فوقها كالنفوس الثلاث المتقدمة اذ ليس فوق هذه الا العقل و هي مركبه و مأويه اصلها العقل لانه لها كالنطفة للجنين لانها تطوره الثاني و الروح تطوره الاول فبه علمت و به نطقت و اليه دلت و اشارت بانه نورها و حياتها و به عملت و اطاعت كما قال تعالي تعلمونهن مما علمكم الله فعلمه الله تحقق العبودية بحق الربوبية فلما علمها تابت عن انيتها و اقامت الصلوة التي امرها بها و اتت الزكوة فكانت اخته بعد ان كانت بنته كما قال تعالي فان تابوا و اقاموا الصلوة و اتوا الزكوة فاخوانكم ، قال عليه السلام و عودتها اليه اذا كملت و شابهته اي كانت اخته في الدين و منها بدئت الموجودات كالناطقة القدسية فانها اول من بدء منها و اليها تعود قال صلي الله عليه و آله ظهرت الموجودات من باء بسم الله الرحمن الرحيم رواه ابن ابيجمهور في المجلي و اليها تعود اي الموجودات بالكمال فهي ذات الله العليا قال عليه السلام يا من دل علي ذاته بذاته اي بذاته التي خلقها و كرمها و شرفها بنسبتها اليه فقال ذاتي كما قال بيتي و عبدي و شجرة طوبي و سدرة المنتهي طوبي اسم الجنة و قيل بلغة اهل الهند و في الحديث شجرة طوبي هي شجرة في الجنة اصلها في دار النبي صلي الله عليه و آله و ليس مؤمن الا و في داره غصن منها لاتخطر علي قلبه شهوة الا اتاه بها ذلك الغصن و لو ان راكبا مجدا سار في ظلها مأة عام ماخرج و لو طار من اسفلها غراب مابلغ اعلاها حتي يسقط هرما و عن النبي صلي الله عليه و آله طوبي شجرة في الجنة اصلها في داري و فرعها في دار علي فقيل له في ذلك فقال داري و دار علي في الجنة بمكان واحد ه ، اقول و ظاهر الحديث الثاني ان شجرة طوبي من باب اضافة الموصوف الي صفته لان طوبي من الطيب و ابدلت الياء واوا لمناسبة الضمة او ان الاضافة بيانية و المراد في ( من خل ) تسمية هذه النفس القدسية بهذا الاسم اما علي نحو من المجاز او لانها اي الشجرة المذكورة صفتها و ( او خل ) مثلها او خلقت منها علي هيئتها و سدرة المنتهي
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 598 *»
في النهاية شجرة في اقصي الجنة اليها ينتهي علم الاولين و الآخرين و لايتعداها ه ، و علي ما ذكره في النهاية هي هذه النفس الكلية لانها هي اللوح المحفوظ و ليس ورائه للعلم ذكر و انما ذلك للعقل و الروح و مداركه هي المعاني المجردة عن المادة العنصرية و المدة الزمانية و الصورة ( الصور خل ) الجوهرية و المثالية و العلم حقيقته الصور الجوهرية المجردة عن المادة العنصرية و المدة الزمانية و الموجود منه في اذهان البشر غير ذهن علة الوجود و هو اظلة تلك الجواهر و اشباحها فالعلم هو الصور سواء كانت جوهرية ام شبحية فيكون كل علم للخلق منتهيا اليها اذ ليس ورائها شئ من الصور نعم ورائها معان في العقل و رقائق في الروح و جنة المأوي عن ابنعباس هي جنة تأوي اليها ارواح الشهداء و قيل هي عن يمين العرش اقول ان اريد انها تأوي اليها الارواح فهي عن يمين العرش لانها هي الركن الايمن الاسفل منه و ان اريد به انها تأوي اليها النفوس فهي عن يسار العرش لانها هي الركن الايسر الاعلي منه و النفس الكلية علي فرض انها مغايرة للروح الكلية كما هو اكثر الاستعمالات و الاطلاقات هي الركن الايسر الاعلي منه لان الركن الايمن الاسفل هو الروح الكلية محل الرقائق و مبدؤها و العقل الكلي ركنه الايمن الاعلي و الطبيعة الكلية ركنه الايسر الاسفل منه و هذه النفس هي الشجرة الطيبة و روي ابوحمزة الثمالي انه سئل الباقر عليه السلام عن قوله تعالي كشجرة طيبة اصلها ثابت و فرعها في السماء فقال عليه السلام قال رسول الله صلي الله عليه و آله انا اصلها و علي فرعها و الائمة اغصانها و علمنا ثمرها و شيعتنا ورقها يا اباحمزة ان الولد ليولد من شيعتنا فتورق ورقة فيها و يموت فتسقط منها ورقة و قال رجل ( الرجل خل ) جعلت فداك تؤتي اكلها كل حين باذن ربها قال ما يفتي الائمة شيعتهم من الحلال و الحرام ه ، و بالجملة فالمراد بها نفسهم الطيبة عليهم السلام التي هي اللوح المحفوظ و باطن اللوح المحفوظ و علته فهي نفس الكرسي و الباب الظاهر عن ( من خل ) العلم و قال عليه السلام و العقل جوهر دراك محيط بالاشياء من جميع جهاتها يعني ان العقل جوهر مركب من نور الانوار اعني الحقيقة المحمدية لان مادته
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 599 *»
منها و صورته من هيئتها فهو وجهها الي الاشياء فهو علة الاشياء كما ان الشعلة المرئية من السراج هي علة جميع الاشعة كذلك العقل فانه من نور الانوار كالشعلة من السراج فهو جوهر للاشياء دراك محيط بالاشياء لكونها متقومة به تقوم تحقق لانه من امر الله الذي به قام كل شئ لا لانه بسيط كما اشار اليه المصنف بل هو مركب من مادة و صورة و انما احاط بها لانها انما قامت به و صدرت من النفس الكلية عنه و معني قيام الاشياء به ان جميع موادها في الغيب و الشهادة من اشعته و صورها من هيئات افعاله صاغها في النفس الكلية و بثها منها فهو علة الاشياء و النفس محلها و منها ظهرت الموجودات .
قال المشعر الثالث في حدوث العالم العالم بجميع ما فيه حادث زماني اذ كل ما فيه مسبوق الوجود بعدم زماني بمعني الا هوية من الهويات الشخصية الا و قد سبق عدمها وجودها سبقا زمانيا و بالجملة لا شئ من الاجسام و الجسمانيات المادية فلكيا كان او عنصريا نفسا كان او بدنا الا و هو متجدد الهوية غير ثابت الوجود و الشخصية مع برهان لاح لنا من عند الله لاجل التدبر في آيات الله و كتابه العزيز مثل قوله تعالي بل هم في لبس من خلق جديد و قوله تعالي علي ان نبدل امثالكم و ننشئكم فيما لاتعلمون و قوله و تري الجبال تحسبها جامدة و هي تمر مر السحاب و قوله و ان يشأ يذهبكم و يأت بخلق جديد و قوله و السموات مطويات بيمينه و قوله انا نحن نرث الارض و من عليها و الينا يرجعون و قوله كل من عليها فان و يبقي وجه ربك ذو الجلال و الاكرام و قوله تعالي ان كل من في السموات و الارض الا اتي الرحمن عبدا و كلهم آتيه يوم القيمة فردا .
اقول العالم حادث بمعني انه لميكن فكونه سبحانه يعني انه تعالي كان و لميكن معه غيره كائنا و لا مذكورا اصلا ثم جعله بعد ان كونه مذكورا بما هو هو و مراد المصنف بالحادث من العالم هو ما وقع في الزمان لا ما سوي الله فان مما سوي الله الروح و هو ليس خارجا من كن و ما ليس خارجا من كن لميكن حادثا و عنده هي باقية ببقاء الله دون ابقائه و عندنا المراد بالعالم الحادث هو
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 600 *»
كل ما سوي الله و كل ما سوي الله فهو خارج من كن يعني مخلوقا بها حتي كن نفسها فانها مخلوقة بنفسها و لا دور لان الدور انما منع منه لاستلزامه المحال و هو ان الشئ يكون سابقا علي نفسه بمرتبتين او اكثر و لا تسلسل لعدم ترامي الحوادث و ان العقل و الروح و غيرهما باقية بابقاء الله تعالي لها بما يمدها به كلما فني شئ جدد شيئا و هو علي كل شئ قدير و قوله العالم بجميع ما فيه حادث زماني غلط لان العقول و النفوس من العالم و ليست حادثة في الزمان بل هي حادثة مخلوقة مركبة من المواد ( مواد خل ) النورانية و الصور النورانية قبل الزمان و ايضا الزمان هل هو شئ ام لا فان كان شيئا فهل هو مخلوق ام قديم فان كان شيئا مخلوقا ففي اي ظرف خلق فيه و ان كان كما توهمه بعضهم من انه خلق في زمان موهوم فننقل هذا الكلام الي الموهوم لينطبق علي المعلوم و ان كانوا كارهين و ان كان قديما فمع لزوم تعدد القدماء لايكون القديم ظرفا للحوادث و ان لميكن شيئا فالعالم لميخلق في شئ و قوله ان كل ما فيه مسبوق بعدم زماني صحيح علي الظاهر و علي الحقيقة ليس بصحيح اما صحته علي الظاهر فظاهرة لانا نقول بحدوث العقول و النفوس و لميكن في الزمان و احاديث ائمتنا صلوات الله عليهم كثيرة جدا في ان الله خلقهم عليهم السلام انوارا او ( و خل ) اشباحا قبل ان يخلق عز و جل ارضا و لا سماء و لا ليلا و لا نهارا و لا فلكا و لا شمسا و لا قمرا و لاسيما علي قول من يقول لان ( ان خل ) الزمان عبارة عن حركة الفلك بل قال تعالي لولاك لما ( ما خل ) خلقت الافلاك فدل هذا و نظائره مما هو اصرح في الدعوي بان نور محمد و اهل بيته صلي الله عليه و آله ( و اهل بيته الطاهرين خل ) خلقه الله قبل خلق كل شئ و لميخلق قبله او معه شئ و حينئذ اين كان الزمان و تقسيم الحادث الي ذاتي و زماني و ان كان لا مشاحة في الاصطلاح و ان الامر قد كان بان الله سبحانه خلق خلقا قبل الزمان و خلقا مع الزمان و خلقا بعد الزمان الا انه ليس بشئ لاثارته شبهة القدم عند من ليس ثابت القدم لان العبارة الحق ان كلما سوي الله سبحانه مخلوق فقولهم ذاتي و زماني لاصلاح ( لا اصطلاح خل ) فيه الا كما قال علي عليه السلام العلم نقطة كثرها
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 601 *»
الجاهلون او الجهال و اما انه علي الحقيقة ليس بصحيح فلانه اراد حصر الحوادث في الكائنات في الزمان و ليس بصحيح و لانه قال كلما فيه فجعل جميع الافلاك فيه و هو سابق لها و ليس بصحيح لانه الآن هو ظرف للاجسام ام خاصة و لايكون ظرفا لغيرها و لا غير ظرف فاذا كان قبلها فقد وجد فارغا من الحال فيه او ظرفا للمجردات و كل هذا لايجوز حتي عند المصنف و من قال بان الزمان عبارة عن حركة الفلك فقوله ليس بصحيح ايضا اذ يلزم منه وقوع الافلاك و هي اجسام خارجة عن ( من خل ) الزمان فلايكون الزمان غير ظرف و لا ظرفا للمجردات و لا ظرفا فارغا في حال و لا الاجسام قبل الزمان لئلاتقع في ظرف المجردات اعني الدهر و لاتقع بغير وقت و كذلك حكم المكان فكان الجسم وجد في الزمان و المكان و الزمان وجد في الجسم و للجسم و في المكان و المكان وجد فيهما و لهما فوجود الثلثة دفعة في الظهور بمعني انها متساوقة الوجود و اما في الذات فالجسم سابق كسبق الكسر علي الانكسار لانه هو المادة و هما من حدود الصورة فافهم و قوله بمعني الا هوية من الهويات الشخصية الا و قد سبق عدمها وجودها سبقا زمانيا غلط فان العقل الكلي هوية شخصية و لميسبق عدمه وجوده في الزمان بل و لا في الدهر الا بمعني انه لميكن موجودا في رتبة ما فوقه و اما انه يقال عليه انه كلي فليس المراد انه كلي طبيعي لايوجد في الخارج الا في افراده و لا منطقي لايوجد في الخارج و انما يوجد في الذهن و لا كلي عقلي لانه لايوجد حينئذ في الخارج و لا الكلي العقلي كذلك بل المراد يكون العقل كليا لكونه محيطا بما تحته من العقول بمعني قيوميته لها لا بمعني انها افراد له كالانسان الطبيعي الكلي فان زيدا و عمرا و بكرا افراده لانه في الحقيقة انتزعه الذهن من شئ يتحقق في كل واحد منهم فهو ظلهم و شبحهم في الذهن و لذا قيل يوجد في الخارج في افراده و ليس المراد من العقل الكلي هذا المعني بل مرادنا ان العقل ذات شخصية متميزة بحدودها و مميزاتها الشخصية فانه ملك يؤدي الي اللوح و هو ملك يؤدي الي اسرافيل
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 602 *»
كما مر الا انه نور خلقه الله و كمله بحسن قابليته عن ربه فخلق الله من فاضل كماله اشعة هي حقايق جميع العقول و هي قائمة بفاضل وجوده و متذوتة بفاضل تذوته كقيام شعاع الشمس بفاضل وجود الشمس و تذوته بفاضل تذوت الشمس فكون العقل كليا انما هو بهذا المعني لا بمعني الكلي الطبيعي او المنطقي او العقلي ليخرج بقوله الهويات الشخصية بل هو هوية شخصية متعينة بذاتها في الخارج و لميسبق عدمه وجوده في الزمان و قوله و بالجملة لا شئ من الاجسام و الجسمانيات المادية الخ ، لا يقال عليه انه مااراد بالهويات الشخصية الا الاجسام بقرينة قوله هذا فلا اعتراض عليه لانا نقول ليس اعتراضنا عليه من هذه الحيثية بل من حيث ان قوله بمعني الا هوية من الهويات الشخصية يريد منه ان العقل و سائر المجردات انما خرج لعدم كونه متشخصا لانها كليات فلاتدخل في الزمان فلاتكون من العالم الحادث كما اشار سابقا الي هذا المعني في عدة مواضع من كتابه ثم ان قوله فلكيا كان او عنصريا نفسا كان او بدنا الا و هو متجدد الهوية غير ثابت الوجود و الشخصية هذا في الظاهر حق و يأتي الكلام في الباطن فان قلت قوله نفسا كان او بدنا يدل علي انه اراد بان النفوس من الاجسام و انت تقول به فلم انكرت ان يكون الاجسام في ظرف المجردات و انت لاتنكر كون النفوس مجردة قلت اما كون النفوس اجساما فهو حق و هي آخر مراتب ما يصدق عليه اسم الاجسام من جهة العلو و لكن اذا كانت اجساما فهي هويات متشخصة فيجب ان تكون في الزمان كما يقوله المصنف فهي حادث زماني مع انه لايقول به اما نحن فنريد بالنفوس الجسمية و الجسمانية لان النفوس الحيوانية الحسية من الافلاك و هي اجسام فتكون الحسية جسمية و هي في الزمان و لهذا قلنا فيما تقدم تبعا لقول اميرالمؤمنين عليه السلام انها اذا فارقت عادت الي ما منه بدئت عود ممازجة لا عود مجاورة و اما النفوس العلوية فنسميها اجساما باعتبار كونها مركبة من مادة هي نور و من صورة شخصية شبحية مقدارية هندسية و باعتبار ان فعلها منوط بالاجسام و الزمان و لهذا
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 603 *»
تسمعهم يقولون ان النفوس مفارقة في ذاتها للماديات مقارنة لها بافعالها و من هنا عبرنا عنها بالجسمانية لا الجسمية لانتسابها الي الاجسام بافعالها لا بذاتها الاتري انك تدرك صور ما مضي و ما لميأت و امثاله و ليست مدركاتك في الزمان لان النفس بذاتها ادركتها و لو اردت ان تفعل شيئا لميكن فعلك الا في زماني فلايكون الزمان ظرفا لشئ من المجردات و ان تعلقت افعالها به و قولي علي قول المصنف متجدد الهوية انه حق في الظاهر اريد انه انما قال ذلك علي جهة الحصر بان غير الاجسام غير متجدد الهوية و هذا المعني باطل و قولي و يأتي الكلام في الباطن اشارة الي عدم صحة كلامه في نفس الامر علي ارادة الحصر لان العقول و النفوس و كلما سوي الله سبحانه مشترك في التجدد اذ الحادث لايستغني عن المدد لا فرق بين العقول و غيرها و لايمد الا بما لميصل اليه قبل ذلك و اذا وصل المدد اليه فلا بد من كسره و صوغه بالمدد صوغا جديدا فهو ابدا يصاغ و يكسر و يصاغ و هذا حكم كل ما سوي الله و آية هذا ما برهن عليه في العلم الطبيعي المكتوم و هذا لا شبهة فيه الا في جهة واحدة عظمت فيها الشبهة علي الاكثر حتي عثر فيها المحققون في طرفها الاعلي و الاسفل اما الاعلي فقال من اشرف علي هذه الدقيقة ان الاشياء لاتبقي في آنين بل هي دائما متجددة متبدلة فهي في كل آن غيرها في الآن الآخر و ذلك كالنهر فانه و ان كان في الظاهر ان ماءه اليوم هو مائه امس حتي صح ان يقال شربنا من هذا الماء بالامس مع انه في كل آن غيره في الآن الذي بعده فزيد غيره في الآن الآخر و في هذا فساد الثواب و العقاب فلاتجد محسنا و لا مسيئا لانه اذا احسن ذهب مع احسانه فالموجود في كل آن ليس بمحسن و لا مسيء و اما الاسفل فقد انكر آخرون التعبير ( التغيير خل ) و التبديل و في هذا استغنائه عن المدد فيكون قائما بنفسه باقيا بذاته و كلا القولين باطل و الحق انه غير مستغن عن المدد و انه يكسر و يصاغ في كل آن فهو هو و هو غيره كما قال الصادق عليه السلام في قوله تعالي كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها ليذوقوا العذاب حين اعترض عبدالكريم بن ابيالعوجاء لعنه الله فقال ما ذنب هذا الغير قال (ع)
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 604 *»
هي هي و هي غيرها ثم مثل له باللبنة تكسرها و تصوغها فهي هي و هي غيرها و اما ما نحن فيه فما يذهب منه يخرج عن كونه او عن مكانه و يمد به فهو باعتبار هو هو لايتبدل و هو غيره لانه كل آن في لبس من خلق جديد لانه ابدا لايمد الا بما له و بما منه فما له هو مما يترقي اليه و يصاغ فيه به و ما منه فهو ما ذهب منه بالذبول الظاهري و المعنوي يذهب عنه من كونه الي امكانه ثم يكون له و هو مما له و قد يذهب عن مكانه الي مكان آخر من الغيب الكوني و يعود اليه و هو ما منه فهو كالنهر المستدير الذي يمد اوله بآخره و آخره باوله و ظاهره بباطنه و باطنه بظاهره و هو تأويل قوله تعالي افعيينا بالخلق الاول بل هم في لبس من خلق جديد فكل مخلوق متجدد الوجود متبدل الكون و الشخصية و قوله ببرهان لاح من عند الله لاجل التدبر في آيات الله و كتابه العزيز يريد به ان دليلنا من ذلك و اقول اعلم ان الله سبحانه يقول سنريهم آياتنا في الآفاق و في انفسهم حتي يتبين لهم انه الحق و قال تعالي و كأين من آية في السموات و الارض يمرون عليها و هم عنها معرضون و قال و تلك الامثال نضربها للناس و مايعقلها الا العالمون و امثال ذلك و ذلك لانه تعرف لكل شئ في كل شئ و عرف من شاء بما شاء فجعل كل شئ خلقه دليلا و مدلولا عليه و علة و معلولا و شاهدا و مشهودا و كتابا و مكتوبا و حافظا و محفوظا و الحاصل ما من شئ الا و هو آية لشئ و دليل عليه و مبين لما خفي قال الصادق عليه السلام العبودية جوهرة كنهها الربوبية فما فقد في العبودية وجد في الربوبية و ما خفي في الربوبية اصيب في العبودية الحديث ، و قال الرضا عليه السلام قد علم اولوا الالباب ان الاستدلال علي ان ما هنالك ( هناك خل ) لايعلم الا بما هيهنا ه ، و هذا مما لا شك فيه و لا اشكال يعتريه و انما الاشكال في تحصيل الحق من تلك الامثال لانه لما كان الباطل يشابه الحق كما قال تعالي و مثل كلمة طيبة كشجرة طيبة و قال و مثل كلمة خبيثة كشجرة خبيثة فشبه الحق بالشجرة و الباطل بالشجرة و قال انزل من السماء ماء فسالت اودية بقدرها فاحتمل السيل زبدا رابيا و مما توقدون عليه في النار ابتغاء حلية او متاع زبد مثله كذلك يضرب الله الحق و الباطل فشبه
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 605 *»
الحق بالزبد و الباطل بالزبد و كان الناظر انما ينكشف له من الشئ المتشابه ما هو بصدده خفي الامر علي الناظرين اذ كل ينظر ليستدل علي مذهبه و رأيه فيؤتي من حيث طلب و لو ان الناظر لميلتفت الي مذهبه و لا الي ما اعتادته نفسه و انست به و لا الي قواعد عنده بان يطلب ما يطابق قواعده بل نظر الي نفس الآية و المثل مع قطع النظر عن كل ما ذكرنا لاصحاب المطالب و استهدي الله سبحانه و جعل نفسه مسترشدا بالله عز و جل و بكتابه التدويني و بكتابيه الاكبر اعني ( يعني خل ) الآفاق و الاصغر اعني الانفس لوقع علي الحق و اصاب الصواب فما اشار اليه المصنف هو ما اراد الله سبحانه و لكن بما ذكرنا من الشرائط الاتري ما اكثر الناظرين و اقل المصيبين و قوله مثل قوله بل هم في لبس من خلق جديد يريد به ما في الزمان من الاجسام و صفاتها و فيه انه ان كانت العلة واحدة في الجميع و هي الافتقار الي الصانع جل و عز ( عز و جل خل ) و الي صنعه و الي التقوم بامره فلا فرق بين المجردات و الماديات و ان فرض ان الامر مختلف فالله يحكم بين عباده فيما كانوا فيه يختلفون و تأويل الآية انهم انما وجدوا بفعله و انما قاموا بامره و ما قاموا به ( بامره خل ) في قبضته لايخرج عن سلطانه فبه قوامهم كما ان منه بدءهم فهو في كل آن يلبسهم خلقه من الوجود كالاولي ان شاء و الا كغيرها علي ما يشاء و كذا قوله علي ان نبدل امثالكم اي بمثلها ان شئنا او بما شاء ( نشاء خل ) من الهيئات و ننشئكم بما نبدل فيما لاتعلمون من الهيئات في اي صورة ما شاء ركبك و كذا قوله و تري الجبال تحسبها جامدة لعدم نموها في الظاهر و هي تمر مر السحاب في سرعة سيره و خفاء ذلك لكبره فانها دائما في التحلل و التبدل شديدة السير الي امر الله و حكمه في السلسلة العرضية حتي لايكاد الجاهل يشعر بذلك السير و كذلك قوله ان نشأ نذهبكم و قد شاء ذلك من المخاطبين بذلك الخطاب و نأت لكم بخلق جديد فالاذهاب هو كسر البنية الاولي و الخلق الجديد هو الصوغ الثاني و بالكسر تتبدل الامثال و بالصوغ الانشاء فيما لايعلمون ان كانوا لايعلمون و ان كانوا يعلمون اشهدهم خلق انفسهم و كذا قوله و السموات
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 606 *»
مطويات بيمينه و هو كشطها و كسرها و كذا قوله انا نحن نرث الارض و من عليها بارجاع ما تحلل منهم او ما نحلله منهم و الينا ترجعون اي الي ما حكمنا عليهم به يرجعون و هذا حكم الآن بعد الآن اذ كل ذرة من الارض و ممن ( من خل ) عليها من امرنا بدأت و اليه تعود فالطريق بين الفيض و المفاض عليه مملو من النازلات و الصاعدات كل في فلك يسبحون و كذا قوله كل من عليها فان اي في بقائه لدوام المدد و الكسر و الصوغ و يبقي وجه ربك ذو الجلال و الاكرام اي وجه الشئ الفاني من ربه فانه كل ما فني من الشئ شئ ابدله ربه من وجه ذلك الشئ من ربه بدل ما فني اما باعادته عليه بعد احيائه او بتكوينه بعد انعدامه او يبقي وجهه تعالي اي بابه الي الشئ و هو محمد و آله صلي الله عليه و آله لان الشئ الفاني مادته من اشعة انوارهم فما فني منه شئ عوضوه بدله و في زيارة شهر رجب انا سائلكم و آملكم فيما اليكم التفويض و عليكم التعويض فبكم يجبر المهيض و يشفي المريض و عندكم ما تزداد الارحام و ما تغيض ه ، و علي هذا التأويل يكون الضمير في عليها في كل من عليها فان يعود الي الارض الجرز ارض الامكان او ارض الاكوان و كذا قوله ان كل من في السموات و الارض الا آتي الرحمن عبدا اي كل من هو محتاج الي فعله و امره في امكانه و كونه يحتاج الي فعله و امره في بقائه فمن فعله تكوينه في كسره و صوغه و من امره مدده في مادته من شعاع امره و في صورته من شعاع هيئته و كذا قوله و كلهم آتيه يوم القيمة فردا و يوم القيمة انهم يرونه بعيدا اي لميكن و نراه قريبا قد كان فيرجع الي امره الفعلي و امره المفعولي كل شئ بانفراده و كل ذرة بانفرادها و كما بدءكم تعودون و اعلم ان الكلام في شرح احوال التجدد و التبدل طويل الذيل و لايسع الا الاقتصار علي مثل ما اشرنا اليه فان في ذلك كفاية و تبصرة لاولي الابصار .
قال و مبدء هذا البرهان المشار اليه تارة من جهة تجدد الطبيعة و هي صورة جوهرية سارية في الجسم هي المبدء القريب لحركته الذاتية و سكونه و
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 607 *»
منشأ آثاره و ما من جسم الا و تتقوم ذاته من هذا الجوهر الصوري الساري في جميع اجزائه و هو ابدا في التحول و السيلان و التجدد و الانصرام و الزوال و الانهدام فلا بقاء لها و لا سبب لحدوثها و تجددها لان الذاتي غير معلل بعلة سوي علة الذات و الجاعل اذا جعلها جعل ذاتها المتجددة .
اقول يريد ان مأخذ البرهان علي حدوث الاجسام هو تجدد طبيعتها فان التجدد انما يكون للمتغير الفاني المتبدل و هذا دليل ظاهر لا اشكال فيه و انما الاشكال فيما يبنونه عليه و فيما يفرعون عليه كما ستسمع فقوله و هي اي الطبيعة صورة جوهرية اي منسوبة الي الجوهر لانها بنفسها جوهر لان ذلك انما يكون في الصورة المقومة للشئ التي هي جزء ماهيته و لو اراد العرضية لتوجه اليه المنع فاذا اراد بها الصورة التي هي جزء ماهية الشئ و كنهه من نفسه كانت عبارة عن الماهية التي هي الانفعال و القابلية و تجدد القابلية لتجدد المقبول اعني المدد الدائم فقوله سارية في الجسم ينافي في الظاهر كونها صورة جوهرية لان الجسم انما هو جسم بمادته و صورته فهذه السارية مغايرة لماهيته و المغاير للماهية مغاير لطبيعته فيمكن ان نقول لعله اراد بالجسم المادة ليتم له مراده و قوله هي المبدء القريب لحركته الذاتية التي بها يترقي و ينحط و سكونه اي الذاتي بقرينة ذكر الحركة الذاتية و هو ما اقامه تعالي و امسكه ( و اسكنه خل ) بظله الذي يعبرون عنه بالقيام بنفسه يعني ما به حصول جوهريته و معروضيته ( جوهرية و معروضية خل ) و هي ايضا منشأ آثاره ينبغي ان يقيد الآثار باضافة بعض آثاره لان من آثاره و اعظمها ما نشأ من جهة وجوده و مادته الذي هو نور الله اي اثر فعله فافهم و قوله و ما من جسم الا و تتقوم ذاته من هذا الجوهر الصوري الساري في جميع اجزائه لانه يريد به لازم الماهية كالحرارة للزنجبيل الظاهرة علي الملاقي لا ( الي خل ) الحرارة التي هي جزؤ الماهية فانه لايقال ان الصورة في السرير سارية في جميع اجزائه و ما السرير قبل الصورة و ان ما هو قبلها هو الخشب و ما الساري في السرير بعد كونه سريرا و ما الساري في المادة حتي كانت به سريرا
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 608 *»
و انما الماهية و الطبيعة اذا وجدت المادة انوجدت بوجودها المادة كالكسر و الانكسار و في الحقيقة اوجد الله المادة التي هي الاب ثم اوجد من المادة التي هي الاب الصورة التي هي الام و هي الماهية و الانفعال ( و الانفعالية خل ) و القابلية كما قال تعالي خلقكم من نفس واحدة و هي آدم و هي المادة و خلق منها زوجها و هي حواء و هي الصورة و هي الام كما قررنا سابقا فراجع لا كما ظنه الخراصون من ان الاب هو الصورة و الام هي المادة و لو كان كذلك لكان من قوله عليه السلام السعيد من سعد في بطن امه و الشقي من شقي في بطن امه ان يكون شقاوة الصنم من الخشب لا من صورته و الحق خلافه و اذا سامحنا قلنا ان المصنف تساهل في التعبير او غفل في التقدير و الحاصل ان الطبيعة هي هوية الشئ من نفسه و هي في الخلق الثاني ما لبسها من صورة اجابته حين ورد عليه الست بربكم و هو اي الجسم ابدا في القبول و السيلان بقابليته و طبيعته و التجدد عند كل مدد ورد عليه ليكسر به و يصاغ خلقا جديدا هو الاول في مادته و هو غيره في صورته و الانصرام للبنية الاولي لانتهاء اجلها الذي اجل لها و الزوال و الفناء للهيئة الاولي و الانهدام للبناء الاول لانقضاء اجله و تجديد ( يتجدد خل ) الاجل الثاني و هو الصوغ الثاني كما تكسر الخمسة اذا وضع عليها خمسة فيصاغ الجميع عشرة فهو بعد زيادة المدد عشرة لا انه خمسة و خمسة فيكون اثنين فلا بقاء لها اي للاجسام لتجدد المدد دائما لان بقائها انما هو به كما مر و لا سبب لحدوثها و تجددها قوله هذا مبني علي قواعدهم المنهدمة من ان الحدوث امر اعتباري ليس بشئ و ليس بموجود و هذا هو قوله المتناقض لان الذاتي غير معلل بعلة سوي علة الذات و هذا لا معني له فان الحدوث اذا لميكن شيئا لميكن المتصف به حادثا و اذا لميكن حادثا كان قديما اذ لا واسطة بين الحادث و القديم فاذا لميكن حادثا كان قديما و اذا لميكن قديما كان حادثا و ليس قديما الا باتصاف ذاته بالقدم الوجودي الذي هو عين ذاته و الحادث ليس حادثا الا باتصاف ذاته بالحدوث الذي هو ذاته فلو قلت في زيد الحادث هو قديم
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 609 *»
لميكن بقولك قديما ما لمتتصف ذاته بقدم وجودي هو ذاته لا بقولك و فرضك فاين تذهبون ما لكم كيف تحكمون افلاتذكرون ام لكم سلطان مبين فاتوا بكتابكم ان كنتم صادقين و قوله و لا سبب لحدوثها جوابه ان سبب حدوثها جعل جاعلها ممكنة و جعله لها مكونة بجعل غير جعل الذات التي هي المادة و ان كان مترتبا علي جعلها لانا قد قررنا انها هي صورة الاجابة اعني القابلية التي تسمي بالماهية و هي من المادة كالانكسار من الكسر فان الكسر مجعول بجعل فاعله و الانكسار مجعول بجعل من ذلك الجعل مترتب عليه مغاير له فان ما به يصدر النور علي هيئته غير ما تصدر عنه الظلمة علي هيئته و ان كان مترتبا عليه كما ترتب الانكسار علي الكسر بل اقول بان الكسر و الانكسار كان باربعة جعلات احدها جعل الكسر و الثاني جعل الانكسار و الثالث جعل التلازم بينهما و الرابع جعل الالزام به بينهما اي الزام احدهما الآخر و بين الاول و الثاني سبعون سنة و بين الثاني و الثالث كذلك و بين الثالث و الرابع كذلك و كيف لايكون الحدوث و التجدد مخلوقا و هو صفة وجودية لموصوف موجود فلفظ الحدوث مهمل او مستعمل فاذا كان مستعملا فقد وضع بازاء معني موجود و الا فهو مهمل فاذا كان معني موجودا اما ان يكون مخلوقا او قديما و انما جروا علي كلام قاله من لميعلم قال ماخلق الله المشمش مشمشا و انما خلق المشمش فقلنا له كون المشمش مشمشا شئ او ليس بشئ فان كان شيئا فالله سبحانه خالقه و ان كان ليس بشئ فما الذي تنفيه فايها المتسمي بالشيعي اما قرأت دعاء السمات دعاء حجة الله في ارضه و سمائه عجل الله فرجه و خلقت بها الشمس و جعلت الشمس ضياء الي آخر كلماته عليه السلام و الضياء هو الشمس كما قال تعالي و الشمس ضياء و القمر نورا و انما مالوا الي ذلك الكلام الباطل فرارا من لزوم الجبر في افعال العباد الاختيارية و من كان هذا ملجأه فلا ملجأ له فالذاتي اذا كان مغايرا للذات كانت علته غير علة الذات و لو بالمفهوم و الاعتبار و الا وقع تغاير المفهوم و الاعتبار باطلا فيا سبحان الله كيف كبت جياد الفحول حتي بقوا
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 610 *»
يحومون في تحقيقاتهم حول الالفاظ و المفاهيم اللفظية مع انهم لو فهموا مدلولات الالفاظ و حقائق المفاهيم ماتجاوزوا الحق الي امور صناعية و تقريبات اصطلاحية ماانزل الله بها من سلطان و منها قوله هي المبدء القريب لحركته الذاتية يعني ان الطبيعة لما كانت مبدء للحركة المتجددة السيالة وجب ان تكون هي كذلك لاستحالة صدور المتجدد عن الثابت مع انهم لايعرفون الا صدور المتجدد عن الثابت كصدور المتجددات عن الله سبحانه او عن فعله او عن العقل الكلي و امثال هذه الكلمات فيقول في تقرير كون الحدوث و التجدد غير مجعولين و الجاعل اذا جعلها جعل ذاتها المتجددة و اما تجددها فليس بجعل جاعل فاذا صدرت المجعولة المتجددة عن جاعلها وجب ان يكون متجددا و لزمه ايضا ان يكون التجدد قديما او يكون قوله بثبوت التجدد لها كذبا او انها هي التجدد اي ( هي خ ) تجددها فهي صفتها ثم يلزمه مجعولية التجدد لانه هو المتجدد المجعول هذا قولي و لاادري ماذا يعتذر به الا انه يقول في رسالته الموضوعة في حدوث العالم التجدد للشئ اذا لميكن صفة ذاتية له ففي تجدده يحتاج الي مجدد متجدد و ان كان صفة ذاتية له كما نحن فيه فلايحتاج ( الا خ ) الي جاعل يجعل ذات الشئ اي الي جاعل يجعلها متجددة اذ الذاتيات لاتعلل انتهي ، فاذا ذات الشئ من الذاتيات للشئ فلايحتاج الي جاعل اذ الذاتيات لاتعلل .
قال و اما تجددها فليس بجعل جاعل و صنع فاعل و بها يرتبط الحادث بالقديم لان وجودها بعينه هذا الوجود التدريجي و بقائها عين حدوثها و ثباتها عين تغييرها و الصانع بوصف ثباته و بقائه ابدع هذا الكائن المتجدد الذات و الهوية و الذي جعله الحكماء واسطة لارتباط الحادث بالقديم و هي الحركة غير صالحة لذلك فان الحركة امر عقلي اضافي عبارة عن خروج الشئ من القوة الي الفعل لا ما به يخرج منها اليه و هو نحو من الوجود و الحدوث التدريجي و الزمان كمية ذلك الخروج و التجدد فالحركة خروج هذا الجوهر من القوة الي الفعل تدريجا و الزمان مقداره و شئ منها لايصلح ان يكون واسطة في ارتباط
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 611 *»
الحادث بالقديم و كذا الاعراض لانها تابعة في الثبات و التجدد لمحالها فلميبق الا ما ذكرناه و قد بسطنا القول المشبع لاثبات هذا المرام في سائر صحفنا بما لا مزيد عليه .
اقول قد بينا بطلان قوله و اما تجددها فليس بجعل جاعل و صنع فاعل و قوله و بها يرتبط الحادث ( الحادثات خل ) بالقديم اي و بالطبيعة يرتبط الحادث ( الحادثات خل ) بالقديم ليس بصحيح لان القديم اذا وقع بينه و بين غيره ارتباط حادثا كان او قديما كان حادثا لحصول الاقتران الممتنع من القدم الممتنع من الحدوث و انما الارتباط بين الحادث و الحادث اعني فعله و ارادته كما قال اميرالمؤمنين عليه السلام انتهي المخلوق الي مثله و الجأه الطلب الي شكله و الارتباط بين الفعل و بين الظاهر به نفس الفعل لانه تعالي خلقه بنفسه كما قال جعفر بن محمد عليهما السلام خلق الله المشية بنفسها ثم خلق الخلق بالمشية ه ، و المشية هي الفعل و الظاهر بها هو الفاعل لها و الفاعل صفة الذات البحت كما قررنا فيما تقدم ان القائم هو اسم فاعل القيام و فاعل القيام هو الظاهر به و الظاهر به صفة زيد و مثاله و ليس ذات زيد بنفسها ظاهرة بالفعل بل معني كونها ظاهرة به انها ( لانها خل ) فاعلة له بواسطة الفعل نفسه فكان الايجاد منسوبا الي مثال زيد الذي هو الظاهر بالفعل و لو كان الظاهر بالايجاد هو نفس زيد من غير توسط الفعل لكانت ذاته فعلا و لكانت ابدا فاعلة بل هي ان شاءت فعلت بواسطة مشيتها و ان شاءت لمتفعل و ما هذا شأنه لايكون ذاتيا لانه تعالي ليس فاعلا في ازله و انما هو فعال لما يريد اي في الامكان الذي تتعلق بالارادة ( يتعلق به الارادة خل ) فاذا تأخرت فاعليته عن ذاته كانت مغايرة لذاته اذ الشئ لايتأخر عن نفسه و ليس شئ غير ذاته الا فعله و فاعليته التي نسميها صفته و مثاله و قوله لان وجودها اي الطبيعة هذا الوجود التدريجي اي هي هذا الوجود التدريجي و هذا لا اشكال فيه انما الاشكال في ان هذا التدريجي هو الارتباط بين الحادث و القديم اما من جهة فيناسب له المتجدد التدريجي و اما القديم فلايصح ان يرتبط به التدريجي لان التدريجي مختلف فاذا ارتبط به
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 612 *»
القديم وجب ان تختلف جهاته لاختلاف المرتبط بها و يلزم ايضا انها لمتكن صادرة عن فعله و الا لكان الربط منسوبا اليه و يلزم ايضا ما قلنا اولا من الاقتران المستلزم للحدوث بالاتفاق بين الحكماء و العقلاء و قوله و بقاؤها عين حدوثها ليس بصحيح لان بقاءها ليس الا بالمدد و الحدوث انما كان بالايجاد الابتدائي و ليس ما بالمدد عين ما بالايجاد بل هو مغاير له علي ان الحدوث مناف للبقاء و انما يجتمعان من جهتين فجهة ما به البقاء هو الابقاء بالمدد و جهة ما به الفناء هو الحدوث و كذا حكم الثبات و التغير و قوله و الصانع بوصف ثباته و بقائه ابدع هذا الكائن المتجدد الذات و الهوية متنافي المعني لان مقتضي الابداع بوصف الثبات و البقاء ايجاد الكائن الثابت الباقي فايجاد الكائن المتجدد الذات و الهوية دليل علي صدوره عن متجدد و متغير و ليس الا الفعل فالعبارة الصحيحة ان يقال ان الصانع الفياض ابدع المتجدد لان الفيض متجدد و الفعل متجدد و هما علتا المصنوع القريبتان و الاثر يشابه هيئة المؤثر اي المؤثر القريب فان حلاوة العسل مشابهة للعسل لا للنحل و الكتابة تشابه هيئة حركة يد الكاتب لا الكاتب و لا يده و قوله و الذي جعله الحكماء واسطة لارتباط الحادث بالقديم و هي الحركة غير صالح لذلك غلط في قولهم فان قول الحكماء بتوسط الحركة هو الصحيح الواجب الحصول و ان كنا نمنع الارتباط لما سمعت لكنا نقول ان المفعول لايمكن حصوله و صدوره بدون الفعل لان الصادر لو فرض امكانه بدون فعل من المصدر لميكن ( يمكن خل ) بدون فعل من الصادر او بمعونته كالولادة فلا بد من توسط الفعل من المصدر او الصادر او من كل منهما او من خارجي سواء كان علي نحو الاختيار ام لا و قوله ان الحركة امر عقلي اضافي ففيه ان الحركة ليست امرا عقليا بمعني ارادته من ان الذي هو الظاهر انما هو الفاعل و المفعول بل الفعل اشد
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 613 *»
تحققا و وجودا من المفعول الذي حقيقة اثر الفعل و تأكيده كما نحن بصدده فان المتحقق بعد تحقق الفاعل انما هو الفعل و اما المفعول اذا لميكن ثابتا متحققا بمادته فليس شيئا الا بالفعل مثل ضربا فانه اثر ضرب و تأكيده ليست شيئا الا بضرب فهو بضرب شئ لا بنفسه و لا بالضارب من دون فعله و اما قياسه علي ضرب زيد عمرا من ان المرئي الظاهر انما هو زيد الضارب و عمرو المضروب و اما حركة زيد في ضربه عمرا فامر عقلي قياس مع الفارق لان عمرا ليس في الحقيقة مفعولا لزيد و انما وقع فعله عليه بعد تحققه و مراد الحكماء بالحركة التي تكون علة لكون المعلول و تلك بالنسبة الي معلولها امر متحقق اشد تحققا من معلولها و المعلول منسوب اليها صادر منها لصدور هيئته من هيئتها فليس امرا عقليا اعتباريا كما توهموه علي الحكماء كيف و الطبيعة انما هي اثره فما فيها من التحقق و الظهور و الشيئية فانما هو من اثره فان جعل اضافيا نسبيا فهي اثره و المؤثر اولي من الاثر بالثبوت و قوله عبارة عن خروج الشئ من القوة الي الفعل ليس بصحيح لان الحركة التي هي خروج الشئ من القوة الي الفعل ليست هي فعل فاعل الشئ و انما هي فعل الشئ الخارج و لايعنون بالحركة التي هي الارتباط بين الحادث و القديم حركة الحادث و انما يعنون بها فعل القديم و ليس فعل الفاعل هو اخراج معلوله من كتم غيب امكانه الي شهادة اكوانه لا خروجه الذي علته فعله بل الخروج فعل المعلول و الخروج يقال للمتحقق قبل الخروج بخلاف ما نحن بصدده و قوله لا ما به يخرج منها اليه ان اراد به ما نفاه من كونه واسطة للارتباط فليس هو الخروج من القوة الي الفعل و انما هو ما به الخروج اي الحركة المخرجة لا مطلق ما به الخروج لصدقه علي كل علة من العلل الاربع و انما الصالح لواسطة الارتباط العلة الفاعلية و نريد بالعلة الفاعلية نفس الفعل مع الحامل له و لو جوزنا الارتباط لقلنا ان الارتباط هو نفس الفعل و محله و لكنا نمنع الارتباط بين الحادث و القديم كما نثبته بين الحادث و الحادث اعني العلة
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 614 *»
الفاعلية التي هي الفعل مع محله و هو كالقائم من زيد فافهم و قوله و هو نحو من الوجود ماندري ما يعني بالوجود مع كثرة ما يقلبه في معانيه و لا معني لشئ منها الا ما اريد به ما يعبر عنه بالفارسية بهستي و ما سوي هذا المعني من المعاني المرادة من لفظ الوجود ان اريد به الحقيقة ففي الحقيقة كلها وساوس اذ ليس الا ضد العدم او المادة او الجهة العليا للشئ اعني حقيقته من ربه و هذا الاخير من الاصطلاحي الصحيح و قوله و هو نحو من الوجود الحدوثي التدريجي يعني ان الخروج من القوة الي الفعل نحو من الوجود الخ ، و هو كما قال من كونه شيئا حادثا تدريجيا كما هو شأن الحوادث فان كل شئ منها تدريجي سواء كان من المجردات ام من الماديات لا كما توهمه ( توهموه خل ) في المجردات فانهم توهموا فيها اشياء باطلة منها ان معني كونها مجردة الا مادة لها و هذا باطل بل المعني ان كونها مجردة انها مجردة عن المادة العنصرية و المدة الزمانية لا انها لا مادة لها و منها انها دفعية الكون ليس فيها ما بالقوة بل كل ما لها بالفعل غير منتظرة لشئ منها و هو غلط لانها في نفس الامر لا فرق بينها و بين الجمادات و ان كان في بادي الرأي اطول بقاء و اوسع وقتا الا ان المحتاج في كونه و في بقائه الي المدد لايستغني عنه كيف لايكون تدريجا و منها عدم فنائها لكونها باقية ببقاء الله تعالي و لا بابقائه و هو غلط كما تقدم و غير ذلك و قوله و الزمان كمية ذلك الخروج التجديدي يعني ان الحركة عبارة عن خروج الشئ ذي الطبيعة او الطبيعة من القوة الي الفعل و هو نحو من الوجود التدريجي و الزمان كمية ذلك الخروج التجديدي فيكون كل متجدد متدرج من الاجسام و طبايعها و حركاتها محدثة في الزمان و هذا الكلام منه نوع مناقضة لما قال في الرد علي الحكماء حيث جعلوا الحركة واسطة للارتباط بين الحادث و القديم بانها امر عقلي اضافي فانها اذا كانت نحوا من الوجود لمتكن امرا اعتباريا بل هي شئ محدث بنفسه و به حدثت الطبيعة اذ الحكماء لايعنون حركة الطبيعة بل يعنون الحركة الايجادية التي بها
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 615 *»
كانت الطبيعة و لو عني بعضهم حركة الطبيعة كان خطأ كما اخطأ جاعل الطبيعة واسطة للارتباط لانها ان اريد نفسها لا غير كانت اما غير محدثة او محدثة بحركتها او بحركة فعل فاعلها و لا سبيل الي الاولين و الثالث يرد قول المصنف و قوله و شئ منهما لايصلح ان يكون واسطة في ارتباط الحادث بالقديم الخ ، صحيح الي قوله فلميبق الا ما ذكرناه و انا اقول و ما ذكره فانه ايضا لميبق لان الطبيعة ليست فاعلة لما دونها و لاخرجت الي الكون بدون فعل فاعلها و ليس لها اصل غير مخلوق لتكون كامنة فيه فيكون هو المخرج لها من القوة الي الفعل و ان كان بالحق كما توهمه آخرون فلايصلح شئ من ذلك مما ذكر و مما ذكروا ان ارادوا غير فعل الفاعل و ان ارادوه فهو صالح للواسطة في الارتباط بينه و بين الحادث لان التمكين من القبول للايجاد منه و هو الرابطة و به القابلية التي هي ماهية المحدث و من الفعل المدد المقبول لانه اثره فالرابطة التمكين و الارتباط بين الفعل اي الايجاد للمدد المقبول لا من شئ و هو مادة المحدث المسماة بالوجود و بين المحدث اي المقبول و القابل اعني الوجود و الماهية اي المادة و الصورة .
قال و تارة من جهة اثبات الغايات للطبايع و انها تستدعي من جهة استكمالاتها الذاتية و حركاتها الجوهرية ان يتبدل عليها هذا الوجود و يزول عنها هذا الكون و ينقطع الحرث و النسل و ينهدم هذا البناء و يضيق من في الارض و السماء و تخرب هذا الدار و يرجع الامر الي الواحد القهار قال اميرالمؤمنين و امام الموحدين علي بن ابيطالب عليه الصلوة و السلام في خطب نهجالبلاغة مشيرا الي دثور العالم و زواله من جهة اثبات الغاية و الرجوع الي البداية كل شئ خاضع له و كل شئ قائم به غني كل فقير و عز كل ذليل و قوة كل ضعيف و مفزع كل ملهوف من تكلم سمع نطقه و من سكت علم سره و من عاش فعليه رزقه و من مات فاليه منقلبه ثم ساق الكلام الي قوله عليه السلام في احوال الانسان و ولوج الموت فيه علي التدريج فلميزل الموت يبالغ في جسده حتي خالط سمعه فصار بين اهله لاينطق بلسانه و لايسمع بسمعه يردد طرفه في
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 616 *»
وجوههم يري حركات السنتهم و لايسمع رجع كلامهم ثم ازداد الموت انبساطا به فقبض سمعه و خرجت الروح من جسده فصار جيفة بين اهله قد اوحشوا من جانبه و تباعدوا من قربه لايسعد باكيا و لايجيب داعيا ثم حملوه الي مخط في الارض و اسلموه فيه الي عمله و انقطعوا عن زورته حتي اذا بلغ الكتاب اجله و الامر مقاديره و الحق آخر الخلق باوله و جاء من الله ما يريده من تجديد خلقه امار السماء و فطرها و ارج الارض و ارجفها و قلع الجبال و نسفها و دك بعضها بعضا من هيبة جلاله و خوف سطوته و اخرج من فيها فجددهم بعد اخلاقهم و جمعهم بعد تفريقهم ثم ميزهم لما يريد من مسئلتهم ( مسائلهم خل ) عن الاعمال و جنايا ( خبايا خل ) الافعال و جعلهم فريقين انعم علي هؤلاء و انتقم من هؤلاء فاما اهل الطاعة فاثابهم بجواره و خلدهم في داره حيث لايظعن النزال و لايتغير بهم الحال و لاتهولهم الافزاع و لاتنالهم الاسقام و لاتعرض لهم الاخطار و لاتشخص لهم ( تشخصهم خل ) الابصار و اما اهل المعصية فانزلهم شر دار و غل الايدي الي الاعناق و قرن النواصي بالاقدام و البسهم سرابيل القطران و مقطعات النيران .
اقول حيث طال هذا المتن اسلك فيه طريق المزج للاختصار قوله و تارة يكون استدلالنا علي حدوث الاجسام الزمانيات علي ما يذهب اليه و نحن نقول ان الاستدلال من جهة المبادي بالتجدد و التغير فهو جار في كل ما سوي الله سبحانه و ان كان اكثرهم لايجد للمجردات تجددا و تغيرا فانه لضعف بصيرته و لئن استشهد علي حاله و حالها بتأويل قوله تعالي و تري الجبال تحسبها جامدة و هي تمر مر السحاب فما اخطأت الصواب عند اولي الالباب من جهة اثبات الغايات للطبايع يكون استدلالنا قائما علي حدوث الكل اما الاجسام فحيث كانت ظاهرة الطبايع قال بها المصنف و امثاله و اما المجردات فتدبر قول جعفر بن محمد الصادق عليهما السلام العبودية جوهرة كنهها الربوبية فما فقد في العبودية وجد في الربوبية و ما خفي في الربوبية اصيب في العبودية الحديث ، فانك تجد ان كل ما يوجد في الماديات يوجد في المجردات اذ لانعني بتجردها انها لا مادة لها كما توهموه بل كل ما في
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 617 *»
الماديات فانما هو اثر ما في المجردات اذ هي خزائن الماديات و ان من شئ الا عندنا خزائنه و ماننزله الا بقدر معلوم و لايقال ان هذا ما استدلوا به من ان معطي الشئ ليس فاقدا له في ذاته لانا قد بينا فساد هذا القول و انما هو ليس فاقدا له في ملكه و اما في ذاته فيلزم التركيب و التكثر في ذاته تعالي و اذا اخرجه لزمت الولادة تعالي الله عن ذلك و ان كان بنحو اشرف كما توهمته ( توهمه خل ) العقول الباردة و الآراء الكاسدة بخلاف الخلق بنسبة بعضه الي بعض فانه تعالي جعل الاعلي خزانة للاسفل و لاينزل الي الاسفل الذي هو العبودية المذكورة في حديث الصادق صلوات الله عليه ( عليه السلام خل ) الا ما خرج من الاعلي الذي هو الربوبية فالعبودية المسببات و المعلولات و الاظلة و الاعراض و الاشعة و الآثار و ما اشبه ذلك و الربوبية كالاسباب و العلل و ذوي الاظلة و المعروضات و المنيرات و المؤثرات و ما اشبه ذلك و الحاصل المراد من دليله انها تعود الي ما منه بدئت كما بدأت اول مرة اي بالتدريج و التغير الذي هو دليل الحدوث و انها تستدعي من جهة استكمالاتها الذاتية لانها انما اهبطت من اوج افلاكها الي حضيض مراكزها الا لتستكمل بمعاناتها و معالجاتها و اعمالها مما لمتصل اليه قبل الهبوط كما قال ابنسينا في الروح :
ان كان اهبطها الاله لحكمة ** * ** طويت عن الفطن اللبيب الاورع
فهبوطها لا شك ضربة لازب ** * ** لتكون سامعة بما لميسمع
و تكون عالمة بكل خفية ** * ** في العالمين فخرقها لميرقع
المستلزمة للتنقل و التغير و التبدل في الكسر و الصوغ المبين لحدوثها و حركاتها الجوهرية و هي ترقي ذواتها باطوار قابلياتها في درجات كمالاتها او
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 618 *»
تنزلها ( تنزلاتها خل ) باطوار قابلياتها في دركات نقائصها و بعدها ان يتبدل باقتضاء ميولها ( ميولاتها خل ) الذاتية عليها هذا الوجود في اطوارها الي وجود آخر فهي ابدا تلبس و تخلع و تلبس و يزول عنها هذا الكون و تلبس كونا آخر فتخرج من كون الي كون لا من كون الي امكان هذا في الذوات و اما في الهيئات بل و الذوات فقد تخرج من كون الي امكان و ينقطع الحرث و النسل الدنياويين لا مطلقا و ذلك في المنتقلين عنها الي دار اخري و ينهدم هذا البناء ليصاغ صيغة لاتحتمل الفساد و انما هدم البناء ليصاغ الصيغة الكاملة و يضيق من في الارض و من في السماء عند التخلص و الانتقال و يخرب هذه الدار عند المنتقلين عنها بالانتقال و يرجع الامر عند المنتقلين و في الظاهر فلا امر و لا نهي و لا ولاية و لا عز و لا انتصار و لا شئ من احوال اهل الدنيا لاحد منهم بل يرجع امر كل شئ بحسب الظاهر الي الواحد القهار ( و خ ) مالك يوم الدين و يكون في الظاهر كما هو في نفس الامر لان الامر كله لله في الظاهر و الباطن و في الدنيا و الآخرة علي حد سواء و لكن اكثر الناس لايعلمون و يوم تقوم الساعة تظهر الحقايق فلايخفي شئ علي احد قال اميرالمؤمنين و امام الموحدين عليه الصلوة و السلام في خطب نهجالبلاغة مشيرا الي دثور العالم و بطلان هذه البنيان و زواله عن تركيبه الذي يناسب
دار التكليف من عدم الثبات و من شوبه بالمحن و الآفات من جهة اثبات الغاية و ان الحادث غاية ( غايته خل ) التغير و التبدل الذي هو لازم الحدوث و الانتقال و الرجوع الي البداية اي الي محاذي البداية و مقابلها في سائر رتبها فيكون الخروج من البداية قوسا نزوليا و الرجوع اليها اي الي مجازيها ( محاذيها خل ) قوسا صعوديا يحدث منها شبه دائرة حدثت من سير الحادث في بدئه و عوده و ليس معني الرجوع الي البداية السير و الرجوع القهقري و الا لعدمت اكوان الاشياء فلو رجعت المضغة الي العلقة و العلقة الي النطفة و النطفة الي الكيموس و الكيموس الي الكيلوس و الكيلوس الي الطعام و الطعام الي الشجر و الشجر الي التراب و التراب الي الماء و الماء الي الفعل عدمت الاشياء و لكنها تعود في
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 619 *»
قوس الصعود و لاتصعد درجة في العود الا بما ظهر من مددها في البدء هذا كلام المصنف و اول ما نقله من خطبة اميرالمؤمنين عليه السلام قوله عليه السلام كل شئ خاضع له اي ذليل حقير يجد ذلك في نفسه اذا نظر الي عز خالقه و كبريائه و شئ هنا اعم العام فان كان المصنف صادقا في قوله ان عليا عليه السلام امام الموحدين فليحكم بكون العقل متغيرا حادثا كسائر الاجسام لانه استدل بهذه الفقرة علي تغيرها و انفعالها الدال علي حدوثها و العقل شئ من جملة الاشياء اليس هو خاضعا لله و كل شئ قائم به اي كل شئ قائم بامر الله الفعلي قيام صدور و بامر الله المفعولي قيام تحقق فقوله عليه السلام قائم به علي المجاز اذا اريد بالقيام بالله و علي الحقيقة اذا اريد بالقيام بامر الله غني كل فقير و هو ما سوي الله فكل ما سواه مفتقر اليه سواء كان من المفاهيم الغير المجعولة بزعمهم المسماة بالاعيان الثابتة عندهم ام الصور العلمية الغير المجعولة بزعم آخرين المتعلقة بذاته تعلق الظل بالشاخص علي الاتحاد او التغاير في علمه الذي هو ذاته اولا فان كل ما يعلم تعالي انه غيره فهو مخلوقه محتاج اليه في تكونه و في بقائه و عز كل ذليل ان العزة لله جميعا و قد يلبس من يشاء من شعاع عزته الحادثة ما يشاء من خلع العز فهم بعزته يعتزون و قوة كل ضعيف ان القوة لله جميعا و قد يهب من يشاء من شعاع قوة امره ما يشاء و مفزع كل ملهوف اي يفزع اليه كل مظلوم مستغيث من تكلم سمع نطقه يعني باذنه الواعية و من سكت علم سره الايعلم من خلق و من عاش فعليه رزقه و هو ما كتب من الامداد بكسر الهمزة من المحتوم و اما المشروط فموقوف علي شرطه او ما يقوم مقامه من شفاعة او تفضل او عمل صالح منه او من غيره و من مات فاليه منقلبه اي يرجع الي امره و حكمه عز و جل و بهذه الفقرة استشهد المصنف و يجوز بما قبلها ايضا قال المصنف ثم ساق اميرالمؤمنين عليه السلام الكلام الي قوله في احوال الانسان و تقلبه في درجات عروجه من كسر و صوغ و الاشارة الي كسره و ولوج الموت فيه علي التدريج ليبين للجاهلين و ينبه الغافلين قال
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 620 *»
عليه السلام فلميزل الموت يبالغ في الولوج في جسده حتي خالط سمعه لان السمع اول ما يتحقق ظهور الموت فيه كما كان السمع علامة النوم عند تغطيته لانه اقوي الحواس فصار بين اهله لاينطق بلسانه لانقباض الروح منه بعد السمع و لايسمع بسمعه لخروج الروح من سمعه يردد طرفه في وجوههم اي يقلبه بتكرار ليدرك كلامهم و الموت قد خالط سمعه اي خرجت من سمعه الروح السامعة يري حركات السنتهم و لايسمع كلامهم ثم ازداد الموت انبساطا به و هو عدم الحيوة ظاهرا و هو امر وجودي خلقه الله في الطرف الآخر المقابل لطرف الحيوة كما قال عز من قائل الذي خلق الموت و الحيوة و من قال بانه عدمي اعتباري فقد كذبه الله في كتابه و اجمع المسلمون انه اذا دخل اهل الجنة الجنة و دخل اهل النار النار يؤتي بالموت و يصور في صورة كبش املح فيذبح بين الجنة و النار و كونه بصورة كبش كناية عن ذلته و حقارته و كونه املح لتعلقه بالمؤمنين الذين يكون لهم نورا و تخليصا من الظلمة يخرجهم من الظلمات الي النور و لتعلقه بالمنافقين الذين يكون لهم ظلمة و اخراجا من النور يخرجونهم من النور الي الظلمات و اللون الاملح هو ما تركب من بياض و سواد ممتزجين فقبض بصره كما قبض سمعه فصار لايبصر لقبضه روح الابصار بكسر الهمزة و خرجت الروح من جسده لان نور البصر آخر ما تتعلق به الروح كما انه اول ما يعرض له كما في النوم و بصره الباقي الي آخر الروح بصر الحس المشترك فانه يدرك به اهله و يدرك به الملائكة فصار جيفة بين اهله بعد خروج روحه من جسده قد اوحشوا من جانبه و تباعدوا من قربه لان الانس الذي يتقربون منه بواسطته هو الروح لايسعد باكيا و لايجيب داعيا اذ لا احساس فيه ثم حملوه الي مخط في الارض و هو ما خط له فيها من قبره و لحده بالحاء ( بالخاء ظ ) المعجمة و يجوز بالمهملة و اسلموه فيه الي عمله بان خلوا بينه و بين عمله كناية عن تركه وحده و انصرافهم عنه و انقطعوا عن زورته و اشتغلوا عنه باعمالهم الدنياوية حتي اذا بلغ الكتاب اجله بان انتهت المدة المكتوبة للدنيا و الامر مقاديره اي بلغ امر الله و حكمه في خلقه ما قدر سبحانه من مدة
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 621 *»
دار التكليف و ما يترتب علي ذلك و الحق آخر الخلق باوله بالموت و نفخة الصعق حتي صعق من في الارض و من في السموات و جاء من الله ما يريده من تجديد خلقه اي جاء من امر الله ما اراد من بعث العباد و اقامة الحساب امار السماء و فطرها اي موجها و كفاها باهلها و حركها بسرعة و فطرها اي شقها كناية عن كشطها و نسفها و ارج الارض و ارجفها ارجها بتخفيف الراء و تشديد الجيم اي دق بعضها ببعض و زلزلها و قلع الجبال و نسفها اي دحاها و دك بعضها بعضا من هيبة جلاله اي دق بعضها بعضا و خوف سطوته و اخرج من فيها فجددهم بعد اخلاقهم اي اخرج من في الارض من الحيوانات من الناطق و الصامت و ذلك بان يأمر بحرا تحت العرش اسمه صاد رائحته كرائحة المني فيمطر علي الارض حتي يكون وجه الارض كله بحرا فيأمر الرياح فتضرب الامواج و تجتمع لحوم كل شخص في قبره مستديرة علي هيئة صورته في الدنيا و تنبت اللحوم كما تنبت الكمأة فاذا تمت البنية امر اسرافيل فنفخ في الصور فتطاير الارواح كل روح تتألف في اماكنها الستة في ثقبتها لان اسرافيل اذا نفخ النفخة الاولي نفخة الصعق انجذبت كل روح الي ثقبتها من الصور و فيها ستة اماكن فتلقي مثالها في الاول و هبائها في الثاني و طبيعتها في الثالث و نفسها في الرابع و روحها في الخامس و عقلها في السادس فاذا نفخت النفخة الثانية انجذب العقل الي الروح و هما الي النفس و هي الي الطبيعة و هي الي الهباء و الجميع الي المثال و طارت الي قبرها و ولجت في جسمه فانشق القبر فاذا هم قيام ينظرون و هو معني قوله عليه السلام فجددهم بعد اخلاقهم بكسرة الهمزة و جمعهم بعد تفريقهم بان تخرج جهنم فتحيط بالخلائق فتتضايق عليهم حتي يجتمعوا و يركب بعضهم علي بعض ثم ميزهم لما يريد من مسئلتهم عن الاعمال و خبايا الافعال علي الصراط و جعلهم فريقين انعم علي هؤلاء و ان كان باعمالهم فان نجاتهم في الحقيقة بفضله و رحمته و نعمته اذ كل مننه ( منه خل ) ابتداء و لكن من عظيم نعمه عند انعامه ان نسب فضله عليهم باعمالهم و هو فضل علي فضل و نعمة علي نعمة كما قال اميرالمؤمنين عليه السلام و جعل ما امتن به
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 622 *»
علي عباده كفاء لتأدية حقه و هؤلاء اصحاب فضله و رحمته و انتقم من هؤلاء بقدر اعمالهم و لايظلم ربك احدا و هؤلاء اصحاب عدله و نقمته فاما اهل الطاعة فاثابهم بجواره قريبين من ابواب رحمته و رضوانه محمد و اهل بيته الطاهرين صلي الله عليه و عليهم اجمعين و ليس ثواب فوق هذا و خلدهم في داره و هي دار رضاه الجنة حيث لايظعن النزال بل هم خالدون فيها ابدا بلا انقطاع ان هذا لرزقنا ما له من نفاد عطاء غير مجذوذ و لاتتغير بهم الحال الي ما هو ادني و اقل بل هم دائما في زيادة القرب و الرضوان و العطايا و النعم و الشباب و القوة و السرور و هم في هذه و ما اشبهها في ترق لاينتهي الي غاية و لاتهولهم الافزاع فلاترد عليهم شئ يفزعون منه و انما يرد عليهم ما به يفرحون و يستبشرون و لاتنالهم الاسقام لانهم في غاية اعتدال الامزجة من غير ان يشوبها شئ من الاعراض و الغرائب و كذلك ارضهم و هواؤها و ماؤهم و طعامهم و وقتهم لاتتغير منهم حال الا الي اكمل اعتدال فمن اين تنالهم الاسقام و لاتعرض لهم الاخطار لانهم تركوها بجميع اسبابها في هذه الدار و لاتشخصهم الابصار لعدم خوف يرد عليهم او حزن يصل اليهم و اما اهل المعصية فانزلهم شر دار و هي دار سخطه و غضبه و هي صور اعمالهم فحين لبسوها كانوا فيها و هو تعالي سيجزيهم وصفهم و غل الايدي الي الاعناق حيث عزلوا الحق عز و جل عن كثير من ملكه و قرن النواصي بالاقدام عند قذفهم في دركات الجحيم و البسهم سرابيل القطران اي ثيابا ( ثياب خل ) من القطران و هو ما يتخذ من حمل العرعر يطلي به الابل الجربي و خص به المستكبرون عن عبادة الله اهانة لهم لسواده و نتن رائحته و حرارته و سرعة اشتعال النار فيه و مقطعات النيران و هي ثياب من نار استجير بالله من سخط الله و النار و اعلم ان المصنف يريد بقوله السابق و تارة من جهة اثبات الغايات ان الاشياء بجميع انواعها ترجع بمقتضي طبايعها الي غاية الغايات يعني به الواجب تعالي و بين مراده كما نقل عنه في رسالة الحشر قال ان الله لميخلق شيئاالا
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 623 *»
لغاية و الا لكان فعله عبثا و قد ثبت بالبرهان ان الغاية في فعله تعالي هي ذاته و ذاته غاية الغايات كما انه مبدء المبادي و لا شك ان غاية الشئ ما له بالذات ان يتصل ( يصل خل ) اليه و ينتهي به الا ان يعوقه عائق و كل ما يمكن الوصول اليه لميكن اطلاق اسم الغاية اليه الا بالمجاز فلايكون غاية بالحقيقة و قد فرض انه غاية هذا خلف فثبت بما ذكرنا ان جميع الممكنات بحسب الجبلة الغريزية طالبة له متحركة اليه حركة معنوية مشتاقة الي لقائه بالوصول و هذه الحركة و الرغبة لكونها مرتكزة من الله في ذاتها يجب ان لاتكون عبثا و لا معطلا فلا محالة كائنة متحققة في غالب الامر بلا عائق و كاسر و القسر علي الطبع كما ثبت في مقامه لايكون دائميا و لا اكثريا فيزول لا محالة و لو وجد زمانا طويلا فيعود حكم الطبيعة و من هنا يعلم ان كل طبيعة نوعية تؤدي يوما الي غايتها الاصلية و غاية الشئ اشرف من الشئ ذي الغاية و غاية الجوهر اكمل جوهرية منه ( او خل ) و اقوي وجودا في ذاتها و ننقل الكلام في ذلك الي نفس تلك الغاية و توجهها الذاتي الي غاية الغاية و هكذا الي ان تنتهي الي غاية لا غاية ورائها و هي غاية الغايات و منتهي الحركات و الرغبات و مأوي العشاق الالهيين المشتاقين من ذوي الحاجات انتهي كلامه المنقول اقول قوله و قد ثبت بالبرهان ان الغاية في فعله تعالي هي ذاته تعالي فيه ان الغاية التي لاجلها الفعل قد تكون متأخرة عن الفعل و يكون الفعل علة لوجودها و ذلك كاكثر الغايات التي تميل الطباع لطلب استكمالها بها او منها لان ميلها الذاتي انما يكون لافتقارها الي الاستكمال بالاستمداد من الغاية و قد تكون سابقة علي الفعل الذي هو الحركة الذاتية الا ان شرط ميل الطبيعة اليها ان تكون الغاية مشتملة علي المدد الذي به استكمالها و لايجوز ان يكون الواجب الحق عز و جل واحدا منهما اما الاول فلانه تعالي الاول قبل كل شئ و اما الثاني فلان المدد الذي يستكمل به الممكن يجب ان يكون ممكنا لانه بالوصول اليه يكون جزء ماهيته بعد كسره عنده و صوغه منه كما اشرنا الي
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 624 *»
ذلك مرارا و لايجوز ان يكون الواجب الحق سبحانه محلا للممكن و لا ان يستمد الممكن من القديم و لا ان يترقي الممكن عن الامكان و يبقي بدون مدد يصل اليه و يتقوم به و هذا مما لا اشكال فيه عند الجهال فضلا عن العلماء و لا عند العلماء و اما عند العوام فلاتتبادر افهامهم و عقولهم الفطرية الطبعانية الا علي هذا و اما عند العلماء فمما لا خلاف فيه من ان ما هنالك لايعلم الا بما ههنا كما قال سيدنا الرضا عليه السلام و كما قال جده الصادق عليه السلام كما ذكرناه مرارا من قوله العبودية جوهرة كنهها الربوبية الحديث ، و المصنف ممن يقول بان آيات الحق في الآفاق و في انفس الخلق كما قال تعالي و نحن لما نظرنا في الآفاق رأينا اشعة السراج التي هي مثل المخلوقات و طبائعها و انها فانية في طلبها الاستمداد من السراج و ليست غايتها التي تنتهي اليه و تقف في سيرها الحثيث اليه ذات النار و انما تنتهي الي غايتها التي ليست لها غاية تأوي اليها الا الشعلة المرئية من السراج فانها انما تستمد وجودها و قوامها منها و الشعلة نفسها تستمد لمادتها من فعل النار و مسها و لصورتها من الدهن الذي احاله مس فعل النار دخانا فانفعل ذلك الدخان بالاستضائة عن فعل النار فكانت غاية الاشعة التي ليس ورائها لها غاية هي الشعلة المرئية و الشعلة ليس لها غاية الا الدهن و فعل النار و لايرجع شئ من الاشعة و لا من الشعلة الي ذات النار ابدا مع شدة سير كل منها ( منهما خل ) الي غايته فكما لاتتجاوز الاشعة الشعلة ابدا و لاتستغني عنها و وجهها اليها خاصة كذلك الشعلة لاتتجاوز الدهن و فعل النار و هو قول سيد الموحدين اميرالمؤمنين عليه السلام انتهي المخلوق الي مثله و الجأه الطلب الي شكله الحديث ، و قد ذكر ابوعلي بن سينا معني ما ذكرنا في الاشارات قال اعلم ان استضائة النار السائرة لما ورائها انما تكون اذا علقت شيئا ارضيا ينفعل بالضوء عنها الي ان قال فاذا طفئت انفصلت النار هواء و الكثافة دخانا انتهي ، و اصرح من هذا و اصح قوله تعالي الله نور السموات و الارض مثل نوره كمشكوة الي آخر الآية فانها صريحة مثل قوله يكاد زيتها يضيء و لو لمتمسسه
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 625 *»
نار فما اصرحها فيما قلنا لاولي الابصار و لكنها لاتعمي الابصار و لكن تعمي القلوب التي في الصدور و لله در القائل ،
فهب اني اقول الصبح ليل ** * ** ايعمي الناظرون عن الضياء
و قوله كما انه مبدء المبادي اقول عليه هل ذاته بذات الحوادث منها ام بفعله صدرت لا من شئ فان قلت من ذاته ظهرت فهو اذا يلد تعالي عن ذلك ثم انه قبل ظهورها له حال غير بعد ظهورها و مختلف الاحوال حادث و ان قلت صدرت بفعله لا من شئ بل اخترعها لا من شئ قلت هذا هو الحق تعالي الحق المبين لكنها ان برزت من فعله بمعني انها كانت كامنة فيه يجب ان تعود الي كونها و هذا باطل و ان قلت بفعله كونها لا من شئ فهو حق و كل شئ يعود الي مبدئه و الامكان لايتناهي لانه محل مشيته و فعله الذي لايتناهي فالحوادث ابدا يتجدد بدؤها صاعدة او سافلة بتجدد المدد الذي به قوامها فالمفعول لايعود الي الفعل و انما يعود الي اثر الفعل الذي هو اصله و قوله و كل ما يمكن الوصول اليه لميكن اطلاق اسم الغاية عليه الا بالمجاز فلايكون غاية بالحقيقة ليس بصحيح بل يكون غاية علي الحقيقة بل لايكون غاية الممكن الا بالممكن فان العطشان تكون غايته الماء و لهذا يسكن بعد الري و لو لميكن غاية علي الحقيقة لماسكن في حال و الطبيعة انما تطلب استكمالها و سد فاقتها و لايكون الا بمثلها و ان كان المدد لايكون الا بفعل الفاعل الا ان الفاعل ليس مطلوبا الا بالعرض و هو سر رفع ايدي السائلين الي جهة العلو لانها جهة مطالبهم و في السماء رزقكم و ما توعدون اما سمعت قول علي عليه السلام انتهي المخلوق الي مثله بل و لا فعله ليس مطلوبا الا بالعرض فاذا كان ميل الطبيعة ليس الا للاستكمال و الاستكمال ليس الا بالمدد و المدد لايكون الا من الممكن و الممكن لايكون الا في مثله او في نفسه كالفعل وجب ان تكون غاية الممكن ممكنة و لو قال قائل ان اكمل الاستكمال الفناء في بقاء الباقي عز و جل قيل له علي اي فرض و اي احتمال و اي اعتبار لايمكن فناء الممكن الا في الممكن سواء كان في الوجود ام في الوجدان بالذات ام
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 626 *»
بالاعمال بالجنان ام بالاركان ام باللسان و لله در الشاعر حيث يقول :
اذا كنت ماتدري و لا انت بالذي ** * ** تطيع الذي يدري هلكت و لاتدري
و اعجب من هذا بانك ماتدري ** * ** و انك ماتدري بانك ماتدري
و قوله فثبت بما ذكرنا ان جميع الممكنات بحسب الجبلة الغريزية طالبة له الي قوله مشتاقة الي لقائه ان اراد به اللقاء الحقيقي بان تلتقي الذاتان او تريد الطبيعة ذلك فهو باطل لان الطبيعة “٦” ماتغلط و لو ارادت “٦” ما ليس لها “٦-” فيه مطلب بوجه ما غلطت “٦” و انما تطلب “٦” ما تستغني “٦” به عند ميلها “٦-” لان ميل الطبيعة انما هو الي الملائم و ان اراد اللقاء المجازي الذي هو الثواب و القرب اي الترقي في معارج مراتب الامكان العالية فهو ما قلنا و قوله مرتكزة من الله في ذاتها ان اراد به من ذات الله اي هذا الميل و الرغبة شئ خرج من ذات الله و ركزه في ذاتها فاسوء حالا و ان اراد انه شئ ممكن اخرجه من الامكان فانه يجذبها الي مبدئه من الامكان و قوله و غاية الشئ اشرف من الشئ ليس علي عمومه بل قد تكون الطبيعة طالبة لتكميل صفة من صفات افعالها او لدافع الم كطلب الطعام و الشراب لدفع الم الجوع و العطش و تكون الطبيعة طالبة لذلك و ليس باشرف من ذاتها و ان كان باعثا لميلها الذاتي كما اشار اليه الصادق عليه السلام بقوله ان الله خلق ابن آدم اجوف فالطعام و الشراب ضروريان له ه ، و الضروريان له ذاتيان له فالميل من الطبيعة لهما ذاتي و قد تكون الغاية اشرف و بالجملة فالغاية علي المجاز لا بأس باطلاقها عليه تعالي و اما علي مراده من الغاية سواء اراد معني ما تنتهي اليه الاشواق علي الاطلاق ام لا بل لادراك المطالب فلايصلح في حق الحق عز و جل الا بارادة المقامات “٢” و العلامات التي لا تعطيل لها في كل مكان و هي “٢” علي ما حققناه مرارا في شرحنا هذا و في غيره اسم للفاعل كالقائم
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 627 *»
اسم لفاعل القيام فافهم يا طالب حق اليقين و النور المبين .
قال اعلم ان الطرق الي الله كثيرة لانه ذو فضائل و جهات غير عديدة و هو لكل وجهة هو موليها لكن بعضها انور و اشرف و احكم و اشد البراهين و اوثقها و اشرفها اليه و الي صفاته و افعاله هو الذي لايكون الوسط في البرهان غيره فيكون الطريق الي البغية من البغية لانه البرهان علي كل شئ و هذه سبيل جميع الانبياء و الصديقين سلام الله عليهم اجمعين قل هذه سبيلي ادعو الي الله انا و من اتبعني ان هذا لفي الصحف الاولي صحف ابراهيم و موسي .
اقول ان السالكين لهذه الاودية كثيرا ما يقولون ان الطرق الي الله بعدد انفاس الخلائق و هذه العبارة من حيث ظاهرها و مدلول لفظها في الجملة صحيحة و اما من جهة ما ارادوا منها فاكثرهم يريد منها معني ليس بصحيح لانه يريد ان اهل كل ملة و نحلة و رأي من مسلم او مشرك او دهري او غير ذلك موحدون مقبول منهم ذلك عند الله و ربما قاس بعضهم ذلك علي قول الصادق عليه السلام و ان الذرة لتزعم ان لله زبانيتين ( زبانين خل ) لانهما كمالها و تصور ان عدمهما نقصان لمن لايكون له و ربما استشهد لهذا المعني بقوله تعالي و لكل وجهة هو موليها كما ذكر المصنف و يريد ان الله تعالي هو الذي ساقهم اليه رضي بها منهم و الحاصل ان الآراء كثيرة حتي ان منهم من يزعم انه تعالي هو الذي ساقهم اليها رضي بها منهم فاذا وحدوه فعلوا ما اراده منهم و يثيبهم عليه و اذا اشركوا به فعلوا ما اراده منهم و يعذبهم عليه و ان عكس الثواب و العقاب فعاقب الموحدين و اثاب المشركين حسن منه ذلك و جاز له و بالجملة الآراء كثيرة و الحق واحد لايتكثر و لايوجد الا عند اهل النبوة عليهم السلام و هم صلي الله عليهم يحكمون بكفر اهل الآراء غير ما كان عنهم مع انهم عليهم السلام قائلون بمدلول هذه الآية و بمدلول ذلك الكلام علي معني خاص و هو ان الله سبحانه حق و هو يقول الحق و يهدي الي صراط مستقيم فمن اطاعه بحصر بصيرته و قصر نظره علي ما دل عليه ولاة امره عليهم السلام فان الله يهديه الي قصد السبيل و قد الزم ( الزمه خل ) علي نفسه ذلك لمن اطاعه قال عز من قائل و علي الله قصد السبيل و من اخذ عن
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 628 *»
غيرهم او عن نفسه من دون سبيل معرفتهم فان الله سبحانه يوليه طريقه الذي تولاه فمن عرف الله بسبيل معرفتهم صلي الله عليهم ولاه الله وجهته من اتباعهم الموصل الي معرفة الله كما تعرف به لعباده المؤمنين و من طلب معرفة الله من غير سبيل معرفتهم باي نحو كان ولاه الله سبحانه ما تولي فالطرق الي الله سبحانه بعدد انفاس الخلايق و كل منها له وجهة و الله الفاعل بمقتضي القوابل المختلفة هو موليها فوجهة توصل الي معرفة الله التي بها امر و رضيها و هي وجهة سبيل معرفتهم عليهم السلام خاصة و وجهة توصل الي الشرك بالله و الكفر بالله و هي كل وجهة غير وجهة سبيل معرفتهم عليهم السلام فافهم هذا الكلام المكرر المردد و قوله لكن بعضها انور و اشرف و احكم بعد قوله لانه تعالي ذو فضائل و جهات غير عديدة يريد به انه ذو فضائل من تجلياته علي القوابل و جهات من عموم قدرته و علمه و سعة رحمته و كرمه لاتدخل تحت العد فظهر بتجلياته علي كل مظهر و تعرف لكل شئ بما ظهر فيه له و كلها طرق موصلة اليه من حيث طلب و احب لانه تجلي علي الحقايق بجهات فضائله الا انها متفاوتة بتفاوت المظاهر فبعضها انور و اشرف و احكم اي اضبط طريقا و استدلالا كما يأتي و هي طريقة الانبياء عليهم السلام و كان من تلك الطرق التي هو موليها طرق العوام و طرق اهل الظلال و كلها يصدق عليها انها طرق معرفة الله و انه تعالي ولاهم اياها و اهل هذه الطريقة كالمصنف و اشباهه يقبلون من ( عن خل ) اولئك ما اخطأوا فيه للآية الشريفة و الله و رسوله (ص) و اهل بيته يلعنونهم كما قال تعالي غلت ايديهم و لعنوا بما قالوا و انما نسبت هذا المعني الاخير الي المصنف و اشباهه و ان كانوا لميقولوا به لانهم يرتضون القائلين به و يثنون عليهم و يستدلون بادلتهم و يصوبون آرائهم و يأولون ما اعوج من آرائهم فهم منهم و معهم و لاتعجب من كلامي فان المصنف لما قال مميتالدين في الفصوص في فص حكمة علوية في كلمة ( كلمة امر خل ) موسوية في ذكر امرأة فرعون فقالت لفرعون في حق موسي انه قرة عين لي و لك فيه قرة عينها بالكمال الذي حصل لها كما قلنا و
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 629 *»
كان قرة عين لفرعون بالايمان الذي اعطاه الله عند الغرق فقبضه اليه طاهرا و مطهرا ليس فيه شئ من الخبث لانه قبضه عند ايمانه لميكتسب شيئا من الآثام و الاسلام يجب ما قبله و جعله آية علي عنايته سبحانه بما شاء حتي لاييئس احد من رحمة الله فانه لاييئس من رحمة الله الا القوم الكافرون فلو كان فرعون ممن يئس مابادر الي الايمان فكان موسي عليه السلام كما قالت امرأة فرعون فيه انه قرة عين لي و لك لاتقتلوه عسي ان ينفعنا و كذلك وقع فان الله نفعهما به عليه السلام و ان كانا ماشعرا به انتهي كلامه الي الدرك الاسفل فقال فيه المصنف و هذا كلام يشم منه رائحة التحقيق ه ، هذا و هم يقرؤن قوله تعالي و ليست التوبة للذين يعملون السيئات حتي اذا حضر احدهم الموت قال اني تبت الآن و لا الذين يموتون و هم كفار و يقرؤن في حق فرعون قوله تعالي فاخذناه و جنوده فنبذناهم في اليم فانظر كيف كان عاقبة الظالمين و جعلناهم ائمة يدعون الي النار و يوم القيمة لاينصرون و اتبعناهم في هذه الدنيا لعنة و يوم القيمة هم من المقبوحين و قال تعالي فلما رأو بأسنا قالوا آمنا بالله وحده و كفرنا بما كنا به مشركين فلميك ينفعهم ايمانهم لما رأوا بأسنا الآية ، و اجمع المسلمون علي ان فرعون مات كافرا و القرآن المبين و الاجماع المحقق العام من المسلمين ماقاوما عنده كلام مميتالدين و قوله و اشد البراهين الي قوله هو الذي لايكون الوسط في البرهان غيره يريد ان البرهان يكون فيه الوسط هو المعلوم و انما يؤتي به ليتوصل به الي حمل ما صح حمله عليه علي الاصغر بعد صحة حمله اي الوسط علي الاصغر و هم بعد ان قالوا ان اهل الشهود برهانهم علي اثبات الصانع من قوله اولميكف بربك انه علي كل شئ شهيد قالوا ( قال خل ) و هو استدلال لمي يريدون به الاستدلال بالعلة علي المعلول لانه اشرف من الاستدلال الاني و هو الاستدلال بالمعلول علي العلة فحيث كان الاستدلال باللمي اشرف و هو مخالف لمرادهم لانهم يريدون الاستدلال علي الحق تعالي و هو علة العلل و ما سواه معلول فكيف يكون استدلالهم عليه لميا بل يكون انيا فقالوا مرادنا ان شيئا موجودا
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 630 *»
متحققا في الخارج يدل علي ان بعض افراد الموجود المطلق واجب فتحقق الموجود المطلق حالة اولي للمطلق و كون بعض افراده واجبا حالة ثانية للمطلق معلولة للحالة الاولي لتوقف ثبوتها عليها فالمستدل بها هي الحالة الاولي و المستدل عليها هي الحالة الثانية كما نقل عن ابيعلي بن سيناء في الاشارات اقول و هذا معني صناعي لا حقيقي لان الحقيقي ان استدلالهم اني لا لمي و ان الاستدلال بالآية عند اهل الشهود ليس بهذا النمط لان استدلالهم بدليل الحكمة و هذه الطريقة يذكرونها و انها ببرهان اصطلاحي مترتب علي مقدمتين صغري الاصغر فيها هو الموضوع و هو المستدل عليه و كبري و الاكبر فيها و هو المحمول هو المحكوم به علي المستدل عليه و هو لازم الدليل و نتيجته و هذا البرهان الاصطلاحي هو من دليل المجادلة بالتي هي احسن و ليس في الحقيقة آلة لمعرفة الله عز و جل الحقيقية و انما يفيد معرفة العوام و اصحاب الكلام لانه محط الشبه و الاشكالات لابتنائه علي القضايا التي كلها او جلها مبنية علي المفاهيم المستنبطة من الالفاظ بالدلالة التي تعرفها عقول العوام و اللغة لها سبعون معني و مطلوبهم بالاستدلال وراء السبعين فكيف يعرف بها الحق الواحد تعالي و لهذا ( لذا خل ) تراهم مختلفين و لايزالون مختلفين منغمسين في الشبه الا من رحم ربك و لذلك خلقهم و انما الاستدلال بالآية للعارفين بالله من كبار شيعة اميرالمؤمنين عليه السلام و هم الخصيصون من الشيعة و هم و ان عرفوا نمط الاستدلال بالآية الا ان مقصودهم غير مقصود ائمة الحق عليهم السلام بخلاف شيعتهم و هو سر قوله عليه السلام نحن الاعراف الذين لايعرف الله الا بسبيل معرفتنا و لهذا تري غيرهم يعرفون كيفية الاستدلال بالآية الشريفة و يقول احدهم هو انا بلا انا فاذا كان يعرف الاستدلال و يقول فيمن حصل له من الاستدلال انا الله بلا انا اذا لميعرف المستدل عليه لانه تعالي لايعرف الا بسبيل معرفتهم عليهم السلام و اما الخصيصون من الشيعة فاستدلالهم علي طريق استدلال ائمتهم عليهم السلام و الاشارة الي نوع ذلك يعرف من قول امامهم الصادق عليه السلام في قوله اولميكف بربك انه علي كل شئ شهيد
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 631 *»
قال يعني في غيبتك و في حضرتك ه ، و المعني ان العارف ينظر الي المؤثر في الاثر و الي المسبب في السبب و الي المحرك في الحركة فاذا غبت فانما تغيب بسبب اشتغالك و نظرك الي الدنيا و اهلها او بشغل نظر عقلك و فكرك بشئ من المعاني او الصور و كل شئ يقع عليه نظر بصرك او بصيرتك من عقل او علم او وهم او خيال او فكر فانه اثر فعله و دليل وجوده فهو في غيبتك حاضر عند كل مشعر من مشاعرك بافعاله و آثار افعاله و اذا حضرت بنظرك في آثار صنعه فانك تري من الآثار ما كنت تراه في غيبتك بلا فرق في نفس الامر الا انك في الغيبة اشتغل نظرك الي الطعام لاتعرف منه الا المصنوع و في الحضور اشتغل نظرك الي الطعام لاتعرف منه الا المصنوع و قلبك ذاكر صانعه تعالي و في الغيبة لميكن قلبك ذاكرا صانعه تعالي و هو عز و جل موجود في الحالين لانك في حال الغيبة تجد اشياء و في حال الحضور تجد اشياء و وجودات الحالين قائمة بامره تعالي قيام صدور و تحقق فماغاب عنك من حضرتك آثار افعاله و مااحتجب عنك من اوجدك نفسك و غيرك و هذا نوع برهان العارفين من الانبياء و المرسلين و الخصيصين من اتباعهم لا ان برهانهم بترتيب صغري و كبري حتي اذا ارادوا معرفته سبحانه و بنوا مقدمتين فقالوا مثل ما يتوهم المصنف عليهم الوجود هو الله و الله هو الحق سبحانه او بالعكس مثل الله هو الوجود و الوجود هو الحق و المعني واحد او كما يتوهمه كما تشعر عبارته ( عباراته خل ) في قوله لانه البرهان علي كل شئ فيقول حقيقة كل شئ هو الوجود و الوجود هو الله فيكون الطريق الي البغية اي المطلوب من البغية يعني ان الطريق اليه منه و هذه عبارات الصوفية اصحاب الدعاوي و اما الانبياء (ع) اصحاب الحقيقة ( الحقايق خل ) فهم ينظرون الي آثار صنعه بنحو ما علمهم من النظر فيترقون من الآثار الي آياته التي تعرف لهم بها في آثار صنعه في الآفاق و في الانفس كما قال تعالي سنريهم آياتنا في الآفاق و في انفسهم حتي يتبين لهم انه الحق ثم قال تعالي انه اظهر في الآفاق من الآفاق و في الانفس من الانفس فقال تعالي اولميكف بربك انه علي كل شئ شهيد فاذا نظروا الي شئ لمينظروا اليه الا
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 632 *»
كنظرك الي زجاجة المرءاة حين انت تنظر وجهك فيها فانك غير ناظر الي الزجاجة حينئذ و انما انت ناظر صورتك و ان كنت تراها بالعرض فحين امرهم تعالي بالنظر فقال قل انظروا ماذا في السموات و الارض و قال و يتفكرون في خلق السموات و الارض و قال اولميتفكروا في انفسهم الي غير ذلك نظروا اليه فيها و المنظور اليه فيها ما تعرف به لهم مما وصف به نفسه و هو ما القي في هوياتهم من هوياتهم الذي هو الوصف الفهواني و هو ظل اثر فعله اعني شبح هياكل التوحيد فينظرون الي آياته في الآثار كما روي عن سيدالشهداء عليه السلام في ملحقات دعاء عرفة قال الهي امرت بالرجوع الي الآثار فارجعني اليها بكسوة الانوار و هداية الاستبصار حتي ارجع اليك منها كما دخلت اليك منها مصون السر عن النظر اليها و مرفوع الهمة عن الاعتماد عليها انك علي كل شئ قدير ه ، و هذا الكلام ان صح انه قاله فذلك و الا فمعناه منهم عليهم السلام لانه صحيح و قد روي ابنعباس و غيره عن النبي صلي الله عليه و آله ما معناه انه قال مايوجد شئ من الحق عند احد من الخلق الا بتعليمي و تعليم علي بن ابيطالب عليه السلام الحديث ، و هو طويل فنظر الانبياء و المرسلين و الاوصياء و الصديقين عليهم سلام الله اجمعين و استدلالهم بالعيان و الوجدان لا بالمقدمات و البرهان المبني علي مقدمات ( المقدمات خل ) الحمليات و المفاهيم التخيليات و القياسات الوهميات التي قدروها بعقولهم و قد رؤوا ( قدروا خل ) بها عظمة الله و قدرته كما قال الصادق عليه السلام في دعاء الوتيرة بعد العشاء رواه الشيخ في المصباح قال روحي فداه صلوات الله عليه بدت قدرتك يا الهي و لمتبد هيئة يا سيدي فشبهوك و اتخذوا بعض آياتك اربابا يا الهي فمن ثم لميعرفوك الدعاء ، و الحاصل ان كان المصنف في قوله هو الذي لايكون الوسط في البرهان غيره هذا هو اعتقاده و معرفته بان طريق الانبياء و الاوصياء عليهم السلام الي معرفة الله عز و جل انما هو بالبرهان الصناعي المعروف فهو اجهل الجاهلين و ان كان مراده ان معرفتهم عليهم السلام لله انما هي بالله من الله الي الله علي جهة العيان و الوجدان و انما قال لايكون الوسط غيره لانه يريد انه القطب الذي تدور عليه الافكار و الانظار
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 633 *»
و الاشواق و الاذواق و ان كل ما سواه فهو كالاشعة في دورانها علي شعلة السراج كما قال السجاد عليه السلام الهي وقف السائلون ببابك و لاذ الفقراء بجنابك ه ، كالاشعة الواقفة في سؤال الاستمداد بباب النار الذي هو الشعلة و لاذت الاشعة بفقرها في طلب الاستغناء بجناب النار الذي هو الشعلة فان كان مراده هذا المعني من قوله الوسط فهو معني صحيح و ان كان لايستعمل الوسط بهذا المعني في ذكر البرهان لان البرهان استدلال و الاستدلال انما يستعمله الفاقد و هذا المعني ليس ببرهان بل هو العيان و الوجدان الذي يعبر به الواجد لا الفاقد علي ان جميع استدلالاته في سائر كتبه انما هي بالبرهان الصناعي الذي لاينتفع به القلب الواعي فافهم و استشهاده بقوله تعالي قل هذه سبيلي ادعوا الي الله انا و من اتبعني مخالف للمراد من الآية لانه صلي الله عليه و آله لميستعمل البرهان الصناعي الا في مقام الاحتجاج علي من يحتج عليه (ص) بذلك فانه ربما يأتي بما يكون من معاني كلامه ما اذا رتب و عدل علي قاعدة اهل المنطق يكون منه شكل قياسي كما كان كلام العرب كله هكذا و القرءان كذلك و كتابي هذا الذي كتبته شرحا لكلام ( لكتاب خل ) المصنف ربما مايوجد فيه شكل قياسي الا ان يكون حكاية او مقابلة لآخر و الا فكله من دليل الحكمة او الموعظة الحسنة و الاشكال القياسية كلها من دليل المجادلة بالتي هي احسن و هو مع استكمال ( استعمال خل ) شرائطه و مستنداته لايوصل الي معرفة الله و انما يفيد اسكات الخصم في بعض المواضع اذا لميكن الخصم من اهل العيان اما اذا كان منهم فانه يفتح له باب ابطاله و وجه رد التمسك به ان هذا لفي الصحف الاولي صحف ابراهيم و موسي لان قوله (ص) الذي امره الله به هنا هو الذي امره به في قوله تعالي ادع الي سبيل ربك بالحكمة و الموعظة الحسنة ثم انه تعالي امره صلي الله عليه و آله بانهم اذا جادلوك فجادلهم بالتي هي احسن فافهم .
قال فهؤلاء هم الذين يستشهدون به تعالي عليه شهد الله انه لا اله الا هو ثم يستشهدون بذاته علي صفاته و بصفاته علي افعاله و آثاره واحدا بعد واحد و
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 634 *»
غير هؤلاء يتوسلون في السلوك الي معرفته تعالي و صفاته بواسطة امر آخر غيره كجمهور الفلاسفة بالامكان و الطبيعيين بالحركة للجسم و المتكلمين بالحدوث للخلق او غير ذلك و هي ( هو خل ) ايضا دلائل و شواهد لكن هذا المنهاج احكم و اشرف و قد اشير في الكتاب الالهي الي تلك الطريق سنريهم آياتنا في الآفاق و في انفسهم حتي يتبين لهم انه الحق و الي هذه الطريقة بقوله اولميكف بربك انه علي كل شئ شهيد .
اقول قوله فهؤلاء اي الانبياء و الصديقون عليهم السلام يستشهدون به عليه تعالي ، فيه انهم اذا استشهدوا به عليه وجب عليهم اعتبار المغايرة بين الدليل و المدلول عليه و لو فرضنا ( فرضا خل ) و هو مناف للتوحيد و انما استدلالهم به انه هو كما قال تعالي قل الله ثم ذرهم في خوضهم يلعبون فان اراد انهم يشهدونه ( يستشهدونه خل ) في ظهوره بكل شئ علي نحو ما في دعاء الصادق عليه السلام لايري فيها نور الا نورك و لايسمع فيها صوت الا صوتك ه ، و هو الظاهر من مراده انه ( مراداته خل ) كما يقولون هو الشاهد و الشهادة و المشهود و امثال هذه العبارة فاعلم ان هذا المعني يكون كفرا و ايمانا علي مراد العارف و اعتقاده فان اعتقد انه الوجود المطلق و النقائص لاحقة ببعض افراد الحقيقة لان صرف الوجود البحت تام و فوق التمام و هو الواجب و هو اكمل افراد الحقيقة و بعض افرادها متفاوتة في الشدة و الضعف مشتركة في مطلق النقص و الفقر و الاقوي يستهلك الاضعف فلا اثر و لا مؤثر الا هو و لا وجود علي الحقيقة الا هو فاذا استدلوا عليه انما استدلوا به فان شاهدوا شاهدوا ذاته الحق فهذا كفر و ان اعتقد ان كل شئ دليله و ان دليله صفته صفة استدلال عليه لا صفة تكشف له بمعني انهم اذا فنوا فنوا في آثاره و مقاماته و علاماته لا في ذاته و المشاهدة “٢” و اللقاء “٢” و الفناء “٢” و الظهور “٢” الذي استهلك كل ظهور كلها “٢-” للوجه الباقي الذي لايفني و لايحول و لايزول و هو مقاماته و علاماته فهذا هو الايمان و ذلك قوله تعالي سنريهم آياتنا و لميقل ذاتنا في الآفاق و في انفسهم ، و قال صلي الله عليه و آله اعرفكم بنفسه اعرفكم بربه و قال اميرالمؤمنين (ع) من عرف نفسه فقد عرف ربه فقوله صلي
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 635 *»
الله عليه و آله اعرفكم بنفسه اعرفكم بربه يدل علي انه لو كان شخص اعرف بنفسه من زيد و زيد يعرف ربه بنحو معرفة المصنف من مسئلة الوجود كان الشخص اعرف من زيد لكونه اعرف من زيد بنفسه من ان الشخص اذا عرف نفسه فانما عرف ( يعرف خل ) آية ربه و هي ما وصف به نفسه تعالي لعبده فاذا عرف الشخص وصف الله لنفسه تعالي عرفه لان الشئ انما يعرف بوصفه فاذا عرفته بما وصف نفسه به لك اصبت مراده و لا كذلك لو عرفته بما قالوا فربما عرفت غيره بل هذا يكون قطعا لما ذكرنا مرارا ان الصورة الانسانية نسخة العالم و نسخة العالم نفس ( نقش خل ) الاسم الاكبر و اعلم ان اكثر قولي في اغلب المواضع ان اراد كذا و ان اراد كذا لفتح باب التأويل لمن يطلب سواء السبيل اذ اكثر الناس لايقدر علي التنزل الا بالتدريج و الحاصل معني استشهادهم به عليه عند هؤلاء انه الدليل بذاته علي ذاته كما قال عليه السلام يا من دل علي ذاته بذاته و هم يحومون حول هذه العبارة منه عليه السلام و نحن نغلطهم في التصديق لا في التصور لانهم يزعمون ان هذه الذات الدالة و المدلول عليها الذات البحت و تعالي و عز المعبود عن هذا المعني الذي ارادوه و انما المراد منها احد امور كل منها مراد لقوم احدها انه دل علي معرفة ذاته بوصف ذاته و المدلول عليه موصوف هذا الوصف لا الذات البحت الواجب تعالي و ثانيها انه دل علي معرفة ذاته الموصوفة بما وصفها من غير حاجة الي دلالة آثار صنعه و ثالثها انه دل علي معرفة ذاته بمعرفة ذاته اذ الشئ لايعرف بغيره و انما يعرف بذاته و رابعها انه دل علي معرفة ذاته بوصف ذاته لا بوصف غيرها و خامسها انه دل علي معرفة ذاته الحق بذاته الخلق و سادسها انه دل علي معرفة ذاته الحق بتعريف ذاته الخلق و سابعها انه دل علي معرفة ذاته الحق بمعرفة ذاته الخلق و ثامنها انه دل علي معرفة ذاته الخلق بذاته الخلق و تاسعها انه دل علي معرفة ذاته الخلق بتعريف ذاته الخلق و عاشرها انه دل علي معرفة ذاته الخلق بوصف ذاته الحق فهذه عشرة وجوه ليس فيها تكرير و لا تداخل و كلها مرادة وفيها وجوه اخر و ليس من الجميع ما اشاروا اليه لانه كما قال عبدالحميد بن ابيالحديد:
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 636 *»
كذبوا ان الذي طلبوا ** * ** خارج عن قوة البشر
و معني استشهادهم به عليه عندنا ان الشئ لايعرف بغيره و انما يعرف به فانك تعرف الطويل بالطول لا بالعرض و لا بالحمرة و تعرف العريض بالعرض لا بالطول و لا بالحمرة و هكذا و من هنا قالوا عليهم السلام اعرفوا الله بالله و قالوا (ع) ان الله اجل من ان يعرف بخلقه بل الخلق يعرفون به ه ، اي بتعريفه و تعليمه و قوله تعالي شهد الله انه لا اله الا هو قالوا هذه شهادة الحق للحق بالحق و ليس بصحيح ما قالوا لان هذه شهادته تعالي في الخلق للخلق لان لا اله الا هو نفي و اثبات حيث قال المشركون اللات اله و العزي اله و هبل اله و الله سبحانه اله فقال كذبتم في ثلاثة و صدقتم في واحد فعبر عن تكذيبهم بنفي الهية ثلاثة فقال لا اله مما قلتم و عبر عن تصديقهم بالاثبات فقال الا الله اي لا اله مما قلتم الا اله واحد سبحانه و هذه في الامكان ( احكام الامكان خل ) و ليس في الوجوب شئ غيره لا في الوجود و لا في الوجدان و لا في الذكر و لا في العلم ليتميز بنفيه عنه تعالي عن ذلك و لهذا قال الرضا عليه السلام في جوابه لعمران الصابي حين ( حيث خل ) قال له يا سيدي هل كان الكائن معلوما في نفسه عند نفسه قال الرضا عليه السلام انما تكون المعلمة لنفي خلافه و ليكون الشئ نفسه بما نفي عنه موجودا و لميكن هناك شئ يخالفه فتدعوه الحاجة الي نفي ذلك الشئ عن نفسه بتحديد ما علم منها ه ، و معني قوله ثم يستشهدون بذاته علي صفاته انهم يستدلون بالذات الحق تعالي فدل علي ان مراده قبل هذا الكلام في قوله يستشهدون به تعالي عليه الذات الواجب البحت كما قلنا عليه ثم يريد هنا بالذات ايضا الذات البحت و قد اشرنا لك الي الحق في هذه المسئلة و امثالها انهم ماعرفوا معبودهم و زعموا انه تعالي اقرب اليهم من حبل الوريد بذاته الحق و تعالي عن ذلك علي المعني الذي ارادوا فيستشهدون به عليه انه هو و انه دليل صفاته لانه اقرب و اظهر ثم بصفاته علي افعاله و آثاره و قد قلنا لك انهم يعرفون من تعرف لهم بما تعرف به لهم فعندهم من معرفته ( معرفة خل ) ما اعطاهم و هو ما وصف به نفسه لكل واحد
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 637 *»
من خلقه و ذلك الوصف فهواني هو حقيقة عبده الذي تعرف له بذلك الوصف الذي هو حقيقة عبده منه تعالي و ليس عنده غير ما اعطي فحقيقة عبده منه صفته تعالي صفة استدلال عليه لا صفة تكشف له و حينئذ يعرف خالقه بنحو ما قال الرضا (ع) و اعلم انه لاتكون صفة بغير موصوف و لا اسم لغير معني و لا حد لغير ( بغير خل ) محدود و الصفات و الاسماء كلها تدل علي الكمال و الوجود و لاتدل علي الاحاطة كما تدل علي الحدود التي هي التربيع و التثليث و التسديس لان الله تعالي تدرك معرفته بالصفات و الاسماء و لاتدرك بالتحديد الي ان قال (ع) و لكن يدل علي الله عز و جل بصفاته و يدرك باسمائه و يستدل عليه بخلقه الحديث ، فحقيقة عبده وصفه المذكور و اسمه اذ كل شئ من خلقه اسم له و هو خلقه و هو تعالي لميتعرف الي احد من خلقه بذاته و انما تعرف لهم باوصافه لهم التي هي حقائقهم منه اي من فعله و لايوجد وصف لغير ( بغير خل ) موصوف تأمل قول الرضا عليه السلام حين قال له عمران الصابي يا سيدي الاتخبرني عن الله تعالي هل يوجد بحقيقته او يوجد بوصف قال الرضا عليه السلام ان ( الله خ ) المبدئ الواحد الكائن الاول لميزل واحدا لا شئ معه فردا لا ثاني له ( معه خل ) لا معلوما و لا مجهولا و لا محكما و لا متشابها و لا مذكورا و لا منسيا و لا شيئا يقع عليه اسم شئ من الاشياء غيره و لا من وقت كان و لا الي وقت يكون و لا بشئ قام و لا الي شئ يقوم و لا الي شئ استند و لا في شئ استكن و ذلك كله قبل الخلق اذ لا شئ غيره و ما اوقعت عليه من الكل فهي صفات محدثة و ترجمة يفهم بها من فهم الحديث و معني انه تعالي يعرف به انك اذا كشفت عن نفسك في وجدانك سبحات الجلال من غير اشارة بقي وصف فهواني ليس كمثله شئ و به تعرف الله ( يعرف خل ) بالله لان هذا الباقي هو وصفه تعالي الذي خاطبك به مشافهة و به تعرف الله بالله كما تعرف الابيض بالبياض لا بغيره من الالوان لان البياض ليس كمثله شئ من الالوان و تعرف خلقه به كما تعرف الصفة اي الوصف بالوصف بالموصوف بهذا النحو و بانه عرفك نفسه و بذلك عرفك خلقه لا
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 638 *»
باللمي و لا بالاني من البرهان بل بالمشاهدة به و العيان اشهدك انه لا اله الا هو و اشهدك نفسك و اشهدك ما شاء من خلقه و قوله و غير هؤلاء اي غير الانبياء و الصديقين و الخصيصين من اتباعهم بالصدق حيث لايجدون حالة انفراد و لا استبداد يتوسلون في السلوك اي يتخذون لسلوكهم الي معرفته تعالي وسائل ( رسائل خل ) و براهين و دلائل بواسطة امر آخر غيره اقول ان اراد بقوله بواسطة امر آخر غيره ان اولئك الاولين اتخذوا ما نسبه اليه و القي عليه ما اشتق له من اسمائه اسما نسبهم به اليه فذلك ما قلنا و ان اراد غير ذلك اراد غير مراد الله من خلقه كجمهور الفلاسفة بالامكان يعني ان علة حاجة الحادث الي الصانع تعالي هي الامكان و ذلك ان الممكن اذا اعتبر في ذاته و ما له كان متساوي الطرفين في الوجود و العدم و لاينفك عن احدهما فهو محتاج في ترجيح احدهما علي الآخر الي مرجح و طالب له و هو الصانع فعلة احتياجه الي الصانع هو الامكان و قيل بشرط الحدوث لانه اذا لميلاحظ الحدوث لميتحقق الاحتياج و قيل علة الاحتياج هي ( هو خل ) الحدوث خاصة اذ ملاحظة استواء الطريقين ( الطرفين خل ) لاتستلزم ( يستلزم خل ) الاحتياج و قيل هي الامكان و الحدوث معا اذ كل منهما جزء علة لعدم تحقق الاحتياج بدونهما و الحق في نظري انه ان اريد مطلق الاحتياج فالاول اقوي لانا نقول ليس ذاتيا بنفسه بل بصنع صانعه و هو شئ مخلوق بمشية الله الامكانية لانه محلها حين خلقها سبحانه بنفسها فامكان كل ممكن بفعله لانه تعالي امكن الامكانات لان ( لا ان خل ) الامكان امر اعتباري عدمي و الا لكان زيد اذا لميكن متصفا بالامكان المتحقق خارجا قديما او ممتنعا اذ كل ما ليس ممكنا فهو قديم عندنا و عندهم فهو قديم او ممتنع لان الممتنع عندهم شئ و عندنا ليس بشئ لانحصار الشئ في الواجب و الممكن و زيد شئ فاذا لميكن ممكنا اي متصفا بامكان هو شئ فهو قديم و ان اريد كمال الاحتياج و تمامه فالاخير اقوي لاحتياج زيد في امكانه الي الامكان المتحقق ليتصف بما هو متحقق به و لاحتياجه في كونه الي الحدوث لانه لايحتاج الي الحدوث في
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 639 *»
امكانه و لايستغني عنه في كونه اقول و دليلهم هذا هو المناسب للاستدلال لان المستدل انما يعرف المستدل عليه بالدليل بخلاف طريق الانبياء و الصديقين عليهم السلام فان الله سبحانه اشهدهم وصفه فبه عرفوه لا بالاستدلال و ان سمي استدلالا مجازا ، و قوله و الطبيعيين اي المستدلون ( المستدلين خل ) بالطبيعة بالحركة للجسم كما ذكر هو قبل هذا من تجدد الطبايع و حركاتها الجوهرية نازلة و صاعدة في اطوار التجدد و التبدل المحتاجة الي صانع لايتجدد و لايتغير و لايتبدل عز و جل اقول و هذا استدلال صحيح ورد به الشرع الصريح الا انه كالذي قبله و هما طريقان لتثبيت الثابت في الاوهام ثبوته عز و جل يعني ثبوت معرفته بطريق الاستدلال بالآثار و قوله و المتكلمين بالحدوث اي يستدلون بالحدوث الظاهر في الاشياء بتطوراتها في مراتب اكوانها المتجددة المتغيرة المتبدلة المحتاجة الي صانع لايتصف بصفاتها سبحانه و تعالي و هذا ايضا دليل صحيح ورد به الشرع الشريف و قد قال سبحانه قد علم كل اناس مشربهم و كل من صدق مع الله سبحانه و اقام حدوده و طلب الحق هداه الي ما خلق له و قوله و هي ايضا دلائل و شواهد يشير الي استدلال الحكماء و الطبيعيين و المتكلمين و هو كما قال في كل شئ بحسبه الا ان الثلثة من نوع واحد ، و قوله لكن هذا المنهاج احكم و اشرف يشير الي طريق الانبياء و الصديقين عليهم السلام اجمعين و هي علي ما يدعيه هي طريقته و اقول ان كان من جهة النوع فلايبعد انها من نوع طريقتهم ( طريقهم خل ) عليهم السلام من جهة التصور لا من جهة التصديق فان من عرفوه غير من عرفه و هم عليهم السلام كافرون بمن يشير اليه و ان كان من جهة الشخص فليس طريقته من طريقتهم في شئ و لا تعجب من قوله فان الله سبحانه يقول و من الناس من يعجبك قوله في الحيوة الدنيا ،
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 640 *»
و قوله و قد اشير في الكتاب الالهي يعني القرآن الي تلك الطريق يعني طريق الحكماء و الطبيعيين و المتكلمين و هي قوله تعالي سنريهم آياتنا في الآفاق و في انفسهم حتي يتبين لهم انه الحق و هو يريد ان الآيات التي اراهم اياها في الآفاق و في انفسهم هي الآثار اي المخلوقات من السموات و الارض و الشمس و القمر و النجوم و الجبال و الشجر و الدواب و ما اشبه ذلك و في انفسهم من خلق الشعر و البشر و السمع و البصر و سائر نعمه الدالة علي صانعها و هذا ظاهر الآية و اما تأويلها فمنه ما اشار اليه سيد الموحدين علي اميرالمؤمنين صلوات الله عليه بقوله من عرف نفسه فقد عرف ربه و حين سأله كميل عن حقيقة المعرفة قال له عليه السلام ما لك و الحقيقة يا كميل قال اولست صاحب سرك قال بلي و لكن يرشح عليك ما يطفح مني قال اومثلك يخيب سائلا قال (ع) الحقيقة كشف سبحات الجلال من غير اشارة يعني انك اذا اردت معرفة الحقيقة من معرفة الله فاكشف في وجدانك سبحات نفسك حتي الاشارة الي الكشف فانه يبقي انموذج فهواني ليس كمثله شئ و هو آية الله و وصفه ( و صفة خل ) نفسه الذي خاطبك به فيه ( فمنه خل ) مشافهة ليس بينك و بينه حجاب غيره قال زدني بيانا قال (ع) محو الموهوم و صحو المعلوم اي امح السبحات الموهمة و الانيات الموهومة المبهمة تبقي آية بينة معلمة فالمعلوم حقيقتك من ربك التي كثيرا ما نعبر عنها بالفؤاد و بالنور و بالوجود و هو ما وصف به نفسه لك و هي هيئة هيكل التوحيد قال زدني بيانا قال (ع) هتك الستر و غلبة السر اي اهتك الحجاب الذي بينك و بينه تعالي يغلب علي وجدانك ظهور السر و الكنز المخفي تحت جدار انيتك و تجد شبحا ناطقا بكله يقول الله الله صاعدا لا اله الا هو ( الله خل ) نازلا فقال زدني بيانا قال عليه السلام جذب الاحدية لصفة التوحيد قال عبدالكريم الجيلاني في الانسان الكامل و الاحدية عبارة عن مجلي ذاتي ليس للاسماء و لا للصفات و لا لشئ من مؤثراتها فيه ظهور فهي اسم لصرافة الذات المجردة عن الاعتبارات الحقية و الخلقية و ليس لتجلي الاحدية في الاكوان مظهر اتم منك اذا استغرقت في
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 641 *»
ذاتك و نسيت اعتباراتك و اخذت بك فيك عن خواطرك فكيف انت في انت من غير ان تنسب اليك شيئا مما تستحقه من الاوصاف الحقية ( الحقيقة خل ) او هو لك من النعوت الخلقية فهذه الحالة للانسان اعم مظهر للاحدية في الاكوان فافهم انتهي ، و قال قبل هذا و الواحدية اول تنزلات الحق من الاحدية انتهي ، و قوله هذا صحيح ليس فيه عيب الا في قوله فهي اسم لصرافة الذات و قوله اول تنزلات الحق من الاحدية فان ذلك لايصح الا علي تأويل فقوله (ع) جذب الاحدية اي جذب حقيقتك من ربك لسبحات حقيقتك من نفسك بمعني استهلاكك ( استهلاك خل ) اياها في وجدانك من ربك لتعرفه لشبح ( بشبح خل ) معرفته قال زدني بيانا قال عليه السلام نور اشرق من صبح الازل فيلوح علي هياكل التوحيد آثاره فصبح الازل فعل الله و مشيته و ابداعه و اختراعه و النور المشرق منه نور الحقيقة اي حقيقة العارف من ربه اعني فؤاده و وجوده و هو في كل عارف بنسبة رتبته من الكون فيلوح اي فيظهر آثاره مشابهة لهياكل التوحيد لان هيكلها ( هيئتها خل ) و هندسة ايجادها علي هياكل التوحيد اي منقوشة علي صورة الهياكل صلي الله علي محمد و آله ( اهل بيته خل ) الطاهرين قال عليه السلام بنا عرف الله و لولانا لميعرف الله و نحن الذين لايعرف الله الا بسبيل معرفتنا قال زدني بيانا قال عليه السلام اطفأ السراج فقد طلع الصبح ه ، اي اعدم وجودك و وجدانك فان الحق ليس بمستتر و انما احتجب عنك بك كما قال اميرالمؤمنين عليه السلام لاتحيط به الاوهام بل تجلي لها بها و بها امتنع منها و اليها حاكمها ه ، فما اراهم الله في الآفاق و في انفسهم فهو آياته و الدليل عليه باي طريق كان علي حسب مراتب السالكين و من ادعي ان ما اراهم الله في الآفاق و في الانفس هو ذاته فقد الحد و جحد و اما باطن الآية فالآيات التي اراها الله في الآفاق و في الانفس هم محمد و اهل بيته الطاهرين صلي الله عليه و آله اجمعين و روي جعفر بن محمد بن قولويه (ره) في كاملالزيارة باسناده عن عبدالله بن بكر الارجائي في حديث طويل عن ابيعبدالله جعفر بن محمد الصادق عليهما السلام الي ان قال (ع) و هو يقول سنريهم آياتنا في الآفاق و في انفسهم فاي آية في الآفاق غيرنا ( غيرها خل ) اراها الله اهل
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 642 *»
الآفاق و قال و مانريهم من آية الا هي اكبر من اختها فاي آية اكبر منا الحديث ، فهم عليهم السلام آية معرفة الله حيث يقول عليه السلام نحن الاعراف الذين لايعرف الله الا بسبيل معرفتنا اي بنحو ما بينا من الدليل عليه و وصفناه بما وصف نفسه لنا او بنحو ما عرفناه كما وصف نفسه لنا او بمعرفتنا لانها معرفته او آية معرفته فما ذكره المصنف في الآية من انها استشهاد الحكماء و الطبيعيين و المتكلمين فانما هو من ظاهرها و اما تأويلها و باطنها فهو طبق ما يراد من آخرها كما اشرنا اليه و قوله و الي هذه الطريقة اي طريقة الانبياء و الصديقين (ع) بقوله اولميكف بربك انه علي كل شئ شهيد يشير به الي ما ذكروه ( ذكره خل ) بعد هذا الكلام اعني النظر الي حقيقة الوجود و قد ذكرنا قبل ذلك ان هذه الطريقة التي يشير اليها ليس طريقة الربانيين علي الحقيقة و انما هي طريقة المتلونين فانك اذا وزنتها بميزان الشرع ( الشريف خ ) وجدتها في مقابلة التوحيد و الايمان و قد ملأنا كتابنا هذا من بيان بطلانها و سنذكر شيئا من نحو ما مضي علي جهة الاقتصار تذكرة للذاكرين من اولي الابصار .
قال فالربانيون ينظرون الي حقيقة الوجود اولا و يحققونها و يعلمون انها اصل كل شئ و انها واجب الوجود بحسب الحقيقة و اما الامكان و الحاجة و المعلولية فانما تلحق الوجود لا لاجل حقيقته بل لاجل نقائص و اعدام خارجة عن اصل حقيقته .
اقول اراد ان يبين طريقة الربانيين و هم عنده النبيون و الاوصياء عليهم السلام و الصوفية الذين قال بعضهم انا جزنا بحرا وقفت الانبياء علي ساحله يعنون انا عبرنا بحرا من الحقايق و تجاوزناه و الانبياء وقفوا علي ساحله قصورا منهم و عجزا و هم اهل الشطح و الدعوي و المصنف بشطحه ادعي ان هذه الطريقة التي اراد تبيينها هي طريقة النبيين عليهم السلام و هي طريقة القول بوحدة الوجود التي اجمع النبيون و الاوصياء عليهم السلام علي بطلانها و كفر معتقدها فتدبر كلامه يظهر لك ما فيه مما ذكرت لك
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 643 *»
قال ( قوله خل ) فالربانيون ينظرون الي حقيقة الوجود اولا و يحققونها اقول له ما الوجود و ما يعني به هل هنا شئ يسمي حقيقته ( حقيقة خل ) بالوجود غير المعني المصدري المعبر عنه بالفارسية بهست و هو يقع صفة لكل ما ليس بمعدوم و تدخل الماهية فيه و من عبر به عن المادة فهو صحيح اذ ليس غيرها الا ان لفظ الوجود لميوضع لها و ان كنا نستعمله كثيرا فيها مجاراة لهم و لميوضع لذات غيرها و ذلك لان الوجود يفسره كثير بالكون في الاعيان و المصنف و امثاله يقولون هو عندنا ما به الكون لان الكون في الاعيان من المعقولات الثانية و هي امور اعتبارية عقلية لا وجود لها في الخارج و نحن نقول اذا لمتكن متحققة في الخارج كانت الاشياء الخارجية ( الخارجة خل ) ليست موجودة و لا كائنة في الاعيان خارجا بل في الاذهان و هذا من الوساوس و مخالفة الوجدان و قول اصحاب المصنف انه ما به الكون في الاعيان انما يصدق علي الهيولي و مقوماتها كالصور بل لا مناص لهم عن ذلك ان كان يتكلمون بما يعقلون علي انها نفس حصولها و كونها و اما ما تعرفه العوام من الكون في الاعيان فهو اثر ذلك و هو اثر اشراقي اذا كشفت عن حقيقته لمتجد شيئا غير الشئ و آثاره و اذا ( فاذا خل ) كشفت عن الشئ لمتجد غير مادته و مقوماتها اذ لميخلق الله للشئ غير ذلك و لهذا قلنا ان الوجود هو الهيولي و المادة في كل شئ بحسبه الوجود النوري مادة نورية و مقوماتها من لواحق رتبتها و الوجود الجوهري مادة جوهرية كذلك و العنصري مادة عنصرية كذلك و اما وجود الحق سبحانه فلايعرف بشئ من خلقه الا بما عرف نفسه به و وصفها به من وجود آياته و آثار افعاله صفة استدلال عليه لا صفة تكشف له و هذا التعريف ايجاد اثر اشراقي دليله و آيته ما تعقله العوام من اثر وجودك الذي هو مجموع عوالمك الثلاثة عقلك و نفسك و جسدك و مقوماتها و الذي نعقله ( تعقله خل ) من معني كونها وجودا لك هو كونك في الاعيان لانه هو اثر اشراقي لوجودك الذاتي و لا معني لاصل هذه التسمية الا المعني المصدري الذي هو معني هست فالوجود هو الموجود ان كنت من اهل الشهود و حينئذ فالربانيون ينظرون الي حقيقة الوجود ( الموجود خل ) و هو ما سوي الحق عز و
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 644 *»
جل لعلمهم ( لعلهم خل ) انه تعالي لا سبيل الي معرفة ذاته الا بما عرفهم من آياته و آثار صنعه كما ذكرنا هذا مرارا فالربانيون محمد و آله و شيعتهم التابعين لهم صلي الله علي محمد و آله و عليهم لكن اذا رضينا و قلنا انه موضوع لشئ لايعرفه الا الصوفية فهو كيف يحقق هل يحقق بثبوته ام بثبوت المتصف به فيكون التحقق ( التحقيق خل ) للموجود سلمنا ذلك لكنه ( لكونه خل ) متحقق في القديم و الحادث علي دعويهم و اما عندنا فما يثبت للحادث باي نوع من الثبوت لايصح اثباته للقديم و ما وصف به القديم منه فلميقع عليه و انما يقع علي العنوان و لكن دع هذا كله اذا ثبتت حقيقة الوجود كما ذكره المصنف قال يعلمون انها اصل كل شئ و انها واجب الوجود بحسب الحقيقة يعني المصنف ان هذا الشئ حقيقة مشتملة علي افراد متفاوتة بالتشكيك في الشدة و الضعف و حقيقته الصرف الخالص ( الخاص خل ) من كل ما ينافي ذلك الاصل كالضعف فانه عدم قوة و الفقر عدم غني و الجهل فانه عدم علم و العجز فانه عدم قدرة و هكذا فصرف الوجود لميلحقه شئ من النقائص لانها اعدام و هي بخلاف الوجود و الامكان الذي هو الخاص يعني سلب الضرورة عن الطرفين و الحاجة و المعلولية و امثالها اذا لحقت شيئا من افراد الوجود لمتلحقه لذاته و انما لحقته لفقدان كمال فالخالص من الشوائب المنافية واجب و المشوب حادث هذا ملخص كلامهم و قد مثل بعضهم بامثلة كثيرة ضربها لهذا منها ان الواجب كالماء و الوجود الحادث كالثلج فانه اذا كسر فقبوله للكسر ليس لذات الماء و انما لحق الثلجية فاذا ذاب الثلج ارتفع حكم الثلج و وقع حكم الماء علي حقيقته و لا كسر فيه اصلا و منها البحر و امواجه و المداد و الحروف النقشية و النفس و الحروف اللفظية و الواحد و سائر الاعداد المتألفة منه و ما اشبه ذلك و معني هذه الامثال ان الوجودات الحادثة اعراض حالة في الوجود الحق كالثلج في الماء و الواحد و سائر الاعداد علي وجه او حصص و اجزاء منه كالبحر و امواجه و المداد و الحروف النقشية و النفس و الحروف اللفظية و الواحد في الاعداد علي وجه آخر و علي اي حال كان فهذه الطريقة في معرفة المعبود
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 645 *»
الحق تعالي عند الانبياء و الاوصياء عليهم السلام كفر و زندقة حاشي رتبة العصمة و التأييد و التسديد الالهي من اعتقاد ( اعتقاده خل ) ان الخلق من سنخ الحق تعالي او اعراض حالة به لا حول و لا قوة الا بالله العلي العظيم .
قال ثم بالنظر ( النظر خل ) فيما يلزم الوجوب و الامكان و الغني و الحاجة يصلون الي توحيد صفاته و من صفاته الي كيفية افعاله و آثاره و قد مر فيما اسلفنا من البرهان ما بزغ به نور الحق من افق البيان و طلعت شمس الحقيقة من مطلع العرفان من ان الوجود كما مر حقيقة بسيطة لا جنس لها و لا فصل و لا حد و لا معرف لها و لا برهان عليه و ليس الاختلاف بين آحادها و اعدادها الا بالكمال و النقص و التقدم و التأخر و الغني و الفقر او بامور عارضة ( عارضية خل ) كما في افراد ماهية واحدة .
اقول يريد اذا عرفت حقيقة الوجود اعني صرفه الذي لا اتم منه علي نحو ما ذكرنا و عرفت انه تعالي هو الواجب الحق عز و جل كما تفعل الانبياء عليهم السلام في معرفة الله سبحانه علي زعم المصنف انتقلت الي توحيد صفاته فانهم عليهم السلام علي دعويه اذا عرفوا الوجود الصرف و انه هو الله سبحانه نظروا فيما يلزم الوجوب من الكمالات و التمامية في الغني و العلم و القدرة و ما اشبه ذلك من الصفات التي هي كمال مطلق لا نقص فيها و فيما يلزم الامكان من النقائص و الحاجة في الافتقار و الجهل و العجز و ما اشبه ذلك من صفات النقص و الفقدان و وحدوا صفاته و ابانوا به ما يليق به تعالي من الصفات من صفات الحوادث لما يلحقها من النقائص فتوصلوا من توحيد الذات الي توحيد الصفات بواسطة اعتبار الكمالات المطلقة فان مقتضي اتصاف الذات بالكمالات المطلقة كون صفاتها بائنة من صفات غيرها بالكمال الذي لايشوبه نقص و يصلون من معرفة صفاته الي معرفة كيفية افعاله لانها ناشية من صفاته و يستدلون بافعاله التي هي ناشية من الصفات الكاملة التي لا نقص فيها علي كمال آثاره و مصنوعاته كما يدل اعتدال حركة يد الكاتب علي حسن كتابته بحيث لو رأيت كتابة غير حسنة لمتنسبها الي الكاتب المعتدل حركة اليد كذلك
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 646 *»
لو رأيت صنعا ناقصا نسبته الي غير صنعه تعالي و طريق الاستدلال الذي ذكره هنا علي توحيد الصفات صحيح قال تعالي ليس كمثله شئ و علي توحيد الافعال صحيح قال تعالي اروني ماذا خلقوا من الارض ام لهم شرك في السموات و علي توحيد الآثار صحيح قال تعالي هذا خلق الله فاروني ماذا خلق الذين من دونه و قوله و قد مر فيما اسلفنا من البرهان ما بزغ به اي طلع و اشرق نور الحق يعني به ان الدليل البرهاني الذي ذكرناه سابقا في اول كتابه في تعريف الوجود ظهر به نور الحق سبحانه و هو معرفته في قلوب العارفين بذلك البرهان من افق البيان اي الذي برهنا عليه و طلعت شمس الحقيقة اي المعرفة الحقيقية عليه لانها معرفة الحق بالحق تعالي من مطلع العرفان يعني البيان البرهاني القطعي علي زعمه يقول الشاعر :
و كل يدعي وصلا بليلي ** * ** و ليلي لاتقر لهم بذاكا
اذا انبجست دموع في خدود ** * ** تبين من بكي ممن تباكا
و اريد بالاستشهاد انه يدعي ان استدلاله الذي ذكره هو استدلال الانبياء و الاوصياء (ع) و نحن نقول ان استدلالهم قد ذكروه في احاديثهم و ذكره الله تعالي في كتابه فاي موضوع ( موضع خل ) من كتابه او من احاديثهم ذكر فيه نمط ما ذكر المصنف من الاستدلال من ان الوجود حقيقة واحدة بسيطة مشتملة علي افراد تمايزت افرادها لا من ذات تلك الحقيقة بل من مميزات لحقتها من اختلاف مراتب ظهوراتها و من نقائص لحقت بعض افرادها و اصل تلك الحقيقة كمال لا نقص فيه و تمام فوق التمام و هو الوجود الحق تعالي و هذا الاستدلال عندهم (ع) كفر و زندقة فان الوجودات الحادثة وجودات معقولة و وجود الحق عز و جل ليس بمعقول و انما نسمي ذلك المشار اليه
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 647 *»
بالوجود لاجل التفهم و التفهيم و ليس في ذاته معني ما نعقل حتي نطلق عليه الوجود من باب الاشتراك المعنوي كما ذهب اليه المصنف فان ذلك مستلزم لما يذهب اليه من القول بالسنخ و عند الانبياء و الاوصياء عليهم السلام ان القول بالسنخ اسوء حالا من دعوي فرعون الربوبية لانه لعنه الله يدعي المشاركة في الفعل و السلطان و المصنف يدعي المشاركة في الذات الله اكبر الله اكبر جل ربي و معبودي و تعالي عما يقولون علوا كبيرا و قوله ان الوجود حقيقة بسيطة لا جنس لها و لا فصل و لا حد و لا معرف لها و لا برهان عليه يريد به ان حقيقة الوجود ليست داخلة تحت جنس لتكون نوعا منه ليمكن البرهان عليه و التعريف له بجنسه و فصله كما ان الانسان حقيقة لها جنس و فصل فيمكن البرهان عليه و الحد له فنقول الانسان حيوان ناطق و الوجود ليس كذلك لانه ليس شئ لايكون من الوجود فاقول هذا ( هنا خل ) صحيح بعد تسليم ما اشرنا اليه من ان الوجود ليس ذاتا و لميوضع هذا اللفظ لذات و انما هو اسم صفة فعلي تقدير التسليم لهذا و لانه لايدخل تحت جنس و لا فصل و لا حد له و لا برهان عليه لكن لاي شئ يكون له افراد لانه اذا كان له افراد كان جنسا او نوعا او كالجنس و النوع فيكون متعددا فلا معني لتخصيصه بالبساطة دون الحيوان و الانسان فان الحيوان حقيقة بسيطة لها افراد تمايزت بالمنوعات اي الفصول و هي المشخصات النوعية و الانسان له افراد تمايزت بالمميزات الشخصية فاي نوع حقيقة الوجود و حقيقة الانسان و حقيقة الحيوان فان حقيقة الانسان و الحيوان بسيطة لاتحاد حصصها من حيث الحيوانية او الانسانية في رتبة كل منهما و انما تكثرت بما لحقتها من المميزات و المميزات ليست لاحقة لحقيقة الحيوان او الانسان و انما لحقت الافراد اذ لو لحقت الحقيقة لمتتميز ( يتميز خل ) بها الافراد بعضها عن بعض كذلك حقيقة الوجود فانه يقول انها حقيقة بسيطة و ليس الاختلاف بين آحادها و اعدادها الا بالكمال و النقص و التقدم و التأخر و الغني و الفقر كذلك اقول ان حقيقة الحيوان بسيطة اذ هو الجسم المتحرك بالارادة و ليس الاختلاف بين آحادها و اعدادها الا بالكمال
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 648 *»
كالانسان و النقص كالحيوانات و التقدم كالانسان و التأخر كالحيوانات و الغني كالانسان بالنسبة الي غيره من الحيوان و الفقر كالحيوانات بالنسبة الي الانسان فالوجود علي مقتضي قوله جنس تحته ( تحت خل ) افراد متساوية في جهة الكنه و المادة و انما اختلفت بالمميزات و المميزات لا فرق فيها بين الاعدام و الوجودات فان الاعدام اللاحقة لافراد الوجود اعدام ملكات فتأمل في عباراته هنا و في اول الكتاب هل تجد منها فرقا بين تعريف حقيقة الوجود مع ما هو عليه فيها من التكلف و التعسف و بين حقيقة الحيوان او الانسان او الخشب بالنسبة الي الباب و السرير او غيرهما لا حول و لا قوة الا بالله العلي العظيم و قوله او بامور عارضة كما في افراد ماهية واحدة كالمميزات لاصناف النوع و حكمها حكم الاول بلا فرق .
قال و غاية كمالها هي صرف الوجود الذي لا اتم منه و هي حقيقة الواجبة ( الواجبية خل ) البسيطة المقتضية للكمال الاتم و الجلال الارفع و عدم التناهي في الشدة اذ كل مرتبة دون تلك المرتبة في الشدة ليست هي صرف الوجود بل مع قصور و نقص و قصور الوجود ليس من حقيقة الوجود و لا من لوازمه لانه عدم و العدم سلب اصل الوجود او سلب كماله و الاول لايجامعه و هو ظاهر فالقصور لاحق لا لاصل الوجود بل لوقوعه في مرتبة ثانية و ما بعدها فالقصورات و الاعدام انما طرئت للثواني من حيث ثانويتها و تأخرها .
اقول غاية كمال تلك الحقيقة هي صرف الوجود اي خالصه ( خالصة خل ) من الشوائب خلوصا لا اتم منه و هذا الفرد الكامل من تلك الحقيقة هو الواجب علي زعمه و سائر افرادها غير خالصة من الشوب و هي سائر المفعولات فيا سبحان الله اذا كانت مفعولات له فلم صارت جزئيا او جزء من حقيقته و جعلوا له من عباده جزءا ان الانسان لكفور مبين و قوله اذ كل مرتبة دون تلك المرتبة في الشدة ليست هي صرف الوجود فيه انا نقول اذا كانت المراتب كلها من حقيقة واحدة و المراتب الناقصة ليست نقصها من حيث هي وجودات بل لمراتبها و محالها فهي بدون ما
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 649 *»
لحقها صرف وجود فلا نقص في ذاتها بحال فلا فرق بينها و بين صرف الوجود الذي ذكر الا ان يقول ان ما يخصه لذاته من الكمال المطلق الذي لايتناهي لما لحقه النقص في المرتبة لحق الكمال ايضا و يلزم علي هذا ان يكون النقص لاحقا لذاته و ايضا اذ ( اذا خل ) قال كما يأتي ان العدم و الافتقار ينشئان من الافاضة و الجعل لزمه ان يكون المفاض و المجعول ليسا من حقيقة الفياض و الجاعل و الا كانت ولادة فلايقال لميلد و لميولد و لميكن له كفوا احد بل هو يلد و يكون الوالد مولودا و كل احد كفوه لانه من حقيقته و الثانوية و التنزل و الافاضة لاتخرجه عن الكمال الذاتي نعم اذا كان كماله لرتبته كما كانت نقصانها لرتبتها نقصت لنزولها عن رتبتها و لو اخرجه التنزل عن الكمال الذاتي لزم انقلاب الحقايق و يكون الامر الممتنع لذاته ممكنا بحصول ما يمكن له و هو محال و الشئ لايكون جاعلا لنفسه و لا لجزء حقيقته فاذا كانت مجعولة له لمتكن من حقيقته هذا خلف و قوله و قصور الوجود ليس من حقيقة الوجود و لا من لوازمه لانه اي القصور عدم اي عدم كمال و العدم سلب اصل الوجود او سلب كماله فلايجامعه يلزم منه ان جميع وجوداتها من حيث هي صرف وجود لان ما لحقها صور لتلك الحصص و الحصص في نفسها باقية علي كمالها اذ الصور لاتغير حقيقة المواد مثلا لو صغت انسانا من الذهب و كلبا من الذهب فان تغيرت المواد بالصور صح ان القصور يلحق اصل وجود الاشياء و ان لمتتغير فالذهب في الانسان و الكلب علي حد سواء في الرتبة و لميتغير بتغير نقص صورة الكلب عن رتبته كما في الانسان و كذلك قوله فالقصور لاحق لا لاصل الوجود بل لوقوعه في مرتبة ثانية و ما بعدها و كذا قوله فالقصورات و الاعدام انما طرئت للثواني من حيث ثانويتها و تأخرها فيلزم من كلامه ما قلنا لان كل حصة من حصص تلك تامة لذاتها تماما لا اتم منه و النقص اللاحق للرتبة ليس لاحقا لها لذاتها فكل حصة تامة لذاتها تماما لا اتم منه فهي واجبة و حيث يتعذر وجود شئ بدون حصة منه وجب ان يكون كل شئ واجبا لذاته و ممكنا من حيث
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 650 *»
رتبته و لحوق النقائص بها ( لها خل ) و هذا من عجائب الامور ( الامر خل ) .
قال فالاول علي كماله الاتم الذي لا نهاية له و العدم و الافتقار انما ينشئان من الافاضة و الجعل ضرورة ان المجعول لايساوي الجاعل و الفيض لايساوي الفياض في رتبة الوجود فهويات الثواني متعلقة علي ترتبها بالاول فتنجبر قصوراتها بتمامه و افتقاراتها بغناه و كل ما هو اكثر تأخرا عنه فهو اكثر قصورا و عدما .
اقول يعني بالاول اول مراتب الوجود اي صرف الوجود فانه لما كان في اوليته بقي علي كماله الذاتي لميلحق رتبته نقص لان النقائص اعدام و الاعدام لاتسبق الوجود و لاتساوقه في اوليته لانها انما نشأت من الافاضة و الجعل لانهما احداث كون و الكون المحدث يلزم حقيقته النقص و الافتقار اما ان النقص و الافتقار لايلزمان حقيقة المحدث بفتح الدال فشئ لاتعرفه العقول و المصنف جعل الاشياء في نفس وجوداتها تامة كاملة و انما تلحقها النقائص لرتبها و جعلها لا لاصل حقيقتها فلايلزم علي قوله حقائقها نقص بل هي باقية علي صرف حكم الاصل فلايكون وجوداتها حادثة و ما تقدم من كلامه من اتحاد العاقل بالمعقول و الجاعل بالمجعول ظاهر بعدم حدوثها اذ لو كانت المعقولات حادثة ماصح اتحادها بعاقلها اذ لايتحد الحادث بالقديم الا اذا جعل الحدوث المنسوب اليها لاحقا بعوارضها و اما هي فقديمة سلمنا ذلك لكن كيف يعرض النقص و التغيير لشئ يتحد بالقديم و قد قدمنا علي قوله ان هذا الاتحاد انما يكون في المعقولات و اما ما سواها من الحوادث فلا بان العلة في الاتحاد و العاقلية و المعقولية و ما سوي المعقول ليس بمعقول فان كان كل شئ معقولا فتخصيصه غير صحيح و ان لميكن كل شئ معقولا لزم الجهل ، و قوله ضرورة ان المجعول لايساوي الجاعل و الفيض لايساوي الفياض فيه انه اذا حكم باتحادهما ابدا لا في حال دون حال لوجود علة الاتحاد و هي العاقلية و المعقولية وجب التساوي بينهما حال الاتحاد الذي لاينفك عنه ابدا و الا كان الشئ الواحد المتحد ضعيفا قويا كاملا ناقصا قديما حادثا صانعا
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 651 *»
مصنوعا هذا خلف ، و قوله فهويات الثواني متعلقة علي ترتبها بالاول فتنجبر قصوراتها بتمامه الي آخره فيه انه قال انه ليس فيها قصور لذواتها ( لذاتها خل ) و انما النقائص لاحقة للرتب فهذا المنجبر بتمام الحق الذي لا اتم منه ما هو هل هو حقائق تلك الوجودات ام رتبها فان كانت حقائق الوجودات كان النقص في ذواتها قبل الانجبار و قد قال فالقصور لا لاصل الوجود بل لوقوعه في رتبة ثانية و هذا تدل ( يدل خل ) علي ان لا نقص في ذاتها فلايحتاج ( فلاتحتاج خل ) الي الانجبار علي انها بعد الانجبار لا نقص ثم نقول هذا الانجبار هو طار عليها بعد نزولها ناقصة في رتبتها ام مساوق فتنزل في رتبتها تامة الا ان هذا التتميم مشعر بالنقص الذاتي و ان كانت المنجبرة رتبها كانت الثانوية بحكم صرف الوجود لانها في انفسها مثل الاول و نقص رتبها منجبر بالاول كما احتمل في اتحاد العاقل بالمعقول لدفع ما قلنا من لزوم كون الشئ قديما حادثا ( او حديثا خل ) الخ ، انه بالاتحاد انجبر بكمال العاقل حتي ساواه فلهذا جاز الاتحاد بل وجب و فيه مع كونه خرافات لزوم انقلاب الحقايق و قوله كلما هو اكثر تأخرا فهو اكثر قصورا و عدما هذا كلام صحيح في نفس الترتيب الا انه مع ملاحظة الانجبار تكون كلها منجبرة اذ ليس عند الاول قرب او بعد و ان اختلفت ( اختلف خل ) في انفسها لكن مع فرض الاتحاد بين العاقل و المعقول تتساوي في ذواتها مع ذاته او يكون اعني الاول مختلفا فافهم .
قال فاول الصوادر عنه تعالي يجب ان يكون اجل الموجودات بعده و هو الوجود الابداعي الذي لا امكان له الا ما صار محتجبا بالوجوب الاول و هو عالم الامر الالهي و لايسع فيه الا الارواح القادسة علي تفاوتها في القرب من الذات الاحدية لانها بمنزلة الاضواء الالهية و العبارة عن جملتها روح القدس لانها كشخص واحد و هي ليست من العالم و لا داخلة تحت قول كن لانها نفس الامر و العقول ( القول خل ) و بعدها مرتبة النفوس علي درجاتها ثم الطبايع و الصور علي مراتبها ثم بسائط الاجسام واحدا بعد واحد الي المادة الاخيرة التي شأنها القبول و الاستعداد و هي النهاية في الخسة و الظلمة .
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 652 *»
اقول قوله اول الصوادر عنه تعالي هذا الكلام من حيث ان اول صادر اشرف صحيح الا ان قوله عنه تعالي يظهر من كلامه بعد ان هذا الصدور ليس بخلق و لا بعنوان الخلق بل هذا الصادر من ذاته بغير صنع و هذا هو ولادة تعالي ربي ان يخرج منه شئ او يدخله شئ او يصدر عنه شئ ليس بصنع او يصدر عنه صنع ليس بفعل منه اذ كل هذه امور باطلة اذ لو خرج منه شئ كان والدا و لو دخله شئ لميكن صمدا و لو صدر عنه شئ لايصنع ( بصنع خل ) لميكن صانعا له و لاكان مختارا و لكان معه شريك في ملكه و في خلقه و لو صنع بغير فعل لكانت ذاته فعلا و كان مربوبا لرب فاعل تعالي ربي قوله و هو الوجود الابداعي هذا الوجود هو الوجود المطلق لان الوجود في العبارة عندنا وجود حق و هو الله عز و جل و هو الواجب الوجود و وجود مطلق و هو مشيته و ارادته و اختراعه و ابداعه و قال الرضا عليه السلام المشية و الارادة و الابداع اسماؤها ثلاثة و معناها واحد و المراد من الكل فعل الله تعالي فان تعلق بايجاد الكون سمي مشية و بمعناها خلق و ان تعلق بالعين المسماة في عالم الاجسام بالصورة النوعية قيل اراد و برأ و ان تعلق بالحدود و الهندسة و ضبط الآجال و الارزاق قيل قدر و صور و ان تعلق بالاتمام قيل قضي و ان تعلق باخراجه مشروحا مبين العلل و الاسباب قيل امضي و ان لوحظ ان متعلقه ( انه متعلقة خل ) لا من شئ قيل اخترع و ان لوحظ انه لا لشئ قيل ابتدع و الفعل في الكل واحد و ما امرنا الا واحدة كلمح بالبصر ما خلقكم و لا بعثكم الا كنفس واحدة و انما تكثرت اسماؤه بسبب اختلاف متعلقه و الفعل بجميع انواعه مخلوق بنفسه لانه مخلوق و كل مخلوق فانما يخلق بحركة ايجادية و لما كان هو حركة ايجادية خلقه الله تعالي بنفسه و كانت المشية التي خلقها الله بنفسها ثم خلق الخلق بالمشية و هي الفعل علي قسمين امكانية و كونية فالامكانية خلقها بنفسها و خلق الامكان لكل شئ بها فهي المشية و محلها اي مكانها الامكان و كل الممكن و هو العمق الاكبر و وقتها السرمد و هذا المكان مكان لجميع انواع الفعل و ان كان مفعوله من الاجسام و وقته السرمد و ان كان مفعوله في الدهر و ( او خل )
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 653 *»
الزمان و المشية الكونية هي ما تتعلق بالاكوان و هي المعبر عنها بكن يشار بالكاف الي الكون لانه ينشأ عنها و بالنون الي العين التي هي الماهية و نريد بالكون الحصة المادية النوعية و نريد بالعين الحصة الصورية النوعية و هذه المشية الرتبة الثانية من المشية و هي عين الاولي الا ان الاولي حدث بها الامكان بجميع مراتبه الكلية و الجزئية و الاضافية لان الجزئي هناك يصلح لكل شئ و بالثانية حدثت الاكوان من نور الانوار اعني امر الله المفعولي و هو الحقيقة المحمدية صلي الله عليه و آله الي اسفل السافلين فاول صادر هو المشية خلقها سبحانه بنفسها و امكن الامكان بها فسميت بالمشية الامكانية و هي العلم الذي لايحيطون بشئ منه ثم كون بها ما شاء فسميت بالمشية الكونية و هي العلم المشاء الذي يحيطون به و اول ما شاء بالمشية الكونية الحقيقة المحمدية صلي الله عليه و آله ثم خلق بها قابليتها اعني الزيت الذي يكاد زيتها يضيء و لو لمتمسسه نار ثم خلق من ذلك النور و تلك القابلية العقل الكلي ثم الروح الكلية ثم النفس الكلية ثم الطبيعة الكلية ثم جوهر الهباء ثم المثال ثم الاجسام و قوله و لا امكان له غلط بل لا وجوب له نعم هو الوجود المطلق و هو الامكان الراجح الوجود فهذا الرجحان له و لمكانه و لوقته و وجود مقيد و هو الجائز الوجود و هو المفعولات ( المعقولات خل ) المقيدة اولها الدرة اي العقل و آخرها الذرة اي ( اعني خل ) الثري و ما تحت الثري فكلها جائزة الوجود و ان اختلفت في الشدة و الضعف و التقدم و التأخر اختلافا لايكاد يتناهي و قوله الا ما كان ( صار خل ) محتجبا بالوجوب الاول ليس بشئ لانه ( فانه خل ) اذا عني روح القدس فمراتبه العقل الكلي و هو مسبوق بالدواة فانه هو القلم و هو اخذ من شجرة الخلد و هي لا شك في وجودها قبل كونه لانه هو المصباح المشار اليه في آية النور و قال تعالي في حق المصباح انه يوقد من شجرة مباركة فالدهن و مس النار قبل المصباح فحرارة النار هي آية فعل الله و الدهن هو الارض الجرز و ارض القابليات و الاستضائة المشرقة علي الدخان المتعلقة به هو نور الانوار و ( بل خل ) الحقيقة المحمدية صلي الله عليه و آله فاستنارة المصباح بانارة تلك الحقيقة و الدخان هو
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 654 *»
المستعد من الدهن بعد تكليس حرارة النار له هو المستضيء و المستنير و قد ذكر الامام ابومحمد العسكري عليه السلام في تاريخه من الدرة الباهرة في شأن روح القدس اي العقل الكلي من انه اول من وجد من زرعنا قال (ع) و روح القدس في جنان الصاقورة ذاق من حدائقنا الباكورة و الصاقورة هنا العرش الذي هو سقف الجنان و الباكورة اول الثمرة يعني ان روح القدس اول من اكل من اول ثمرة الوجود من حدائقنا لان حقيقتهم صلي الله عليهم هي اول ما كون الله سبحانه بفعله التكويني و هي الحقيقة المحمدية صلي الله عليه و آله الطاهرين و هي نور الانوار و مادة المواد و هي امر الله المفعولي الذي كل شئ قام به قيام تحقق و ركن بمعني ان كل شئ خلقه الله سبحانه فقد قبض مادته من شعاع انوارهم ان كان من اتباعهم من نبي مرسل و ملك مقرب و مؤمن صالح و اتباعهم الي التراب الطيب و الماء العذب و ان كان من اعدائهم فمن عكس انوارهم من ابليس الي التراب السبخة و الماء الاجاج و المادة هي التي يقوم بها الشئ قيام تحقق و قياما ركنيا و قبض صورته من هيئة اعمالهم الطيب ( للطيب خل ) و من عكسها للخبيث ثم خلق منها العقل كما ذكرنا ثم خلق من العقل الروح كما خلق المضغة من النطفة و العقل علي مقره باق ثم خلق منها النفس الكلية المسماة باللوح المحفوظ و بالروح الذي علي ملئكة الحجب اعني الكروبيين ثم خلق من النفس ( نفس خل ) الطبيعة الكلية ثم خلق جوهر الهباء و هو حصص مواد الموجودات مميزة غير مقدرة ثم خلق عالم المثال و هو البدن المقداري الظلي الذي لا مادة فيه فهو كالصورة في المرءاة بل هي منه و في عالمه علي نحو ما ذكرنا قبل و هو يريد ان روح القدس ليس لها اول فلايكون لها امكان لانها قبل الامكان الا انها مسبوقة بالواجب تعالي فنقول عليه اذا كان مسبوقا بالواجب لميكن واجبا لان الواجب هو الذي لميسبق بالغير فاذا سبقه غيره كان ممكنا و كل ممكن فهو داخل تحت كن صادر عنها و انما دعاه الي هذا الكلام جعله روح القدس هي الارادة و الارادة عنده قديمة كما هو مذهب ائمته و اما ائمتنا عليهم السلام فعندهم انها حادثة و ليس لله تعالي ارادة قديمة و هذا باجماعهم عليهم السلام
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 655 *»
لايختلفون فيه و لكن علي كل تقدير اذا جعلها قديمة كيف تكون محجوبة بالوجوب اذ ( ان خل ) كل محجوب بالوجوب فهو حادث ممكن و قوله و هو عالم الامر الالهي فيه ايضا انه اراد حصر الامر الالهي في روح القدس و عالم الامر اذا يطلق علي شيئين احدهما عالم الفعل بجميع انواعه و به قامت السموات و الارض و ما فيهن قيام صدور لانها آثاره و ثانيهما الحقيقة المحمدية و هي اول صادر من الفعل و هي مادة المواد اذ كل مخلوق سواها فمادته من شعاعها و صورته من هيئة فعلها ان كان طيبا او ( كان خ ) تابعا للطيب و ان كان خبيثا او تابعا له فمن عكس ما للطيب قال الصادق (ع) كل شئ سواك قام بامرك ه ، و المراد بالقيام هنا قيام تحقق قياما ركنيا و اما روح القدس فكما ذكرنا يطلق علي ملكين هما ركنان للعرش من جهة اليمين احدهما اعلي و هو النور الابيض و ثانيهما اسفل و هو النور الاصفر و قد يطلق من دونهما علي جبرئيل كما قال تعالي قل نزله روح القدس من ربك بالحق و جبرئيل ليس مرادا هنا بقي الاولان و قد يطلق عليهما انهما من عالم الامر يعني به من الامر المفعولي الذي قامت به الاشياء قياما ركنيا اعني الحقيقة المحمدية لان هذين منهما كاليدين و لايطلق روح القدس علي عالم الامر الفعلي في الشرع نعم يحتمل ان يكون اصطلاحا فان سمي فعل الله تعالي روح القدس اصطلاحا فهو و ان كان مخالفا لما ورد في الشرع الا انه لا مشاحة في الاصطلاح لكن العقلاء اجمعوا علي ان الفعل بجميع انواعه حادث لايختلفون فيه فاذا جعله هو المشية و الارادة و هما قديمتان عنده و عند الاكثر فهنا بحثان الاول ان الذي ينبغي لمثله مع ما يدعيه من المعرفة و من التشيع لانه ( انه خل ) لايركن الي قول كل ناعق لاسيما في مخالفته ( مخالفة خل ) اجماع اهل البيت عليهم السلام علي ان المشية و الارادة حادثان و انه ليس لله تعالي مشية او ارادة قديمة و ان من
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 656 *»
قال بذلك ليس بموحد و من ذلك ما رواه الصدوق في التوحيد عن الرضا عليه السلام انه قال المشية و الارادة من صفات الافعال فمن زعم ان الله لميزل شائيا مريدا فليس بموحد ه ، فان كان لا بد له من التقليد و المتابعة فليقلد من لايسهو و لايغفل و لايجهل و هو مسدد من الله سبحانه مأمور باتباعه لايسع جميع الخلق مخالفته و ان لميقلد و انما اداه عقله الي ذلك فلايصح هذا لان العقل اذا لميلاحظ المتابعة للغير و لا الرجوع الي قاعدة و لا الي ما انست به النفس لايؤدي الي مثل هذا و هو ان يكون شئ غير الله ليس بمخلوق لله او يكون محجوبا بالوجوب و ليس بمصنوع او متأخرا عن الذات و ليس بحادث او يكون مع الذات او في الذات مغاير للذات و لو بالاعتبار فهذه و امثالها لايؤدي العقل اليها الا بسبب من نحو ما قلنا الثاني ان المعروف عند علماء اهل البيت عليهم السلام و رواتهم و علماء شيعتهم بل عند جميع المسلمين ان روح القدس ملك و ان اختلفوا في تعيينه فاذا جعله غير مخلوق كان الها و شريكا فلايحسن منه ان يقول لا اله الا الله وحده لا شريك له لانه يكون كذبا في حق من يثبت ملكا قديما غير الله تعالي و قوله و لايسع فيه الا الارواح القادسة فان روح القدس عنده اسم نوع و افرادها متفاوتة في القرب و البعد من الذات الاحدية لانها عنده بمنزلة الاضواء الالهية اي بمنزلة الاشعة من السراج و الاضواء تطلق علي المنيرات و الانوار علي الاشعة كما قال تعالي جعل الشمس ضياء و القمر نورا فاطلاق ( فاطلاقه خل ) الاضواء علي الارواح القادسة ان تجوز فيه فحسن و الا فهو تنصيص علي قيامها بذواتها و استغنائها و هو ما يقتضيه كونها غير مخلوقة علي زعمه و قوله بمنزلة الانوار الالهية يشعر بمغايرتها للانوار الالهية لكن قوله علي تفاوتها في القرب من الذات يحتمل ان يريد بالضمير المتصل في تفاوتها ضمير الارواح القادسة فيشعر باستمداد الارواح القادسة من الذات الاحدية فيقع التنافي في بعض كلامه لبعض يظهر لمن تتبع كلامه و الظاهر بل الصريح من عبارته ذلك
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 657 *»
و هو لايستنكف عن ذلك اذ لو جعلها من جملة الانوار الالهية لميقل بمنزلة الاضواء الالهية ثم ما يريد بالاضواء الالهية هل اشياء مخلوقة ام لا بل هي اظلة الذات كما يذهب اليه المشبهون ظاهر كلماته الثاني و قوله و العبارة عن جملتها روح القدس يريد به كما قلنا من اسم النوع و قد ذكرنا ان هذا الاسم يستعمل في اثنين و في جبريل (ع) و قوله و هي ليست من العالم و لا داخلة تحت قول كن يريد به انها ليست من العالم الذي هو ما سوي الله تعالي و هو كما تري و لو اريد به انها اي عالم الامر علي ارادته ان روح القدس هي العالم الامر الذي يعبر عنه بكن ليست من العالم الذي هو المكونات ( المكنونات خل ) لميكن في نفيه بأس و اما انها من عالم الامر و انها لاتدخل تحت كن فغلط فاحش فان عالم الامر غير الارواح القادسة لان هذه مخلوقة بكن داخلة تحتها و الا كانت قديمة و اما انها هي عالم كن فغير مسلم و لو سلم فالذي دل الدليل العقلي القاطع و النقل ( النقلي خل ) الصريح الساطع انها خلقت بنفسها و مثاله ما قاله الفقهاء ان الباعث علي الصلوة هي النية و الباعث علي النية نفسها لايختلفون في ذلك قالوا و الا لزم الدور او التسلسل و قوله لانها نفس الامر و القول يعني كن وقع من غير علم بالامر و بكن انيتبعون الا الظن و ان هم الا يخرصون و قوله و بعدها مرتبة النفوس علي درجاتها ثم الطبايع و الصور علي مراتبها ثم بسائط الاجسام واحدا بعد واحد يدل علي ان ما ذكر كلها متناسقة من الارواح القادسة الي بسائط الاجسام و لايكون التناسق بين الاشياء الا اذا كانت في صقع واحد كما هو مقرر في الحكمة و يلزم من التناسق ان الارواح القادسة داخلة تحت كن كالتي بعدها او ما بعدها مما ذكر غير داخل تحت كن و قوله الي المادة الاخيرة يعني به المادة العنصرية التي شأنها القبول المادي و الاستعداد النباتي الذي هو منشأ النمو و الزيادة و الذبول و النقصان و هي النهاية في الخسة و البعد عن النور و في النهاية ( نهاية خل ) الظلمة الحسية و هذا ظاهر .
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 658 *»
قال ثم يترقي الوجود منها بالتلطيف و التكميل راجعا الي ما نزل منه عائدا الي ما بدئ منه بتهييج المواد و تحريك الاجساد و احداث الحرارة المهيجة السماوية في الاستقصات من تداوير النيرات ( المنيرات خل ) الموجبة لنشو النبات بعد الجماد و سياقة المركبات الي درجة قبول الحيوة و تشويق النفوس الي ان تبلغ درجة العقل المستفاد الراجعة الي الله الجواد .
اقول اشار بقوله ثم يترقي الي عود الاشياء في القوس الصعودي منها اي من المادة الاخيرة العنصرية التي هي النهاية في الخسة و الظلمة بالتلطيف كما اشرنا سابقا من انحلال جزئين من الماء في جزء من التراب لما بينهما من المشاكلة بواسطة اشعة الكواكب فجري في النبات و الاشجار غذاء حتي صار ثمرة ثم اغتذي به حتي صار كيلوسا ثم كيموسا ثم نطفة ثم علقة ثم مضغة ثم عظاما ثم كسي لحما ثم انشي خلقا آخر و اثبت فيه الجوارح و هو قوله و التكميل راجعا الي ما نزل منه هذا الكلام من المصنف اما انه علي جهة المجاز و اما انه غلط لانه لايرجع الي ما نزل منه و الا لرجع الي كونه عظاما ثم مضغة ثم علقة ثم نطفة ثم كيموسا ثم كيلوسا ثم طعاما ثم مادة ثم عناصر فيفني لرجوعه الي ما نزل منه و هو الامكان اولايذكر الانسان انا خلقناه من قبل و لميك شيئا اي شيئا مكونا و ان كان شيئا ممكنا بل المراد من رجوعه الي ما بدئ منه كما قال اميرالمؤمنين صلوات الله عليه للاعرابي في الخبر المذكور سابقا فاذا فارقت اي النفس الناطقة القدسية عادت الي ما منه بدئت عود مجاورة لا عود ممازجة ه ، و لهذا قلنا رجعت اليه في القوس الصعودي و انما يعبر عن ذلك العود بالرجوع الي ما نزل منه لكون كل مقام صعد اليه مقابلا لما هو بمعناه قوله بتهييج المواد بالقوي النباتية المعبر عنها بالنفوس النباتية فانها تهيج المادة بالنمو و الزيادة و تحريك الاجساد اي تحركها النفوس النباتية حركة جوهرية و احداث الحرارة المهيجة السماوية اي النفوس الحيوانية الحسية الفلكية التي اصلها الافلاك كما تقدم فانها حرارة غريزية سماوية مهيجة للنفوس النباتية علي الحركة الجوهرية المقتضية عن اسبابها الصعود ( للصعود خل ) القوسي
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 659 *»
في الاستقصات جمع استقص و هو الاصل باعتبار الرجوع اليه كما انه باعتبار النزول منه يسمي هيولي و فيه ما قلنا من المجاز و ( او خل ) الغلط فان الاستقص هو الاصل المرجوع اليه رجوع ممازجة لا مجاورة و قد منعناه الا ان يحمل علي خصوص المواد العنصرية و النفوس النباتية بل و الحيوانية الحسية او المجاز او الغلط من تداوير النيرات اي الكواكب يعني ان الحرارة المهيجة للنفوس النباتية بالحركة الجوهرية من تداوير النيرات يعني من دورانها ( دوراتها خل ) من المشرق الي المغرب و من المغرب الي المشرق فان الحرارة المهيجة من قبسات اشعة النيرات و ليس المراد بالتداوير جمع تدوير و هو الفلك الجزئي للكوكب بالمعني الاصطلاحي الا ان يقال انه علة من علل ذلك الدوران الموجبة اي تلك الحرارة و التسخين الحادث من قبسات تلك الاشعة فانها مع الرطوبة يحصل بهما التعفين و الانحلال انحلال اليبوسة الترابية المشاكلة في الرطوبة المائية كما اشرنا اليه في الفوائد و في شرحنا علي الفوائد و يحصل بهما نشو النبات بعد الجماد بعد كونه جمادا لا حركة فيه و لا له و سياقة المركبات بتعديل طبايعها في النفوس النباتية و نضج الابخرة المتخلصة من صفوها باختلاف اشعة الكواكب نضجا معتدلا حتي وصلت بذلك الي تلطف مساو للطف اجرام الافلاك و هو المعني بقوله الي درجة قبول الحيوة لان الحيوة التي في الحيوان من نفوس ( النفوس خل ) الافلاك فيما ( فما خل ) ساوي اجرامها تعلقت به الحيوة من تلك النفوس الفلكية فاذا قبلت الحيوة حصل لها الاحساس و الشعور فتشعر بكمال ما فوقها و حسنه و بحاجتها اليه اعني الارواح القادسة و العقول النورانية فتشتاق الي الاتصال بها الي ( و خل ) الاستمداد منها الي ان تبلغ باستعدادها بالاعمال الصالحة و الآداب الشرعية الي ان تصل درجة العقل المستفاد كما ذكرنا الاشارة الي معناه من انه الدرجة الثالثة من مراتب العقل العملي ( العلمي خل ) و الرابعة العقل بالفعل و قيل الثالثة العقل بالفعل و الرابعة العقل المستفاد و لعل هذا هو المراد من كلام المصنف الراجعة الي الله الجواد يعني تلك الدرجة او اهلها من العقول المستفادة راجعة الي الله الجواد دائم العطاء و
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 660 *»
الامداد لاهل الاستمداد و المراد بالرجوع عندنا هو الرجوع الي رضوانه الذي هو اكبر في درجة الامكان و دار كرامته و جنانه و عند المصنف الرجوع هو الخروج عن درجة الامكان الي درجة الوجوب كما اشار اليه فيما سبق من كلامه في قوله في العقول انها باقية ببقائه فضلا عن ابقائه .
قال فانظر الي حكمة المبدع البديع كيف ابدع الاشياء و انشأ الاكوان من الاشرف فالاشرف فابدع اولا انوارا قدسية و عقولا فعالة تجلي لها و القي فيها مثاله فاظهر عنها افعاله و اخترع بتوسطها اجساما كريمة صافية نيرة ذوات نفوس حيوانية دائمة الحركات تقربا الي الله و عبودية له و حملها في سفينة ذات الواح و دسر جارية في بحر القضاء و القدر بسم الله مجريها و مرسيها و الي ربك منتهيها .
اقول ان الله سبحانه خلق الخلق و كل شئ خلقه و اوقفه علي باب القضاء و لايمضيه الا مبين العلل مشروح الاسباب ليستدل به علي علم صانعه و قدرته فيعرفه العباد بما عرفهم فعلل فقال تعالي في تقدير القمر لتعلموا عدد السنين و الحساب و كل شئ فصلناه تفصيلا و قال عز و جل يا ايها الناس ان كنتم في ريب من البعث فانا خلقناكم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة مخلقة و غير مخلقة لنبين لكم فقوله فانظر الي حكمة المبدع لانه تعالي جعل كل شئ دليلا و مدلولا عليه و معني ابدع الاشياء اي خلقها لا لشئ يكون عائدا اليه و انما خلقها لينقل حوائجهم اليه من بعض الي بعض او خلقها لا من شئ بل اخترع موادها و صورها لا علي مثال سبق و لا من شئ تقدم و انشأ اكوانها اي وجوداتها يعني موادها و ابتدأها علي النظم الطبيعي الذاتي الاشرف اولا لمناسبته ( لمناسبة خل ) لاقوي الفيض فالاشرف اي باشرف ما بعده اي ما بعد الاشرف الاول و قوله فابدع تفصيل لما اجمله بقوله الاشرف فالاشرف اولا عقولا قدسية اي منزهة عن رذائل الطبايع و المواد الجسمانية و قد تقدم في كلامه ما يدل علي خروجها من العالم الذي هو ما سوي الله حتي انه قال في
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 661 *»
اول كتابه هذا فالعقل و ما فوقه كل الاشياء يعني انه بسيط الحقيقة و هنا حكم بانها مبدعات و قد اتفق الحكماء علي ان كل ممكن زوج تركيبي اي من مادة و هي ما من الله تعالي اي من فعله و من صورة و هي ما منه و هي قابليته و كل زوج تركيبي داخل تحت كن و قوله فعالة اي كثيرة الصنع يشير به الي انها من عالم الامر اي الذي هو فعل الله تعالي و ليس كما يقول لان هذا شئ لايوجد الا عند آله ( اهله خل ) عليهم السلام و هو استغني بالعيون الكدرة التي يفرغ بعضها في بعض لان فعل الله هو مشيته و ارادته كما قال الصادق عليه السلام و اما ارادة الله فاحداثه لا غير لانه لايروي و لايفكر و لايهم ه ، الا ان الله عز و جل يفعل بفعله و يفعل بمفعوله ففعله بفعله لاتدخل فيه العقول و فعله بمفعوله تدخل فيه العقول و النفوس و الطبايع و المواد و الصور و الاجسام و كل شئ يلقي مثاله في هويته علي حسب قابليته و امكانه و يفعل به ما يترتب عليه و هو الفاعل عز و جل في كل شئ علي كل حال افرأيتم ما تحرثون ءانتم تزرعونه ام نحن الزارعون و مارميت اذ رميت و لكن الله رمي فالحديدة المحمية اذا احرقت فانما احرقت النار بما القت في الحديدة من مثالها و هو فعلها و تأثيرها ففعل العقل معناه ان الله فعل به ما شاء بمعني ان فعله تعالي اشرق عليه ففعله ( ففعل خل ) بذلك الاشراق كما انار الجدار باشراق نور الشمس عليه فافهم فقوله تجلي لها و القي فيها مثاله يشير الي كونها فاعلة بالله تعالي اخذه من قول اميرالمؤمنين صلوات الله عليه في شأن النفوس المقدسة كالملائكة قال (ع) فالقي في هويتها مثاله فاظهر عنها افعاله اي بواسطة تحمل افعاله لانها محال مشيته قوله و اخترع بتوسطها اجساما كريمة صافية نيرة يريد به انه خلق بتوسطها و الا فان اخترع يستعمل في اول ابداع لا من شئ و ابتدع لا لشئ و انما قدم الابداع لانه ورد انه بمعني الاختراع و جري علي لسانه اولا و لا عيب فيه و ذكر بعده الاختراع تغييرا للتعبير لا ترتيبا و المراد بالاجسام الكريمة النيرة اجرام الكواكب و افلاكها ذات نفوس حيوانية و هي التي تستمد منها اهل
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 662 *»
الارض الحيوة دائمة الحركات اذ من شأن النفوس الحيوانية التحرك و التحريك تقربا الي الله تعالي و عبودية ( عبوديته خل ) له لانها تخدمه فيما امرها به من التقدير و التسخير اللذين هما آلة التدبير و تتقرب اليه بامتثال اوامره فتعبده بالتحرك و التحريك و باشراق اشعتها و بقبضها ( يقبضها خل ) فاضل رطوبات البحار و العيون و الانهار و ببسطها ( يبسطها خل ) ارخاء عزالي الامطار و تبريدها و تسخينها بالليل و النهار و حملها اي تلك النفوس و تلك الاجرام النيرة و تلك الحركات في سفينة محدد الجهات و تلك البروج و السموات ذات الواح من البروج الاثنيعشر و المنازل الثمانية و العشرين و السيارة ( السايرة خل ) و دسر من اقطابها جارية بحكم التسخير و التقدير في بحر القضاء من المحتوم و القدر من المرسوم يرجع عودها علي بدئها و غروبها علي طلوعها مستمرة علي مقتضي التعديل في التغيير و التبديل تنعطف ( تنطف خل ) الاعجاز علي الصدور و تدبير الامر بينها يدور في الروحانيات و الجسمانيات مدي الازمنة و الدهور الي انتهاء الامور فنهار يكر علي ليل و ليل يكر علي نهار افلاك تدور و خلق يدور و الفاظ تدور و حروف تدور و اسماء تدور و دهور تدور و ازمنة تدور و اعوام تدور و فصول تدور و اشهر تدور و ايام تدور و اعداد تدور و حركات تدور يدبر ( يدير خل ) بينها مقتضيات الامور كما بدأكم تعودون و لقد علمتم النشأة الاولي فلولاتذكرون قال في هذا المعني بعضهم :
انظر الي العرش علي مائه ** * ** سفينة تجري باسمائه
و اعجب له من مركب دائر ** * ** قد اودع الخلق باحشائه
يسبح في لج بلا ساحل ** * ** في جندل الغيب و ظلمائه
و موجه احوال عشاقه ** * ** و ريحه انفاس ابنائه
فلو تراه بالوري سائرا ** * ** من الف الخط الي يائه
و يرجع العود علي بدئه ** * ** و لا نهايات لابدائه
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 663 *»
يكور الصبح علي ليله ** * ** و صبحه يفني بامسائه
لايدري احد من اين الي اين الا مدبرها و محصيها بعلمه و قدرته فسبحان الذي بيده ملكوت كل شئ و اليه ترجعون و قوله بسم الله مجريها و مرسيها يعني به ان سفينة التكوين تجري بالاكوان و المكونات بسم الله اعني نور الانوار و الحقيقة المحمدية صلي الله عليه و آله و هو الاسم الاكبر الاعز الاجل الاعظم الاكرم الذي يحبه الله و يهويه و يرضي به عمن دعاه و هو امر الله المفعولي و هو صفة الله الفعلية اعني الالوهية و يحتمل ان يكون المراد به الالف القائم الذي يلفظ باسمه في لفظ الجلالة بعد اللام الثانية و هو الاسم الذي اشرقت به السموات و الارضون و يحتمل ان يراد به الالف المبسوط الواقع اسمه بعد ميم الرحمن و هو الاسم الذي يصلح به الاولون و الآخرون و المناسب لحكم النزول في سفينة نوح عليه السلام الموافق لباطن التأويل هو الالف المبسوط الذي اسمه بعد ميم الرحمن و يؤيد هذا ما رواه ابن ابيجمهور عن النبي صلي الله عليه و آله انه قال ظهرت الموجودات من باء بسم الله الرحمن الرحيم و الباء هي الالف المبسوط فمجريها بدؤها و مرسيها عودها الي ما منه بدئت اي الي مقابله كما ذكرنا قبل هذا و الي ربك منتهاها اي تنتهي امور جميع الخلائق من الجواهر و الاعراض في الغيب و الشهادة الي ( حكم خ ) قدره و قضائه فيهم كما كان بدؤهم و ما بينهما كذلك و هذا ظاهر .
قال و جعلها مختلفة في الحركات و نشأت اضواء النيرات المعدة لنشو الكائنات ثم خلق هيولي العناصر من التي هي اخس الممكنات و هي نهاية تدبير الامر فانه يدبر الامر من السماء الي الارض ثم يعرج اليه بتكوين الجماد من تعديل العناصر و الاركان ثم النبات من صفوها ثم الانسان و اذا استكمل بالعلم و الكمال بلغ الي درجة العقل الفعال فبه ( فيه خل ) وقف ترتيب الخير و الجود و اتصل باوله آخر دائرة الوجود .
اقول انتهي كلام المصنف في هذا الكتاب الي هنا و قوله و جعلها
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 664 *»
مختلفة في الحركات يعني به انه تعالي جعل الكائنات في رجوعها اليه مختلفة في الحركات الجوهرية في الشدة و الضعف و النورية و الظلمة و في الصعود اليه و القرب منه و في النزول عن جواره و البعد منه و ذلك بمقتضي قوابلهم لفيضه المتألفة من الكم و الكيف و الجهة و الرتبة و الوقت و المكان و ما يتممها و يكملها من احكام الوضع و الاذن و الاجل و الكتاب و المراد من اضواء النيرات اشعتها علي حسب مقاديرها و النيرات هي الكواكب المعدة لنشو الكائنات كما اشرنا اليه سابقا من ان اركان المواد من العناصر اذا تعدلت في طبايعها كانت مطارح لقبسات الاشعة فتقوي ضعيفها و تزيل الاعراض المنافية عنها و تلطفها و تعفنها و تهضمها و تحلها غذاء معتدلا موافقا بنحو ما ذكرنا سابقا حتي تنشأ ( تنشو خل ) عنها النفوس النباتية في ثلاثة ادوار في الاول ادار طبايعها بعضها علي بعض فتناكحت فتولدت عناصرها ثم ادار العناصر بعضها علي بعض فتناكحت فتولدت معادنها ثم ادار العناصر و المعادن بعضها علي بعض فتناكحت فتولدت النفوس النباتية ذوات الحركات الجوهرية ثم ادار العناصر و المعادن و النباتات بعضها علي بعض فتناكحت فتولدت الحيوانات فسارت العناصر و المعادن الي الله سبحانه في السلسلة العرضية و سارت الحيوانات الي الله سبحانه في السلسلة الطولية و النباتات برزخ بينهما فلها سير عرضي بسكون الراء اضافي و طولي اضافي و هو قوله ثم خلق هيولي العناصر الهيولي هي اصل اشياء ( الاشياء خل ) من حيث قبولها الاشكال غير متناهية و ذلك انه تعالي خلق طبيعة الحرارة من الحركة التكوينية التي هي علة العلل في الاشياء المتحركة ثم خلق الله سبحانه طبيعة البرودة و اصلها من السكون الكوني الذي هو علة العلل في الاشياء الساكنة فهذان اول زوجين خلقهما الله سبحانه و ذلك قوله تعالي و من كل شئ خلقنا زوجين لعلكم تذكرون ثم تحرك الحار علي البارد بسر ما اودع الله فيه من الحركة المذكورة فامتزجا يعني تناكحا ( تناكحها خل ) فتولدت ( فتولد خل ) من الحرارة اليبوسة و تولد من البرودة الرطوبة فكانت اربع طبايع منفردات ( مفردات خل ) في جسم واحد جوهري روحاني و هو اول مزاج بسيط اي معتدل متماثل الاجزاء ثم صعدت الحرارة
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 665 *»
بالرطوبة فخلق الله تعالي منهما طبيعة الحيوة و اجرامها الافلاك العلويات و هبطت البرودة مع اليبوسة الي اسفل فخلق الله منهما طبيعة الموت و اجرامها الافلاك السفليات ثم افتقرت الاجسام الموات الي ارواحها التي صعدت عنها فسألت ذا الجود و الكرم رد ارواحها اليها فادار الله سبحانه و تعالي الفلك الاعلي علي الفلك الاسفل دورة فامتزجت الحرارة و البرودة ( بالبرودة خل ) و الرطوبة باليبوسة فخلق تعالي من الحرارة و اليبوسة عنصر النار و من مزاج الحرارة مع الرطوبة عنصر الهواء و من مزاج البرودة مع الرطوبة عنصر الماء و من مزاج البرودة مع اليبوسة عنصر الارض ثم ادار الفلك الاعلي علي الاسفل دورة ثانية فخلق منها المعادن ثم ادار الفلك الاعلي علي الاسفل دورة ثالثة فخلق منها النباتات ثم ادار الاعلي علي الاسفل دورة رابعة فخلق منها الحيوانات و قيل في الادارة الاولي كانت الطبايع و في الثانية كانت العناصر و المعادن و في الثالثة كانت النباتات و الحيوانات البهيمة ( البهيمية خل ) و في الرابعة كان الانسان فقوله ثم خلق هيولي العناصر من التي هي اخس الممكنات يعني الاجسام فانها بالنسبة الي الذوات النورية كالعقول و الارواح و القدسية خسيسة و قوله و هي نهاية تدبير الامر يعني في جهة ادبر فادبر فانها اسفل الاكوان و هو علي حسب الظاهر و الا ففي الحقيقة النفوس السفلية و الارضون المعنوية اخس من هيولي العناصر و انزل كما قال تعالي ثم رددناه اسفل سافلين فاذا ( و اذا خل ) اعتبرت دائرة العقل و دائرة الجهل رأيت هيولي العناصر اسفل دائرة العقل و فوق دائرة الجهل لان الله سبحانه خلق الانسان و هو اشرف ما خلق و جعله بين الدائرتين و الواقف بين الطتنجين فهو في الهواء و فوقه تسعةعشر بعدد حروف البسملة و تحته تسعةعشر بعدد الزبانية كل واحد من الذي هو فوقه مقابل لضده مما تحته فوقه النار و تحته الماء و فوقه السموات السبع و تحته الارضون السبع و فوقه فلك ( تلك خل ) المنازل و تحته الملك الحامل للارض و فوقه فلك ( تلك خل ) البروج كتاب الابرار في عليين و تحته كتاب الفجار في سجين و هو الصخرة و فوقه الكرسي و تحته الثور و فوقه محدد الجهات و
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 666 *»
تحته الحوت و فوقه جسم الكل و تحته البحر و فوقه عالم المثال و تحته الريح العقيم و فوقه جوهر الهباء و تحته جهنم و فوقه الطبيعة و تحته الطمطام المسمي بالظلمة و فوقه النفس الكلية و تحته الثري و فوقه الروح الكلية و تحته ما تحت الثري و فوقه العقل الكلي و تحته الجهل الكلي ففوقه تسعةعشر و تحته تسعةعشر و هو القائم بينهما فالاجسام اخس الممكنات العلوية النورانية و اشرف من السفلية الظلمانية و قوله و هي نهاية تدبير الامر يعني في قوس النزول من دائرة العقل حين قال تعالي ادبر فادبر الي هنا انتهي ثم قال له اقبل فاقبل مبتدءا باقباله من المعدن صاعدا الي النبات الي الحيوانات علي تفصيل يطول ذكره و قوله فانه تعالي يدبر الامر من السماء الظاهرة و الباطنة الي الارض الظاهرة و الباطنة ثم يعرج اليه يبتدئ في عروجه من المعادن بتكوين الجماد علي نحو ما ذكرنا معدنا من تعديل العناصر و الاركان كما ذكرنا سابقا من ان تعديل الماء الاول الصاعد من رطوبات البحار و العيون و الانهار باشعة الكواكب و حرارتها اربعة اجزاء من الرطوبة مع جزء من اليبوسة فاذا انحلت اليبوسة لقلتها في الرطوبة كان الماء النازل من هذه الاجزاء المائية التي انحل فيها جزء اليبوسة اذا وقع علي الارض كان مشاكلا لها لما فيه من جزء اليبوسة فلاتنفر منه ( فيه خل ) فينحل منه جزءان بجزء من تراب الارض لما بينهما من المشاكلة و المعادلة فتنحل اليبوسة في الرطوبة و تنعقد الرطوبة في اليبوسة فيكون منه صفو غذاء هو مادة للنفس النامية النباتية لاعتدال الطبايع الاربع فيه بنسبة رتبة النبات و هو قوله ثم النبات من صفوها اي العناصر ثم الانسان كما اشرنا اليه في ذكر النامية النباتية و النفس الحيوانية الحسية و النفس الناطقة القدسية علي ما ذكره عليه السلام في حديث الاعرابي و اذا استعمل الانسان بالعلم و الكمال كما قال اميرالمؤمنين صلوات الله عليه و خلق الانسان ذا نفس ناطقة ان زكيها بالعلم و العمل فقد شابهت جواهر اوائل عللها فاذا اعتدل مزاجها و فارقت الاضداد فقد شارك بها السبع الشداد ه ، يعني
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 667 *»
اذا ( ان خل ) زكيها بالعلم و العمل فقد شابهت العقل الفعال لانه هو اول عللها فتشابه جوهره في ملازمة طاعة الله و التقوي و عدم الغفلة عن ذكره و ربما شابهته في انفعال كثير من الاشياء لها بنسبة رتبتها كما جري لنفوس الانبياء عليهم السلام فاذا اعتدل مزاجها ظاهرا و باطنا و فارقت الاضداد بحيث ماتري الا الله و لمتخف الا الله و لمترج الا الله و هكذا يعني لميجد سواه تعالي في كل حال فقد كانت علة وجود جميع الاشياء و صح هذا في محمد و اهل بيته الطاهرين صلي الله عليه و آله خاصة و قوله فقد بلغ الي درجة العقل الفعال و هو مقام قاب قوسين لانه من نزل من العقل و اجتمع معه في عروجه بالاسم البديع الذي هو مربي العقل الفعال و اما من اعتدل مزاجه علي الحقيقة و فارق الاضداد علي الحقيقة فقد وصل الي مقام او ادني يعني كان محلا لمشية الله و لسانا لارادته و مترجما عنه تعالي و قوله فبه وقف ترتيب الخير و الجود اي بالعقل الفعال انتهي ترتيب السير الي حضرة ذي الجلال و ليس الامر كما قال فان العقل الفعال سيره الي ذي الجلال تعالي سير حثيث و ينتهي سيره الي نور الانوار و نور الانوار يسير الي الله تعالي في حجاب الرضوان من عالم الرجحان من الامكان بلا نهاية و لا غاية فهو ابدا يسير سيرا حثيثا لاينقطع السير و لاتقصر المسافة مع كثرة ما يترقي في درجات القرب كما قال تعالي رفيع الدرجات و قال تعالي في حديث الاسرار كلما وضعت لهم علما رفعت لهم حلما و ليس لمحبتي غاية و لا نهاية ه ، و قال صلي الله عليه و آله اللهم زدني فيك تحيرا فقال تعالي له صلي الله عليه و آله و قل رب زدني علما و هذا طلب لاينقطع ابدا و قوله و اتصل باوله آخر دائرة الوجود يريد انه اتصل باول العقل الفعال آخر دائرة الوجود يعني اوله ادبر فادبر و آخره اقبل فاقبل فحصل من ادباره للايجاد و اقباله بالموجودات دائرة هي قاب قوسين و هي مجموع ما في الامكان اذ ليس قبله عند المصنف امكان كما مرت الاشارة و لكن الامر علي خلاف ما قال
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 668 *»
الي هنا انتهي الكلام منا و منه و اعلم انه ليس بيني و بينه نبوة حتي اني اتبع ( اتتبع خل ) كلماته بالرد لها و لكن هو يتكلم علي مذاق اهل التصوف و الحكماء و انا اتكلم علي مذاق ساداتي ائمة الهدي عليهم صلوات الله رب الارض و السماء و قد قال اميرالمؤمنين عليه السلام ذهب من ذهب الي غيرنا الي عيون كدرة يفرغ بعضها في بعض و ذهب من ذهب الينا الي عيون صافية تجري بامر الله لا نفاد لها ه ، و اقول و ان افتريته فعلي اجرامي و انا بريء مما تجرمون لا حول و لا قوة الا بالله العلي العظيم و صلي الله علي محمد و آله الطاهرين وقع الفراغ من تسويد هذه الكلمات لاربع ساعات و ثلثي ساعة من الليلة السابعة و العشرين من صفر سنة اربع و ثلاثين بعد المأتين و الالف من الهجرة النبوية علي مهاجرها و آله افضل الصلوة و ازكي السلام بقلم منشئها العبد المسكين احمد بن زينالدين بن ابراهيم بن صقر بن ابراهيم بن داغر بن رمضان بن راشد بن دهيم بن شمروخ آلصقر الهجري الاحسائي المطيرفي عفي الله عنا و عن والدينا من المؤمنين و المؤمنات و المسلمين و المسلمات انه غفور رحيم سيبقي خطوطي و كنت ترابا رميما حامدا مصليا مستغفرا .
و وقع الفراغ من تصحيحه بساعتين و نصف من ليلة الثلثاء السادسة و العشرين من جمادي الاولي سنة ١٢٣٤ اربع و ثلثين بعد المأتين و الالف علي يد منشيه العبد المسكين احمد بن زينالدين و الحمد لله رب العالمين و صلي الله علي محمد و آله الطيبين الطاهرين .
)٧٥٢(
اعلم ان المفعول مفعولان مفعول به و مفعول مطلق اما المفعول به فهو كالكتابة المعروفة فان المكتوب مركب من مادة هي المداد و من صورة هي هيئة الحروف و ليست مادته من مادة حركة يد الكاتب و لا صورته من صورتها و المفعول المطلق فهو الكتابة المصدري و هو كالضرب من ضرب و هو مصاقع مع ضرب علي ان ضرب هو اسم للفعل المطلق بل لرأس من رؤسه و الفعل المطلق هو الظهور الاعظم لزيد مثلا قد تخصص بالضرب من حيث التعلق به و الظهور فيه فالضرب هو ظهور للفعل المطلق و صفة له ليس مادته من مادة الفعل و لا صورته من صورته و نسبتهما نسبة الاحد و الاعداد و ليس الاحد مادة الاعداد و لا صورتها و الضرب قائم بالفعل المطلق قيام صدور بخلاف المفعول به فانه قائم بحركة يد الكاتب قيام تكميل لا قيام اثر بالمؤثر اي قيام تأثير فعلي اي حال لايتركب المفعول