03-03 مکارم الابرار المجلد الثالث ـ رسالة مواقع النجوم ـ مقابله

رسالة مواقع النجوم

 

من مصنفات

العالم الربانى و الحكيم الصمدانى

مولانا المرحوم الحاج محمدكريم خان الكرمانى

اعلى الله مقامه

 

«* مکارم الابرار عربي جلد ۳ صفحه ۳۹۳ *»

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين و صلى الله على محمد و آله الطاهرين و رهطه المخلصين و لعنة الله على اعدائهم اجمعين. و بعد يقول العبد الاثيم كريم بن ابرهيم ان الله سبحانه ببركات سادتنا محمد و آله الطاهرين و خواص شيعتهم المنتجبين قد آتانا من العلم ما لم يؤت كثيراً من العالمين و اوقفنا مما اوقفنا عليه على نقطته و حقيقته فاطلعنا على قطبه الذى عليه يدور رحاه و تفصيل مبدئه و منتهاه فاهتدينا بفضله و جوده فى كل ما اهتدينا اليه من العلوم على سره و روحه كما يشهد به كتبنا فى سائر العلوم و من تلك العلوم علم النجوم و كيفية جريها مجاريها و تأثيرها فى السلفيات و تأثرها منها و استنباط احكام الحوادث من اوضاعها فقد كتب القوم فى ذلك كتباً لاتحصى كثرة ولكن لاتزيد على المصادرات و الدعاوى و الرواية عن السلف و تقليد الماضين و نقل ما وجدوه و فيها من الغلط و الخبط مالايحصى و لايبتنى اكثرها على اصل محقق فاحببت و لاقوة الا بالله ان اكتب فى هذا العلم ايضا ما يعرف به سر هذا العلم و مبدأه و نقطة مركزه و استخرت الله سبحانه فى ذلك فصدر الامر به و اسأل الله سبحانه ان يجعله امتثالاً لحكمه سبحانه قل انظروا ماذا فى السموات و الارض و لقوله او لم ينظروا فى ملكوت السموات و الارض و ان عسى ان يكون قد اقترب اجلهم و لقوله اولم ينظروا الى السماء فوقهم كيف بنيناها و زيناها و مالها من فروج و كاشفاً لقوله سنريهم آياتنا فى الافاق و فى انفسهم حتى يتبين لهم انه الحق الى غيرذلك من الايات و يستدعى الوصول الى المرام فى هذا المقام رسم مقدمة و ابواب و سميته بمواقع النجوم و من الله الاعانة فى الاتمام.

 

«* مکارم الابرار عربي جلد ۳ صفحه ۳۹۴ *»

المقدمة

فى بيان امور يجب تقديمها فى معرفة حقيقة هذا العلم و سره و نقطته و فيها مقصدان:

المقصد الاول

فى معرفة فضل هذا العلم و جواز تعلمه و تعليمه و عدم جوازهما و ذكر بعض الاخبار الجارية فى هذا المضمار و الاشارة الى بعض معانيها فاناه من المشكلات التى ما انحلت فيما اعلم و فى هذا المقصد فصول.

فصل

اعلم ان هذا العلم على الحقيقة هو العلم بجميع المبادى و المنتهيات و مجارى الاقضية و التقديرات و هو علم الانبياء و المرسلين و الاوصياء المكرمين و الخصيصين من الشيعة المنتجبين و هو من مكنونات علم الله و مخزوناته اذ به يستعلم علم ما كان و ما هو كائن و يعلم ضماير القلوب و خبايا الدفاين و احوال الموجودات كلية و جزئية و بذلك قد نطق الكتاب المستطاب و اخبار الائمة الاطياب فقد قال الله سبحانه و هو الذى جعل لكم النجوم لتهتدوا بها فى ظلمات البر و البحر قد فصلنا الايات لقوم يعلمون و قال لقد جعلنا فى السماء بروجاً و زيناها للناظرين و حفظناها من كل شيطان رجيم الا من استرق السمع فاتبعه شهاب مبين و قال خلق السموات و الارض بالحق تعالى عما يشركون و قال و علامات و بالنجم هم يهتدون و قال و سخر لكم الشمس و القمر دائبين و سخر لكم الليل و النهار و قال و جعلنا الليل و النهار آيتين فمحونا آية الليل و جعلنا آية النهار مبصرة لتبتغوا فضلاً من ربكم و لتعلموا عدد السنين و الحساب و كل شى‏ء فصلناه تفصيلاً و قال هو الذى خلق الليل و النهار و الشمس و القمر كل فى فلك يسبحون و قال الم‏تر الى ربك كيف مدالظل و لو شاء لجعله ساكناً ثم جعلنا الشمس عليه دليلاً

 

«* مکارم الابرار عربي جلد ۳ صفحه ۳۹۵ *»

ثم قبضناه الينا قبضاً يسيراً و قال و آية لهم الليل نسلخ منه النهار فاذا هم مظلمون و الشمس تجرى لمستقر لها ذلك تقدير العزيز العليم و القمر قدرناه منازل حتى عاد كالعرجون القديم لاالشمس ينبغى لها ان تدرك القمر و لا الليل سابق النهار و كل فى فلك يسبحون و قال يكور الليل على النهار و يكور النهار على الليل و قال يغشى الليل النهار يطلبه حثيثاً و قال تولج الليل فى النهار و تولج النهار فى الليل و قال رب المشرقين و رب المغربين و قال يسألونك عن الاهلة قل هى مواقيت للناس و الحج و قال هو الذى جعل الشمس ضياءاً و القمر نوراً و قدره منازل لتعلموا عدد السنين و الحساب و قال و جعلنا السماء سقفاً محفوظاً و هم عن آياتها معرضون و قال تبارك الذى جعل فى السماء بروجاً و جعل فيها سراجاً و قمراً منيراً و قال رب المشارق و المغارب انا زينا السماء الدنيا بزينة الكواكب و حفظاً من كل شيطان مارد و قال ثم استوى الى السماء و هى دخان فقال لها و للارض ائتيا طوعاً او كرهاً قالتا اتينا طائعين فقضيهن سبع سموات فى يومين و اوحى فى كل سماء امرها و زينا السماء الدنيا بمصابيح و حفظاً ذلك تقدير العزيز العليم و قال افلم ينظروا الى السماء فوقهم كيف بنيناها و زيناها و مالها من فروج و قال الشمس و القمر بحسبان و قال فلا اقسم بمواقع النجوم و انه لقسم لوتعلمون عظيم و قال الذى خلق سبع سموات طباقاً ماترى فى خلق الرحمن من تفاوت فارجع البصر هل‏ترى من فطور و قال الم تروا كيف خلق الله سبع سموات طباقاً و جعل القمر فيهن نوراً و جعل الشمس سراجاً و قال فلا اقسم بالخنس الجوار الكنس و قال و السماء ذات البروج و قال و السماء و الطارق و ما ادريك ما الطارق النجم الثاقب و قال والسماء ذات الرجع. الى غير ذلك من الايات المبينة لامر السموات و النجوم الامرة بالنظر فيها و العاتبة على ترك النظر فى عجايبها و هذه الايات و امثالها اصول علم النجوم و كلياتها التى ترجع اليها الجزئيات

 

«* مکارم الابرار عربي جلد ۳ صفحه ۳۹۶ *»

و هى اقضية الله على المختلفين فيها و حكم الله بينهم و هى مما قد قال الله سبحانه و ما اختلفتم فيه من شى‏ء فحكمه الى الله و مما قدروى ما من امر يختلف فيه اثنان الا و له اصل فى كتاب الله و لكن لاتبلغه عقول الرجال. و لاشك ان النظر فيها على نحو يفيد العلم بعجايبها و الاستدلال بها و الاعتبار عنها لايمكن الا بعد النظر فى علم الحساب و الهندسة و الهيئة و الطبيعيات الم تسمع قوله الم تروا كيف خلق الله سبع سموات طباقاً و انصف وفقك الله هل يمكن هذه الرؤية و العلم بالكيفية و النظر الذى اعجز الفلاسفة فاختلفوا فى عدد السماوات و نضدها و ترتبها الا بعد التدرب فى العلوم المذكورة و تطبيقها مع الايات و الاخبار و اما عجزهم فلاجل عدم تطبيقها مع الكتاب و السنة و آثار الانبياء فاختلفوا و قد امرالله الخلق على العموم ان يرجعوا الى الحكام فيما قل و جل فقال و ان تنازعتم فى شى‏ء فردوه الى الله و الرسول و فى قراءة الحق و اولى الامر منكم و قال و مااختلفتم فيه من شى‏ء فحكمه الى الله فلو لم يكن من الله و رسوله ما يفصل بين كل محق و مبطل كيف يردون اليهما فى كل شى‏ء و ان كان فما المانع من النظر فى آثارهما؟ فتبين ان رؤية ان الله خلق سبع سموات طباقاً لايمكن الا بعد العلوم المذكورة و كذا قوله و جعلنا السماء سقفاً محفوظاً و هم عن آياتها معرضون فعدم الاعراض عن آياتها يحصل بالتفكر فيها على نهج يمكن فهمها و الاعتبار عنها و هو لايمكن على وجه الكمال الممكن للبشر الا بعد العلوم المذكورة و كذا قوله افلم ينظروا الى السماء فوقهم كيف بنيناها و زيناها فالنظر فى كيفية بنائها لايمكن الا بعد التدرب فى العلوم المذكورة و كذا قوله اولم ينظروا فى ملكوت السموات و الارض فان النظر فى ملكوتها غير النظر فى ظاهرها و الا لم يكن فخر لابرهيم فى قوله و كذلك نرى ابرهيم ملكوت السموات و الارض فلما اراه اللَّه ملكوتهما نظر نظرة فى النجوم فقال انى سقيم

 

«* مکارم الابرار عربي جلد ۳ صفحه ۳۹۷ *»

 

بالجملة لا شك ان معرفة النجوم علم الكتاب التكوينى الذى ليس بعد العلم بالكتاب و السنة علم اشرف منه و لا اعظم خطراً و ارفع شأناً منه فقد روى فى البحار من كتاب النجوم من كتاب نزهة الكرام و بستان العوام تأليف محمد بن الحسين بن الحسن الرازى روى ان هرون الرشيد بعث الى موسى بن جعفر عليهما السلام فاحضره فلما حضر عنده قال ان الناس ينسبونكم بنى فاطمة الى علم النجوم و ان معرفتكم بها معرفة جيدة فقهاء العامة يقولون ان رسول الله صلى اله عليه و آله قال اذا ذكروا فى اصحابى فاسكتوا و اذا ذكروا القدر فاسكتوا و اذا ذكروا النجوم فاسكتوا و اميرالمؤمنين عليه السلام كان اعلم الخلائق بعلم النجوم و اولاده و ذريته الذين تقول الشيعة بامامتهم كانوا عارفين بها فقال الكاظم عليه السلام هذا حديث ضعيف و اسناده مطعون فيه و اللَّه تبارك و تعالى قد مدح النجوم و لو لا ان النجوم صحيحة ما مدحها اللَّه‏ عزوجل و الانبياء عليهم السلام كانوا عالمين بها و قد قال الله فى حق ابرهيم خليل الرحمن و كذلك نرى ابراهيم ملكوت السموات و الارض و ليكون من الموقنين و قال فى موضع آخر فنظر نظرة فى النجوم فقال انى سقيم فلو لم‌يكن عالماً بعلم النجوم ما نظر فيها و ما قال انى سقيم و ادريس عليه السلام كان اعلم اهل زمانه بالنجوم و الله تعالى قد اقسم بالنجوم و انه انه لقسم لو تعلمون عظيم و قال فى موضع آخر و النازعات غرقاً الى قوله فالمدبرات امراً و يعنى بذلك اثنى عشر برجاً و سبعة سيارات و الذى يظهر بالليل و النهار بامر اللَّه عزوجل و بعد علم القرآن ما يكون اشرف من علم النجوم و هو علم الانبياء و الاوصياء و ورثة الانبياء الذين قال اللَّه عزوجل و علامات و بالنجم هم يهتدون و نحن نعرف هذا العلم و ما نذكره فقال له هرون بالله عليك يا موسى هذا العلم لا تظهروه عند الجهال و عوام الناس حتى لا يشنعوا عليك و نفر العوام و غط هذا العلم و ارجع الى حرم جدك ثم قال له هرون و قد

 

«* مکارم الابرار عربي جلد ۳ صفحه ۳۹۸ *»

بقى مسئلة اخرى بالله عليك اخبرنى بها فقال له سل فقال له بحق القبر و المنبر و بحق قرابتك من رسول الله اخبرنى انت تموت قبلى او انا اموت قبلك لانك تعرف هذا من علم النجوم فقال له موسى عليه السلام آمنى حتى اخبرك فقال لك الامان فقال انا الموت قبلك و ما كذبت و لا اكذب و وفاتى قريب انتهى، و منه من كتاب ربيع الابرار عن على عليه السلام من اقتبس علماً من علم النجوم من حملة القرآن ازداد به ايماناً و يقيناً ثم تلا ان فى اختلاف الليل و النهار و منه نقلاً من كتاب مسائل الصباح بن نصر الهندى و من اسولته سؤاله عن علم النجوم فقال عليه السلام هو علم فى اصل صحيح ذكروا ان اول من تكلم فى النجوم ادريس و كان ذوالقرنين بها ماهراً و اصل هذا العلم من عنداللَّه عزوجل و يقال ان الله بعث النجم الذى يقال له المشترى الى الارض فى صورة رجل فاتى بلد العجم فعلمهم فى حديث طويل فلم يستكملوا ذلك فاتى بلد الهند فعلم رجلاً منهم فمن هنا صار علم النجوم بها و قد قال قوم هو علم من علم الانبياء خصوا به لاسباب شتى فلم يستدرك المنجمون الدقيقة منها فشابوا الحق بالكذب انتهى. و لما كان ذلك بحضرة المأمون ذكر عليه السلام على نحو النقل تقية فقد روى من الكافى بسنده عن معلى بن خنيس قال سألت اباعبدالله عليه السلام عن النجوم احق هو فقال نعم ان الله عزوجل بعث المشترى الى الارض فى صورة رجل فاخذ رجلاً من العجم فعلمه النجوم حتى ظن انه قد بلغ ثم قال له اين المشترى فقال ما اراه فى الفلك و ما ادرى اين هو قال فنحاه و اخذ بيد رجل من اهل الهند فعلمه حتى ظن انه قد بلغ و قال انظر الى المشترى اين هو فقال ان حسابى ليدل على انك انت المشترى و قال فشهق شهقة فمات و ورث علمه اهله فالعلم هناك انتهى. و المراد بنزول المشترى نزول روحانيته و الملك الموكل به فانه ملك عالم بالعلوم مرب للعلماء فلما اراد الله سبحانه ابراز هذا العلم فى الارض و لم يبلغه عقول الرجال ابتداءا نزله لابتدائه

 

«* مکارم الابرار عربي جلد ۳ صفحه ۳۹۹ *»

فى الارض و اظهاره و نزول الروحانيات امر مسلم معلوم فى علم تسخير الارواح و السيميا و ان لم يعرفه العلماء الظاهربون.

بالجملة و لاجل ذلك روى من الكافى بسنده عن جميل بن صالح عمن اخبره عن ابى عبداللَّه عليه السلام قال سئل عن النجوم فقال ما يعلمها الا اهل بيت من العرب و اهل بيت من الهند انتهى. و الاهل بيت من العرب هو آل محمد عليهم السلام و من عسى ان يكون غيرهم و المراد انه لا يعرفها على وجه الكمال الا آل محمد عليهم السلام و ذلك الاهل بيت . و روى من كتاب النجوم وجدت فى كتاب عتيق عن عطا قال قيل لعلى بن ابى طالب عليه السلام هل كان للنجوم اصل قال نعم نبى من الانبياء قال له قومه انا لا نؤمن بك حتى تعلمنا بدأ الخلق و آجاله فاوحى اللَّه عزوجل الى غمامة فامطرتهم و استنقع حول الجبل ماء صافياً ثم اوحى اللَّه عزوجل الى الشمس و القمر و النجوم ان تجرى فى ذلك الماء ثم اوحى الله الى ذلك النبى ان يرتقى هو و قومه على الجبل فارتقوا الجبل فقاموا على الماء حتى عرفوا بدأ الخلق و آجاله بمجارى الشمس و القمر و النجوم و ساعات الليل و النهار و كان احدهم يعلم من يموت و متى يمرض و من ذا الذى يولد له و من ذاالذى لايولد له فبقوا كذلك برهة من الدهر ثم ان داود عليه السلام قاتلهم على الكفر فاخرجوا الى داود فى القتال من لم يحضر اجله و من حضر اجله خلفوه فى بيوتهم فكان يقتل من اصحاب داود عليه السلام و لا يقتل من هؤلاء احد فقال داود عليه السلام رب اقاتل على طاعتك و يقاتل هؤلاء على معصيتك يقتل اصحابى و لا يقتل من هؤلاء احد فاوحى الله عزوجل انى كنت علمتهم بدأ الخلق و آجاله و انما اخرجوا اليك من لم يحضره اجله و من حضر اجله خلفوه فى بيوتهم فمن ثم يقتل من اصحابك و لا يقتل منهم احد قال داود عليه السلام يا رب على ماذا علمتهم قال على مجارى الشمس و القمر و النجوم و ساعات الليل و النهار قال فدعا الله عزوجل فحبس الشمس عليهم فزاد فى

 

«* مکارم الابرار عربي جلد ۳ صفحه ۴۰۰ *»

النهار و اختلطت الزيادة بالليل و النهار فلم‌يعرفوا قدر الزيادة فاختلط حسابهم و قال على عليه السلام فمن ثم كره النظر فى علم النجوم و من الدر المنثور هذه الرواية ايضاً و فيه ان ذلك النبى يقال له يوشع بن نون.

اقول جرى الشمس و القمر والنجوم فى الماء اما على نحو انطباع مثلها فيقيسون فى الماء مطالعها و تناظراتها بتعليم النبى عليه السلام وجه معرفتها فعبر عن جرى مثلها بجريها كما عبر فى حديث دخول السماء البيضة بدخولها فى العين و لا تدخل الا بمثلها او بحدوث آثار منها فى الماء باعجاز النبى على نحو سائر العلوم الانطباعية او غيرها بالجملة يفهم منه نوع ما نحن بصدده من حقية علم النجوم و تحصيل معرفة مبادى الخلق و آجاله و لا يعارض ذلك قوله تعالى و يعلم ما فى الارحام و ما تدرى نفس ما ذاتكسب غداً و ما تدرى نفس باى ارض تموت فان فى النجوم و ان كان دلالة على الحوادث لكن البداء من ورائها و ان الله سبحانه يمحو ما يشاء و يثبت و عنده ‏ام‌الكتاب و هذا هو قول اميرالمؤمنين عليه السلام لولا آية فى كتاب الله لاخبرتكم بما يكون الى يوم القيمة يمحو الله ما يشاء و يثبت و يأتى تفصيل ذلك فيما بعد و روى فى العوالم من تفسير العياشى عن محمد بن عذافر الصيرفى عمن اخبره عن ابى عبدالله عليه السلام قال ان الله تبارك و تعالى خلق روح القدس و لم يخلق خلقاً اقرب اليه منها و ليست باكرم خلقه عليه فاذا اراد امراً القاه اليها فالقاه الى النجوم فجرت به و هذا الخبر صريح نص فى ان النجوم تجرى بما يريد الله و انها اسباب مدبرة للعالم السفلى بامر الله سبحانه حيث ابى ان يجرى الاشياء الاباسبابها فالعلم بها علم بمجارى التدبير و اسباب التقدير و سر الايجاد و حقيقة المبدء و المعاد و علم بالمنايا و البلايا و الاجال و الحوادث و ما كان و ما يكون و فى جواهر الكلام عن يونس بن عبدالرحمن قال قلت لابى عبدالله عليه السلام جعلت فداك اخبرنى عن علم النجوم ما هو قال هو علم من علم الانبياء قال فقلت كان على بن ابيطالب يعلمه فقال كان اعلم الناس به و عن محمدبن يحيى

 

«* مکارم الابرار عربي جلد ۳ صفحه ۴۰۱ *»

الخثعمى قال سألت ابا عبدالله عليه السلام عن النجوم حق هى قال لى نعم فقلت له و فى الارض من يعلمها قال و فى الارض من يعلمها و فى البحار عن المناقب لابن شهر اشوب عن ابى بصير قال رأيت رجلاً يسأل ابا عبدالله عليه السلام عن النجوم فلما خرج من عنده قلت له هذا علم له اصل قال نعم الخبر. و ان الائمة عليهم السلام اطباء النفوس لم يبالغوا فى مدح هذا العلم لئلا يشتغل الناس به عن العبادات و الطاعات و لايعتقد الجهلة بانها مستقلة فى تصريف هذا العالم و يشركوا بالله وحده و هم جديدوا العهد بالاسلام فيرتدوا الى دين الصابئة و الدهرية و الكهنة و السحرة و اصحاب السيمياء و غيرهم فصلوات الله على محمد و آل محمد حيث هم اطباء النفوس و علماء بصلاح العباد و فسادهم و الافأصل هذا العلم للموحد ممايزيد فى ايمانه و اعتقاده بعظمة ربه و به يتسع ميادين تفكره فى قدرة ربه و الاعتبار عن آياته كيف و قد حرض الله عباده بالنظر فى آياتها وعاتبهم بالاعراض عنها ولكن العلماء الظاهريين لايعضون على هذه الامور بضرس قاطع و لايعرفون اللحن و يريدون ان‌يعرفوا اختلاف الاخبار و سر الاثار بصحة الاسانيد و ضعفها و الشهرة و الندرة و علم الرجال و هم غافلون عن حقيقة علم السياسة و سرامرهم اذا امروا و نهيهم اذا نهوا بالجملة لنعنون فصلاً آخر لنشرح الحال بلسان القال حتى يتضح السابق فى المجال.

فصل

اعلم ان الشيخ الحر رحمة الله قد عنون باباً فى الوسائل فى عدم جواز تعلم علم النجوم و العمل بها و تردد فى النظر فيها و اورد روايات يأتيك نبأوها و قال فى الكفاية و علم النجوم حرمه بعض الاصحاب و الاقرب الجواز لظاهر بعض الروايات المعتبرة و صنف ابن طاوس رسالة اكثر فيها من الاستشهاد على صحته و جوازه و قال فى حيوة القلوب للشيخ على بن عبدالله بن يحيى البحرانى و المشهور تحريم تعلم النجوم مطلقاً و اختار ابن طاوس الجواز مطلقاً لمرسل جميل و خبر ربيع الابرار و قوله و بالنجم هم يهتدون و الرضى حرمه الا

 

«* مکارم الابرار عربي جلد ۳ صفحه ۴۰۲ *»

ما يهتدى به فى بر او بحر لحديث النهج و اختاره شيخنا و استثنى ايضاً ما خرج عن اهل البيت الاذن فيه و احتمل ان يكون التحريم لمن اعتقد تأثيرها او قطع بما يخبر به المنجم كما يرشد اليه خبر الاحتجاج و خبر هشام و غيرها و عد فى الدرر و الغرر من المكاسب المحرمة الستة و السبعين تعلم النجوم و العمل بها و النظر فيها و قال القاشانى: من المعاصى الاخبار عن الغائبات على البت لغير نبى او وصى نبى سواء كان بالتنجيم او الكهانة الى ان قال و ان كان الاخبار على سبيل التفأل من غير جزم فالظاهر جوازه و قال فى جواهر الكلام و اما علم النجوم فقد يظهر من الكتاب و السنة صحته فى الجملة ثم ذكر آياً و اخباراً ثم قال الى غير ذلك من النصوص التى لايمكن حصرها بل منها يستفاد وجه الجمع بينها و بين ما دل على النهى عن الركون الى النجوم و ذم المنجم على وجه صار به كالكاهن و الساحر و نحوهما بان المراد اعتقاد كونها ذوات ارادة و فاعلة مختارة او مؤثرة او غير ذلك مما هو معلوم فساده كالعلم بكفر معتقده او فسقه لا ان المراد النهى عن اتخاذها امارة دالة على ماجرت العادة من فعل الله له فى هذا العالم و ان جاز تغييرها بالصدقة و الدعاء و غيرهما على حسب ماتوافقه حكمته فان الله يمحو ما يشاء و يثبت و عنده ام الكتاب لكن الاحاطة بتمام دقايق هذا العلم لايتسير الالخزان علم الله دون غيرهم الى ان قال لكن ذلك لايمنع من النظر فيمادونوه من بعض احوالها الجارية مجرى الغالب و لا من العمل بما يقوله اهلها على وجه الاحتياط و على ذلك يحمل تعلم جماعة من الشيعة و غيرهم و منهم العلماء و المحدثون و غيرهم من الشيعة ثم عد اسماءهم الى ان قال و التحقيق ماعرفت من انه لابأس بالنظر فى هذا العلم و تعلمه و تعليمه و الاخبار عما يقتضيه مما وصل اليه من قواعده لا على جهة الجزم بل على معنى جريان عادة الله تعالى بفعل كذا عند كذا و عدم اطراد العادة غير قادح فان الله يمحو ما يشاء و يثبت و عنده ‏ام الكتاب بل قد يتوقف فى الكراهة فضلاً عن الحرمة بل يمكن حصول زيادة العرفان بمعرفته و الترقى الى

 

«* مکارم الابرار عربي جلد ۳ صفحه ۴۰۳ *»

بعض درجات الايمان بممارسته و دعوى ان فيه تعريضاً للوقوع فى المحظور من اعتقاد هذا التأثير فيحرم لذلك او لانه احكامه تخمينية كماترى خصوصاً الثانى ضرورة عدم حرمة مراعاة الظنون فى امثال ذلك بل لعل المعلوم من سيرة الناس و طريقتهم خلافه فى الطب و غيره و التعريض المزبور مع انه ممنوع لايكفى فى الحرمة و الالحرم النظر فى علم الكلام الذى خطره اعظم من ذلك فلاريب فى رجحان ما ذكرناه بل لا يبعد ان يكون النظر فيه نحو النظر فى هيئة الافلاك الذى يحصل بسببه الاطلاع على حكمة الله و عظم قدرته نعم لاينبغى الجزم بشى‏ء من مقتضياته لاستيثار الله بعلم الغيب و كذا الكلام فى الرمل و الفال و نحوهما من العلوم التى يستكشف بها علم الغيب فانها تحرم مع اعتقاد المطابقة لامع عدمه و قد كان رسول الله صلى الله عليه و آله يحب الفال و يكره الطيرة بل ورد عنهم صلوات الله و سلامه عليهم امور كثيرة كالاستخارة و بعض الحسابات و غيرهما مما يستفاد منه كثير من المغيبات لكن لاعلى وجه الجزم و اليقين و لعل ذلك كله من فضل الله على عباده و هدايته لهم انتهى. ذكرته بطوله مع ما فيه من الاختلالات الكثيرة لبعض ما فيه مما يوافق الحق و فى البحار عن المرتضى رحمه الله انه بالغ فى المنع عنه و قال كيف يشتبه على مسلم بطلان احكام النجوم و قد اجمع المسلمون قديماً و حديثاً على تكذيب المنجمين و الشهادة بفساد مذاهبهم و بطلان احكامهم و معلوم من دين الرسول صلى الله عليه و آله ضرورة التكذيب بما يدعيه المنجمون و الازراء عليهم و التعجيز بهم و فى الروايات عنه عليه السلام من ذلك ما لا يحصى كثرة و كذا عن علماء اهل بيته عليهم السلام و خيار اصحابه فمازالوا يبرؤن من مذاهب المنجمين و يعدونها ضلالاً و محالاً و ما اشتهر هذه الشهرة فى دين الاسلام كيف يفتى بخلافه منتسب الى الملة و مصل الى القبلة. و عن العلامة رحمه الله فى كتاب منتهى المطلب: التنجيم حرام و كذا تعلم النجوم مع اعتقاد انها مؤثرة او ان لها مدخلاً فى التأثير بالنفع و الضر و بالجملة كل من يعتقد ربط الحركات النفسانية و الطبيعية بالحركات الفلكية و الاتصالات الكوكبية كافر و اخذ الاجرة على ذلك

 

«* مکارم الابرار عربي جلد ۳ صفحه ۴۰۴ *»

حرام و اما من يتعلم النجوم فيعرف قدر سير الكواكب و بعده و احواله من التربيع و الكسف و غيرهما فانه لابأس به. و عن الشهيد فى الدروس و اما علم النجوم فقد حرمه بعض الاصحاب و لعله لما فيه من التعرض للمحظور من اعتقاد التأثير او لأن احكامه تخمينية و اما علم هيئة الافلاك فليس حراماً بل ربما كان مستحباً لما فيه من الاطلاع على حكم الله و عظم قدرته و عن المحقق الشيخ على التنجيم الاخبار عن احكام النجوم باعتبار الحركات الفلكية و الاتصالات الكوكبية التى مرجعها الى القياس و التخمين الى ان قال و قد ورد عن صاحب الشرع النهى عن تعلم النجوم بابلغ وجوهه اذا تقرر ذلك فاعلم ان التنجيم مع اعتقاد ان للنجوم تأثيراً فى الموجودات السفلية ولو على جهة المدخلية حرام و كذا تعلم النجوم على هذا الوجه بل هذا الاعتقاد كفر فى نفسه نعوذ بالله اما التنجيم لاعلي هذا الوجه مع التحرز عن الكذب فانه جايز فقد ثبتت كراهية التزويج و سفر الحج فى العقرب و ذلك من هذا القبيل نعم هو مكروه ولاينجر الى الاعتقاد الفاسد و قد ورد النهى مطلقاً حسماً للمادة و عن الشيخ البهائى رحمه الله ما يدعيه المنجمون من ارتباط بعض الحوادث السفلية بالاجرام العلوية ان زعموا ان تلك الاجرام هى العلة المؤثرة فى تلك الحوادث بالاستقلال او انها شريكة فى التأثير فهذا لايحل للمسلم اعتقاده و علم النجوم المبتنى على هذا كفر و العياذ بالله و على هذا حمل ما ورد فى الحديث من التحذير من علم النجوم و النهى عن اعتقاد صحته و ان قالوا ان اتصالات تلك الاجرام و ما يعرض لها من الاوضاع علامات على بعض حوادث هذا العالم مما يوجده الله سبحانه بقدرته و ارادته الى ان قال فهذا لامانع منه و لاجرح فى اعتقاده و ما روى من صحة علم النجوم و جواز نقله محمول على هذا المعنى.

و قال المجلسى رحمه الله فى البحار بعد نقل الاقوال و الاخبار و اما تعليمه و تعلمه و العمل به فاقسام منها استخراج التقاويم و الاخبار بالامور الخفية او المستقبلة و اخذ الطوالع و الحكم بها على الاعمار و الاحوال و الظاهر حرمة ذلك لشمول النهى له و ما ورد انها دلالات و علامات لايدل على التجويز لغير من احاط

 

«* مکارم الابرار عربي جلد ۳ صفحه ۴۰۵ *»

علمه بجميع ذلك من المعصومين عليهم السلام و ما دل على الجواز فاخبار اكثرها ضعيفة و يمكن حمل بعضها على التقية بشيوع العمل بها فى زمن خلفاء الجور و السلاطين فى اكثر الاعصار و تقرب المنجمين عندهم و ربما يؤمى بعض الاخبار اليه و يمكن حمل اخبار النهى على الكراهة الشديدة و الجواز على الاباحة او حمل اخبار النهى على ما اذا اعتقد التأثير و الجواز على عدمه كما فعله السيد بن طاوس و غيره لكن الاول اظهر و احوط و منها الاعتناء بالساعات المسعودة و المنحوسة الى ان قال و هذا ايضاً يحتمل الكراهة و الحرمة و اما سعادة الكواكب و البروج و نحوستها فتحتمل الاخبار الواردة فيها امرين احدهما ان يكون لها سعادة و نحوسة واقعية الى ان قال و ثانيهما ان يكون تأثيرها من باب الطيرة و منها تعليم هذا العلم بوجهيه المتقدمين و تعلمه و النظر و التفكر فيه و هو ايضاً يحتمل الحرمة و الكراهة و احتمال الكراهة هنا اقوى و منها علم الهيئة و النظر فى هيئة الافلاك و حركاتها و جوازه لايخلو من قوة اذا لم‌يعتقد فيه ما يخالف الايات و الاخبار الى ان قال و منها الحكم بالكسوف و الخسوف و اوائل الاهلة و المحاق و اشباه ذلك فالظاهر جوازه و ان كان الاحوط اجتناب ذلك ايضاً انتهى. هذا ما وقع الى عجالة من اقوال العلماء فى المسئلة و السبب فى اختلافهم اختلاف قرايحهم و اختلاف الاخبار الواردة على حسب مصالح العباد و البلاد فلنسرد ما اطلعنا عليه من الاخبار ثم نذيلها بما يظهر بلاغبار.

اما ما يدل على الجواز ففى الوسائل عن الكلينى بسنده عن عبدالرحمن بن سيابة قال قلت لابى عبدالله عليه السلام ان الناس يقولون ان النجوم لايحل النظر فيها و هى تعجبنى فان كانت تضر بدينى فلاحاجة لى فى شى‏ء يضر بدينى و ان كانت لاتضر بدينى فو الله انى لاشتهيها و اشتهى النظر فيها فقال ليس كما يقولون لا تضر بدينك ثم قال انكم تنظرون فى شى‏ء منها كثيره لايدرك و قليله لايتنفع به و عن السيد بن طاوس انه روى هذا الحديث اصحابنا فى المصنفات و الاصول و رواه محمدبن عبدالله فى اماليه و رواه محمد بن يحيى اخو مفلس عن حماد بن عثمان اقول يظهر من هذا الخبر ان القول بالحرمة مذهب العامة فان الناس

 

«* مکارم الابرار عربي جلد ۳ صفحه ۴۰۶ *»

يستعمل غالباً فى الاخبار فى العامة و انكاره عليه السلام عليهم يؤيده بل قوله عليه السلام لاتضر بدينك ينفى الكراهة ايضاً و يؤيد ان القول بالحرمة مذهب العامة مارواه فى البحار عن كتاب النجوم باسناده عن بياع السابرى قال قلت لابى عبدالله عليه السلام ان لى فى النظرة فى النجوم لذة و هى معيبة عند الناس فان كان فيها اثم تركت ذلك و ان لم يكن فيها اثم فان لى فيها لذة قال فقال تعد الطوالع ثم سأله عن اشياء لايعلمها ثم قال هذا شى‏ء اذا علمه الرجل عرف اوسط قصبة فى الاجمة ثم قال ليس يعلم النجوم الا اهل بيت من قريش و اهل بيت من الهند انتهى. فذلك ايضاً شاهد على ان المنع من الناس و لذلك لم يفته بالجواز تقية و لم يمنعه عنه مع استفتائه عنه و من الكتاب المذكور بسنده عن محمد و هرون ابنى ابى سهل و كتبا الى ابى عبدالله عيه السلام ان ابانا وجدنا كانا @ينظران فى النجوم فهل يحل النظر فيها قال نعم و فيه ايضاً انهما كتبا اليه نحن ولد بني نوبخت المنجم و قد كنا كتبنا اليك هل يحل النظر فيها فكتبتَ نعم الى ان قال فكتب نعم ما لم‌يخرج من التوحيد انتهى. و فى هذا الخبر دلالة على ان المنع من جهة الذهاب مذهب الصابئة و الايمان بالنجوم و اتخاذها مدبرة للعالم بالاستقلال و من الكتاب المذكور نقلاً من كتاب ربيع الابرار عن على عليه السلام من اقتبس علماً من علم النجوم من حملة القرآن ازداد به ايماناً و يقيناً ثم تلا ان فى اختلاف الليل و النهار و يؤيد التقية الروايات التى وردت من طرق العامة كما رواه فى البحار من الدر المنثور عن قتادة انكار ذلك و عن مجاهد لا بأس ان يتعلم الرجل من النجوم ما يهتدى به فى البر و البحر و يتعلم منازل القمر و عن ابى هريرة قال نهى رسول الله صلى الله عليه و آله عن النظر فى النجوم و عن ابن مسعود عنه صلى الله عليه و آله اذا ذكر اصحابى فامسكوا و اذا ذكر القدر فامسكوا و اذا ذكرت النجوم فامسكوا و عن انس قال قال رسول الله صلى الله عليه و آله اخاف على امتى خصلتين تكذيباً بالقدر و تصديقاً بالنجوم و عن ابن عباس من اقتبس علماً من النجوم اقتبس شعبة

 

«* مکارم الابرار عربي جلد ۳ صفحه ۴۰۷ *»

من السحر زاد ما زاد و عن ابن عباس ان قوماً ينظرون فى النجوم و يحسبون اباجاد و ما ارى للذين يفعلون ذلك من خلاق و عن ميمون بن مهران قال قلت لابن عباس اوصنى قال اوصيك بتقوى الله و اياك و علم النجوم فانه يدعو الى الكهانة الى غير ذلك من رواياتهم المختلة فلاشك ان الخبر الذى يوافق اخبارهم و يخالف آيات القرآن الامرة بالنظر فيها العاتبة على تركه لايجوز العمل به و يجب حمله على التقية و اما الاخبار الناهية عنه فقد روى فى الوسائل عن الكلينى بسنده عن ابى‌الحصين قال سمعت ابا عبدالله عليه السلام يقول سئل رسول الله صلى الله عليه و آله عن الساعة فقال عند ايمان بالنجوم و تكذيب بالقدر اقول لاشك ان المراد الايمان بالنجوم بانها المدبرة المستقلة و التكذيب بان الامور بتقديرالله عزوجل فلادلالة فيها على ان طلب معرفة اسباب افعال الله السماوية حرام و لا القول بان ما يحصل لى منها الظن بان فلاناً كذا و كذا و الله اعلم بعواقب الامور و لا يزيد المنجم المسلم على هذا و منها ما روى فى مناهى النبى صلى الله عليه و آله انه نهى عن النظر فى النجوم و منها ما روى عن الصدوق بسنده عن نضر بن قابوس قال سمعت ابا عبدالله عليه السلام يقول المنجم ملعون الخبر. و قال قال عليه السلام المنجم كالكاهن و الكاهن كالساحر و الساحر كالكافر و الكافر فى النار و عن النبى صلى الله عليه و آله من صدق كاهناً او منجماً فهو كافر بما انزل على محمد صلى الله عليه و آله و فى هداية الامة نهى عليه السلام عن اتيان العراف و قال من اتاه و صدقه فقد برى‏ء مما انزل الله على محمد صلى الله عليه و آله و قال على عليه السلام لا تأخذ بقول عراف و لا قائف و لا لص اقول العراف المنجم كما يظهر من خبر البصائر و قال على عليه السلام لمنجم أتدرى ما فى بطن هذه الدابة اذكرام انثى فقال ان حسبت علمت فقال عليه السلام من صدقك على هذا القول فقد كذب القرآن قال الله تعالى ان الله عنده علم الساعة الاية ما كان محمد يدعى ما

 

«* مکارم الابرار عربي جلد ۳ صفحه ۴۰۸ *»

ادعيت اتزعم انك تهدى الى الساعة التى من سار فيها صرف عنه السوء و الساعة التى من سارفيها حاق به الضر من صدقك بهذا استغنى بقولك عن الاستعانة بالله عزوجل فى ذلك الوجه و احوج الى الرغبة اليك فى دفع المكروه عنه و ينبغى له ان يوليك الحمد دون ربه عزوجل فمن آمن لك بهذا فقد اتخذك من دون الله نداً و ضداً بل نكذبك و نسير فى الساعة التى نهيت عنه و قال عليه السلام اياكم و تعلم النجوم الا ما يهتدى به فى بر او بحر فانها تدعو الى الكهانة و الكاهن كالساحر و الساحر كالكافر و الكافر فى النار سيروا على اسم الله و قال عليه السلام ان ابرهيم عليه السلام نظر بالكواكب و القمر و الشمس و استدل بافول كل منها على حدوثه و بحدوثه على محدثه ثم اعلمه الله ان الحكم بالنجوم خطأ.

اقول لاشك و لاريب فى ان المنجم بنفسه لايحصل العلم بالحادث فى المستقبل لان اسباب علمه اكثرها ظنية هذا و البداء لله سبحانه من ورائه هذا و الاسباب السماوية علل فاعلة بامر الله سبحانه و مشيته و قبول القابل شرط فى التأثير كما يأتى و هو لايحيط بالقوابل و اسباب البداء فكيف يقدر ان يحصل علماً بوقوع الحادث فاذا كان كذلك كيف يجوز له البت على الوقوع فاذ لم يجز لنفسه البت على الوقوع كيف يجوز لغيره ان يصدقه فغاية امر المنجم المسلم العارف بل العالم بالنجوم على قدر الامكان هى الاخبار عن ظنه الحاصل له فى نفسه و هو صادق فى اخباره ان كان صادقاً و اما الاخبار عن الواقع فلايفعل ذلك الا كاذب فاسق حاكم بظنه على الله سبحانه طلب حطام الدنيا او جاهل بعلم النجوم كما هو و ذلك هو الممنوع المحرم كما اشار اليه الخبر فيمن ادعى العلم بما فى بطن الدابة او يكون المنجم مؤمناً باستقلال النجوم مكذبا بالقدر نعوذبالله فانه المشرك الكافر بلاشك فالمنجم الملعون و النجوم المذمومة هما ما ذكرنا و ربما كانوا ينهون عنه لاجل ان لا يولع الناس بشى‏ء قل نفعه و لايشتغلوا به عن العبادات و الطاعات او يؤل امرهم الى وثوق بعلمهم الناقص فيغتروا بالاسباب او يحصل لهم ضعف نفس عند رؤية نحوس فيشتد تأثيرها من باب اشتداد الطيرة عند

 

«* مکارم الابرار عربي جلد ۳ صفحه ۴۰۹ *»

الاعتداد بها و هذه الجهات جهات الكراهة فى الامر و يكشف عن مجموع ذلك لحن الاخبار بلاغبار فقد روى فى الوسائل عن الطبرسى فى الاحتجاج عن هشام بن الحكم عن ابى عبدالله عليه السلام ان زنديقاً قال له ما تقول فى علم النجوم قال هو علم قلت منافعه و كثرت مضاره لايدفع به المقدور و لا يتقى به المحذور ان خبر المنجم بالبلاء لم ينجه التحذر عن القضاء و ان خبر هو بخبر لم يستطع تعجيله و ان حدث به سوء لم يمكنه صرفه و المنجم يضاد الله فى علمه بزعمه انه يرد قضاء الله عن خلقه تدبر فى هذا الخبر الشريف الكاشف عن حقيقة الامر و لا شك فى كفر منجم يضاد الله فى علمه و يزعم انه يرد القضاء فهذا هو الممنوع و اما حقيقة ما بايدى الناس فهى كما اخبر قلت منافعه ففيه نفع قليل و كثرت مضاره لمن اغتر به او تطير و اما من لم‌يغتر به و لم يخرجه عن التوحيد و علم ان الكواكب كالعقاقير و علمها كالطب و الامر بقدر الله و قضائه و حصل له ظن فاخبر عن ظنه و استثنى مشية الله فلايضر بدينه و هو حلال محلل كما مر فى الاخبار المجوزة و قدمرت فمن عرف لحن الخبر عرف انه لااختلاف بين الاخبار و اعتبر من تفسيره للمنجم و اعرف ان الذى هو كالكاهن هو هذا المفسر لاغير و اعتبر من صدر الخبر الذى تركه صاحب الوسائل ان الزنديق سأل ابا عبدالله عليه السلام قال ما تقول فيمن زعم ان هذا التدبير الذى يظهر فى العالم تدبير النجوم السبعة قال عليه السلام يحتاجون الى دليل ان هذا العالم الاكبر و العالم الاصغر من تدبير النجوم التى تسبح فى الفلك و تدور حيث دارت متعبة لاتفتر و سائرة لاتقف ثم قال و ان كل نجم منها موكل مدبر فهى بمنزلة العبيد المأمورين المنهيين فلو كانت قديمة ازلية لم تتغير من حال الى حال قال فما تقول فى علم النجوم الخبر كمامر فتدبر و تفهم ان المنجم الملعون هو من يزعم كذلك و علم النجوم المنهى هو ما كان كذلك و النهى الاطلاقى عنه للتنزيه لان كثيره لايدرك و قليله لاينفع و

 

«* مکارم الابرار عربي جلد ۳ صفحه ۴۱۰ *»

اما من نظر فى العلم للاعتبار و معرفة ابعاد الاجرام و سعتها و كبرها لدرك الميسور من عظمة الله سبحانه و عرف اوضاع الكواكب عالماً بانها اسباب التقدير و ايدى التدبير لله سبحانه علماً بانه سبحانه ابى ان يجرى الاشياء الا باسبابها و ان النجوم كالعقاقير و ان الله سبحانه يضر بها و ينفع وحده لا شريك له و عرف نقصان علمه و حصل له ظن ببعض الحوادث و اخبر عن ظنه غير بات على الحكم فلا بأس به قطعاً و على ذلك تجتمع الاخبار بلاغبار و لايمنع من حليته عدم احاطة الخلق به فان الخلق لايحيطون بشى‏ء من العلوم علماً و لايمنع منه عدم حصول العلم به فان علم الطب ايضاً من الظنون بل على قول اكثر الفقهاء جل فقههم من الظنون و لايحيطون بحقائقه علماً بل اقول ان الله الحكيم الذى خلق كل شى‏ء بقدر و جعل فى كل شى‏ء علوماً لاتحصى اظهر للناس بقدر صلاح دينهم و دنياهم من تلك العلوم و اخفى منها بقدره فلو حجب هذه العلوم بالكلية لم يظهر كمال تقديره و حسن تدبيره و سعة قدرته و عجيب حكمته و ربما كان يظن ان اكثرها لغو و لاارتباط لها ولادلالة فيها على صانعها و لو اظهر الكل كما خلق لفسد عليهم دينهم و دنياهم و زعموا لانفسهم الاستقلال و قدروا على جلب كل منفعة و دفع كل مضرة و علموا الضمائر و الدفائن و كل غيب فى علمهم به فسادهم فاظهر منها شيئاً يصيبون فيه مرة فيعلمون انه امر واقعى حق و يذعنون بحسن تقديرالله و عجيب تدبيره و غريب حكمته فى خلقه و يخطئون مرة فيقرون بعجزهم و جهلهم بحقائق الاشياء ثم خالف فى العلوم بحسب حاجتهم فما كان صلاحهم فيه ان يعلموه اكثر علمهم منه اكثر و ما كان صلاحهم فيه ان يعلموه اقل علمهم اقل فيمن هذا الباب ما وسع لهم من الخياطة و الزراعة و الحياكة و غيرها و مازوى عنهم من الجفر و الرمل و النجوم و الكيميا و السيميا و ذلك تقدير العزيز الحكيم فتبارك الله احسن الخالقين فصلاح العباد من علم النجوم ظهور ما اظهره منها لهم و خفاء ما اخفاه و لا محظور فيما اظهر بل فى هذا القدر صلاحهم و صلاح دينهم و دنياهم فيعلمون به ان الله سبحانه خلق السماوات و الارض بالحق و ان فى كل جزء جزء منها خواص و فوائد ثم يصيبون فى بعضها فينتفعون به و يخطئون فى

 

«* مکارم الابرار عربي جلد ۳ صفحه ۴۱۱ *»

بعض فيجرى عليهم التقدير كالطب فلو لم‌يخطي الطبيب لما مات مريض فان الله سبحانه و ان كان قدر لكل احد اجلاً الا انه خلق لكل داء دواء و اجرى الاجل ايضاً باسباب خلافها يقتضى تأخير الاجل بتقديره سبحانه و الزم كل شى‏ء مقتضاه و هو قادر ان يؤخر ما يشاء و يقدم ما يشاء الا انه يقدر و يؤخر و يقدم بالاسباب فلو عرف الخلق تلك الاسباب و هم مختارون لدفعوا عنهم مقتضياتها بتحصيل اضدادها فقدر الله سبحانه عليهم و قضى ان يجهلوا اشياء ليجرى عليهم التقدير مع انه كان قادراً ان يجريه مع علمهم ولكن ابى ذلك و ان يعلموا اشياء فيدفعوا عنهم ما شاء الله فمن الاسباب علمهم و جهلهم و ساير اوضاع السماوات و الارض و يفعل الله سبحانه ما يشاء بما يشاء كيف يشاء اعتبر من قوله سبحانه هو الذى انزل من السماء ماءاً فسلكه ينابيع فى الارض ثم يخرج به زرعاً مختلفاً الوانه و قوله هو الذى ارسل الرياح بشراً بين يدى رحمته حتى اذا اقلت سحاباً ثقالاً سقناه لبلد ميت فانزلنا به الماء فاخرجنا به من كل الثمرات كذلك نخرج الموتى لعلكم تذكرون. و هذا معنى ما فى الخبر ابى الله ان يجرى الاشياء الا باسبابها.

فصل

لقد تصدى قوم بنفى هذا العلم و نفى حقيته مطلقاً و قوم بنفى التأثير عن الكواكب و اختلفوا اختلافات عجيبة و استدلوا بادلة غريبة و لعمرى مثلهم كقوم صم انتحلوا علم الموسيقى و جعلوا يتكلمون فيه حتى بارعوا بزعمهم و كتبوا فيه كتباً حشوها بمبادى و اصول و فروع و نقض و ابرام و منع و دفع و بحث حتى ملأوا منها الاسماع و حشوا بها الاصقاع فمنهم من قال ان الحداء ابيض بهذا الدليل و منهم من قال احمر و رد دليل الاخر و منهم من قال انه اسود و منهم من قال انه حلو و منهم من قال انه مر و هكذا فتشاجروا حتى تنازعوا و تعادوا و تلاعنوا فاذا جاء سميع بينهم و سمع ضوضاءهم رأى طبق قول الشاعر: *و نحن بواد و العذول بواد* فقال يا قوم ان الحداء من عالم الاصوات و انتم صم و جميع تشاجركم نفخ فى غير ضرام فارى الان مثل هؤلاء كما ذكرت فاذكر هنا بعض

 

«* مکارم الابرار عربي جلد ۳ صفحه ۴۱۲ *»

ما ذكروا للاعتبار فعن المفيد رحمه الله ان الشمس و القمر و سائر النجوم اجسام نارية لاحيوة لها و لاموت و لا تميز خلقها الله ليتنفع بها عباده و جعلها زينة لسمواته الى ان قال فاما الاحكام على الكائنات بدلائلها او الكلام على مدلول حركاتها فان العقل لايمنع منه و لسنا ندفع ان يكون الله تعالي اعلمه بعض انبيائه و جعله علماً على صدقه غير انا لانقطع عليه و لانعتقد استمراره فى الناس الى هذه الغاية الى ان قال و هذا مذهب جمهور متكلمى اهل العدل و عن الشيخ محمدبن الحسين الكيدرى ما حاصله انهم لايحيطون بالفواعل و القوابل فلايمكنهم الحكم ثم اعترض بالتوامين و انه لو كان الامر كما يقولون لكان الواجب ان يتفقا فى جميع صفاتهما و احوالهما و بان الكلى يغلب الجزئى و هم لايحيطون بالاسباب الكلية و بانه يلد ولد لسوقى و لملك فى آن واحد و لايتفقان فيما هما عليه و باختلاف الزيجات و عن الشيخ ابرهيم بن نوبخت قول المنجمين يبطله قدم الصانع و اشتراط اختياره و يلزم عليهم ان لا يستقر الفعل على حال من الاحوال و قول اهل الطبائع يبطل بمثل ذلك و عن العلامة «ره» اختلف قول المنجمين على قسمين احدهما قول من قال ان الكواكب السبعة حية مختارة و الثانى قول من قال انها موجبة و القولان باطلان اما الاول فلانها اجسام محدثة و اما الثانى فلان المريخ اذا كان مقتضياً للحرب لزم دوام وقوع الهرج و المرج فى العالم و يستقر افعالهم على حال و عن المرتضى رحمه الله ان المنجمين يذهبون الى ان الكواكب تفعل فى الارض و من عليها افعالاً يسندونها الى طباعها الى ان قال و قد فرغ المتكلمون من الكلام فى ان الكواكب لايجوز ان تكون فينا فاعلة و تكلمنا نحن ايضاً فى مواضع على ذلك و بينا بطلان الطبائع التى يهذون بذكرها و اضافة الافعال اليها و بينا ان الفاعل لابد و ان يكون حياً قادراً و قد علمنا ان الكواكب ليست بهذه الصفة و كيف تفعل و ما يصحح الافعال مفقود فيها ثم نقل دليلاً ان الحيوة تنفيها الحرارة الشديدة و حرارة الشمس اقوى من حرارة النار فيستحيل كونها حياً ثم قال لاخلاف بين المسلمين فى ارتفاع الحيوة عن الفلك و اذا قطعنا على نفى الحيوة و القدرة عن الكواكب

 

«* مکارم الابرار عربي جلد ۳ صفحه ۴۱۳ *»

فكيف تكون فاعلة و اتى بدليل آخر انه لابد من وصلة بين الفاعل و المفعول فيه و الكواكب غير مماسة لنا و لا وصلة بينها و بيننا فكيف تكون فاعلة فينا فان ادعى ان الوصلة بيننا هى الهواء فالهواء اولاً لايجوز ان يكون آلة فى الحركات الشديدة و حمل الاثقال ثم لو كان الهواء آلة تحركنا بها الكواكب لوجب ان نحس بذلك و نعلم ان الهواء يحركنا ثم استدل بدليل آخر و هوان ذلك يقتضى سقوط الامر و النهى و الذم عنا ثم قال و مما افحم به القائلون بصحة الاحكام انه ان قيل خذوا الطالع و احكموا هل يؤخذ او يترك فبايهما حكموا خولفوا الى ان قال و من ادل الدليل على بطلان احكام النجوم ان من المعجز الاخبار عن الغيب و هو خارق عادة فلو كان الحكم بالنجوم صواباً لم يكن خارقاً للعادة و عن العلامة التنجيم حرام و كذا تعلم النجوم مع اعتقاد انها مؤثرة او ان لها مدخلاً فى التأثير بالنفع و الضر و بالجملة كل من يعتقد ربط الحركات النفسانية و الطبيعية بالحركات الفلكية و الاتصالات الكوكبية كافر و عن الشهيد فى القواعد كل من اعتقد فى الكواكب انها مدبرة لهذا العالم و موجدة ما فيه فلاريب انه كافر و ان اعتقد انها تفعل الاثار المنسوبة اليها و الله سبحانه هو الموثر الاعظم كما يقوله اهل العدل فهو مخطى اذ لاحيوة لهذه الكواكب ثابتة بدليل عقلى و لا نقلى و اما ما يقال من استناد الافعال اليها كاستناد الاحراق الى النار و غيرها من العاديات بمعنى ان الله اجرى عادته انها اذا كانت على شكل مخصوص يفعل ما ينسب اليها فهذا لايكفر معتقده ولكنه مخطى لان وقوع هذه الاثار عندها ليس بدائم و عن المحقق الشيخ على اعلم ان التنجيم مع اعتقاد ان للنجوم تأثيراً فى الموجودات السفلية ولو على جهة المدخلية حرام و كذا تعلم النجوم بل هذا الاعتقاد كفر فى نفسه و عن الشيخ ابى الفتح محمدبن على الكراجكى فى كنز الفوائد فى رد كون النجوم عللاً موجبات ما حاصله انها ان كانت عللاً للحوادث فهى كائنة لامغيرلها فلافائدة فى الحكم و ان قلتم ان الانسان يمكنه التحرز فقد ابطلتم دعواكم ثم قال ان تسمية البروج الاثنى عشر لااصل لها و انما وضعها الراصدون و كذلك جميع الصور التى عن جنبى منطقة البروج ثم قال ان صور البروج تنتقل و نقل عن الصوفى فى كتاب الصور ان

 

«* مکارم الابرار عربي جلد ۳ صفحه ۴۱۴ *»

مواضع هذه الصور التى على منطقة فلك البروج كانت منذ ثلثة آلاف سنة فى غير هذه الاقسام و ان صورة الحمل ما كانت فى القسم الاول و كان يسمى الاول من البروج الثور و لما جددوا الارصاد فى ايام طيموخارس و جدوا صورة الحمل قد انتقلت الى القسم الاول غيروا اساميها فسموا القسم الاول الحمل و لا يخالفنا احد فى ان هذه الصور تنتقل الى ان قال الشيخ اعلم ايدك الله ان الشمس و القمر و النجوم اجسام محدثة من جنس اجسام العالم مؤتلفة من اجزاء تحلها الاعراض و ليست بفاعلة فى الحقيقة و لا ناطقة ولا حية قادرة و عن شيخ المتكلمين محمود بن على الحمصى فى ذكر علم النجوم و ابطال كونها عللاً موجبة يبطل ذلك بكل ما يبطل به دعوى المجبرة باننا غير مختارين و عن على بن طاوس انه صنع رسالة و بالغ فى الانكار على من اعتقد ان النجوم ذوات ارادة او فاعلة او مؤثرة و استدل على ذلك بدلائل كثيرة و ايده بكلام جم غفير من الافاضل و قال المجلسى رحمه الله ان القول باستقلال النجوم فى تأثيرها بل القول بكونها علة فاعلية بالارادة و الاختيار و ان توقف تأثيرها على شرائط كفر و مخالفة لضرورة الدين و القول بالتأثير الناقص يحتمل وجهين الاول تأثيرها بالكيفية كحرارة الشمس و اضاءتها فلا سبيل الى انكار ذلك لكن الكلام فى انها مؤثرات اومعدات لتأثير الرب او انه تعالى اجرى العادة بخلق الحرارة او الضوء عقيب محاذاة الشمس مثلاً و الاكثر على الاخير و الثانى كون حركاتها و اوضاعها و مقارناتها و اتصالاتها مؤثرة ناقصة فى خلق الحوادث على احد الوجوه الثلثة المتقدمة فلا ريب ان القول به فسق و قول بما لا يعلم الى ان قال و اما انه ينتهى الى حد الكفر فيشكل الحكم به و ان لم يكن مستبعداً و الكراجكى رحمه الله لم يفرق فيما مر من كلامه بين هذا الوجه و الوجه الاول و انما النزاع فى الثانى دون الاول و اما كونها امارات و علامات جعلها الله دلالة على حدوث الحوادث فى عالم الكون و الفساد فغير بعيد عن السداد انتهى.

و انت ان كنت من ابناء الحكمة و نظرت الى هذه الاقوال المنحرفة عرفت انهم لم يتكلموا الا فيما ليس لهم مشعر فيه و لم يدخلوا البيت الا من ظهره و عرفت

 

«* مکارم الابرار عربي جلد ۳ صفحه ۴۱۵ *»

ان اتفاق من ليس من اهل علم و مقام و اختلافهم بمنزلة واحدة فاقول يا قوم ان الحداء صوت فاتبعوا من له اذن و لا تضيعوا الاعمار و لا تحكموا فيما لا تعلمون و انما ذلك مثل اختلافهم فى معنى السحر و حقيقته اين انتم من هذه العلوم و لم تتكلمون فيما ليس لكم فيه حظ فان كنتم لاتعلمون العلوم تعرفون انفسكم اقلاً و تعلمون انكم جاهلون بها اقلاً.

يا بارى القوس برياً لست تحسنه

لاتفسدنها واعط القوس باريها

و ستعرف فى خلال ما يأتى من البيان حقيقة الامر و الله المستعان فاقدم هنا كلاماً مجملاً مختصراً لتعرف حقيقة الامر عاجلاً ان كنت تتنبه بالاشارة و الا فترقب ما ياتى من تفصيل العبارة.

اعلم ان الله سبحانه ذات احدية لاتثنى بوجه من الوجوه يمتنع معها سويها فكمال توحيده نفى الصفات عنه و سبحان ربك رب العزة عما يصفن و ليس كنه ذاته سبحانه علة الخلق لامختارة و لا موجبة و فى الدعاء كان عليماً قبل ايجاد العلم و العلة و انما ذلك لاجل ان العلية صفة و العلة ذات ظاهرة بالعلية و لاشك ان مفهوم قولك علة شى‏ء زائد على مفهوم قولك الذات فغيب الذات اجل من ان يكون علة للاشياء ثم ان كانت موجبة لزم قدم الخلق و عدم تخلفها عن الذات و ان كانت مختارة ان شائت فعلت و ان شائت لم تفعل لزم قدم المشية فيها ايضاً و يتعدد القدماء مع ان المعروف من مذهب اهل البيت عليهم السلام حدوث المشية قال الصادق عليه السلام خلق الله المشية بنفسها ثم خلق الاشياء بالمشية فالذات محال ان تكون علة و العلة فيها ذكر المعلول و الا لا تكون علة و الله سبحانه يمتنع معه ذ كر سواه فاذا امتنع كونه علة فما سواه خلقه قال الرضا عليه السلام حق و خلق لاثالث بينهما و لا ثالث غيرهما فالعلة محدثة و هو محدث العلة بلاعلة و مسبب الاسباب من غير سبب و محدث العلة بلاعلة و لا كيف اجل من نفس العلة فمهما خلق الله العلة كان المعلول معها بلاتأخر فالمشية هى علة العلل احدثها الله سبحانه اولاً بنفسها ثم خلق الاشياء بها و خلق فعله سبحانه و المشية هى فعله و ليس حركة

 

«* مکارم الابرار عربي جلد ۳ صفحه ۴۱۶ *»

صدر من الذات غيرها و هى لم تصدر ايضاً من الذات قال الله سبحانه و من آياته ان تقوم السماء و الارض بامره و فى الدعاء كل شى‏ء سواك قائم بامرك و لما كان الموافقة بين العلة و المعلول فى جميع الجهات و الحدود واجبة فان المعلولات مختلفة و آثار لعللها و المطابقة بين الاثر و المؤثر واجبة و الا لصدر كل شى‏ء من كل شى‏ء فوجب ان يخلق الله سبحانه لكل شى‏ء علة مطابقة معه فالمعلول السرمدى علته سرمدية و الدهرى دهرية و الزمانى زمانية و الحار حارة و البارد باردة و المتحرك متحركة و الساكن ساكنة و هذه العلل هى الاسباب المشار اليها فى مارواه فى الكافى ابى الله ان يجرى الاشياء الاباسبابها و لذا ترى ان النار تسخن و الماء يبرد و هذه العلل كلها رؤس العلة الاولى علة العلل و شؤن امره سبحانه لاتكون فاعلة و لا مؤثرة الا من حيث كونها امر الله سبحانه اذ لا مؤثر فى الوجود الا الله قل الله خالق كل شى‏ء الله خلقكم و ما تعملون هذا خلق الله ارونى ماذا خلق الذين من دونه افرأيتم ما تحرثون‏ء انتم تزرعونه ‏ام نحن الزارعون قل كل من عندالله فما لهؤلاء القوم لايكادون يفقهون حديثاً. فلاعلة فى الوجود الا الله سبحانه ولكن بامره و لامره رؤس بعدد كل ذرة دخل عرصة الوجود و خرج من غيب الامكان الى الشهود فكل شى‏ء قام به شى‏ء فانما قام بامر الله و هو امر الله من ذلك الحيث و من تلك الحوادث ما حدث فى عالم الاجسام و هى قائمة بامر الله سبحانه و امر الله خلقه ظهر فى كل عالم على حسبه و ليس بامر عرضى لا تأصل له و ليس بقول هوائى بل هو ذات الذوات و مذوت كل ذات و مجهر كل جوهر فمن مظاهر امره السموات و النجوم فهى ايدى مشيته و اكمام ارادته و مجارى قدره و مصادر قضائه و مبادى امضائه و الله سبحانه هو الفاعل المحدث لكل حادث وحده لا شريك له لكن لابذاته بل بامره و هى مظاهر امره فمن زعم ان النجوم مؤثرة بالاستقلال فهو كافر و من زعم انها شريكة مع الله فى التأثير فهو مشرك و من زعم ان لها فى التأثير نحو استقلال فهو ملحد و ليس يختص ذلك بالنجوم بل فى كل ذرة من ذرات السماوات و الارض و ما بينهما و من اعتقد ان

 

«* مکارم الابرار عربي جلد ۳ صفحه ۴۱۷ *»

الله سبحانه هو الخالق البارئ المصور وحده لا شريك له بمشيته و ارادته و قدره و قضائه و امضائه و اجله و اذنه و كتابه فهو المؤمن الحق فالله هو الفاعل بكل سبب لا انه اجرى عادته ان يفعل فعلاً عند اقتران شى‏ء بشى‏ء و ما اسخف هذا الكلام اسألهم انتم ابيتم ان يكون غيره مؤثراً و اردتم التفصى عن ذلك فقلتم الله سبحانه اجرى عادته ان يفعل عند طلوع الشمس الحرارة فى الدنيا و ليس الشمس تسخن فانبئونى انه يفعل بذاته او بمشيته فان قلتم بذاته كفرتم و ان قلتم بمشيته صدقتم و مشيته خلقه و اى فرق بين المشية و الشمس لتكن مشيته فى التسخين و الادلة العقلية لاتخصص اليس يقول ربكم سقناه لبلد ميت فانزلنا به الماء فاخرجنا به من كل الثمرات و يقول سلكه ينابيع فى الارض ثم يخرج به زرعاً و يقول افرأيتم ما تحرثون ءانتم تزرعونه‏ام نحن الزارعون اليس يقول الله يتوفى الانفس و يتوفيكم ملك الموت و تتوفيهم الملئكة فجعل جميع هذه الاسباب رؤس مشيته و شؤن امره و هى الامور المفعولية كما يقول و كان امر الله مفعولاً و اتى امر الله فلاتستعجلوه و انت ان كنت من ابناء الحكمة يكفيك هذا الكلام المجمل المفصل و الا فترقب حتى يأتى الله بامره.

فصل

من الاخبار الجارية فى هذا المضمار المشكلة ما رواه فى البحار عن الكافى بسنده عن سليمان بن خالد قال سألت اباعبدالله عليه السلام عن الحر و البرد ممن يكونان فقال لى يا اباايوب ان المريخ كوكب حار و زحل كوكب بارد فاذا بدا المريخ فى الارتفاع انحط زحل و ذلك فى الربيع فلايزالان كذلك كلما ارتفع المريخ درجة انحط زحل درجة ثلثة اشهر حتى ينتهى المريخ فى الارتفاع و ينتهى زحل فى الهبوط فيجلو المريخ فلذلك يشتد الحر فاذا كان فى آخر الصيف و اوان الخريف بدء زحل فى الارتفاع و بدء المريخ فى الهبوط فلايزالان كلما ارتفع زحل درجة انحط المريخ درجة حتى ينتهى المريخ الى

 

«* مکارم الابرار عربي جلد ۳ صفحه ۴۱۸ *»

الهبوط و ينتهى زحل فى الارتفاع فيجلو زحل فذلك فى اول الشتاء و آخر الصيف فلذلك يشتد البرد و كلما ارتفع هذا هبط هذا و كلما هبط هذا ارتفع هذا فاذا كان فى الصيف يوم بارد فالفعل فى ذلك للقمر و اذا كان فى الشتاء يوم حار فالفعل فى ذلك للشمس هذا تقدير العزيز العليم و انا عبد رب العالمين.

انظر فى هذا الحديث الشريف هل يقول المنجم المسلم ازيد من ذلك ان الفعل للنجم الفلانى و سبب الحر النجم الفلانى و سبب البرد النجم الفلانى و تدبر فى قوله هذا تقدير العزيز العليم كما شرحنا و بينا ثم تبرأ من الاعتماد عليها فقال و انا عبد رب العالمين لست بصابئى و لا دهرى بالجملة لاشك فى جواز نسبة الفعل الى الفاعل و الاسباب تقول كتبت و كتبت يدى و كتب قلمى قال الله سبحانه فويل لهم مما كتبت ايديهم و قال يكتبون الكتاب بايديهم و قال لم تقتلوهم و لكن الله قتلهم و ما رميت اذ رميت ولكن الله رمى فالنجوم فاعلة موثرة مدبرة و لاكفر و لاشرك لمن فهم ما يقول و الفاعل هو الله بفعله و هى فعله و نحن قد شرحنا هذا الخبر فى رسالة على حدتها من اراد تفصيل معناه فعليه بها و نشيرهنا مجملا ان المريخ كوكب حار فتأثيره الحرارة و زحل كوكب بارد فتأثيره البرودة فى العالم و هما كوكبان علويان لهما التأثير الكلى كما ان التأثيرات الجزئية للسفلية فالمريخ هو المدبر للصيف و زحل هو المدبر للشتاء و يشتركان فى تدبير الخريف و الربيع و المراد بالارتفاع و الهبوط هو اشرافهما على الاثر و استيلائهما على التدبير و ما لم يستول المؤثر على الاثر لم يؤثر فيه فالارتفاع ارتفاع معنوى و الهبوط هبوط معنوى كما يقال فلان رفيع الشأن رفيع القدر و ليس المراد الرفعة المكانية الصورية فكذلك المريخ كلما ارتفع و استولى بالتدبير سخن الهواء و كلما هبط و سقط و ارتفع زحل و استولى برد ألاترى انه لو كان المراد الرفعة المكانية لكان اللازم برد الهواء بتباعد المريخ و حر الهواء بتباعد زحل فالمراد هو رفعة الاستيلاء كما يقال ان المولود فى الشهر الاول يدبره زحل و فى الثانى يدبره المشترى و فى الثالث يدبره المريخ و هكذا و ليس بان الكواكب

 

«* مکارم الابرار عربي جلد ۳ صفحه ۴۱۹ *»

تنتقل من مواضعها و تقارن المولود للتدبير بل هى فى مواضعها و تستولى واحداً بعد واحد على المولود و تدبره فكذلك تدبير زحل و المريخ للشتاء و الصيف و اما الحر فى الشتاء و البرد فى الصيف فهما جزئيان ينتقلان سريعاً فهما من الشمس و القمر صدق عليه السلام و له الحكم و الامر و ان قلت ان الصيف يسخن بارتفاع الشمس و الشتاء يبرد بانحطاطها قلت لاينافى ذلك قوله عليه السلام ذلك فان التدبير و التربية لزحل و المريخ و ان كان السبب المقارن الشمس كما ان اشهر المولود بسبب الشمس و القمر و مرور الزمان عليه ولكن يدبره فى كل شهر كوكب.

فصل

فى البحار من الكافى بسنده عن الاصبغ بن نباتة قال قال اميرالمؤمنين عليه السلام ان للشمس ثلثمأة و ستين برجاً كل برج منها مثل جزيرة من جزائر العرب فتنزل كل يوم على برج منها فاذا غابت انتهت الى حد بطنان العرش فلم تزل ساجدة الى الغد ثم ترد الى موضع مطلعها و معها ملكان يهتفان معها و ان وجهها لاهل السماء و قفاها لاهل الارض ولو كان وجهها لاهل الارض لاحرقت الارض و من عليها من شدة حرها و معنى سجودها ما قال سبحانه الم‏تر ان الله يسجد له من فى السموات و من فى الارض و الشمس و القمر و النجوم و الجبال و الشجر و الدواب و كثير من الناسى انتهى.

اقول المراد بالبروج الدرج المشاراليها فى قوله تعالى فى تفسير ظاهر الظاهر رفيع الدرجات و عدد الرفيع ثلثمأة و ستون كل برج منها مثل جزيرة تشبيه للسعة و نزول العرب فيها فى مراحلها اذا غابت انتهت الى حد بطنان العرش فلم تزل ساجدة الى الغد اعلم ان الشمس دائماً تغيب عن قوم و تطلع على قوم فهى دائماً فى المغيب بالنسبة الى قوم فهى دائماً تنتهى الى حد بطنان العرش فانه مبدؤها و منتهاها فهى فى الطلوع تبتدى منه ابداً و فى الغروب تنتهى اليه ابداً لان

 

«* مکارم الابرار عربي جلد ۳ صفحه ۴۲۰ *»

نورها من نور العرش كما روى و هى دائماً فى الغروب و الطلوع فمنه بدؤها و اليه منتهاها فهى دائماً ساجدة لله سبحانه خاضعة له و قد اشار اليه فى آخر الخبر فسجودها كسجود الشجر و الدواب و معها ملكان يهتفان معها فالظاهر ان المراد ما روى من الاختصاص انه قال الصادق عليه السلام ملك موكل بالشمس عند طلوعها ينادى ياابن آدم لد للموت و ابن للخراب و اجمع للفناء فلنعم ماقيل: لناملك ينادى كل يوم × لدواللموت و ابنوا للخراب. و روى عن ابى جعفر عليه السلام ان الشمس تطلع و معها اربعة املاك ملك ينادى يا صاحب الخير اتم و ابشر و ملك ينادى يا صاحب الشر انزع و اقصر و ملك ينادى اعط منفقاً خلفاً و آت ممسكاً تلفاً و ملك ينضحها بالماء و لولا ذلك اشتعلت الارض انتهى. و يحتمل ان يكون سقط شى‏ء من خبر الكافى و ان وجهها لاهل السماء الظاهر ان المراد وجهها الى مبدئها و هو باطنها المخصوص باهل القيمة و السماء فان اثر باطنها فى السماء اكثر كما ان اثر ظاهرها فى الارض اكثر لاختلاف القوابل و تأثر اللطيف من اللطيف و عدم تأثر الكثيف منه و المراد بقفاها ظهرها و ظاهرها الدنياوى و الاعراض الدنياوية او برد الزهرة و القمر و رطوبات الجو هى الماء الذى ينضحه الملك عليها لئلا تحرق الارض و روى عن اميرالمؤمنين عليه السلام ان للشمس ماة و ثمانين منزلاً فى مأة و ثمانين يوماً ثم انها تعود مرة اخرى الى واحد واحد منها انتهى. والمراد المدارات اليومية لها بين مدار رأس الجدى و رأس السرطان فانها مأة و ثمانون فتمر عليها ستة اشهر ثم تعود عليها ستة اشهر و يذهب مذهب الخبر الاول ما روى عن التوحيد بسنده عن ابى‌ذر الغفارى رحمه الله قال كنت آخذاً بيد النبى صلى الله عليه و اله و نحن نتماشى جميعاً فمازلنا ننظر الى الشمس حتى غابت فقلت يا رسول الله اين تغيب قال فى السماء ثم ترفع من سماء الى سماء حتى ترفع الى السماء السابعة العليا حتى تكون تحت العرش فتخر ساجدة فتسجد معها الملئكة الموكلون بها ثم تقول يا رب من اين تأمرنى اطلع أمن

 

«* مکارم الابرار عربي جلد ۳ صفحه ۴۲۱ *»

مغربى ام من مطلعى فذلك قوله عزوجل و الشمس تجرى لمستقر لها ذلك تقدير العزيز العليم يعنى بذلك صنع الرب العزيز فى ملكه بخلقه فيأتيها جبرئيل بحلة ضوء من نور العرش على مقادير ساعات النهار فى طوله فى الصيف او قصره فى الشتاء او ما بين ذلك فى الخريف و الربيع قال فتلبس تلك الحلة كما يلبس احدكم ثيابه ثم تنطلق بها فى جو السماء حتى تطلع من مطلعها قال النبى صلى الله عليه و آله فكانى بها و قد حبست مقدار ثلث ليال ثم لاتكسى ضوء و تؤمر ان تطلع من مغربها فذلك قوله عزوجل اذا الشمس كورت و اذا النجوم انكدرت و القمر كذلك من مطلعه و مجراه فى افق السماء و مغربه و ارتفاعه الى السماء السابعة و يسجد تحت العرش و جبرئيل يأتيه بالحلة من نور الكرسى فذلك قوله هو الذى جعل الشمس ضياءاً و القمر نوراً الخبر. فقوله عليه السلام فى السماء ظاهر فانها تغيب عنا و هى فى السماء و اما رفعها من سماء الى سماء فانها دائمة الرفع عوداً فى توجهها الى العرش و استمدادها منه و دائمة الهبوط بدءاً اى نورها يمد دائماً من العرش فلو قطع عنها طرفة عين لزال نورها و هى دائمة التحلل يتحلل عنها و تحتاج الى مدد جديد و هى فى استمدادها متوجهة الى العرش خاضعة تحته ساجدة لله سبحانه و لا شك انها ابداً تغيب عن قوم و تطلع على قوم فهى دائماً تؤتى بحلة من العرش و دائماً ترفع الى العرش كلما يرتفع منها ذرة تؤتى بذرة من الحلة على نحو السيلان فرفعها و نزول الحلة اليها كالنهرين الجاريين فى جميع الانات و هى فى كل جزء من السماء دائمة الاستيذان فى الاستقبال و الاستدبار و هما الطلوع من المشرق و المغرب فانها دائماً فى المشرق و دائماً فى المغرب و الاستشهاد بالاية يمكن ان يكون لاجل المستقر و يكون المراد ان مستقر الشمس تحت العرش فتجرى مرفوعة فى السماوات الى مستقر لها او يكون المراد من المستقر منطقة البروج فهى تجرى فى مستقرها ليس لها تخلف عنها و حبسها مقدار ثلث ليال قبل ظهور

 

«* مکارم الابرار عربي جلد ۳ صفحه ۴۲۲ *»

الامام و كذلك حال طلوع القمر و غروبه الا ان نور الشمس من العرش و ان كان بواسطة الكرسى كما يظهر من خبر آخر و نور القمر من الكرسى و ان كان بواسطة الشمس و ذلك ان العرش هو مقام العقل و باطن النبوة و الكرسى هو مقام النفس و باطن الولاية والشمس هى مقام المادة الثانية و ظاهر النبوة و القمر مقام الصورة و المثال و ظاهر الولاية و روى عن على عليه السلام تغرب الشمس فى عين حامئة فى بحر دون المدينة التى تلى المغرب يعنى جابلقا انتهى.

اقول ذلك البحر الماء الذى كان العرش عليه و هو السماوات فهى تغيب فيها و هى العين الحامئة فان قرء الحامية بالياء فتلك العين اى عين السماوات حامية تمنع غيرها عن الوصول اليها او حامية من الحمي اى ساخنة لان الافلاك دخان و ان كانت من الحماء مهموزاً فالحماء المختلط بتلك العين سواد الليل و ظل الارض او جميع ما تحت العرش ماء و حماؤه الارض فالشمس تغيب وراء الحماء فى العين و قد اشرنا بكثير مما فى الخبر على نحو الاشارة و هذه الاخبار مما قد تحير فيه العلماء.

فصل

و فى البحار عن تفسير على بن ابرهيم بسنده عن الحكم بن المستنير عن على بن الحسين عليهما السلام قال ان من الايات التى قدرها الله للناس مما يحتاجون اليه البحر الذى خلقه الله بين السماء و الارض قال و ان الله قدر فيه مجارى الشمس و القمر و النجوم و الكواكب ثم قدر ذلك كله على الفلك ثم و كل بالفلك ملكاً معه سبعون الف ملك فهم يديرون الفلك فاذا دارت الشمس و القمر و النجوم و الكواكب معه فنزلت فى منازلها التى قدرها الله فيها ليومها و ليلتها فاذا كثرت ذنوب العباد و اراد الله ان يستعتبهم بآية من آياته امر الملك الموكل بالفلك ان يزيل الفلك الذى عليه مجارى الشمس و القمر و النجوم و الكواكب فيأمر الملك اولئك الالف الملك ان يزيلوا الفلك عن مجاريه قال فيزيلونه فتصير الشمس فى ذلك البحر الذى يجرى الفلك فيه فينطمس ضوؤها و يتغير لونها فاذا

 

«* مکارم الابرار عربي جلد ۳ صفحه ۴۲۳ *»

اراد الله ان يعظم الاية طمست الشمس فى البحر على ما يحب الله ان يخوف خلقه بالاية فذلك عند شدة انكساف الشمس و كذلك يفعل بالقمر فاذا اراد الله ان يخرجهما و يردهما الى مجراهما امر الملك الموكل بالفلك ان يرد الشمس الى مجراها فيرد الملك الفلك الى مجراه فيخرج من الماء و هى كدرة و القمر مثل ذلك ثم قال على بن الحسين عليهما السلام انه لايفزع لهما و لا يرهب الا من كان من شيعتنا فاذا كان ذلك فافزعوا الى الله و راجعوا قال و قال اميرالمؤمنين عليه السلام الارض مسيرة خمسمأة عام الخراب منها مسيرة اربعمأة عام و العمران منها مسيرة مأة و الشمس ستون فرسخاً فى ستين فرسخاً و القمر اربعون فرسخاً فى اربعين فرسخاً بطونهما تضيئان لاهل السماء و ظهورهما لاهل الارض و الكواكب كاعظم جبل على الارض و خلق الشمس قبل القمر و قال سلام بن المستنير قلت لابى جعفر عليه السلام لم صارت الشمس احر من القمر قال الله خلق الشمس من نور النار و صفو الماء طبقاً من هذا و طبقاً من هذا حتى اذا صارت سبعة اطباق البسها لباساً من نار فمن هنالك صارت اشد حرارة من القمر قلت فالقمر قال ان الله خلق القمر من ضوء نور النار و صفو الماء طبقاً من هذا و طبقاً من هذا حتى اذا صارت سبعة اطباق البسها لباساً من ماء فمن هنالك صار القمر ابرد من الشمس انتهى. و هذا الخبر من المشكلات و غفل قوم عن صعوبة كلامهم فحملوه على الظاهر و غفلوا عن ان الحكيم اذا تكلم فى علم لاهله لايجب ان يتكلم بحيث يعرفه كل من ليس من اهل ذلك العلم الاترى انهم علموا الجابر تمام الكيميا و خطب اميرالمؤمنين بفقرات فى علم الكيميا فلم‌يعرفه كل احد و كذلك فى مقاماتهم العجيبة فليس يعرفها كل احد و انما على الحكيم ان يتكلم مع كل سائل بحيث يفهم ذلك السائل ان شاء تفهيمه و لرب حامل فقه و ليس بفقيه و لرب

 

«* مکارم الابرار عربي جلد ۳ صفحه ۴۲۴ *»

حامل فقه الى من هوافقه منه و لذا روى ان كلامنا صعب مستصعب فقد خبط اهل الظاهر خبطاً ظاهراً حيث زعموا انه يجب ان يكون كلامهم على الظاهر ابداً و قد روى انهم يتكلمون و يريدون منها احد سبعين وجهاً لهم من كلها المخرج و قد حققنا ذلك فى سائر كتبنا مفصلاً فلا موجب لحمل كلامهم فى غير ما يعم به البلوى على متفاهم جميع الناس فاقول قال المجلسى فى بعض النسخ بدل الايات الاوقات و عن الكافى من الاقوات بالجملة ان كانت الايات صحيحة فلانهم يرون آيات البحر و ليس يرون البحر ليكون بنفسه آية و الظاهر ان الاوقات سهو و ان كان الاقوات صحيحة فلان ذلك البحر سبب الاقوات فالبحر الذى خلقة الله بين السماء و الارض هو صفو الماء الذى بين العرش و الفرش فان الله سبحانه خلق عرشه اولاً و جعله على الماء ثم خلق من بخار الماء و صفوه السماوات السبع و من زبده و غليظه و منعقده الارض فالماء الذى بين السماء و الارض هو صفو الماء و السماء هو العرش الاعلى و ذلك البحر و الماء هو الذى فيه مجرى الشمس و القمر و النجوم و الكواكب المركوزة فى الفلك الثامن قوله ثم قدر ذلك كله‏ اى النجوم المذكورة على الفلك اى خلق لها افلاكاً و هى تدويراتها او خوارج مركزها فذلك الفلك يجرى فى ذلك البحر دائماً و استقامة جريها ان يكون كل واحد منها نيراً ظاهراً للناظر ينتفع به لانها خلقت لذلك و لتهتدوا بها فى ظلمات البر و البحر و لتكون زينة فاذا اراد الله سبحانه تخويف عباده امر الملك الموكل ان يزيل الفلك عن مجرى استقامته بان يجرى بحيث لاينتفع بكوكبه و لايهتدى به فيزيله الملك فتصير الشمس فى ذلك البحر اى بحر السماوات مخفية عن الابصار بحجب جرم القمر اياها و يصح انها غابت فى السماء كما مر فى خبر ابى ذرانها تغيب فى السماء مع ان الارض تحجبها و كذا هنا تغيب فى البحر مع ان القمر يحجبها ألاترى انه قال انها فى الفلك و الفلك يجرى فى البحر فالبحر لطيف شفاف و دائماً هو حاجب بين الناظر و بينها الا انها عند ارادة الله تخويف العباد تنحجب فى السماء و تغيب فى السماء هذا و

 

«* مکارم الابرار عربي جلد ۳ صفحه ۴۲۵ *»

القمر و الفلك الاول كلاهما من اجزاء ذلك البحر لانهما خلقا من ذلك الماء فاذا احتجب الشمس بالقمر فقد احتجبت ببعض اجزاء ذلك البحر فصح انها احتجبت فى البحر و كذلك يفعل بالقمر فان القمر ايضاً يغيب فى السماء و هى من ذلك البحر و ان كان يحجب الارض بينهما اى بين الشمس و بين القمر فاذا اراد الله رفع التخويف امر الملك فيخرجهما من ذلك البحر اى من ذلك الجزء من البحر الذى احتجبا فيه الى الجزء الغير الحاجب فان مجرى الافلاك فى البحر كما شهد به صدر الخبر فليس كل البحر بحاجب لهما بل جزء منه و اما تحديده الارض بمسيرة خمسمأة عام فانه تحديد تعظيم اذ لا حد للسير يعرف. و اما كون الشمس ستون فرسخاً و القمر اربعون فلايعلم حد الفرسخ أ هو من فراسخ السماء او الارض هذا و فى رواية اخرى سئل اميرالمؤمنين عليه السلام عن طول الشمس و القمر و عرضهما قال تسعمأة فرسخ فى تسعمأة فرسخ انتهى. فلما كان مدار المساحة على المقياس فاذا كان المقياس مجهولاً يجهل المساحة و اما كونهما من سبع طبقات من صفو الماء و نور النار فاعلم ان الشمس آية الطبيعة و هى حارة يابسة و هى طبقة ثم بعدها المادة الباردة ثم بعدها الاظلة ثم الجسم ثم العرش ثم الكرسى فاعلى خزائن الشمس الطبيعة و آخر شهودها ماترى و القمر اعلى خزائنه المادة الباردة الرطبة و يأتى الى الكرسى الى الشمس و آخر شهوده ماترى فالشمس بدئت من النار و انتهت اليها و القمر بدى‏ء من الماء و انتهى اليه فى السابعة فافهم و احمد الله على هذه الحكم.

فصل

فى البحار عن كتاب النجوم بسنده الى ابن ذى العلمين قال كنت واقفاً بين يدى ذى الرياستين بخراسان فى مجلس المأمون و قد حضره ابوالحسن الرضا عليه السلام فجرى ذكر الليل و النهار ايهما خلقا قبل فخاضوا فى ذلك و اختلفوا ثم ان ذا الرياستين سأل الرضا عن ذلك و عما عنده فيه فقال له اتحب ان اعطيك الجواب من كتاب الله او من حسابك فقال اريده اولاً من جهة الحساب

 

«* مکارم الابرار عربي جلد ۳ صفحه ۴۲۶ *»

فقال اليس تقولون ان طالع الدنيا السرطان و ان الكواكب كانت فى شرفها قال نعم قال فزحل فى الميزان و المشترى فى السرطان و المريخ فى الجدى و الزهرة فى الحوت و القمر فى الثور و الشمس فى وسط السماء فى الحمل و هذا لايكون الا نهاراً قال نعم فمن كتاب الله قال قول الله عزوجل لاالشمس ينبغى لها ان تدرك القمر و لاالليل سابق النهار اى النهار يسبقه انتهى.

و فى هذا الحديث اشكالات عديدة منها انه اين الدنيا و المراد طالع اى بقعة و تقدم النهار على الليل فى اى بقعة و الشمس فى عاشر اى بقعة نحن قد كتبنا له رسالة اخرى مفصلة و نذكر هنا مجملاً فاقول على الظاهران اول جزء خلق من الارض موضع كعبة و دحيت الارض من تحتها فيعتبر الطالع من هناك اذا اريد بالدنيا الارض او اريد بها السماوات الثمانية و الارض فانها حين وضعت وضعت بحيث كان الطالع فى مكة برج سرطان و فهم المنجمين لايزيد على هذا المراد و ان اريد بالدنيا مجموع عالم الاجسام الزمانية كما هو الظاهر فالبرج الطالع حين تولد عالم الاجسام له تأويل فان المشرق حينئذ جهة المبدء و المشية و جهة شروق نور شمس الازل و اول برج طلع منه الماء فانه اول ما خلق الله و هو برج السرطان المائى شرف المشترى صاحب الطالع كوكب النفس و باء بسم الله التى خلق منها الموجودات و هو جسم الكل كما ان طالع عالم المثال الجوزا و عالم الهيولى الثور و عالم الطبايع الحمل لوجوه ليس هيهنا موضعها و الكواكب فى اشرافها اى فى غاية قوتها و كمالها لانه لم يختلطها اعراض و وبال و هبوط بعد و كانت دهرية عرية عن الاعراض المضعفة و ان اردت التفصيل فراجع تلك الرسالة ان امكنك و احذر ان تحمل علوم آل محمد عليهم السلام فى جميع الموارد على متفاهم العوام فتبتلى باختلافات لاتعالج هذا و هم صرحوا بان كلامهم له سبعون وجهاً و لهم من كلها المخرج.

فصل

روى فى البحار عن الكافى بسنده عن محمد بن اسمعيل بن بزيع

 

«* مکارم الابرار عربي جلد ۳ صفحه ۴۲۷ *»

عن الرضا عليه السلام قال قلت له بلغنى ان يوم الجمعة اقصر الايام قال كذلك هو قلت جعلت فداك كيف ذلك قال ان الله تعالى يجمع ارواح المشركين تحت عين الشمس فاذا ركدت الشمس عذب الله ارواح المشركين بركود الشمس ساعة فاذا كان يوم الجمعة لايكون للشمس ركود رفع الله عنهم العذاب لفضل يوم الجمعة فلايكون للشمس ركود و عن الاختصاص بسنده عن ابى الصباح الكنانى قال سألت اباعبدالله عليه السلام عن قول الله الم‏تر ان الله يسجد له من فى السموات و الارض و الشمس و القمر و النجوم و الجبال و الشجر و الدواب الاية فقال ان للشمس اربع سجدات كل يوم و ليلة سجدة اذا صارت فى طول السماء قبل ان يطلع الفجر قلت بلى جعلت فداك قال ذاك الفجر الكاذب لان الشمس تخر ساجدة و هى فى طرف الارض فاذا ارتفعت من سجودها طلع الفجر و دخل وقت الصلوة و اما السجدة الثانية فانها اذا صارت فى وسط القبة و ارتفع النهار ركدت قبل الزوال فاذا صارت بحذاء العرش ركدت و سجدت فاذا ارتفعت من سجودها زالت عن وسط القبة فتدخل وقت صلوة الزوال و اما السجدة الثالثة انها اذا غابت من الافق خرت ساجدة فاذا ارتفعت من سجودها زال الليل كما انها حين زالت وسط السماء دخل وقت الزوال زوال النهار انتهى. و الظاهر انه سقط عن النسخ فى آخر الخبر بين قوله من سجودها و بين زال الليل فقرات فكانه كان اذا ارتفعت من سجودها دخل وقت صلوة المغرب و اما السجدة الرابعة انها اذا انتصف الليل مقابل انتصاف النهار بالجملة فى معنى الركود عند انتصاف النهار اشكال فانها لو ركدت بمعنى وقفت لزم منه سكونها دائماً فانها دائماً فى حال انتصاف النهار بالنسبة الى بقعة و ما معنى ركودها فى غير الجمعة.

اعلم ان الركود بمعنى الثبات و السكون و ان الشمس اذا قيست بالاسطرلاب او بالمقياس فى اى بقعة يدرك لها حركة صاعدة قبل الزوال و هابطة

 

«* مکارم الابرار عربي جلد ۳ صفحه ۴۲۸ *»

بعد الزوال و فى طرفى خط نصف النهار لايدرك حركتها لسعة كرة السماء و وقوع حركتها على الاستقامة بالنسبة الى الناظر فلا يدرك له فى دائرة الاسطراب لها حركة و انتقال من درجة الى درجة الى زمان يعتد به و فى الارض فى ظلها و هو بحسب الظاهر ركود الشمس و ثباتها عند الزوال و هو المشار اليه فى خبر ابى الصباح الكنانى و هذا الركود فى كل يوم الجمعة او غيرها كما نص عليه عموماً فى الخبر المذكور ففى تلك الساعة اى ساعة الركود لايجوز الصلوة فانها شرعت اذا زالت فلابد و ان يصبر الانسان الى ان تزول فساعة الركود تحسب من قبل انتصاف النهار و بعد الزوال يشرع فى النافلة ثم يشرع فى الصلوة ثم ينتشر فى الارض و اما يوم الجمعة فلا يراعى لها ركود لضيق الوقت بكثرة الاعمال و رجوع من حضر للجمعة الى اوطانهم و كثرة الدعاء و السنن فيه فضيق اليوم لكثرة الاعمال فيه فيتضايق بها انظر الى ما رواه فى الوسائل عن زرارة قال سمعت ابا جعفر عليه السلام يقول ان من الامور اموراً مضيقة و اموراً موسعة و ان الوقت وقتان و الصلوة مما فيه السعة فربما عجل رسول الله صلى الله عليه و آله و ربما اخر الا صلوة الجمعة فان صلوة الجمعة من الامر المضيق انما لها وقت واحد حين تزول و وقت العصر يوم الجمعة وقت الظهر فى سائر الايام و عن عبدالله بن سنان عن ابى عبدالله عليه السلام قال كان رسول الله صلى الله عليه و آله يصلى الجمعة حين تزول قدر شراك و يخطب فى الظل الاول فيقول جبرئيل يا محمد قد زالت الشمس فانزل فصل و عن محمد بن ابى عمر قال سألت ابا عبدالله عليه السلام عن الصلوة يوم الجمعة فقال نزل بها جبرئيل مضيقة اذا زالت الشمس فصلها الخبر. و عن عبدالاعلى بن اعين عن ابى عبدالله عليه السلام ان من الاشياء اشياء مضيقة ليس تجرى الا على وجه واحد منها وقت الجمعة ليس لوقتها الا حد واحد حين تزول الشمس و عن ابى جعفر عليه السلام وقتها فى السفر و الحضر واحد و هو من المضيق و عن زريق عن ابى عبدالله عليه السلام اذا زالت الشمس يوم الجمعة

 

«* مکارم الابرار عربي جلد ۳ صفحه ۴۲۹ *»

فلا نافلة و ذلك ان يوم الجمعة يوم ضيق و كان اصحاب محمد صلى الله عليه و آله يتجهزون للجمعة يوم الخميس لضيق الوقت و عن جابر بن يزيد عن ابى جعفر عليه السلام قال قلت له قول الله عزوجل فاسعوا الى ذكر الله قال اعجلوا و عجلوا فانه يوم مضيق على المسلمين و الله لقد بلغنى ان اصحاب النبى عليه السلام كانوا يتجهزون للجمعة يوم الخميس انه يوم مضيق على المسلمين انتهى. بالجملة يوم الجمعة يوم مضيق للاداب المتقدمة على الزوال و السير الى موضع الجمعة و الدعوات بعدها و العود الى الاوطان فلاجل كثرة وقوع السنن فيه و تزاحمها صار ضيقاً بخلاف سائر الايام فانها موسعة و اعمالها و سننها قليلة و لاشك انه عند كثرة الاعمال و ضيق الوقت يحس اقصر و عند الفراغ يطول الوقت اكثر كما هو واضح و ليس للشمس ركود يعنى لايعتبر ركودها فيه و يبادر الى الخطبة التى هى من الصلوة ثم يصلى اول الزوال فلايراعي ركودها كما سمعت من كلامهم.

و اما تعذيب ارواح المشركين فى غير يوم الجمعة فاعلم ان الشمس مربية الطبيعة فى السفليات و مظهر الطبيعة الدهرية و منها حرارتها و يبوستها و ما كان يقال انها صاحبة المادة الثانية فهى هى الطبيعة ان لوحظت بلا مثال و هى هى ان لو حظت مع المثال و فيه و ان المشركين و الكفار مقرهم نار الطبيعة و فيها يعذبون و اليها يهبطون و من جنة سماء النفوس القدسية يحرمون فهم يجتمعون فى البرزخ تحت عين الشمس و يعذبون فشمس الطبيعة لها ركود و ثبات فى سائر الايام لعمل الناس بمقتضاها فيشتد حرها فى سائر الايام و يعذب بها ارواح المشركين بولي الله و ارواح المشركين اهواؤهم و آراؤهم مع الله سبحانه و بسببهم يشتد على سائر المشركين الذين هم فروع هؤلاء و من طينتهم و من جنسهم و يرضون بعلمهم و اما يوم الجمعة فيخالفون الطبيعة و مقتضياتها قهراً فلا يجتمعون تحت عين الشمس و لا يشتد حرها عليهم فلا تركد و لا تثبت فى عذابهم و لما كان فى الباطن كذلك طالت سائر الايام فى الظاهر بفراغهم و ضاق يوم الجمعة باشتغالهم بالاعمال الصالحة طوعاً و كرهاً فقصر عليهم و يرفع عنهم العذاب يوم الجمعة سيجزيهم

 

«* مکارم الابرار عربي جلد ۳ صفحه ۴۳۰ *»

وصفهم انه حكيم عليم فهم باشتغالهم بالمعاصى فى سائر الايام يجتمعون تحت عين الشمس فتركد عليهم للتعذيب و باشتغالهم بالطاعات يوم الجمعة لاتركد عليهم بالعذاب فانطبق الظاهر و الباطن على حد سواء و الحمد لله و اما حديث سجود الشمس فهى دائماً فى هذه الحالات بالنسبة الى البقاع و سجودها كسجود الظل و النبات و هو خضوعها عند ربها بالانقياد تحت مشيته و التصرف عن امره و نهيه الا انه عليه السلام عد هذه الحالات لظهور التصرف فيها و التغير البين فى حالها و ظهور اثر التدبير عليها.

المقصد الثانى

فى ذكر كيفية حدوث البسائط الزمانية و حقائقها و الاسطقسات المركبة و كيفية تأثير الاجرام العلوية فى الاجسام السفلية و حصول المواليد فيها ففى هذا المقصد مطلبان و فى كل مطلب فصول.

المطلب الاول

فى ذكر كيفية حدوث البسائط الزمانية و حقائقها و الاسطقسات المركبة و فيه فصول.

فصل

ان معرفة حدوث الاجسام البسيطة مما اشكلت معرفتها على العلماء و تحيروا فيها و طال التشاجر فيها بين العلماء الظاهريين و الحكماء الفلسفيين و لم يصب احد منهم معنى حقيقة الحق فيها الا قليل فانهم لم يدخلوا البيت من بابه اما العلماء الظاهريون فاخطأوا الباب حيث زعموا ان كلمات المعصومين عليهم السلام لابد و ان تحمل على متفاهم العوام و ان تكلموا فى اغيب العلوم و اعلى الحقائق و قد حققنا هنا و فى سائر كتبنا ان هذا التوهم اشتباه محض و ان الائمة عليهم السلام علماء حكماء قد تكلموا فى كل علم بلسان اهله و بما يليق به بل تكلموا فى العلم الواحد و المسئلة الواحدة بحسب افهام السائلين فالجواب

 

«* مکارم الابرار عربي جلد ۳ صفحه ۴۳۱ *»

الذى اجابه لافضل الحكماء ليس يعرفه البدوي البوال على عقبيه على انه مسلم مكلف و ان كان الامر كذلك فلم يبق لهم بتفقههم درجة و لا فضل لهم فيه فان كان الفقه الذى هو اصل تكليف العباد لامخرج فيه الا للفقهاء العلماء العارفين باللحن المطلعين على معاريض الكلام فليكن كلامهم فى الحكمة ايضاً كذلك فليكن له اهل و ليكن الفقهاء منه اجانب فانه غير علم الفقه و كذلك ليكن كلامهم ايضاً فى الكيميا كذلك وليكن له اهل وليكن الفقهاء منه اجانب و كما ان لفقههم اصطلاحات ليس يعرفها غيرهم ليكن فى سائر العلوم ايضاً اصطلاحات ليس يعرفها الفقهاء فهم قد اخطأوا خطاءا عظيماً ليس بهين حيث بنوا امر اعتقادهم فى علوم اخبر عنها الائمة عليهم السلام من غير علم التكليف العام على متفاهم العوام و حملوا الاخبار عليه ثم فسروها بلسانهم و اشاعوها حتى شنع عليهم و على ائمتهم اهل ذلك العلم و حملهم على انهم اجانب من هذا العلم أليس اذا فسروا اخبار جبل قاف بجبل على المعروف و هو من زمردة خضراء محيط بالارض اسفله فى الارض و رأسه منته الى السماء و خضرة السماء منه يضحك عليهم اهل جغرافيا و يقولون انا سرنا جميع الارض و مسحناها شعيرة شعيرة و لم نجد جبلاً كذلك فظهر ان نبيكم ما كان يعرف علم جغرافيا و قد غركم و عللكم نعوذ بالله و هل وقع هذا التشنيع الا من جهة تفسيرهم الاخبار على متفاهم العوام أليس اذا فسروا اخبار يأجوج و مأجوج على ما هو الظاهر ضحك عليهم اهل هذا العلم فانهم يقولون انهما اقليمان فى الدنيا و عددهم بعد الملئكة اكثر من كل الخلق مع ان عددالملئكة اكثر من عدد الرمال بما لا يحصى و هم اصناف منهم طولهم كالنخل و منهم احدى اذنيه بساطه و الاخرى لحافه و هكذا و مثل هذا الخلق الكثير كيف يمكن ان يخفى على من مسح الارض شبراً شبراً و شرحوا خلقها و دولها و مذاهبها و اتوا بجرايد حوادثها و ليس هذا التشنيع الا من جهة تفسيرهم اخبار آل الله عليهم السلام فى العلوم الغريبة على متفاهم العوام و مثل تفسيرهم لجابلقا و جابرصا و اربعين شمساً و اربعين قمراً و غروب الشمس فى عين حمئة فى المغرب و هكذا و كان الاحسن عليهم ان يقولوا ان هذه

 

«* مکارم الابرار عربي جلد ۳ صفحه ۴۳۲ *»

الاخبار رموز و من علوم اخر و ليس نعرفها و انما حظنا من اخبارهم الفقه حسب و لكنهم ابوا الا التصرف فى جميع العلوم بمحض كليمات فى الاصول عرفوها و من هذا الباب شنعوا على العلماء بسائر العلوم و قالوا انكم خرجتم عن اجماعنا و عن الاخبار و ليس الامر كذلك و انهم خرجوا عن خطائكم و اشتباهكم و اصابوا معنى حقيقة الحق و غفلتم و الواجب عليكم ان ترجعوا الى قولهم لاعليهم و انهم يشنعون عليكم كما تشنعون عليهم.

فيا بارى القوس برياً لست تحسنه   لاتفسدنها و اعط القوس باريها

و اما الحكماء الفلسفيون فاخطأوا حيث استبدوا بآرائهم الناقصة و عقولهم السخيفة و لم يستندوا فى علومهم الى المعصومين الذين اشهدهم الله خلق السموات و الارض فضلوا و اضلوا عن سواء السبيل فالعالم كل العالم و الحكيم كل الحكيم من اخذ جميع علومه عنهم سلام اللَّه عليهم و لكن دخل فى كل علم من بابه و عرف اصطلاحاتهم فى العلوم بتعليمهم او بتعليم من علموه فعرف الموصول المفصول و عرف الكيف و الكم و عرف حقائق الاشياء بتعليمهم و تعريفهم صلوات الله عليهم و لم‌يأول كلامهم الى كلام الحكماء و خرافاتهم و لا الى خيالات المتصوفة و المتسمين بالعرفاء بل جعل كلامهم باصطلاحهم قدوته و امامه و اتبعهم فما وافقهم من سائر الاقوال اخذ به و ما خالفهم تركه و سلك فى اخذ العلم عنهم الشروط المرسومة فى محلها بالجملة ليس الحق الامنهم و عنهم و اليهم و فيهم و بهم فما كان منهم فهو حق و الا فهو باطل.

فدع عنك قول الشافعى و مالك   و احمد و المرورى عن كعب الاحبار
و خذ عن اناس قولهم و حديثهم   روى جدنا عن جبرئيل عن البارى

فصل

فلنسرد اولاً الاخبار الواردة فى هذا المقام ثم ننظر فيما رزقنا الله تعالى من معانيها ببركاتهم صلوات الله عليهم ففى البحار من الكافى بسنده عن عبد الله بن سنان قال سمعت ابا عبدالله عليه السلام يقول ان الله خلق  الخير يوم

 

«* مکارم الابرار عربي جلد ۳ صفحه ۴۳۳ *»

الاحد و ما كان ليخلق الشر قبل الخير و فى يوم الاحد و الاثنين خلق الارضين و خلق اقواتها يوم الثلثا و خلق السموات يوم الاربعاء و يوم الخميس و خلق اقواتها يوم الجمعة و ذلك قول الله عزوجل خلق السموات و الارض و ما بينهما فى ستة ايام. و من التوحيد بسنده عن جابر الجعفى فى مسائل الشامى عن ابى جعفر عليه السلام سأله عن اول ما خلق الله الى ان قال عليه السلام كان خالقاً و لا مخلوق فاول شى‏ء خلقه من خلقه الشى‏ء الذى جميع الاشياء منه و هو الماء فقال السائل خلقه من شى‏ء او لا من شى‏ء فقال خلق الشى‏ء لا من شى‏ء كان قبله و لو خلق الشىء من شى‏ء اذاً لم يكن له انقطاع ابداً و لم يزل الله عزوجل اذا و معه شى‏ء و لكن كان الله و لا شى‏ء معه فخلق الشى‏ء الذى جميع الاشياء منه و هو الماء و من الاحتجاج فى حديث احتجاج رسول الله صلى الله عليه و آله على الدهرية ثم قال صلى الله عليه و آله أتقولون ما قبلكم من الليل و النهار متناه ام غير متناه فان قلتم غير متناه فقد وصل اليكم آخر بلانهاية لاوله و ان قلتم انه متناه فقد كان و لا شى‏ء منها و من تفسير على بن ابرهيم و هو الذى خلق السموات و الارض فى ستة ايام و كان عرشه على الماء و ذلك فى مبتدأ الخلق ان الرب تبارك و تعالى خلق الهواء ثم خلق القلم فامره ان يجرى فقال يا رب بما اجرى فقال بما هو كائن ثم خلق الظلمة من الهواء و خلق النور من الهواء و خلق الماء من الهواء و خلق العرش من الهواء و خلق العقيم من الهواء و هو الريح الشديد و خلق النار من الهواء و خلق الخلق كلهم من هذه الستة التى خلقت من الهواء فسلط العقيم على الماء فضربته فاكثرت الموج و الزبد و جعل يثور دخانه فى الهواء فلما بلغ الوقت الذى اراد قال للزبد اجمد فجمد فقال للموج اجمد فجمد فجعل الزبد ارضاً و جعل الموج جبالاً رواسى للارض فلما اجمدهما قال للروح و القدرة سويا عرشى على الماء فسويا

 

«* مکارم الابرار عربي جلد ۳ صفحه ۴۳۴ *»

عرشه الى الماء و قال للدخان اجمد فجمد ثم قال له ازفر فزفر فناديها و الارض جميعاً ائتيا طوعاً او كرهاً قالتا اتينا طائعين فقضيهن سبع سموات فى يومين و من الارض مثلهن فلما اخذ فى رزق خلقه خلق السماء و جناتها و الملئكة يوم الخميس و خلق الارض يوم الاحد و خلق دواب البر و البحر يوم الاثنين و هما اليومان اللذان يقول الله ائنكم لتكفرون بالذى خلق الارض فى يومين و خلق الشجر و نبات الارض و انهارها و ما فيها و الهوام فى يوم الثلثا و خلق الجان و هو ابو الجن و خلق الطير فى يوم الاربعاء و خلق آدم فى ستة ساعات من يوم الجمعة ففى هذه الستة ايام خلق الله السموات و الارض و ما بينهما و من التفسير بسنده عن ابى بكر الحضرمى عن ابى عبدالله عليه السلام فى حديث كان عرشه على الماء و الماء على الهواء و الهواء لا يحد و لم يكن يومئذ خلق غير هما و الماء يومئذ عذب فرات فلما اراد ان يخلق الارض امر الرياح فضربت الماء حتى صار موجاً ثم ازبد فصار زبداً واحداً فجمعه فى موضع البيت ثم جعله جبلاً من زبد ثم دحى الارض من تحته فقال الله تعالى ان اول بيت وضع للناس للذى ببكة مباركاً ثم مكث الرب تبارك و تعالى ما شاء فلما اراد ان يخلق السماء امر الرياح فضربت البحور حتى ازبدتها فخرج من ذلك الموج و الزبد من وسطه دخان ساطع من غير نار فخلق منه السماء فجعل فيها البروج و النجوم و منازل الشمس و القمر و اجراها فى الفلك و كانت السماء خضراء على لون الماء العذب و كانتا مرتوقتين ليس لهما ابواب و لم يكن للارض ابواب و هو النبت و لم تمطر السماء عليها فتنبت ففتق السماء بالمطر و فتق الارض بالنبات الخبر. و منه فى تفسير ان ربكم الله الاية قال فى ستة اوقات ثم استوى على العرش اى علا على العرش و من العيون بسنده عن الرضا عليه السلام عن آبائه عليهم السلام قال كان على عليه السلام فى جامع

 

«* مکارم الابرار عربي جلد ۳ صفحه ۴۳۵ *»

الكوفة اذ قام اليه رجل من اهل الشام فقال اخبرنى عن اول ما خلق الله قال خلق النور قال فمم خلقت السماوات قال من بخار الماء قال فمم خلقت الارض قال من زبد الماء قال فمم خلقت الجبال قال من الامواج و منه بسنده عن ابى الصلت الهروى قال سأل المأمون الرضا عليه السلام عن قول الله عزوجل و هو الذى خلق السماوات و الارض فى ستة ايام و كان عرشه على الماء الآية فقال ان الله تبارك و تعالى خلق العرش و الماء و الملئكة قبل خلق السماوات و الارض و كانت الملئكة تستدل بانفسها و بالعرش و الماء على الله عزوجل ثم جعل عرشه على الماء ليظهر بذلك قدرته للملئكة فتعلم انه على كل شى‏ء قدير ثم رفع العرش بقدرته و نقله فجعله فوق السماوات السبع ثم خلق السماوات و الارض فى ستة ايام و هو مستول على عرشه و كان قادراً على ان يخلقها فى طرفة عين ولكنه عزوجل خلقها فى ستة ايام ليظهر للملئكة ما يخلقه منها شيئاً بعد شى‏ء فتستدل بحدوث ما يحدث على الله تعالى ذكره مرة بعد مرة الخبر. و من قصص الراوندى بسنده عن جابر عن ابى جعفر(ع) قال قال اميرالمؤمنين عليه السلام ان الله لما خلق الارضين خلقها قبل السماوات و فى رواية خلق الارض قبل السماء ثم استوى على العرش لتدبير الامور و من العياشى عن عيسى بن ابى حمزة قال قال رجل لابى عبدالله عليه السلام جعلت فداك ان الناس يزعمون ان الدنيا[1] عمرها سبعة آلاف سنة فقال ليس كما يقولون ان الله خلق لها خمسين الف عام فتركها قاعاً قفراً خاوية عشرة آلاف عام ثم بدا لله بداء فخلق فيها خلقاً ليس من الجن و لا من الملئكة و لا من الانس و قدر لهم عشرة آلاف عام فلما قربت آجالهم افسدوا فيها فدمر الله عليهم تدميراً ثم تركها قاعاً قفراً خاوية عشرة آلاف عام ثم خلق فيها الجن و قدر لهم عشرة آلاف عام فلما قربت آجالهم افسدوا فيها و سفكوا الدماء و هو

——————————–

[1] اطلاق الدنيا علي ما قبل آدم عليه السلام. منه (اع)

 

«* مکارم الابرار عربي جلد ۳ صفحه ۴۳۶ *»

قول الملئكة اتجعل فيها من يفسد فيها و يسفك الدماء كما سفكت بنوا الجان فاهلكهم الله ثم بدا لله فخلق آدم و قررله عشرة آلاف عام و قد مضى من ذلك سبعة آلاف عام و مأتان و انتم فى آخر الزمان و من تفسير الامام قال عليه السلام قال اميرالمؤمنين عليه السلام قال رسول الله صلى الله عليه و آله فى قوله عزوجل الذى جعل لكم الارض فراشاً ان الله عزوجل لما خلق الماء فجعل عرشه عليه قبل ان يخلق السماوات و الارض و ذلك قوله عزوجل خلق السموات و الارض فى ستة ايام و كان عرشه على الماء يعنى و كان عرشه على الماء قبل ان يخلق السماوات و الارض فارسل الله الرياح على الماء ففجر البحر الماء من امواجه فارتفع عنه الدخان و علا فوق الزبد فخلق من دخانه السماوات السبع فخلق من زبده الارضين السبع فبسط الارض على الماء و جعل الماء على الصفا و الصفا علي الحوت و الحوت على الثور و الثور على الصخرة التى ذكرها لقمان لابنه فقال يا بنى انها ان تك مثقال حبة من خردل فتكن فى صخرة او فى السماوات او فى الارض يأت بها الله و الصخرة على الثرى و لا يعلم ما تحت الثرى الا الله و من العياشى عن محمد بن عمران العجلى قال قلت لابى عبدالله عليه السلام اى شى‏ء كان موضع البيت حيث كان الماء فى قول الله و كان عرشه على الماء قال كانت مهاة بيضاء يعنى درة و من تنبيه الخاطر للورام عن ابن عباس عن اميرالمؤمنين عليه السلام قال ان الله اول ما خلق الخلق خلق نوراً ابتدعه من غير شى‏ء ثم خلق منه ظلمة و كان قديراً ان يخلق الظلمة لامن شى‏ء كما خلق النور من غير شى‏ء ثم خلق من الظلمة نوراً و خلق من النور ياقوتة غلظها كغلظ سبع سموات و سبع ارضين ثم زجر الياقوتة فماعت لهيبته فصارت ماءاً مرتعداً و لايزال مرتعداً الى يوم القيمة ثم خلق عرشه من نوره و جعله علي الماء الخبر. و من تفسير الفرات

 

«* مکارم الابرار عربي جلد ۳ صفحه ۴۳۷ *»

بسنده عن على عليه السلام ما ملخصه قال عليه السلام كان عرشه على الماء ثم بدا له ان يخلق الخلق فضرب بامواج البحور فثار منها مثل الدخان كاعظم ما يكون من خلق الله فبنا بها سماء رتقاء ثم دحى الارض من موضع الكعبة و هى وسط الارض فطبقت الى البحار ثم فتقها بالبنيان و جعلها سبعاً بعد اذ كانت واحدة ثم استوى الى السماء و هى دخان من ذلك الماء الذى انشأ من تلك البحور فجعلها سبعاً طباقاً ثم خلق الشمس و القمر فجعلهما شمسين فبعث جبرئيل عليه السلام الى احدى الشمسين فمسح بها جناحه فاذهب منها الشعاع و النور و ترك فيها الضوء و جعلهما يجريان فى الفلك و الفلك بحر فيما بين السماء و الارض مستطيل فى السماء استطالته ثلث فراسخ يجرى فى غمره الشمس و القمر كل واحد منهما على عجلة يقودها ثلثمأة ملك بيد كل ملك منها عروة يجرونهما فى غمرة ذلك البحر لو برز واحد منهما من غمر ذلك البحر لاحرق كل شى‏ء على وجه الارض حتى الجبال و الصخور و ما خلق الله من شى‏ء الخبر. و من الكافى بسنده عن داود الرقى قال سألت ابا عبدالله عليه السلام عن قول الله عزوجل و كان عرشه على الماء فقال ما يقولون قلت يقولون ان العرش كان على الماء و الرب فوقه فقال كذبوا من زعم هذا فقد صير الله محمولاً الى ان قال ان الله حمل دينه و علمه الماء قبل ان تكون ارض او سماء او جن او انس او شمس او قمر الخبر. و منه فى حديث عن ابى جعفر عليه السلام كان اذ لا شى‏ء غيره و خلق الشى‏ء الذى جميع الاشياء منه و هو الماء و هو الماء الذى خلق الاشياء منه فجعل نسب كل شى‏ء الى الماء و لم يجعل للماء نسباً يضاف اليه و خلق الريح من  الماء ثم سلط الريح على الماء فشققت الريح متن الماء حتى صار من الماء زبد على قدر ما شاء ان يثور فخلق من ذلك الزبد ارضاً بيضاء نقية ليس فيها صدع و لا نقب و لا صعود و لا هبوط و لا شجرة ثم طواها

 

«* مکارم الابرار عربي جلد ۳ صفحه ۴۳۸ *»

فوضعها فوق الماء ثم خلق الله النار من الماء فشققت النار متن الماء حتى صار من الماء دخان على قدر ما شاء الله ان يثور فخلق من ذلك الدخان سماء صافية نقيه ليس فيها صدع و لا نقب و ذلك قوله ‏ام السماء بنيها رفع سمكها فسويها و اغطش ليلها و اخرج ضحيها قال و لا شمس و لا قمر و لا نجوم و لا سحاب ثم طواها فوضعها فوق الارض ثم نسب الخليقتين فرفع السماء قبل الارض فذلك قوله عز ذكره و الارض بعد ذلك دحيها يقول بسطها فقال له الشامى يا ابا جعفر قول الله عزوجل او لم ير الذين كفروا الاية. فقال له ابو جعفر فلعلك تزعم انهما كانتا رتقاً مرتوقتين ففتقت احديهما عن الاخرى فقال نعم فقال ابو جعفر عليه السلام استغفر ربك فان قول الله عزوجل كانتا رتقاً يقول كانت السماء رتقاً لا تنزل المطر و كانت الارض رتقاً لا تنبت الحب فلما خلق الله تبارك و تعالى الخلق و بث فيها من كل دابة ففتق السماء بالمطر و الارض بنبات الحب الخبر و منه بسنده عن محمد بن مسلم قال قال لى ابوجعفر عليه السلام كان كل شى‏ء ماءاً و كان عرشه على الماء فامر الله جل و عز الماء فاضطرم ناراً ثم امر النار فخمدت فارتفع من خمودها دخان فخلق الله السموات من ذلك الدخان و خلق الارض من الرماد و منه بسنده عن سلام بن المستنير عن ابى جعفر عليه السلام قال ان الله عزوجل خلق الجنة قبل ان يخلق النار و خلق الطاعة قبل ان يخلق المعصية و خلق الرحمة قبل الغضب و خلق الخير قبل الشر و خلق الارض قبل السماء و خلق الحيوة قبل الموت و خلق الشمس قبل القمر و خلق النور قبل ان يخلق الظلمة و من الاختصاص قال يونس بن عبدالرحمن يوماً لموسى بن جعفر عليهما السلام اين كان ربك حيث لاسماء مبنية و لا ارض مدحية قال كان نوراً فى نور و نوراً على النور خلق من ذلك النور ماءاً منكدراً فخلق من ذلك الماء ظلمة فكان عرشه على تلك الظلمة قال انما

 

«* مکارم الابرار عربي جلد ۳ صفحه ۴۳۹ *»

سألتك عن المكان قال كلما قلت اين فاين هو المكان قال وصفت فاجدت انما سألتك عن المكان الموجود المعروف قال كان فى علمه لعلمه فقصر علم العلماء عند علمه قال انما سألتك عن المكان قال يالكع اليس قد اجبتك انه كان فى علمه لعلمه فقصر علم العلماء عند علمه و من المحتضر فى حديث عن على عليه السلام حيث سأله السائل فكم مقدار ما لبث عرشه على الماء قبل ان يخلق الارض و السماء فقال أ تحسن ان تحسب قال نعم قال لعلك لا تحسن قال بلى انى لاحسن ان احسب قال على عليه السلام أفرأيت لو كان صب خردل فى الارض حتى سد الهواء و ما بين الارض و السماء ثم اذن لمثلك على ضعفك ان تنقله حبة حبة من مقدار المشرق الى المغرب ثم مد فى عمرك و اعطيت القوة على ذلك حتى تنقله و احصيته لكان ذلك ايسر من احصاء عدد اعوام ما لبث عرشه على الماء من قبل ان يخلق الارض و السماء و انما و صفت لك ببعض عشر عشير العشير من جزء من مأة الف و استغفر الله من القليل فى التحديد قال فحرك الرجل رأسه و شهد ان لا اله الا الله و ان محمداً رسول الله صلى الله عليه و آله و فى ارشاد المضلين من جامع الاخبار عن النبى صلى الله عليه و آله قال ان موسى بن عمران سأل ربه عزوجل ان يعرفه بدو الدنيا منذكم خلقت فاوحى الله لى موسى عليه السلام تسألنى عن غوامض علمى فقال موسى يا رب احب ان اعلم ذلك فقال الله يا موسى خلقت الدنيا منذ مائة الف الف عام عشر مرات و كانت خراباً خمسين الف عام ثم بدأت فى عمارتها فعمرتها خمسين الف عام ثم خلقت فيها خلقاً على مثال البقر يأكلون رزقى و يعبدون غيرى خمسين الف عام ثم امتهم كلهم فى ساعة واحدة ثم خربت الدنيا خمسين الف عام ثم بدأت فى عمارتها فمكثت عامرة خمسين الف عام ثم خلقت فيها بحراً فمكث البحر خمسين الف عام لا شى‏ء مجاجاً فى الدنيا ليشرب ثم خلقت دابة و سلطتها على ذلك البحر فشربته بنفس واحد ثم خلقت خلقاً اصغر

 

«* مکارم الابرار عربي جلد ۳ صفحه ۴۴۰ *»

من الزنبور و اكبر من البق فسلطت ذلك الخلق على هذه الدابة فلذعها فقتلها فمكثت الدنبا خراباً خمسين الف عام ثم بدأت فى عمارتها فمكثت الدنيا خمسين الف سنة ثم خلقت الدنيا كلها آجام القصب و خلقت فيها السلاحف و سلطتها عليها فاكلتها حتى لم يبق فيها شى‏ء ثم اهلكتها فى ساعة واحدة فمكثت الدنيا خمسين الف عام ثم بدأت فى عمارتها فمكثت عامرة خمسين الف عام ثم خلقت فى الدنيا ثلثين آدم بثلثين الف سنة من آدم الى آدم الف سنة فافنيتهم كلهم بقضائى و قدرى ثم خلقت فيها خمسين الف الف مدينة من الفضة البيضاء و خلقت فى كل مدينة مأة الف الف قصر من الذهب الاحمر فملأت المدن خردلا عند الهواء و الخردل يومئذ الذ من الشهد و احلى من العسل و ابيض من الثلج ثم خلقت طيراً واحداً اعمى و جعلت طعاماً له فى كل سنة حبة من الخردل يأكلها حتى فنيت ثم خربتها فمكثت خراباً خمسين الف عام ثم بدأت فى عمارتها فمكثت عامرة فى خمسين الف عام ثم خلقت اباك بيدى يوم الجمعة وقت الظهر و لم اخلق من الطين غيره و اخرجت من صلبه النبى محمداً صلى الله عليه و آله و من كتاب الانوار عن على عليه السلام فى حديث طويل بعد خلق محمد صلى الله عليه و آله ثم خلق من نور محمد صلى الله عليه و آله جوهرة و قسمها قسمين فنظر الى القسم الاول بعين الهيبة فصار ماءاً عذبا و نظر الى القسم الثانى بعين الشفقة فخلق منه العرش فاستوى على وجه الماء فخلق الكرسى من نور العرش و خلق من نور الكرسى اللوح و خلق من نور اللوح القلم الى ان قال ثم نظر الى باقى الجوهرة بعين الهيبة فذابت فخلق من دخانه السماوات و من زبدها الارضين الخبر. و من كتاب ابى سعيد العصفرى عن ابى جعفر عليه السلام خلق الله ارض كربلا قبل ان يخلق ارض الكعبة باربعة و عشرين الف عام الخبر. و من البحار عن ابى جعفر عليه السلام قال سئل اميرالمؤمنين عليه السلام هل كان فى الارض خلق

 

«* مکارم الابرار عربي جلد ۳ صفحه ۴۴۱ *»

من خلق الله يعبدون الله قبل آدم عليه السلام و ذريته ثم ساق الحديث الى ان قال عليه السلام لما خلق الله الارضين خلقها قبل السموات ثم خلق الملئكة روحانيين لهم اجنحة يطيرون بها حيث يشاء الله فاسكنهم بين اطباق السموات الى ان قال ثم خلق فى الارض الجن روحانيين لهم اجنحة فخلقهم دون خلق الملئكة و خفضهم ان يبلغوا مبلغ الملئكة فى الطيران وغير ذلك فاسكنهم فيما بين طباق الارضين السبع و فوقهن الى ان قال ثم خلق خلقاً دونهم لهم ابدان و ارواح  بغير اجنحة يأكلون و يشربون نسناس اشباه خلقهم و ليسوا بانس و اسكنهم اوساط الارض الى ان قال ثم خلق الله تعالى خلقاً على خلاف خلق الملئكة و على خلاف خلق الجن و على خلاف خلق النسناس يدبون كما يدب الهوام فى الارض يأكلون و يشربون كما يأكل الانعام من مراع الارض كلهم ذكران الى ان قال ثم اراد الله من يفرقهم فرقتين فجعل فرقة خلف مطلع الشمس من وراء البحر لهم مدينة انشأها لهم تسمى جابرسا الى ان قال و اسكن الفرقة الاخرى خلف مغرب الشمس من وراء البحر و كون لهم مدينة و انشأها تسمى جابلقا الى ان قال  فكانت الشمس تطلع على اهل اوساط الارضين من الجن و النسناس الى ان ذكر بعدها خلق آدم عليه السلام انتهى. اقول هذا بعض ما وصل الى من الاخبار ذكرتها لانها وردت بالفاظ مختلفة و فى كل واحد اشارة الى جزء من المطلب و سينشرح لك تفسيرها فيما بعد ان شاء الله.

فصل

قد اطنب الحكماء و العلماء فى قدم العالم و حدوثه او قدم هيولاه و حدوث صورها و حدوثها الزمانى و الذاتى و غير ذلك و اكثرهم خابطون خبط عشواء لا يدرى احدهم ما يدعى و لماذا يرد و على ماذا يرد لما قدمنا آنفاً فى اول هذا المقصد و لو رجعوا الى اصول وضعها آل محمد عليهم السلام و فرعوا عليها الفروع لاستقاموا و لكنهم لم‌يتنبهوا بذلك و غفلوا لوجوه يطول ذكرها فبعد ما

 

«* مکارم الابرار عربي جلد ۳ صفحه ۴۴۲ *»

ايقظنا الله سبحانه عن رقدة الغفلة يجب علينا اتباع آثار آل محمد عليهم السلام سواء طابق الاقوال ام خالف و سواء طابق اتفاق آرائهم ام خالف فان ما صدر عن آل محمد عليهم السلام بالضرورة هو الحق لاما فهمه القوم منه  فاستمع لما يتلى عليك ببركاتهم و لا حول و لا قوة الا بالله العلى العظيم.

اعلم ان الله سبحانه هو القديم الذى ليس له وقت ممتد و لا مكان ممهد اذ هو موقت الوقت و مأين الاين فليس له سبحانه امتدادات ماضية و لا آنات آتية و لا حالة بين الحالتين موجودة و ليس معنى قدمه انه كان فيما مضى ازلاً و يكون فيما سيأتى ابداً فان ما مضى و ما سيأتى من خلقه و هو موجود الماضى و المستقبل و الحال فلا يجرى عليه ما هو اجراه و لا يعود فيه ما هو ابداه بل معنى قدمه انه قائم بنفسه لنفسه غنى عما سواه ليس على وجوده سابق و لا له بعده لاحق و لا معه شى‏ء مساوق بل هو ذات مستقلة قائمة بنفسها بلا وقت و لا مكان اذ هما من الحوادث و هو محدث الحوادث فلم ازد فى نعته على انه ذات صرفة احدية كمال توحيدها نفى الصفات و الحدود و النهايات عنها و هو كان اذ لا شى‏ء سواه من ذوات الحوادث و صفاتها و جواهرها و اعراضها و هيولاها و صورها و لم يكن يمر عليه سبحانه قبل احداثها اوقات متطاولة كان فيها منفرداً ثم خلق الخلق فصار معه موجوداً نعوذ بالله بل هو كما كان و لم يكن معه شى‏ء كذلك يكون ابداً و ليس معه شى‏ء اذ الخلق لا يكون مع الخالق و لكن الخالق جل شأنه هو مع خلقه بلا نهاية كما قال و لا ادنى من ذلك و لا اكثر الا هو معهم و انما صار هو معهم لعدم تناهية و لم يكونوا معه لامتناعهم معه تعالى عما يقول الظالمون علواً كبيراً فاذاً كان جل جلاله منفرداً باحديته و يكون لم‌يتغير حالاته كالحوادث فينفرد عن غيره و يجتمع مع غيره بل هو ابداً منفرد متوحد و لم يمر عليه اوقات فى الانفراد ثم تتقضى ايام انفراده فيخلق الخلق و كذلك جميع ما سواه خلقه لان ما لم يكن قائماً بنفسه يكون قائما بغيره و كل ما سوى الغنى فقير البتة و لذا قال الرضا عليه السلام حق و خلق لا ثالث بينهما و لا ثالث غيرهما فكل ما سواه من شهادى او

 

«* مکارم الابرار عربي جلد ۳ صفحه ۴۴۳ *»

غيبى جسمانى او روحانى خارجى او ذهنى واقعى او اعتبارى محقق او فرضى و كل ما يعبر عنه بشى‏ء خلقه كما روى كل ما عبرته الالسن او عملته الايدى فهو مخلوق ما خلا الله و روى انما سمى الشى‏ء شيئاً لانه مشاء فكل ما يطلق عليه لفظ الشى‏ء و يمكن ان يشار اليه بحس ظاهر او باطن او عقل فهو غيره و خلقه و من لم يقر بذلك فقد ادعى وجود القدماء و بطلانه من الظهور بمحل بالجملة كل ما هو غير الليس المحض و الامتناع الصرف مما سوى الواجب الاحد جل شأنه مخلوق احدثه الله سبحانه لامن شى‏ء فاذاً ليس بينه سبحانه و بين جميع ما سواه فصل و لا وصل اما الفصل فانه ان كان ممتنعاً فليس و ان كان ممكناً فايس و هو من الخلق و الكلام فيما سوى الواجب جل شأنه و اما الوصل فان الخلق لا يصل الى الواجب و لا يشاكله فيتصل به و يرتبط تعالى عن ذلك علواً كبيراً فلم‌يسبق ما سوى الله سبحانه شى‏ء من وقت او مكان محقق او موهوم فليس الخلق بمسبوق بالعدم كما ظنه الجهال فان العدم ان كان ممتنعاً فليس بسابق و لا نريد من عدم السابق الا هذا و ان كان ممكناً فهو من الخلق و لا يقال ان الذات عدم خلقها فان عدم الخلق معنى نسبى و فيه ذكر المنسوب اليه و الله سبحانه ليس فيه ذكر غيره و ليس من المعانى فاذاً الخلق ليس بمسبوق بالعدم يقيناً هذا و قد حققنا فى محله انه لو كان مسبوقاً بالعدم لامتنع حدوثه فان الذات لا تتغير عما كانت و ما سواها معدوم و لا اقتضاء للمعدوم هذا و الخلق كمال الخالق و نوره و اسماؤه و صفات و لم يكن الخالق بلا كمال و نور و اسم و صفة فاذا عرفت ذلك و تبينت ما هنا لك فاعرف ان الخلق من حيث المجموع فى محله ثابت دائم الا انه مقرون بوقت و مكان ألاترى ان من الخلق اسماؤ الله و صفاته و علمه و نوره و لم يكن الله سبحانه بلاصفة و علم و نور البتة و منه مشيته سبحانه و ارادته و لم يكن الله سبحانه بلا مشية فى محلها و لا يلزم من ذلك قدم الخلق فانى قلت انه فقير قائم بامر الله الا انه لم يسبقه عدم و الله الذى لم يسبقه عدم و لا اول له و لا آخر يقدر ان يخلق خلقاً ثابتاً مستمراً فى مكان وجوده و وقت شهوده فالخلق فقير اليه سبحانه لانه قائم بامره ابداً بلا نهاية لاوله و لا غاية لاخره

 

«* مکارم الابرار عربي جلد ۳ صفحه ۴۴۴ *»

و هذا المراد من الدعاء اللهم يا ذا الملك المتأبد بالخلود و فى الدعاء عن النبى صلى الله عليه و آله اللهم انى اسألك بملكك القديم الدعاء و فى الزيارة السلام على الاصل القديم و هو من خلق الله و ليس بقديم قائم بنفسه لنفسه البتة و فى خطبة الغدير و الجمعة لعلى عليه السلام فى صفة محمد صلى الله اليه و آله انتجبه فى القدم على سائر الامم و فى بعض الخطب انا صاحب الازلية الاولية و فى اخرى كنا بكينونته قبل مواقع صفات تمكين التكوين كائنين غير مكونين موجودين ازليين و فى الدعاء اللهم ببرك القديم و هو قوله سبحانه هل اتى على الانسان حين من الدهر لم يكن شيئاً مذكوراً. بالجملة الثبات فى محل الخلق غير معنى القدم و كل ما هو غير القديم حادث و لكن جميع ما سوى الله حادث بالذات و حادث سرمدى بمعنى الفقير بالذات الى امر الله سبحانه و القيام به و من آياته ان تقوم السماء و الارض بامره و فى الدعاء كل شى سواك قائم بامرك بالجملة جميع ما سوى الله حادث ذاتى لم‌يسبقه عدم البتة فلم يأت فى حده وقت لم يكن هو موجوداً بايجاد الله سبحانه و مع ذلك لم يكن مستغنياً عن ايجاد الله سبحانه فانه ليس بموجود مستقل بنفسه بل المراد ان ايجاد الله سبحانه عليه مستمر بلا اول و لا آخر و انت محدود تعجز عن ادراك حدوث مثل ذلك و لكن الله سبحانه فوق ما لا نهاية له بما لا نهاية له و يقدر ان يحدث ما لا نهاية له ففى هذا النظر لايعقل ان لا يكون شى‏ء ثم يكون و هو عرصة علمه سبحانه الذى لا يزيد و لا ينقص و لا يضل ربى و لا ينسى و هو اللوح المحفوظ عنده سبحانه الذى لا يحيط به احد الا بما شاء و هذا الذى يقدم منه ما يشاء و يؤخر منه ما يشاء  فيظهر منه البداء و البداء ايضاً منه و هذه عرصة السرمد و الواحدية و الاشياء مذكورة هناك بالنفى موجودة بالوحدة لم يشذ عنها شاذ ذاتاً و صفة كوناً و عيناً و هو المن القديم المذكور فى الدعاء اللهم انى اسألك من منك باقدمه و كل منك قديم و من الله غير الله و قد اثبت له القدم و هو البر

 

«* مکارم الابرار عربي جلد ۳ صفحه ۴۴۵ *»

القديم المذكور فى الدعاء و لا شك انه لا قائم بالنفس غير الله سبحانه فهذا هو القديم الخلقى الذى لا اول له و لا آخر و هو محتاج فقير الى القديم القائم بنفسه لنفسه الغنى عما سواه و القدم الممنوع اثباته لغير الله عقلاً و نقلاً الاستقلال و الغناء عن غيره بالجملة ان جميع ما سوى الله سبحانه سرمدى حادث ذاتى فقير ذاتى الى الله سبحانه ممكن غير واجب و وجوده من غيره لا من نفسه و لكنه مع ذلك ليس بمسبوق بالعدم و ليس معنى الحادث منحصراً فى المسبوق بالعدم و ليس كلمات الائمة عليهم السلام الجارية فى المطالب الغامضة الحكمية جارية على متفاهم العوام و قد اخطأ من زعم ذلك و يكذبه هذه الخطب المشكلة و الاحاديث الغامضة و استفاضة ان حديثهم صعب مستصعب عنهم صلوات الله عليهم هيهات و كلام كل متكلم دليل علمه و هذا الظن يبطل اسرارهم و ينفى صعوبة كلامهم ثم اذا قطعت النظر عن الجملة و نظرت الى مراتب الخلق فان نظرت الى الذوات المتعالية على الصفات فهى دهرية و ان نظرت الى الصفات المتدانية عن الذوات فهى زمانية فالذوات الدهرية بجملتها قديمة دهرية اى مخلوقة مع الدهر و لا دهر قبلها فتخلق فيه فهى و الدهر حادثان لايسبق احديهما الاخرى و لم يأت وقت دهرى لم‌يكن ذات و لكنها حادثة سرمدية يعنى اتى وقت سرمدى لم يكن ذات فهى مسبوقة بعدم سرمدى اذ السرمد نفيها و لكن لم يسبقها دهرى و هذا هو معنى القديم الدهرى فجميع الذوات الدهرية فى كل الدهور ثابتة فى محالها و تدرجات الدهريات طولية اى من الاسفل الى الاعلى بالاستمداد و الامداد و ليس لها تدرجات عرضية و ليس فيها ماض و مستقبل و حال كالزمانيات فالسرمد عرضاً و طولاً بالفعل و الدهر عرضا بالفعل و طولا بالقوة و اما الزمان فهو عرضا و طولا بالقوة و ليس منه بالفعل الا الحال و مجموع الزمان و الزمانيات حادث دهرى و قديم زمانى لانه لم‌يكن زمان للزمان و لم يكن زمان لم‌يكن الزمانيات باجمعها موجودة و انما خلقت الزمانيات مع الزمان نعم اتى وقت دهرى لم يكن زمان و زمانى و لكن لم يأت زمان كذا و اما اجزاء العالم الزمانى فهى حادثة زمانية و كل

 

«* مکارم الابرار عربي جلد ۳ صفحه ۴۴۶ *»

جزء منها مسبوق بعدم و قد اتى لكل جزء زمان لم‌يكن هوفيه بموجود و لكن العلماء الظاهريين يعلمون ظاهراً من الحيوة الدنيا و هم عن الاخرة هم غافلون و الحكماء الكاملون ان عبروا عما سوى الزمانيات بالقدم فانما ارادوا ذلك و كفرهم العلماء من حيث لا يشعرون و هم اجل من ان يسموا المخلوق المركب المؤلف بالقديم على معنى القائم بالنفس للنفس و لكن العلماء معذورون لانهم لا‌يعرفون بالجملة لم يأت زمان محقق و لا موهوم لم‌يكن العالم الجسمانى باجمعه موجوداً و لم يكن فراغ خلو من العرش فما فيه يخلق فيه الاجسام و لم يكن امتداد يمر و ليس الجسم بجسم فخلق فى آخر جزء منه الجسم و هذه الامور امور يلوكها الظاهرى بين لهواته من غير شعور و يزعمه الاخلاص فى متابعة اهل العصمة سلام الله عليهم اجمعين فجميع الزمانيات فى محالها و الدهريات فى محالها و السرمديات فى محالها انوار ثابتة و كمالات دائمة مخلوقة لله سبحانه بامر لابداية له و لا نهاية فتعالى الذى يخلق الدائم الباقى الذى لا بداية له و لا نهاية و هو الواسع الاحدى العليم فاذاً لابد لنا من النظر فى ان هذه الامور المذكورة فى الاخبار من الاحداث و التدرجات احداث و تدرج ذاتى دهرى او زمانى و ايها يطابق الاصول الملقاة عنهم اليقينية و ايها لا يطابق و ايها المراد منها الظاهر و ايها المراد منها التأويل فلنعنون لذلك فصلاً آخر.

فصل

اذا تدبرت فى هذا العالم وجدت فيه افلاكاً و عناصر و مواليد بينهما اما المواليد فيشهد العيان بانها حوادث زمانية كل واحد منها لم يكن فى زمان و كان فى زمان فكل واحد منها مسبوق بالعدم بلا شك و مجموعها ايضاً متناهية ينتهى الى اول و مبدء له لم يكن قبله من ذلك الجنس شى‏ء و ليس كما زعمه الدهرية ان قبل كل طير بيض و قبل كل بيض طير و قبل كل نبت حب و قبل كل حب نبت و هكذا بل لكل نوع من انواع المواليد مبدؤ لم يكن قبله من ذلك النوع شى‏ء و ذلك لاجل دليل استدل به النبى صلى الله عليه و آله على الدهرية الذى حاصله انها معدودة و كل معدود متنقص و كل متنقص متناه و لايقبل العقل

 

«* مکارم الابرار عربي جلد ۳ صفحه ۴۴۷ *»

السليم ان يكون آخر معدود قد كون عندنا و لم يكن تناه لاوله فبهذا الدليل الذى لاينقض ينتهى جميع الاناسى الى آدم لم يكن قبله انسان و جميع الحيوانات الى مبادى انواعها و جميع النباتات الى مبادى انواعها و جميع الجمادات الى مبادى انواعها فقد كان زمان البتة كانت العناصر و الافلاك موجودة و ليس بينهما شى‏ء من المواليد قطعاً و يشهد بذلك الاخبار و صحيح الاعتبار. و اما هذه العناصر الموجودة المرئية و الافلاك المرئية فانها ايضاً حادثة فى الزمان يعنى كان زمان لم‌يكن التراب هكذا و الماء هكذا و الهواء هكذا و النار و الافلاك هكذا فان هذه العناصر مركبة من عناصر بسيطة بالنسبة و الافلاك مركبة من افلاك بسيطة بالنسبة و شاهد ذلك استحالة كل عنصر الى كل عنصر و حدوث تراب و ماء و هواء و نار كالبواقى لم تكن فى زمان ثم كانت فى زمان و انقلابها الى المواليد ثم عودها اليها بالبداهة و عمل كل عنصر فى كل عنصر و استخراج كل عنصر من كل عنصر و اما الافلاك فقد تغير مزاج كل احد بعمل كل واحد غيره فيه و سيأتى تحقيق ذلك فى محله ان شاء الله فكما ان التراب هذا مركب من جميع العناصر فالفلك الواحد ايضاً مركب من طبائع سائر الافلاك و القول بان الافلاك لا تتغير كلام باطل و عن حلية الاعتبار عاطل بل الفلك البارد يبرد سائر الافلاك و الحار يسخنها و اليابس يجففها و الرطب يرطبها و القول بان الافلاك لا طبائع لها كلام آخر باطل لااصل له و انما هى لا طبائع لها من جنس الطبائع العنصرية و انما لها طبائع جوهرية و هى مركبة منها و تتغير و تتبدل و تسرع و تبطى‏ء و من انكر ذلك منها فقد انكر اخبار آل محمد عليهم السلام بالجملة الافلاك يؤثر بعضها فى بعض و سبب اختلاف حدوث الحوادث المختلفة الجديدة اختلاف طبائع يحدث فيها بسبب اختلاف القرانات كما يأتى ان شاء الله بالجملة نحن نشاهد عياناً فى العناصر استحالتها الى المواليد و فنائها فى زمان و ما يفنى فى زمان فكونه فى زمان و آخر مدة كونه عندنا فله بدؤ كون فى زمان لم‌يكن قبله و ما لم نشاهد له بدء كون و فناء كون فيكفى مشاكلته لما هو كذلك و امكان فنائه فى زمان فان القديم الزمانى لا يمكن تعقل فناء كونه

 

«* مکارم الابرار عربي جلد ۳ صفحه ۴۴۸ *»

فى زمان فان القديم الزمانى هو الجسم المساوق للزمان و بفنائه يفنى الزمان و بوجوده يوجد الزمان لانه امتداد كونه المقدر بمكاييل الزمان بالجملة هذه العناصر و هذه الافلاك الموجودة مركبات من جنس المواليد و سائر الجمادات و هى مسبوقة بعناصر جديدة بسيطة فكان و لا شى‏ء من هذه العناصر و الافلاك و عليه اتفاق آثار آل محمد عليهم السلام و ادلتهم و براهينهم المتواترة و الايات المتظافرة و قد بلغت حداً من انكرها فقد كذب الله فوق عرشه انظر الى ما روى من تفسير العسكرى عليه السلام عن آبائه عليهم السلام قال احتج رسول الله صلى الله عليه و آله على الدهرية فقال ما الذى دعاكم الى القول بان الاشياء لا بدء لها و هى دائمة لم تزل و لا تزال الى ان قال اولستم تشاهدون الليل و النهار و احدهما بعد الاخر فقالوا نعم فقال اترونهما لم يزالا و لا يزالان فقالوا نعم فقال أفيجوز لكم اجتماع الليل و النهار فقالوا لا فقال عليه‌السلام فاذن ينقطع احدهما عن الاخر فيسبق احدهما و يكون الثانى جارياً بعده قالوا كذلك هو فقال قد حكمتم بحدوث ما تقدم من ليل و نهار لم تشاهدوهما فلا تنكروا لله قدرة ثم قال عليه السلام أ تقولون ان ما قبلكم من الليل و النهار متناه ام غير متناه فان قلتم غير متناه فقد وصل اليكم آخر بلا نهاية لاوله و ان قلتم انه متناه فقد كان و لا شى‏ء منهما قالوا نعم قال لهم اقلتم ان العالم قديم ليس بمحدث و انتم عارفون بمعنى ما اقررتم به و بمعنى ما جحدتموه قالوا نعم قال رسول الله صلى الله عليه و آله فهذا الذى نشاهده من الاشياء بعضها الى بعض يفتقر لانه لا قوام للبعض الا بما يتصل به كما ترى البناء محتاجاً بعض اجزائه الى بعض و الا لم يتسق و لم يستحكم و كذلك سائر ما ترون قال فان كان هذا المحتاج بعض الى بعض لقوته و تمامه هو القديم فاخبرونى ان لو كان محدثاً كيف كان يكون و ما ذا كانت تكون صفته قال فبهتوا و علموا انهم لا يجدون للمحدث صفة يصفونه بها الا و هى موجودة فى

 

«* مکارم الابرار عربي جلد ۳ صفحه ۴۴۹ *»

هذا الذى زعموه انه قديم فوجموا و قالوا سننظر فى امرنا الخبر. انظر رحمك الله فى هذا الخبر و كيفية استدلاله صلى الله عليه و آله و لا تكن كالجهلة الذين يظنون اخبار آل محمد عليهم السلام نقلية و كلام الجهال المنتحلين عقلية فتبين و ظهران كل شى‏ء آخره عندك و قد انقطع و يأتى بعده ازمان و هو مفقود فهو لاوله بدؤ لم يكن قبله بموجود و انت تشاهد ان هذه العناصر تستحيل و تفنى و يأتى بعدها ازمان و هى مفقودة فلا بد و ان يكون لها بدؤ لم تكن قبله بشى‏ء و كذلك امر السموات فان كل مشاكل يعين مشاكله منها و كل مضاد يبطل اثر ضده منها و هى اجسام كالاجسام السفلية مصاقعة معها فهى ايضاً مثلها هذا و الايام و الشهور و السنون تكيل اوقاتها و كل مكيل يزيد و ينقص و كل ما يزيد و ينقص متناه و كل متناه له طرفان فهذا العالم المشهود حادث كما نص عليه الكتاب و اخبار الاطياب عليهم صلوات الله الملك الوهاب.

فصل

اعلم ان الجسم هو جوهر محدود بالحدود الكثيفة المعروفة مطلقة محدود بمطلقاتها اى الكيف و الكم و الجهة و الرتبة و الوقت و المكان المطلقة و مقيده محدود بحدود خاصة كالكيف الخاص و الكم الخاص و الجهة و الرتبة و الوقت و المكان الخاصة و تلك الحدود لازمة للجسم كما قال اميرالمؤمنين عليه السلام كل ما بالجسم ظهوره فالعرض يلزمه. فهى مساوقة للجسم لا وجود لها بدون الجسم و لا وجود للجسم بدونها فلا يسبقها الجسم فيكون موجوداً بدونها و لا تسبق الجسم فتكون موجودة بدونه فهما مساوقان فى الوجود و ان كان الجسم معروض هذه الكيفيات و يكون تحققها به و ظهوره بها فاذا وجد الجسم وجد الزمان و المكان معه و ان لم يوجد لم يوجدا بوجه فالزمان الموهوم قبل وجود الاجسام كلام لا معنى له و التوهم المخالف للخارج باطل و الزمان الخارجى وقت الجسم تابع له مساوق معه لا يتخلف احدهما عن الاخر فالزمان و المكان المطلقان لازمان للجسم المطلق و الزمان و المكان الخاصان لازمان للجسم المقيد و ذلك ان الزمان هو امتداد كينونة الجسم و الايام و السنون مكاييلها كما روى عن

 

«* مکارم الابرار عربي جلد ۳ صفحه ۴۵۰ *»

الصادق عليه السلام فى حديث مفضل بن عمر رحمه الله و المكان الذاتى هو بعد امكانى هو شاغله  اى هو حصة من الامكان قدحل عليها ما به يسمى الجسم جسماً و ذلك البعد لا يفارقه و لا يمكن خروجه عنه الى غيره و حلول غيره فيه كخروج شى‏ء عن شى‏ء و دخول شى‏ء فى شى‏ء فالجسم المطلق مكانه اطلاقى و زمانه اطلاقى والجسم المقيد مكانه مقيد و زمانه مقيد تدبر فيما قلت تعرف الرجال بالمقال فنحن و ان لم نذكر اقوال الناس يتبين للحكيم مقدار كلامنا و فضله على كلماتهم و بطلانها و حقيته فتدبر فيه و تفهم.

فصل

اعلم ان المطلق موجود فى الخارج و لكن لا متعرياً عن التمثل بالمقيدات فهو يلزمه دائماً نعم يتقدم المطلق على المقيدات تقدماً دهرياً فهو مهيمن عليها مستعل عليها متقدم عليها تقدم الاستعلاء لا تقدماً زمانياً و التقدم الدهرى الاستعلائى ليس باستعلاء مكانى مباين مفارق كاستعلاء السماء على الارض بل هو استعلاء ذاتى و هو اقرب الى المقيدات من انفسها داخل فيها لا بمقارنة و خارج عنها لا بمباينة فهو داخل فيها لا كدخول مقيد فى مقيد و خارج عنها لا كخروج مقيد عن مقيد بل هو داخل بالنفوذ و الطى و الاحاطة و خارج عنها بالتوحد و التفرد و التنزه عن كثراتها فالمطلق وجوده التمثلى نفس المقيدات فهو موجود بالوجود التمثلى بها فلا وجود له بغيرها و هى مساوقة معه فى الوجود الا انها زمانية و هو دهرى فان تكن المقيدات موجودة فى رتبتها كان موجوداً فى رتبته و ان لم تكن لم يكن و كذا ان كان موجوداً فى رتبته كانت موجودة فى رتبتها و ان لم يكن لم تكن فليس فى الخارج الا هى فان نظرت اليها قاطعاً للنظر عن الخصوصيات فليس الا المطلق و ان نظرت اليها بعين الخصوصيات و تباين واحد عن الاخر فليس الا المقيدات فاذاً لا موجود فى هذا العالم الا الجسم و لا موجود الا السماوات و الارض و ما بينهما و تفصيل ذلك يطلب من سائر كتبنا و قد حققناه فى سائر مباحثاتنا فاذاً هذه السماوات و الارض وجود الجسم فى الخارج و تمثله ان وجد فهكذا يوجد و ان لم يوجد فلا مطلق و لا مقيد فلو لم يكن فى الدنيا

 

«* مکارم الابرار عربي جلد ۳ صفحه ۴۵۱ *»

فرد من افراد الماء ابداً لم يكن ماء مطلق فى الدهر معين ممتاز عن التراب بل يكون فى قوة الجسم بلا فعلية فاذا وجد قطرة ماء وجد الماء المطلق و خرج عن قوة الجسم الى الفعلية ففعلية الجسم فى افراده و وجوده و تمثله فيها فكذلك اذا صعدت صاعداً و حسبت الجسم فرداً من افراد الوجود كالعقل و الروح و النفس و غيرها فلا وجود مطلقاً الا فى هذه الافراد فبذلك ينتهى الامر الا ان المطلق الاول لا تمثل له الا فى مطلقات دونه و لا تمثل لها الا بمطلقات ثالثة و لا تمثل لها الا بمطلقات رابعة و هكذا الى ان ينتهى الامر الى الافراد الجزئية المشهودة فجميع ما دخل عرصة الوجود هو تمثل المطلق الاول و وجوده الخارجى ان كان كانت و ان لم يكن لم تكن و ان كانت كان و ان لم تكن لم يكن و هذه كلية سديدة و باب من ابواب العلوم.

فصل

اعلم ان الموجود حق و خلق لا ثالث غيرها و لا ثالث بينهما فالحق احد ازلى لا يثنى و لا يغير و لا يحدث فيه حادث و الخلق حادث قائم بامره سبحانه الا انه حادث بالذات و لم‌يكن ان لم‌يكن اذ لو فرض عدمه لزم امتناعه لعدم تغير الذات عما كانت عليه و عدم حدوث مقتض فيها و عدم داع باعث الى الايجاد فبذلك يكون الخلق ثابتاً فى مقامه باحداث من الله سبحانه ثابت دائم و ذلك قوله عليه السلام فى الدعاء اللهم يا ذا الملك المتأبد بالخلود و قوله فى الزيارة السلام على الاصل القديم و الفرع الكريم و قوله فى الخطبة انتجبه فى القدم على سائر الامم و فى الخطبة كنا بكينونته قبل مواقع صفات تمكين التكوين كائنين غير مكونين موجودين ازليين و فى الخطبة انا صاحب الازلية الاولية. الى غير ذلك من الاشارات المحجوبة عن الاغيار الشاهد لها صحيح الاعتبار فالملك فى مقامه ملك دائم ثابت مخلوق بامر الله الدائم الثابت ففى الخطبة لم يكن خلواً من ملكه قبل انشائه و لا يكون خلواً منه بعد ذهابه. و المراد بالقبل هو القبل الذاتى و القبل الخلقى من الملك كالبعد فافهم فاذا وجب ان يكون المطلق الاول موجوداً دائماً

 

«* مکارم الابرار عربي جلد ۳ صفحه ۴۵۲ *»

وجب ان يكون المطلقات دونه موجودة فانها تمثله و لولاها لم يكن و كذا ما دونها من المطلقات الى ان ينتهى الامر الى الافراد الجزئية فاذاً جميع عرصات الملك فى محالها موجودة ثابتة الا انه اذا قست صفة بصفة ينتزع عنها الزمان و ان قستها بالذات ينتزع عنها الدهر و ان نظرت الى الذات فوقتها السرمد فالزمان و الجسم و المكان فى حدها و مقامها موجودة ثابتة لم‌يكن سرمد فى محله ان لم‌تكن فى محلها فعالم الزمان اجزاؤه بمقايسة بعضها الى بعض حوادث زمانية و جميعها مع ازمنتها و امكنتها حادثة دهرية و ثابتة زمانية دائمة فلا يمكن ان يذهب الزمان قهقرى الى ان ينقطع و لا يمكن ان يمر الزمان فى المستقبل الى ان ينقطع اذ لا يمكن ان لا يكون الجسم و الزمان و المكان فى محلها و ليس معنى حدوثها انها لم تكن فى محلها ثم كانت نعم لم تكن فى الدهر المستعلى عليها المساوق معها القائم فوقها نعم كل جزء من الزمانيات متأخر عن جزء سابق زمانى متقدم على جزء لاحق زمانى و ليس معنى قولنا هذا ان قبل كل طير بيضاً و قبل كل بيض طيراً و قبل كل نبات حباً و قبل كل حب نباتاً و قبل كل ولد اباً و قبل كل اب اباً آخر و هكذا فان هذه المواليد تنتهى الى مبدء لها البتة و هذه الليل و النهار ينتهيان الى مبدء بل هذه العناصر المركبة ايضاً تنتهى الى اول لها فيسبق هذه الموجودات المولدة بسائط العالم البتة كما يشهد به صحيح الاعتبار و الايات و الاخبار و اما البسائط فهى من عالم البرزخ بين الدنيا و الاخرة و عناصرها هى الاقليم الثامن المذكور فى كلام العرفاء هورقليا الذى معناه الملك الاخر و افلاكها هى عالم المثال الذى يأوى اليه الارواح بعد فراقها الدنيا و يبقى ابدانها فى ارض عناصرها الى ان تتنقى و تحيى فى الرجعة و هى ارض عالم الرجعة و فيها جنة آدم عليه السلام و هى  الطف من محدب العرش و يأتى تفصيله ان شاء الله فالبسائط البرزخية ليس لمددها مبدؤ زمانى دنياوى و لكنها ايضاً مركبة من عناصر جوهرية دهرية و لها مبدؤ برزخى و مقطع برزخى يتحدد طرفاها به و مع ذلك للبرزخ بكرة و عشى كما قال الله سبحانه لهم رزقهم فيها بكرة و عشياً و قال يعرضون عليها غدواً و عشياً فالبرزخ لا يخلو من ليل و نهار و دوران افلاك و ايام و اسابيع و شهور و سنين

 

«* مکارم الابرار عربي جلد ۳ صفحه ۴۵۳ *»

فالليل و النهار الدنياويان يتناهيان الى اول حدوث هذه الدنيا دار الاعراض و هو يوم هبوط آدم من الجنة و من ذلك اليوم يحسب عمر الدنيا بالجملة عالم البرزخ و البسائط ايضاً يمتد الى نفخة الصور فيموت من فى السماوات و الارض و يتفرق تركيبهم الروحانى و الجسدانى و يردون الى الطبائع الجوهرية و يبدل الارض بارض خالية عن الاعراض البرزخية و السماوات كذلك و يظهر السماوات الاصلية الخالية عن الاعراض و ارضوها ثم يجتمع الابدان الاصلية المتطهرة عن الاعراض و الارواح المتطهرة و تلج فيها و تقوم الى رب العالمين فتلك الابدان و الارواح من عناصر جوهرية و اجزاء ذاتية و هى متشاكلة متمازجة متحدة و ليس تركيبها تركيباً اقترانياً و لا ملاطياً و تداخلياً و تمازجياً بل اتحادياً خالداً لا يقبل التفكك و ليس لاجزائها تقدم خارجى عليها بل هى وجدت حين وجدت مركبة و سبق الاجزاء عليها دهرى يجدها النفس بالتوجه الى كل واحدة بدون الاخرى اذ كل مركب لاجزائه استقلال و وجود خارجى تركيبه عرضى و ليس بواحد حقيقى بل واحد تأليفى عرضى و اشياء لا شى‏ء واحد و لتحقيق هذه المعانى مقام آخر و قد حققناها فى الفطرة السليمة و غيرها فراجع ان شئت و الغرض هنا تحقيق امر السماوات و الارض الدنياوية.

فصل

اعلم ان الدنيا لفظ يطلق على هذه الاعراض العنصرية و السماوية التى غطت البسائط فان موضوع الارض فى اللغة و العرف هذه الارض و موضوع الماء هذا الماء و هكذا موضوع كل لفظ هذا المعنى المعروف منه و قد عرفت ان هذه العناصر و هذه السماوات حادثة و لها بدؤ و ان هذه الايام و الليالى التى تحدث من دوران هذه الافلاك حادثة لها بدؤ فهذه الاعراض قد عبر عنها بالزبد و الدخان الذى هو مكلس الزبد و لطيفه و هذا الزبد قد حدث فى ماء البسائط التى هى مادة هذه الكرات فتلك البسائط هى ماء مختلف الاجزاء غلائظه راسبة و هى العناصر و لطائفه طافية و هى الافلاك و سميت بالماء لانها رقيقة لطيفة سيالة و هى كانت تحت العرش و كان العرش عليها بلا نهاية زمانية كما يدل عليه خبر

 

«* مکارم الابرار عربي جلد ۳ صفحه ۴۵۴ *»

كون العرش على الماء و قد مر فراجع فدار ذلك العرش على ذلك الماء المختلف المراتب و حركه و مخضه مخض السقاء و ضرب بعضه ببعض فتعاكست مراتبه و تفاعلت و اثر بعضه فى بعض حتى حدث فى كل واحد من اجزائه طبع كل واحد بالعرض فحصل فيها زبد صار غلائظه فى العناصر و لطائفه التى هى الدخان فى الافلاك فخلق الله من الدخان الافلاك العرضية و من الزبد الغليظ الارضين فمن الاخبار ما ينسبك على هذه الارضين و هذه السماوات و هى التى خلقت فى الايام المعلومة فانها كانت ما كانت البسائط فزال الاشكال الذى تحيروا فيه ان الايام اين كانت و لا سموات و لا ارض فتلك الايام التى خلقت فيها السماوات و الارض الدنياوية هى من الايام البرزخية الحاصلة من دوران افلاك البرزخ و هى الافلاك البسيطة كما اشرنا اليه و من الاخبار ما ينسبك على خلق البسائط فالماء الذى خلقت منه هى البسائط الدهرية فان ذلك الماء كان مختلف المراتب كماء البحر الظاهر فان اجزاء هذا الماء بل الماء الذى فى المصنع او الكأس مختلف المراتب البتة اذ لولا ان بعض اجزائه اثقل و اغلظ لما رسب و لو لا ان بعض اجزائه الطف و ارق لما صعد حتى ان ماء خزانة الحمام اذا متح فيها ماء بارد رسب الماء البارد و طفى الماء الحار لان الماء البارد اغلظ و اثقل و الماء الحار ارق و اخف و ذكرنا ذلك تقريباً للاذهان الناقصة فالماء الذى ورد فى الاخبار انه خلق منه السماوات و الارض مختلف المراتب و ليس فيها انه كان متشاكل الاجزاء و من البين عدم وقوع الترجيح بلا مرجح من نفس الاثر من الحكيم فلم يصعد بعض اجزاء الماء الا لخفته و لم يرسب بعضها الاخر الا لغلظته فهو مختلف المراتب لا محالة و خفافه اسرع مطاوعة لفعل الفاعل و غلاظه ابطؤ مطاوعة البتة فخفافه احكى لفعل المبدء و صفاته و ثقاله اشد حجباً و من البين ان خفافه فى الخفة بلغت صفاء الافلاك و حيزها و ثقاله فى الثقل بلغت كدورة العناصر و حيزها فاذاً البسائط السماوية و الارضية الدهرية هى الماء الاول الذى كان عرش البسائط عليه فدار عليها حتى حركها و مخضها حتى ازبد جميع مراتبه فالزبد الحاصل من الغلاظ صار منه ارض

 

«* مکارم الابرار عربي جلد ۳ صفحه ۴۵۵ *»

البرزخ و الزبد الحاصل من الخفاف صار منه سموات البرزخ و عبر عنه بالدخان فانه فى الرقة و اللطافة كالدخان و من البين ان البسائط كلما صارت اخلى من الاعراض صارت اشد تشاكلاً و كلما مازجها العرض صارت اشد تباينا فالبسائط الدنياوية فى التباين على ماترى و البسائط البرزخية اشد تشاكلاً منها و اما البسائط الدهرية الاخروية فهى اشد تشاكلاً بعد من البسائط البرزخية و من الاخبار ما ينسبك على خلق البسائط الدهرية فهى لشدة لطافتها و لطافة وقتها و مكانها و فعلية جميع اوقاتها و حضورها فى محضر واحد و عدم تمانعها مبدؤها مبدؤ دهرى فهى مسبوقة بماء دهرى سبقاً دهرياً فماؤه المادة الاولى النازلة من سحاب المشية فخلق الله سبحانه اول الماء و هذا الماء اختلاف مراتبه اقل و تشاكلها اكثر و هو المادة الاولى و كان عرش مشيته عليه فدارت عليه حتى مخضته و ضربت بعضه ببعض حتى حدثت منه السماوات و الارضون الدهرية فالارضون من زبدة الغليظ و السماوات من زبده اللطيف الذى هو الدخان الصاعد بالجملة ماترى فى خلق الرحمن من تفاوت و فى كل عالم خلق اولاً الماء ثم خلق من زبده و دخانه الارض و السماء حتى ان خلق عالم السرمد ايضاً كذلك فخلق الله سبحانه اولاً ماءه ثم خلق من زبده ارضه و سماءه الا انهما متحدتان متشاكلتان فى الخارج و الذهن و اما فى الدهر فهما متشاكلتان متحدتان فى الجملة فى الخارج لا فى الذهن و اما فى البرزخ فهما متشاكلتان و ليستا بمتحدتين لا فى الخارج و لا فى الذهن و اما فى الدنيا فليستا بمتشاكلتين و بينهما تباين فلاجل ذلك يكون المركب الدنياوى مركبا بالعرض لان اجزاءه قبل التركيب اشياء مستقلة موجودة و الكلى المبرهن عليه ان المركب من شيئين لايكون بشى‏ء واحد الا انه شى‏ء واحد ائتلافى لاحقيقى فالمركب الدنياوى لايكون شيئاً واحداً الا بالايتلاف فستفترق اجزاؤه و تعود الى كونها اشياء و اما المركب البرزخى فهو اقرب الى الوحدة و اثبت و ادوم و اجله اطول الا انه مركب من اشياء حقيقة فستعود الى ما كانت اشياء و اما المركب الدهرى الاخروى فهو شى‏ء واحد فى الخارج و ان كان الذهن يدرك له اجزاء و يتصور كل جزء وحده الا انه فى الخارج لايوجد اجزاؤه

 

«* مکارم الابرار عربي جلد ۳ صفحه ۴۵۶ *»

منفردة قبل التركيب و لايمكن ان توجد الا مركبة لاقوام لواحد منها الا بالاخر و لذلك يكون مركبه مخلداً مجاوراً للمركب الاخر بعد العود و لايمازج غيره فانه ليس من اشياء مستقلة و انما هو من ابعاض الشى‏ء الواحد فافهم هذه العبارات المكررة المرددة العجيبة الغريبة و ان تنبهت باشاراتها عرفت انك لم تسمعها من خطاب و لم ترها فى كتاب و اعلم ان الهواء المذكور فى الاخبار انه خلق قبل الماء هو هواء الامكان و لذا روى ان الهواء لايحد و الماء هو ماء الكون المخلوق من الامكان و خلق العرش ايضاً من الهواء اى من الامكان و النور و الظلمة المخلوقان من الهواء هما الوجود و الماهية بالجملة على ما ذكرنا ينسبك جميع الاخبار بلاغبار فهذه الارضون و السماوات حادثة و لها مبدؤ ينقطع اليه ايامها و لياليها و قبلها كانت سماوات و ارض و كان فى تلك الارض جنة ابينا آدم عليه السلام و كانت الجن فى تلك الارض فلما خلق الله سبحانه آدم اسكنه فى تلك الجنة فاكل من الشجرة المنهية و ادبر فحصل للسماوات و الارض فتور حتى قبلت الاعراض فتكثف بدن آدم و هو هبوطه و تكثفت السماوات و الارض بقبول الاعراض حتى قال آدم عليه السلام:

تغيرت البلاد و من عليها   و وجه الارض مغبر قبيح

فكان اول حدوث هذه الدنيا يوم هبوط آدم و حدوثها كان بالتدريج كما يشهد به الاخبار فكان ذلك فى ستة ايام من ايام البرزخ ثم هذه الدنيا تستمر الى ابان الرجعة فبدولة الحق و قيام العدل تتقوى بنية مراتب العالم و تدفع عنها الاعراض شيئاً بعد شى‏ء الى ان تتصفى عند رجعة النبى صلى الله عليه و آله و قتل الشيطان الساكن فى الاعراض و قتل اتباعه فيصفوا الزمان و يعود برزخياً و يطول الايام و الليالى و الاعمار و يظهر بركات الارض و السماء ثم يظهر ثانياً الجنتان المدهامتان من وراء الكوفة الى ما شاءالله كما كان اولاً و يأكلون المؤمنون منها ثم يستمر الى

 

«* مکارم الابرار عربي جلد ۳ صفحه ۴۵۷ *»

نفخ الصور فيموت عالم البرزخ و يصفو و يبدل الارض غير الارض و السماوات ثم ينفخ فيه اخرى فيقوم القيمة.

فصل

ان الناس قد تحيروا فى الايام التى خلقت لدنيا فيها لاجل زعمهم ان الايام مخصوصة بهذه الدنيا فكيف خلقت الدنيا فى الايام و غفلوا عن هذا التحقيق الذى ذكرناه و ان هذه الايام من ايام البرزخ و البرزخ قد يعد من الدنيا و لذا يسمى جنته بالجنة الدنيا و يقال عمر الدنيا مائة الف سنة مع ان ايام الرجعة فيها و قد يحسب من الاخرة علي ان من مات فقد قامت قيامته بالجملة الايام من ايام البرزخ و الاخرة و قد كانت قبل الدنيا و هى وقت البسائط على ما بينا و الذى يظهر من الاخبار ان يوماً من تلك الايام كالف سنة من سنى الدنيا كما قال الله سبحانه و ان يوماً عند ربك كالف سنة مما تعدون و الذى يشهد ان تلك الايام كل يوم منها بالف انه مع ما روى عن ابى جعفر عليه السلام انما كان لبث آدم و حواء فى الجنة حتى اخرجا منها سبع ساعات من ايام الدنيا حتى اهبطهما الله من يومهما ذلك و سئل ابوعبدالله عليه السلام كم لبث آدم و زوجه فى الجنة حتى اخرجهما منها خطيئتهما فقال ان الله تبارك و تعالى نفخ فى آدم روحه بعد زوال الشمس من يوم الجمعة ثم برأ زوجته من اسفل اضلاعه ثم اسجد له ملئكته و اسكنه جنته من يومه ذلك فو الله ما استقر فيها الا ست ساعات فى يومه ذلك حتى عصى الله فاخرجهما الله منها بعد غروب الشمس و ما باتا فيها و صيرا بفناء الجنة حتى اصبحا فبدت لهما سوآتهما الخبر. و روى عن الحسن بن على المجتبى عليهما السلام قال جاء نفر من اليهود الى رسول الله صلى الله عليه و آله فسألوه عن مسائل فكان فيما سألوه اخبرنى عن الله لاى شى‏ء وقت هذه الصلوات الخمس فى خمس مواقيت الى ان قال و اما صلوة العصر فهى الساعة التى اكل فيها آدم من الشجرة فاخرجه الله

 

«* مکارم الابرار عربي جلد ۳ صفحه ۴۵۸ *»

من الجنة الى ان قال و اما صلوة المغرب فهى الساعة التى تاب الله فيها على آدم و كان بين ما اكل من الشجرة و بين ما تاب الله عليه ثلثمائة سنة من ايام الدنيا و فى ايام الاخرة يوم كالف سنة الخبر. فاذا كان اليوم الف سنة كان ربعه ست ساعات مأتين و خمسين سنة فكان له ست ساعات من النهار و ساعة من الليل كما فى رواية اخرى انه ظل فيها سبع ساعات فكان ذلك ثلثمائة سنة و الرواية الدالة على ان تلك الساعات من ساعات الدنيا فهى على ان البرزخ قد يعد من الدنيا و كانت جنته جنة الدنيا كما روى عن الصادق عليه السلام انها كانت من جنان الدنيا تطلع فيها الشمس و القمر و لو كانت من جنان الاخرة ما خرج منها ابداً بالجملة الايام التى قبل خلق آدم عليه السلام كل يوم منها بالف سنة فخلقت الاعراض الدنياوية فى ستة آلاف سنة و لابد فيه من هذا التدريج كما يعود بالتدريج الى الصفاء ثانياً كما بدأكم تعودون فتلك الايام من ايام الاخرة على ان البرزخ قد يعد من الاخرة و ان يوماً منه كالف سنة فاذا عرفت ذلك فاعلم انه قد اشكل على بعض آيات سورة السجدة حيث تدل على ان السماوات والارض خلقت فى ثمانية ايام لانه يقول اولاً خلق الارض فى يومين و قال بعد و جعل فيها رواسى من فوقها و بارك فيها و قدر فيها اقواتها فى اربعة ايام ثم قال فقضيهن سبع سماوات فى يومين فيصير المجموع ثمانية و الحال انه سبحانه يقول و لقد خلقنا السموات و الارض و ما بينهما فى ستة ايام و قال خلق السموات و الارض فى ستة ايام و كان عرشه على الماء و فى اخرى ثم استوى على العرش فظنوا فيهما ظنوناً فمنهم من قال ان اليومين الذين خلقت الارض فيهما من جملة الاربعة ايام و منهم من قال ان اليومين الذين خلق فيهما السماوات هما اليومان الذان خلق فيهما الارض ففى اليوم الاول خلق اصل السماوات  والارض و فى اليوم الثانى ميز بعض اجزائهما عن بعض و منهم من قال ان ايام سورة السجدة غير الستة الايام و تأيد بلفظ الخلق و الجعل فقال خلق

 

«* مکارم الابرار عربي جلد ۳ صفحه ۴۵۹ *»

الارض فى يومين و كذا السماوات فى يومين و خلق ما بينهما فى يومين ثم خلق ما سوى المذكورات و تقدير الاقوات و ساير المخلوقات فى ايام اخر و تأيد بما روى ان دحو الارض كان بعد خلقها بالفى سنة.

اقول ان لليوم اطلاقات عديدة كما رسمناها فى رسالة اخرى و من تلك الاطلاقات الوقت و هو المسمى بيوم الشأن لقوله سبحانه كل يوم هو فى شأن فالمراد بايام سورة السجدة ايام الشأن و يشهد بذلك ما روى من تفسير على بن ابراهيم حيث فسر خلق الارض فى يومين فى وقتين ابتداء الخلق و انقضاؤه و الاربعة ايام باربعة اوقات و هى الفصول الاربعة و فسر قضيهن سبع سماوات فى يومين بوقتين ابتداء و انقضاء فعلى ذلك لااشكال و لا حاجة الى التكلفات و المراد بوقت الابتداء و الانقضاء وقت المادة التى هى ابتداء الخلق و وقت الصورة التى هى انقضاء الخلق و اما الستة الايام فى ساير الايات فقد روى من الكافى بسنده الى عبدالله بن سنان قال سمعت ابا عبدالله عليه السلام يقول ان الله خلق الخير يوم الاحد و ما كان ليخلق الشر قبل الخير و فى يوم الاحد و الاثنين خلق الارضين و خلق اقواتها فى يوم الثلثا و خلق السماوات يوم الاربعاء و يوم الخميس و خلق اقواتها يوم الجمعة و ذلك قوله عزوجل خلق السماوات و الارض و ما بينهما فى ستة ايام و من تفسير على بن ابرهيم بعد خلق السماوات و الارض فلما اخذ فى رزق خلقه خلق السماء و جناتها و الملئكة يوم الخميس و خلق الارض يوم الاحد و خلق دواب البر و البحر يوم الاثنين و هما اليومان اللذان يقول الله ائنكم لتكفرون بالذى خلق الارض فى يومين و خلق الشجر و نبات الارض و انهارها و ما فيها و الهوام فى يوم الثلثا و خلق الجان و هو ابوالجن و خلق الطير فى يوم الاربعاء و خلق آدم فى ستة ساعات من يوم الجمعة ففى هذه الستة الايام خلق الله السماوات و الارض و ما بينهما و من العلل فى خبر ابن سلام قال اخبرنى عن اول

 

«* مکارم الابرار عربي جلد ۳ صفحه ۴۶۰ *»

يوم خلق الله عزوجل قال النبى صلى الله عليه و آله يوم الاحد قال و لم سمى يوم الاحد قال لانه واحد محدود قال فالاثنين قال هو اليوم الثانى من الدنيا قال و الثلثا قال الثالث من الدنيا قال فالاربعاء قال يوم الرابع من الدنيا قال فالخميس قال هو يوم خامس من الدنيا و هو يوم انيس لعن فيه ابليس و رفع فيه ادريس قال فالجمعة قال هو يوم مجموع له الناس و ذلك يوم مشهود و يوم شاهد و مشهود قال فالسبت قال يوم مسبوت و ذلك قوله عزوجل فى القرآن و لقد خلقنا السموات و الارض و ما بينهما فى ستة ايام فمن الاحد الى الجمعة ستة ايام و السبت معطل الخبر.

و هذا الخبر شارح لسر خصوص الايام كما يأتى و اعلم انه لاتنافى بين شى‏ء من هذه الاخبار و لو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً اذ لخلق السموات و الارض و ما بينهما فى ستة ايام  معان كثيرة كلها واقعية فمرة نقول انها خلقت فى ستة اطوار و ايام شأنية كما ان العالم الصغير يخلق فى ستة ايام و ماترى فى خلق الرحمن من تفاوت يوم نطفة و يوم علقة و يوم مضغة و يوم عظام و يوم اكساء لحم و يوم انشاء خلق آخر و بذلك يتم خلقة الولد فكذلك خلقت السماوات و الارض فى ستة اطوار من مبدء كينونتها الى تمامها يوم العقل و يوم الروح و يوم النفس و يوم المادة و يوم المثال و يوم الجسم و بذلك تم خلق العالم و الطبع هو المادة من حيث عدم الاقتران بالمثال و ليس بشى‏ء خارج متأصل و مرة يقال انها خلقت فى ستة اطوار و هى مواد كيانها الثلثة و صورها و مرة يقال انها خلقت فى ستة اطوار المادة و الصورة و الطبائع الاربع و هو يوافق تفسير على بن ابرهيم و مرة يقال خلقت فى ستة اطوار يومين للارض لوجودها و ماهيتها و يوم لاقواتها و هو يوم تشريعها و امدادها الشرعية و يومين للسماوات لوجودها و ماهيتها و يوم لاقواتها و هو يوم امدادها التشريعية فيومان لكونها و يوم لشرعها و مرة يقال خلقت فى ستة اطوار يوم للارض نفسها و يوم لدحوها تحت السماء اى قبولها الامداد و تزويجها بها و يقال دحى الرجل

 

«* مکارم الابرار عربي جلد ۳ صفحه ۴۶۱ *»

المرأة اذا فرشها للنكاح و يوم للسماء نفسها و يوم لتزوجها و توجهها و دورانها و امدادها للارض و يومان لما بينهما من الامداد النازلة و الحوائج و الدعوات الصاعدة و مرة يقال فى ستة اطوار السماء و الارض و ما بينهما من الجماد و النبات و الحيوان و الانسان و الى هذا ينظر ما فى تفسير على بن ابرهيم الا ان فى الفاظه اختلالاً و يتراءى منه السهو فى الرواية الاترى انه يذكر خلق السماوات و الارض و تمامهما ثم يقول فلما اخذ فى رزق خلقه ثم يذكر خلق اعيانها و قدم الخميس على الاحد ثم يقول هذه هى الايام التى خلقت السماوات و الارض فيها بالجملة قد جرت الاخبار على هذه المعانى و امثالها و ما لم يذكروا اكثر مما ذكروا فسميت اوقات ايجادها بالايام على معنى يوم الشأن و سميت بايام الاسبوع نظراً الى ترتيب الوجود فى الكون او الشهود فسمى الاول بالاحد اياً ما‌كان و الثانى بالاثنين و هكذا كما فى خبر ابن سلام و يوم الجمعة على اى حال يوم التمام و الكمال و اجتماع العلل و المعلولات فلا اشكال و لا تنافى و الحمد لله فى الاخبار و ليس هذا المختصر مقام التفصيل ازيد من ذلك فخلق الله كل واحد من هذه الاطوار فى الف سنة و ما شاءالله و كل تلك المدة يوم من ايام الشأن و اليوم يوم دهرى برزخى و ان اردت تفصيل هذه الامور فعليك بسائر كتبنا.

بقى شى‏ء و هو ان تعلم آدم عليه السلام ايضاً خلق فى ايام طويلة من مبدء وجوده الى منتهى تمامه كما يشهد به الاخبار ولكن العالم خلق فى ستة آلاف سنة كما عرفت فلابد و ان يكون الله سبحانه شرع فى خلق العالم قبل شروعه فى خلق آدم فشرع الله فى خلق العالم حتى اذا تم و كان يوم خلق الانسان بين السماء و الارض خلق آدم و به تم العالم بسمواته و ارضه و ما بينهما فى ستة ايام فتولد ولد العالم تام المراتب كامل المقامات.

 

«* مکارم الابرار عربي جلد ۳ صفحه ۴۶۲ *»

المطلب الثانى

فى كيفية تأثير الاجرام العلوية فى الاجسام السفلية و حصول المواليد فيها و بعض ما يتعلق به و فى هذا المطلب ايضاً فصول.

فصل

اعلم ان منتحلى العلم اختلفوا فى تأثير الكواكب فى الارض فمنهم من انكره رأساً و منهم من انكر الاطلاع عليه فمن المنكرين السيد المرتضى رحمه الله حيث نقل عنه من الغرر و الدرر كلام طويل فى جواب من سأله عنه قال فيه و قد فرغ المتكلمون من الكلام فى ان الكواكب لايجوز ان تكون فينا فاعلة و تكلمنا نحن ايضاً فى مواضع على ذلك و بينا بطلان الطبائع التى يهذون بذكرها و اضافة الافعال اليها و بينا ان الفاعل لابد و ان يكون حياً قادراً و قد علمنا ان الكواكب ليست بهذه الصفة و كيف تفعل و ما يصحح الافعال مفقود فيها و قد سطر المتكلمون طرقاً كثيرة فى انها ليست بحية و لا قادرة اكثرها معترض و اشف ما فيها ما قيل فى ذلك ان الحيوة معلوم ان الحرارة الشديدة كحرارة النار تنفيها و لا تثبت معها و معلوم ان حرارة الشمس اشد و اقوى من حرارة النار بكثير لان الذى يصل الينا على بعد المسافة من حرارة الشمس بشعاعها يماثل او يزيد على حرارة النار و ما كان بهذه الصفة من الحرارة يستحيل كونه حياً و اقوى من ذلك كله فى نفى كون الفلك و ما فيه من شمس و قمر و كوكب احياء السمع و الاجماع و انه لاخلاف بين المسلمين فى ارتفاع الحيوة عن الفلك و ما يشتمل عليه من الكواكب و انها مسخرة مدبرة مصرفة و ذلك معلوم من دين رسول الله صلى الله عليه و آله ضرورة و اذا قطعنا على نفى الحيوة و القدرة عن الكواكب فكيف تكون فاعلة و على اننا قد سلمنا لهم استظهاراً فى الحجة انها قادرة قلنا ان الجسم و ان كان قادراً فانه لا يجوز ان يفعل فى غيره الا على سبيل التوليد و لابد من وصلة بين الفاعل و المفعول فيه و الكواكب غير مماسة لنا ولا وصلة بينها و بيننا فكيف تكون فاعلة فينا فان ادعى ان الوصلة بيننا هو الهواء فالهواء اولاً لايجوز ان يكون آلة فى الحركات الشديدة و حمل الاثقال ثم لو كان الهواء آلة تحركنا

 

«* مکارم الابرار عربي جلد ۳ صفحه ۴۶۳ *»

بها الكواكب لوجب ان نحس بذلك و نعلم ان الهواء يحركنا و يصرفنا كما نعلم فى غيرنا من الاجسام اذا حركناه بآلة على ان فى الحوادث الحادثة فينا ما لا يجوز ان يفعل بآلة و لا يتولد عن سبب كالارادات و الاعتقادات و اشياء كثيرة فكيف فعلت الكواكب ذلك فينا و هى لاتصح ان تكون مخترعة للافعال لان الجسم لايجوز ان يكون قادراً الا بقدرة الى آخر كلامه الذى ينسبك على هذا السبك و قد سودنا القرطاس بكتبه لتعرف الرجال بالمقال و لا حاجة بنا الى رده لانا لوسعينا غاية جهدنا فى اظهار سخافته باكثر مما اظهره هو بتحقيقه ما قدرنا و هو بنفسه كاف فى تعريف شأنه و شأن قائله و عن الشيخ المفيد رحمه الله ان الشمس و القمر و سائر النجوم اجسام نارية لاحيوة لها و لا موت و لا تميز الى ان قال فاما الاحكام على الكائنات بدلائلها او الكلام على مدلول حركاتها فان العقل لايمنع منه ولسنا ندفع ان يكون الله تعالى اعلمه بعض انبيائه و جعله علماً له على صدقه غير انا لانقطع عليه و لا نعتقد استمراره فى الناس الى هذه الغاية و اما ما نجده من احكام المنجمين فى هذا الوقت و اصابة بعضهم فيه فانه لاينكر ان يكون ذلك بضرب من التجربة و بدليل عادة و قد تختلف احياناً و يخطى المعتمد عليه كثيراً و لايصح اصابته فيه ابداً فانه ليس بجار مجرى دلائل العقول و لا براهين الكتاب و اخبار الرسول و هذا مذهب جمهور متكلمى اهل العدل و اليه ذهب بنو نوبخت رحمهم الله من الامامية و ابوالقاسم و ابوعلى من المعتزلة انتهى. و هو ايضاً كماترى و عن العلامة رحمة الله التنجيم حرام و كذا تعلم النجوم مع اعتقاد انها مؤثرة او ان لها مدخلاً فى التأثير بالنفع و الضر و بالجملة كل من يعتقد ربط الحركات النفسانية و الطبيعية بالحركات الفلكية و الاتصالات الكوكبية كافر الى آخر كلامه. و هو ايضاً كماترى و عن الشهيد رحمه الله كل من اعتقد فى الكواكب انها مدبرة لهذا العالم و موجدة ما فيه فلاريب انه كافر و ان اعتقد فى الكواكب انها مدبرة لهذا العالم و موجدة ما فيه فلاريب انه كافر و ان اعتقد انها تفعل الاثار المنسوبة اليها و الله سبحانه هو المؤثر الاعظم كما يقوله اهل العدل فهو مخطى‏ء اذ لا حيوة لهذه الكواكب ثابتة بدليل عقلى و لا نقلى و بعض الاشعرية يكفرون هذا كما يكفرون الاول الى ان قال و اما ما يقال من استناد الافعال اليها كاستناد

 

«* مکارم الابرار عربي جلد ۳ صفحه ۴۶۴ *»

الاحراق الى النار و غيرها من العاديات بمعنى ان الله تعالى اجرى عادته انها ان كانت على شكل مخصوص او وضع مخصوص بفعل ما ينسب اليها و يكون ربط المسببات بها كربط مسببات الادوية و الاغذية بها مجازاً باعتبار الربط العادى لاالفعلى الحقيقى فهذا لايكفر معتقده ولكنه مخطئ ايضاً و ان كان اقل خطاء من الاول لان وقوع هذه الاثار عندها ليس بدائم و لا اكثرى و عن المحقق الشيخ علي اعلم ان التنجيم مع اعتقاد ان للنجوم تأثيراً فى الموجودات السفلية و لو علي جهة المدخلية حرام و كذا تعلم النجوم على هذا الوجه بل هذا الاعتقاد كفر فى نفسه نعوذ بالله و قال المجلسى رحمه الله ان القول باستقلال النجوم فى تأثيرها بل القول بكونها علة فاعلية بالارادة و الاختيار و ان توقف تأثيرها على شرائط كفر و مخالفة لضرورة الدين و القول بالتأثير الناقص يحتمل وجهين الاول تأثيرها بالكيفية كحرارة الشمس و اضائتها و سائر الكواكب و تبريد القمر فلاسبيل الى انكار ذلك لكن الكلام فى انها مؤثرات او معدات لتأثير الرب سبحانه او انه تعالى اجرى العادة بخلق الحرارة او الضوء عقيب محاذاة الشمس مثلاً و الاكثر على الاخير و الثانى كون حركاتها و اوضاعها و مقارناتها و اتصالاتها مؤثرة ناقصة فى خلق الحوادث على احد الوجوه الثلثة المتقدمة فلاريب ان القول به فسق و قول بما لايعلم و لا دليل يدل عليه من عقل و لا نقل بل ظواهر الايات و الاخبار خلافه و القول به جرأة على الله و اما انه ينتهى الى حد الكفر فيشكل الحكم به و ان لم‌يكن مستبعداً الى آخر كلامه و قد نقلت هذه الاقوال لتعرف حظ الرجال من العلم و نحن نعنون فصولاً لبيان ما رزقنا الله سبحانه من فهم الكتاب و السنة فتدبر فيه و انصف.

فصل

اعلم ان هيهنا مقامات الاول بيان ان للافلاك و الكواكب حيوة ام لا و الثانى هل هى مؤثرة فى السفليات ام لا و الثالث ما كيفية تأثيرها فى السفليات و ما حده و لما كان بناء تقسيم الكتاب على الفصول فلنذكر فى هذا الفصل المقام الاول و نعنون للمقامين الاخرين فصولاً اخر ان شاء الله.

 

«* مکارم الابرار عربي جلد ۳ صفحه ۴۶۵ *»

اعلم ان الكتاب اى القرآن هو الحق الذى لايأتيه الباطل من بين يديه و من خلفه و اذا ذكر الله سبحانه امراً يجب ان يتبع و لا يجوز صرف الاية عن ظاهرها بغير دليل قطعى من الله او من رسوله او دليل عقل تعرف جميع العقول عدله فعند ذلك يجوز صرفه عن ظاهره و تأويله او  اخذه مجازاً او مخصصاً او مقيداً او غير ذلك مما هو خلاف ظاهره و لا يجوز ذلك لعالم لاسيما اذا كان فقيهاً فاقول انا اذا تتبعنا الكتاب وجدناه يقول انى رأيت احد عشر كوكباً و الشمس و القمر رأيتهم لى ساجدين و لاشك ان ظاهر الاية على متفاهم اهل اللغة انها اصحاب حيوة و شعور بل عقل و لايجوز العدول عن هذا المعنى الا باحد الثلثة المذكورة فهل لهم فى ذلك برهان و ان قالوا قام الاجماع بذلك قلنا ان اردتم اجماع العامة فلم يتفق على ذلك جميع الامة و ان اردتم اجماع الخاصة فلم يتبين دخول المعصوم فى هذا الاجماع المزعوم هذا و اتفاق غير اهل الفن على امر لايعتنى به فعلى الظاهر الكتاب شاهد لنا الى ان يأتى صارف له و انى لهم بذلك و كذا وجدناه يقول ائتيا طوعاً او كرهاً قالتا اتينا طائعين و هى كسابقها و ان قلت وجود الارض قرينة المجاز قلت ان لى فى الارض و فى كل شى‏ء لكلاماً فانى وجدت ربى يقول و ان من شى‏ء الا يسبح بحمده و لكن لاتفقهون تسبيحهم و هو دليل حيوة كل شى‏ء لا سيما الافلاك و وجدت ربى يقول كل فى فلك يسبحون و هو دليل حيوتها و شعورها و وجدت ربى يقول يسبح لله ما فى السموات و ما فى الارض و ما من ادوات العموم و امثال ذلك من الايات و يؤيدها قوله سبحانه و ان الدار الاخرة لهى الحيوان و معلوم ان الجنة فى السماء و هذه الاية عندنا محكمة الدلالة الا انها خفية عند غيرنا انهم يرونه بعيداً و نراه قريباً و يدل على حيوة كل شى‏ء اخبار متواترة من اهل البيت عليهم السلام بل تزيد على حد التواتر و هى اخبار عرض ولايتهم على كل شى‏ء و قد عقد له ابواباً فى العوالم و اورد اخباراً تزيد على حد التواتر و هى كلها ظاهرة الدلالة و اخذها مجازاً على خلاف الاصل

 

«* مکارم الابرار عربي جلد ۳ صفحه ۴۶۶ *»

و مشاهدتنا مدحوضة و غيرهم يرى مالايرون و مراتب الحيوة متفاوتة و ليس المراد العرض الكونى و لا فى الايات التسبيح الكونى كما يأولها جهال الحكمة و هو خلاف ظاهر الايات بل هما عرض شرعى و تسبيح شرعى و العجب من السيد المرتضى و ليس من تحقيقاته بعجب كما رواه صاحب العوالم عن الدرر و الغرر انه قال فى معنى اخبار عرض الولاية على كل شى‏ء و ردها و قبولها و نطقها و تسبيحها و امثال ذلك قد يجوز ان يكون المراد بذم هذه الاجناس من الطير انها ناطقة بضد الثناء على الله و بذم اوليائه و بغض اصفيائه متخذيها و مرتبطيها و ان هؤلاء المغرين بمحبة هذه الاجناس و اتخاذهم الذين ينطقون بضد الثناء على الله تعالى و يذمون اولياءه و احباءه فاضاف النطق الى هذه الاجناس و هو لمتخذيها او مرتبطيها للتجاوز و التقارب و على سبيل التجوز و الاستعارة الى آخر كلامه و لولا استحيافى للقرطاس ان يسود و للعمر ان ينقضى بما لاطائل فيه لاوردت كلامه الى آخره لتقضى العجب و فيما ذكرت منه دلالة على ما لم‌اذكر ولايحتاج الى رد ابداً بالجملة صرف اخبار آل الله امراء الكلام الذين فيهم تهدلت غصونه و تنشبت عروقه الى هذه المعانى السخيفة خارج عن المروة اقلاً و اى حاجة اى هذه المعميات بالجملة ظاهر الايات و الاخبار حيوة كل شى‏ء فضلاً عن السماوات و لا دليل ينكر عليها و يدل على غير مدلولها غير ما يدعونه من الحس للسفليات و الاجماع للسماويات اما حسهم فسنبين خطاءه و اما اجماعهم فقد ظهر بطلانه و اما الاخبار فى خصوص حال السماء فمنها ماورد فى معنى ان الشمس اذا غربت تسجد و تسأل الله سبحانه ان تطلع من مغربها او مشرقها و عن العيون بسنده عن ابى بصير عن ابى عبدالله عليه السلام قال اذا كان يوم القيمة اتى بالشمس و القمر فى صورة ثورين عقيرين فيقذفان بهما و بمن يعبدهما فى النار و ذلك انهما عبدا فرضيا انتهى. والرضا دليل الحيوة و الشعور و من الكافى بسنده الى معلى بن خنيس قال سألت ابا عبدالله عليه السلام أ حق هى فقال نعم ان الله عزوجل بعث

 

«* مکارم الابرار عربي جلد ۳ صفحه ۴۶۷ *»

المشترى الى الارض فى صورة رجل و قد مر فى اوائل الكتاب فالذى لاحيوة له و لا شعور كيف يعلم النجوم للناس الى غير ذلك من الايات و الاخبار ولنا على ذلك دليل حكمى عيانى و هو ان الله سبحانه حى قدير و مشيته سبحانه حية قادرة اذ هى اول تجليه سبحانه و اقرب الخلق اليه و ليس لكم الذكر و له الانثى فتلك اذاً قسمة ضيزى فكل ما هو اقرب اليه سبحانه اولى بالحيوة و القدرة و الشعور و كل كمال فمشيته سبحانه اصل كل خير و كمال و جميع ماسواه سبحانه مخلوق بها و من شعاعها و نورها و اثرها و كل اثر يطابق صفة مؤثرة فجميع ما سواه سبحانه حى شاعر الا ان درجات الاثر تختلف بحسب القرب و البعد فى المشاكلة مع المؤثر و كثرتها و قلتها و ما لايشاكل مؤثراً بوجه ليس من اثره بوجه الاترى ان نور السراج يشاكل ظهوره الا انه مختلف المراتب فى القوة و الضعف على حسب قربه و بعده فكلما يكون اقرب الى السراج يكون اقوى نوراً و حرارة و كلما يكون ابعد عن السراج يكون اضعف نوراً و الظلمة الصرفة ليست من اشعة السراج و آثاره لعدم المشاكلة فالخلق هو اثر مشيته سبحانه و نورها و يشاكلها لامحالة فى الصفات الكمالية الا انه مختلف المراتب ففى اعالى الخلق يكون اشد الاشياء مشاكلة للمشية حتى كأنه هو هى و كلما يبعد يقل مشاكلته و يضعف فيه المشابهة الى التراب و اما ان يعدم فيه الشباهة فلا اذ كل اثرها و خلقها فكل شى‏ء حى شاعر قدير و كل بحسبه فى القوة و الضعف فالسماوات و النجوم التى هى ايدى مشية الله سبحانه و اكمام ارادته و سببه فى احداث ما يريد كما مر فى صدر الكتاب ان الله سبحانه اذا اراد امراً القاه الى روح القدس فالقاه الى النجوم فجرت به و جعلها جاهه و وجهه الى عباده و منزل بركاته و فيوضه و امداده كيف لاتكون حية شاعرة الا انها ليست بمنزلة الانسان فان الانسان اجمع منها و انما حيوتها حيوة ملكية بسيطة ذات جهة واحدة تجرى مجرى واحداً بخلاف حيوة الانسان فانها تجرى كل مجرى و تتصرف كل تصرف بل الافلاك هى الحية الكلية و حيوتها معدن الحيوتات الجزئية و اصلها منها بدؤها و اليها عودها كما ان ترابية البدن

 

«* مکارم الابرار عربي جلد ۳ صفحه ۴۶۸ *»

ترجع الى التراب و مائيته ترجع الى الماء و هوائيته و ناريته الى الهواء و النار كذلك حيوته ترجع الى الافلاك لانها منها و اليها كما روى فى حديث الاعرابى الذى رواه الملامحسن و مضمونه شاهد بانه كلام على عليه السلام قال فى النفس الحيوانية قوة فلكية و حرارة غريزية اصلها الافلاك بدؤايجادها عند الولادة الجسمانية فعلها الحيوة و الحركة و الظلم و الغشم و الغلبة و اكتساب الاموال و الشهوات الدنيوية مقرها القلب سبب فراقها اختلاف المتولدات فاذا فارقت عادت الى ما منه بدأت عود ممازجة لاعود مجاورة الخبر. فتبين مما بينا و شرحنا و اوضحنا من الكتاب و السنة الموافقة لها و العقل المستنير بهما ان الافلاك حية شاعرة فاعلة قادرة مختارة الا ان حيوتها و سائر خصالها على حد الملائكة لانها من البسائط و ليست مركبة على حد المواليد تجتمع فيها انواع الطبائع و البسائط و خواصها و آثارها فلايتأتى من كل فلك الا ما جبل عليه و لايقدر على التصرف بغير ما خلق لاجله فهى كالنار التى لا تقدر على ما يقدر عليه الماء و لا العكس و ان كان كل شى‏ء فيه معنى كل شى‏ء لان الكل من الامكان الا ان فى كل بسيط شيئاً بالفعل و ما سواه فيه بالقوة فالتبريد فى النار بالقوة و التسخين بالفعل و لا يتأتى منها الا التسخين لاجل ذلك لا كما قال بعضهم انها موجبة بل و لا فاعل موجباً فى ملكل الله فان الله سبحانه مختار الا ان المختار اذا اختار الاخير اشتبه بعد الاختيار بالمضطر و ليس بمضطر فالنار و اشباهها من البسائط قد اختارت امراً فى اصل الخلقة فجرت به و ليس هنا موضع ازيد من ذلك و كذلك الافلاك بسائط و قد اختار كل فلك كل كوكب امراً فهو جار به لايتأتى ما سواه منه و هذا معنى قولى ان الافلاك ملكية كما ان من الملئكة ركوع لايسجدون و سجود لايركعون و مشغولون بخدمة معينة لايفترون كذلك كل كوكب له طبع و قوة معينة و خاصة تتاتى منه و لا يتأتى منه غيره و يشتبه بذلك بالموجب و ليس به كما اشرنا اليه و بذلك نقول ان الانسان اشرف من الافلاك فانه مركب من حصص من جميع الافلاك و حصص من العناصر فيصدر عنه فعل

 

«* مکارم الابرار عربي جلد ۳ صفحه ۴۶۹ *»

كل بسهولة الا ان الناس مختلفون فى فعلية تلك القبضات باجمعها فيهم و قويتها و قربها من الفعلية و بعدها و اكمل الاناسى من كان فيه كلها بالفعل و قوياً فذلك الرجل الذى:

لوجئته لرأيت الملك فى رجل   و الدهر فى ساعة و الارض فى دار

و هو الذى بقربك منه بالولاية لقد فزت بجميع السماوات و الارض و ان عرفته قرأت ببها الواح السماوات و الارض بالجملة هو القطب الذى عليه المدار فى الاعصار و اما من سواه ففيهم فعلية و قوية فمنها مافيهم بالفعل و منها ما فيهم بالقوة و يقل اختيار الناس و يكثر بحسب جامعيتهم و قلتها و كذلك يقل اختيار المواليد و يكثر فبعد الانسان اشد المواليد اختياراً الحيوان ثم النبات ثم الجماد ثم البسايط المركبة العرضية و لعلك من هنا تعرف ان هذا العالم العرضى الذى فى اجزائه نوع تركيب فيه زيادة اختيار و لاجل ذلك ربما تجرى سماواته و ارضه على نحو اختلال ولكنه قليل و ستعود الى العصمة الملكية فى الرجعة لانها تصفو و تكمل عصمتها و عصمة الملئكة فى القيمة الاترى قد يختل عصمة الملكئة ببعض الهنات كفطرس و صلصائيل و الملئكة المعترضين على الله و غيرهم منهم فافهم هذه البيانات العجيبة و كانى بقائل ينظر الى هذا الكتاب و يزعم ان هذه المسائل مصادرات محضة و انى لااذكرلها براهين و هو غافل عن انها مشحونة بادلة الحكمة و براهينها و لا يخفى على اهلها.

علىّ نحت القوافى من مواقعها   و ما علىّ اذا لم يفهم البقر

و على اهل الفهم و ابناء الحكمة و اهل مدينتها السلام.

فصل

فى بيان ان الكواكب مؤثرة فى السفليات ام لا و على اى معنى تؤثر اما ما يدل على تأثيرها من الاخبار فمنها ما روى فى العوالم من تفسير العياشى عن محمدبن عذافر الصيرفى عمن اخبره عن ابى عبدالله عليه السلام  قال الله تبارك و تعالى خلق روح القدس و لم يخلق خلقاً اقرب اليه منها و ليست باكرم خلقه عليه

 

«* مکارم الابرار عربي جلد ۳ صفحه ۴۷۰ *»

فاذا اراد امراً القاه اليها فالقاه الى النجوم فجرت به و هذا الخبر نص فى التأثير و جريها بما اراد الله سبحانه و فى تفسير البرهان عن على بن ابرهيم فى قوله تعالى سخرها عليهم سبع ليال و ثمانية ايام حسوماً قال قال كان القمر منحوساً بزحل سبع ليال و ثمانية ايام حتى هلكوا انتهى و لولا تأثير الكواكب لما كان لهذا الاشعار معنى و هم لايعدون الرجل من شيعتهم فقيهاً حتى يلحن له فيعرف اللحن و فى البحار من المكارم فى الحديث انه نهى عن الحجامة فى الاربعاء اذا كانت الشمس فى العقرب و من الذهبية عن الرضا عليه السلام اعلم ان جماعهن و القمر فى برج الحمل او الدلو من البروج افضل و خير من ذلك ان يكون فى برج الثور لكونه شرف القمر و من المهج فى حرز الجواد عليه السلام و ينبغى ان لايكون طلوع القمر فى برج العقرب و من نوادر على بن اسباط عن ابى عبدالله عليه السلام قال من سافر او تزوج و القمر فى برج العقرب لم ير الحسنى انتهى. انشدك بالله هل يعرف العالم العارف باللحن من هذه الاخبار الا انها مؤثرة فى هذه الامور و قد مر فى حديث ان طالع الدنيا سرطان و الكواكب فى اشرافها قال فزحل فى الميزان و المشترى فى السرطان و المريخ فى الجدى و الزهرة فى الحوت و القمر فى الثور و الشمس فى وسط السماء فى الحمل الخبر. فلولا ان الكواكب يختلف احوالها و آثارها بانتقالها فى البروج اى معنى كان لشرف الكواكب و وبالها و من الكافى بسنده عن ابى عبدالله المداينى عن ابى عبدالله عليه السلام قال ان الله عزوجل خلق نجماً فى الفلك السابع فخلقه من ماء بارد و سائر النجوم الستة الجاريات من ماء حار و فى نسخة من نار و هو نجم الانبياء و الاوصياء و هو نجم اميرالمؤمنين عليه السلام يأمر بالخروج من الدنيا و الزهد فيها و يأمر بافتراش التراب و توسد اللبن و لباس الخشن و اكل الجشب و ما خلق الله نجماً اقرب الى الله منه انتهى. ولولا ان تأثير زحل ذلك و تدبيره بذلك فاى

 

«* مکارم الابرار عربي جلد ۳ صفحه ۴۷۱ *»

معنى لذلك و الدليل على انه زحل فما رواه من الاحتجاج فى حديث اليمانى مع ابى عبدالله عليه السلام قال عليه السلام فما زحل عندكم فى النجوم فقال اليمانى مع ابى عبدالله عليه السلام قال عليه السلام فما زحل عندكم فى النجوم فقال اليمانى نجم نحس فقال ابوعبدالله عليه السلام لاتقل هذا فانه نجم اميرالمؤمنين عليه السلام و هو نجم الاوصياء عليهم السلام و هو النجم الثاقب الذى قال الله فى كتابه فقال اليمانى فما معنى الثاقب فقال ان مطلعه فى السماء السابعة الخبر. و فى توحيد المفضل تفصيل فى تأثير الشمس و القمر و دورانهما و صعود الشمس و هبوطها فى اصلاح الزروع و الحيوانات و الاقوات و قيام الفصول بها و انشاء السحب و غير ذلك و ستعلم ان تأثير الباقى ايضاً من هذا الباب و من الاحتجاج فى حديث الدهقان مع على عليه السلام قال عليه السلام اما قولك انقدح من برجك النيران فكان الواجب ان تحكم به لى لا على اما نوره و ضياؤه فعندى و اما حريقه و لهيبه فذهب عنى الخبر. و هل هذا الا من باب التأثير و منه فى حديث اليمانى قال عليه السلام فما اسلم النجم الذى اذا طلع هاجت الابل فقال اليمانى لاادرى فقال ابوعبدالله عليه السلام صدقت فما اسم النجم الذى اذا طلع هاجت البقر فقال اليمانى لاادرى فقال له ابوعبدالله عليه السلام صدقت فما اسم النجم الذى اذا طلع هاجت الكلاب فقال اليمانى لاادرى فقال ابوعبدالله عليه السلام صدقت الخبر. فلولا تأثير هذه الكواكب فى هذه الامور فما معنى ترتب هذه الامور بطلوعها و القول بانها علامات لما يفعل الله سبحانه عادة و اجرى الله سبحانه عادته بان يفعل هذه الافعال عند هذه الاوضاع فكانه قول صدر من غير من استشم رائحة العلوم و الحكم و ان كان قول الاكثر فانهم تكلموا فيما ليس لهم به علم فياسبحان الله هل يفعل الله سبحانه الافعال بذاته ‏ام بامره و مشيته و هى خلقه و هل يجرى الامور باسبابها ام ابى ان يجرى الاشياء الا باسبابها و جعل لكل شى‏ء سبباً فان كان يفعل الله ما يشاء باسبابها كما نص عليه فى الخبر و الاسباب غير ذاته سبحانه و من خلقه فليكن النجوم من تلك الاسباب كما يسخن الله الهواء بالشمس و يبرد بالقمر

 

«* مکارم الابرار عربي جلد ۳ صفحه ۴۷۲ *»

و يموج البحار بالرياح و ستعلم ان شاء الله ان ذلك لايوجب كفراً و لا شركاً و ان الذين يقولون بان الله يفعل الافعال من دون سبب، خارجون عن طريق الصواب و فى حديث مر ان حرارة الصيف من استعلاء المريخ و برد الشتاء من استعلاء زحل و هل هذا الا من باب التأثير و روى فى البحار من الاحتجاج عن هشام بن الحكم قال سأل زنديق ابا عبدالله عليه السلام ما تقول فيمن زعم ان هذا التدبير الذى يظهر فى هذا العالم تدبير النجوم السبعة قال عليه السلام يحتاجون الى دليل ان هذا العالم الاكبر و العالم الاصغر من تدبير النجوم التى تسبح فى الفلك و تدور حيث دارت متعبة لاتفتر و سائرة لاتقف ثم قال و ان كل نجم منها موكل مدبر فهى بمنزلة العبيد المأمورين المنهيين فلو كانت قديمة ازلية لم تتغير من حال الى حال الخبر. و هذا الخبر و ان كان ظاهره ماترى و الذى اقطع به من لحنه انه عليه السلام صرح فيه بان النجوم مدبرة لامر العالم الاكبر و الاصغر لكن لا على ما يزعمه المنجمون الغير المسلمين من استقلالها فى التأثير بل هى عبيد مأمورون يجرون بما اجريهم الله سبحانه و ليست بقديمة كما يزعمون الاترى لحنه انه ما انكر تأثيرها و اكتفى بانهم يحتاجون الى دليل ثم بين انها موكلة مدبرة بمنزلة العبيد المأمورين و هل العبد الا خادماً عاملاً بالخدمة قائماً بها و هذا اللحن لايعرفه الا اهله و انما لم ينص على المراد لانهم روحى فداؤهم مربون للناس يحملونهم على ما يطيقون و ما يصلحهم لا ما يفسدهم و لا يتحملونه فلو نص على تأثيرها و هم جديدوا العهد بالجاهلية و الاعتقاد بالكهنة و المنجمين لظنوا صدق اولئك و فسدوا فاخفوا عنهم ذلك و بينوا اضمحلالها تحت مشية الله حتى يعتدلوا و يستقيموا و هذا علم لايعلمه الا العالم بالسياسة و هذا سر انكارهم الكثير على النجوم و اهلها و هذا ديدنهم فى تقويم الناس و تعديلهم و لا يليق بهذا المختصر تفصيل اسرار سياستهم و ذكر شواهدها و ان قيل ان هذه الاخبار ضعيفة لاتفيد علماً قلت ان هذه الاخبار مؤيدة بالادلة العقلية المستنبطة من كليات علوم آل محمد عليهم السلام كما ستسمعها

 

«* مکارم الابرار عربي جلد ۳ صفحه ۴۷۳ *»

ان شاء الله و هى تجبر ضعفها و الشهرة بين المتكلمين المذمومين فى الاخبار الذاهبين مذاهب الاشرار و العلماء الذين ليسوا بحكماء لاعبرة بها و لا يجوز الاعتماد عليها فلعنعنون لذلك فصلاً آخر نبين فيه الادلة الحكمية لكن على نهج الاختصار و الاشارة و التفصيل موكول الى سائر كتبنا.

فصل

اعلم ان القديم جل شأنه ذات احدية لاتثنى و لا تجزى ليس لها تعلق بشى‏ء و لا ارتباط و لا اقتضاء لشى‏ء و لا مناسبة بشى‏ء و لا منافرة و هو قائم بنفسه غنى عما سواه فخلق مشيته بها لا بذاته سبحانه كما روى ان الله خلق المشية بنفسها ثم خلق الاشياء بالمشية فالمشية مخلوقة بنفسها قائمة بنفسها لغيرها اذ هى تجلى الاحد القائم بنفسه لنفسه و آيته و عنوانه فلها حيث فعلية لنفسها و حيث مفعولية و حيث فعليتها اعليها و جهتها العليا ممايلى المبدء و حيث مفعوليتها اسفلها و جهتها السفلى ممايلى نفسها و هو غاية بعدها عن المبدء فجهة فعليتها حيث كونها حركة الفاعل للايجاد و لوجود انية لتلك الجهة لان الله سبحانه لم‌يخلق شيئاً فرداً قائماً بذاته هى متحركة دائرة على جهة النفس من كل جهة اذ لا جهة لها و هى محددة الجهات لها و جهة مفعوليتها حيث سكونها لان المفعول لافعل له و انما هو ساكن و الحركة للفاعل له و هي محاطة جهة فعليتها لانها آية احاطة الرب جل شأنه بها و ان الله سبحانه لما خلقها بنفسها خلق جهة مفعوليتها بجهة فعليتها فدارت جهة فعليتها على جهة مفعوليتها بالامداد على خلاف التوالى و استمدت جهة مفعوليتها من جهة فعليتها على التوالى فكان جهتها العلياء فعل الله و امره و مشيته فى احداث جهتها المفعولية و فعل الله غير ذاته و خلقه جعله فعله و ليس فعله سبحانه بعرض او حركة كماترى من فعلك العرضى و انما هو جوهر مستقل كيف و هو مجهر كل جوهر و مأصل كل اصل و انما ذلك لاجل ان العرض يحتاج الى معروض اما الذات القديمة فلا تصلح ان تكون معروضة للخلق الحادث مقترنة به و ليس سواه شى‏ء فلا يعقل كون الفعل عرضاً قائماً بالغير فهو جوهر قائم بنفسه الا انه لغيره فهو

 

«* مکارم الابرار عربي جلد ۳ صفحه ۴۷۴ *»

جوهر حادث مخلوق اتخذه الله لنفسه فعلاً يفعل به ما شاء و لا يستلزم ذلك شركة المشية مع الله سبحانه و لا استقلالها من دون الله فانها فعل الله لاغير مضمحلة عند الله سبحانه و ان كانت غيره سبحانه فلما تم خلق المشية و كمل خلق الله سبحانه بها نورها كما قال عليه السلام خلق الله الاشياء بالمشية و فى الكتاب و من آياته ان تقوم السماء و الارض بامره و فى الدعاء كل شى‏ء سواك قائم بامرك و امر الله هذا هو فعل الله الذى قلنا و اشرنا اليه فامر الله غير الله و غير الله خلق الله و هو جوهر لعدم صلوح عروضه على ذات الله و عدم شى‏ء سواه فبهذا الجوهر خلق الله سبحانه ما شاء من خلقه و قام الخلق بذلك الجوهر و ليس ذلك بكفر و لا شرك لان ذلك الجوهر لله و ليس لنفسه و امر الله لا شى‏ء غيره فكل ما قام به قام بامر الله و كل ما وجد به وجد بامر الله و هذا الامر شجرة كلية لها فروع و غصون بعدد جميع ذرات الموجودات و نسبها و ما يؤل اليها لان كل شى‏ء سواه قائم بامره و من البين ان كل موجود يوجد بامر خاص به فاذا قال الله كن زيداً كان زيداً و ان قال كن عمراً كان عمراً و لا يوجد عمرو بامر وجد به زيد انما امره اذا اراد شيئاً ان يقول له كن فيكون و مع ذلك ما امره الا واحدة فهو وحدته نوعية و له افراد شخصية فهو اى الامر كشجرة واحدة له اغصان بعدد ذرات الموجودات و كل غصن منها يشاكل الذرة التى خلقت به أ لاترى ان حركة يدك واحدة نوعاً فانها انتقال من مكان الى مكان اية كانت و لكنها اذا تعلقت بايجاد الالف كانت حركة من الامام الى الوراء بالاستقامة و اذا تعلقت بايجاد الباء كانت حركة من اليمين الى اليسار فرؤس الحركة مختلفة الهيئة كهيئات الاثار و هى كلها واحدة نوعاً فانها من نوع الحركة ألاترى ان الاحمر حمره الله و الابيض بيضه الله و الاسود سوده الله فالتحمير و التبييض و التسويد افعال الله بلاشك و هى افعال متعددة فى الصورة الشخصية مشتركة فى نوع كونها فعلاً كضرب و نصر و علم كلها من نوع الفعل الا انها مختلفة فى الصورة فكذلك رؤس المشية و المشية فانها مختلفة شخصاً متحدة نوعاً فاذاً لابد من المطابقة بين الرأس من المشية و بين ما خلق به و الا لصلح

 

«* مکارم الابرار عربي جلد ۳ صفحه ۴۷۵ *»

التسويد للتحمير و التحمير للتبييض و هو خلاف البداهة فاذا وجب المطابقة فى الصورة وجب ان تكون الرؤس مختلفة المراتب على حسب اختلاف مراتب المخلوقات و الا لم تحصل المطابقة و استلزم ان يكون الشى‏ء موجوداً على خلاف ما شاء الله و اراد فاذاً الرؤس المتعلقة بعالم العقول على هيئة العقول و صفتها فهى عقلانية و الرؤس المتعلقة بعالم النفوس على هيئة النفوس فهى نفسانية و الرؤس المتعلقة بعالم الاجسام على هيئة الاجسام فهى جسمانية فلاعجب ان يكون عقل مشية الله العقلانية و نفس مشية الله النفسانية و جسم مشية الله الجسمانية فاذا كان الجسم مشية الله فما صدر عنه صادر عن مشية الله اذ ليس الا مشية الله و رأساً من رؤس مشية الله فالقائم به قائم بمشية الله ألاترى ان الله سبحانه يقول ما رميت اذ رميت و لكن الله رمى فسمى الرمى القائم بيده صلى الله عليه و آله رميه و قال لم تقتلوهم و لكن الله قتلهم فسمى القتل القائم بايديهم قتله و فعله و قال أفرأيتم ما تحرثون ءانتم تزرعونه ‏ام نحن الزارعون فسمى الزرع القائم بيد الزارع زرعه و سمى نفسه الزارع بذلك الزرع و قال ان الله ياخذ الصدقات فسمى الاخذ القائم بيد الفقير المؤمن اخذه و هو الاخذ بذلك الاخذ و قال يتوفيكم ملك الموت و الملئكة و قال الله يتوفى الانفس فسمى توفيهم توفيه و قال و ارزقوهم فيها و اكسوهم و على بعولتهن رزقهن و الله خير الرازقين و قال الله الذى خلقكم ثم رزقكم الى غير ذلك من الشواهد لاتخفى على اهل المشاهدة فلاحركة فى الوجود الا لله سبحانه قل الله خالق كل شى‏ء هذا خلق الله فارونى ماذا خلق الذين من دونه له الخلق و الامر و لله الامر من قبل و من بعد و ليس لك من الامر شى‏ء فلا امر لغيره ابداً فكل محرك فى الوجود هو رأس من رؤس مشية الله سبحانه يفعل الله به ما يشاء و هو سبب من الاسباب المشار اليها فى الخبر ابى الله ان يجرى الاشياء الا باسبابها و جعل لكل شى‏ء سبباً الخبرو بديهى ان تلك

 

«* مکارم الابرار عربي جلد ۳ صفحه ۴۷۶ *»

الاسباب غير الله و مع ذلك يجرى الله الاشياء بها و تلك الاسباب هى رؤس المشية فلا محرك فى الوجود الا الله سبحانه و اليه يرجع الامر كله قل كل من عندالله ففى الكون يستوى الخير و الشر قال الله سبحانه زين لهم الشيطان اعمالهم و قال زينا لهم اعمالهم و قال رب بما اغويتنى و لم يردعه الله سبحانه و قرره و اما فى الشرع فالمحركات السعيدة الطيبة للخيرات تحريكها راجع الى الله سبحانه و المحركات الشقية الخبيثة للشرور تحريكها راجع الى الشيطان قال الله سبحانه ما اصابك من حسنة فمن الله و ما اصابك من سيئة فمن نفسك بالجملة اذا كانت المحركات فى كل عالم رؤس امر الله و مشيته راجعة اليه آئلة الى المشية الكلية فليس ما يصدر عنها صادراً عن غير الله و ما يؤل اليها آئلا الى غيره و لا يستلزم ذلك كفراً و لا شركاً فان الفاعل هو الله وحده وحده وحده قد فعل بامره و حكمه و مشيته لا شريك له من خلقه هذا هو توحيد لافعال الله سبحانه الذى قل من وحده به اذ قل من يعرفه و من عرفه شاهده فى جميع آيات الكتاب و الافاق بلاغبار ولكنه مستور عن الاغيار بحجب الاستار و يشركون و يزعمون انهم يوحدون و يثبتون الاستقلال لكثير من الخلق لزعمهم ان غيره يوجب الجبر و عن الحق هم غافلون اذ لاجبر و لا تفويض و ممتنع وجودهما و الحكيم البصير لايقول بالجبر و لا يقول بالتفويض و انما يقول بالاختيار و التوحيد بالجملة تبين و ظهر لاهل النظر ان كل محرك كوناً محل مشيته سبحانه الكونية و وكر ارادته يفعل الله به ما يشاء و لا يشركه المحل و الوكر فى مشيته و ارادته لاضمحلاله عنده و كل محرك خير محل مشيته الشرعية و كل محرك شر محل مشية الشيطان و اضلاله و اغوائه لعنه الله.

فصل

اعلم ان كل اثر يصدر عن مؤثر يكون على طبق صفة مؤثره و لاواسطة بين الاثر الاول و المؤثر فكل اثر هو مخلوق بنفسه عند المؤثر القريب المتصل به فهو بنفسه فعل العالى و مفعوله خلقه به و اتخذه يداً فى خلق نفسه

 

«* مکارم الابرار عربي جلد ۳ صفحه ۴۷۷ *»

كما مر فى المشية حرفاً بحرف فالاثر الاول المشية عند المشية مخلوق بنفسه جهته العليا فعل العالى و جهته الدنيا مفعوله على حذو ما سمعت و كذلك فى كل رتبة كل اثر عند مؤثره القريب مخلوق بنفسه و له جهتان جهة الى ربه و جهة الى نفسه فجهته العليا و هى لطائفه و رقائقه جهة فعلية الفاعل و جهته الدنيا و هى غلائظه و كثائفه جهة مفعوليته فاعاليه دائرة متحركة على الدانى فاعلة و ادانيه ساكنة منفعلة لدى العالى و لذلك اتفق كلمات الحكماء على ان السماوات هى الاباء العلوية و العناصر هى الامهات السفلية و الحوادث بينهما مواليد لهما فكان الامر كذلك فى كل عالم لان العبودية كنهها الربوبية فما خفى فى الربوبية اصيب فى العبودية و ماترى فى خلق الرحمن من تفاوت و قد علم اولوا الالباب ان الاستدلال على ما هنالك لايعلم الا بما هيهنا فكان كذلك الى ان احدث الله عالم الاجسام و هو حادث من الحوادث مخلوق برأس من رؤس المشية مطابق له فهو مخلوق برأس جسمانى مقدر محدود ذى ابعاد و لا جسم سوى هذا العالم و ورائه فهو مخلوق بنفسه لله سبحانه فالفعل المتعلق به منه و هو الفعل و هو المفعول ففى الجسم المطلق الدهرى كانا متداخلين اى حيث الفعلية و المفعولية كانا ككرتين حادتين متداخلتين واحدة فى المنظر مثناة فى المخبر و لما ظهر ذلك الجسم بفعلياته ظهر باختلاف المراتب التى كانت فيه بالقوة فظهر مرتبته الفعلية ببعض الاجسام و مرتبته المفعولية ببعض و من البين ان الجسم اللطيف الرقيق احكى للجهة الفعلية و الجسم الجاسى الكثيف احكى للجهة المفعولية و ذلك بين لاسترة عليه عند الحكيم ثم لما كان لجهته الفعلية مراتب اعلى جميعها مقام الوحدة و الاجمال الصرف و ادنيها مقام الكثرة و التعلق بكثرات حيث المفعولية و بينهما بين بين يعنى هو غاية البساطة و مبدء التركيب و التفصيل ظهرا على السماوات بالوحدة الاطلسية كالعضد و اسفلها الافلاك المتعددة كاصابع يد الحكيم و بينهما الزندان اللذان هما اشد تكثراً من الاطلس العضد و اشد توحداً و اقرب الى الوحدة من الاصابع الفلكية فبذلك انبسط يد الحكيم بالعطاء و الانفاق

 

«* مکارم الابرار عربي جلد ۳ صفحه ۴۷۸ *»

ينفق كيف يشاء فهذه الافلاك هى بعينها افراد و اشخاص للفعل المطلق الجسمانى المتعلق بالجسم المطلق و هى وجوه ذلك الرأس من الفعل فهى افعال الله بعينها غاية الامر انها تسمى باسماء اخر كما روى عنهم فى حديث المعانى و البيان نحن امره و حكمه و فى حديث شهاب بن طارق نحن مشيته و مع ذلك يسمون بمحمد و على و حسن و حسين عليهم السلام من حيث الخلقية فكذلك السماوات و الكواكب فهى اوامر الله سبحانه و وجوه مشيته و تسمى بالسماوات و الكواكب فى عرصة الخلق و ليس ببدع و هل المشية الا خلق من خلق الله له مادة و صورة و جوهر و عرض فهذه الافلاك ايضاً خلق من خلق الله له مادة و صورة و جوهر و عرض فاى مانع من ان تكون بعينها هى مشية الله المتعلقة بتربية العالم السفلى و هى بنفسها مخلوقة بنفسها كما بينا و شرحنا و لعمرى لو ضربت آباط الابل فى بسيط الارض لاتجد مثل هذه التحقيقات الانيقات و لا قوة الا بالله و هل هى الا انها خرجت من عند آل محمد عليهم السلام ببركات مشايخنا رضوان الله عليهم القرى الظاهرة بيننا و بين القرى المباركة فجزاهم الله عن الاسلام و المسلمين خير جزاء المحسنين اللهم مابنا من نعمة فمنك لا اله الا انت وحدك لاشريك لك و انت المشكور على ما بهم منحتنا و فيهم اوليتنا فلك الحمد فتبين و ظهر لمن نظر و اعتبر ان هذه الافلاك و الكواكب هى مشية الله سبحانه فى احداث ما يشاء و هو الشائى و الفاعل وحده لاشريك له و لا يفعل و لا يشاء بذاته و انما يفعل و يشاء بفعله و مشيته و هى خلقه و لابد من المشاكلة بين المشاء و المشية و هذه الافلاك هى المشاكلة للمواليد السفلية و هى اصابع الحكيم فى تقليب ما يشاء كيف يشاء و اما نفس الافلاك و العناصر فهى مراتب الجسم المطلق خلق جميعها بنفسه يعنى خلق السماء بنفسها و خلقت الارض بنفسها و ليس ان الارض خلقت بالسماء بل الارض خلقت قبل السماء كما نصوا عليه عليهم السلام و ذلك ان السماء جسم و الارض جسم و الجسم لايوجد جسماً آخر من العدم و انما موجدهما ربهما و هما من حيث الجسمية مخلوقتان بانفسهما ممسكتان بظلهما الا ان هذا الجسم المخلوق بنفسه له مراتب بين اللطافة و الكثافة

 

«* مکارم الابرار عربي جلد ۳ صفحه ۴۷۹ *»

على التشكيك لهما مادة واحدة و صور مختلفة كمراتب المشكك نعم بينهما الترتب العرضى على نحو التنزل والاجمال و التفصيل و ليس يبلغ بهما الاثرية و المؤثرية اذا المؤثر يوجد الاثر من العدم بمادته و صورته و هذا لا يستقيم فى السماء و الارض اذ مادة الارض المفروضة اثريتها متحدة مع السماء المفروضة مؤثريتها و الشى‏ء لايوجد نفسه من العدم فهما معاً جسم مخلوق بنفسه له مراتب لطيفه مخلوق بنفسه و نفسه مشية مشاكلة له فى اللطافة و كثيفه مخلوق بنفسه و نفسه مشية مشاكلة له فى الكثافة فهما زوجان مخلوقان بانفسهما كآدم و حواء و لم يخلق آدم حواء و انما خلقا بدعاً الا ان حواء خلقت من ضلع آدم الايسر اى من جهة انيته و نفسه و كذلك خلق الارض من جهة انية السماء و نفسها و آدم السماء مقدم دهراً على حواء الارض و ان كانت الارض مقدمة ظهورا فى الصعود تقدم الجسد على الروح فالسماوات و الارض مخلوقتان بانفسهما ممسكتان بظلهما و بعد حدوثهما قامت تدور السماء على الارض و تفعل فى الارض افعالاً عرضية للارض من التحريك و التسكين و التصعيد و التهبيط و التلطيف و التكثيف و الترقيق و التغليظ و الحل و العقد و التركيب و التفريق و تحدث فيها مواليد فاثر الافلاك اعراض حقيقة جسم الارض لاعينها فتدبر و لاتغفل فان اثر الافلاك فى ‏الارض الا كاثر الفيلسوف فى الحجر فالفيلسوف هو مؤثر اعراض حقيقة الحجر من لطافتها و كثافتها و تصعيدها و تنكيسها و تصويلها و نخلها و حلها و عقدها و تفريقها و جمعها لاعينها اذ لم يوجدها من العدم فالافلاك بعينها هى كالفيلسوف الا انها ملكية ذات جهة واحدة و لكن كوكب جهة واحدة ليس يطلع كل كوكب على فعل الاخر و الانسان له حقيقة جامعة مركب من حصص من كل واحد يصدر عنه فعل كل واحد و هو مطلع على ما يفعل بكل جهة و كذلك رب هذه الافلاك و العناصر هو المطلع بما يفعل بكل كوكب ولكن كل كوكب ليس يطلع على فعل الاخر و لا يدركه كما لا يدرك عينك فعل سمعك و لا سمعك فعل ذوقك و لا ذوقك فعل شمك و لا شمك فعل لمسك و انما انت المدرك المطلع على فعل كل واحد الفاعل عن عمد بكل واحد و هى مقهورة تحتك فكذلك رب السموات

 

«* مکارم الابرار عربي جلد ۳ صفحه ۴۸۰ *»

و الارض هو المطلع الفاعل العامل المريد الشائى يفعل ما يشاء بقدرته و يحكم ما يريد بعزته يفعل بكل نجم شيئاً و لا يطلع ذلك النجم على ازيد مما وكل به و هو عبد مأمور منهى متصرف فيما وجه اليه و خلق لاجله و ليس يعلم تدبير الملك و ارتباطات الامور و التراكيب فالمريخ مثلاً يعلم بالتسخين و هو حى قادر على السخونة و اما انه متى ينبغى ان يسخن و ما ارتباط سخونته بسائر الاوضاع و ما وجه المصلحة و ما سر الحكمة فليس يعلم و انما هو شأن الرب و مثله كسياف واقف على رأس السلطان وكل بالقتل و يأمره بقتل رجل فيقتل و هو لا يدرى ما تقصيره و ما وجه الحكمة فى قتله و اى ارتباط لقتله بسياسة الملك و تدبيرها و اي منفعة له فى العباد و البلاد و انما هو آلة القتل فالسلطان اذا رأى المصلحة و الحكمة فى القتل يستعمله فيقتل و هو حى قادر على القتل غضوب لا غير و ليس له الا هذه الجهة من الخدمة و كذلك امر الكواكب فى آثارها فارجع البصر هل‏ترى من فطور ثم ارجع البصر كرتين ينقلب اليك البصر خاسئاً و هو حسير فهى اى النجوم كالمضطر فى وجوه خدماتها لا تعقل غير ما و كلت به و لا تحب غيرها و لا تقصد سواها و لا تشتهى دونها فلذلك دائبة فى خدماتها لا تمل و لا تفتر اذ نشاطها و حيوتها فى وجه وجهت اليها و رزقها و مددها منها فلذلك صارت تدوم دائبة فيما خلقت لاجله و هذا الوجه الذى تحير فيه الحكماء و العلماء و لم‌يعرفوا وجهه و عجزوا عن معرفة حركة السماوات هل هى طبيعية فلم تصعد و تنزل و تغرب و تشرق ام حيوانية فلم لا تفتر و لا تتعب و لا تكسل و الحيوان متحرك بالارادة فما تريد الفلك من هذه الحركة المستمرة المتسقة فتحيروا و لم يعرفوا سرّ حركته.

و اعلم ان بين الحيوان الارضى و الحيوان الفلكى فرقاً فان الحيوان الارضى له جامعية نسبية فانه انسان ناقص و هو يجمع الطبائع و خصال بعض الافلاك الا ترى ان اعاليها تقرب من الانسان و من شعوره و تدابيره فالحيوان الارضى من الكلمات القريبة الى التمام و الحيوان الفلكى هو الحرف و لذا قلنا انه ملكى و الحرف الواحد لا يمل عما هو به هو و عما جبل عليه و انما يمل الكلمة المركبة

 

«* مکارم الابرار عربي جلد ۳ صفحه ۴۸۱ *»

فانها فى كل آن لابد و ان تشتغل بشغل هو مقتضى حرف واحد فاذا اشتغل ابجد بشغل الالف ينافى ذلك الشغل طبع الباء و الجيم و الدلال فتتعب تلك الحروف فيصيبها التعب و الملالة و كذلك عند اشتغالها بشغل سائر الحروف و اما عند اشتغالها بشغل الالف ليس تتعب الالف ابداً بل تنشط و تتقوى و تزداد من كل حيث فلاجل ذلك صار الحيوان الارضى يصيبه الملالة و السآمة و يحتاج فى نشاطه الى الاشتغال بمقتضى كل جزء منه حتى يستمد كل جزء منه بلسان دعوة عمله من ربه و يمده بما به قوته و نشاطه فافهم و اما الحيوان السماوى الحرفى الملكى ليس يتعب عما يفعله لان به حيوته و قوته و نشاطه و مدده الا ترى ان النار لا تمل من الاحراق و هى ايضاً كما قدمنا حية بحيوة حرفية ملكية و الماء لا يمل من التبريد فهذا هو الوجه الذى خفى على الحكماء الماهرين فالحمدللَّه رب العالمين رب بما انعمت على فلن اكون ظهيراً للمجرمين فلاجل ذلك صارت الافلاك دائبة فى مجاريها بلا فتور حتى اشتبه على القوم هل هى اموات ام احياء و حركاتها طبيعية ام ارادية و قد عرفت و الحمد للَّه انها حيوانات مريدة فعالة مدبرة شاعرة الا انها ذات جهات واحدة و شعورات واحدة و ارادات واحدة و حيوة ملكية حرفية و هى اشبه شى‏ء بالطبيعيات و المضطرات فتبين و الحمداللَّه صدق ما قلناه و حقية ما ادعيناه و انه ايمان محض لا كفر فيه و لا شرك و ان القوم نفخوا فى غير ضرام و تكلموا فى غير المرام فانقطع الكلام فنختمه بحديث الصادق عليه السلام مع عبدالملك الزنديق قال يا اخا اهل مصر تفهم عنى فانا لا نشك فى الله ابداً اما ترى الشمس و القمر و الليل و النهار يلجان فلا يشتبهان و يرجعان قد اضطرا ليس لهما مكان الا مكانهما فان كانا يقدران على ان يذهبا فلم‌ يرجعان و ان كانا غير مضطرين فلم لا يصير الليل نهاراً و النهار ليلاً اضطرا و اللَّه يا اخا اهل مصر الى دوامهما و الذى اضطرهما احكم منها و اكبر قال الزنديق صدقت الخبر. و هذا معنى اضطرارهما و انما هو كاضطرار

 

«* مکارم الابرار عربي جلد ۳ صفحه ۴۸۲ *»

الملئكة فى خدماتهم و ليس معناه انها لا حيوة لها فكم من آية فى السماوات و الارض يمرون عليها و هم عنها معرضون فافهم عنا و تدبير و السلام على اهل الكلام.

فصل

اعلم ان الافلاك كما عرفت حية مؤثرة مدبرة شاعرة و تأثيرها فى صفات السفليات و اعراضها و تأليفاتها العرضية و جميع مؤلفاتها عرضية فان كل مؤلف منها شى‏ء من شيئين و كل شى‏ء حصل من شيئين يعود الى شيئين فتأليفاتها اعراض عارضة من تحريك الافلاك و كواكبها باشعتها المطروحة على العناصر فتلطف و تكثف و ترقق و تغلظ و تحل و تعقد و تصعد و تنكس و تقرب و تبعد و تؤلف كما شاء الله سبحانه و قدره و قضاه و اصل الجسم السفلى هو القابل لتلك التصرفات و تلك التصرفات ايضاً تتوارد على التعاقب على الاجسام فاذا ورد مؤثر عليها و هى امكان جميع الصور و قوتها يقوى ذلك المؤثر و يرجح احدى تلك الصور فيخرجها من القوة الى الفعلية فاذا تلبس جسم بتلك الصورة التى البسها المؤثر الاول صار ذلك الجسم مع تلك الصورة قابلاً لاثر المؤثر الثانى فاما ان يغلب المؤثر و يمكنه ثم يكونه على حسبه و اما ان يضعف عن تغييره او يمتنع فلا يتأثر و اما ان يغلب فى الجملة فيغيره فى الجملة فلذلك صارت الامور بين فاعل و قابل فالفعل من الفلكيات و الانفعال من العنصريات فما لم يصدر الفعل عن الفلكيات لم يكن حدث و ما لم ينفعل العناصر لم يكن وليس بمحتوم وقوع آثار المؤثرات الفلكية و لذلك يندفع آثارها بالصدقات و الدعوات و التوكل و غيرها من الامور الشرعية بل و بغيرها من الامور الكونية أ لا ترى انه يمر قرون و لا ينزل بلاء على اهل الارض ابداً و يعيشون فى عافية و نعمة مع انها يقع فيها جميع القرانات و يتفق فيها جميع الاوضاع و ربما يأتى قرن يقع فيه اكثر البلايا و الطواعين و القحط و الغلاء و الاوباء و لم يقع فيه قران عظيم و نظر غريب فتبين ان الامر بين القوابل و الفواعل و لذلك اهتم الانبياء عليهم السلام باصلاح القوابل و امروهم بالدعوات و البر و الصدقات لئلا يقع آثار الاوضاع الفلكية فيهم و يتقوى بنيتهم فلا تغفعل عن

 

«* مکارم الابرار عربي جلد ۳ صفحه ۴۸۳ *»

تلك المؤثرات و الا فاغلب تلك القرانات تتجدد و تتكرر و ليس يشابه اوضاع القرون مع تشابه اوضاع الافلاك فلما رأى العلماء امثال هذه الامور و لم يعرفوا المخلص منها تحيروا فمنهم من انكر التأثير و منهم من انكر الاطلاع و منهم من قال غير ذلك و انما الامر على ما ذكرنا الاترى انه يتولد فى آن واحد ولد لسوقى و ولد للسلطان او توأمان معاً فى غشاء واحد و يجرى على كل واحد غير ما يجرى على الاخر مع اتحاد زائجتهما و ليس ذلك الا من جهة اختلاف القوابل و الوضع الواحد من الفلك يحدث فى كل بقعة و فى كل شى‏ء شيئاً و انما ذلك لاختلاف القوابل و من اجل ذلك نسبوا كل شى‏ء الى نجم و قالوا انه يربيه و ذلك انهم لمارأوا مشاكلة الطبع و استعداد التأثر و التأثير بينهما قالوا ان الجندى مثلاً منسوب الى المريخ و العلماء الى المشترى مثلاً فلا يؤثر المريخ فى العلماء او يؤثر قليلاً و لا يؤثر المشترى فى الجندى او يؤثر قليلاً و ذلك ان الهواء الحار اليابس اشد ضرراً على المحرورى اليابس و الصفراوى من ضرره على المرطوبى البارد و الهواء البارد الرطب اشد ضرراً على المرطوبى البارد من ضرره على المحرورى اليابس الصفراوى فان كل قابل يدفع عن نفسه ما ينافره اللهم الا ان يغلب عليه و يقبل الى نفسه ما يشاكله و لذلك لايفلج الشاب الا قليلاً و لايحم الشيخ بالمحرقة الا قليلاً فافهم ذلك فجميع الآثار العلوية يشترك وقوعها بقبول القابل و الشرع الشريف يجعل القابل بحيث يقبل الاثار الحسنة و المحبوبة و يدفع عن الانسان الاثار المبغوضة قال الله سبحانه لو استقاموا على الطريقة لاسقيناهم ماءاً غدقاً و لو ان اهل الكتاب آمنوا و اتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء و الارض بكفرهم لعناهم يهديهم ربهم بايمانهم و عن النبى صلى الله عليه و آله ما من شى‏ء يقربكم من الجنة و يبعدكم من النار الا و قد امرتكم به و ما من شى‏ء يبعدكم من الجنة و يقربكم من النار الا و قد نهيتكم عنه فافهم. و ان قلت فان كان الشرع و امتثاله يكفى فى دفع ضرر النجوم فما بالك تصرف الوقت فى تأليف هذا الكتاب فى علم الاحكام و كثيره لا يدرك و قليله

 

«* مکارم الابرار عربي جلد ۳ صفحه ۴۸۴ *»

لا ينفع قلت ان غرضى هو علم ذلك و شرح مجارى افعال الله و اسمائه و صفاته و قدره و قضائه و بيان اسراره ما يزيد فى معرفتك بالله و تنتفع ببعض ما اطلعت عليه فتدفع الضرر المظنون بالدعوات و الصدقات و البر و تعرف به بعض الوقائع الكلية و مجارى القدر و مواقع القضاء بالامضاء ألاترى ان رسم كتابى على غير نهج كتب القوم فاشكر الله على ما اولاك من هذا الكتاب فانه مملو من معارف الله و اسمائه و صفاته و افعاله بالجملة لا يقع حادث بين السماء و الارض الا بفاعل و قابل و ذلك سر الاختيار الربوبى و ليس كما ظنه السيد المرتضى رحمه الله انا لوقلنا بتأثير الافلاك للزم الجبر و سلب الاختيار منا فتدبر.

فصل

بقى هنا مطلب دقيق و امر بالبيان حقيق و هو ان الاعراض السفلية لو كانت كلها بالمؤثرات العلوية فان كل حادث مسبوق بفعل فاعله البتة فجميع الصور القابلة ايضاً حادثة بالاسباب السماوية فبالمؤثر السابق يحدث القابل ثم بالمؤثر اللاحق يحدث الاثر اللاحق و يظهر على حسب القابل فننقل الكلام الى المؤثر الاول و احداثه القابل و نسأل عن وجه تخصيص كل شى‏ء بشى‏ء و هى مسألة مهمة عجيبة عويصة.

فاقول و لا قوة الا بالله ان الجسم المطلق الذى هو امكان هذه الاجسام الظاهرة هو آخر مراتب الوجودات المطلقة الكلية و ابعدها عن المبدء و اشدها تكثراً و قد خلق بنفسه كما مر و لما كان الفعل تمام القوة و الظهور تمام البطون و الافراد وجود المطلق و تمثله فى الخارج و ما لم يكن كليات الحكمة تامة فى ظهورها تامة فى بطونها كانت الحكمة ناقصة من الحكيم نعوذ بالله فكانت السماوات و الارض تمثلات الجسم المطلق و وجوده فى الخارج اقتضت الحكمة ان تظهر تلك المراتب الكامنة فى الجسم فى عالم الفعلية و الشهادة مفصلة ظهور الشجرة من النواة فظهرت بالعرش و الكرسى و الافلاك و العناصر و لما كان الجسم آخر مراتب المطلقات و اشدها تكثراً ظهر على ما ترى ذا اجزاء و كثرات و نسب و آفاق بعضها مستوية و بعضها مائلة الكواكب بعضها قريبة من الارض

 

«* مکارم الابرار عربي جلد ۳ صفحه ۴۸۵ *»

و بعضها بعيدة و بعضها مشاكلة فى الطبع مع النار و بعضها مع الهواء و بعضها مع الماء و بعضها مع التراب و كل عنصر يكون كثير التأثر من كوكب قليل التأثر من كوكب آخر و كذلك يتفاوت حال البروج و المنازل و الدرجات و نسبتها الى العناصر و كذلك يتفاوت اصل نسبها بالنسبة الى الافاق مائلة و مستوية و كل كوكب يشتد اثره فى عنصر و فى افق و يضعف فى افق و عنصر البتة و يظهر كواكب فى آفاق و تخفى فى آفاق و تقرب من مواضع و تبعد من مواضع و هكذا و يلزم تكثر التراب و الماء و الهواء و النار اختلافات ذاتية هى بها متكثرة ممتازة فلها جهات شرقية و غربية و جنوبية و شمالية و امثال ذلك فللاجسام الظاهرة اختلافات لازمة للتكثرات ذاتية تحدث بحدوثها بنفسها و ليست من الاحوال العرضية الحادثة بدوران الافلاك عليها فان بالافلاك يظهر ما قد كمن و ليس يوجد بها ما لم‌يكن و تلك الاختلافات الذاتية قد وجدت بانفسها بعد ان لم‌تكن فاختلاف القوابل الاولية ليس من تأثير الافلاك وانما هى مما به الاجسام اجسام فلما وقع آثار الافلاك و اشعتها و انوارها عليها اختلفت فى القوابل بحسب ذاتياتها نعم لما قبل القابل الاثر و تصور به حدث له قابلية ثانوية للاثر اللاحق فربما يقبل به اثر المؤثر اللاحق و ربما امتنع فللاشياء كلها قابليتان اولية و ثانوية طبيعية و عارضية و تختلف الطبيعية بالعارضية اختلافاً فاحشاً ثم اذا قبل اثر المؤثر الثانى فرضاً حدث له قابلية اخرى لاثر المؤثر الثالث و هكذا فكل اثر سابق معد لقبول الاثر اللاحق و لذلك صار امور العالم تدريجية أ لا ترى ان الفضة مثلاً ليست تقبل التصعيد و لا تصعد بالنار فاذا اوردت عليها الزيبق و حللتها به صارت قابلة للتصعيد فاذا سلطت عليها النار صعدت و كذلك ليست قابلة للترويح حين كانت على ماهى عليه و حين انحلت فى الزيبق و اذا صعدت صارت قابلة للترويح و الاحياء و ليست صالحة للنفوذ فى المراتب السابقة اما اذا حييت و روحت صارت قابلة للنفوذ و الصبغ و هكذا تتدرج مراتب القوابل للموجودات العرضية و لكن لها قابلية ذاتية اولية اصلية قد وجدت بعد ان لم تكن و ليست مما برز بعد ما قد كمن و شأن الافلاك التكميل و ابراز ما قد كمن فافهم ذلك و اتقنه و اجره فى جميع

 

«* مکارم الابرار عربي جلد ۳ صفحه ۴۸۶ *»

العوالم فى كل عالم على حسبه و بذلك اظهر الله سرّ الاختيار الربوبى فى جميع العوالم و هذه الشريعة المقدسة مما يغير القابلية و يعدلها و يقويها و يقوى دافعتها للمنافيات الواردة فتمتنع بها عن قبول آثار مكروهة و تستعد لقبول الاثار المحبوبة بل المؤثر الواحد يختلف تأثيره فى بطون القوابل دائماً فكل وضع من الاوضاع الفلكية يكون رحمة على الابرار و نقمة على الفجار أ لاتفهم ان الافلاك هى هذه و حركاتها اللازمة لها هى هذه و يلزم هذه الحركات هذه القرانات و هذه الاوضاع دائماً و قران النحسين يقع دائماً فى وقته و قران العلويين يقع دائماً فى وقته و فى عصر الامام عليه‌السلام و فى وقت غلبة العدل على قوم ليس يؤثر شى‏ء من ذلك فيهم الا الخير و الكمال و النعمة و العزة و الصحة و انما تؤثر الشر اذا استعدت القوابل بالجور و الظلم و الغشم نعوذ بالله الا ترى فى هذه الايام كيف تتوارد البلايا و الآفات و الطواعين و الاوباء و لم يكن فى القرن السابق كذلك ابداً ابداً و يقع الان باضعف قران آفات عظيمة و هذا هو الذى يفسد على المنجمين احكامهم اذ غاية علمهم اذا علموا العلم بالمؤثرات و ليس لهم علم بالقوابل فيكذب احكامهم فليس لقران العلويين فى كل قوم و كل عصر حكم واحد فلا يعلم حقيقة الاحكام الا العالم بالفواعل و القوابل و ليس هو الا الانسان الكلى المحيط بالسموات و الارض و هذا معنى ما ينسب الى علي عليه السلام و هذا العلم لم يعلمه الا نبى او وصى الانبياء و هذه الاوضاع هى ايدى تصرفات الولى الذى هو رحمة الله على الابرار و نقمته على الفجار و ان قلت غلبة العدل فى العالم او فى قوم ايضا باوضاع فلكية قلت لتكن و لكن تأثير المؤثر اللاحق يختلف بحسب القابلية الحادثة فى السفليات بسبب المؤثر السابق ألاترى ان نظراً يقتضى المطر اذا وقع فى الشتاء يكون سبباً للمطر و اذا وقع فى الصيف لا يصير سبب المطر و يصير سبب المطر مثلاً فى الجبال لكثرة الابخرة فيها و برد مواقعها و لا يصير سبب المطر فى السهل و القفار و يصير سبب

 

«* مکارم الابرار عربي جلد ۳ صفحه ۴۸۷ *»

المطر فى الارض الباردة و لا يصير سبب المطر فى الارض الحارة بجنبها و يصير سبب المطر فى قريب البحر و لا يصير سبب المطر فى البعيد عن البحر و من الذى يحيط بجميع القوابل هذا و علم الضم و الاستنتاج الحاصل من ضم الفواعل و القوابل علم آخر غير علم النجوم فانى لهم بذلك الا ترى ان الزرقة مع الحمرة تورث الفرفرة و مع الصفرة تحدث الخضرة و مع البياض تورث المائية و هكذا فبذلك اعرف الامر و اعلم ان علم النجوم قليله لا ينفع و كثيره لا يدرك فذلك بحرضل فيه السوابح نعم قد يتفق منهم احكام صحيحة فى كليات الامور لا الجزئيات و اذا صح منهم حكم ليس كما زعمه السيد المرتضى انه صح كما يصح حدس الحداس بل هو من باب الاطلاع على بعض العلم و هو امر واقعى فتدبر.

فصل

و كذلك الامر فى جريان المشية فى جميع العوالم و لا يحدث حدث الا بين فاعل و قابل و فعل و انفعال و فيه سر الاختيار و به ظهور الرب المختار لان الكل آية الواحد القهار و الاشارة الى ذلك ان الله سبحانه جعل كل مخلوق آية واحديته و اختياره فجعله يدين له يفعل باحدى اليدين فيه و يقبل باحدى اليدين و لا فعل و لا قبول الا به سبحانه و لم يجعل لليد الفاعلة استيلاءاً على القابلة و لا للقابلة استقلالاً بدون الفاعلة اذ الكل ظهوره و نوره فخلق كل شى‏ء فى مقامه عند مؤثره القريب بنفسه و جعله فعله و مفعوله فصبغ فعله المطلق فيه على حسب دعوته فاجابه به قل لايعبؤ بكم ربى لولا دعاؤكم و قبل الفعل حيث مفعوليته و ذلك فى الكون فعمر بذلك بسائط كل عالم و يراد بها الاكوان الجائزة و الامر المفعولى المطابق للامر الفعلى فبذلك عمر ديار امكان الاشياء الجايز و بسائط كل عالم فهو الايجاد الكونى فلما حصلت الامكانات و وجد الماء الذى به حيوة كل شى‏ء و منه كل شى‏ء حي ادار الله سبحانه سموات ذلك الامكان على ارضه بحركة شرعية و جعلها محال مشيته التشريعية فبه قلب ارضها و حرثها و ركب بعضها ببعض حتى احدث منها مواليدها فجرى فى هذا المقام ايضاً سر الاختيار

 

«* مکارم الابرار عربي جلد ۳ صفحه ۴۸۸ *»

الربوبى فلم يحدث حدث الا بين فاعل و قابل و هذان الايجادان جاريان من اعلى المشية الى ادنى الخلق ما ترى فى خلق الرحمن من تفاوت و لكل شى‏ء تكوين و تشريع ففى التكوين يوجد وجوده به و فى التشريع يحدث باعلي وجوده صورة ادناه و يستخرج ما استجن من الحدود فى ادناه فارجع البصر هل ترى من فطور ثم ارجع البصر كرتين ينقلب اليك البصر خاسئاً و هو حسير فاين الجبر و اين التفويض فالخلق التكوينى هو الخلق النوعى لكل شى‏ء و الخلق التشريعى هو الخلق الشخصى له فالخلق النوعى فى نفس المشية هو الاربعة الاجزاء الرطبة الرحمانية و الجزء اليابس الهبائى و حلهما و عقدهما الى ان جعله الله سبحانه ماءاً له لطائف طافية و غلائظ راسبة فسقى الراسبة بالطافية و ادارها عليها حتى اخرج بها منها ما كمن فيها فطلع نبت المشية فعالة مؤثرة و لولا هذا التركيب الثانى الشخصى لما كانت المشية جامعة فعالة مؤثرة بجميع شؤن صفات الربوبية و جميع مظاهر الله سبحانه و كانت ملكية اضعف شي‏ء اختياراً على حد اختيار الملئكة و ذلك غير لائق بحضرة قدسه سبحانه فمزج الله سبحانه بين عاليه و دانيه و عابره و ساجيه حتى صار المركب جامعاً لجميع الصفات حائزاً لجميع المراتب مجلي لجميع صفات الله سبحانه و اسمائه و ظهوراً لله الواحد الاحد بلا نهاية فلما كمل خلقه و استوى فى اختياره علي عرش الخلق و لم يكن شى‏ء اقرب اليه من شى‏ء آخر و استولى على ما دق و جل خلق الله سبحانه به الوجود الجائز و اوله العقل فانه اول شجرة نبتت فى ارض الامكانات الجائزة فخلق الله سبحانه بمشيته المطلقة اولاً بسائط العقل اى امكانه الجائز و الماء الذى منه يخلق ثم قسمه نصفين و اتخذ اعلاه يداً فى خلق ادناه و تصويره الصورة الشخصية فاخرج به من كمون ادناه ما استجن فيه من الصور فصوره بها صورة شخصية جامعة حائزة لمراتب وجوده فلما كمل و استوى و بلغ اشده آتاه الله حكماً و علماً دراكاً عالماً بالشى‏ء قبل كونه و كذلك لما اراد خلق النفوس و الطبائع و الاجسام فانه السر الربوبى و التدبير الحكمى الذى لا يتخلف فبذلك عمرت الديار و ظهر الجبار لا اله الا الله

 

«* مکارم الابرار عربي جلد ۳ صفحه ۴۸۹ *»

الملك القهار.

فصل

اعلم ان الموجود الشخصى ليس يوجد بتركيب عين الانواع فيفرز حصة من العرش و حصة من الكرسى و حصص من الافلاك و حصص من العناصر فتؤلف و يخرج الشخص و ليس هذا معنى كلام المشايخ كل مولود خلق من عشر قبضات بل ان الله سبحانه خلق مادة البسائط من جنس واحد اطلاقى ثم فصلها بين عال و دان فكمن فى الدانى ما ظهر فى العالى و كمن فى العالى ما ظهر فى الدانى و انما ادار العالى على الدانى لابراز ما قد كمن لا ايجاد ما لم‌يكن و لم‌ينزع قطعة من العالى للتركيب مع الدانى فاداره عليه و طرح شعلاته فيه فاخرج بها من كمون الدانى ما استجن فيه من صفة العالى فلما اخرج من الدانى تلك الصفات صار الموجود بمنزلة المركب من العالى و الدانى و هو حقيقة مركب منهما و كون المولود من حصة من الدانى بتكميل العالى اعظم شاهد على كون الولد من نطفة الام بتكميل نطفة الاب و ليس يفرز له حصة من نطفة الاب، و نطفة الام فى العالم الاكبر لطائف الارض كما ان نطفة الام اصلح جزء و الطف و هى من دمها الشريانى الصالح لدماغها فمنه ينزل الى بين ثدييها الى رحمها و كذلك المادة الشخصية لولد العالم حصة من لطائف الارض يعمل فيها نطفة الافلاك و هى الشعلات و تكملها و ليس يمتزج بها حصة من الافلاك.

بقى شى‏ء و هو ان المادة النوعية كيف وجدت و لم تكن و من اي شى‏ء وجدت اعلم ان هذه المسألة من مشكلات علم الله سبحانه و غوامض حكمته لا يطلع عليها بحقيقتها الا هو فان غاية علم الموجود من اول وجوده الى حيث ينتهى و ليس يمكنه العلم بما فوق وجوده و قبل ان يكون اللهم الا ان يستدل ببعض آياته الظاهرة فى رتبته بالنسبة بينه و بين افعاله و آثاره او بمؤثر دونه و فعله و امثال ذلك بالجملة هو من غوامض حكمة الله جل شأنه و ليس يعرفه الا العالم او من علمه العالم و انا اشير اليه بقدر ما رزقنى الله سبحانه مجملاً و التفصيل موكول الى سائر كتبنا و ليس هيهنا موضع ذكره الا انه عرض و لابد من الاشارة اليه

 

«* مکارم الابرار عربي جلد ۳ صفحه ۴۹۰ *»

اعلم ان المادة النوعية ليس ان لم‌تكن فى محل وجودها نعم لم‌تكن فى رتبة الذات بل كانت ممتنعة فيها و ليست ان لم‌تكن معدومة ابداً كانت واجبة قائمة بنفسها لنفسها بل كانت دائمة و هى ادامة الرب القديم و كانت موجودة ابداً و هى ايجاد الله سبحانه و كانت ثابتة و هى اثبات الله جل شأنه و عرفنا انها ادامة الرب و ليست بدائمة لنفسها اذ وجدناها مثناة و هى المفروضة فى المسئلة و الدائم لنفسه احد فاذا وجدناها مثناه عرفنا انها غير الاحد و رأينا الاحد اظهر منها فيها فعرفنا اضمحلالها عند الاحد و طى الاحد لها و امتناعها مع الاحد و قهر الاحد لها فعرفنا انها مخلوقة مدبرة و بذلك نحن نعرف كل مخلوق و لسا ننظر الى الدثور و الدوام فان ربنا جل شأنه اذ شاء ان يخلق الدوام خلق فالدوام المخلوق لا يميز عن القديم بالدوام و لا بالوجود بعد العدم و انما يعرف باضمحلاله عند من خلقه دائماً و ذلك سبيله فالمادة النوعية كانت موجودة دائماً بايجاد الله سبحانه و ادامته ممتنعة الزوال بمنع الله زوالها و خلقها اذ خلقها بها فيد خلقها اذ صارت نفسها امتنع ان لا تكون اذ لا يوجد المعدوم المعدوم و ليس يخلق بغيره و لا غير و ذات الواجب لا تتغير و لا تتبدل فوجب ان يكون المخلوق بالنفس دائماً مستمراً و هو الايجاد الدائمى و الاحداث المستمر و يمتنع زواله فاذاً لا كيف لفعله كما لا كيف له و هو جمال الله و ربك جميل و جلال الله و ربك جليل و عز الله و ربك عزيز و قدرة الله و ربك قدير لم يستحصل لنفسه بعد ان لم‌يكن له نعوذ بالله و هو ظهوره سبحانه و تجليه الدائم و هو هو اثباتاً و ايجاداً و عياناً و ليس هو هو كلاً و لا جمعاً و لا احاطة فلما احدث المادة النوعية كذلك كان لها مراتب فى كل مرتبة من الدرة الى الذرة و هى هى مادة نوعية فادار اعاليها علي ادانيها كما مر و احدث الحوادث الشخصية و قولنا كان لها مراتب اريد به ان فى العالم الكلى فالمادة النوعية هى الامكان الراجح ثم ظهر ببسائط العالم الكلى بعرش عقله و كرسي نفسه و مادة شمسه و افلاك مثاله و عناصر جسمه ثم دارت افلاكه على عناصره فحصل منه ولد العالم الكلى و هو الانسان الكلى الجامع لا غير اذ العالم اجزاء ملكية ملتئمة و ليس الجامع منها الا الجامع المؤلف من جميع

 

«* مکارم الابرار عربي جلد ۳ صفحه ۴۹۱ *»

ما فيه و هو الشخص الواحد الذى بيده مفاتيح الامور و اليه يرجع الامر كله ثم ظهر كل واحدة من هذه المراتب بافلاكه و عناصره التى هى تمام بطونه و تمثل وجوده ثم دار افلاك كل رتبة علي عناصره حتى تولد منه المولود الجامع و سقط ما سقط قبل كماله لعدم استعداد الاجزاء فافهم فقد اشرت لك الى كل شى‏ء تربد و عندى انى بينت و اوضحت و شرحت و فسرت و برهنت و لكن اكثر الناس لا يعلمون فافهم ان كنت تفهم.

فصل

و قد حان لنا ان نذكر كيفية تأثير الكواكب فى السفليات على سبيل الكلية يفهم منه تفاصيل ذلك و لا قوة الا بالله اعلم ان كل اثر لابد و ان يكون مثلث الكيان مربع الكيفية و نريد بتثليث كيان الشى‏ء مبدأه و منتهاه و الرابط بينهما و يعبر عنها عند الالهيين بالعقل و النفس و الجسم فالعقل هو اول ما يخلق من الشى‏ء مجرداً عن المواد و الصور و الجسم هو منتهى وجود الشى‏ء و شهوده و هو مركب من المادة و الصورة و اما النفس فهى رابطة بينهما تشابه العقل فى التجرد عن المادة و تشابه الجسم فى التمثل بالصورة و لهذا يقال انها صورة مجردة و يعبر عنها الفلاسفة بالروح و النفس و الجسد فالروح هو الجوهر الصاعد والماء و الجسد هو الجوهر الهابط و التراب و النفس هى الجوهرة الصاعدة ببعضها كالروح و به تتعلق بالروح و الهابطة ببعضها و به تتعلق بالجسد و تسمى بالدهن فبذلك يتم وجود الشى‏ء من مبدئه الى منتهاه فالكون الاول هو جهة الشى‏ء الى ربه و حيث صدوره عن امر ربه و مشاكلته به و الكون الثالث هو جهة الشى‏ء الى نفسه و حيث هو هو و غاية منافرته لامر ربه و الكون الثانى هو البين بين رابط بينهما و سبب لتعلق الروح بالجسد و مؤلف بينهما و ذلك سر سار فى جميع الكائنات حتى ان المواليد تثلث لاجل ذلك فمنها ما غلب عليه جهة الجسد فحصل منه الجماد و منها ما غلب عليه جهة النفس فحصل منه النبات و منها ما غلب عليه جهة الروح فحصل منه الحيوان و هذه المواليد الثلث هى المولود بين هذه الاباء و هذه الامهات و اما الانسان فهو حقيقة ليس من المواليد بين هذه السماوات و هذه

 

«* مکارم الابرار عربي جلد ۳ صفحه ۴۹۲ *»

الارضين و انما يحدث من اثر اوامر الشارعين سلام الله عليهم و هو المقبول و تلك الثلثة هى حدود القوابل و كل هذا العالم قابلية للروح الانسانى و بذلك قد تثلث اعضاؤك الرئيسة و ارواحك فاعضاؤك الكبد و القلب و الدماغ و ارواحك الطبيعية و الحيوانية و النفسانية باصطلاح الاطباء و اما الروح الانسانى فمقره العلوم و ليس له انبعاث فى البدن و انما يحصل من التأدب بآداب الله بالجملة و اما الكيفيات الاربع فهى الحرارة و البرودة و الرطوبة و اليبوسة و هى مما لابد منها فى كل اثر فان الاثر من حيث صدوره من فعل ربه و حركته الايجادية حار يابس فى غاية الحرارة و اليبس ثم تضعفان شيئاً بعد شى‏ء الى ان تصلا الى غاية البعد و غاية ضعفهما فان هنالك غاية برده و يبسه لانه فى غاية بعده عن مبدء الحرارة و اما يبسه هذا غير اليبس الذى كان لازم الحرارة من مبدء الصدور فان ذلك اليبس كان من جهة اضمحلال الاثر فى مؤثره و استقراره تحت ظله و عدم ميله الى شى‏ء آخر و ذلك اليبس قد ضعف شيئاً بعد شى‏ء كلما بعد الاثر فاشتد ميله الى غير مؤثره و ارتباطه بغيره و انقطاعه عنه فرطب كلما بعد الى ان بلغ غاية البعد و مقطع الاثر فهنالك زالت الرطوبة العارضة له فى الطريق لانه بلغ السكون و حيث النفس و عدم الزوال من مستقره و عدم الانفعال لفعل الفاعل فبذلك قد يبس غاية البعد و معنى يبسه غير يبس جهة المؤثر و ما بين ذلك رطوبة و انتقال و ميل و مطاوعة فهذه الرطوبة كلما تنزل نازلاً تصير اقل و ابرد و كلما تصعد صاعداً تقل و تصير احرّ و بين المقامين و هو الهواء و الفضاء مقام غاية الرطوبة فبذلك حدث لكل حادث هذه الكيفيات فتسمى فى الطبيعيات اعلاها بالنار و ما يليها الهواء واسفلها التراب و مايليه الماء و تسمى المجموع بالعناصر و كل واحد عنصر فهذه العناصر فى العقول عقلانية و فى النفوس نفسانية و فى الجسم جسمانية فلا يخلو منها حادث من الدرة الى الذرة فمن زعم ان فى الخلق بسائط حقيقة او مجرداً حقيقياً فقد زعم ما يخالف الواقع فقد قال الرضا عليه‌السلام ان الله لم يخلق شيئاً فرداً قائما بنفسه دون غيره للذى اراد من الدلالة عليه و قال الله سبحانه و من كل شى‏ء خلقنا زوجين و اطبق الحكماء المحققون ان كل

 

«* مکارم الابرار عربي جلد ۳ صفحه ۴۹۳ *»

ممكن زوج تركيبى بالجملة هذه الكيفيات فى الدهر دهرية و فى الزمان زمانية و من زعم ان الافلاك بسيطة فقد كذب و افترى بل هى مركبة من هذه الطبائع نعم ليست بمركبة من العناصر السفلية.

و هى بالنسبة اليها كالطبيعية الخامسة و اما كونها بسيطة من مطلقات الكيفيات فلا بل هى مركبة من عناصر دهرية مجردة عن المواد العنصرية و العناصر الدهرية صور عارية عن المواد خالية عن القوة و الاستعداد فلما كان جميع عالم الزمان مخلوقاً دهرياً كان مخلوقاً من العناصر الدهرية فجميع الافلاك مركبة من العناصر الدهرية كما ان كل عنصر من اسلفية مركب من العناصر الدهرية و انما صار النار ناراً لغلبة العنصر النارى الدهرى عليها و الهواء هواء لغلبة العنصر الهوائى الدهرى عليه و كذا الماء و التراب كما ان الصفراء نار البدن لغلبة النار العنصرية عليها و الدم هواء البدن لغلبة الهواء العنصرى عليه و هكذا فالافلاك ايضاً مركبة من العناصر الدهرية و كل فلك قد غلب عليه عنصر و ظهر بطبعه اجل هنا كيان ثلثة فالعناصر السفلية كون جسمانى للعالم و الافلاك و الكرسى كون نفسانى للعالم و العرش كون عقلانى فللعناصر جسم العناصر و اغلظ مراتبها و للافلاك و الكرسى نفس العناصر و اوسط مراتبها و للعرش عقل العناصر و اعلى مراتبها و فى كل كون جميع الكيفيات موجودة الا ان اللطائف للعرش و الغلايظ للعناصر و المتوسطات للافلاك كما ان اخلاط بدنك لطائفها للدماغ و اعالى البدن و غلائظها للرجل و اسافل البدن و متوسطاتها لاواسط البدن كما حققناه فى كتابينا الحقائق و الدقائق فى الطب فكل من الافلاك انما ظهر بما هو ظاهر به لغلبة عنصر دهرى عليه فلها طبائع و قد غلط من زعم انها بسائط خارجة عن الطبائع مطلقاً فزحل بارد يابس كما انتهى علمه الى علماء الفن بالتجربة و الاخذ عن الوحى و المشترى حار رطب و المريخ حار يابس و كذا الشمس و الزهرة باردة رطبة و عطارد بارد يابس او ممتزج و القمر بارد رطب و اما الثوابت فلكل نجم منها طبع و لايحاط بها فمن الكافى بسنده عن ابى عبدالله المداينى عن ابى عبدالله عليه السلام

 

«* مکارم الابرار عربي جلد ۳ صفحه ۴۹۴ *»

قال ان الله عزوجل خلق نجما فى الفلك السابع فخلقه من ماء بارد و سائر النجوم الستة الجاريات من ماء حار و روى من نار و هو نجم الانبياء الخبر. و قد مر و هذا نص فى ان لها طبائع و من الكافى بسنده عن محمد بن مسلم قال قلت لابى جعفر عليه السلام جعلت فداك لاى شى‏ء صارت الشمس اشد حرارة من القمر فقال ان الله خلق الشمس من نور النار وصفو الماء طبقاً من هذا و طبقاً من هذا حتى اذا كانت سبعة اطباق البسها لباساً من نار فمن ثم صارت اشد حرارة من القمر قلت جعلت فداك و القمر قال ان الله تعالى ذكره خلق القمر من نور النار و صفو الماء طبقاً من هذا و طبقاً من هذا حتى اذا كانت سبعة اطباق البسها لباساً من ماء فمن ثم صار القمر ابرد من الشمس انتهى. فهذا الخبر ايضاً شاهد بين ان الفلكيات مركبة من العناصر و غيرهما فى الاخبار كثيرة و تسمية الله سبحانه السماء دخاناً شرح للاشكال و رفع لهذا الداء العضال عن الجهال فتبين و ظهر ان للافلاك ايضاً كيفيات و الفرق بين كيفياتها و كيفيات العناصر ان العناصر حيوتها فى غاية الضعف و الافلاك حيوتها متوسطة و لها حيوة حيوانية و حيوة العرش و الكرسى اقوي منهما و لتلك الكيفيات مقتضيات تقتضيها لجواهرها فى اللطيف على حسب لطافته و فى الكثيف علي حسب كثافته و فى المتوسط علي حسب توسطه و اذكر لك بعض المقتضيات للكيفيات على حسب التمثل لتقيس عليها فالحرارة و اليبوسة تنسب اليهما من الالوان الحمرة و من الطعوم الحدة و الحرافة و من الاشكال الطول و الدقة و من الاوزان الخفة و من الروائح الكريهة و من الاخلاط الصفراء و من الحواس الظاهرة العين و من القامات الطويلة و من الوجوه الاصفر و من الصدور الوسيع و من الرؤس الكبر مع القصافة و من العين الصفرة و الشهلة و الجفاف و الغور و فى الانف سعة المنخرين و قناه و فى الاشجار الطويلة و من الاثمار المرة اليابسة و الكثيرة القشر و النواة و من الحركات السرعة و من اللغات التركية و من الاخلاق التهور و البخل و الشح و

 

«* مکارم الابرار عربي جلد ۳ صفحه ۴۹۵ *»

الغضب و حب الشهرة و الرياسة و من المعادن الكبريت و النحاس و الحديد و من الجهات و الرياح الجنوب و من المراتب اعلى المراتب و من الكيفيات التفرق و الرقة و امثال ذلك و على هذه فقس ماسويها و الحرارة و الرطوبة لهما من الالوان الصفرة و من الطعوم الحلاوة و من الاشكال الخراطة و من الاوزان الوسط بين الخفة و الثقل و من الروائح الطيبة و من الاخلاط الدم و من الحواس الاذن و من القامات المستوية و من الوجوه الاحمر المنتفخ و من الصدور الوسيع مع اللحم الكثير و من الرؤس الكبير و اللحيم و من العيون الكبيرة الحمراء و من الانوف المعتدلة و من الاشجار المتوسطة و من الاثمار الحلوة الكثيرة اللحم القليلة النواة الرقيقة الجلد و من الحركات المتوسطة و من اللغات العربية و من الاخلاق الشجاعة و السماحة و الغضب فى محله و حب النساء و الاعتدال فى الامور و من المعادن الرصاص و الياقوت و من الجهات المغرب و من الرياح الدبور و من المراتب المتوسطة المائلة الى الاعلى و من الكيفيات التفرق و الرقة المتوسطة و امثال ذلك و على هذه فقس ما سويها و البرودة و الرطوبة لهما من الالوان الابيض و من الطعوم التفه و من الاشكال المستدير و من الاوزان الثقيل قليلاً و من الروائح ما لاريح له و من الاخلاط البلغم و من الحواس الشم و من القامات المربوعة مع كثرة السمين و الشحم و من الوجوه الابيض الكبير و من الصدور الضيق الكثير الشحم و من الرؤس اللحيم السمين و من العيون الكبيرة البيضاء و الجاحظة و الزرقاء و من الانوف الاضيق المنخرين و من الاشجار اللينة الرطبة و البقول و الفثاء و من الاثمار الكثيرة الرطبة التفهة و من الحركات البطيئة و من اللغات الفارسية و من الاخلاق الحلم و الشهوة للاكل و النكاح بالمفعولية و الجبن و الجفاء و ضعف النفس و المداراة و المتابعة و الطاعة و الانقياد و امثال ذلك و على هذه فقس ما سواها و البرودة و اليبوسة لهما من الالوان السواد و من الطعوم المرارة و من الاشكال القصر و المضرس و ذووا الزوايا مع الدقة و من الاوزان الثقل و من الروائح الكريهة الغليظة و من الاخلاط السوداء و من الحواس الذائقة و من

 

«* مکارم الابرار عربي جلد ۳ صفحه ۴۹۶ *»

القامات القصيرة و الصغر فى الاعضاء مع الدقة و القصافة و من الرؤس الصغير القصف و من العين السوداء الغائرة الصغيرة و من الاشجار الكثيرة البقاء الغليظة الساق و من الثمار اليابسات المرة و من الحركات البطيئة و من اللغات الهندية و من الاخلاق الجبن و الوحشة و البخل و الشح و حب الانزواء و التثبت فى الامور و من المعادن الرصاص الاسود و الاحجار الصلبة كالماس و من الجهات و الرياح الشمال و من المراتب السفلى و من الكيفيات التفرق و الخشونة و امثال ذلك و علي هذه فقس ما سواها فهذه المقتضيات تكون فى كل درجة على حسبه و فى كل شى‏ء بحسبه فكل فلكي يغلب عليه شى‏ء من هذه الطبائع يقتضي امثال هذه الامور و يشاكله من السفليات مايغلب فيه تلك الطبيعة و لكل نجم شعاع و شعاع كل نجم مثله فى الطبيعة فاذا وقع شعاعه علي الارض يعمل فيما يشاكله اكثر و فيما ينافره اقل ثم يختلف الامر بحسب قوة الفاعل و القابل و درجاتهما فى الكيفيات فالاشياء تتقوى باشكالها و تتضعف باضدادها و تتعارض الطبائع المختلفة فى الفاعل و القابل و الغلبة للغالب و الاثر تابع له مع شوب المغلوب ثم لكل شى‏ء جهات و ذاتيات و عرضيات فلرب شى‏ء ذاتيه من طبع ثم لونه من طبع و طعمه من طبع و ريحه من طبع و هيئته من طبع و وزنه من طبع و هكذا كل صفة له من طبع او مركب من طبائع و لكل طبع او طبائع درجات لاتحصي و لذلك كل شي‏ء من كل جهة و حيث منسوب الى نجم من النجوم حتى ان جميع النجوم مربية للشي‏ء الواحد لاجل جهاته و حيثياته و حدوده و ذاته و صفاته فاذا وقع اثر نجم عليه ربما يؤثر فى حيث منه و لايؤثر فى حيث و فى منسوب اليه دون المنسوب الاخر و فى اعراضه دون ذاته او بالعكس فلايحيط بجميع ذلك الا الله و الكليون صلوات الله عليهم فان الحوادث تحدث بين الفواعل و القوابل و لايكفي فى العلم بحال الحادث محض العلم بالفاعل الاترى ان فى العلم بالاحراق لايكفي محض العلم بحدوث النار فان النار تحرق اليابس دون الرطب فالمنجم العالم باوضاع النجوم علي فرض علمه باوضاع جميع النجوم لايكفيه ذلك فى معرفة الحوادث حتى يعلم جميع اوضاع

 

«* مکارم الابرار عربي جلد ۳ صفحه ۴۹۷ *»

السفليات و طبائعها فى حيثياتها و جهاتها و جميع حدودها و اوضاعها و اضافاتها و ذاتياتها و عرضياتها كلية فى الكليات و جزئية فى الجزئيات هيهات هيهات انى بمخلوق جزئي علم جميع ذلك و لذلك روى قليله لاينفع و كثيره لايدرك فليس صرف العمر فى هذا العلم الا تضييع العمر و الوقت و اما نحن فغرضنا غير غرض المنجمين فانا نريد الاستكمال بالعلم بما يمكن و الاستعانة به فى سائر علومنا و معارفنا اذ  × كل شى‏ء فيه معنى كل شى‏ء ×

و فى كل شى‏ء له آية   تدل على انه واحد

فنحن ممتثلون ان شاء الله قوله سبحانه اولم ينظروا فى ملكوت السماوات و الارض و قوله اولم ينظروا الى السماء فوقهم كيف بنيناها و قل انظروا ماذا فى السماوات و الارض و يتفكرون فى خلق السماوات و الارض ربنا ما خلقت هذا باطلاً فينفعنا صرفنا الوقت فى تحرير هذه الرسالة دونهم ان شاءالله بالجملة لايكفى علم النجوم فى معرفة الحوادث بدون العلم الطبيعى الجزئى لاالكلى و المصدق للمنجمين المعتقد لاحكامهم مغرور مغرور و الحكم به على البت جهالة محضة بقى هنا مسئلة نعنون لها فصلاً.

فصل

اعلم ان الانسان له قابلية و مقبول فقابليته جماديته و نباتيته و حيوانيته و مقبوله الروح الانسانى فقابليته من مقتضيات هذا العالم و متولدة بين السماوات و الارض و اما مقبوله فليس من ابناء هذين الابوين و انما هو من من ابناء الانبياء و الاوصياء ان كان الانسان شرعياً و اما الانسان الكونى فهو ايضاً من ابناء المعلمين كائناً من كان و مستقر الروح الانسانى العلوم و ليس له انبعاث من هذا البدن الذى هو متولد من هذين الابوين الفلكى و العنصرى فذلك الروح الانسانى هو نور الواحد الواقع على المركب الجامع من العنصرية و الفلكية من تحت حجاب الواحدية و هو ليس للسماوات و الارض فانها ملكية كما شرحنا مكرراً

 

«* مکارم الابرار عربي جلد ۳ صفحه ۴۹۸ *»

و القول بان نفساً واحدة تتعلق بكلها كلام صدر عن غير محقق كما يأتى فانها اى اجزاء السماوات و الارض لم تتركب تركيباً اتحادياً يصير مرآة سر الوحدة الا فى قلب حجة كل عصر فحجة كل عصر هو الانسان الكلى الجامع لجميع الاسرار و المقامات و لا دخل لصغر الجثة و كبرها فى حكاية المطلق ألاترى ان القطرة الواحدة تحكى الماء المطلق كما يحكيه جميع العالم لو كان ماء بلا تفاوت فالحجة و ان كان له جثة صغيرة فانما قلبه عرش الرحمن و لا وسعنى ارضى و لاسمائى فانهما ملكيان و انما وسعنى قلب عبدى المؤمن ثم كل انسان يحكى من الانسانية بقدر جامعيته و صيرورة مراتب العالم فيه بالفعل فاجزاء العالم منفردة بعضها عن بعض و لم يتركب و لم يتحصل بالفعل الا فى قلب الولى لا فى العرش و لا فى الكرسى و لا فى الافلاك و لا فى العناصر فكلها ملكية ذات جهة واحدة و ان كان بعض اجزائه فى الجملة اجمع من بعض أ لاترى ان ما سوى العرش ليس فى العرش بالفعل و التفصيل و ما سوى الكرسى ليس فيه بالفعل و التفصيل و ما سوى الشمس ليس فى الشمس بالفعل و التفصيل و هكذا فكل جزء من العالم ناقص غير مستكمل كالملئكة أ لاترى ان العرش من يوم خلق عرش لاغير و الكرسى من يوم خلق كرسى لاغير و هكذا البواقى كما ان جبرئيل من يوم خلق جبرئيل لم‌يترق و لم‌يستكمل و هكذا سائر المئكة فليس لهذا العالم نفس كلية متعلقة به الا النفس الكلية المتعلقة بالولى المترجم عن الله سبحانه المسخر له ما فى السماوات و ما فى الارض المملك كلها و انما العالم دار مخلوقة له فسقفها سقف لاغير و جدرانها جدران لاغير و ارضها ارض لاغير و ليس لها نفس كلية كنفس صاحب الدار الا نفس صاحب الدار و لاجل ذلك لايجوز خلو الارض من حجة مظهر لله سبحانه قائم مقامه فى الاداء بل جميع العوالم بالنسبة الى الانسان كذلك كلها ملكية الا الانسان و ان قلت فهل كان ظهور الله ناقصاً قبل وجود الاولياء الكملين الكليين فى الدنيا و كيف يجوز ذلك و من كان مظهر الظهور التام قبلهم

قلت هذه مسئلة عويصة و جوابها اعظم منها و اشد عياصة

 

«* مکارم الابرار عربي جلد ۳ صفحه ۴۹۹ *»

اعلم انه محال خلو العالم من الانسان الكامل و حجة سبحانه البتة و قد كان فى العالم منذ خلق قائم لله بحجة امير على السماوات و الارض مملك اياهما قد سخرنا له بجميع ما فيها فاول اولئك كان ابونا آدم عليه‏السلام بديع فطرة الله التى فطر الناس عليها فطرة التوحيد فخلقه بيده و نفخ فيه من روحه و علمه الاسماء كلها و سخر له ما فى السموات و ما فى الارض و اسجده ملئكة السموات و الارض حتى انقادوا له بالذل و سخروا له فصار قبلتهم و جاههم و مبدءهم و منتهاهم و سيدهم واميرهم الذى يصدرون عن امره و نهيه و علمه الله سبحانه من اسمائه العظام خمسة و عشرين مع انه علم نوحاً خمسة عشر و ابرهيم ثمانية و موسى اربعة و عيسى اثنين فكان هو الكافل لامر السماوات و كان كافياً لاستعمال الملئكة فى اعمالهم و امساك الارض و السماء و كان مظهر الرب عزوجل فى الملك و متحمل اعباء الربوبية اذمربوب و لم‌يكن من اولى العزم ثم بعده لم يخل زمان من قائم لله بحجة فى مقامه و متحمل لاعباء الربوبية فى عصره ولو خلت الارض منهم اذاً لساخت كما روى فى اخبار مستفيضة نعم لم‌يكن احد منهم ظهور الرب الكلى و المستجمع لجيمع شؤن الرب فكان التفاوت بينهم فى نسبة بعضهم الى بعض و اما بالنسبة الى العالم و الاداء عن الله سبحانه بقدر الكفاية فكلهم على حد سواء فكان بولى كل عصر قوام العالم و اساس نظام بنى‏آدم و كان كل مظهر الربوبية الخاصة بذلك العصر من الله جل شأنه و كفى به لامر ذلك العصر و لايحتاج عصر الى ازيد من ذلك و لا الى مجر لاسرار ربوبية عصر آخر كما ان القيام لايحتاج فى قوامه و دوامه الى ازيد من جهة فاعليتك للقيام و هى الزيد الذى هو مرجع زيد قائم و لايحتاج الى الزيد الظاهر فى القعود و اما انت فانت الكلى الظاهر بجميع شؤنك و اولئك الزيدون هم مظاهرك فى جهات آثارك فعصر آدم قطعة من ملك الله قد توجه اليه رأس من رؤس مشية الله و قد تجلى الله سبحانه فى ذلك العصر بوجه من وجوه تجليه خاص و مجلى تمام ذلك التجلى هو قلب آدم عليه السلام و كذلك فى كل عصر عصر و اما جميع شؤن الربوبية الظاهرة فى جميع ما سوى الله

 

«* مکارم الابرار عربي جلد ۳ صفحه ۵۰۰ *»

سبحانه بالتفرق فلم‌يظهر مجتمعاً الا فى قلب واحد و هو الانسان الكلى الاعظم الاعلى فهو المهمين على الكل و مظهر الربوبية الكلية و مرجع امر الكل و مبدؤه و هو واحد الملك و لما كان الواجب ان يظهر ذلك الواحد فى جميع المراتب حتى الزمان و الزمان متدرج مختلف الاجزاء ظهر هو ايضاً فى وقت دار الزمان على الاعتدال فظهر بظهوره ذوالجلال و هو الامير على جميع ما كان و ما يكون الى يوم القيام و ما بعده و هو الظهور الاعظم لله سبحانه و المظهر الحاكى جميع شؤن الربوبية بقضها و قضيضها و هو المتصرف فيما كان و ما يكون الا انه كان فى بعض الاعصار مستسراً و فى بعضها مستعلناً كما روى به تحركت المتحركات الماضية و الاتية و سكنت سواكنهما فافهم ان كنت تفهم و ان قلت مقتضى سائر كلماتك فى سائر كتبك ان ما لم‌يظهر فى الزمان لم‌يكن فى رتبة من مراتب الاكوان فالانسان الكلى قبل ان يظهر فى هذا العالم لم‌يكن فى مرتبة من مراتب الاكوان فكيف امكن ان يكون الرب العظيم بلامظهر الكلى بعدم الكلى يعدم الجزئى قلت ان الله سبحانه خارج عن الاوقات فلايتخصص بوقت دون وقت و هو احد لايتغير و لايتبدل و لايزيد و لاينقص و هو اذاً محيط بجميع مالانهاية له بلانهاية و جميع ملكه حاضر لديه فى محضر واحد بتفاصيله فانه سبحانه غير محدود بحد و لامتناه الى شى‏ء من ملكه و له فى عرصة هذا الملك مظهر كلى واقف على الطتنجين ناظر فى المشرقين و المغربين متصرف فى النشأتين و هو المالك الاعظم بوحدته و جميع ماسواه بالنسبة اليه وجودات ملكية و ان كان بعضها اجمع من بعض و هو الذى خوله الله ملكه و اعطاه السلطان عليه يطيعه كله خاضعاً متذللاً مطأطأ و هو موجود دائم فى محله لايختص و انما الهيمنة المختصة للملكئة الكروبيين و من دونهم من الملئكة و محل ذلك المظهر الاعظم السرمد والمثال الظاهر فى مرآته الكينونة الاولى و الازلية الاولية فهو بتلك العين يشاهد ما كان و ما يكون الى مالانهاية له لانه لانهاية لتلك العين و جميع المالكين الجزئيين حكاة وجه من وجوه هذا المظهر قائمون به داعون اليه معبرون عنه و هو ناطق عنهم آمر ناه بلسانهم فاعل بايديهم ما يناسب عصراً يليهم و

 

«* مکارم الابرار عربي جلد ۳ صفحه ۵۰۱ *»

جميع المظاهر فى الملك مظاهره و حكاته و هو الظاهر بها لايعوزه مظهر و ان هذا البدن المخصوص فى زمان مخصوص احد مظاهره الا انه اجمع من سائر المظاهر و هو قلبها و قطبها و قد كان فى محله ابداً و ان لم يأت وقته احياناً و خلى منه احيان فقد كان فى محله و وقته ابداً و هو الناطق منه في ذلك العصر باجمع الكلمات كماكان ينطق من سائر المظاهر بما يناسبها بالجملة سائر المالكين لم يكونوا حتى كانوا هنا فاذا كانوا هنا كانوا فى جميع مراتبهم و بعد ما كانوا و بلغوا الى ما بلغوا لم‌يبلغوا مقام الكلية و لم يظهر فيهم الظاهر فى كل شى‏ء بكله و اما الانسان الكامل كان اذ كان فكان بكونه جميع ما له كان حين كان ولكنه ظهر فيه ما به كل شى‏ء كان و هو الكلى الغير المخصص بوقت فلم‌يقبل هو وقتاً خاصاً فلايقال انه لم يكن ثم كان لمكان كليته و اما غيره من الاناسى فقد كانوا فى وقت و لم‌يكونوا فى وقت فلم‌يكونوا اذ لم‌يكونوا فالانسان الكامل كان و لم‌يكن له لم‌يكن لكليته قال عليه‌السلام ما معناه كناه بكينونته قبل مواقع صفات تمكين التكوين كائنين غيرمكونين موجودين ازليين فرجع التوقيت الى المظهر و التأبيد الى الظاهر و الابد اذا اراد ان يظهر فى الاوقات ظهر فى واحد من الاوقات و اعدلها و اكملها فالفرق بين الانسان الكلى و الجزئى ان الكلى جمع جميع القوى الجسمانية السماوية و الارضية الماضية و الغابرة فصارت كلها فيه بالفعل فهو سيد العالم و اشرف الخلق اجمعين و الاولى بالكل من الكل و اما الجزئى فقد جمع جميع قوى السماوات و الارض فى وقته فهو اشرف اهل عصره و ولى زمانه فافهم هذه العبارات العجيبة الغريبة المكررة المرددة فلولا انى كررت القول و اديته بعبارات مختلفة مافهمه احد و ليس هنا موضع ازيد من ذلك و على ابناء الحكمة السلام بالجملة قد نأينا من حيث افضينا اول الكلام فلنرجع الى ما كنا فيه و قصدناه فالانسان له قابلية بمقتضى اوضاع هذا العالم من جماد و نبات و حيوان و مقبول و هو السر الواحدى المفاض عليه من شمس وحدته سبحانه و قد ذكرنا انه لامنبعث له فى البدن و لامادة و لامقر و انما مقره العلوم و منبعثه العلوم لاغير و

 

«* مکارم الابرار عربي جلد ۳ صفحه ۵۰۲ *»

مادته ايضاً منها فانسانية كل انسان بقدر ما له من العلم ان كان حقاً فهو المؤمن و ان كان باطلا فهو الكافر و ينقلب صورته الى البهيمية اذ هو اصل البهائم و هو الحيوان الناطق الغير المستعد لروح الايمان و اللروح الانسانية تصرفات فى البدن بحسب ارادته و توجهات الى مبدئه و منتهاه و هو اياً كان من فوق عالم الاجسام و محدب العرش و ليس امره بتدبير المدبرات السماوية و وصول الملئكة اليه و لذلك لايعرف ما فى نفس الرجل الا الله و لا يسمع ذكره فى نفسه الملئكة فافهم و هو يقدر على التصرف فى البدن و تقويته و تضعيفه و تحريكه و تسكينه من غير طرق السماوات و اطلاع ملئكة السماوات و حملتها فهو يقوى قابلية البدن بالطاعات و الصدقات و البر و توجهه فى عالمه الى ربه و توكله عليه و اعتصامه به ثم اشراقه على قلب الانسان و انتشار نوره فى البدن و يضعف قابلية البدن بالمعاصى و الظلم و السيئات و اعراضه عن ربه و التوكل على غيره و الاعتصام بغيره و امثال ذلك فهذه التقوية و التضعيف يصلان الى قلب المرء من غير واسطة السماوات و اهلها لان قلب الانسان اقرب الى روحه من السماوات بل لو كان الانسان كلياً يصل الى السماوات بعد وصول الامر الى قلبه فاول ما يبدو الامر من عالم الغيب يبدو فى قلبه ثم يأتى من قلبه الى صدره ثم يأتى سماوات حسه المشترك فهنالك يطلع عليه الملئكة السماوية و يتحدثون به و يصل الى الملئكة الكلية و الى جبرئيل فينزل به الى قلبه الصنوبرى اى قلب الولى فيخبر عن نزول الوحى فافهم و اما سائر الناس فيصل اليهم من ارواحهم قبل الوصول الى السماوات لان قلوبهم اقرب الى ارواحهم من السماوات كما بينا فذلك ايضاً وجه آخر فى عدم امكان علم المنجم بما يحدث فى الاناسى لان قوابلهم تتغير بحسب اعمالهم و بواعثها من نفوسهم و يختلف آثار الافلاك بحسب قوابل الناس فتبين من ذلك ان تغير القوابل الانسانية مما سببه عمل نفوسهم ليس باسباب السموات حتى يقال ان تغير قوابلهم ايضاً من اسباب السموات و المنجم اذا علم بآثار النجوم علم القوابل ايضاً نعم التغيرات الكائنة فى جماديتهم و نباتيتهم و حيوانيتهم التى ليس سببها من النفوس هى من اسباب السماوات و هيهات ان يعلم المنجم تلك التغيرات ايضاً

 

 

«* مکارم الابرار عربي جلد ۳ صفحه ۵۰۳ *»

فان شرحنا ان كل اثر سابق مغير قابلية الاثر اللاحق و ربما يتوارد على الشى‏ء الف الف اثر و كل يغير ما قبله و يصير سبب حدوث قابلية جديدة للاثر اللاحق و لا يعلم ذلك احد الا الكلى بل لايعلم جميع ذلك كل نبى و هو مخصوص برجال خاصة صلوات الله عليهم الذين علموا ما كان و ما يكون فافهم ذلك و لاتحم ايها السائل حول علم النجوم و لاتعتقد باهله و لاتصدقهم فان صدق قولهم فرأوا بعض الايات و جهلوا الباقى و اتفق ان كان ما جهلوه غير مناف لما علموه فوافق و لااقول كما يقوله السيد المرتضى رحمه الله انه من باب صدق التخمين فان الرجل علم بعض الاوضاع و مقتضياتها و حاسب و استدل ببعض الدليل غاية الامر انه جهل الباقى بالجملة و ان كذب و هو الاكثر الاكثر فلاجل ان ما جهلوه خالف ما علموه نعم الاحكام الكلية اقل خطأ لان الاشياء ليست تشترك فى تغير القوابل و السارى فى الكل اما لايتغير و ان تغيرفيتبين تغيره و لايجهل فلذلك يصيبون كثيراً فى الكليات ان علموا النجوم على الحقيقة و كانوا بها عالمين و لما كان امر السلاطين كالكلى لانتياط كثير من الامور بوجودهم يعرف كثير مما يتعلق بهم كالعلماء المشهورين ثم الامثل فالامثل و اما سائر الجزئيات فلا و ربك لايعرفونه لخفاء الاسباب الفاعلة لهم و القابلة و انما يعرف الجزئى الكليات لوضوحها و الكلى الجزئيات لاحاطته بها.

فصل

اذا عرفت ان الافلاك مركبة من عناصر جوهرية دهرية و لكل نجم طبيعة و صفات خاصة فاعلم ان لكل نجم روحاً ملكياً خاصاً به علي طبق ذلك الطبع و حسب قابليته فذلك الروح ليس على حسب ارواح الحيوانات الجامعة بالنسبة بل هو حيوان بسيط بالنسبة فلايشتهى الا مقتضى طبعه فلايميل و لايلتفت الى غير ما وجه اليه ابداً و لا يخطر بباله سواه سرمداً لايعصون الله ما امرهم و يفعلون ما يؤمرون لايسبقونه بالقول و هم بامره يعملون فلذلك هم دائبون فى وجه خدمتهم و مقتضى وضعهم فهو حى ضعيف الاختيار علي طبق ما وصفت لك مما قدخفى على الجل و لذلك انكروا ما انكروا و اظنهم لوسمعوا ما اقول

 

«* مکارم الابرار عربي جلد ۳ صفحه ۵۰۴ *»

لاذعنوا و سلموا و قبلوا فانه لاينافى مرادهم و يوافق الاخبار بالجملة لاجل ذلك صار لكل نجم شأن خاص و تربية خاصة و تأثير خاص لايتعداه ولاشك ان النجوم لطيفتها ازيد من ذواتها لغلبة سر الوحدة عليها و غلبة البساطة و رقة حجاب الانية فلها انوار ساطعة و اشعة ممتدة منبسطة كما تشاهد و شعاع كل نجم على حسبه فشعاع البارد بارد و شعاع الحار حار و شعاع الرطب رطب و شعاع اليابس يابس ولاشك ان للمركب يحصل حيوث و جهات و مقتضيات لاتحصى كما حققناه فى كتبنا الطبية و الفلسفية و لكل نجم لاجل التركيب حيوث و جهات و مقتضيات و كذلك لاشعتها فلاجل ذلك يختص كل نجم بلون و وزن و ريح و كم و كيف وجهة و رتبة و مكان و وقت و وضع الى غير ذلك و كذلك شعاعه و ذلك الشعاع ايضاً فيه من شعاع القوة الروحانية التى لاصل نجمه و هو مكمل ما يقع عليه من السفليات القابلة الى ان يجعله كاصل نجمه كما ان حر النار كصاحبته و  اذا وقع على قابله يجعله كالنار لانه يقوى ما فى القابل من جنس المنير و يكمله و يخرجه من القوة الى الفعلية و الشعاع اذا غير وصف القابل يسأل الرب بلسان وصفه الذى هو قابليته ان يعطيه الذات المناسبة له فان المواد يختلف ذاتياتها فى بطون الاوصاف فاذا تغير الوصف تغير المادة كما انه اذا تغير وصف الكلب و صار ملحاً صارت المادة طاهرة طيبة و شفاءاً فاذا وقع الشعاع الوصفى كمل ما فى القابل من جنسه فاخرج الوصف المناسب له من القوة الى الفعلية و سأل ربه ذاتاً مناسبة له و يعطيها فبذلك يتولد فى الارض ما يناسب ذلك الشعاع و ان عندنا تأثير الكواكب فى الارض الا كتأثير العناصر و العقاقير و الالات و الادوات فى غيرها بلاتفاوت ابداً ابداً الا فى الرقة و الغلظة و اللطافة و الكثافة و القوة و الضعف و الروحانية و الطبيعية فالنجم الواحد له تأثير بحسب طبعه و قوة روحانيته فان افعال الروحانيين بقوة ارواحهم اعظم من قوة الطبيعيين بمرات ألاترى ان الانسان الخفيف الضعيف بقوة الروحانية يحمل اثقالاً عظيمة و يرتكب اعمالاً شاقة و انما ذلك لاجل ان الروح هو ظل الشى‏ء الذى ورد ان الله يمسك الاشياء باظلتها و هو الغريزية التى بها ارتباط الاشياء و قوتها و بقاؤها فاذا فسدت فسد الشى‏ء

 

«* مکارم الابرار عربي جلد ۳ صفحه ۵۰۵ *»

و ما دامت باقية يكون الشى‏ء محفوظاً فتلك الروحانية تحفظ الشى‏ء عن البوار و الدثور و تدفع الغرائب و الاعراض عنه ما قدرت فلو كانت روحانية فى غاية القوة لما قدر عليه خلق السماوات و الارض كما يقاوم الامام عليه السلام جميع الكائنات و غرض الشارع كله فى تقوية روحانية الاشياء حتى يحفظوا بها عن آفات الدنيا و الاخرة فابى الناس الا اطفاءها و اخمادها فتعفنوا و فسدوا و ماتوا و صاروا رمية كل رام و الخاشين عن كل شى‏ء بالجملة قوة كل ذي عمل بروحانيته و بذلك يعرف سبب قوه تأثير النجوم فى الدنيا و سبب كونه اقوى من قوة العقاقير فان كان النجم واحداً له تأثير واحد و اثره جزئى البتة و ان تقارب نجمان او تقارنا اختلط شعاعهما و نورهما و امتزج روحانيتهما على ميزان خاص فصار عمل شعاعهما عملاً مركباً فى السفليات فاذا وقع الشعاع المختلط المركب على القوابل المستعدة كمل صفة اجمع من الاول و استعدت لذات اجمع فتولد مولود اجمع و هكذا اذا تقارب ثلثة انجم او اربعة او ازيد او تقارنت و اختلط اشعتها و روحانياتها و وقعت على الارض اخرج الشعاع المركب امراً مركباً اجمع من السابقين و تولد من الام القابلة موجود اجمع فلاجل ذلك يحتاج الامور الكلية و المواليد العظيمة و الحوادث العامة الى اعانة نجوم عديدة و اما الامور الجزئية فتحدث بنجم و نجمين اذا لم‌يعارضهما شى‏ء اقوى منهما ايضاً و لذلك يكون تغير المواليد الكلية و الامور الكلية ابطأ و لا تتغير حتى تجمتمع مؤثرات عديدة بقدر ما تتغير على ضد ما كان فحينئذ يتغير تلك الامور فكذلك يختلف الاثار بحسب الطالع و شعاعه الواقع جديداً و العاشر المستعلي على الشي‏ء و سائر البيوت فانها كلها مؤثرة تركاً و فعلاً و قرباً و بعداً على ما يأتى الاشارة الى انواعه الكلية فمن الذى يقدر ان يحيط بموازين الاشعة و موازين قوتها و ضعفها و موازين قرب احدها من الاخر و بعده و قربه من الارض و بعده و موازين فعلها و انفعالها و سرعتها و بطئها و صعودها و هبوطها و شرفها و وبالها و موازين اعوانها و اعدائها و موازين لبثها و زوالها و موازين ما سبق و ما سيلحق، ثم بعد الاحاطة بكل هذه يعلم كذلك موازين القابل من جميع جهاته ثم يعلم موازين

 

«* مکارم الابرار عربي جلد ۳ صفحه ۵۰۶ *»

وقوع شعاع تلك المؤثرات على القوابل و عملها و فعلها و انفعالها حتى يعلم الولد كيف يتولد و ما ذا يكون فلا و ربك انه علم اخت النبوة و عديل الرسالة لايطلع عليه بالاحاطة التامة الا النبى الكلى و لا و ربك لايطلع احد على اكثره فضلاً عن كله بل لايطلعون عليه الا اقل القليل و ذلك ايضاً بالظن و الحدس و الحسبانات الظنية المسامح فيها فانى و انى و من لهذا العلم فمن الكافى بسنده عن عبدالرحمن بن سبابة قال قلت لابى عبدالله عليه السلام جعلت فداك ان الناس يقولون ان النجوم لايحل النظر فيها و هو يعجبنى فان كانت تضر بدينى فلاحاجة لى فى شى‏ء تضر بدينى فو الله انى لاشتهيها و اشتهى النظر فيها فقال ليس كما يقولون لاتضر بدينك ثم قال انكم تنظرون فى شى‏ء منها كثيره لايدرك و قليله لاينتفع به و منه بسنده عن هشام الخفاف قال قال ابوعبدالله عليه السلام كيف بصرك بالنجوم قال قلت ما خلفت بالعراق ابصر بالنجوم منى الى ان قال عليه السلام فما بال العسكرين يلتقيان فى هذا حاسب و فى هذا حاسب فيحسب هذا لصاحبه بالظفر و يحسب هذا لصاحبه بالظفر ثم يلتقيان فيهزم احدهما الاخر فاين كانت النجوم قال فقلت لا و الله ما اعلم ذلك قال فقال صدقت ان اصل الحساب حق ولكن لايعلم ذلك الا من علم مواليد الخلق كلهم فلما وصل الكلام الى هنا و حصل لى اليأس التام و العلم القطعى بعدم احاطة الجزئيين على جميع تلك الاسباب العلوية و السفلية رأيت ان اختم الكتاب هنا و احول فى الاسباب الجزئية على كتب القوم فان لم تكن جامعة لنقطة العلم الا انهم جمعوا صور بعض الجزئيات فلاحاجة بى ان اصرف الوقت فى تحقيقها ولى اشغال اهم منها و فيما ذكرت على حسب الكلية كفاية و يحصل منه ما كان عمدة غرضنا فى تصنيف هذا الكتاب فاختم الكتاب بحديثين تيمناً و تبركاً فمن المحاسن بسنده عن سفيان بن عمر قال كنت انظر فى النجوم فاعرفها و اعرف الطالع فيدخلنى من ذلك

 

«* مکارم الابرار عربي جلد ۳ صفحه ۵۰۷ *»

فشكوت ذلك الى ابى عبدالله عليه السلام فقال اذا وقع فى نفسك شى‏ء تصدق على اول مسكين ثم امض فان الله عزوجل يدفع عنك و من رسالة الاستخارات للسيد بن طاوس قال ذكر الشيخ الفاضل محمد بن علي بن محمد فى كتاب له فى العمل ما هذا لفظه دعاء الاستخارة عن الصادق عليه السلام تقوله بعد فراغك من صلوة الاستخارة تقول اللهم انك خلقت اقواماً يلجئون الى مطالع النجوم لاوقات حركاتهم و سكونهم و تصرفهم و عقدهم و خلقتنى ابرؤ اليك من اللجأ اليها و من طلب الاختيارات بها و اتيقن انك لم تطلع احداً على غيبك فى مواقعها و لم تسهل له السبيل الى تحصيل افاعيلها و انك قادر على نقلها فى مداراتها فى مسيرها عن السعود العامة و الخاصة الى النحوس و من النحوس الشاملة و المفردة الى السعود لانك تمحو ما تشاء و تثبت و عندك ام الكتاب و لانها خلق من خلقك و صنعة من صنيعك و ما اسعدت من اعتمد على مخلوق مثله و استمد الاختيار لنفسه و هم اولئك و لا اشقيت من اعتمد على الخالق الذى انت هو لا اله الا انت وحدك لاشريك لك و اسألك بما تملكه و تقدر عليه و انت به ملى‏ء و عنه غنى و اليه غير محتاج و به غير مكترث من الخيرة الجامعة للسلامة و العافية و الغنيمة لعبدك الى آخر الدعاء.

و قد فرغ من تسويده مصنفه العبد الاثيم كريم بن ابرهيم فى عاشر شهر صفر المظفر من شهور سنة اثنين و سبعين من المائة الثالثة عشرة حامداً مصلياً مستغفراً تمت.