03-01 جوامع الکلم المجلد الثالث – شرح المشا عر ـ مقابله – الجزء الاول

شرح المشاعر – الجزء الاول

 

من مصنفات الشیخ الاجل الاوحد المرحوم

الشیخ احمدبن زین الدین الاحسائی اعلی الله مقامه

 

«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 2 *»

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين و صلي الله علي محمد و آله الطاهرين .

اما بعد فيقول العبد المسكين احمد بن زين‌الدين الاحسائي انه قد امرني من تجب طاعته علي من طالبي الحق و اليقين ان اكتب علي كتاب الملا محمد صدرالدين الشيرازي تجاوز الله عنه المسمي بالمشاعر كلمات تبين منه الغث من السمين و توضح الحق علي طريقة اهل الحق المبين محمد و آله الطاهرين صلي الله عليه و عليهم اجمعين بنحو بيانهم من دليل الحكمة و الموعظة الحسنة و بالمجادلة التي هي احسن حتي لا يتنكبه الا منكر لوجدانه ناقض ليقينه و ايمانه فاجبته الي طلبته لما في ذلك من مصلحة الايمان و تقريرا لما قرره القرءان و ما ابانوا عليهم السلام من البرهان بما هو قريب الي الاذهان لعدم انفكاكه عن الوجدان بشهادة العقل المستنير بنور الايمان بما يكون مهيمنا لدين الاسلام الذي اقر رسول الله صلي الله عليه و آله امته امة الاجابة عليه و انساقت شواهد الكتاب و السنة و العقول المستنيرة بهما اليه بشرط ان يحسن الناظر فيه النظر و الاستماع لما يحصل به الانتفاع و حسن النظر و الاستماع ان ينظر الناظر فيه بمحض فهمه و خالص دليل عقله و لطيف فطرته التي فطر عليها و حسه غير ملتفت الي ما انست به نفسه من المطالب و لا الي قواعد رسخت في ذهنه مما حفظها قبل ان يفتح له باب العلم العياني و البرهان النوراني و لا الي دواع نفسانية من الحياء و الاستنكاف عن التعلم فان العالم انما يكون عالما بالتعلم لان العلم نور يقذفه الله سبحانه في قلب من يشاء و يحب و لايشرق ذلك النور في قلب من لايقبله و هو من يظهر له الحق و يتغافل عنه تسترا من ظهور قصوره و جهله فيستر الحق بثوب اللبس و الشبهة فيكتم الحق و هو يعلم مع انه لايخفي علي المقتصدين لان ثوب اللبس و الايهام لايستر الجهل و العناد عن ذوي الافهام كما قال الشاعر :
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 3 *»

ثوب الريا يشف عما تحته       ** * **      فاذا التحفت به فانك عاري
و الله سبحانه قد وكل المكلف ملئكة كراما يكتبون ما يفعل فيكتبون بانصافه في قلبه نور الايمان و يؤيده الله سبحانه بروح منه يسدده للصواب و يكتبون بانكاره و لبسه و تمويهه في قلبه ظلمة الجهل و يقيض له شيطانا يمده بطعام زقوم استنكافه و شراب حميمه و الله سبحانه الهادي الي سواء الطريق و هو ولي التوفيق ثم اعلم اني كثيرا ما اكرر العبارة و اردد في التلويح و الاشارة ليتقرر لك ما انبهك عليه لاحتمال ان لايكون لك انس بمراداتي لانس ذهنك بمصطلح القوم و اكثر اصطلاحاتهم يخالف معناها طريق اهل العصمة عليهم السلام و مراداتي مفتاح فهمها طريقهم عليهم السلام و انا اظن فيك انك تعتقد فيهم عليهم السلام انهم علماء لايجهلون و حكماء لايهملون و معصومون مسددون من الله سبحانه لايصح ان يقع منهم غفلة و لا جهل و لا غش و لا اضلال لمن طلب سبيل الرشاد و انك لاتظن ان احدا من العلماء و لا الحكماء و لا الانبياء و لا المرسلين يعلم شيئا من الحق و الصواب في ظاهر طريق و لا باطن تحقيق مثل ما علموا و لا يساويهم و لا يدانيهم في شئ فاذا حققت ظني فيك لزمك اني اذا استدللت لك بشئ من اقوالهم ان تقبل ذلك و لاترده بكلام حكيم غير معصوم و قولي و لاترده ، مرادي منه الاتأوله علي معني ما يقوله الحكيم لان تأويله رد لظاهره بظاهر كلام غيره فان قلت لكلام الامام عليه السلام ظاهر و باطن فيقبل كلامه (ع‌) التأويل بخلاف كلام الحكيم قلت لكلام الحكيم ايضا ظاهر و باطن و لهذا اختلف نظر الاشراقيين مع نظر المشائين لاجل ذلك و هذا ظاهر عليه فلم اخذت بكلام الحكيم من دون تأويل و لم‌تأخذ كلام الامام (ع‌) و هذا منك اما لانك عرفت المطلب من دليل خارج فوجدت كلام الحكيم موافقا فقبلته من غير تأويل و كلام الامام (ع‌)

 

«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 4 *»

مخالفا فاحتجت الي تأويله و اذا كنت كذلك فلا حاجة لك بالكلامين و اما لان فطرتك مطابقة لفطرة الحكيم و مخالفة لفطرة الامام (ع‌) و من كان كذلك كان ممن قال الله تعالي ان الذين يلحدون في اسمائه علي انك انما سميت شيعيا لانك خلقت من شعاعهم عليهم السلام او لانك مشايع لهم و لايتحقق احد الاشتقاقين الا باتباعهم في كل شئ و ترجيح كلامهم علي كل احد و بعدم الاعتماد علي كل شئ لايخرج منهم و يصدر عنهم و كلامي هذا وصية مني لك لا لاني اريد ان تأخذ كلامهم عليهم السلام و ان لم‌تفهم و ان خالف عقلك مع انك لو كنت كذلك لاهتديت الي محض الحق لان الله سبحانه جعلهم هداة فبهديهم اقتده بل لاني اريد ان تنظر في كلامهم بفهمك تاركا للاحوال الثلثة الانس بما اعتادت به نفسك فيصعب عليها مفارقته و الرجوع الي القواعد و الاصطلاحات فان اكثرها باطل و ستقف علي بيان كثير من ذلك ان شاء الله تعالي و الاستنكاف عن الجهل و الدعوي في مقابلة ما عرفه عقلك من الحق فانك اذا تركت هذه الاحوال الثلاثة فهمت مرادهم عليهم السلام لانهم منبهون مذكرون هادون و لااذكر لك في كلامي هذا شيئا من مباحثاتهم لانها تعمي البصيرة و يحصل مغالطات و لبس و انما اذكر لك ما هو بديهي في فطرتك بحيث يفهمه العالم الحكيم و الجاهل الذي طبعه مستقيم هذه وصيتي و الله سبحانه يحفظ لك و عليك .
قال المصنف تجاوز الله عنه : بسم الله الرحمن الرحيم نحمد الله و نستعين بقوته التي اقام بها ملكوت الارض و السماء .
اقول اختار الجملة الفعلية الدالة علي التجدد و الاستقبال معاهدة منه علي تجديد الحمد في كل حال خصوصا فيما يكتب آنا فآنا و انه فواضل من مدده توجب الحمد علي ظهورها و قوله نستعين معاهدة ثانية علي نفي الحول و القوة الا بالله و المراد بهذه القوة القوة الفعلية لا الذاتية لانها ذاته تعالي و لاتصح الاستعانة بما لايصح عليه الاقتران و لو في الاعتبار فان اريد بها نفس

 

«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 5 *»

الفعل كان قيام ملكوت الارض و السماء قيام صدور اذ لايتركب المفعول اعلم ان المفعول مفعولان مفعول به و مفعول مطلق اما المفعول به فهو كالكتابة المعروفة فان المكتوب مركب من مادة هي المداد و من صورة هي هيئة الحروف و ليست مادته من مادة حركة يد الكاتب و لا صورته من صورتها و المفعول المطلق فهو الكتابة المصدري و هو كالضرب من ضرب و هو مصاقع مع ضرب علي ان ضرب هو اسم للفعل المطلق بل لرأس من رؤسه و الفعل المطلق هو الظهور الاعظم لزيد مثلا قد تخصص بالضرب من حيث التعلق به و الظهور فيه فالضرب هو ظهور للفعل المطلق و صفة له ليس مادته من مادة الفعل و لا صورته من صورته و نسبتهما نسبة الاحد و الاعداد و ليس الاحد مادة الاعداد و لا صورتها و الضرب قائم بالفعل المطلق قيام صدور بخلاف المفعول به فانه قائم بحركة يد الكاتب قيام تكميل لا قيام اثر بالمؤثر اي قيام تأثير فعلي اي حال لايتركب المفعول من الفعل و غيره نعم نفس الفعل هو المفعول بنفسه و بعد ملاحظة حيث فعليته و حيث مفعوليته ايضا لايعتبر فيه كون حيث مفعوليته مركبا من حيث فعليته و غيره فافهم . كريم بن ابرهيم .
من الفعل مثل الكتابة فانها لاتتركب من حركة يد الكاتب و من ذهب الي ذلك فقد اخطأ و لذا قال الرضا عليه السلام في الرد علي سليمن المروزي هذا الذي عيبتموه علي ضرار و اصحابه من قولهم ان كل ما خلق الله تعالي في سماء او ارض او بحر او بر من كلب او خنزير او قرد او انسان او دابة ارادة الله و ان ارادة الله تحيي و تموت و تذهب و تأكل و تشرب و تنكح و تلد و تظلم و تفعل الفواحش و تكفر و تشرك فيبرأ منها و يعاديها و هذا حدها و ان اريد بها اول صادر عن الفعل المعبر عنه بالماء الذي به حيوة كل شئ و بالوجود و بالحقيقة المحمدية و قد يعبر عنه بالحق المخلوق به كان قيام الملكوت المذكور به قيام تحقق و الملكوت اذا اطلق عند القوم اكثر ما يريدون به عالم النفوس و هي الذوات المجردة عن المادة العنصرية و المدة الزمانية لا عن الصورة فان صورها كصور عالم الشهادة و قد يطلق و يراد به مطلق زمام الاشياء الذي به قوامها كما قال سبحانه قل من بيده ملكوت كل شئ و هو يجير و لايجار عليه و هو حقايق الاشياء الغيبية و الظاهر انه مراد المصنف .
قال و بكلمته التي انشأ بها نشأتي الآخرة و الاولي .
اقول المراد بالكلمة الكلمة التامة و هي فعل الله تعالي و ارادته و مشيته و ابداعه كما قال الرضا عليه السلام المشية و الارادة و الابداع اسماؤها ثلثة و

 

«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 6 *»

معناها واحد اعلم ان الامر واحد لقوله سبحانه و ما امرنا الا واحدة و لكنه يتعدد باختلاف المحل فيسمي بالامكاني و الكوني و المشية و الارادة و غيرها و نفس الفعل هو الحركة المطلقة البسيطة فمن حيث ظهوره في الامكان الذي هو نفسه و محله يسمي بالامكاني و حيث ظهوره في مراتب الاكوان يسمي بالمشية و الارادة و غيرها و يسمي بالكوني و يمكن ان يسمي بالامكاني الثانوي نظرا الي تعلقه بالامكان المقيد الذي هو طبيعة المواد الاولية و المداد الاول و الماء الاول الذي منه كل حي فتنبه . كريم بن ابرهيم .
و لها رتبتان الاولي الامكانية التي بها امكن الممكنات و الثانية الكونية التي كون بها ما شاء كما شاء فالاولي هي التي انزجر لها العمق الاكبر و الثانية هي التي ارادها المصنف . و قوله انشأ بها نشأتي الآخرة و الاولي يراد منه انه تعالي انشأ اي خلق و برأ و صور و قضي كل في رتبته يصدق عليه الانشاء علي اعتبار سنذكره ان شاء الله تعالي و المراد من النشأتين النشأتان المعروفتان و ما سبق كل واحدة من العوالم التي يتوقف ايجادها عليه من العوالم فنشأة الاولي تتوقف علي الماء الاول و الارض الميتة و علي العقول و الارواح و النفوس و الطبايع و عالم المواد و المثال و نشأة الآخرة تتوقف علي كل ما ذكر و علي الكون في الاولي و البرزخ و علي ما بين النفختين .
قال علي تهذيب القوي القابلة للاستكمال و اصلاح العقول المنفعلة عن المعاني و الاحوال للاتصال بالعقل الفعال .
اقول القوي القابلة للاستكمال هي ما تنشأ عن المشخصات الظاهرة من الوقت و المكان و الجهة و الرتبة و الكم و الكيف و الوضع و الاذن و الاجل و الكتب و ما اشبه ذلك و الباطنة كالاعمال و الاعتقادات و الاحوال و الاقوال فان هذه المشخصات لحصة الوجود بها تتولد القوي القابلة اعلم ان القوة هي الاستعداد للظهور بفعل امدادي او استمدادي فالاولي هي القوة الفاعلة و الثانية هي المنفعلة فالقوة قوة بالنسبة الي الداني و ان كانت فعلا بالنسبة فانها ظهور له و لكل قوة ابهام لايتعين الا حين التعلق و الظهور في المشخصات فالقوي القابلة هي صلوح القوابل و المشخصات للانفعال باي نحو من الافعال و لكل انفعال قوة و هي مبهمة و تتشخص عند الانفعال بالافعال الجزئية كما تري ان في الحجر قوة انفعال الحركة اي التحرك و قوة انفعال الذوب و الحرق و غير ذلك فاذا حركته تحرك بقوة الحركة التي فيه و ليست تظهر الا بالتحريك فالمحرك يكمل تلك القوة حتي تخرج الي الفعلية فيكون متحركا بالفعل بعد ان كان في قوته التحرك فتدبر ، كريم بن ابرهيم .
فان كانت في اطوار السموات كانت عنها القوي القابلة للاستكمال في الدرجات و ان كانت في اطباق الارضين كانت عنها القوي القابلة للاستكمال في الدركات نعوذ بالله

 

«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 7 *»

من مهاوي الضلالة و العقول قد يراد بها افعال القلوب و هو تعقلات المعاني و المناسب لها الفعل لا الانفعال و محل تعلق هذا المشعر و هو حصة من فلك زحل ، كريم .
الدماغ و هو وجه القلب و قد يراد بها القلوب و لايناسب لها الانفعال و لا الفعل لان المعاني في الاول انتزاعات دهرية جبروتية و الفعل مناسب لها و في الثاني حروف جبروتية فالقلب كالكتاب و ما يلحقه من المعاني حروف في ذلك الكتاب الا انه كتاب معنوي لانه مجرد عن المادة العنصرية و المدة الزمانية و الصورة النفسية و المثالية و هذه الحروف حروف معنوية كذلك فهي له كالجزء للكل او من الكل و لذا قيل باتحاد العقل و المعقول فالانفعال لايناسب العقول الا اذا اريد بها مدركاته فينالها العقل لان العقل جوهر دراك للاشياء او اريد بها المعني المجازي يعني النفوس و الخيالات و اريد بالمعاني العلوم فانه قيل انه من مقولة الانفعال و الاحوال رشحات الفيوضات الامدادية من الامر الالهي عن الكلمة الي الولي (ع‌) ، كريم .
التامة باستدعاء تلك القوي ان لم‌تستقر مستديمة فان استقرت كذلك كانت ملكات و الاتصال بالعقل الفعال كون الذات غير محجوبة بشئ من ظلمات الانيات عن العقل بتزكية النفس الناطقة بالعلم و العمل كما قال اميرالمؤمنين صلوات الله عليه و خلق الانسان ذا نفس ناطقة ان زكاها بالعلم و العمل فقد شابهت اوائل جواهر عللها . و المراد بالمشابهة هي الاتصال الذي ذكره المصنف و ذلك كاتصال الحديدة بالنار فانها اذا اتصلت بها حتي صدق عليها الاتصال بالاستقامة في القرب منها بلا حجاب شابهتها و العقل الفعال عند القائلين بالعقول العشرة هو عقل العناصر و عند غيرهم قد يطلقونه علي جبرئيل لانه الحامل لركن الخلق و المستمد من الطبيعة الكلية و قد اشار صلي الله عليه و آله الي هذا بقوله و الورد الاحمر من عرق جبرئيل عليه السلام و كثيرا ما يطلقونه علي العقل الاول عقل الكل و هذا مراد المصنف و الناس قد اختلفوا في عقل الكل ما المراد منه فقال بعض الصوفية المراد منه المعبود بالحق

 

«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 8 *»

سبحانه قال السيد محمد نوربخش في رسالته و يجب ان يعتقد ان الله واجب الوجود حي عليم سميع بصير قدير ذو ارادة و كلام و هو بالعلم احاط بكل شئ من العرش و الكرسي و السموات السبع و الارضين و ما فيهما و فوق العرش لا شئ غيره و لا نهاية له و هو نور الانوار ليس له جسم و لا كثافة و لا لون و هو منزه عنها و كان معبود الانبياء و الاولياء و في هذا المقام الانبياء يسمونه الحي العليم و الاولياء بالحضرة العلية و الحكماء عقل الكل و نفس الكل و لايريد احد من الطوائف بعباراتهم المختلفة الا الله و هو في هذه الحضرة الجبروتية منزه عن الاشياء حتي عنها انتهي كلامه . و محصل كلام بعض الاشراقيين يلزم منه هذا ايضا و يلزم من كلام المصنف ايضا علي ما سنذكره في محله ان شاء الله و كذلك كلام ابن ابي‌جمهور في المجلي نقلا عن الاشراقيين راضيا به و نافيا لما خالفه و بعض جعله اول صادر عن الذات الحق تعالي بلا واسطة و لا جعل جاعل و منهم من قال ان تأثير الحق سبحانه انتهي اليه و غير ذلك من الاقوال الباطلة و الاعتقادات العاطلة و المعروف من مذهب اهل العصمة عليهم السلام ان عقل الكل اول ما خلقه الله من الوجودات المقيدة المؤلفة و انه اول غصن نبت من شجرة الخلد و انه اول من اكل اول فاكهة الوجود التكويني في جنان الصاقورة و انه الركن الايمن الاعلي من اركان العرش و قد خلق الله سبحانه قبله في الوجود التكويني الماء الاول الذي هو النفس الرحماني و الحقيقة المحمدية ثم ساقه الي الارض الميت ارض الجرز و هي ارض القابليات المسماة عند الحكماء بالامكان الاستعدادي فخلق منهما اي من الوجود التكويني و ارض الميت و الجرز و القابليات ، ١٢ .
العقل الكلي المشار اليه الذي اشار اليه جعفر بن محمد عليهما السلام بقوله و هو اول خلق من الروحانيين عن يمين العرش الحديث ، و هذا العقل هو النفس الرحماني الثالث و الاول هو المشية ، كريم .
و هو عقل محمد و

 

«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 9 *»

آله صلي الله عليه و آله و من قال بانه هو المعبود فهو ملحد و من قال بانه اول صادر من الذات الحق فهو ممن قال بان الحق يلد و من قال بانه بغير جعل جاعل فقد شبه و من قال بان تأثير الحق سبحانه انتهي اليه فهو مشرك حاصر مشبه سبحانه عما يصفون و تعالي عما يقولون علوا كبيرا و اعلم ان المقام لايقتضي البسط في الكلام فلنقتصر في البيان علي بعض الاشارة .
پقال و طرد شياطين الاوهام المضلة بانوار البراهين و قمع اعداء الحكمة و اليقين الي مهوي المبعدين و مثوي المتكبرين .
اقول اعلم ان شياطين الاوهام قد يراد بها الاوهام في مذاهبها من باب اضافة الصفة الي موصوفها يعني الاوهام الشيطانية اي توهماتها فانها كثيرا ما تتوهم خلاف الحق او المراد بها سكان الارض الثالثة علي ما قاله بعضهم فان سكانها همهم ادخال الشبه و الشكوك علي بني آدم في معتقداتهم او ان المراد بهم الشياطين الذين يسكنون هذه القوة الوهمية و ذلك لان الوهم شيخ كبير عاجز بليد قليل الحافظة الا انه اذا حفظ لايكاد ينسي و هو قاعد علي كرسي من نار ظاهر الغضب علي نفسه كثير الخوف و الوحشة من نفسه و لشدة برودة باطنه كان بليدا و كثيرا ما يقتصر في مداركه علي اشكال تصادم صفتي ظاهره و باطنه و انيات هذه الاوصاف منه تأوي اليها الشياطين المشاكلة لها قد قيضت لاضلال من لم‌تسبق له العناية بالهداية و التوفيق لانهم حملة الخذلان و وسايط الحرمان و اعوان العصيان و طردهم بانوار البراهين المؤلفة من القضايا القطعية عن القلوب التي هي محال الحكمة و اليقين فان استدلالات الشياطين الوهمية علي العوام انما هي بالمقدمات الموهومة المرجوحة و المغالطات و الاقناعات و بالمسلمات العادية كما هو شأن سكان الارض الثانية فانهم اعوان اولئك بما يتعلق بالعاديات و قمع اعداء الحكمة و اليقين كذلك فان الوجود التكويني طبق الوجود التدويني فكما ان التدويني فيه محكم و متشابه و ظاهر و راجح و نص و وهم و حقيقة و مجاز و حقيقة بعد حقيقة و مجاز بعد مجاز و مجاز هو حقيقة و حقيقة هي مجاز و غير ذلك كذلك التكويني فان

 

«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 10 *»

المكلفين فيهم من هو محكم و منهم متشابه و منهم راجح و نص و منهم مرجوح و شك و غير ذلك فاعداء الحكمة في الخلق من الانس و الجن لاتطمئن نفوسهم الا بعكس الحكمة العلمية و العملية و اعداء اليقين لاتسكن نفوسهم الا الي الشك و الريب و النجوي و الطيرة و السفسطة و امثال ذلك و قمعهم بانوار الحق من اضداد ما يلتجئون اليه و قوله الي مهوي المبعدين الخ ، يراد منه ان شياطين الاوهام و اعداء الحكمة و اليقين انما يتعمقون في مذاهب مقاصدهم الي جهة اسفل السافلين فيصعدون لينزلوا بمن اضلوا الي مهواهم فاذا طردوا بشهب البراهين و قمعوا عن الصعود الي قلوب المكلفين ادبروا الي ما خلقوا منه الي جهة الثري و ما تحته من موهومات الارتياب و ما فوقه من مثوي المتكبرين من ابواب جهنم فادخلوا ابواب جهنم خالدين فيها فبئس مثوي المتكبرين .
تنبيه اعلم ان ظاهر كلمات المصنف في هذا الكتاب و غيره انه يريد بالبراهين البراهين الاصطلاحية و علي هذا يخالف مراده دعواه لان دعواه ان ذلك بالكشف و الكشف لاينحصر في البراهين الاصطلاحية لان القضايا انما تصح فيما يتصور موضوعاتها و هذه المطالب تصورها ينافي معرفتها و لقد تتبعت اكثر ما يستدلون به من القضايا و احكام الموضوعات و المحمولات و وجدتها مخالفة للحق بل داعية الي نحو ما اشار اليه من طرق شياطين الاوهام المضلة اقول انما ذلك لاجل ان صور الباطل في سجين و صور الحق في عليين و كل منها مقرونة بحجتها و الجسم محجوب عن دركها فاذا جمع القلب عن الاطراف بالكلية توجه الي العالي ان كان متوجها اليه باعماله و عقايده او الي السافل ان كان متوجها اليه باعماله و عقايده فمهما توجه الي احدهما انكشف له حالهما فمطلق الكشف لايكشف عن الحق الا اذا قارن بصحة المنهج و صلاح الاعمال الاتري انك اذا اعرض روحك عن الاطراف توجه الي عالم المثال و انكشف له ذلك العالم و لكن ربما يري اضغاث احلام و اكاذيب و ربما يري رؤيا صادقة و كلتاهما مكشوفتان له فتدبر ، كريم بن ابراهيم .
و ستقف عليه ان شاء الله تعالي فيما يأتي في محله و انما الكشف الحق ما اخذ من دليل الحكمة بشرايطه من عدم الالتفات الي شئ من الاحوال

 

«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 11 *»

الثلثة التي ذكرناها سابقا لا مطلق الكشف فان من الكشف ما يوصل الي الضلالة لقوة اللبس فيه و ذلك لان الانسان ينكشف له ما جمع قلبه و نظره و فكره و لسانه و جوارحه عليه من حق او باطل فلو جمعها علي الاوهام او الشكوك او اللبس او الظلم للعباد او الخطاء او السفسطة او غير ذلك مما هو ظاهر البطلان و الفساد عند جميع العباد لحصل له الكشف عن اشياء منها لايقدر غيره علي ردها و ان كان محقا الا اذا جمعها علي الحق مثله و لنال منها خفايا و دقايق لايبلغها غيره و لايصدق الكشف عن مراد الله سبحانه منه و عن الحق فيها الا اذا جمعها علي ما يريد الله منه علي لسان نبيه و السن اوليائه صلي الله عليه و عليهم معراة عن الاحوال الثلثة المشار اليها قبل فافهم .
قال و نصلي علي محمد المبعوث بكتاب الله و نوره المنزل معه علي كافة الخلق اجمعين و آله و اولاده المطهرين عن ارجاس الطبيعة المقدسين عن كلمات الوهم بانوار الحق و اليقين اللهم صل و سلم عليهم و علي من سلك سبيلهم و اقتفي دليلهم من شيعتهم المتقين .
اقول يجوز ان يكون اراد بقوله و نوره المنزل معه هو الكتاب و العطف تفسيري او اراد به نور النبوة او الهداية او الولاية او ما هو اعم من الالهام و الوقع في القلوب و النقر في الاسماع او الرجم او علي بن ابيطالب عليه السلام كما في تفسير قوله تعالي فآمنوا بالله و رسوله و النور الذي انزلنا و قوله و اتبعوا النور الذي انزل معه مما ورد عنهم عليهم السلام بذلك و المصنف اشار بهذه الكلمات الي ان ما استدل به هو معني ما اتي به صلي الله عليه و آله و اخبر به اهل بيته عليهم السلام و هذه لاتسلم له حتي تشهد له ظواهر اخبارهم لا تأويلاتها لان الكلام ذو وجوه و المأول يصرفه علي ما يراه و كل ذي رأي يدعي الصواب فيما يراه و المحكم بينهم قول الشاعر :
و كل يدعي وصلا بليلي       ** * **      و ليلي لاتقر لهم بذاكا
اذا انبجست دموع في خدود       ** * **      تبين من بكي ممن تباكا

 

«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 12 *»

فان من اقتفي اثرهم عليهم السلام و اقتدي بهم قال بقولهم و استدل بنحو ما استدلوا به و اما من اخذ في استدلاله يأول كلامهم و يصرفه عن ظاهره فليس مقتديا بهم و لا قائلا بقولهم بل هو راد عليهم و ستقف ان شاء الله تعالي علي ما يصدق قولي هذا فارتقبوا اني معكم رقيب فان قلت انهم انما قالوا بما اخذوا عنهم و قالوا بقولهم قلت ليس كذلك لانهم قالوا ان الاشياء كلها في ذاته بنحو اشرف لان لها وجهين اجماليا و تفصيليا فالاجمالي في ذاته و الا لكان جاهلا بها و اما التفصيلي فهي وجوداتها في ازمنتها و امكنتها قال ابن ابي‌جمهور في المجلي في شأن الماهيات و جماعة لهم الكشف و الاشراق قالوا بثبوتها في ذات الحق تعالي لتعلق علمه بها ازلا علي ما هي عليه و انها حقايق متمايزة فيه و علمه تعالي نفس ذاته فهي عند التحقيق عين ذاته و يعبرون عنها بالحقايق الثابتة و حضرة الغيب المطلق و عالم الغيب و الاعيان الثابتة و العالم العقلي و الاعيان الخارجية المتعينة بالتعينات الاسمائية الخ ، و امثال هذا في كلماتهم مثل قول الملا محسن في الكلمات المكنونة قال فان الكون كان كامنا فيه معدوم العين و لكنه مستعد لذلك الكون بالامر و لما امر تعلقت ارادة الموجد بذلك و اتصل في رأي العين امره ( به خ ) ظهر الكون الكامن فيه بالقوة الي الفعل فالمظهر لكونه الحق و الكائن ذاته القابل للكون فلولا قبوله و استعداده للكون لماكان فما كونه الا عينه الثابتة في العلم لاستعداده الذاتي الغير المجعول و قابليته للكون و صلاحيته لسماع قول كن و اهليته لقبول الامتثال فمااوجده الا هو و لكن بالحق و فيه ه‍ ، يعني به العالم و انه كامن في ذات الحق تعالي و ذلك الكامن هو المكون بالله لهذا الظاهر بالله فمن يكون هذا قوله و اعتقاده كيف يكون تابعا لقول الامام جعفر بن محمد عليهما السلام لم‌يزل الله ربنا عز و جل و العلم ذاته و لا معلوم و السمع ذاته و لا مسموع و البصر ذاته و لا مبصر و القدرة ذاته و لا مقدور فلما احدث الاشياء و كان المعلوم وقع العلم منه علي المعلوم و السمع علي المسموع و البصر علي المبصر

 

«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 13 *»

و القدرة علي المقدور ه‍ ، لان هذا لقائل يقول ان المعلوم و هي ماهيات الاشياء لم‌يزل معه في ذاته و الامام (ع‌) يقول و لا معلوم فان قلت ان هذه الماهيات هي عينه قلت هل يعلم تعالي انها غيره ام لا فان قلت يعلم اثبت المعلوم الذي نفاه امامنا عليه السلام و ان قلت لايعلم قلت لك هو لايعلم و انت تعلم فان قلت المغايرة باعتبار و الاتحاد باعتبار قلت لك انت تجوز في الازل تعدد الاعتبارات و الجهة و هي جهات المخلوقين فان قلت دليلهم قوله (ع‌) بائن من خلقه بينونة صفة لا بينونة عزلة قلت انت تميز ماهيات الاشياء التي في ذاته بزعمك منه تعالي باختلاف الصفات فان ميزت عزلت و ان لم‌تميز تقولت عليه ما لم‌يقله و لم‌يرض به و ان قلت قال عليه السلام لم‌يكن خلوا من خلقه و لا خلقه خلو منه قلت قال عليه السلام كما رواه الصدوق في التوحيد و غيره كان خلوا من خلقه و خلقه خلو منه و قال عليه السلام لا هو في خلقه و لا خلقه فيه فاذا جمعت قلت لك الاولي و الاصح ما هو حمل حديثكم علي انه تعالي لم‌يكن خلوا من خلقه في ملكه و سلطانه و خلقه خلو من ملكه و سلطانه و حمل حديثنا كان خلوا من خلقه في ذاته و ذوات خلقه خلو منه كما نحن نجمع بينهما ام العكس بان يكون حمل حديثكم علي ان خلقه في ذاته و ذاته في خلقه و حمل حديثنا علي انه خلو من خلقه في ملكه و سلطانه و خلقه خلو من ملكه و سلطانه ان عملت بعقلك تركت قولك و التزمت بما قلنا و نقوله و الله سبحانه يقول الحق و هو يهدي السبيل فهذا نمط طريق شيعتهم المتقين و اقتفاء دليلهم باليقين .

قال اما بعد فاقل الخلايق قدرا و جرما و اكثرهم خطأ و جرما محمد المشتهر بصدرالدين الشيرازي يقول ايها الاخوان السالكون الي الله بنور العرفان اسمعوا باسماع قلوبكم مقالتي لينفذ في بواطنكم نور حكمتي و اطيعوا كلمتي و خذوا عني مناسك طريقتي من الايمان بالله و اليوم الآخر ايمانا حقيقيا حاصلا للانفس العالمة بالبراهين اليقينية و الآيات الالهية كما اشار اليه سبحانه

 

«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 14 *»

في قوله و المؤمنون كل آمن بالله و ملئكته و كتبه و رسله و قوله و من يكفر بالله و ملئكته و كتبه و رسله و اليوم الآخر فقد ضل ضلالا بعيدا .
اقول قوله قدرا و جرما بكسر الجيم الجثة و الجسد و قوله خطأ و جرما بضم الجيم الخطيئة و قوله باسماع قلوبكم يريد به اما استعارة و اما حقيقة اما علي الاستعارة فظاهر و اما علي الحقيقة فلان القلب الذي هو اللحم الصنوبري له اذنان محسوستان و هما صورة اذني القلب النوراني فانه صاحب الادراك و الفهم و الذكاء و الشعور و الاختيار فهو بصورة الانسان بل هو انسان و له اذنان يفقه بهما و يسمع بهما قرع المعاني في وجهه باصغاء الاجابة و تعليل النفوذ باسماع القلوب لتوقف ظهوره عليه لان الاسماع هو القابلية و اما الايمان الحقيقي لايكون حاصلا للانفس كما هو المدعي بالبراهين الاصطلاحية و انما يحصل ببراهين اهل البيت عليهم السلام و لايهتدي اليها الا من اتبعهم في الاعمال و الاقوال و المتكلف لايقدر علي الصدق لان كل معتقد و متيقن يري يقينه في عمله كما قال اميرالمؤمنين صلوات الله عليه .
قال و هذه هي الحكمة الممنون بها علي اهلها و المضنون بها عن غير اهلها و هي بعينها العلم بالله من جهة ذاته المشار اليه بقوله اولم‌يكف بربك انه علي كل شئ شهيد و العلم به من جهة العلم بالآفاق و الانفس المشار اليه بقوله سنريهم آياتنا في الآفاق و في انفسهم حتي يتبين لهم انه الحق .
اقول قوله الممنون بها علي اهلها من قوله تعالي و من يؤت الحكمة فقد اوتي خيرا كثيرا ، و قوله المضنون بها بالضاد اخت الصاد اي المبخول بها عن غير اهلها و في الحقيقة هي لب الايمان و الاسلام و هي قسمان عملية و هي معارف الاركان و عبودية الجوارح و علمية و هي عبادة القلوب و عبودية الافئدة و مراد المصنف القسم الثاني بعبارة الاول يعني معارف القلوب و الافئدة و جعله قسمين قسم معرفة الذات بالذات كما قال سيد الوصيين عليه السلام يا من دل علي ذاته بذاته قالوا و الي هذه المعرفة الاشارة بقوله تعالي اولم‌يكف بربك انه علي كل شئ شهيد بعد قوله سنريهم آياتنا الخ ، فلما دلت

 

«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 15 *»

الآية باولها علي معرفته بالآثار كان آخرها مشيرا الي معرفة محض الذات لانه يقول ما معناه اذا كان سبحانه اظهر من كل شئ كيف يحتاج في ظهوره الي ما هو محتاج في اصل كونه و ظهوره اليه و يستدلون بما نسب الي الحسين عليه السلام في مناجات دعاء عرفة قال ايكون لغيرك من الظهور ما ليس لك حتي يكون هو المظهر لك و قسم معرفة الذات بالآثار كما قال سنريهم آياتنا في الآفاق و في انفسهم هذا محصل كلامه و كلام كثير و قد عرفوا قشرا من الآية الشريفة لانهم فهموا ان المراد بقوله سنريهم آياتنا الخ ، انه النظر في الآثار و ان الانتقال من ذكر الآيات الي شهادته سبحانه لكل شئ و قيومية كل شئ به ينبه علي رؤيته سبحانه مع كل شئ كما قال عليه السلام مارأيت شيئا الا و رأيت الله قبله او معه و الآية اولها ظاهرة كما قالوا و تأويله المراد هو معني قول علي عليه السلام من عرف نفسه فقد عرف ربه فان العارف اذا محا جميع شئونه و ما ينسب اليه و يرتبط به و هو سبحات ذاته من وجدانه بحيث لاينظر الي شئ يخالف مفهوم ذاته مثل فعله فانه غير ذاته و كونه ابن فلان او ابا فلان غير ذاته و علي شئ او في شئ غير ذاته و من كذا و الي كذا غير ذاته و هكذا ينفي من وجدانه كلما يغاير حقيقته حتي التكلم و الخطاب و الغيبة و الاشارة و المحو بقي شئ ليس كمثله شئ و هو صفة الله التي وصف نفسه بها لذلك العارف و هي آية الله التي تدل عليه لا ذاته كما توهم القائلون بوحدة الوجود المحكوم بكفر معتقدها لان الله سبحانه يقول سنريهم آياتنا و لم‌يقل سنريهم ذاتنا و اما آخرها و هو قوله اولم‌يكف بربك انه علي كل شئ شهيد فقال الصادق عليه السلام في الاشارة الي بيانه يعني موجود في غيبتك و في حضرتك و هذا يجتمع مع قول الحسين عليه السلام ايكون لغيرك من الظهور ما ليس لك فان من معني انه علي كل شئ شهيد انه موجود عند من ذكره و عند من نسيه مثلا من نسيه انما اقبل علي شئ من امر الدنيا او الآخرة او امر نفسه او غير ذلك و كل شئ مما سوي الله فانما هو ظهوره به لنفسه و لمن وجده فلايغيب عن شئ كما لايغيب عنه شئ فهو علي كل شئ شهيد و لايذهب عارف بالله الي انه

 

«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 16 *»

يعرف الذات البحت و انما المعروف لكل عارف غير محمد و آله صلي الله عليه و آله هو عنوان مقاماته التي لا تعطيل لها في كل مكان و اما محمد و آله صلي الله عليه و آله فالمعروف عندهم هو المقامات المشار اليها و اما الذات البحت فلا سبيل للخلق اليها بوجه من الوجوه و المدعي للكشف عن الذات فهو مشبه ملحد لاستحالة ادراك الحادث للقديم فافهم .
قال فالعلوم الالهية هي عين الايمان بالله و صفاته و العلوم الآفاقية و الانفسية من آيات العلم بالله و ملئكته و كتبه و رسله و شواهد العلم باليوم الآخر و احواله و القبر و البعث و السئوال و الكتاب و الحساب و الصراط و الوقوف بين يدي الله و الجنة و النار .
اقول قوله العلوم الالهية هي عين الايمان بالله و صفاته يدل علي ان التصديق بوجود واجب الوجود و وجود صفاته التي وصف بها نفسه هو معرفة الله و هذا توحيد العوام و انما التوحيد الحقيقي ما قاله اميرالمؤمنين عليه السلام لكميل علي معني من عرف نفسه فقد عرف ربه و اما قوله عليه السلام وجوده اثباته و دليله آياته . فهو توحيد العلماء و هو بين التوحيدين المذكورين الا اذا اول باحد الوجهين فيلحق به و قوله و العلوم الآفاقية و الانفسية من آيات العلم بالله الخ ، يدل علي انه يريد بقوله سنريهم آياتنا في الآفاق الخ ، الاستدلال بالآثار لانه جعلها آيات للعلم بالله و هي علي ظاهرها كما قال و الا فتأويلها هي العلم الحقيقي بالله كما لوحنا اليه سابقا و ان قوله اولم‌يكف بربك انه علي كل شئ شهيد ترجمة قوله سنريهم آياتنا و ملخصها لمشاهدته لكونه علي كل شئ شهيد في حال المحو و في حال الصحو و قوله و شواهد العلم باليوم الآخر الخ ، يريد به ان الوقوف علي آيات الله في الانفس و في الآفاق يشهد لك و يشهدك ان تلك امثال اليوم الآخر و احواله و القبر و البعث الخ ، و ادلتها لان الرضا عليه و علي آبائه و ابنائه الطاهرين السلام قد اعطانا ضابطة يشهد بصحتها الكتاب و السنة و العقول

 

«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 17 *»

المزكات بالعلم و العمل و هي قوله (ع‌) قد علم اولوا الالباب ان الاستدلال علي ما هناك لايعلم الا بما هيهنا و شهادة الكتاب لهذه القاعدة مثل سنريهم آياتنا في الآفاق و في انفسهم و قوله تعالي و كاين من آية في السموات و الارض يمرون عليها و هم عنها معرضون و قوله تعالي و تلك الامثال نضربها للناس و ما يعقلها الا العالمون و قوله و في انفسكم افلاتبصرون و امثال ذلك و مثاله قال تعالي انما مثل الحيوة الدنيا كماء انزلناه من السماء في آيات متعددة فمثل الدنيا نفس الماء المنزل لا مثله و الشاهد منه انه ينبت به الزرع فتصبح الارض مخضرة كالحيوة الدنيا ثم يهيج فتراه مصفرا كتغير احوال الدنيا و اهلها من اسباب الزوال و الفقدان و الامراض ثم ييبس النبات فيكون كالاموات و الفناء ثم ينزل الماء من السماء في العام القابل فينبت ذلك النبات الاول من بذره الذي بقي في الارض كذلك يخرج الموتي ينزل ماء من السماء من تحت العرش من بحر صاد فيقع علي الارض فيجتمع بالطين بفتح الياء التي هي اصل طينة الانسان الباقية في قبره فينبت بها لحمه و دمه فيخرج بصورته في الدنيا فالماء مثلا قد شرح احوال الدنيا و القبر و السئوال و البعث و الحساب و جميع ما يكون فان الله عز و جل قد خلق ما يدل عليه حرفا بحرف حتي ان في الآخرة اشجارا تحمل بنساء كما قال تعالي فيهن خيرات حسان كذلك دليله في جزائر الواقواق اشجار يحملن بنساء و يبقين بعد بلوغهن يوما او بعض يوم علي اكمل تركيب و جمال ثم يمتن اشعارا بفناء الدنيا و قصر بقائها تصديقا لما في الكتاب من الحق المبين و اشارة الي بقاء الآخرة و ما فيها كما اخبر تعالي به ففي الآفاق و الانفس شواهد العلم بتلك مفصلة و بتوحيد الله و جميع ما يريد تعالي من عباده لانه عز و جل لم‌يخلق شيئا الا و هو دليل و مدلول عليه و علة و معلول و جوهر و عرض و سبب و مسبب و مانع و ممنوع و كتاب و مكتوب و اجل و مؤجل و قدر و مقدر الي غير ذلك فافهم ما اشرت اليه لك من اسرار الخلق و الخليقة مما ظهر به الخالق و تعرف به لخلقه .
قال و هي ليست من المجادلات الكلامية و لا من التقليدات العامية و

 

«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 18 *»

لا من الفلسفة البحثية المذمومة و لا من التخيلات الصوفية بل هي من نتايج التدبر في آيات الله و التفكر في ملكوت سمواته و ارضه مع انقطاع شديد عما اكب عليه طبائع المجادلة و الجماهير و رفض تام لما استحسنه قلوب المشاهير .
اقول يريد ان ما بينته لك من الحكمة المشار اليها ليست مبنية علي الادلة الضعيفة و الاوهام السخيفة كالمجادلات الكلامية فان اهل الكلام يبنون معارفهم علي صناعات لفظية اغلبها مدخولة و لا من التقليدات العامية فان العوام ليس لهم نور يمشون به في الظلمات و انما يستوصفون غيرهم لما يستدلون به و عليه و لا من الفلسفية البحثية المذمومة فان كثيرا ممن يسمي بهذا الاسم دقق في البحث في المبادي و تساهل في المطالب و منهم من تعمق في البحث في المفاهيم التي تنتزع من الالفاظ لا من حيث كونها بازاء معانيها فقد يكون بلا مصداق خارج او تخالف ما وضعت له لان اللفظ ان وجد الباحث في احوال جهات دلالاته بنظر ان بينه و بين المعني مناسبة ذاتية و عثر علي تلك المناسبة فكان بحثه من تلك الجهة فلا بد ان يتطابق المفهوم و المصداق فان طابق اللفظ بمفهومه مصداقه الخارجي كان صدقا و ان طابق المصداق ذلك اللفظ بمفهومه كان حقا و ان كان لا من تلك الجهة تباينا و ان لم‌يعثر اخذ مفادها بالنقل عمن عرف او عمن نقل عنه و ان كان لا بنظر المناسبة بل بلحاظ ان التخصيص بارادة الواضع او بلحاظ المناسبة لكن الالفاظ موضوعة بازاء المعاني الذهنية خاصة من غير كونها وسيلة الي المعاني الخارجية بل المعاني الذهنية هي وجودات تلك الاشياء و حقايقها لا غير وقع في الغلط و الخطاء و كان في الواقع بحثا مذموما لدخوله في عموم قوله تعالي و تخلقون افكا ، و باب مهوي هذا المكان السحيق الذي لا قعر له دعوي ان للنفس لذاتها قدرة علي اختراع ما شاءت من الصور لا انها تنتزع بمرءاة خيالها صور الاشياء القائمة في خزائنها من خزائن الغيب و انما ينزلها الله سبحانه في الاذهان عند استكمالها شرائط القابلية تنزل بها ملئكة الفكر من فلك عطارد بتسخير

 

«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 19 *»

سيمون و شمعون و زيتون الموكلون بذلك عن امر الله كما قال الله تعالي و ان من شئ الا عندنا خزائنه و ماننزله الا بقدر معلوم ، و الحاصل ان هذه الحكمة الممنون بها ليست من الحكمة البحثية المذمومة و ذلك احتراز عن الحكمة الفلسفية البحثية باقامة البراهين القطعية المحصلة بواسطة الرياضات و لا من التخيلات الصوفية فانهم يهيمون في الافكار من غير برهان علي ما حصل لهم و انما يعتمدون علي الواردات التي ترد عليهم يدعون انها واردات من الحق تعالي ترد علي من قعد علي بساط القرب و تخلي عن ناسوته و تحلي بطور لاهوته و ليست تلك الواردات من الحق تعالي لانه تعالي انما ينزل تلك القبسات علي نواميس وحيه و تراجمة امره و نهيه و السن ارادته و بتلك الوسائط تصل الي من تلقاها بشرائط التلقي من الاعمال الصالحة التي ترضي الله تعالي و هذا بخلاف طريقة الصوفية لان اغلب ما يجدونه من المكاشفات هو ما يتكلفونه من المخالفات مثاله انهم يقولون كما ذكره عبدالكريم الجيلاني في كتابه الانسان الكامل ان شرط التصوف ان يكون علي طريقة مذهب السنة و الجماعة فاذا كان اصل التصوف مبنيا علي هذا المذهب فالمتصوف يلتزم انه يكاشف علي موافقة هذا المذهب فلو ظهر امر يخالف مذهب السنة و الجماعة و ان وجده حقا تكلف لرده و ان كان بباطل و عدل عنه و ان كان الي باطل لكن لما جمع قلبه و فكره و خياله و حسه و لسانه و جميع اعماله و جميع حركات جوارحه و سكناتها علي التدبر و الحيلة في رد ذلك المخالف له حصل له شئ محكم العبارة دقيق الحيلة و الاشارة بعيد التلويح بحكم صورة التصريح يصعب رده و ابطاله الا علي من جمع جميع مشاعره و مداركه و اقواله و اعماله علي مراد الله تعالي منه فانه اذا رأي كلام ذلك الصوفي ظهر له ما فيه من العيوب و المغالطات و توجه له امر الرد عليه و ابطاله قال المصنف و ما اوردت لك في هذه الحكمة ليس من شئ من ذلك بل هو من نتائج التدبر في آيات الله و التفكر في ملكوت سمواته الخ ، اما ان المعرفة الحقية فلاتكون بتلك الامور التي ذكرها نافيا لها فهو حق و اما انها

 

«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 20 *»

لاتحصل الا من نتائج التدبر الي آخر ما ذكره فهو حق الا ان هذه دعوي و لايعلم صدق قائلها بان يطابق قوله الواقع الا بصحة معرفته و معتقده لا بمجرد القول لان هذه الالفاظ عند اهل الاستعمال مشتركة يطلقونها علي ما وضعت له و يطلقها كل منتحل علي ما يراه و لهذا ينفي المصنف شيئا مثلا و اثبته و يثبت و انفيه فهذا هو يقول لم‌نأخذ بقول اهل الكلام و مجادلاتهم و لا بتقليد العوام و لا بابحاث الفلاسفة و لا بتخيلات الصوفية و انا اقول بلي ( قد خ ) اخذت باقوالهم و يقول انما نقول بنتائج التدبر في آيات الله و انا اقول لم‌يسلك بذلك الطريق المأمور به و انما اختلفنا لاختلاف المرادات لان الفاظ التعبيرات مشتركة فكل يريد منها معني ما يعتقده فاذا قال مثلا لااعتقد كتخيلات الصوفية فاقول اي شئ تعتقده الصوفية بتخيلاتهم فهو يقول به فانهم يقولون ليس لله في الاشياء قبل ايجادها وجهين ان شاء جعلها متحركة و ان شاء جعلها ساكنة و انما له وجه واحد لان مشيته احدية التعلق و هي نسبة تابعة للعلم و العلم نسبة تابعة للمعلوم و المعلوم انت و احوالك و هو يقول بهذه كلها و الصوفية يقولون معطي الشئ ليس فاقدا له في ذاته الا انه في ذاته بوجه اشرف و هو يقول بذلك و هم يقولون بسيط الحقيقة كل الاشياء و هو يقول بذلك و هم يقولون مآل اهل النار الي النعيم فانهم يتنعمون بالتعذيب و هو يقول بذلك و هم يقولون بجواز التفكه بالمردان في مقام النفس الملهمة و هو يقول بذلك كما في اسفاره و هم يقولون ان فرعون مات مؤمنا طاهرا لانه بعد ايمانه لم‌يعمل ذنبا و الاسلام يجب ما قبله و هو يقول بذلك لانه لما قال مميت‌الدين بذلك في الفصوص قال و هذا كلام يشم منه رائحة التحقيق و امثال هذه من تخيلاتهم فانه قائل بكل ما قالوا فاي شئ خالفهم فيه حتي يحمل قوله و لا من التخيلات الصوفية عليه نعم يخالفهم في شئ واحد و هو انه يقول اني مااقول بقولهم و كل باقي كلامه علي هذا النحو و اما قوله بل هي من نتائج التدبر الخ ، فهو من نتائج التدبر فيما قاله اهل التصوف لا فيما قاله اهل العصمة عليهم السلام لانهم قالوا بدوام تألم اهل

 

«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 21 *»

النار و قال بانقطاعه ذلك و قالوا و لو شاء الله لهدي الناس جميعا و قال بعدمه و قالوا ان الله تعالي ان شاء فعل فيما لم‌يفعله و ان شاء ترك و قال بعدمه و قالوا بحدوث المشية و الارادة و ليس لله مشية قديمة و لا ارادة قديمة و المشية و الارادة من صفات الافعال و قال بخلاف ذلك كله فنتائج التدبر ما قالوا به او ما قال به فان كان ما قالوا به لم‌يكن قوله من نتائج التدبر و ان كان ما قال به فلايجوز القول بنتائج تخالف اقوالهم فافهم فان وفقت فهمت لان فهم الصواب انما هو بتوفيق الله و خلق الله له اهلا و السلام .

قال و لقد قدمت اليكم يا اخواني في كتبي و رسائلي من انوار الحكمة و لطائف النعم و بزهر الارواح و زينة العقول مقدمات ذات فضائل جمة هي مناهج السلوك الي منازل الهدي و معارج الارتقاء الي الشرف الاعلي من علوم القرءان و التأويل و معاني الوحي و التنزيل مما خطه القلم العظيم في اللوح الكريم و قرأه من الهمه الله تعالي قرائته و كلمه بكلماته و علمه محكم آياته مما نزل به الروح الامين علي من اصطفاه الله و هديه فجعله اولا خليفة في العالم الارضي و زينة للملكوت السفلي فجعله اهلا للعالم العلوي ملكا في ملكوته السماوي فكلما تنور بيت قلبه بهذه الانوار ارتقي روحه الي تلك الدار و من جحدها او كفرها فقد هوي الي مهبط الاشرار و مهوي الشياطين و الفجار و مثوي المتكبرين و اصحاب النار .
اقول ان الذي قدم من الذي اشار اليه مثل الذي اخر مما ستسمع بيانه ان شاء الله تعالي و علوم القرءان مثل التفسير و الاحكام و القرائة و اللغة و النحو و الصرف و الخط المختص به و من التفسير مما وقفنا علي شئ منه تفسير الباطن و باطن الباطن و ظاهر الظاهر و التأويل و باطن التأويل و غيره باطن باطن الباطن الي سبعة و ظاهر ظاهر الظاهر الي سبعة و باطن باطن التأويل الي سبعة و اما التأويل الذي اشار المصنف اليه فالمراد به ما سوي التفسير الظاهر كما هو المعروف بين اكثر العلماء و احاديث اهل البيت عليهم السلام كثيرا ما يعبر فيها عما سوي الظاهر بالتأويل و معاني الوحي تكون علي ثلثة اوجه و هي التي

 

«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 22 *»

اشار اليها في قوله تعالي و ماكان لبشر ان يكلمه الله الا وحيا او من وراء حجاب او يرسل رسولا فيوحي باذنه ما يشاء انه علي حكيم فالوحي الالهام و من وراء حجاب كتكليم موسي من الشجرة و ارسال الرسول كخطاب جبرئيل عليه السلام عن الله تعالي فمعاني الوحي تجمعها هذه الثلاثة و قوله مما خطه القلم العظيم في اللوح الكريم المراد منه ان القلم العظيم هو عقل الكل و روح من امر الله و قد يطلق علي الروح الكلي الذي خلق البراق من فاضل نوره و اللوح الكريم هو اللوح المحفوظ و وصف القلم بالعظيم لان ما اودع الله تعالي فيه من العظمة غير ظاهر بصورته في غيره و لان ما فيه من تعدد الذوات و الحقايق فانها تعدد معنوي فلذا وصف بالعظمة و اللوح المحفوظ وصف بالكريم لانه منبع الفيوضات للموجودات المصورة لان العقل يفيض المعاني و الروح تفيض الرقائق و النفس تفيض الصور اي الجواهر المصورة فالمدد الذي هو بحكم المداد للكتابة و النطفة للانسان من العقل الذي هو القلم العظيم و تمام التصوير الذي هو بحكم الكتابة و الجنين في بطن امه الذي ولجته الروح في اللوح المحفوظ و هو الخلق الثاني و معني خط القلم في اللوح ايجاد ذلك المدد المعنوي في لوح الكون في الاعيان في وقت وجوده و مكان حدوده و اللوح له صفحات مختلفة فمنها صفحة مبادي التصوير بمداد الزعفران و منها صفحة القضاء الاول في لوح الزبرجد و منها صفحة الذوات الحقيقية الجامعة بمداد التركيب و منها صفحة الاشباح و امثل لك بكتابة القلم في صفحة الاشباح من اللوح اذا رأيت زيدا يصلي في المسجد يوم السبت تبقي ما دمت حيا كلما التفت قلبك بمرءاة خيالك رأيت زيدا في المسجد يصلي يوم السبت وجد زيد ام فقد في حياته و في مماته فانك تراه في الهيئة التي رأيته فيها اول مرة في مكانه و وقته و ذلك لانه لما كان هناك كتبت الحفظة عمله في وقته و مكانه بشبحه و هيئته في آخر الدهر القار و جري زمانه بهيئته المحسوسة و بقي صورته قائمة في عالم المثال بخط الحفظة الكرام الموكلين بكتابة اعماله و هم الاقلام الجزئية بامر القلم الاعلي الذي اشار اليه

 

«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 23 *»

المصنف بقوله بخط القلم العظيم و هذا نمط كتابة الحفظة الكرام لاعمال الانام و تأتيهم يوم القيمة علي هذه الهيئة فيلبسها لبس الثوب و لهذا قيل تكشف السرائر و تبدي الضمائر و قوله و قرأه من الهمه الله قرائته معناه الحق هو ما اشرت لك فافهم و كذلك قوله و كلمه بكلماته و علمه محكم آياته فان مثل ما مثلت لك و هو كلامه بتلك الكلمات و هو تعليمه لمحكم الآيات فانها مما نزل به الروح الامين علي نبيه صلي الله عليه و آله الطاهرين قوله فجعله اولا خليفة الي آخره يعني ان من عرف تلك المعارف و ارتقي تلك المقامات الشرف الاعلي من العلوم التي اشار اليها حتي قرأ مثل تلك الكتابة التي قرأتها لك بلسان اهل الخلافة و القطبية كما سمعت من قرائة كون زيد يصلي في المسجد يوم السبت جعله الله خليفة في اول بلوغه هذه الدرجة خليفة في الارض بين الناس و جعله زينة للملكوت السفلي فبه ينزل عليهم المطر و ينبت النبات و يدفع عنهم البلاء ثم يجعله اهلا للعالم العلوي يطأ اذا مشي علي اجنحة الملئكة و يجعله ملكا في الملكوت السماوي حتي يكون قواما للارواح و نورا للاشباح و ذلك اذا اعتدل مزاجه و فارق الاضداد و اما قبل ذلك فلايعرف الا قليلا من كثير فلاتتم له الخلافة فافهم فان الدعوي لاتصدق حتي يشهد لها الوجدان بالعيان و قوله كلما تنور بيت قلبه الخ ، يعني انه يرتقي في تلك المقامات العاليات بنسبة ترقيه في تلك الدرجات و من جحدها بعد ان ظهر له واضح سبيلها و ركن الي شئ مما اشار اليه من المجادلات الكلامية او التقليدات العامية او التخيلات الصوفية او الابحاث الفلسفية المذمومة هوي الي مهبط الاشرار الخ ، و هذا انما يتم للطرفين اثباتا و نفيا اذا كان الاول علي الطريقة المستقيمة الجارية علي طريق اهل الحق عليهم السلام مشفوعا بالعمل الصالح كما جري عليه التكليف و المرادات الشرعية و الآداب الالهية و الاخلاق الروحانية و الثاني علي المشاقة الشيطانية و اتبع هواه في خلاف كلما اراد الله .

 

«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 24 *»

قال و لما كان مسئلة الوجود اس القواعد الحكمية و مبني المسائل الالهية و القطب الذي تدور عليه رحي علم التوحيد و علم المعاد و حشر الارواح و الاجساد و كثير مما تفردنا باستنباطه و توحدنا باستخراجه فمن جهل بمعرفة الوجود يسري جهله في امهات المطالب و معظماتها و بالذهول عنها فاتت عنه خفيات المعارف و خبياتها و علم الربوبيات و نبواتها و معرفة النفس و اتصالاتها و رجوعها الي مباديها و غاياتها .
اقول اعلم ان كثيرا من العلماء يبحثون في اوايل كتبهم الاصولية عن الوجود و اختلفوا في المراد من المبحوث فيه فمنهم من يريد منه الواجب عز و جل علي جهة الخصوص و منهم من يريد منه الحادث علي جهة الخصوص و منهم من يريد منه المطلق الصادق علي زعمهم علي الواجب و الحادث و المصنف في رسالته المسماة بالحكمة العرشية قال ان الوجود اما حقيقة الوجود او غيرها و نعني بحقيقة الوجود ما لايشوبه شئ غير الوجود من عموم او خصوص او حد او نهاية او ماهية او نقص او عدم و هو المسمي بواجب الوجود انتهي ، و ظاهره في هذا الكتاب مطلق الوجود الصادق علي الواجب و الممكن و ارادته في مباحثه مختلفة تعرف بالمقام فالوجود عنده واحد بسيط فما يشوبه شئ من الاغيار فهو الحادث سماه حادثا باعتبار ما يشوبه و يلحقه من التركيب و الماهيات و الجنسية و الفصلية و النوعية و غيرها مما هي نقائص و اعدام و واجبا باعتبار حقيقته و كنهه فالشوب عنده في الحقيقة لاحق له باعتبار تنزله في مظاهره كالماء فانه في حقيقته واحد لايقبل الانكسار فاذا جمد قبل الانكسار و الانكسار في الحقيقة لاحق له بواسطة الثلجية و هذا حاصل كلامه في ساير كتبه و الي هذا الطريق ذهب كل اهل التصوف و في هذا قال شاعرهم :
و ما الناس في التمثال الا كثلجة       ** * **      و انت لها الماء الذي هو نابع
و لكن بذوب الثلج يرفع حكمه       ** * **      و يوضع حكم الماء و الامر واقع

 

«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 25 *»

فمن حصر الوجود علي الواجب فقد اخطأ الا ان يقول بانه هو الحق و الوجود المخلوق له حقيقة ممكنة و ليس من الوجود الواجب و لا تجمعهما حقيقة بتواط و لا اشتراك معنوي و لا لفظي الا ان يكون من باب التسمية للتعريف و الدعاء و من حصره في الحادث فان اراد بالمحصور ما يمكن معرفته فهو حق و ما يطلق علي الله سبحانه فيراد منه العنوان الذي يقال له عند اهل البيت عليهم السلام المقامات التي لا تعطيل لها في كل مكان و ان نفي مطلق اطلاقه علي الله سبحانه فقد اخطأ و من اراد به المطلق الصادق علي الواجب و الحادث فقد ابطل سواء جعله علي جهة التواطي ام علي جهة الاشتراك المعنوي ام اللفظي اما القول بالاولين فكفر و اما اللفظي فجهل و باطل و الذي افهم انه ان لم‌يتبين له الحق و يعدل عنه الي هذا لم‌يكفر و اما ما ذهب اليه اهل التصوف كما هو طريق المصنف فهو قول بوحدة الوجود و اما المصنف فالله اعلم بما هو صائر اليه لهذه المقالة و غيرها و اما تعريفه و بيان حقيقته فمترتب في الحقيقة علي ما يراد منه فان اريد به الوجود الحق عز و جل فلا ريب في انه لايمكن تعريفه و لا ايضاحه بل هو الظاهر الذي لا شئ اظهر منه كما قال الحسين بن علي عليهما السلام ايكون لغيرك من الظهور ما ليس لك حتي يكون هو المظهر لك متي غبت حتي تحتاج الي دليل يدل عليك و متي بعدت حتي تكون الاشارة هي التي توصل اليك و ان اريد به المطلق فكذلك و ان اريد به خصوص الحادث ففيه الخلاف و انا ابين لك طريق السلوك الي معرفته من امكان تعريفه و عدمه لان كثيرا من الاشياء ما يكون له اسمان اسم معروف يعرف به معناه عند عامة الناس يميزه عن غيره و يعينه و اسم غير معروف عند الكل يعني ان الاسم و ان سمع لكنه لايعين مسماه فربما يفهم منه خلاف مسماه كما اذا قلت لك احفظ العجوز فانك ربما تفهم منه المرأة الكبيرة لان هذا المعني هو المعروف عند الناس و انا لااريده و انما اريد الذهب و لو قلت لك احفظ الذهب لم‌يشتبه عليك فاذا قيل لك ما معني العجوز قلت هي المرأة الكبيرة او الصلوة او الحرب و ما اشبه ذلك فلاتكاد

 

«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 26 *»

تعرف حقيقة معني هذا اللفظ المراد فكذلك الوجود ربما لاتعرف من معناه الا الحصول الذي يقال له بالفارسية هست لانه هو المعروف عند عامة الناس فاذا قلت لك المادة لم‌يشتبه عليك بيانه فانا اقول لك الذي دلت عليه اخبار ائمتنا عليهم السلام ان الوجود الذي هو اصل الشئ الذي خلق منه الشئ كالخشب للسرير و الباب و الصنم و كالفضة للخاتم و كالتراب للانسان و ضابطه ما تدخل عليه لفظة من للصنع فانه هو الوجود و هو الهيولي و هو العنصر الذي خلقت منه الاشياء و هو الماء الذي جعل الله منه كل شئ حي و هو المادة و يأتي ان شاء الله بيان زيادة علي هذا فاذا اردت ان تتكلم في الوجود الحادث فهو الهيولي و المادة فقل بصحة التحديد و عدمها ثم اعلم ان الوجود المخلوق عند المشهور من المحققين منه خارجي و منه ذهني اما الخارجي فظاهر و اما الذهني فمنهم من جعله خارجا عن الوجود اما لانه عرضي انتزاعي ليس حقيقة الوجود و لا قسما منها كما هو ظاهر كلام المصنف في هذا الكتاب في بعض عباراته لانه يطلق الوجود فيه علي المطلق الشامل للواجب و الحادث و يريد به حقيقته و هذا خارج عن حقيقته و اما لانه هو الثبوت الخارجي الذي اعم من الوجود كما يذهب اليه المعتزلي و منهم من جعله قسما من الوجود و عندنا انه قسم من الوجود الا انه ظلي انتزاعي في حقنا و منهم من قال انه اصل للوجود الخارجي كما ذهب اليه كثير من الصوفية حتي ان منهم من يقول ماتتحرك نملة في المشرق و لا في المغرب الا بقدرتي لانه يزعم ان ما في الخيال اصل و ما في الخارج ظل له علي ما ذكره عبدالكريم الجيلاني في كتابه الانسان الكامل و هذا باطل و الا لزم انه اذا مات يموت الوجود الخارجي لانه ظله و كذا قول من قال بان النفس لها قدرة علي احداث الصور و اختراعها و هذا ايضا باطل و يأتي ذكر الدليل عليه نقلا و عقلا نعم الخيال الكلي الذي هو خيال علة الوجود الخارجي كخيال محمد و اهل بيته الطاهرين صلي الله عليه و آله يجري هذا الحكم له و قد اشرنا في شرح‌الزيارة الجامعة الكبيرة الي كثير من ذلك و اما من سواهم فكل ما في خيالهم فانتزاعي

 

«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 27 *»

ظلي و يأتي بيانه ثم ما في الخيال علي ما نختاره لا كلام فيه و اما علي قول من اثبته و جعله ظلا انتزاعيا او جعل منه انتزاعيا و منه اصيلا و ان ما فيه من الاشياء بحقايقها كما قال الشيخ جواد في شرح زبدة اصول الفقه قال و ليعلم ان الحق بعد القول بالوجود الذهني و ان العلم من مقولة الكيف ان الاشياء بانفسها موجودة في الذهن كما هو مذهب المحققين لا باشباحها و امثالها كما هو مذهب شرذمة قليلة لايعبأ بهم انتهي ، فهل هو وجود محض ام مركب من الوجود الظلي و الماهية ظاهر اطلاق الاكثر انه وجود محض و ربما فهم من كلام بعضهم انه مركب من ظلي الوجود و الماهية الخارجين و الحق انه مركب الا ان وجوده الذي هو مادته مجموع الظلين و ماهيته التي هي صورته هيئة الخيال المنطبعة فيه تلك الصورة فالخيال مرءاة و الخارج شاخص يقابله و الصورة التي في المرءاة مادتها صورة الشاخص المنفصلة القائمة به قيام صدور و صورتها هيئة المرءاة من صقالة صافية و استقامة و بياض و كبر و اضدادها فالمنتزع من الخارجي خصوص المادة المركبة من مادة و صورة نوعية بالنسبة الي الخيال كالخشب فانه مادة و صورة نوعية تؤخذ منهما مادة السرير خاصة و صورته من عمل الصانع بقابلية الخشب ليست من الخشب كذلك مادة الوجود الذهني منتزعة من مادة الخارجي و صورته و صورة الوجود الذهني من الخالق عز و جل بقابلية بالذهن لا من الخارجي فافهم و المصنف يقول كما يقول الاكثر ببساطته و لم‌ينفه عن حقيقة الوجود لكونه مركبا بل لكونه ظليا لا اصيلا و نحن نقول هو منه و ان كان ظليا لان الظلي ليس بعدم و ظاهر انه يريد به في هذا لكتاب الوجود المطلق و علي رأيه فان اراد الواجب خرج الذهني و الخارجي لما صرح به ان كل ما سوي الوجود الواجب تلزمه الماهية و سيأتي الكلام و حيث كان يريد به حقيقة الوجود المطلق صدق علي الواجب و الحادث و لما كانت عباراته كلها ممتزجة بصفات الوجودين فلا بد ان يجري في هذا الشرح علي طريقة الفرض لكل منهما لئلايفوت الشرح شيئا من مراداته

 

«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 28 *»

و اما كون الوجود اس الحكمة و مبني المسائل الالهية فعلي ما يذهب هو و امثاله مع تخلف كثير من القواعد علي ما يقوله عنه كحكمه بان الامكان اعتباري و ليس بموجود لانه معني سلبي و نحن نقول له ان كان شيئا فهو مخلوق و الا فلا معني لقوله امكان لانه علي قوله لفظ مهمل ثم كيف يفهم هو شيئا غير الله تعالي لم‌يكن مخلوقا لله تعالي و اياك ان تنظر الي الابحاث و العبارات فتقول ما لاتعرفه فتطفي نور بصيرتك بالركون الي اقوالهم من غير فهم الا مجرد انهم علماء حكماء فان كان تقنع بهذا من غير فهم فائمتك علماء حكماء معصومون مؤيدون من الله سبحانه و مثل ما يترتب علي الوجود الذهني الانتزاعي فان لم‌يكن الظلي وجودا كان عدما اذ لا واسطة بينهما علي المذهب الحق مع انه عنده ليس حقيقة الوجود فان اراد بحقيقة الوجود الواجب كما ذكره في الحكمة العرشية قلنا له هو عنده كل الاشياء فان لم‌يدخل فيها العرضي الذهني الانتزاعي كان محصورا في غير الذهني تعالي الله عن كونه كل الاشياء و تعالي الله عن كونه محصورا مع كثرة ما يترتب علي الوجود الذهني من قواعد الحكمية كما في كثير من القضايا التي حكم فيها علي ما يصدق عليه في نفس الامر الكلي الواقع عنوانا و قوله و القطب الذي تدور عليه رحي علم التوحيد ان اراد به معني ما يقال له باللغة الفارسية هست يعني مطلق الحصول لان رحي علم التوحيد انما تدور عليه لا علي العدم فلا ريب ان هذا لايصدق علي الواجب تعالي و ان اراد به الذات البسيطة الحق لم‌يصدق الا علي الواجب عز و جل لا غير فلا معني لكون رحي علم التوحيد تدور عليه الا علي نحو من التجوز لاستحالة معرفة الذات لغيره تعالي الا بمعرفة الدليل عليه و هو معرفة العنوان علي ما يأتي بيانه نعم يجوز ان يكون اراد مطلق المعرفة و مطلق علم التوحيد اجمالا و ان اختار في التفصيل نحوا خاصا و لا عيب فيه و علم المعاد و حشر الاجساد كذلك و قوله و كثير مما تفردنا باستنباطه و توحدنا باستخراجه فيه ان توحده به مع مخالفته لما عليه عامة المسلمين يجب الاعراض عنه شرعا و عقلا فان

 

«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 29 *»

قلت فانت ايضا قد خالفت العلماء و الحكماء فيجب الاعراض عما تذهب اليه كذلك قلت اني لم‌اقل شيئا برأيي الا اني اعبر عن معني قول ائمة المسلمين عليهم السلام بكلامي و المعني منهم و لااقول بقول يخالف قولهم فيما اعلم و علي البيان فاذا ثبت ان قولي عنهم و باذنهم فانه يجب الاخذ بقولي فيما يخالف اقوال القوم و قوله فمن جهل بمعرفة الوجود يريد به علي النحو الذي قرر لا مطلقا لانه لاينكر ان احدا من الخلق لايجهل معرفة الوجود مطلقا فيحتج عليه بحجته و لا ترجيح الا بالدليل الموجب لانقياد العقول الناظرة بفطرتها و قوله يسري جهله في امهات المسائل و معظماتها يراد منه علي بعض الوجوه و الاحوال او اعظمها و قوله و بالذهول عنها فاتت عنه خفيات المعارف و خبياتها و علم الربوبيات و نبواتها هذا علي ما يجده المصنف و لايتم له فان من اخلص لله العبودية و احسن العمل و واظب علي النوافل و الآداب الشرعية و جمع قلبه و همه كشف الله له خفايا المعارف ما لايطلع عليه من سواه ممن لايعمل عمله و ان شق الشعر بفهمه و ذلك من قوله تعالي و لما بلغ اشده و استوي آتيناه حكما و علما و كذلك نجزي المحسنين و قوله تعالي و اتقوا الله و يعلمكم الله ، و روي عن علي عليه السلام انه قال ليس العلم في السماء فينزل اليكم و لا في الارض فيصعد اليكم تخلقوا باخلاق الروحانيين يظهر لكم ه‍ ، بخلاف ما ذكره المصنف فان كثيرا ممن بلغ الغاية في الحكمة و العلم علي مذاقهم لم‌يشم رايحة الحق في جل مطالبه او كلها و من الناس من يعجبك قوله في الحيوة الدنيا و يشهد الله علي ما في قلبه و اذا رأيتهم تعجبك اجسامهم و ان يقولوا تسمع لقولهم كأنهم خشب و قوله و معرفة النفس يراد منها التي من عرفها فقد عرف ربه و طريق معرفتها كشف سبحات الجلال من غير اشارة الي آخر ما ذكره اميرالمؤمنين عليه السلام لكميل و بيانه قد ذكرته في رسائلنا و هذه هي النفس العليا التي

 

«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 30 *»

اخترعها الله سبحانه لا من شئ بفعله اذا تخلقت بالاخلاق الروحانية و اتصلت بمبدئها او باوايل جواهر عللها يعني تشبهت به بالاعمال الصالحة كما قال اميرالمؤمنين صلوات الله عليه و خلق الانسان ذا نفس ناطقة ان زكيها بالعلم و العمل فقد شابهت اوايل جواهر عللها ، و يحتمل بعيدا ان يراد بها معرفة النفس السفلي في مراتبها السبع الامارة و اللوامة و الملهمة و المطمئنة و الراضية و المرضية و الكاملة لانها اذا طهرت عن مراتبها الثلاث الاول ترقي بمعونتها للعقل الي المراتب العالية و هي تأويل قوله تعالي و ما علمتم من الجوارح مكلبين تعلمونهن مما علمكم الله و هي مخلوقة من النفس الاولي لانها انية المصنوع و الاولي هي حقيقته من ربه و يعبر بها عن الوجود و هي النور الذي خلق منه و النور الذي ينظر به صاحب الفراسة من المؤمنين و هي الفؤاد عندهم عليهم السلام و المادة النورية فافهم .

قال فرأينا ان نفتح بها الكلام في هذه الرسالة المعمولة في اصول حقائق الايمان و قواعد الحكمة و العرفان فيها اولا مباحث الوجود و اثبات انه الاصل في كل موجود و هو الحقيقة و ما عداه كعكس و ظل و شبح .
اقول لما كان البحث عن الوجود الذي هو اس القواعد و العقائد اقتضي الترتيب الطبيعي ان يفتتح به الكلام كما هو شأن كل اساس فانه مقدم علي ما يبتني عليه و قد اشرنا سابقا الي ان كلامنا يكون فيما يمكن فيه الكلام و يكون علي نحو الكشف في التعبير لا علي نمط البحث و التنقير فانهما لايفيدان من العلم الذي هو نور قدر قطمير و المعني بما يمكن فيه الكلام و يحصل به التوحيد الكامل التام هو الكلام في الوجود الحادث لان الواجب تعالي لا سبيل لاحد اليه من الخلق كما قال اميرالمؤمنين صلوات الله عليه في قوله رجع من الوصف الي الوصف و عمي القلب عن الفهم و الفهم عن الادراك و الادراك عن الاستنباط و دام الملك في الملك و انتهي المخلوق الي مثله و الجأه الطلب الي شكله و هجم به الفحص الي العجز و البيان علي الفقد و الجهد علي اليأس و البلاغ علي القطع و السبيل مسدود و الطلب مردود دليله آياته و وجوده اثباته

 

«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 31 *»

الخطبة ، فتدبر هذا الكلام و تفهمه هل بعد فهمه او الايمان به لمتكلم كلام هذا اذا اريد بالوجود الواجب تعالي و ان اريد به المطلق فكذلك لان المطلق لايصح الا علي فرض صدقه علي الحق تعالي و علي خلقه و ذلك موجب لكونه حقيقة واحدة كما يدعونه و لاينافيه عندهم تحققه في الموجود الخارجي المحدود لزعمهم ان الحدود موهومة لا تحقق لها في نفس الامر الا كونها شئونا و شئون الشئ مستهلكة في وجوده عند ملاحظته كما تقول يا قاعد انظر فان القعود مستهلك عند الخطاب لم‌يلتفت اليه الوجدان الا بالعرض و يقول شاعرهم :
كل ما في الكون وهم او خيال       ** * **      او عكوس في المرايا او ظلال
و قال آخر :
بانعكاس الشعاع في المرءاة       ** * **      و رجوع الصدا علي الاصوات
عرف الناس انه ليس في الكون سوي مقتضي شئون الذات و لايجوز تقرير هذا بل يجب هدم بنيانه لان قولهم ان الحدود موهومة يكفي في الرد عليهم لان الموهوم ان كان لاحقا له فهو حادث مطلقا و الا فلا حدود و كلا الفرضين باطل اما الاول فلانه لايتحقق الا مع حصول حالة له لم‌تكن قبل اللحوق فاختلفت احواله فهو حادث و اما الثاني فلان الاشياء الحادثة موجودة لايمكن انكارها فاذا قامت به قيام عروض كان محلا للحوادث و ان قامت به قيام صدور ثبت قولنا و لم‌يقترن به شئ هذا في الاقتران الخارجي و اما في الذهني فان لوحظ الاقتران

 

«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 32 *»

فكذلك و الا فما حصل في الذهن ان لم‌يكن منتزعا من الخارجي فليس هو المعروض و ان كان منتزعا بدون القيود فهو حينئذ جزء فيكون حادثا لانه انتزع من مركب و مع هذا تختلف احواله في الوجودين و المختلف حادث و ان اريد به الوجود الحادث فنحن انما نتكلم فيه فان قلت كيف يعقل وجود الحقيقة الحادثة قلت كما تعقل وجود نور السراج في الجدار و ليس فيه من السراج شئ لان الذي منه في الجدار حادث متقوم بالشعلة قيام صدور و قياما ركنيا يعني قيام تحقق و الشعلة هي الدخان المنفعل عن مس فعل النار و النار غيب لايدرك انما ظهرت باثر فعلها فان قلت اي تحقق لما ظهر في الجدار حتي تقيسه بالذوات المتحققة القائمة بنفسها قلت هذه الذوات القائمة بانفسها مثل الانسان و الجبل نسبتها في التحقق و الثبات و التذوت الي امر الله الذي هو اثر فعله اعني الحقيقة المحمدية و الوجود المخلوق اولا و الدوات الاولي التي يستمد منها القلم و العقل كنسبة النور الذي ظهر من السراج علي الجدار في التحقق و الثبات و التذوت الي شعلة السراج التي هي الدخان المنفعل بالاستنارة عن مس فعل النار حرفا بحرف و ما تحققك و تذوتك و استقلالك بقوابلك عند امر الله و تحققه و تذوته بفعل الله سبحانه الا كتحقق النور و تذوته و استقلاله بالجدار و كثافته عند شعلة السراج و تحققها و تذوتها بفعل النار فافهم ان كنت تفهم و الا فامسك و لاتكذب بما لم‌تحط بعلمه و لمايأتك تأويله فقد كشفت لك الحق الصريح لا بالبحث في الموضوع و المحمول فلاتغفل عن مقصدي فاني لااتكلم علي الوجود الحق الا علي جهة التنزيه و اذا وصفه واصف بصفة الحدوث قلت هذا لايجوز لانه يلزم منه الحدوث و اعلم ان الناس قد اختلفوا في الموجود كزيد و عمرو و الفلك و الماء و الشجر و ما اشبه ذلك هل هو بسيط ام مركب ام بسيط كالمركب ام مركب كالبسيط فمن قال انه بسيط قال انه شئ واحد لذاته و ان كان فيه لطيف و كثيف فانما هو كنور السراج و كلب اللوز و لو كان مؤلفا في ذاته او مختلفا لما ظهرت فيه الوحدة و لما كان دليلا علي الواحد تعالي و لانه اثر و الاثر يشابه

 

«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 33 *»

صفة مؤثره التي عنها حدث و لا شك ان مؤثره و مدلوله واحد بسيط فيكون بسيطا و انما تكثر ظاهرا لتكثر عوارضه و هذا باطل و ادلته مدخولة يطول الكلام بردها و ليس هنا محله فان عرض في المتن ما يدل عليها استطردناها ان شاء الله تعالي و هؤلاء منهم من يقول هو وجود و منهم من يقول هو ماهية و من قال انه مركب قال ان كل شئ مخلوق لا بد و ان يكون له اعتبار من ربه و هو وجوده و اعتبار من نفسه و هو ماهيته و هما متغايران و قد اشار تعالي الي ذلك بقوله و من كل شئ خلقنا زوجين ، و قال الرضا عليه السلام ان الله تعالي لم‌يخلق شيئا فردا قائما بذاته دون غيره للذي اراد من الدلالة عليه و استشهد بالآية و لذا قالوا كل ممكن زوج تركيبي و هذا هو الحق الذي يشهد به النقل و العقل و سيأتي بيانه ان شاء الله تعالي و من قال انه بسيط كالمركب منهم من قال انه وجود وقع الصنع عليه و الماهية ليست مجعولة اصلا او ليست مجعولة بنفسها بل بجعل الوجود او ليست مجعولة في الاعيان او انها فائضة من ذاته تعالي بغير توسط جعل و لا ارادة و لا اختيار بل بالايجاب المحض او ليست مجعولة و انما هي صور علمية للاسماء الالهية لا تأخر لها عن الحق تعالي الا بالذات او ليست مجعولة بل فائضة من ذاته بغير طلب منها اليه لا بالايجاب المحض او فائضة بطلب منها بلسان استعدادها او انها من مقتضيات الذات و مقتضي الذات لايتخلف عنها و امثال هذه الاقوال و كل من قال بواحد من هذه الاحتمالات جعل الشئ هو الوجود و الماهية متحدة به في الخارج صادقة عليه مستهلكة فيه و ان تغايرا في الذهن كما يراه المصنف او ان الماهية لاحقة له في شيئيته بالذات و ان كانت سابقة عليه لكونها غير مجعولة ففي الحقيقة هي خارجة عن مفهومه و ان كانت مقومة له في الظهور كسائر الاعراض و بعضهم قال الشئ هو الماهية و جعلها اولا و بالذات و جعل الوجود ثانيا و بالعرض فهي الشئ و الوجود عرض او عارض علي الاحتمالين و بعضهم قال الشئ هو الوجود و الماهية عرضت للوجود كالاحتمال الثاني و هذا الوجود هو بعينه وجود الحق سبحانه و المصنف مشارك لهم و بعض هؤلاء قال هذا الوجود وجود مشية الله لا

 

«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 34 *»

وجود الله و لا وجود محدث كما يقوله ضرار بن عمر و في كل هذه الاقوال المتكثرة المختلطة الشئ عندهم واحد الا ان الماهية او الوجود علي ذلك القول لازم له فهو بلزوم الآخر له كالمركب فالشئ المخلوق بسيط كالمركب لاجل ملازمة الآخر له و لحوق بعض الاحكام له باضافة اللازم و ما حكيناه عنهم فيه تسامح في التفصيل لعدم فائدة الاستقصاء و استلزامه التطويل و انما ذكرت بعض اقوالهم لتنتفع بالاطلاع عليها فيما بعد و من قال انه مركب كالبسيط قال ان اول فائض اجزاء لاتتجزأ الف الشئ منها فهو مركب منها الا انها ليست مختلفة ليتحقق فيه ما يترتب علي المركب من الاشياء المختلفة فهو و ان كان مركبا بمعني التأليف فهو كالبسيط و الحاصل علي المذهب الحق اعني الثاني و هو التركيب الحقيقي في كل مخلوق من العوالم الثلثة اعني الجبروت الذي هو عالم العقول و الملكوت الذي هو عالم النفوس و الملك الذي هو عالم الاجسام بكون الوجود في كلها جزء الشئ و الماهية البسيطة الاولي جزؤه الآخر فقوله انه الاصل في كل موجود قد يوجه و اما قوله و ما عداه كعكس و ظل و شبح فمبني علي اصله و هو ليس بصحيح كما يأتي بل كل موجود فحقيقته مركبة من اصلين اولهما من فعل الله تعالي و هو الوجود و ثانيهما من الموجود و هو الماهية التي هي انفعاله بفعل الفاعل لان المخلوق فاعل فعل فاعله كما مر و يأتي البيان بنمط العيان ان شاء الله تعالي و الظل و الشبح بمعني واحد و العكس بينه و بينهما عموم و خصوص مطلق .

قال ثم نذكر قواعد لطيفة و مباحث شريفة سنح لنا بفضل الله سبحانه و الهامه و هذا يتوقف عليه معرفة المبدأ و المعاد و علم النفس و حشرها الي الارواح و الاجساد و علم النبوات و الولايات و سر نزول الوحي و الآيات و علم الملئكة و الهاماتها و علاماتها و الشياطين و وساوسها و شبهاتها و اثبات عالم القبر و البرزخ و كيفية علم الله بالكليات و الجزئيات و معرفة القضاء و القدر و القلم و اللوح و اثبات المثل الافلاطونية و مسئلة اتحاد العقل

 

«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 35 *»

بالمعقولات و اتحاد الحس بالمحسوسات .
اقول كيفية بدأ العالم من الفعل الي العقل و منه الي الروح و منه الي النفس و منه الي الطبيعة ثم جوهر الهباء ثم المثال ثم الفلك الاعلي ثم الكرسي ثم الافلاك السبعة ثم العناصر ثم المعادن ثم النباتات ثم الحيوانات و علم المعاد من المعادن ثم النباتات ثم الحيوانات علي احد الاحتمالين ثم الكون في الدنيا و ما يجري فيها من التكاليف الوجودية و الوجودات التكليفية و احكام احوال الطورين من الاعادة بعد عدمها او بعد تفرق اجزائها . منه دام ظله العالي ، ١٢ .
ثم الممات ثم القبر و الاحوال التي تجري فيه كما ذكره الشارع (ع‌) و علم النفس التي معرفتها معرفة الله و التي يترقي الي اعلي الدرجات بتهذيبها و تعديل احوالها بتوسطها بين طرفي حاليها و حشر النفس يوم القيمة الي الارواح و الاجساد علي احد الرائين من الاسلاميين قول المسلمين باعادة الاجسام و قول غيرهم باعادة الارواح خاصة ، منه (اع‌) .
و غيرهم علي فرض مغايرة الروح للنفس فان الروح تطلق تارة علي العقل و تارة علي النفس فمعني حشر النفس الي الروح التي هي العقل جمعها به لان كل روح ما بين النفختين مدة اربعمأة سنة تنجذب الي ثقبها من الصور و فيه ستة منازل لان كل منزل يحل فيه رتبة من الروح التي هي النفس و نعني بها ما كان يقبضه ملك الموت ففي المنزل الاول يحل فيه مثالها و في الثاني مادتها و في الثالث طبيعتها و في الرابع نفسها و في الخامس روحها و في السادس عقلها فاول نفخة الصعق الذي هو الجذب يبدأ بالمثال و اول البعث يبدأ بسوق العقل الي الروح و الي النفس و علي قول اهل الاسلام و الي الطبايع و الي المادة و الي المثال و الي الجسد فتركيب العود كتركيب البدأ كما بدأكم تعودون و معرفة علم النبوات بانها لطف واجب في الحكمة علي الله مقرب من

 

«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 36 *»

الطاعة مبعد من المعصية بحيث لايبلغ الي الالجاء و معرفة الولايات كذلك لانها بدل النبوة و نائبها هذا ما يظهر من باب الاجمال و معرفة سر نزول الوحي و الآيات انه ترجمة اوامر الله و نواهيه و السن ارادته و تفسير مطالبه من خلقه فهي الاشراقات التأسيسية للايجادات الشرعية التكليفية و التكليفات الايجادية و معرفة علم الملئكة بانها الواح افعاله و حملة اوامره و نواهيه كما قال اميرالمؤمنين عليه السلام و القي في هويتها مثاله فاظهر عنها افعاله ، و الهاماتها من الله سبحانه ما يرد من فيض اركان عرشه في حقايقها من بواعث اوامره و نواهيه من محو و اثبات و ايجاد و اعدام و قبض و بسط و علاماتها ما يجد المكلف في الواح وجدانه مما يطابق الشرع لانه ترجمان وحي الله و الوحي علي ثلثة احوال وقع في القلب و كلام من بعض الجمادات و النباتات و الحيوانات و ما اتت به الملئكة و معرفة الشياطين بانهم الواح اسباب خذلانه و حرمانه و وساوسها بواعث نفسانية تكون لها كالارواح تستند الي هوي النفوس الامارة بالسوء و شبهاتها ما تورده علي خواطر المكلف مما ينافي الحق من ابواب ما انست به او اعتادته او مالت اليه بشهوتها او راحتها او في صورة النصح لها او في صورة حفظ دعواها او تقويتها و ما اشبه ذلك و اثبات عالم القبر ما اخبر به الشارع صلي الله عليه و آله من كتابة رومان فتان القبور و منكر و نكير و مبشر و بشير و ضغطة القبر و هول المطلع و ما اشبه ذلك و البرزخ و هو حالة ما بين الدنيا و الآخرة من مضي ارواح ماحضي الايمان الي الجنة بالمغرب و زيارتهم في الجمع و الاعياد وادي السلام و

 

«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 37 *»

اهاليهم و مواضع حفرهم و ماحضي الكفر و النفاق الي النار عند مطلع الشمس و عند غروبها يمضون الي بلهوت في برهوت من حضرموت و ما يجري علي الارواح الي نفخة الصعق و علي الاجساد كذلك و معرفة كيفية علم الله بالكليات اي علي وجه كلي او بكليات الاشياء و هي العوالم الكلية التي تحتها افراد و اشخاص او الكليات المنتزعة كالطبيعية و المنطقية و العقلية فانها اشياء ثابتة في الجانب الايسر من الاكوان و هذه المسئلة قد هلك فيها اكثر الخلق فلاتجد الا مشبها و منكرا الا من قال بقول محمد و آله صلي الله عليه و آله لايخطو قدما الا بقولهم و قد كتبت علي رسالة للملا محسن التي وضعها في العلم لابنه علم‌الهدي معني ما قاله ائمة الهدي عليهم السلام فلاتجد شيئا من كلامي موافقا لما كتب لانه تبع القوم فجري عليه قول اميرالمؤمنين صلوات الله و سلامه عليه ذهب من ذهب الي غيرنا الي عيون كدرة يفرغ بعضها في بعض و ذهب من ذهب الينا الي عيون صافية تجري بامر الله لا نفاد لها ه‍ ، و الحاصل الحق في هذه المسئلة خلاف ما يعرف الاكثر و يهون الخطب علي من وجد و عرف ان العلم عين المعلوم في الواجب و الممكن و الغيب و الشهادة و من لم‌يعرف هذا فلايصيب الحق في هذه المسئلة ابدا و يأتي بيان ذلك ان شاء الله تعالي و معرفة القضاء و القدر عند القوم ان القضاء حكم ازلي لايتعلق به حكم البداء و هو متقدم علي القدر و القدر متفرع عليه و متقدم علي الفعل فهو متعلق المحو و الاثبات و من كشف عن حقايق معاني ما قالوا وجد فيها دلائل التشبيه كما قال جعفر بن محمد عليهما السلام علي ما رواه الشيخ في المصباح في الدعاء بعد الوتيرة بدت قدرتك يا الهي و لم‌تبد هيئة فشبهوك يا سيدي و اتخذوا بعض آياتك اربابا يا الهي فمن ثم لم‌يعرفوك ه‍ ، و مما يدل علي التشبيه قولهم ان القدر سابق علي الفعل كما هو شأن الحادث يقدر ثم يفعل و الحاصل ان القدر عند اهل البيت عليهم السلام و من يأتم بهم سابق علي القضاء كما ذكر الكاظم عليه السلام و معناه ما ذكروه عليهم السلام لا ما ذكره القوم لانه

 

«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 38 *»

معني غير مستعمل عند اهل الوحي عليهم السلام و انما معناه عندهم كما قال في الوافي و اما في الاخبار فالقضاء بمعني الحكم و الايجاب فيتأخر عن القدر انتهي ، و الحق ان الفعل الايجادي ان تعلق بالكون اي الوجود فهو المشية و بالعين اي الصورة النوعية فهو الارادة و بحدود المصنوع اي الهندسة كالطول و العرض و البقاء و الفناء و الاجل و ما اشبه ذلك فهو القدر و باتمام الصنع و المصنوع فهو القضاء و باظهاره مشروح العلل مبين الاسباب فهو الامضاء و معرفة القلم و هو ملك يستمد من الدواة و هو ملك و يؤدي الي اللوح و هو ملك فالقلم هو العقل الكلي و اللوح هو النفس الكلية و المثل النورية الافلاطونية بضم الميم و الثاء و هي صور الاشياء و نسب بعضهم الي ان افلاطون اثبت صور الاشياء التي هي وجوهها و حقايقها في ذات المبدء الفياض و يريد اثباتها في ذات الحق تعالي عز و جل و عبارات القوم تطابق هذا المعني فانهم اثبتوا كل الاشياء في ذاته تعالي بنحو اشرف منها في ذواتها قال الملا محسن في رسالته ان للاشياء كلها حصولا لذاته سبحانه بعد مرتبة علمه بذاته بعدية بالذات و الرتبة من غير لزوم كثرة في ذاته بسبب تكثرها لوقوعها علي الترتيب الذي يجمع الكثرة في وحدة و قال في الكلمات المكنونة في ذكر وجود العالم قال فان الكون كان كامنا فيه معدوم العين و لكنه مستعد لذلك الكون بالامر و لما امر تعلقت ارادة الموجد بذلك و اتصل في رأي العين امره به ظهر الكون الكامن فيه بالقوة الي الفعل فالمظهر لكونه الحق و الكاين ذاته القابل للكون فلولا قبوله و استعداده للكون لماكان فماكونه الا عينه الثابتة في العلم لاستعداده الذاتي الغير المجعول و قابليته للكون و صلاحيته لسماع قول كن و اهليته لقبول الامتثال فمااوجده الا هو و لكن بالحق و فيه او نقول ذات الاسم الباطن هو بعينه ذات الاسم الظاهر و القابل بعينه هو الفاعل فالعين الغير المجعولة عينه تعالي فالفعل و القبول له يدان و هو الفاعل باحدي يديه و القابل بالاخري و الذات واحدة و الكثرة نقوش فصح انه مااوجد شيئا الا نفسه و ليس الا ظهوره انتهي ، و كذلك قال الفارابي الي ان

 

«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 39 *»

قال و يتحد الكل بالنسبة الي ذاته فهو الكل في وحدة و امثال هذا من عباراتهم و اما من عرف مراد افلاطون فانه يعلم انه يريد بالذي فيه المثل هو العنصر الاصلي الذي منه خلقت الاشياء لانه يريد مراد مشائخه و هم يأخذون الحكمة عن الانبياء عليهم السلام غالبا و ربما يقولون ذات الله و يريدون ذات ولي الله المطلق عليه السلام بمعني انها ذات لله نسبها اليه تشريفا كما قال تعالي و نفخت فيه من روحي ، و قول علي عليه السلام في وصف انفسهم الشريفة قال اصلها العقل منه بدأت و عنه وعت و اليه دلت و اشارت و عودها اليه اذا كملت و شابهته و منها بدأت الموجودات و اليها تعود بالكمال فهي ذات الله العليا و شجرة طوبي و سدرة المنتهي و جنة المأوي من عرفها لم‌يشق و من جهلها ضل سعيه و غوي الحديث ، و الاخبار بظاهرها مختلفة في المراد من ذلك الاصل و اختلف العلماء فيه فقيل هو الماء الذي جعل منه كل شئ حي و قيل هو الوجود و قيل هو العقل و قيل هو العرش و قيل هو اللوح و يمكن الجمع بينها فمن قال هو الوجود فيراد منه الهيولي كما قررناه و من قال هو الماء فاهل الظاهر علي ظاهرهم و اهل الباطن يأولونه بالوجود و اهل التأويل يأولونه بالهيولي لقبولها ما لايتناهي من الصور و من قال هو العقل اراد بما فيه معاني الاشياء المجردة عن المدة الزمانية و المادة العنصرية و الصورة الاسية و النفسية و المثالية و من قال هو العرش اراد ان فيه مثال كل شئ كما روي عنهم عليهم السلام مثل ما روي في عجايب المخلوقات عن الصادق عليه السلام قال ما من مؤمن الا و له مثال في العرش فاذا اشتغل بالركوع و السجود فعل مثاله مثل ذلك فعند ذلك الملئكة يصلون عليه و يستغفرون له فاذا اشتغل العبد بالمعصية ارخي الله تعالي علي مثاله سترا لئلاتطلع الملائكة عليه و هذا تأويل قوله عليه السلام يا من اظهر الجميل و ستر القبيح ه‍ ، و في خطبة البيان قال عليه السلام قال تعالي رفيع الدرجات ذو العرش و في العرش مثل ما خلق الله في البر و البحر و ذلك قوله تعالي و ان من شئ الا عندنا خزائنه ه‍ ، و من قال انه اللوح اراد انه النفس الكلية التي هي محل الخلق الثاني و العقد الاول

 

«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 40 *»

و معرفة مسئلة اتحاد العاقل بالمعقول علي ما يأتي من طريقة المصنف من القول بوحدة الوجود و التزم لتصحيح هذه القاعدة اشارة الي قوله و القواعد من النساء اللاتي فان قاعدته هذه من النساء ، منه .
من النساء و امرأة قاعدة اذا اتت عليها سنون لم‌تتزوج و اذا لم‌تحمل المرأة او النخلة قد قعدت فهي قاعدة و جمعها قواعد و تأويلها انها قد ثبت علي ترك الحمل و اذا قعدت عن الحيض فهي قاعد بغير هاء لانه لا فعل لها في قعودها عن الحيض ( مجمع‌البيان ) .
ما لزمه بما فيه من فساد الاعتقاد و التجازف في التحقيق بما لايليق بمثله و سيأتي ان شاء الله تعالي بيان بطلان جميع ما اعتمد عليه و بيان قبح ما التزمه مثل اتحاد الفاعل بالمفعول و العلة و المعلول و ما اشبه ذلك اما اتحاد العقل بالمعقول علي معني انه كتاب معنوي اي كتاب معان و المعقولات حروفه و كلماته و نعني بالعقل هنا التعقل الذي هو وجه العقل الذي هو القلب فالقلب في الصدر يعني متعلقه الجسم الصنوبري تعلق تدبير و هو العقل و اما العقل الذي هو التعقل فمتعلق بالدماغ كذلك فهو كالرأس من الجسد بالنسبة الي القلب و نريد به محل انتزاع المعاني لا القوة المنتزعة و معرفة اتحاد الحس بالمحسوس مذهب المصنف فيه مثل اتحاد العاقل بالمعقول بناء علي اصله و الكلام هنا كالكلام فيما قبله و الاتحاد عندنا في الحس الذي هو المرءاة لا القوة المدركة .

قال و مسئلة ان البسيط كالعقل و ما فوقه كل الموجودات و ان الوجود كله مع تباين انواعه و افراده ماهية واحدة و تخالف اجناسه و فصوله حدا و حقيقته جوهر واحد له هوية واحدة ذات مقامات و درجات عالية او نازلة الي غير ذلك من المسائل التي توحدنا باستخراجها و تفردنا باستنباطها مما قررناه في الكتب و الرسائل تقربا و توسلا الي مبدء المبادي و اول الاوايل .
اقول يريد بما فوق العقل هو المعبود بالحق عز و جل كما هو المعروف من كلامهم كقولهم انه صادر عنه تعالي بذاته من ذاته و لم‌يخلق شيئا قبله و المعروف من مذهب اهل البيت عليهم السلام كما هو صريح احاديثهم بلا

 

«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 41 *»

تعارض و يدل عليه كتاب الله و العقل المستنير بانوارهم عليهم السلام ان فوق العقل الارض الميتة و ارض الجرز و هي ارض القابليات و الزيت الذي يكاد يضي‌ء و لو لم‌تمسسه نار و فوق هذا الماء الذي جعل الله منه كل شئ حي و هو الوجود الفايض بفعل الله تعالي بلا واسطة و هو العنصر الذي عناه افلاطون بان فيه مثل الاشياء علي احتمال و علي احتمال آخر العنصر الذي فيه المثل هو ارض الجرز و مرجع الاحتمالين الي ذلك المثل هي حصص الهيولي و المواد فعلية هو الماء و الوجود او حصص الصور و الفصول و هو الزيت و ارض الجرز و الحاصل ان المراد بالعنصر هو الدواة و هو المقبول او القابل و القلم الذي هو العقل علي الاصح يستمد من الدواة و يؤدي الي اللوح بواسطة الرقايق الروحانية التي هي بمنزلة المضغ في تركيب جسد الانسان و قبله مشية الله التي هي فعله و السرمد الذي هو وقته و الامكان الذي هو مكانه و هو العمق الاكبر و هذه الثلثة هي الوجود الراجح و الماء و ارض الجرز يجوز ان يقال انهما من الوجود الراجح و انهما من الوجود المقيد فما فوق العقل خمسة و الله من ورائهم محيط و كلها مخلوقة لله تعالي بفعله و مراد المصنف ان العقل بسيط و ما فوقه بسيط و هو الله تعالي و كل بسيط الحقيقة فهو كل الاشياء و الموجودات و هذا باطل اما اولا فلان العقل ليس بسيط الحقيقة الا بالاضافة الي من دونه من عالم الملك و انما توهموا انه بسيط من كلام اوائل الحكماء لانهم كانوا يتلقون الحكمة من الانبياء عليهم السلام و قد يستنبط الحكيم البالغ بعد الحكم فيقع الخطأ في استنباطهم و كتبوا كتبهم بالسريانية و لما عربت وقع بعض الغلط في التعريب و في فهم كلام المشايخ فاذا قالوا هذا العقل مجرد يريدون انه مجرد عن المادة العنصرية و المدة الزمانية و الصورة الاسية و النفسانية و المثالية و اتي من بعدهم و قال ان العقل مجرد بسيط الحقيقة كما يطلق علي الخالق تعالي لان المخلوق تعالي مؤلف لا بد له من اعتبارين اعتبار من ربه و هو الوجود و هو مادته و اعتبار من نفسه و هو ماهيته و هو الصورة و ذلك لان كل ممكن زوج تركيبي فليس شئ ببسيط الحقيقة الا الله تعالي و كيف يقال انه بسيط و خالقه اخبر بانه مركب

 

«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 42 *»

في قوله تعالي مثل نوره كمشكوة فيها مصباح الآية ، الي ان قال و لو لم‌تمسسه نار فشبه نوره الذي هو العقل علي ما دلت عليه الروايات تصريحا و تلويحا بالمصباح المركب من دهن و نار و قوله كل الاشياء غير صحيح لان البسيط الحق ليس معه في ازله الذي هو كونه البسيط الحق شئ فلايكون كل الاشياء من ليس معه شئ و لايكون من معه شئ بسيطا حقا و يأتي بيان بطلان هذه الدعوي في محلها ان شاء الله تعالي و اما العقل فليس بسيطا و فوقه اشياء غير المعبود بالحق و ليس بسيط الحقيقة كل الاشياء لان البساطة تنافي نسبة كل و تنافي وجود المغاير لان وجود الغير ان كان غيرا فلا بساطة و الا فلا غير و هذا حكم يصدق في نفس الامر و في الاعتبار و الفرض لما بينا ان الفرض و الاعتبار خلق الله و عباده من الموجودات الخارجية الدهرية او الزمانية و قوله ان الوجود كله مع تباين انواعه الي قوله هوية واحدة هذا علي ظاهر اطلاقه ليس بصحيح لان صحة كلامه مبنية علي كون المراد من الوجود هنا الوجود المطلق الذي هو في الواجب و الحادث حقيقة واحدة فما في الحادث واجب و الحدود الحادثة موهومة لاحقة للرتبة و هذا هوية واحدة و لا شك في بطلان هذا القول و يأتي بيان بطلانه و بطلان ما استدل به المصنف من المقدمات ان شاء الله تعالي و اما قوله ذات مقامات و درجات عالية ففيه انه ان كان تنزلاته بذاته انقلب عن حقيقته لان التنزلات يلزمها التعينات المتعددة المختلفة و هي تلزمها التقييدات المعينة كالرتبة و الجهة و الكم و الكيف و الوقت و المكان و الوضع و ما يلحق بها من المتممات لماهية كل تنزل و رتبة من اركان ذات الشئ لانها حدود ماهيته و هندستها لاتعقل للشئ هوية بدونها اذا نزل فاذا نزل بذاته تبدلت تلك المشخصات فلايكون هو اياه فان الفصول اذا تبدلت تبدلت الانواع و اختلفت اذ لايتميز النابح من الناهق الا بالفصول التي هي المشخصات المذكورة و هي في الجنس واحد مثاله في الالفاظ قمر و قرم و مرق و مقر و

 

«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 43 *»

رمق و رقم فان المادة في الجنس واحدة و لما قلبت الكلمة تغير المعني تغيرا عظيما و لم‌يختلف فيها الا الوضع و كذا قمر و رقم في الكم الذي هو القلة و الكثرة و الحاصل انك اذا اخذت حصة من الحيوان صلح لما شئت من انواع الحيوانات باختلاف الفصول فكذلك الوجود لو تنزل بذاته لم‌يكن اياه و ان كانت تنزلاته بمظاهره التي هي افعاله و آثار افعاله لم‌تكن هذه الكثرات هوية واحدة فافهم و يأتي تتمة البيان ان شاء الله تعالي و قوله توسلا الي مبدأ المبادي و اول الاوايل ، ان اراد به التعبير للتفهيم علي جهة المجاز فلا بأس الا انه قد يحصل به لبس علي كثير من الناظرين في كلامه لانهم لايفهمون منه الا الحقيقة و ان اراد به الحقيقة منعه قوله تعالي لم‌يلد و لم‌يولد و لم‌يكن له كفوا احد فان مبدء المبادي مساو للمبادي في المبدئية او متحد بها علي رأي المصنف من اتحاد المتضايفين علي اي معني فرض في المبدء و كذلك اول الاوايل و انما انبه علي هذا و مثله ليعلم مذهبه لان مذهبه ذلك و لو كان القائل لهذا الكلام مثلا انا لم‌يعترض علي لاني لااري هذا الرأي و انما اقول كما قال اميرالمؤمنين عليه السلام انتهي المخلوق الي مثله و الجأه الطلب الي شكله ، فيحمل كلامي اما علي المجاز او علي ان مرادي بمبدأ المبادي و اول الاوائل المخلوق الاول .

قال و علومنا هذه ليست من المجادلات الكلامية و لا من التقليدات العامية و لا من الانظار الحكمية البحثية و المغالطات النفسية و لا من التخيلات الصوفية بل هي من البرهانات الكشفية التي شهد بصحتها كتاب الله و سنة نبيه صلي الله عليه و آله و احاديث اهل بيت النبوة و الولاية و الحكمة سلام الله عليه و عليهم اجمعين و جعلت هذه الرسالة مطوية علي فاتحة و موقفين كل منها مشتمل علي مشاعر سميتها بها لمناسبة بين الفحوي و الظاهر و العلن و السر مستعينا بالله و مستمدا من اهل ملكوته .
اقول كلامه هذا ذكره سابقا و هذه الدعوي انا احب ان تعرضها علي عقلك و اياك ان تنظر الي من قال فتقول في نفسك هذا فاضل العصر و واحد

 

«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 44 *»

الدهر كيف يجوز ان تقع منه مثل هذه الاغلاط و الهفوات البينة فتكابر عقلك حتي يدعوك الحال الي تأويل ما قال و تصحيحه و ان لم‌يدل عليه كلامه بل تنظر الي ما قال و انا اذكر لك الآن قوله الآتي قال فانك اذا فرضت بسيطا هو ج مثلا و قلت ج ليس ب فحيثية انه ج ان كانت بعينها حيثية انه ليس ب حتي تكون ذاته بذاته مصداقا لهذا السلب فيكون الايجاب و السلب شيئا واحدا و لزم ان يكون كل من عقل الانسان عقل ليس بفرس بان يكون نفس عقله الانسان نفس عقله ليس بفرس لكن اللازم باطل فالملزوم كذلك فظهر و تحقق ان موضوع الجيمية مغاير لموضوع انه ليس ب و لو بحسب الذهن فعلم ان كل موجود سلب عنه امر وجودي فهو ليس بسيط الحقيقة بل ذاته مركبة من جهتين جهة بها هو كذا و جهة هو بها ليس كذا فبعكس النقيض كل بسيط الحقيقة هو كل الاشياء انتهي ، فاسئلك بالله هل كلامه هذا من البراهين التي يشهد لها الكتاب و السنة و احاديث الائمة عليهم السلام ام من الانظار الحكمية البحثية و المغالطات النفسية فان قلت بالاول فانا اسأل الله سبحانه ان يصلح لك وجدانك فاذا لم‌يكن كلامه هذا من الانظار الحكمية البحثية فما الانظار الحكمية البحثية و كل رسالته من هذا القبيل الذي نفاه و ابطله ثم اقول في بعض نقض كلامه هذا بسيط الحقيقة هو الذي فرض معه شئ غيره و لم‌ينف عنه لئلاتتركب حقيقته من الاثبات و النفي ام هو الذي لم‌ينف عنه شئ لانه لم‌يكن معه شئ في رتبته فان كان بسيط الحقيقة هو الذي معه شئ غيره و لم‌ينف عنه فهذا مركب و ان نفي عنه ذلك الغير لم‌يكن ذلك البسيط كل شئ اذ لا شئ الا المنفي فيتركب من الاثبات و النفي و ان كان هو الذي لم‌ينف عنه شئ لعدم وجود شئ في رتبته فهذا بسيط الحقيقة و لكن اي شئ يكون هو كله ثم الاشياء كلها صنعه منها ما كان و منها ما سيكون و منها ما لايكون و ان كان ممكنا و منها حق و منها باطل و منها طيب و منها خبيث و كل شئ من هذه انما هو شئ بما هو هو من طيب و خبيث و حق و باطل و كون و عدم فعلي قوله بعكس النقيض هو كل ما كونه و ما لم‌يكونه و كل حسن و كل قبيح و ايضا النفي

 

«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 45 *»

لايكون قيدا للثابت الا اذا اخذ قيدا للاثبات الذي هو الايجاد ليتحقق التركيب في الحقيقة لا النفي الذي هو لنفي شئ ليتميز آخر عند المميز كما في الصفات السلبية و لذا قال اميرالمؤمنين عليه السلام لكميل محو الموهوم و صحو المعلوم فافهم و يأتي ان شاء الله تعالي كمال البيان في محله فعكس النقيض الذي ذكره مبني علي ما نفاه من التقليدات و المغالطات و التخيلات و المصنف كان حيا من الاشياء مجتمع الاجزاء و الآن هو ميت متفرق الاجزاء فيدخل باحواله المتغيرة في تلك الاشياء فان مثل التغيرات بامواج البحر بالنسبة الي البحر كما يلحدون فيه فهل التغيرات من الاشياء حال تغيراتها و انما هي شئ بما هي تغيرات فان جعلها موهومة فكل محدث موهوم و هو ما يلحق هو به من الوجود و ما كلامه الا كما ذكره ابن‌عربي في الفصوص في قوله : و لولاه و لولانا لماكان الذي كانا ، الي ان قال :
و غذ خلقه منه تكن روحا و ريحانا       ** * **      فاعطيناه ما يبدو به فينا و اعطانا
علي ان معني كونه كل الاشياء يرجع الي احد الامرين اما ان يكون هو كل الاشياء من حيث غيره بما فيها من نقائص الامكان لان هذه النقائص ايضا من الاشياء و اما ان يكون كل الاشياء لا من حيث الاشياء او من حيث لا اشياء و لا مغاير بوجه ما و لايعلم سبحانه شيئا سواه و كلها باطلة فيبطل المعني علي الاولين و اللفظ علي الثالث و ليس هذا موضع الكلام علي ما ذكره و انما ذكرناه علي قوله ان ما يذكره يشهد له الكتاب و السنة و ليس من الانظار الحكمية البحثية ثم انظر فيما ذكرته لاي القولين يشهد الكتاب و السنة و احاديثهم عليهم السلام و قوله لمناسبة بين الفحوي و الظاهر الفحوي هو المعني و استعمله في معني الاشارة و قوله مستمدا من اهل ملكوته الملكوت مبالغة في الملك و هو عند العرفاء يستعملونه غالبا في عالم النفوس و اما الجبروت فالاكثرون يطلقونه

 

«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 46 *»

علي عالم العقول و بعضهم يطلقه علي مجموع الملك و الملكوت و منهم من يعكس فيجعل الملكوت اعلي من الجبروت و يستعمل الملكوت كثيرا في القرءان و الاخبار علي زمان الشئ الذي به قوامه و المراد به هنا عند المصنف العقل الفعال يعني به الحق المخلوق به و يأتي ان شاء الله تعالي الكلام فيه في محله زيادة علي ما تقدم .

قال الفاتحة في تحقيق مفهوم الوجود و احكامه و اثبات حقيقته و احواله و فيه مشاعر .
اقول يريد بمفهوم الوجود ما هو اعم من الاصطلاحي يعني معلوميته بما ذكر من بيانه بانه حقيقة كل شئ و انه ليس المراد به الامر الانتزاعي الذهني و ما اشبه ذلك و علي هذا المعني يراد بالمفهوم هو المعني الخارجي و باحكامه مثل قوله انه حقيقة كل شئ و ما اشبه ذلك من كونه منبسطا علي جميع الحقايق مع توحده في نفسه من غير لزوم كثرة في ذاته و باثبات حقيقته مثل قوله لو لم‌يكن الوجود موجودا لم‌يكن شئ من الاشياء موجودا و باحواله مثل كيفية شموله للاشياء و يأتي الكلام فيها ان شاء الله تعالي .

قال المشعر الاول في بيان انه غني عن التعريف انية الوجود اجلي الاشياء حضورا و كشفا و ماهيته اخفاها تصورا و اكتناها و مفهومه اغني الاشياء عن التعريف ظهورا و وضوحا و اعمها شمولا و هويته اخص الخواص تعينا و تشخصا اذ به يتشخص كل متشخص و يتعين كل متعين متخصص و هو متشخص بذاته متعين بنفسه كما ستعلم .
اقول الانية للشئ حقيقته بلحاظ كونه ثابتا حاقا فهو اجلي الاشياء يعني انه ابينها و اظهرها حضورا و كشفا لان الحضور و الكشف انما هو بالموجودية التي هي اثر الوجود و ماهية الشئ ما به يجاب عن السؤال بما هو من حقيقته اما بحده الحقيقي او بحقيقته المعلومة بالبداهة فماهية الوجود التي هي كنهه و حقيقته المسؤل عنها اخفي الاشياء و ابعدها عن العقول و الافهام تصورا و اكتناها لان

 

«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 47 *»

الشئ اذا اردت تصوره لا بد ان يتوجه عقلك او خيالك الي جهته التي يحل فيها و رتبته من الوجود و يتمثل هيئته التي بها يمتاز عن غيره فاذا كان الشئ هو الوجود فارادتك و عقلك و توجهه و الجهة او الرتبة و التمثل و الهيئة و الامتياز و الغير و ما اشبه ذلك ليست غير الوجود فاي شئ تطلب فهو الطالب و المطلوب و الطلب و مفهوم الشئ ما يفهم من اطلاق لفظ اسمه خاصة باعتبار دلالة مادته و هيئته الموضوعين بازاء معناه الذهني الانتزاعي لمراعاة المناسبة لمعناه الخارجي الذي لاجله التأليف و لاجله الوضع و قد يستعمل في المعني الذي وضع اللفظ بازائه و هو مراده هنا و مفهومه اغني الاغنياء عن التعريف لان كل ما سواه لا يعرف الا به و لايظهر و لايتضح الا به قوله و اعمها شمولا لان كل شئ هو شئ ان كان موجودا و ان لم‌يكن موجودا فليس شيئا فقوله اعمها اي الاشياء شمولا انما يصح علي قولي بان كل شئ موجود و اما قوله بان الشئ اعم من الوجود يكون الشئ اعم من الوجود شمولا و هوية الشئ هي حقيقته المشار اليها بهاء التثبيتية الدالة باصل الوضع علي تثبيت الثابت و بالواو الدالة علي الغيبة عن الحواس فهوية الشئ حقيقته المميزة بالاشارتين فهوية الوجود اخص الخواص تعينا و تشخصا لان تعينه و تشخصه من ذاته بمعني ان تعينه و تشخصه ليس من غيره و تعين غيره و تشخصه منه و هو قول المصنف اذ به يتشخص كل متشخص و يتعين كل متعين لان التشخص و التعين قوة ظهور المتشخص و المتعين و شدته و هما مقابلان للخفاء و الضعف اللذين سري فيهما الفقد و العدم و هذا ظاهر و في ذكره الانية و الماهية و الكنه بعنوان المغايرة فيه نظر الا انه لا فائدة كثيرة في بيان ذلك.

قال و اما انه لايمكن تعريفه فلان التعريف انما يكون بالحد و الرسم و لايمكن تعريفه بالحد حيث لا جنس له فلا فصل له فلا حد له و لا بالرسم اذ لايمكن ادراكه بما هو اظهر منه و اشهر و لا بصورة مساوية له فمن رام تعريفه

 

«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 48 *»

فقد اخطأ اذ قد عرفه بما هو اخفي اللهم الا ان يراد تنبيها و اخطارا بالبال و بالجملة تعريفا لفظيا .
اقول يريد بقوله انه لايمكن تعريفه لما يلزم من ذلك فان ما يعرف به الوجود ان كان وجودا لزم تعريف الشئ بما لايعرف الا به او تعريفه بنفسه فيلزم الدور و ان كان غير وجود لزم تعريف الشئ بما ينافيه فيكون سترا له لا كشفا له فلايكون تعريفه ممكنا و لان التعريف ان كان بالحد تاما او ناقصا لا بد فيه من الجامع و هو الجنس قريبا او بعيدا فيكون جامعا له و لغيره و لا شئ غير الوجود يدخل معه و لايدخل فيه مع غيره الا العدم و لايجمع المتنافيين جامع و الفصل المانع موقوف علي وجود الجامع و كذا تعريفه بصورة مساوية له فان حصول الصورة المساوية له موقوف علي ثبوت غيره الا ان يعرف بعض مظاهره ببعض لاجل التنبيه كما قال تعريفا لفظيا و اعلم ان المصنف يريد من الوجود معني غير ما يريده اكثر الباحثين عنه لانه يريد به الوجود المطلق الصادق علي الواجب و الحادث صدقا حقيقيا ذاتيا و هو حقيقة واحدة و كلامنا في الوجود الحادث و ان الوجود المطلق بالمعني الذي عناه باطل و نحن نلاحظ في الكلام علي كلامه ما يصح عندنا فقد يوافقه لفظا و قد يخالفه لانه يعني بهذه الابحاث الواجب تعالي و مع هذا بني مباحث اعتقاده علي ما نفاه سابقا من الانظار الحكمية البحثية التي نفاها مرتين و لم‌يخرج عنها طرفة عين و انما يتعمق فيما قالوه بما قالوه فانه يتعمق في تصحيح احكام القضايا من حمل محمولاتها علي موضوعاتها فيما لم‌يثبت موضوعه او محموله الا في الاعتبار الذي هو ليس شيئا الا في الذهن و ان ما في الذهن ليس منتزعا من خارج بل هو وجود ذهني مستقل فيحمل بزعمه علي الممتنع و الحمل لايصح الا علي موجود و دعوي وجوده في الذهن تكذب القضية لانه ان وجد في الذهن فليس ممتنعا بل هو ممكن فاذا قيل مثلا شريك الباري ممتنع ان كان موجودا في الذهن كذبت القضية و ان لم‌يكن موجودا بطل الحمل و ان كان باعتبار الخارج في الامتناع فليس في الخارج ممتنع و لو سلم فيه امتناع لم‌يكن موضوعا مع انا قد بينا ان ما

 

«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 49 *»

في الذهن لايكون الا انتزاعيا و ان الانتزاعي ظل لايتقوم الا بذات في الخارج الذي هو ذو الظل فيكون الشريك ممكنا و لو سلمنا ان ما في الذهن مستقل فهو ممكن لا ممتنع و كذا حمل ما هو اعتباري عدمي علي موجود و يرتبون عليه احكام وجودية خارجية و الحاصل ان معرفة الله سبحانه و معرفة الاشياء كما هي في اصل البدء لاينال شئ من ذلك بالقوانين المنطقية لان المنطق مبني علي مدارك عقولهم الاكتسابية و علي ما يفهمون من دلالة الالفاظ و الالفاظ وضعها الله سبحانه و تعالي بعلمه كما اطلع عليه اهل العصمة عليهم السلام و قد اخبروا انها علي سبعين وجها و اللغة التي يتعاطونها الناس و بني عليها علم المنطق وجه واحد من سبعين فكيف يكون عقل اسسوا مداركه علي وجه واحد من سبعين يعرف شيئا اصله مبني علي سبعين وجها و ستقف علي ما يصدق مقالي هذا كله ان شاء الله تعالي فاول ما يرد علي تعريف الوجود انه اذا كان كل وجود و ماهية شيئا واحدا في الخارج عند المصنف و ان تغايرا في الذهن و قد قال ان تصور الشئ مطلقا عبارة عن حصول معناه في النفس مطابقا له في العين و يراد من حصول معناه ان حقيقته تكون في الذهن معراة عن العوارض الخارجية و ما العوارض الخارجية علي ما حققناه و سنذكره ان شاء الله تعالي الا الماهية و متمماتها فلم‌يبق من الشئ بعد العوارض الخارجية الا حقيقته و هي الوجود لانه حقيقة كل شئ فاذا جاز نقل الماهية الخارجية الي الذهن بعد طرح عوارضها الخارجية مع ان الذهن و وجوده مغاير لها جاز نقل الوجود اليه بعد طرح ما يعرض له خارجا بحقيقته مع ان الذهن و وجوده غير مغاير له كما اشرنا اليه و نشير فيجري عليه ما يجري علي غيره لوجود الجنس و الفصل لتعدد انواعه و اما علي ما نريد من الوجود الذهني بانه انتزاعي ظلي فما فيه من الماهية كما فيه من الوجود فحكمه فيه حكم غيره فيه ثم اذا كان عنده الوجود حقيقة كل شئ و هو حقيقة واحدة و عنده اكثر الاشياء يجوز تعريفها و لا شك ان المعرف حصة من تلك الحقيقة فيلزمه

 

«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 50 *»

تعريف الحق تعالي بالحد و الرسم فان قال النقوش الكثيرة حادثة قيل له ان كانت بعينها هي الوحدة البسيطة بغير تحييث وقع التحديد و ان كانت من حيث الوحدة البسيطة فليس الوجود من هذه الحيثية لم‌يكن كل الاشياء و العوارض الموجبة للكثرة من الاشياء و ان كانت لاحقة للمراتب و الا كانت الوحدة من حيث هي وحدة كثرة و الكثرة من حيث هي كثرة وحدة و تعدد الاعتبارات انما تجري علي مختلف الجهات و الاحوال و قوله انه شامل للاشياء شمولا لايعرفه الا العلماء الراسخون مصرح بانها غيره و ذلك مناف لكونه كل الاشياء فان ابان التنزلات و الكثرات و المراتب من الحقيقة و فصلها عنها و ميزها باي اعتبار صح الشمول و وقع التحديد و ان جعلها اعداما بطل السريان و الشمول و الكلية المدعاة و الاعتباريات ان حكم عليها بالعدم بطل الشمول و الكلية و ان حكم بالوجود وقع التحديد فتفهم هذه العبارات و معانيها فانها لم‌يكن فيها شئ من دليل المجادلة بالتي هي احسن كما هو مقرر في علم المنطق و ما يشبهه لان المطالب الالهية و المعارف الربانية لاتدرك بدليل المجادلة بالتي هي احسن و انما تدرك و تعرف بدليل الحكمة و هو هذا الموضع الذي تسمع مما كتبت لك فانك اذا نظرت في كلام ائمة الهدي عليهم السلام وجدته من نمط ما كتبت لك لا من نمط ما كتب المصنف بل لايكاد يوجد حرف في احاديثهم من نمط كلام المصنف و انما هو علي نمط ما كتبت لك لانه من دليل الحكمة و الله سبحانه جعل الادلة ثلثة فقال ادع الي سبيل ربك بالحكمة و الموعظة الحسنة و جادلهم بالتي هي احسن ، فدليل الحكمة آلة المعارف الحقيقية كما تسمع من كلامي و المجادلة ما يذكرون في كتب علم الكلام من الحدود و البراهين و الاقيسة و هي آلة اسكات الخصم و استنباط الاحكام الشرعية الفرعية و دليل الموعظة الحسنة مثل ان احتج عليك بان الائمة عليهم السلام علماء حكماء اتقياء ناصحون مؤيدون من الله سبحانه فلايقع منهم سهو و لا غفلة و لا جهل و لايزيغون عن الصواب في حال امر الله العباد باتباعهم و الاخذ عنهم و الرد اليهم فالراد عليهم راد علي الله سبحانه لايسع العباد ترك شئ مما ذكرت لك

 

«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 51 *»

في حقهم فاذا كنت ممن يشهد بكل هذا و امثاله و يدين الله به في الدنيا و الآخرة فلم تركت طريقتهم و التشبه بهم و قد قالوا نحن الاعراف الذين لايعرف الله الا بسبيل معرفتنا و اتبعت غيرهم و تشبهت بهم في العبارات و ان كنت تزعم اني مااقول الا بقولهم و لكن هذا لايصدق الا بالفعل لا بالقول فقد روي عنهم عليهم السلام ان كل ذي يقين فانه يري يقينه في عمله فان قطعت و تيقنت ان الحق لهم و معهم و فيهم و بهم و النجاة في اتباعهم و التشبه بسيرتهم وجدناك في الاعتقاد و التعبير عن ذلك الاعتقاد متبعا لهم و الا فلا لان كل ما تطمئن اليه تتبعه و لسان الحال اصدق من لسان المقال فاحتجاجي عليك بهذا النمط من دليل الموعظة الحسنة و منه قوله تعالي قل ارأيتم ان كان من عند الله ثم كفرتم به من اضل ممن هو في شقاق بعيد و لو كانت طريقة اهل علم الحكمة المعروفة و المنطق و امثالهما مما يوصل الي الحق من الطريق الاقرب لاستعملوه اهل البيت عليهم السلام لانهم لايجهلونه و انما عدلوا عنه الي دليل الحكمة لكون ذلك كثير الاغلاط و منشأ للشبه و صارفا للانظار عن الامور الوجدانية الي المفاهيم اللفظية و التخيلية التي لاتغني من الحق شيئا و لو صح منها شئ اوصل الي الحق بالطريق البعيد المشتمل علي الظلمات و الشبهات فافهم فان فهمت ما القيت اليك و الا فقد تركت مقتضي فطرتك الاولي التي فطرت عليها و اخذت بمقتضي الفطرة الثانية المكتسبة المغيرة لفطرة الله التي فطر الناس عليها فان مقتضي هذه الطينة المصنوعة بغير صنع الله تعالي اصله تقليد لمقلد لمن هو مقلد لمقلد و هكذا كما قال اميرالمؤمنين عليه السلام ذهب من ذهب الي غيرنا الي عيون كدرة يفرغ بعضها في بعض و ذهب من ذهب الينا الي عيون صافية تجري بامر الله لا نفاد لها ه‍ ، و لاتقل ان ،
كلا يدعي وصلا بليلي       ** * **      و ليلي لاتقر لهم بذاكا
فاني اقول :
اذا انبجست دموع في خدود       ** * **      تبين من بكي ممن تباكي

 

«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 52 *»

و لقد رأيت في المنام علي بن محمد الهادي عليه و علي آبائه و ابنائه الطاهرين السلام و قد كنت تجادلت مع بعض المشائخ في النهار فلما رأيته شكوت له ما كان فقال عليه السلام دعهم و امض فيما انت فيه ثم اخرج الي اثني‌عشرة اجازة و قال هذه اجازاتنا الاثني‌عشر و انا اقول كما قال الله سبحانه ان افتريته فعلي اجرامي و انا بري‌ء مما تجرمون ، و الحاصل انك اذا نظرت الي ما ذكرنا سابقا و نذكر و لم‌تهمل كلام ائمة الهدي عليهم السلام مثل قول الرضا عليه السلام قد علم اولوا الالباب ان الاستدلال علي ما هناك لايعلم الا بما هيهنا و قول الصادق عليه السلام العبودية جوهرة كنهها الربوبية فما فقد في العبودية وجد في الربوبية و ما خفي في الربوبية اصيب في العبودية قال الله تعالي سنريهم آياتنا في الآفاق و في انفسهم حتي يتبين لهم انه الحق اولم‌يكف بربك انه علي كل شئ شهيد يعني موجود في غيبتك و في حضرتك ه‍ ، و نظرت الي زيد وجدت انه وجود و ماهية و تعريف حقيقته تعريف وجوده و ماهيته و تعريفه عندك بالحد الحقيقي انه حيوان ناطق فالحصة الحيوانية مادته و هي وجوده و الحصة الناطقية صورته و هي ماهيته الاولي فزيد مركب من وجود و ماهية اي من مادة و صورة يعني حصة من الحيوان و حصة من الناطق و هذا المعني هو المروي عن ائمتك عليهم السلام فان كنت تعتقد فيهم انهم يعرفون الحكمة فخذها عنهم نقية صافية فان قلت اين ذلك من كلامهم فاقول ان فهم كلامهم علي من لاينظر الا في قول الحكماء و لايعرف الا اصطلاحهم صعب مستصعب و لكني اذكره لك لكن اولا تعرف اني اذا قلت لك صغت خاتما من فضة ان الفضة هي مادة الخاتم و اذا قلت عملت سريرا من الخشب ان الخشب هو المادة و ضابطه ان الذي تدخل عليه لفظة ( من ) هو المادة فاذا عرفت هذا قلت لك قال جعفر بن محمد عليهما السلام ان الله خلق المؤمنين من نوره و صبغهم في رحمته فالمؤمن اخو المؤمن لابيه و امه ابوه النور و امه الرحمة ثم استشهد عليه السلام بقول جده عليه السلام فقال و هو قول اميرالمؤمنين صلوات الله عليه اتقوا فراسة المؤمن فانه ينظر بنور الله يعني بنوره الذي خلق منه انتهي كلامه عليه السلام فقوله عليه

 

«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 53 *»

السلام من نوره المراد بالنور الذي خلق منه المؤمن هو الوجود لان لفظة ( من ) دخلت عليه فهو المادة ثم بينه فقال يعني بنوره الذي خلق منه و هو خلق من الوجود و هو المادة و هي الحصة من الحيوان و قوله عليه السلام و صبغهم في رحمته يريد به ما صورهم عليه من صورة طاعته فان تصويره لهم بصورة طاعتهم له هي صبغه لهم في رحمته و لو كان المخلوق كافرا او منافقا صبغه في غضبه و هو تصويره اياه بصورة معصيته و هذه الصورة هي الماهية الاولي من الخلق الثاني و هي حصة من الناطقية الانسانية للمؤمن و ان كان كافرا او منافقا فحصته الناطقية شيطانية فالوجود هو الطينة التي خلق منها كل شئ و قد اصطلحوا علي تسميتها باعتبار احوالها تسهيلا لادراك المعني و اختصارا للتعبير فباعتبار كونها جزءا للمركب تسمي ركنا و باعتبار ابتداء التركيب منها تسمي عنصرا و باعتبار انتهاء التحلل اليه يسمي استقصا و باعتبار كونها قابلة للصور الغير المعينة تسمي هيولي و باعتبار قبولها للصورة المعينة تسمي مادة و باعتبار كون المركب مأخوذا منها تسمي اصلا و باعتبار كونها محلا للصور المعينة بالفعل تسمي موضوعا و هي في الحقيقة شئ واحد و هي الطينة و هي الماء و هي الوجود و المراد منها هو الوجود الذي احدثه الله لا من شئ و هو اثر فعله التكويني و متعلقه و لم‌يكون سبحانه بفعله التكويني ابتداء غيره ثم قسمه علي اربعة‌عشر قسما فبقي نازلا في مراتب اجابته و طاعته يسبحه و يحمده و يهلله و يكبره الف دهر كل دهر فيما ظهر لي مائة‌الف سنة ثم كون من شعاع ذاته جميع الذوات المجردة التي هي ارواح انبيائه عليهم السلام مأة‌الف و اربعة و عشرون‌الف قطرة ثم كون من شعاع هذه الذوات ذوات من دونها و هكذا كما ذكر و خلق من هيئات الوجود الاول الذي هو الذوات الاربعة‌عشر صفات الذوات المجردات التي هي مائة‌الف و اربعة و عشرون‌الفا و اعراضها و من شعاع هيئاتها هيئات من دونها و هكذا ماتري في خلق الرحمن من تفاوت و هذه الطينة التي هي الوجود في جميع احوالها التي اصطلحوا علي تسميتها في كل حال باسم و الي نهايات تنزلاتها و ما يتفرع منها

 

«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 54 *»

من الصفات و الاعراض ليس في الكون غيره و غير معيناته و مشخصاته التي احدثها الله سبحانه من شعاعها و من اظلتها و عكوسها و كلها مما يمكن تعريفه بعضه ببعض و انما احالوا تعريفه لانه عندهم انه شئ واحد بسيط لايستند الي غيره و يستند كل ما سواه اليه و هذه التكثرات مظاهره و تنزلاته و مقاماته و لكن وحدته و بساطته قد طوت هذه الكثرات و يتحد الكل بالنسبة الي ذاته فهو الكل في وحدة فلايمكن تعريفه و قد تقدم ما فيه كفاية في الجواب عن هذه الاوهام المتقومة بالمغالطات الواقعة في كلامهم و ان لم‌يشعروا بها فان شموله لها الذي اشرنا اليه مجملا علي رأي المصنف هو كشمول الخشب للسرير و الباب و الصنم لانه هو وجودها و انما تعدد بتعدد الصور فيكون الشمول انما تحقق بتكثر الماهيات التي لم‌تتحقق الا بالحصص الوجودية المتغايرة بتغايرها الموجبة لصحة التحديد و الموهومة ان كانت موجودة و لو بنسبة حالها و متحققة كذلك حصصته ( حصصه خ‌ل ) و كثرت افراده و جري عليه ما يجري علي غيره و الا فلا كثرة و لا شمول و لا كلية كما تقدم لكن الواقع و الضرورة حاكمان بالكثرة فيقع التحديد و تدبر معاني هذا الكلام و ما قبله فانه ليس فيه شئ من الابحاث التي ذكرها بل كلها ضروريات وجدانية و محسوسة و اما الابحاث فيحصل فيها مقدمات صناعية صحتها في الحقيقة راجعة الي صحة ترتيبها علي القواعد المقررة و ان خالفت الواقع مثل ما ذكرنا من استدلال المصنف علي ان العقل و ما فوقه بسيط الحقيقة و هو باعتبار ظاهر اللفظ صحيح لكن العقل بالنسبة الي الاجسام بسيط و الله سبحانه بالنسبة الي الاجسام بسيط فاذا كان الله بسيط الحقيقة و العقل بسيط الحقيقة و كل بسيط الحقيقة كل الاشياء و الا لتركب الشئ الذي فرض بسيطا مركبا من ذاته و من نفي غيره هذا خلف فرجع تصحيح المقدمة علي لفظ البسيط و تصحيح كونه كل الاشياء علي فرض غيره معه ليلزم اما انه مركب من ذاته و من نفي الغير و هو غير جايز و اما كونه كل ما سواه و قد بينا سابقا ان المصنوع كيف يكون بسيطا و هو مؤلف لا اقل من مادة و صورة

 

«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 55 *»

فلاتصح بساطة العقل و ما فوقه من المخلوقات كما ذكرنا سابقا و كيف يكون البسيط الحق كل الاشياء و لا شئ معه لان النفي او الكلية انما يتحققان مع وجود الغير و كونها فيه بنحو اشرف يخرجه عن البساطة الحقيقية ان كان يعلم ان فيه غيره و لو بنحو اشرف و ان لم‌يعلم فكيف يكون كل الاشياء فان قلت لم‌يرد ما فهمت قلت ان اراد لزمه ذلك و الا فالعبارة باطلة لان صحة الاستدلال بعكس النقيض موقوفة علي كونها في ذاته و لم‌تغاير مفهوم ذاته باعتبار و ان كانت غيره باعتبار لان تعدد الاعتبار لتعدد الجهات المستلزمة للتركيب و انما اطلنا الكلام لكثرة ما يترتب عليه من الفوائد .

قال و لاني اقول ان تصور الشئ مطلقا عبارة عن حصول معناه في النفس مطابقا له في العين و هذا يجري فيما عدا الوجود من المعاني و الماهيات الكلية التي توجد تارة بوجود عيني اصيل و تارة بوجود ذهني ظلي مع انحفاظ ذاتها في كلا الوجودين و ليس للوجود وجود آخر يتبدل عليه مع انحفاظ معناه خارجا و ذهنا فليس لكل حقيقة وجودية الا نحو واحد من الحصول فليس للوجود وجود ذهني و ما ليس له وجود ذهني فليس بكلي و لا جزئي و لا عام و لا خاص فهو في ذاته امر بسيط متشخص بذاته لا جنس له و لا فصل و لا هو ايضا جنس لشئ و لا فصل و لا نوع و لا عرض عام و لا خاصة ه‍ ،
اقول كلامه هذا تعليل ثان متضمن لمقدمة هي بيان حقيقة التصور ليعلم بمعرفتها عدم تصور الوجود ليرتب عليه عدم تعريفه بالحد او الرسم فقال ان تصور الشئ مطلقا اي سواء كان تصورا بالحقيقة او بالظاهر من جميع الاشياء لان اطلاقه يشمل الحالين اما الاول فلان مقتضي نفي المحدودية مطلقا ان يكون بتعذر طلب المحدود بحقيقته او برسمه و اما الثاني اعني من جميع الاشياء فلانه بني القاعدة علي الشئ الشامل لكل ما يصدق عليه ثم بين فاخبر عن مطلق التصور بانه عبارة عن حصول معناه في النفس مطابقا له في العين يريد ان المعني من كل شئ في الجملة له حصولان لكل حصول منهما عوارض يتحصل بهما فيما يناسبه من الامكنة و الاوقات احدهما

 

«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 56 *»

الحصول الخارجي بما يعرض لذلك المعني الحاصل من العوارض المحصلة له في الخارج و ثانيهما الحصول الذهني بما يعرض لذلك المعني من العوارض المحصلة له في الذهن فكان ذلك المعني يظهر في النفوس بلباس خيالي و في الخارج بلباس خارجي و معلوم ان اللابس و الملبوس وجود فتلخص من هذا ان التصور عنده هو نقل المعني الخارجي معري عن العوارض الخارجية فما في الذهن هو الحقيقة التي كانت في الخارج بعد طرح المشخصات الخارجية و هذا المعني يعلم من قوله حصول معناه اي الشئ مطابقا له اي لذلك المعني الذي نقل الي الذهن في العين الخارجية يعني الذي في النفس هو الذي في الخارج اذا عري كل واحد منهما عن عوارضه و المميز بينهما المميزات العارضة لمكانيهما و وقتيهما و لعل هذا موافق لما ذهب اليه اهل التصوف من ان الوجود الخيالي اصل للوجود الخارجي و الخارجي فرعه و ليعلم ان هذا الذهني غير الظلي الذهني الانتزاعي الذي هو عرضي و قد ذكرنا سابقا ان الذهني عندنا كله انتزاعي ظلي و يأتي بيان هذا ان شاء الله و اعلم ان المصنف ذكر هذا المعني للوجود الذهني و هو المعروف من مذهبه فيه كما هو صريح كلامه في كتبه و في هذا الكتاب ذكر هذا المعني للذهني و جعل للذهني وجودا آخر كما ذكره غيره و هو الانتزاعي الظلي العرضي و جعل منه المعقولات الثانية كالشيئية و الجوهرية و الممكنية و الانسانية و السوادية و غير ذلك و اخرجها من حقيقة الوجود و عني بالوجود المبحوث عنه المحكي بهذه الحكايات و اما هي فامور اعتبارية يعني ليست من الوجود و في كتابه الكبير جعلها من الوجود قال فيه انهم عرفوا الحكمة بانها علم باحوال الموجودات الخارجية علي ما هي عليه في الواقع و عدوا من جملة الحكمة معرفة احوال المعقولات الثانية و احوال انواع المقولات التسعة النسبية قال هذا هو الايراد لانه اورد الاشكال و الجواب قال فيه و دفعه ان الوجود لكل شئ من الاشياء له مرتبة خاصة من الظهور و درجة مخصوصة من الفعلية و الحصول اي بحسب الخارج و غاية المجد و العلو هو الوجود القيومي

 

«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 57 *»

الواجبي الذي هو محض الفعلية و الكمال بلا شائبة نقص و قصور اصلا و ما سواه مصحوب بالقصور و الامكان الذاتيين علي تفاوت مراتبهما فيهما فكلما بعد عن منبع الجود و الوجوب كان قصوره اشد و امكانه اكثر الي ان ينتهي الوجود في سلسلة الجواهر الي غاية من النزول و الخسة يكون وجودها الجوهري عين تقومها بالصورة الحالة فيها و فعليتها محض القوة و الاستعداد و وحدتها الشخصية بعينها كثرتها الانفصالية تارة و وحدتها الاتصالية اخري و في سلسلة الاعراض الي عرض نحو حقيقتها و وجودها نفس التشوق و الطلب و السلوك الي عرض آخر كمتي او كيف او اين او وضع علي سبيل التدريج فهذا حظ ذلك العرض المسمي بالحركة من الوجود العيني انتهي ، فاذا عرف بان هذا مذهبه في كل عرض انه من الوجود تحقق بقدر ما قبل منه كما هو الحق عندنا فعزله في هذا الكتاب عن حقيقة الوجود لئلايلزمه وقوع التحديد الذي نفاه فجري هنا علي الطريقة المعروفة عند المشائين و بعض المتكلمين لكنه اثبت للماهيات الكلية حصولين في الذهن غير الحصول الخارجي فانه عنده حصول الوجود لاتحادها به خارجا و لو عين بذي الحصولين الماهيات كما هو ظاهر استثنائه لما قال تصور الشئ الشامل للوجود و اخراجه بالاستثناء مشعر بصحة الدخول و احتمال ارادة رفع توهم الدخول بالاستثناء يسقطه عدم الفرق بينه و بينها و دعوي انه ليس له وجودي آخر يتبدل عليه مغالطة لان الوجود هو بنفسه في الخارج و الماهية هي به في الخارج كما هو عندنا و في الذهن بالعرضي و اما عنده فالوجودان للماهية في الذهن فوجودها الاصيل العيني فيه هل هو غير الوجود الذي عناه ام هو هو فان كان غيره كانت ثلثة و ان كان هو اياه فان تصورناها جردناها عن العوارض الخارجية فقد حصل الوجود في الذهن عارضا لها او معروضا علي الاحتمالين و قد قال بثبوت عرضي ذهني للوجود فقد وجد الاصيل و العارض في الذهن و ان عني بالاصيل الماهية كما عندنا هو حصولها به في الخارج فقد كان لها خارجي اصيل و ذهني فكذلك الوجود و اما ان الفارق بينهما هو عينيته في الوجود و مغايرته في الماهية فهو

 

«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 58 *»

فارق في الاحتياج و الافتقار لا في الحصول في الذهن و عدمه فقد ساوت الوجود في الوجودين الذهني و الخارجي مع ان الوجودي للشئ يراد منه ما هو بحسبه بحيث يترتب عليه آثاره المنسوبة اليه لذلك المقام و كذلك الوجود الذهني فانه يراد منه ما هو بحسبه بحيث يترتب عليه آثاره بنسبته كأن يحصل في النفس بمعناه او بهيئته و كونه عارضا لمعروضه او معروضا و هاتان النسبتان جاريتان في الماهية و الوجود اما الماهية فظاهر كما اعترف به فوجودها الاصيل في الذهن بحقيقته فان جعل قبل في الخارج فقد نقل الي الذهن بعد طرح العوارض الخارجية لكن قولهم بعد طرح العوارض الخارجية يلزم منه وجودها في الخارج كما نقول و هم لايقولون و الا فلا عوارض خارجية لها و وجودها الظلي معلوم و اما الوجود فما المانع من نقله الي الذهن بوجوده الذي هو نفسه لانه هو معناه و لا مانع من نقل الماهية بما هي عليه عنده الا العوارض الخارجية و هي نسبية فان كان للوجود عوارض خارجية طرحت و الا نقل بنفسه كما نقلت الماهية بنفسها و كون وجودها غير ذاتها غير فارق علي انا نقول له اخبرنا اين ادركت الوجود حتي قلت بتفردك بمعرفته في الذهن ام في الخارج ببصرك اذ لايخلو ادراكك له و معرفتك به من كونه في الخارج ببصرك او في الذهن ببصيرتك فقوله و ليس للوجود وجود آخر يتبدل عليه فيه ان له وجودا ظليا انتزاعيا يتبدل عليه ففي الخارج وجوده نفسه بما لحقه من القيودات الخارجية و في الذهن وجوده الظلي الانتزاعي يتبدل بما له من القيودات الذهنية كهيئة الذهن و صقالته و كبره او صغره و استقامته او اعوجاجه و لونه علي ان قوله ان الوجود يتحد بالماهية في الخارج و يعرض لها في الذهن فيه هذا العارض للماهية ما هو هل هو الوجود الاصيل الخارجي ام هو الانتزاعي الظلي و هذه المعروضة هي الماهية الاصيلة التي اتحدت في الخارج بالوجود بعد تعريها عن العوارض الخارجية ام هي الانتزاعية فان كان العارض هو الاصيل فله وجودان يتبدلان عليه و ان كان هو الظلي فالمعروض ان كان ظليا لم‌تصح المقابلة لانه

 

«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 59 *»

يقول انه يتحد بها خارجا و يعرض لها ذهنا و ان كان العارض اصيلا ايضا و ان كان المعروض اصيلا فالعارض لها غير المتحد بها خارجا و الا لاتحد بها لوجود المقتضي و عدم المانع فلو قال ان الماهية ليس لها تارة توجد فيها بمعناها و وجودها الاصيل و انما ينزع منها ما به تحققها و تلبس الظلي الانتزاعي لكان له ان يقول ما به تحققها غير نفسها فاذا نزع بقي لها اعتبار اذا كسي بالانتزاعي الظلي ظهرت به في الذهن بخلاف الوجود فان ما به تحققه نفسه فاذا نزع نفسه لم‌يبق شئ ليكسي بالظلي فليس له وجود آخر لكنه قائل بانها توجد تارة بوجود اصيل و تارة بوجود ظلي و لا ريب ان الاصيل لها ليس الا ما هي به شئ في التحقق و الواقع فكما توجد تارة به يوجد الوجود تارة بما به هو شئ في التحقق و الواقع و تارة توجد بظلي و هو تارة يوجد بظلي مع انحفاظ معناه في الوجودين و ان كان في الاصيل هو نفسه بل و لو قلنا بان كل ذهني فهو انتزاعي كما هو عندنا و ان الماهية موجودة في الخارج فانا اذا انتزعنا الهيئة الحاكية بالذهن من المهية او الوجود كان معني المنتزع محفوظا في الوجودين الخارجي بالاصيل و الذهني بالانتزاعي و كذا في كل حقيقة وجودية لا فرق بين شئ منها و لاسيما علي ما حققناه من ان الوجود هو الهيولي و المادة و من انه لايتحقق له في الخارج الا بمقوم يقومه و هو الماهية و الصورة و من ان المراد بهذا الوجود هو الحادث لا الواجب و لا المطلق و من ان كل ما يذكرون له تحديدا فانه من هذا الوجود كما صرح به في كتابه الكبير بان كل شئ من الجواهر و الاعراض النسبية كالتسعة المقولات و غيرها كالمعقولات الثانية و غيرها وجودات كما تقدم من كلامه المنقول فلكل حقيقة وجودية نحوان من الحصول يتبدلان عليها مع انحفاظ ذاتها في كلا الحصولين فكل حصول يحفظها في مقامه فللوجود وجود ذهني و له كلي و جزئي و كل و جزء و عام و خاص و قوله فهو في ذاته امر بسيط لا ريب فيه فان كل هيولي امر بسيط كالخشب فانه بسيط بلحاظ حقيقته و لكنه مركب من المادة و الصورة النوعية لايظهر في عالم الكون الا مركبا ثم هو بسيط في حقيقته الخشبية متكثر في

 

«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 60 *»

الباب و السرير بورود الصور الشخصية علي حصصه و الوجود امر بسيط بلحاظ حقيقته و لكنه مركب من مادته و صورته النوعية او الجنسية متكثر في زيد و عمرو بورود الصور الشخصية علي تلك الحصص فافهم و قوله متشخص بذاته ان اراد به القديم فليس كلامنا فيه و ان اراد به الحادث فما معني تشخصه بذاته و هو له اعتباران اعتبار من ربه و اعتبار من نفسه و هذا هو هويته و ماهيته كما تقدم و قوله لا جنس له و لا فصل مبني علي انه يريد به الوجود المطلق الصادق علي الواجب و الممكن و قد ذكرنا ان هذا معني باطل لايبتني علي قواعد المسلمين و لاتقل علماء المسلمين انما يتكلمون عليه بهذا النحو لان كل من تكلم فيه بهذا النحو فهو ممن لايفهم ما يقول و انما سمع كلاما اصله مبني علي غير ملة الاسلام و لم‌يفهم منافاته لقواعد الاسلام لان التفاته الي ان هذا قول اهل التحقيق و العلم و اكابر المتبحرين في العلوم فغطي علي بصيرته فاذا اردت ان تعرف صدق قولي فانظر في كلامهم مع قطع النظر عن كونه كلام اولئك الاعلام و عن الرجوع الي القواعد التي قرروها فانك تعرف حقية قولي و اما اذا اعتمدت علي قواعدهم و تري ان الحق ما وافقها فانت مقلد لهم و لا كلام مع المقلد فاذا اثبت ان الوجود يصدق علي الحادث و القديم فلا شك ان الحقيقة الصادقة علي القديم يجب فيها جميع ما ذكر المصنف و لكن ماتصح فيه تلك الاوصاف حتي صح اطلاقه علي الله سبحانه ( و خ ) يصدق عليك و يكون حقيقة لك بحيث تتحد به في الخارج و ان اختلفتما من حيث المفهوم فهل تري بذلك انت راض فان الذي يرضي به يقول انا الله بلا انا فان هؤلاء يقولون كما يقول شاعرهم :
و ما الناس في التمثال الا كثلجة       ** * **      و انت لها الماء الذي هو نابع
و لكن بذوب الثلج يرفع حكمه       ** * **      و يوضع حكم الماء و الامر واقع

 

«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 61 *»

و الحاصل كلامنا ليس علي الوجود الحق تعالي و علي الوجود المطلق لانه داع الي ما هو اسوء حالا لان تحقيق تحققه موجب للقول بحدوث الواجب او بوجوب الحادث و مبني علي انه اعم العام لانه عند المحققين مطابق للشئ فلا شئ اعم منه ليكون جنسا له لكنا نقول افراده وجودات تدخل تحت اجناسها بقي معني التصور عندنا هو طلب الصورة و لايراد منها حقيقة المتصور بل صورته و هو عندنا بجميع اقسامه انتزاعي ظلي في حقنا و هو الذي عليه اساطين الحكماء الاوايل الآخذين عن الانبياء عليهم السلام لان من اتي بعدهم لم‌يفهم مرادهم و نحن و لله الحمد انما فهمنا مراد الانبياء عليهم السلام بتعليم ائمتنا ائمة الهدي عليهم السلام و المستفاد من الكتاب و السنة و الصريح من التعقل المكتسب منهم عليهم السلام ان العقل لا يحصل فيه بلا واسطة الا المعاني المجردة عن المادة العنصرية و المدة الزمانية و الصور الاسية و النفسية و المثالية و ان التصور هو تحصيل الصورة في الخيال الذي هو بمنزلة فلك الزهرة في العالم الكبير و يقرره في العلم الذي هو بمنزلة فلك المشتري و يخزنه في النفس التي هي بمنزلة الكرسي و الخيال مرءاة النفس فتقابل بمرءاتها ما في اللوح الذي تكتبه الملائكة تشرف عليه من احد تلك الابواب و تطلع عليه فينتقش فيها صورته و تلك الابواب التي منها المطلع رؤية الشئ او اسمه او سماع اسمه او لمس الشئ او شمه او ذوقه او تخيله فتنطبع في الخيال تلك الصورة المنفصلة عن الشئ القائمة به قيام صدور و هذا مادة الصورة الخيالية و اما صورتها فهي صورة الخيال من كبر او صغر و بياض او سواد و استقامة او اعوجاج و صفاء او كدورة و هذه الصورة هي ظل ذلك الشئ و شبحه و بنسبة صلاح مرءاة الخيال و عدمه تنطبع تلك الصورة و لاتكون ( فلاتكون خ‌ل ) الا منتزعة من خارجي موجود في الغيب كبحر الزيبق و رجل له الف رأس او في الشهادة كما كنتم تعرفون لا ان النفس لها قوة اختراع الصور و انها حقايق تلك الاشياء لا اظلة و اشباح عند كثير ممن يثبت الوجود الذهني و لا انها اشياء ثابتة في الخارج لا

 

«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 62 *»

في الذهن و ان شاهدها الذهن كما عند من لم‌يثبت الوجود الذهني بل هي موجودة كما اشار اليه سبحانه في قوله تعالي و ان من شئ الا عندنا خزائنه و ماننزله الا بقدر معلوم فان شئ نكرة في سياق النفي و هي من صيغ العموم فان كانت صورة رجل له الف رأس شيئا فهي في خزائنها عند الله سبحانه و ماينزلها في ذهنك الا بقدر معلوم و ان لم‌تكن شيئا فالنفس مااخترعت شيئا و كلام اهل البيت عليهم السلام دال علي ذلك صريحا فمنه ما رواه الصدوق في اول كتابه علل الشرايع بسنده عن ابي‌الحسن الرضا عليه السلام قال قلت له لم خلق الله عز و جل الخلق علي انواع شتي و لم‌يخلقه نوعا واحدا فقال لئلايقع في الاوهام انه عاجز و لاتقع صورة في وهم احد الا و قد خلق الله عز و جل عليها خلقا لئلايقول قائل هل يقدر الله عز و جل علي ان يخلق صورة كذا و كذا لانه لايقول من ذلك شيئا الا و هو موجود في خلقه تبارك و تعالي فيعلم بالنظر الي انواع خلقه انه علي كل شئ قدير ه‍ ، فاذا اراد الله تعالي انزال صورة في وهم احد من خلقه قدر له بعمل عبده و ارادته او جبلته ان يلتفت بمرءاة نفسه الي جهة ذي الصورة المعلومة فتنتقش في ذهنه باقلام الملئكة الثلثة الموكلين بتلك الصورة و هم سيمون و شمعون و زيتون و اقلامهم هم الملئكة الموكلون بخدمتهم و امتثال اوامرهم و هم اجمعون في فلك عطارد فافهم فلو قال العارف بما قلنا ان التصور للشئ عبارة عن حصول معناه في النفس اراد بالمعني ما يستدل به من الصورة علي معناه او علي حذف مضاف اي معني صورته يعني كيفية هندستها و مقاديرها و الوانها و احوالها و اما من لم‌يعرف ما قلنا فيريد من هذا الكلام نقل معناه الي الذهن مجردا عن العوارض الخارجية او انه يريد به انتزاع الذهن من نفس الذات مع عدم ملاحظة شئ غيرها او يريد ان ما انتزعه من الذات الخارجية من حيث ملاحظتها يسمي ذاتيا و اصيلا و من حيث ملاحظة كونه منتزعا يسمي عرضيا و قول المصنف مطابقا لما في العين يريد التصور الصحيح و معني مطابقته عندهم ان التصور مطابق لذي الصورة و تحقيقه عندنا ان المنتقش في مرءاة الخيال صورته المنفصلة القائمة به قيام صدور لا المتصلة به

 

«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 63 *»

فان المتصلة لايفارقه و لو كانت هي المتصلة لكان اذا رأيت زيدا ثم غاب عنك كلما انتقل الي حال غير ما رأيته عليه تغير ما في خيالك الي ما انتقل اليه و هذا بخلاف الوجدان و الضرورة و بيان ما اشرنا اليه انك اذا رأيت زيدا يصلي في المسجد يوم الجمعة كتبت الملائكة الحفظة ذلك في غيب المسجد و غيب يوم الجمعة فاذا اردت ان تذكر ذلك في كل وقت ما دمت حيا التفت بمرءاة خيالك الي غيب المسجد و غيب يوم الجمعة وجدت مثال زيد هناك يصلي تلك الصلوة التي رأيته فيها لا غيرها فترتسم في خيالك تلك الصورة بتلك الهيئة في ذلك المكان و الوقت سواء كان زيد في ذلك المكان ام لا بتلك الهيئة ام لا قاعدا ام ماشيا ام نائما حيا ام ميتا فلاتكون مطابقة للعين و انما هي مطابقة للحال التي وجدته عليها و قوله فليس بكلي الخ ، هذا ما اراده و تقرر و اما عندنا فهو كلي له امثال جزئية لا افراد و هو كل له اجزاء هي ابدال له لا ابعاض و هو جزئي لانه فرد من جملة افراد ممكنة من كلي امكانه و هو جزء لانه ركن للشئ علي ما اشرنا اليه و هو عام لانه يعطي ما تحته من امثاله اسمه و هو خاص لانه متعين اما انه كلي فلانه نور واحد تنزل بامثاله و اشباحه فاعطاها اسمه ففي نفس الامر نسبته الي امثاله علي نسبة الكلي الي افراده يعني ان الكلي ظلي منتزع من افراده لا تحقق له الا بها و انما قيل انه يعطي ما تحته اسمه لان الوضع علي كل من افراد الجنس وضع عام سواء كان الموضوع له عاما ام خاصا و ملاحظة الكلي آلة للوضع علي الجزئيات و يؤلف الواضع اللفظ لمناسبته لانه معني جامع للافراد فلذا قيل يعطي الكلي الطبيعي اسمه ما تحته من الافراد و ان كان انما هو عبارة عنها و الوجود كلي بعكس ذلك لان الوضع في الحقيقة له و افراده اشباح جزئية له كاشعة الشمس فيستعار لها اسمه عارية فاستعمال لفظ الوجود لواحد منها حقيقة بعد حقيقة او مجاز له فيها لان ذواتها اشباح له و امثال و اما انه كل فلان كثرة تبدله لتعدد جهاته فبها كانت ابداله كثيرة كما اشار اليه

 

«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 64 *»

اميرالمؤمنين عليه السلام في قوله انا من محمد كالضوء من الضوء فهو في محمد مثلا كله و في علي كله و في فاطمة كله و في الحسن كله و في الحسين كله و هكذا فهو مع تكثره واحد و هو قولهم عليهم السلام كلنا محمد و اولنا محمد و اوسطنا محمد و آخرنا محمد الحديث ، و اما انه جزئي فلانه فرد من جملة افراد ممكنة من كلي امكانه يعني ان الشئ الممكن كالعقل الكلي و كزيد فان له حقيقة امكانية يخلقه الله منها و لو شاء ان يخلق من حقيقة زيد الممكنة قبل ان يخلقه او بعد ان خلقه بان يقلبه في تلك الحقيقة الممكنة جبلا او جملا او ملكا او نبيا او شيطانا او سماء او ارضا او غير ذلك بلا نهاية فاذا خلقه زيدا بقي امكانه فيه اذا شاء ان يخلقه ما شاء خلقه يعني يقلب زيدا كما قلنا الي ما شاء كيف شاء و كذلك حكم الوجود و العقل و غيرهما بدليل النقل الصريح الدلالة و البيان و دليل العقل الصحيح من جميع اهل الايمان بقطعي البرهان بان هذا ممكن و كل ممكن تتعلق به القدرة علي حسب ما يشاء القادر عز و جل فلاجل ما سمعت قلنا بهذا الاعتبار انه جزئي من جهة انه فرد من جملة افراد تلك الحقيقة الامكانية و اما انه جزء فلانه ركن للشئ فان كل مخلوق من الوجودات المقيدة مركب من وجود و ماهية علي ما اشرنا اليه سابقا من الدرة اي العقل الي الذرة اي الثري او ما تحت الثري من رقائق الباطل و اما انه عام فلانه يعطي ما تحته من اشباحه و امثاله اسمه كسائر الوجودات اولها وجودات الانبياء ثم المؤمنين ثم الملئكة ثم الحيوانات ثم النباتات ثم المعادن ثم الجمادات و يكون من باب الحقيقة بعد الحقيقة او من باب الاشتراك اللفظي او التسمية و اما انه خاص فلانه متعين في نفسه بنفسه و اما عند المصنف و اتباعه فعلي ما ذهبوا اليه من اتحاده و اما عند ائمتنا و عندنا فخصوص كل ظهور من ظهوراته في كل رتبة من مراتب تنزلاته و اما باقي الكلام فبيانه يعرف مما ذكر لانه مبني علي تشخصه و اما ثبوت الجنس و الفصل و النوع و العرض العام و الخاصة لاجزائه كما يلزمه علي قوله بالاتحاد و لامثاله و اشباحه في تنزلاته كما هو عندنا فانها

 

«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 65 *»

وجودات حقيقية فما يجري عليها فهو جار عليه فافهم .

قال و اما ما يقال له عرضي للموجودات من المعني الانتزاعي فليس هو حقيقة الوجود .
اقول يرد عليه ما ذكره في الكتاب الكبير من انه من الوجود حقيقة و قد تقدم ما نقلنا من كلامه من قوله ان الوجود لكل شئ من الاشياء له مرتبة خاصة من الظهور و درجة مخصوصة من الفعلية و الحصول اي بحسب الخارج انتهي ، ثم انه ادخل فيه الجواهر و الاعراض بل المعقولات الثانية و هو المعروف من طريقته و لكنه ينقض ما اسسه هيهنا فجري في هذه الاعراض علي مصطلح القوم و لكنا نتكلم علي وجوداتنا و لانري الا وجودا في موجود او وجودا في صفة فكل ما وضع له اسم فهو داخل في هذين و المصنف ربما فرق بين الانتزاعي الذاتي و العرضي بان الاول ينتزع من الذات من غير ملاحظة ما ينضم اليها و الثاني ما ينتزع من هيئة الذات بما ينضم اليها و المحقق عندنا بما قامت عليه الادلة ان الذات لاتنتزع الي الذهن و انما ينتزع الظل و الهيئة و المنتزع منه اما محض الذات فينتزع منها هيئتها و هي شبحها و اما مع ما ينضم اليها و ينتزع منه شبح الكل فالمنتزع في الحالين ظل عرضي كما في المرءاة فانه ينطبع فيها صفة الذات و باعتبار صفة الجميع و ما في الذهن كذلك فلايمكن نزع الذات بلا ما انضم اليها الا اذا انتزع منها الحقيقة المجردة و حينئذ فالمنتزع منه غير موجود فيه انضمام شئ فالمنتزع هيئة الحقيقة لا ذاتها كما توهم و الا اذا انتزع نفس المنضم لا من حيث هو منضم و هو حينئذ شئ مستقل علي حده فتنتزع منه هيئته و المنتزع هو مادة ما في الذهن و ما من الذهن هو صورته كما تقدم فما في الذهن ليس كما يقوله بل هو انتزاعي ظلي في كل حال و من الوجود حقيقة بلا اشكال لانه ان لم‌يكن وجودا فهو موجود و كل ما يدرك من الموجود فمن الوجود و للوجود و بالوجود فاين تذهبون فلا فرق بين حقيقة وجود زيد و وجود المعقولات الثانية و وجود الاعراض الذهنية و الخارجية الا في الشدة و الضعف .

 

«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 66 *»

قال بل هو معني ذهني من المعقولات الثانوية كالشيئية و الممكنية و الجوهرية و العرضية و الانسانية و السوادية و سائر الانتزاعيات المصدرية التي تقع بها الحكاية عن الاشياء الحقيقية و غير الحقيقية .

اقول قد تقدم معني هذا و قوله التي تقع بها الحكاية الخ ، معلوم بان جميع ما في الاذهان كالمرايا و الاشياء الصقيلة كلها مما تقع به الحكاية لانها اشباح تلك الامور الخارجية نعم لو حكي ذهن زيد ما تصوره عمرو كان حكاية ذهن عن ذهن يحكي عن الخارج كما لو قابلت مرءاة مرءاة قد قابلت شيئا فكما ان حكاية الثانية لما كانت عن الاولي الحاكية كانت حكايتها مركبة من هيئة الاولي الحاكية و من هيئة المحكي كذلك حكاية ذهن زيد فانه يحكي هيئة ذهن عمرو و هيئة المحكي و لما كان المصنف يري ان الذهن ينتزع المعني المجرد عن العوارض الذاتية و قد ينتزع الهيئة استدرك كلامه بقوله و اما ما يقال الخ ، لكن حكمه بان الذهن ينتزع المعني ينقض قوله و ليس للوجود وجود آخر و قوله الآتي المحكي عنه الخ ، و يأتي.

قال و كلامنا ليس فيه بل المحكي عنه و هو حقيقة واحدة بسيطة لايفتقر ايضا في تحصيله الي ضميمة قيد فصلي او عرضي صنفي او شخصي .

اقول هذه الحقيقة الواحدة اذا اراد بها ما يشمل و جوداتنا كما هو مقتضي عباراته هل لها معني غير ما ظهرت به في الخارج ام لا فان كان لها معني غير ما ظهرت به في الخارج فلا فرق بينها و بين المهيات الكلية و ان لم‌يكن لها معني غير ما ظهرت فلم كان لها وجود ذهني و هو مناط صحة التعريف و هو عنده من الوجود و انما ذكر ما يقوله غيره ليترتب عليه صحة دليله و ليس هذا طريق من يريد اثبات الحق بل طريق من يريد اسكات خصمه لانه يركب دليله من مقدمات عند الخصم مسلمات و هو لايعتقدها و اسكات الخصم اعم من اثبات الحق و الاشكال في الكلام مع المصنف لانه يقول حقيقة الوجود و يريد به ( الوجود خ ) الواجب و يعمم في العبارة ما سواه فاذا اتي بوصف يحصل في حق الواجب اطلقه علي غيره مع ان جميع مقدماته مبنية علي ما يحق للواجب فقد

 

«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 67 *»

قال قبل هذا و ليس لكل حقيقة وجودية الا نحو واحد من الحصول و هذا يدل علي الاشياء المتعددة و هي صفات الخلق و الحصول الواحد بلا تعدد صفة الحق تعالي و قال فيما بعد اذ كل وجود سوي الوجود الاول البسيط الذي هو نور الانوار تلزمه ماهية كلية امكانية و هذا مقام فرق فجعل كل وجود سوي وجود الله تعالي مركب الكون من وجود و ماهية و هو الذي عناه قبل بقوله و ليس لكل حقيقة وجودية الا نحو واحد من الحصول فاذا حكمنا بصحة شعوره بما قال يكون معني كلامه ان الوجود في ذاته هو الله تعالي و هذه الذات البسيطة لها حالتان حالة البساطة انه وجود بحت واحد بسيط و حالة ثانية تتكثر ذاته بتكثر مظاهره و شؤنه فكل مظهر و كل شأن فيه حقيقة الحق و صفات الخلق فاذا لوحظ مجردا عما لحقه من الآثار الخلقية كان واحدا واجبا بسيطا لانه حقيقة واحدة و اذا لوحظ مع العوارض الخلقية كان الخلق و نحن نقول لعله لايفهم ما يقول و لايشعر بما برهن عليه لانه اذا اشعر كان اعمي عن الحق و عن الخلق فلايعرف الله تعالي و لا شيئا من خلقه و لقد اشاروا عليهم السلام الي مثل هذا بقولهم حتي ان الرجل ليدعي من بين يديه فيجيب من خلفه و انا اذكر لك كلامه في كتابه الكبير في بساطة الوجود و عدم تألفه الست اذا نظرت الي ما يتألف جوهر الذات منه و من غيره وجدت الذات في سنخها و جوهرها مفتاقة اليهما و ان لم‌يكن علي انها الاثر الصادر منهما بل علي ان حقيقتها في انها هي هي متعلقة القوام بهما بل جوهر الذات بعينه هو جوهر ذينك الجوهرين سواء كان بحسب خصوص الخارج او الذهن او الواقع مطلقا فاذا فرض لحقيقة الوجود من حيث هي هي مباد جوهرية قد ائتلف منها جوهر ذاته فكل واحد من تلك المقومات او بعضها اما ان يكون محض حقيقة الوجود فالوجود حصل بذلك المبدأ قبل نفسه و اما ان تكون او واحد منها امرا غير الوجود فهل المفروض حقيقة الوجود الا الذي هو ما وراء ذلك الامر الذي هو غير الوجود فالذي فرض مجموع تلك الامور عاد الي انه بعضها او خارج عنها و ايضا يلزم ان يكون غير الوجود متقدما علي

 

«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 68 *»

الوجود بالوجود و هو فطري الاستحالة قطعي الفساد و ايضا كان حصول حقيقة الوجود لتلك المقومات اقدم من حصولها لما يتقوم بها اي الوجود فيلزم حصول الشئ قبل نفسه فدار الوجود علي نفسه و هو ممتنع فاذن حقيقة الوجود يستحيل ان تجتمع حقيقته من اجزاء متباينة في الوجود كالمادة و الصورة او تنحل الي اشياء متحدة الحقيقة و الوجود و بالجملة يمتنع ان يتصور تحليل حقيقته الي شئ و شئ بوجه من الوجوه كيف و صرف الحقيقة لايتكرر و لاينتهي بحسبها اصلا لا عينا و لا ذهنا و لا مطلقا انتهي ، اقول في كلامه هذا ما قلنا في غيره و مما قلنا انه ان عني خصوص وجود الواجب فهو فوق ما قال و ليس امتناع تكثر حقيقته و تركبها لما قال بل لان ذلك شأن المخلوق لان فرض التكثر انما هو في الممكن لان الفرض ممكن و كذا التأليف و كل ما يرد في الاوهام فهو تعالي اجراه و لايجري عليه ما هو اجراه و ان عني ما سواه ففيه ما تسمع و سمعت فمما تسمع قوله وجدت الذات في سنخها و جوهرها مفتاقة اليهما انا نلتزم ذلك و لا عيب في المخلوق لانه مغموس في الحاجة و ان لم‌تكن اثرا صادرا عنهما بل ركنان متقومة بهما اذ كل حقيقة فان ماهيتها متقومة بعلتيها المادة و الصورة اي الوجود و الماهية بل كل وجود مخلوق يستحيل كونه بدونهما لانه فائض من فعل خالقه سبحانه و هذا جهة مادته اي وجوده و له هوية و هي جهة صورته اي ماهيته فاذا كان المصنوع وجودا فجهته من ربه نفسه من غير تعدد وجود الا في الاعتبار و التحليل الفؤادي فان جهته من ربه تدور علي نقطة فعله علي التوالي و نفس وجود المصنوع من حيث الصانعية يدور علي تلك الجهة علي التوالي ايضا باعتبار لحاظ المصنوعية و بلحاظ الصنع يدور علي خلاف التوالي و من حيث المصنوعية علي خلاف التوالي و هذه الجهة هي منشأ ماهيته اي هويته لانها تدور علي خلاف التوالي فبهذا الاعتبار تتكثر حقيقته و ان كانت جهة وجوده واحدة بالذات الا انها علة مغايرة لكونها معلولة فكل مصنوع لايكون الا من جهتين

 

«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 69 *»

و قوله فكل واحد من تلك المقومات او بعضها اما ان يكون محض حقيقة الوجود الخ ، يكون احدها هو الوجود و لايلزم ان يكون حصل بذلك المبدأ قبل نفسه لان احدها المفروض كالمادة و يوجد بها معها فلايكون قبل نفسه بل يكون مع نفسه مساوقا لها في الوجود و ان تقدمت بالذات في العلم فان كل شئ خلقه الله فهو بهذا النحو مثلا اول جسم خلقه الله لايكون الا من مادة جسمانية من جنسه سواء خلقت في عالم قبل عالمه كما لو كانت في الدهر في عالم المجردات كما نقول في جوهر الهباء انه آخر المجردات فانها غيب فلما تعلقت بها صورته المثالية ظهر الجسم و المادة و الصورة دفعة ام لم‌تخلق كاول مصنوع و اليه الاشارة بقوله عليه السلام يمسك الاشياء باظلتها اي بنفسها و مثل معني خلق الله آدم علي صورته علي جعل ضمير صورته يعود الي آدم و هذا المعني ظاهر لمن له باطن و قوله فهل المفروض حقيقة الوجود الخ ، اذا كان المفروض هو الوجود المخلوق فالوجود هو الموجود و لاسيما علي ما يراه فحقيقة الوجود المخلوق هو المفروضة و هو وجود بعد كونه لا قبله و هو متقوم بنحو ما تقدم من نفسه و انه بنفسه كان و بهويته ظهر و لا ريب ان هويته غير جهته من ربه اذ جهته من ربه انه اثر و انه نور كما قال عليه السلام اتقوا فراسة المؤمن فانه ينظر بنور الله اي بوجوده و لكن ليس من حيث هو فانه هوية مظلمة بل من حيث انه نور الله فلا هوية له حينئذ و لا حقيقة له لنفسه فما عاد الي انه بعضها او خارج عنها عاد الي ما قلنا و هو ما اراد الله تعالي و اليه الاشارة بقول جعفر بن محمد عليهما السلام كلما ميزتموه باوهامكم في ادق معانيه فهو مثلكم اي صفتكم مخلوق مردود اليكم لان الصفة ترد الي موصوفها و قوله يلزم ان يكون غير الوجود الخ ، المفروض جزءا للشئ لايكون غيرا منه و الجزؤ الذي هو ركن اذا كان حصة من جنس لايتحصص للشئ قبل الشئ بل معه و كذا حكم اول الاشياء اذ لاينفك مصنوع عن التأليف و لكن كالكسر و الانكسار و قوله و ايضا كان حصول حقيقة الوجود لتلك المقومات اقدم من حصولها لما يتقوم بها اي الوجود هذا غير

 

«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 70 *»

مسلم بل يكون حصولهما معا لان احداث مادة النور و صورته هو احداثه بعينه و ليس كما يتوهم انها مثل احداث المخلوق كالبناء للجدار بل قال للشئ كن فكان دفعة بمادته و صورته و لم‌يكونا شيئا قبل ذلك فلذا ركب لصورة امره كاف يشير بها الي الكون و نون يشير بها الي العين و مجموعهما كلمة واحدة و امر بسيط و بين الكون و العين ستة ايام هي حدود قابليته و تمام ماهيته الكم و الكيف و الوقت و المكان و الجهة و الرتبة و صورتها في الانسان النطفة و العلقة و المضغة و العظام و يكسي لحما و ينشئ خلقا آخر و يدل علي هذه الستة الايام المضمرة الواو المحذوفة بين الكاف و النون للاعلال فانها ستة فكان الشئ و مادته و صورته بقول كن دفعة في المراتب الستة بدليل ان ضمير الامر الذي هو فاعله يعود الي الشئ الذي لم‌يكن و لم‌يكن له ذكر قبل هذا فكان مع هذا فاعل امر الآمر و الفاعل هو ذلك المفعول اشعارا بكمال المساوقة و عدم تقدم اجزائه عليه بل كلها خرجت في الكون معه فافهم و دع عنك العبارات القشرية التي ليس لها محقق الا التوهمات فلايستحيل ان تجتمع حقيقته من اجزاء متباينة في الوجود كالمادة و الصورة اللتين هما جهة اعتباره من ربه و جهة اعتباره من نفسه و لايستحيل ايضا ان تنحل حقيقته الي اشياء متحدة الحقيقة و الوجود كما ذكرنا و قد صرح بهذه المساوقة في الاجزاء جعفر بن محمد عليهما السلام في حديث حدوث الاسماء كما في الكافي و التوحيد قال ان الله تعالي خلق اسما بالحروف غير متصوت الي ان قال عليه السلام فجعله كلمة تامة علي اربعة اجزاء ليس واحد منها قبل الآخر الحديث ، وجه الاستدلال انها مع كون بعضها من بعض حكم عليه السلام عليها بالمساوقة بمعني ان العلة انما تتم علة بتأثيرها في معلولها فتكون علة بكون معلولها كما في الابوة و البنوة فان الاب انما يكون ابا بالابن اذ المراد بتلك الاربعة الاجزاء عالم الفعل و المشية و عالم الجبروت و عالم الملكوت و عالم الملك كما حققناه في شرح هذا الحديث الشريف و المراد بالاسم المخلوق منها هو مجموع العالم الذي هو ما سوي الله تعالي فانها اي الاربعة

 

«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 71 *»

لاتتحقق قبله كما لايتمحض الخشب للسرير بان يكون جزءا للسرير قبل السرير و اما علي ما يفهم ظاهرا فذلك حكم من يصنع بالتروي و التفكر و من يكون في افعاله و علمه التقدم و التأخر و اما من ارادته احداثه لا غير و لا مضي معه و لا استقبال فلايتحقق في فعله التقدم و التأخر و لا في مفعوله الا في شرايط ظهوره و هي لاتتحقق قبله كما في الكسر و الانكسار و الاب و الابن و هذا اشارة و التصريح يطول به الكلام و العارف يفهمه من نحو الكسر و الانكسار و نذكر في خلال الشرح كثيرا من البيان و قوله و يمتنع ان يتصور تحليل حقيقته الي شئ و شئ اذا اراد به الوجود الحق فكلامه حق لان هذه جهات الخلق و احوالها فلايصح عليه شئ منها و اما ان اراد به المطلق فله نصف يصح فيه كلامه و لنا الكل في كل يصح كلامنا فيما يليق به و ان اراد الخلق لم‌يصب الحق و قوله و صرف الحقيقة الخ ، الكلام فيه كالذي قبله لان الصرف في الخلق مجاز و في المشية حقيقة و في الحق تعالي حق .
قال بل قد تلزمه هذه الاشياء بحسب ما يتحصل به و يوجد من المعاني و الماهيات اذ كل وجود سوي الوجود الاول البسيط الذي هو نور الانوار تلزمه ماهية كلية امكانية تتصف بهذه الاوصاف باعتبار حصولها في الاذهان فتصير جنسا او فصلا او ذاتيا او عرضيا او حدا او رسما او غير ذلك من صفات المفهومات الكلية دون الوجود الا بالعرض .
اقول يعني ان الوجود من حيث هو لايلزمه لذاته شئ لاستغنائه فلاتلزمه احكام الجنسية و الفصلية و غيرهما و انما تلزمه باعتبار ما يتحصل به اي بالوجود من المعاني و الماهيات فظاهر كلامه انها تلزمه لكن احكام الجنسية و الفصلية اذا لزمته باعتبار لحوق الماهية به اين تلزمه في الخارج ام في الذهن فان لزمته تلك الاحكام في الخارج كان اسوء حال من غيره لان غيره ماتلزمه تلك الاحكام الا في الذهن كما هو معتقده و ان لزمته في الذهن لزمت ذاتيه او عرضيه فان كان الملزوم ذاتيه فقد ساوي الماهيات و كان

 

«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 72 *»

له وجود يتبدل عليه و ان كان الملزوم عرضيه فالمتحصل به من الماهيات هو العرضي و الا كان ما هو ذاتي لازما لما هو عرضي و العرضي منه ليس هو المراد لان المراد حقيقته لا عرضيه و قال انها تتحد به خارجا و تغايره ذهنا و العرضي لايوجد خارجا فوجب عليه انه لذاته لايلزمه شئ من تلك الاحكام و لا شك ان كل متشخص حتي زيد لاتلحقه لذاته تلك الاحكام و لكن المفروض لحوقه حال تكثره بما يلحقه سواء كان خارجا ام ذهنا ثم اعلم ان الوجود الذي يدعي ان هذه الاشياء تلزمه هل هو ذلك الذي لا جنس له و لا فصل ام غيره فان كان غيره فاين كان حين حكم بوحدته و ان كان هو ذلك فانه قد حكم بانه غني عما سواه فان كان غنيا فكيف يلزمه ما هو غني عنه فلما لزمه ظهر انه غير غني فاذا ثبت لزوم شئ له فهل لزمه في الخارج ام في الذهن كما ذكرنا فلزومها له في الخارج لا شك انها مقومة له و لاسيما اذا كانت متحدة به فقد لزمته لذاته فلاتنفك عنه في الخارج و انما تنفك عنه بالتحليل العقلي و هذا وجه المساواة لغيره و انه لايمكن ان يتقوم في الامكان شئ بسيط لان الله تعالي لم‌يخلق شيئا فردا قائما بذاته دون غيره للذي اراد من الدلالة عليه كما قال ابوالحسن الرضا عليه السلام و قوله قد تلزمه اي هذه الاحكام بسبب انضمام الماهيات و المعاني و الانسب بمذهبه ان يقول انها تلزم الماهيات و المعاني بسبب انضمامه اليها و كذلك تتصف الماهيات بها اتصافها به و ان كان فيه تفصيل مع ان المستفاد من كلام اهل البيت عليهم السلام ان الاحكام لاحقة للماهيات و ان كانت الماهيات متقومة بالوجود في التحقق و متقوم بها في الظهور و العقل الصحيح مطابق فيما يدركه لما قالوا عليهم السلام لانهم يجعلون الوجود هو الهيولي التي تكون المادة حصة منها و الماهية هي الصورة و الاحكام انما تلحق الصورة عندهم بل عند المصنف لانه لاينكر انك لو اخذت خشبة و شققتها نصفين و عملت نصفا منها صنما و النصف الآخر بابا فان الخبث و الطيب لاحقان للصورة لا للمادة و قد حكم الفقهاء انه لو نزي كلب علي شاة فاولدها فان كان الولد صورة كلب فهو

 

«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 73 *»

حرام نجس و لو كان صورة شاة كان حلالا طاهرا و المادة واحدة و اذا نسب المصنف هذه الامور الي الماهيات لم‌يضطرب قوله لانه حكم ان الوجود مبرء عنها فكيف تلحقه و تلزمه لانها اذا لزمته و ان كان باعتبار شئ آخر فقد اتصف بها و جرت عليه احكامها لانه انما فرق بين الذهني و الخارجي بكون الذهني لاتترتب عليه الاحكام و الخارجي تترتب عليه و لا موجب لذلك الا كونه خارجيا لانه هو المتحقق و لايتحقق في الخارج الا بالماهيات و قبلها ليس بشئ الا في الذهن كالماهيات الكلية و لا حكم الا لخارجه مع انه قال ان حقيقة كل شئ هو وجوده الذي تترتب عليه آثاره فتدبر في هذه الالزامات و الحاصل انك اذا نظرت الي ما ذكرنا و نذكر و لم‌تهمل كلام ائمة الهدي عليهم السلام مثل قول الرضا صلوات الله عليه قد علم اولوا الالباب ان الاستدلال علي ما هنالك لايعلم الا بما هيهنا ه‍ ، ظهر لك بمعرفة شئ مما ظهر لك معرفة ما غاب عنك و قد اشرنا سابقا و صرحنا و كررنا مرارا ان الوجود المخلوق لم‌يتحقق في الخارج قبل انضمام الماهية اليه لانها نفسه و لايتحقق الشئ بدون نفسه و هي ملزومة للاحكام و ليس كما يذهب اليه من تحققه في الخارج قبل انضمام الماهية و قبل لحوق الاحكام فلما لزمته الماهية لحقته الاحكام ليتوجه ما يدعيه من العارضية لان هذا انما يصح اذا صح حصوله خارجا قبل الماهية و لايصح عندنا لان ماهيته هي جهة انيته فكيف يحصل خارجا قبلها لانهما في نفس الامر كالكسر و الانكسار لان الماهية قبوله التكوين فلايكون قبل ان يتكون و لايتكون قبل ان يكون فلما كونه تكون فحصل في الخارج معها ملزومين للاحكام و يأتي بيان تكوين الماهية بجعل غير جعل الوجود الا انه مترتب عليه لا كما يقولون انها غير مجعولة بنفسها مطلقا او بجعل الوجود علي الخلاف بينهم و اما ثبوت عدم تحققه عند المصنف الا بلزوم الماهية و ان لم‌يرد ذلك لكنه يلزمه فلحكمه بان كل وجود سوي الوجود الاول البسيط الذي هو نور الانوار تلزمه ماهية كلية امكانية الا ان ارادته تدور علي الوجود المطلق و يلزمه

 

«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 74 *»

ان يكون وجود الخالق سبحانه و الوجود الحق المخلوق به و وجود الخلق حقيقة واحدة بسيطة في رتبة محض انية الوجود فتصدق علي كل واحد من الوجودات الثلثة فيتميز كل واحد من الآخر بخاصة كما قال بعض النحاة في تمثيل انقسام الكلمة الي الاسم و الفعل و الحرف بالجيم و الخاء و الحاء فعلامة الجيم نقطة من اسفله كوجود الحق المخلوق به و علامة الخاء نقطة من اعلاه كوجود الخلق و علامة الحاء عدم العلامة كوجود الحق ، تعالي عن ذلك علوا كبيرا و اكثرهم مايعني بالوجود في الكلام عليه الا هذا فيلتزم بان الوجود الحق تعالي احد افراده الم‌تر انهم في كل واد يهيمون و انهم يقولون ما لايفعلون فمن كان يقول بهذا فذرهم و ما يفترون فلقد ضلوا و اضلوا ان الوجود الحق عز و جل ليس لاحد من جميع ما سوي الله تعالي ان يتكلم فيه فان المتكلم فيه لايزداد من الله الا بعدا و اما ما اراد تعالي منهم من معرفته فهو ما وصف به نفسه لهم في انفسهم و هي صفة مخلوقة هي ذاتك اذا القيت عنها من وجدانك كل ما لم‌يكن ذاتها التي لايمكن فهمها قبله حتي الاشارة و الالقاء كما قال اميرالمؤمنين عليه السلام لكميل كشف سبحات الجلال من غير اشارة الي آخر الحديث و اجمله في قوله عليه السلام من عرف نفسه فقد عرف ربه و ذلك من قوله تعالي سنريهم آياتنا في الآفاق و في انفسهم حتي يتبين لهم انه الحق و هي آية الله اي آية معرفته كما قال سيد الوصيين صلوات الله عليه صفة استدلال عليه لا صفة تكشف له و المراد بهذا هو المعروف باصطلاح الحكماء الالهيين بالعنوان و بلسان اهل البيت عليهم السلام هو مقاماته و علاماته التي لا تعطيل لها في كل مكان كما قال الحجة عليه السلام و علاماتك و مقاماتك التي لا تعطيل لها في كل مكان يعرفك بها من عرفك لا فرق بينك و بينها الا انهم عبادك و خلقك الدعاء من ادعية شهر رجب و هذا العنوان دليل المعرفة من جهة صفة الفعل لا الذات كالكتابة فانها يعرف بها الكاتب من حيث حركة يده بالاعتدال و عدمه و بوجوده و لايعرف حسن الكاتب او قبحه فافهم و هذا المقام الذي لا فرق بينه و بين الله سبحانه من حيث الفعل كالحديدة المحماة بالنار لا فرق بينها و بين النار في

 

«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 75 *»

الاحراق لان احراق الحديدة فعل النار التي قامت صفته و اثره بالحديدة فالنار هي المحرقة بفعلها الذي وضعته في الحديدة فهذا المقام المخلوق هو المطلوب معرفته لانه صفة الظهور لنا بنا فالصفات صفات معاني المقام و الاسماء اسماء معانيه كما قال الرضا عليه السلام و اسماؤه تعبير و افعاله تفهيم يعني ان اسماء الله عز و جل تعبير يعبر بها المعلم ليفهم او يعبر بها سبحانه لعباده ليفهموا ما يريد منهم و افعاله تعالي تفهيم ليستدلوا بها و الحاصل ان الوجود الذي يطلق في مقام بيان صفته لايجوز ان يكون هو وجود الله تعالي و لا الوجود المطلق الصادق عليه و علي غيره فان الوجود الصادق علي غيره كاذب عليه تعالي بكل معني و بكل ارادة و انما يجوز في الوجود المخلوق و هو لاينفك عن نفسه و هويته التي هي الماهية فكل مخلوق جزءان الجزء الاعلي هو الوجود و هو جهة ذلك الشئ من ربه كما قلنا مكررا و الجزء الاسفل هو ماهيته و هو جهته من نفسه فاذا تكلمت في الوجود المخلوق فانت تتكلم في جزء الشئ و اعلم ان هذا الجزء الشريف يسمي في عرف ائمتنا عليهم السلام بالفؤاد و هو معني قول الصادق عليه السلام و اذا انجلي ضياء المعرفة في الفؤاد احب و اذا احب لم‌يؤثر ما سوي الله عليه نقلته بالمعني و بنور الله في مثل قول اميرالمؤمنين عليه السلام اتقوا فراسة المؤمن فانه ينظر بنور الله قال الصادق عليه السلام يعني بنوره الذي خلق منه و اذا تكلمت في جزء المركب الذي هو الوجود المخلوق كان كما قال المصنف متصفا بتلك الاوصاف الخ ، فقوله دون الوجود الا بالعرض فيه ما سمعت.

قال الثاني في كيفية شموله للاشياء شمول حقيقة الوجود للاشياء ليس كشمول معني الكلي للجزئيات و صدقه عليها كما نبهناك عليه من ان حقيقة الوجود ليست جنسا و لا نوعا و لا عرضيا و لا كليا طبيعيا بل شموله ضرب آخر من الشمول لايعرفه الا العلماء الراسخون في العلم .

اقول اعلم انهم قد يريدون بكون الكلي شاملا لجزئياته هو كونه مشتركا بين افراده مطابقا لكل واحد منها بحقيقته اي ان حقيقة كل واحد من تلك

 

«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 76 *»

الافراد بعد رفع ما عرض من المشخصات العارضية عين حقيقة ذلك الكلي و مثلوا له بخواتم منقوشة بنقش واحد اذا طبع بواحد منها علي شمعة و ظهرت صورة ذلك النقش و اذا طبع بالآخر علي ما في تلك الشمعة من صورة نقش الاول لم‌يحدث بالثاني الا ما حدث بالاول فهو هو و هكذا سائر الخواتم فالنقش الواحد الذي نقشت به الخواتم هو مثال الكلي و ما في الخواتم مثال جزئياته و هذا يتمشي علي رأي من يقول ان ما في الخيال اصل لما في الخارج و ما في الخارج مشتق منه و فرع له و اما علي رأي من يقول ان الكلي معني انتزاعي انتزع من الافراد الخارجة بان نظر اليها فوجد فيها شيئا في الخارج يوجد في كل فرد هو حقيقته و انما تمايزت بمميزات عارضة لتلك الحقيقة التي يكون ما في كل فرد منها بمنزلة جزء من كل كما هو شأن الحصص التي تتميز بعضها عن بعض بالعوارض كالحديد في المسمار و السيف و السلسلة الحديد و غير ذلك فنظر في مادة المسمار و في مادة السيف و في مادة تلك السلسلة فاذا هي حديد فانتزع منه صورة ظلية في ذهنه من ذلك الحديد الموجود خارجا و وصفها و سماها بملاحظتها في الخارج فكان ما في ذهنه صادقا علي تلك الافراد المعمولة من مادة واحدة لان تلك الصورة الذهنية انتزعت مما في الخارج انتزاعا ظليا عارضا منفصلا في الحقيقة عن حقيقة الحديد الخارجية فمثاله كنقش واحد طبع به في شمعات متعددة فالحديد صورة ما في الخاتم و المسمار و السيف و السلسلة مادتها صورة ما في الشمعات المتعددة ففي الحقيقة الذهنية هي حصص و في الحقيقة الخارجية اجزاء و في الحقيقة عند من يفهم ان تلك الحصص مواد قطعت من كل لا كلي ظهرت من كلي و ان كان يجدها في ذهنه كذلك لكنه بناء علي ان ما في الذهن اصل لما في الخارج و المصنف و ان كان بعض عباراته يلزم منها ذلك و لكنه لايلتزمه في حق الوجود بل يلتزم في حق حقيقة الوجود انه ليس له وجود ذهني و انما يوجد في الذهن منه العرضي كما في هذا الكتاب و ان كان في غيره يحكم بالاول كما في الكتاب الكبير فاذا عرفت هذا فاعلم ان المصنف عنده علي ما يظهر من كلامه انه كما

 

«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 77 *»

ان شمول حقيقة الوجود للاشياء ليس كشمول الكلي لجزئياته كذلك ليس كشمول الكل لاجزائه بناء علي ان الكل غير الاجزاء و حقيقة الوجود عين ما يتحد به في الوجود مع الماهيات من مراتبها اذا قطع النظر عن خصوصيتها فتعليله بانه ليس كشمول الكل لاجزائه لان الكل غير اجزائه عليل لانه ان اراد انه غيرها في الحكم فكذلك حقيقة الوجود غير ما تتحد به مع الماهيات من مراتبها و الا كان محدودا لان كل شئ وقع عليه الحد ففيه حقيقة الوجود متحدة بماهيته و ما يلحقها و ان قيل ان الحد انما هو للحدود لا للحقيقة قلنا هي بدون الحقيقة لا شئ فما المحدود فان قيل المحدود ما حفظته الحقيقة فيحد هو خاصة دونها قلنا فاذن المحدود ذهنيه لا خارجيه لان الخارجي ان اعتبر مغايرته خارجا انتفي الاتحاد المدعي و ان لم‌يعتبر امتنع تعريفه فلايمكن تعريف شئ خارجي اذ ليس في الخارج الا حقيقة الوجود و علي هذا يرتفع الثواب و العقاب عن جميع الموجودات الا في الاذهان لان الثواب و العقاب للاحكام الخارجية المتعلقة بالحقايق الخارجية لانا اذا حكمنا بانها حقيقة الوجود و هي تلحقها احكام المراتب و الماهيات الا باعتبار حصولها في الاذهان فان اتصفت حقيقة باحكام الماهيات و المراتب خارجا وقع التحديد و الا فلايلحق احدا من الاحكام الشرعية في الدنيا و لا في الآخرة شئ لانها لاحقة للموجود خارجا في صورته و حقيقته فيجب ان يكون الكل هو الاجزاء من حيث الحقيقة مع قطع النظر عن الاحكام و الخصوصيات اللاحقة للمراتب و الهيئات ففي الحقيقة اذا فتحت عين البصيرة و نظرت في الكلي و الكل و الجزئي و الجزء مع قطع النظر عن الاعتبارات الذهنية التي بنوا عليها احكام الفرق بين الكلي و الكل وجدت انهما شئ واحد و انما حصل الفرق باعتبار خصوصيات المراتب و المفاهيم الذهنية التي منشاؤها الاعتبارات الفرضية و ان شمول حقيقة الوجود الذي اشار اليه ليس الا كشمول الكل

 

«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 78 *»

للاجزاء و الكلي للجزئيات علي ما بينا من معني الكلي و انه ظلي ذهني انتزاعي و القوم انما فرقوا بملاحظة خصوصيات المراتب و المشخصات و هو لم‌يعتبر في شمول الحقيقة شيئا من تلك اللواحق بل يقول حقيقة الوجود ليس كشمول الكلي للجزئيات و لا الكل للاجزاء بل هي عين ما تتحد به في الوجود مع الماهيات من مراتبها اذا قطع النظر عن خصوصيتها فكذلك حقيقة الكل عين اجزائه اذا قطع النظر عن خصوصياتها فافهم و تفهم و لاتقنع بمجرد العبارات فقوله بل ضرب من الشمول الخ ، و يريد بانه شمول لايلحقه به نقص و لا قصور و لا ريب انه لو اعتبر شموله لها علي ما هي عليه بما هي عليه لحقه نقص و قصور كما في الكل مع اجزائه لان النقائص من العوارض فان الكل شموله للاجزاء مع قطع النظر عن خصوصيات المراتب كذلك لعدم ملاحظة تلك الخصوصيات فان قيل ان كان شمول حقيقة الوجود للاشياء كشمول الكلي لجزئياته لزم ان توجد بكلها في واحد من الاشياء و لا ريب انها ليست كذلك و الحديث القدسي المتفق عليه قوله تعالي ماوسعني ارضي و لا سمائي الحديث ، يشعر بعدم ذلك و ان كان كشمول الكل لاجزائه لزم الاتوجد الحقيقة بكلها في شئ كما هو شأن الكل و آخر الحديث القدسي المذكور قوله و وسعني قلب عبدي المؤمن يشعر بعدم ذلك قلنا ان المصنف لم‌يرد كل الوجود لينافي شمول الكل و لا بعضه لينافي شمول الكلي و انما يريد حقيقة الوجود و هي تصدق علي الحالين كما هو سائر حقائق الاصول مثلا كالماء فان حقيقته كما تصدق في كله تصدق في القطرة فلاينافي ذلك الشمول شمول الكلي كما في آخر الحديث المذكور و لا شمول الكل كما في اوله فتفهم و المصنف جعل شموله بالاشتراك المعنوي و الفردي لانهم يجعلون للوجود اطلاقات ثلثة الاول المفهوم و هو الوجود المطلق و في هذا الاطلاق شموله عنده و عند امثاله بالاشتراك المعنوي و هو ما يوضع اللفظ بازاء حقيقة واحدة مختلفة

 

«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 79 *»

الافراد و المراتب بالشدة و الضعف بوضع واحد كحقيقة البياض في تفاوت مراتبه فان الوجود في الواجب اشد منه في الممكن لان هذا المفهوم منتزع من الدلالة الوضعية بحسب افهامهم و الثاني هو الحصة و هي المفهوم الاضافي اي مع قيد الاضافة لتقييده في الفهم بلحاظ البعضية يعني احد فردي المطلق و الثالث هو الفرد يعني ان للوجود في الخارج فردا يصدق الوجود عليه بالهو هو كما يمثلون له بالبحر و ما يعرض عليه كالامواج فيجعل الوجود في شموله للاشياء كالاول و الثالث في الشمول و ما الاول الا كالكل و ما الثالث الا كالكلي و الكل فتفهم .
قال و قد عبروا عنه بالنفس الرحماني و تارة بالرحمة التي وسعت كل شئ و بالحق المخلوق به عند طائفة من العرفاء و بانبساط نور الوجود علي هياكل الموجودات الممكنات و قوابل الماهيات و نزوله في منازل الهويات .

اقول النفس الرحماني بفتح الفاء و سكونها فعلي الفتح شبهوا الوجود بالنفس لان النفس يخرج من جوف المتكلم ممتدا الي الهواء و هو الالف اللينة و طولها الف‌الف قامة و هو هيولي سائر الحروف فاول ما يخرج عنها الالف المتحركة و هي الهمزة و هي اول العالم التدويني طولها الف‌الف ذراع بمنزلة عقل الكل و هو اول الوجود المقيد فالمتحركة اول الحروف و آخرها الميم و كلها شعب تجري من الالف اللينة فهي منه بمنزلة الشعب تجري من النهر فاللينة هي النفس بفتح الفاء الممتد من جوف المتكلم الي الهواء فالحروف حصص منه و كل حرف مركب من مادة هي حصة من ذلك الالف و من صورة هي هيئة تلك الحصة في المخرج من الضغط و القلع و القرع فالالف اللينة الممتدة الي الهواء مثل للوجود المنبعث من فعل الله سبحانه و امتداد الالف مثل لانبساط ذلك الوجود في هواء الامكان الذي هو العمق الاكبر الاضافي و الحروف المتعينة في مخارجها بما يلحقها من هيئة الفعل بالضغط و القلع و القرع مثل لافراد الموجودات في امكنة حدودها المتعينة بما يلحقها من

 

«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 80 *»

العوارض الخارجية و المشخصات للمهية كما هو حكم الهيوليات مع الحصص المأخوذة منها للافراد الخارجية المتعينة بالمعينات العارضية و هكذا المثال بالبحر و امواجه و بالمداد و الحروف المكتوبة منه و بالاعداد الناشية من ظهورات الواحد و هيئات تنزلاته و بالماء مع قطع النظر من الثلج و بالثوب و تلوناته بالاصباغ المختلفة و كلها بمعني واحد ترجع الي معني واحد من الشمول كما ذكرنا و علي سكون الفاء يراد بالنفس التي هي صفة الرحمن و اثره منسوبة اليه و بها تجلي الرحمن علي العرش فظهرت علي اركانه الاربعة بكل الوجود باقسامه الاربعة الخلق و محله الركن الاسفل الايسر من العرش و هو النور الاحمر و بابه جبرئيل عليه السلام و الرزق و محله الركن الاعلي الايمن من العرش و هو النور الابيض و بابه ميكائيل عليه السلام و الممات و محله الركن الاعلي الايسر من العرش و هو النور الاخضر و بابه عزرائيل (ع‌) و الحيوة و محله الركن الاسفل الايمن من العرش و هو النور الاصفر و بابه اسرافيل عليه السلام قال الله تعالي خلقكم ثم رزقكم ثم يميتكم ثم يحييكم و هي نفس الولي عليه السلام المعبر عنه بصدر العالم و النفس الكلية و نظيرها الباء في الحروف اللفظية و في الحديث علي ما رواه ابن ابي‌جمهور عن النبي صلي الله عليه و آله انه قال ظهرت الموجودات من باء بسم الله الرحمن الرحيم و قول بعضهم علي الوجه الثاني و النفس بالسكون كلما ارادت النفس ان تتكلم بحرف فبارادتها يقارن مخرج ذلك الحرف فيعرضه ذلك و يحمله فهو امر واحد لمروره بمخارج الحروف حين التكلم يعرضه العوارض الحرفية المتخالفة لا معني له اذا جعله تفسيرا للنفس الرحماني بسكون الفاء و انما هذا تفسيره بالفتح و الحاصل انهم يجعلون حقيقة الوجود شيئا واحدا بسيطا و انما تكثر متفاوتا بين افراده الموجودات لاجل اختلاف ظهوراته الحاصل باختلاف مظاهره من غير تعدد في الحقيقة من حيث هي و يمثلون لذلك بالشمس و اشراقها علي الزجاجات المختلفة الالوان بلا تعدد في تلك الحقيقة و لا تجزية و

 

«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 81 *»

لا تبعيض فهو الكل في الكل و انت اذا فهمت كلامي الماضي و ما اقول لك الآن عرفت انهم مافهموا ما يقولون و ان تمثيلهم غلط و لو عرفوا الحقيقة لاصابوا في المثل و بيان غلطهم في المثل انهم جعلوا الوجود كالشمس و اتحادها و اختلافات اشراقاتها علي الزجاجات المختلفة فان المختلف هو العكوسات عن الاشراقات فالمثال الحق ان حقيقة الشمس غير حقيقة الاشراق و هو واحد و اما العكوسات المختلفة فهي في تحققها خارجا مختلفة الحقايق لان استضائة الزجاجات انما تحققت في الخارج بحيث تعلقت بها الارادة الكونية بقابليات الزجاجات لها و لا كون لها خارجا قبل قابليات الزجاجات فالموجودات في الحقيقة مثالها الاضواء المنعكسة و لا ريب في تغايرها في انفسها فلاتجمعها الا حقيقة كلية لا بسيطة متشخصة و نظيره ما قال الشاعر :
اري الاحسان عند الحر دينا       ** * **      و عند النذل منقصة و ذما
كقطر الماء في الاصداف در       ** * **      و في بطن الافاعي صار سما
و لا شك ان اللؤلؤ و السم حقيقتان مختلفتان و لا شك ان اصلهما من ماء واحد و لاتجمعهما حقيقة واحدة من الماء و الا لكانت حقيقة النحاس و حقيقة الانسان واحدة لانهما خلقا من العناصر و المنعكس عن الزجاجة ليس الواقع عليها و الا لذهب الواقع اذا انعكس علي الارض بل هو نور من الواقع علي الزجاج فهو جزء من سبعين جزءا من ذلك الواقع لانه شعاعه فالمنعكس الاخضر غير المنعكس الاحمر لمغايرته له في المادة و الصورة فليس الوجود المتكون منه زيد هو المتكون منه عمرو الا بلحاظ المعني الثاني الذي هو الحصة اي المفهوم بقيد الاضافة و لو قيل به كان لوجودات هذه الافراد جنس فاذا صدق علي كل واحد منها الحقيقة وقع التحديد و المفهوم ما لم‌يصدق علي الخارج لاتلحق الاحكام العارضة له بالآخر و لايجري عليه فلايكون مفهوما منه و لا له للحوق

 

«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 82 *»

كل حكم ما يعرض له فيفترقان و مع الصدق يقع التحديد و غلطهم في المثال لتوهمهم ان المنعكس المختلف هو بعينه هو المشرق المتحد و ليس كذلك بل المنعكس ظل للمشرق يتوقف تكونه علي القابل فحقيقته هو الموجود المختلف بما هو مختلف و المشرق صانع و المنعكس مصنوع و الصانع غير المصنوع فقولهم ان النفس الرحماني بالسكون هو الذات المنبسطة علي الكل غلط لان الواحد المنبسط غير المتعدد المقبول بالقوابل لان المقبول آثاره المتعددة التي لم‌تكن جزءا من تلك الحقيقة المنبسطة و انما هي تعلقات و وجوه منها لم‌تكن موجودة معها و لا في رتبتها و لا جزءا منها و لا متصلة بها و لا قائمة بها قيام ظهور و لا قيام تحقق و لا قيام عروض و انما قامت بها قيام صدور بل كل وجه و تعلق منها قائم في مقامه الذي خلق فيه كما قال سيد الساجدين عليه السلام لايملكون تأخيرا عما قدمهم اليه و لايستطيعون تقدما الي ما اخرهم عنه ه‍ ، فانبساط ذلك الوجود بالظهور بآثاره لا بذاته فتفهم و قوله و تارة بالرحمة التي وسعت كل شئ نريد نحن به وسعت كل شئ بآثارها لا بذاتها و الا لتساوت الاشياء في الخير و آثار الخير و ان كانت ايضا خيرا لكنها لما لم‌يتحقق في انفسها الا بقوابلها كانت حقايقها علي حسب مقتضي قوابلها فمقتضي قبول الاجابة يكون به الاثر المقبول خيرا و منيرا و مقتضي قول الانكار يكون به المقبول شرا و مظلما و الكتاب و السنة مشحونان بالاشارة الي هذا من ذلك قوله تعالي و قالوا قلوبنا غلف بل طبع الله عليها بكفرهم و القلوب اصلها النور فطبع الله عليها بانكارها فكانت ظلمة و قول الصادق عليه السلام العقل ما عبد به الرحمن و اكتسب به الجنان قال السائل فالتي في معوية قال عليه السلام تلك النكراء تلك الشيطنة و هي شبيهة بالعقل و ليست بعقل و قوله تعالي و ننزل من القرءان ما هو شفاء و رحمة للمؤمنين و لايزيد الظالمين الا خسارا لان ما زاد الظالمين خسارا فبظلمهم و الا فانه لو اقترن بايمان المؤمنين كان شفاء و رحمة و مثله ما روي في حديث العقل الكلي اياك اثيب و اياك اعاقب و هو قولنا في قوله و نزوله في منازل الهويات فانه لاينزل

 

«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 83 *»

فيها بذاته و انما ينزل فيها بآثاره المفعولية و مظاهره الفعلية و هو علي ما هو عليه كما يظهر السراج باشعته فان انبساطه بآثار فعله لا بذاته و الآثار محدثة به لا منه .
قال و ستعلم معني الكلام من ان الوجود مع كونه امرا شخصيا متشخصا بذاته متعينا بنفسه مشخصا لما يوجد به من ذوات الماهيات الكلية كيف يتحد بها و تصدق هي عليه في الخارج و يعرض مفهومه عليها عروضا في الذهن بحسب التحليل العقلي .
اقول يعني به وجوده المبهم الذي مرة يكون ربا و مرة يكون عبدا و قد علمت بان هذا الوجود المشار اليه لايصلح لله سبحانه و لايصلح لخلقه لان الشخصي المتشخص بذاته في الخارج غني في كونه و تشخصه و تشخيصه عما سواه لايكون الا ربا و المتحد بما يوجد به بحيث يصدق ذلك الموجود به عليه في الخارج و يعرض مفهومه في الذهن علي الموجودات به بحيث يكون عارضا في التعقل علي ما وجد به لايكون الا عبدا ناقصا محتاجا لايصلح الا لبعض الخلق كالاعراض مع انه اذا صدقت الماهيات الكلية عليه في الخارج فقد كان المصداق كليا فاذا كان الخارجي كليا كان مفهومه كليا موجودا في الذهن عارضا لها فيكون جنسا او فصلا او غيرهما كما في سائر المفهومات الكلية فيجري عليه التحديد و هو قد منع منه قبل ذلك فقال دون الوجود الا بالعرض يعني ان هذه الاوصاف انما تلحق الماهيات الكلية لصحة نقلها بذاتها الي الذهن دون الوجود فلاتلحقه هذه الاوصاف الا بالعرض لكونه حينئذ عارضا لها عند التحليل العقلي فقلنا تجويزك و حكمك بصدق الماهية الكلية عليه في الخارج لايصلح الا لكونه كليا في الخارج فاذا حلله العقل لم‌يحلله عن كليته الا اذا كان جزئيا في الخارج و حينئذ لم‌يصدق عليه الماهية الكلية فان كان متشخصا في نفسه امتنع الصدق الا باعتبار تعدد الحيثية و ان كان كليا في نفسه لم‌يحلل العقل كليته بل ينقله بها الي الذهن و يقع التحديد و دعوي ان الانتزاع لا من حيث الامر الخارجي لمغايرته للمفهوم فتكون جهة الانتزاع اعتبارية لحكمه بانه عارض عليها و الاحكام الاعتبارية غير متحققة في نفس الامر غير صحيحة و الا لكذب

 

«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 84 *»

الانتزاع مع انا قررنا تحقق وجود كل الامور الاعتبارية عقلا و نقلا علي ان صحة الصدق خارجا تحقق الاتحاد و مفاد تحقق الاتحاد و اللازم منه ان يكون للوجود حصولان حصول معناه في الذهن و هو نقله الي الذهن مع قطع النظر عن العوارض الخارجية يعني مجردا عنها و الحصول العرضي الانتزاعي لان الوجود متحد في الخارج الذي هو متحقق الحقيقة بالماهيات الامكانية الكلية ذوات الحصولين الحصول المعنوي الذاتي و الحصول العرضي اذ المنافي لهذا انما هو المغايرة الذهنية الاعتبارية و هي غير موجودة لان الموجود انما هو الاتحاد و التحليل العقلي يشهد بعدم تحقق المغايرة مع الاتحاد خارجا الا بلحاظ التركيب و اما معقول عارضية الوجود فانما هو باعتبار الحمل الصناعي مثل هذا موجود او باعتبار انها هي الوجود الحقيقي الذاتي الخارجي و انه بلحاظ التعدد الواقعي الذي هو تركب هذا الشئ من قابل و مقبول او من جهة خالقه و جهة نفسه كما قلنا سابقا مع لحاظ ان الماهيات في نفسها غير مجعولة بل هي صور علمية ثابتة في ذاته تعالي كما يقول اهل الاشراق او في الامكان الذاتي كما يقوله المعتزلة و انما المجعول وجوداتها انه يكون عارضا فلما رأوه عارضا مستقبل اوديتهم قالوا هذا عارض ممطرنا بل هو ما استعجلتم به ريح فيها عذاب اليم و هذه الريح من هوي النفس المتخذ الها لا حول و لا قوة الا بالله العلي العظيم .

قال و يظهر لك ايضا انه كيف يصدق القول بكون حقيقة الوجود مع كونها متشخصة بذاتها مختلفة الحقايق بحسب اختلاف الماهيات الامكانية المتحدة كل منها بدرجة من درجاته و مرتبة من مراتبه سوي الوجود الحق الاول الذي لا ماهية له لانه الصريح الوجود الذي لا اتم منه و لا اشد قوة و كمالا و لايشوبه عموم و لا خصوص و لايحده حد و لايضبطه اسم و رسم و لايحيط به العلم و عنت الوجوه للحي القيوم .

اقول لايصدق القول بكون حقيقته مع تشخصها بذاتها مختلفة الحقايق بحسب اختلاف الماهيات الخ ، الا بكون تلك الحقيقة هيولي لتلك الاشياء المتعددة كالخشب الذي حقيقته متشخصة بذاته الخشبية

 

«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 85 *»

المتحدة بما في السرير و الباب و السفينة من المواد الخشبية الا انه مع هذا فانا لانحكم ببساطة الخشب بل هو مركب من مادة و صورة و السرير مركب من مادة هي تلك الحقيقة المركبة من مادة و صورة و هما الخشب و من صورة و كذلك الباب و السفينة و الوجود ايضا كذلك مركب من مادة هي جهة من ربه و من صورة هي هويته و الاشياء منه اجزاء او جزئيات علي نحو ما اشرنا اليه سابقا يعني حصصا منه تتحقق و تتميز كل حصة بمشخصاتها و مميزاتها و هذا كله علي قولهم باتحاد حقيقة الوجود في كل موجود كما قلنا في الخشب بالنسبة الي ما صنع منه و اما علي قولنا تبعا لقول ساداتنا و موالينا ائمة الهدي عليهم السلام بان الوجود حقايق متعددة فالاول وجودهم الاربعة‌عشر معصوما عليهم السلام لا غير لم‌يخلق الله سبحانه غيره و لم‌يخلق من حقيقته غيرهم ثم خلق من شعاعه الانبياء عليهم السلام كذلك ثم خلق من شعاع وجود الانبياء عليهم السلام وجود المؤمنين و هكذا الي الثري كل حقيقة عليا لم‌يخلق من ذاتها السفلي و انما خلق السفلي من شعاع العليا فالعليا مثلا كالشمس نفسها و السفلي كشعاعها المشرق علي الارض و كل رتبة حقيقة في محلها و لما دونها و مجاز و اثر لما فوقها نعم افراد كل رتبة كالخشب و ما عمل منه فالتمثيل بالخشب انما هو لافراد كل رتبة و اما الوجود الحق عز و جل فكما قال عليه السلام :
اعتصام الوري بمغفرتك       ** * **      عجز الواصفون عن صفتك
تب علينا فاننا بشر       ** * **      ماعرفناك حق معرفتك
سبحان ربك رب العزة عما يصفون و قوله لا ماهية له يعني مغايرة لوجوده تعالي بحال و الا فله ماهية هي عين وجوده بلا مغايرة لا خارجا و لا ذهنا و لا فرضا و اعتبارا بل وجود و ماهية و ذات و علم و قدرة و سمع و بصر و حيوة و عزة و قدس و ما اشبه ذلك اسماء لجهة واحدة اختلفت باعتبار متعلقات تأثيرات افعاله تعالي و لا مبادي لتلك الا

 

«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 86 *»

تعلقات فعله بمفعولاته التي هي مظاهر معاني افعاله الحسني و امثاله العليا لا اله الا هو اليه المصير .

قال المشعر الثالث في حقيقة الوجود اعلم ايدك الله بنوره ان الوجود احق الاشياء بان يكون ذا حقيقة موجودة و عليه شواهد قطعية الاول ان حقيقة كل شئ هو وجوده الذي يترتب عليه آثاره و احكامه فالوجود اذن احق الاشياء بان يكون ذا حقيقة اذ غيره به يصير ذا حقيقة فهو حقيقة كل حقيقة و لايحتاج هو في ان يكون ذا حقيقة الي حقيقة اخري فهو بنفسه في الاعيان و غيره اعني الماهيات به في الاعيان لا بنفسها .
اقول اعلم ان الباحثين عن هذا الشأن اختلفوا بعد اتفاقهم علي حصول موجودات في الخارج فيها هل هي وجودات موهومة التحقق في الاعيان بل هي نقوش فهوانية ام هي وجودات بحت حادثة اقيمت بذواتها من غير وجود غيرها يقيمها و لا ماهية سوي ذواتها ام وجودات ازلية قديمة تعينت بما عرض لها من المهيات الاعتبارية الموهومة ام وجود واحد بسيط ذاتي ازلي تكثرت تعيناته بما لحقها من احكام مراتبها بحسب كل مرتبة في احكامها ام وجود واحد بسيط فعلي ازلي تكثرت تعيناته في مراتبها بحسب احكام تلك المراتب ام كل موجود وجودان وجود حق و وجود خلق تعين الحق بالخلق و الخلق بما لحقه من احكام مرتبة ام وجودان وجود حق لم‌يتعين مع وجود خلق تعين باحكام مرتبته ام هي ماهيات بحت مكونة بانفسها من غير وجود سوي حصولها في الخارج ام مكونة بوجود عارض عليها به كانت من غير ان يكون جزءا ذاتيا لها ام ماهيات غير مكونة بل هي صور علمية اظهرت في الاعيان بما عرض لها من احكام الاكوان ام هي ماهيات ثابتة البست ثوبا به ظهرت في الاعيان كالاواني الثابتة في المكان المظلم اذا اشرق عليها نور السراج ظهرت للناظر اليها ام هي ماهيات موهومة التحقق في الاعيان و انما هي نقوش انموذجية فهوانية ميزانية ام هي متقومة من وجود اعتباري و ماهية متحققة ام بالعكس ام من اعتباريين فهي موهومة التحقق ام هي مركبات من موجودات و

 

«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 87 *»

ماهيات كل فرد مركب من وجود و ماهية في الاعتبار بمعني ان التحقق للوجود خارجا و الماهية في الخارج متحدة به بمعني انها تصدق عليه و يعرض له ما يلحقها بسبب فرض لزومها له و ان كانت مغايرة له في الذهن كما يذهب اليه المصنف و اتباعه ام هي مركبات كل موجود مركب الذات من وجود هو مادته و من ماهية هي صورته و هذا هو الذي اذهب اليه و كل منهما متقوم بالآخر فالوجود متقوم بالماهية تقوم ظهور و الماهية متقومة بالوجود تقوم تحقق قد تلازما بالترابط و التداخل محل من غير اتحاد و لا استهلاك و لا انفصال بل بتداخل و تمازج كتداخل اجزاء الظلمة باجزاء نور السراج فان نوره ينبعث عنه علي هيئة مخروط قاعدته عند السراج و رأسه الي حيث ينتهي و الظلمة التي مازجته و تقوم بها علي هيئة مخروط رأسه نقطة عند السراج في قاعدة مخروط نوره و قاعدة مخروطها الي حيث ينتهي النور و ذلك في الشدة و الضعف كل علي عكس الآخر و اما في الحجم ظاهرا فعلي العكس في النور خاصة فهما في الحقيقة كرتان متداخلتان متقابلتان بقطبيهما و سطحيهما و استدارتهما اما القطبان فالنور يدور علي السراج علي التوالي و اما الظلمة فتدور علي نفس النور من حيث نفسه لا من حيث السراج علي خلاف التوالي و اما السطحان فالنور سطح كرته عند منتهاه الي جهة الظلمة و اما الظلمة فسطح كرتها عند جهة سطح النور بالمقابلة لا بالتوازي و اما في الاستدارة فكما سمعت في استدارتهما علي قطبيهما فالوجود احدثه الله تعالي بفعله بذاته اولا و بالذات من غير وجود زائد علي ذاته و اقامه بماهيته و اما الماهية فاحدثها الله تعالي ثانيا و بالعرض باثر فعله الذي احدث به الوجود و ذلك الاثر فعل ثان اشتقه عز و جل من الفعل الاول كاشتقاق النور من المنير فهو منه جزء من سبعين جزءا فبه احدث الماهية من نفس الوجود من حيث نفسه لا من حيث ربه كالكسر فانه حدث من فعل الكاسر و الانكسار خلق من نفس الكسر من حيث نفسه لا من حيث فعل الكاسر بفعل اشتق من فعل الكاسر للمكسور كما قلنا في النسبة و لذا نسب الي المكسور بنفسه فكان فعلا له و هو المعبر عنه بالقبول الاتري انك اذا نظرت الي

 

«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 88 *»

امر الله تعالي و تأملت فيه وجدت فاعل امر الله تعالي هو المخلوق المكون فاذا قال تعالي كن ففاعل امر الله تعالي ضمير تقديره انت يعود الي المكون لانه فاعل فعل الله بقابليته فلذا قال فيكون فصار المخلوق فاعل كن و يكون فتفطن في هذه الاسرار التي جرت بها الاقدار ففاعل كن قابل الوجود و فاعل يكون قابل الماهية و في الحقيقة لم‌يتم الموجود بهما بل مع وقوع التلازم فخلق الله من نفسيهما التلازم بفعل مترتب علي فعليهما كما تقدم ثم الزم بينهما بفعل رابع مترتب علي الثلاثة الافعال كما مر فالفعل الاول من مشية الله و الثاني من ارادة الله و الثالث من قدر الله و الرابع من قضاء الله فتم صنع ( الله خ ) الموجود بهذه الاربعة الحدود من هذه الافعال الاربعة و انا اريد بهذه الماهية قابلية الوجود و مجموعهما هيولي و مادة لما تحتهما فيؤخذ من المجموع حصة و تلبس صورة شخصية فالوجود هو الوجود بلحاظ انه اثر الله و صنع الله و نور الله و هو الماهية بلحاظ انه هو فنفسه باللحاظ الاول من عرف نفسه فقد عرف ربه و باللحاظ الثاني انيته التي بها حجب عن ربه و ما اعجب ما ذكرت لك عندك حيث انهم يقولون كان الوجود و الماهية بايجاد واحد و انا اقول باربعة ايجادات حقيقية كونية متحققة في الخارج لا في الاعتبار و انما اطلت هنا لاجل انتفاعك بهذه الاسرار الخفية و لتعلم مسلكي في امثال هذه القضية فاذا عرفت ذلك فاعلم ان المصنف يذهب الي الاول و الثالث من الاقسام التي تراد من اطلاق الوجود و هي المذكورة سابقا اعني ارادة المفهوم مطلقا و هو الذي يقال له الوجود المطلق الصادق عنده علي الحق و الخلق صدقا ذاتيا و الحصة اي المفهوم بقيد الاضافة و الفرد اي ما يصدق عليه هذا المفهوم صدقا ذاتيا في الخارج بالهو هو و عبارته تدور علي الاول و كذا السادس‌عشر و الثالث اعني المطلق و الفرد و تقريره و استشهاده عليهما و قد سمعت ما قلنا و ستسمع فاول ما استشهد به ظاهرا مصادرة و هو جعل الدليل عين الدعوي فان قوله حقيقة كل شئ هو وجوده الذي يترتب عليه آثاره و احكامه و القائلون بان الشئ حقيقته الماهية لا غير كما سمعت من الاقوال المتقدمة يكون كلامه

 

«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 89 *»

عندهم مصادرة و كذا بالنسبة الي قولنا الذي هو معني كلام ائمتنا عليهم السلام و صرحوا به في كلماتهم و ادعيتهم من ان الموجود الحادث مركب من وجود و ماهية فان الآثار بل الاحكام مترتبة علي الماهية اكثر من ترتبها علي الوجود و لاسيما احكام السعادة و الشقاوة في النشأتين و البرزخ نعم لو قال حقيقة كل من جهة ربه هو الوجود قبلنا منه بشرط ان يجعلها جزءا لا كلا و كيف يكون الشئ الخارجي الحادث كل حقيقته وجودا و الوجود خير لاتصدر المعاصي عنه و انما تصدر عن الماهية و هو يقول بهذا و لكنها عنده انما تعتبر في الاذهان و هو انما يفرق بين الوجودين بترتب الآثار و الاحكام و عدمه و آيات الله في الآفاق و في الانفس ترد ما ذهب اليه و انا اضرب لك منها آية لو كان عندك ماء شديد الحرارة لكان يحرق بحرارته و لو كان عندك ماء بارد شديد البرودة لكان يحرق ببرودته فان اجتمعا عندك بغير ممازجة مستهلكة لصفتيهما ظهر اثر كل منهما علي حدة كطاعة الشخص بوجوده الغير المستهلك حكمه في الماهية و كمعصيته بماهيته الغير المستهلكة حكمها في الوجود فلو مزجت المائين و بقيت صفة احدهما صدر عنها اثرها خاصة كما لو اتحد الوجود بالماهية فان كان الحكم للوجود لم‌تصدر عن الشخص معصية و ان كان للماهية لم‌تصدر عنه طاعة و ان امتزج الماءان بالتعادل لم‌تجد حرارة و لا برودة كذلك اذا امتزج الوجود و المهية علي هيئة تمازج المائين لم‌تصدر عن الشخص طاعة و لا معصية بل شئ ثالث و لو قال انها اتحدت به بحيث تصدق عليه صدق حمل صناعي خاصة لا ذاتي بل يصدق الوجود بمفهومه البحت علي الفرد الخارجي صدقا بالذات لم‌تصدر من هذا معصية قط و اعتبار المغايرة في الذهن خاصة لايكون منشأ للمعصية كما لو تصورت حرارة الماء البارد عند تصور عروض التسخين بالنار لم‌يكن بذلك ساخنا لان الفرض و الاعتبار لايترتب عليهما في الخارج الآثار و ان لحظ الوجود المطلق في الفرد فصرفه الي الوجود بطل اتحاد المهية بالوجود حينئذ و مغايرتها له في الذهن و ما في توجيه كلامه انه يعني ان الوجود ما به تحقق كل شئ و كل ما هو كذلك فهو احق بان يكون متحققا في

 

«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 90 *»

الخارج فالوجود احق الاشياء بان يكون ذا فرد خارجي ففيه اولا ان الماهيات الذهنية بها تحقق كل شئ عندهم و لا تحقق لها في الخارج و ثانيا ان الوجود به تحقق الاشياء الا انها من جهة علل الوجود كالعلة الفاعلية و الغائية لا من جهة علل الماهية اعني المادة و الصورة ، منه .
فلايصح ان يقال به تحقق الاشياء وحده لا مع غيره و ثالثا فقوله ما به تحقق كل شئ لايلزم منه ان يكون متحققا في الخارج بنفسه بل يكون تحققه منضما الي غيره كالجزء من الكل و كالحصة من الجنس فان بهما تحقق الامر الخارجي و لا تحقق لهما الا بانضمامها الي شئ آخر فليس كل ما به تحقق في الخارج ان يكون هو متحققا في الخارج و ليس كلما هو متحقق في الخارج يكون تحققه بنفسه بغير انضمام شئ آخر و ليس كلما كان كذلك يكون ذا فرد خارجي يصدق عليه صدقا بالذات بغير تعدد بل قد يكون ذا افراد و الحاصل انه قد ثبت في الخارج اشياء متحققة موجودة فقيل يجب ان يكون معها في نفس الامر في الخارج مصحح لموجوديتها و هو الوجود و انت اذا رجعت في نظرك الي حقيقة الكائنات وجدت ان اثبات شئ معها حادث به موجوديتها الكونية غيرها مجازفة لانه يلزم ان يكون مغايرا لها فان كان هيئة و عرضا فلا بد في احتياج الموجود في تقومه او ظهوره الي هيئته و عرضه لانهما من متممات قابليته ( القابلية خ‌ل ) و لكنه لايكون ذلك حقيقة له الا علي تأويل انها من اجزاء حقيقته من نفسه و متممات ماهيته لانه من عللها كالصورة و الحدود و اللون و الكم و الوقت و المكان و الوضع و ما اشبه ذلك و علي هذا لاتتحد به حتي يكون هو احق بالهو دونها لا في المتعارف و لا في نفس الامر و ان كان جوهرا قد تحقق بما عرض له من المقومات الظهورية من جواهر و اعراض قد شاركها في نسبة الهو الي المجموع علي جهة الحقيقة بالذات فلا عيب فيه بل هو الواقع و اما ان ذلك هو الشئ الذي به الموجودية لغيره مما يلحقه و ان الهو له دونها فلم‌يصدر عن فعل الله فاذا حصل تكلمنا فيه هل هو شئ غير الشئ المعروف

 

«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 91 *»

الذي حقيقته ( حقيقة خ‌ل ) المادة و الصورة مع متمماتها به كان ذلك الشئ ام لا لم‌نجد في الخارج و لا في العقل الصحيح و لا في الكتاب و السنة شيئا حادثا الا من المادة و الصورة التامة نعم المواد و الصور في كل شئ بحسبه فالعقول موادها و صورها معنويات و النفوس موادها و صورها اسيات جوهريات نفسانيات ( نفسانية خ‌ل ) و المثال مواده و صوره ظليات و الافلاك موادها و صورها برزخيات و العالم السفلي عنصريات و باقي كلام المصنف هنا كله دعاوي لاتثبت الا بالدليل القاطع الا انه جعل هذه ادلة و ليست بادلة و انما هي المستدل عليها و يأتي كلامه في هذا .

قال نريد به ان كل مفهوم كالانسان مثلا اذا قلنا انه ذو حقيقة او ذو وجود كان معناه ان في الخارج شيئا يقال عليه و يصدق عليه انه انسان و كذا الفرس و الفلك و الماء و النار و سائر العنوانات و المفهومات التي لها افراد خارجية هي عنوانات صادقة عليها و معني كونها متحققة او ذات حقيقة ان مفهوماتها صادقة علي شئ صدقا بالذات و القضايا المعقودة كهذا انسان او ذاك فرس ضروريات ذاتية فهكذا حكم مفهوم الحقيقة .
اقول قوله نريد به ان كل مفهوم الي قوله و الماء و النار ، بيان لما قد يتوهم من عبارته انه مخالف لمقصوده و اختصار لمعني ما ذكر من كلامه لان مراده ان المفهوم الذي له حقيقة معناه الذي له خارج يصدق عليه صدقا بالذات لان بعض المفاهيم عنده لا خارج لها و لا معني لها الا ما في الذهن فحقيقتها فيه كالمفاهيم الكلية الاعتبارية لانه جري في هذا الكتاب علي المتعارف عند الاكثر و ان كان هو لايري هذا في اكثرها بمعني انه في غير هذا الكتاب يذهب الي انها من الوجود و ان لم‌يكن لها خارج و قد ذكرنا سابقا ان المتحقق عندنا علي ما عليه ائمتنا عليهم السلام ان جميع المفهومات موجودات خلقها الله سبحانه و اقامها فيما يناسبها كالاذهان و انها بجميعها امور انتزاعية ظلية انتزعها الذهن باذن الله تعالي و قدرته من ذواتها الخارجية مثل صورة رجل له الف رأس و قد تقدم الاشارة الي ذلك و الاشارة الي مأخذه و دليله من النقل و العقل و ان كان مجملا لعدم اقتضاء المقام للتفصيل و لما كان المفهوم عند المصنف منه ما لا

 

«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 92 *»

خارج له و منه ما له خارج و ذكر ما له خارج في التمثيل لمشاركته لمفهوم الوجود الذي يعينه في مطلق صدقه علي خارجه لكن لما كان يريد من مفهوم الوجود الاطلاق الاول من الثلثة المذكورة سابقا و هو المفهوم المطلق الصادق علي الواجب و الحادث استدرك خصوص ذكره بما اختص به فقال كما يأتي بعد هذا و الوجود و مرادفاته فقوله كالانسان مثلا يعني به انه من المفاهيم التي لها شئ خارج متحقق في الاعيان يصدق هذا المفهوم عليه صدقا بالذات فقال اذا قلنا انه اي مفهوم انسان ذو حقيقة او ذو وجود عبر بلفظين عنده مترادفين كان معناه اي معني قولنا ان مفهوم انسان ذو حقيقة ان في الخارج شيئا كزيد و عمرو يقال ذلك المفهوم عليه قولا حقيقيا و يصدق عليه صدقا بالذات انه يعني زيدا مثلا انسان فتعقد له القضية الضرورية التي حكم فيها بامتناع انفكاك المحمول الذي هو انسان عن ذات الموضوع الذي هو زيد ما دام ذات الموضوع موجودة اي ما دام زيد حيوانا ناطقا و كذلك الفرس ما دام ذاتها حيوانا صاهلا فهي فرس و كذلك الفلك ما دام جرما كرويا مركبا من مادة و صورة برزخيين ذا حركة ارادية او مطلقا علي الاحتمالين و الخلاف فهو فلك و كذلك الماء ما دام عنصرا سيالا ثقيلا مطلقا مايعا مركبا من برودة و رطوبة جوهريين فهو ماء و كذلك النار ما دامت عنصرا خفيفا مطلقا مركبا من حرارة و يبوسة جوهريين فهو نار و غير هذه كما قال و سائر العنوانات اي الادلة و المفهومات التي لها افراد خارجية هي اي تلك العنوانات و المفهومات و العطف تفسيري عنوانات صادقة عليها اي علي تلك الافراد و هذا معني قوله و معني كونها متحققة او ذات حقيقة ان مفهوماتها صادقة علي شئ صدقا بالذات ثم بين ان هذه القضايا المعقودة من هذه المحمولات و تلك الموضوعات كما مثل و ذكرنا قضايا ضروريات ذاتيات ( ذاتية خ‌ل ) لصدق المحمول فيها علي الموضوع بالذات و الحقيقة ثم قال لبيان مشاركة هذه المفهومات لمفهوم الوجود في مطلق الضرورة ( الضروريات خ‌ل ) و الذاتية فهكذا حكم مفهوم الحقيقة .
قال و الوجود و مرادفاته لا بد و ان يكون عنوانه صادقا علي شئ حتي

 

«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 93 *»

يقال علي شئ ان هذا حقيقة كذا صدقا بالذات و تكون القضية المعقودة هنا ضرورية ذاتية او ضرورية ازلية .

اقول يعني ان الوجود و مرادفاته في كل شئ بحسبه بان يكون ذلك المرادف له بمعناه لا فرق بينهما الا في اللفظ ففي الواجب عز و جل الوجود و العلم و القدرة و الحيوة و ما اشبه ذلك الفاظ مختلفة علي معني واحد بسيط مطلقا يصدق كل واحد منها علي ما يصدق عليه الآخر اذا اريد من العلم و القدرة و غيرهما ذات بحت ازلية و في الحادث الوجود و السمع و البصر و ما اشبهها ( اشبههماخ‌ل ) الحادثات و الحيوانية مع النطقية مثلا بالنسبة الي زيد و هذا بناء منه علي الاطلاق الاول للوجود اعني المفهوم المطلق الذي يريد به الوجود المطلق الصادق بالذات علي الواجب ، تعالي الله عن ذلك علوا كبيرا و علي الحادث بالذات الا ان القضية المعقودة في حمله علي زيد هي الضرورية الذاتية كما تقدم و علي الله تعالي عن ذلك هي الضرورية الذاتية الازلية و هي التي حكم فيها بامتناع انفكاك المحمول اي الوجود المذكور عن ذات الموضوع و هي ذات الله الحق تعالي ربي عن ذلك الوجود المطلق مع قطع النظر عن جميع ما سوي الذات و عن تقييدها بما دام الذات او اشتراطها بما دام الوصف فكل مادة تتحقق فيه هذه القضية الذاتية الازلية تتحقق فيها الضرورية الذاتية و لا عكس نعم يعتبر في تحقق الذاتية في الازلية قطع النظر عن القيود الا علي جهة التفهيم و الافهام و التعبير عن النفس و ذلك معني قوله و تكون القضية المعقودة هنا اي في شأن حمل مفهوم الوجود علي موضوعه ضرورية ذاتية يعني ان حمل علي ذات العبد او ضرورية ازلية ان حمل علي ذات الرب عز و جل لاشتراك حقيقة الوجود بين القديم تعالي و الحادث بالاشتراك المعنوي عند المصنف و الله سبحانه ليس له شريك تعالي عما يشركون .

قال و لست اقول ان مفهوم الحقيقة او الوجود الذي هو بديهي التصور يصدق عليه انه حقيقة او وجود حملا متعارفا اذ صدق كل عنوان علي نفسه لايلزم ان يكون بطريق الحمل المتعارف بل حملا اوليا غير متعارف انما اقول

 

«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 94 *»

ان الشئ الذي يكون انضمامه مع الماهية او اعتباره معها مناط كونها ذات حقيقة يجب ان يصدق عليه مفهوم الحقيقة او الموجودية .

اقول يريد اني لم‌ارد بقولي هكذا مفهوم الحقيقة ان المراد بحمل مفهوم الوجود حمله علي نفسه بالحمل المتعارف في مثل حمل الكلي علي فرده كما في بعض المفاهيم مثل قولك هذا الشئ شئ فان الشئ فرد كليه الذي هو شئ حمل عليه بالحمل المتعارف فلاتتوهم عليه انه يريد حمل مفهوم الوجود الكلي علي نفس ذلك المفهوم كما حمل شئ علي الشئ كما هو رأي بعضهم بحصر معناه في المفهوم مع انه ليس كل مفهوم يحمل علي نفسه بالحمل المتعارف بل كثير منها يحمل حملا اوليا مع اني لست اريد هذا و ان كان لا منافاة فيه لو اردته و انما اقول ان ما يكون اذا انضمت اليه الماهية او اعتبر معها متعلق كونها ذات حقيقة يصدق عليه في الحقيقة مفهوم الحقيقة او الموجودية فيكون هو الحقيقة و هذا انما يتم و يصلح ان يكون دليلا علي كون الوجود هو الحقيقة الخارجية اذا لم‌يكن للماهية مع انضمامها اعتبار في الحقيقة كما هو رأي المصنف لايري ( لانه يري خ‌ل ) صحة وقوع بسيط حقيقي حادث في الخارج و اما اذا قلنا بمذهب اهل الحق عليهم السلام من انه لم‌يخلق الله عز و جل شيئا فردا قائما بذاته دون غيره للذي اراد من الدلالة عليه و اثبات وجوده كما قال الرضا (ع‌) و بقول اوايل الحكماء و الآخذين عن الانبياء (ع‌) من ان كل مخلوق لا بد ان يكون له اعتباران اعتبار من ربه و اعتبار من نفسه و ان كل ممكن زوج تركيبي و كما قال الرضا عليه السلام مستشهدا علي هذا المعني بقوله تعالي و من كل شئ خلقنا زوجين فالحقيقة في كل مخلوق مركبة منهما فلايكون مفهومه -“وجود” اولي بالصدق علي الحقيقة من مفهومها -“ماهية‌” و كونه منشأ لذلك التحقق من الماهية ( الماهيات خ‌ل ) اذ لاتقوم الا به لايلزم منه اختصاصه بصدق الحقيقة دونها لجواز ان الصدق علي الحقيقة بعد تقومها به مستند اليها كما هو الظاهر لان “٢-” معني الشئ الخارجي ليس الا ما يفهم منها لا منه و هذا “٢” التعليل و ان كان صحيحا عندنا الا انه لايلزم منه استحقاقها بالصدق دونه لان ما يفهم منها و

 

«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 95 *»

ان كان هو معني الشئ من حيث نفسه الا ان معناه من حيث ربه ما افاده الوجود فالاولي ان يقال حقيقة الصدق علي الحقيقة بصدق الحقيقة المركبة او بصدقه علي ما من الله من الحقيقة و بصدقها علي ما منه من الحقيقة و كلام المصنف مبني علي قاعدته و فيها ما ذكرنا سابقا .
قال فالوجود يجب ان يكون له مصداق في الخارج يحمل عليه هذا العنوان حملا بالذات حملا شايعا متعارفا و كل عنوان يصدق علي شئ في الخارج فذلك الشئ فرده و ذلك العنوان متحقق فيه فيكون لمفهوم الموجود فرد في الخارج فله صورة عينية خارجية مع قطع النظر عن اعتبار العقل و ملاحظة الذهن فيكون الوجود موجودا في الواقع .
اقول قوله فالوجود الخ ، تفريع ما استدل به علي اثبات فرد لمفهوم الوجود في الخارج يحمل عليه حملا شايعا بالذات بقوله انما اقول الشئ الذي يكون انضمامه الخ ، الا ان ذلك علي ما فرضه و اما علي ما قلنا فلا دليل له عندنا فالكلام عليه في الحقيقة متوجه علي صغراه و اما الكبري فمترتبة علي الصغري و قوله مع قطع النظر عن اعتبار العقل يشير به الي انه مع ملاحظة اعتبار العقل في التحليل ينكشف ان ذلك الفرد مركب من الماهية و الوجود مع ما يلزم من اثبات فرد يتحقق العنوان فيه بالذات صحة التحديد لثبوت الكلي و الجزئي و اما قوله فيكون الوجود موجودا في الواقع يعني في الخارج لا في خصوص الذهن كرأي من يقتصر علي مفهومه خاصة فنحن نقول بموجبه لكن وجوده جزء لذلك الفرد علي نحو ما ذكرنا مرارا و قد قلنا ايضا سابقا ان كلامنا كله في الوجود الحادث و اما الوجود القديم فلا كلام لنا فيه و يلتقي كلامنا مع كلام المصنف في الحادث فتفهم مواضع الالتقاء في مثل قوله فله صورة عينية خارجية و قوله فيكون الوجود موجودا في الواقع حق و هو يحتمل بظاهر ما يجتمع كلامنا مع كلامه فيه و ما لايجتمع .

قال و موجوديته في الخارج انه بنفسه واقع في الخارج كما ان زيدا مثلا انسان في الواقع و كون زيد انسانا في الواقع عبارة عن موجوديته فيكون

 

«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 96 *»

هذا الوجود في الواقع عبارة عن كونه بنفسه موجودا و كون غيره به موجودا لا ان للوجود وجودا آخر زائدا عليه عارضا له بنحو من العروض و لو بالاعتبار كما في العوارض التحليلية بخلاف الماهية كالانسان فان معني كونه موجودا ان شيئا في الخارج هو انسان لا ان شيئا في الخارج هو وجود و معني الوجود موجود ان شيئا في الخارج هو وجود و هو حقيقة .
اقول قوله و موجوديته اي الوجود انه بنفسه واقع في الخارج اعلم ان عبارة المصنف جري علي تأسيس الوجود المطلق الصادق علي الحق و الخلق فهو يصرف ارادته في عباراته علي جهة التصحيح فلو قلت هذا كلام لايصح في حق الواجب مثلا قيل يريد الحادث و لو قلت لايصح في الحادث قيل يريد الواجب ما اشبه عباراته بمعني قول الشاعر :
قلت قولا ليس يدري امديح ام هجا       ** * **      خاط لي عمرو قبا ليت عينيه سوا
و ذلك لان عمرا الخياط احد عينيه عميا فهذا الشاعر يدعو له ام يدعو عليه بقوله ليت عينيه سوا و انا بناء كلامي علي الحادث الا اذا صرح بما يميز ارادة الواجب فقوله انه بنفسه في الخارج هذا في حق الواجب تعالي ظاهر و اما في حق الحادث فيكون الوجود اوجد بنفسه لا بوجود آخر زائد علي ذاته فهذا ظاهر و لكن معناه الحق ان الوجود الحادث هو مادة الاشياء المكونة و لم‌يوجدها عز و جل بمادة اخري بل بنفسها و هذا مما لا ريب فيه لكن لتعلم ان الواقع في الكون هو هذا و اما في التحليل العقلي و الفؤادي علي طريقة المصنف من كون الامر الاعتباري معتبرا و لا تحقق له الا في الاذهان و الاعتبار ان قولك ان الوجود موجود بنفسه ان الله سبحانه اوجده بفعله لا ان الوجود هو الايجاد بل الايجاد فعل و هو مفعول و معني انه اوجده بنفسه انه اخترع تلك المادة لا بمادة و لا من مادة غيرها فاذا سلكنا التحليل قلنا مادته نفسه اي هو فجهة التحليل ان نفسه التي خلق منها هيولي كلية تدور علي نقطة الايجاد علي التوالي لجريان المفعول علي علته الايجادية طائعا منقادا و هو اي الوجود حصة من تلك الهيولي تدور عليها باعتبار انها علة من علل الماهية علي خلاف التوالي لان

 

«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 97 *»

مادته الكونية التي هي هو حصة من الهيولي الامكانية هذا علي نحو طريقته و اما علي مقتضي طريقتنا من ان الامور الاعتبارية اشياء كونية خارجية و ما في الاذهان اشباحها و اظلتها فلاتغفل ( فلاتعقل خ‌ل ) من معني وجوده بنفسه الا انه كان لا شئ فاخترعه الله تعالي بفعله بنفسه التي هي هو حين هو هو بمعني كان الله عز و جل وحده ثم اخترع بفعله الوجود اي المادة و الهيولي و خلق ماهيته بعد ذلك من نفسه من هو هو و خلق من كل حصة من ذلك ماهيتها فكانت تلك الحصة مع ماهيتها زيدا و عمرا و ارضا و سماء و غير ذلك من سائر الحصص بماهياتها فاعرف هذه الاصول فموجودية وجود الحق تعالي في الخارج بنفسه بكل اعتبار و موجودية الوجود الحادث بفعل الله بمادته التي هي هو حقيقة و اما وجوده في الخارج في ضمن الشئ الموجود كزيد و عمرو و تحققه في زيد و عمرو و غيرهما فلا اشكال فيه عندنا و زيد و عمرو و غيرهما من الموجودات فكل واحد حقيقته مركب من حصة الوجود الذي لنوعه و من ماهية هي هيئة قابليته اي قابلية تلك الحصة للتكوين و لبسها لحلة الكون كالسرير فانه مركب من حصة من الخشب الذي لنوعه و من ماهية هي هيئة قابلية تلك الحصة من الخشب لجعل السرير و لبسها حلة السريرية فحصة الخشب للسرير متحصلة في ضمن السرير متميزة عن ساير الحصص بتلك الصورة التي هي ماهيتها الاولي المراد بالمهية الاولي في الاعتبار الاول للوجود فانه في الاعتبار الاول هو المادة و هي حصة من الهيولي و ماهيته هنا انفعاله و يقابل ذلك المهية الثانية في الاعتبار الثاني للوجود فانه عبارة عن نور الله اي النور الذي احدثه بفعله و ماهيته هي انه هو من حيث هو هو ، منه اعلي الله مقامه .
الصادقة علي جزء السرير في ضمنه و هما معا السرير و ليس السرير هو الخشب و لا الحصة الخشبية ليكون الحقيقة الخشبية صادقة علي نفس السرير و انما تصدق علي الحصة الخشبية في ضمن السرير فالسرير هو الشئ و هو الماهية الثانية فاذا قال المصنف ان حقيقة الوجود و ماهيته صادقة علي فرد خارجي و يريد الحق تعالي فكلامه صحيح علي قاعدته و ان كان عندنا انه باطل من جهة استعماله الوجود المطلق الشامل للواجب تعالي و الحادث بالاشتراك المعنوي و

 

«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 98 *»

اذا قال ان مفهوم الوجود و حقيقته صادقة علي فرد خارجي حادث في الشئ فصحيح و اما اذا اراد بصدقها علي فرد خارجي مستقل حادث فباطل لانه لايريد به ما في ضمن الشئ كما يدل عليه قوله و موجوديته في الخارج انه بنفسه واقع في الخارج كما ان زيدا مثلا انسان في الواقع الا علي معني قد لوحنا اليه سابقا من ان كل شئ وجود من وجود و ماهية جوهر و عرض ذهني و خارجي اعتباري و غيره فلا شئ يعلمه الله سبحانه الا ذاته او خلقه و خلقه هو كل ما سواه و كل ما سواه وجود مخلوق و انما قسم الي هذه الاقسام من وجود و ماهية جوهر و عرض خارجي و ذهني اعتباري و تحقيقي نظر الي مراتبه من التحقق بالله تعالي اي بفعله و امره الذي به قام كل شئ فلو فرض بانه اراد هذا المعني فهو حق و قد اصاب الا في اخراجه للماهيات الكلية و الامور الاعتبارية و اكثر الصور الذهنية و الاشياء العارضية و كل ما لم‌يجد له جرما كالمعقولات الثانية و غير ذلك و ان كان قد ادخل اكثر هذه في الوجود كما نقلنا عنه سابقا من كتابه الكبير و الا في جعله الوجود المطلق صادقا علي الحق تعالي و الخلق و الدليل عنده ان موجودية الوجود في الخارج انه بنفسه واقع في الخارج بدون شئ غيره تشبيهه ( تشبيه خ‌ل ) بموجودية زيد و انسانيته في الخارج علي السبيل التنظير فقال كما ان زيدا مثلا انسان في الواقع و كون زيد انسانا في الواقع عبارة عن موجوديته اي موجودية انسانيته و في كلامه هذا نقض من كلامه السابق حيث جعل الانسانية من المعقولات الثانوية الاعتبارية و هنا جعلها عبارة عن موجوديته فاذا شبه موجودية الوجود بموجودية انسانية زيد علي جهة التنظير لزمه كون موجودية الوجود اعتبارية و الموجودية ايضا من المعقولات الثانية و لعله اراد بها في ذكر الانسان و الوجود معني انه هو فتكون من الاولي و قوله فيكون هذا الوجود في الواقع عبارة عن كونه بنفسه موجودا و كون غيره به موجودا يلزم منه جعل حصول الوجود في الخارج عين وجوده بنفسه و عين وجود غيره به و حصوله مغاير لوجوده لنفسه و لوجود غيره به بل الثلثة متغايرة و هي غير الوجود الذي يعني فاذا اراد بكونه الذي هو حصوله

 

«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 99 *»

في الخارج انه هو في الخارج حالت دونه الماهية بينه و بين ما اراد و كونه بنفسه لا بغيره ليس هو الوجود و كذا كون غيره به لان الكونين و ما استند اليهما معان مصدرية حدثية و هذا هو مدلول عبارته فان قوله و معني الوجود موجود ان شيئا في الخارج هو وجود لايفرق بينه و بين الانسان موجود الا بان كون الوجود في الخارج وجودا انه وجود زيد و عمرو اي كونهما في الاعيان و هو المعني المصدري و لو اراد هذا المعني لاصاب الحق اذ ليس غيره و لم‌يوضع هذا اللفظ لغيره و لكنه يريد انه عين جوهرية ( جوهريته خ‌ل ) و ظاهر قوله لا ان للوجود وجودا آخر زائدا عليه عارضا له انه بيان لبعض احوال الوجود و احكامه لا تحققه و قوله بخلاف الماهية كالانسان الخ ، اذا كان الفارق بين الماهية و الوجود هو مدلول اللفظ عاد الي الاعتبار فانه قال فان معني كونه الانسان موجودا ان شيئا في الخارج هو انسان لا ان شيئا في الخارج هو وجود و هذا يعود الي ان الانسان من حيث انه موجود بغيره انسان و هو حكم عائد الي الماهية و من حيث انه موجود بنفسه هو وجود و الوجود هو الموجود و هذا من المصنف تمحل في تعريفه بعد ان جعله متعذرا و هذا التكرير لانسداد الباب بينه و بينه و اما غيره فقد وصفه باسهل عبارة فقال الوجود ما به التحقق لانه قال هكذا ان لنا تحققا في انفسنا و هو الكون في الاعيان و سماه العامة بالوجود و تحققا في الذهن و هو التصور الذهني المسمي بالعلم و الظن و الشك و الوهم و تحققا في اللفظ و هو الحروف و هيئاتها و تحققا في الخط و هو اشكال الحروف و اشكال هيئاتها و يسميها بعضهم بالوجودات ايضا و ما به التحقق و هو الوجود عندنا بالحقيقة انتهي ، و مطلوب المصنف هذا المعني فيتناوشه من مكان بعيد و هذا و ان كان احسن و اخصر من كلام المصنف الا انه عندنا لايصح لانهم ان ارادوا بالوجود شيئا تتقوم به الاشياء بحيث يكون عارضا لماهياتها في الذهن كما اشار اليه المصنف فهو تأييد في الحقيقة لرأي المتكلمين و لمن يجعل الحقيقة للشئ هي ماهيته و الوجود عارض لها به

 

«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 100 *»

ظهرت كما قال ذلك الذي نقلنا بيان الوجود من كلامه قال في آخر كلامه و بالحقيقة عند اشراق نور الوجود عليها و ظهور صورته فيها ه‍ ، و ان اراد به روح الشئ الذي به قوامه كالشخص المقابل للمرءاة فان به قوام الصورة فيها فلايعقل عارضيته لها في الذهن الا علي فرض كونها غير مجعولة مطلقا لا بالذات و لا بالتبع فقد بعد الاكثر عن منال الوجود مع كمال قربه من الشهود لانه اثر الايجاد و الايجاد ان تعلق بمتحقق و ثابت كما يقوله كثيرون مثل قول الملا محسن في الوافي في باب الشقاوة و السعادة قال فما كانوا في علم الله سبحانه ظهروا به في وجوداتهم العينية فليس للحق الا افاضة الوجود عليهم و الحكم لهم و عليهم فلايحمدوا الا انفسهم و لايذموا الا انفسهم انتهي ، و هو يريد ان الماهيات حقايق و صور علمية لايتعلق الجعل بها ثم قال بعد فمشيته احدية التعلق و هي نسبة تابعة للعلم و العلم نسبة تابعة للمعلوم و المعلوم انت و احوالك ثم قال بعد هذا الحقايق غير مجعولة بل هي صور علمية تابعة للاسماء الالهية و انما المجعول وجوداتها في الاعيان و الوجودات تابعة للحقايق انتهي ، فان تعلق بثابت كان عارضا و ان تعلق به غيره كان معروضا و اذا اردت بيان ما ارتكبوا فيه و تناوشه من مكان قريب فاسمع و افهم ان الوجود هو الشئ المكون بعد ان لم‌يكن شئ سواه عز و جل فاحدث سبحانه الشئ لا من شئ و هو الفيض و لم‌يكن شئ غير الفيض و هو الوجود و ما كان بالوجود و تحقق به في بادي الرأي ليس شيئا غير الوجود لانه لو كان شئ غير الوجود لماكان مخلوقا بل هو قديم و ما يظهر من الوجود ليس شيئا غير الوجود اذ ليس غيره الا العدم فهذه الاشياء المتكثرة المتعددة لم‌تتكثر بشئ غيره لانها اولاده و الاول ابوهم آدم فاذا نظرت في آيات الله كما نبهناك عليه مرارا ان ما هنالك لايعلم الا بما هيهنا رأيت انما خلق الله تعالي آدم بنفسه و خلق منها زوجها و بث منهما رجالا كثيرا و نساء فهل تري في ذرية آدم شيئا من غيره كذلك الوجود فانه آدم الاول الاكبر و اولاده وجودات الاشياء يعني نفس الاشياء

 

«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 101 *»

الموجودة و ليس في الحقيقة فيها شئ من غيره اذ ليس غيره الا العدم و لم‌يتركب شئ منها من وجود و عدم و ما تتوهمه من ذلك فانه من تفاوت مراتبه في القلة و الكثرة كالخمسة اذا نسبتها الي العشرة فانها لم‌تتركب من نفس اعدادها و من عدم ما زادت به العشرة عليها و انما سميت تلك الاحوال بالاسماء المختلفة لاجل خصوص مراتبها و لم‌يثبت شيئا يصح عليه اطلاق الاسم الا الله تعالي و خلقه و جميع خلقه آثار فعله و حدثه و نهايته فمثال فعله سبحانه ضرب و مثال خلقه الضرب فان ضربا اثر ضرب و حدثه و نهايته فاذا قلت ضرب ضربا فضرب هو الفعل و ضربا هو مفعوله و حدثه و لم‌يكن شئ من ضربا لا من لفظه و لا من مادته و لا من هيئته و لا من معناه قبل ضرب و لا تحقق لشئ من ذلك قبله فكذلك كان الله وحده و لا شئ ثم احدث فعله بنفسه ثم احدث مفعوله بفعله و هو مشيته و ارادته و ابداعه و هو قول اميرالمؤمنين عليه السلام و هو منشئ الشئ حين لا شئ اذ كان الشئ من مشيته و قول الرضا عليه السلام ليونس بن عبدالرحمن تعلم ما المشية قال لا قال (ع‌) هي الذكر الاول ه‍ ، يشير بان كل محدث ليس له ذكر قبل المشية قط و اذا اردت مثال ذلك من كتاب الله الكبير الذي هو العالم فانظر الي السراج تجد آية ذلك فان حرارة النار و يبوستها اللتين هما تأثير فعلها قد احرق الدهن و كلسه حتي كان دخانا فاستنار الدخان من ذلك التأثير لانه انفعل بالاستضائة فظهرت اشعته كل جزء منها في مكانه و وقته فالحرارة و اليبوسة هما فعل النار و الاستضائة هي الوجود الامري و هو الحقيقة المحمدية ظهرت بقابليتها التي هي من الزيت و الفائض من ذلك الوجود الامري سائر الاشعة فهل تري شيئا غيرها و كلها وجودات فقل لي بلي اري شيئا غيرها و هو الظل فانه ليس من السراج و هو كالماهيات الكلية عندنا قلت قولك ظاهره صحيح و لكنه في الحقيقة ليس بصحيح فان الماهيات الكلية عندكم اعدام ماشمت رائحة الوجود او انها ثابتة في الامكان او العلم الازلي متحققة كما هو بعض اقوالكم او انها مجعولة بتبعية جعل الوجود فلا جعل لها لذاتها و ليس كذلك الظل فانه مخلوق مجعول كما قال تعالي و جعل الظلمات و

 

«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 102 *»

النور و قال خلق الليل و النهار و هذا و من قال بان الظلمة عدم لم‌يعرفها لانه يراها ببصره و العدم لايري بالبصر و انما لم‌يكن من المنير مع انه انما وجد بها لا منها للطيفة خفيت عن الاكثر و هي ان الايجاد بالمنير و الفائض عن فعل الفاعل هو اثر فعله و اثر فعله يتوقف في الظهور علي قابلية ظهوره كالكسر و الانكسار و صورة ذلك الاثر و لونه و قربه و بعده و مرده و جميع احكامه يصير في الظهور و في كل ما ذكرنا علي حسب قابليته فان كانت قابليته طيبة اي مجيبة يعني تابعة لمقتضي نفس الفعل كان الاثر مشابها للتأثير لانه تابع له بالاجابة فيكون الولد المتولد من الاب و الام الطيبة نورا و سعيدا و قريبا كما قال اميرالمؤمنين صلوات الله عليه و خلق الانسان ذا نفس ناطقة ان زكاها بالعلم و العمل فقد شابهت جواهر اوائل عللها فهذا شابه مبدءه في النورية و القرب و المتابعة و الموافقة كالنور و ان كانت قابليته خبيثة اي منكرة غير مجيبة يعني انها تابعة لهواها ارأيت من اتخذ الهه هواه معرضة عن مقتضي نفس الفعل كان الاثر غير مشابه للتأثير بل مخالف له فيكون الولد المتولد من الاب الذي هو الاثر و الام الخبيثة التي هي قابلية الانكار مظلما و شقيا و بعيدا كما قال عليه السلام الشقي من شقي في بطن امه و الفائض من نوع واحد كالخشب فاختلف في السرير و الصنم و في الحكم الشرعي الواقعي الذي تجري عليه احكام الدنيا و الآخرة التي هي علل الصنع و الايجاد ان التأثير الفائض من الحق اذا تلون بقابلية الباطل ليس من الحق قال تعالي فمن تبعني فانه مني و قال تعالي لنوح (ع‌) انه ليس من اهلك انه عمل غير صالح مع انه من نطفته المنيرة لو غمست في انوار العمل الصالح فكان اجنبيا في حكم الله الجاري علي اصل الايجاد بل اصل الايجاد جار عليه تابع له فالظل انما خالف لونه لون النور كما خالف لون كنعان “٢” بن نوح (ع‌) لون ابيه حتي كان ظلمة و كان من نور نوح عليه السلام لسوء قابليته “٢-” و الا فهو من فيض النور قبل التغيير و بعد التغيير لم‌يكن منه حكما و لا تابعا له فالماهيات هي مخلوقة لله فائضة عن فعله و انما تغيرت لما غيرت فان الوجودات كلها تابعة لحقيقة اصلها الذي هو الوجود الامري من

 

«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 103 *»

حيث كونه فائضا عن فعل الله تعالي فكانت انوارا لرجوعها الي النور و الماهيات كلها تابعة لحقيقة اصلها الذي هو الوجود من حيث نفسه الذي هو انيتها لا من حيث كونه فائضا عن فعل الله تعالي فكانت ظلمات لرجوعها الي نفس الانية وجدتها و قومها يسجدون للشمس من دون الله و لو سجدت للشمس لله تعالي لم‌تكفر و كان كسجود الملائكة لآدم عليه السلام و يعقوب ليوسف عليهما السلام ففي الحقيقة كل شئ كان بفعل الله و ما لم‌يكن بفعل الله ليس بشئ و الاعتراض بالمعاصي يأتي جوابه ان شاء الله تعالي في محله و انما اطلت الكلام في هذا المقام رجاء ان تكون ممن يطلب النور بالنور فانك اذا شربت من هذا الماء الذي هو ماء الحيوة لان كل هذه المعاني لقطتها ( لفظتها خ‌ل ) لك من كلام ائمتك عليهم السلام فاذا شربت منه لم‌تمت ابدا .

قال و اعلم ان كل موجود في الخارج غير الوجود ففيه شوب تركيب و لو عقلا بخلاف صرف الوجود و لاجل هذا قال الحكماء كل ممكن اي كل ذي ماهية زوج تركيبي فليس شئ من الماهيات بسيط الحقيقة و بالجملة الوجود موجود بذاته لا بغيره و بهذا تندفع المحذورات المذكورة في كون الوجود موجودا .

اقول انما قال كل موجود في الخارج غير الموجود و لم‌يقل كل ممكن لانه قيد نفسه بالبحث عن الوجود المطلق الصادق علي الواجب و الحادث علي معني الاشتراك المعنوي و نحن في شرح كلامه قد نتغافل عن بيان مراده فان اردت ان ابين لك مراده من هذه الابحاث في سائر كتبه انما يعني بالوجود الذي هو حقيقة واحدة و يتكثر في مراتب ظهوراته بما يعرض لتلك المقامات و المراتب من الاعراض هو وجود معبوده الذي يعبده و نحن لانعبد ( نعبد خ‌ل ) من هذا وجوده الذاتي الذي هو ذاته لانا نعبد من لايعرف وجوده الا هو و من لايصدق وجود غيره عليه لا حقيقة و لا مجازا و من هو خالق كل ما يسمي و يعبر عنه باسم سواه عز و جل و اما الوجود المطلق الذي يشيرون فاعتقادنا انه عبد الله و خلقه بقسميه لايستنكفون عبادته و لايستحسرون و عند المصنف انه

 

«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 104 *»

اذا ذكر الوجودات المتكثرة فهي شئ واحد تكثر بما يلحق مراتب تنزلاته من العوارض و المشخصات مثلا وجود زيد و وجود الحيوان الصامت و وجود الجدار شئ واحد مع قطع النظر عن المشخصات قديم بالذات بسيط الحقيقة لا تكثر فيه و انما التكثر فيها و التغير مستند اليها لاحق بها كالثلج بالنسبة الي الماء فانه ينكسر مثلا و الكسر مستند الي الثلج و الماء لايلحقه شئ من صفات الثلج و ذلك الواحد هو الواجب الحق تعالي عن ذلك و هذا و امثاله مراده ( مراد خ‌ل ) كما يأتي و نحن لانقول بشئ من ذلك نعم نتكلم علي عبارته علي حسب مقتضاها و ما يلزم منها و لنا ديننا و لهم دينهم فقوله كل موجود في الخارج غير الوجود ففيه شوب تركيب و لو عقلا هو ما ذكرنا فيه فمعني كل موجود كل وجود و لو اراد بموجود غير الوجود لما قال ففيه شوب تركيب و لما استثني الوجود يعني الحق هذا من المراد من عبارته و من المراد منها ايضا انه يريد ان في الواقع الخارج اشياء احدها الوجود اي المطلق و كل تلك الاشياء غير الوجود المطلق ففيها شوب تركيب الا صرف الوجود اي خالصه و هو الله تعالي لان صرف الوجود غير الاشياء و غير الوجود المطلق و انما دخل تعالي في شمول موجود و هي غير ( غيره خ‌ل ) مركبة و الوجود المطلق لما كان فرده الاكمل هو الواجب تعالي ابانه من الفرد الآخر الذي يجري عليه التركيب باعتبار ما لحقه بقوله بخلاف صرف الوجود و قوله و لاجل هذا اي لاجل ان كل موجود غير الوجود المطلق في حقيقته و غير صرف الوجود ففيه شوب تركيب كما قال الحكماء ان كل ممكن اي ذي ماهية زوج تركيبي انما ذكر ممكن ليخرج صرف الوجود و انما خصصه بذي ماهية ليخرج الفرد الممكن من الوجود المطلق فانه بسيط لا تركيب فيه لذاته بل هو موجود بنفسه في الخارج اذ لو لحقه لذاته شائبة تركيب لماصدق عليه و علي الواجب اسم الوجود بالاشتراك المعنوي لان الاشتراك المعنوي انما يصدق علي الحقيقة الواحدة سواء كان بالتواطي ام بالتشكيك و هذا مما قلنا لك من مراد المصنف فانه يأتي فيما بعد في كلامه انه يبرهن علي اتحاد العلة و

 

«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 105 *»

المعلول و العاقل و المعقول تلويحا و تصريحا بهذا علي ( نحو خ ) ما تقوله الصوفية انا الله بلا انا يعني ان الحقيقة واحدة اذا قطعت النظر عن العوارض و المشخصات علي ان الحكماء قالوا كل ممكن زوج تركيبي و لايريدون كل ممكن ذي ماهية و الا لكان معني كلامهم ان كل مركب زوج تركيبي و انما قال المصنف ذلك صرفا لكلامهم عن مرادهم ابتغاء الفتنة و ابتغاء تأويله و لا حول و لا قوة الا بالله العلي العظيم و قوله فليس شئ من الماهيات بسيط ، تفريع علي قوله ففيه شوب تركيب و يريد ان زيدا بما هو انسان في الخارج لم‌يوجد بنفسه و انما هو موجود بالوجود فهو و ان اتحد بالوجود في الخارج الا انه بماهيته في الذهن مغاير للوجود فهو مركب و نحن قد بينا رأينا في زيد بانه مركب من وجود هو مادته و من ماهية هي صورته و ان التركيب في الخارج كما هو في الذهن هذا في ظاهر نظرنا و اما في باطنه فزيد كله وجود الا انه وجود مفعول و قابليته للمفعولية التي هي صفة قابليته فهي صفة الصفة منه فهي من مراتب تنزلاته و صفتها التي هي المفعولية كذلك و انما اختلفت ( اختلف خ‌ل ) بدورات قبولها المختلفة كما تقدم فالوجود نور و قابليته من حيث هو فهي ظلمة و كلها من الفيض بالذات او بالتبع فراجع ما تقدم و قوله و بالجملة الوجود موجود بذاته اما في الواجب فمعناه ظاهر لانه موجود بذاته اي وجوده هو بكل اعتبار و اما الوجود الحادث فمعني انه موجود بذاته يعني اوجده فعل الله بنفسه لا بوجود غيره آخر كما في الماهيات فان وجودها بالوجود و معني كلامه هذا عندنا انه هو المادة فلاتوجد المادة بمادة اخري بل بنفسها و اما في الماهية يعني الثانية التركيبية فموجودة بالوجود الموصوفي و الصفتي مثل السرير فانه موجود من مادة من الخشب و ليست هذه المادة هي السرير و هي وجوده و من صورة و هي الماهية الاولي الانفعالية و هذه ايضا ليست هي السرير الا انها في الحقيقة هي صفة للحصة المتعينة فهما وجود و من الوجود و مجموعهما هو السرير و هو الماهية الثانية التركيبية التي تسمي بالحقيقة و يسميها المتكلمون بالماهية التي يجاب بها عن السؤال بما هو فقد

 

«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 106 *»

تحققت في الخارج بركني الوجود الموصوفي و الصفتي و قد يقال انها في انفسها ( نفسها خ‌ل ) نوعية و الحاصل يقول الشاعر :
نحن بما عندنا و انت بما       ** * **      عندك راض و الرأي مختلف
اما عندنا فالماهية حقيقة في الخارج مركبة في الحقيقة من وجودين هما ركناها و ليس لزيد الشخص المعلوم الخارجي حقيقة غير ما به هو هو الا ما في الكتب الالهية العلوية من وجوهه الي ربه فافهم و دع عنك زخرف القول الا ان الله سبحانه يقول ارأيتم ان كنت علي بينة من ربي و آتاني رحمة من عنده فعميت عليكم انلزمكموها و انتم لها كارهون ، و قوله و بهذا يندفع الخ ، اي بكون ( يكون خ‌ل ) المراد من قولهم كل ممكن زوج تركيبي كل ممكن ذي ماهية مغايرة له يندفع ما يقال ان للوجود وجودا لانه علي فرض كونه ممكنا زوج تركيبي لدخوله في هذه الكلية و انتم تدعون بساطته و انه وجد بنفسه و نحن قد قلنا و ان كان وجد بنفسه الا انه لايمكن ظهوره بسيطا بل لا بد له من الماهية لانها شرط ظهوره فلايقبل الايجاد بنفسه بدونها و الا لوجد بنفسه من دون نفسه و هو محال .
قال و اما الامر الانتزاعي العقلي من الوجود فهو كسائر الامور العامة و المفهومات الذهنية كالشيئية و الماهية و الممكنية و نظائرها الا ان بازاء هذا المفهوم امورا متأصلة في التحقق و الثبوت بخلاف الشيئية و الماهية و غيرهما من المفهومات .
اقول يريد ان الذهن كما ينتزع مفاهيم من الاشياء ينتزع مفهوما من الوجود و ليس حقيقة الوجود كما هو رأيه في هذا الكتاب بخلاف ما ذكر في الكتاب الكبير فانه يجعل الانتزاعي وجودا ايضا و كل شئ وجودا و انما يختلف في الشدة و الضعف بنسبته ( بنسبة خ‌ل ) كل شئ بما هو حظه من الوجود فقال هنا كما يقوله المشاؤن و المتكلمون ان الامر الانتزاعي العقلي اي المتعقل في الذهن كما هو مشهور في اصطلاحهم بخلاف ما نصطلح عليه علي ما يناسب

 

«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 107 *»

مذهب الائمة عليهم السلام من ان التعقل ادراك المعاني لا الصور فان مدركها الخيال و النفس و لكن لا مشاحة في الاصطلاح يعني ان المتصور المنتزع من الوجود كسائر الامور العامة اي الكلية و المفهومات الذهنية اي الاعتبارية كالشيئية و الممكنية و نظائرها و يريد انه يحصل من الوجود امر انتزاعي عرضي لا فرق بينه و بين غيره من المفهومات الا ان هذا المنتزع من الوجود بازائه اي مقرونا في تقومه بالذهن امورا اي بامور متأصلة في التحقق و الثبوت و هي الوجودات المنتزعة منها تلك الصور و الشيئية و الماهية و غيرهما ليس بازائها ( بازائهما خ‌ل ) امور خارجية متأصلة في التحقق و الثبوت بل هي امور اعتبارية لا خارج لها و هذا علي ما يراه المصنف و الاكثر و اما علي مذهبنا المأخوذ عن موالينا و ساداتنا عليهم السلام فكل ما في الذهن فبازائه امور اصلية خلقها الله سبحانه و اقامها في خزائن ملكه الحادث الخارجي قبل ان تحصل صورها في الاذهان فما في الاذهان منتزع فلا فرق بين الوجود و غيره في ذلك عندنا .
قال و اعلم ان الوجودات حقايق خارجية لكنها مجهولة الاسامي شرح اسمائها انها وجود كذا و وجود كذا ثم يلزم الجميع في الذهن الامر العام و اقسام الشئ و الماهية معلومة الاسامي و الخواص و الوجود الحقيقي لكل شئ من الاشياء لايمكن التعبير عنه باسم و نعت اذ وضع الاسماء و النعوت انما يكون بازاء المفهومات و المعاني الكلية لا بازاء الهويات الوجودية و الصور العينية .

اقول لما ذكر ان الامر الانتزاعي العقلي من الوجود كسائر المفهومات العامة ميزه بخاصة يختص بها عن سائر المفهومات اذ لا خارج لها بخلاف هذا فان بازائه مفهوم الوجود الانتزاعي امر متأصل متحقق الا ان اسمه مجهول لم‌يوضع له اسم خاص اذا اطلق حضر مسماه في الذهن و لا عام يشمله و نظيره فتكون حصصه مجهولة الاسماء الا بما تنسب اليه لانه حينئذ يكون شارحا لتلك الاسماء و مبينا لها فتقول وجود زيد و وجود الفرس و انما قال انها لم‌يوضع لكل

 

«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 108 *»

واحد اسم لا خاص و لا عام لانها لو وضع لها لكان ذلك امارة تباين حقائقها و انما وضع اسم الوجود لمفهوم تلك الحقيقة اي حقيقة الوجود الخارجية مصداق لذلك المفهوم الذي وضع له اسم الوجود فاذا اطلق تبادر الي الحقيقة الثابتة في الخارج فلايلزم حينئذ حصول الوجود في الذهن ابتداء فلايساوي الماهيات الكلية في الحصول الذهني فلايكون له حصولان فلايحد و لايعرف نعم يطلق ذلك الاسم اي الذي هو اسم الوجود علي حقيقة تحتها افراد متفاوتة في الشدة و الضعف من باب الاشتراك المعنوي فالاسم في الحقيقة للحقيقة و الافراد مجهولة الاسماء الا بالاضافة الي ما تنسب اليه كما هو شأن الوضع لحقيقة الاشتراك المعنوي و ان كان يلزم عند شرح اسماء تلك الوجودات حصول الامر العام الذهني بعد ذلك انتزاعيا عارضيا بخلاف معلومة الاسامي كالشيئية و الماهية و اقسام الشئ فان وضع الاسماء لها و النعوت انما يكون ابتداء بازاء مفهوماتها و معانيها الكلية فتكون الامور الخارجية منها افرادا لتلك المفاهيم و المعاني الكلية الذهنية لا بازاء الخارجية الوجودية و الصور العينية كما في الوجود هذا ما اراد من كلامه تفصيا عما يرد عليه و قيل ان ما ذكر ( ذكره خ‌ل ) في كتابه الكبير ينافي ما ذكره هنا و هو قوله حيث ذكر في ذيل تنبيه تقدسي في فصل عقده لبيان ان اول ما ينشأ من الوجود الحق المتعال ماذا قال لما تكررت الاشارة سابقا الي ان لفظ الوجود يطلق بالاشتراك علي معان منها ذات الشئ و حقيقته و هو الذي يطرد العدم و ينافيه و الوجود بهذا المعني يطلق عند الحكماء علي الواجب و منها المعني المصدري الذهني انتهي ، فان قوله و منها المصدري الذهني يشعر بان مراده من الاشتراك هو الاشتراك اللفظي الموجب لتعدد الوضع المستلزم لوضع اسم الوجود بازاء فرد من الافراد و ايضا في الكتاب الكبير جعل من افراد الحقيقة المعني المصدري و هذا ( هنا خ‌ل ) ينافيه لخروج المعني المصدري من حقيقة الوجود و هذا معني ما قيل و اعلم ان ما في الكتاب الكبير و ان كان شارحا و مبينا عما في كتابه الصغير هذا الا انه في ذلك الكتاب جعل الامور الانتزاعية و المعاني الكلية و المعقولات الثانوية كلها من الوجود

 

«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 109 *»

كما نقلنا عنه سابقا بخلاف ما ذكره في هذا الكتاب فلا غرابة ان يكون كلامه هناك منافيا لما هنا نعم يمكن الجمع بين كلاميه بان قوله اول ما ينشأ من الوجود لايدل صريحا علي انه ينافي قوله هنا لجواز ان يكون مراده ان المعني المصدري تحققه في الذهن هو حظه من تلك الحقيقة و الانشاء للعوارض اللاحقة لمراتب التنزلات في كل شئ بحسب رتبته من الحصول و الظهور هذا ما له من الكلام و اما ما عليه منه فاعلم انهم اختلفوا في كيفية وضع الاسماء فقيل وضعت بازاء المعاني الذهنية و الخارجية افراد لها فلما كانت الذهنية طبيعية فكليتها طبيعية لا منطقية اعطت ما تحتها اسمها لان شمولها لكونها مطلقة مجردة عن قيد العموم و الخصوص فيصلح اسمها لكل فرد و علي هذا القول بني المصنف قواعده و قيل وضعت الاسماء بازاء المعاني الخارجية الا انها لما كان الواضع وضع الاسماء علامة علي المسميات يتميز بها بعضها عن بعض كان صفات للمسميات كما قال الرضا عليه السلام و قد سئل عن الاسم فقال (ع‌) صفة موصوف ه‍ ، لانها ظواهرها الدالة وجب ان يكون اكمل الوضع لتلك الفائدة ( القاعدة خ‌ل ) ان يكون بين الالفاظ و المعاني مناسبة ذاتية لانها اكمل للوضع و ابلغ للدلالة و التمييز و لايترك المناسبة الذاتية بينهما الا اذا كان الواضع غير قادر عليها او غير عالم بها او ( و خ‌ل ) اذا كان في اعتبار المناسبة مشقة و لغوب في الواضع و قد ثبت في محله ان الواضع هو الله سبحانه و تعالي لقوله تعالي و علم آدم الاسماء كلها و معلوم ان فعله و صنعه تعالي يكون علي اكمل ما يمكن و اكمل ما يمكن في العلامة و الدلالة المناسبة الذاتية و لانها صفات و الصفات انما تشتق من هيئات الموصوفات ( الموضوعات خ‌ل ) و الله عز و جل عالم بذلك قادر عليه بلا مشقة و لا لغوب فترك الصنع الاكمل مع القدرة عليه و التمكن منه نقص لايجوز في فعله و صنعه فوجب ان يكون بينهما مناسبة ذاتية و علي هذا لو كان الواضع هو المخلوق و هو عالم بالمناسبة قادر عليها بلا مشقة فلا شك انه يلتزمها فاذا اراد ان يضع اسما واحدا لافراد نوع من الانواع يصدق علي كل فرد بالمطابقة تصور حقيقة افراد

 

«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 110 *»

ذلك النوع انتزعها بمرءاة ذهنية ( ذهنه خ‌ل ) من تلك الافراد الخارجية بحيث تكون تلك الحقيقة تصدق علي كل فرد منها من باب التواطي و ( او خ‌ل ) التشكيك و تلك الصورة ظلية فالف حروفا تكون صفات جواهرها من الشدة و الرخاوة و المجهورة و المهموسة و القلقلة و غير ذلك مناسبة لتلك الحقيقة التي صورتها في ذهنه علي حسب ما تصورها و رتب تلك الحروف في نظمها و في حركاتها مناسبة لهيئة تلك الحقيقة لانه ينظر الي شبحها الذي في ذهنه فيؤلف ما يناسب تلك الحقيقة في المادة و الهيئة و يكون تصور تلك الحقيقة الخارجية الجامعة لتلك الافراد آلة لاختيار ما يناسب للتأليف و الوضع علي كل فرد خارجي تحققت تلك الحقيقة فيه فالوضع في الحقيقة للامر الخارجي الثابت لا للذهني و انما الذهني آلة لملاحظة تلك الحقيقة الخارجية الموضوع لها و لما كان الواضع هو الله عز و جل و هو لايجوز عليه التصور و التفكر و التروي كان محل تلك الصور هي الكتب الملكوتية الثانوية الشبحية المعبر عنها بعالم المثال لانها محال التأليف و آلات الوضع علي الحقايق الاصلية الملكوتية الاولية الجوهرية المتحققة في الخارج لان الشبحية صفات هيئات الصور الجوهرية الملكوتية و الاسماء صور الصفات فخلقها عز و جل من الشبحية و هذا هو الحق فاذا عرفت هذا فالوضع حيث يعتبر فيه المناسبة لا بد فيه من تصور الموضوع له و هذا التصور الذهني آلة للوضع لا ان الوضع بازائه و انما الوضع بازاء المسميات الخارجية فعلي هذا يكون لزوم الامر الذهني في الوضع لكونه آلة و كل شئ لاتمكن فيه المناسبة لايصح ان يوضع بازائه اسم غير ذاته لا لفظي و لا معنوي و هو الله وحده سبحانه و تعالي و اما فعله فله مناسبة من جهة التعلق بالمفعولات فيجوز الوضع بازائه و ما سواه من الوجودات و غيرها فهي متساوية في هذا الحكم سواء علم وجه المناسبة كما في بعض المشتقات و اسماء الاصوات مثل غاق اسم لصوت الغراب و شيب اسم لصوت شفتي الناقة عند شربها الماء و كالجولان و الطيران و النزوان و الغليان و ما اشبه ذلك من المعاني التي تكون فيها الحركة و التقلب يوضع بازائها علي وزن فعلان بفتح

 

«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 111 *»

العين لاجل مناسبة حركة وسط الاسم لحركة ( بحركة خ‌ل ) وسط المسمي ام لا كاكثر الاسماء خصوصا المرتجلات و الوضع لنقيضين لايدفع المناسبة لجواز كون الاسم له مناسبتان من جهتين لانا لانريد بها خصوص المناسبة الشخصية بل و النوعية فقد يكون الضدان بينهما جهة ذات وجهين جامعة بينهما بجهتيهما كالنار الحارة اليابسة و الماء البارد الرطب بينهما الهواء الجامع بينهما بجهتيه فبحرارته يوافق النار و برطوبته يوافق الماء فافهم و اقتصر علي التمثيل و بعض البيان و الدليل فان هذا ليس مكان تحقيق هذه المسئلة فاذا اردت بالوضع اللفظي بل و المعنوي للوجود الحق تعالي فهو باطل لان وجوده ذاته و لايمكن الوضع بازائها لامتناع تصورها و مناسبة غيرها لها و اقتران غيرها بها و عدم حاجتها الي العلامة لانها للتميز و اذا اردت به ما سوي الله تعالي تساوت الاشياء في حكم الوضع فينهدم كل ما اسسه المصنف و غيره من قواعدهم من جعل الوجود صادقا علي الواجب و الحادث بكل من الاشتراكين و من تقسيم الاشياء الي حقيقي وجودي و اعتباري عدمي و من الوضع بازاء المفهومات الكلية الاعتبارية في شئ و بازاء الخارج في آخر و من ان امكان التعبير عن المسمي بالاسم و النعت لكون الوضع بازاء مفهومه العام و المعني الكلي لعدم امكان الوضع بازاء الهويات و الصور العينية و من ثبوت حقايق بعض الاشياء في الاذهان و من ان ليس كل ما في الاذهان انتزاعيا ظليا الا اذا كان ذو الذهن علة الوجود الذي به قوام الخارجي فانه يكون ما في الذهن اصلا لما في الخارج كما ان قوام الصورة في المرءاة بالشاخص المقابل لها فانها بعدمه تنعدم فاذا كان العلة بعدمه ينعدم الخارجي فالخارجي متقوم بما في ذهن العلة و هذا الحكم مختص بخلق هم علة وجود الخلق ممن سواهم اللهم صل علي محمد الامين و اهل بيته الطيبين .
قال الثاني ان من البين الواضح ان المراد بالخارج و الذهن في قولنا هذا موجود في الخارج و ذاك موجود في الذهن ليسا من قبيل الظروف و الامكنة و لا المحال بل المعني بكون الشئ في الخارج ان له وجودا تترتب عليه آثاره و احكامه و بكونه في الذهن انه بخلاف ذلك فلو لم‌يكن

 

«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 112 *»

للوجود حقيقة الا مجرد تحصيل الماهية لم‌يكن فرق بين الذهن و الخارج و هو محال اذ الماهية قد تكون متحصلة ذهنا و ليست بموجودة في الخارج .
اقول يريد ان الذهن قد تحصل فيه الماهية بحقيقتها مجردة عن العوارض الخارجية كما هو مذهب كثيرين و منهم المصنف من حصول الاشياء بحقايقها في الذهن و قد توجد في الخارج الا انها اذا لوحظ امر منضم اليها في الخارج ترتبت ( تترتب خ‌ل ) عليها آثاره و احكامه و اذا لم‌يضم اليها ذلك الامر الخارجي لم‌يترتب عليها شئ منها و ذلك الامر هو الوجود و لولاه لم‌يحصل فرق بين الذهن و الخارج بالنسبة اليها فالخارجي ما ترتبت ( تترتب خ‌ل ) عليه الاحكام و الذهني ما لم‌يترتب عليه شئ لانا لانريد منهما مجرد انهما ظرفان ليكون التسمية باعتبار المكانين فنقول هذا موجود في الذهن اي في هذا المكان المخصوص و ذلك موجود في الخارج اي في هذا المكان المعين و انما التسمية بالذهني لعدم ترتب الآثار و الاحكام بالخارجي لترتبهما اذا كانت المهية توجد فيهما فما الفرق الا بترتب الآثار الا ان وجودها في الذهن مجردة فلم‌يترتب عليها شئ و في الخارج بالوجود وجدت فترتب عليها الآثار فثبت ان الوجود ما به التحقق في الخارج فيكون اولي بالتحقق خارجا مما سواه و اعلم ان هذه التقريرات مبنية علي قواعدهم و اكثرها لايصح علي المذهب الحق كما اشرنا اليه سابقا و لكني اقول لك انه لا شك في تحقق الوجود خارجا و هو بديهي و انما الكلام في هذه الاستدلالات و القواعد فان كون الماهية توجد بمعناها الجوهري و ان كان مجردا عن العوارض الخارجية باطل مع ان العوارض الخارجية هي المنوعات و المشخصات و الشئ الموجود المتحقق انما هو وجود ( وجوده خ‌ل ) تشخص بمشخصات فاذا وجد الشئ بحقيقته في الذهن مجردا عن تلك العوارض كان الوجود هو الموجود في الذهن بحقيقته و كون المراد بالماهية الحاصلة في الذهن انما هي العامة لاينافي كون ذلك هو حقيقة الوجود علي هذا لان حقيقة الوجود مطلقة فهي كلية عامة باطلاقها و انما تشخصت بالمشخصات او المنوعات لان القائل بهذا لايفرق بين حقيقة الماهية في

 

«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 113 *»

الوجودين الا بالعوارض التي علي حصولها تترتب الآثار و نحن علي ظاهر قولنا لايحصل في الذهن الا شبحها الظلي مع انه لا شك انه تترتب عليه آثار بنسبته لان للذهن عوارض بها يتنوع الذهني و يتشخص كما للخارج عوارض بها يتنوع و يتشخص و تترتب علي كل آثاره بنسبته فليست الاشياء بحقايقها في الذهن و ليس الفارق بينهما حصول الآثار لانكم لاتريدون ان الخارجي بعوارضه تترتب عليه الآثار الذهنية كما لاتريدون ان الذهني بعوارضه الذهنية تترتب عليه الآثار الخارجية بل تترتب آثار الخارجية في الخارج فكذا الذهنية و لو قلتم ليس في الذهني عوارض قيل لكم فاذا لاتعلمون العوارض الخارجية اذ لاتعلم الا بصورها الذهنية التي هي العوارض الذهنية ثم علي فرض ان الماهية ليست هي رتبة ثانية للوجود كما تقولون فما المانع ان تكون بنفسها هي منشأ الآثار و لاسيما اذا قلنا بان تلك العوارض انما هي حدودها و متمماتها مع ما قد ثبت من ان الاحكام تابعة للصورة لا للمادة عقلا و نقلا و من ان الوجود هو الهيولي و ان حصة الوجود في الشئ المتشخص هو المادة و ان صورته هي الماهية الاولي التي هي القابلية و ان الماهية الثانية التي تعنون مركبة منها و من المادة و ان الاحكام اللاحقة لها ناشية عن الاولي و كل ذلك ثابت بالنقل عن معاني كلمات ائمة الهدي عليهم السلام و بالعقل بل بالفؤاد الذي هو المدرك بدليل الحكمة و كون الآثار موجودة لاتصدر عن الماهية لانها هي المفهوم الاعتباري الغير المتحقق مردود بان هذا مصادرة فانا لانسلم ان الاعتباري عدم علي انكم اثبتم الحقيقة في الذهن كما هي في الخارج الا انها في الذهن مجردة عن العوارض الخارجية و يلزمكم انها وجود بدون العوارض لان العوارض ليست جزءا لحقيقتها و انما لحقتها بعد ثبوتها فان كانت ثابتة بنفسها قبل العوارض فهي وجود و ان كانت ثابتة بالوجود فهو لم‌يستثن تجردها منه فتصحبه في الذهن و ان جردتموها منه لم‌تكن شيئا و لا حقيقة لها فما معني قولكم فيما قبل ان تصور الشئ حصول معناه في الذهن و قولكم ان الاشياء بحقايقها في الذهن و قولكم مرة توجد بحقيقتها في الذهن لقولكم

 

«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 114 *»

( بقولكم خ‌ل ) حصول معناه في الذهن و مرة توجد بوجود انتزاعي و قد تقدم النص عن المصنف في الكتاب الكبير بان جميع المفهومات موجودة في الذهن و ان وجودها ذلك هو حظها من حقيقة الوجود و لا شك في ان كل شئ يظهر في الكون بقدر ما قبل من الوجود علي حد تأويل قوله تعالي انزل من السماء ماء فسالت اودية بقدرها ، و كون ما في الخارج اقوي مما في الذهن لايكون سببا للاختصاص بترتب الآثار و ليس انما لم‌تؤثر ماهية النار الاحراق في الذهن لعدم القابلية لتجرده لان المجرد يؤثر في المجرد و لو كان ما في الذهن من النار حقيقتها المجردة لاثرت في الذهن كما يؤثر بعض المجردات في بعض و لو كانت الجسمانية التي هي الحرارة و اليبوسة الجوهريين لم‌تؤثر في الذهن لتجرده الا ان كون الاجسام في المجردات مما لايتصور و لايحتمله من له ادني فهم او وجدان بل انما لم‌تؤثر لان الموجود منها في الذهن انما هو الصورة المنتزعة من الموجود منها في الخارج انتزاعا ظليا علي اي طور كان الانتزاع و كأن الفرق بين الوجودين عندهم المحصور في ترتب الآثار و عدمه مبني علي كون ما في الذهن اعتباريا عدميا و لايجري علي صحة نقل حقيقة الشئ الي الذهن لان الشئ عند العرفاء ما له التحقق و علي هذا لو ثبت كان وجودها الذهني متوقفا علي اعتبار عوارض ذهنية كما قلنا قبل كما ان الخارجي الذي هو اقوي يتوقف علي لحوق العوارض الخارجية له في ظهوره و فيما عنه و له من الآثار و الاحكام و كما تختلف احواله بعدم لحوقها كذلك ما في الذهن فلا بد له من لحوق عوارض ذهنية به تكون ( يكون خ‌ل ) مع انضمامها منشأ للآثار و الاحكام الذهنية و ان قلت في الخارجي انما منشأ الآثار ما به التحقق و هو الوجود و ان كان بسبب لحوقها قلنا كذلك فان منشأ الآثار في الذهني ما به تحققه و هو الوجود الذهني و ان كان بسبب لحوق عوارضه و لعلك تقول اي اثر و اي حكم للذهني تترتب عليه و علي عوارضه بل اي شئ تكون عوارضه فانا نقول ان سر العلوم و

 

«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 115 *»

معرفة الكون في العلم و معرفة المنزلة بين المنزلتين و ادلة تلك المعارف بل معرفة وضع الاسماء بازاء مسمياتها و نشو الصفات عن موصوفها ( موصوفاتها خ‌ل ) و ربط اللوازم بملزوماتها و غير ذلك من مثل الكليات الطبيعية و المنطقية و العقلية و احكام العموم و الخصوص و غيرها منشاؤها تلك الامور الذهنية مما به التحقق و معه التحقق و له التحقق كل شئ بنسبته سواء قيل بكونها اعتبارية ام وجودية و قول المصنف اذ الماهية قد تكون متحصلة ذهنا و ليست بموجودة في الخارج مبني علي ما اصلوه و اما علي طريقة ائمتنا عليهم السلام فكلامه لايتم بل التام المقبول عندهم صلي الله عليهم ما معناه ان الماهية لاتتحصل في الذهن الا منتزعة مما في الخارج الا ما كان في ذهن علة الايجاد في الفاعلية و المادية و الصورية و الغائية صلي الله علي محمد و آله الطيبين فانه لو فرض ذهاب ما في اذهانهم (ع‌) عليهم و لهم من كل ما يكرهون لم‌يوجد في الكون شئ اذ ما هم عليهم السلام الا كشعلة السراج و سائر الخلائق كالاشعة و اما ما في اذهان ما سواهم فهو ظل للخارجي ( لخارج خ‌ل ) بل قد تتحصل اشياء في الخارج لم‌تحصل ( لم‌تتحصل خ‌ل ) في الذهن لان وجود الظل مسبوق بوجود ذي الظل .
قال الثالث انه لو كانت موجودية الاشياء بنفس ماهياتها لا بامر آخر لامتنع حمل بعضها علي بعض و الحكم بشئ منها علي شئ كقولنا زيد انسان و الانسان ماش اذ مفاد الحمل و مصداقه هو الاتحاد بين المفهومين المتغايرين في الوجود و كذا الحكم بشئ علي شئ عبارة عن اتحادهما وجودا و تغايرهما مفهوما و ماهية و ما به التغاير غير ما به الاتحاد .
اقول هذا الاستشهاد الثالث علي ثبوت حقيقة الوجود و تقريره علي ما يريد في الحمل المتعارف الشايع بين اهل العرف لان مقتضاه الاتحاد بين المحمول و الموضوع مع تغاير مفهوميهما كما مثل به فقال كقولنا زيد انسان فلو كان زيد موجودا و متحققا بنفس ماهيته في الخارج و انسان كذلك كان مقتضي ذلك المغايرة اذ لا رابطة بينهما فلايكون زيد هو الانسان فتكذب

 

«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 116 *»

القضية مع الاتفاق علي صدقها في الخارج و ليس الا لان (كذا) ما به زيد زيد عين ما به انسان انسان و لايكون في المتغايرين فثبت انه شئ واحد و هو الوجود و ان كانا من حيث المفهوم الذهني متغايرين كما هو حكم الحمل المتعارف و لو كان ليس بينهما رابط ( ربط خ‌ل ) جامع و حقيقة جامعة لكان قولك زيد انسان بمعني قولك زيد غيره اي غير زيد فيبطل الحمل و مثل المصنف بمثالين لحكمين حمل شئ علي آخر كزيد انسان و الحكم بشئ علي شئ كالانسان ماش و هو قوله اذ مفاد الحمل و مصداقه هو الاتحاد بين المفهومين المتغايرين و ان كان عرضيا كماش بالنسبة الي الانسان و مراده ان الحمل المتعارف تحققه مشروط بهذين الشرطين اي الاتحاد في الخارج و التغاير في المفهوم و قوله و ما به المغايرة يعني الماهية غير ما به الاتحاد يعني الوجود فلو لا الوجود لامتنع الحمل بالحمل المتعارف لان الموضوع و المحمول كل منهما مركب من وجود و ماهية و التغاير بالماهية لان التمايز انما يتحقق بها فينحصر الحمل في الاولي الذاتي الذي يتحد فيه الموضوع و المحمول بحسب الخارج و الذهن و التغاير المعتبر في الحمل المتعارف يصدق بدلالة اختلاف اللفظين او بالتقدير مثل قولك زيد زيد فان المعني المقدر للمغايرة هو قولك زيد المذكور زيد المعلوم او بالعكس كقولك زيد المعلوم زيد المذكور هذا مفاد كلامه و هو علي ما هو معروف بينهم صحيح و لكن لقائل ان يقول من اين يلزم من كون موجودية الاشياء نفس ماهيتها امتناع الحمل الشايع فما المانع من ان تكون ماهيات الاشياء موجودة بنفسها و يحمل بعضها علي بعض و يحصل الشرطان كما تقولون في الوجود بان الماهيات مجهولة الاسامي و شرحها انها ماهية كذا و ماهية كذا فيتحدان باعتبار نفس الماهية و حقيقتها و يتغايران في الذهن باعتبار ماهية كذا فالاتحاد باعتبار نفس الماهية و حقيقتها و يتغايران باعتبار ما ينسب اليهما فلايلزم بهذا امتناع الحمل فلايلزم وجود الوجود .
قال و الي هذا يرجع ما قيل ان الحمل يقتضي الاتحاد في الخارج و

 

«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 117 *»

المغايرة في الذهن فلو لم‌يكن الوجود شيئا غير الماهية لم‌تكن جهة الاتحاد مغايرة لجهة المغايرة و اللازم باطل كما مر و الملزوم مثله بيان الملازمة ان صحة الحمل مبناه علي وحدة و مغايرة ما اذ لو كان هناك وحدة محضة لم‌يكن حمل و لو كان ( كانت خ‌ل ) كثرة محضة لم‌يكن حمل فلو كان الوجود امرا انتزاعيا تكون وحدته و تعدده تابعين لوحدة ما اضيف اليه و تعدده من المعاني و الماهيات و اذا كان كذلك لم‌يتحقق حمل متعارف بين الاشياء سوي الحمل الذاتي و كان الحمل منحصرا في الحمل الذاتي الذي مبناه الاتحاد بحسب المعني .
اقول هذا الكلام معناه ما تقدم قبله و متفرع عليه و تكرير له و قوله فلو لم‌يكن الوجود شيئا غير الماهية لم‌تكن جهة الاتحاد مغايرة لجهة المغايرة ( و خ ) قد قلنا لو قال قائل انه لو لم‌يكن الوجود موجودا و انما ماهيات الاشياء وجدت بنفسها و هي حقيقة واحدة قد وضع الاسم لها و ماهيات الاشياء مجهولة الاسامي شرحها ان يقال ماهية زيد و ماهية الفرس الي آخر ما احتج به في الوجود حصل الاتحاد بين الماهية التي هي موضوع و التي هي محمول و المغايرة بينهما في الذهن بما هو شرح اساميها بما تضاف اليه كما قيل في الوجود فلايلزم شئ عما ذكر علي تقدير عدم الوجود فتدبر .
قال الرابع لو لم‌يكن الوجود موجودا لم‌يكن شئ من الاشياء و بطلان التالي يوجب بطلان المقدم بيان الملازمة ان الماهية اذا اعتبرت بذاتها مجردة عن الوجود فهي معدومة و كذلك اذا اعتبرت بذاتها مع قطع النظر عن الوجود و العدم فهي بذلك الاعتبار لا موجودة و لا معدومة فلو لم‌يكن الوجود موجودا في ذاته لم‌يكن ثبوت احدهما للآخر فان ثبوت شئ لشئ او انضمامه اليه او اعتباره معه متفرع علي ثبوت المثبت له او مستلزم لوجوده فاذا لم‌يكن الوجود في ذاته موجودا و لا الماهية في ذاتها موجودة فكيف يتحقق هناك موجود فلاتكون الماهية موجودة .
اقول هذا هو الاستشهاد الرابع علي كون الوجود موجودا و حاصله هو عنوانه ان الوجود لو لم‌يكن موجودا لم‌يوجد شئ من الاشياء و لا ريب في

 

«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 118 *»

وجود الاشياء فيلزم ثبوت الوجود و قوله و بطلان التالي يوجب بطلان المقدم ، فيه انه انما يوجبه مع التلازم بينهما و المانع للدليل يمنع الملازمة لجواز ان تكون الاشياء موجودة بانفسها لا بشئ آخر و اذا قطعنا النظر عن الاصطلاح حققنا هذه الدعوي لانا نقول انت تريد بالوجود للشئ نفس مادته او ما به المادة فان اردت به نفس المادة ارتفع النزاع و ان اردت به ما به المادة فنقول تريد بما به المادة شيئا مفارقا للشئ بمعني انه ليس من حقيقته و انما هو شئ تقوم به الشئ تقوم صدور و تعني به الفعل كحركة يد الكاتب لم‌تتقوم الكتابة بها الا تقوم الصدور و الا فالكتابة انما تقومت بالمداد و الصورة و لم‌تتقوم بها تقوم ركن فان اردت هذا ارتفع النزاع و ان اردت بالوجود ما به يتقوم الشئ تقوم ركن او تقوم كل و لا مادة و لا صورة و انما هما عرضيان فدون ذلك خرط القتاد لان زيدا حيوان ناطق و الفرس حيوان صاهل فحيوان مادة و الناطق صورة نوعية و الصاهل صورة نوعية و زيد مركب من حصة من الحيوان و هي مادة حقيقته و من حصة من الناطق و هي صورتها فحقيقته مركبة منهما لا غير و ليس شئ من حقيقته غيرهما اتفاقا فاين الوجود يا قائلين بانه حقيقة كل شئ الا ان تقولوا هو المادة و الصورة و لانعني بحقيقته و ماهيته الا ما به التحقق و في الحقيقة مع قطع النظر عن الاصطلاحات ليس حقيقة الشئ و ماهيته و كنهه و هويته الا شيئا واحدا و هذه كلها تصدق علي شئ واحد و هو مجموع المركب منهما اي من المادة و الصورة صدقا بالمطابقة و يصح الجواب بذلك عن السؤال بما هو علي جهة الحقيقة فان ادعيتم ان شيئا من حقيقة زيد غيرهما فعلي المدعي البيان علي جهة العيان كما قلنا لكم لا بمفاهيم العبارات و القضايا التي اذا تحققها العاقل لم‌يجد الا شعريات و تخيلات منتزعة من دلالات الالفاظ علي حسب الافهام الاكتسابية التي تخالف مقتضي الفطرة اذ لو كان حبس فهمه علي مقتضي الفطرة لماقال ان حقيقة زيد هو الوجود و هو غير المادة و الصورة مع انه يقول ان حد زيد الحقيقي حيوان ناطق فافهم .
و قول المصنف في بيان الملازمة في دليله ان الماهية اذا اعتبرت بذاتها

 

«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 119 *»

مجردة عن الوجود فهي معدومة ، صحيح اذا اراد بالوجود ثبوتها و تحققها فانه بهذا المعني صحيح و كذا لو اراد به المادة لان المعدوم معدوم و ان اراد انه شئ آخر حقيقة مستقلة سواء اتحدت به ام استندت اليه مغاير لها في الحقيقة فلقائل ان يقول ما هو قل سموهم فما المانع من كونها موجودة بنفسها كما قلتم في الوجود علي ان قوله و كذا اذا اعتبرت بذاتها مع قطع النظر عن الوجود و العدم يشعر بان الوجود يراد به المعني المصدري فانه بمعني لا موجودة و لا معدومة و لا شك ان كل شئ لا موجود و لا معدوم فانه لا موجود و لا معدوم فان المراد به المعني المصدري و قوله فلو لم‌يكن الوجود موجودا في ذاته لم‌يكن ثبوت احدهما للآخر كالاول فانه اذا كانا موجودين بانفسهما ثبت احدهما للآخر و قوله فاذا لم‌يكن الوجود في ذاته الخ ، جوابه اذا قلنا بان ماهية الشئ اذا وجدت بنفسها تحقق ذلك الشئ الموجود و الحاصل ان صحة كلامه في هذا الاستشهاد مبنية علي كون المراد من الوجود المعني المصدري او المادة و ان اراد غيرهما لم‌يصح منه شئ و المعروف من مذاهبهم ان الوجود غير المادة و هو و اتباعه يريدون به غير المادة و غير المعني المصدري .
قال و كل من راجع وجدانه يعلم يقينا انه اذا لم‌تكن الماهية متحدة بالوجود كما هو عندنا و لا معروضة كما اشتهر بين المشائين و لا عارضة كما عليه طائفة من الصوفية فلم‌يصح كونها موجودة بوجه فان انضمام معدوم بمعدوم غير معقول و ايضا انضمام مفهوم بمفهوم من غير وجود احدهما او عروضه للآخر او وجودهما او عروضهما لثالث غير صحيح اصلا فان العقل يحكم بامتناع ذلك .
اقول ان الاتحاد قد يطلق و يراد به شئ واحد اختلف اسماه او مفهوماه او شئ صار شيئا آخر او شيئان صارا شيئا واحدا اما بالمزاج او الانقلاب او كون الشيئين شيئا واحدا موجودا من غير زيادة و لا نقص و لا انقلاب هذا الاتحاد الذاتي و الصفاتي الاتحاد في الصفات بين الشيئين

 

«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 120 *»

فالاول كالمترادف كاسد و سبع و المراد هو المعني الواحد و الثاني كما في الصفات الثبوتية و الثالث بالانقلاب كالماء يصير هواء و الرابع كغذاء الشجر من الماء و التراب و الخامس كالعناكب في بيت زنبور ( الزنبور خ‌ل ) تنقلب زنبورا و السادس ان يكون شيئان شيئا واحدا من غير مزاج و لا امتزاج و لا انقلاب في شئ منهما و لا زيادة و لا نقصان و احال هذا الاكثرون و ما ذكره المصنف في اتحاد الماهية بالوجود ان كان من الاول اتحد المفهوم و من الثاني يتعدد المفهوم و من الثالث يتحد المفهوم مع ملاحظة الاتحاد و يتعدد بالتحليل و كذا من الرابع و الخامس و في هذه الخمسة يكون بازاء المفهوم تعدد او اتحد امر متحقق خارجي في الماضي او الحال و لا كذلك الوجود و الماهية عنده و الا لتساويا و اما السادس فمن احاله استراح و من جوزه قال كما نقل عن الحسين بن منصور الحلاج سبحاني ما اعظم شأني و المصنف في التوحيد لايثبت اثنين شيئا واحدا انما يثبت واحدا يسمي باسمين باعتبارين و هذا الاتحاد بين الوجود و الماهية عنده بهذا المعني و يلزمه المفهومان اما مفهوم الوجود الكلي بازاء فرد خارج فقائل به و محتج به كما تقدم و اما مفهوم الماهية فهو يقول الموجود الخارجي هو الوجود لا غير و يلزمه انه ليس بموجود في الخارج و انما هو مفهوم و المفهوم امر اعتباري عدمي و كلامه في التحقق و عدمه فرع عليه هذا كلامنا لما راجعنا وجداننا و اذا تكلمنا علي عبارته فمفادها ان الوجود في الخارج هو الماهية و الماهية هي الوجود الا ان الموجود يقال له الوجود لما تقدم من قوله ان الماهية تصدق عليه في الخارج و لايقال له الماهية لانه لايصدق عليها لا خارجا و لا ذهنا لحكمه بالمغايرة ذهنا و هذا طريق معروف عند اهل التصوف و لقد قال عبدالكريم الجيلاني في كتابه الانسان الكامل في هذا المعني ،
صح عندي انها عدم       ** * **      مذ غدت بالوجود مشتهره

 

«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 121 *»

قد يراها الخيال من بعد       ** * **      قدرت في الخيال مقتدره
لم‌تكن غير حائط نصبت       ** * **      لك فيها الكنوز مدخره
انا ذاك الجدار و هي له       ** * **      كنزه المختفي لاختفره
فاتخذها تصورا شبحا       ** * **      و هي روح لها لتعتبره
اكمل الله حسنها فغدت       ** * **      بجمال الاله منتشره
لم‌تكن في سواه قائمة       ** * **      فافهم الامر كي تري صوره
و هو يشير الي الماهية التي هي الغير و لهذا قال بعض محققيهم و الماهية هي المسماة عندنا بالعين الثابتة اذا اعتبر ثبوتها في العلم الازلي و بالحقيقة عند اشراق نور الوجود عليها و ظهور صورته فيها و قد تطلق الحقيقة علي الماهية مطلقا مجازا و قول العامة ماهية الشئ ما به هو هو لايصح عندنا علي ارادة ما يحققه في نفسه بل هي نوعية و الشئ ما له التحقق انتهي ، و قد قال هذا قبل هذا الكلام و ما به التحقق و هو الوجود عندنا بالحقيقة و ان اطلقناه علي الغير مجازا و هو واحد بالذات و الشخص و ما يقبل التحقق و هو الماهية و هي واحدة بهذا المفهوم مختلفة باختلاف ما صدق عليه هذا المفهوم انتهي ، الا ان هذا يخالف بظاهر كلام ( كلامه خ‌ل ) المصنف في قوله و بالحقيقة عند اشراق نور الوجود عليها و في قوله و ظهور صورته فيها و في قوله و ما يقبل التحقق و هو الماهية و يوافقه و يخالفه معا في قوله مختلفة باختلاف ما صدق عليه هذا المفهوم و ان كانا في الارادة متفقين يسقي بماء واحد و قوله و لا معروضة كما اشتهر بين المشائين و كذلك المتكلمون لارادتهم من الوجود في الحقيقة المعني المصدري و ان الشئ هو الماهية و ان اختلفوا فيها هل هي مجعولة ام لا ام ثابتة قبله و قوله و لا عارضة له كما عليه طائفة من الصوفية لان منهم من يقول بالاتحاد كما يقول المصنف و منهم من يقول بان الشئ هو الوجود و هو ذات

 

«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 122 *»

الله تعالي او فعله علي خلاف بينهم و الماهية عارضة له لانها حدود مراتبه كالمقسمات او المشخصات و المعينات متحققة بتحققه او موهومة فان هذين الوجهين و ان لم‌يرتضهما الا انهم وافقوه علي عدم تحققها بنفسها و هو يقول اذا كانت ليست موجودة الا بالوجود علي الآراء الثلثة فلو لم‌يكن الوجود موجودا لم‌يوجد شئ لان الامر دائر بينهما امتنع وجود الاشياء من قبلها لا للاشياء ( الاشياء خ‌ل ) و لا لها تعين كون الوجود موجودا و قد سمعت مرارا ان هذه الادلة مبنية علي المصادرة لانه ان اراد به الوجود الحق تعالي صح بلا كلام و ان اراد به المخلوق علي نحو ما ذكرنا مرارا من انه هو المادة و الصورة اتحد مع الماهية و تعدد المفهوم في التحليل الذهني و ان اراد بهذا المخلوق المعني المصدري ارتفع النزاع فان قلت يعني بالوجود امر الله الذي به قوام الاشياء كما قال سبحانه و من آياته ان تقوم السماء و الارض بامره ، و قال الصادق عليه السلام في الدعاء كل شئ سواك قام بامرك و لا ريب ان ذلك اما الفعل او الوجود و لا جايز ان يكون الفعل كما قررت لان الاشياء تتركب منه و لايكون هو الاشياء كما هو رأي ضرار و اصحابه الذين زعموا ان ارادة الله تأكل و تشرب و تنكح و تحيي و تموت فلم‌يبق الا ان تقوم الاشياء به تقوم صدور و ليس بمراد المصنف فلم‌يبق الا الوجود و هو ذات لا عرض علي ما تعترف به انت ،
قلت انا معترف بان امر الله الذي به قام كل شئ قيام الركنية هو الوجود و لكن ليس مرادي منه و من قيام الاشياء به حيث تذهب لاني قد اشرت سابقا الي مرادي و الآن اشير اليه لئلايلتبس الحق بالباطل ،
فاقول اعلم ان اول ما صدر عن فعل الله سبحانه الراجح هو الامكان لانه عز و جل كان و لا ( و لم‌يكن خ‌ل ) شئ معه و كان

 

«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 123 *»

عالما و لا معلوم و قادرا و لا مقدور و سميعا و لا مسموع و بصيرا و لا مبصر و ذاكرا و لا مذكور فاحدث الفعل بنفسه و لايتقوم الا بمتعلق فالفعل و متعلقه اول الامكان و لا اول له محدث غير ذاته فكون تعالي من نفس ذات فعله الامكانات لجميع ( بجميع خ‌ل ) الاشياء لكل جزئي امكان كلي اضافي لايتناهي و هذا هو العلم بالاشياء السابق علي المشية اي المشية الكونية و هو العلم الذي لايحيطون بشئ منه الا بما شاء منه بالمشية الكونية ثم شاء بمشيته الكونية تكوين ما شاء مما شاء امكانه فاول كائن عن فعله التكويني هذا الوجود و هو الماء و هو ن و القلم و ما يسطرون و هو الحقيقة المحمدية فقسمه بقاسم محبته اربعة‌عشر جزءا بجهات قابليته ثم خلق من صفته وجودا دون ذلك كما خلق من صفة جرم الشمس نورا اشرق علي القوابل للنور و هي الكثيفة كالارض و ما عليها و الكواكب و هذا نور اشتق من صفة النور الاصلي فخلق منه الانوار الاربعة العالين الذين لم‌يسجدوا لآدم (ع‌) ثم خلق من شعاعها انوار الملئكة الكروبيين المسمين بملائكة الحجب و هكذا الي الثري كل سافل خلق من صفة العالي فترامت المراتب الي الثري قبولا و عكوسا و افراد كل مرتبة لكل فرد منها حصة هي مادته و حصة من هيئتها هي صورته و كل ما في هذه المرتبة من نوعي الحصتين قائمة بما فوقها قيام صدور و كل فرد منها قائم بمادته و صورته قيام ركني و بوجهه من المرتبة التي فوق مرتبته قيام صدور فهذا معني ان كل شئ قام بامره و هذا معني القيومية في كل شئ فخذها هدية مني اليك بقوة و كن من الشاكرين فانك لاتظفر بمثلها من غير كتبي و رسائلي علي هذا النحو الصافي النقي و افهم مرادي من قيام الصدور انه كقيام الكلام بالمتكلم مع انه قائم في الهواء و كقيام نور الشمس بها مع انه قائم بالجدار فالذي تقوم به زيد ان كان بما ( هو خ ) فوق رتبته فهو قيام صدور و ان كان بما في رتبته فهو كل وجود رتبته او حصته منها فان كان كل وجود رتبته فهو قيام صدور اذ يلزم من هذا انه كله في زيد و كله في عمرو و كله في الفرس و لايعقل الا بمظاهره لا بذاته و ان كان حصة منها فان كان عارضا صدق قول المشائين و ان

 

«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 124 *»

كان معروضا صدق قول الصوفية و ان كان جزءا من حقيقة زيد فان كان هو المادة جاء الحق و ان كان غيرها و غير الصورة بطل الحق المتفق عليه بان زيدا عبارة عن الحيوان الناطق لا غير فكم اكرر الكلام و اردده للافهام فقوله فان انضمام معدوم الي معدوم غير معقول هذا غير معقول اي غير صحيح في العقل لانه مصادرة حتي يثبت انها عدم بالدليل الكشفي الحقيقي لا المدعي فان جميع استدلالاته هي التي نفاها اولا من الابحاث الحكمية و التخيلات الصوفية لانه انما يكون معقولا اذا كان وجودها غير معقول بدون الوجود علي المعني الذي قرره و اما علي فرض انها غير موجودة تكون معدومة فلا شك فيه و كذا قوله انضمام مفهوم بمفهوم من غير وجود احدهما او عروضه للآخر او وجودهما او عروضهما لثالث غير صحيح اصلا فان القول بوجود الشئ غير ما يصدق عليه حده المتعارف بحصة الجنس القريب و حصة الفصل لم‌يثبت الا علي نحو ما قررنا سابقا من ان الوجود اما المعني المصدري اعني الكون في الاعيان كما هو معني الوجود عند العامة او حقيقة الشئ التي هي مجموع ركني ماهيته من المادة و الصورة و هذا هو الذي صدر عن فعل الله و اختراعه و لم‌يصدر عن الله غير الوجود و هذان الركنان اللذان هما حقيقة ان كانا هما الفائضين عن فعل الله فهما الوجود و ان لم‌يكونا الوجود فقد فاض عن فعله غير الوجود و لم‌يقل به احد و ان كانا غيره و لم‌يكونا فائضين عن فعله تعالي فهما قديمان علي ان الله سبحانه هو الذاكر قبل المذكور فاذا وجد المذكور ذكره بما هو عليه من الحقيقة فهل يذكره بوجوده ام بغير وجوده فاذا قلت بوجوده قلنا بوجوده الذي هو حقيقته ام لا فان قلت بالذي هو حقيقته قلت حقيقته ما حده الحقيقي شرحه و تفصيله و ليس غير المادة و قوله فان العقل يحكم بامتناع ذلك يحكم العقل بامتناعه .

 

«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 125 *»

قال و ما قيل بان موجودية الاشياء بانتسابها الي الواجب الوجود فكلام لا تحصيل فيه لان الوجود للماهية ليس كالبنوة للاولاد حيث يتصفون بها لاجل انتسابهم الي شخص واحد و ذلك لان حصول النسبة بعد وجود المنتسبين و اتصافها بالوجود ليس الا نفس وجودها قال بهمنيار في التحصيل انا اذا قلنا كذا موجود فانا نعني امرين احدهما انه ذو وجود كما يقال ان زيدا مضاف و هذا الكلام مجازي و بالحقيقة ان الموجود هو الوجود كما ان المضاف بالحقيقة هو الاضافة .
اقول لما قرر مذهبه بان الوجود متحد بالماهية خارجا و ان تغايرا في الذهن و اخذ في الاستشهاد علي ثبوت الوجود للاشياء بوجوه منها ما ذكره في هذا الاستشهاد من انه لو لم‌يكن موجودا لم‌يكن موجود قط و ذكر مذهبه بالاتحاد و ذكر مذهب المشائين و الصوفية و القائلين بالانتساب لثلاث ارادات في ذكر هذه المذاهب احديها ان الكل ينسبون الموجودية للاشياء الي الوجود و لاينسب احد منهم وجود الاشياء انفسها و الا لزم ما قرر سابقا و ان اختلفوا في الوجود ما هو بكونه عارضا لها او معروضا او بانتسابها الي جاعلها او هو الهها و خالقها و الثانية ان ظاهر كلام هؤلاء ليس بصحيح بل هو ظاهر البطلان و الثالثة ان مرادهم لعله هو كون العارضية او المعروضية ليس بحسب الخارج بل باعتبار ذهني و ان الكل منهم قائل بالاتحاد الخارجي فيكون النزاع لفظيا و لهذا قال فلم‌يصح كونها موجودة بوجه يعني لم‌يكن وجودها كما قلنا و لا كما يقولون هؤلاء فلهذه الارادات تعرض لذكر اقوالهم و ذكر كلام القائلين بالانتساب و ابطله كما سمعت الا ان ابطاله راجع الي ظاهر اللفظ لان المصنف يأول مذاهب المتألهين من الصوفية الي مذهبه فقال في ابطال ظاهر كلام اهل الانتساب ان كلامهم لا تحصيل فيه لان الوجود للماهية ليس كالبنوة للاولاد الخ ، يعني ان الانتساب ظاهره ان يوجد المنتسبان قبل الانتساب لانه متفرع علي وجودهما و الماهية ليست موجودة قبل اتصافها بالوجود ليصح انها موجودة

 

«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 126 *»

بانتسابها اليه بل اتصافها بالوجود نفس وجودها بخلاف البنوة للاولاد و لقائل ان يقول ان التمثيل مستقيم فان البنوة مساوقة لوجود الاولاد في وجودها في الخارج لانا لانريد بالبنوة نفس وجودهم و انما نريد المساوقة التي هي تمثيل للدليل فان انتساب الاشياء اليه تعالي مساوق لوجودهم فاما ان يكون وجوداتهم عين انتساباتهم اليه تعالي او غيرها فان كانت غيرها انتقضت ادلته في اتحاد العاقل بالمعقول كما يأتي و ان كانت وجوداتهم عين انتساباتهم اليه تعالي كما قرره العارفون في علمه تعالي بالاشياء بالعلم الاشراقي الحضوري فان حضورها لديه عين انتسابها و ليس لها وجود يعقل قبل ذلك الحضور الذي هو نفس الانتساب و اثبات موجوديتها انها عين انتسابها اليه عز و جل متحقق بعين ما استدل به فيما بعد في اتحاد العاقل بالمعقول و ما قاله بهمنيار نقول به و نلتزمه علي نحو ما اقرره لك من قوله ان الموجود هو الوجود و معني كون ( كونه خ‌ل ) التزامنا بذلك مشروطا بكونه علي ما اقرره اني اقول ان الوجود الذي هو الموجود هو الوجود المخلوق و الوجود الحق تعالي هو الموجود الحق عز و جل و لا اتحاد بين الوجودين و لا الموجودين و لايطلق شئ من احدهما علي شئ من الآخر لا في الذات و لا في الصفات و لا الافعال و لا العبادة و اما الاسم اللفظي فموضوع ( فهو موضوع خ‌ل ) في الوجود الواجب تعالي بازاء عنوان توحيده و معرفته و هو شئ خلقه الله تعالي وصفا لمعرفته وصف استدلال عليه لا وصفا يكشف عنه تعالي و هو ليس كمثله شئ و الا لعرف الله سبحانه بذلك الشئ الذي فرض انه مثل لعنوانه و في الوجود الحادث موضوع بازاء ذلك الوجود الحادث و ليس بين العنوان و الحادث اشتراك معنوي لانه بوضعين مختلفين الاول حقيقة و الثاني حقيقة بعد حقيقة و مرادنا بقولنا حقيقة بعد حقيقة ان الثاني يجوز اطلاق المجاز عليه باعتبار المعني في جهة العلية و المعلولية في الذوات او الصفات او فيهما لا باعتبار ان الوضع للاول و الثاني استعمل اللفظ الموضوع للاول فيه لعلاقة بل الوضع الثاني وضع اول ( اولا خ‌ل ) ايضا و لا اشتراك لفظي لانا نشترط في الوضع المناسبة الذاتية بين اللفظ و المعني بان يكون بين مادة اللفظ و مادة

 

«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 127 *»

المسمي مناسبة ذاتية و بين هيئة اللفظ و صفة المعني كذلك و هذا الاعتبار متحقق بالوضع بازاء الوجود الحادث و اما في العنوان فلاتتحقق المناسبة الا من باب التفهيم و التعبير و ليست ذاتية و الا لكان لذلك العنوان مثل و لو في جهة ما فيلزم ان يكون الله سبحانه يعرف بذلك و هو باطل لان الله عز و جل قال في كتابه العزيز ليس كمثله شئ فلو كان للدليل عليه شبيه او مناسب بجهة ما لعرف به تعالي عن ذلك علوا كبيرا فافهم ان كنت تفهم فلم‌يبق بينهما الا نسبة الاشتراك في تسمية التعبير و التفهيم خاصة فلذا قلنا انه حقيقة بعد حقيقة و علي هذا و مثله مما ذكرنا سابقا و نذكر انا اذا تكلمنا في الوجود فانما نعني به الوجود المخلوق و علي هذا فنقول بظاهر كلام بهمنيار و لانقول بمراده و لا بمراد المصنف منه لانه يريد به الوجود الحق او الوجود المطلق فالوجود المخلوق هو الموجود المخلوق و ليس له حقيقة الا ذاته و لهذا قال اميرالمؤمنين صلوات الله عليه انتهي المخلوق الي مثله ه‍ ، و قول بهمنيار الحكيم انا اذا قلنا كذا موجود فانا نعني امرين احدهما انه ذو وجود كما يقال زيد مضاف و هذا الكلام مجازي ه‍ ، مقرر للامر الثاني بان الموجود هو الوجود و ان لحاظ المغايرة مجاز فيحمل علي المعني العامي اي الكون في الاعيان و كذلك قوله كما ان المضاف هو الاضافة و هذا شاهد للقول الثاني بان الوجود هو الانتساب الي الواجب و اما قولي باني لااقول بمرادهم فلانهم يزعمون بان الوجود موجود متأصل في الخارج جزئي قولي جزئي لااريد به ما يقابل الكلي لانه تعالي ليس جزئيا بهذا المعني و لا كليا لانهما صفة الحادث و انما اريد بالجزئي المتشخص بذاته اي المتميز لا المتشخص بالمشخصات فان هذا حادث فافهم ، منه اعلي الله مقامه .
حقيقي ليس فيه لذاته جهة تعدد بوجه ما و هو الوجود الحق تعالي ليس كما يريدون لانهم يريدون بان الموجودات وجدت بنسبتها الي الوجود الحق تعالي و ان لم‌يكن الوجود فيه مستندين الي ان صدق المشتق علي شئ لايقتضي قيام مبدء الاشتقاق به فان صدق الحداد مثلا انما هو

 

«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 128 *»

بسبب كون الحديد موضوع صناعة ذلك الشخص و هذا يشعر بان الوجود لم‌يرتبط بشئ من الممكنات لانه عندهم شئ واحد جزئي بسيط حقيقي و هو الله تعالي و انا اقول مثلا بانها موجودة بنسبتها اليه تعالي و تلك النسبة هي عين وجوداتهم و هي وجودات متكثرة اذا نسبتها بعضها من بعض وجدت مراتبها مختلفة كل سافلة شعاع للعالية علي نحو ما سبق و كل هذه الوجودات عين الموجودات و ذواتها بما انتسبت به انتسابا اشراقيا فقولي غير قولهم و ان صلح اللفظ لي و لهم في بعض الاحوال لاني اقول بهذه النسبة بهذا المعني و هم يقولون يصح اطلاق المشتق علي شئ بسبب انتساب ذلك الشئ الي مبدئه انتسابا مخصوصا و اطلاق الوجود علي الممكنات كذلك لا ان ( لان خ‌ل ) الوجود قائم بها نحوا من القيام بل الوجود عين ذات الواجب تعالي و لا تعدد فيه اصلا و ما سواه من الموجودات لاجل انتسابها اليه تعالي انتسابا خاصا صار موجودا و تطلق عليه الموجودية و لايتوهم انهم يقولون باختلاف مفهوم الوجود في الواجب و الممكن فانهم يطلقون الموجود علي الواجب ايضا اذ ذاك اختلاف في المصداق دون المفهوم و يجوز ان يكون المصداق مختلفا مع كون المفهوم واحدا في الجميع كما سيجي‌ء و الحاصل انهم يقولون بوحدة الوجود دون الموجود علي الوجه الذي مر انتهي ما نقل من معني كلامهم و المصنف نقل هنا كلام بهمنيار مستشهدا به لتوافق الارادتين و اتحاد المرادين و ربما جمع بين مذهب المصنف ايضا و مذهب اهل الانتساب بان المراد بالانتساب هو الوجود الارتباطي التعلقي و هو قد قال ان جميع الوجودات ( الموجودات خ‌ل ) الامكانية هي عين التعلقات و الارتباطات فصرح هو بالمراد و هم عبروا عنه بالانتسابات فلذا قالوا بان تلك الانتسابات مجهولة الكنه و الحقيقة كما قال هو ان الوجود مجهول الحقيقة و انما اعترض علي ظاهر كلامهم كما تقدم و ان كان مراده مرادهم و ما توهم من ان صريح قولهم ان الماهية اثر الجاعل و ان اطلاق المشتق علي شئ لايستلزم قيام مبدء الاشتقاق به ينافي مراد المصنف يعارضه

 

«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 129 *»

قولهم ان الجاعل هو الماهية يوافق قول المصنف تبعا لمحققي مشايخ الصوفية و كبارهم من ان الجاعلية و المجعولية في الحقيقة يرجعان الي تطورات المبدأ الاول في مراتب مظاهره و اطواره في شئونه و قولهم ان اطلاق المشتق لايستلزم قيام مبدأ الاشتقاق به مع قولهم و اطلاق الوجود من هذا القبيل قيل يريدون بمبدأ الاشتقاق الوجود المطلق و لا ريب انه من حيث هو مطلق لايكون مقيدا بالقيام بها و انما القائم نحوا من القيام طور من اطواره فتتفق الارادتان و المعروف من مذهب ( مذاهب خ‌ل ) الاوائل من اساطين الحكماء الذين اخذوا عن الحكمة السماوية التي نزل بها الوحي علي انبياء الله عليهم السلام انهم وافقت عباراتهم عبارة من تأخر عنهم الا انهم يريدون منها معني يوافق الحق لانهم يريدون بان الوجود القائم بها نحوا من القيام اي مما يسمي قياما لغة في كل شئ بحسبه و هو طور من اطوار الحق سبحانه اي من اطوار ظهوراته بافعاله و مفعولاته فالاوايل يريدون انه تعالي يظهر بفعله و مفعوله الظهور الفعلي و هو علي حاله قبل فعله و مفعوله و بعدهما لم‌يتحول من حال الي حال و لايتبدل ( و لاتتبدل خ‌ل ) عليه الاحوال و لايعتريه التغيير و الزوال و لم‌يتنزل من رتبة الذات الي رتبة الافعال و انما معني ظهوره بهم اظهاره لهم بهم و هي الظهورات الفعلية و المفعولية و عباراتهم السابقة تصدق علي هذه المعاني و اما من تأخر عنهم فاخذوا العبارة بعينها بان ذلك طور من اطوار ظهوراته كما قال الاولون و ارادوا به انه تعالي يظهر بذاته في افعاله و مفعوله و ان الجاعل هو المجعول و العاقل هو المعقول و الفاعل هو المفعول و قالوا الذات واحدة و النقوش كثيرة ( و الكثرة نقوش خ‌ل ) و يقول شاعرهم من اتباعهم :
كل ما في عوالمي من جماد       ** * **      و نبات و ذات روح معار
صور لي خلعتها خلقتها خ‌ل .
فاذا ما       ** * **      زلتها لاازول و هي جواري
انا كالثوب ان تلونت يوما       ** * **      باحمرار و تارة باصفرار
فاذا اجمل هؤلاء في عباراتهم ربما وافقت ما اجمل الاوايل و اذا صرح كل بمراده افترقوا فغرب الاوايل و شرق الاواخر و كل ميسر لما خلق له و كل

 

«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 130 *»

عامل بعمله و الي الله ترجع الامور و ان في كلماتهم لمستفظعات من الامور لو تصديت لكشف ما فيها من المنكرات لرأيت ما تضيق به الصدور و لاتسعه السطور و انهم ليقولون منكرا من القول و زورا و ان الله لعفو غفور لمن لم‌يستمر علي حاله من بعد ما تبين له الهدي .
قال الخامس انه لو لم‌يكن للوجود صورة في الاعيان لم‌يتحقق في الانواع جزئي حقيقي هو شخص من نوع و ذلك لان نفس الماهية لاتأبي عن الشركة في كثير و عن عروض الكلية لها بحسب الذهن و ان تخصصت بالف تخصيص من ضم مفهومات كثيرة كلية اليها فاذن لا بد ان يكون للشخص زيادة علي الطبيعة المشتركة تكون تلك الزيادة امرا متشخصا لذاته غير متصور الوقوع للكثرة و لانعني بالوجود الا ذلك الامر فلو لم‌يكن متحققا في افراد النوع لم‌يكن شئ منها متحققا في الخارج هذا خلف .
اقول قوله لو لم‌يكن للوجود صورة في الاعيان المراد بالصورة مطلق الحصول فانه في الظاهر صورة الوجود يعني اثره الدال عليه و لايريد به الصورة المعروفة المشتملة علي الحدود لان البساطة الحقيقية تنافيها يقول لو لم‌تكن ( و لو لم‌يكن خ‌ل ) في الخارج للوجود ما يدل علي تحققه في الخارج بان تكون اشياء موجودة في الخارج لايجوز ان يستند وجودها الي نفسها ( انفسها خ‌ل ) علي ما قرره سابقا مثل قوله اذ لو كانت موجودية الاشياء بنفس ماهيتها لا بامر خارج لامتنع حمل بعضها علي بعض و الحكم بشئ منها علي شئ و امثاله و قد تقدم بما فيه لم‌يتحقق في الانواع اي في كل نوع من الانواع جزئي حقيقي بحيث يكون شخصا من نوع منها لانه اذا لم‌يتحقق من جهة الوجود الذي يتحقق بنفسه و ذاته في الخارج لا بشئ غيره فاما ان يتشخص و يتحقق بنفسه و هذا شئ للوجود لا له او بامور اعتبارية و هي ليست موجودة فلاتوجد غيرها او بنفس الماهية و هي بدون حقيقة الوجود لا وجود لها الا في الذهن و هي كلية لايمتنع من وقوع الشركة فيها بين كثيرين و تعرض لها الكلية لانها المفهوم الذهني العام و لو فرض لها ضم كليات كثيرة بينها بنسبة بعضها الي بعض العموم و الخصوص مطلقا او من

 

«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 131 *»

وجه بحيث يتخصص جهة عموم بعضها بجهة ( بحسب خ‌ل ) خصوص بعض كالطاير الولود الطاير الولود هو الخفاش .
لم‌تنخلع عن العموم فلايتشخص بنفسها جزئيها ( بعض جزئيتها خ‌ل ) فلا بد له من امر زائد علي طبيعة نوعه متشخص في الخارج بنفسه يمتنع وقوع الشركة فيه للكثرة لذاته ليكون ذلك الفرد الجزئي البارز من نوعه بذلك الزائد متشخصا و ذلك الامر الذي به تشخص الجزئي هو الوجود هذا مراده من معني كلامه و اقول ان المشخصات التي بها يتشخص الفرد الواحد من النوع ليست من نوع الذوات التي هي المواد و انما هي من نوع الهيئات لانها من قبيل الحدود و ان كانت جزءا من الماهية باعتبار كونها من متممات القابلية و لها ماهيات كلية لكل حد مشخص ماهية هو حصة منها مجموع تلك الحصص فصل يتميز به نوع ذلك الجنس الذي منه حصة تتقوم بذلك فهيولي المواد اجناس و هيولي الفصول اجناس مثلها سلخت اي اشتقت لانها خلقت من المواد ، منه .
في الحقيقة من هيولي الاجناس و ان كانت حصص الاجناس تتقوم بالفصول تقوم اختصاص و تعين فالماهية النوعية التي تكون مادة الجزئي الخارجي حين تحققه في الخارج منها كلية عامة و هي التي من نوع الذوات كما ذكرنا قبل و الحصة المأخوذة لزيد او لعمرو منها ذاته التي هي وجوده عندهم و مقبوله و الماهية النوعية التي تكون صورة الجزئي الخارجي حين تحققه في الخارج منها كلية عامة و هي التي قلنا انها من نوع الهيئات و الحصة المأخوذة لزيد او عمرو منها هي ماهيته و قابليته و المشخصات للفرد الجزئي في الخارج حدود الحصة ( للحصة خ‌ل ) الوجودية المادية كل حد حصة من ماهية كلية مجموع تلك الحدود فصل لنوع و هي لكل فرد من افراد ذلك النوع و لكنها تختلف في اجزائها او جزئيات جزئي منها بالشدة و الضعف و القلة و الكثرة في المرتبة و الجهة و المكان و الوقت و في ترتيبها الوضعي فلذلك اختلفت ( اختلف خ‌ل ) افراد النوع في اكثر احوالها و صفاتها و مراتبها و آجالها مع استوائها في نوعها فكل

 

«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 132 *»

واحد من المشخصات للحصة الوجودية النوعية حصة من ماهية كلية و هذه الحصة حد من حدود تشخص الشخص سواء اعتبرنا ذلك الحد المشخص جزءا كما في ظاهر الحال او جزئيا كما هو في الواقع و المصنف استدل بوجود جزئي خارجي متشخص من ذلك الكلي العام الذهني علي وجود فرد متشخص بذاته به يتشخص ذلك الجزئي المتشخص لان الماهية الذهنية لاتقبل ذلك و الا لجاز امتناعها لقبول الشركة في كثيرين و لايكون من انضمام امثالها اليها و لايكون التشخص من نفسه و لايكون الا من خارجي متشخص بنفسه و هو الوجود و هذا كلام من انحصرت مداركه في المفاهيم لان علمه علم اخبار لا علم عيان و لو كان علم عيان لماجعل منشأ التشخصات هو الوجود لانه ان جعله من علل الوجودات لم‌يكن به التشخص لان العلل (كذا) الوجودات علل فاعلية و منها يصدر التأثير خاصة و التشخصات من لوازم الماهية و توابعها لانها حدودها و ان جعله من علل الماهيات اثبت ما نفاه هو و غيره من ان المشخصات و الحدود ليست من لوازم الوجود و انما هي من لوازم الماهية ثم ان المشخصات منها نوعية و منها شخصية و التشخص الجزئي به تتكثر الافراد بما يلحقها من المميزات لبعضها من بعض و لايكون من بسيط الحقيقة و لا من متفق الحقيقة لان البسيط لا تكثر فيه و المتفق لا اختلاف فيه فلو كان الوجود منشأ للتمييز بين الافراد افراد الانواع لكان مركبا مختلف الحقيقة فحيث كان الجزئي الخارجي المتشخص بما هو خارجي متشخص متشخصا بالحدود المختلفة كان كل حد منها حصة من ماهية كلية كان مجموع تلك الحصص المختلفة من ماهياتها المتعددة المختلفة هو منشاء تشخص ذلك الجزئي فاستغنت تلك الهويات الخارجية في تشخصها و تمايزها في بعضها عن بعض عن الوجود لان الوجود ان عني به الفاعل عز و جل فانما ميزها ببعضها عن بعض لم‌تكن جزءا منه و لا تنزله بذاته و جعلوا له من عباده جزءا ان الانسان لكفور مبين و ان عني به الوجود المصنوع فان رضي بانه مادة كل الاشياء المصنوعة و كل فرد جزء منه اي من حقيقته هو مادة ذلك الفرد و جزء من هيئته هي صورة ذلك الفرد فذلك

 

«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 133 *»

ما كنا نبغ و ان عني غير هذين و علي غير ما قررنا سابقا في بيان تقوم الاشياء بموادها تقوم ركني فعليه ان يثبت العرش اولا ثم ينقش فيا ايها الناظر في كلامي فاياك ان تقول هذا شئ لم‌يقل به احد من العلماء و لا الحكماء فان كنت مقلدا لهم فليس لنا معك كلام و الا فتفهم و تفطن تسلم و لاتكذب بما لم‌تحط به علما و لمايأتك تأويله و الله سبحانه ولي التوفيق .
قال و اما قول ان التشخص من جهة الاضافة الي الموجود الحق المتشخص بذاته فقد علم فساده بمثل ما مر فان اضافة الشئ الي شئ بعد تشخصهما جميعا ثم النسبة بما هي نسبة ايضا امر عقلي كلي و انضمام الكلي الي الكلي لايوجب الشخصية هذا اذا كان المنظور اليه حال النسبة بما هي مفهوم من المفهومات و ليست هي بذلك نسبة اي معني غير مستقل و اذا كان المنظور اليه حال الماهية بالذات فليست هي بحسب نفسها محكوما عليها بالانتساب الي ( لا خ‌ل ) غيرها ما لم‌يكن لها كون هي تكون بذلك الكون منسوبة الي مكونها و جاعلها و لانعني بالوجود الا ذلك الكون و لايمكن تعقله و ادراكه الا بالشهود الحضوري كما سيتضح بيانه .
اقول و قوله و اما قول ان التشخص الي قوله فساده قد تقدم انه انما ابطل ظاهره و اما باطنه يعني مرادهم فقد حاول توفيقه مع مذهبه و هو قائل به و يأتي عن قليل بيان ما يدل علي هذا من كلامه و اما نحن فنقول بموجبه و ليس كما اراد و لا كما ارادوا و قد تقدم و يأتي و قوله بمثل ما مر يشير الي قوله قبل في رد كلامهم هذا فكلام لا تحصيل فيه لان الوجود للماهية ليس كما للبنوة للاولاد الخ ، و قد تقدم ابطال ابطاله فراجعه و اراد بمثل ما مر ان ( غير خ ) هذا الدليل يدل علي ابطاله ايضا و لعله ما اراد به هنا و لذا اتي بتعليله بالفاء ليدل علي ارتباطه بالاول و هذا التعليل كما تقدم عليل فان هذه الاضافة للشئ الي شئ هي عين وجود نسبة المضاف فلايتحقق قبلها كما يتوهمه المصنف حيث اثبته في احد الاعتبارين قبل النسبة بقوله و اذا كان المنظور اليه و يأتي الكلام فيه

 

«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 134 *»

و قوله ثم النسبة بما هي نسبة امر عقلي كلي ، فيه ما تقدم مرارا من ان كل معقول فانه في الذهن امر وجودي ظلي انتزاعي انتزع من خارجي متحقق و اما كونه كليا فمن تعقله باعتبار ما يفهم من لفظ اسمه و هذا الشبح لايصدق بالمطابقة علي ما في الخارج الا مع تقييده بمشخصاته و الا لكانت حقيقة الجنس نوعا كاسم الحيوان في صدقه علي زيد و الفرس فانهما بهذا الاعتبار فردان من نوع لا فردا نوعين من جنس علي انه ليس كل انتزاعي كلي بل تكون الصور جزئية اذا انتزعت من جزئي فانك اذا اردت تصور زيد لاتتصور حقيقة نوعه لتكون تلك الصورة كلية و قوله و انضمام الكلي الي الكلي لايوجب الشخصية ، انا قد قدمنا ان التشخص الخارجي ليس منشأه الوجود لكونه اعم و العام لايخصص تشخيصا و انما منشأه ان تحضر في الذهن كلية ذاتية اي مادية و يحضر معها كليات صفاتية فيأخذ حصة من الاولي و هي مادة المتشخص و يأخذ من تلك الكليات حصصا مشخصة هي حدود حصة الاولي و بهذه الحصص الصفاتية يتشخص و قوله هذا اذا كان المنظور اليه حال النسبة بما هي مفهوم من المفهومات و ليست هي بذلك الاعتبار نسبية ، فيه ان النسبة ان نظرت اليها من حيث هي هي فكما قال و لكنا ننظر اليها من حيث هي نسبة فهي بهذا الاعتبار نسبية اي غير مستقلة مثاله اذا تصورت العرض من حيث هو هو فانه حينئذ ذات اما اذا تصورته من حيث هو عرض فانه يتوقف تصوره علي حضور معروضه فهو اذ ذاك عرض فتصور تلك النسبة من حيث هي نسبة و المنظور اليه هو المنسوب كذلك فانه لاينظر اليه من حيث هو هو لان كل شئ نظر اليه من حيث هو هو انقطعت بهذا الاعتبار عنه نسبة الارتباط و الانتساب لا فرق بين الماهيات و الوجودات و لا بين الذوات و الصفات اذ ليس هذا نظر حقيقة علي ما هو عليه و انما النظر و الاعتبار الذي تنشأ عنه ( عند خ‌ل ) الآثار و تبني عليه الاحكام ان تنظر الشئ علي ما هو عليه فتنظر المفتقر اليه حال افتقاره و الغني عز و جل في غناه فتنظر الي المنظور اليه من حيث هو منتسب لان ذلك هو ما هو عليه في نفس الامر و

 

«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 135 *»

هو عين وجوده كما اعترف بهذا المعني في مواضع متعددة في كتابه هذا و غيره و قوله و اما المنظور اليه بالذات الخ ، هذا النظر هو حيثية النظر الاول اي من حيث هي مفهومات لان المآل واحد و ان تغيرت العبارة فهي من حيث حقيقتها و هي كونها منسوبة محكوم عليها بالانتساب علي ان هذا الحكم لايخرجها عن حقيقتها و فقرها بل لو حكم عليها بالغني كان حاكما علي وهم بوهم و ما هذا الفرض الذي فرضه المصنف الا مثل قولك اذا كان المنظور اليه نور الشمس المشرق علي الارض بما هو هو او من حيث مفهومه مع قطع النظر عما هو عليه في نفس الامر فانك لم‌تقع علي شئ من حقيقته و لايخرجه فرضك عما هو عليه و سيأتي في كلامه ما يلزم منه علي رأيه صحة هذه الدعوي التي سعي في ابطالها في مثل قوله في الاستشهاد السابع حيث قال انهم قالوا ان وجود الاعراض في انفسها وجوداتها لموضوعاتها اي وجود العرض بعينه حلوله في موضوعه و لا شك ان حلول العرض في موضوعه امر خارجي زايد علي ماهيته الخ ، و هذا يلزم عليه القول بالانتساب و قال في آخره فكذلك حكم الجواهر و لهذا لا قائل بالفرق انتهي ، و لايلزمنا حيث رددنا كلامه هذا هناك نقض كلامنا لان حقيقة الوجود للشئ عندنا وجود موصوفي و وجود صفاتي فوجود زيد مثلا حصة من الموصوفي و هي مادته و هو ( هي خ‌ل ) وجوده و هو الحصة الحيوانية من نوعه و حصة من الوجود الصفاتي و هي صورته و هي ماهيته الاولي اي انفعال الحصة الاولي و قابليتها و هي الحصة الناطقية من نوعه فبالنسبة الي العرض ليس مادته حلوله في المعروض و لا صورته و بالنسبة الي ما ذكر من الانتساب فليس كما ارادوا و لا كما اراد بل الاشياء منتسبة الي فعله لا الي ذاته تعالي و نسبتها الي فعله كنسبة الضرب الذي هو اثر ضرب الفعل الماضي اليه فوجودها متقوم بفعله تعالي تقوم صدور فوجودها الظاهري المواد مع الصور و الصدوري انها اثر فعله فمن عرف نفسه فقد عرف ربه فلايرد علينا بحث لا هنا و لا هناك علي انه ليس له كون زائد منها علي الانتساب اليها اذ معناه

 

«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 136 *»

كونه نورا لها لا ان معناه انه هو ليحتاج الي كون غير الانتساب فان الانتساب هو نفس كونه و اذا اردت معرفة هذا من كلام المصنف فانظر الي قوله في اتحاد العاقل بالمعقول و الحس بالمحسوس و في العلم الحضوري قائلا هناك بما نفاه هنا و قد مر انه انما يبطل ظاهر كلام هؤلاء و ان كان يوافقهم في المراد و لكنه ابطل ظاهره بما هو باطل و الباطل لايبطل الحق بل يصححه اذا عارضه و قوله ما لم‌يكن لها كون هي تكون بذلك الكون منسوبة الي مكونها و جاعلها الخ ، هذا بناء منه علي ما نبهنا عليه سابقا من ان النسبة لاتكون الا بعد وجود المنتسبين و هو غلط بل كما تكون بعد وجودهما في النسبة الظاهرية القشرية تكون مع وجودهما او وجود المنتسب خاصة اذا كانت النسبة من جهته كالذي نحن فيه في النسبة الحقيقية الذاتية علي جهة المساوقة كالكسر و الانكسار و كالبنوة التي انكرها كما قررنا ثبوتها قبل هذا و قوله و لانعني بذلك الوجود الا ذلك الكون اقول و لانعني بذلك الكون الا ذلك الانتساب عند اولي الالباب و قوله و لايمكن تعقله و ادراكه الا بالشهود الحضوري اقول ان اراد به الوجود الحق عز و جل كما يراه لايمكن تعقله و ادراكه لا بالشهود الحضوري و لا بالغيبة و انما هو ظاهر لكل شئ بآياته في الحضور و الغيبة كما قال الصادق عليه السلام في قوله تعالي اولم‌يكف بربك انه علي كل شئ شهيد يعني موجود في غيبتك و في حضرتك ه‍ ، و ان اراد به الوجود الحادث فهو ظاهر مشاهد بالابصار الحسية و الاسماع الظاهرة ( الظاهرية خ‌ل ) و بالبصائر الباصرة و الله سبحانه ولي التوفيق .
قال السادس اعلم ان العارض علي ضربين عارض الوجود و عارض المهية و الاول كعروض البياض للجسم و الفوقية للسماء في الخارج و كعروض الكلية و النوعية للانسان و الجنسية للحيوان و الثاني كعروض الفصل للجنس و التشخص للنوع و قد اطلقت السنة المحصلين من اهل الحكمة بان اتصاف الماهية بالوجود و عروضه لها ليس اتصافا خارجيا و عروضا حلوليا بان

 

«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 137 *»

يكون للموصوف مرتبة من التحقق و الكون ليس في تلك المرتبة مخلوطا بالاتصاف بتلك الصفة بل مجردا عنها و عن عروضها سواء كانت الصفة انضمامية خارجية كقولنا زيد ابيض او انتزاعية عقلية كقولنا السماء فوقنا او سلبية كزيد اعمي .
اقول المراد بالعارض الخارج المحمول علي معروضه و هو قسمان الاول العارض لوجود الشئ و الثاني العارض لماهيته و الاول عندهم قسمان احدهما العارض الموجود في الخارج للوجود الخارجي و ثانيهما العارض الموجود في الذهن للوجود الذهني و الثاني قسمان الاول العارض الموجود في الخارج للماهية الخارجية عند قوم و هو الصحيح و قيل هو العارض الموجود في الذهن للموجود ( الموجود خ‌ل ) الخارجي و الثاني العارض الموجود في الذهن للماهية الذهنية فالاول مثل ما مثل به المصنف كعروض البياض للجسم فانه خارج عن وجود الجسم عارض له محمول عليه هذا علي ظاهر الحال و الا ففي الحقيقة هو من مشخصات الجسم و متممات قابليته فهو من عوارض الماهية و حدودها التي تتألف منه فهو من متمماتها هذا علي ما قيل بانه لون و ربما استدل علي انه لون بما روي عن علي بن الحسين عليهما السلام حين سئل عن العرش فقال انه مركب من اربعة انوار نور احمر منه احمرت الحمرة و نور اخضر منه اخضرت الخضرة و نور اصفر منه اصفرت الصفرة و نور ابيض منه ابيض البياض ه‍ ، و معني كون البياض لونا انه خارج عن الذات و ليس من مقوماتها الذاتية و انما هو من لواحق الرتبة و قيل بانه ليس بلون لانه في الحقيقة جزء الذات من لوازم مقوماتها لما تقرر في الطبيعي ان كل بارد و رطب ابيض مثلا الماء بارد رطب يعني ان ماهيته مركبة من برودة جوهرية و رطوبة جوهرية و البياض لازم ضم احدهما الي الآخر بمعني انه مقتضي اجتماعهما فلايتحقق حقيقة الماء الا بذلك الضم و لاينفك

 

«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 138 *»

الضم عن البياض لانه انفعال احدهما بالآخر الذي هو مقتضي ذلك الضم او هو حاصله و اما عدم احراق النار لابراهيم عليه السلام فليس لعدم ضم الطبيعتين بل لقلب فعلها الذي هو الاحراق بالنسبة الي ابراهيم عليه السلام و لهذا كانت في تلك الحال تحرق الطير في السماء اذا مر بها و ربما استدل علي انه ليس بلون بما روي في الرواية المتقدمة بطريق آخر فيه منه البياض و منه ضوء النهار و لم‌يقل عليه السلام منه ابيض البياض فعلي هذا القول يكون من الذاتيات فيكون حد الماء مثلا انه العنصر البارد الرطب الابيض السيال المايع و انما جعل البياض من العوارض الخارجية علي هذا من دلالة الاسم من حيث التسمية و من جهة مغايرته لساير الالوان و الثاني و هو العارض الموجود في الذهن للوجود الذهني علي القول بثبوته اي بثبوت الوجود الذهني كعروض الكلية و النوعية للانسان و عروض الكلية و الجنسية للحيوان في الذهن و علي القول بان الكلية و النوعية و الجنسية و ما اشبهها ليست امورا اعتبارية لا تحقق لها الا في الفرض بل هي بحقايقها موجودة في الذهن كما عند كثيرين من المحققين و اما عندنا فهي ظلية انتزاعية من حقايقها الخارجية الا انها موجودة بوجود ذهني و هو حظ تلك الاشباح من الوجود و التحقق و بوجود خارجي موجود في كل هيولي و في مجموع افرادها الخارجية و لهذا عبرنا عنه بالعارض الموجود و الثالث و هو العارض الموجود في الخارج للماهية الخارجية عند قوم و هو الصحيح عندنا و قيل هو العارض الموجود في الذهن للوجود الخارجي كما اشار اليه المصنف بقوله و الفوقية للسماء في الخارج يعني به ان الفوقية معني ذهني لا حصول له في الخارج عارض لوجود السماء و انما الموجود ( الوجود خ‌ل ) في السماء انه فوقنا و اما الفوقية فانها من المعقولات الثانوية الاعتبارية و قد تقدم في نظائرها الكلام من انها اي الفوقية شئ وجودي خارجي خلقه الله سبحانه من

 

«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 139 *»

تكوينه السماء فوقنا و ليست كما قالوا انما هو ( هي خ‌ل ) عبارة عن كون السماء فوقنا و معني عروضها لما في الخارج هو اتصافه بها من حيث هو في الخارج و ليست شيئا الا في التعقل بل هي متحققة في الخارج و ان كانت في وجودها مترتبة علي وجوده كما هو شأن جميع الصفات في ترتب وجودها علي وجود موصوفاتها و ان لم‌تكن الفوقية شيئا متحققا موجودا في الخارج لم‌يتحقق اتصاف السماء بها في الخارج بل يكون متصفا بها في الذهن لانه مقام وجودها فلا فوقية له في الخارج فلايكون فوقنا و ذلك كسائر الصفات مثل حركة يد زيد فان يده لايتصف ( لاتتصف خ‌ل ) بالحركة في الخارج الا اذا وجدت الحركة في الخارج و لكن اذا كان العالم انما علمه ما استفاده من مفاهيم العبارات و دلالاتها اللفظية مما فهم منها فلايتعداها و هو في الحقيقة لايري شيئا من المحسوسات الا من القول كالاعمي الذي لايعرف من المبصرات الا معني ما سمعه و الرابع و هو العارض الموجود في الذهن للماهية الذهنية و هو الذي اشار اليه المصنف بقوله كعروض الفصل للجنس و التشخص للنوع بمعني ان الفصل من حيث هو خارج بمفهومه عن مفهوم الجنس لاحق به في معناه الذهني و ان اتحد به في الوجود لا ان المراد بعروضه ( انه خ ) انما قيل له انه عارض لان لمعروضه شيئا ما من الحصول و التحقق بدونه و هذا العروض الرابع هو نظير عروض الوجود للماهية عند المصنف و قوله و قد اطلقت السنة المحصلين الخ ، يعني به ان اهل التحصيل من اهل الحكمة سواء كانوا من الاشراقيين ام من المشائين علي ما يظهر من بعض كلامه توافقت اطلاقات عباراتهم و اراداتهم علي ان المراد من اتصاف الماهية بالوجود و اطلاق عروضه لها ليس علي جهة الاتصاف الخارجي ليلزم تقومها بدونه و لا علي جهة العروض الحلولي لتكون متحققة قبل عروضه او يكون لها جهة ما من التحقق و الحصول مجردا عن عروضه بنوع ما مر من التجرد كما في الصفة الانضمامية الخارجية التي ضمت فيها الصفة الي خارجي متحقق في الخارج مثل ابيض الي زيد و الصفة الانضمامية الذهنية الي الخارجي

 

«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 140 *»

كالفوقية الي السماء او الي الذهني كالكلية النوعية و الجنسية الي الانسان و الحيوان و الانضمامية السلبية كالعمي الي زيد و انما ذلك مثل عروض الفصل للجنس في مقام التحليل الذهني من مغايرة مفهوميهما و لحوق مفهوم الفصل بمفهوم الجنس لانه صفته و ان اتحدا في الوجود الخارجي هذا مراده و مفاد كلامه و غاية مرامه و انت خبير بما اشرنا اليه من ان الوجود هنا يريد به اما الوجود المخلوق او الحصة الخلقية من الوجود المطلق لاني قد ذكرت سابقا ان عباراته مرة يريد منها الوجود الحق و مرة الوجود المطلق و مرة الوجود الخلق و هنا يتعين ارادة المخلوق بقرينة عروضه للماهية و لحوقه بها و ان كان ذهنا فان اراد غير هذا فلا حول و لا قوة الا بالله العلي العظيم و قد قدمنا انه ليس المراد بالوجود الخلق الا الهيولي و ان وجود الانسان مادة نوعية و هي حصة من تلك الهيولي و ان وجود زيد مادة فردية شخصية و هي حصة من النوعية و ان الصورة للانسان هي الفصل و لزيد حصة من ذلك الفصل و اعلم ان الجنس عندنا في عالم الملكوت و الصورة الجوهرية في اللوح المحفوظ و المثالية بين الملكوت و الملك فاذا قلنا ان الجنس متقوم بالفصل نريد بان نزول حصة منه بل جميع حصصه الي الملك او الي الملكوت ان كان الجنس في الجبروت متوقفة علي انضمام الفصول اليها فحصة الانسان من الحيوان الذي هو الجنس عندهم و هو الوجود عندنا متوقفة النزول او الظهور المعبر عن كل منهما بالكون في الاعيان و هو المعني المصدري للوجود علي انضمام الفصل و هو الناطق و هو حصة نوعية من ظل الصورة ( النوعية خ ) الانسانية اعني الحقيقة المحمدية و الحصص المادية اشباح اشعة مادتها و الحصص الصورية اشباح اشعة هيئتها و الاجناس و الانواع و الاشخاص مذروئة في مراتب ظهوراتها بآثارها و آثار آثارها لا بذاتها ففي كل رتبة من ظهوراتها جنس و انواع له و افراد لانواعه من جنس تلك الرتبة و هكذا الي ما تحت الثري ظلا او عكسا هذا في حصص المواد منها و في حصص الصور من هيئاتها كل صورة من نوع رتبة مادتها فلايخلق عال من سافل و لا سافل من عال و ليس في جميع المراتب و لا في كل مما فيها من

 

«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 141 *»

جنس او نوع او شخص من ذات الحقيقة المحمدية شئ الا ما كان من اشعتها و اشباحها و اشعة اشعتها و اشباح اشباحها و هكذا و هي في رتبتها لم‌تتنزل بذاتها و لم‌تخرج عن حكم سرمديتها و مثالها كقرص الشمس و كالسراج ( السراج خ‌ل ) لم‌يخرج جزء منهما ( منها خ‌ل ) في الاشعة و لم‌يخل شئ من الشعاع عن ظهور منيره به له و فيه فافهم ثم اعلم ان الحيوانية التي يعبرون عنها بالتحريك ( بالتحرك خ‌ل ) بالارادة كانوا قد جعلوا الحيوان جنسا لكل متحرك بالارادة فيأخذون منه اي من هذه الحقيقة حصة فيضمون اليها الناطق و يقولون هذه حقيقة الانسان من نبي و مؤمن و جاهل و كافر و يأخذون من تلك الحقيقة بعينها حصة و يضمون اليها الصاهل و يقولون هذه حقيقة الفرس عتيقها و هجينها و مقرفها و يأخذون منها ايضا حصة و يضمون اليها النابح و يقولون هذه حقيقة الكلاب بجميع اصنافها و يأخذون منها حصة و يضمون اليها الناعق و يقولون هذه حقيقة الغراب بجميع انواعه و هكذا و يلزم من هذا تساويها في الحيوانية التي هي الوجود او المادة او كالمادة علي قولهم لا تمايز بينها الا بالفصول التي هي الصور او كالصور عندهم و يلزمهم ان حيوانية الانبياء عليهم السلام من طينة الحيوانات و الحشرات تجمعها رتبة واحدة من الوجود فطينة اول الخلق من طينة الحشرات و العياذ بالله او انهم انتزعوا مفهوما كليا من مدلول لفظ متحرك ( اللفظ المتحرك خ‌ل ) بالارادة و علي هذا ان صدق علي الحيوانية الخارجية و لو في افرادها رجع عوده علي بدئه و ان لم‌يصدق فتلك الانواع لم‌يخلق مما في اذهانهم و انما خلقت مما هو في الخارج و الا لخلقوا و خلقت اذهانهم مما في اذهانهم و اما علي قول ساداتنا عليهم السلام فكل جنس من رتبته و انواعه حوله و افراده كل حول نوعها فقد خلقت حيوانية محمد و آله صلي الله عليه و آله قبل خلق حيوانية انبياء الله (ع‌) بالف دهر كل دهر مائة‌الف سنة او ثمانون‌الف سنة ثم خلقت حيوانية الانبياء (ع‌) من شعاع الاولي قبل خلق حيوانية الناس بالف دهر ثم خلقت حيوانية الملئكة ثم الحيوانات فكل متأخرة حقيقة بعد حقيقة ما قبلها او مجاز بالنسبة اليها و

 

«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 142 *»

لايصدق الاسم عليها بالاشتراك اللفظي و لا المعنوي الا بلحاظ المفاهيم كما مر نعم الاشتراك في التسمية خاصة و لو قيل بالاشتراك اللفظي امكن تصحيحه علي تأويل و الكلام في فصولها كالكلام فيها هكذا ما هو المعلوم عندنا من مذهبهم عليهم السلام و لو قيل بان الحصص لا وجود لها و لا تحقق الا بانضمام الفصول قلنا يمكن توجيهه بان نقول ان الحصة المقبولة التي هي حصة الحيوان و حصة الوجود كحصته ( كحصة خ‌ل ) في زيد يتوقف وجودها علي وجود قابلها التي هي الماهية الاولي اعني الانفعال كالانكسار للكسر و هي الصورة و هي الفصل الا انا نقول ان توقف وجود المقبول علي وجود القابل توقف ظهور و توقف وجود القابل علي وجود المقبول توقف تحقق فافهم ان شاء الله تعالي راشدا موفقا .
قال و انما اتصاف الماهية بالوجود اتصاف عقلي و عروض تحليلي و هذا النحو من العروض لايمكن ان يكون لمعروضه مرتبة من الكون و لا تحصل وجودي لا خارجا و لا ذهنا لايكون المسمي بذلك العارض فان الفصل مثلا اذا قيل انه عارض للجنس ليس المراد ان للجنس تحصلا وجوديا في الخارج او في الذهن بدون الفصل بل معناه ان مفهوم الفصل خارج عن مفهوم الجنس لاحق به معني و ان كان متحدا به وجودا فالعروض بحسب الماهية في اعتبار التحليل بل مع الاتحاد .
اقول يريد كما ذكرنا قبل ان اتصاف الماهية لكونها معروضا في الذهن بالوجود و لكونه عارضا لها في الذهن اتصاف عقلي لان الخارجي متحد لا تعدد فيه عنده و لكن لما لحظ في الذهن مفهومها منفردا و مفهومه كذلك عرض لها عروضا تعينت به معه في الخارج و ذلك لما ثبت ان له وجودا بنفسه في الخارج و لا وجود لها بنفسها حين فكك ما بينهما الذهن و حللهما به لحق بها اي لحق مفهومه بمفهومها بمعني اتصافها به في مقام التحليل و التفكيك لان مفهومها عنوان زيد الخارجي مثلا و مفهومه عنوان وجود زيد فيعرض مفهومه لمفهومها لان مفهومه المعني المصدري فيتحدان خارجا و يتغايران في الذهن و اقول انه يري ان الوجود لايكون مفهومه حقيقته كما قال سابقا اذ ليس له الا

 

«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 143 *»

حصول واحد فيكون مفهومه المعني المصدري و اما الماهية فمفهومها عنده حقيقتها خصوصا و الذهني بذاته لايكون في الخارج و انما يحصل فرده عندهم و عندنا لايمكن حصول فرده ايضا و انما يحصل مثاله لانه اذا حصلت الحقيقة في الذهن فاذا وجدت في الخارج و ان كان مع لحوق عوارضها الخارجية فاما ان يخلو الذهن منها او يتعدد و كلاهما باطل اما بطلان الاول فبالوجدان و اما بطلان الثاني فلان ما له المعروضية غير ما به الاتحاد و المفروض ان ما له المعروضية هو ما به الاتحاد و الا بطل الاتحاد لان الاتحاد انما هو بها لا بغيرها و ان كان الحاصل منها في الذهن هو الظلي الانتزاعي كان هو معروض الوجود فلايتحد بالوجود في الخارج شئ و لا هوية حينئذ للوجود المخلوق فلايعرف نفسه لانه لا انية له اما من جهة الماهية فليس للعرض انية في نفسه و اما الوجود فلايوجد الا اثرا فهوانيا الفهواني خطاب الحق للخلق علي نحو المشافهة و المكاشفة ، منه (اع‌) .
و نورا شبحيا و لذا كان عنوان صانعه و قوله و هذا النحو من العروض و هو عروض الفصل للجنس و عروض الوجود للماهية كما قال بعد هذا فهكذا حال الماهية و الوجود قال لايمكن اي في هذا النحو من العروض ان يكون لمعروضه مرتبة من الكون و لا تحصل وجودي يعني ان ما كان بهذا النحو لايمكن ان يحصل للمعروض قبل عروض علته عليه شئ من التحقق و التكون و التحصل و لا شئ قليل و لا كثير لا ذهنا و لا خارجا الا ما كان مخلوطا بشئ من العلة لا في تقوم المعروض و لا تميزه و لا تعينه و لا في ظهوره و لا حصوله و هذا النحو عنده هو نحو عروض الفصل للجنس و الشخص ( التشخص خ‌ل ) للنوع و عروض الوجود للماهية و ظاهر كلامه تساوي الصنفين و عندنا انه شئ واحد بناء علي كلامه لا علي ما عندنا لان الذي عندنا و نعتقده و نرويه عن ساداتنا عليهم السلام ان المعروض هو الوجود و هو الجنس و العارض هو الفصل و هو الماهية ثم علي ظاهر كلامه من المغايرة و التساوي في نوع العروض اي نحوه كما قال يلزم من كلامه في كتابه الكبير منافاة هذا

 

«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 144 *»

قال فيه في ان حقيقة الوجود لاتتقوم من جنس و فصل بعد تمهيد مقدمة و هي ان افتقار الجنس الي الفصل ليس في تقومه من حيث هو هو بل في ان يوجد و يحصل بالفعل فان الفصل كالعلة المفيدة للجنس باعتبار بعض الملاحظات التفصيلية العقلية انه لو كان لحقيقة الوجود جنس و فصل لكان جنسه اما حقيقة الوجود او ماهية اخري معروضة للوجود فعلي الاول يلزم ان يكون الفصل مفيدا لمعني ذات الجنس فكان الفصل المقسم مقوما هذا خلف و علي الثاني تكون حقيقة الوجود اما الفصل او شيئا آخر و علي كلا التقديرين يلزم خرق الفرض كما لايخفي لان الطبايع المحمولة متحدة بحسب الوجود مختلفة بحسب المعني و المفهوم و هيهنا الامر ليس كذلك انتهي ، فجعل افتقار المعروض الذي هو الجنس الي العارض الذي هو الفصل ليس في تقومه اي تقوم الجنس من حيث هو هو بل في ان يوجد و يحصل بالفعل اي انما افتقار المعروض الي العارض الذي هو كالعلة في خصوص الحصول بالفعل اي في خصوص ظهوره في الكون الخارجي لا في اصل تحققه لذاته ثم قال بعد علي فرض لو كان جنس الوجود حقيقته يلزم ان يكون الفصل مفيدا لمعني ذات الجنس فكان الفصل المقسم مقوما هذا خلف يعني ان عارضية الفصل و عليته لاتكون مفيدة اي محصلة لمعني ذات الجنس و هذا في هذا الكتاب سوي بينهما بقوله فهكذا حال الماهية و الوجود و جعل هذا النحو اي النوع من العروض لايمكن ان يكون لمعروضه مرتبة من الكون و لا تحصل وجودي لا خارجا و لا ذهنا فاذا حصر العروض فيهما في خروج مفهوم العارض عن مفهوم المعروض و لحوقه به معني لم‌يحسن تبيينه بان لايكون للمعروض مرتبة من الكون فيكون انما عرض لها لان لها نوع تحقق ما به و الا لم‌تكن ( لم‌يكن خ‌ل ) شيئا لا مفهوما و لا معلوما و حينئذ يجب علي قاعدته ان يتحد ( تتحد خ‌ل ) به كما في الخارج لوجود المقتضي و لا بان افتقاره الي العارض انما هو في ان يوجد و يحصل بالفعل و اصل هذا التدافع و الاضطراب ناش من القول بنفي حقيقة الجنس عن الخارج لا في الماديات و لا في المجردات و انه غير الوجود و ان الوجود غير الهيولي و انه غير متحقق في آخر مراتب

 

«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 145 *»

المجردات في الخارج و ان الفصل غير هيئة حصة الجنس و امثال هذه كما هو رأي المشائين و المتكلمين و كثير من الاشراقيين و هؤلاء كلهم قوم المفهوم لايعرفون من المعلوم ( العلوم خ‌ل ) شيئا الا المفهوم و قوله في كتابه الكبير في تعليله المذكور و هو لان الطبايع المحمولة متحدة بحسب الوجود يعني في الخارج الخ ، ( كما خ ) قد تقدم انهم لا يفرقون بين الوجودين الا بترتب الآثار علي الخارجي و عدمه علي الذهني و لا ريب ان مع الاتحاد لاتصدر عن الشئ الخارجي آثار متعاكسة متناقضة لانه شئ واحد و كونه في الذهن متعددا لايترتب ( لاتترتب خ‌ل ) عليه الآثار فاذا صدرت عن الخارجي مثلا طاعة و معصية ضدها دل علي التعدد لانه ان كان وجودا لم‌يعص و ان كان ماهية لم‌يطع و اذا اطاع و عصي فهو غير متحد في الخارجي ( الخارج خ‌ل ) و التعدد الذهني لاتترتب عليه الاحكام و قد تقدم معني هذا الكلام و انما اعدته لاني كثيرا ما اقول متحد في الخارج حكاية عن المصنف فاخاف ان يتوهم متوهم انه مذهبي نعم مذهبي ان الشئ مركب من حصة من الوجود الموصوفي و هو مادته و من حصة من الوجود الصفتي و هو صورته فالمركب من هذين هو الشئ و له حقيقتان حقيقة من ربه اي جهته من ربه و هذا هو المسمي بالوجود و بالفؤاد و بالنفس التي من عرفها فقد عرف ربه و بالنور في قوله عليه السلام اتقوا فراسة المؤمن فانه ينظر بنور الله و هو جهة حقيقته التي هو ( هي خ‌ل ) مادته و مادة مادته و مادة صورته و حقيقة اخري و هي ماهيته التي اصلها من انفعال وجوده و هذه الماهية هي جهته من نفسه و هي هويته و انيته و صورة مادته لان الذي هو اثر فعل الله هو هذا و ليس للوجود معني غير هذا الا المعني المصدري الذي تعرفه العامة و هو الكون في الاعيان و هو خارج عن حقيقة الشئ فاذا فتشت عن ما سوي الله تعالي علي جهة الاجمال لم‌تجد الا الفعل و المفعول و ما ينسب الي المفعول و كل ما ينسب الي المفعول فهو خارج عن حقيقته تابع له مترتب عليه و المفعول هو زيد مثلا فاذا بحثت عن حقيقته لم‌تجد الا المادة و الصورة و ان كانت المادة تختلف بحسب الشئ فمادة المجرد المخلوق كالعقول نورانية و مادة الاجسام منها جسمانية اي من عناصر هورقليا و منها

 

«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 146 *»

عنصرية و الصور بنسبة المواد و اما امر الله الذي قام به الشئ فهو الهيولي اعني الحقيقة المحمدية فان مواد الاشياء قائمة بها قيام صدور و قيام ظهور بها لانها كلها اشعة لتلك الحقيقة و ما ذكروه من الوجود فانه شئ لايعقلونه و لهذا لايقدرون علي التعبير عنه لانهم يتوهمون شيئا لايدرون ما هو و شرحه ما ذكرته لك فانه هو هذه المعادن من الجمادات و النباتات و الحيوانات و غيرها مما سوي الله سبحانه فافهم و قوله فان الفصل مثلا قد تقدم ذكر معناه و قد ذكرنا فيما سبق ان التشبيه بينهما عند المصنف بان عروض الوجود للماهية كعروض الفصل للجنس انما هو مطلق التشبيه الا انه يفهم منه و من غير هذا الكلام من كلامه و كلام غيره ان الوجود بمنزلة الفصل و ان الماهية بمنزلة الجنس و ان كلا منهما غير الآخر و مما ذكرنا اتحاد التشبيه و المشبه بان العروض واحد و بان الجنس هو الوجود و ان الفصل هو الماهية و هذا المعني هو المروي عن ساداتنا و موالينا محمد و آله صلي الله عليه و آله و هو المعقول المطابق لمدلول الشرع و اللغة و العقل لما ذكرنا سابقا من ان زيدا خلق من الوجود كما تقول خلق من مادة كذا و المأخوذ منه الحصة المادية هو الذي تدخل عليه من التبعيضية فكما تقول علي الحقيقة خلق الانسان من حصة من الوجود مصورا بحصة من الماهية لا بالعكس كذلك تقول خلق الانسان من حصة من الحيوان مصورا بحصة من الناطق و كذلك تقول خلق الانسان من حصة من التراب مصورا بحصة من الانسانية و كذلك تقول خلق الانسان من حصة من النور مصورا بحصة من هيئة انفعال ذلك النور و قابليته فالعبارة و المعني في كلها و عن كلها واحد لايختلف ( لاتختلف خ‌ل ) الا في الالفاظ باعتبار دلالتها علي ما وضعت له من مراتب خلق الانسان في العقول و النفوس و الاجسام فافهم و قد ذكرته سابقا و ساذكره فيما بعد من قوله تعالي و ذكر فان الذكري تنفع المؤمنين ، و قوله فالعروض بحسب الماهية في اعتبار التحليل مع الاتحاد الحق ان المعروض في الخارج هو الوجود و العارض هو الماهية و ليس العارض في

 

«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 147 *»

الذهن الا المعني المصدري من الوجود و حينئذ فمعروضه مجموع الوجود و الماهية الاولي اللذان هما الماهية التي هي الحقيقة و الهوية و اما شبح الماهية الاولي التي هي الانفعال و معروضها شبح الوجود و اما ان العارض الفصل و الوجود و المعروض الجنس و الماهية فمن المفهوم لا من المعلوم الواقعي .
قال فهكذا حال الماهية و الوجود اذا قيل ان الوجود من عوارضها .
اقول قد تقدم ان المشبه به حال الفصل في عروضه للجنس و حال الجنس في معروضيته و ان المشبه به حال الوجود في عروضه للماهية و حال المهية في معروضيتها و قد تقدم تحقيق الاتحاد بين الوجود و الجنس و بين الماهية و الفصل فراجع و لاتكن من الغافلين .
قال فاذا تقرر هذا الكلام فنقول لو لم‌يكن للوجود صورة في الاعيان لم‌يكن عروضه للماهية هذا النحو الذي ذكرناه بل كان كسائر الانتزاعيات التي تلحق الماهية بعد ثبوتها و تقريرها ( تقررها خ‌ل ) فاذن يجب ان يكون الوجود شيئا توجد به الماهية و تتحد معه وجودا مع مغايرتها اياه معني و مفهوما في ظرف التحليل تأمل فيه .
اقول قوله فلو لم‌يكن للوجود صورة في الاعيان لم‌يكن عروضه للماهية هذا النحو يشعر بان الاستشهاد السادس من تتمة الخامس و الامر كذلك و كلامه هذا صريح بان الوجود عنده بمنزلة الفصل لانه قرر كلية الماهية و جعل هذا الوجود فردا لها تصدق عليه كما تصدق الحيوان علي الانسان و هو كما تقدم يريد بالصورة حصة ( حصته خ‌ل ) المتحققة خارجا فهذه الحصة كالتشخص للفرد من النوع كما صدر به الاستشهاد الخامس حيث قال لو لم‌يكن للوجود صورة في الاعيان لم‌يتحقق في الانواع جزئي حقيقي هو شخص من نوع بل يفهم منه ان تلك الصورة التي هي حصة من الوجود هي ذلك التشخص للفرد الجزئي و هو حق و ان لم‌يرده لما يلحقه من النقض بهذا فيما قدمه و يلزم من هذا كله ان الوجود هو الفصل و هو باطل و ان لزمه و قوله في الحصة للتشخص ( المتشخص خ‌ل ) و هو حق و في الفصل و هو باطل مع ان حصة التشخص من

 

«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 148 *»

الفصل اريد ان كون التشخص من حصة من الوجود هو الوجود الصفتي و ان كون الوجود هو الفصل باطلا اذا اريد بالوجود الموصوفي لان الوجود ( الموجود خ‌ل ) عندي منه ذوات و منه صفات فالذوات الجواهر و الاجناس و الانواع و مواد الافراد و الصفات هي الفصول مطلقا و الهيئات المجنسات و المنوعات و المشخصات و قوله لم‌يكن عروضه للماهية الخ ، فيه منع ( مع خ‌ل ) الملازمة من وجوه منها ما ذكره في كتابه الكبير مما نقلنا عنه فيما تقدم من كون جميع الامور الانتزاعيات و اللوازم من المعقولات الثانية و غيرها كلها صور للوجود و ليست في عروضها من هذا النحو و منها ان مما ذكر عوارض للوجود الخارجي و للموجود من جميع الحوادث الخارجية كلها عوارض خارجية لموجودات خارجية و ليست بهذا النحو من العروض و منها الاجزاء للمركبات الخارجية كلها صور للوجود و ليس عروضها بهذا النحو الذي ذكره و هي كثيرة و هذا علي ما يذهب اليه و اما علي ما نذهب اليه فان كل شئ ضم الي شئ فعروضه له بهذا النحو الذي يدعيه لايخالف حرف حرفا لان الصانع عز و جل واحد و الصنع واحد و المصنوع في نوع الصنع و كيفيته و جميع احواله علي ما قرر في العلم الطبيعي خصوصا المكتوم الذي هو اصح العلوم و قد اشار سبحانه الي هذا في قوله ( تعالي خ ) ماتري في خلق الرحمن من تفاوت فارجع البصر هل تري من فطور ثم ارجع البصر كرتين ينقلب اليك البصر خاسئا و هو حسير و كذا ( في خ ) قوله ما خلقكم و لا بعثكم الا كنفس واحدة و كذا في قوله تعالي و ما امرنا الا واحدة و بالجملة لا اشكال في هذا عند العارفين بالله تعالي و بما عرفهم من صنعه و مصنوعه نعم اجري سبحانه الاشياء كلها في فعله علي حسب قوابلها و اسبابها فتفاوتت شدة و ضعفا و ظهورا و خفاء و كلها بحكم واحد علي نمط واحد من عرف شيئا منها عرف كل شئ بنسبة معرفته بذلك الشئ شدة و ضعفا و قد يحصل هذا النحو من العروض للامور الذهنية و لم‌تكن للوجود عنده صورة في الاذهان و بالجملة فالملازمة ممنوعة من الطرفين و قوله بل كان كسائر الانتزاعيات الخ ، فيه ان الامور الانتزاعية اظلة

 

«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 149 *»

تابعة ( متابعة خ‌ل ) لما انتزعت منه فيجري فيها ما يجري في المنتزع منه و الا كانت منتزعة من غير هيئته ( هيئة خ‌ل ) فلو تصورت زيدا حال قيامه قائما كان الانتزاعي مطابقا له في تلك الهيئة و لو تصورته حال قيامه قاعدا لم‌يكن المنتزع منه هيئة القعود هو القيام و انما انتزعت من هيئة قعوده و كذا اذا تصورته ذا الف رأس فانك لم‌تنتزع الصورة من ذي الرأس الواحد و انما انتزعت من ذي الرؤس الالف و هو زيد الذي في الخزاين الامكانية المنزل الي صفحات الكتب الكونية في عالم الدهر و بالجملة الامور الانتزاعية في كل شئ حكمها حكم ما انتزعت منه في احكام العروض و غيرها الا انها انتزاعية ظلية و ما انتزعت منه متأصلة التحقق اما في نفس الامر كما لو انتزعت من الذوات و اما بالنسبة اليها كما لو انتزعت من الصفات و قوله بعد ثبوتها و تقررها فيه ما تقدم من تشبيهه الوجود بالفصل و جعل الجنس غير مفتقر الي الفصل في اصل تقومه من حيث هو هو و التشبيه في العروض بالنحو المذكور موجب للافتقار في كل شئ و الا يلزم عدم صحة التشبيه او فساد حكم الفصل او الوجود بالنسبة الي معروض كل منهما و قوله فاذن يجب ان يكون الوجود شيئا توجد به الماهية الي آخره متفرع علي ما تقدم كله لا علي خصوص حكم العروض و قد اشرنا سابقا الي ان كون الماهية موجودة بالوجود عندنا انها احدثت بفعل الله من نفس الوجود التي هي قابلية الوجود للايجاد و انفعاله عند تعلق الفعل به و اما علي ما يفهم من كلام المصنف فالوجود شئ جوهري يحدث الماهية و فيه انه اذا احدثها لم‌يتحد بها اذ لاتتحد العلة بالمعلول و لا الاثر بالمؤثر حينئذ مع انا قدمنا ان الوجود اذا كان فرض انه حقيقة كل شئ لايكون عارضا لما هو حقيقة له بل يكون قائما به قيام صدور او تحقق فيكون العلة الذي هو الوجود معروضا لذلك عروض اشراق او عروضا ركنيا او عروضا لونيا فالعروض الاشراقي كعروض العلم للعالم بحضور المعلوم و الركني كعروض الفصل لحصة الجنس و الصورة للمادة و اللوني كعروض الحمرة للثوب و المصنف اثبت ان الوجود في كل

 

«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 150 *»

شئ هو حقيقته و مع هذا جعله عارضا و الذي يجب جعله معروضا باحد العروضات الثلثة و اما اعتبار خروج مفهومه عن مفهوم الماهية و ان كانت في الخارج انما هي به لا بنفسها فلايوجب عروضه لها لان الماهية في الحقيقة و في نفس الامر انما هي لحقيقة الشئ فاذا فرض انه اي الوجود حقيقة الشئ فهو ( فهي خ‌ل ) ماهيته و هويته في الخارج و في الذهن ان كان حقيقة الشئ هو الوجود فالواجب ان يكون معروضا لها بملاحظة التغاير او تكون هي في الذهن حقيقة الشئ فيكون العارض لها هو المعني المصدري و هو غير الحقيقي فيكون ما في الذهن من جهة تعين الحقيقة مخالفا لما في الخارج و من جهة العارضية و المعروضية ايضا يعني ان كانت في الخارج عارضة له لجواز تحققه قبلها عند المصنف ففي الذهن ان كانت معروضة للمعني المصدري كان هو المتحد بها كما يقوله المصنف من انه يعرض لها في الذهن و في الخارج تتحد به و ان اراد بما تتحد به الوجود الاصيل كما هو مراده كان هو العارض لها في الذهن بل و ان لم‌يكن لها عروض خارجا و انما هو محض اتحاد بمعني ان ما في الخارج شئ واحد كما هو مراده من الاتحاد فقد اختلف الوجودان و ذلك لايصح و ان كان محض اعتبار فقد اختلفت حقيقة الشئ مثلا حقيقة زيد في الخارج هي الوجود و في الذهن هي الماهية و لا شك ان المعروض هو الحقيقة و ان لم‌يكن عروض في الخارج اصلا كان المعروض في الذهن لم‌يشم رائحة الوجود في الخارج كما يقوله كثيرون فلا معني للاتحاد و لا فائدة في ذكره ثم ما في الذهن منها حينئذ ان كان ظلا شبحيا كما نقول فقد عرض الاصيل لغير الاصيل و هو باطل اذا كانا في رتبة واحدة من الكون و الحصول و ان كان اصيلا كما يقوله المصنف و قوم بمعني صحة حصول الحقيقي في الذهن لم‌يكن هو المتحد في الخارج علي قوله و الا لخلا منه حين الاتحاد و ان كان مثله او شبحه اختلف الوجودان فلا مقابلة كما تقدم و عروض ( عرض خ‌ل ) الاصيل للشبح علي انه ان فرض في الذهن وجودان اصيل و عارض فبالعارض ثبت مفهومها و عرض لها الاصيل او بالعكس و كلاهما غير صحيح لان حصول الاصيل موجب للاتحاد فلا

 

«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 151 *»

عروض اصلا كما في الخارج و حصوله في الذهن موجب للتحديد ( للاتحاد خ‌ل ) كما تقدم من نفيه له و تنتفي فائدة العارض و كذا في العكس ايضا علي فرض الثبوت بالاصيل و العروض بالعارض و ايضا مفهومها المعروض ان كان هو الحقيقة و العارض من الوجود هو الحقيقة وجب الاتحاد عنده لتساوي الصورتين في الوجودين و ان كان مفهومهما هو الانتزاعي لزم اختلاف الوجودين باختلاف محلهما في الذهن و الخارج ، منه دام ظله .
و الانتزاعي ان خالف الاصيل فهو باطل و قد تخالفا في الاتحاد و التعدد كما تقدم سابقا و كذلك ان اختلف المفهومان في الاصالة و العرضية في العارض و المعروض فعلي كل فرض لايتوجه مما ذكر شئ غير مدخول و اراد بظرف التحليل الذهن و التعقل و المصنف لعله انما امر بالتأمل ليعرف الناظر في كلامه ان قوله فاذن يجب ان يكون الوجود شيئا توجد به الماهية للفرق بين عروضه لها و عروض الانتزاعيات لها فانها تعرض لها بعد تحققها و ذلك حيث اشار هنا و ذكر في الكتاب الكبير ان لوازمها تلحقها لذاتها من غير اعتبار وجود لها فصور معترضا بهذا نافيا للفرق بين عروض تلك الانتزاعيات لها و بين عروض الوجود لها فقال هنا في رفع الاعتراض تلك تعرض للماهية بعد تحققها و ان عرضت لها من غير اعتبار ( تحققها باعتبار خ ) آخر و لا كذلك الوجود في عروضه لها اذ لا تحقق لها بدونه في حال من الاحوال و اما نحن فقد سمعت كلامنا سابقا علي نمط ما نعتقده و نعرفه من كلام الائمة الاطهار عليهم السلام .
قال السابع من الشواهد الدالة علي هذا المطلب انهم قالوا ان وجود الاعراض في انفسها وجوداتها لموضوعاتها اي وجود العرض بعينه حلوله في موضوعه و لا شك ان حلول العرض في موضوعه امر خارجي زائد علي ماهيته و كذا الموضوع غير داخل في ماهية العرض وحدها و هو داخل في الوجود الذي هو نفس عرضيته و حلوله في ذلك الموضوع .
اقول هذا هو الاستشهاد السابع علي تحقق الوجود و ثبوته في الخارج و

 

«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 152 *»

جعل مستند دليله ما قالوا و استنباطه من قولهم بان اخذ ظاهر كلامهم فيما ارادوا و جعله فيما اراد فقال انهم جعلوا وجودات الاعراض في انفسها وجوداتها لموضوعاتها و فسر هذا بقوله اي وجود العرض بعينه حلوله في موضوعه ( موضعه خ‌ل ) فهذان كلامان الاول منهم و الثاني منه ثم رتب علي تفسيره فقال و لا شك ان حلول العرض في موضوعه امر خارجي زائد علي ماهيته و هذا الكلام الثالث منه ثم قال و كذا الموضوع غير داخل في ماهية العرض وحدها و هذا هو الرابع منه ثم قال و هو داخل في الوجود الذي هو نفس عرضيته و حلوله في ذلك الموضوع و هذا هو الخامس و استنبط الاربعة من كلامهم الاول و يريد ان حكمهم بان وجود العرض في نفسه هو وجوده لموضوعه لا معني له الا حلوله فيه و حلوله في موضوعه امر خارجي زائد علي ماهيته و هذا لا شك فيه و كذا كون الموضوع لذاته غير داخل في ماهية العرض و العرض انما دخل في الوجود بحلوله في الموضوع فاذا كان منشأ لوجوده كان احق بكونه موجودا و الا لم‌يكن علة لوجود العرض و هذا الحلول الذي هو وجوده ليس هو ماهيته و لاجزءا منها و لا منتزعا منها و الا لكان ذهنيا لانه محل النزاع ( الانتزاع خ‌ل ) و الحلول امر خارجي لا ذهني لانحصار الحصول فيهما فلو لم‌يكن في الخارج لكان نفس العرض اعني ماهيته و يأتي في كلامه بقوله لكان وجود السواد نفس سواديته هذا حاصل كلامه و انت اذا تفهمت كلامهم ظهر لك غير ما اراد و ان ( كان خ ) كل ما ذكر و ما فهم منهم مخالف لما هو الامر عليه و بيان ذلك ان الوجود عند العوام و اهل القشور هو الكون في الاعيان و الحصول فيها و عند اهل البيان الذين شاهدوا بالعيان ان الوجود ما به الكون و الحصول في الاعيان لان الذي ذكره العوام هو المعني المصدري و المصنف في عباراته و مقاصده و معرفته و استدلالاته و انظاره مضطرب فمرة فوق السماء السابعة و تارة في اسفل السافلين فتدبر في كلماتي معه تجد ما ذكرت لك عيانا و لاتظن ان بيني و بينه منافاة في شئ الا في خالص المذهب لانه يحقق مذهبه و انا احقق مذهبي لا لاجل الرد عليه و لكنه يستلزم ذلك لان كلامي مبني علي كلامه و انا اقول بما

 

«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 153 *»

حصلت من طريق ائمتي عليهم السلام فان افتريته فعلي اجرامي و انا بري‌ء مما تجرمون فقولهم ان وجود الاعراض في انفسها وجوداتها لموضوعاتها ان كانوا يعقلون ان معناه ان وجود العرض للجوهر هو حصوله له و هذا ظاهر ان حصول الحمرة في نفسها للثوب و ثبوتها له هو وجودها له لا وجودها في انفسها و اين هذا من مراد المصنف لان هذا الوجود هو المعني المصدري و المصنف لايريده و انما يريد ما به تحقق الشئ في نفسه و ثبوت شيئيته لا ثبوته لكذا و كلامه هنا في حصول العرض للجوهر لا في تحققه في نفسه و ما معني قول المصنف اي وجود العرض بنفسه حلوله في موضوعه الا كمعني قولك وجود زيد الفائض من فعل الله ( عز و جل خ ) الذي هو حقيقته الذي لم‌يذكر في كل مرتبة من مراتب الكون و التكوين الا به ( الذي خ ) يتحد به المهية في الخارج كما عند المصنف هو انه فوق الارض علي انه قال سابقا في عدم تحقق شئ بدون الوجود في الاستشهاد السادس و هذا النحو من العروض لايمكن ان يكون لمعروضه مرتبة من الكون و لا تحصل وجودي لا خارجا و لا ذهنا لايكون المسمي بذلك العارض و قبله بقليل قال عن المحصلين من اهل الحكمة مستدلا به بان اتصاف الماهية بالوجود و عروضه لها ليس اتصافا خارجيا و عروضا حلوليا بان يكون للموصوف مرتبة من التحقق و الكون ليس في تلك الرتبة مخلوطا بالاتصاف بتلك الصفة الخ ، و قبل هذا ابطل قول القائلين بالانتساب بان الاشياء وجودها انتسابها الي الواجب فان لم‌يصح ذلك الانتساب الي العلة الفاعلية كيف يصح ان يكون هو الانتساب الي شرط من شروط الظهور و القابلية فعلي ما قال لو تصور شخص الحمرة كانت موجودة في الذهن غير حاصلة في الثوب مع انها موجودة في الذهن فوجودها لو كان هو حصولها في الثوب خاصة لكان لمعروض هذا الوجود تحصل وجودي و مرتبة من الكون لايكون المسمي بذلك العارض لحصول الحمرة في الذهن غير حاصلة في الثوب

 

«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 154 *»

فان قيل انما يراد من حيث هو عرض و هو بهذه الحيثية لايتصور بدون ذلك الحلول قلنا المصنف هو القائل هنا بان وجوده هو حلوله و هو لايلحظ في الذهن كون الحلول عارضا للحمرة و انما يلحظ خروج مفهوم الحلول عن مفهومها فيكون لها تحصل بدون العارض ليعرض بعد ذلك علي متحصل و يجري هذا فيما تقدم في عارضية الوجود للماهية و الحكم في نفس الامر واحد الا ان التمثيل بالحمرة اوضح اذ لا شك ان من تعقل نفس الحمرة لا من حيث كونها عارضة فانها معني من المعاني مستقل و انما تلحقه المعروضية باعتبار آخر و هو اعتبار كونها عارضة فيعرض لها بهذا الاعتبار الحلول هذا في الظاهر و اما في الحقيقة و نفس الامر ان الذوات وجودات تحدث لها عند اختراعها بفعل الله سبحانه انفعالات هي هيئات المخترعات حين الايجادات اذ لم‌تكن في نفسها شيئا قبل الايجاد و لا ذكر لها قبله و لهذا قال الرضا عليه السلام ليونس بن عبد الرحمن تعلم ما المشية قال لا قال هي الذكر الاول الحديث ، و المشية هي الايجاد و هذه الهيئات هيئات الحركات الايجادية قائمة بها قيام احداث و متعلق هذه الهيئات هي الوجودات الكونية التي هي الحصص المشار اليها و قوابلها التي هي انفعالات تلك الحصص كحركة يد الكاتب لايجاد الكتابة فان هيئتها القائمة بها قيام احداث متعلقة بالحصص المدادية للحروف النقشية و بقابلياتها ( بقابليتها خ‌ل ) لاجزاء ( لاجراء خ‌ل ) حركة اليد و هذه الهيئات القائمة بتلك الحصص مع قوابلها لها مظاهر و آثار في الجسمانيات و تلك الآثار هي الاعراض فالحركات آثار تلك الحيوة و السكونات آثار نفاد اقتضاءاتها و طلبها و الالوان آثار تنزلاتها فالبياض من آثار العقول و الصفرة من الارواح و الخضرة من النفوس و الحمرة من الطبايع و ساير الالوان من تراكيب اسبابها و تلك العوارض احكامها في كل شئ من جهة الحقيقة صفات احكام معروضاتها مطلقا و من هنا قال الصادق عليه السلام العبودية جوهرة كنهها الربوبية فما فقد في العبودية وجد في الربوبية و ما خفي في الربوبية اصيب في العبودية قال الله تعالي سنريهم آياتنا

 

«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 155 *»

في الآفاق و في انفسهم حتي يتبين لهم انه الحق اولم‌يكف بربك انه علي كل شئ شهيد يعني موجود في غيبتك و في حضرتك الحديث ، علي ان الحكماء قالوا ان وجود الجوهر شرط لوجود العرض لانه من تمام قابليته للوجود يعنون ان الوجود ( الموجود خ‌ل ) لايتحقق و لايوجد الا بعلل اربع فاعلية و هي فعل الله سبحانه و من معطوف علي فعل الله يعني اي العلة الفاعلية يتحقق بشيئين احدهما فعل الله و ثانيهما من كان محلا لفعله كما قال عليه السلام و القي في هويتها مثاله فاظهر عنها افعاله ، منه اعلي الله مقامه .
جعله عز و جل محلا لفعله من خلقه و مادية و هي التي يخلق منها الشئ كما يخلق السرير من الخشب و هي في كل مخلوق بحسبه المجرد من مادة المجرد ( مجردة خ‌ل ) كالعقل من الوجود ( المعني خ‌ل ) و الروح من الرقيقة و النفس من الصورة الجوهرية و الطبيعة مما سبقها لانها الكسر بعد تمام الصوغ الاول و جوهر الهباء تحصيص الطبيعة بالحصص و المثال بالصور الظلية و الاجسام العلوية لا من الجسمانية و السفلية من العنصرية و الاعراض من هيئات معروضاتها اما من حيث معروضيتها او من ذاتها من حيث هي او من العرض من حيث معروضه او من حيث نفسه و اما اول فائض عن فعل الله سبحانه الكوني فمادته هي مخترعة لا من مادة مثلها بل من امكان مثلها و اما من امكان مثلها فمادته من صفة فعل الله سبحانه الامكاني اي من امكان الفعل الامكاني و سرمده و اما الفعل نفسه فلا مادة له الا نفسه كما انه خلقه الله تعالي بنفسه و اقامه بنفسه و صورية و هي في الهيئات ( من هيئات خ‌ل ) تلك الحصص الممكنات و هي للحصة الواحدة هيئات لاتتناهي و التخصيص بالمخصصات و هي الكم و الكيف و الرتبة و الجهة و المكان و الوقت و نريد بالكم هنا غير الاصطلاحي و انما نريد به قدر مادته مثلا شخص من خمسة امنان و آخر من عشرة و آخر من واحد و آخر من مثقال و هو محل الاصطلاحي ( الاصطلاح خ‌ل ) فهذه الستة اصول المشخصات و يلحقها اشياء كالاجل و الكتاب و الاذن و الوضع بمعنييه الاخيرين و هما ترتب ( تترتب خ‌ل ) اجزائه بنسبة بعضها الي بعض و بنسبتها الي الخارج الي غير ذلك لايحصيها الا الله سبحانه و لما كان العرض بعيدا من اوائل علل الاشياء كثرت علله و اسبابه التي يتوقف وجوده

 

* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 156 *»

عليها فمادته مركبة من مواد فمثل الحمرة التي مثلنا بها مادتها مركبة من بياض و صفرة كالزنجفر مثلا فانه مركب من زيبق و كبريت اصفر و صورتها التي هي قابليتها للايجاد مركب من هيئات احدها وجود جوهر تحل به كالثوب فيكون وجود الثوب متمما لقابلية الحمرة للايجاد في المعروض فوجود الثوب للحمرة من المشخصات الخارجية و لاجل هذا قال الحكماء ان وجود الجوهر من تمام قابليته للايجاد اذ لايقدر علي قبول الايجاد في الخارج الجسماني الا بوجود ما يحل فيه و كذلك اعراض المجردات بنسبتها الي المجردات فاذا طلبت معرفة وجود العرض علي نحو ما قرر المصنف في الوجود عرفت ان حلوله في الجوهر هو وجوده له اي حصوله للجوهر فيه لا ان ذلك الحلول هو حقيقة العرض كما يدعيه المصنف من انه هو الحقيقة في كل شئ و الا لكان حقيقته ( حقيقة خ‌ل ) حلوله في الجوهر و هذا لايلتفت اليه ذو عقل الا اذا كان من اهل المفهوم الذين لاينظرون الي المصداق و ما قيل “مبتدا” ان الحلول راجع الي افتقاره الي الموضوع و ذلك امر زايد علي ماهيته فحيثيته ان كانت اعتبارية لم‌يتحقق تقومه بها و ان كانت موجودة فهي المطلوب ليس “خبر” بشئ لان حيثية الافتقار انما هي في ( من خ‌ل ) اسباب القابلية و متمماتها و حدودها و هي علي مذاقهم خارجة عن الوجود و ان كانت من شرائط ظهوره و اما علي مذاقنا فهي من متممات قابليته و علي المذاقين فالافتقار غير الوجود و انما هو هيئته و الحيثية جهة له فهي ابعد من الافتقار من الوجود و قد قلنا سابقا ان الفائض من كرم الجواد عز و جل انما هو الوجود و هذا الفائض صفته ( صفة خ‌ل ) الافتقار و شأنه الحاجة و يعينه المعطي و يغنيه الغني عز و جل بالمتممات و هي حدود قابليته للايجاد و الافتقار و الحلول و الحيثية المدعاة لم‌تكن اول فائض فليست هي الوجود و انما تحققت به .
قال و هذا معني قول الحكماء في كتاب البرهان ان الموضوع مأخوذ

 

«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 157 *»

في حدود الاعراض و حكموا ايضا بان هذا من جملة المواضع التي تقع للحد زيادة علي المحدود كاخذ الدائرة في حد القوس و اخذ البناء في حد البناء .
اقول انما قالوا باخذ الموضوع في حد العرض ليس لان وجوده حلوله فيه بل انما اخذوا ذلك في العرض ليبينوا ان المحدود انما هو العارض من حيث كونه عارضا فيقولون هو الحال في المتحيز احترازا بهذه الحيثية عن تحديد نفس ماهيته اي لا من حيث كونه عارضا لانه من هذه الحيثية جوهر او كالجوهر ففي الحد يكون ذكر الموضوع ليس من المحدود فيكون زائدا و انما قالوا بذلك لان بناء امرهم في تحديد الاشياء علي مفاهيمها و مفهوم الجوهر و مفهوم العرض شئ واحد كلي فيلحقون كل حصة بما يميزها عن الاخري فهي اي الملحق بها المميز فصلها فيقولون الجوهر هو الحال في الحيز و العرض هو الحال في المتحيز فالحال جنس لهما و المميز فصل و هذا عندهم حد حقيقي و انت اذا تركت قولهم و اعتبرت بفهمك وجدت ان الحال ليس هو حقيقة الجوهر في نفس الامر و لا العرض و انما هو علي مذاقهم و اصطلاحهم عرض عام فحدهم رسمي لان الحال الذي جعل جنسا ليس هو اسم ذات و انما هو صفة فعلية فهو اسم فاعل فيكون قولهم ذلك مثل قولك الجوهر هو القاعد في الارض و العرض هو القاعد في الجوهر و ربما يلتفت احدهم الي ذوقه مع قطع نظره ( النظر خ‌ل ) عن ما قالوا فيجد ان هذا الشئ لايمكن تعريفه كما توهمه المصنف في الوجود فيما تقدم لانه انما يعرف منه ما ذكروا و ذوقه يأبي كونه حدا حقيقيا و في قولهم القوس قطعة من الدائرة فالمحدود القوس و هو جزء من بعد ( بعض خ‌ل ) الحد اعني الدائرة ففي الحد زيادة علي المحدود الا ان الحد ليس بالرسم كما في المعروض و العرض و ان قيل فيه بلزوم الدور الا انه تحديد بذاتي بخلاف المعروض و العرض حيث حدد بالحال و ليس الحلول حقيقة لواحد منهما اذ لو كان حلوله هو حقيقة وجوده و وجوده اول فائض عن الايجاد لكان حلوله الذي هو صفة فعلية منه اول فائض قبل العرض من فعل الله سبحانه فيكون الفعل في نفس الامر و في الاعتبار سابقا علي فاعله هذا خلف .

 

«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 158 *»

قال فقد علم ان عرضية العرض كالسواد اي وجوده زائد علي ماهيته فلو لم‌يكن الوجود امرا حقيقيا بل كان امرا انتزاعيا اعني الكون المصدري لكان وجود السواد نفس سواديته لا حلوله في الجسم و اذا كان وجود الاعراض و هو عرضيتها و حلولها في الموضوعات امرا زائدا علي ماهيتها الكلية فكذلك حكم الجواهر و لهذا لا قائل بالفرق .
اقول اذا علم ان عرضية العرض كالسواد زائد علي ماهيته فهذا الذي تدركه ابصارنا ما هو هل هو الحلول ام الحال و علي الاول فهل الحلول امر عقلي ام حسي فان كان عقليا فما هذا الذي نراه ببصر الحس ( الجسم خ‌ل ) و ان كان حسيا فكيف تكون فوقية السماء عقلية كما قال سابقا و يكون هذا حسيا و اي فرق بينهما و علي الثاني هل المرئي هو الماهية متحدة بالوجود ام منفردة ام الوجود منفردا فعلي الاتحاد يبطل حكمه بالوجدان المعروف بان الحال غير الحلول مغايرة لاينكرها الا مكابر لمقتضي عقله و الا لكان القعود هو القاعد و علي الانفراد يبطل قوله بالاتحاد كما تقدم مؤيدا بقوله في آخر كلامه هذا و لهذا لا قائل بالفرق و علي انه الوجود خاصة فيبطل قوله من وجوه الاول بعدم الاتحاد الذي يدعيه الثاني بالوجدان الحاكم بمغايرته للحلول و نحن لانشاهد الا الحال و الحلول انما نشاهد منه كون المرئي في الموضوع و هذا الكون غير الكائن و الثالث يلزم ان يكون الوجود هو الحال لا الحلول و هذا و ان كان حقا عندنا علي نحو ما ذكرنا سابقا من ان الشئ هو الوجود مع مشخصاته و اسباب تعينه الا انه لايقول به لانه يريد بالمتحد مع الوجود خارجا هو الماهية التي ينتزعها في الذهن و هي الهوية و هي معني غير مفهوم الوجود و لهذا يتغايران في الذهن عنده لاجل امر يشير اليه تعالي ربي و الهي عنه علوا كبيرا و لهذا الزمناه فيما تقدم بمغايرة المتحد للعارض علي رأيه الذي يجعله فيه متحدا في الخارج و في الذهن مغايرا في قوله يتحدان خارجا و يتغايران في الذهن فيدفع ( فيندفع خ‌ل ) قبيح ما يلزم من هذا بان المغايرين مفهوماهما فقلنا له فاذا لا مقابلة فينبغي ان يقول في الخارج شئ واحد و في الذهن مفهومان تغايرا فهما غير الخارجين و لاانتزعا

 

«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 159 *»

منهما فيلزم ما تقدم من عدم المقابلة و من التحديد اذا لم‌يكونا انتزاعيين و قوله فلو لم‌يكن الوجود امرا حقيقيا الي قوله لا حلوله في الجسم فيه ما تقدم مما يدل علي ان وجود السواد نفس السوادية المرئية لا حلولها الا اذا فسر الوجود بالكون في الاعيان كما تعرفه العوام و هو المعني المصدري و قوله و اذا كان وجود الاعراض الخ ، كما تقدم مكررا مرددا فان قوله زائد علي ماهيتها الكلية يعني الذهنية يلزم منه ان كل زائد علي الماهية الكلية و كان سببا للكون في الخارج هو الوجود كالعوارض الخارجية و الوقت و المكان بل و اقسام الوضع بل و وجود الاغيار كلها اشياء خارجية زائدة علي ماهية الجوهر و العرض فيجب ان يكون كل واحد منهما ( منها خ‌ل ) علي الانفراد و الانضمام هو الوجود لتوقف الكون في الاعيان عليها كما دل عليه النقل المعتبر و صحيح العقل و النظر و هذه و ان قلنا نحن بانها من الوجود لكنه لايقول به .
قال الثامن ان ما يكشف عن وجه هذا المطلب و ينور طريقه ان مراتب الشديد و الضعيف فيما يقبل الاشد و الاضعف انواع متخالفة بالفصول ( بالاصول خ‌ل ) المنطقية عندهم ففي الاشتداد الكيفي مثلا في السواد و هو حركة كيفية يلزم عليهم لو كان الوجود اعتباريا عقليا ان تتحقق انواع بلا نهاية محصورة بين حاصرين و ثبوت الملازمة كبطلان اللازم معلوم لمن تدبر و استبصر ان بازاء كل حد من حدود الاشد و الاضعف اذا كان ماهية نوعية كانت هناك ماهيات متباينة بحسب العقل و الحقيقة حسب انفراض الحدود الغير المتناهية .
اقول قد اعترض بعضهم علي المصنف في قوله عندهم بانه ان اراد بقوله عندهم عند المشائين فلايكون حجة علي المخالف و ان اراد به عند المخالف فليس بصحيح اذ ليسوا قائلين به انتهي ، يعني انهم ليسوا بقائلين بوجود مراتب متعددة متخالفة بفصولها في الشديد و الضعيف و انما كل منهما حقيقة واحدة كالمخروط الواحد فلايعتبر فيه تفاوت يتمايز بالفصول و اقول قد تقدم مما ذكرناه ان الوجود له مراتب فهي في انفسها لاتدخل في حكم الشديد و الضعيف علي فرض تحقق تخالف في مراتبهما اذ ليست السفلي من نوع العليا

 

«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 160 *»

فلا تشكيك في الحقيقة بينها ( بينهما خ‌ل ) الا في التسمية الظاهرة نعم افراد كل مرتبة و ذراتها يجري فيها التشكيك و انواع كل مرتبة في رتبة امكانها غير ما هي به في رتبة اكوانها و اما في رتبة امكانها ففيها انواع كلية لاتتناهي في اعدادها و لا في افرادها يعني فيها انواع لاتتناهي و كل نوع فرض ففيه افراد لاتتناهي و كل فرد من ذلك الامكان فهو يقبل قبل تكوينه افرادا لاتتناهي و بعد تكوينه يقبل بحسب قبوله للتغيير افرادا لاتتناهي بل و يقبل كذلك قبل التكوين و بعده بقبوله للتغيير انواعا و اجناسا لاتتناهي و اما في رتبة اكوانها فمع قبول التغيير كذلك و اما مع قطع النظر عن قبول التغيير و عن مقتضي الحكمة فالكون يضيق محله عن وجود افراد لاتتناهي لا علي ( الا علي خ‌ل ) التدريج و ذلك لضيق محلها و وقتها عن ذلك فيكون الامتناع من قبلها لا من قبل القدرة الكاملة و لهذا كانت في التدريج علي بواعث استدارة الحركات فتحركت الافلاك علي الاستدارة و المفعولات في طلبها من امدادات مباديها علي الاستدارة لان الاستدارة هي المقتضية للتدريج فقوله يلزم عليهم لو كان الوجود اعتباريا عقليا الي قوله حاصرين يلزم عليه ان العقليات ليست عدمية بما ذكرنا سابقا من النص عن الرضا عليه السلام و مما اشرنا من الدليل العقلي بل الفؤادي لانه من دليل الحكمة من انه لايمكن ان تتصور شيئا حتي تقابله بمرءاة خيالك مثلا اذا رأيت زيدا يصلي في المسجد يوم الجمعة العاشر من شهر رمضان مثلا سنة كذا لايمكن ان تذكره ما دمت حيا حتي تلتفت بمرءاة خيالك الي صورة مثاله في غيب ذلك المسجد يصلي في غيب يوم الجمعة العاشر من شهر رمضان سنة كذا فان مثاله الي يوم القيمة قد كتبه الملكان الحافظان في ذلك المكان و ذلك الوقت فاذا قابلته بتلك المرءاة انتقش شبح ذلك المثال في مرءاة خيالك فتذكره و لاتقدر ان تذكره بغير هذا الالتفات علي نحو ما قلنا فلو قلت لك اذكره و لايلتفت قلبك بمرءاة خيالك الي ذلك المكان و ذلك الوقت لكان ذكرك له مستحيلا ممتنعا

فيه تصريح بان تذكر الاشباح المتشخصة في الخيال و معه و لو لم‌يلتفت القلب الي مرءاة الخيال لكان ذكر الشخص محالا ممتنعا فتأمل في كلامه اعلي الله مقامه ، محمد بن كريم . و كذلك التعقلات الخاصة فتأمل .
لاني اريد منك

 

«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 161 *»

ان تذكر من حيث لاتذكر و كل تذكر و تعقل هكذا و لكن اكثر الناس لايعقلون فتذكرك لم‌يكن في عالم الاجسام لكنه موجود في عالم العقول و المصنف كالاكثرين لايعرفون الا ان الاعتباري عدمي نعم لو اراد صور امكاناتها لا صور اكوانها علي قولهم سكتنا عنه فقوله ان تتحقق انواع بلا نهاية محصورة بين حاصرين ينبغي ان يقيد هذا بان يقول موجودة لا بالتدريج اذ الممنوع منه كون الامور الغير المتناهية المحصورة بين حاصرين مجتمعة و اما بالتدريج فلا و اما مسئلة التناهي و عدمه فلاتبني عليها الاستدلالات الحقيقية لان من الامور الممكنة ما لاتتناهي في الامكان و ان كانت متناهية عند الواجب تعالي مثل نعم الجنة و نعيمها و اهلها و آلام النار و عذابها و شقاوة اهلها كل ذلك غير متناهية و لا منع منها و الحاصل ليس كل غير متناه باطلا بقول مطلق اذ لا محذور في عدم تناهيها و عدم انقطاعها اذا ثبت كونها محدثة متناهية الي فعل خالقها تعالي فليس بممتنع اذ ليس الفعل متناهيا ليمنع من كون اثره غير متناه فبطلان اللازم الذي ذكره غير معلوم يعرف هذا من قاعدتين اتفق الحكماء علي صحتهما و هما قولهم كل ما له اول له آخر و كل ما سبقه العدم لحقه العدم و بعد الاتفاق من المسلمين تبعا لما دل عليه النص المتواتر من الكتاب و السنة و دل عليه العقل الصحيح بدليل الحكمة ان الجنة و نعيمها و اهلها و النار و عذابها و اهلها مخلدون ابدا لم‌يلحقهم عدم و ليس لهم آخر فبمقتضي حكم القاعدتين انه لم‌يسبقهم عدم و انما سبقهم وجود و اذا قيل انه سبقهم عدم يراد منه انهم لم‌يكونوا موجودين في رتبة الازل و لان العدم ليس شيئا يتحقق له السبق و انه ليس لهم اول يعني اولا حادثا لان الاولية الحادثة من جملة تلك الحوادث و الاولية الازلية هو ذات الواجب ( الله خ‌ل ) عز و جل و هو تعالي ليس اولا لشئ و لا آخرا لشئ و انما هو سبحانه قبل القبل بلا قبل و بعد البعد بلا بعد فاليه اي الي فعله المنتهي و من فعله المبتداء و لا غاية لفعله فلايكون مفعوله مغايا

 

«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 162 *»

فاذا عرفت مرادنا من هذا الكلام كله بان ما سوي الله سبحانه لايتناهي لا في الابتداء و لا في الانتهاء الا الي فعله و صنعه عرفت انه لا معني لكون ما سوي الله سبحانه متناهيا الا انه محدث لم‌يكن في الازل ثم اخترعه و كونه في الامكان لا انه منقطع اولا و آخرا و ليس كلامي هذا قولا بقدم العالم فان لم‌تفهم منه الا القول بالقدم فاسئل الله ان يصلح وجدانك و عرفت وجود اشياء غير متناهية في الامكان اولا و آخرا الا انها لم‌تكن في مقام الاكوان مجتمعة الا علي سبيل التدريج علي اني ان شاء الله تعالي ابين لك حقيقة صحة ما يترتب علي القاعدتين من غير لزوم محذور يأتي فيما بعد و اما في مقام الامكان فكلها حاصلة فيه اي في الامكان بلا نهاية و هو العمق الاكبر و عرفت ان بطلان اللازم غير معلوم و ان علي تقدير كون الوجود امرا حقيقيا قد يلزم منه حصول اشياء لاتتناهي بل تلزم من كلامه الآتي في قوله اذا كانت الحدود فيها بالقوة لم‌يلزم محذور اصلا اذ وجود تلك الانواع التي هي بازاء الحدود او الاقسام وجود بالقوة لا بالفعل اذ الكل موجود بوجود واحد اتصالي وحدته بالفعل و كثرته بالقوة انتهي ما فر منه و اشنع لانه انما الزمهم بها و هم لايدعون وقوعها دفعة و لعلهم لو سلموا الالزام يدعون حصولها علي جهة التدريج تبعا لتنقل الذهن في الاعتبار حيث لم‌ينتقل الي جميعها دفعة و لهم ان يقولوا كما ان تحققها فرع علي الاعتبار كذلك يكون بقاؤها كذلك فيكون تحققها علي نحو التجدد و الدثور فحينئذ لا مانع من وقوعها بهذا النحو و اما هو فقد اثبت تحقق انواع لاتتناهي بالفعل علي تقدير فرض الوجود متحققا لان قوله اذ الكل موجود في حصول حصص تلك الانواع الغير المتناهية بالفعل متحققة ثابتة الا انها لم‌يرتبط ( لم‌ترتبط خ‌ل ) بها فصولها فقد حقق جميع الحصص و ان كانت بوجود واحد مع انه لايرضي بتحقق الحصص و لا جنسها قبل الفصول بل ظاهر كلامه في الكتاب ( كتابه خ‌ل ) الكبير ان لها في انفسها تحققا ما قبل الفصول و ان توقف تمييزها ( تميزها خ‌ل ) و حصولها علي الفصول ففي فرض الاعتباري منع من تحقق انواع لاتتناهي مع انه يقول بثبوتها بالتحققي اذا وجدت فصولها او مطلقا فكذلك بالاعتباري اذا

 

«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 163 *»

اعتبرت فصولها فانه هو وجودها كالتحققي فاذا اعتبرت وجدت خارجا بالطريق الاولي اذ يمكن في الاعتبار ما لايمكن في التحقق و لايلزم من اعتبار الاعتباري تحققها الاجتماعي كما لايلزم علي التحققي لان الاعتباري علي فرضه لايكون اقوي من التحققي ليلزم منه تحقق ما لايتناهي مجتمعا بل انما هو تابع للتحققي او مساو له فبنسبة ما يعتبر التحققي يعتبر الاعتباري و نحن و ان لم‌نقل بالاعتباري مع ان الاعتباري عندنا كله وجودي الا انه ظلي انتزاعي من الخارجي كما ذكرنا مرارا نعم قد قلنا ان الذهني الذي في ذهن علة الموجودات صلي الله علي محمد و آله و ان كان مما فوقه افيض عليه لكنه علة لما تحته بالله سبحانه و ما في ذهنه هي وجوه الاشياء الباقية اي وجوه باقية للاشياء الهالكة كما اشار اليه سبحانه في مواضع من كتابه قال تعالي كل شئ هالك الا وجهه و قال تعالي قد علمنا ما تنقص الارض منهم و عندنا كتاب حفيظ و قال تعالي حكاية عن موسي عليه السلام و فرعون في سؤاله قال فما بال القرون الاولي قال علمها عند ربي في كتاب لايضل ربي و لاينسي و هم عليهم السلام العند و الكتاب فافهم لانا انما نقول بالتحققي الحادث الخالص لا المطلق المشوب و لا الحق الخالص عز و جل و مع ذلك كله فقوله في هذا الاستشهاد ليس بمستقيم لانه اثبت فيه الكل و الزم القائلين بالاعتباري بما لايلزمهم و لايضرهم و نحن نقول بان اهل الاعتباري غير معتبرين و لا دليل لهم الا التخمين و ما هم بمستيقنين و انما تكلمنا علي كلام المصنف لانه يدعي ان استدلالاته ليست من الابحاث الحكمية و لا من التخيلات الصوفية و الفاظ استدلالاته و نمطها من تلك الابحاث الحكمية بعينها و معاني كلامه و مقاصده و مراداته من تخيلات الصوفية فانهم لايتجاوزون في تخيلاتهم ما يخيل ( تخيل خ‌ل ) و انما حذا حذوهم و قال بقولهم بعبارات الحكماء و استدلالاتهم علي ان اهل القول بالاعتباري لايحتاج في رد قولهم الي هذه التمحلات بل يكفي في رد كلامهم ان الاعتباري هو عدم ام ضده فان كان عدما فكيف يصدر عنه ضده و ان كان ضد العدم فقد وافقوا فليجيبوا بما شاءوا يخصموا .

 

«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 164 *»

قال فلو كان الوجود امرا عقليا نسبيا كان تعدده بتعدد المعاني المتمايزة المتخالفة الماهيات فيلزم ما ذكرناه نعم اذا كان للوجود وجود واحد و صورة واحدة اتصالية كما هو شأن المتصلات الكمية القارة او غير القارة اذا كانت الحدود فيها بالقوة لم‌يلزم محذور اصلا اذ وجود تلك الانواع التي هي بازاء الحدود او الاقسام وجود بالقوة لا بالفعل اذ الكل موجود بوجود واحد اتصالي وحدته بالفعل و كثرته بالقوة فاذا لم‌يكن للوجود صورة عينية كان الخلف لازما و الاشكال قائما .
اقول يريد ان الامر العقلي النسبي ذهني و الذهن محل التكثرات لانه محل التحليل العقلي و لهذا مع حكمه بالاتحاد خارجا حكم بالتغاير ذهنا فيلزم ان كل ما اعتبر ذهنا وجد خارجا لان الاعتباري هو به وجود ما اعتبر في الخارج فيلزم ما ذكره من وجود الانواع الغير المتناهية خارجا بقي هنا شئ و هو انه ما المراد بهذا الوجود الاعتباري و ما هو فان اريد به اي بكونه وجودا للخارجي انه بنفسه لا باعتبار معتبر و انما الاعتبار دليل معرفته كان محصل ذلك ان الاشياء موجودة في الخارج لكن لما لم‌يكن غير ما يسمي بالوجود موجودا بنفسه لماعلم ان الوجود موجود بنفسه و غيره موجود به و لم‌يعقل شئ غير الموجود وجب فرض شئ وجدت به الاشياء و لما كان ما توجد به الاشياء يستحق اسم الوجود مراعاة في التسمية لجهة الاشتقاق سمي ذلك الامر الفرضي وجودا و ان لم‌يكن شيئا متحققا و ان اريد به انه عبارة عن اعتبار كونها موجودة كان محصل ذلك انها بموجوديتها وجدت لان الموجودية عبارة عن التأثر بتأثير فعل الله تعالي و تلك الموجودية علي قاعدتهم من المعقولات الثانوية و ان اريد به ما حصل في الذهن كان المراد منه اما العارض من مفهوم الوجود علي مفهوم الماهية و اما مطلق مفهومه و العارض اما العرضي و اما الذاتي و اما المعني المصدري فعلي ارادة الاول فمع كون الاعتباري امرا وجوديا خارجيا لم‌يناف مذهب المصنف الا في بعض التعبيرات كقول انه اعتباري و قول انه تحققي و يتفقان في انه غير مكتنه و لا مدرك كما تقدم في ( من خ‌ل )

 

«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 165 *»

قول المصنف و ماهيته اخفاها تصورا و اكتناها و مع كونه وجوديا ذهنا ( ذهنيا خ‌ل ) فيأتي في الثالث و مع كونه عدميا و ان قيل بموجودية الاعتباري و لم‌يرد به الكناية عن اتحاد الوجود و الموجود يكون بديهي البطلان اذ لا شئ لايحدث الشئ و لا يكون علة له و لا من متممات علله ما لم‌يأول بعدم المانع و علي ارادة الثاني فمع كون الموجودية متحققة في الخارج يكون المراد بذلك اما ما اراده المصنف و اما ما اراده اهل الانتساب و اما ما اراده اهل الهيولي لان القائلين بان الوجود هو الهيولي لهم فيه مذاقات فمنهم من يحصره في المواد خاصة و منهم من يفصل و نحن منهم بان نقول الوجود الموصوفي منه المادة و الوجود الصفتي منه الصورة و الشئ هو المركب منهما فالتأثر هو الصفتي و هو القابلية و ما لها من المتممات و المكملات من الهندسة الباطنة و الظاهرة كما تقدم و هذا المركب هو الموجود و له اعتبارات ثلاث فباعتبار كونه اثرا نور و وجود و باعتبار انه هو ماهية و ظلمة و المعني المصدري صفة ظهوره ( لظهوره خ‌ل ) و هو المعبر عنه بالكون في الاعيان و هذا المعني يراد منه احد معنيين احدهما الظاهري المعبر عنه بالفارسية بالهست ضد نيست و الثاني المعنوي و هو ما به الكون و هو الشئ بجملته و هنا ( هذا خ‌ل ) الكون و الحصول يراد منه نفس الشئ و مع كونها من المعقولات الثانية فعلي القول بوجودها او بعدميتها تقدمت الاشارة اليه و علي انها امر ذهني فهي كسائر الامور الذهنية و ان اريد به ما حصل في الذهن و للمبني عليه من الذهني اعتباران احدهما ان الذهني قسم من الوجود بمعني انه ينقسم في نفسه الي قسمين و ذلك لانه انقسم باعتبار محله لان محال الاكوان باعتبار الحال فيها منها فمنهم من قال الذوات محالها جواهر و الصفات محالها اعراض و منهم من قال الغيب ذاتياتها محالها جواهر مجردة و صفاتياتها محالها اعراض مجردة و الشهادة ذاتياتها محالها جسمانيات و اجسام و صفاتياتها ( محالها خ ) غير مجردة فما كان من الصفات مطلقا من نوع الاشباح الهندسية فمحالها الاعراض الصقيلة كالذهن للاشباح المجردة و كالمرءاة و الماء و ما اشبههما من اعراض الاشياء

 

«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 166 *»

المادية الصقيلة للاشباح الحالة بالماديات كالصورة في المرءاة و الماء و الاشياء ( و المادة في الاشباح خ‌ل ) الصقيلة كالحديد المصقول و غيره و ما من نوع الاشباح الظلية فمحالها اعراض الماديات الكثيفة كالجدار للنور و الهواء للكلام فعلي هذا يكون الذهن محلا للصفات المجردة فتكون منتزعة من الخارجي و لما كان المحل لايصلح للماديات لانه مجرد كان ما يحل فيه و ينتقش من نوعه و ان كان منتزعا من الاجسام فيتساوي فيه المنتزع من الماديات و المجردات لانه من مرايا عالم الغيب و انما خلقه الله تعالي لذلك لان نظام النوع الانساني المدني الطبع الجامع للشئون المتكثرة المتعددة التي لايفي بها الشخص منهم لنفسه و لا بمثله بل لا بد له من مخالطة ابناء النوع طوي الله سبحانه له المتفرقات في استحضارها بوضع مرءاة عنده تجمع له صفات مطالبه من غير مشقة السعي الي استحضارها بانفسها لان ذلك متعسر او متعذر و ذلك لان غرضه ليس في نفس اشباحها و صورها ليكون ما حصل له في ذهنه هو مطلوبه فاذا تصوره تم له مطلوبه و انما مطلوبه الامر الخارجي و لذا حكمنا بان جميع ما في اذهاننا ظلية انتزاعية و ثانيهما ان ما حصل في الذهن منه ما هو اصيل و هو حقيقة الشئ الخارجي عندهم و معناه مجردا عن العوارض الخارجية و لهذا لا فرق بين الوجودين الا ترتب الاحكام الخارجية و آثار الحقايق المتحققة فالخارجي ما تترتب عليه الاحكام و الآثار و الذهني ما لاتترتب عليه و لايراد منهما الا هذا عندهم و منه ما هو منتزع كما ذكر الاولون و المصنف من اهل القول الثاني و نحن قائلون بالاول فعلي الثاني ان اريد بالوجود الاعتباري العارض للماهية سواء كان هو العرضي ام الاصيل فانما يعرض لها من حيث هي لا من حيث كونها موجودة و لا من حيث كونها معدومة فلايكون مؤثرا فيها لعدم ترتب آثار الذهني و انما عرض لها لملاحظة تكونها به فهي متعلق التكوين به فعرض مفهومه علي مفهومها و المعني المصدري حدث فعلي انما يصدر عن متحقق و لو بالذهني و علي اي فرض اعتبر يكون غير مؤثر عند المصنف و موافقيه و اما اهل الاعتبار فيصدق الاعتباري عندهم علي ما يظهر من اطلاقهم علي ما سوي

 

«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 167 *»

المتحقق الخارجي و لا شك ان الاعتباري و ما يترتب عليه من الامور الاعتبارية الغير الخارجية المتحققة لاتترتب ( لاترتب خ‌ل ) عليها آثار خارجية عند المصنف و موافقيه و عندنا في اغلب الاحوال بناء منا علي ان ما في الاذهان ظلي انتزاعي غير متأصل اذ لو فرضنا نحن حصول الاصيل في اذهاننا كما نحكم به علي ما في ذهن علة الوجود و محل الايجاد حكمنا بحصول آثاره في الخارج بل نقول لانه ( انه خ‌ل ) لا تأثير لغيره الا به كما اشرنا اليه مرارا في شرح‌الزيارة الجامعة و من قال بتأثير الاعتباري منهم من يري ان تأثيره ايضا اعتباري لانه يري ان وجودات جميع ( جميع موجودات خ‌ل ) ما سوي الله سبحانه اعتباري موهوم لا تحقق له اصلا لا خارجا و لا ذهنا و لهذا قال شاعرهم :
كل ما في الكون وهم او خيال       ** * **      او عكوس في المرايا او ظلال
فجعل الحادث و وجوده و ماهيته و جميع شئونه موهومة و منهم من يري ان تأثيره امر متحقق في الخارج و علي كل فرض فهو قول باطل اما علي الرأي الاول و هو لاهل التصوف فارادوا ( فان ارادوا خ‌ل ) بالاعتباري في المؤثر و الاثر ان معناه عدم استقلاله بنفسه و انما الكل في الحقيقة قائم بامر الله سبحانه علي الدوام قيام صدور و نسبة التحقق اليه بالاعتبار مع عدم ملاحظة تقومها بامره تعالي فلا استقلال لها و لا شيئية بنفسها بحال من الاحوال فكلامهم بهذا المعني صحيح و ان ارادوا به عدم تحققها في انفسها في رتبة امكانها فباطل لمخالفته الوجدان لانه مكابرة لمقتضي العقول و من اثبت تحققها في الخارج بالاعتباري الغير المتحقق فباطل لما تقرر من ان العلة اقوي من المعلول و لايصح العكس لعدم صحة ابتناء القوي علي الضعيف فعلي قولهم من ان الاعتباري عدمي يلزم بناء الشئ علي لاشئ و علي قولنا يلزم بناء القوي علي الضعيف و كلاهما باطل و لايرد علينا ترتب ما بالفعل علي ما بالقوة لان ما بالفعل انما ترتب علي ما بالقوة لان ما بالقوة مترتب علي ما بالفعل ففي الحقيقة ما بالفعل مترتب علي ما بالفعل و الا لزم في سلسلة العود ان يعود ما بالفعل الي ما بالقوة كما في حال البدء و

 

«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 168 *»

النزول و انما لم‌نوافق المصنف لعدم صحة ابطاله لا تصحيحا لدعواهم فان قوله بلزوم تحقق انواع بلا نهاية غير ملزم لان تحقق الانواع الغير المتناهية انما يكون علي فرض اعتبار الاعتباري و قد قرروا ان الاعتباري ينقطع بانقطاع الاعتبار و التأثير منوط بدوام الاعتباري فافهم فلايلزم من كونه اعتباريا ما ذكر من تحقق ما لايتناهي لما قلنا من انه ليس اقوي من التحققي في التأثير و لان تحققه اي الاعتباري انما ( هو خ ) بالاعتبار و هو اي الاعتبار تدريجي فيكون ما يترتب عليه تدريجيا و لانه ينقطع بانقطاع الاعتبار كما قالوا مع ( ان خ ) ذلك المحذور لازم علي قول المصنف كما ذكرنا سابقا فقوله فاذا لم‌يكن للوجود صورة عينية كان الخلف لازما و الاشكال قائما ، صحيح لا من حيث كونه مبنيا علي دليله السابق بل من حيث كونه منافيا للوجدان و الاحساس و الضرورة .
قال ذكر كلمات في دفع شكوك اوردت علي عينية الوجود ان للمحجوبين عن مشاهدة نور الوجود الفائض علي كل ممكن موجود و الجاحدين لاضواء شمس الحقيقة المنبسطة علي كل ماهية امكانية حجبا وهمية و حججا قوية كشفناها و ازحنا ظلمتها و فككنا عقدتها و حللنا اشكالها باذن الله الحكيم العليم .

اقول اراد ان يذكر بعض حجج النافين لتحقق الوجود في الخارج مثل شيخ الاشراق و غيره القائلين بانه اعتباري و منهم ابوجعفر الطوسي في التجريد حيث قال و الوجود من المحمولات المعقولة ( العقلية خ‌ل ) لامتناع استغنائه عن المحل و حصوله فيه و العلامة الحلي رحمه الله في شرح كلام الطوسي هذا قال اقول الوجود ليس من الامور النسبية بل هو من المحمولات العقلية الصرفة و تقريره انه لو كان ثابتا في الاعيان لم‌يخل اما ان يكون نفس الماهيات الصادق عليها او مغايرا لها و القسمان باطلان اما الاول فلما تقدم من انه زايد علي الماهية و مشترك بين المختلفات فلايكون نفسها و اما الثاني فاما ان يكون جوهرا او عرضا و الاول ظاهر و الا لم‌يكن صفة لغيره و الثاني باطل لان كل عرض فهو حاصل في المحل و حصوله في المحل نوع من الوجود فيكون للوجود وجود

 

«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 169 *»

هذا خلف و يلزم تأخره عن محله و تقدمه عليه هذا خلف انتهي ، قال الماتن (ره‌) و هو من المعقولات الثانية قال العلامة (ره‌) اقول الوجود كالشيئية من المعقولات الثانية و ليس الوجود ماهية خارجة علي ما بيناه بل هو امر عقلي يعرض للماهيات و هو من المعقولات الثانية المستندة الي المعقولات الاولي و ليس في الموجودات شئ هو وجود او شئ بل الموجود اما انسان او حجر او غيرهما ثم تلزم معقولية ذلك ان يكون موجودا انتهي ، و يأتي بعض ما استدل عليه هؤلاء مثل شيخ الاشراق و قول صاحب التجريد ان الوجود من المحمولات العقلية لامتناع استغنائه عن المحل و حصوله فيه يريد به ان الوجود مفهوم وصفي و هو المعني المصدري اللاحق للمعقولات الاولي و لهذا قال و هو من المعقولات الثانية و لا ريب انه بهذا المعني يكون عن غيره لا ان غيره يكون به لانه من الصفات اللاحقة لوجود موصوفاتها و هي كائنة بموصوفاتها او تابعة لها في كونها او مكونات بها و الحاصل من هذا المذكور ليس هو الوجود الذي تحققت به الاشياء و قول العلامة في بيانه لو كان ثابتا في الاعيان لم‌يخل اما ان يكون نفس الماهيات الصادق عليها الخ ، يكون هو نفس الماهيات بنوعيه الموصوفي و الصفتي فهو بنوعيه الموجود و لانسلم كونه زايدا و التركيب انما هو من نوعيه و ليس لها مغايرا ( مغايرا لها خ‌ل ) الا مغايرة الاجزاء للكل هذا في الظاهر و اما في نفس الامر فمغايرته لها بلحاظين فبلحاظ كونه اثرا هو وجود و بلحاظ هويته من حيث هو هو ماهية فليس الوجود ما اشاروا اليه لان هذه التصورات التي استندوا اليها كلها موهومة مأخوذة صناعية من مفاد حمل الالفاظ بعضها علي بعض من غير ملاحظة مطابقتها و عدمها و قوله بعد هذا في المتن و اذا حكم الذهن علي الامور الخارجية بمثلها وجب التطابق في صحيحه و الا فلا و يكون صحيحه باعتبار مطابقته لما في نفس الامر لامكان تصور الكواذب فاعترض عليه العلامة مشافهة بحصر نفس الامر في الذهني و الخارجي و قد منع منهما هنا فاجاب المراد بنفس الامر هو العقل الفعال فاعترضه بانه يلزم الحكماء القول بانتقاش الصور الكاذبة في العقل الفعال

 

«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 170 *»

لانهم استدلوا علي ثبوته بالفرق بين النسيان و السهو فان السهو زوال الصورة المعقولة عن الجوهر العاقل و ارتسامها في الحافظة لها و النسيان زوالها عنهما معا و هذا يتأتي في الصور المحسوسة اما المعقولة فان سبب النسيان هو زوال الاستعداد بزوال المفيد للعلم في باب التصورات و التصديقات و هاتان الحالتان قد تعرضان في الاحكام الكاذبة فلم‌يأت فيه بمقنع انتهي ، يعني لم‌يأت في هذا الاعتراض بجواب مقنع و ذلك لان جوابه الاول ليس بصحيح و هو تفسير نفس الامر بالعقل الفعال و الجواب ان العلم لايخرج عن الذهني و الخارجي و انما المراد بنفس الامر ما ثبت حكمه بالدليل من الذهني او الخارجي و هو ما عند الله عز و جل من الحكم التشريعي كما في قوله تعالي فان لم‌يأتوا بالشهداء فاولئك عند الله هم الكاذبون فكذبهم لمخالفة التشريعي و ان طابق قولهم التكويني و من الحكم التكويني كما في قوله تعالي و الله يشهد ان المنافقين لكاذبون فكذبهم لمخالفة التكويني لبناء فطرتهم المبدلة و المغيرة علي مخالفة ما استيقنتها انفسهم و ان طابق قولهم التشريعي فقوله في المتن و يكون صحيحة لمطابقته لما في نفس الامر و قول الشارح تبعا لقوله صريح في بطلان ما ذهبا اليه و من وافقهما لما قلنا من استنادهم الي تصورات موهومة صناعية مخالفة لما في نفس الامر فقول المصنف ان للمحجوبين عن مشاهدة نور الوجود الي قوله حجبا وهمية صحيح و الله سبحانه يهدي من يشاء الي صراط مستقيم و قول العلامة (ره‌) و اما الثاني فاما ان يكون جوهرا او عرضا الخ ، فيه ان الجوهر من الوجود الموصوفي و العرض من الوجود الصفتي و الموصوف محل الصفة و هي متأخرة عنه و لايلزم ان يكون للوجود وجود جوهره و عرضه اذ لا فرق بينهما .
قال سؤال ان الوجود لو كان حاصلا في الاعيان لكان موجودا فله ايضا وجود و لوجوده وجود آخر الي غير النهاية .

اقول هذا السؤال من شيخ الاشراق و هو استدلال بابطال النقيض فاجابه المصنف فقال جوابه ( جواب خ‌ل ) انه ان اريد بالموجود ما يقوم به الوجود

 

«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 171 *»

فهو ممتنع اذ لا شئ في العالم موجود بهذا المعني لا الماهية و لا الوجود اما الماهية فلما اشرنا اليه من انه لا قيام للوجود بها و اما الوجود فلامتناع ان يقوم الشئ بنفسه و اللازم باطل فكذا الملزوم . اقول قوله ما يقوم به الوجود يريد انه لو كان شئ يقوم به الوجود لزم ان يكون متحققا قبل قيام الوجود و قد تقدم بطلان اللازم فيبطل الملزوم و هذا جار في كل شئ اما الماهية فليست شيئا قبل الوجود و هو قوله فلما اشرنا اليه من انه لا قيام للوجود بها و اما الوجود فلو فرض قيامه بنفسه لزم تقدم نفسه عليه و هو باطل و قوله و اما الوجود فلامتناع ان يقوم الشئ بنفسه فيه رد لما في السؤال من قوله فله ايضا وجود و لوجوده وجود يعني انه قد ثبث فيما سبق ان الوجود بنفسه وجد لا بوجود آخر لانه لا تعدد فيه فاذا فرض قيام الوجود به فهو فرض لقيامه بنفسه و هو ممتنع و هؤلاء يزعمون ان ما به الانوجاد اعتباري فاذا فرض وجود في الخارج و جوزتموه فلايكون الا موجودا بوجود خارجي و هذا الخارجي كالاول فيتسلسل و لا كذلك لو كان اعتباريا فنقول ان قولكم ان زيدا انما كان موجودا بمعقولية وجوده ، فيه ان هذه المعقولية تتوقف معقوليتها علي معقولية اخري الي غير النهاية فان كانت المعقولية الاولي معقولية ( معقولة خ‌ل ) بما هي معقولة لا باخري فالخارجي موجود بما هو موجود علي انا لانعني بالوجود الحصول المعروف الذي هو الكون في الاعيان كما فهمتم لان المعني المصدري نسبي و ان اطلق عليه المصنف بعض عباراته لان الحصول الذي يراد به الشئ غير الحصول الذي يراد به حصول الشئ في كذا او لكذا فالوجود عندنا اذا اطلقنا عليه الحصول نريد به الحصول بالمعني الاول الذي هو الشئ لا الذي هو النسبة و هو بمعني الشئ لايقوم بنفسه و لو فرض فرد من افراده قائم بآخر و ان تغايرا لم‌يجز ذلك لان المفروض انه فرد من الوجود فهو جزء او جزئي منه فلايغاير حكم كله او كليه فيما هو مقتضي طبيعته و الا لم‌يكن وجودا بل يكون ماهية و هو خلاف المفروض

 

«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 172 *»

و قول المصنف اذ لا شئ في العالم بهذا المعني موجود ، فيه انه لو اريد بالوجود الحصول الذي هو النسبة و المعني المعبر عنه بالفارسية بهست لم‌يخل شئ من العالم عن متصف به منسوب به او اليه مع انه كثيرا ما يطلق الوجود الذي هو الحقيقة في كل شئ و يريد ان هذا المعني الذي هو الحصول النسبي و المعبر عنه بالفارسية بهست يصدق عليه و عبارات القوم اكثرها علي هذا النمط و قد صدق في حقهم قول سيد الوصيين اميرالمؤمنين عليه السلام ذهب من ذهب الي غيرنا الي عيون كدرة يفرغ بعضها في بعض الحديث ، و قد تقدم فاين هذا المعني من حقيقة الشئ و لكن اكثرهم لايعلمون .

قال بل نقول ان اريد بالوجود هذا المعني اي ما يقوم به الوجود نلتزم ان يكون الوجود معدوما بهذا المعني فان الشئ لايقوم بنفسه كما ان البياض ليس بذي بياض انما الذي ذو بياض كالجسم او المادة و كونه معدوما بهذا المعني لايوجب اتصاف الشئ بنقيضه لان نقيض الوجود هو العدم او اللاوجود لا المعدوم او اللاموجود و قد اعتبرت في التناقض وحدة الحمل مواطاة او اشتقاقا .
اقول يريد انا نلتزم بطلان التالي اي لم‌يكن موجودا بهذا المعني من كونه قائما بالوجود المستلزم لبطلان المقدم اي لم‌يكن حاصلا بهذا المعني في الاعيان و نلتزم انه معدوم بهذا المعني و ذلك لاينافي ما نقول به لانا نقول ان الشئ لايقوم بنفسه كما ان البياض ذو بياض معدوم بهذا المعني لان الموجود ان الجسم ذو بياض و البياض بياض بنفسه ثم استشعر اعتراضا و هو انكم اذا قلتم بان الوجود بهذا المعني معدوم كان موجبا لاتصاف الشئ بنقيضه و هو باطل فيلزمكم ان الوجود بهذا المعني موجود و الا كان متصفا بنقيضه فاجاب بقوله و كونه اي الوجود معدوما بهذا المعني لايوجب اتصاف الشئ بنقيضه لان الوجود نقيضه العدم او اللاوجود و اما المعدوم او اللاوجود فليس بنقيض للوجود لاشتراط وحدة الحمل فاذا كان احد النقيضين محمولا بالمواطاة يجب ان يكون الآخر بالمواطاة مثل وجود نقيضه عدم و اللاوجود او بالاشتقاق مثل

 

«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 173 *»

موجود نقيضه معدوم و اللاموجود ( و خ ) اما اذا كان احدهما بالمواطاة مثل وجود و الآخر بالاشتقاق مثل معدوم و اللاموجود فان الآخر و هو ما بالاشتقاق ليس نقيضا لما بالمواطاة لانه اي العدم انما هو محمول في ضمن معدوم فاختلفت الوحدة التي هي شرط التناقض بالاتحاد و انما التزم بكون الوجود معدوما بهذا المعني الذي ذكروه مع انه لا فائدة فيه تنصيصا علي دعواه و تأكيدا لمقتضي دليله .