02-27 جوامع الکلم المجلد الثانی – جواب بعض الاخوان من اصفهان ـ مقابله

رسالة فی جواب بعض الاخوان من اصفهان

 

من مصنفات الشیخ الاجل الاوحد المرحوم

الشیخ احمدبن زین الدین الاحسائی اعلی الله مقامه

 

«* جوامع الکلم جلد 2 صفحه 572 *»

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد للّه رب العالمين و صلي اللّه علي محمد و اله الطاهرين.

اما بعد فيقول العبد المسكين احمد بن زين‌الدين الاحساۤئي انه قد اتت الي بعض المسائل من بلد الامان و الايمان اصفهان حرسها اللّه من طوارق الحدثان من بعض الاخوان حفظه اللّه من نواۤئب الزمان باحاديث مشكلة يريد فيها البيان و كان القلب غير مجتمع و البال متشتِّتاً و لكن لايسقط الميسور بالمعسور و الي اللّه سبحانه ترجع الامور .

فمنها صحيح عاصم بن حميد عن ابي‌عبداللّه (ع‌) قال ذاكرت اباعبداللّه (ع‌) فيما يروون من الرؤية فقال (ع‌) الشمس جزء من سبعين جزءاً من نور الكرسي و الكرسي جزء من سبعين جزءاً من نور العرش و العرش جزء من سبعين جزءاً من نور الحجاب و الحجاب جزء من سبعين جزءاً من نور الستر فان كانوا صادقين فليملئوا اعينهم من الشمس ليس دونها سحاب .

اقول المقام يقتضي في بيان هذا الحديث الشريف اوجهاً ثلاثة الاول ما هذه الانوار الثاني كيف كانت خمسة الثالث لم كانت نسبة الانوار بعضها الي بعض سبعين ، فالاول اعلم وفّقك اللّه تعالي ان المراد بالكرسي نفس فلك البروج و هو العلم الظاهر الذي احاط بكل شي‌ءٍ قال اللّه تعالي وسع كرسيّه السموات و الارض و المراد بالعرش نفس فلك محدّد الجهات و هو العلم الباطن و هو علم الكيفوفة و علل الاشياۤء و مصدر البداۤء و المراد بالحجاب منازل الكَرُوبيّين و هم هياكل التوحيد التي اشار اليها اميرالمؤمنين عليه السلام لكميل بن زياد و اشار الصادق (ع‌) اليهم كما رواه الصفار في البصاۤئر بسنده عنه و قد سئل عن الكروبيين فقال قوم من شيْعتِنا من الخلق الاوّل جعلهم اللّه خلف العرش لو قسم نور واحدٍ منهم علي اهل الارض لكفاهم و لمّا سأل موسي (ع‌) ربّه ما سئل امر

 

«* جوامع الکلم جلد 2 صفحه 573 *»

رجلاً من الكروبيّين فتجلّي للجبل فجعله دكّاً و المراد بالسِّتْر نور العظمة و الجمال و هو اوّل مقام من الوجود المقيد و هو الذي قال اللّه تعالي ذكره فكان قاب قوسين و في الدعاۤء اسئلك باسمك الذي اشرقت به السموات و الارضون .

و اما الوجه الثاني فاعلم انه عليه السلام انما ذكر هذه الخمسة لان ادني الانوار التي لايقدرون علي النظر اليها هو الشمس و اعلاها ممّا لاتسارع العقول الي انكاره هو الستر و المراد بها الانوار المتناسبة كل واحد الي ما فوقه واحد من سبعين و الا فلو كان المراد مجرّد التناسب لكان تحت ذلك مثله فقد روي ان السكينة جزء من سبعين جزءاً من نور الزهرة و الزهرة جزء من سبعين جزءاً من نور القمر و القمر جزء من سبعين جزءاً من نور الشمس و كذلك فوق الستر و لا خصوصيّة في هذا العدد و لا فائدة هنا فيه .

و امّا الوجه الثالث فاعلم ان عدد السبعين في الحديث يراد منه امر ظاهري و امر حقيقي فامّا الظاهري فاعلم انه قد يطلقون العدد و لايكون مراداً بخصوصه و انما يراد به مجرد الكثرة و هذا كثير في الروايات و في القرءان مثل انهم كعدة بني‌اسراۤئيل سبعين الفاً او يزيدون و هذا يراد به مجرد الكثرة يدل عليه ما ذكر في قصّة موسي (ع‌) و حيلة بلعم ابن باعورا لمّا طلب منه الجبارون الدّعاۤء علي موسي و قومه فانسلخ الاسم من لسانه فاحتال لهم و قال زيّنوا نساۤءكم و بناتكم وأمروهن يمضين الي عسكر موسي و اوصوهن ألّاتمنع جارية احداً يريدها و انا ارجو انهم يزنون بهن و مافشي الزنا في قوم الا حلّ بهم الطاعون ففعلوا فحلّ فيهم الطاعون و كان سيّاف موسي (ع‌) تلك الساعة غائباً و اسمه الفِنْحاص بن العَيْزار فاتي فلما رأي ذلك عمد الي شلوم بن زمرير و هو معانق لكُشتا بنت صور من القوم الجبارين فانتظمهما بحربة معه فرفعهما في الهواۤء و قال يا رب هذا يرضيك فرفع الطاعُون فحسب المفقود من الطاعُون من قوم موسي في ساعة واحدة سبعين الفاً و كذلك في قوله تعالي فماٰامن لموسي الا ذريّة من قومه علي خوف من فرعون و ملأهم اي آباۤئهم لِاَنّ الطّاۤئفة المؤمنة الاولاد الصغار من بني‌اسرائيل و كانوا ستمائة‌الف كذا قيل و قيل الكل

 

«* جوامع الکلم جلد 2 صفحه 574 *»

ستّمائة‌الف فاذا كانت الاولاد ستمائة‌الف فكيف يكون الجميع سبعين‌الفاً و انما يراد منه مجرّد الكثرة و كذلك في قوم يونس (ع‌) و المراد بالسبعين هنا هذا المعني لان السبعين علي المعني الباطن صحيح و لكن هذه النسبة باعتبار التشكيك في الشدة و الضعف و اما في الكم فلايدخل عده تحت علمنا و ستسمعه ان شاۤء اللّه تعالي .

و اما وجه الحقيقي في عدد السبعين فاعلم ان اوّل فرد من الاعداد هو الثلاثة و هو عدد كل فرد من معدن و نبات و حيوان و ذلك عدد الكيان اذ كل فرد فله عقل و نفس و جسد و اعلم ايضاً ان اول زوجٍ الاربعة و كل فرد ممّا ذكر فهو مربّع الكيفية حرارة و رطوبة و برودة و يبوسة فكل فرد فهو ذو سبعة مثلّث الكيان مربع الكيفيّة فكانت السبعة هي العدد الكامل فجري في الاصول لقوله تعالي انّ ربّي علي صراط مستقيم يجري صنعه بامرٍ محكم و قضاۤء مبرم و علم متقن فلذلك كانت السموات سبعاً و الارضون سبعاً و الايام سبعة و الانبياۤء اولوا الشراۤئع سبعة الي غير ذلك و السبعة في مرتبة الاصول و العلل ثم لمّا كانت المعلولات في الوجود الثاني بالنسبة الي عللها فكانت الفاعلية في المرتبة الاولي و هي مرتبة الاحاد و كانت المفعولية في مرتبة العشرات فكان اعتبار السبعة في الاولي سبعين في الثانية فكانت العلة في الشدة سبعين و المعلول في الضعف واحدا فان قيل فاذا كانت السبعة في المرتبة الثانية سبعين و هي نسبة رتبة المعلول من العلة ينبغي ان يكون واحداً من عشرة[1] لا واحدا من سبعين قلنا

 

«* جوامع الکلم جلد 2 صفحه 575 *»

لما كان المعلول لايتكون من سنخ العلّة و انما يتكون من فعلها في رتبته لا في رتبة العلة لان رتبة الفعل في رتبة المفعول فاذا قلت زيد ضرب ضربا كان ضرب في رتبة ضرباً لان الفعل انما قام بزيد قيام صدور لا قيام عروض و لايستند الي زيد و انما يستند الي جهة ظهور زيد بالضرب و ذلك هو حقيقة ضرب و هو نفسه ففي الحقيقة كان ضرب يدور علي تلك الجهة علي خلاف التوالي و تلك تدور علي ضرب علي التوالي فالفعل ظاهره و حقيقته لايحل بزيد و لايستند اليه و انما احدثه زيد بنفسه و هو في رُتبة مفعوله الذي هو ضرباً من الوجود و ان كان ضرب متقدماً عليه بالعليّة فلما كان ما تقوّم به النور من المنير انما هو تلك الجهة و هي ظهوره بالنور للنور لم‌يكن عشير السبعين و الّا لكان من سنخه فيكون فيه من كل واحد من السبعة الثلاث الكيان و الاربع الكيفيات عشْرُهُ و لو كان كذلك لكان من ذاته غاية الامر انه اقل منه كمّاً و ليس كذلك بل هو واحد من السبعين لان السبعة لمّا ظهرت في المرتبة الثانية كانت سبعين و هي مراتب ظهورات السبعة مرتبة اعلاها الاصول و اسفلها جهة الظهور و هو نفس نور الشمس مثلاً بالنسبة الي نور الكرسي و نور الكرسي بالنسبة الي نور العرش فلهذا كان النور الذي هو نفس ظهور المنير واحداً من سبعين من ضياۤء المنير لا من ذات المنير فافهم وفّقك اللّه تعالي.

و قولنا هنا ان المراد به مجرد الكثرة نريد به انه في حقيقة واحد اي اشراقٌ من سبعين وجهاً من المنير داۤئمَ الاشراق يعني ذلك الوجه فكأنّ للمنير سبعين وجها مشرقاً ابداً فالنور اشراق من وجه فاذا نظرت الي العدد المخصوص فهو صحيح كما قررنا و ان لاحظتَ دوام الاشراقات من المبادي فهي لاتحصي فيكون ذلك النور نهراً يجري علي هيئة الاستدارة الصحيحة اوّله في آخره فالوجه ابداً يمدّه منه فلايستغني ابداً عن المدّ و لايقف علي حدٍّ فهو نهر يجري مستديراً قطبه ذلك الوجه من ذلك المنير فهذا حقيقة ما طلبتَ و ما لم‌تطلب فان ظهر لك فاحمد اللّه علي جزيل نعمه و ان خفي عليك فاسئل اللّه الفتاح يفتح لك باب المعرفة .

 

«* جوامع الکلم جلد 2 صفحه 576 *»

و اعلم وفقك اللّه ان اللّه سبحانه بلطيف صنعه لم‌يخرج شيئاً من خزائنه الّا مبيناً مشروحاً علي اكمل وجه و لكنه خلق الاشياۤء كما علمها فجرت في مراتب تكوينه مختارةً لِما يسّرها له لايخالِف شي‌ء منها محبّته و ذلك كمال اختيارها فكان مما اجري بجميل تدبيره ان جعل ما ظهر ظهر بيانه و ما بطن خفي برهانه و لو اني حاولت في اظهار هذه التي اشرت اليها بالعبارة الظاهرة المعلومة عند العوام لعَمّيتُ الطريق و صعب المسلك لان الاشياۤء انما تحاول بما يسهل فيها و هو العبارة الظاهرة للمعني الظاهر و الاشارة للباطن فافهم .

و منها فقال اميرالمؤمنين (ع‌) ان العرش خلقه اللّه تبارك و تعالي من انوارٍ اربعة : نور احمر منه احمرّت الحمرة و نور اخضر منه اخضرّت الخضرة و نورٌ اصفر منه اصفرّت الصفرة و نور ابيض منه البياض و هو العلم الذي حمّله اللّه الحَملة .

اقول اعلم ان العرش يطلق و يراد به معانٍ مختلفة يعرف احدها بالمقامات فهٰذا العرش هنا المراد به مظهر الرحمانية و مجمع صفات الاضافة و صفات الخلق قال اللّه تعالي الرحمن علي العرش استوي يعني استوي برحمانيته الي كل شي‌ء فاعطي كلّ ذي حقٍّ حقه و ساقَ الي كلّ مخلوقٍ رزقَهُ و مجموع هذه الانوار الاربعة هي العرش بتمامه فالنور الابيض هو الاعلي و هو عن يمين العرش اي ركنه الايمن و النور الاصفر تحته و النور الاخضر عن يسار العرش و هو ركنه الايسر و النور الاحمر تحته فالنور الاصفر ركن ايمن تحت الابيض و النور الاحمر ركن ايسر تحت الاخضر و هذه الانوار الاربعة هي سبحان اللّه و هو الابيض و الحمد للّه هو الاصفر و لا اله الّا اللّه و هو الاخضر و اللّه اكبر هو الاحمر فهذه الاركان الاربعة هي جميع الوجود المقيد الذي اوله العقل الاول و آخره الثري و قد جعل سبحانه لكل ركن ملكاً يحمله و هي جبرئيل و ميكاۤئيل و اسرافيل و عزراۤئيل و معني يحمله ان شؤنه منحصرة في هذا الملك و لكل ملك جنود من الملاۤئكة لايحصي عددهم الّا اللّه فدار الوجود المقيد كله علي هذه الاربعة المراتب و هو قوله تعالي خلقكم ثم رزقكم ثم يميتكم ثم يحييكم

 

«* جوامع الکلم جلد 2 صفحه 577 *»

فالموكل بٰاثار الخلق جبرئيل من جهة النور الاحمر و اليه الاشارة بقول النبي (ص‌) الورد الاحمر من عرق جبرئيل و الموكّل بٰاثار الرزق ميكاۤئيل من جهة النور الابيض و هو قوله (ص‌) الورد الابيض من عرقي و الموكل بالموت عزراۤئيل من جهة النور الاخضر و الموكل بالحيوة اسرافيل من جهة النور الاصفر قال (ص‌) الورد الاصفر من عرق البراق و كل ملك من هذه الاربعة يعينه علي ما وُكِّل به ملكان بنصف قوتهما .

فالنور الابيض هو القلم و هو اسم اللّه الذي اشرقت به السموات و الارضون و هو ملك له رؤس بعدد الخلاۤئق من خُلِق و من لم‌يخلق الي يوم القيمة و لكل رأس وجهٌ و لكل آدميّ رأس من رؤس العقل و اسم ذلك الانسان علي وجه ذلك الرأس مكتوب و علي كل وجهٍ ستر ملقيً لايكشف ذلك الستر حتي يولد هذا المولود و يبلغ حد الرجال او حدّ النساۤء فاذا بلغ كشف ذلك الستر فيقع في قلب هذا الانسان نور فيفهم الفريضة و السّنة و الجيّد و الردي الا و مثل القلب كمثل السراج في وسط البيت رواه في العلل عن علي (ع‌) و هو الركن الايمن الاعلي من العرش الذي هو مظهر الرحمانيّة و هو الالف القاۤئم و هو المعاني المجرّدة عن المدّة و المادّة و الصورة و هو اوّلُ صوغٍ للموجوداتِ و هو القلم المذكور في الروايات عند مقام قاب قوسين و هو روح القُدسِ الاكبر و هو اوّل مخلوق ظهر باوّلِ خلقٍ و هوَ اوّل الوجود المقيّد و هو العقل الاول الّذي قال اللّه له ادبر فادبَر بالمعاني فقال له اقبل فاقبل بالاسماۤء الثمانية و العشرين التي اولها البديع و آخرها رفيع الدرجات و اركان الوجود الاربعة المخصوصة به تحمل آثارها عنه الملائكة الاربعة فجبرئيل يحمل عنه آثار ركن الخلق و ميكائيل يحمل عنه آثار ركن الرزق و اسرافيل يحمل عنه آثار ركن الحيوة و عزراۤئيل يحمل عنه آثار ركن الممات و ظرفه اعالي الدهر القريبة من السرمد فنهاية اعلاه نهاية اعلي الدهر فهو في عالم الدهر كمحدّد الجهات في عالم الزمان و قد اشار العسكري عليه السلام اليه في قوله و روح القدس في جنان

 

«* جوامع الکلم جلد 2 صفحه 578 *»

الصاقورة ذاقَ من حداۤئقِنا الباكورة[2] و الصاقورة هو العرش المشار اليه و حداۤئقهم عليهم السلام غَرسوها بايدٍ في الارض الجرز التي هي الدواة الاولي قال اللّه تعالي ن و هي الدواة الاولي و القلم و ما يسطرون فالقلم هو هذا و ما يسطرون هو النور الاخضر و يأتي فافهم راشدا .

و النور الاصفر هو الروح قال (ص‌) اول ما خلق اللّه روحي و هو الركن الايمن الاسفل من العرش المذكور و هو الروح الكلّية قال اللّه تعالي انّها بقرة صفراۤء فاقع لونها تسرّ الناظرين و في الحديث ما معناه انّ البراق جناحها بين فخِذَيْها و عينُها في رجلها و اذناها تتحرّك ابداً و هو ثاني مخلوق باوّلِ خلقٍ و هو البراق في الاشارة و هو الرقاۤئق المجرّدة عن المادة و المدّة و هو برزخ بين معاني العقل و صور النفس و صورته بين صورة العقل و هي و بين صورة النفس و هي فصورته هكذا و مثال الرقاۤئق المشار اليها كالمضغة قبلها النطفة كالمعاني و بعدها الخلق الٰاخر كالصُّوَر و اركان الوجود الاربعة المختصّة به تحمل آثارها عنه الملاۤئكة الاربعة فجبرئيل يحمل عنه آثار ركن الخلق و ميكاۤئيل يحمل عنه آثار ركن الرزق و اسرافيل يحمل عنه آثار ركن الحيوة و عزراۤئيل يحمل عنه آثار ركن الموت و ظرفه الدهر و نسبته من الدّهر نسبة فلك الثوابت المعبر عنه بالكرسي من الزمان فافهم راشداً .

و النور الاخضر هو الكتاب المسطور في رقّ منشور و هو ملك ، رواه سفيان الثوري عن الصادق (ع‌) و هو اللوح المحفوظ و هو الروح الذي هو علي ملاۤئكة الحجب كما ذكره علي بن الحسين عليه السلام في دعاۤئه في الصلوة علي حملة العرش و هو النفس الكليّة و هو ثالث مخلوق باوّل خلقٍ و هو الصور المجرّدة عن الماۤدّة و المدّة و هو شجرة طوبي و سدرة المنتهي و جنّة المأوي و في تفسير التأويل هي النفس التي لايعلم ما فيها عيسي (ع‌) و اركان الوجود المختصّة به تحملها الملاۤئكة الاربعة فجبرئل يحمل آثار ركن الخلق و ميكاۤئيل يحمل

 

«* جوامع الکلم جلد 2 صفحه 579 *»

آثارَ ركن الرزق و اسرافيل يحمل آثار ركن الحيوة و عزراۤئيل يحمل آثار ركن الموت و نسبته من الدهر كنسبة فلك البروج من الزمان او كنسبة الكرسي في الصور و هو كمال الصوغ الاول للموجودات و عند علماۤء الصناعة يقولون هو التزويج الاول و تحت هذا العالم نثر الخلق بين يديه كالذرّ يدبّون فخاطبهم باعيانهم فسعد من سعد باجابته و شقي من شقي بمعصيته و اليه الاشارة بقوله (ع‌) السّعيد من سعد في بطن امّه و الشقي من شقي في بطن امه و يأتي بيان هذا ان شاۤء اللّه مشروحاً واضحاً في بيان حديث الطينة.

و النور الاحْمَر هو ملك كان من النور الابيض و النور الاصفر قالوا ان الحمرة تتولد منهما و استدلوا علي ذلك بحمرة الزنجفر و هو من الزيبق و الكبريت الاصفر هذا علي اعتبار و باعتبار آخر تولّد من الابيض و الاخضران الابيض واحد و الاخضر في الحروف الكونيّة اثنان و قالوا انّ الالف انعطف علي الباۤء فكانت منهما الجيم و هو حرف النور الاحمر هكذا و هذه صورة الجيم و هو الركن الايسر الاسفل من العرش المذكور و هو رابع مخلوقٍ باوّل خلقٍ و هو الكسر الاول للموجودات بعد كمال الصوغ الاول في النور الاخضر و ذلك بعد اَنْ قال تعالي للمطيعين للجنّة و لاابالي و قال للعاصين للنار و لاابالي و اركان الوجود المختصة به تحمل آثارها الملاۤئكة الاربعة فجبرئيل يحمل آثار ركن الخلق و ميكاۤئيل يحمل آثار ركن الرزق و اسرافيل يحمل آثار ركن الحيوة و عزراۤئيل يحمل آثار ركن الموت و نسبته من الدهر كنسبة فلك المنازل من الزمان او كنسبة الكرسي في حركته الواحدة فكان كل واحد من الملائكة الاربعة المذكورة يحمل اربعة اركان من الانوار الاربعة من كل واحد ركن فجبرئيل يحمل آثار اركان الخلق من الابيض و من الاصفر و من الاخضر و من الاحمر و ميكاۤئيل يحمل آثار اركان الرزق من الابيض و من الاصفر و من الاخضر و من الاحمر و اسرافيل يحمل آثار اركان الحيوة من الابيض و من الاصفر و من الاخضر و من الاحمر و عزراۤئيل يحمل آثار اركان الموت من الابيض و من الاصفر و من الاخضر و من الاحمر فيعملون في عالم الدهر و عالم

 

«* جوامع الکلم جلد 2 صفحه 580 *»

الزمان و ما بينهما و تحت كل واحد من الملاۤئكة ما لايحصي عدهم الّا اللّه تعالي قال تعالي و هم بامره يعملون فمجموع ما سمعت هو العرش و قوله (ع‌) منه احمرت الحمرة معناه ان ذلك النور يظهر علي الملاۤئكة الاربعة و تؤدي آثاره الي جنودهم الجزئية من الملاۤئكة ثم اعلم انّ فلك الشمس اول الافلاك السّبعة خلقاً و هي مظهر الوجود الثاني فتستمد من نفس الطبيعة الكلية و تفيضه علي المريخ و تستمد من صفتها و تفيضه علي الزهرة فتستدير الافلاك و تلقي الكواكب اشعتها خصوصاً المريخ و الزهرة بواسطة الجنود الجزئيّة علي السحاب و يقع علي الارض و يختلط به نبات الارض و فيه مبادي الحمرة هذا و الشمسس تمدّ السفليات بالوان الحمرة في قبسات الاشعة و بواسطة الكوكبين فتظهر الحمرة في قابلياتها و هي من الطبيعة التي هي النور الاحمر و لهذا قال (ع‌) منه احمرّت الحمرة و كذلك الخضرة فان الشمس تستمد من نفس النفس الكلية و تفيضه علي المشتري و تستمد من صفة النفس و تفيضه علي عطارد تجري في تدبير الوان الخضرة ما ذكر في الحمرة و تستمدّ من الروح من ذاتها و صفتها و تفيضه علي باطن زحل و ظاهر المريخ و تجري باذن اللّه في تدبير الوان الصفرة كما ذكر و كذلك البياض من نفس العقل علي زحل و من صفته علي القمر و هكذا و في بعض الروايات منه ابيض البياض و في بعضها كهذه الرواية منه البياض و في بعضها و منه ضوء النهار و في هذا سرّ اختلف العلماۤء فيه هل البياض صبغ ام هو لونٌ هو الوجود و الالوان تطرء عليه فمن قال بالاول استدلّ بحديث منه ابيضّ البياض و حمل حديث منه البياض علي ان البياض لمّا كان اوّل ظاهر علي الشي‌ء بعد وجوده شابه الذاتي فاطلق عليه عبارته و لان الموجود مركب و الاصل في المركب اللّون و من قال بالثاني استدل بهذا الحديث و حمل حديث ابيضّ البياض علي بياض الوجود يعني ان الاصل فيه البساطة التي هي البياض و عندي ان الثاني اجود و بالجملة فالانوار الاربعة هي العرش و هو ينقسم اليها و هي و اشعتها هي مجموع الوجود المقيّد الذي اوله الدُّرة و آخره الذرّة و اعني باشعتها كل ما في الزمان من الاجسام و

 

«* جوامع الکلم جلد 2 صفحه 581 *»

الالوان من متحرك و ساكن و جماد و نام و الحمد للّه رب العالمين و صلي اللّه علي محمد و آله الطاهرين.

و منها ما رواه في الكافي بسنده عن ربعي بن عبداللّه عن رجل عن علي بن الحسين (ع‌) قال ان اللّه عز و جل خلق النبيين من طينة عليّين قلوبهم و ابدانهم و خلق قلوب المؤمنين من تلك الطينة و جعل ابدان المؤمنين من دون ذلك و خلق الكفار من طينة سجّين قلوبهم و ابدانهم فخلط بين الطينتين فمن هذا يلد المؤمن الكافر و يلد الكافر المؤمن و من هيهنا يصيب المؤمن السيئة و من هيهنا يصيب الكافر الحسنة فقلوب المؤمنين تحنّ الي ما خلقوا منه و قلوب الكافرين تحنّ الي ما خلقوا منه .

اعلم ان اللّه سبحانه لم‌يخلق شيئاً فرداً قائما لذاته للدلالة عليه بل كل مخلوق لابد و ان يكون مركباً بسائطها و مركباتها فلايكون شي‌ء الا من وجود و ماهية و بيانه ان الوجود لمّا خلقه اللّه تعالي انخلق او لم‌ينخلق فاذا قلتَ انخلقَ قلتُ لك ضمير انخلق يعود الي المخلوق و المخلوق لم‌يكن قبل انخلق فكيف يعود عليه ذكر و لم‌يك شيئا و ان قلتَ لمّا خلقه لم‌ينخلق قلتُ اذاً ما كان و الجواب انه خلقه فانخلق فخلقه هذا وجوده و ماهيته انخلق فالشي‌ء انما هو شي‌ء بالوجود و الماهيّة و هي الفعل و الانفعال و هما متساوقان في الظهور لايوجد احدهما الّا بالٰاخر و حقيقة هذا الوجود هو اثر المشيّة التي هي فعل اللّه و ابداعه فالابداع باللّه اخذ من هواۤء العمق الاكبر ثم اخرجه الي ذلك الهواۤء لفظاً مركبّاً من حروف و ذلك اللفظ هو السحاب فامطر من السحاب ماۤء علي الارض الجرز فخرج النبات فالسحاب هو اللفظ و الماۤء هو الدلالة من خصوص المادة و الهيئة و الارض الجرز هي ارض القابليات التي هي ارض الانفعالات كما ذكرنا فظهر المعني مِن اللفظ كالثمرة من الشجرة ثم اعلم ان الشي‌ء لايكون الّا علي ما يمكن لذاته من المشيّة فالبسته المشية الحيوة و العلم و القدرة و جميع صفات الكمال كلّ بحسبه و كانت جميع الخلاۤئق في عالم البرَاۤئيّة سواۤء بالنسبة الي الامكان و الاختيار فلمّا نثرهم بين

 

«* جوامع الکلم جلد 2 صفحه 582 *»

يديه يد الرحمة و يد العدل قال لهم الست بربّكم و محمد نبيكم و علي وليكم و امامكم قالوا بلي فمنهم من قالها بلسانه و قلبه مؤمناً معتقداً فذلك المطيع فخلقه اللّه خلقاً ثانياً من طينة الطاعة التي هي طينة عليين و منهم من قال بلي منكِراً مستهزئا فذلك العاصي فخلقه اللّه خلقاً ثانياً من طينة المعصية التي هي طينة سجين و منهم قال بلي غير منكر و لا معتقد فخلقه اللّه عز و جل خلقاً ثانياً من طينة البرزخ و هي طينة من الطينتين.

ثم اعلم ان قولنا ان المخلوق اول مرة مركب من الوجود و الماهية الذي هو الفعل و الانفعال و من كل شي‌ء خلقنا زوجين لعلكم تذكرون نريد به الهيولي الاولي و هذا بعد التركيب هو الهيولي الثانية باصطلاحِنا لانه في التمثيل مركب من المادة و الصورة النوعية مثلاً كالخشب الذي هو صالح للباب و السرير و المداد الذي يصلح ان تكتب به الاسم الشريف و الاسم الوضيع فهذا هو الخلق الاول و لمّا قال لهم الست بربّكم فمن اطاع خلقه من طينة الطاعة التي خلقها اللّه من رحمته و هي الصورة الانسانية التي مقتضاها الطاعة و المعرفة بالاختيار و هي طينة عليين اي اعلي الجنّة و هي ارض الولاية العلوية المخمّرة بماۤء المحبّة الفاطميّة و مَنْ عصي خلقه من طينة المعصية التي خلقها اللّه تعالي بعدله و هي صور الحيوانات و الحشرات و المقادير الشيطانية التي مقتضاها المعصية و الانكار بالاختيار و هي طينة سجّين و هي الصّخرة تحت الارض و هي طينة الجحود و الطغيان المخمرة بماۤء الحميم و هي منبت شجرة الزقوم فالطينة هي طينة الطاعة و المعصية لان الطينة هي الصورة الفعليّة و هي متعلق الاحكام و المادّة الواحدة تختلف باختلاف الصورة اختلافاً ضدّياً لان السامري لمّا صنع العجل من الذهب و وضع فيه من تراب الحيوة خار لانه صورة عجل فاذا حيي كان عجلاً و لو صنع ذلك الذهب كلباً و وضع فيه ذلك التراب نبح و كان نجس العين و لو صنعه انساناً و وضع فيه ذلك التراب تكلم و كان طاهر العين مثلاً فالاحكام و الحقاۤئق و الطاعة و المعصية كلها من الصورة و هي التي اشرنا اليها في الحديث في التأويل السعيد من سعد في بطن امّه و هي الصورة

 

«* جوامع الکلم جلد 2 صفحه 583 *»

كما يدل عليه كلام الصادق (ع‌) حيث قال ان اللّه خلق المؤمن من نوره و صبغهم في رحمته فالمؤمن اخو المؤمن لابيه و امه ابوه النور و امه الرحمة فتأمل هذا الحديث الشريف ما اصرحه في المدّعي الاتري ما حكم به اهل الشرع فيما اذا نَزَا كلبٌ علي شاةٍ فاولدها ان حكم ذلك المولود في الحل و التحريم و الطهارة و النجاسة تابعٌ لصورته فان كان شاة فحلال طاهر و ان كان كلبا فحرام نجس و المادة واحدة و انما اختلفت الاحكام باختلاف الصورة فصور الطاعة في فلك البروج كلّا ان كتاب الابرار لفي عليّين و ما ادريٰك ما عليّون كتاب مرقوم يشهده المقربون و هم الكروبيون و الابرار هم خواصّ الشيعة و قد يطلق علي خصيصي الشيعة بالنسبة الي ائمتهم (ع‌) و صور المعصية في الصخرة التي تحت الملك الحامل للارض كلا ان كتاب الفجّار لفي سجّين و ما ادريٰك ما سجّين كتاب مرقومٌ وَيْلٌ يومئذٍ للمكذّبين و هم خواۤصُّ اَصْحَابِ الشّمال و قوله (ع‌) قلوبهم و ابدانهم فيه اجمال و تفْصيل ذلك انّ اللّه خلقهم من عليين يعني من غيب عليين خلق طينة ابدانهم و ذلك الغيب هو غيب الكرسي و العرش و جسم الكل و المثال و الهيولي و الطبيعة الكلية و النفس الكلية و الروح الكلية فهذه ثمان مراتب و من سرّ ذلك الغيب خلق قلوبهم و خلق من فاضل طينة ابدانهم قلوب شيعتهم و معني قولنا فاضل نريد به الشعاع كما تقول نور الشمس الواقع ظاهراً علي وجه الارض هو من فاضل نورها القاۤئم بجرمها و هو قوله (ع‌) و خلق قلوب المؤمنين من تلك الطينة اي من فاضلها اي من شعاعها و انما سمي الشيعة شيعة لانهم من شعاع ائمتهم (ع‌) او من المشايعة و هي المتابعة و المعني واحد و قوله (ع‌) و جعل ابدان المؤمنين من دون ذلك اي جعل ابدانهم من ظاهر عليين فان المؤمنين كلّ واحد خلق من عشر قبضات تسع من الافلاك التسعة و قبضة من ارض الدنيا و يأتي ان شاۤء اللّه تعالي تفصيل ذلك و قوله (ع‌) و خلق الكفّار من طينة سجين قلوبهم و ابدانهم كما تقدم خلق قلوبهم من اسفل من سجّين و هو غيبها و هو غيب الثور و الحوت و البحر و الريح العقيم و جهنّم و الطَّمْطَام و الثري و ما تحته فهذه ثمان مراتب و خلق ابدانهم من عشر قبضات من سجّين و

 

«* جوامع الکلم جلد 2 صفحه 584 *»

الملك و الارضين السبع و سماۤء الدنيا و قوله (ع‌) و خلط بين الطينتين اي طينة المؤمن و طينة خواۤص المكذّبين و ذلك بعد ان كلّفهم في عالم الذر كلّف المؤمنين تحت النور الاخضر و كلّف المنافقين فوق الثري فلمّا حكم علي اهل طاعته بمقتضاها و هو قوله للجنّة و لاابالي و علي اهل معصيته بمقتضاها و هو قوله للنار و لاابالي و ذلك بعد ان صاغ المؤمنين في النور الاخضر و المنافقين في الثري كسرهم جميعا فجعلهم تراباً كسر المؤمنين في النور الاحمر و كسر المنافقين في الطمطام ثم خلط الطينتين في هذه الدنيا فكرّت عليه العناصر الاربعة و الافلاك فنعمت الطينتان فصعدت في النباتات ثماراً جنيّة و حنطة و ارزاً و تمراً و عِنباً و غير ذلك ثم اعلم انّ اللّه بلطيف صنعه قد خلق شجرة تحت العرش اسمها المزن ءانتم انزلتموة من المزن ام نحن المنزلون هو المنزل و هو العلي الحكيم و هو قوله تعالي و اذا وقع القول عليهم اخرجنا لهم دابّة من الارض تكلمهم ان الناس كانوا بٰاياتنا لايوقنون و انما ذكرتُ هذه الاشارات المغلقة استدعاۤءً لقرع الباب فان من قرع الباب اوشك ان يفتح له و الحاصل و كانت شجرة المزن تقع منها النطف كقطر المطر اللطيف علي الشجر و الثمار المذكورة و البقول فمااكل تلك التي وقعت عليها تلك القطرة من شجرة المزن مؤمن او كافر الّا خرج من صلبه مؤمن و انّ اللّه بلطيف صنعه انبت شجرة الزقوم في اصل الجحيم طلعها كانه رؤس الشياطين و تلك الشجرة منكوسة عروقها في طينة خبالٍ و هي سجّين و ثمارها في الجحيم و قوله كانه رؤس الشياطين اي هو رؤس الشياطين و تلك الشجرة تصعد منها ابخرة الي ارض الدنيا فتقع النطف و هي القطر منها علي الشجر و الثمار المذكورة و البقول فمااكل تلك التي وقعت عليها تلك القطرة من شجرة الزقوم مؤمن او كافر الّا خرج من صلبه كافر و المعني في ذلك ان قطر شجرة المزن تسري فيما لها من الطِيَن الطيبة (بفتح ياء الطيَن) حتي يكون المؤمن من الجميع و ان قطر شجرة الزقوم تسري فيما لها من الطيَن الخبيثة (بفتح ياء الطين) حتي يكون المنافق من الجميع فهذا معني قوله (ع‌) فمن هذا يلد المؤمن الكافرَ و يلد الكافرُ المؤمن و لمّا كانت الطينتان قد امتزجتا

 

«* جوامع الکلم جلد 2 صفحه 585 *»

في الارض و الماۤء و الهواۤء و النار و المطاعم كلها و الملابس و الامكنة و الازمنة و الصور كان المؤمن من جهة لطخ طينة الكافر يصيب السيّئة و كان الكافر من جهة لطخ طينة المؤمن يصيب الحسنةَ و معني قولنا امتزجتا في الصور انه سبحانه لمّا قال لهم الست بربكم قالوا باجمعهم بلي فمن قال بلسانه و قلبه عارفاً بما قال خلقه من طينة الطاعة و هي الانسانية التي هي جوهرة كنهها الربوبيّة و مَن قال بلسانه خاۤصّة خلق صورته صورة انسانٍ لاقراره باللسان و قلبه و صورة حقيقته صورة شيطان و هي صورة المعصية فامتزاجهم في الصورة الانسانية ظاهراً فبالصورة الانسانيّة الظاهرة اصاب الكافر الحسنة و قوله (ع‌) فقلوب المؤمنين تحنّ الي ما خلقوا منه و قلوب الكافرين تحنّ الي ما خلقوا منه معناه ان قلوب المؤمنين خلقوا من فاضل طينة ائمتهم (ع‌) و لمّا مزجت الطينتان انما امتزجت طينتا الجسمين و اما طين القلوب فهي باقية علي بساطتها و وحدتها لم‌تمزج بطين قلوب الكفار فلهذا اذا اصاب المؤمن السّيئة كان قلبه منكراً عليه ماقتاً له نادماً علي فعله لانه لا لطْخَ فيه و اذا ذكرت ائمّتهم (ع‌) طارت قلوبهم اليهم بالاشتياق و الوفاق لا ملاحظة رجاۤء ثوابٍ و لا ملاحظة دفع عقابٍ قال تعالي فاجعل افئدة من الناس تهوي اليهم و كذلك قلب الكافر لم‌يمزج بطينة المؤمن فكان اذا فعل بعض الطاعة كان قلبه كارهاً لها لانها ليست من شجرته و لا من ثمرها و اذا فعل المعصية مالت نفسه و قلبه اليها لانه منها و اذا ذكر اولياۤء اللّه استوحشوا و اذا ذكر اعداۤء اللّه اَنِسوا و هو قوله تعالي و اذا ذكر اللّه وحده اشمأزت قلوب الذين لايؤمنون بالاخرة و اذا ذكر الذين من دونه اذا هم يستبشرون و اخبرك وفقك اللّه انّي لم‌اترك شيئا من البيان فيما سألت عنه نعم قد يكون خفيّا لعدم الانس بالاصطلاح و قد يكون غفلتُ عنه و لا ريب ان الكتابة ليست كالمشافهة فان المشافهة تطرد العصافير بقطع الشجرة لا بالتنفير و الحمد للّه رب العالمين .

و منها عن ابراهيم عن ابي‌عبداللّه عليه السلام قال ان اللّه عزوجل لمّا اراد ان يخلق آدم عليه السلام بعث جبرئيل (ع‌) في اوّل ساعةٍ من يوم الجمعة .

 

«* جوامع الکلم جلد 2 صفحه 586 *»

اقول يريد باول ساعة من يوم الجمعة اَوَّل آخر مراتب العَوٰالم و ذلك لان اللّه سبحانه خلق الف الف عالم و الفَ الف آدم نحن في آخر العوالم و آخر الادميين فيوم الجمعة هو يوم تم فيه مراتب الوجود الكلية ابتدأ من يوم الاحد و هو النور الابيض و يوم الاثنين هو النور الاخضر و اما النور الاصفر فمتردد بين اليومين و يوم الثلاثا هو النور الاحمر و يوم الاربعاۤء هو جوهر الهباۤء في العمق الأكبر و يوم الخميس هو المثال و يَوم الجمعة يوم الجسم فهذه هي الستة الايام التي خلق اللّه السموات و الارض فيها و هي فصل الربيع و الصيف و الخريف و الشتا و المادة و الصورة فكمال مراتب الوجود الكلية و تمامها وجود ابينا و ذريته و زمانه و كان ابونا اول من وجد منّا فكان اوّل ساعة من يوم الجمعة .

قال (ع‌) فقبض بيمينه قبضة فبلغت قبضته من السماۤء السابعة الي السماۤء الدنيا و اخذ من كل سماۤء تربة و قبض قبضة اخري من الارض السابعة العليا الي الارض السابعة القصوي .

اقول اعلم ان اللّه خلق الانسان من عشر قبضات و مثل (ع‌) بسبع قبضات اشارة الي قوله ذكوان في قول الباقر (ع‌) ان حديثنا صعب مستصعب اجرد ذكوان ثقيل مقنّع الحديث ، و الا فهي عشر، قبضة من محدد الجهات خلق منها قلبه و قبضة من الكرسي خلق منها صدره و قبضة من فلك زحل خلق منها عقله و قبضة من فلك المشتري خلق منها علمه و قبضة من فلك المريخ خلق منها وهمه و قبضة من فلك الشمس خلق منها وجوده الثاني و قبضة من فلك الزهرة خلق منها خياله و قبضة من فلك عطارد خلق منها فكره و قبضة من فلك القمر خلق منها حياته و قبضة من ارض الدنيا خلق منها جسده هذا خلق المؤمن ثم لما اراد ان يخلق الكافر امر الملك فقبض قبضة من الحوت الذي علي البحر تحت الارضين فخلق منها قلبه و قبضة من الثور فخلق منها صدره و قبضة من الارض السابعة القصوي ارض الشقاوة فخلق منها دماغه و قبض قبضة من الارض السادسة خلق منها علمه و هي ارض الالحاد و قبضةً من الارض الخامسة ارض الطغيان خلق منها وهمه و قبضة من الارض الرابعة ارض الشهوة خلق بها

 

«* جوامع الکلم جلد 2 صفحه 587 *»

وجوده الثاني و قبضة من الارض الثالثة ارض الطبع خلق منها خياله و قبضة من الارض الثانية ارض العادة خلق منها فكره و قبضة من الارض الاولي ارض النفوس خلق منها جسده و قبضة من سماۤء الدنيا خلق منها حياته فهذا تفصيل القبضات و في الحديث ذكرها مجملة.

قال (ع‌) فامر اللّه كلمته فامسك القبضة الاولي بيمينه و القبضة الاخري بشماله ففلق الطين فلقتين فذرء من الارض ذرواً و من السموات ذرواً فقال للذي بيمينه منك الرسل و الانبياۤء و الاوصياۤء و الصديقون و المؤمنون و السعداۤء و من اريد كرامته فوجب لهم ما قال كما قال و قال للذي بشماله منكِ الجبارون و المشركون و الكافرون و الطواغيتُ و من اريد هوانه و شقوته فوجب لهم ما قال كما قال .

اقول قوله (ع‌) فامر اللّه كلمته يريد بالكلمة كلمة كن فالكاف اشارة الي الكلمة التي انزجر لها العمق الاكبر و هي الكاف المستديرة علي نفسها و هي الاسم الذي استقر في ظله فلايخرج منه الي غيره و النون اشارة الي الارض الجرز و الدواة الاولي و بينهما حرف و هو و لان كن اصله كون و انما حُذفت الواو لالتقاۤء الساكنين اشارة الي انها موجودة في الكون مفقودة في العين و الواو هي الماۤء الذي جعل اللّه منه كل شي‌ء حي و هي في اللفظ الظاهر هي دلالة اللفظ علي معناه فالماۤء هو الذي ساقه اللّه الي الارض الجرز فانبت فيها ما شاۤء كما شاۤء فالكلمة في الحديث هي عالم الامر و هي المشية و الابداع فامسك القبضة الاولي التي من السموات و هي الطينة الطيبة بيمينه و اليمين هي يد الرحمة و هي باطن الولي يعني باطن الباب فاليمين هو الولي عليه السلام و هو يمين المشية و عدده بالجمل الكبير مائة و عشرة و المراد من القبضة هو التكليف الاول حين قال لهم الست بربكم و محمد نبيكم و علي وليكم فالتكليف من اللّه سبحانه بالكلمة المذكورة و يمين الكلمة يد الرحمة و هو الولي (ع‌) فلمّا قال الاولياۤء بلي معتقدين دخلوا في الباب الذي باطنه فيه الرحمة فهذا معني الامساك لانّ الطاعة هي الدخول في الولاية فمعني قولنا خلق من

 

«* جوامع الکلم جلد 2 صفحه 588 *»

طينة الطاعة كقول اميرالمؤمنين عليه السلام لكميل فيلوح علي هياكل التوحيد آثاره فظهور الٰاثار كهياكل التوحيد انهم لمّا قبلوا التوحيد خلقهم كهياكل التوحيد و مثاله لمّا ان شعاع الشمس اطاعها و امتَثل امرها اظهرته كهيكلِها منيراً حارّاً يابساً كهيكلِها فانها منيرة حارة يابسة و هذا معني قولنا سابقا خلقهم لمّا اجابوا من طينةِ الطاعة و هي الصورة الانسانية ثم ان الكلمة امسكت القبضة الاخري و هي الطينة الخبيثة بشماله و هي يد العدل و هو قوله تعالي و ظاهره اي ظاهر الباب من قبله العذاب و ذلك حين انكروا فخلقهم من طينة المعصية اي انكارهم الولاية و هي ظاهره من قبله العذاب و ذلك معني قوله (ص‌) حين سئِل لم كان عليّ قسيم الجنّة و النار قال لان اللّه خلق الجنّة من حُبّه و خلقَ النّار من بغْضِه ، و قوله (ع‌) ففلق الطين فلقتين معناه انهم قبل التكليف الاوّل باعتبار امكان الطاعة و المعصية بالنسبة الي الفَر۪يقين شي‌ء واحد و انما افترقا بالطاعة و المعصية فمن اطاع خلق بصورة المطيع و من عصي خُلق بصورة العاصي فهذا معني فلقَ فلقتَيْن و هو معني ذرأ من السموات ذرواً و من الارض ذرواً و هو معني فقال للذي بيمينه منك الرسل الخ لان كل هذه المعاني هي حكم الستُ بربّكم ، و قوله (ع‌) فوجب لهم ما قال كما قال معناه انّه خلق ما خلق علي ما هو عليه و هو العليم الخبير لايبخس مستحقاً و لايظلم احداً .

قال ثم ان الطينتين خلطتا جميعاً و ذلك قول اللّه عزوجلّ فالق الحب و النوي فالحبّ طينة المؤمنين التي القي اللّه عليها محبّته و النوي طينة الكافرين الذين نأوا عن كل خير .

اقول قد تقدم بيان خلط الطينتين بعد ان كسرت طينة المؤمن في النور الاحمر و طينة الكافر في الطمطام فلا فائدة في اعادتها و لقد اوضحتُ لك في الطينة ما يرتفع به الجبر اذ ليس في الوجود جبر بل اللّه سبحانه مختار و فعله مختار و مفعوله مختار فليس جبر ابداً فافهم .

و منها حديث خمّرت طينة آدم بيدي اربعين صباحاً .

اقول الاشكال المسئول عنه في لفظ خمرت و في بيديّ و في اربعين

 

«* جوامع الکلم جلد 2 صفحه 589 *»

صباحا لاتزيد و لاتنقص فالجواب عن الاوّل ان التخمير المراد به تنعيم اجزاۤء المخمّر و تكليسه بالحرارة و الرطوبة المصلحين و هما في كل شي‌ءٍ بحسبه و قد مر ذكر ذلك في الجملة و هو تخمير طينة آدم في عالم الجبروت في العقول و في الارواح و في النفوس و حَلّها في الطبيعة و المادة و عقدها في المثال و حلّها في الاجسام العلوية و في الملاۤئكة و في الريح و في السَّحاب و الارض و طينة ذريّته في كل المراتب المتقدمة و في اغذية النبات و في الثمار و في الطبخ بالماۤء و النار و عند الأكل بالتنعيم بالاضراس و في المعدة حتي كان كيلوساً ثم كان كيموساً ثم غذاۤءاً مشاكلاً مشابهاً ثم يكون نطفة في الاصلاب ثم في البيضة اليسري حتي يبيض ثم في اليمني حتي يصفو ثم في الرحم برطوبة الحيض و حرارة الحمّي و هكذا حتي يخرج الي فضاۤء الدنيا و عن الثاني انه قد تقدم ذكر اليدين و المراد بهما يَدا الكلمة التي انزجر لها العمق الاكبر و هما يد الفضل و يد العدل و الكلمة هي الربوبيّة اذ مربوب و معني انه سبحانه ربّ زيد انه مالكه يعني ان جميع ذرّات وجوده التكويني و التشريعي كلها بيده سبحانه حين هي واصلة اليك كما هي قبل ان تظهر عليك فهي ابداً قائمة به قيام صدور لا قيام عروض و هو قول الرضا (ع‌) هو المالك لما ملّكهم و القادر علي ما اقدرهم عليه و معني انه رَبُّه اي مُرَبّيه و هو المقدّر في التأليف و مقوّي الضَّعيفِ بحسن التقدير و لطيف التدبير و معني انّه ربّه انه سايق رزقه الوجودي و التشريعي و معني انه ربّه اي صاحبه فهو معه في كل حال بمعني انه شي‌ء بمشيته و هو معني القيّوميّة في كل شي‌ء و امّا الكلام في الربوبيّة اذلامربوب من حيث مبلغ الحادث فهو طويل عريض يفني الايّام و اما من حيث الذات فقد سدّت دونه الابواب و ليس للساۤئل عنه جواب ان في ذلك لعبرة لاولي الالباب و عن الثالث اعلم انّ اللّه سبحانه خلق الحرارة من حركة الفعل الكونية و خلق البرودة من سكون المكوّن فنكحت الحرارةُ البرودةَ فاولدت الرطوبة و نكحت البرودةُ الحرارةَ فاولدت اليبوسة فكانت الطباۤئع الاربع فادار بعضها علي بعض فتولدت العناصر و هو الدور الاول فادار العناصر بعضها علي بعض فتولدت المعادن و

 

«* جوامع الکلم جلد 2 صفحه 590 *»

هو الدور الثاني و ادار الجميع بعضه علي بعض فتولدت النباتات و هو الدور الثالث و ادار الجميع بعضه علي بعض فتولدت الحيوانات فهذه هي الادوار الاربعة الرابع منها هو تمامها و قد قلنا سابقا ان الانسان خلق من عشر قبضات و قد مر ذكر ذلك و كلّ قبضة انما وجدت علي هذا الترتيب بان كوّرت اربع كورات و رابع كل قبضة هو تمامها فالعشر بغير التمام ثلاثين و بالتمام اربعين و هو قوله تعالي و واعدنا موسي ثلاثين ليلةً و اتممناها بعشر فتم ميقات ربّه اربعين ليلة فكان الفاعل واحداً و الفعل واحداً و المفعول واحداً فمعني انه خمّر طينة آدم اربعين صباحاً مثلا القبضة التي من محدّد الجهات خمّر في اوّل يوم العناصر عناصرها و في اوّل ثاني يوم معدنها و في اوّل ثالث يوم نباتها و في اوّل رابع يوم حيوانها فالعشر القبضات كل قبضةٍ ادارها اربعة ادوار فهذه اربعين و هي مراتب الوجود و قوله صباحاً يشير به الي اوّل اليوم ثم اعلم ان هذا التدوير ان كان في الغيب فهو في اصطلاحنا كَوْر و ان كان في الشهادة فهو دور و الحمد للّه وحده ، تمت بقلم المجيب احمد بن زين‌الدين الاحساۤئي يوم الثلاثين من جميدي‌الاولي سنة ١٢٢٣ حامداً مصلياً مستغفرا.

[1] بسم اللّه الرحمن الرحيم – لو قيل ان المعلول واحد من عشرة بالنسبة الي علته التي هي في المرتبة الأولي و قد لوحظ فيها كونها مثلثة الكيان مربعة الكيفية دل هذا الكلام علي انه من سنخ العلّة من جهة انها عند نسبته اليها هي في الثانية فتكون سبعين فالواحد من العشرة هو سبعة من سبعين لانه لما كانت رتبته الثانية و رتبتها الأولي ففرضها في الثانية لاجل النسبة سبعون في الشدة و القوة فهي تكرّر الأولي التي هي السبعة فاذا قيل واحد من سبعين يراد منه ان السبعين التي هي العلة المفروضة في الأولي سبعة هي واحد و المعلول اثر وجهه اي ظهوره به فهو اي المعلول واحد حقيقي من سبعين في الشدّة و القوة هي واحد حقيقي فلايكون الواحد هنا جزءاً للسبعين ليكون من سنخها و انما هو اثر لوجهه و الاثر ليس جزءاً للمؤثر فلايكون من سنخه و لا جزءاً من عشرة لان العلّة ان لوحظ فيها التعدد حين النسبة اريد منها السنخية كما مر او ان الجزء المنسوب الي علته انما نسب الي احد اجزائها السبعة التي تكرّرت في الرتبة الثانية عند النسبة فلايكون منسوباً اليها باجمعها بل الي جزئها و لايكون اثراً لها فافهم ، منه ( اعلي اللّه مقامه )

[2] الباكورة اوّل الثمرة و هي الحَبّة و التين و الزيتون ، منه (اع)