الرسالة الغرویة
من مصنفات السید الاجل الامجد المرحوم الحاج
سید کاظم بن السید قاسم الحسینی اعلی الله مقامه
«* جواهر الحكم جلد 2 صفحه 601 *»
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله رب العالمين و صلي الله علي خير خلقه محمد و آله الطاهرين المعصومين.
اما بعد فيقول العبد الجاني و الاسير الفاني كاظم بن قاسم الحسيني الرشتي انه قد وردت من العالم العامل و الفاضل الکامل اللوذعي الالمعي المولي الصالح الشيخ محمد صالح اصلح الله له امر الدارين و حباه بکل ما تقر به العين مسائل کلت دون تحقيقها بصائر الافهام و حسرت عند شرحها و تنقيحها کما اراد اکثر مدارک الاحلام لانها من مخزونات العلوم و مکنونات الاسرار المودعة عند الخصيصين من العلماء الاعلام و اراد من الحقير المعترف بالقصور و التقصير جوابها و کشف حجابها علي الحقيقة و الواقع لا علي ما هو المتعارف الظاهر و انا مع قصور باعي و قلة اطلاعي قد تراکمت علي الاعراض و تواردت الامراض فجعلت القلب متقسما و البال متوزعا بادرت الي اجابته و انجاح طلبته لان الميسور لايسقط بالمعسور و قد احببت انتأتيني عند فراغ البال و عدم تراکم الاشغال لادي (کذا) بعض حقها علي التحقيق و اشير الي امور عجيبة غريبة لميخطر بالبال و لمتجر علي خيال و جعلت کلامه سلمه الله تعالي و ادامه متنا و جوابي کالشرح له کما هو شأني في اجوبة المسائل و الله المستعان و عليه التکلان في کل آن.
قال سلمه الله و ايده: بسم الله خير الاسماء و الحمد لله و الشکر له علي جميع ما انعم به علينا من الآلاء و صلي الله علي محمد سيد الانبياء و اهل بيته الهداة النجباء و بعد فيا مولانا قد من الله علينا بوجودک و وفقنا للعلم بطريق الاستضاءة بعلمک بسؤال ما جهلناه و طلب التنبيه عما اعقلناه قد اشکل علي بعض کلمات السالفين کقول بعضهم: کان موجودا قبل وجود السموات و الارضين و الافلاک ثم قال هذا القائل: و لايتوهم احد انها کانت موجودة کما
«* جواهر الحكم جلد 2 صفحه 602 *»
هي موجودة الآن و انما هي قدرة اخرجها الله تعالي فاکشف لها (لنا خل) باي کيفية وجوده و ما المراد من الحرف و ما حاله باعتبار السبق و هل يعقل سبقه عليه کليا و لو تعبيرا (تغييرا خل) اولا و هل هو في الازل سابقا عليها او علي الازل و عليها و ما المراد من عدم توهم مساواة وجودها قبل لوجودها (وجودها خل) الآن و ما المراد من الحصر بانما في کونها قدرة اخرجها الله تعالي.
اقول اعلم الحرف سر غيبي و نور الهي کان مخزونا و مکنونا تحت حجاب الواحدية في عالم الکينونة بسر البينونة فنزل من ذلک الحجاب الاعظم الي اطوار الوجودات الکونية بمراتبها و احوالها و تفاصيلها و اجمالاتها فانقسمت بالقسمة الاولية الي قسمين: امکانية و کونية، و الثاني ينقسم الي قسمين: تکوينية و تدوينية، و الاول ينقسم الي اقسام کثيرة لاتحصي جزئياتها الا ان کلياتها ثلاثة و ثلاثون کما عن مولانا الرضا صلوات الله عليه في حديث عمران الصابي اربعة منها استسرت بل تجللت بالسر و واحدة منها ابطنت في ظاهر القشور و مبادي الستور (الشؤون خل) و ثمانية و عشرون ظهرت و هي الحروف الظاهرة للخلق و هي معني قول مولانا الرضا7 و خمسة منها تحججت الا انه علي التفصيل الذي ذکرنا فخذ ذا و دع عنک التفاصيل التي ذکروها في قوله7 تحججت فانها لاتسمن و لاتغني من جوع و ان احببت الاشارة الي ما لميشر اليه احد من العلماء و لميخطر ببال شخص من الازکياء فاستمع لما يتلي ان هو الا وحي يوحي.
فالحرف الاول اي السر المقنع بالسر و المجلل به و هي النقطة الغير المحدودة بالحدود التي هي بالحروف غير مصوتة (مصوت خل) و بالشخص غير مجسدة (مجسد خل) و بالتشبيه غير موصوفة (موصوف خل) و باللون غير مصبوغة بريئة (مصبوغ بريء خل) عن الامکنة و الحدود مبعد عنها (عنه خل) الاقطار محتجبة (محتجب خل) عن حس کل متوهم مستترة (مستتر خل) غير مستورة (مستور خل) و الحرف الثاني حرکة النقطة و هي حرکة ذاتية و ميل حقيقي و شأن وجودي ظهرت من نفسها و استقرت في ظلها و دارت علي
«* جواهر الحكم جلد 2 صفحه 603 *»
مبدءها و استدارت ببارئها و الحرف الثالث نسبة النقطة الي الحرکة و ميلها اليها و ارادتها لها ارادة ذاتية و مناسبتها لها مناسبة حقيقية و الحرف الرابع نسبة الحرکة الي النقطة لانها لو لمتکن من الطرفين لميتحقق الوجود من البين و هذه الاربعة هي التي ذکرنا (ذکرنا انها خل) استترت (استقرت خل) و تجللت بالسر فاذا تحققت هذه الاحرف الاربع تکونت الالف و هي اللينة و هي التي ذکرنا انها ابطنت و هي مادة المواد و حقيقة الحقايق و اسقطس الاسطقسات و نور الانوار و منها نشأت الحروف و عنها بدات و اليها عادت فاول متولداتها الالف المتحرکة المشار اليها بالهمزة و هي الظاهرة في مفتتح الحروف ثم الالف المبسوطة و هي الباء التي ظهرت الموجودات منها کما قال9 ظهرت الموجودات من باء بسم الله الرحمن الرحيم و هکذا الي آخر الحروف الثمانية و العشرين فالحروف ثلاثة و ثلاثون کما عن الرضا7 کما تقدم و تسعة و عشرون باضافة الالف اللينية اليها اضافة الاب الي اولاده و الکلي الي الافراد المتحصلة منه کما عن النبي9 و ثمانية و عشرون کما هي المعروفة المتداولة و اما الحروف التکوينية من هذه المراتب فکما هي مذکورة في دائرة العقل من المراتب و اما التدوينية فهي علي اربعة اقسام:
فکرية و هي مايتخيلها الانسان من صورة الحروف فانها حروف غيبية لها تأثيرات حقيقية.
و عددية و هي قوي الصور الجزئية و روحها و سرها و غيبها منشأ الآثار و مبدأ خفيات الاطوار و هي موضوع علم الاوفاق الذي بتأثيراته ملأ الآفاق.
و رقمية و هي المکتوبة المنقوشة التي هي جاذبة لروح من الارواح و نور من الانوار علي حسب استعدادها و قابليتها من النورانية و الظلمانية و العلوية و السفلية.
و لفظية و هي الحروف الملفوظة التي يتلفظ بها الانسان و آثارها ظاهرة و تأثيراتها بينة.
فاذا اجتمعت هذه الاربعة کان لها تأثير عظيم في العالم العلوي و السفلي
«* جواهر الحكم جلد 2 صفحه 604 *»
و لما کانت العوالم متطابقة و امر الله تعالي واحدة کانت هذه المراتب المذکورة و الاقسام المعدودة للحروف کلها مترتبة في الوجود متنزلة من الغيب الي الشهود و اليها الاشارة في قوله تعالي و ان من شئ الا عندنا خزائنه و ماننزله الا بقدر معلوم فالحروف الامکانية مقدمة علي جميع المراتب کلها تقدم العلة علي معلولاتها (معلولها خل) و هي اذ ذاک امکانات ذکرية مستجنة في غيب الذکر الاول و هي المشية استجنانا ذکريا لا وجوديا کونيا کاستجنان الشجرة في النواة و الانسان في النطفة و هذه الحروف هي قدرة فعلية اخرجها الله سبحانه و تعالي لايجاد الکاينات و المکونات و هي القدرة التي استطال بها علي کل شئ مذروء و مبروء و هي امر الله الذي قامت به السموات و الارض و هو قول کن کما اشار اليه عز ذکره بقوله انما امره اذا اراد شيئا انيقول له کن فيکون من غير لفظ و لا کيف لذلک کما انه لا کيف له و هذه القدرة التي تنزلت بالحروف هي الفعل و الحرکة الايجادية الغير المحدودة بالحدود و الغير الظاهرة في الاحساس و الشهود لا هيئة لها و لا کيف و لا تعبير عنها بلفظ و لا حرف و هو قول مولانا الصادق7 في الدعاء بدت قدرتک يا الهي و لمتبد هيئة فشبهوک و جعلوا بعض آياتک اربابا يا الهي فمن ثم لميعرفوک يا سيدي و هذه القدرة ربما يعبر عنها في مقام التفهيم و التبيين عند التعلق لا في نفسها بالالف عند النظر الي الوجه الاعلي و بالکاف عند النظر الي الوجه الاسفل و لهذا تري الحروف المقطعة في اوايل السور في النصف الاول من القرآن کلها مبدوة بالالف و التي فيها في الآخرة مبدوة بالكاف و التي فيها في النصف الآخر مبدوة بالكاف لان القرآن فيه ذکر العالمين عالم المبدأ و عالم المنتهي و العالمان متطابقان کما قال عز و جل کما بدأکم تعودون و ما اذا کانت مصدرية يکون التقدير بدؤکم عودکم الا ان في البدء بساطة يعبر عنها بالالف و العود لتکثره (کثرة خل) لکونه مقام التعلقات و الروابط يعبر عنها بالکاف و کلاهما واحد يختلفان في الحکم من جهة التعلق و هنا اسرار کثيرة کتمانها في الصدور خير من ابرازها في السطور.
«* جواهر الحكم جلد 2 صفحه 605 *»
و هذه الحروف الامکانية المستجنة في غيب الفعل الذي هو القدرة لما تعلقت بآثارها بتعلق الفعل ظهرت الحروف الکونية و فصلت الحروف الامکانية کما فصلت هيئات حرکة اليد بتفصيل المداد الواحد بالهيئات و الصور الرقمية و النقشية و تلک الحروف الکونية ظهرت بآثارها و اشعتها في هذه الحروف التدوينية بمراتبها و کل حرف من هذه الحروف حاکية مثال حرف من الحروف الکونية جاذبة آثارها و تأثيراتها کالبلورة الجاذبة لحرارة الشمس عند مقابلتها اياها و فاعلة فعلها و هذه الحروف الکونية مقابلة للحروف الامکانية المستقرة في ظل الکينونة الظاهرة بالفعل و الامر الايجادي و هي القدرة التي بتأثيرها وجدت الموجودات و بآثارها سکنت السواکن و تحرکت المتحرکات ففي کل حرف تظهر تلک الآثار و الاطوار اذا صحت المقابلة و تحققت المواصلة و بعض احوال و طرق المقابلة مشروح في کتب علماء اهل هذا الفن و لذا تري يظهر بمراعاة تلک الشرايط و الاحوال آثار (احوال الآثار خل) عجيبة غريبة في الاطوار العلوية و السفلية کل ذلک لتصحيح المقابلة التي هي علة لجذب تلک الآثار الحقيقية کما مثلنا لک بالشمس و البلور فعلي ما فصلناه (فصلنا خل) بالاشارة تبين لک حقيقة الحروف و حالها باعتبار السبق و ان هذا السبق ليس في الازل لانه ذاته عز و جل و ليس فيه غيره تعالي بکل معني لا حرف و لا لفظ و لا معني و انما السبق باعتبار وجودها في عالم الفعل و المشية و الارادة و الکاف المستديرة علي نفسها و ليس وجود هذه الحروف الموجودة عندنا علي هذا التفصيل في الفعل وجودا استجنانيا و لا من حقيقة واحدة و انما کانت هذه الحروف ظلا و شعاعا لتلک الحروف المستجنة في الفعل نسبتها اليها نسبة الشعاع الي الشمس الا انه لا فرق بينه و بينها الا انها شعاعها و اثرها و تلک الحروف المستجنة في الفعل انما هي مستجنة فيه استجنان صلوح و ذکر لا عين و کون تفصل عند التعلق کالسرير و الصنم و الباب و الضريح و غيرها المستجنة في الخشب فاذا تعلق الفعل ظهرت الحروف التي هي علة لما عداها و هو قبل التعلق شئ واحد يعبر عنه بالقدرة مرة و بالرحمة و العلم و الکلمة و الولاية
«* جواهر الحكم جلد 2 صفحه 606 *»
المطلقة و امثالها اخري فافهم ما اشرنا اليه لک من السر الحق و الکبريت الاحمر و لو اردنا شرحها و بيانها علي التفصيل لطال بنا الکلام و في ماذکرنا کفاية لذوي الافهام و لا حول و لا قوة الا بالله العلي العظيم.
قال سلمه الله تعالي: و قال ايضا ان الله تعالي لما خلق اللوح و القلم و قال له اکتب فقال ما اکتب فنظر اليه بنظر الهيبة فقطرت من رأسه قطرة فنظر اليها بعين الکبرياء فصارت همزة فنظرت اليها بعين العظمة فامتدت الفا فقال تعالي لاجعلن هذا الحرف مبدأ اسمي الاعظم بحذف مني في العبارة غير مغير لما اشتملت (اشتمل خل) عليه من المراد حيث اردت اختصارها و ما معني قولهم فالالف محتو علي عجائب (عجاب خل) الملکوت و عظمة اللاهوت و هيبة الجبروت و ما معني تعليلهم بانه لميکن من القلم نقطة الا بعد تجليه تعالي له بعين الهيبة و بان النقطة غشيت من النور الالهي و الجلال الذاتي فبعده ماعت فصارت همزة فهي لمتظهر الا بعد تجلي الهيبة فصارت متغذية بنور الهيبة فما المراد من احتوائها و ما المراد من التعليل و ما معني التغذية بنور الهيبة.
اقول اعلم ان اللوح و القلم لهما اطلاقات کثيرة مستفادة من اخبار اهل البيت: و يختلف احکامهما (احکامها خل) بحسب کل اطلاق في کل مقام و اما في هذا المقام فالمراد بهما ليس ما هو المتعارف المتبادر عند الاطلاق عند علماء هذا الفن لان المراد عندهم من اللوح هو الباء و المراد بالقلم هو الالف المتحرکة و هذا لاينطبق علي ما في السؤال لان الهمزة التي هي الالف المتحرکة انما تکونت بالقلم بل القطرة الساقطة من رأسها فنقول المراد بالقلم في هذا المقام هو القلم الاعلي و هو اول غصن اخذ من شجرة الخلد و هو غصن من الياقوت الاحمر و اللوح ثاني غصن منها و هو من الزبرجد الاخضر قد بسط الي سبعين الف شبر في مثله و الغصن هو نفس الشجرة و الثاني هو نفس الاول قال تعالي و انفسنا و انفسکم و العبارة الظاهرة هي ان القلم نفس المشية الکلية و فلک الولاية المطلقة لان بها فصل الله سبحانه کلماته و حروف معاني خلقه في ماقضاه و دبره و رتبه في ملکوته فيکون قلم الکاتب في انشاء الکتاب
«* جواهر الحكم جلد 2 صفحه 607 *»
التکويني و اللوح ارض الامکان الراجح و رتبة الزناد القادح و لما خلق الله اللوح بالقلم اي المشية و ارض الامکان التي هي محلها و موقع نجومها و مهبط احکامها و مخزن علومها قال له اکتب و الکتابة هي اثبات الحقايق و الذوات و الصفات و اللوازم و المتممات و المکملات من حروف الکلمات الدالة علي مراد الله سبحانه في الايجاد و الانوجاد و شرح اسمائه و صفاته و کينونات (کينونة خل) رحمته و کل ذلک لما کان بالمشية و الفعل و کان امر الله سبحانه جاريا علي الاختيار من غير جبر و اضطرار امره سبحانه بالامر الاختياري و قال له اکتب و لما کان الفعل بتعلقه بالامکان حصل له جهتان و الخطاب للمجموع المرکب المختار المتحصل من تينک الجهتين و نظرا الي الجهة السفلي کما هو شأن المکلف المختار من حيث وقوع التکليف و الخطاب لانهما يقعان علي الشئ من حيث هو و تلک الجهة جهة عقلية و ادبار و تذلل و انکسار و عجز و نقص و اعدام اجاب متحيرا و (او خل) تکلم متفهما و انه ليس عندي شئ و الفيض و العلم و النور کله عندک و قال ما اکتب و انا من حيث انا لا اعلم شيئا و لااقدر علي شئ و هذا عند ذهوله عن الجهة العليا و المبدأ الاعلي و لما کان هذا السؤال من جهة انيته و ماهيته الضعيفة الجاهلة و اراد سبحانه ترقيه الي الجهة العليا ليظهر به مجاري اقضيته و اقداره کما يشاء بما يشاء فنظر اليه تعالي بنظر الهيبة ليجذبه اليه و يذيب جموده و يوجهه الي عالم النور و يوصله الي مقام السرور و لاشک ان حرارة التجلي اذا وقعت علي جمود الماهية الباردة البعيدة عن النور تستدعي الذوبان و الرطوبة و لذا قالوا ان الحرارة نکحت (نکحت البرودة خل) تولدت (تولد خل) منهما الرطوبة و لذا قطرت من رأسه قطرة و هذا الرأس هو وجه الفعل المختص بالمفعول الاول المنفصل عنه مثل هيئة حرکة اليد المناسبة للمکتوب فهناک هيئتان احداهما للحرکة و الثانية للمفعول المطلق و هما متطابقتان (متطابقان خل) کل واحدة علي طبق الاخري يعني تکون الثانية علي مثال الاولي (الاول خل) کما تجد من حرکة يدک المتعلقة بالالف مثلا.
«* جواهر الحكم جلد 2 صفحه 608 *»
و لما کان المفعول الاول من حيث تعلق الجعل به في کمال البساطة و الذوبان و السريان في جميع اطوار القيود و الحدود عبر عنه بالقطرة حيث انه وجه واحد من وجوه المشية الکلية و لما کان المفعول من حيث هو مفعول ظاهر الفعل و الفاعل و هو في رتبة السافل و عالم الظهور الحامل[1] فعبر عن تعلق فعله سبحانه و تعالي به لتعينه و حدوده و تشخصه بالکبرياء لانها ظهور الحق سبحانه في عالم الکثرة الشهودية فقال فنظر اليها بعين الکبرياء فصارت همزة و لما کان المفعول الاول له جهتان جهة الوجود و جهة الماهية و کل منهما يستدعي جعلا علي حدة فعبر عن الجعل المتعلق بالوجود بنظر الهيبة و عن الجعل المتعلق بالماهية بنظر الکبرياء و انما عبر عن الجعل بالنظر لان الجعل هو توجه الجاعل الي المجعول بالايجاد علي جهة القهر و الغلبة و العزة و الهيمنة و هو مفاد النظر بنظر الهيبة و الکبرياء و المراد بالهمزة هنا الالف المتحرکة و يعبر عنها بالالف القائمة کما ان المراد بالقطرة النازلة من رأس القلم الالف اللينية و الهمزة في مقابل العقل الکلي يربيها اسم الله البديع.
ثم لما اراد الله سبحانه و تعالي ايجاد الحروف من التکوينية و التدوينية و کانت الحروف انما تفصلت من الالف المعبر عنها بالهمزة في هذه العبارة في التکوين و التدوين اما التکوينية فمن اقبال العقل و ادباره و اما في التدوينية فمن تنزلات الالف و انبساطاته و لذا حصل من انبساط الالف الباء و من ميل الالف علي (الي خل) الباء الجيم و من انبساط الباء الحاصلة من انبساط الالف الدال و من ميل الباء علي الدال الهاء و هکذا ساير الحروف و لما کان هذه الجهات و النشآت لاتکون الا بالجعل الالهي فقال فنظر اليها بعين العظمة فامتدت الفا و النظر اليها بعين العظمة تعلق الجعل بادبارها و تنزلها اي الهمزة المعبر عنها بالعقل في الحروف التکوينية و بالالف المتحرکة في التدوينية و العظمة هو ظهور الحق سبحانه في عالم الکثرة الغيبية و عبر بالکبرياء عن الاول و ان کان
«* جواهر الحكم جلد 2 صفحه 609 *»
بالنسبة الي هذه المرتبة غيبا لبيان کونه من عالم الظهور و الشهود بالنسبة الي عالم الامر المعبر عنه بالقلم في هذا المقام و لما کان هذه الرتبة مقام الکثرات و مقام تنزل العقل الي النفس المستدعي للنقوش و الهيئات و النسب و الاضافات و کان غيبا بالنسبة الي عالم الملک عبر عن توجه العناية الي هذه الرتبة بتعلق الفعل بها نظر العظمة فامتدت اي انبسطت و تشعبت فکانت الفا و هذه هي الالف المبسوطة عند اهل هذا الشأن و يعبر عنها بالباء في البسملة و هو قول رسول الله9 علي ما رواه ابن ابيجمهور في المجلي ظهرت الموجودات من باء بسم الله الرحمن الرحيم و لما کانت البسملة هي الاسم الاعظم بنص روايات متکاثرة (متکثرة خل) جعل الله سبحانه الالف المبسوطة الذي هو مبدأ ظهور العوالم و امتياز النشآت في مبدئها و اليه الاشارة بقوله فقال تعالي لاجعلن هذا الحرف مبدأ اسمي الاعظم و هو الاسم الاعظم المهيمن علي کل العالم الجامع لجميع ما في القرآن من السر المعمي و الرمز المنمنم و لک انتجعل هذا الاسم الاعظم هو اسم الله و الالف المبدوة به انما هو الالف المبسوطة ظهرت علي وجه البساطة حکاية لعالم الوحدة و تحرزا عن عالم الکثرة ففي عالم الوحدة و الاجمال مبدأ الاسم الاعظم الله و في عالم الکثرة و التفصيل مبدأ الاسم الاسم بسم الله الرحمن الرحيم و قد ذکرت لک الوجهين و کشفت لک القناع من البين و هنا وجوه اخر ترکتها خوفا من فرعون و ملئه الا ان جنابک تدرکها (يدرکها خل) بلطيف الاشارة مما لوحنا بصريح العبارة.
و اما معني قولهم فالالف محتو علي عجايب الملکوت و عظمة اللاهوت و هيبة الجبروت فاعلم ان الالف بصورته الظاهرة المعبر عنها بالالف المبسوطة المشار اليها آنفا محتوية علي عجايب الملکوت لانه عالم النفوس و محل الهيئات و النقوش و کلها تفرعت منها و تشعبت عنها و هي الاصل و الاصل محتو علي جميع کمالات الفرع و هي العجايب التي احتوتها الالف المبسوطة و الالف بسرها و غيبها و نقطتها محتوية علي عظمة اللاهوت و هي مشتقة من اللاهوتية اي اللاتعين و التشخص و هو الفؤاد و باب المراد و مقام الاتحاد و
«* جواهر الحكم جلد 2 صفحه 610 *»
المبدأ الذي هو المعاد فنور (بنور خل) العظمة الماحي لکل ماسواه و الفاني کل ماعداه و الغاشي بنوره عالم الملک و الملکوت و الجبروت هو الاسم الذي بالحروف غير مصوت و باللفظ غير منطق و بالشخص غير مجسد و بالتشبيه غير موصوف و باللون غيرمصبوغ برئ عن الامکنة و الحدود مبعد عنه (عن خل) الاقطار محجوب عنه حس کل متوهم مستتر غير مستور و کذا الالف باول تنزلها في معناها و ظهور الصور المستجنة فيها محتوية علي هيئة الجبروت لانها مبدأ عالمها و سر حقيقتها و منها تشعبت و عنها تفرقت و اليها عادت و الاصل محتو لجميع کمالات الفروع و انما نسب العجايب الي الملکوت و العظمة الي اللاهوت و الهيبة الي الجبروت لان الملکوت مقام الکثرة و اختلاف الاشياء باطوارها و اکوارها و ادوارها و اوطارها و لوازمها و شرايطها و متمماتها و مکملاتها و عناصرها و طبايعها و قرانات نسبها المتولدة (المولدة خل) منها من العجايب و الغرايب ما لا عين رأت و لا اذن سمعت و لا خطر علي قلب بشر و اللاهوت مقام الفناء و زوال الاشياء و اضمحلالها و ظهور التجلي الماحي لوجود المتجلي له و التجلي انما هو مقدار سم الابرة من نور العظمة علي ما روي عنهم: و الجبروت مقام القهر و الغلبة و الاستيلاء و استجنان تلک الکثرات و خمود الانيات و عدم ظهور اطوار الکاينات و هي تستدعي الهيبة المستدعية للعزة فافهم.
و اما حصول النقطة من القلم بتجليه تعالي له بعين الهيبة فتبين لک مما ذکرنا من ان القلم هو المشية و النقطة هي المبدأ الوجود المقيد و النظر اليها بعين الهيبة تعلق الجعل باقتران الماهية النوعية الکلية بها و جعلها مبدأ و مهيمنا علي ماسواها مستقرا للکثرات فالقي مثال هيبته سبحانه في هويتها لهذا القهر و الغلبة و هو زمام الله المنيع الذي لايطاول و لايحاول و من هذه الجهة قال و هيبة الجبروت کما قدمنا.
و اما غشيان النقطة بالنور الالهي و الجلال الذاتي فظاهر لما ذکرنا من انه وجه التوحيد و حجاب التفريد و التجريد و ميعانها عبارة عن تنزلها و ارتباطها
«* جواهر الحكم جلد 2 صفحه 611 *»
الي الحدود و الماهية فهي ميعان يتعقبه جمود و لذا کانت همزة و هي علي اصطلاحهم العقد الاول بعد الحل الاول و اما ظهورها بتجلي الهيبة فکما ذکرنا آنفا من بيان کون الهيبة بعد الظلمة و تغذيتها بنور الهيبة استمدادها من ذلک المثال و اتصالها بذلک الجلال فقد تبين من هذا البيان التام المراد من الاضواء و التعليل و التغذية فافهم راشدا موفقا.
قال سلمه الله: و ما معني قول السيد الجليل آصف بن برخيا «الحرف سر من اسرار مخزون في خزائن علمه في ناحية من نواحي الغيب لايعلمه الا الله و الحرف هو سر مکنون و النور المخزون» الي آخره فما المراد بقول هذا السيد و ما معني کونه مخزونا و ما المراد من کونه في ناحية من نواحي الغيب و ما معني نفي علمه مطلقا الا الله و کيف يکون معني هذا الکلام مع ملاحظة بکم بدأ الله و بکم يختم مع الالتزام بکونهم: العلة بمعانيها الاربع افدنا مأجورا و لازلتم مسددا مؤيدا مکلوءا و ليس لنا حق نطالب نفسک الزکية به في المبادرة الي تشريف عبدک بالاستضاءة بلمعة من انوار اهدائک و السلام علي مولاي اولا و آخرا.
اقول اما معني قول السيد الجليل المذکور «ان الحرف سر من اسرار الله» فامران:
احدهما ان المراد بالحرف هو حرف الکلمة التامة التي انزجر لها العمق الاکبر و قامت به السموات و الارضون و ظهور الحروف في المرتبة الثالثة من هذه الکلمة الطيبة فان اول مراتبها النقطة و ثانيها الالف المعبر عنها بالنفس الرحماني الاولي و ثالثها تحديد الالف بالحروف و تکون الحروف المختلفة الفعلية التي بها قوام الموجودات الکونية و العينية و رابعها الکلمة التامة التي تألفت من تلک الحروف و خامسها الدلالة الحاصلة من اثر تلک الکلمة و هي مادة المواد و هيولي الهيولات و عنصر العناصر و اسطقس الاسطقسات و بها اي بتنزلها بالحدود و التشخصات تکونت اطوار الموجودات فقوام الموجودات و ملاکها بهذه الحقيقة التي هي دلالة الکلمة الاولية و اثرها فقوام الدلالة بالکلمة
«* جواهر الحكم جلد 2 صفحه 612 *»
قوام الشعاع بالمنير و قوام الکلمة بالحروف قوام المرکب بالاجزاء و قوام الحروف بالالف قوام المفصل بالمجمل و قوام الالف بالنقطة قوام الظهور بالبطون و لما کان الاثر لايمکن له الارتقاء الي حقيقة ذات المؤثر و قد دلت الادلة القطعية ان کلمة کن هي العلة المؤثرة بالله سبحانه و تعالي في الوجود و الخلق کله آثارها فلايلحق الاثر و ان ترقي بحقيقة ذات المؤثر ففعل المؤثر بالنسبة الي الاثر سر لايصل اليه الاثر بحال من الاحوال فالحروف الظاهرة في تلک الکلمة اي کلمة الفعل «سر من اسرار الله مخزون في خزائن علمه» و هو العلم الحادث و عالم الامکان اي اعلا مقاماته فهذا السر الذي هو الحروف مخزون في الکلمة التامة و هي مخزونة في عالم الامکان الراجح و الامکان الراجح مخزون (مخزونة خل) في رتبة مقامه (مقامه فهي خل) لايصل اليه الامکان الجايز بحال من الاحوال لانقطاع الاثر عند ظهور فعل المؤثر فهذه الحروف هي سر من اسرار الله کما ذکرنا و قوله «في ناحية من نواحي الغيب» الغيب هو الامکان الذي ما لبس حلة الکون فله نواحي احداها الکلمة المذکورة اي الفعل و المشية الامکانية و الثانية الحروف العاليات و الثالثة الالف و الرابعة النقطة و الخامسة محلها اي الکلمة و متعلقها اي الامکان الراجح و ذکر الاشياء فکانت الحروف في الناحية العليا من نواحي الغيب فلايعلمه الا الله لان کل ما سوي الله دونه و تحت رتبته فلايصلون اليه لان العلم و الوصول شرطه (شرط خل) اتحاد الرتبة و هو هنا منتف فلايعلمه احد الا الله و هذه الحروف هي بحر القدر او الکلمة بحر القدر و في قعرها شمس تضئ و هي الالف علي الاول و الحروف علي الثاني لاينبغي انيطلع عليها الا الواحد الفرد فمن تطلع عليها فقد ضاد الله في ملکه و نازعه في سلطانه و باء بغضب من الله و مأويه جهنم و بئس المصير لان منها امدادات الاشياء و اصل البداء فلايحيط الا الخارج عن عالم الامکان و فيها (منها خل) الاجل المسمي الذي قال تعالي و اجل مسمي عنده فافهم:
و ثانيهما (ثانيها خل) ان المراد بالغيب هو الغيب الکوني و هو علي
«* جواهر الحكم جلد 2 صفحه 613 *»
قسمين ذاتي و وصفي فالذاتي هو الجواهر القدسية کالنفوس المجردة و الارواح الرقايقية و العقول القادسة و الوصفي هو اللطايف الظاهرة بالحدود الحروفية الحاملة لسر من الاسرار الالهية الفعلية و هي مخزونة في الخزاين الغيبية قبل ظهورها في النشآت الجسمية علي الصور اللفظية و الرقمية و النقشية فهي حدود صور قائمة بامر الله حاملة لفعل الله مخزونة في غيب الله لايعلمها احد الا الله او من علمه سبحانه ممن ارتضاه او اجتباه و هو قوله تعالي عالم الغيب فلايظهر علي غيبه احدا الا من ارتضي من رسول و قوله تعالي و ماکان الله ليطلعکم علي الغيب و لکن الله يجتبي من رسله من يشاء فالحرف هو السر المکنون في الخزاين الغيبية الکونية في المراتب الوصفية و النور المخزون المشرق من شمس المشية علي آفاق العوالم الغيبية الظاهر في العالم الجسماني بالحدود التدوينية و لما کان هذا الغيب کما ذکرنا له ناحيتان ناحية الذات و التکوين و ناحية الصفات و التدوين و کل منهما مشتمل علي نواحي هي مراتبها و کلاهما مخزونان فوق عالم الشهادة کل في مقامه علي حسبه و قال السيد الجليل الکريم «في ناحية من نواحي الغيب» و هي الناحية السفلي دون العليا بعکس الاولي فقد ظهر من هذا البيان العام الخاص المراد من کون الحرف مخزونا في الخزانتين الامکاني و الکوني و المراد من کونه «في ناحية من نواحي الغيب» الغيب الامکاني و الکوني ايضا.
و اما معني نفي علمه مطلقا لغير الله اما في الغيب الامکاني في الحروف التي في الرتبة الثالثة من مراتب الفعل فذلک لايعلمه الا الله سبحانه و تعالي و لاينافي ذلک کون آل محمد سلام الله عليهم بهم بدأ الله و بهم يختم و انهم العلل الاربع لان ذلک في عالم الکون دون الامکان لانهم الفقراء المحتاجون الي فيض الله و مدده فان کانوا محتاجين الي ما عندهم فذلک تحصيل للحاصل بل محال لايعقل و ان کان (کانوا خل) الي ما ليس عندهم فلايعلمونه الا عند ما وصل اليهم و ان الاحاطة بالشئ لايکون الا بالخروج عن دائرته و هم سلام الله عليهم لايخرجون عن دائرة الامکان و لايدخلون في دائرة الوجوب فلايزالون
«* جواهر الحكم جلد 2 صفحه 614 *»
يتجددون في العلم آنا فآنا و ساعة و في ليالي الجمعة و ليالي القدر و غير ذلک فهم لايحيطون بعلمه الا بماشاء کونه و کونهم العلل الاربع في عالم الاکوان لاينافي استمدادهم من عالم الامکان مع ملاحظة انه ماسبقهم سابق و لا لحقهم لاحق و لايطمع في ادراکهم طامع و انما تکون المنافاة عند توهم الاستقلال دون الاضمحلال و لايحتاج جنابک الي تنبيه ازيد مماذکرنا و اما في الغيب الکوني فلايعلمون الا بتعليم من الله بمدد جديد کما ذکرنا سابقا فکلما في عالم الاکوان في جميع خزائنها من الغيب و الشهادة فانهم: يعلمونه بتعليم الله لا بانفسهم و کل ما في عالم الامکان لايعلمونه الا حين ما يلبس حلة الکون و ان شاؤوا انيعلموا قبل ذلک فيعلمهم الله تعالي بذلک و هو معني قولهم: متي شاؤوا علموا فافهم فهمک الله تعالي.
قال سلمه الله: و ما المراد من کلام اندلسين و الزماطرة ان ارواح الحروف دائمة الفيض و الهبوط ابد الآباد من العالم الاعلي علي اشکال الحروف الموجودة في العالم الآدمي الانساني و هذه الارواح ابدية الفيض و دائمة الهبوط علي الدوام قائمة مقامها الذي خلقت منه لزمت ما التزم منه الافلاک ملازمة فيض الارواح علي اشکالها سيدي افدني هل المراد بالحروف (بالارواح خل) القوي اللازمة لها او الاعداد الواقعة او غيرها و ما المراد من العالم الاعلي و من الاشکال الموجودة في العالم الآدمي و ما ابدية الفيض و ما دوام الهبوط و مامعني قيامها مقامها الذي خلقت له و مالزمت من الالتزام المشارک للافلاک نور بصري بطلعة شمس الهدي في فلک جواب البصيرة وفقني الله للقيام بخدمة خطابک.
اقول اعلم ان ارواح الحروف تطلق و يراد بها معان: منها صورها الفکرية و الخيالية و النفسية و منها قواها العددية و منها ارکانها الطبيعية[2] و منها طبايعها العنصرية و منها نقطة وجودها و حقيقة ظهورها و شهودها و قطب تأصلها و
«* جواهر الحكم جلد 2 صفحه 615 *»
تحققها و المراد بالارواح هنا تلک النقطة الحقيقية المبدئية (البدنية خل) المقابلة لفوارة القدر بامر مستقر الملازمة في النظر و التوجه و الالتفات لقطب المشية و فلک الولاية المطلقة و لما کان فيض الله سبحانه لاينقطع بل دائما يزداد و يتجدد فاول مايبرز من المشية يقع علي تلک النقطة تنبسط الفا و تتحدد الالف حروفا کل حرف حامل وجه من وجوه ذلک الفعل الکلي ظاهر علي هيئة (هيئته خل) مطابق للاسم الالهي المربي لتلک الحقيقة فاول الفيض الظاهر من اسم الله البديع علي هيئة الالف المتحرکة في الحروف الکونية فاستمد منها العقل ثم الفيض الظاهر من الاسم الباطن علي هيئة الباء فاستمدت منها النفس ثم الفيض الظاهر من اسم الله (الله الظاهر خل) علي هيئة الجيم في الحروف الکونية فاستمدت منها الطبيعة ثم الفيض الظاهر من اسم الله الآخر علي هيئة الدال فاستمدت منها المادة الکلية ثم الفيض الظاهر من اسم الله الظاهر علي هيئة الهاء فاستمد منها شکل الکل ثم الفيض الظاهر من اسم الله الحليم علي هيئة الواو فاستمد منها جسم الکل ثم الفيض الظاهر من اسم الله المحيط علي هيئة الزاء فاستمد منها العرش محدد الجهات ثم الفيض الظاهر من اسم الله الشکور علي هيئة الحاء فاستمد منه (منها خل) الکرسي ثم الفيض الظاهر من اسم الله الغني علي هيئة الطاء فاستمد منه فلک البروج ثم الفيض الظاهر من اسم الله المقتدر علي هيئة الياء فاستمد منه فلک المنازل ثم الفيض الظاهر من اسم الله الرب علي هيئة الکاف فاستمد منه زحل بفلکه ثم الفيض الظاهر من اسم الله العليم (العلي خل) علي هيئة اللام فاستمدت منه فلک المشتري ثم الفيض الظاهر من اسم الله القاهر علي هيئة الميم فاستمد منه فلک المريخ ثم الفيض الظاهر من اسم الله النور علي هيئة النون فاستمد منه فلک الشمس ثم الفيض الظاهر من اسم الله المصور علي هيئة السين فاستمد منه فلک الزهرة ثم الفيض الظاهر من اسم الله المحصي علي هيئة العين فاستمد منه فلک عطارد ثم الفيض الظاهر من اسم الله المبين علي هيئة الفاء فاستمد منه فلک القمر ثم الفيض الظاهر من اسم الله القابض علي هيئة الصاد فاستمد منه کرة النار ثم الفيض الظاهر من اسم الله
«* جواهر الحكم جلد 2 صفحه 616 *»
الحي علي هيئة الراء فاستمد منه کرة الهواء ثم الفيض الظاهر من اسم الله المحيي فاستمد منه کرة الماء ثم الفيض الظاهر من اسم الله المميت علي هيئة الشين فاستمد منه التراب ثم الفيض الظاهر من اسم الله العزيز علي هيئة التاء فاستمد منه المعدن ثم الفيض الظاهر من اسم الله الرازق علي هيئة الثاء فاستمد منه النبات ثم الفيض الظاهر من اسم الله المذل علي هيئة الخاء المعجمة فاستمد منه الحيوان ثم الفيض الظاهر من اسم الله القوي علي هيئة الذال المعجمة فاستمد منه الملك ثم الفيض الظاهر من اسم الله اللطيف علي هيئة الضاد المعجمة فاستمد منه الجن ثم الفيض الظاهر من اسم الله الجامع علي هيئة الظاء المعجمة فاستمد منه الانسان ثم الفيض الظاهر من اسم الله رفيع الدرجات علي هيئة الغين فاستمد منه الغوث و القطب الجامع في الرتبة المذکورة.
و هذه المذکورات هي تمام ارکان الوجود الکوني و مراتبه لايشذ منها شيء و هي متقومة بهذه الاسماء الظاهرة بهذه الحروف فکل حرف حامل اسم من فعل و بذلک يکون عاملا فيهما يؤدي اليهما ماحمل من الفعل فهذه الاسماء المذکورة هي کليات الاسماء الالهية المدبرة التي بها خلق الله ما خلق و اعطي مااعطي و منع ما منع من فيضه الاقدس و المقدس و هي ارواح الحروف اي نقطة وجودها و سر کينونتها قد اشتقت من الفعل المتعلق بتلک النقطة کالقائم المشتق من الفعل حين تعلقه بالقيام و هذه الاسماء هي الارواح و هي القطب لتلک الاشباح و هي دائمة الفيض و الهبوط اي النزول باشعتها و اشراقات (اشراق خل) وجودها بالله سبحانه بالافاضة و الاحداث و الايجاد و لما کان فيض الله سبحانه لاينقطع ابدا علي ذرات الکاينات و انما يفيض سبحانه بالاسماء التي هي من اعظم الاسباب فاستجنت قوي تلک الاسماء في الحروف فاستدامت في الافاضة و الاشراق فلانهاية لهذه الافاضة و لذا قالوا کما ذکرت ايدک الله ان ارواح الحروف دائمة الفيض و الهبوط ابد الآباد من العالم الاعلي علي اشکال الحروف الموجودة، و المراد بالعالم الاعلي عالم اللاهوت و وجه الحي الذي لايموت و اول متعلق المشية الذي هو محل الافاضة و هي علي
«* جواهر الحكم جلد 2 صفحه 617 *»
اشکال الحروف الکونية کما فصلنا لکم و الحروف الموجودة في عالم الانساني الآدمي لها معنيان:
احدهما هي الحروف التدوينية التي يتعاطاها الانسان في اللفظ و الرقم و الفکر و العدد الظاهر بثمانية و عشرين حرفا هي الاولاد او تسعة و عشرين بملاحظة ابيها او بثلاثة و ثلاثين بملاحظة المراتب الاربع للکلمة التامة التي کل مرتبة حرف و هي الاصل القديم و الاب اي اب الحروف هو الفرع الکريم.
و ثانيهما هي الحروف التکوينية الظاهرة بثمانية و عشرين مرتبة في العالم الانساني (الانسان خل) کما فصلنا لک او تسعة و عشرين بملاحظة الوجود المطلق الساري في الجميع او ثلاثة و ثلاثين بملاحظة ظهور المشية الکلية بتأکيدها الذي هو المصدر و هو الفعل الذي اشتق من المصدر کما زعمه مطلقا من لاحظ له في العلم و المعرفة.
و مراتب المشية اربعة الاولي هي الرحمة و السر المقنع بالسر و السر المجلل بالسر الثانية النفس الرحماني الاولي و السر المستسر و الرياح المثار من شجر البحر و هو الحل الاول الثالثة السحاب المزجي و باطن الظاهر و السر و العقد الاول و الرابعة السحاب المتراکم و الظاهر و هذه الاربعة الظاهرة في العالم الانساني مع التسعة و العشرين تکون ثلاثة و ثلاثين و هذه هي الحروف التدوينية و التکوينية المجتمعة في الرتبة الانسانية الحاملة للحروف الحاملة للارواح الواقفة علي فوارة الفيض ابد الابدين و دهر الداهرين و لذا قالوا ان هذه الارواح ابدية الفيض دائمة الهبوط علي الدوام.
و لما کان کل شئ له مقام معلوم لايتعداه و لايتجاوزه کما قال عز و جل و ما منا الا له مقام معلوم فالمفيض في مقام الافاضة لايتنزل بذاته الي المستفيض فاذا سمعت التنزل في کلام الله کما في قوله تعالي و ماننزله الا بقدر معلوم و في کلمات اهل البيت: فانما المراد به التنزل بالنور و الشعاع او القشر و الانجماد و الا فکل شئ في مقامه هو و لذا قالوا قائمة مقامها الذي
«* جواهر الحكم جلد 2 صفحه 618 *»
خلقت فيه (منه خل) اي تلک الارواح قائمة في مقامها الذي خلقت تلک الارواح في ذلک المقام و هو عالم اللاهوت و حجاب الجبروت و وجه الحي الذي لايموت مقام البرزخية الکبري و مرتبة الروح من امر الله و مقام يا آدم روحک من روحي و طبيعتک خلاف کينونتي و تلک الارواح التي هي تلک الاسماء المذکورة ظاهرة علي اشکال الحروف الکونية و الوصفية المذکورتين لان الاثر علي هيئة صفة مؤثره و الشعاع علي صفة کينونة منيره و لما کان مبادي الوجود انما هي الافلاک التسعة و ماسواها يستمد منها و هي تستمد من تلک الارواح فاستمداد ساير الاشياء و الموجودات منها بالطريق الاولي و لذا قالوا: لزمت ما التزم منه الافلاک لزمت الافلاک و ما التزمت من ذلک الفيض الابدي الصادرة من تلک الارواح ملازمة فيض الارواح علي اشکالها اي افاضة تلک الارواح الحرفية علي الافلاک فيض الارواح علي حسب اشکالها المعنوية الغيبية علي القوابل السفلية او المراد بقولهم علي اشکالها اي حدودها و صورها المحققة للمراتب السفلية التي هي دونها فتلک الاشکال حاملة لفيض الارواح موصلة الي غيرها من المراتب فتبين لک من هذا البيان المراد من الارواح للحروف و ان المراد منها هي تلک الحقيقة الواحدة السارية في الحدود الثمانية و العشرين او غيرها علي ما فصلنا و هذه الاشکال الحرفية (الجزئية خل) التي هي اعم من الحروف الفکرية و العددية و الطبيعية المعبر عنها في کلامکم بالقوي اللازمة او الاعداد الواقعية و هي کلها حروف حاملة لفيض تلک الارواح موصلة الي محالها و قوابلها فمنها حروف جارة و منها حروف (الحروف خل) المشبهة بالفعل التام او الناقص و منها الحروف الجازمة و منها الحروف الناصبة و منها الحروف الرافعة و غيرها من امثالها فافهم و الا فاسلم تسلم.
قال سلمه الله تعالي: و ما المراد بمجموع کلام السيد آصف بن برخيا و دقايق جزئياته حيث يقول: «ان الاشکال مقناطيس لارواحها متي صور شکلا جذب روحه اليه فيهبط و يستعد للتحريک لساعته و هذه اول مقامات هذا العلم الذي يکون منه اتصال الاعلي بالادني و هذا اقوي دليل علي تولية عالم
«* جواهر الحكم جلد 2 صفحه 619 *»
الانساني علي التصرف في الموجودات و جذب العلويات للسفليات و استخدام الجميع في العمليات (العليات خل) فالاحرف فاعلة لامحالة في الوقت و انما بقي طريق التهذيبات و الترکيبات فهذا الاتصال الروحاني في مقام کن و التهذيب و الترکيب في مقام فيکون فيفعل مايشاء و يحکم مايريد بقدرة الله و فيضان الارواح علي الاشکال من اربع جهات» نور قلبي بما من الله به عليک (علينا خل) جعلني الله وقاک من کل مکروه يصدر اليک.
اقول اراد7 انيبين في هذه الکلمات ربط العلويات بالسفليات و سر الامر في الاحکام العمليات (احکام العليات خل) و منه يظهر الامر في النواميس الالهية و حقيقة الشرعيات و علة التأثير في الاوفاق (الاوقات خل) و الاعداد و الاشکال من المثلث و المربع و المخمس و امثالها و کذا علة التأثير في الحروف اللفظية و النقشية الرقمية و الفکرية و العددية و سر ان الاثر و المؤثر کل منهما في رتبة ذاتهما و حقيقتهما لايخرج کل منهما عن مقامهما و يقع التأثير بينهما و احکام الرؤيا فانها علي ماعبرت و الاختلاف في طبايع الحروف و صحة عمل کل من المختلفين علي اختلاف اعتقاداتهم فهاء کالباء مثلا فان جماعة زعموا انها باردة يابسة و اخري زعموا انها حارة رطبة نقيض الاولي و کل من الفريقين يستعملها علي حسب معتقده فيها فتؤثر مع ان القولين نقيضان و الواقع واحد و الحاصل انه7 احل في هذه الکلمات الموجزة مشکلات و رفع بها معضلات و اشار الي آيات بينات فقال «ان الاشکال مقناطيس لارواحها» فاذا تحقق شکل اي الهيئة و الصورة بقرانات اجزاء معتدلة مؤتلفة او غيرمؤتلفة تناسب روحانيا من الروحانيات فتتعلق اشعته (اشعة خل) بها فتکون حياتها بذلک التعلق اذا استقرت المقابلة کما اذا قابلت الشمس مرايا مختلفة متعددة فکل منها تجذب شعاعا يظهر فيها علي حسبها و يحکم عليه بها و يؤثر علي حسبها في صفاء المرآة و کدوراتها و اعتدالها و اعوجاجها و بياضها و احمرارها و اصفرارها و ضعفها و قوتها و انجذابها و تساوي سطوحها کل منها تجذب من ذلک النور مايناسبه و کذلک کل شکل من الاشکال جاذب
«* جواهر الحكم جلد 2 صفحه 620 *»
بشعاع حقيقة من الحقايق العلوية و السفلية لان النور الرحماني لايزال منبسطا فاذا حصلت قوابل ظهوره ظهر و الاشکال و الصور هي القابليات و هي الماهيات (الماهية خل) التي لازمة للوجودات علي ما هو التحقيق و لذا کانت صور الطاعات و الاعمال الشرعية جواذب للخير و النور تظهر آثارها لمن له عينان و في البرزخ و يوم القيامة لکل احد و کذلک صور المعاصي جواذب الآثار (آثار خل) السجينية مع ما عليها من انواع الآلام و الاسقام علي حسب مناسبة تلک الصورة لتلک الظلمة و کذلک الاشکال في علم الاوفاق فان الشکل اذا تحقق علي کمال الاعتدال جذب شعاع روحاني علي حسب مقابلته و حکايته بخلاف الجارية علي خلاف الاعتدال و علي خلاف القوانين المعتبرة عندهم في ترتيب الاشکال و ان کانت اشعة الروحانيات موجودة لکنها ليست قابلة للحکاية کما مثلنا لک بالشمس و اشراقها علي المرايا و علي البلور و علي الاحجار الغاسغة (الغاسقة ظ) حرفا بحرف فالفيض الالهي موجود و الصور و الاشکال الواقعة علي نهج القرانات المتناسبة مظهرة و حاملة جاذبة لافعاله بالقاء مثاله و قابليته لحمل القاء ذلک المثال کما في قول اميرالمؤمنين7 فالقي في هويتها مثاله فاظهر عنها افعاله فالمثال دائم الوجود و الهوية القابلة لالقاء المثال هي تلک الصورة و الهيئات.
و لذا تري الحکماء ذکروا ان الذي يريد انيکون له ولد علي هيئة و صورة خاصة يريدها يتصورها عند الجماع فانه اذا قدر الله له ولدا يکون علي تلک الهيئة و الصورة و قد جذبت تلک المادة لما تحققت و استقرت و استدامت و کذلک اهل الجنة کلما تصوروا شيئا حضر عندهم علي حسبها لان الجاذب المقتضي موجود و المانع من خلاف الاعتدال مفقود فوجب الظهور علي هيئة التصور و کذلک الرؤيا اذا عبرت علي وجه انشقت صورته في الخيال و رسخت فاستمدت و جذبت شعاع الارواح علي حسبها فوقعت و وجدت کما تصورت و هکذا الحروف اذا تصورت علي الهيئة الاعتدالية جذبت الروحانيات و وقع التأثير في الآن و لذا قال7 «و متي صور شکلا جذب
«* جواهر الحكم جلد 2 صفحه 621 *»
روحه اليه فيهبط» اي ذلک الروح بشعاعه لا بذاته فانه لايخرج عن مقامه کما مثلنا لک بالمرآة فانک اذا قابلت مرآة جذبت بصفائها شعاع وجهک اليها ما القيت مثالک فيها و اظهرت آثارک منها علي مقدار حملها لمثالک و يستعد ذلک الشکل بما حمل من مثال ذلک الروحاني بالقاء مثاله فيه الذي هو روحه للتحريک (للتجريد خل) لساعته لان العلويات حيوة کله لا موت فيها فاذا ظهر في شئ يظهر آثار الحيوة التي هي الحرکة في ذلک الشکل في الآن لوجود المقتضي و ارتفاع المانع.
ثم قال7 «و هذا اول مقامات هذا العلم الذي يکون منه اتصال الاعلي بالادني» يعني هذا اي معرفة ان الاشکال مقناطيس الارواح و ان الصورة السفلية جاذبة للحقيقة العلوية و اشراقها و نورها او بجمودها و قشرها و معرفة هذه الامور اول مقامات هذا العلم اي علم الحروف و علم الاوفاق و الاعداد لانها مبنية علي هذا الاتصال و تأثيرها منوط علي القاء هذا المثال و هذا الاتصال لايکون الا علي الوجه المناسب علي نهج الاعتدال فان مباين الشئ لايتصل به و الغير المعتدل لايظهر فيه نور الاعتدال الذي هو شأن العلويات فاول مقامات هذا العلم الذي يکون منه اتصال الاعلي بالادني و يظهر منه التصرفات العجيبة الغريبة في العالم الاسفل معرفة هذا الجذب و النسبة و کيفية الاتصال و علة الانفصال و فساد التدبير لعدم ظهور التأثير ثم التصرف علي حسب النسبة الطبيعية و جذب تلک الارواح العلوية بحسب قرانها بالمقامات السفلية ثم اراد انيبين علة تصرف الانسان في الموجودات و جذب العلويات الي السفليات و ان ذلک التصرف من هذا الاتصال لان الانسان بصورته الانسانية علي ما قال اميرالمؤمنين7 مجمع صور العالمين و المختصر من اللوح المحفوظ فکل صورة من تلک الصور و کل شکل من تلک الاشکال و کل هيئة من تلک الهيئات جاذبة روحانية من العلويات و بذلک يقع التأثير بحکم العزيز القدير کالبلور المقابل لنور الشمس المحرق لمايقابله بما جذب من حرارة النور و لما کانت الصور في العالم الانساني لاتحصي کثرة و عددا کان التصرفات التي يقع
«* جواهر الحكم جلد 2 صفحه 622 *»
للانسان في مطمورة المکان و الزمان في مقامات الدهر لاتحصي و لذا قال7 اشارة الي هذه اللطيفة الشريفة «و هذا اقوي دليل علي تولية العالم الانساني علي التصرف في الموجودات و جذب العلويات للسفليات و استخدام الجميع في العمليات» کما عرفت بيانه و حققت برهانه مما ذکرنا لک من سر التدبير و التقدير و صنع العزيز الخبير.
ثم ذکر7 تفريعا للمقدمات السابقة بقوله «فالاحرف فاعلة لامحالة في الوقت» لانها اشکال بسيطه بحسب الاضافة معتدلة علي کمال الاعتدال فالقيت فيها امثلة الجمال و الجلال فکانت عاملة فاعلة کل حرف بما حملت من ذلک المثال لما تقرر ان الاشکال مقناطيس للامثال فتکون فاعلة في الوقت من غير تراخ و لما کان هذا التأثير و الفاعلية لمتظهر في الغالب مع ان مقتضي دليله و برهانه انيکون کل حرف فاعلة ظاهرة بالتأثير للمقدمة المذکورة و المشهود المرئي خلافه اراد7 انيبين علة التأخير و وجه التخلف فقال «و انما بقي طريق التهذيبات و الترکيبات» يعني ان الاحرف و ان کانت فاعلة بمقتضي المقدمة المذکورة الا ان فاعليتها لاتظهر الا بقابل مناسب فحيث لمتکن لمتظهر الفاعلية کما اذا لمتوجد البلور لميظهر احراق الشمس في العالم السفلي مثلا فالحروف ايضا کذلک فلابد من اصلاح قابليتها لظهور تأثير حقيقتها و اصلاح القابلية تکون بطريق التهذيب و الترکيب من ملاحظة النسب و القرانات و تعديل الامزجة و الاتصالات و وزنها بالموازين القويمة المستقيمة و ترکيبها مما يناسبها و يعادلها بالميزان الطبيعي و طرح غرايب الطبايع و اخذ غرايزها و ربط امزجتها و ملاحظة نسبة علوياتها بنظراتها و مقارناتها و ملاحظة قواها و اعدادها و اعداد انفسها و اعداد قواها و ملاحظة احکام الفکرية و العددية و اللفظية و النقشية و ملاحظة نسبة بعضها ببعضها و ملاحظة نسبتها مع الکواکب بانيعرف طبايع الحروف و طبايع الکواکب و البروج و منازل القمر و طبايع الدرجات فيطلب الکوکب المناسب لذلک العمل و يطلب اتصالات ساير الکواکب المعينة له علي ذلک العمل ثم يجمع کل ما
«* جواهر الحكم جلد 2 صفحه 623 *»
يناسب ذلک الکوکب من الاطعمة و الالوان و غيرها ثم يتخذ تمثالا علي صورة العمل من الجوهر المناسب لذلک الکوکب المناسب لذلک الحرف ثم يکتب صورة ذلک علي کاغذ او رق مناسب ثم يضع علي العضو الذي يريد احداث العمل فيه دواء مناسبا ثم يلفه و يضعه في باطن تلک الصورة ثم يلحظها بادوية تناسب المطلوب ثم يدخنها بدخان مناسب و هکذا ساير الاحوال المودوعة (المودعة خل) في الکتب المتکلفة لبيانها المودعة في صدور اهلها فاذا حصل التهذيب و الترکيب علي النظم الطبيعي فيقع التأثير في الحال.
ثم اراد7 انيبين ان هذا التأثير و التدبير ليس من نفسها و انما هو من حيث حامليتها للمشية الکلية و الکلمة الالهية و الحروف العاليات و مقام رفيع الدرجات لئلايظن استقلال هذه الحروف في التأثير و لايظن التفويض اليها في هذا التدبير بل انما المؤثر هو الله سبحانه بفعله بالقاء مثال فعله في مفعوله فقال7 «فهذا الاتصال الروحاني في مقام کن و التهذيب و الترکيب في مقام فيکون» يعني الروح المنجذب الي الشکل الحرفي اي القدرة الظاهرة فيه لايتوهم احد انه (احداثه خل) من القدرة الذاتية الالهية و انما هي روح منبعث من نور روح الله في مقام الفعل المعبر عنه بـکن فهذه الحروف حملة لوجوه الفعل و حفظة لامثاله و اسمائه و صفاته و بهذه الحاملية حصل التأثير بحکم التدبير و التقدير و لما کان ظهور کن لايکون الا بـيکون لانه جهة لقابلية و لولاها لمتظهر آثار الفاعلية و القابلية اذا ماصلحت ماحفظت القاء المثال الصادر من کن فاصلاح القابلية في الحروف لظهور ذلک المثال انما هو بالتهذيب و الترکيب حتي يتحقق فيکون بعين قول کن فافهم و لاتکثر المقال فان العلم نقطة کثرها الجهال ثم اراد7 انيبين ان العالم في کل حال محتاج الي المدد و في کل وقت يجري سر کن فيکون فقال7 تحقيقا لهذا المطلب الدقيق فيحصل بهم نفع العالم في مقامي کن فيکون اي يحصل بهذه الحروف و انما اتي بجمع المذکر لبيان ان هذه الحروف بحسب هذه الحاملية ذوات متأصلة متحققة ذو آثار عجيبة غريبة و لذا اتي بجمع المذکر
«* جواهر الحكم جلد 2 صفحه 624 *»
العاقل فيحصل بهم نفع العالم اي نفع العالم بجميع اطواره و تغييراته و تبدلاته و ترقياته و تنزلاته و ساير مضاره و انما خص النفع بالذکر مع ان الحکم عام في الجميع لشرف النفع و انه الاصل الوجودي و غيره المجتث العدمي و انه يذکر معه بالمضادة تلويحا و انما لميذکرها صريحا لقوله تعالي نسوا الله فنسيهم فيکون هذا التأثير في مقامي کن فيکون بالتهذيب و الترکيب فيفعل مايشاء اي الانسان بتلک الحاملية و بما عنده من القوي الحرفية مايشاء «و يحکم ما يريد من انواع التصرفات و اظهار العجايب و الغرايب في الذوات و الصفات بقدرة الله و فيضان الارواح علي الاشکال من اربع جهات» اي جهات العناصر الاربعة و الاسطقسات الاربعة و العوالم الاربعة اي اللاهوت و الجبروت و الملکوت و الملک خذ ما القينا اليک و الله خليفتي عليک.
ثم انه سلمه الله الحق بالمسائل المذکورة هذه المسائل:
فقال: مولاي ان من سوء الادب الاکثار في السؤال سيما بالنسبة الي خاص المقال ممن ليس له غير ما في اللوح مکتوب من الاتصال نسأل الله اتصال الرحم الروحاني منا بکم في مقام الصفا في العالم الانساني و هو اللطيف الخبير ما المراد مما ذکره ابن سينا حيث يقول لما انقسمت المخلوقات قسمين علوي و سفلي و العلوي روحاني و السفلي جسماني و العلوي لطيف و السفلي کثيف و العلوي مضيء و السفلي مظلم و العلوي معقول و السفلي محسوس هذا في باب الايجاد و الترکيب و اما في باب الفعل و الترتيب فالعلوي فاعل و السفلي مفعول و ضده باب الاتصال فان العلوي مطلوب و السفلي طالب و في باب الجذب العلوي مرغوب و السفلي راغب، فهذا الکلام بظاهره يعاکس ماذکره السيد آصف بن برخيا من «ان الاشکال مقناطيس الارواح» فالارواح علي هذا مجذوبة و في کلام ابن سينا جاذبة فکيف التوفيق.
اقول ماذکره ابن سينا کلام متين رزين حق لا شک فيه و لا ارتياب و لاينافي ماذکره السيد آصف بن برخيا لان الاشکال جاذبة يعني طالبة راغبة و الارواح مجذوبة يعني مطلوبة مرغوبة فان السافل لميزل يطلب العالي بکله و لا
«* جواهر الحكم جلد 2 صفحه 625 *»
التفات للعالي الي السافل الا ببعض الوجوه و اما الجذب و کيفية کون الارواح مجذوبة للاشکال فقد شرحناها و بيناها في السؤال المتقدم فلانعيده و اما معني الضدية في باب الاتصال ان في مقام الفعل کان يشتق للعلوي اسم الفاعل و اما في باب الاتصال (الاتصال في مقام الترتيب خل) يشتق اسم المفعول فيقول للعلوي مطلوب و السفلي طالب و العلوي مرغوب و السفلي راغب و العلوي مجذوب و السفلي جاذب و لاريب ان العلوي هو المطلوب و السفلي يجذب شعاع نوره اليه لاستمداد بقائه و حفظ وجوده و کينونته و حيوته و هذا ظاهر ان شاء الله تعالي و اما ماورد عن اميرالمؤمنين7 في حديث کميل جذب الاحدية لصفة التوحيد فبظاهره و ان کان يدل علي ان العلوي هو الجاذب لکنه لا منافاة ايضا في المقام فان جاذبية العلوي انما تکون عند ظهوره بقهاريته و هيمنته علي السفلي فيفني عن نفسه و يغيب عن شخصه و يتوجه الي العلوي بکله کظهور النور علي جبل طور المستدعي لاندکاکه و موت بنياسرائيل و غشيان موسي فالعلوي جاذب بهذا المعني و مجذوب بالمعني الذي ذکرنا و السفلي مجذوب بهذا المعني و جاذب بالمعني الذي ذکرنا فافهم راشدا.
قال سلمه الله تعالي: و اخذ ابن سينا في تقسيم الحروف ثم قال بعد: و کل هذا ليتمکن العالم الانساني في هذا العلم (العالم خل) و يقبض الزمامين و يجمع تحت دائرة وجود الامرين و هذا حد السعادة الانسانية اذ يفيض عليه روح القدس اسرار الاحرف التي بها سمي خليفة ما المراد بقبض الزمامين و ما کيفية جمعهما و ماذا عني بالامرين و کيف افاضة روح القدس و الاسرار و مامعني تسميته (تسمية خل) خليفة اعرب لنا من خفي ما اريد بهذه الفقرات بصريح مايفهمه السائل.
اقول اعلم ان مرادهم بقبض الزمام بسط الکلمة و حلها و تفکيکها و وضعها في بيوت الطبايع و تعديلها و ازالة الاعراض و الغرائب عنها الي انيتصفي و يطلب کل جزء مناسبة و ينطق کالاول و هو قوله تعالي کما بدأکم تعودون فهذا العود الذي هو عين البدو و هو الزمام و به التمام و کثيرا ما يستعملونه في المطالب الجفرية لاستخراج المجهولات مثاله في اسم محمد 9
«* جواهر الحكم جلد 2 صفحه 626 *»
شکل مورد نظر مطابق شکل صفحه 626 جواهر الحکم بصره درج شود
فالزمام هو الاصل الذي ترکب بعد التصفية و تحقق باتمام الاسفار الاربعة و لما کان العالم عالمين عالم الغيب و عالم الشهادة فيکون الزمام زمامين غيبي و شهودي اجمالي و تفصيلي علوي و سفلي مجردي و مادي (محوي و حاوي خل) فالمراد من هذه العبارة ان العالم الانساني في مراتب الحروف الکونية اخذ في النزول و کلما نزل حصل مرتبة و کدورة من لوازم الادبار فلما بلغ الي غاية مراتب النزول اخذ في الصعود الي انوصل الي البدو المعبر عنه باخذ الزمام بعد ازالة الغرايب و کسر الکينونة لتصفيتها من الاعراض و الامراض و صوغها ثانيا بصفايا الجواهر تلک العناصر الغير المختلطة بشئ من الغرايب و هناک تمام الامر في عالم الدهر فاذا حصل التمام و الصفاء العام في العالمين المذکورين يحصل الجمع بينهما بالضرورة لوجود المقتضي الذي هو المناسبات الحقيقية و الروابط الذاتية بين العالمين المقتضي لاظهار ما في العالم الاعلي في العالم الاسفل و ظهور العالم الاسفل علي کينونة العالم الاعلي و حصول المشابهة بهذا الجمع و رفع الاضداد مع اوائل جواهر العلل و السبع الشداد و المراد تمام الاسفار الاربعة التي هي السفر من الخلق الي الحق و في الحق بالحق و هو الزمام الاول و السفر من الحق الي الخلق و في الخلق بالحق و هو الزمام الثاني و الجمع بين الزمامين اتصالهما بحيث يظهر آثار الحق سبحانه باسمائه الثمانية و العشرين في مرايا الخلق فانه محل الاسماء و الامثال العليا و بها يظهر التجليات و انحاء ظهورات جواهر القدسيات و يقف علي فوارة القدر
«* جواهر الحكم جلد 2 صفحه 627 *»
بامر مستقر و لا مغير له عن هذه الغاية و هذا هو حد السعادة الانسانية و هو قول اميرالمؤمنين7 في الفلسفة من اعتدل مزاجه قوي طباعه و من قوي طباعه ظهرت آثار النفس فيه فصار موجودا بما هو انسان دون انيکون موجودا بما هو حيوان و قد دخل في باب الملکي الصوري و ليس له عن هذه الحالة مغير و هو الکمال التام و الصفاء العام.
و قوله و يجتمع تحت دائرة وجود الامرين معناه ماذکرنا في قبض الزمامين فان المراد من الامرين العالمين عالم الاسماء و عالم متعلقاتها و عالم الامر و عالم الخلق و الجمع بينهما جعل السافل بمرآته بعد تصفيته و تخليته عن الغرايب و الاعراض و رجوعه الي مبدئه کيوم وجد من المبدأ الفياض فيحکي عالم الامر و تظهر فيه اسرار الاسماء و يکون فعالا متصرفا في الاشياء فکان قائما مقام المبدأ الاعلي في التصرف و التدبير و حاملا للولاية الکبري في التصوير و التقدير کما في الخطبة في ساير عالمه في الاداء اذ کان لاتدرکه الابصار و لاتحويه خواطر الافکار و هي الخلافة الکبري بل ولاية (الولاية ظ) العظمي و لکل احد علي حسب کينونته في قطعه لمقامات عالمه الثمانية و العشرين و ظهور الاسماء الثمانية و العشرين بحسب الفرعية و التبعية و الجزئية خلافة ظاهرة و براهين قاهرة بحسب ما القي الله في هويته مثاله فاظهر منها افعاله و هذه الخلافة انما کانت بافاضة روح القدس الملک الاکبر الذي هو خلق اعظم من جبرئيل7 و ميکائيل و اسرافيل عالمه النور و محله السرور و مقامه فوارة القدر و مرتبته الافاضة الي الاشياء منها بامر مستقر بواسطة الاسرار الاحرف النورانية في الحقايق العلوية و الذوات النورية و الاحرف الظلمانية في الحقايق السفلية و المرکبات المسخوطات الظلمانية فافهم فقد تبين لک من هذا البيان معني قبض الزمامين من انهما عود العالمين الي مبدئهما و ظهورهما بصورتهما الاصلية النورانية و کيفية جمعهما يجعل السافل مرآة مقابلة مستقرة مطمئنة صافية غيرمشوبة للعالي و استنارته بنوره و اشراقه من فاضل ظهوره و حمله لمثاله و جريه علي منواله و الامرين بعالم الامر و عالم الخلق بعالم
«* جواهر الحكم جلد 2 صفحه 628 *»
الاسماء و عالم المتعلقات و کيفية افاضة روح القدس بالاشراق بتلک المجالي و المرايا و اظهار آثاره فيها کاشراق الشمس علي البلورة و اظهار الاحراق به و هذه هي الحروف التکوينية و الحروف التدوينية علي طبقها حرفا بحرف و هي مفصلة في کتب القوم من ارادها فليرجع اليها و لکن من غير قبض الزمامين في الحروف التکوينية لايتمکن من قبضها في التدوينية و ان تمکن في بعض الوجوه فلاينتفع بها کل الانتفاع فافهم ضرب المثل و يضرب الله الامثال للناس، و مايعقلها الا العالمون.
قال سلمه الله تعالي: ثم ما المراد مما ذکره السيد آصف بن برخيا يقول «لقد مدت لنا الاحرف النورانية حجبا نورانية و سرادقات جلالية و کل حجاب له باب و عليه حجاب و کل منهم ينادي بلسان حاله داعيا لوصاله فالباب الاول انهاني الي ما لا معول عليه و الثاني انهاني الي الافلاک و الثالث انهاني الي الاسماء و تلک قد ادرکناه فهما و رسما و کل واحد منهم ممره الي ساحل المحيط و لمازل کذلک حتي وصلت بابا مغلوقا و قفلا موثوقا فافتتحت ذلک بذلک فوجدت الآلات و الاسفار و مراکب الايسار فانتهيت لها الي الفياض الاکبر و المحيط الاعظم و رقيت المؤمنين و اردت ماوراءها فقالا لي لاتتعداه فنحن النهاية» انتهي کلامه فما معني مدها حجبا و سرادقات و ما المراد بالباب و الحجاب و من المنادي و باي کيفية نداؤه بلسان حاله و ما المراد من انهاء الباب الاول الي ما لامعول عليه و ما معني فهمه ما انهاه اليه الباب الثاني بالادراک و ما الاسماء التي ادرکها فهما و رسما و ما معني ممر کل واحد منها علي ساحل المحيط و ما الباب المغلوق و القفل الموثوق و ما معني الافتتاح و ما المراد بالمفتوح و المفتاح و ما الآلات و الاسفار و المراکب و اي شئ الفياض الاکبر و من المحيط الاعظم و ما معني ارتقائه المؤمنين و اي شئ اراد وراء مقامهم و من القائلان لاتتعداه و باي معني هما النهاية تلطف علي بيان ذلک و السلام عليکم مقدار ما انتم اهله.
اقول اخذ7 في بيان سيره في مراتب ذاته و مسافات سره (سيره
«* جواهر الحكم جلد 2 صفحه 629 *»
خل) فقال7 «و قد مدت لنا الاحرف النورانية» و هي متي اطلقت يراد بها احد معان الاول المرتبة الثالثة من مراتب الکلمة الاولي العليا التي انزجر لها العمق الاکبر، الثاني الحروف المثبتة في عليين کتاب الابرار و هي و ان اشتملت علي علوية و سفلية و مجردية و مادية و فلکية و عنصرية الا انها کلها تجمعها حروف نورانية و مبادي الهية و حوامل قدسية علي اختلاف مراتبها و حينئذ يعبر عن سفلياتها و مادياتها و عنصرياتها بالظلمانية و الا فهي نورانية و يقابلها الظلمانية المکتوبة في السجين کتاب الفجار الحروف المعکوسة من الثمانية و العشرين و کلها ظلمانية الا ان بعضها ظلمات فوق بعض و هذا القسم تکوينية و تدوينية الثالث الاربعة العشر من الحروف التي يجمعها قولک «صراط علي حق نمسکه» و هي حروف اوائل السور و هي ايضا تکوينية و تدوينية فالاقسام اذا ستة.
و المراد من الاحرف النورانية في کلام السيد المذکور وجوه المشية اي الکلمة الکلية التي هي مظاهر تلک الحروف التي هي الرتبة الثالثة منها و هي حوامل الفيوضات الالهية و مبادي الوجودات التکوينية و بها يمد الله سبحانه و تعالي الخلق من باطنها و ظاهرها و لما کان هذا السيد الکريم من المتمسکين بالعروة الوثقي و الواقفين علي باب الولاية الکبري و الغير المايلين و المنحرفين عن محاذاة النقطة الاولي کان استمداده نوريا فکان امداد الله سبحانه و تعالي اياه بالاحرف النورانية حجبا نورانية و سرادقات جلالية و هذه الحجب و السرادقات عبارة عن اطوار الوجودات (الموجودات خل) في قوسي الصعودي و النزولي فمن جهة ان کل مرتبة منها کان حجابا لله و بابا للافاضة الي المرتبة السفلي بحيث لولا ذلک الحجاب اي الواسطة و الباب لاضمحل هذا السافل عند ظهور سطوع نور المبدأ الاعلي و هو قوله7 ان لله سبعين الف حجاب لو کشف واحد منها لاحترقت سبحات وجهه ما انتهي اليه بصره من الخلق فالواسطة تسمي حجابا و لذا ورد في الزيارة الرجبية و صلي الله علي محمد المنتجب و علي اوصيائه الحجب و قد يطلق الحجاب (الحجب
«* جواهر الحكم جلد 2 صفحه 630 *»
خل) علي ضد ماذکرنا و هو المانع و الظلمة و قد وقع التعبير عنهما في کلام اهل البيت: الا ان المراد هنا المعني الاول فتکون الاطوار الوجودية له7 حجبا نورية من جهة وساطة الافاضة و من جهة ان کل مرتبة منها محيط بجميع ما لها من الاجزاء و الشرايط و اللوازم و المتممات و المکملات کالممثل المحيط بالمتممين تسمي کل مرتبة من تلک الاطوار الکونية سرادقا و جميعها سرادقات و من جهة هذا الاستيلاء المذکور و الهيمنة المزبورة وصف بالجلال و قال «سرادقات جلالية» و نسب النور الي الحجب لدفع توهم انه بالمعني الآخر.
و هذه الحجب و السرادقات ثمانية و عشرون کما ذکرنا من قبل عند ذکر الاسماء و الحروف المفيضة و في کل منها عشرة مراتب و هي القبضات العشر التي هي من الافلاک التسعة و الارض في کل مرتبة (مرتبة منها خل) بحسبها و کل مرتبة منها يشتمل علي عشرة کاملة اخري و هي الامکان و الفؤاد و القلب و الروح و النفس و الطبيعة و المادة و المثال و الجسم و العرض و هذه العشرة اذا لوحظت مع تلک العشرة کانت مئة و هي في ثمانية و عشرين کان الحاصل الفين و ثمانمائة و هي عدد الحجب و السرادقات و هي لذلک الجناب حجب نورانية و سرادقات جلالية تستمد من المبدأ الاعلي بالاحرف النورانية و لما کان کل مرتبة من هذه المراتب المذکورة مشتملة علي ثلاث مراتب الاعلي و الاوسط و الاسفل و کل مرتبة من حيث انها واسطة باب و من حيث انها مانعة عن الاتصال حجاب فجهة البابية غير جهة الحجابية و لذا اشار اليه بقوله علي نبينا و آله و عليه السلام «و کل حجاب له باب و عليه حجاب» فمجموع هذه الحجب و الابواب مع الحجب النورانية و السرادقات الجلالية ثمانية آلاف و اربعمائة و هي کليات المراتب التي سافر عنها و اليها.
و لما کانت هذه المراتب مراتب وجوده و اطوار کونه و شهوده فلاريب ان کلا منها يطلب وصاله و يحب الاتصال به و لذا قال علي نبينا و آله و عليه السلام «و کل منهم ينادي بلسان حاله داعيا لوصاله» و انما اتي بضمير جمع
«* جواهر الحكم جلد 2 صفحه 631 *»
المذکر العاقل لبيان ان کل مرتبة منها ذات شعور و ادراک و انما قال «بلسان حاله» و لميقل بلسان مقاله مع انه يدعوه به ايضا لان اللسان المقالي اذا خالف اللسان الحال فالاجابة للحال دون المقال لان بها حفظ الکينونة و بغيرها اعدامها (امدادها خل) کالمريض الصفراوي اذا طلب بلسانه عسلا فانه لايجاب و انما يجاب مايدعو بلسان الحال من استعمال العقاقير الباردة فلسان الحال هو الاصل في المبدأ و المآل و لسان المقال فرع تابع و لايلزم اجابته دائما و انما اللازم اجابة لسان الحال فمن هذه الجهة عبر7 بما يجب اجابته و لاتمکن مخالفته و اما نداؤهم للوصال فان القشر لايستغني عن اللب و الظاهر لايسعه التخلف عن الباطن و المستمد لايزال يطلب الاتصال بباب مدد.
فلما نودي7 بلسان يجب انيلبي فاخذ في الصعود اليها فاخذ في شرح بيان هذه المراتب المعبر عنها بالباب و الحجاب له الاعلي و الوسطي و السفلي فقال «الباب الاول انهاني الي ما لامعول عليه» لانه المرتبة السفلي و صاحب الهمة العليا لايعول علي السفلي «و الثاني انهاني الي الافلاک» و هي المرتبة الوسط و هي الدوائر المحيطة الحاملة للفيض الي المرتبة السفلي و لما کان في نزوله حين امتثاله لقوله تعالي ادبر وصل الي هذه الرتبة و احاط بما فيها علما ثم لما نزل لمينس7 تلک المرتبة لقوة نورانيته و شدة تأصله و لما فيه من العصمة بخلاف غيره من الغير المعصومين فانهم نسوا ماعرفوا و لذا قال7 اشارة الي مقامه «و ذلک قد فهمناه بالادراک» يعني فهمناه حال نزولنا الي هذه المرتبة بالادراک اي بالاحاطة و الوصول و الاتصال «و الثالث انهاني الي الاسماء و تلک قد ادرکناها فهما و رسما» فاشار الي المرتبة العليا و عبر عنها بالاسماء لبيان ان کل اثر يکون مبدأ اشتقاق اسم لمؤثره و المشتق و ان کان فرعا للمبدأ الذي هو المشتق منه الا انه اصل للدلالة علي الذات المبدأ (المبدأ المؤثر خل) فالاثر بوجهه الاعلي يدل علي المؤثر و لما کان الاسم هو المنبئ عن المسمي کما صرح به اميرالمؤمنين7 و الاثر هو الدال المنبئ عن مؤثره فکان اسما له فالاشياء الحادثة بجهاتها العليا هي الاسماء
«* جواهر الحكم جلد 2 صفحه 632 *»
الحسني و الامثال العليا و لذا قال7 «و الثالث انهاني الي الاسماء» اي المرتبة الثالثة في المقام الصعودي فان الشئ له حالة من حيث نفسه و مقتضياته و اطواره و هو من هذه الحيثية حجاب و مانع عن مشاهدة المؤثر و له حالة من حيث اثريته و انفعاله و انصداره من مبدئه و هو من هذه الحيثية مصدر و مفعول مطلق دائرة مستديرة حول محورها و قطبها و لذا عبر عنها بالافلاک و له حالة من حيث دلالته علي مؤثره و ظهور مؤثره فيه باشراقه و جلاله و جماله و هو من هذه الحيثية اسم له و لما کانت دلالة الاسم انما هي بمتعلقه من الاثر المتقوم به لا بغيره و لذا لايدل القائم الا علي الظاهر بالقيام و لايدل علي العالم و الکاتب و القاعد و غيرها فکانت دلالة الاسماء دلالة الرسم لا دلالة العين و الاسم صفة الاستدلال لا صفة الکشف فکان ماينهي اليه الاسم الرسم و الفهم (الفهمي خل) الرسمي کما قال السهروردي:
منتهي الحظ ماتزود منه الـ
ـلحظ و المدرکون ذاک قليل
و لذا قال7 «و الثالث انهاني الي الاسماء و تلک قد ادرکناها فهما و رسما» فان الاسم لايدل الا علي الظهور الخاص المتعلق بالامر الخاص فکانت دلالته رسمية لا کشفية عينية و ذلک معلوم ظاهر.
و لما ذکر احوال المراتب الثلاثة لکل مرتبة اخذ في بيان باقي المراتب علي وجه الاجمال فقال7 «و کل واحد منهم ممره علي ساحل المحيط» يعني کل من هذه المراتب و علة تذکير الجمع قد ظهرت مما سبق و هذه المراتب المعدودة و غيرها مما في مطاويها ممرها اي مرجعها الي ساحل المحيط و بيانه ان الشئ له رتبتان: رتبة ذوبان و رتبة انجماد و الاولي هي جهة الي مبدئه و هو الوجود اي الاثر و هو امر وحداني سار في جميع المراتب الظاهر بکينونة الوحدة الحافظة لها في کل مرتبة و الثانية مراتب التعينات و الماهيات (الماهية خل) و مقامات (المقامات خل) التشخصات و مراتب الکثرات و جوامع الانيات و المقامات الحاصلة من النسب و الاضافات و ساير القرانات من العلل و المعلولات و الشرايط و المشروطات و الاسباب و
«* جواهر الحكم جلد 2 صفحه 633 *»
المسببات و اللوازم و الملزومات و المتممات و المکملات و ساير انحاء الاطوار و الاکوار و الادوار و الاوطار و مراتب احکام الليل و ساعات النهار فالمرتبة الاولي يسمي بالبحر لذوبانه و الثانية يسمي بالبراري و القفار و الاحجار و الاشجار و المدن و الامصار و ساير المراتب بساير الاطوار و اول التعين اي تعين (التعيين اي تعيين خل) ذلک الامر الواحد بحدود الکثرات في مقام رقة الحجاب يسمي بالساحل و هنا ثلاث مراتب بر و ساحل و بحر و لما کانت الاشياء بجهة مبدئها امرا وحدانيا کان ذلک بحرا و بجهة انياتها کثرات متباينة کانت برا و لما کان العقل المعبر عنه بالقلب او القلب المعبر عنه بالنفس الناطقة المعبر عنها بانا اول التعينات و مبدؤها و اول غصن اخذ من شجرة الخلد و اول کف غرفت من ذلک البحر فکان هو الساحل و جميع الموجودات بحذافيرها بجميع مراتبها و اقتضاءاتها و مقتضياتها مرتبطة بالقلب و متعلقة به و مستمدة عنه کالاوردة النابتة من الکبد و الشريانات النابتة من القلب و العرق الواحد ذي الثقبتين المتصل من الکبد الي القلب فيأخذ الحيوة من القلب و يوصلها الي الکبد و من الکبد الي الاوردة و من الاوردة الي ساير البدن و الروح البخاري في الشريانات متصلة بالاعضاء و الجوارح بها حيوتها فممر الاعضاء في سيرها لاستمدادها من مبدئها الي العروق و ممر العروق الي القلب منها بلا واسطة کالشريانات و منها بواسطة الکبد بواسطة ذلک العرق کالاوردة و کذلک مراتب الموجودات مرتبطة (مرتبط خل) بعضها ببعض و مستمدة بجميع احوالها من القلب و هو العقل الکلي و النور المحمدي الظاهر في الاشياء بالاشياء و هو ساحل البحر الاعظم المحيط المتعاظم و التيار المتلاطم و البحر هو الفؤاد و باب المراد و وجه الامداد.
ثم اشار7 بعد بيان احوال هذه المراتب و اتصالها بالقلب الذي هو محل الفيض الاقدس اي روح القدس اشار الي سيره7 الي تلک المقامات و عروجه الي تلک العرصات باسم الله رفيع الدرجات فقال علي نبينا و آله و عليه السلام «و لمازل کذلک حتي وصلت بابا مغلوقا و مقفلا موثوقا» اي
«* جواهر الحكم جلد 2 صفحه 634 *»
لمازل اسير تلک المقامات و اقطع تلک السباسب و الفيافي برفيع الدرجات الي انوصلت الي ساحل البحر المحيط فوجدت بابا مغلوقا و هذا الباب هو باب العقل المرتفع و هي بلدة بسم الله الرحمن الرحيم التي وصل اليها النبي9 و هذه البلدة مقفول بابها بقفل وثيق للذي لميصل اليها و ساير في مراتب دونها فلما وصل اليها و استأنس بها و ذکر بسم الله الرحمن الرحيم فتحت تلک الباب للوصول الي ذلک الجناب و لذا قال7 «فافتتحت ذلک بذلک» اي بيت بسم الله الرحمن الرحيم المقفل بقفل بسم الله الرحمن الرحيم بمفتاح بسم الله الرحمن الرحيم فالبيت سرها و الباب وجهها و القفل قشرها و المفتاح کينونتها ففتح بالمفتاح الذي هو القفل و لذا روي ان النبي9 لما سأل جبرئيل عن مفتاحها فقال هو عندک و هو بسم الله الرحمن الرحيم فلما قرعها فتح الباب و دخلها فاذا هي بسم الله الرحمن الرحيم و تجري الانهار الاربعة من ارکانها الاربعة.
فلما اتم سيره7 في القوس الصعودي حتي وصل الي مقام الساحل و هو مقام العقل اول التعينات و مبدأ الکثرات و بدء ظهور الاختلافات فاليه انتهت مراتب الموجودات و هو بازاء مقام قاب قوسين بالنسبة الي النبي9 کل في مرتبته (مرتبة خل) و لما اتم سيره في مقام الانجماد اخذ يسبح في لجة بحر مراتب الذوبان و قد ذکرنا لک ان ذلک وجه مبدئه و لاريب ان ظهور تلک الرتبة اي معرفة المبدأ لايکون الا به لانه منزه عن اطوار الخلق و المقامات السفلية فاحتاج في السير في البحر المحيط الي مرکب من سنخه و دليل من نوعه و آلات من مشاکله و اسباب من مماثله و لما کان تلک المعرفة انما يکون بالفعل اي فعل المبدأ و هو آية التعريف و غاية التوصيف و لايمکن الوصول الي ذلک البحر المحيط الا بتعريفه و توصيفه کما قال7 نحن الاعراف الذين لايعرف الله الا بسبيل معرفتنا و قال علي نبينا و آله و عليه السلام «فوجدت الآلات و الاسفار و مراکب الايسار» و کلها هي جهات التعريف و التعرف و اسباب للسير في ذلک البحر المحيط علي الوجه الاکمل و
«* جواهر الحكم جلد 2 صفحه 635 *»
هو کشف سبحات الجلال من غير اشارة و محو الموهوم و هتک الستر و جذب الاحدية لصفة التوحيد فلما تمسک بتلک الاسباب بظهور ذلک الجناب تمکن من السير الي ذلک البحر و لذا قال «فانتهيت اليها الي الفياض الاکبر و المحيط الاعظم» اي فانتهيت حال کوني راکبا علي تلک المراتب اي سالکا سبيل الله ذليلا في جهات التعريف و التعرف الي الفياض الاکبر و المحيط الاعظم و هي نقطة وجه المبدأ و ظهور المسمي بملاحظة الاسم و هي التي اشار الشاعر بقوله:
قد طاشت النقطة في الدائرة
و لمتزل في ذاتها حائرة
محجوبة الادراک عنها بها
منها لها جارحة ناظرة
سمت علي الاسماء حتي لقد
فوضت الدنيا مع الآخرة
فالفياض الاکبر هي النقطة التي هي مبدأ الوجود و اصل البروز و الشهود و غاية الوجود و الموجود منها و بها و لديها ينتثر الفيض و اليها يعود و هي آية التوحيد و مقام التجريد و علامة التفريد و هي المقامات و العلامات التي لا تعطيل لها في کل مکان و هي غاية مقصد الطالبين و نهاية سير المسافرين و محل المثال و اصل الجمال و الجلال و نور الحق اللايزال و المحيط الاعظم الفها اي ذوبانها اي اعطافها وجها (وجيها خل) و ظهور المحبة و بدء بروز المودة المقتضية للميل المقتضي للسيلان و الرطوبة و هنا مقام ظهور الفعل و اشتقاقه من المصدر.
و لما کان هذه الرتبة فوق المراتب و فوق العقل التي بها يمتاز ايمان المؤمن و کفر الکافر و بها تختلف مراتب المؤمنين و فيها مقام ظهور الايمان قال7 «رقيت المؤمنين» اي رقيت مرتبة المؤمنين الذين قال الله تعالي فيهم انما وليکم الله و رسوله و الذين آمنوا الآية، و قال تعالي النبي الامي الذي يؤمن بالله و معني ارتقائه اليهم وصوله الي محاذاة مرتبتهم في الرتبة الشعاعية کما تقول ان القمر في برج الحمل و الحمل في الفلک الثامن و بينهما مسافة لاتحصي فمعني کلامه7 بيان اصل حقيقة المطلب اي و اني و ان بلغت في مقام التوحيد مقام الفياض الاکبر و المحيط الاعظم و وصلت مقام الفناء و الصحو و المحو الا ان حقيقتي و ذاتي من شعاع هؤلاء المؤمنين فاني
«* جواهر الحكم جلد 2 صفحه 636 *»
مستغرق في بحر التوحيد بما ظهر لي بهم و لما لميکن التعدي عن هذه المرتبة و التجاوز عن هذه الدرجة و لما کان المؤمنون يراد بهم مقام النبوة المطلقة و الولاية المطلقة و هما مرتبتان لا جمعية فيهما ظاهرا و الجمع بظاهر لفظه لايؤدي التثنية ظاهرا اراد7 دفع هذا الاحتمال و دفع (رفع خل) هذا الداء العضال فقال «و اردت ماوراءها» يعني قصدت السير الي ماوراء هذه الرتبة التي هي مرتبة ذاتي و سر حقيقي و لما کان هما المعلمان و اليهما انتهي التعليم لقوله9 في الحديث المشهور اراد تعليمه و تعريفه مقامه «فقالا» اي النبي و الولي صلي الله عليهما و علي آلهما «لاتتعدي» اي لايخطر ببالک التعدي و بجنابک التجاوز و الا فلايمکنه ذلک لاستحالة خروج الشئ عن مبدأ ذاته فارادا ان يعرفاه نفسه و مقامه فقالا له «لاتتعدي فنحن النهاية» و الينا الغاية و هو قوله7 ليس وراء الله و وراءکم يا سادتي منتهي فکلما سواهم ينتهي اليهم و يبتدئ منهم و يعود اليهم و الکلام في هذا المقام طويل و القلب لبيانه کليل لان الفهم عن ادراکه عليل فطيه اولي و الامساک احري و في ما ذکرنا الکفاية لاولي الفهم و الدراية و بما ذکرنا من البيان التام و التبيان الشامل العام تبين لک المراد من جميع ما سألت ما المراد و ما الشئ و اي شئ الي آخر کلامکم اسبغ الله نعمه عليکم و الله خليفتي عليک (عليکم خل).
قال سلمه الله تعالي: ثم يا من هداني الله بنبذة من شعاع فضلک ما معني قول الحکماء و ما مرادهم في قولهم ان الفلک حي في ذاته کامل في صفاته عليه و به تکوين (تکرير خل) الکون من السفلي و مداد العلوي نور الله ابصارنا و بصائرنا بالهداية الي ما تشرفنا به.
اقول اعلم ان کل شئ خلقه الله سبحانه و تعالي جعل فيه الحيوة و الشعور و الادراک کما فصلنا بيانه و اوضحنا برهانه في کثير من مباحثاتنا و رسائلنا الا ان الاجسام السفلية و المتولدات الکونية لتصادم العناصر و تخالفها و عدم ظهور نضجها و اعتدالها تختل اوضاعها و نسبها و تخفي الحيوة الحقيقية فيها فاذا تصفت عن الغرايب و الاعراض و اعتدلت عن غلبة الاخلاط
«* جواهر الحكم جلد 2 صفحه 637 *»
و الامراض عادت الحيوة کما کانت و تبقي مستمرة ثابتة دائمة باقية بلا زوال و لا اعراض و لما کان الفلک غير مختلط بالعناصر السفلية بلغت کينونتها في النضج و الاعتدال الي الغاية القصوي في الکينونة الدنيوية فانتفي الاختلال و انعدم التصادم الموجب للفساد فلا مانع لاظهار الحيوة فهو حي دائما ثابتا مستقرا لايعتريه موت و لا زوال الا عند نفخة الصعق فقولهم ان الفلک حي في ذاته مرادهم ان الله سبحانه خلقه علي کينونة اعتدالية في ذاته تقتضي الحيوة فالحيوة عين ذاته بجعل الله سبحانه و تعالي فيکون حياته بذاته لغيره لا انها بذاته لذاته ليستلزم الاستقلال و القدم في ما شأنه الاضمحلال و العدم کما ذهب اليه من ليس له في العلم الالهي و الحقيقي قدم فاذا ثبت ان الفلک حي في ذاته برئ عن الاخلاط و الغرايب المعوجة لفطرته و کينونته فيکون کاملا في صفاته معتدلا في مقتضياته نافذا آثاره و حيث کان هو المبدأ في الاجسام السفلية و المحيط المهيمن علي الاجساد الدنيوية و الارکان و الطبايع العنصرية فعليه ظهور الامدادات الالهية و هو حامل الافاضات القدسية و به تکوين الکون من السفلي و به مداد العلوي الذي هو نفسه اذ ليس اعلي من الفلک في العالم الجسماني شئ اصلا و مبدؤه العرش و منتهاه فلک القمر فيمد الله سبحانه و تعالي الفلک بنفسه و يکونه به بمباديه العالية و يکون الاجسام السفلية و يمدها بالفلک بمراتبه فبالعرش يکون القلوب و بالکرسي يکون الصدور و بزحل يکون العقول و بالمشتري يکون العلوم و بالمريخ يکون الاوهام و بالشمس يکون الحرارة الغريزية و بالزهرة يکون القوي المتخيلة و بعطارد يکون القوي المتفکرة و بالقمر يکون الحيوة اي الحرکة الارادية و هکذا بمقارنات هذه الافلاک بمحاذاة من الاجسام السفلية يکون حقيقة من الحقايق و ذاتا من الذوات فافهم.
او انه يراد بالفلک الذي هو حي في ذاته فلک الولاية المطلقة اي الکلمة التي انزجر لها العمق الاکبر و من آثارها الماء الذي کان العرش عليه قبل خلق السموات و الارض و به حيوة کل شئ فهي (فهو خل) اولي بانتکون (يکون
«* جواهر الحكم جلد 2 صفحه 638 *»
خل) حية بالذات (في الذات خل) و معني حياتها بالذات هو ما ذکرنا لک من حيوة الفلک الجسماني لا انها مستقلة في ذاتها غير مستندة الي غيرها بل الله سبحانه و تعالي اقامها بنفسها و امسکها بظلها و اقام الاشياء بها و احياها بفاضل حياتها فتدبر.
قال سلمه الله تعالي: ما المراد بالعلم الذي اعطاه الله آدم هل هو الاسماء علي العموم کما قال تعالي او الرمل او علم النجوم و نقل عن آصف انه يقول «علوم الاسماء فروع هذا العلم و علم الفلک زمام له و علم الرمل استنباط فلکي و علم الحروف هو العلم القويم و الصراط المستقيم» فما المراد من کلام آصف و ما المراد من العلوم الثلاث و هل اوسطها معتبر عندکم او لا و علي تقدير اعتبار فاي دائرة هي المعتبرة بزدح او ابدح او دائرة سکن و هل المعتبرة عندکم منه تصعيد النقطة او ملاحظة الطالع او ملاحظة بيت الحاجة او الشکل الحال فيه افدنا مولاي فما تکلمت بمثل هذا الکلام تقريبا من اثني (اثنتي ظ) عشرة سنة او ازيد فلاتحرمنا لمعة من انوار علمک و السلام بدوا و ختما.
اقول العلم الذي اعطاه الله آدم هو ما اخبر الله سبحانه عنه في القرآن المجيد بقوله و علم آدم الاسماء کلها اتي بالجمع المحلي باللام لافادة العموم الاستغراقي ثم اکدها بکل تأکيدا للعموم و تثبيتا لهذا المفهوم الا ان الاسماء المعلمة تدور علي نقطة تستخرج منها فان تعليم الخصوصيات فردا فردا و ان کان يمکن الا انه لايکشف الحقيقة و لايوصل الي الواقع و يوصل الي الصور و الحدود الجامدة و تحجب عن مشاهدة النقطة في الهوية فوجب انيکون التعليم علي طبق سر الخليقة ليصح انيشهده الله سبحانه خلق السموات و الارض و خلق نفسه فان مشاهدة الشئ اذا لمتکن کما هي لمتکن مشاهدة بل کذب و زور و بهتان و غرور فوجب التعليم علي مقتضي الايجاد فان العلم عين المعلوم في الحوادث الامکانية فابان الله سبحانه لآدم حين ما اراد تعليمه عن سر النقطة الاولية و هي النقطة التي اشار اليها اميرالمؤمنين7 العلم نقطة و هي انبسطت الفا و انعطفت الالف الي ثمانية و عشرين فاظهرت في ثمانية و
«* جواهر الحكم جلد 2 صفحه 639 *»
عشرين جزءا في ثمانية و عشرين ورقة ذات صفحتين اليمني و اليسري و کل صفحة في ثمانية و عشرين سطرا و کل سطر في ثمانية و عشرين بيتا و کل بيت فيه اربعة احرف الاولي لبيان الجزء و الثانية لبيان الورقة و الثالثة لبيان الصفحة و الرابعة لبيان البيت و بها تمام الوجود و تمايز الشهود و جميع الذرات الوجودية کلها قد ذکرت في هذه الحروف باجزائها و اوراقها و صفحاتها و سطورها و بيوتها فالبيت قيد السطر و السطر قيد الصفحة و الصفحة قيد الورقة و الورقة قيد الجزء و الجزء قيد الحروف و الحروف قيد الالف و الالف قيد النقطة و النقطة ايس الايسات و اسقطس الاسقطسات و اصل الاصول و هيولي الهيولات ليس وراءها مرتبة اذ ليس وراء عبادان قرية و هذا هو العلم الذي علم الله سبحانه آدم7 لا علم دون علم و هي مجمع العلوم و منبع الرسوم و ماسواه فروعه و شعبه و قشوره و اشعته و انواره و اضواؤه و شعاع الشعاع و نور النور و هکذا الي ما لانهاية له و الي ماذکرنا اشار السيد الجليل آصف بن برخيا علي نبينا و آله و عليه السلام بقوله «علوم الاسماء فروع هذا العلم» ان اريد بالاسماء هي اللفظية.
و ان اريد الاسماء علي الاطلاق من اسماء ساير الموجودات کما هو الظاهر من سياق الآية الشريفة في قوله تعالي انبؤني باسماء هؤلاء فلاريب ان استخراج هذه الاسماء و معرفة مسمياتها من فروع هذا العلم و شعبه و تفاصيله لانها انما تتألف من هذه الحروف بتأليف حقيقي و نظم طبيعي و حيث دلت الادلة القطعية علي ان الاسماء لها مناسبة مع مسمياتها فاذا الفت علي النظم الطبيعي و النسبة الاعتدالية دلت علي مسمياتها مما يناسبه و تلک النسبة الخاصة الحاصلة عند الوضع و الهيئة المشخصة هي الدلالة الوضعية اللفظية فظهرت المسميات بمناسبة الاسماء بوضع العليم الحکيم علي هيئات معتدلة مترابطة متناسقة فعلمها آدم7 بتعليمه سبحانه فکانت معرفة الاسماء و المسميات فرعا لعلم النقطة الذي هو الاصل علي ما عرفت مجملا و ان اريد بالاسماء الاسماء المعنوية فهي ايضا متالفة (مؤتلفة خل) مترکبة من الحروف
«* جواهر الحكم جلد 2 صفحه 640 *»
المعنوية علي هيئات متناسقة متناسبة تدل علي مدلولاتها مما يراد بها منها اما توحيده تعالي او عظمته او قهاريته او جبروته او سعة قدرته او عموم علمه او شمول رحمته او ظهور کبريائه او بروز کينونته او ساير الشؤونات العامة او الخاصة و هي ايضا فرع الحروف الکونية المعنوية التي هي فرع الالف الغير المعطوفة التي هي فرع النقطة الکونية و ان اريد بالاسماء الاسماء العظام کما هو مدلول بعض الروايات فکذلک ايضا لانها مؤلفة من الحروف النورانية المؤلفة من انعطاف الالف اللينية التي هي حرف العلة المؤلفة من نقاط ثلاثة المنتهية الي النقطة الالهية الاولية و هي و ان کانت اسما لکنها بالحروف غير مصوت و باللفظ غير منطق و بالشخص غير مجسد و بالتشبيه غير موصوف و باللون غيرمصبوغ برئ عن الامکنة و الحدود مبعد عنه الاقطار محجوب عنه حس کل متوهم مستتر غير مستور و هي غير صقع الاسماء المتکثرة المختلفة الکلية و الجزئية المتعلقة المرتبطة المتآلفة و المتخالفة کما هو الظاهر.
و لما دلت الادلة القطعية ان کل عالم له ثلاث مقامات علوي و سفلي و متوسط و العلوي هو الفلک و قد افردنا رسالة في ان العلوي في کل عالم هو الفلک و انه يتشعب الي تسعة و اصولها اثنان العرش و الکرسي و علي اصطلاح القوم محدد الجهات و فلک الثوابت و هما التاسع و الثامن و باقي التسعة اي السبعة هي المعدات بحراکاتها و قراناتها و نظراتها و درجاتها و وجوهها و مثلثاتها و ساير احوالها و السفلي معاکس للعلوي في جميع ما له و عليه من الادوار و الاکوار و المتوسط ذو وجهين (جهتين خل) باحدهما و هو الاعلي مرتبط بالعلوي الفلکي و مستمد منه و بالآخر و هو الاسفل مرتبط بالسفلي و مقترن به و مستمد منه و لما کان المستمد متقوما بالمدد فکان الممد اصلا له آخذا بناصيته و مظهرا له علي مشاکله قل کل يعمل علي شاکلته فکان العلوي علي هذا البيان التام زماما لمن دونه و المستمد منه و اليه اشار السيد الجليل و الامام النبيل السيد آصف برخيا بقوله الشريف «و علم الفلک زمام له» و يريد بالفلک العلوي و هو الجاري علي ما ذکره علماء الهيئة و النجوم لانا قد بينا في
«* جواهر الحكم جلد 2 صفحه 641 *»
تلک الرسالة ان مقتضي العالم العلوي الظهور بهذه الافلاک و الکرات المحيطات و التداوير المعلقات و النجوم المضيئات و ساير احکام الاحاطات و العلم بهذه الاحوال و الاطوار زمام للعلم بالکينونات المتوسطة و الذوات المستمده و الزمام هو المقود الذي به ينقاد الشئ و لاريب في انقياد المستمد للممد و السافل للعالي و لايظهر فعل و لا اثر في السافل الا باتصاله بالعالي و جذبه مثاله و لما کان ظهور العالي بالسافل کان العلم بالعالي مأخوذا من العلم بالسافل و لذا يتوقف العلم بالتأثيرات الحرفية و التدبيرات التدوينية علي علم الافلاک و اوضاعها و نسبها و قراناتها و نسبة کل حرف الي متعلقها من الاوضاع الفلکية ليقابل ذلک الوضع و يجذب بما يناسبه مثاله فتظهر منه افعاله فعلم الفلک ايضا مستخرج من علم النقطة الظاهرة بالحروف الثمانية و العشرين استخراج الاصل من فرعه او اللب من قشره او المراتب و الجهات من الجامع فباعتبار الثاني اصل و الاول فرع حامل للاصل و هو ايضا يرجع الي الثاني لان المجموع من الاصل و الفرع اصل بالنسبة الي الاصل و الفرع بانفرادهما فافهم.
و لما کان علم الرمل علم النقاط في عالم الکثرات و هي من حيث قربها الي الوحدة متصلة باحوال العلويات و احکام الفلکيات و مستخرجة من تلک المقارنات و الصفات و الاضافات کان استنباطه من عالم الافلاک و مايتبعه من العناصر و اليه الاشارة بقول السيد الجليل المذکور «و عالم (علم خل) الرمل استنباط فلکي» مأخوذ من القرانات الفلکية و الاوضاع العلوية و منتسب الي تلک الدرجات و المقامات کما هو المعلوم عند اهل هذا الفن و المفصل عند اهل هذا الشأن و لانطول الکلام بذکر تلک الاحوال لان المقصود حل العبارة بلطيف الاشارة لا تفصيل المقال بشرح الحال فقد تبين و وضح ان العلوم الالهية المودعة فيها الاسرار الغيبية المنبئة عن الاطوار المخفية التي هي عبارة عن علم الفلک و علم الرمل و علم الاسماء الحاوية لجميع العلوم و الاحکام کلها متفرعة و مستخرجة عن علم الحروف المفصلة من النقطة التي علمها الله سبحانه و تعالي آدم7 فکان هذا العلم الشريف و السر اللطيف هو العلم القويم
«* جواهر الحكم جلد 2 صفحه 642 *»
و الصراط المستقيم الذي هو الدليل علي کل علم و السبيل الي کل رسم و المستخرج منه کل باطل و حق و نور و ظلمة و لذا قال السيد المکرم و الامام المعظم علي نبينا و آله و عليه السلام «و علم الحروف هو العلم القويم و الصراط المستقيم» لان الحروف بتکونيتها و تدونيتها اصل کل علم و مبدأ کل رسم و علة کل تأليف و ترکيب و سبب تأصل کل وضيع و شريف و منها بدت الحروف و اليها ختمت و عنها صدرت و بها تأصلت و بحدودها و رسومها تشخصت و بحامليتها للمبادي العالية اثرت و تاثرت و فصلت و تفصلت و اظهرت و ظهرت و استقلت و اضمحلت و تباينت و ائتلفت و احيت و حيت و اماتت و ماتت و اعلت و علت و اسفلت و سفلت و انضجت و نضجت و قربت و قربت و بعدت و بعدت لانها الصراط المستقيم الظاهرة باعطاء کل ذي حق حقه و بالسوق الي کل مخلوق رزقه بحامليتها و محموليتها فهي فاعلة بالاعتبار الاول و مفعولة بالاعتبار الثاني الاتري کلام النحاة في تقسيمهم الکلمات المؤتلفة من الحروف العاليات بانها تعمل و لايعمل فيها و تعمل و يعمل فيها و لاتعمل و لايعمل فيها و هذه هي حدود ماذکرنا آنفا فافهم و تبصر فان شرح هذا الکلام طويل و القلب کليل فبما ذکرنا و اوضحنا و شرحنا و فصلنا تبين المراد من کلام السيد آصف و المراد من العلوم الثلاثة المذکورة.
و قولکم و هل اوسطها اي علم الرمل معتبر عندکم نعم هو المعتبر عندنا و کيف لايعتبر و هو علم آدم7 علمه جبرئيل7 لما تفرقت اولاده و اراد آدم7 استخبار احوالهم و معرفة (معرفة احکامهم خل) اماکنهم و ازمانهم و مايجري عليهم سأل الله سبحانه و تعالي عن ذلک فعلمه سبحانه بواسطة جبرئيل قاعدة کلية و قانونا الهيا يستنبط بها جميع الاحوال الغيبية و الاطوار المخفية من العلوية و السفلية و يکون علما مستقلا له و لعقبه و نسله حتي يفوزوا بهذه السعادة و يحظوا بنيل هذه الدرجة العلية و لئلا يکون مختصا به7 کما لو اخبره او اشهدهم اياه فنزل جبرئيل7 و جعل نقطة في الارض بجناحه ثم نقطة اخري تحتها ثم اخري (احرف
«* جواهر الحكم جلد 2 صفحه 643 *»
خل) تحتها و هذا الرابع (الواقع خل) تحت الثالثة فارتفع جبرئيل الي محل القدس و حرم الانس فنظر آدم7 الي هذه النقاط الاربع المرتبة فعرف ان النقطة الاعلي الاولي النار و الثانية نقطة الهواء و الثالثة نقطة الماء و الرابعة نقطة التراب و هو شکل الطريق عند اهل هذا العلم ثم لما کانت الحوادث الکونية و الحقايق الوجودية من الشهودية و الغيبية انما تأصلت و تحققت بضم هذه العناصر بعضها علي بعض و نسبة بعضها الي بعض فضرب آدم7 هذا الشکل في نفسه فاستخرج من هذا الشکل ستة عشر شکلا و نسبها الي مباديها التي هي الافلاک و البروج و المنازل و ساير القرانات و نسب بعض هذا الشکل الي الآخر نسبة طبيعية اعتدالية فاستخرج منها بملاحظة هذه الجهات جميع الاشياء المعينات و الطبايع و الذوات و الصفات و الجواهر و الاعراض و المجردات و الماديات و ساير المخبيات استخراجا حقيقيا و علم بها بما کتب الله في لوح هذه الاشکال علي النسبة الاعتدالية علما قطعيا واقعيا فعرف بها احوال اولاده و احفاده و ساير الکون باستمداده و امداده و قد اظهر هذا العلم غاية الاظهار و ابرزه في قالب المشاهدة دانيال النبي9 کما ان اسمه علي عدد نقاط الرمل و قد کان هذا العلم معجزته و اظهر به نبوته و دعا به رعيته فآمنوا به و اجابوا الي دعوته و قصته مشهورة و هو علم شريف لميزل الانبياء يستعملونه و الاولياء يتعاطونه الي اندخل فيه من ليس له باهل و نظر فيه من لميطلع علي حقايقه و رسومه و دقايقه و رموزه فکان يخبطون الغث بالسمين و يخلطون الرخيص بالثمين و لمينظروا الي اعتدال نسبها و لا الي موازين طبايعها فخبطوا خبط عشواء و بقوا في هذا الوادي حياري يصيبون مرة و يخطئون الفا.
و قولکم و علي تقدير اعتباره فاي دائرة هي المعتبرة بزدح او ابدح او دائرة سکن.
جوابه ان طريق الاستخراجات کثيرة و جهاتها غيرعديدة و هذه الدوائر و غيرها مما ذکره اهل هذا الفن و ما لميذکروه کلها موصلة الي المطلوب و
«* جواهر الحكم جلد 2 صفحه 644 *»
مؤدية الي المقصود الا ان بعضها اقرب بالنسبة الي غيره بالاضافة الي بعض الطبايع و الافهام دون الآخر فيختص بها و يرجحها علي غيرها زعما منه انها هي الموصلة دون غيرها حيث لميطلع علي تلک الجهة الاخري بالنسب الاعتدالية الموصلة الي المقصود المطلوب و اما الناظر الي النقطة الاصلية التي عنها (منها خل) نشأت هذه النقاط التفصيلية فيشاهد تلک الجهات و يحيط بتلک الطرق و يرعي کلها موصلة اذا وضعت علي النسب الحقيقية بامتزاج العلوية و السفلية و الکل صحيح موصل و الکل مؤد مباح الا ان بعضها اقرب من البعض و ذلک ايضا بحسب مناسبة بعض الافهام فالکل يناسب الکل و قريب عند الکل و اما المحيط الناظر فالکل عنده علي حد سواء و هذه المقدمة التي ذکرناها هي بعينها جواب قولکم و هل المعتبرة عندکم منه (فيه خل) تصعيد النقطة او ملاحظة الطالع او ملاحظة بيت الحاجة او الشکل الحال فيه فان هذه الوجوه کلها معتبرة و مؤدية الي المطلوب و التفاوت بجهات الملاحظة بحسب الموافقة و تفصيل هذه الطرق يطلب في کتب اهل هذا الفن فانا لسنا بصدد بيانه و لا المقصود منها تبيانه و برهانه فافهم فهمک الله.
ثم انه سلمه الله تعالي قد الحق المسائل المذکورة بهذه المسائل:
قال سلمه الله تعالي: مولاي ما المراد من تأثيرات الکواکب السيارة في الاجسام و النفوس علي الانفراد او الجمع بينهما.
اقول اعلم ان الله سبحانه حيث اجري عادته انيجري الاشياء باسبابها جعل الکواکب بحرکاتها في افلاکها و تبدل اوضاعها سببا لنضج الکاينات و المکونات السفلية لان الکواکب قبسات نور کانت مستجنة في نيران مستجنة في زبد البحر الذي ارتفع منه الدخان فخلق الله سبحانه منه السموات السبع و هو قوله تعالي ثم استوي الي السماء و هي دخان فالکواکب قوي الافلاک و مهابط الفيض الالهية في العالم الجسماني و هي احد الخزائن التي قال الله سبحانه و ان من شئ الا عندنا خزائنه و ماننزله الا بقدر معلوم و هي من الخزاين الجسمانية قد جعل الله سبحانه و تعالي فيها مواد الاجسام السفلية و
«* جواهر الحكم جلد 2 صفحه 645 *»
امداداتها و قواها و هي تترجم لک المواد بما يصلح القوابل السفلية من المتولدات و کاينات الجو و توصل اليها بايقاع اشعتها الحاملة لتلک المواد الصالحة المناسبة للمکونات العرضية فتکون کل الکاينات بايقاع اشعة تلک القبسات بتربيتها بکر الافلاک و ملاحظة الملائکة المدبرات و هذا هو المراد من تأثيرات الکواکب و هي حاملة الفيض و يد المفيض کالبلور الحامل لحرارة الشمس و الجامع لها الموصل الي غيره بالاحراق و الاشراق فالمحرق و المشرق انما هو الشمس و البلور آية و يد و سبب و معد و هکذا الکواکب حملة لآثار الفيض و موصلة الي محله و مواقعه بالترجمة فليست الاجسام السفلية آثار منفصلة للکواکب کاشعة الشمس بالنسبة اليها و القيام و القعود بالنسبة اليک و انما هي واسطة الفيض و مصلحة لقابلية السفليات للاستفاضة من العلويات کالوالد للاولاد کالمعلم للمتعلم.
فمن انکر تأثير الکواکب ان اراد استقلالها في التأثير و تأصلها و ينکر استنادها الي قيوم قاهر عليها کالدهرية و اضرابهم (احزابهم خل) فحق صواب اذ لا استقلال لاحد الا لله وحده و ان اراد علي جهة التفويض و رفع (دفع خل) اليد حين التأثير فکالاول ايضا و ان اراد علي ما قررنا و فصلنا من الوساطة و السببية و کونها يدا للحکيم و مظهر القدرة العزيز العليم فکلام باطل و قول مجتث زائل و کأنه مصادمة للضروري و مزاحمة للبديهي فان تأثير الکواکب في العالم اظهر ظاهر و اوضح واضح الاتري الشمس فانها في العالم العلوي و السفلي اما في العلوي فلان القمر يزداد نوره و ينقص بسبب قربه و بعده عن الشمس بل نور ساير الکواکب ايضا مقتبسة من الشمس و اذا ظهرت اخفت بشعاعها و نورها جميع الکواکب و اما تأثيرها في السفلي فمن وجوه منها انها اذا طلع الصبح ظهرت في الاجساد الحيوانية انوار الحيوة و کلما کان طلوعه اکثر کان ظهور قوة الحيوة في الابدان اکثر و مادامت الشمس في الارتفاع حرکتهم في الزيادة و اذا مالت عن وسط السماء اخذت حرکاتهم في الضعف الي الغروب فتسکن بالليل بما يشبه الموت و هو النوم و منها ان کل موضع بعيد عن الشمس مثل
«* جواهر الحكم جلد 2 صفحه 646 *»
تحت القطبين فلايکون هناک حيوان و لا نبات للبر و يکون النهار و الليل هناک اشهر و ربما اذا بلغ الارتفاع اي ارتفاع القطب تسعين درجة کان النهار ستة اشهر و الليل مثله و منها اختلاف الناس في اجسامهم و طبايعهم انما هو لاختلاف حرکة الشمس لان الذين يسکنون خط الاستواء الي محاذاة رأس السرطان يسمون بالسودان لان الشمس تمر علي سمت رؤوسهم في السنة اما مرة او مرتين فتحرقهم و تسود ابدانهم و الذين مساکنهم اقرب الي خط الاستواء الي محاذات رأس السرطان کالزنج و الحبشة فالشمس لقوة تأثيرها تحرق حتي شعورهم و تسود ابدانهم و تجعل شعورهم جعدة و اخلاقهم وحشية و الذين مساکنهم اقرب الي محاذاة رأس السرطان الي محاذاة بنات النعش الکبري لاجل ان الشمس لاتسامت رؤوسهم لاجرم الوانهم متوسطة و اخلاقهم حسنة کالصين و الترک و الخراسان و العراق و الفارس و الشام و من هؤلاء من کان اميل الي ناحية الجنوب کان اتم في الذکاء بقربه من النقطة و من کان اميل الي ناحية المشرق فهو اقوي نفسا و اشد تذکيرا اذ الکواکب تظهر من المشرق و اليمين اقوي و من کان الي ناحية المغرب فهو الين نفسا و اشد ثباتا و اکثر کتمانا لان هذه الناحية منسوبة الي القمر و الذين مساکنهم محاذية لبنات النعش و هم الرؤوس فانهم لکثرة بعدهم عن ممر البروج صار البرد غالبا عليهم و الرطوبة الفضلية و لذا صارت الوانهم بيض (بيضاء خل) و طباعهم باردة و اخلاقهم وحشية.
و منها الفصول الاربعة التي هي السبب في تولد النبات انما هو من الشمس و تأثير الشمس في النبات ظاهر و کذا وجود بعض النبات في بعض البلاد دون بعض فان النخل ينبت في البلدة الحارة.
و کذا وجود بعض الحيوانات في بعض البلاد دون بعض کالفيل و الکرکدن و قد يوجد بعضها في البلدة التي هي اشد حرارة من الهند فان الفيل توجد (قد يوجد خل) في بلاد السودان اعظم جسما و اطول عمرا.
و اما انعقاد الاجسام السبعة من الفلزات و ساير المعادن الغير المنطرقة و
«* جواهر الحكم جلد 2 صفحه 647 *»
المنطرقة و الاحجار فمعلوم ان السبب فيها بخارات تتولد في باطن الارض بسبب تأثير الشمس و هکذا غيرها من امثالها فان بالبيان يطول الکلام و مرادنا الاشارة باقصر العبارة.
و اما القمر فله ايضا تأثير عظيم الا ان تأثير (تاثير الشمس ظاهر خل) في الحر و البرد اکثر و تأثير القمر في الرطوبة و الجفاف اقوي لما هو المعلوم من ان البحار يأخذ في الازدياد من حين تفارق القمر الشمس الي وقت المقابلة ثم يأخذ في الانتقاص و لايزال يستمر بحسب نور القمر حتي ينتهي الي غاية نقصانه عند حصول المحاق و من البحار مايحصل فيه المد و الجزر في کل يوم و ليلة مع طلوعه و غروبه کبحر فارس و هند و ذلک انه اذا بلغ القمر مشرقا من المشارق ابتدأ البحر في المد و لايزال کذلک الي انيصير القمر الي وسط السماء في ذلک الموضع فعند ذلک ينتهي المد منتهاه فاذا انحط القمر من وسط السماء جزر الماء و رجع البحر و لايزال راجعا الي انيبلغ القمر مغربه فعند ذلک ينتهي الجزر منتهاه فاذا زال القمر من مغرب ذلک الموضع ابتدأ المد هناک في المرة الثانية و لايزال زايدا الي انوصل القمر وتد الارض فحينئذ ينتهي المد منتهاه ثم يبتدئ بالجزر ثانيا حتي بلغ القمر افق المشرق لان الماء کروي محيط و کلما تحرک القمر صار موضعه افقا لموضع من مواضح البحر فصار ذلک الموضع وسط السماء لموضع آخر و مغربا لموضع و هکذا فيحصل احوالا (احوال خل) مختلفة و من جملة تأثير القمر زيادة لبن الحيوانات في زيادة القمر و سرعة النبات و غلظته ايضا و کذلک بياض البيض المنعقد في اول الشهر ازيد و الانسان اذا قعد او نام في ضوء القمر حدث في بدنه الاسترخاء و يهيج عليه الزکام و الصداع و کذلک الاشجار ان غرست و القمر زائد النور کبرت و نشأت و العکس بالعکس و کذلک القمر من الاجتماع الي الامتلاء يکون البقول و الرياحين اکثر نشوا و ازيد نموا و کذا القرع و القثاء و الخيار و البطيخ ينمو نموا بالغا عند ازدياد النور حتي في الليلة الرابعة عشرة يظهر التفاوت في ليلة واحدة و لا کذلک غيره من الکواکب فانا نجدها اذا اتفق
«* جواهر الحكم جلد 2 صفحه 648 *»
لبعضها قران مع بعض او احتراق او غير ذلک فانا لانري لذلک ظهور اثر في يوم القران و الاحتراق فاما ان کان القمر ساقطا في وقت القران او الاحتراق عن جزء القران او الاحتراق فانا نري له اثرا بينا في عالمنا و انما کان تأثير القمر ازيد لقربه و سرعة سيره.
و اما ظهور التأثيرات من ساير الکواکب فنري صيفا احر من صيف و شتاء ابرد من شتاء و ليس سببه الا انه متي قارن الشمس کوکب حار کان الصيف حارا او بالعکس و علمنا بالاستقراء تأثيراتها و مثاله ان تأثير الزهرة في هذا العالم الشبق و العشق و الباه و الالفة فاذا رأينا رجلا نکح امرأة و الزهرة في الحوت و القمر يسدسها في الثور او يکون القمر في السرطان و الزهرة في الثور او يکون القمر مقارنا للزهرة في بعض المواضع المذکورة و لايکون احد النحسين ناظرا اليها فان الزوجة تکون موافقة و يتفق بينهما من المحبة ما لايمکن شرحه و من تزوج و الزهرة محترقة في السنبلة او الحمل او العقرب و المريخ يقابلها او يربعها و زحل يقارن الزهرة او يقابلها في بعض المواضع المذکورة و المشتري ساقط عنها فانه يکون النکاح في غاية الرداءة من التباغض و اذا قارن القمر الزهرة في الثور و شرب في ذلک اليوم مسهلا الذي جرت العادة به عشرين مجلسا فانه لايسهل ذلک اليوم سبع مجالس بل اقل و ذلک لان القوي الطبيعية حينئذ في غاية القوة لقوة القمر بکونه في شرفه و مع الزهرة و کذلک اذا کان المشتري في السرطان و القمر مقارنه فان الطبيعة في غاية القوة و من زرع او غرس و القمر في الجدي او الدلو او العقرب و کان القمر مقابلا لزحل و لاينظر الي المشتري فانه لايثمر و لاينمو و لايفلح ذلک و من اتخذ طيبا و القمر يقارن زحل او يتصل به من بعض بيوت النحسين و لاينظر الي الزهرة او الزهرة غيرقوية فلايکون لذلک الطيب رايحة طيبة و هذه و امثالها من التأثيرات بينة ظاهرة لايمکن انکارها بالنوع و ان کان في بعض الخصوصيات يتفاوت الفهم في ادراکه و قد نص مولانا اميرالمؤمنين7 علي ذلک و صرح بان الروح الحيوانية من تأثير قوي الافلاک فاذا کانت
«* جواهر الحكم جلد 2 صفحه 649 *»
الروح الحيوانية من الافلاک فمظاهرها و مواقعها و مهابط افعالها بالطريق الاولي لانها فروع تابعة للاصل.
و الاطناب في هذا المقام کانه غير لازم لظهور الامر الا علي الوجه الذي ذکرناه من القوي بان التأثير بالاستقلال او بالتفويض الذي يلزم منه نوع الاستقلال و اما علي الوجه الذي ذکرناه فليس الحکم فيه مختصا بالکواکب بل کل شئ سبب لشئ و مسبب عن شئ و دليل علي شئ و مدلول شئ و جوهر لشئ و عرض لشئ و اثر لشئ و مؤثر في شئ و کتاب لشئ و قلم لشئ و يد لشئ و قدرة (مدبرة خل) لشئ و هکذا اطوار الوجود قد ابتلي بعضها ببعض و قال تعالي و لولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع و بيع و صلوات و مساجد يذکر فيها اسم الله کثيرا و لينصرن الله من ينصره.
و اما الشبه (الشبهة خل) الواردة في هذا المقام من منع تأثير الکواکب في العالم فهي اوهن من بيت العنکبوت و انه لمن اوهن (لاوهن خل) البيوت و لابأس باننشير الي بعضها تنبيها للغافلين و ارشادا للمسترشدين فنقول انهم ذکروا في منع تأثير الکواکب وجوها:
منها انه لو کان وقوع الممکنات او لا وقوعها متعلقين علي حرکات الکواکب لصارت هذه الممکنات اما واجبة او ممتنعة فيرتفع الاستخارة و الشور و جوابه بعد الاغماض عن حل ما عقدوا او نقض ما ابرموا خوفا للتطويل نقول لو کان هذا هو المانع من التصرف فيجب ان لايکون الله ايضا متصرفا و مؤثرا لانه العالم بوقوع الاشياء او لا وقوعها حتما فيرتفع الاستخارة و الشور فما هو الجواب لکم هو الجواب لنا عليکم.
و منها انه لا سبيل الي معرفة طبايع البروج و الکواکب و امتزاجاتها الا بالتجربة و اقل التجربة مرتين و ذلک متعذر اذ الفلک اذا وقع علي شکل معين لايعود مثله الا بعد الوف سنين.
و منها ان علم الاحکام مبني (منبئ خل) علي معرفة درجة الکواکب و تحصيل هذه غير ممکن اذ في آلات الرصد قد يکون خلل و لذا وجدنا موضع
«* جواهر الحكم جلد 2 صفحه 650 *»
کوکب درجة معينة بحسب زيج غير تلک الدرجة في زيج آخر لانهم يسامحون في الثواني و الثوالث.
و منها ان هذه الاحوالات التي دلت علي وقوعها اما انها لابد و انيقع ام لا فان کان الثاني بقي الامر في محل الشک فلايکون في علم الاحکام فائدة و ان کان لابد و يقع فلا فايدة في تقدم العلم بها و لايفيد العلم الا زيادة في الغم و لذا قيل کلياتها لاتدفع و جزئياتها لاتعرف و ما فيها الا تقديم هم (اهم ظ) و تأخير مهم.
و جواب هذه الوجوه امر واحد لان مرجعها الي المنع من معرفة تلک التأثيرات علي الوجوه الخاصة و الحدود المعينة و عدم الفايدة في معرفتها کثيرا و ليس هذا هو المراد فانا نقول بموجبه و نمنع من معرفتها الا لمن اشهده الله خلق السموات و الارض و خلق انفسهم و احاط بجزئيات العالم العلوي و کلياته و عرف حدود الکواکب و قراناتها و نسبها و اوضاعها و اضافاتها و خواصها و تأثيراتها من حيث الافراد و من حيث الامتزاج و حقيقة الامر الاعتدالي بعد ملاحظة التفاضل و التفاوت بين الطبايع و اني لساير الناس غير المهملين من امر الله المؤيدين بروح القدس و معرفة هذه الجهات و الاعتبارات لان (ان خل) هؤلاء المنجمين ماضبطوا امر السيارات الا السبعة المعروفة و من الثوابت الا کواکب البروج و المنازل و معدودا من سايرها و هذا المقدار لايکفي في معرفة التأثير و الحکم بوقوع شئ او لا وقوعه لان جميع الکواکب لها نسب خاصة الي هذه البروج و المنازل و للسيارات (السيارات خل) و تختلف الاحکام باختلاف ملاحظة تلک النسب و الاضافات و لذا ورد عنهم: في علم النجوم ان قليله لاينفع و کثيره لايوجد عندهم و قولهم ان المنجم کاذب و رب الکعبة و ذلک اذا حکم حکما بتّا لا ما اذا قال الذي يظهر لي مما اعرف من قرانات هذه الکواکب التي اعرفها وقوع امر کذا و کذا فانه ليس بکاذب ان کان صادقا مع ان الوجه الاخير من ادلة المنع يرجع الي القول الاول و جوابه جوابه علي انا نقول الاتصالات الفلکية کالاسباب
«* جواهر الحكم جلد 2 صفحه 651 *»
الفاعلة و الاستعدادات العرضية کالاسباب القابلة او الاثر محتاج الي السببين فالمنجم اذا اخبر عن اتصال فلکي فان کان خيرا سعي الانسان في تحصيل المنفعلات الارضية حتي يکمل الحصول و ان کان شرا سعي في دوافع الارضية حتي لايحصل فان تلک الاتصالات امور اقتضائية و يرفع حکمه او في مانع و الموانع الارضية کثيرة اعظمها الدعاء فانه يدفع البلاء و قد ابرم ابراما و التوسل و الالتجاء بالکرام و اللواذ بالمشاعر العظام و الاتيان بالعبادات بقلب تقي و صدر نقي و بدن زکي و توجه من الاغيار بريء و هي لعمري من اعظم الموانع لمنع تلک الاتصالات عن اقتضائها ان کان شرا و مقابلاتها ان کان خيرا فافهم و لاتکثر المقال فان العلم نقطة کثرها الجهال.
قال سلمه الله تعالي: و ما معني القول بان زحل يؤثر اثرا طبيعيا في الاجسام و في الارض بردا و يبسا و تجمدا و يؤثر في النفوس الاستعداد لقبول الخيال و الوهم و تعقل الامور.
اقول اعلم ان الحکماء و المنجمين و ساير العلماء من اهل المعرفة قد اتفقوا ان للکواکب تأثيرا في العالم الارضي خصوصا السيارات و قد اتفق المنجمون علي نسبة کل کوکب الي اثر خاص معين و عرفوا بالتجربة ظهور ذلک الاثر منه و جعلوا لکل واحد منها طبايع و صور و سعادة و نحوسة و ذکورة و انوثة و کونه ليليا او نهاريا و امثال ذلک مما سنذکر شطرا منه انشاء الله تعالي و لکنهم تحيروا في الدليل المقتضي لهذه النسب الخاصة و الحدود المعينة و تخصيص کل الي کل فاستندوا تارة الي التجارب و تارة الي الاستقراء و تارة الي ظهور الالوان و تارة الي ظهور الطبايع و تارة الي سرعة الحرکة و بطئها و کل هذه وجوه (الوجوه خل) لايسمن و لايغني من جوع لايلتفت اليها العاقل اللبيب و لايعرج اليها العالم المصيب لانها امور واهية لاتفيد ظنا فضلا عن العلم بل انما هي اوهام فاسدة و احلام کاسدة نعم الاصل في هذه الامور کلها تلقيهم عن الانبياء الذين اشهدهم الله خلق السموات و الارض و خلق انفسهم و قولهم هو الحجة و الصواب و لايعتريه شک و لا ارتياب و حيث انهم:
«* جواهر الحكم جلد 2 صفحه 652 *»
لايقولون الا عن حجة و لايتکلمون الا ببينة يجب علينا الفحص عن تلک الحجج الواضحة و البراهين اللائحة و هو قوله تعالي فاسألوا اهل الذکر ان کنتم لاتعلمون بالبينات و الزبر و قوله تعالي لميکن الذين کفروا من اهل الکتاب و المشرکين منفکين حتي تأتيهم البينة رسول من الله يتلو صحفا مطهرة.
و الذي يختلج ببال الحقير الفقير المعترف بالقصور و التقصير هو الذي اقتبسته من انوار اهل بيت العصمة و الرسالة و معدن الحکم و النبوة الذين هم سر الانبياء و عنصر الاولياء فاستمع لما يتلي ان هو الا وحي يوحي و هو ان العالم الاسفل بمجموعه دليل علي العالم الاعلي کما نطق عليه قوله تعالي و قول مولانا الرضا7 قد علم اولوا الالباب ان الاستدلال علي ماهنالک لايعلم الا بما هاهنا فيکون العالم الاسفل دليلا علي العالم الاعلي علي حسب مقامه و مرتبته في الدلالة و لما کان الوجود علي العالمين عالم الغيب و عالم الشهادة و کان عالم الغيب اصلا لعالم الشهادة و عالم الشهادة هو عالم الاجسام و عالم الغيب هو عالم العقول و النفوس و الطبايع و المواد و الاشباح و ظهور الاصل (الاصلي خل) الاعلي انما يکون في الوجه الاعلي من العالم الاسفل و لما کان مبادي العالم الاجسام و اشرف ما فيها الافلاک کانت مظهر تلک المراتب الغيبية و لما کان ظهور عالم الغيب في الغيب علي قسمين: احدهما ظهور الاجمال و التفصيل من حيث هما و ثانيهما ظهور مراتب التفصيل يجب انيکون في مبادي العالم الاسفل الجسماني حکاية لهذين الظهورين و لما کان ظهور الاجمال و التفصيل مقدما علي ظهور المراتب المفصلة وجب انيکون المظهر الاول في هذا العالم الاسفل مقدما فلخق الله سبحانه العرش و الکرسي ليکونا حاکيتين عن عالم الاجمال و التفصيل و هما اصلان عظيمان مخزونان لجميع مايحتاج العالم الجسماني ثم اراد الله سبحانه و تعالي انيخلق مظهرا للمراتب المفصلة ليکون بيانا لکيفية تشعب الآثار عن تلک العوالم و کيفية استمداد اهل کل مرتبة من اعلاها مع انحفاظ قاعدة قوله تعالي و ما منا الا له مقام معلوم فخلق الافلاک السبعة المعبر عنها بالسموات السبع ليکون کل سماء
«* جواهر الحكم جلد 2 صفحه 653 *»
دليلا علي مرتبة من مراتب الغيب و لما کان عالم العقول اول المراتب المفصلة من تفاصيل عالم الغيب کان مظهره من السموات اولها و اعلاها المحيط بها و لما کان عالم النفوس تحت عالم العقول وجب انتکون السماء الثانية مظهرا للنفس و لما کان عالم الطبيعة تحت عالم النفوس وجب انيکون مظهرها السماء الثالثة و لما کان عالم المواد تحت عالم الطبايع کان مظهرها من السموات الخامسة و لما کان عالم الاشباح و الاظلة تحت عالم المواد کان مظهرها من السموات السادسة و لما کان الصور الجسمية و الحدود الشخصية الجسدية تحت عالم المثال يجب انيکون مبدأ ظهورها و منشأ کينوناتها السماء السابعة و لما کانت هذه المراتب الغيبية و الشهودية و الکرات الصحيحة الاستدارات لها قطب جامع و سر کامن في کمونه ظاهر تدور عليه تلک الکرات و الدوائر و کان القطب في الوسط لقوله تعالي و کذلک جعلناکم امة وسطا لتکونوا شهداء علي الناس کان مظهر هذا القطب و محل هذا اللب في وسط هذه الافلاک و السموات و هو السماء الرابعة فانتظمت الافلاک و السموات و دل کل فلک و سماء علي ما هو المظهر و الدليل عليه و اثر کل منها بالقاء مثال ظاهر فيه افعاله في المراتب السفلية.
و لما بينا و فصلنا في شرحنا علي الخطبة الشريفة الطتنجية في ذيل قوله7 و زينها (زيناها خل) بالکواکب المضيئات ان الکواکب هي اصل الافلاک و سرها و قواها و وجه مبدئها و نسبتها الي افلاکها في المثال التقريبي نسبة المرارة و القوي الي ساير البدن فيکون ما هو المظهر له سره في کوکبه و لما کان زحل هو النجم الثاقب و مقره في السماء الاولي في القوس النزولي کان مظهرا للعقل و لما کان له روح و جسد کان روحه حاملا للمدد (للجسد خل) لتربية العقول الجزئية الظاهرة في المراتب الجسمانية و لما کان کل روح انما ظهر في محل خاص من الجسد لما بينهما من المناسبة الحقيقية و المرابطة الواقعية بروابط عالم المثال کان جسم زحل مربيا للمحل الظاهر فيه العقل من تجويف من تجاويف الدماغ و غيره من المراتب علي حسب ظهور العقل فيه و
«* جواهر الحكم جلد 2 صفحه 654 *»
لما کان العقل اول عابد لله و خاضع له لسر (بسر خل) العبودية لانه اول خلق استنطقه الله فقال له اقبل فاقبل ثم قال له ادبر فادبر فهو الظاهر بالاستکانة و الخشوع و الانقياد و التذلل لرب العباد فما هذا شأنه يکون طبيعته طبع التراب المناسب للمسکنة اماسمعت الله تعالي يقول او مسکينا ذا متربة و قد قال الصادق7 في کوکب زحل انه هو النجم الثاقب و انه يأمر بالزهد و افتراش التراب و لذا کان کوکب اميرالمؤمنين7 و هو ابوتراب فنسبت اليه البرودة و اليبوسة و لما کان کل ممکن له جهتان جهة انية و جهة الوجود و هو بجهته مؤثر في الموجودات نسب اليه صورة کل جهة و طبعه و مزاجه و عمله مما سنفصله لک انشاء الله تعالي فکان زحل مربيا لکل مايتعلق بالبرودة و اليبوسة اي الغالب فيه من المزاج و الصفات و الطعوم و الالوان و الاعضاء و الاماکن و الازمنة و في ساير ماغلبت عليه اليبوسة و الجمودة و يؤثر في النفوس بباطنه و روحه الاستعداد بحفظ القابلية بقوة البرودة و اليبوسة التي هي علة الامساک و القبول و حفظ مايرد عليه من الافاضات و الامدادات و اذا ورد ان الله تعالي مابعث نبيا الا و هو صاحب مرة سوداء صافية و انما غلبت السوداء لقوة الماسکة و الحافظة لما يرد عليه من الافاضات و الامدادات الالهية و قولهم انه يؤثر في النفوس للاستعداد لقبول تعقل الامور صحيح لاشک فيه لما ذکرنا انه مرب للعقول و قد روي ان النبي9 قال في ليلة المعراج لما صعدت الي السماء السابعة مامر بي ملک من الملائکة في تلک السماء الا و اوصاني انآمر امتي انيحجموا في القفاء لان الدم حار رطب و مزاجه يضاد العقل الذي هو بارد يابس فاذا قوي الدم ضعف العقل و اذا احتجموا علي القفا يجذب الدم الفاضل الغالب و تقوي اليبوسة المعتدلة مع البرودة کذلک و يتقوي العقل لذلک.
و اما قولهم يؤثر في النفوس الاستعداد لقبول الخيال و الوهم فوهم لان المربي للخيال هو الزهرة و للوهم هو المريخ و المناسب للخيال لاجل انه صورة البرودة و الرطوبة و المناسب للوهم الحرارة و اليبوسة کما سنذکره ان
«* جواهر الحكم جلد 2 صفحه 655 *»
شاء الله تعالي و زحل بارد يابس فلايناسبه تربية هذه المحال الا انيراد بالاستعداد مقدار مايمسک و يحفظ هذه القوي فحينئذ يصح انتساب الاستعداد بالمعني الذي ذکرنا.
ثم اعلم انهم قالوا ان زحل کوکب نحس و هو النحس الاکبر لظاهر طبعه من البرودة و اليبوسة المفرطين اللتين هما طبع الموت و قد ورد عن ائمتنا سلام الله عليهم ان کوکب زحل کوکب اميرالمؤمنين7 و هو سعد اکبر فمايناسب اليه يکون في الغاية من السعادة و هذا ينافي ما اتفق المنجمون عليه من انه النحس الاکبر و رفع المنافاة بين قولهم و بين ما ورد عن ائمتنا: باننقول انه نحس علي اهل الدنيا و سعد علي اهل الآخرة و نحس علي المخلدين علي الارض في الشهوات و المطموسين في بحر الطبايع و الماهيات و سعد علي المتخلفين عن اللذات و المستأنسين بمناجاة بارئ المسموکات و المعرضين عن الشهوات کما کان اميرالمؤمنين7 کذلک فانه نعمة الله علي الابرار و نقمته علي الفجار و هو سور باب مدينة العلم الذي باطنه فيه الرحمة و ظاهره من قبله العذاب و هو من الذين اذلة علي المؤمنين اعزة علي الکافرين و هو الماء الذي شفاء و رحمة للمؤمنين و لايزيد الظالمين الا خسارا فافهم المطابقة علي وجه الموافقة و تعيها اذن واعية فتبين لک من هذا البيان التام انه سعد لاناس و نحس لاقوام و من هذه الجهة ذکر اهل العلم ان له طبيعتين ظاهره برودة و يبوسة و باطنه حرارة و رطوبة فالظاهر موت و قلع و قمع و الباطن حيوة و وصل و جمع فافهم فقد اوقفتک علي ما لميذکر في خطاب و لميسطر في کتاب فاغتنم و کن من الشاکرين.
قال سلمه الله تعالي: و مامعني ان له في جميع الموجودات اثرا لايحصي.
اقول لقد تبين مما ذکرنا معني تأثيره في الموجودات لان له نظرا في کل الموجودات و هو حامل لاثر فعل الله في انحاء الاضافات مما يناسب طبيعته في الظاهر و الباطن و ان اردت بعض تفصيل مايضاف اليه من الآثار في جميع الموجودات فاعلم ان اثره في الطعوم البشاعة و العفوصة و الحموضة الکريهة
«* جواهر الحكم جلد 2 صفحه 656 *»
النتن و في الالوان السواد الحالک و ما مازج لونه الصفرة و اللون الرصاصي و الظلام و في الملموسات ابرد الاشياء و اصلبها و ايبسها او اقذرها و في المقادير القصر و اليبوسة و الثقل و الصلابة و في الامکنة الجبال اليابسة التي لاينبت فيها و الاراضي الصلبة و في المساکن السراديب و النواويس و الآبار العميقة و الابنية العتيقة و الصحاري السبخة و مرابط الثيران و الحمير و الخيل و في البلاد السند و الهند و الزنج و الحبشة و قبط و سودان بين الجنوب و المغرب و اليمين و المغرب و في الفلزات الاسرب و خشب الحديد و الحجارة الصلبة و في المعادن اللازورد و السبح و في الفواکه الفلفل و الشاهبلوط و الزيتون و الزعرور و الرمان الحامض و العدس و الکتان و الشهدانج و في الاشجار العفص و الهليلج و الزيتون و الفلفل و الخروع و کل شجرة کريهة الطعم منتن الريح و کل شجرة ذات ثمرة صلبة القشر کالجوز و اللوز و في الزروع کل حب بارد يابس و في الادوية العقاقير الباردة اليابسة التي في الدرجة الرابعة سيما المحذرة منها و في القوي القوة الماسکة و المرة السوداء و القوة الحافظة و قوة العاقلة و في الاعضاء البسيطة الشعر و الجلد و الظفر و الريش و العظام و المخ و القرون و الظلف و في الاعضاء المرکبة الاليتان و الدبر و المصارين و البول و العذرة و الظهر و الرکبتان و في آلات الحس القوي الشامة و الاذن الايمن و المنخر الايمن و في الاسنان الشيخوخة و في الانسان الآباء و الاجداد و الاخوة و الاکابر و العبيد و في الصور کل قبيح المنظر ممشوق عبوس عظيم الرأس اقرن صغير العين واسع الفم غليظ الشفتين کثير الشعر اسود متغير اللون الي الادمة و قص ضخم الکتفين قصير الاصابع ملتوي الساقين عظيم القدمين و في الاخلاق الباطنة الهارب الفزع المفکر الجبان المتخيل المکار الحقود المنقبض الجياد الموسوس الذي لايعلم احد ما في نفسه و لايحب الخير لاحد و في الافعال الظاهرة صادق القول و المودة صاحب التؤدة و التجارب بعيد الغور کتوم السر اذا غضب لميملک نفسه مصر علي فعله و في الافعال و الطباع الغربة الطويلة و الفقر الشديد و الثروة مع البخل علي نفسه و غيره و العسر و النکر و الشدايد و
«* جواهر الحكم جلد 2 صفحه 657 *»
الهموم و الحيرة و ايثار العزلة و استبعاد الناس بالظلم و استعمال الفسق و الحيل و البکاء و الحزن و في اطباق الناس ارباب الصنايع و قهارية الملوک و نساک الملک المشقشقون و العبيد المکدکدون و الخصيان و اللصوص و في الاديان اليهودية و سواد اللباس و في ذوات الاربع الحيوانات السود و مايأوي تحت الارض و البقر و المعز و النعامة و السنجاب و السمور و السنانير و الفارة و اليربوع و الحيات العظام السود و العقارب و البرغوث و الخنافس و في الطيور طير الماء و طير الليل و الغربان و الخطاطيف السود و الذبان فهذه المذکورات و امثالها من اطوار الموجودات آثار ظاهرة و هي في کل شئ و لايمکن احصاؤه و ماذکرنا بعض انواعه للاشارة الي نوع البيان.
و اما آثاره الباطنية فاضداد ماذکرنا حرفا بحرف.
و اما صورته فذکروا له صورتان احداهما انه شيخ بيده اليمني رأس الانسان و اليسري کف انسان و هو يحرک الموتي بعصاه و الثانية راکب فرس اشهب علي رأسه بيضة و بشماله ترس قد علا به وجهه و في يمناه سيف.
قال سلمه الله: و ما المراد من فيض المشتري علي الاجسام مايحفظ قواها و هيئاتها علي اتم صفاتها و اعدلها و ما المراد من تولية قوي التناهي في الاجسام نباتيا و حيوانيا حتي تهيأ لقبول الاجناس بواسطة فيضه الاعتدالي.
اقول لما ذکرنا ان الفلک السادس السماء السادسة في قوس الصعود و الثانية في النزول مظهر لعالم النفوس و هي (هو خل) الصور المجردة عن المواد الجسمية و الصور الشبحية و المدة الزمانية و هي العلم الصور المخزونة في الصدور و لما کان سر الفلک في کوکبه کان المشتري مظهرا للنفس و حاملا لمثالها و فيها الصور و الهيئات المفصلة و المتنزلة من عالم العقل الذي مظهره زحل و حيث ان الحاکي حامل مثال العالي المحکي فتظهر الافعال من هذا الحامل علي ذلک المثال و لما کان المثال من عالم النفس و ذلک هو العلم لان العلم حصول صورة الشئ في الصدر الذي هو دون رتبة العقل و قشر للقلب (القلب خل) المقتضي للخوف و هو قول الصادق7 اذا تحقق
«* جواهر الحكم جلد 2 صفحه 658 *»
العلم في الصدر خاف و قول علي بن الحسين7 لا علم الا خشيتک و لا حکم الا الايمان بک ليس لمن لميخشک علم و لا لمن لميؤمن بک حکم و لما کان المشتري واقفا علي هذا الباب و حاملا لذلک الجناب کان من فيضه الصور و الهيئات و النهايات و القوي المتعينة و الحدود المشخصة بحکم المناسبة المذکورة و الحکاية المزبورة و لذا کان کوکب العلماء و القضاة و مظهر الحدود و الانيات و قد ورد عن الصادق7 ان المشتري نزل الي ارض العجم و لزم احد اولادها و علمه علم النجوم ثم سأله عن موضع المشتري الآن فنظر الي محله فلميجده فلميعرف الجواب فترکه و مضي الي الهند و لزم احد اولادها و علمه العلم المذکور ثم سأله عن موضع المشتري فنظر المتعلم الي محاله و مواضع حصوله و تأمل تأملا تاما ثم قال ان حسابي يدلني علي انک انت المشتري نقلته بالمعني فظهر لک ان جميع مايتعلق الي الصور و الحدود و الهيئات منسوبة اليه و متعلقة به علي الوجه الاعلي و لذا کانت طبيعته حارة رطبة اما الحرارة فلکونها وجه العقل و اما الرطوبة فلانه محل النقوش و الحدود و الصور و له طبيعة اخري باطنه و هي البرودة و الرطوبة کما هو مقتضي مقام الکثرة و من هذه الجهة قالوا ان المشتري بظاهر جسده يفيض علي الاجسام مايحفظ قواها و هيئاتها و هي القوي الجسمانية الظاهرة في الدماغ في الکبد في الاخلاط و ساير المواقع و المحال التي هي محال للقوي الروحانية التي تفاض من المشتري بواسطة روحه الحاملة لظهور النفس الکلية کما ان جسمه حامل لظهور الکرسي الظاهر بمنطقته في البروج و المنازل و حيث کانت هذه الصور من آثار النفس القدسية و الملکوتية الالهية التي اصلها العقل منه نشأت و عنه وعت و اليه دلت و اشارت و شابهته اذا کملت فهي ذات الله العليا و شجرة طوبي و سدرة المنتهي و الجنة المأوي و قالوا انه يفيض علي الاجسام المدد الصوري الذي يحفظ به قواها و هيئاتها علي اتم صفاتها و اعدلها فيکون هو المتولي لقوة التناهي في الاجسام اي الحد الخاص الذي تنتهي اليه الاجسام بما هي عليه من القوي و الطبايع و من النبات و الحيوان حتي تتهيأ تلک الاجسام
«* جواهر الحكم جلد 2 صفحه 659 *»
لقبولها التحصص بالحصص الجنسية بالحدود النوعية و الصور الشخصية بواسطة فيضه الاعتدالي المقتضي لظهور تلک الاجسام علي کمال ماينبغي من الصور الحقيقية الذاتية و من هذه الجهة نسب اليه کل معتدل الصورة معتدل الهيئة معتدل الطبيعة.
و لابأس باننشير الي بعض ماينسب اليه من المتعلقات الجسمانية فنقول (و نقول خل) انه ينسب اليه من الطعوم الحلاوة و المرارة الطبيعية و من الالوان البياض المشوب بصفرة او سمرة و الضياء و البريق و الغبرة و من الملموسات اعدل الاشياء و اتمها و احسنها و اطيبها و اسلسها و من المقادير الاعتدال في الخشونة و الملاسة و من الامکنة الاراضي السهلة و من المساکن المساکن العامرة و منزل الاشراف و المساجد و البيع و الکنايس و مسکن العباد و المعلمين و من البلاد ارض بابل و خراسان و البربر الي المغرب و الترک و من الفلزات مرقشيشا و توتيا و کبريت و زرنيخ الاحمر و کل حجر ابيض و اصفر و حجر مرارة البقر و من المعادن الرصاص القلعي و اسفيداج و الشبه الفاتق و الالماس و من الفواکه الرمان الحلو و التفاح و من الاشجار کل شجرة لها ثمرة حلوة قليلة الدسم کالتين و الخوخ و المشمش و الاجاص و النبق و هو شريک الزهرة في الاشجار الفاکهة و في الزروع الورد و کل نبات ارج الرايحة و الحنطة و الشعير و الارز و الحمص و السمسم و الذرة و من الادوية مايکون معتدلا في الحرارة و الرطوبة و يکون نافعا و من القوي الغاذية و النامية و المصورة و من ذوات الاربع و البهايم الاهلية و ذوات الاظلاف و الابل و کل دابة حسنة اللون او طيبة اللحم مما يؤکل و من الطيور کل طير مستوي المنقار و الحمامة و الدراج و الديک و الدجاج و في الاعضاء البسيطة الشرائين النافضة و المخ و النطفة و القرون و من الاعضاء المرکبة الفخذان و الامعاء و الرحم و الحلق و من آلات الحس اللمس و الاذن الايسر و من الاسنان الکهولة و من الانساب الاولاد و اولاد الاولاد و من الصور جسم مکلثم الوجه غليظ الارنب ناتي الوجنتين عظيم العين فيها شهلة خفيف اللحية و من الاخلاق الباطنة حسن
«* جواهر الحكم جلد 2 صفحه 660 *»
الخلق ملهم بالعقل عظيم الهمة ورع منصف موصوف بالرياسة علي الامصار حريص في العمارات و من الافعال الظاهرة فهم سخي النفس صادق المودة مفتخر کاره للشر (للشرور خل) و من الافعال و الطبايع معونة الناس و الاصلاح و بث الصدق فيهم و اظهار السرور لکل من يقاربه و التمسک بالدين و الامر بالمعروف و صدق الرؤيا و کثرة الضحک و المزاح و شدة الرغبة في المال و المستقلات (المستغلات خل) و التعزز بالنفس و من اطباق الناس الملوک و الوزراء و الاشراف و العظماء و القضاة و العلماء و العباد و التجار و الاغنياء و من الاديان النصرانية و بياض اللباس و هذه و امثالها مما يناسبها و يشاکلها هي منسوبات المشتري و متعلقاته (متعلقاتها خل) و مواضع تصرفاته و محل القاء امثلته باشعته و قراناته و حيث کانت طبيعته حارا رطبا معتدلا و في باطنه باردا رطبا کذلک فله صورتان اما صورته الاولي فشاب في يمناه سيف مسلول (السيف المسلول خل) و في يسراه قوس و هو راکب برذون و اما الاخري فرجل علي کرسي عليه ثياب مختلطة الالوان و بيسراه خود.
قال سلمه الله تعالي: و ما المراد من فيض المريخ علي الاجسام الحرارة الغريزية حتي تتهيأ لقبول التغيير بقوة الحرارة و کيف يکون کزحل في باب التغيير بالافساد و ما معني افاضته علي النفوس الخمسة الغضب و المکر و سوء الاعتقاد و مايؤدي معناها من الافعال الذميمة.
اقول لما ذکر سابقا ان السماء الخامسة في القوس الصعودي و الثالثة في النزول مظهر للطبيعة الکلية و هي من حيث انها مبدأ الاجسام و لها هيمنة و قهارية و فعل و تأثير في مايتعلق به من الاجسام تکون حارة يابسة طبع النار و من حيث انها آخر مراتب الخلق الاول و مقام خفاء القوي الروحانية و هي المسماة بموت عالم الغيب و مقبر الارواح و اليها الاشارة في قوله تعالي ان الله يسمع من يشاء و ما انت بمسمع من في القبور القبور الطبايع التي ينقطع ظهور الارواح في القوس النزولي عندها و اليها ايضا يشير سبحانه في قوله الهيکم التکاثر حتي زرتم المقابر اي مقابر الطبيعة و هذا العالم انما يحصل بمزج عالم
«* جواهر الحكم جلد 2 صفحه 661 *»
الغيب بعضه في بعض و برد عاليه الي سافله و رطبه الي يابسه و غليظه في کثيفه بحيث يحصل من مجموع الضم و الامتزاج حقيقة اخري غير متصفة بصفات واحد منها الماحي لظهور تشخص کل منها الجامعة لمقتضياتها من حيث الاجمال لا من حيث التفصيل فهي مقام خفاء عالم الانوار و غيبوبة عالم الاسرار فهي من هذه الجهة تکون باردة يابسة او باردة رطبة علي الاختلاف فظاهرها حار يابس و باطنها بارد يابس او بارد رطب و لذا قالوا ان المريخ شيخ کبير قاعد علي کرسي من النار فالشيخوخة طبعها البرودة و الرطوبة او اليبوسة و النار طبعها الحرارة و اليبوسة و القعود علي الکرسي کناية عن ظهوره بطبيعة النار و لما کانت هذه الحرارة غير ذاتية کالمشتري و الشمس لمتکن معتدلة و لذا نسبت اليه النحوسة فهو من حيث الحرارة يفيض علي الاجسام الحرارة الظاهرية حتي يتهيأ (تتهيأ خل) تلک الاجسام للانعقاد بالکينونة التي تقتضيها کما هو شأن فيض الطبيعة و اما انه کزحل في باب التغيير بالافساد فمن جهة ان زحل طبيعته باردة يابسة مفرطتان و المريخ حارة يابسة يبوسة مفرطة و هما مضادان (متضادان خل) للحيوة لانها حارة رطبة فالبرودة تضاد الحرارة و اليبوسة تضاد الرطوبة فزحل علي هذا التقدير في الغاية من النحوسة و اما المريخ فانه بظاهر طبيعته حارة يابسة و اليبوسة و ان کانت تضاد الحيوة لکن الحرارة لاتنافيها فتکون نحوسة المريخ اقل من نحوسة زحل و ايضا ان زحل مفرط في البرودة و المريخ مفرط في اليبوسة و البرودة قوة فاعلة و اليبوسة قوة منفعلة فما هو نحس بالقوة الفاعلة اقوي مما هو نحس بالقوة المنفعلة فمن هذه الجهة قالوا ان زحل هو النحس الاکبر و المريخ هو النحس الاصغر و ايضا ان نحوسة زحل متعلقة بالجهل الکلي الذي هو مقابل للعقل الکلي و نحوسة المريخ متعلق بجهنم و اطوارها و طبقاتها و لاريب ان جهنم فرع من فروع الجهل الکلي فيکون زحل في مقام النحوسة اقوي من المريخ و لما کان المريخ هو مظهر عالم الطبيعة و هي اول مقام ظهور الانية و الماهية في المراتب الشهودية فلاشک ان متعلقها من هذه الجهة لايکون الا من نوع الفساد و خلاف الاعتدال فافهم ثم ان
«* جواهر الحكم جلد 2 صفحه 662 *»
ما ورد عن ائمتنا سلام الله عليهم ان المريخ کوکب رسول الله9 و هو سعد مناف لما ذکره المنجمون من انه النحس الاصغر و بيانه و الکلام فيه کما مر في زحل حرفا بحرف فلانعيده.
و اما معني افاضة المريخ علي النفوس الخمسة و هي القوي الدماغية الغضب و المکر و سوء الاعتقاد فظاهر علي ما ذکرنا من انه يؤثر الحرارة و اليبوسة المفرطتين الغير المعتدلين فمقتضي عدم الاعتدال الفساد و مساوي الاخلاق و رذائل الافعال و ها نحن نذکر بعض متعلقاته و آثاره کما ذکرناه في زحل و المشتري فنقول ان من آثاره في الطعوم المرارة و في الالوان الحمرة المظلمة و في الملموسات اخشن الاشياء و اخسها و احدها و في المقادير الطول و الحثورة و الحقارة و الخشونة و في الامکنة الاراضي الخشنة و في المساکن موضع النيران و مايصنع الفخار و في البلاد الشام و الروم و ماکان بين المغرب و الشمال و في الفلزات مقناطيس و شاهدانج و زنجفر و في المعادن الحديد و النحاس و في الفواکه اللوز المر و في الاشجار کل شجرة مر حارة کثيرة الشوکة لثمرها نوي او قشر و طعمه يکون حريفا او حامضا کالکمثري و العوسج و في الزروع الخردل و الکراث و البصل و الثوم و السداب و الفجل و بادنجان و الحبة الخضراء و في الادوية مايکون سما حارا في الرابعة و في القوة القوة الغضبية و الواهمة و في ذوات الاسود و النمور و الذباب و الخنازير و الکلاب و کل سبع و الافاعي و الحيات و في الطيور الطيور المعقفة المناقير و کل طاير احمر و الزنابير و في الاعضاء البسيطة الاوردة و في الاعضاء المرکبة الساقان و المرارة و الکليتان و في آلات الحس الشم و العين اليسري و في الاسنان الشباب و في الانساب اخوة الاوساط و في الصور طويل القامة عظيم الهامة صغير العين و الاذن و الجبهة حديد النظر ازرق قليل اللحم احمر الشعور و سبطه و في الاخلاق الباطنة اضطراب الرأي و قلة الثبات و الخرق و الجهل و قلة الحيلة و الورع و في الافعال الظاهرة صاحب الجسارة و الاقدام و اللجاج و السفه و فحش اللسان و الطيش و الخداع مع سرعة الرجوع و في الافعال و
«* جواهر الحكم جلد 2 صفحه 663 *»
الطباع الغربة و الاسفار و الخصومة و الحرب و اعمال الشر و قلة الخير و افساد الاشياء الصالحة و الکذب و النميمة و الايمان الکاذبة و کثرة الشهوة للفاحش و الحرص و الغضب و القتل و الاباق و کل مايحدث فجأة و في اطباق الناس القضاة و الجنود المقاتلون و في الاديان عبدة الاصنام و شرب الخمر و حمرة اللباس و هکذا ساير متعلقاته في مايتعلق بظاهره من النحوسة و الافساد و اما مايتعلق بباطنه فمقابلات ما ذکرناه فان الله سبحانه و تعالي يقول فضرب بينهم بسور له باب باطنه فيه الرحمة و ظاهره من قبله العذاب، و ننزل من القرآن ما هو شفاء و رحمة للمؤمنين و لايزيد الظالمين الا خسارا، فسوف يأتي الله بقوم يحبهم و يحبونه اذلة علي المؤمنين اعزة علي الکافرين، و ليزيدن کثيرا منهم ماانزل اليک من ربک طغيانا و کفرا فافهم ضرب المثل و اما صورته فاثنتان لان له طبيعتان فاحدهما شاب راکب اسدين بيمناه سيف مسلول و بيسراه طبرزين و الثانية راکب فرس اشهب علي رأسه بيضة و في شماله رمح عليه حربة حمراء و في يمناه رأس انسان و ثيابه حمراء فافهم.
قال سلمه الله تعالي: و ما معني فيض الشمس علي النفوس قوي القلب و القهر حتي تؤدي النفوس الي العلو و التسليط و القهر و عدم الانقياد حتي يصير المرء لايلقي زمامه بيد غيره و ما المراد من فيضها علي الطبع حرارة غريزية ملائمة و کيف يفعل في النفوس الاعتدال و زيادة الحرکات.
اقول لما ذکرنا سابقا ان السماء الرابعة وسط الافلاک السبعة و قطبها و مظهر باطن العرش الذي هو القطب في العوالم الجسمانية و المراتب الشهودية و المظهر حکاية للظاهر و محل لالقاء مثاله و موقع لظهور افعاله و ذکرنا ان الفلک سرة الکوکب و اصله و حامل الاسم الظاهر فيه کانت الشمس هي الاصل الذي تدور عليه الافلاک السبعة و لها السلطنة العظمي و الهيمنة الکبري عليها و من هذه الجهة ليس لها عرض لانها دائما تنظر الي القطب الظاهر باعظم دوائره و هي النقطة و من هذه الجهة وجبت انتکون حارة يابسة معتدلة فيهما لانهما مزاج القطب المؤثر و الفعل المدبر و يجب انيکون في الغاية من الضياء
«* جواهر الحكم جلد 2 صفحه 664 *»
و النورانية لانها مظهر للنور الاعظم و السر الاقدم الذي هو باطن العرش و لذا ورد ان الشمس تکتسي بحلة من ضوء العرش و حينئذ تفيض علي المواد السفلية بنورها و اشعتها مايناسب مقامها و مرتبتها و هو الهيمنة و الاستيلاء و القهر و الغلبة و التعزز و التمنع و لذا قالوا انها تفيض علي النفوس بروحها و نفسها بحکم المناسبة قوي الغلب و القهر حتي تؤدي النفوس الي العلوي و تظهر فيها مثال القطب الذي هو الاستعلاء (الاستيلاء خل) و الغلبة علي ماسواه و التسلط و القهر علي من عداه و عدم الانقياد لاحد لان هذه الاخلاق سر السلطنة و ظهور القيومية و مقام التفرد و الاستقلال و انيکون الشئ بحيث لايلقي زمامه بيد غيره لما فيه من ظل الربوبية الملقي اليه بواسطة الشمس من المبادي العالية و شأن الحرارة و اليبوسة التي هي شأن النار التي هي مزاج الفاعل الارتفاع و الاستعلاء و الغلبة و الشمس حاملة هذه الآثار کما هو الظاهر لمن جاس خلال تلک الديار.
و قولکم ما المراد من فيضها علي الطبع حرارة غريزية ملائمة کيف تفعل في النفوس الاعتدال و زيادة الحرکات و قد تبين المراد مما ذکرناه من حال الشمس و کينوناتها فتکون هي الاصل في افاضة الحرارة الغريزية المعتدلة الملائمة لان المفاض عليه يکون علي هيئة المفيض و صفته و حيث کانت الشمس في الغاية القصوي في الحرارة و اليبوسة الاعتداليتين (الاعتداليين خل) فيکون مانسب اليه کذلک في الاعتدال علي حسب مقامه و لذا کان الذهب صافية معتدلة مصفاة عن الغرايب و الاعراض و الحرارة الغريزية الملائمة مقتضية للاعتدال و قوة ظهور الروح الحيواني المقتضي لزيادة الحرکات و اما متعلقاتها في العالم السفلي ففي الطعوم الحرافة و في الالوان الضياء و الشقرة و الصفرة و في الملموسات اعظم الاشياء و اشرفها و اکرمها و في المقادير الاستدارة و اللمعان و التملل و في الامکنة الجبال ذوات المعادن و في المساکن بيوت الملوک و في البلاد الحجاز و بيت المقدس و ارمنية و ديلم و خراسان الي الصين و في الفلزات اللازورد و الرخام و الکباريت و الزجاج و
«* جواهر الحكم جلد 2 صفحه 665 *»
السندروس و الزفت و في المعادن اليواقيت و کل حجر ثمين و الذهب الابريز و في الفواکه الاترج و في الاشجار کل شجرة شاهقة يانعة لثمرها دسم کثير فيستعمل فاکهتها کثيرة کالنخل و الکرم و في الزروع قصب السکر و المن و الترنجبين و الارز الهندي و في الادوية مايقصر حرارته عن الدرجة الرابعة و يکون نافعا مستعملا و في القوي الحيوانية و في ذوات الاربع الغنم و الخيل و الغزلان و في الطيور العقاب و البازي و الديک و القماري و في الاعضاء البسيطة الدماغ و العصب و الجانب الايمن من البدن و في الاعضاء المرکبة الفم و الاسنان و الرأس و الصدر و الجنب و في آلات الحس البصر و في الاسنان وسط العمر و في الانساب الآباء و اوساط الاخوة و المولي و في الصور عظيم (عظم خل) الهامة سمين ابيض مشرب صفرة سبط الشعر في بياض عينه (عينيه خل) صفرة قوي البدن ذو تمکن و في الاخلاق الباطنة (الباطنية خل) العقل و المعرفة و الفهم و الذکاء و البهاء و الزهو و الاستطالة و العظمة و السنا و الحسن و مخالطة الناس و الانقياد لهم و سرعة الغضب و في الافعال الظاهرة صاحب الثروة و الشوکة و الاستيلاء و العزة و القهر و الجلال و في الافعال و الطباع الحرص و الرياسة و الرغبة في جمع المال و اهتمام امر المعاد و الاقتدار علي الاشرار و ذوي المعاصي فيضر و ينفع و يسئ من حاربه جدا فاذا کانت في شرفها دلت علي الملوک و بالضد علي الملک الذين يزول عنهم الملک و في اطباق الملوک و الرؤساء و اصحاب التدابير و القضاة و في الاديان صاحب الناموس الاکبر و امثالها مما فيه استعلاء و حرارة معتدلة و رياسة و عزة و اما صورتها رجل بهي المنظر بيده اليمني عصاة يتوکؤ عليها کهيئة القوس راکب عجلة يجبر بها (يجريها خل) اربعة من الثيران و في يده ضربة و صورتها الاخري رجل جالس وجهه کالطبق قابض علي اعنة اربعة افراس فافهم.
قال سلمه الله تعالي: و ما معني فيض الزهرة علي الاجسام الحرارة و الرطوبة و تأثيرها في النفوس السرور و الهوي و الفرح و ما معني صدور قوي التوليد عنه في العالم الحيواني.
«* جواهر الحكم جلد 2 صفحه 666 *»
اقول لما ذکرنا ان السماء الخامسة في النزول و الثالثة في الصعود مظهر المادة الجسمانية و المادة جهة التأليف و الاجتماع و الربط و الميل و المحبة و رفع النفرة و تلائم الطبيعة و نفي الکثرات الموجبة للاختلافات الموجبة للمنافرات و ذکرنا ان سر السماء في کوکبها و هو مربيها ظهر لک ان الزهرة کوکب شأنه التأليف و المحبة و ثوران الود و الايتلاف لان تأثيرها بالقاء اشعتها في الظاهر و الباطن موجب لظهور هذه الآثار المذکورة فان الاثر علي شبه صفة مؤثره فهي حارة رطبة و حرارتها اقل من رطوبتها فهي الي البرودة اقرب منها الي الحرارة و من هذه الجهة نسب اليها الکبد الذي فيه قوي التوليد من ايتلاف العناصر و الاخلاط و هو لايکون الا بحرارة و رطوبة معتدلتين لتمام النضج و الايتلاف فان التوليد لايکون الا من مناسب المناسب و بالجملة من آثارها جميع مايتعلق بالتأليف و الميل و المحبة و الاعتدال و ان اردت تفصيل بعض انواعها فاعلم ان اثرها في الطعوم الدسومة التي فيها تلزز الاجزاء الموجبة للايتلاف و الربط التام الکامل و في الالوان البياض الناصع و السمرة و الادمة و الضياء و قيل لها الخضرة و هو غير بعيد و في الملموسات انعم الاشياء و الذ و احملها و في المقادير السيلان و اللين و في الامکنة الاراضي الکثيرة المياه و في المساکن الاماکن المونقة و الطرق (الطريق خل) التي فيها المياه و في البلاد اهل بابل و عرب الحجاز و کل بلدة في جزيرة و في الفلزات المغنيسا و الکحل و في المعادن اللؤلؤ و الزبرجد و الجزع و الحلي المرصع بالجواهر و اواني البيت من الذهب و الفضة و الرصاص و النحاس و في الفواکه التين و العنب و في الاشجار کل شجرة لينة المس طيبة الريح و المنظر کالسرو و الساج و التفاح و السفرجل و في الزروع الحبوب اللينة و الادهان و الشعير و القثاء و الخيار و البطيخ و في الادوية مايکون (تکون خل) معتدلا في الرطوبة و البرودة لذيذا نافعا و في القوي الشهوانية و الخيالية و في ذوات الاربع کل ذي حافر ابيض و اصفر من الوحوش و کذلک الحيتان و في الطيور الفواخت و العندليب و الجراد و ما لايؤکل من الطير و في الاعضاء البسيطة النخم و اللحم و المني و في
«* جواهر الحكم جلد 2 صفحه 667 *»
الاعضاء المرکبة الرحم و المذاکير و آلات المباضعة و في آلات الحس الاستنشاق و العين اليمني و في الاسنان وقت البلوغ و في الانساب النساء و الامهات و الخالات و في الصور صبيح مکلثم الوجه ابيض مشرب الحمرة سمين ذو تمکن کثير اللحم حسن العين و اسواده و سواده اوفر صغير الاسنان مليح العين قصير الاصابع غليظ الساق و في الاخلاق الباطنة حسن الخلق و البهجة و الشهوة و حب الغناء و اللهو و اللعب و الفرح و التحمل و العدل و الطمأنينة الي کل احد يلائمه طبعه و حاله و في الافعال الظاهرة السخاء و الحرية و الرأفة علي الاخوان و النظافة و العجب و الزهو و قوة البدن و ضعف النفس و حب الاولاد و جمهور الناس و في الافعال و الطباع البطالة و الضحک و الاستهزاء و الرقص و الخلاعة و حب اللهو و اللعب و النرد و الشطرنج و ايمان الکذب و الخداعة و التصدي للرجال و کثرة النظر في وجوه المرد و کثرة النکاح في الدبر و القبل و حب الزانية و البطر و في اطباق الناس الاغنياء و نساء الملوک و الزواني و اولادهم و في الاديان الاسلام و اما الصورة فله صورتان احداهما امرأة راکبة جمل و بين يديها بربط تضرب به و الثانية امرأة جالسة مرخاة الشعر و علي يمناها امرأة تنظر اليها في ثيابها خضرة او صفرة و عليها اسورة و طوق و خلاخل فافهم راشدا و اشرب صافيا.
قال سلمه الله: و ما المراد من فيض عطارد القوي النارية لقبول التعدي و ما معني روحانية فعله و کيف تأثيره في النفوس الذکاء و حدة الفهم حتي يتصور الامثلة علي اتم احوالها و هيئاتها افض علي سلسال اللطف.
اقول لما کانت السماء الثانية في الصعود و السادسة في النزول مظهرا لعالم المثال و الاشباح مقام الصور و النقوش المتنزلة من عالم النفوس و هي الصور البرزخية و الحدود الشبحية و لما کان المظهر علي مثال الظاهر کان عطارد اصلا لاظهار الصور و الخيالات و انزالها في القوي المفکرة و مايناسبها من ساير الاکوان الجسمانية السفلية و لما کانت الصور البرزخية انزل من الصور الجوهرية النفسية و کلما نزلت المرتبة کانت الکثرة فيها اقوي و اعظم و
«* جواهر الحكم جلد 2 صفحه 668 *»
اشد کان ظهور الکثرات في هذا الفلک و هذه السماء لاسيما في هذا الکوکب الذي هو سر الفلک و اصله اکثر و اعظم و لذا نسبت اليها المفکرة التي تجمع بين المختلفات و تباين بين المؤتلفات و تلاحظ القرانات زايدا عما عليه الصور من الحالات و النسب و الافاضات و لذا کانت افلاکه اکثر من غيره و له اوجان و حضيضان و حاملان المسمي احدهما بالمدير و ورد ان ملائکة هذا الفلک اکثر من جميع الافلاک من حيث ظهور الصور النسبية و الاحوال و القرانات و ما ورد ان ملائکة السماء الثانية عشر ملائکة السماء الثانية (الثالثة خل) فالمراد به الاصول بدون ملاحظة ماتصوره المتخيلة و المتفکرة و في هذه السماء مقر الملائکة الثلاثة شمعون و سيمون و زيتون و تحت کل واحد منهم من الملائکة ما لايحصي عددهم الا الله سبحانه و هم موکلون بانزال الصور المتنزلة من العوالم الغيبية الي القوة الفکرية و لذا سمي عطارد فالکاتب لکثرة الصور و الحدود و الخطوط و الهيئات و الرسوم الظاهرة في فلکه و توابعه و لما کانت العمدة من شأن عطارد ملاحظة القرانات و اظهار الصور النسبية و الاضافية و اظهار الحالات و الصفات المکنونة في الحدود قبل حصول المقارنة لميعتبر حاله و طبيعته من حيث نفسه و انما اعتبر من حيث غيره و قالوا انه ليس له طبيعة منفردة و انما هي تابعة لمايقارنه في الطبيعة و السعادة و النحوسة و التأثير و سموه بذي جسدين و ذلک لما ذکرنا لک من اقتضاء مقامه من اظهار الصور الحاصلة بقرانات الصور المتباينة و الحدود المتخالفة و الا فکيف يمکن انيکون خاليا من الطبايع و ان قالوا ذلک في الافلاک و زعموا انهم لو اثبتوا لها طبايع يلزمهم ترکيبها و قد اثبتوا انها بسايط و لميعلموا ان الممکن يمتنع انيکون بسيطا و البسيط من جميع الجهات هو الله سبحانه و کل ممکن زوج ترکيبي و کل کوکب عطارد فان له طبيعتين لکونه منشأ للصور و محلا للحدود و الاعراض و الصور و القرانات و النسب و الاضافات فمن جهة الصورة و ربط الحدود و المشخصات يقتضي انيکون طبيعة باردة رطبة و من حيث ان الصورة محدودة مشخصة محفوظة متماسکة الاجزاء حافظة لما هي عليه من
«* جواهر الحكم جلد 2 صفحه 669 *»
الاحکام الخاصة بها منجمدة منعقدة غير ذائبة کانت طبيعتها باردة يابسة اما البرودة فلانها مقام الانية و مقام الحجاب و البعد عن الفعل الالهي الذي هو الحرکة الايجادية تقتضي الحرارة و اما اليبوسة فلانها حافظة ماسکة و اما الرطوبة في الصورة الاولي فلسرعة القبول و التشکل و ربط الاجزاء بعضها ببعض فعطارد له ثلاث طبايع طبيعة لظاهره و هي البرودة و الرطوبة و طبيعة لباطنه و هي البرودة و اليبوسة و طبيعة له عند اقترانه بغيره و لما کان المعتبر فيه ضبط هذه النسب و الاضافات و القرانات جرت عليه حالة النسبة الحکمية التابعة للطرفين فهو بهذا النظر يکون ذاجسدين و اما ان عطارد يفيض القوي النارية فلايکون ذلک الا عند اقترانه بالشمس او المريخ او حلوله في البروج النارية و امثال ذلک و اما بدون ذلک فلا لما ذکرنا من عدم اقتضاء طبيعة الذاتية الظاهرية و الباطنية و مايقارنه من الکواکب الباردة بالطبع او الحارة بحرارة معتدلة فقولکم و کيف تأثيره في النفوس الذکاء و حدة الفهم حتي يتصور الامثلة علي اتم احوالها و هيئاتها فجوابه ماذکرنا من انه محل الصور و الملائکة الحاملة للصور مقرها عنده و هم يصلحون القوة المفکرة بايقاع اشعة عطارد حتي تصلح لقبول الصور حين ما القيت اليها من الملائکة الثلاثة المذکورة بجنودها و توابعها.
و اما آثاره في الموجودات فبعض انواعها مانذکره اما في الطعوم فما اختلط من طعمين و في الالوان من يترکب من لونين المرکبة و في الملموسات الممتزج من شيئين و في المقادير المرکب من کميتين و في الامکنة الرمال و في المساکن الاسواق و بيوت المصورين و مايقرب من البساتين و في البلاد مکة و المدينة و عراق و ديلم و جيلان و طبرستان و في الفلزات النورة و الزرنيخ و الکهرباء و الزيبق و في الفلزات فيروزج و کل انية منقشة و في الاشجار کل شجرة قوية الرايحة و في الزروع الباقلا و الماش و الکرويا و الکزبرة و في الادوية ما زاد يبوستها علي برودتها و ليس في الغاية فيکون مجبوبة و لاينفع الا احيانا و يضر احيانا و لايستعمل دائما و في القوي المفکرة و
«* جواهر الحكم جلد 2 صفحه 670 *»
في ذوات الاربع الکلاب المعلمة و الحمير و البغال و الثعالب و الارنب و کل حيوان صغير ارضي او مائي و في الطيور الحمام و الصقور و البزلة (البزاة ظ) و طيور الماء و في الاعضاء البسيطة العروق النابضة و في الاعضاء المرکبة اللسان و في آلات الحس الذوق و في الاسنان الصبي و في الانساب الصبيان و في الصور مربع القامة ادم يضرب الي الحمرة ضيق الجبهة غليظ الاذنين حسن الحاجب حسن الانف واسع الفم صغير الاسنان خفيف اللحية دقيق الشعر حسن النظر طويل القدمين و في الاخلاق الباطنية الذکاء و الفطنة و الحلم و السکينة و الوقار و العطف و الرأفة و الحفظ و الشوق في کل امر و الحرص علي اللذات و کتمان السر و المحمدة و رعاية حقوق الاخوان و الکف عن الشر و في الافعال الظاهرة الظرف بعد الغور (صاحب الظرف بعيد الغور، نسخة 64 خ) متلون الاخلاق محب الاطلاع علي الاسرار و الحريص علي الرياسة و الذکر و طاعة الله و المکر و الخداع و في الافعال و الطباع حسن التعليم و الادب و الوحي و المنطق و علوم الربوبية و حلو الکلام سريع حسن الصوت حافظ الاخبار مفسد المال کثير الرزايا من الاعداء کثير الخوف منهم سريع في الاعمال حريص علي الاصطبار من الوظايف و يدل علي السعاية و السرعة و في اطباق الناس التجار و الکتاب و اصحاب الدواوين و النقاشين و في الاديان المناظرون من الناس في کل دين فهذه المذکورات و امثالها مما له جهتان ظاهرتان او اکثر آثار عطارد و متعلقاته و اما صورته فله صورتان احداهما شاب راکب طاووس في يمناه حية و يسراه لوح يقرؤه و الثانية رجل جالس علي کرسي بيده مصحف يقرؤه و علي رأسه تاج و عليه ثياب خضر صفر.
هذا آخر مسائله اسبغ الله عليه جزيل نواله و حيث لميسأل عن القمر و عن آثاره و تصرفاته لمنتعرض لشرح احواله لان الجواب علي قدر السؤال لو زدتم في السؤال حرفا لزدنا في الجواب کذلک الا ان في ما اسسنا من القواعد الکلية و ما فرعنا عليه من الفروع الحقيقية تبين حال القمر منها لدقيق النظر و صلي الله علي محمد و آله الطاهرين و سلم تسليما کثيرا و کان ذلک في الحادي من شهر
«* جواهر الحكم جلد 2 صفحه 671 *»
جمادي الثاني من شهور سنة الف و مئتين و ثلاث و خمسين في بلدة سيدنا و مولانا الکاظم7 مع توزع البال و اختلاط الاحوال.
[1]– اي حامل ظهور الفعل و الفاعل، منه رحمه الله.
[2]– المراد بالارکان الطبيعية هي الطبايع الغيبية و هي الکيفيات الاربع التي هي الحرارة و البرودة و الرطوبة و اليبوسة، منه ادام الله ظله.