رسالة فی جواب الشیخ احمد القطیفی
من مصنفات السید الاجل الامجد المرحوم الحاج
سید کاظم بن السید قاسم الحسینی اعلی الله مقامه
«* جواهر الحكم جلد 2 صفحه 535 *»
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله رب العالمين و الصلوة و السلام علي خير خلقه و مظهر لطفه محمد و آله الطاهرين المعصومين و لعنة الله علي اعدائهم اجمعين.
اما بعد فيقول العبد الجاني و الاسير الفاني كاظم بن قاسم الحسيني الرشتي انه قد امرني المولي الامجد و الفاضل المؤيد و الكامل المسدد ذو الفطنة الزاكية و السريرة الطاهرة اللوذعي الالمعي جناب الشيخ علي ابن الشيخ احمد ابن الشيخ حسين ابن عبدالجبار القطيفي اعلي الله شأنه باملاء الجواب علي مسائل غامضة عويصة ضلت دونها الانظار و تحيرت فيها العقول و الافكار و قد ورد امره العالي في يوم بلغني خبر انقصم به ظهري و انهدم له ركني و تحللت لاجله بنيتي و ضعفت قواي و مشاعري حتي استولت علي الامراض و تراكمت الاعراض و هو خبر وفاة استادنا العلامة في طريق مكة المشرفة بقرب المدينة المنورة فكان لايمر علي بعد ذلك يوم الا و انا قرين الآلام و رهين الاسقام لان الطبيعة الظاهرة الجسمانية قد ضعفت عن دفع المنافرات الجسمانية كالروحانية عن مدافعة المكاره الروحانية فلاجل ذلك ماتمكنت عن رسم الجواب و اخرته لعله يسكن هيجان هذه الامراض و تزول شدة توارد تلك الاعراض و ماكنت ادري ان هذه مصيبة لاتنسي و رزية لاتنمحي بل تزداد كلما طال المدي لان الارض قد نقصت اطرافها و سماء العلم و المجد قد تزعزعت اكنافها و اشتدت همومي و تكثرت غمومي و تشعب فكري و ضاق صدري و مع ذلك مااحببت التاخير اكثر من ذلك لانه امر لاينسي و جرح لايداوي و مثلي في هذه الحالة ماعسي اناكتب و اقول الا اني استعنت بالله سبحانه و شرعت في رسم الجواب لان الميسور لايسقط بالمعسور و الي الله سبحانه ترجع الامور و ارجو من جنابه المسامحة لبسط المقال و ايراد غرايب الاحوال و ضرب الامثال بل اكتفي بالاشارة الي نوع المطلوب اعتمادا علي ذلك الفهم العالي
«* جواهر الحكم جلد 2 صفحه 536 *»
السامي و جعلت كلامه ايده الله تعالي متنا و جوابي كالشرح له ليختص كل سؤال بجوابه كما هو عادتي في اجوبة المسائل و الله المستعان و عليه التكلان.
قال سلمه الله تعالي بعد البسملة: اشرف سلام اشرق بنوره اصقاع الوجود و عرف بعرف نوره العابد و المعبود.
اقول السلام من السلامة او من التسليم او ظهور سر من اسرار الظهورات الالهية و لذا كان اسما من الاسماء الحسني و اصله الالف و اللام كما هو المحقق عندنا ان الاصل في الكلمات الوسط فان كان من الكلمة مزدوجة فالاصل حرفان و الا فواحد و ذلك لسر تطابق الاصول مع الفروع و الالف في هذا المقام هي اللينة و هي الاصل و اللام وقاية اتيت بها لحفظ ظهورها لاستحالة ظهور الساكن المطلق و لذا عدت في الحروف الهجائية حرفا واحدا و صارت الحروف بها تسعة و عشرين كما رواه ابوذر عن النبي9 و المشهور ثمانية و عشرون و لاينافي لان الالف اب و الثمانية و العشرون اولادها و هي الاصل و غيرها فروعها و جعلت في آخر الاحرف الهجائية لكونها هي الاول و الاول عين الآخر و الظاهر عين الباطن قال تعالي هو الاول و الآخر و الظاهر و الباطن و هو بكل شيء عليم فافهم و لاجل هذه الدقيقة صارت الالف و اللام هي الاصل في هذه الكلمة المباركة و اكتنفها السين من جانب اليمين لانها اعدل الحروف و انضجها و اتمها و اكملها طابق زبرها و بيناتها و اسمها مسماها و هذه المطابقة هي علة الاعتدال و باب الوصال و حرم الجلال و الجمال فلعلة غاية الاعتدال صارت اسما لاعدل الخلق و اكملهم و انضجهم و اعدلهم و هو قوله تعالي يس و القرآن الحكيم انك لمن المرسلين علي صراط مستقيم و هذا الاسم لظهوره9 في الملاء الاعلي الي البيت المعمور و اكتنفتها في جانب اليسار الميم و هي الاسم المكرم المعظم فما دون البيت المعمور الي الدنيا الي الرجعة الي الآخرة الي ارض الجنة و احوالها فالسلام قطب فلك الولاية المطلقة المحرك له الي جانب المحور المنتهي الي النقطتين اللتين هما القطبان عند اهل الظاهر احدهما الشمالي و الآخر الجنوبي و
«* جواهر الحكم جلد 2 صفحه 537 *»
هما عبارتان عن ظهور النبوة الظاهرة بالولاية الباطنة المنشعبة عن النبوة الباطنة في عالم اللاهوت و الناسوت و اليه الاشارة في قوله9 اسمي في السماء احمد و في الارض محمد فلما كانت الولاية و النبوة مقترنتين لاتنفكان ابدا مادام عالم الامكان كان اذا حذفت اللام و الالف كان سما قاتلا مهلكا فانيا مضمحلا و اذا حذفت السين كان اللام معجما ليس لها معني الا نفسها كما قال الرضا7 لان النبوة الظاهرة شرح للولاية الباطنة كما انها شرح للنبوة الباطنة و اذا حذفت اللام وحدها مع السين كان ام حرف استفهام امترديد امتقسيم يكون ناقصا لابد له من متمم كما اذا حذفت الميم و الالف يبقي سل سؤال لايتم الا بالجواب فافهم ضرب المثل فاذا اجتمعت هذه الاحرف و التئمت علي النظم الطبيعي كما هو الواقع كان سلاما يشتق منه السلامة و التسليم و الاسم الاعظم فان الولاية هي الجنة و كل سلامة و راحة فمن فروعها و وجوهها و بها اعطاء كل ذي حق حقه و السوق الي كل مخلوق رزقه فيكون بها التسليم و الاداء و بها عرف الله و عبدالله و لولاها ماعرف الله و بها تعلق الفعل و حصل الجعل و صار سببا لظهور الاسماء الالهية الفعلية فيكون بها الاسماء و الصفات و بها نشرت الرحمة و انبعثت في الامكان و الاكوان لولاك لولاك لماخلقت الافلاك فيكون بها السلام بمعني الرحمة.
و اما الاتيان بصيغة التفضيل في قوله سلمه الله تعالي اشرف سلام فلاجل اختلاف ظهور الولاية و النبوة في اطوار الموجودات تشكيكا و حقيقة بعد حقيقة فيكون في الثاني مجاز عند اهل الحقيقة و حقيقة عند المجاز بعكس الاول و اعلي مقامات ظهور السلام و اشرفها في قصبة الياقوت و حجاب اللاهوت و باب الجبروت و الملكوت الاربعة عشر المعصومون سلام الله عليهم اجمعين فافهم.
و نور هذا السلام قسمان نور متصل و نور منفصل فالمتصل في آل محمد: و المنفصل ساير الخلق اصحاب السلسلة الطولية بجميع اطوارها و احوالها و اوضاعها و ساير احكامها.
«* جواهر الحكم جلد 2 صفحه 538 *»
اصقاع الوجود جمع مضاف يفيد العموم يعني جميع الاصقاع الثمانية في الطولية و الالف و الف الالف في العرضية و الي ما لا نهاية له في احكام الروابط و القرانات بين السلسلتين و ساير السلاسل و كيفية استشراقها بذلك النور تكون موادها و حقايقها من نور ذلك النير الاعظم و هو المعبر عنه بالوجود و تكون مواد هيئاتها و صورها و هياكلها من ظل ذلك النور و انيته المعبر عنه بالماهية و هذا التكون و الايجاد هو المعبر عنه بالصبغ في الرحمة فالمؤمنون الاخيار انصبغوا في الرحمة المكتوبة و الاشرار في صبغ الرحمة الواسعة صبغة الله و من احسن من الله صبغة و هو تاويل قوله تعالي فضرب بينهم بسور له باب باطنه فيه الرحمة و ظاهره من قبله العذاب و الكينونات انما تكونت و تحققت من نور تلك الكينونة العليا و المقصد الاقصي.
و النور بفتح النون الزهر و الورد و الاشارة اليه في قول العسكري7 روح القدس في جنان الصاقورة ذاق من حدائقنا الباكورة و قد وجد و تكون هذا النور من ماء التجلي النازل من عرش الاحدية الي سماء الولاية اي الواحدية الواقع علي الارض الجرز ارض القابليات و هبت عليها الرياح الاربعة باطوار الجعل عند النزول و وقعت اشعة السيارات السبع عند انبساط جود الجواد و الوهاب بيد القدرة باقترانها و حلولها في البروج الاثني عشر من اركان الاسماء الاربعة التي هي اجزاء للاسم الواحد الذي ليس بالحروف مصوت و لا باللفظ منطق و لا بالشخص مجسد و لا بالتشبيه موصوف مبعد عنه الحدود و الاقطار محجوب عنه حس كل متوهم مستتر غيرمستور فاذا وقعت اشعة تلك الكواكب علي تلك الاراضي خرجت اربعة ازهار علي اربعة الوان الابيض و الاصفر و الاحمر و الاخضر فمن الابيض ظهر سبحان الله و من الاصفر الحمدلله و من الاخضر لا اله الا الله و من الاحمر الله اكبر و من هذه التسبيحات الاربعة ظهرت جميع التسبيحات و الاذكار و الاوراد و الاذان و الاقامة و الصلوة باركانها و حدودها و اوضاعها و هذه كلها جهات معرفة المعبود جل و علا فانه تعالي يعرف باسمائه الفعلية لا بعين ذاته المقدسة ففي مقام الفرق هذه الاذكار
«* جواهر الحكم جلد 2 صفحه 539 *»
و الاطوار جهات الوصل و في مقام الجمع اي الاتصال بالظهور و سلب الغيور و كشف السبحات و رفع الانيات لا ذكر لهذه الحركات و السكنات و انما هو فناء في بقاء و محو و سكر لايفيق و لايشعر بل هو ميت و التكليف انما هو للاحياء اصحاب الشعور و العقل و الادراك اذ لاتكليف الا بعد البلوغ و العقل بعد الحياة فاذا فقد احد هذه الثلثة امتنع التكليف فكيف اذا فقد جميعها فافهم فان ذلك من مزال الاقدام فكم زلت للاعلام فيه اقدام و معني هذا الجمع ليس كما زعمته الصوفية من ضرورة الكل شيئا واحدا اي وجودا واحدا ساريا في اطوار الموجودات علي ما هو المعروف من مذهبهم الباطل و اعتقادهم الفاسد الكاسد بل المراد كما قال الحجة عجل الله فرجه في دعاء كل يوم من شهر رجب لافرق بينك و بينها الا انهم عبادك و خلقك الدعاء، و شرح هذا الكلام يحتاج الي بسط عظيم في المقام تركته اعتمادا علي فهم ذلك الجناب.
قال سلمه الله تعالي: يهدي الي جناب مبدءه و منتهاه في اولاه و اخراه محمد الداعي الي الله و آله المخصوصين بـانما يريد الله.
اقول هدية السافل للعالي توجهه اليه بنشر محامده التي عنده من بعض اطواره فمدحه به عنده في مقامه لا في مقام العالي و اين الثريا من يد المتناول فاهدي اليه عنه به كما قال سيدالشهداء7 ام كيف اترجم لك بمقالي و هو منك برز اليك جناب الشيء جهته و وجهه و هو غيره و الا لميكن في ذكره تعظيم و تفخيم و فائدة في المقام و هو نفس السافل و ذاته من حيث العالي و اشار سلمه الله بالجناب الي هذه الدقيقة و هي لطيفة جدا قال اميرالمؤمنين7 انتهي المخلوق الي مثله و الجاءه الطلب الي شكله انما تحد الادوات انفسها و تشير الآلات الي نظايرها.
المبدء يطلق علي علة الشيء و هذا الاطلاق شايع كثير و علي ذات الشيء كما يقال الشيء لايجاوز ماوراء مبدئه اي ذاته و الا فالعلة لايصل اليها ابدا و يطلق علي الاول الذي هو ضد الآخر و هو ايضا شايع ذايع كثير و المنتهي علي المعنيين الاولين هو عين الاول بخلاف المعني الثاني و جميع المعاني في
«* جواهر الحكم جلد 2 صفحه 540 *»
هذا المقام مراده.
و الاولي هو عند قول الله تعالي للعقل اقبل فاقبل او عند خلق الماء او الهواء او النار اي نار الشجرة الزيتونة التي ليست شرقية و لا غربية يكاد زيتها يضيئ و لو لمتمسسه نار نور علي نور يهدي الله لنوره من يشاء و يضرب الله الامثال للناس و الله بكل شيء عليم او عند الظهور الاول في الخطاب الاول قول كن او الدنيا او الرجعة و الاخري مايقابل كل واحد و جميع المعاني هنا ايضا مرادة و التقريب ما ذكرنا من ان السلام هو فلك الولاية الدائرة علي قطب النبوة او فلك النبوة الدائرة علي قطب الولاية و انا اضرب لك مثلا في المقام ينكشف لك المرام اعلم ان النبوة الظاهرة مثالها الشمس و الولاية الظاهرة مثالها القمر و النبوة الباطنة مثالها العرش و الولاية الباطنة مثالها الكرسي فالقمر مكتسب و مستمد من الشمس و الشمس لاتفارق منطقة البروج و هي لاتزال عليها تستمد عنها و تركن اليها و تعتمد عليها و لذا صارت الشمس لا عرض لها دون ساير السيارات و الكرسي يستمد من العرش و ياخذ عنه و العرش يستمد عن الله بنفسه فافهم ضرب المثل فانه مطابق لجميع المقصود.
قوله سلمه الله تعالي محمد الداعي الي الله هذا الاسم المكرم المعظم ماخوذ من بسم الله الرحمن الرحيم لانها تسعةعشر و استنطاقها واحد و حرفه الالف و انبساطها و تكرارها الباء و تكرار الباء الدال و عندها قامت الاضلاع علي زوايا قوائم و ائتلفت و اتصل بعضها ببعض و شهد كل للآخر و هو اول التأليف و ظهور المحبة و الوفاق و رفع البينونة و الافتراق في اول العوالم و تكرار الدال الحاء بها كانت حملة العرش و سكنة الفرش و تكرار الحاء خمس مرات لتنزلها من عالم الوجود المطلق الي الوجود البرزخي الماء الاول الذي منه كل شيء حي الي مبدء الوجود المقيد العقل الكلي الذي منه و به و عنه عقول جميع الخلايق الي عالم الرقايق عالم الارواح مبدء الاشباح الي عالم النفوس عالم الذر مبدء مظهر الخير و الشر فبعد نزول الحاء الي هذه العوالم الخمسة استنطقت الميم فتوسطت لان لها الجامعية الكبري و صار عن يمينها
«* جواهر الحكم جلد 2 صفحه 541 *»
الحاء لانها اقرب اليها في الجامعية و عن يسارها الدال لانها بعد الحاء في الجامعية فاشتق الحمد و صار بعد البسملة في الكتاب التكويني فتكررت الميم و انبسطت في الظهور في عالم الذر الثاني فاستنطق الاسم الاعظم و اللفظ المكرم فهو9 الداعي الي الله في الوجودين التكويني و التشريعي في الذوات و الصفات و الاعتبارات و الاضافات و ساير الكينونات في جميع الحالات لانه لسان الله الناطق لما قال تعالي كن فيكون و قال تعالي الست بربكم و محمد نبيكم و علي وليكم و الائمة من ولده الاحد عشر ائمتكم صلي الله عليه و عليهم اجمعين و قوله تعالي انما يريد الله ليذهب عنكم الرجس اهل البيت و يطهركم تطهيرا انما اتي سبحانه و تعالي بلفظ المستقبل لبيان استمرار هذه الارادة متجددة آنا فآنا ثابتة الي ابد الآبدين و دهر الداهرين لا انقطاع لها و لا زوال و لا اضمحلال و اذهاب الرجس اذهاب الغفلة لانها اصل كل رجس و مبدء كل باطل و عدم الغفلة في جميع الاحوال يستلزم الالفة و الالتفات اليه في جميع الاحوال و هو يستلزم تحملهم للعنايات الازلية الغير المتناهية لان الفيض لاينقطع و المحل قابل مستأهل و كرم الله سبحانه عظيم فاثبت سبحانه بهذه الآية الشريفة استجماعهم لجميع الكمالات الممكنة بان يكون عليه ممكن من الممكنات و تنزههم عن جميع النقايص و الارجاس و طهارتهم في كل المقامات في ظواهرهم و بواطنهم و اسرارهم و علانيتهم فهم مجمع الفضايل بدلالة الآية الشريفة فلايشذ عنهم كمال من الكمالات و لذا اكتفي سلمه الله تعالي بالآية الشريفة عن غيرها من الفضايل ففي مدح الله لهم غني عن مدح المادحين و وصف الواصفين و صلي الله عليهم اجمعين.
قال سلمه الله تعالي: ثم يهدي من اثره اثر صالح لحامل آثارهم و مخفي اسرارهم سيد السادة و مقدم الحفاظ القادة و نخبة الاخوان الانجاب و خلاصة الاحباب و باب الابواب الانسان الكامل علي الحقيقة و المستقيم علي المستقيم من صراط الطريقة سيد السادة الاعاظم السيد كاظم بن السيد قاسم حرس الله شمس وجوده و انار كواكب سعوده.
«* جواهر الحكم جلد 2 صفحه 542 *»
اقول هو سلمه الله تعالي راعي في نظم كلامه مراتب الاسم الاعظم و ترتيبه كما قال مولانا الكاظم7 و هو اربعة احرف الحرف الاول لا اله الا الله الثاني محمد رسول الله9 و الثالث علي ولي الله و الائمة اولياء الله و الرابع اوالي من والوا و اعادي من عادوا و اجانب من جانبوا و هذه الحروف متلازمة لايتم الايمان و التصديق باحديها الا بالاخري و الاجابة متوقفة علي تمام هذه الكلمة لان الدلالة لاتحصل الا باتمام الكلمة و عليها تدور ابواب الاجابات و انحاء الافاضات و ظهور الخيرات ابواب اربعة لايصلح آخرها الا باولها ضل اصحاب الثلاثة و تاهوا تيها بعيدا و خسروا خسرانا مبينا فان الاعمال و الطلبات لاتتم و لاتنجح الا بالتوجه الي الله و التوجه اليه تعالي لايكون الا بالوجه الذي هو عليه و امر به فوجب التصديق بالنبي و الوصي و لابد لهما من نور و شعاع و الا لميكونا كذلك و هو الرابع الاتري ان من اقر بالشمس و انكر شعاعها و نورها ليس اقراره اقرارا بالشمس فلايتم الاقرار بها الا بالاقرار بشعاعها و نورها و ان لها ظلا يخالفها و يضادها و يستمد منها و كل الموجودات هدايتهم و ضلالتهم تدور علي هذه الاربعة فمن الناس من انكر الاربعة جميعا و هم الدهرية و منهم من انكر الثلثة و هم البراهمة و اليهود و النصاري و المجوس و الصابئة و ساير الملل الكافرة و منهم من انكر الاخيرين و هم العامة من الفرق الهالكة و منهم من اقر بالثلثة و انكر الرابع و قد ابتلي به اغلب اهل هذا الزمان الا ان منهم من حيث يشعرون و منهم من حيث لايشعرون حتي جري فيهم تاويل قوله تعالي و اما الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة و كان تحته كنز لهما و كان ابوهما صالحا فاراد ربك انيبلغا اشدهما و يستخرجا كنزهما رحمة من ربك و مافعلته عن امري ذلك تاويل ما لمتسطع عليه صبرا و قد قال رسول الله9 ما معناه كلما كان في الامم الماضية و القرون السالفة يكون في هذه الامة حذو النعل بالنعل و القذة بالقذة حتي انهم لوسلكوا جحر ضب لسلكتموه من خضر هذه الامة و ما الكنز و ما الارض التي فيها الكنز و ما الجدار و ما معني بلوغ الاشد و من الغلامان اليتيمان
«* جواهر الحكم جلد 2 صفحه 543 *»
في هذه الامة و لايسعني الكلام ازيد من ذلك لان الجور قد مد باعه و اسفر الظلم قناعه و دعي الغي اتباعه الا ان لاعتمادي علي ذلك الفهم العالي لوحت بالاشارة في طي صريح العبارة و الله الموفق للصواب ان في ذلك لذكري لاولي الالباب.
و لعل الي هذه الدقيقة اشار سلمه الله تعالي و مخفي اسرارهم فان خفاءه من اعظم مراسم الايمان و الله سبحانه خاطب اهل البيت: بقوله و لاتؤتوا السفهاء اموالكم التي جعل الله لكم قياما و ارزقوهم فيها و اكسوهم و قولوا لهم قولا معروفا و هم: بذلك اوصوا شيعتهم و حذروهم عن المخالفة و الاسرار هي ذوات الحقايق في الآفاق و انفس الخلايق و قد قال تعالي سنريهم آياتنا في الآفاق و في انفسهم حتي يتبين لهم انه الحق و قال اميرالمؤمنين7 اي آية اكبر مني و اي نبأ اعظم مني و قال مولانا الصادق7 و اي آية اراها الله الخلق في الآفاق و في انفسهم غيرنا فذوات الاشياء هي بعض تلك الاسرار قد اختفيت بظواهر الحدود و القيود و التعينات هي شرح تلك الاسرار و حجاب تلك الانوار فاذن فالعالم كله مخفي اسرارهم الا ان بعض الخلق من حيث يشعرون و بعضهم من حيث لايشعرون و هم الاكثرون كما ان الاولين هم القليلون و قد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن و الانس لهم قلوب لايفقهون بها و لهم اعين لايبصرون بها و لهم آذان لايسمعون بها اولئك كالانعام بل هم اضل و اولئك هم الغافلون فافهم.
قوله سلمه الله تعالي و باب الابواب و الابواب هم الائمة: كما دلت عليه الادلة العقلية و النقلية و هذا المعني لاينبغي ارادته في هذا المقام لانه سلمه الله تعالي يريد به هذا التراب الذي يتوهم الظمآن ماءا و اين هو من هذا المقام و انما هو لجماعة من الاعلام الذين قال اميرالمؤمنين7 في حقهم ما قال كما في الكافي و هم المختفون عن الابصار و الغائبون عن الانظار كما قال الشاعر:
لله تحت قباب الارض طائفة
اخفاهم عن عيون الناس اجلالا
«* جواهر الحكم جلد 2 صفحه 544 *»
نعم اذا اريد بالابواب ما اشار اليه مولانا الهادي7 في اول الزيارة الجامعة اذا صرت بالباب فقف و اشهد شهادتين و انت علي غسل فباب هؤلاء الابواب يمكن ارادته في هذا المقام حيث شرفنا الله تعالي بالتشرف بتلك الابواب المقدسة و الحمدلله رب العالمين و اما المستقيم من صراط الطريقة فستجيئ الاشارة اليه عند بيان القرية الظاهرة.
قال سلمه الله تعالي: اما بعد فيا كعبة الوفد و غاية القصد فقد علمت ايها الانسان الكامل انك القرية الظاهرة للقري المباركة الطاهرة و ريحانة من ثمار تلك الشجرة القمرية الزاهرة و قد تعلم ان المملوك شاكر لنعمائك مشتاق الي لقائك و برهان قولي معلوم لديك،
كفي علمكم بي عن مقالي و مدحتي
و لكن باوصافي لكم اتمتع
اقول قال مولانا الباقر7 علي ما رواه الكليني (ره) في الكافي نحن القري التي بارك الله فيها و القري الظاهرة شيعتنا هـ، و المدعون لهذا المعني كثيرون الا ان لهم علامات يعرف بها الصادق من الكاذب و المفتري من المحقق و اصلها علامتان احديهما في العلم و الثانية في العمل.
اما الاولي فبان لايتفوه في مسألة الا بعد احكام اربعة و عشرين امرا:
الاول انيكون مستقيم الفطرة طاهر السريرة باقيا علي الفطرة الصافية.
الثاني ان لايكون عنودا لجوجا متعصبا.
الثالث ان لايكون عنده قاعدة غير موزونة بميزان الحق و غيرماخوذة من طريق اهل العصمة: فانها ان لميقطع بحقيتها لميركن الي الفروع المترتبة عليها.
الرابع ان لايكون محبا و مائلا الي طائفة مخصوصة فان حبك للشيء يعمي و يصم الا انيكون اولئك ممن لميقصروا نظرهم الا الي اهل العصمة: فح تركن النفس المطمئنة اليهم و تطمئن بهم.
الخامس انيكون عنده في جميع المسائل دليلا قاطعا من كتاب الله تعالي
«* جواهر الحكم جلد 2 صفحه 545 *»
من محكماته لا من متشابهاته فان القرآن فيه كل حق و نور و لا رطب و لا يابس الا في كتاب مبين و اهل القلوب من المؤمنين الممتحنين يحصلون قواعد كلية من الكتاب الكريم و يستخرجون منها فروع كثيرة علي ما يسر الله تعالي له.
السادس انيكون عنده دليلا من الاحاديث المعروفة المسلمة المشهورة الغير المنكرة و لا المتشابهة لانهم سلام الله عليهم اشاروا الي الحق في جميع المسائل المختلفة فان الله سبحانه قد جعلهم حكاما كما قال عز و جل خطابا لاميرالمؤمنين7 فلا و ربك لايؤمنون حتي يحكموك فيما شجر بينهم ثم لايجدوا في انفسهم حرجا مما قضيت و يسلموا تسليما فافهم فان شرح هذه الكلمات يطول بها الكلام.
السابع ان العالم لما كان كتابا تكوينيا فيه شرح جميع ما اراد الله من خلقه من جميع الاعتقادات و الاعمال بجميع شرايطها و لوازمها و مكملاتها و متمماتها و عوارضها و لواحقها و جميع ما يتوقف عليها جميع احكام الدين و بين الله سبحانه بيانا حاليا تكوينيا كان العالم كتابا كافيا جامعا مطابقا لما في القرآن و الاخبار المعصومية لان البيان المقالي لايخالف البيان الحالي و العكس ايضا كذلك فيجب انيكون للعالم الحكيم الكامل مثال واضح جلي من الامثال التي ضربها الله سبحانه للناس علي طبق ما في الكتاب و السنة في جميع المسائل الاصولية و الفروعية.
الثامن انيكون له دليل قطعي عقلي يدل العقل بصرافة ذاته و صفاته الذاتية من دون شائبة النقل علي ذلك بحيث يكون في خلافه استحالة اما في العقل او في الحكمة لان العقل مطابق للكتابين و نبي باطني مطابق للنبي الظاهري و هو انما خلق من شعاع النبي و الوصي صلي الله عليهما و آلهما و لايخالف الشعاع من حيث هو شعاع المنير.
فاذا طابقت هذه الاربعة المتناسبة التي جعلها الله سبحانه لاستخراج المجهولات دلت علي حقية ذلك المدلول في الواقع الاولي او الثانوي علي اختلاف المقامات في الاصول و الفروع و الا كان الله سبحانه مغريا بالباطل لانه
«* جواهر الحكم جلد 2 صفحه 546 *»
تعالي قال و الذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا و لا مجاهدة اعظم من قطع اعتبار الشخص عن نفسه و عما يرتبط بغيره و يتمحض نظره الي الله سبحانه و الي ما جعله تعالي له بابا و وسيلة و لما كان كل شيء له ذات و معني و صورة و كل مقام له احكام خاصة غير ما للمقام الآخر وجب انينظر في كل مسألة في كل طور من الاطوار الثلثة فصارت الادلة ايضا ثلثة دليل الحكمة و هو آلة لمعرفة الشيء من حيث ذاته و حقيقته المجردة عن المادة و المدة و الصورة و المعني و ينظر اليه بلاكيف و لا اشارة و دليل الموعظة الحسنة و هو آلة لمعرفة الشيء من حيث معناه و الصورة المعنوية الكلية الالهية و ينظر اليه بالحد المعنوي بالكيفية العقلانية الجوهرية و دليل المجادلة بالتي هي احسن و هو آلة لمعرفة صورة الشيء و حدوده الشخصية و احكامه الجزئية و اوضاعه الظاهرية و صفاته العرضية و لابد انينظر في كل من هذه الثلثة تلك الامور الثمانية فيكون مجموع الامور الحاصلة اربعة و عشرين و هذه المذكورات علامته في العلم.
و اما الثانية اي العلامة في العمل فبان يكون جامعا للصفات المذكورة في حديث همام عن اميرالمؤمنين7 علي ما رواه الكليني في الكافي و غيره في غيره و انيكون مواظبا لظاهر ما عليه كافة المتشرعة و مطابقا لما عليه الفرقة الناجية فاذا تحقق هذه الامور و الشرايط في شخص في جميع احواله فاعلم انه القرية الظاهرة و انه المستقيم علي المستقيم من صراط الطريقة فتمسك به و اعلم ان معه هدي الله سبحانه و هو الذي قال الصادق7 انظروا الي من كان منكم روي حديثنا و نظر في حلالنا و حرامنا و عرف احكامنا فارضوا به حكما فاني قد جعلته عليكم حاكما فاذا حكم بحكمنا و لميقبل منه فكأنما بحكم الله استخف و علينا رد و الراد علينا الراد علي الله و هو علي حد الشرك بالله و الاحكام جمع مضاف فانظر ماذا تري و هو المحسن الذي معه الله في قوله تعالي و ان الله لمع المحسنين و هو المجاهد في قوله تعالي و الذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا.
و اما هذا العبد المقصر فاين هو من هؤلاء الاعلام و لكنه سلمه الله تعالي
«* جواهر الحكم جلد 2 صفحه 547 *»
حيث ظن بي خيرا ارجوا من الله ان لايخيب ظنه فان من ظن بحجر خيرا القي الله الحق به اليه و الله سبحانه عند ظن كل امرء و انا اقول اللهم اجعلني خيرا مما يظنون و لاتؤاخذني بما يقولون و اغفرلي مما لايعلمون.
قال سلمه الله تعالي: ثم ان المعروض لجناب مولانا ان الحقير قد عرض لسيده في رسم بعض الاسولة فاجبتم الي ذلك بمقتضي كرمكم فالمامول من جنابكم الجواب عن هذه المسايل القليلة بالنسبة اليكم و ليكن كما عودتم و وعدتم متلبسا بالاشارة الي الدليل و صريح البيان و قد عودتم الاحسان في السر و الاعلان.
اقول حيث ما كان المطلوب و المدلول نتيجة للدليل فيناسبه و الا لمتكن النتيجة نتيجة هف فيكون الدليل اذن علي حسب المدلول فان كان المطلوب من السر الباطن وجب انيكون الدليل كك و ان كان من القشر و الظاهر وجب انيكون الدليل كك و الا لميصح الانتاج فاذا كان الامر كك فلايسعني بيان سر الحقيقة و باطن الطريقة بصريح البيان فان السر لايفيده الا سر فيجب طلب الدليل علي مقتضي المطلوب المدلول و قد لايتم الدليل الا بالحكمة او الموعظة الحسنة فلايصح طلبه بالمجادلة بالتي هي احسن فان ذلك طلب المحال كمن رام ادراك الالوان بحاسة السمع و الاصوات بحاسة البصر و الروايح بحاسة الذوق و ذلك مما لايكون في هذه الدنيا و نحن انشاء الله تعالي نورد الدليل و المدلول علي حسب مقتضي المقام من دليل الحكمة و الموعظة الحسنة و المجادلة بالتي هي احسن اذ لايجب انيخلو هذه الاجوبة من عجائب الاسرار و غرائب الاطوار فان الله تعالي يقول ان الله يامركم انتؤدوا الامانات الي اهلها و انا علم الله معذور من بسط المقال فاني في الغاية من اختلال البال و عروض الامراض المانعة من استقامة الحال و كوني في السفر مشغولا بمعاناة الحل و الارتحال و بالله المستعان و عليه التكلان في جميع الاحوال.
قال سلمه الله تعالي: مسألة- ما كيفية التطبيق بين ما علمتم من تولد الحروف بعضها من بعض كما صدرت عن النطقة الالف و عنها الباء و عنها
«* جواهر الحكم جلد 2 صفحه 548 *»
الدال و هكذا و بين ما رتب الحكماء من ترتيب حروف التهجي علي اختلافه بين ابتث او ابجد الي غير ذلك و من البين ان المتقدم في الوجود الرتبي لايكون متاخرا و كذا المتاخر فلو اخر كان خلاف مراد الحكيم او فعله واحد جار علي نسق واحد مقدما للسبب علي المسبب و مؤخرا للابن عن الاب و مديرا داراتها علي القطب و نحن لو اعتبرنا في اختلافاتهم في الترتيب الوجداني رأينا في ذلك التقديم و التأخير الواسع الكبير مع ان كلا منهم يفعل بما عنده من الترتيب علي طبق مراده الافعال المتعددة فيحبب و يبغض و ينقص و يزيد و يجمع و يفرق و يلصق و يرقق الي غير ذلك من تصرفهم في الكائنات و ايضا فعلي تقدير عود اختلافهم الي شيء واحد بامر الواحد فما السبيل في التطبيق بين عوالم الحروف و الاسماء و بين عوالم المسميات هـ .
اقول هذه المسألة تنحل الي سبع مسائل نقررها و نبينها اولا ثم نزيلها بما الهمنا الله تعالي بفضله و كرمه من الجواب علي نهج الرشد و الصواب.
الاولي ان العلماء و الحكماء و الاوصياء و الانبياء صلي الله عليهم اجمعين قد رتبوا الحروف الثمانية و العشرين علي اوضاع مختلفة و ترتيبات متناقضة و اطوار متفاوتة متضادة.
و منهم من رتبوها هكذا: ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ض ط ظ ع غ ف ق ك ل م ن و هـ ي لا.
و منهم من رتبوها هكذا و هو المشهور بينهم و المتداول علي السنتهم: ا ب ج د هـ و ز ح ط ي ك ل م ن س ع ف ص ق ر ش ت ث خ ذ ض ظ غ لا.
و منهم من رتبوها هكذا: ا ح س ت ب ط ع ث ج ي ف خ د ك ص ذ هـ ل ق ض و م ر ظ ز ن ش غ.
و منهم من رتبوها هكذا: ا هـ ط م ف ش ذ ب و ي ن ص ت ض ج ز ك س ق ث ظ د ح ل ع ر خ غ.
و منهم من رتبوها هكذا: ا هـ ط م ف ش ذ ج ز ك س ق ث ظ د ح ل ع ر خ
«* جواهر الحكم جلد 2 صفحه 549 *»
غ ب و ي ن ص ت ض.
و منهم من رتبوها هكذا: ا ي ق غ ب ك ر ج ل ش د م ت هـ ن ث و س خ ز ع ذ ح ف ض ط ص ظ.
و منهم من رتبوها هكذا: ا ج هـ ز ط ك م س ف ق ش ث ذ ظ ب د و ح ي ل ن ع ص ر ت خ ص غ.
و امثالها من الترتيبات الكثيرة المذكورة في الكتب المفصلة لاهل هذا الشأن التي يطول بذكرها الكلام و لا فائدة لها كثيرا في المقام و لا شك و لا ريب ان هذه الاختلافات ليست من الله تعالي فانه تعالي نص في كتابه المجيد و قال لو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا و ليس من الواقعي الاولي فان خلق الله تعالي و جعله واحد ما تري في خلق الرحمن من تفاوت و المجعول الاول في الايجاد الالهي لايكون الا واحدا لا متعددا متضادا فاذن وجب انيكون احد هذه الترتيبات مطابقا للجعل الالهي و ما سواه لغوا عبثا باطلا اذ ليس هذا المقام مقام تقية حتي يتصور فيه الخلاف في الواقعي الثانوي في الاحكام الظاهرية المختلفة في الجعل الالهي في الورقة السفلي من اللوح المحفوظ مع ان الامر ليس كذلك.
الثانية ان الادلة قد دلت بعد تنصيصهم و تصريحهم علي ان هذه الحروف تولد بعضها عن بعض و اشتق بعضها من بعض و بينها علية و معلولية و لاشك ان الوالد في الوجود مقدم علي الولد و العلة علي المعلول و الاصل علي الفرع و قد قالوا ان الاختراع اختراعان و الابداع ابداعان و جعلوا الاختراع الثاني الالف من الحروف و الابداع الثاني الباء من الحروف و قالوا ان الالف انبسطت فكانت عنها الباء و مالت علي الباء فكانت عنها الجيم و الباء انبسطت و ركدت فكانت عنها الدال و مالت علي الدال فكانت عنها الهاء و الهاء نظرت الي نفسها فانجمدت فاخذت في الانبساط بالحركة علي المحور فتحركت الي نصف القطر فكانت عنها الواو ثم غاب انجماد الهاء و بقي انبساطها فكانت عنها الزاء و الزاء لما نظرت الي حدود نفسها بظاهرها و باطنها انشقت نصفين فكانت عنها
«* جواهر الحكم جلد 2 صفحه 550 *»
الحاء كذا (حـûـ)
و الحاء لما نظرت الي المبدء اتصلت بها الالف حرف العلة فكانت الطاء و هي تمام الجذر الاول للالف و هكذا ساير الحروف تتولد من هذه الاحرف.
و اما الاختلاف المذكور فقد ادي الي التقديم و التاخير تقديم الفرع علي الاصل و المعلول علي العلة و الولد علي الوالد و هو خلاف مراد الحكيم العليم فيكون مجراها علي خلاف النظم الطبيعي الذي جعله الله سبحانه فيكون لغوا و عبثا مع ان الامر ليس كذلك.
الثالثة لاريب و لاشك ان لا بسيط الا الله عز و جل و كل ممكن زوج تركيبي و كلما سوي الله تعالي انما هو مركب من الطبايع الاربع و لاينفك شيء منها ابدا علي مقتضي الخلق و الايجاد علي نهج الاسباب و الحكمة نعم اذا غلبت طبيعة من تلك الطبايع علي غيرها بحيث اضمحلت آثار غيرها ينسب ذلك الشيء الي تلك الطبيعة الغالبة و ذلك معلوم بين و لا شك و لا ريب ان هذه الحروف لها طبايع خاصة و لاتنسب اليها الا بغلبتها علي غيرها و لاتكون غالبة الا بغلبتها علي غيرها و اضمحلال غيرها لديها حتي يقال انها نارية او هوائية او مائية او ترابية فعلي هذا كيف يسع اختلافهم في طبايع الحروف كما في الباء قال بعضهم انها هوائية و الآخر انها ترابية و هما ضدان و كيف يمكن القول بغلبة آثار كل من الطبيعتين فيها و اضمحلال غيرها و كذلك القول في غيرها من الحروف المختلف فيها كما هو المشروح المفصل في كتبهم و قد ذكرنا شرذمة منها في شرحنا علي حديث عمران الصابي فراجع.
الرابعة لو فرضنا علة الاختلاف اختلاف انظار العلماء و ملاحظة القواعد المقررة عندهم فلماذا يترتب عليه الآثار اذا صرف كل منهم علي ما يعتقد فان الذي يعتقد ترابية الباء مثلا يصرفها في مقام التراب و يؤثر فيما يريد و الذي يعتقد هوائيتها يصرفها في مقام الهواء و هو ضد التراب و يؤثر فيما يريد فلو كان لمحض الاعتقاد فلاريب ان الاعتقاد لايغير الواقع كما انه لو استعمل الماء باعتقاد انه دهن الكبريت فلاشك انه لايؤثر الحرارة ابدا و شرب الخمر باعتقاد
«* جواهر الحكم جلد 2 صفحه 551 *»
انه ماء فيسكر لامحة فكيف يتحقق هذا الامر مع انا نشاهد التاثير في الحروف لامحة فان كان الامر ليس لمحض الاعتقاد و انما هو في الخارج فكيف يعقل انيكون الشيء الواحد في الوقت الواحد تؤثر الرطوبة و اليبوسة و الحرارة و البرودة.
الخامسة ما اصل هذا الاختلاف ما منشاءه و ما علته الفاعلية و المادية و الصورية و الغائية و ما شرح احوالها و تفصيل اجمالها و مايتعلق بذلك.
السادسة علي تقدير عود الاختلاف الي الامر الواحد فما السبيل في التطبيق بين عوالم الحروف و الاسماء و بين عوالم المسميات.
الجواب اما عن الاول فاعلم ان الاحكام الجارية علي الاشياء علي اقسام و انحاء منها احكام ذاتية اولية لها وحدها من غير اعتبار اقترانها و انتسابها الي الآخر حسب ما اجاب في عالم الذر بسر كينونته و ذات حقيقته و منها احكام ثانوية حصلت لها باعتبار قراناتها و تبدل اوضاعها و اختلاف نسب بعضها الي بعض و منها احكام تجري عليها باعتبار ظهورها في آثارها و افعالها و اوضاعها و حركاتها في كينوناتها و هذه الاحوال كلها تجري علي شيء واحد باطوار مختلفة و صفات متضادة و الاتري المنجمين حكموا علي زحل بانه نحس اكبر و الاخبار وردت انه كوكب سعد و انه نجم اميرالمؤمنين7 و قالوا ان المريخ نحس اصغر و في الروايات عن الائمة السادات: انه كوكب رسول الله9 و قالوا ايضا ان المريخ شيخ كبير قاعد علي كرسي من الدم او النار فالشيخوخة سن الشتا و هو البرودة و الرطوبة و الدم و النار حارة يابسة فيوصف المريخ بالحرارة و البرودة الا ان الثانية ذاتية و الاولي قرانية و عرضية فالسعادة بالذات لاهل الآخرة و النحوسة بالعرض لاهل الدنيا كما قال تعالي و ننزل من القرآن ما هو شفاء و رحمة للمؤمنين و لايزيد الظالمين الا خسارا و هو شيء واحد يوصف بالرحمة و العذاب في الحقيقة و هما ضدان الا ان احدهما بالذات و الآخر بالعرض و قال ايضا فضرب بينهم بسور له باب باطنه فيه الرحمة و ظاهره من قبله العذاب فوصف الباب و هي شيء واحد بالرحمة و العذاب و هما ضدان و قال تعالي اذلة علي المؤمنين اعزة
«* جواهر الحكم جلد 2 صفحه 552 *»
علي الكافرين و هو شخص واحد وصفهما بالضدين في مقامين و قال7 في زيارة اميرالمؤمنين7 نعمة الله علي الابرار و نقمته علي الفجار فالشيء الواحد بالاعتبارات المختلفة و الجهات المتعددة يوصف بصفات متضادة و احكام مختلفة و صفات متضادة من غير منافاة و لا معارضة و الكل من الواقعي الاولي لا من الثانوي الا بتاويل بعيد و لذا قلنا ان العقل في الوجه الذاتي من حيث هو بارد يابس و لونه السواد و هو قوله7 ما بعث الله نبيا الا و هو صاحب مرة سوداء صافية و في الوجه الفعلي حار يابس و لونه الحمرة و هو قوله تعالي خطابا للعقل اقبل فاقبل ثم قال له ادبر فادبر و في الوجه الوصفي بارد رطب و لونه الابيض و هو قوله7 في اركان العرش نور ابيض منه البياض و منه ضوء النهار و في الوجه الارتباطي حار رطب و لونه الصفرة و هو قوله7 اول ما خلق الله روحي علي احد المعاني فوصف العقل بالالوان الاربعة و الطبايع الاربعة و الاحكام المختلفة فمن نظر الي الوجه الذاتي عده في ادني المراتب و من نظر الي الوجه الفعلي جعله و عده في اعلي المراتب لان اعلي العناصر الحرارة و اليبوسة و من نظر الي الوجه الوصفي عده في الاوسط الاسفل و من نظر الي الوجه الارتباطي عده في الاوسط الاعلي و كل هذه احكام حقيقية و لكن كل حكم في مقامه لان الله سبحانه خلق كل شيء جامعا مملكا فيوصف بجميع الصفات المتضادة خصوصا اذا ظهر فيه حكم الذوبان و تمكن في جهة من جهات الرجحان انظر كيف جاز و صح تقديم العقل و تاخيره و توسيطه بالجهات المختلفة.
و هكذا حكم الحروف لان لها مقام الذوبان و فيها جري سر السريان فيرتب علي انحاء كثيرة حسب ما استكن فيها من جهات الامكان فمن نظر الي المناسبات الرقمية و النقشية حيث انها جواذب للحقايق المعنوية و الآثار الذاتية و الفعلية و العرضية رتبها ترتيب المزدوجات المؤتلفات فقال: ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ض الي آخر الترتيب و من نظر الي الطبيعة و اصل تكون الحروف من المبادي الحقيقية و مزج العناصر علي الاوفاق الحكمية مرتبا
«* جواهر الحكم جلد 2 صفحه 553 *»
للقوي في المراتب و الدرجات و الدقايق و الثواني و الثوالث و الروابع و الخوامس عند المزج و الاختلاط علي النظم الطبيعي و الوضع الالهي رتبها ترتيب الولادة التي بها منشأ السعادة و الشقاوة و المزج بين العالمين فقال: ا ب ج د هـ و ز ح ط ي الي آخر الحروف علي ما هو المعروف المشهور و من نظر الي العناصر المحضة و الطبايع الصرفة و اراد وضع كل طبيعة عند اختها افرد الطبايع فهم بين ناظر الي ترتيب البروج فقال: ا هـ ط م ف ش ذ ب و ي ن ص ت ض الي آخرها و بين ناظر الي ترتيب العناصر المتولدة من البروج و الافلاك فقال: ا هـ ط م ف ش ذ ج ز ك س ق ث ظ الي آخرها و من نظر الي ترتيب الاصول و الفروع و ضم الاصول بعضها ببعض و الفروع كذلك فهم بين ناظر الي ترتيب السبعة فاسقط كل ستة ستة و اثبت واحدا واحدا في كل سبعة و هكذا يدور الدائرة بالترتيب الطبيعي الي آخر الحروف رتبها هكذا: ا ح س ت ب ط ع ث الي آخرها علي الترتيب الطبيعي و بين ناظر الي ترتيب الاربعة نظرا منه الي العناصر حيث انها اصل لكل شيء في كل شيء فاسقط كل ثلثة ثلثة و اثبت واحدا واحدا فقال: ا هـ ط م الي آخرها و من نظر الي ملاحظة الاعداد و الاوفاق و نظر الي اصول الاعداد و ضم بعضها ببعض فقال: ا ي ق غ ب ك ر ج ل ش الي آخرها و من نظر الي جمع العناصر في الاعلي و الاسفل لاستخراج حروف المستحصلة في الجفر بعد الترفع و الترقي و التنزل و التساوي فرتب علي المقابلة في سطرين فقال: ا ج هـ ز ط ك م الي آخرها و من نظر الي نظاير الحروف رتبها علي الاصل و النظيرة فقال: ا س ب ع ج ف د ص هـ ق و ر ز ش ح ت ط ث ي خ ك ذ ل ض م ظ ن غ و هذا الترتيب يختلف بحسب الترتيبات بين نظيرة: ا ب ت ث و نظيرة: ا ب ج د و نظيرة: ا هـ م ف ش ذ و نظيرة: ا ي ق غ و هكذا ساير الترتيبات و النظاير و الاحوال علي ما هو المفصل في كتب اهل هذا الفن و المشروح في مصنفاتهم و قد ذكرنا شرذمة منها في شرحنا علي حديث عمران الصابي فراجع ثمة.
فظهر لك مما اوضحنا لك من صريح البيان ان هذه الترتيبات التي وقعت
«* جواهر الحكم جلد 2 صفحه 554 *»
للحروف كلها امور واقعية مجعولة بالجعل الالهي الاولي عند الحركة علي المحور دون القطب لاقتضاء الاول الاختلاف دون الثاني فان المركب تتكثر جهاته و تتعدد شئونه و اعتباراته لامحالة بل في كل مركب تظهر فيه جهات لاتتناهي لاسيما اذا ظهر فيه حكم الذوبان و جري فيه سر السريان و لمتغلب عليه جهة من جهات الامكان و كان بالذات او بالحكاية من عالم الرجحان و لاسيما الحروف التي مسكنها الهواء و مقرها السماء و العامل فيها الملائكة او هي العاملة فيهم علي حد ما قال مولانا الرضا7 ما معناه ان اول ما خلق الله الابتداع و الاختراع ثم خلق الحروف فجعلها فعلا منه يقول للشيء كن فيكون فافهم الاشارة بصريح العبارة و للاختلافات الحرفية اما كاختلاف الوجه الواحد في المرايا المتعددة المختلفة بالبياض و الحمرة و الصفرة و الخضرة و السواد و الاعوجاج و الاستقامة فان الكلمة الكونية الاولية لما تفصلت بالحروف ظهرت عكوسات اشراقات انوارها في الواح الحقايق و الذوات علي ما هي عليه فاختلفت ظهورات تلك الحروف بالتقديم و التاخير علي حسب المرايا في صفائها و كدورتها و اعوجاجها و استقامتها فاختلفت في الترتيب فتفرعت عليه الآثار العجيبة و الاطوار الغريبة علي حسب المقامات و المراتب كما قال الشاعر:
و ما الوجه الا واحد غير انه
اذا انت عددت المرايا تعددا
او كاخلاف الشيء الواحد في الوجه الذاتي و الوجه الظاهري و الوجه الفعلي و الوجه الارتباطي علي ما مثلنا لك في العقل الكلي او كاختلاف المركب باختلاف الطبايع اجزائه و ظهورها عند صفاء اعتدالها بصرافة طبايعها قبل الخلط و المزج بالاعراض الغريبة و الطبايع الفاسدة فيوصف ذلك المركب بكل من تلك الطبايع و الجهات عند انفرادها و لقد اجاد في المقال صاحب شذور الذهب في هذا المعني فقال و نعم ما قال:
و محمومة طبعا عدلت مزاجها
الي ضدها لما علت زفراتها
بجنية انسية ملكية
هوائية نارية نفحاتها
«* جواهر الحكم جلد 2 صفحه 555 *»
جنوبية شرقية مغربية
شمالية كل الجهات جهاتها
فافهم و ربما نوضح لك بعض هذه المعاني في ما بعد ان وجدت لنفسي اقبالا و لكني في سعة مع من اخاطب فانه بدقة فهمه و غامض علمه يطوي التلويحات بلطايف الاشارات و لايحتاج الي تكرير العبارات و ترديدها في الرقوم و الكلمات.
اما الجواب عن الثاني اي السؤال عن سر التقديم و التاخير في الحروف المستلزم بتقديم الفرع علي الاصل و المعلول علي العلة و الولد علي الوالد و تاخير العلة عن معلولها و الاصول عن فروعها و الآباء عن ابنائها بعد اثبات ان في الحروف ترتيبا باحد الوجوه الثلاثة فاعلم ان عالم الحروف عالم مستقل مطابق لعالم الذوات حرفا بحرف لما قد دلت عليه الادلة القطعية من العقلية و النقلية من تطابق الكتابين و توافق العالمين كيف لا و قد قال عز من قائل ما تري في خلق الرحمن من تفاوت فارجع البصر هل تري من فطور ثم ارجع البصر كرتين ينقلب اليك البصر خاسئا و هو حسير و قال عز و جل و لو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا و قد حققناه في ساير مباحثاتنا و رسائلنا فاذا صح التطابق فلنبين بعض الترتيبات المختلفة الفاصلة في الكتاب التكويني الذي كتبه الله بيده و رتبه بحكمته و اتقنه بكلمته لايأتيه الباطل من بين يديه و لا من خلفه تنزيل من حكيم حميد و تعرف بالمقايسة حكم الكتاب التدويني استدلالا علي الصفة بالموصوف بالدليل اللمي فنقول اعلم ان الكرة الكونية الوجودية تنقسم الي قوسين قوس نزول و قوس صعود:
الاول ينقسم الي قسي كثيرة كلياتها عشرون قوسا مرتبة مقدما للاعلي علي الاسفل و الاصل علي الفرع و للعلة علي المعلول لانه ترتيب تكويني انوجادي ظهر فيه سر الاسم الاعظم من المبدأ الفياض المستمد من فوارة القدر بامر مستمر و جري مستقر علي قوابل الهياكل الصورية الاشرف فالاشرف لبطلان حكم الطفرة و اكمال الحجة و اتمام النعمة و اقتضاء سر الخليقة في حقيقة (ظ) الكينونة و ان اردت انتعرف مجرد التسمية في تلك الحقايق
«* جواهر الحكم جلد 2 صفحه 556 *»
المترتبة بالترتيب الطبيعي علي نحو تقديم الاعلي علي الاسفل و الاصل علي الفرع و العلة علي المعلول و الوالد علي الولد فاولها الوجود و هو الساري في كل غايب و مشهود و موجود و مفقود و به امتاز العابد من المعبود و هو باوصافه محقق الركوع و السجود لانه وجه الرب العطوف الودود ثم العقل مصدر النقل و المخترع الاول من الفعل في مراتبه الثلثة من العقل المرتفع و المستوي و المنخفض ثم الروح صاحب القباء الاصفر الماشي علي الارض بالتبختر ثم النفس محل الرمس بمراتبها الثلاثة في المقامات السبعة من الامارة و الملهمة و اللوامة و المطمئنة و الراضية و المرضية و الكاملة ثم الطبيعة المرتدية بالعباء الحمراء و الماشية في الارض البيضاء و الحاكية للحقيقة العليا ثم المادة الجسمانية جوهر الهباء و الذر الاعلي في المقام الادني ثم المثال عالم الاشكال و مبدء الانفصال و محقق الاتصال ثم الجسم جسم الكل الشجرة الكلية الظاهرة السارية في جميع الاغصان و الاصول و الفروع و الافنان ثم العرش المجرد عن النقش و مصدر الفرش ثم الكرسي مقر العلم اللدني و مركز الكوكب الدري ثم فلك المنازل و مصدر القوابل و مظهر الهياكل ثم فلك الشمس ثم فلك زحل و القمر ثم فلك المشتري و عطارد ثم فلك المريخ و الزهرة ثم كرة النار ثم كرة الهواء ثم كرة الماء ثم كرة التراب الي هنا منتهي قوس النزول و الترتيب في هذه القوس تقديم الاعلي علي الاسفل و الاصل علي الفرع كما عرفت مما ذكرناه.
و اما قوس الصعود فهي تنقسم الي قسي كثيرة كلياتها ايضا عشرون قوسا و الترتيب عكس النزول و يقدم الاسفل علي الاعلي و الفرع علي الاصل و الولد علي الوالد و اولها السحاب المثار من شجر البحر و هو اضعف الاشياء تركيبا و اسرعها تحليلا و اضمحلالا ثم المطر الجاري من البحر الساري الواقف بين السماء و الارض الآخذ بجهات الطول و العرض ثم الحل في التراب ثم العقد في النبات ثم المزج في الكيلوس ثم الانتقال الي الكيموس ثم التصفية في العروق ثم التخليص عن شوائب الفضول عند الاعضاء ليتكون مني يمني ثم
«* جواهر الحكم جلد 2 صفحه 557 *»
الانتقال الي الرحم و الامتزاج مع منيها ثم العقد مع التربة المقبوضة القابضة الجاذبة لاتمام النطفة ثم العلقة الظاهرة طبعها انها الصفراء ثم المضغة المخلقة ثم العظام ثم اكتساء اللحم ثم انشاء الخلق الآخر بظهور الروح الحيوانية عند الولادة الجسمانية ثم الولادة الدنياوية ثم البلوغ في سن الخمسة عشر ثم التمام في سن الثلاثين ثم الكمال في الاربعين ثم الولادة الاخروية عند الموت اعاننا الله عليه فثبتنا بالقول الثابت لديه ثم في البرزخ بمراتبه و مقاماته ثم عند نفخ الصور لظهور سلطان الطبيعة و موت الخلق اربعمائة سنة ثم عند الحشر يوم القيمة ثم عند اكله من كبد الحوت ثم من كبد الثور ثم الشرب من السلسبيل ثم الاغتسال في عين الحيوان ثم الدخول في مقام الكثيب الاحمر ثم الانتقال الي الرفرف الاخضر ثم الوقوف في ارض الزعفران ثم الاقامة في مقام الاعراف ثم السباحة في لجة بحر الاحدية و طمطام يم الوحدانية الذي هو مقام الرضوان و وراه مقام لايحيط به علمنا علي التفصيل الا علي وجه الاجمال و هذا الترتيب هو في قوس الصعود يقدم الاسفل علي الاعلي كما هو الشأن و الدأب في الصعود لان الصعود لايكون الا الي مانزل منه فافهم.
و هنا ترتيب آخر مخالف لترتيب النزول و الصعود رتبته يد القدرة لاقتضاء الحكمة و هو ترتيب الظهور و هذا الترتيب ليست له قاعدة مطردة الا ما اقتضته الاسباب بالسوق الي مسبباتها و العلل بالاقتران الي معلولاتها و ذلك عند خروج ابينا آدم7 من الجنة و قتل قابيل هابيل مما استحكمته احكام عالم الذر من غلبة الظالمين و استيلاء الطغاة المفسدين و ما حتم الله عز و جل من اعلاء دعوته و اظهار كلمته من غير اكراه و اجبار و لا الجاء و اضطرار و بيان هذا الترتيب علي التفصيل لايسعه المجال الا اني اشير اليه اشارة اجمالية تنبيها للامر و تثبيتا للذكر فنقول ان القاعدة في قوس الصعود كما عرفت انيكون كل عال مؤخرا عن السافل بعكس قوس النزول و قد دلت الادلة القطعية من العقلية و النقلية ان محمدا و آله9 خلقهم الله قبل خلق الخلق و قبل الكان و المكان و قبل كل شيء ثم خلق من اشعتهم و فاضل نورهم الانبياء
«* جواهر الحكم جلد 2 صفحه 558 *»
: ثم خلق من شعاعهم الرعية من الانسان ثم خلق منهم الجن ثم الملك ثم البهايم ثم النباتات ثم الجمادات ثم الاعراض و الصفات و الالوان و الهيئات و في رتبة الحقيقة المحمدية صلي الله عليها خلق اولا محمدا9 ثم خلق اميرالمؤمنين7 ثم خلق الحسن7 ثم الحسين7 ثم القائم من آل محمد عليه و عليهمالسلام ثم الائمة الثمانية ثم فاطمة الصديقة علي ابيها و بعلها و بنيها و عليها الصلوة و السلام و في رتبة الانبياء: خلق اولوا العزم قبل سايرهم لانهم: قطب رحي النبوة و عليهم تدور احكامها من ذواتها و صفاتها كما قال7 علي ما رواه الكليني (ره) و في اولي العزم خلق نوح اولا علي ما هو الحق ثم ابراهيم ثم موسي ثم عيسي: ثم الانبياء علي ترتيب شرفهم لان كل اشرف مقدم في الذات و الحقيقة قطعا و هكذا ساير اطوار الخلق غير ما ذكرنا مع ان في عالم الظهور ظهر ابونا آدم7 قبل الرعية من ساير الانسان مع ان القاعدة في قوس الصعود العكس و في قوس النزول تقديم نوح و ابرهيم و موسي و عيسي: عليه و تقديم محمد9 علي الجميع مع ان الامر ليس كذلك فقد ظهر آدم7 ثم نوح بعد انبياء كثيرين ثم ابراهيم ثم موسي ثم عيسي ثم محمد9 ثم اميرالمؤمنين الي آخر مقامات ظهورهم علي التفصيل و هو لاينطبق علي شيء من القوسين كما عرفت و هذا الترتيب لاقتضاء الحكمة في الخلق الثانوي علي مقتضي الاسباب و جريانها حسب ميولات الاشياء و شهواتها اذ لا اكراه في الدين و هذا باب واسع لايسعني الكلام فيه اكثر مما ذكرنا.
و هكذا الكلام في ترتيب البروج فانه مخالف لترتيب العناصر جدا فانه تعالي رتب البروج مبتديا من الحمل و هو ناري ثم الثور و هو ترابي و بينهما و ان لميكن معاداة الا ان اليبوسة و قواها في المقامين يورث التفتت و التصلب و عدم الحيوة علي مقتضي الاسباب الظاهرية ثم الجوزاء و هو هوائي قد قارن بالترابي و هما ضدان و قد جمع بينهما من غير فاصل و فارق بخلاف العناصر ثم
«* جواهر الحكم جلد 2 صفحه 559 *»
السرطان و هو مائي ثم الاسد و هو ناري و قد قارن بين الماء و النار و هما ضدان و هكذا الي آخر البروج و المنازل و هذا الترتيب لاتقتضيه قوس النزول و لا قوس الصعود كما هو الظاهر المعلوم و انما هو ترتيب لاجل حكم و مصالح ما خفي علينا اكثر مما ظهر لنا بمراتب شتي و لكن الامر قطعا لايخالف الواقع اذ الشيء قد يحكم عليه باعتبار الظاهر و قد يحكم عليه باعتبار الباطن و قد يحكم عليه باعتبارهما جميعا و قد وقع التصريح في القرآن الكريم بهذه الوجوه الثلثة من الترتيب فقال عز من قائل و اذ اخذنا من النبيين ميثاقهم و منك و من نوح و ابراهيم و موسي و عيسي و هو اشارة الي ترتيب قوس النزول دون الظهور و قال عز و جل هو الذي خلقكم ثم رزقكم ثم يميتكم ثم يحييكم و هذا الترتيب اشارة الي ترتيب الظهور كما تقدم و قال عز و جل الذي خلق الموت و الحيوة و قال ايضا من الجنة و الناس و قال7 ايضا و جعل الظلمات و النور و هذه الآيات اشارة الي ترتيب قوس الصعود فاذن لك انترتب العام بترتيبات مختلفة متضادة كما رتبه الله سبحانه في محكم كتابه التكويني و التدويني علي ما سمعت مع انك تعلم يقينا ان العالم مترتب في اصل الوجود ترتب الاصل علي الفرع و الوالد علي الولد و المنير علي الشعاع و الذات علي الاثر و مع ذلك كله تجد هذه الترتيبات المختلفة من الصعودية و النزولية و الظهورية انظر الي تقدم عبدالله علي رسول الله9 بالابوة و تقدم ابيطالب علي اميرالمؤمنين عليه صلاة (ظ) كذلك و تقدم فاطمة الزهراء3 علي الائمة صلوات الله عليهم اجمعين بالامومة مع ما تحقق عندك يقينا ان عبدالله و اباطالب ذرتان من شعاع نور ابنيهما(ص) و قطرتان من محيط بحريهما و كذلك فاطمة3 قد وجدت بعد الائمة: مع انها تقدمت عليهم و هكذا الامر في غيرهم ممن تقدم في الوجود و تاخر في الظهور و قد اشرت الي مجمل السر و العلة في ذلك باشارة لطيفة و عبارة دقيقة لما اعتقد في ذلك العالي الجناب من دقة المدرك لتحصيل الحق و الصواب و اما تفصيل القول في ذلك فذلك مما لاتسعه الدفاتر و اذا حصلت المشافهة ربما تنال المطلوب بالوجه المرغوب و لكنك
«* جواهر الحكم جلد 2 صفحه 560 *»
عند امعان النظر يتضح لك الامر انشاء الله تعالي فاذا فهمت ما ذكرنا لك عرفت صحة اختلاف الترتيب في الحروف بالتقديم و التاخير مع ما هي عليه من تكون بعضها علي بعض و تقدم بعضها علي بعض فان الحروف فروع و توابع لهذه الذوات و الحقايق فتنصبغ بصبغها و تتحلي بحليتها و تختلف باختلافاتها علي طبقها و وفقها حرفا بحرف فكل هذه الاختلافات الحرفية تنحل الي هذه الوجوه الثلاثة و هي كلها ترجع الي استواء الرحمن علي العرش و اعطاء كل ذي حق حقه و السوق الي كل مخلوق رزقه فالحروف قد ترتبت تارة علي مقتضي قوس النزول بتقديم الاشرف علي الاخس و الظاهر ان ذلك هو ترتيب ا ب ج د و منها ما ترتبت اخري علي مقتضي قوس الصعود و هو عكس هذا الترتيب المعروف و المغاربة قد يستعملونها في مطالبهم و حوائجهم اذا احتاجوا اليها و منها ما ترتبت علي مقتضي حكم الظهور في الترتيب و هو يختلف اختلافا واسعا حسب اختلاف الظهورات الكونية كما تقدم فان الحروف بازاء تلك الحقايق و الذوات فتتقدم بتقدم اصلها و تتاخر بتأخره اذ الحروف منها ما هو بازاء التوحيد و منها ما هو بازاء النبوة و منها ما هو بازاء الولاية و الامامة و منها ما هو بازاء الرعية و منها ما هو بازاء الايمان و اهله و منها ما هو بازاء الكفر و النفاق و اهله و منها ما هو بازاء الانوار و منها ما هو بازاء الظلمات و منها ما هو بازاء الايام و منها ما هو بازاء الليالي و منها ما هو بازاء الافلاك و منها ما هو بازاء العناصر و منها ما هو بازاء الكواكب و منها ما هو بازاء البروج و المنازل و منها ما هو بازاء الالوان و الاعراض و الصفات و الهيئات و منها ما هو بازاء الذوات و الحقايق و الماهيات و منها ما هو بازاء المجردات و منها ما هو بازاء الماديات و منها ما هو بازاء العلويات و منها ما هو بازاء السفليات و هكذا ساير الاشياء من الاسماء و المسميات و الاسماء الحسني و الاسماء السوءي الي غير ذلك و يرتبونها علي حسب تصاريفهم في الكائنات علي ترتيب الحقايق و الذوات الا انهم مختلفون في الحروف التي بازاء تلك الحقايق اختلافا شديدا و ذلك باعتبار اختلاف انظارهم في الجهات و الاحوال و الشئون
«* جواهر الحكم جلد 2 صفحه 561 *»
المودعة في الحروف من تقدير الله عز و جل فمنهم من جعل الالف حرف النبوة لانه المبدء للحروف كالنبوة الظاهرة في آدم7 ابينا فانها مبدء للبشر و النبوة الظاهرة في الحقيقة المحمدية فانها مبدء و اصل العالم كله و منهم من جعل الباء حرف النبوة لانها تراب حامل و محل للفيوضات و مستعد للقبول و خاضع خاشع لمبدئه و عاليه و ذلك حكم النبوة لانها اول الحوادث و اول الخاضعين الخاشعين له تعالي و هي الحاملة لآثار الربوبية و فيوضاتها علي ما في الحديث القدسي ما وسعني ارضي و لا سمائي و وسعني قلب عبدي المؤمن فافهم و منهم من جعل الجيم حرف النبوة لانها مبدأ الشكل المثلث و هو ابو الاشكال و اصلها و اسطقسها و هي منه تحققت و به برزت و منه بدءت و اليها عادت و لان الجيم انما حصلت بميل الالف بالباء و المكونات باسرها انما تحققت بحذافيرها من ظهور الفعل بالامكان و اول المكونات مقام النبوة و قالوا ان الشكل المثلث شكل آدم7 و لذا جمع عدد اضلاعه خمسة و اربعون مطابق لعدد آدم و كل ضلع منه خمسة عشر مطابق لعدد حوا و غير ذلك من المناسبات فالاولون جعلوا حرف النبوة و النبي الالف و الاوسطون جعلوها الباء و جعلوا الالف للتوحيد لانه حرف الوحدة و الآخرون جعلوا الالف حرف التوحيد و الباء حرف الامكان اي المشية و محلها كما يشهد لهم قوله9 ظهرت الموجودات من باء بسم الله الرحمن الرحيم و الجيم حرف النبوة و مقام البعثة الي كافة الخلق و للكل اعتبار حسن يطابق الواقع فالكل اذن علي صواب انشاء الله تعالي اذ بعد تعدد الجهات و اختلافها لميبق للتناقض و التضاد محل فافهم فمن جهة اختلافاتهم في هذه الوجوه اختلفت ترتيباتهم للحروف الثمانية و العشرين في مقام الترتيب الظهوري فجعلت ترتيبات مختلفة كلها مطابقة للواقع و الجعل الاولي الالهي في مقام الظهور و كل ترتيب و تصوير جاذب اثر من الآثار من المبدء الفياض كما اختلفت الآثار باختلاف ترتيب الحقايق و الذوات اذ الهيئات و الصور المرتبة مراياء لاستشراقات الانوار الجبروتية و آثار الحقايق اللاهوتية كما قال اميرالمؤمنين7
«* جواهر الحكم جلد 2 صفحه 562 *»
نور اشرق من صبح الازل فيلوح علي هياكل التوحيد آثاره.
و الذي يظهر لي ان هذه الترتيبات المختلفة انما كانت من الانبياء الماضين: عن الوحي الالهي حسب مصالح العباد و البلاد فهم: كتموها عن الاغيار و اودعوها عند اهلها من الابرار من اهل الاسرار و بقوا يستعملونها علي ما وصل اليهم من انحاء تلك الترتيبات فاختص كل طائفة و اهل كل علم بترتيب منها و وضع خاص من تلك الاوضاع و الصور حسب مناسبتهم اياه في الغرائز و الطبايع كاختصاص كل صنف و كل طائفة بلغة من اللغات المختلفة من الهندية و التركية و اليونانية و السريانية و غيرها مع تاليفها من الحروف المذكورة و كون الواضع في الجميع هو الله سبحانه و كذلك كل ترتيب من هذه الترتيبات المخصوصة اختصوا به لما بينهم و بينه من المناسبة بجهة من الجهات الذاتية و العرضية ثم ذكروا لاجل الترتيب الخاص الذي عندهم بعض النكات و الاستحسانات و ظنوا انها المؤسسة و المحصلة لتلك الاوضاع و ظن الجاهل بالامر انهم هم المؤسسون لهذه الاوضاع و الترتيبات و لكن الحكيم الماهر و اللبيب الكامل يعلم ان هذه الاوضاع كلها من الاوضاع الالهية علمها آدم7 و كانت مستودعة عنده الي اناوصله الي وصيه هبة الله شيث و كانت الانبياء يتوارثون اياها خلفا عن سلف و يعلمون بعض جهاتها لمن يأمرهم الله سبحانه من خواص امتهم و رعيتهم و هي كلها امور حقيقية واقعية يتفرع عليها آثار غريبة عجيبة و يستخرج منها كنوز من معارف الله عز و جل و اسرار اسمائه و صفاته و لايسع المجال لشرح هذه الاحوال بل لايذكر هذه المطالب و اسرارها في المقال و انما هي مخزونة مكنونة في صدور جماعة من الرجال و الله خليفتي عليك هـ .
و اما الجواب عن الثالث و هو السؤال عن ان الطبايع باسرها لاتظهر في كل مركب بل انما ينسب المركب الي الجزء الغالب عليه من الطبيعة كما يقال ان فلانا صفراوي او سوداوي و لايغلب ذلك الجزء الا بعد اضمحلال آثار باقي الاجزاء فعلي هذا لايعقل انيكون مركبا واحدا غلب عليه طبيعتان و اكثر من
«* جواهر الحكم جلد 2 صفحه 563 *»
العناصر ليقال انه ناري او هوائي او مائي او غير ذلك كما لايعقل انيقال للشخص الواحد انه صفراوي و بلغمي في حالة واحدة الا في وقتين اولا بمعني الغلبة و هو خلاف المفروض فاذن لايعقل الاختلاف في الحرف الواحد بانه مائي او ناري او هوائي او ترابي كما وقع لهم كما سمعت مجملا فاعلم انه لاشك و لاريب ان الله عز و جل لميخلق فردا قائما بذاته للذي اراد من الدلالة علي نفسه فخلق الاشياء و ركبها من الضدين بل اربعة اظهارا لكمال قدرته و اثباتا لعظيم عظمته الا انه تعالي بلطيف حكمته و كمال قدرته و نفاذ كلمته و مشيته ركب تلك الاجزاء المتضادة المتعادية و الف بينها بحيث لميكسر جزء منها سورة الجزء الآخر المضاد له بل كل منها باق علي كمال قوته و صرافة طبيعته و اعتدال استقامته و هذا بحث قد خالفنا الحكماء و الاطباء فيه و اقمنا عليه براهين قطعية من العقلية و النقلية و ليس هنا موضع استقصاء الكلام فيه فليطلب في ساير رسائلنا فالله سبحانه جمع الاضداد في المركب مع بقاء كل منها علي كمال قوته و صرافة طبيعته من غير الاختلاط بحيث يبطل كل من اجزائه عن صرافة طبيعته الاصلية فيفعل كل مركب الافعال المختلفة المتضادة بما فيه من تلك الطبايع بلا معارضة و لا مضادة الاتري المولود الفلسفي فانه شيء واحد في تركيب واحد يفعل افعالا متعددة مختلفة متضادة مثلا اذا القي علي الفلزات المختلفة يعدلها و يجعلها ذهبا فيجفف الرطب و يرطب اليابس و يبرد الحار و يسخن البارد و ينفع في المزاج الصفراوي و السوداوي و الدموي و البلغمي و الامراض المركبة و غيرها فلو كانت فيه طبيعة غالبة لما امكن الفعل و التصرف في كل من الطبايع الاربع و كذا الجنة و احوالها فانها تجمع الامور المتضادة و الاحوال المختلفة و كل شجرة في الجنة تأتي بكل فاكهة و كل شيء فيه يأتي بكل شيء فلو كان للمركب طبيعة غالبة او كل طبيعة كسرت سورة الاخري لما امكن هذا الفعل البتة الاتري الانسان المركب من الضدين النور و الظلمة امتزجا و صار المجموع شيئا واحدا و مع ذلك كله لميضمحل احد الجزئين في الآخر كالمركبات المتحققة المتحصلة من العقاقير الدنياوية
«* جواهر الحكم جلد 2 صفحه 564 *»
بحيث يحصل للمجموع طبيعة اخري غير الاجزاء و يخرج كل جزء عن صرافة طبيعته و اعتدال حقيقته كما اذا ركبت الماء و الطين او الخل مع العسل فلو كان الامر هكذا لزم ان لايصدر عن الشخص طاعة محضة موجبة للجنة و لا معصية موجبة للنار بل يجب انيصدر عنه شيء لايكون طاعة و لا معصية مع ان الامر في الواقع ليس كذلك فلو لميمتزجا لما تحقق بالاجتماع حقيقة اخري و شخص آخر يستحق اسم آخر و الحاصل ان هذا امر واضح لمن تتبع مواقع الآيات المرئية في الآفاق و الانفس و راجع الي العقل المستنير الا ان المركبات علي قسمين:
قسم تمكن فيه الاعراض الغريبة و الطبايع الفاسدة بحيث اخرجت المركب عند الاعتدال و الفعل علي مقتضي ذاته بالاستقلال كالمركبات الدنيوية و العقاقير الارضية و الاجساد الغاسقة و الاشياء التي لحقته العناصر الدنياوية مما هو تحت كرة القمر و هذه المركبات خرجت عما هي عليه من الاعتدال و ظهور آثار الطبايع فيها فصار يعمل كل واحد منها بالجزء الغالب من الطبايع لا بجميعها كما هو المعروف عند اهل التجربة من الاطباء و ساير العلماء و الحكماء و هو الذي دعاهم الي القول بان الاعتدال مايمكن و ان ظهور آثار جميع الطبايع في المركب الواحد علي صرافتها لايعقل لما رأو في هذه المركبات من الانجماد و الخروج عما هي عليه الي المرض و الفساد و لذا لما خرج آدم علي محمد و آله و عليه السلام من الجنة و نزل الي الارض راي وجه الارض مغبرا متغيرا خارجا عن الاعتدال فانشد:
تغيرت البلاد و من عليها
فوجه الارض مغبر قبيح
و قسم آخر صاف عن الكدورات و الاعراض و الغرايب و باق علي الفطرة الاصلية و الاعتدال الحقيقي غير متغير بالطبايع الفاسدة و غير منجمد علي طبيعة غالبة سواء كان قد بقي علي ما خلقه الله سبحانه في الخلق الاول و الثاني و لميغير خلق الله بتسويل الشيطان الرجيم و امره المخالف لامر الحكيم العليم كالجواهر العلوية و الحقايق الموجودة في الجنة و الافلاك و الكواكب و
«* جواهر الحكم جلد 2 صفحه 565 *»
البروج في حد ذواتها لا باعتبار تعلقها بالاجسام السفلية و لذا رتب الله سبحانه البروج في منطقة الكرسي و قارن بين البروج المائية و النارية و الهوائية و الترابية مع كونها اضدادا لامحالة لرفع الاعراض و الغرائب الموجبة للمعارضة و المدافعة و المضادة و الافساد في ذلك العالم فيفعل كل عنصر بخاصة طبيعته و بصرافة قوته من غير معاداة للعنصر المخالف له فيها لعدم المقتضي و قد قال مولانا الصادق7 ماتناكرتم الا لما بينكم من الذنوب و الافلاك و الكواكب و البروج ذوات حية ذات شعور و ادراك مطهرة معصومة عن مخالفة الله عز و جل كلها و اجزائها فتجري علي ما يامرها الله سبحانه و قد سمعت الرواية الواردة في ان الله تعالي خلق ملكا نصفه ثلج و نصفه نار فلا الثلج يطفي النار و لا النار تحرق و تضمحل الثلج و ذلك لعدم المناكرة و المعاندة و الجري علي ما اراد الله سبحانه و سمعت ايضا ان في زمان ظهور مولانا الحجة المنتظر عجل الله فرجه يرعي الذئب و الغنم في مرعي واحد من غير معاداة و لا معارضة لانتفاء المقتضي لها الذي هو عدم الوقوف علي الحد المقرر له من الله سبحانه و علة ذلك مخالطة الاغيار الموجبة للاكدار ان في ذلك لعبرة لاولي الابصار.
و قسم آخر منه قد تصفي بعد الخلط و صح بعد المرض و اعتدل بعد تمكن العرض الغريب اما بتدبير حكيم حاذق و طبيب صادق بما علمه الله سبحانه من كيفية العلاج و التدبير و الهمه العلاج تعجيلا لاستخلاصه عن قيد الاغيار و ممازجة السوي المورثة للاعراض و الاكدار او يجري الاسباب العامة علي مسبباتها و قران العلل الكلية علي معلولاتها الي انيصفي الجميع و يعود الكل الي ما هو عليه من التعديل البديع.
فالاول كالاكسير المسمي عندهم بالمولود الفلسفي المسمي بعبد الواسع و بعبد الكريم و انا قد سميته عبدالله و ذلك تصفي بتدبير الحكيم بحله و تفريق العناصر بعضها عن بعض و تصفية كل عنصر علي ماينبغي من التصفية البالغة بالمعالجة الكاملة من انحاء التعفينات و التقطيرات و التشميعات و التكليسات و
«* جواهر الحكم جلد 2 صفحه 566 *»
غيرها من اطوار المعالجات حتي صفيت العناصر عن الاعراض الغريبة و الطبايع العارضة الغير الجوهرية ثم تاليفها علي احسن تاليف و اعدل تركيب يقتضيه الكون و الوجود فتتألف الاجزاء و تتركب حتي يصير المجموع شيئا واحدا مع بقاء الاجزاء علي صرافة طبيعتها و كمال قوتها فيؤثر في الحار و البارد و الرطب و اليابس و العالي و السافل و الاحجار و الاشجار و الحيوان و الانسان من غير الاتصال بشيء و الامتزاج بجسم بل هو مستقل في هذا الاصلاح لتعديل مزاجه و اجزائه فان وصفته بالحرارة و اليبوسة و نسبته الي النار صدقت لانه يحلل و يفرق و يصعد و يجفف و يلطف و يرقق و ان وصفته بالرطوبة و الحرارة و نسبته الي الهواء صدقت لانه يحل و ينضج و يربط و يجمع و يدوم و يبقي و يديم و يبقي فلايفسده شيء و لايفنيه شيء كلما اذيب بالنار اشتد صفاء و لطفا و كلما دفن في التراب ازداد نورا و بهاء لاتاكله الارض و لاتفسده الرطوبات الباردة لما فيه من قوة الحرارة و صفاء الرطوبة و ان وصفته بالرطوبة و البرودة صدقت لاصلاحه الحار اليابس و تعديل الحرارة و ترطيب اليبوسة و ان وصفته باليبوسة و البروده و نسبته الي الارض و التراب صدقت لتجفيف الرطوبة و تبريد الحرارة و اصلاحه للمرض الدموي و ثباته و استقراره و سكونه و وزنه و زيادة مقداره و ثقله و غير ذلك و هذا معلوم عند اهل هذه الصناعة و معروف عندهم لاينكرونه و لايشكون فيه ابدا فلايحتاج مثل هذا المركب الي الجزء الغالب في التاثير بل هو ينسب الي جميع الطبايع و قد قال علي بن موسي الاندلسي في منظومته المسماة بشذور الذهب اشارة الي هذا المولود المكرم:
و محمومة طبعا عدلت مزاجها
الي ضدها لما علت زفراتها
بجنية انسية ملكية
هوائية نارية نفحاتها
جنوبية شرقية مغربية
شمالية كل الجهات جهاتها
و الثاني تعديل الامزجة و الطبايع يوم القيامة و دخول الجنة و هو قوله تعالي و ان الدار الآخرة لهي الحيوان لو كانوا يعلمون و قد سمعت احوال الجنة
«* جواهر الحكم جلد 2 صفحه 567 *»
في اخبار آل الله: من ان كل شجرة فيها تاتي بكل ثمرة و علي اختلاف طبايعها و من كل شربة ماء تجد لذة كل شراب مايع من عسل و لبن و خمر و غير ذلك و من كل لحن تستمع جميع الالحان الموسيقية مما لميخطر ببالهم و لاجري علي خيالهم و بكل قوة من القوي و الحواس يدرك جميع الاشياء فيدرك الالوان و الروايح و الطعوم و غيرها بحاسة السمع و كذلك بحاسة البصر و غيرها من القوي و يدرك الاجسام الارواح من غير توسطها و العكس من غير توسطها و علي هذا القياس ساير اطوارها و احوالها و اوضاعها بذكرها تضيق الدفاتر فلايقال ان لهذه الاشياء طبيعة غالبة فلو كانت كذلك لما جاز تاثيرها في غيرها و القول بان الله سبحانه جعل لها هذه القوة و القدرة مسلم لكنه عز و جل لايفعل في الشيء خلاف طبيعته و خلاف مستقر حقيقته و هو سبحانه ابي انيجري الاشياء الا باسبابها في الدنيا و الآخرة و غيرها اذ ماتري في خلق الرحمن من تفاوت.
فاذا فهمت هذه المقدمة الشريفة النافعة التي لمتسمعها من غيرنا و هي لعمري باب ينفتح منها الف باب فاعلم ان الحروف و تركيبها و طبايعها ليست كطبايع هذه المركبات الدنياوية بل انما هي امور كانت مكنونة في اللوح المحفوظ و كانت قد نزلت من حجاب الواحدية و الرحمانية الي اللوح و من اللوح نزلت الي العرش علي وجه الاجمال مطوية تفاصيلها في الالف و النقطة و من العرش نزلت الي الكرسي فظهرت في منطقتها و حفظتها الملائكة المقربون الي اناوصلتها الي هذه الدنيا و هي بعد محفوظة بعين الله التي لاتنام و بحفظه الذي لايرام و قد قال عز و جل انا نحن نزلنا الذكر و انا له لحافظون فانزلها الله عز و جل من حجب الغيب الي عالم الاجسام و جعلها مادة لكلامه و جعلها فعلا منه يقول للشيء كن فيكون كما قال مولانا الرضا7 في حديث عمران الصابي (ره) فاذن فالحروف باقية علي ما هي عليه من الفطرة النورانية في الطبايع الاربعة غير متغيرة بالاعراض الفاسدة و الطبايع الغريبة التي لساير المركبات نعم قد تعرضها الجمودة و الغلبة عند التركيب في اللغات
«* جواهر الحكم جلد 2 صفحه 568 *»
المتعارفة علي الظاهر و الا فعند التحقيق فالمركبات الحرفية من اللغات و الاوضاع و التركيبات كلها باقية علي الفطرة الاعتدالية الاولية نعم اهل الجمود لايعرفون منها الا جهة واحدة في رتبة واحدة.
و اما اهل الذوبان و اصحاب علم احوال الكلام بالكلمات المتعارفة في المحاورات يخبرون عن امور غيبية و احوال معنوية و امور ماضية و مستقبلة و غرائب محتجبة فاذا كان كذلك فلايحتاج في الحروف للحكم عليها بالطبايع الي الغلبة حتي لايصح الاختلاف الذي يترتب عليه الحكم في الواقع بل الحروف علي جهة العموم يصح انتنسب الي كل طبيعة كما مثلت لك بالاكسير ففي اي موضع تقع يؤثر فيه بما يناسبه و اهل العلم كل منهم تكلم بما جربه و وجده صحيحا فخصصها بتلك الطبيعة و انكر القول الآخر مثالهم مثال العميان و الفيل كما فعل اهل الصناعة فانهم خصصوا المادة بامور عشرة و لميعلموا انها في كل شيء علي ما قال اميرالمؤمنين7 نعم هؤلاء لما لميعرفوا الطرق الاخر انكروها كما قال عز و جل و اذ لميهتدوا به فسيقولون هذا افك قديم نعم الاعتقاد الجازم الثابت الغير المتزلزل له مدخلية في ظهور هذه الطبايع و خفائها و قوتها و ضعفها و قلتها و كثرتها فان الحروف انوار قدسية تظهر في القوابل و مرايا الاستعدادات علي حسبها كنور الشمس المشرق علي المرايا المختلفة بالالوان من الحمرة و الصفرة و الخضرة و البياض و الاعوجاج و الاستقامة فالقلوب مراياء و الحروف نور الشمس المشرق من صبح الازل فيلوح علي هياكل التوحيد آثاره فالصور القلبية الثابتة الجازمة مخصصة لتلك الطبايع علي وجه خاص كما تخصص الصور المواد و القوابل لنور الشمس و تمام الكلام سيجئ انشاء الله تعالي في الجواب عن السؤال الرابع و هذه زيادة التوضيح و البيان الذي وعدناك قبيل هذا فافهم فظهر لك ان كل حرف تامة جامعة للطبايع الاربعة الا ان طبيعة منها تظهر عند العمل و التصرف فتنسب الي تلك الطبيعة فاذا ظهرت الاخري في غير تلك المادة نسبت اليها و اهل الحروف لما لميكونوا من اهل الذوبان انجمدوا علي تلك الجهة الواحدة فلو انهم
«* جواهر الحكم جلد 2 صفحه 569 *»
تصرفوا في كل جهاتها تصرفهم في الجهة الواحدة آل الاختلاف الي الايتلاف و الاتفاق و رجعت العلوم كلها الي النقطة الحقيقية الواحدة التي قال اميرالمؤمنين7 العلم نقطة كثرها الجاهلون الا ان الله سبحانه اعطي كل ذي حق حقه و ساق الي كل مخلوق رزقه فجعل لكل طائفة مايناسبهم من الحروف في الطبايع و الصفات و اوقفهم عليها و جعل الجهة الجامعة حظ المؤمنين الممتحنين الذين عرفوا الحيث و الكيف و اللم و عرفوا مفصولهم و موصولهم و مايؤل اليه امورهم جعلنا الله و اياكم منهم بالنبي و آله الطاهرين.
و اما الجواب عن الرابع اي السؤال عن كيفية التاثير مع الاختلاف فقد ظهر لك مما ذكرناه تمام الجواب من ان الحروف ذوات مستقلة معتدلة في الطبايع تظهر جميعها في عالم الظهور و البروز.
و اما الاعتقاد المنفي في السؤال الرابع بانه لايغير الواقع فلايخفي ضعفه عند اولي الالباب فان الله تعالي عند ظن كل امرء و الله تعالي لايكلف نفسا الا بما آتيها و هو تعالي يجيب المضطر اذا دعاه و هو سبحانه و تعالي يعطي كل احد مقدار مايريد علي حسب مايريد كما يريد الله تعالي فلو اعطي بخلاف ميله و شهوته و ارادته و مقتضي قابلية لما اعطاه اياه و لاجري فعله علي خلاف الحكمة و هو تعالي منزه عن ذلك فالله سبحانه جعل فيضه في الخزاين العليا في عليين او سجين و ينزل علي حسب القابلية و الصورة النفسية و الخيالية کما قال عز و جل و ان من شيء الا عندنا خزائنه و ماننزله الا بقدر معلوم و القدر المعلوم تقدم القابلية و تصويرها علي حسب ميولاتها و شهواتها و لذا کانت احوال الجنة تجري علي محض الارادة و التصور و الاعتقاد في جميع تقلباتها و اختلافاتها کما هو المفصل في مباحثاتنا و رسائلنا و اجوبتنا للمسائل فاذا شرب الماء في الجنة بقصد الخمر يؤثر اثرها و کذا اذا شرب الخمر باعتقاد انه ماء او عسل و غير ذلک ادي مؤداهما و اثر اثرهما و کذا اذا تصور الولد في الجنة باي صورة شاء و اي وضع اراد وجد علي ما اراد کما اراد و قد ذکر الاطباء ان من تصور صورة حسنة او غيرها عند المجامعة تتکون النطفة علي هيئتها و صورتها و قد
«* جواهر الحكم جلد 2 صفحه 570 *»
ورد في الرواية و صحح بالتجربة ان الرؤيا علي ما عبرت و ذلک ان الصورة الاولي بالتعبير تمحو و تثبت الصورة الثانية الحاصلة بالتعبير اذا کان المعبر من اهل الوثوق و الصورة ثابتة راسخة تستمد الفيض من المبدء الفياض علي وفقها و طبقها فيقع الامر علي ما عبر و قد قالوا: تفألوا بالخير تجدوه و لاشک و لا ريب ان الصورة اذا کانت ثابتة راسخة جازمة غير متزلزلة و لا مضطربة و لو بمحض الاحتمال و الفرض بل و لو بفرض صورة اخري معارضة تجذب الفيض و المدد من الاعلي علي حسبها فان کان المدد امرا ذائبا سيالا غير مصور بصورة خاصة معينة فلا کلام لان هذه الصورة تعينها و تخصصها و ترجحها کالامدادات الواردة علي الشخص في باطنه و ظاهره و سره و علانيته و اجزائه و جزئياته و مشاعره و حواسه و قواه و ساير مراتبه في کلماته و حروفه و ساير شئونه الذاتية و الفعلية و ان کان ذلک المطلوب امرا منجمدا مصورا بصورة شخصية فان کانت الصورة غير قارة و لا ثابتة کالحقايق المرئية في الرؤيا بالصور الخاصة و امثالها فلاشک ان هذه الصورة لرسوخها و ثباتها و استقرارها تمنع تلک الصورة عن الاقتضاء و التأثير و تقتضي ظهر امکان الجهة المناسبة لها کما يقع بعد التعبير و ان کانت الصورة محکمة راسخة کالماء و الدهن و الخمر و امثالها فيرجع الامر الي احکام الصورتين و قوة المتصور المعتقد فان کان قويا قلب صورة الماء الي صورة العسل اذا شرب باعتقاده و الا فلا لضعف الصورة عن الاستمداد و لعدم کمال المقابلة لفوارة النور و القدر فقد يتفق القلب و قد لايتفق نظرا الي قوة الشخص و ضعفه و لذا تري اناسا اقوياء يشربون السم باعتقاد انه ماء و لايؤثر فيهم و العکس يؤثر البتة و قد سمعت الحديث الوارد في البادنجان انه دواء لکل داء اذا اکله بقصد ذلک الداء و ان دهن البنفسج في الصيف بارد رطب علي شيعتنا و حار يابس علي اعدائنا و في الشتاء بالعکس بل لو تأمل العاقل يجد العالم عالم الحدوث کله علي هذا المجري و هذا المنوال فان الشيء انما يتم بالمادة و الصورة فالاولي من الله تعالي و الثانية من الشيء بالله فتجري المادة علي جهة مقتضي الصورة
«* جواهر الحكم جلد 2 صفحه 571 *»
فالاختلاف ليس من الله تعالي لان المادة التي منه تعالي واحدة في الجميع في السلسلة العرضية و لايسعني الکلام اکثر مما ذکرنا لما في قلبي من الکسل و الملل و اشتغاله بالسفر بمعاناة الحل و الارتحال زايدا علي ما حل بنا من الفوادح العظام و الي الله المشتکي و لولا ذلک لاطلقت عنان القلم في هذا الميدان و لاريتک من غرائب الکلام ما لاتصل اليه الافهام و لاتدرکه الاحلام و لکني اشرت الي جميع المطالب اعتمادا علي ذلک الفهم العالي و الادراک السامي.
فالحروف خلقها الله تعالي في ذاتها ذات طبايع اربعة مستقلة في اظهار الآثار من غير المزاحمة و لا المعارضة و لکنها حيث کانت متساوية فيها فلابد من ترجيح طبيعة منها بظهور الاثر دون الاخري من مرجح و هو اما الاعتقاد الکامل القوي و الصورة النفسية و القلبية الراسخة الثابتة الجازمة او المتعلق للفعل فتظهر علي مقتضي ذلک المرجح کالفعل الالهي فانک اذا لاحظته من جهة الحيوة و توجهت اليه سبحانه به من هذه الجهة يظهر منه اثر الحيوة و ان لاحظته من جهة الهلاک و الممات و نظرت الي هذا المعني في قلبک دائما يظهر منه اثر الممات و الهلاک و ان تفکرت الي العلم و ادمت الفکر فيه بالاتصال الي الفعل و المشية يظهر منه اثر العلم و هکذا في جميع الاحکام و المطالب يظهر فعل الله سبحانه بطلب القلب دائما و التفاته غالبا الي تلک الجهة و هذا معلوم و کذلک الحروف فانها ايضا فعل منه تعالي کما قال7 ان الله تعالي اول ما خلق الاختراع و الابتداع ثم خلق الحروف فجعلها فعلا منه يقول للشيء کن فيکون فاعتقاد کل طائفة فيها علي الوجه المخصوص في الطبيعة في جميع الحالات و جميع الاوقات بحيث لايلتفتون الي غير تلک الجهة و ذلک الوجه ابدا خصصها بتلک الطبيعة و اعتقاد الآخرين فيها خلاف ذلک الوجه خصصها علي خلافه کنور الشمس في المراياء (المرايا ظ) العديدة انظر الي التربة الشريفة الحسينية علي مشرفها آلاف السلام و التحية اذا اکلها انسان بقصد الشفاء و التبرک و اعتقاد احترامها فانها تکون شفاء له من کل داء و ان اکلها بقصد الاهانة و الاستخفاف فانها جالبة لکل مرض و سقم کما فعلت بذلک اللعين في القصة
«* جواهر الحكم جلد 2 صفحه 572 *»
المشهورة و کذلک دمه الشريف روحي له الفداء اصاب البنت اليهودية الجزماء المرضاء العمياء الزمناء فکان لها شفاء من کل داء و کل من اصابه من بنيامية و عسکر اهل العراق اورث الجذام و البرص و المرض القتال و هل هذا التفاوت العظيم الا لاجل الاعتقاد و القصد و قال7 في القرآن خذ ما شئت لما شئت و هل التخصيص بالامراض الا بالاعتقاد و القصد و قال تعالي و ننزل من القرآن ما هو شفاء و رحمة للمؤمنين و لايزيد الظالمين الا خسارا و هل هما الا بالاعتقاد انظر کيف غير الاعتقاد الواقع و لقد سمعت بان المعتاد بالافيون اعطوه شمعة سوداء مقدرة بقدره فبلعها باعتقاد الافيون و راي منها تاثيره علي الوجه الاقوي فلو بلعها من غير ذلک الاعتقاد لما اثرت ذلک الاثر البتة انظر کيف غير الاعتقاد الحکم الخارجي و لو نکح شخص اجنبية باعتقاد انها زوجته لميعاقب و اذا حصل ولد لميکن بولد زنا في الواقع و يدخل الجنة الاصلية علي التحقيق و ان کان في آخر درجاتها بخلاف ابن الزنا و امثال ما ذکرنا کثيرة يطول بذکرها الکلام و هکذا حکم الحروف فانها وجه الله تعالي في الارض و فعله تعالي في الطول و العرض فتظهر لکل احد بمقتضي اعتقاده فيها فترطب و تيبس و تسخن و تبرد و تحبب و تبغض و تزيد و تنقص و ترقق و تلطف و تصحح و تمرض و هکذا ساير التصرفات علي اوضاع مختلفة و احوال متشتتة و تظهر لکل احد علي مقتضي اعتقاده فيها في الاطوار المختلفة و الاوضاع المتبائنة و المتضادة و ليس في الواقع تضاد و لا تناقض ذلک تقدير العزيز العليم.
و اما الجواب عن الخامس و هو السؤال عن اصل هذا الاختلاف و منشاءه و علته الفاعلية و المادية و الصورية و الغائية فاعلم ان العلة في هذا الاختلاف امور منها ما قدمنا ذکره من اختلاف الطبايع و العناصر فيها و ظهور آثار تلک الطبايع جميعها فيها و تخصيصها بالاعمال عند العمل و الاعتقاد علي التفصيل الذي ذکرنا فنظرت کل طائفة الي ما وجدوا من آثار طبايعها فحکموا عليها بها دون غيرها و الکل صواب لاجتماع کل حرف علي کل الطبايع و ظهور آثارها
«* جواهر الحكم جلد 2 صفحه 573 *»
من کل واحد منها و علة وجود هذه الطبايع و العناصر حدوث هذه الحروف و قد دلت الادلة القطعية علي ان کل حادث مايحدث الا بفعل و انفعال و لايتحققان الا برابط بينهما لان المتخالفين المتعاکسين لايتصلان الا برابط موصل فحدثت من نفس الفعل لکونه حرکة ايجادية الحرارة و حدثت من الانفعال لکونه المنتهي اليه الحرکة و هو المعبر عنه عندهم بالسکون البرودة و حدثت من القبول و حفظ المنفعل اثر الفعل اليبوسة و حدثت من النسبة الارتباطية بينهما الرطوبة لانها السيلان و بها تحدث الامالة و الاجتماع و الرطوبة اذا نسبتها الي الفعل توصف بالحرارة و اذا نسبتها الي المفعول توصف بالبرودة و حرارة الفعل حيث انها حکاية عن الاسم الذي استقر في ظله فلايخرج منه الي غيره توصف باليبوسة و لما کانت هذه الجهات موجودة مستقلة في الحادث کانت لها آثار مستقلة و لاتظهر آثارها الا بمرجح و هو في الحروف التخصيص القصدي و الترجيح الاعتقادي کالجنة و احوالها.
و علة تعدد الحروف و تقطعها بثمانية و عشرين حرفا ان هذه الکيفيات الاربعة انما حصلت من وجوه ثلثة و هي الفعل و الانفعال و النسبة الارتباطية و الحاصل من المجموع سبعة و هي لاتتم کينونته الا بالاقرار بامور اربعة هي جهات الاسم الاعظم و هي لا اله الا الله محمد رسول الله9 علي اميرالمؤمنين ولي الله و الائمة الاحدعشر و فاطمة الصديقة اولياء الله و اوالي من والوا و اعادي من عادوا و اجانب من جانبوا فظهرت هذه الاربعة في کل مراتب السبعة فتحققت الثمانية و العشرون و هي کانت مطوية في النقطة في حجاب الغيب في السر المقنع بالسر في عالم الرجحان فتفصلت بالالف اللينية في العرش الاعظم و تفصلت بهذه الوجوه الثمانية و العشرين في منازل الکرسي و ظهرت في هذه الدنيا علي وفقها الا انها لابسة لباس اللفظ او الرقم فکانت اربعة عشر منها نورانية ابدا و اخري مثلها ظلمانية ابدا و منها وجودها و ظهورها في مقامات التفصيل في مراتبها و مقاماتها علي الترتيب فظهرت لها صفات عرضية و طبايع اضافية غير ما هو مستکن في ذاتها و مستجن في حقيقتها
«* جواهر الحكم جلد 2 صفحه 574 *»
اذ فيها جميع الطبايع ظاهرة بخلاف هذا المقام فان فيه ظهور بعض الطبايع دون بعض حسب اقتضاء المقام و المرتبة الاتري ان الهواء حار رطب في الطبيعة الذاتية و لکنهم يقولون ان ريح الصبا بارد رطب و ريح الدبور حار يابس و ريح الجنوب حار رطب و ريح الشمال بارد رطب و لاشک ان هذه الطبايع عرضته من جهة الجهات لا في ذاته و هو معلوم و کذلک الحروف فان لها طبايع ذاتية کما عرفت مفصلا و طبايع حصلت من جهة وقوعها في کل رتبة مثلا الالف بقسميها من اللينية و المتحرکة لکونها مبدء الحروف و اصلها و اسطقسها ظهرت فيها آثار الوحدة و المبدئية و الفعل فهي بالنسبة الي غيرها حارة يابسة لانغمارها في عالم الوحدة و خفاء حکم التثليث فيها و ظهور سر هيمنة القيومية عليها فمقامها مقام الحرارة لا غير اذ آثار البرودة و احکام الانية مضمحلة جدا و لذا اتفقوا فيما اعلم علي انها من الحروف النارية و لايشکون فيه و لماعثر علي قائل بخلافه و لا ناقل و لا محتمل و هذا لاشک فيه و لاريب يعتريه نعم الالف اللينية اشد حرارة و اعظم تحققا حتي صارت من حروف العلة بل هي الاصل فيها و غيرها انما لحقت بها من جهة مشابهتها اياها في السلامة عن شرک المخرج و ان کان اهل الحروف فيما اعلم لميثبتوا لها طبيعة و هو غلط منهم و الالف المتحرکة دونها في الحرراة و القوة لکنها بابها و وجهها لمتظهر آثارها و حرارتها الا بها.
و اما الباء فمن جهة انها مقام تفصيل الالف و انبساطها نسبتها اليها نسبة الکرسي الي العرش فظهرت فيها الاحکام التفصيلية فصارت مبدء صور الحروف و العلة الصورية لها کانت باردة يابسة لکونها حاملة لآثار الالف و محلا لها کما قال النبي9 ظهرت الموجودات من باء بسم الله الرحمن الرحيم رواه ابن ابي جمهور الاحسائي في المجلي و لونها السواد لانها مقام الکثرة و فيها البرودة لوجود الصورة التي هي مقام الانية و الماهية و ان کانت طيبة طاهرة في هذا المقام و من جهة الصور المتکثرة المتعاورة المتناسبة اما بالمواجهة او بالمناکرة المستدعية لکثرة الروابط المستلزمة للرطوبة کانت
«* جواهر الحكم جلد 2 صفحه 575 *»
باردة رطبة و وجه البرودة ماذکرنا آنفا و من جهة انها مظهر للالف و قيوميتها و هيمنتها علي ساير الحروف انما تظهر فيها و هي حاملة لولايتها حاکمة من قبلها فباعتبار ان لها مقام اليدية لتکون بالنسبة اليها کالحديدة المحماة بالنار کانت حارة يابسة علي طبع الالف کما ان الشمس تستمد من الکرسي لکونه يدا للعرش لا لکونه هو بخلاف القمر فلاتستمد الشمس من احکام التفصيل التي في الکرسي بل استمدادها من احکام الاجمال الذي في العرش يوصل اليها بالکرسي فکذلک الباء حرفا بحرف و باعتبار تعلق آثار الالف بالباء و ارتباطها بها لافاضة نفسها و غيرها کانت حارة رطبة و لونها الصفرة اما الحرارة فقد اکتسبتها من الالف.
و اما الرطوبة فحصلت من حکم الارتباط بالتعلق و النسبة انظر کيف تحققت الطبايع الاربعة بالوانها في الباء في مقام الاضافة دون الذات فمن نظر الي الجهة الاولي حکم عليها بانها ترابية ادني العناصر و ان کانت في الترتيب مقدما کما قلنا في البروج و من نظر الي الجهة الثانية حکم عليها بانها مائية فيجري عليها احکام الحروف المائية و من نظر الي الجهة الثالثة بالاعتبار الاول حکم عليها بانها نارية و من نظر اليها بالاعتبار الثاني حکم عليها بانها هوائية و ادرجها من جملتها و هکذا باقي الحروف اختلفت طبايعها و احوالها بالنظر الي جهاتها و اضافاتها و نسبها و اوضاعها فالجيم مثلا من جهة انها حکاية الالف في ظهور التثليث يصح انيحکم عليها بالنارية و من حيث انها حاصلة بميل الالف علي الباء و فيها ذکرهما فمن جهة العليا يصح انيحکم عليها بالهوائية و من جهتها السفلي المتصلة بالباء يصح انيحکم عليها بالترابية و من جهة ان هيئتها هيئة القعود و الجلوس فلها حالة ارتباطية يصح انيحکم عليها بالمائية و هکذا حکم الدال فحکم علي کل حرف باعتبار مقامها و جهات وقوفها و حدودها حکمها فاجري الله سبحانه حکم تلک الجهة عليها کما تقدم فان الله عز و جل عند ظن کل امرء لاسيما في الحروف التي هي من عالم القدس و مقام الانس و بها ظهور الفعل بل هو الفعل التدويني بل التکويني و لايسعني الکلام في هذا
«* جواهر الحكم جلد 2 صفحه 576 *»
المقام اکثر من هذا و من هنا ايضا جري الاختلاف في اوضاع الحروف بل في اوضاع العالم.
و منها نسبة الحروف في الطبيعة الي متعلقاتها فانا قد ذکرنا لک سابقا ان کل حرف من الحروف منسوبة الي کلية من کليات العالم العلوي و السفلي علي ما هو المفصل في کتبهم و المشروح في تصانيفهم و زبرهم و انا في السفر لميحضرني کتبهم حتي انقش لک تلک التعلقات لکنک بالتتبع في الکتب مثل فتوحات ابن عربي و شمس المعارف للبوني و کتاب السر المنير الذي له في هذا العلم خاصية الاکسير و ساير کتبهم تعثر عليها فتنسب کل حرف الي متعلقاتها في طبيعتها و مزاجها و مرتبتها و ساير احکامها و ان خالف الجهات المذکورة بالنوع و الاعتبارات المسطورة بالاشارة و هذا ايضا باب واسع نافع في ترتيب الحروف و ترکيب اوضاعها و احوالها.
و منها ملاحظة صفات الحروف و احوالها من الشدة و الرخاوة و القلقلة و الاطباق و الاستعلاء و الاستفلاء و المهموسة و المجهورة و حروف الحلق و الوسط و الشفة و ساير صفاتها فيثبتون لکل حرف باعتبار کل صفة مايناسبها من الطبيعة و المزاج و الرتبة و غير ذلک فافهم ثبتک الله و ايانا بالقول الثابت و هديک الله و ايانا بالقول الثابت و هديک الله و ايانا الصراط المستقيم و اهل هذا الفن و ان کانوا لايعلمون هذه الحقايق و النکات و الدقايق و العلل و الاسباب اذ لو علموا لمااختلفوا و لماانکر بعضهم علي بعض و لکن الانبياء: رتبوها علي تلک الاوضاع و جعلوا تلک الطبايع علي اختلاف احوالها فاختصت کل طائفة بترتيب منها و بني العمل عليه.
و اما العلة الفاعلية في ذلک فرؤوس المشية المتعلقة بتلک الجهات و الحدود و المقامات فان الحادث لابد له من تعلق الفعل به و تلک الجهات انما حصلت بالمشية اذ لايکون شيء في الارض و لا في السماء الا بسبعة بمشية و ارادة و قدر و قضاء و اذن و اجل و کتاب انما قلنا رؤوس المشية فان المشية نفسها لاتتعلق بالاختلاف و انما هي واحد من الواحد تتعلق علي واحد و تتعلق
«* جواهر الحكم جلد 2 صفحه 577 *»
بالجهات المختلفة بوجوهها و رؤوسها کتعدد الصور الموجودة في المراياء (المرايا ظ) بتعدد الالتفاتات و المقابلات اذ لولاها لماتعددت و الوجه في الجميع واحد و هذه المقابلات و الالتفاتات هي مرادنا برؤوس المشية و وجوهها و ليعلم ان هذه الرؤس و الوجوه صفة لرؤس المشية و وجوهها المتعلقة بالذوات و الکينونات لانها صفة لها و صفة الصفة صفة و لابد من التطابق بين المتعلق و المتعلق و ذلک معلوم واضح انشاءالله و يجوز لک ان يراد بها الناظرون الي تلک الجهات و الملتفتون الي تلک الاعتبارات و قد ذکرنا لک ان اولئک هم الانبياء: عن الوحي الالهي فقد خصصوا کل حرف بکل طبيعة باعتبار مرجح من المرجحات التي ذکرنا و الاول هو الاصل و الثاني هو الاقرب الي الافهام.
و اما العلة المادية فهي نفس تلک الجهات الموجودة و الاعتبارات المستقلة الحقيقية فانها اصل لهذه الانظار و الاعتبار فان لها عموم بالنسبة الي الخصوصيات او هي نفس الحروف من حيث هي هي علي حقيقتها و الاول هو الاولي و الاقرب و الثاني هو الابعد و ان کان هو الاقرب الي الافهام و مدارک الاحلام.
و اما العلة الصورية فهي في الحقيقة توجه القلب و النظر و القصد علي جهة الثبات و الرسوخ الي تعيين تلک الطبايع لتلک الحروف علي تلک الجهة فان ذلک علة بالتخصيص و اظهار الاثر الخاص في الطبيعة الخاصة لما ذکرنا من ان دوام التوجه و الالتفات الي الشيء من جهة خاصة علي وجه خاص جاذب لتلک محکم علي ذلک الوجه الخاص و ان ضعف اعتباره في ظهوره بنفسه لولا هذا الالتفات و لذا قال7 احسن الظن و لو بحجر فان الله يلقي الخير به اليه و قال7 ان الله عند ظن کل امرؤ و بعبارة اخري تخصيص کل حرف بطبيعة خاصة او بحکم خاص بجهة خاصة هي العلة الصورية في هذا الاختلاف و هذا لتخصيص مسبب عن ما ذکرناه من القصد و الاعتقاد و الالتفات فافهم.
«* جواهر الحكم جلد 2 صفحه 578 *»
و اما العلة الغائية في هذا الاختلاف فهي اظهار القدرة الکاملة و الحکمة البالغة و سعة العلم للمؤمنين الممتحنين و بيان الاسرار المودعة في الاشياء و الاشارة الي ان الاشياء معتدلة الطبايع قوية الترکيب تامة التاثير يفعل کل منها بطبايع متضادة افعال متضادة من غير تعارض بين تلک الطبايع و المبادي لامتثالها لامر ربها و خضوعها عند باريها و منشيها و مقهوريتها تحت هيمنة قيومها و قوة شعورها و ادراکها و انها اذا امرت امتثلت و اذا دعيت اجابت و اذا طلبت سلمت و انقادت لتصفيتها عن الاعراض و الغرائب و تخليصها عن الاکدار و الشوائب و ان الله تعالي يعطي بقدر و يمنع بقدر و ان المقبل المتوجه اليه الماحي نفسه في اعتبار مطلوبه ينال مقصوده و ان بعد بحسب الاسباب الظاهرية المنال و عز من جهة الامور الخارجية الوصال و هو الولي سبحانه في المبدء و المئال و لان الاختلاف لابد منه في هذا الوقت الذي قد مد الجور باعه و اسفر الظلم قناعه و دعي الغي اتباعه فلبوه من کل جانب و مکان و اجابوه من کل ناحية و مکان و صار الامر موکولا الي الرأي و الاستحسان لا موقوفا بتوقيف امناء الرحمن و ضعف اصحاب الحق و قل ارباب الصدق و قال عز من قائل اشارة الي هؤلاء و قليل من عبادي الشکور فلابد من الاختلاف لتحصيل الايتلاف مع اولئک الاراذل الاجلاف لتسلم نفوسهم و لذا قالوا: نحن اوقعنا بينکم الخلاف و قال الرضا7 راعيکم الذي استرعاه الله امر غنمه اعلم بمصالح غنمه ان شاء جمع بينها لتسلم و ان شاء فرق بينها لتسلم و هذا الاختلاف مبدءه منذ قتل قابيل هابيل و منتهاه الي ظهور مولانا القائم المنتظر عجل الله فرجه و عليه السلام و بعد ظهوره7 ترجع الحروف من الاختلاف الي الايتلاف و يفعل کل منها فعل کل الطبايع و ينسب اليها کما هو شأن الجنة و احوالها و اطوارها و مرادي برجوع اختلاف الحروف الي الايتلاف ظهور الامر هناک لکل احد فان العلم ذلک اليوم ينبسط علي کل احد بحيث يستغني کل احد عن علم صاحبه کما قال عز من قائل يغن الله کلا من سعته فيظهر لهم ان لا اختلاف و لا تناقض و لا تضاد و قد کانت هذه الطبايع تجري في الحروف و
«* جواهر الحكم جلد 2 صفحه 579 *»
لکن اکثر الناس لايعلمون و الا فاهل الحقيقة و البصيرة من الشيعة المخلصين يظهر لهم الآن ما سيظهر للکافة ذلک اليوم قربه الله و شرفنا به بمحمد و آله الطاهرين صلي الله عليهم اجمعين.
و اما الجواب عن السؤال السادس و هو انه علي تقدير عود الاختلاف الي الامر الواحد فما السبيل في التطبيق بين عوالم الحروف و الاسماء و بين عوالم المسميات اما عود الاختلاف الي الامر الواحد فقد مر الکلام فيه و الواحد في الحروف النقطة ثم الالف اللينية ثم الالف المتحرکة و الحروف کلها ناشئة اما من صفاتها الذاتية او صفاتها الفعلية و ساير شؤناتها الحقيقية و المجازية و الحق عندي ان الحروف حدود ذاتية للالف اللينية و شئون حقيقية لها تتکون عنها تکون القشر من اللب و تکون الفرع من الاصل و تکون الصفات الذاتية من الموصوفات کما تکونت الشجرة من الحبة و النواة و تکون الانسان من القلب و هکذا و ربما نقول ان الحروف من الشؤنات الفعلية العرضية للالف و مرادنا منها الالف المسطورة في اللوح المحفوظ و ام الکتاب المشار اليه في قوله تعالي و انه في ام الکتاب لدينا لعلي حکيم و الواحد في هذه الاختلافات نفس الحروف من حيث هي هي فانها موصوف لجميع هذه الصفات و مرجع لهذه الاختلافات بحسب طبايعها و مواقعها و مراتبها و اطوارها و اکوارها و ادوارها و حرکاتها و سکناتها و کل هذه دوائر تدور علي کل حرف و هي مرکزها و قطبها و المديرة لدوايرها و مداراتها في کل بحسبها علي ما اشرنا الي نوع منها فان هذه الحروف بحسب اجابتها في عالم الذر الاول و اقرارها بولاية الولي المطلق اعطاها الله سبحانه ولاية و قيومية و اقتضاءات تظهر بها بما جعله الله تعالي فيها و هي مرکز لها بل قطب تدور عليها.
و اما عوالم الحروف و عوالم الاسماء و المسميات فاعلم ان عوالم الحروف کلياتها خمسة حروف معنوية و حروف فکرية و حروف عددية و حروف لفظية و حروف رقمية.
اما الحروف المعنوية فعلي قسمين حروف کلمة عالم الامر و حروف
«* جواهر الحكم جلد 2 صفحه 580 *»
کلمة عالم الخلق و الثاني علي قسمين حروف الکلمة العليا و حروف الکلمة السفلي و مجموعها في سلسلتين الصعودية و النزولية فتلک اربعة عشر السبع المثاني و القرآن العظيم اما الحروف المعنوية فحيث ان العالم الامکاني کله کلمة صدرت عن فعله تعالي بنفسه کانت اجزاء العالم و احواله کلها حروف تلک الکلمة صدرت عن المبدء الاعلي و هي الالف الصادرة عن النقطة و کلياتها ثمانية و عشرون کما نفصل لک فيما بعد انشاءالله تعالي و هي مبادي الموجودات الکونية في قوس النزول و الصعود و لما کان العالم ينقسم الي عالم الامر و عالم الخلق و عالم الامر هو عالم الوجود المطلق اي عالم المشية و الاختراع و الابتداع و عالم الخلق هو عالم الوجود المقيد کانت الحروف ايضا علي قسمين اما حروف عالم الخلق فقد مرت الاشارة اليه.
و اما حروف عالم الامر فهي ايضا ثمانية و عشرون لان ذلک العالم ظهر في اربعةعشر قصبة الياقوت و حجاب اللاهوت و لکل منها وجهان هما منشأ حرفين الوجه الاعلي الوجه الاسمي الوجه الثاني الاسفل الوجه الفعلي فذلک تمام الثمانية و العشرين.
و اما الخمسة الاحرف الاخر التي تحججت فهي مراتب ميادين التوحيد و مواقع التفريد و هي خمسة مقام الباطن و مقام الباطن من حيث هو باطن و مقام الظاهر و مقام الظاهر من حيث هو ظاهر و مقام الظهور و شرح هذه الاحوال لايسعه المجال و لايساعده الاقبال لاشتغال القلب بمعانات الحل و الارتحال و لو کان لي مجالا واسعا و قلبا متسعا لارخيت عنان القلم في هذا الميدان و لاظهرت من غرائب الاسرار مالايطيق لحملها جنان و لکني لفي واسع العذر عند من کان له عينان والله المستعان و عليه التکلان و قد نطلق الحروف في عالم الامر و نريد بها الجهات المتکثرة الحاصلة في المرتبة الثالثة من مراتب الفعل و هي مقام السحاب المزجي سر السر و باطن الظاهر.
و اما حروف السلسلة الطولية فهي ماتقدم من مقام المنير و النور و نور
«* جواهر الحكم جلد 2 صفحه 581 *»
النور و نور نور النور و هکذا الي ثماني مراتب او الي ما لانهاية له کما تقدمت الاشارة اليه عند ذکر مراتبها.
و اما حروف سلسلة الارضية (العرضية ظ) فهي حروف کل مرتبة في مقامات کثرتها و مراتب تفصيلها.
و اما الحروف الفکرية فهي اشباح نورية و هياکل قدسية نزلت من اللوح المحفوظ الي فلک البروج و منها الي نفس فلک عطارد و منها الي مديره و خارج مرکزه و منه الي تدويره فحملتها الملائکة الثلاثة سيمون و شمعون و زيتون فانزلتها باعوانها من الملائکة الجزئية الي القوي الخيالية و الفکرية فنقشتها فيها باقلام من النور و مداد من عالم السرور بايادي قوية ما لهن فتور و تلک الاشباح علي هيئات عالمها کما في هذا العالم و ظهرت مقطعات علي مقتضي مرتبتها في کينونتها ثم ترتبت علي اوضاع مختلفة و اطوار متشتته فصارت تصدر عنه الآثار الغريبة و الافعال العجيبة و الاحکام البديعة و عنه مبدء علم السيميا و مايتعلق به من انحاء الشعبدة و غيرها کما هو المعلوم عند اهل هذا الشأن.
و اما الحروف العددية فهي قوي الحروف و ارواحها و اعدادها و هي اما نفس الاعداد او حروفها مثلا احمد الالف واحد و ا ح د و الحاء ث م ان ي هـ و الدال ا ر ب ع هـ و هذه الحروف هي ارواح الحروف و قواها و ذواتها و کينوناتها يرسمون حروفها في اعمالهم و تظهر منها آثار عجيبة و افعال غريبة او نفس الاعداد في انفسها کما هو مقتضي علم الاوفاق و مشاهدة علم الآفاق و هو علم واسع و عندهم ان احسن الاوفاق و اشدها تاثيرا و اقربها الي حصول المطلوب الوفق الطبيعي و هو علي طبق الحروف المعروفة و الحروف العددية اشد تاثيرا من الحروف اللفظية قطعا بل و من الحروف الفکرية علي وجه بعيد بطور سديد و کتمان اسرار علم الاوفاق مما ينبغي بل يجب لان النفوس امارة بالسوء الا ما رحم فمن وفقه الله تعالي و علمه هذا العلم فهو في احد الجانبين من القرب المفرط او البعد المفرط ليکون من قبيل قوله تعالي و لايحسبن الذين
«* جواهر الحكم جلد 2 صفحه 582 *»
کفروا انما نملي لهم خير لانفسهم انما نملي لهم ليزدادوا اثما و لهم عذاب مهين.
و اما الحروف اللفظية فهي حقايق الهية کانت تحت حجاب الواحدية فنزلت بانحاء التنزل الي الذوات و الحقايق و الکينونات فظهرت عنها بتاثيرها بالمقابلة الي وجه المقصود في عالم الشهود فاثرت المقابلة في محالها و مواقعها و مراتبها في قوابلها و هيئاتها و استعداداتها فتمت و تحققت و تحصلت بجزئيها اي المادة و الصورة فالمادة هي جهة المقابلة و الصورة هي الحدود و القابلية علي هيئات الحروف الخاصة و اوضاعها المعينة و لما کانت هذه الآثار من عالم الغيب لکونها من آثار عالم الغيب فلابد من ظهورها و بروزها في عالم الشهود من محل و مظهر فحلت و تقومت بالهواء تقوم الصورة الشبحية في الزجاجة فان المرآة ليست نفس الزجاجة و انما هي حاملها و مظهرها و شارحة آثارها و مفصلة احکامها کما حققناها في ساير مباحثاتنا و اجوبتنا للمسائل فالهواء حامل لتلک الحروف لا مادة لها کما هو المشهور عندهم و المعروف لديهم و هذه الحروف لابد لها من تقطيع المخرج و توسط الهواء و تاثير هذه الحروف معلوم مشهور فان اللفظ جاذب المعني و الحقيقة و لها احکام حسب تصاريفهم و ترتيباتهم و اوضاعهم لايناسب ذکرها لهذا المقام و ليست من موضع السؤال.
و اما الحروف الرقمية فهي صور المنقوشة و الهيئات المستورة و الاشباح الخارجة المتفرقة بمادة ما من المواد التي تصلح لها و هي مرتبة بترتيبات مختلفة و اوضاع متفاوتة من تقديم و تاخير و غير ذلک و ماذکره اهل الحروف من انحاء البسط و التکسير و الجمع و التفريق و المزج و التمييز و التوفيق و التطبيق و ساير القرانات و الحالات و احکام الاسولة و الاجوبة في التصاريف الجفرية و ساير الاحکام من التحبيب و التفريق و التغليظ و الترقيق و المعادات و التوفيق و المنافرة و التجذيب و التغمير و التبعيد و التقريب و ساير تصرفاتهم و الصحة و المرض و الزکاء و البلادة و الفهم و الحمق و الزيادة و النقصان و القوة
«* جواهر الحكم جلد 2 صفحه 583 *»
و الضعف و الحرارة و البرودة و الصفاء و الکدورة و الکسل و النشاط و الرطوبة و اليبوسة و الحلاوة و الحموضة و المرارة و التفاهة و الاعوجاج و الاستقامة و النعومة و الخشونة و الکثافة و اللطافة و الادبار و الاقبال و قوة العقل و تبلبل البال و غيرها مما ذکروه من سائر تصرفاتهم في الکائنات و اطوار الموجودات کل ذلک من خواص آثار الحروف الرقمية لان هذه الصور مراياء لاستجذاب الفيوضات المشرقة من صبح الازل بتقدير لميزل و هذا لا اشکال فيه و لاريب يعتريه و اما آثار الحروف المتقدمة و تاثيراتها فلميذکروا منها الا شيئا قليلا اذ لميعثروا علي اسرارها و لميستخرجوا کنوزها من خبايا زواياها الا شرذمة قليلون هم ما کتموه اکثر مما ذکروا و هذه المراتب التي ذکرنا و المقامات التي سطرنا هي کليات عوالم الحروف و کل عالم مشتمل علي ثلثة و ثلثين حرفا ثمانية و عشرون منها ظاهرة و خمسة منها تحححت (کذا) لايسعها التعبير و لايقع في السطور بالتسطير کما قال مولانا الرضا صلوات الله و سلامه عليه و علي آبائه و امنائه في حديث عمران الصابي و نحن اشرنا الي شيء منها اي من الخمسة في شرح ذلک الحديث الشريف تبعا لشيخنا و استادنا اعلي الله مقامه و رفع في الدارين اعلامه و شرح تلک الحروف لايسعه المقام فليطلب في ساير رسائلنا ثم ان هنا عالم آخر للحروف ظلماني اصلها في اسفل السافلين منقوشة في کتاب سجين کتاب الفجار و هي ثمانية و عشرون حرفا منکوسا و هي ايضا تنقسم الي فکرية و عددية و لفظية و رقمية و معنوية علي اقسامها و اطوارها و اکوارها و ادوارها و اوطارها و غيرها من احوالها و اوضاعها و ساير احکامها.
و اما عوالم الاسماء ففي القسمة الاولية عالمان عالم الاسماء اللفظية و عالم الاسماء المعنوية و کلاهما علي قسمين احدهما الاسماء الحسني و ثانيهما الاسماء السوءي و ماسوي الاخير ينقسم الي الاسماء الالهية و الاسماء الامکانية الحادثة و الاسماء الالهية علي قسمين احدهما الاسماء الحسني المشهورة و هي تسعة و تسعون اسما و ثانيهما باقي الاسماء
«* جواهر الحكم جلد 2 صفحه 584 *»
الالهية و تنقسم ايضا الي قسمين اسماء عظام و غيرها اما الاسماء اللفظية فهي المؤلفة عن الحروف المتحصلة بالقرع و القلع و القمع عن الالف الاولية اللينة.
اما الاسماء المعنوية فهي اسماء الفاعل المشتقة عن المصدر المشتق عن الفعل فان اسم الفاعل انما يحصل من المصدر المتحقق من الفعل فان الفعل لما اظهر اثره حصل المصدر فلما حصل المصدر ظهر الفعل بالفاعل فوجد و اشتق اسم الفاعل و هو حقيقة ذاتية متأصلة تدل علي المبدء الفاعل دلالة اقوي من الدلالة اللفظية فذلک هو الاسم اي اسم الفاعل المعنوي الذاتي فالاسماء الالهية هي الربوبية الحادثة المودعة في حقايق الکائنات و ذوات الموجودات من الذوات و الصفات علي ما قال7 فالقي في هويتها مثاله فاظهر عنها افعاله و قال7 العبودية جوهرة کنهها الربوبية و هي الربوبية الحادثة التي هي صفة الربوبية القديمة فافهم و الاسماء الخلقية المعنوية هي و ادلة الاثر من حيث هو کذلک علي مؤثره بما جعله فيه من آية ذاته و مثال حقيقته التي هي صفة کينونته في ظهور افعاله و آثاره کالشعاع الذي هو دليل و اسم للشمس و المرآة التي هي دليل و اسم للمقابل و ساير الآثار کالکتابة و الکلام و القيام و القعود الدالة علي مباديها و مؤثراتها و قد قال مولانا اميرالمؤمنين7 الاسم ما انبأ عن المسمي هـ ، و الانباء اعم من انيکون ذاتا او صفة او لفظا او غيرها فافهم.
و الاسماء العظام المعنوية هي ما اشار اليه الحجة المنتظر عجل الله فرجه و روحي له الفداء في دعاء شهر رجب و مقاماتک و علاماتک التي لا تعطيل لها في کل مکان يعرفک بها من عرفک لافرق بينک و بينها الا انهم عبادک و خلقک فتقها و رتقها بيدک بدؤها منک و عودها اليک اعضاد و اشهاد و مناة و اذواد و حفظة و رواد فبهم ملأت سمائک و ارضک حتي ظهر الا اله الا انت الدعاء، فکل اسم من الاسماء المعنوية المذکورة لها هيمنة و استيلاء علي ما تحته من الاسماء فهو الاسم الاعظم فان کان في الظهور في عالم الجبروت اي في مبدءه فذلک هو
«* جواهر الحكم جلد 2 صفحه 585 *»
الاسم الاعظم الاعظم الاعظم و الذکر الاجل الاعلي الاعلي الاعلي و ان کان في الظهور في مبدء عالم الملکوت فذلک هو الاسم الاعظم الاعظم و ان کان في مبدء عالم الملک فذلک هو الاسم الاعظم و الذکر الاعلي فافهم ثبتک الله و فهمک.
و الاسماء الحسني المعنوية هي الذوات الملکوتية التي تحکي جهة من الجهات الکمالية کالظاهر بالعلم و القدرة و العظمة و الجلال و الکبرياء و القدس و السبحان و ما اشبه ذلک من صفات الکمال و شرح تفاصيل هذه الکلمة من الامور التي نهينا عن ذکره مع ان کلياتها و مجملاتها عندهم مسلمة مقبولة و قد قال7 لاتتکلم بماتسارع العقول الي انکاره و ان کان عندک اعتذاره و ليس کلما تسمعه نکرا اوسعته عذرا الا انک تعرف من قوله7 لما قيل له انک متکبر لست متکبرا و لکنه ظهرت کبرياء الله فيّ فظنت اني متکبر هـ ، نوع ما اردنا من هذا المقال فانه قد شرح الحال علي احسن المنوال و الله المستعان.
و الاسماء السوءي المعنوية هي ذوات خبيثة و مرکبات مسخوطات صيغت من ظلمة الانکار في مهاوي درکات السجين في کتاب الفجار و کل حقيقة تحکي رتبة ضد ما في الاسماء الحسني علي مقدار ما اودع فيه من قاعدة مخروط الظلمة من احکام الانکار التي اوجبت ظهور ذلک الاسم السوء للمسمي السيء القبيح الخبيث المنکوس و هو قوله تعالي ناکسوا رؤسهم عند ربهم فمن حاک للحرمان و من حاک للطغيان و من حاک للشقاق و من حاک للنفاق و من حاک للفقر و من حاک للخذلان و هکذا الي ما لانهاية له من مراتب الظلمات و احکام الانيات و هذه کلها اسماء لحقيقة واحدة خبيثة نجسة في اصل سجين في طمطام و عنها تشعبت هذه الظلمات و عنها تشيئت هذه الماهيات الخبيثات و هي التي تؤل اليها المعاصي و ترجع اليها الشرور و القبايح و تلک الحقيقة الواحدة قد تشعبت الي اثني عشر شعبة ائمة ضلالة يدعون الي النار اصلهم المنکر الاول و هو اصل الاجمال و عنده سر الاحوال ثم دونه مظهر
«* جواهر الحكم جلد 2 صفحه 586 *»
تفصيله و شرح اجماله و معدن اجلاله و فيه جري تاويل قوله تعالي و قال فرعون يا هامان ابن لي صرحا لعلي ابلغ الاسباب اسباب السموات فاطلع الي اله موسي و اني لاذنه کاذبا فکني لذلک ابو الشرور کما ان الاول کني ابوالدواهي اذا اردت انيظهر لک بحقيقته بحيث لايخفي عليک شيء من ذلک فتدبر في قوله7 في الزيارة الجامعة ان ذکر الخير کنتم اوله و اصله و فرعه و معدنه و مأويه و منتهاه و انظر في الجهة المقابلة فقل ان ذکر الشر کنتم اوله و اصله و فرعه و معدنه و مأويه فالشرور کلها اسماء لذلک الشرير الخبيث الاول الملعون في کل ذرات الوجود من الغيب و الشهود و هو المسمي لتلک الاسماء کلها و الحقايق العرضية الظلمانية المعوجة الباطلة باسرها و کلها منه و عنه و اليه و لذا قال له ابليس في الحديث المشهور عند اهله بعد ما سجد له ما سجدت الا لک و لا عبدت الا اياک و لاتوجهت الا اليک و کان ابليس (لع) اعظم الاسماء السوءي لذلک المسمي الخبيث الملعون و هو مظهر الجهل الکلي و الجهل اعظم من ابليس في مقام الاسمية فهو الاسم الاعظم الاعظم من الاسماء السوءي و نسبة الجهل الکلي الي الجاهل الکلي نسبة العقل الکلي الي العاقل الکلي و هو قوله عز و جل و البلد الطيب يخرج نباته باذن ربه و الذي خبث لايخرج الا نکدا فافهم الکلام و علي من يفهم السلام.
و اما عوالم المسميات فاعلم ان المسمي باعتبار الاطلاق علي قسمين احدهما مايطلق و يراد به الموضوع له الاسم و المدلول عليه بالاسم و هو المشهور المتداول علي السنة الناس من العوام و الخواص و ثانيهما مايطلق و يراد به متعلق الاسماء الالهية التي هي الربوبيات في تلک المربوبات من قوله7 العبودية جوهرة کنهها الربوبية الحديث، و من قوله7 علي ما رواه في الغرر و الدرر فالقي في هويتها مثاله فاظهر عنها افعاله و تلک الامثال و الربوبيات هي الاسماء الحسني الالهية المعنوية و متعلقها و حاملها و مظهر آثارها و محل شئونات اطوارها هو المسمي بالمسمي عند اهل التحقيق و لکل منهما عوالم کثيرة.
«* جواهر الحكم جلد 2 صفحه 587 *»
اما الاول فعوالمه لاتحصي کثرة کما هو المعلوم لان کل ماخلقه الله سبحانه و ذرءه و برءه له اسم يدل عليه و هو المسمي بذلک و عوالمه کثيرة و اکثر ماورد في الاخبار مما وقفنا عليه الف الف عالم و الف الف آدم الا ان الذي ظهر لي من اعداد کلياتها تسعة و عشرون الف الف و تسعمائة و تسعون الف و ثمانية و ثمانون عالما فعلم ان ما في الحديث بيان الکليات الاضافية لا حصرها کما ورد اقل من ذلک.
و اما الثاني فعوالمه الکلية ثمانية و عشرون عالما کما اشرنا اليه في ما تقدم و نشير اليه فيما بعد انشاءالله تعالي و لکنک اعلم ان عالم المسمي بالمعني الاول له عوالم اخر مخفية غير ظاهرة مستترة تحت شعاع الذات اي حقيقة المسمي کما قيل ان الذات غيبت الصفات و الاشارة اليها علي جهة الاجمال هي انک اذا ذکرت زيدا و دلک هذا للفظ الاسم علي المسمي الذي هو العين الخارجة فبين هذه الدلالة و بين تلک العين مقامات و عوالم:
احدها العين الخارجي المقصود بالاسم.
و ثانيها الشبح المنفصل من تلک العين و الحقيقة المسمي بالظهور عندنا.
و ثالثها الشبح المنفصل من الشبح المنفصل الذي في اللفظ و هو الدليل و المدلول و بعبارة اخري هو الدليل علي الدليل علي الدليل علي المدلول فافهم الاشارة فانها سر غامض فهمک الله و سددک.
و اما التطبيق بين عوالم الحروف و الاسماء و المسميات فانظر في هذا الجدول فانه کافل لحقيقة البيان و الله المستعان.
«* جواهر الحكم جلد 2 صفحه 588 *»
جدول
«* جواهر الحكم جلد 2 صفحه 589 *»
اعلم ان ماذکرناه من سر التطبيق هو التطبيق بين عوالم الحروف لمراتبها المذکورة المتطابقة و بين عوالم الاسماء الالهية من اللفظية و المعنوية و المسميات بالمعني الثاني.
و اما التطبيق بين عوالم الحروف و الاسماء و المسميات بالمعني الاول فقد ذکرنا في کثير من رسائلنا و اجوبتنا للمسائل بل وضعنا رسالة منفردة في اثبات المناسبة بين اللفظ و المعني و الاسم و المسمي و اقمنا عليه براهين قطعية من العقلية و النقلية و ذکرنا ان ذلک هو المعروف من مذهب اهل العصمة و الطهارة سلام الله عليهم و المعروف عند جميع من عاصرهم من جميع الفرق من اهل الملل و النحل بحيث لايتناکرون و لايختلفون و ذکرنا ان الاسم علي طبق المسمي و علي هيئته و صفته بحيث لو ظهر لک بصورته لظهر علي صورة المسمي بحيث لافرق بينه و بينه الا انه اسمه و صفته.
و اما سر هذا التطبيق و معرفة کيفيته فلاسبيل للعقول الجزئية الي ادراکه و تفصيل مراتبه فان ذلک يستلزم معرفة جميع القرانات الحرفية و الاوضاع الاسمية و الفعلية و اقتضاءاتها و لوازمها و شرائطها و کيفياتها و متمماتها و مکملاتها و سائر مالها و عنها و بها و منها و فيها و اليها و لديها و عندها بجميع التفاصيل و اني لهذه العقول الغير المسددة بعمود النور و ادراک تلک التفاصيل الغيبية الاوضاع الالهية و من هذه الجهة انکروها و قالوا بعدم المناسبة جريا علي ما قال عز و جل بل کذبوا بما لميحيطوا بعلمه و لمايأتهم تأويله و قوله عز و جل و اذ لميهتدوا به فسيقولون هذا افک قديم و الاشارة الي مجمل الامر ان الواضع سبحانه و تعالي مرة ينظر الي مطابقة ظاهر اللفظ مع ظاهر المسمي کالنار فان الاصل فيها الالف و هو حار يابس کمسماه و اقترن بالنون التي من حروف اليبوسة و البرودة في جانب اليمين و بالراء التي هي من حروف البرودة و الرطوبة و لکنهما لايعارضان الالف لانه من حروف المرتبة و النون من حروف الثانية و الراء من حروف الثالثة و هما مضمحلان عند سلطان الحرارة و قرانهما دليل عدم مفارقة هذه العناصر بعضها عن بعض و الاسم و
«* جواهر الحكم جلد 2 صفحه 590 *»
الحکم للغالب المستولي و مرة ينظر الي ظاهر اللفظ و الاسم فيطابقه مع باطن المعني و المسمي کالماء فان الحروف ظاهره کلها نارية و الحرف الاوسط کالنار في مقام المرتبة منها و طرفاها ناريتان کما هو الظاهر مع ان ظاهر المسمي بارد رطب سيال و اللفظ حار يابس جامد فالنظر في هذا المقام الي مقام الباطن و هو الماء الذي به حيوة کل شيء و ذلک الماء هو محل المشية و موضع الارادة و الرسالة و طبعه طبع الفاعل و اضمحلت فيه جهة القابل فغلبت جهته العليا علي جهته السفلي فنال الاسم الاعلي فلما اقترن بالقوابل و امتزج بالهياکل في مقام الادبار العرضي لحقته الرطوبات العرضية و البرودات الغريبة فغاب ذلک الباطن في هذا القشر الظاهر و خفي نوره و استتر ظهوره فظهر بالبرودة و الرطوبة فلولا هذا الاسم لما عرفت حقيقة المسمي فروعي الباطن لوضوح الامر في الظاهر و لذا کان لفظ البرد جميع حروفه باردة فان الراء التي هي الاصل في الثالثة من الماء و الطرفان فالباء التي من جانب اليمين هي حرف المرتبة في التراب و الدال التي من جانب اليسار هي حرف المرتبة في الماء فجمع هذه اللفظ البرودة الترابية و البرودة المائية و ذلک هو المطلوب.
و اما الماء فحيث کانت اللطيفة السارية التي هي علة النفوذ و بها القوة الدافعة المستجنة فيه فلو روعي ظاهره لميظهر سر باطنه فافهم و کم من خبايا في زوايا و تعيها اذن واعية و مرة يلاحظ مرتبة المسمي و مقامه و لايلاحظ طبيعته و مادته کما في اسمي محمد و علي فان الاول روعي فيه التربيع في المادة و الصورة اما المادة فان حروفها کلها لها مخارج الربع فالدال ربعها واحد و الميم ربعها عشرة و الحاء ربعها اثنان و اما الصورة فهي اربعة احرف علي هيئة مرتبة من تقديم و تاخير فهي ايضا الشکل المربع بل هو اول مقام حدوثه و الجمع و التاليف و الاجمال و الوحدة هو مقام النبوة و الثاني روعي فيه جهة التثليث في المادة و الصورة اما المادة فاصلها اللام و لها مخرج الثلث و اما العين فان لميکن لها ثلث فليس لها ربع ايضا کالياء و اما الصورة فاني ثلاثي مبدء الشکل المثلث و مقام الفناء و الاضمحلال و التفرقة و الاختلاف و لذا قال رسول الله 9
«* جواهر الحكم جلد 2 صفحه 591 *»
ما اختلف في الله و لا في و انما الاختلاف فيک يا علي و قال عز و جل عم يتساءلون عن النبأ العظيم الذي هم فيه مختلفون و قال اميرالمؤمنين7 اي آية اکبر مني و اي نبأ اعظم مني و هکذا ساير الاطوار فيضع سبحانه و تعالي اللفظ للمعني بحسب الظاهر او الباطن او المجموع المرکب منهما او المرتبة او الطبيعة و غيرها من الاحوال بذکر حروف الطبايع و تقليلها و تکسيرها و زيادتها و حذفها و تقديمها و تاخيرها و بذکر الحروف المستعلية و المستفلية و حروف الاطباق و القلقلة و الحروف المجهورة و المهموسة و غيرها من صفاتها و بملاحظة القرانات کالجمع بين كل من المتماثلين و المتقاربين و المتجانسين و تفريقها و جعل الفاصلة من حروف الطبايع حروف المرتبة و الدرجة و الدقيقة و الثانية و الثالثة و الرابعة و الخامسة و بذکر الحروف المتحابة و المتباغضة و المتواخية و المتعادية و المذکرة و المؤنثة و الظلمانية و النورانية و العلوية و السفلية و الفلکية و العنصرية و المتولدة و ساير مراتبها المذکورة في کتب اهل الحروف و بملاحظة الاعداد و الاوفاق و القوي الفکرية و الرقمية و العددية و اللفظية و غيرها مما هو معلوم عند اهلها فيؤلفها الله سبحانه و تعالي علي هيئة تاليفية من نحو ما ذکرنا لک مطابقة للمعني الموضوع له علي نحو ماذکرنا لک و هذا مجمل الاشارة.
و اما تفصيل ما قال و شرح هذا الاجمال و ذکر مايقتضي من الامثال يحتاج الي بسط تام في الکلام فيکون مجلدا کبير الحجم مع اني لماطلع علي اکثر حقايقها و لماعثر علي اغلب دقايقها فانها من مکنونات الاسرار المستودعة عند الائمة الاطهار عليهم سلام الله ماتعاقب الليل و النهار فلميحط بها غيرهم و لميدرکها سواهم نعم يعلمون بعض شيعتهم المتأدبين بآدابهم الناهجين منهجهم السالکين مسلکهم المقتدين بهديهم الطالبين ماعندهم بعضا من تلک الاسرار و قبسة من شعاع تلک الانوار علي حسب منازلهم و درجاتهم و قربهم منهم فبذلک تختلف مقاماتهم و درجاتهم و لکني اشرت
«* جواهر الحكم جلد 2 صفحه 592 *»
الي مجملها و ذکرت لک نوع مفصلها و لماصرح في کثير من المواضع لعلمي بسعة فهمکم العالي و دقة نظرکم السامي و لما انا عليه من اختلال البال و اغتشاش الاحوال و تهجم الامراض المانعة من استقامة الحال و مع ذلک لماترک شيئا مماتحتاج اليه في معرفة هذه المسائل فعه و اکتمه الا عن اهله و الله خليفتي عليک و لا حول و لا قوة الا بالله.
قال سلمه الله تعالي: مسألة ـ ما الجمع بين ما علم بالادلة ان محمدا و آله صلوات الله عليهم هم الواسطة الي الخلق في التبليغ التکويني و التشريعي فمشيتهم مشية الله و بين قول الامام7 بحق من وصلت طاعته بطاعتک و من جعلت معصيته کمعصيتک و من قرنت موالاته بموالاتک فان في الظاهر ان التشبيه و الاقتران انما يقعان في الشيئين المختلفين و الذي حصل من الادلة وحدة ذلک لانهم سلام الله عليهم ليس لانفسهم عندهم اعتبار بوجه اصلا فلا امر لهم و لا نهي من حيث انفسهم.
اقول لهذا الکلام جوابان احدهما انه قد دلت الادلة القطعية من العقلية و النقلية ان التشبيه في القرآن و احاديث اهل البيت : عين المشبه به لکونه اعظم في المطابقة و اشد في الاتحاد و النسبة و لايتطرق فيه احتمال الخلاف و شبهة التغاير و لو محض الفرض و التجويز و لما کان لله الحجة البالغة کان فعله يجري علي اکمل مايمکن و لما کان هذا النوع اکمل اجري کلامه عز و جل عليه فاذا تتبعت القرآن بنظر التامل و الاعتبار رأيت ما اقول لک ظاهرا کالشمس في رابعة النهار و ان کان خلاف المشهور المتداول . . .
(الي هنا وجد في النسخة الاصلية)