رسالة البهبهانیة فی جواب الآغا سیدعلی البهبهانی
من مصنفات السید الاجل الامجد المرحوم الحاج
سید کاظم بن السید قاسم الحسینی اعلی الله مقامه
«* جواهر الحكم جلد 2 صفحه 505 *»
بسم اللّه الرحمن الرحيم
الحمد للّه رب العالمين و صلّي اللّه علي خير خلقه محمد و اله الطاهرين.
اما بعــد؛ فيقول العبد الفقير الحقير الجاني كاظم بن قاسم الحسيني الرشتي ان جناب السيد السند و المولي المعتمد الولي العلي السيد علي بن السيد الامجد السيد محمد البهبهاني اعلي اللّه مقامه و بلغه اعلي مرامه قداتي بهذه المسائل التي ضلّت دونها الافكار و تحيرت في حلّ دقايقها الانظار و اراد جوابها بالاستعجال و انا مشغولالبال بمعاناة الحل و الارتحال ولكن لمقامه عندي ماامكنني ردّ مسئوله فاتيت بماهو الميسور لانه لايسقط بالمعسور و ربما اكتفي بالاشارة اعتماداً علي فهمه العالي و ادراكه السامي اذ البسط في هذه المسائل يؤدي الي التطويل و اللّه الهادي الي احسن السبيل.
قــال سلمه اللّه تعالي: بسم اللّه الرحمن الرحيم سيدنا اسأل من جنابك و كريم بابك انتبين لي انه ما المراد بالكاف المستديرة علي نفسها و ما المراد بالعمق الاكبر.
اقــول: اعلم ان المراد بالكاف المستديرة علي نفسها هي المشية و الاختراع و انما عبر عنها بالكاف لكونها مقام الواحدية التي قدتممت بالاحد و الواحد اول ظهور الاحد و الاحد مقام الوحدة المطلقة و البساطة الصرفة و مقام الربوبية اذ لامربوب و لا ذكر للكثرة فيه بوجه من الوجوه و الواحد اول ظهوراته و اول مانشأ منه و هو مقام الاسماء و الصفات و الاضافات و التعلقات و هو مقام الربوبية اذ مربوب اما صلوحاً و ذكراً او تعيناً و كوناً كالواحد قبل العدد فانه يصلح انيكون نصف الاثنين و ثلث الثلاثة و ربع الاربعة و خمس الخمسة وهكذا الي ما لا نهاية له و مع العدد تكون هذه الصفات كلّها وجودية عينية و هذا مرادنا بالذكر و العين و البسملة اشارة الي مقام الواحدية في الوجه الاعلي لان حروفها تسعهعشر و هو استنطاق الواحد و انما استنطق له
«* جواهر الحكم جلد 2 صفحه 506 *»
اللفظ المشتمل علي هذا العدد للاشارة الي قيوميته للعوالم كلها من المبادي و المتولدات كالافلاك التسعة و العناصر الاربعة و المواليد الثلاثة و الانسان و الجن و الملك و هذه تسعهعشر و هذه هي متعلقات الواحدية و مظاهرها و مهابط ظهور اثارها و الاّ فهي بسيطة ليست فيها كثرة ابداً بوجه من الوجوه و البسملة هي الظهور الكلي الجامع للمراتب كلها و لذا كانت تسعهعشر و لماقلنا انفاً ان الواحد لا قوام له الاّ بالاحد و لا تحقق له الاّ به لانه الصفة و لاتقوم الاّ بظهور الموصوف فيها و الاّ لمتكن صفة فيجب ملاحظة الاحد في الواحد ليكون (فيكون خل) متمماً له فاذا اضفت الاحد الي الواحد الذي هو تسعهعشر بالاستنطاق العددي يكون المجموع عشرين و استنطاقه الكاف و لماكان الواحد المتقوم بالاحد و الظاهر فيه الاحد ظهرت القيومية و قددلّ العقل و النقل علي ان القيومية صفة فعلية و مبدأ الافعال المشية الكلية الاولية التي هي ادم الاول فناسب انيعبر عنها بالكاف التي هي جامعة لمراتب القيومية المطلقة من ظهور الاحد في الواحد علي جهة الاطلاق و لماكانت المشية انما خلقت بنفسها فخالقية الحق لنفسها انما كانت بنفسها كماقال مولينا الصادق7 خلق اللّه الاشياء بالمشية و خلق المشية بنفسها و اية ذلك السراج فان النار انما امدّته و اوجدته بنفسه لا بسراج اخر ثم اوجدت الاشعة به فالاشعة انما تستدير بالسراج في استمداد النور لانه منه و السراج يستدير بنفسه علي نفسه في استمداد النور فان النور ليس في النار بالبديهة و انما يحصل لا من شيء حين التعلق فنورية السراج انما احدثتها النار بنفسها ثم احدثت نورية الاشعة بها و النار جعلت السراج خزانة لجميع مايحتاج اليه السراج و ماتحتاج اليه الاشعة فافهم.
و معني الاستدارة الحركة بكلّ الجهات فان كانت من المعلول في استمداده من علته و افتقاره اليها كانت الاستدارة علي خلاف التوالي و ان كانت من العلة في الافاضة و الامداد لمعلولها بكل جهاته كانت الاستدارة علي التوالي و انما كان الاول علي خلاف التوالي لانه سير و حركة
«* جواهر الحكم جلد 2 صفحه 507 *»
من الاسفل الي الاعلي و هو خلاف مقتضي الطبيعة بخلاف الثاني فانه سير من الاعلي الي الاسفل فاذا فهمت هذا و فهمت ان المشية لماخلقت بنفسها كانت لها جهتان جهة امداد و هي نفسها في التعبير و جهة استمداد و هي هي في التعبير فهي حين كونها ممدة تستدير عليها من حيث كونها مستمدة فتكون الاستدارة حينئذ علي التوالي و من حيث كونها مستمدة تستدير عليها من حيث كونها ممدة فتكون حينئذ علي خلاف التوالي و هذان الاعتباران فيها في تزييل الفؤاد و الاّ فهي شيء واحد ليس في الامكان ابسط منها و لذا تري شيخنا اطال اللّه بقاه كثيراًما يعبر عن المشية بالكاف المستديرة علي نفسها و انها تدور علي نفسها علي خلاف التوالي و نفسها تدور عليها علي التوالي بالمعني الذي ذكرنا.
ثم اعلم ان هنا وجه (وجهاً خل) اخر دقيق و هو انه قديعبر بالكاف المستديرة علي نفسها و يراد بها كاف كـن قبل لحوق النون و طريانها عليها و قبل تحقق النسبة الارتباطية بل حال صرف الجهة الاولي في الشيء التي هي هياكل التوحيد فان المشية لها جهتان جهة دلالة و حكاية و جهة ولاية و قيومية و بالجهتين ظهر الالوهية الكلية المستقهرة لكل الاسماء و الصفات فبالجهة الاولي يعبر عنها بالكاف لانها الاحد الذي ظهر في الواحد بدون ملاحظة الواحد فتلك الجهة صفة التوحيد و هيكل التنزيه و التفريد لكنها ماتصل الي الذات البحت جلّشأنها فتطلب الذات بماتجلي لها بها في مرتبتها و ذلك التجلي هو عين مرتبتها لا مرتبة الذات البحت فهي حينئذ تستدير علي نفسها تطلب الغير في نفسها و كلما تطلب مقاماً اعلي تقع في مقامها كماقال الشاعر:
قدضلّت النقطة في الدائرة | و لمتزل في ذاتها حائرة | |
محجوبة الادراك عنها بها | منها لها جارحة ناظرة | |
سمت علي الاسماء حتي لقد | فوضت الدنيا مع الاخرة |
«* جواهر الحكم جلد 2 صفحه 508 *»
و لماكانت تلك الجهة هي جهة التوحيد و الجهة الثانية جهة التعلق و الارتباطات الاسمائية و الصفاتية في مقام التعلق و لماكان الفيض الي الاشياء كلّها يصل بالمشية فتختص الجهة العليا بظهورات التوحيد لمقامها و غيرها من المفعولات و المعلولات و لماكان الخلق يجمعها رتبتان احديهما الوجود المطلق و هو عالم الامر و ثانيتهما الوجود المقيد و هو عالم الخلق و الوجود المطلق هي الكلمة التي انزجر لها العمق الاكبر و الوجود المقيد دلالة تلك الكلمة او الماء النازل من سحابها و في كلا المقامين ظهور التوحيد علي حسب ذلك المقام فيكون ذلك الظهور المطلق في خمسة اطوار و لا سادس فالهاء في الحروف اشارة الي تلك المراتب و لذا اختير لها اسم ظاهره عين باطنه اي صورة ظاهره عين صورة باطنه كماهو صفة التوحيد كماعن النبي9 التوحيد ظاهره في باطنه و باطنه في ظاهره و قدوقعت الاشارة الي التفصيل الذي ذكرنا في الكتاب الكريم في قوله تعالي بسم اللّه الرحمن الرحيم كهيعص فالبسملة كماذكرنا هي تمام مقام الواحدية و عند فنائها في الاحد اي ظهوره فيها تظهر الكاف و هي المستديرة علي نفسها ولكن لايقال في هذا المقام انها تدور علي نفسها علي خلاف التوالي و نفسها تدور عليها علي التوالي كمافي المقام الاول لان الجهات و الاعتبارات و الاضافات و التعلقات كلّها منتفية هناك فمعني استدارتها حينئذ انتفاء الجهات و عينية (غيبية خل) الاولية و الاخرية و القبلية و البعدية و الخفاء و الظهور و لذا اردف سبحانه الهاء بالكاف لانها تمام ظهورات التوحيد و سرّ هياكل التفريد و هي اول مانشأ من الكاف التي هي الجهة العليا من كـن و لماكان التعلقات انما هي في الرتبة الثانية اردف سبحانه الياء بالهاء و لماكان التعلق ظهوراً وصفانياً لا قوام له الاّ بالوجه الاعلي في اللحاظ الثاني فاذا لاحظت الهاء في الياء في مقام الارتباط استنطق منها النون و هو تمام كلمة كـن فبين اللّه سبحانه اثر كلّ جهة من تلك الكلمة ذيل ذكر مؤثره ليعلم ان لها في مقام البساطة حكماً و في مقام التركيب حكماً اخر و لذا اردف سبحانه العين بالياء
«* جواهر الحكم جلد 2 صفحه 509 *»
فان العين هي تمام عدد الكلمة ثم بيّن سبحانه الصاد الذي هو البحر تحت العرش و هو الماء الذي به كلّ شيء حي و هو مادة الموجودات كلّها علي جهة الاطلاق سواء كان بذاته او بشعاعه و ظهوره و اثره و هذا هو الماء الذي استوي (استولي خل) عليه العرش الذي هو كلمة كـن كماقال عزّوجلّ و كان عرشه علي الماء و هو اثر تمام الكلمة من حيث الارتباط و به تتمّ الاشياء و تقوم الموجودات كماقال عزّوجلّ و من اياته انتقوم السماء و الارض بامره و الامر هو هذا الماء الذي هو الصاد في عرف اهلالبيت:.
اعلم ان الاستدارة انما تكون علي القطب و هو انما يكون نقطة وجود الشيء و اصل ذاته و منه استمداده و هو وجه الشيء الي مبدئه و باب استفاضته و استمداده منه و باب افاضة المبدأ و امداده له فدوران الاشياء كلّها علي ذلك و نطلق عليه المادة و الهيولي الاولي ايضاً و لماكانت الاشياء لها مادة خلقت منها و اصل نشأت عنه و ذلك الاصل من اثر المشية يقال ان الاشياء كرة مجوفة تدور علي المشية اي باثرها الاّ ان الاثر اضمحلت فيه جهة نفسه فليس الاّ حكاية غيره و اما المشية فانها اول مخترع باول اختراع فليست لها مادة غيرها حتي تدور عليها و يكون قطباً لها كمافي غيرها و انما هي شيء واحد احدثها اللّه سبحانه بنفسها اي لا بمادة غيرها فهي مادة نفسها و صورتها فهي كرة مصمتة نفسها قطبها و لا محور لها فهي الكاف المستديرة علي نفسها انما كررت البيان لاجل التوضيح و التفهيم فافهم.
و اما العمق الاكبر فالمراد به الامكان الراجح و ان اطلق علي الجائز فانما هو بالاضافة و النسبة و انما سمي عمقاً لعدم انتهائه في كلّ شيء فهو المحيط الواسع الجامع لكلّ مايصلح انتتعلق به قدرة اللّه عزّوجلّ و انما كان اكبر لان الاعماق كلّها مطوية فيه فلايعادله في السعة و الاحاطة شيء و المراد بالامكان الراجح ذكر الاشياء في رتبة المشية و نسميه محل المشية الامكانية و هو العلم الذي كانت الاشياء فيه مذكورة و لميكن
«* جواهر الحكم جلد 2 صفحه 510 *»
مكونة كمافي الحديث عن الصادق7 في قوله تعالي هل اتي علي الانسان حين من الدهر لميكن شيئاً مذكوراً قال7 كان مذكوراً في العلم و لميكن مكوناً و قال ايضاً7 كمافي الكافي و علم اللّه السابق للمشية (المشية خل) و هذا الذكر مثل ذكر الاعداد كلّها الي ما لا نهاية له في الواحد قبل ظهورها و كلّ شيء في الامكان كلي صالح لكلّ شيء و تلك الصلاحية و الذكر هو الامكان و انما سمي راجحاً لمرجوحية جريان العدم عليه لوجود المقتضي و رفع المانع و اللّه سبحانه انما يفعل بالاسباب فكلّما يقتضي شرطاً و سبباً و لازماً و ملزوماً و مادة و صورة فيوجده سبحانه عند تحقق شرايطها و يعدمه عند عدمها و اما الامكان اي محض الذكر فلايقتضي الاّ المشية التي هي الوجه الاعلي منه و المشية هي الظهور الاول الذي لايحتاج في تحققه الي شيء سوي اللّه سبحانه و هو سبحانه لميختلف حاله فليس هناك مانع للبقاء فيكون مستمر الوجود و انما قلنا راجحاً و ماقلنا واجباً كماقالوا لان اللّه سبحانه قاهر قادر من ورائها محيط لايستحيل عليه شيء اذا شاء انيعدم الامكان فعل لكن ذلك مرجوح لماذكرنا فيكون وجوده راجحاً و اما الامكان الجائز فهو المركبات مماتحت المشية من العقل الكلّي الي الثري لانها كلها متوقفة علي الشرايط و الاسباب و المتممات و المكملات فتوجد بوجودها و تعدم بعدمها و هما بالنسبة اليه علي حدّ واحد و لذا توجد تارة و تعدم اخري و هذا ظاهر.
قــال سلمه اللّه تعالي: و ما المراد بقصبة الياقوت و ما المراد بالابحر الاثنيعشر و ما المراد بالحجب و ما المراد بالذر الاول و الثاني.
اقــول: ان القصبة يراد بها الحقيقة المحمدية9 لانها حقيقة واحدة ظاهرة في اربعهعشر عقداً تتفاوت العقود في الغلظة و الرقة فالعقد الاول هو محمد9 و هو العقد الاعظم الاشرف الاكبر و العقد الثاني هو علي بن ابيطالب اميرالمؤمنين7 و العقد الثالث هو الحسن بن علي8 و العقد الرابع هو الحسين بن علي8 و العقد
«* جواهر الحكم جلد 2 صفحه 511 *»
الخامس هو القائم الحجة المنتظر عجل اللّه فرجه و روحي فداه و7 و العقد السادس يشتمل علي ثمانية عقود و هم الائمة الثمانية: و العقد السابع هي فاطمة صلوات اللّه عليها فتلك القصبة من حيث الجمع سبعة و من حيث التفصيل اربعهعشر لاظهار السبع المثاني و القرءان العظيم كماقال تعالي و لقداتيناك سبعاً من المثاني و القرءان العظيم و السبعة اذا ثنيت تكون اربعهعشر و انما رتبنا العقود كماذكرنا لمادلّت عليه الادلة النقلية للاجماع بان النبي9 افضل الخلق كلّهم كماقال9 انا سيد ولد ادم و لا فخر و كذلك علي اميرالمؤمنين7 افضل الخلق بعده9 لقوله9 الحسن و الحسين سيدا شباب اهل الجنة و ابوهما خير منهما ثم القائم7 افضل الثمانية لقوله9تاسعهم قائمهم اعلمهم افضلهم و اما تفاوت مراتب الثمانية فلميظهر لنا شيء من الاخبار مايدلّ عليه و اما الصديقة الطاهرة صلّي اللّه عليها فهي بعدهم لعدم تساوي مرتبة الرجل و المرأة في مرتبة واحدة و ان كانت هي3 اشرف من الانبياء و المرسلين و الملائكة المقربين و ساير الخلق اجمعين.
و اما نسبة تلك القصبة الي الياقوت فلصفائه و لونه الحمرة و طبيعته اما الاول فظاهر لكونهم: في ظاهر البشرية صفوة الصفوة و اما الثاني و الثالث فلظهور الفاعلية فيهم: المستدعية للحرارة و اليبوسة اما الحرارة فانها تحدث بالحركة و لا شك انهم:يد اللّه و بهم يأخذ اللّه و يعطي و بهم يفيض علي افراد الكائنات و هم القطب بظهورهم لكل الذرات و محل المشية التي بها قوام كل الموجودات و اما اليبوسة فلانهم الاسم الذي استقر في ظله فلايخرج منه الي غيره و هم البئر المعطلة و القصر المشيد قال الشاعر و اجاد:
بئر معطلة و قصر مشرف | مثل لال محمد مستطرف | |
فالقصر مجدهم الذي لايرتقي | و البئر علمهم الذي لاينزف |
فهم: قدوقفوا مقاماً لميبلغ احد من المخلوقين و لايطمع في ادراكه
«* جواهر الحكم جلد 2 صفحه 512 *»
طامع و اما الحمرة فمن جهة اقتضاء الحرارة و اليبوسة اياها علي ماهو التحقيق عندنا من ان الحرارة و اليبوسة تقتضي الحمرة او من جهة بياض العقل الكلي فيهم مع ظهور صفرة الروح الكلي و هما يقتضيان الحمرة كالزنجفر الحاصل من اختلاط الزيبق و الكبريت او لظهور الطبيعة الكلية فيهم: و بها تكون تربية الاشياء و هي النور الاحمر الذي منه احمرت الحمرة.
و اما الابحر الاثناعشر فقدبسطنا القول فيه في شرح الخطبة الطتنجية و الاشارة المجملة هي ان المراد بها الائمة الاثناعشر لانها هي الابحر التي قدسبح فيها النور النبوي9 في الخلق الاول و معني سباحته9 في هذه الابحر ظهورها منه بالتوليد كالضوء من الضوء و اقترانه بها و ارتباطه معها و ظهور ولايته فيها عليه و عليهم السلام و انما سموا بحراً لذوبان كلّ واحد منهم: في عظمة اللّه عزّوجلّ بحيث انقطع انجماد جبلتهم بما لايرتبط بالحق سبحانه و سريان نورهم و سيلانه في كل الاشياء بحيث كانت الموجودات كلّها امواج بحر ظهورهم و اشراقات اشعة نورهم: و كذلك الخلق يطلق عليهم البحر في حال الذوبان و الانتشار و الانبساط كماورد في الاخبار بحر النور و بحر الظلمة و بحر الهواء و بحر الماء و امثال ذلك.
و يراد ايضاً بالابحر الاثنيعشر الحواس الخمسة الظاهرة و الخمسة الباطنة و العقل و النفس و السابح فيها هو القلب المركب من الانوار الاربعة او الفؤاد من حيث ذكر الاشياء فيه و معني سباحته فيها ظهوره في هذه المقامات علي طورها و كلّ مقام منها بحر ذائب واسع جامع لامواج الشئون و الروابط الحاصلة في كلّ مقام من المقامات المذكورة فبحر العقل مثلاً يتموج بالمعاني من غير صورة و بحر النفس بالصورة من غير المعني وهكذا غيرهما علي قياسهما.
و اما الحجب فهم الائمة: كمافي الزيارة الرجبية و الصلوة علي محمد المنتجب و علي اله و اوصيائه الحجب و انما سموا: حجاباً لكونهم: باباً و واسطة للّه سبحانه الي خلقه و للخلق للتوجه و
«* جواهر الحكم جلد 2 صفحه 513 *»
الاقبال الي صانعهم و مربيهم و بارئهم فاللّه سبحانه احتجب بهم: عن خلقه كماقال الصادق7 و هو المحتجب و نحن حجبه فبهم عرف اللّه و بهم عبد اللّه و لولاهم ماعرف اللّه و لا عبد اللّه و قال7 نحن الاعراف الذين لايعرف اللّه الاّ بسبيل معرفتنا فلايصل احد الي اللّه سبحانه الاّ بهم قال تعالي اليه يصعد الكلم الطيب و العمل الصالح يرفعه و الكلم الطيب هو الدين و الايمان اي الاعمال الظاهرة و الباطنة و العمل الصالح هو ولاية علي7 و هي التي ترفع الاعمال الي اللّه سبحانه و توصلها اي درجة القبول و اما في رواية الكافي ان الشمس جزء من سبعين جزء من نور الكرسي و الكرسي جزء من سبعين جزء من نور العرش و العرش جزء من سبعين جزء من نور الحجاب و الحجاب جزء من سبعين جزء من نور الستر فالحجاب في هذه الرواية يراد بها الكروبيون و هم الذين قدتجلي اللّه سبحانه برجل منهم لموسي فدكّ الجبل و خرّ موسي صعقاً و هؤلاء قوم من شيعة المحمد:كمارواه الصفار في بصاير الدرجات عن الصادق7 و رواه في الصافي ايضاً و نور الستر ايضاً حجاب الاّ انه اغمض و اعلي مقاماً و اقرب الي المحتجب بالقرب المعنوي.
و القاعدة في معرفة الحجاب ان كل واسطة موصلة للسافل الي اعلاه و لفيض العالي الي السافل فهو حجاب و كلّ الاحاديث الدالة علي الحجب فالمراد بها ماذكرنا و لذا قال7ان للّه سبعين الف حجاب لو كشف واحد منها لاحرقت سبحات وجهه ماانتهي اليه بصره من خلقه هـ و الحجاب هو الواسطة بين ظهور الفعل و مراتب المفعولات فاذا انتفت الواسطة يحترق السافل عند ظهور العالي فالواسطة هو الحجاب المترجم للسافل انوار العالي و اسراره و اثاره علي مايقتضي مقام السافل الاّ ان الحجب تختلف في الشدة و الضعف و الرقة و الغلظة و النورانية و الظلمانية فاعلي الحجب و اشرفها و اقربها و ارقّها هو محمد و اهلبيته: و هم الحجاب الاكبر او الحجب الكبري و كلّ ماسويهم تحت رتبتهم فيطلق عليهم الحجاب علي حسب مقامهم من الوساطة و علي هذا تسهل عليك
«* جواهر الحكم جلد 2 صفحه 514 *»
معرفة العدد في الروايات من حجاب واحد او اثنين او ثلثة او اربعة وهكذا الي سبعين الف الي ما لا نهاية له من مراتب المخلوقات و كذلك الصفات من حجاب الياقوت اذا كان عالم الطبيعة بالنسبة الي الاجسام و حجاب الزبرجد او الزمرد اذا كان عالم النفوس و حجاب العقيق او الذهب اذا كان عالم الارواح و حجاب اللؤلؤ و الدرة البيضاء اذا كان عالم العقول وهكذا بملاحظة الطبايع او قرانات الالوان المتحصلة من الطبايع بعضها مع بعض و تفصيل المقال في شرح هذه الاحوال يطول به الكلام و الاشارة كافية لاولي الافهام.
و قديطلق الحجاب في الاخبار و يراد به الحاجب المانع من الظهور و هي دواعي الشهوات و لوازم الانيات كمافي الدعاء و انت لاتحتجب عن خلقك الاّ انتحجبهم الاعمال و في نسخة الامال دونك فالانية و الماهية هي الحجاب الاكبر و هي التي تمنع ظهور نور التوحيد و التفريد و نور الطاعة و العمل و العبادة فلايظهر التوحيد الاّ بمحوها في الوجدان و يختلف هذا الحجاب ايضاً في الغلظة و الرقة فالذي راضٍ نفسه بالطاعات و العبادات و مخالفة الهوي و الشهوات فحجابه رقيق الي انيصل في الرقة فيكون مشابهاً للحجاب الاعلي حجاب النور كماقال الشاعر:
رقّ الزجاج و رقت الخمر | فتشاكلا و تشابه الامر | |
فكأنما خمر و لا قدح | و كأنما قدح و لا خمر |
و الي هذا المعني يشير ماروي عن الصادق7 كمافي الكافي في حديث المعراج الي ان قال7 و كان بينهما حجاب يتلألأ بخفق و لااعلمه الاّ و قدقال انه زبرجد و يريد بهذا الحجاب حجاب الانية و هي و ان كانت ظلمة لحفظ النور لكنها مستنيرة و مستشرقة من نور القدس و التنزيه و حرارة النار من الشجرة الزيتونة التي ليست شرقية و لا غربية كلستها و لطفتها الي ان اشرفت الي الانعدام و الاضمحلال و هو معني قوله7يتلألأ بخفق و لما كانت مستشرقة من اشراق النور الالهي العقلي او الوجودي استنارت فاختلط النور بها فكان زبرجدياً لظهور النور الاصفر الحاصل من
«* جواهر الحكم جلد 2 صفحه 515 *»
حرارة النار الفاعلة المرتبطة بالقوابل و ذلك المقام مقام قاب قوسين و اما مقام او ادني فهناك اندكّ الحجاب و انخرق في المقام الاول قال اللّه تعالي فان تابوا و اقاموا الصلوة و اتوا الزكوة فاخوانكم في الدين و مواليكم و هذه الامور هي المراد بالحجب في اخبار اهل العصمة عليهم الصلوة و السلام.
ثم اعلم ان هذه الاطلاقات ليست علي جهة المجاز كمايتوهمه الناس لان المجاز لايصح انيكون قبل الحقيقة كماهو المختار عندنا فان المجاز طريق الي الحقيقة فلايتحقق بدونها و لئن سلمنا فلايتصور قبل الوضع اجماعاً و اذا فرضنا كماهو الحق ان الواضع هو اللّه سبحانه و ان الاسم هو صفة المسمي كماعن الرضا7ان الاسم صفة لموصوف فلايتصور تأخر الصفة عن موصوفها و تساويها مع صفة الصفة فان اهلالبيت: هم الذوات و الخلق كلهم صفات و اشعة لهم: فيكون الاسم لهم اولاً: ثم لمابعدهم من المراتب الاقرب فالاقرب لظهور تلك الصفة المستدعية للاسم في السافل ففي الحقيقة يكون الثاني مجازاً للاول في الذات و في الاسم لكنه اذا لوحظت تلك الرتبة السافلة فيكون الاسم للثاني من قبيل الحقيقة بعد الحقيقة فعلي هذا فافهم جميع الالفاظ التي تطلق علي المراتب المترتبة العالية و السافلة كالظاهر و الباطن و باطن الباطن وهكذا فلايكون من باب الاشتراك و لا من باب الحقيقة و المجاز و لا من باب الاشارة و التلويح كماقالوا و ليس لي الان اقبال شرح هذه المسألة علي كمال ماينبغي الاّ ان فيماذكرنا كفاية لمن كان له قلب او القي السمع و هو شهيد.
و اما الذر فقدبسطنا القول فيه علي كمال ماينبغي في شرحنا علي الخطبة الطتنجية فمن اراد الاطلاع علي حقيقة الامر فليرجع اليه فان مافيه غنية للطالب السالك سبيل الحق المبين ولكنا نشير الي مجمل ذلك الامر فنقول ان عالم الذر عالم الخلق قبل التكليف حال تهيؤه و استعداده و استيهاله لوقوع التكليف عليه و لذا قال الصادق7لماسئل عن الذر كيف يسأل قال7 جعل فيهم ما اذا سئلوا اجابوا هـ و ذلك تمكين القابلية لقبول التكليف
«* جواهر الحكم جلد 2 صفحه 516 *»
من تخلية السرب و الادراك و الشعور و التمييز و الاختيار و اراءة طريق الحق و طريق الباطل و بيان مقتضيات كلّ من الطريقين و اسبابهما و شرايطهما و مقتضياتهما و موانعهما فالخلق كلهم متساوون في هذا الصلوح و الاستعداد و متفاوتون في الحصص غير ممتازين بالصورة الشخصية المعينة و صالحون لكلّ من الصور الطيبة و الخبيثة كماقال عزّوجلّ كان الناس امة واحدة و ذلك في حال كونهم حصصاً غير ممتازة ثم كلفهم اللّه عزّوجلّ بلسان نبيه فقال لهم ألست بربكم و محمد نبيكم و علي وليكم و الائمة من ولده اولياءكم فاختلف الخلق بقبولهم و انكارهم و توقفهم و اصالتهم و تبعيتهم فجرت الصور و الهياكل فيهم علي مقتضي قبولهم و انكارهم فمن اجاب قلباً و لساناً خلقهم اللّه سبحانه علي الصورة الانسانية و هي طينة عليين و هيكل التوحيد و حدّ لا اله الاّ اللّه و محمد رسولاللّه و علي ولياللّه و من انكر قلباً و لساناً خلقهم سبحانه بمقتضي عملهم علي الصورة الشيطانية اي الصور البهيمية و هي طينة سجين و من انكر لساناً و اقرّ قلباً خلق اللّه سبحانه ظواهرهم من الصورة الشيطانية و بواطنهم بعكسها مثل كلب اصحاب كهف و من انكر قلباً و اقرّ لساناً خلق سبحانه ظواهرهم علي الصورة الانسانية و بواطنهم علي الصورة الشيطانية كالمنافقين و هؤلاء اشدّهم و اشرّهم و اخبثهم و من انكر ظاهراً و توقف باطناً خلق سبحانه ظاهرهم من طينة الاجابة علي الصورة الانسانية و لميخلق باطنهم و كذا بالعكس و الاصل و الفرع علي طور واحد في المقامين و هو قوله تعالي كان الناس امة واحدة فاختلفوا و انما سمي ذلك العالم ذرّاً لكونه مقام الاجمال و الابهام و صلوح التميز كالذرات المبثوثة فانها حصص غير ممتازة قابلة كل واحدة منها لكل مايفاض علي الاخر من الصور و كذلك اهل ذلك العالم قبل وقوع التكليف الشخصي عليهم كالخشبة الصالحة للسرير و الصنم و الصندوق و الباب و الضريح و امثال ذلك و كالمداد الصالح لاسم الشقي و السعيد و امثالها و هذا حقيقة الذر.
«* جواهر الحكم جلد 2 صفحه 517 *»
و اما تعدد عالم الذر فمن جهة تعدد المراتب و العوالم فان اللّه سبحانه اقام الخلق في عوالم متعددة و كلّفهم في كلّ عالم من العوالم لمادلّ عليه الدليل العقلي و النقلي ان الوجود انما قام بالتكليف و لايحسن الايجاد بدونه ففي كل مرتبة يقع التكليف فيها كان قبل التكليف ذرّاً و لماكان كليات العوالم ثلثة عالم الجبروت و هو عالم العقول و عالم الملكوت و هو عالم النفوس و عالم الملك و هو عالم الاجسام و في كلّ عالم وقع التكليف فيه فيكون كل عالم ذرّاً فالذرّ الاول عالم العقول و الذرّ الثاني عالم النفوس و الذر الثالث عالم الاجسام و لماكان التكليف في عالم النفوس مقام التشخص و التعين و الظهور مشروح العلل مبين الاسباب قديختص الذر الاول في بعض الاصطلاحات بعالم النفوس و الثاني بعالم الاجسام و اذا اعتبرنا عالم الذر في عالم الغيب كان الذرّ الاول عالم العقول و الذرّ الثاني عالم الارواح و هو البرزخ بين العقول و النفوس و يسمي بالرقايق و الذرّ الثالث عالم النفوس وهكذا الاعتبارات الاخر و قدبينت لك نوع المسألة تتمكن بذلك عن معرفة ساير الاطلاقات و الاعتبارات و اللّه الموفق للصواب و الهادي الي سبيل الرشاد.
قــال سلمه اللّه تعالي: و ان تبين لي السلسلتين الطولية و العرضية.
اقــول: اعلم ان السلسلة الطولية هي مراتب الموجودات في العلّية و المعلولية و معني ذلك ان السافل شعاع العالي كالشعاع للسراج و تنحصر هذه المراتب في ثمانية الاولي الحقيقة المحمدية و هي شجرة الخلد و علي7 اصلها و فاطمة فرعها و الائمة:اغصانها الثانية حجاب الكروبيين و هم قوم من شيعة المحمد: من الخلق الاول جعلهم اللّه خلف العرش لو قسم نور واحد منهم علي اهل الارض لكفاهم و لماسأل موسي ربه ماسأل امر رجلاً منهم فتجلي له بقدر سمّ الابرة فدكّ الجبل فخرّ موسي صعقاً و عدد هؤلاء الملائكة مائة الف و اربعة و
«* جواهر الحكم جلد 2 صفحه 518 *»
عشرون الفاً لان كل ملك مربي نبي من الانبياء الثالثة الانسان اي الرعايا و هؤلاء انما خلقوا من شعاع الانبياء: و هم باب فيضهم و امدادهم من اللّه عزّوجلّ الرابعة الملائكة غيرالعالين و الكروبيين و هم انما خلقوا من شعاع نور الانسان و هم حملة التدابير المتعلقة بالانسان و غيرهم بعد اننزلت من الخزائن العليا الي الحقيقة الانسانية فنزلت في اطوارها و شئوناتها بتلك الملائكة و لذا قال9 ان رجلاً من شيعة علي7 افضل من جبرئيل و هو سلمان و دلّت الاخبار ان الشيعة قدسبقت الملائكة في التقديس و التسبيح و التهليل كماسبقوا:شيعتهم الخامسة الجان المخلوقون من نار الشجر الاخضر الذي خلق من فاضل طينة الانسان كماعن الصادق7 السادسة البهايم و حشرات الارض من الحيوانات و السابعة النباتات كانواع الاشجار البرّية و البحرية و البرازخ و الثامنة الجمادات من العناصر و المعادن و ساير المركبات و هذه المراتب انما يقال لها الطولية لوقوع كل واحدة منها تحت رتبة الاخري بحيث لا ذكر لها عند من هو اعلي منها كالشعاع بالنسبة الي السراج فلايلحق السافل العالي و ان صعد و ترقي الي ما لانهاية له لان له مقام معلوم لايتعداه و لايتجاوز عنه و لذا ورد في الزيارة فبلغ اللّه بكم اشرف محل المكرمين و اعلي منازل المقربين و ارفع درجات المرسلين حيث لايلحقه لاحق و لايفوقه فائق و لايطمع في ادراكه طامع و لذا حرم علي الرعية تمني مرتبة الانبياء و علي الانبياء تمني مرتبة الائمة: و لهذا لماخطر علي قلب ادم ابينا7 ذلك عوتب و اخرج من الجنة حتي تاب مع ان الخطور كان خطوراً /عملياً لا علمياً و الاّ لعصي و فعل المحرم و ليست هذه الحرمة و هذا النهي الاّ من جهة ان كلّ واحد شعاع و اثر للاخر فلايمكن اللحوق الي مرتبة
«* جواهر الحكم جلد 2 صفحه 519 *»
المؤثر و الاّ لجاز لاحد تمني الالوهية و ادعاء معرفة الذات المقدسة تعالي اللّه عن ذلك علوّاً كبيراً فافهم راشداً.
و اما السلسلة العرضية فهي ماتجمع الكثيرين حقيقة واحدة ظاهرة في الاطوار و التعينات فاذا نظرت الي الحقيقة تري شيئاً واحداً و اذا نظرت الي الاطوار و التعينات و الافراد تري اموراً كثيرة و ظهور تلك الحقيقة في تلك الافراد علي السواء و انما تختلف الافراد في القوة و الضعف و الرقة و الغلظة بالقابليات فيصح للكثيف تمني رتبة الشريف و للضعيف تمني رتبة القوي لا بمعني الحسد بل يستحب له ذلك و تلك نفس تلك المراتب المتقدمة لا بالنظر الي الاعلي و الاسفل كالانبياء فان لهم حقيقة واحدة قدظهرت في مائة الف و اربعة و عشرين الف هيكل مختلف و كالانسان فانه حقيقة واحدة قدظهرت في الافراد الغير المتناهية بدواً و عوداً و كذلك الحيوانات و النباتات و الجمادات و هذه الافراد تترقي (قدترقي خل) و تصعد و تزيد نمواً و قوةً و صفاءاً و جدة و شباباً لكنها في مقامها لايتعداه فتستدير بالعرض و الوضع كرة صحيحة الاستدارة و لا انقطاع لهذا السير و هي في مرتبتها و مقامها كمااخبر الحق سبحانه عنهم بقوله تعالي و ما منا الاّ له مقام معلوم ولكنها تتزايد شرفاً الي ما لانهاية له كماقال عزّوجلّ في الحديث القدسي حديث الاسرار كلما رفعت لهم علماً وضعت لهم حلماً ليس لمحبتي غاية و لا نهاية انظر الي الجماد فانه تصفو اما بالمعالجة او بالفطرة الي انتبلغ رتبة الاكسيرية ثم اذا زاد سقياً يزداد عملاً و تأثيراً الي انيطرح المثقال في الف الف وهكذا الي ما لانهاية له لكنه جماد لايبلغ مقام النبات ابداً فحركته في العرض ولو كان في الطول لوصل الي النبات و هو الي الحيوان و ماتري في الانسان انه كان نطفة ثم اخذ في النمو بالروح النباتية الي انتهاء حد النباتية ثم صار حيواناً ثم صار انساناً و ذلك ليس من الحركة في الطول و انما هو ظهور المراتب الكامنة او المشرقة علي تلك القابلية فلو فصّلت الانسان بالفؤاد رأيت كل مرتبة منها في مقامها لميتعدها (لايتعداها خل) نعم ظهرت كلّ مرتبة اذا تمّ نضج البنية كالجدار
«* جواهر الحكم جلد 2 صفحه 520 *»
الذي يظهر نور الشمس عليه و ليس الجدار و الشمس او النور من حقيقة واحدة و لا ان الجدار صار نوراً فاذا فصلتهما يعود كلّ منهما الي اصله و لذا اذا غربت الشمس لمتجـد نوراً علي وجه الارض و كذلك الروح الحيوانية اذا فارقت لمتجد حركةً و لا اقتضاءً و لا طلباً و لا فرق بين الجسد الملقي بعد مفارقة الروح و بين الحجر و هذا لا اشكال فيه فالموجودات في رتبتهم في السلسلة العرضية يسيرون الي ما لانهاية له من مبدأ تكوينهم الي ان ظهروا في الدنيا الي انيرتحلوا الي الاخرة الي ماشاء اللّه من /ابد الابدين و دهر الداهرين. (ابد الاباد و دهر الدهور خل)
و اذا اردت انتعرف كليات المراتب في السلسلة العرضية في كلّ شيء من الاشياء فاعلم ان الشيء لمابدأ (بدا خل) من فعل اللّه سبحانه لايكمل و لايتم الاّ بعد اكمال القوسين الصعودي و النزولي اما النزولي فلصيرورته جامعاً مملكاً و اما الصعودي فلاظهار تلك المراتب و بلوغه الي غاياتها المقررة له فلولا النزول لميتمّ الصعود و لولا الصعود لميكمل الشيء فاول المبدأ هو الوجود و يعبر عنه بالفؤاد فلمّا خلقه اللّه سبحانه تعين و تركب فحصل من اول تركبه و تعينه العقل الكلي في العالم الكلي و الجزئي في العالم الجزئي ثم استنطقه اللّه سبحانه فقال له ادبر فادبر فاول ما ادبر مقبلاً علي الخلق الي مقام الارواح ثم الي مقام النفوس عالم الذر تمام الخلق الاول من عالم الغيب ظهور الشيء الغيبي مشروح العلل مبين الاسباب ثم الي مقام الطبيعة الكسر بعد الصوغ الاجمال بعد التفصيل المزج بعد الامتياز ثم الي مقام المادة تمام الكسر و جوهر الهباء و ظهور الحصص و الذر من غير الامتياز ثم الي مقام المثال و الصورة و الشبح و الظل بدن نوراني لا روح له ثم الي مقام الجسم المركب من المادة و الصورة ثم الي مقام العرش الفلك الاطلس المحيط بالعالم الجسماني كلّه فلك الافلاك ثم الي مقام الكرسي الظاهر بالكواكب ثم الي فلك البروج الاثنيعشر ثم الي فلك المنازل الثمانية و العشرين ثم الي فلك الشمس ثم منها الي زحل و القمر ثم منها الي المشتري و عطارد ثم منها الي المريخ و الزهرة ثم الي كرة النار ثم الي كرة
«* جواهر الحكم جلد 2 صفحه 521 *»
الهواء ثم الي كرة الماء ثم الي كرة الارض و الي هنا تمّت مراتب الادبار ثم امر اللّه سبحانه بالاقبال فقال له اقبل فاقبل فاخذ في الصعود فاول ماصعد الي مقام الجماد مبدؤه البخار و الدخان و السحاب و المطر و التيام الاجزاء الاربعة من العناصر علي وزن معلوم مقدر معين و المزج التام ليكون المجموع شيئاً واحداً و يتحقق الجماد في اول المزج ثم الي مقام المعدن و هو مقام النضج بعد المزج اي النضج الاول ثم الي مقام النبات ثم الي مقام الحيوان ثم الي مقام الجن ثم الي مقام الملائكة ثم الي الانسان و في هذا المقام تظهر المراتب المتقدمة النازلة كلّها و يظهر العقل المتنزل المدبر المقبل ثم في الكلي الي مقام القطب الغوث الجامع الكلّي و مقام ظهور النفس الملكوتية الالهية ذات اللّه العليا و شجرة طوبي و سدرة المنتهي و جنة المأوي من عرفها لميشق ابداً و من جهلها ضلّ و غوي و هذا المقام هو تمام بلوغ البدو الي العود و الاول بالاخر و الاخر بالاول و هو مقام قاب قوسين او ادني ثم منه يصعد الي مقام اعلي و هو تلك اللطيفة الالهية و هي مقام اللانهاية و ليس لها مقام اعلي منه لانها نهاية ذكره و مبدأ ذاته فلايتعداها ابداً و انما يسير في هذه الرتبة بلا نهاية و لا غاية لها و هي في كلّ مقام يطلب اعلي من مرتبتها فلاتصل اليها و تدور علي نفسها سايرة الي اعلي منها و هي في مرتبتها و مقامها فالحق سبحانه دائمالتجلي عليها في مقامها بنفسها فلايلحق الي اعلي منها و هذا السير لا انقطاع لها و انما كررت العبارة لاجل التفهيم و قدذكرت لك السلسلتين باوضح بيان فتفهم راشداً و ليس لي الان قلب لاشرح مراتب تينك السلسلتين علي كمال التفصيل و فيماذكرنا كفاية لاولي الدراية.
و اما الحقيقة فاعلم ان لها في اخبار اهلالبيت: اطلاقات:
الاول: حقيقة الشيء من ربه التي بها كينونته و تأصله و لها تعبيرات في اخبارهم:منها الروح كماقال تعالي لادم علي مافي الكافي روحك من روحي و طبيعتك خلاف كينونتي و هذا الروح روح مخلوقة وجه اللّه سبحانه في خلقه و منها الحقيقة كمافي حديث كميل في سؤاله لاميرالمؤمنين
«* جواهر الحكم جلد 2 صفحه 522 *»
7 ما الحقيقة فقال7 ما لك و الحقيقة قال كميل أولست بصاحب سرّك قال7 بلي ولكن يرشح عليك مايطفح مني قال او مثلك يخيب سائلاً قال7 كشف سبحات الجلال من غير اشارة الحديث و منها النور كمافي قوله7 اتقوا فراسة المؤمن فانه ينظر بنور اللّه قال7 في تفسيره يعني من النور الذي خلق منه و منها الاب كمافي رواية مولينا الصادق7ان اللّه خلق المؤمنين من نوره و صبغهم في رحمته فالمؤمن اخو المؤمن لابيه و امه ابوه النور و امه الرحمة و قدنطلق عليه الوجود و المادة و الوجه و الفؤاد و العلم و المحبة و التجلي و الظهور و الامر المفعولي و السرّ و اللب و المثال كماقال7صور عارية عن المواد خالية عن القوة و الاستعداد تجلي لها فاشرقت و طالعها فتلألأت فالقي في هويتها مثاله فاظهر عنها افعاله و قال ايضاً7 اذا تجلي ضياء المعرفة في الفؤاد هاج ريح المحبة فاستأنس في ظلال المحبوب فاثر محبوبه علي ماسواه و باشر اوامره و اجتنب نواهيه و هنا اطلاقات اخر و قدنطلق عليها المفعول المطلق و المصدر و الاثر و الخطاب الشفاهي و النقش الفهواني و النفس الرحماني الثاني و عالم المعاني و اللب الانساني و نور الانوار و حقيقة الحقايق الي غير ذلك من الاطلاقات و المراد بهذه الحقيقة هو اثر فعل اللّه سبحانه و اول ماتعلق به المشية الكونية بالاصالة مطلقاً او بالنسبة الي مراتبه النازلة و نسبته الي فعل اللّه سبحانه نسبة المصدر الي الفعل فان الضرب هو الاثر الحاصل من ضرب فاشتق منه الضارب و المضروب لانك اذا لاحظت فيه ظهور المبدأ يكون مثالاً حاكياً عنه كالصورة الحاكية للمقابل في المرءاة فمن هذه الجهة تشتق منه اسم الفاعل فهو في هذه الحالة مثال و صورة لا ذكر لشيء غير المبدأ فيه و هو اذن صفة و اسم و لانعني بالاسم و الصفة غير هذا كماقال7 ان الاسم ماانبأ عن المسمي و قال الرضا7الاسم صفة لموصوف و اشار7 الي هذا الذي ذكرنا بقوله كشف سبحات الجلال من غير اشارة و يريد7 بذلك محو اعتبار غير المبدأ ليتمحض في
«* جواهر الحكم جلد 2 صفحه 523 *»
الوصفية و الاسمية فبهذا الاعتبار نسبه سبحانه الي نفسه و سمّاه روحه فهو اذن منتفي الجهات و الحيثيات لان الكثرة من لوازم الاثنينية و هي انما تتحقق بتغاير الصفة فاذ لميكن الغير لمتكن الاثنينية فتنتفي بذلك كلّ جهة و حيثية و اذ لا جهة و لا حيث فلا كيفية (و لا كيفية خل) فلا حد و لا وضع فلميبق الاّ صرف (ضرب خل) المثال الدالّ علي الحق و للّه المثل الاعلي و ليس كمثله شيء و هذا هو الوجه الاعلي من الاثر فاتقنه تجد ما لاتحيط به العبارة و الوجه الثاني مقام كونه اثراً و مفعولاً مطلقاً فهو حينئذ مادة للشيء و مدلول خطاب كـن قبل تحقق يكون اي المصدر قبل الوقوع المتحقق به المفعول به و هو مسّ النار للدهن في السراج و الكسر قبل الانكسار في اللحاظ في رتبة الذات و هو في الوجه الاول صفة التوحيد و في الوجه الثاني معاني الاسماء و الصفات و مظاهر التجليات و ذكر الحيثيات لظهور بدايع فاطر الارضين و السموات و هذان الوجهان نطلق عليهما الحقيقة من ربه فاذا وجدت في كلمات مولينا و استادنا اطال اللّه بقاه و جعلني فداه الحقيقة من ربه فاحمله علي احد المعنيين المذكورين و المايز قرينة المقام ولكن الاغلب هو الوجه الاول الاعلي.
الثاني: حقيقة الشيء من نفسه و يطلق عليها في اخبار اهلالبيت: الام و الحجاب و الظلمة و المجتث و العدم و الباطل و الجهل و المثل السوء و السجين او قبضة من سجين و الماء المالح الاجاج و العمل و الامل و القابلية و ارض الجرز و امثالها من التعبيرات و المراد بها جهة الانية و حدود الصورة و مقام الانفعال و الانوجاد فان اللّه سبحانه لمّا اوجد الخلق انوجد فالوجود في اوجد هو الحقيقة الاولي و الانوجاد الحقيقة الثانية فلولا الثانية لمتظهر الاولي بل لمتوجد و لولا الاولي لمتكن الثانية فهما متساوقان في الوجود كل واحدة شرط تحقق الاخري و قيام احديهما بالاخري قيام تحقق و لمّا كانت الاولي وجه اللّه سبحانه و جهته كانت الانوار تنسب اليها و لمّا كانت الثانية جهة النفس و هي خلاف جهة الرب كانت الظلمات تنسب اليها فلهما حركتان ذاتيتان و حركتان عرضيتان فعند ذاتية كلّ تكون
«* جواهر الحكم جلد 2 صفحه 524 *»
عرضية الاخري فلاتجتمع الذاتيتان للزوم التناقض في حال واحد فان احديهما تطلب الحق بالذات و الاخري الباطل بالذات فان مال الشخص الي الحق فتكون الحركة ذاتية للاولي و تتبعه الثانية بالعرض و كذلك بالعكس و لاتجتمع العرضيتان ايضاً لعدم المانع للمجموع و الحاصل ان الثانية هي الصورة و الاولي هي المادة و الصورة هي المشخصات الستة التي هي الزمان و المكان و الجهة و الرتبة و الكم و الكيف و هي الماهية و القابلية و كل واحد منها اجزاء لها و حدود و متممات للقابلية و الاولي نور واحد يتقدر بهذه الحدود فافهم ان شاء اللّه تعالي.
الثالث: الشيء المركب منهما و هو الولد المتولد من الحقيقة الاولي التي هي الاب و الثانية التي هي الام و اول المركبات هي النفس الناطقة المعبر عنها بـ «انا» ثم العقل ثم الروح ثم النفس الي اخر المراتب المتقدمة في بيان السلسلة العرضية فراجع.
قــال سلمه اللّه تعالي: مع تذييل الاجوبة بتفسير اية النور و حديث مصباحالشريعة بياناً واضحاً شافياً مستنبطاً من كلمات ائمة الدين: وفقك اللّه لادراك جميع الحقايق بحق محمد و اله الطيبين الطاهرين.
اقــول: اما اية النور فقدفسرها مولينا و مقتدانا و استادنا اطال اللّه بقاه و جعلني في (من خل) كلّ محذور فداه بمايمكن بيانه من طرق الباطن و التأويل فلا حاجة الي اعادتها اذ ما كلّ مايعلم يقال و لا كلّ مايقال حان وقته و لا كلّ ماحان وقته حضر اهله.
و اما حديث مصباحالشريعة فانه سلمه اللّه تعالي يريد قوله7 فيه العبودية جوهرة كنهها الربوبية فمافقد في العبودية وجد في الربوبية و ماخفي في الربوبية اصيب في العبودية قال اللّه تعالي سنريهم اياتنا في الافاق و في انفسهم حتي يتبين لهم انه الحق الحديث اعلم ان الربوبية صفة الرب جلّ و علا و هي علي ثلثة اقسام احدها هي الربوبية اذ لامربوب لا ذكراً و لا عيناً و هي صفة التوحيد الذي كماله نفي الصفات كماعن اميرالمؤمنين7 علي مافي نهجالبلاغة و ثانيها الربوبية اذ لامربوب عيناً لا ذكراً و هي صفة
«* جواهر الحكم جلد 2 صفحه 525 *»
الالوهية بل نفسها و الظهور الجامع لكل الصفات القدسية و الاضافية و الخلقية و ثالثها الربوبية اذ مربوب ذكراً و عيناً و هي صفة الرحمانية او نفسها و هذه المراتب الثلثة هي صفات فعلية ثابتة في مرتبتها و مستقرة في ظلّها و لايخرج منها الي غيرها و لمّا ان اللّه سبحانه خلق الخلق لمعرفته و معرفة اسمائه و صفاته و الممكن لايمكنه الصعود الي الازل حتي يعرفه علي ماهو عليه و الازل لاينزل الي الامكان حتي يتمكن للممكن معرفة ذاته المقدسة و اسمائه و صفاته وجب في الحكمة بيان نفسه و توحيده و اسمائه و صفاته حتي ينتج الخلق نتيجته و يبلغ الممكن غايته من فيض القديم سبحانه و لمّا كان البيان علي قسمين بيان حالي شهودي عياني و هو اجليهما و اكملهما و اشرفهما و امنعهما و ادلّهما و بيان مقالي وصفي لفظي و هو اضعفهما و المجموع اكملهما و اعظمهما وجب عليه سبحانه في الحكمة انيعرف تلك المراتب بالبيان الشهودي الحالي لتكون حجته بالغة و اياته ظاهرة و انواره باهرة و انيمنّ علي الخلق بالمقالي لكمال الامتنان و تمام الاحسان وصف سبحانه نفسه للخلق بالبيانين و لمّا كان البيان كلّما قرب الي المبين له كان اظهر و ابين و ادحض للحجة و المخالفة و ليس اقرب الي الشيء من نفسه اليه و حقيقته لديه جعل سبحانه نفسه اي المخلوق اية و صفة و دليلاً علي توحيده و اسمائه و صفاته فالقي سبحانه اشباح تلك الربوبيات الثلثة في هويات الخلق و حقايقهم و ذواتهم ليستدلوا بالاولي علي توحيده و بالثانية علي استيلائه و استحقاقه للعبادة و بالثالثة علي قهره و غلبته و حاجتهم اليه و استمدادهم من فضل كرمه و هو قول اميرالمؤمنين7 فالقي في هويتها مثاله فاظهر عنها افعاله و لمّا كانت الاشباح الملقاة في هويات الاشياء صفات تلك الربوبيات و ليست فيها جهة غيرها استحقت اسم اصلها فسميت تلك الاشباح و الامثال ربوبيات فاختصت كل مرتبة باسم موصوفها من الصفات الثلثة المتقدمة.
فقوله7 العبودية جوهرة كنهها الربوبية يريد7 بالربوبية صفة تلك الربوبية التي هي صفة الرب جلّ و علا و هذه الصفة ثلثة
«* جواهر الحكم جلد 2 صفحه 526 *»
اقسام كماقلنا لك و هي حقايق الموجودات مع قطع النظر عن روابط الانيات و لوازم الماهيات فمافقد في العبودية من الغناء و الاستقلال و الوحدة المحضة البسيطة و امثالها وجد في الربوبية يحتمل انيراد بها الصفة الثانوية لانها وجه الموصوف فلا فرق بينها و بينه الاّ انها عبده و خلقه و عدم الفرق في المعرفة و التعريف و التعرف فمن عرف القائم عرف زيداً مع ان القائم صفته و اسمه بينه و بين زيد بينونة صفة لا بينونة عزلة و يحتمل انيراد بها الموصوف و المعني في كلا الاعتبارين واحد و ماخفي في الربوبية الاصلية في مقام كنت كنزاً مخفياً فاحببت اناعرف من احوال الغناء و العلم و القدرة و امثالها من الصفات الكمالية الذاتية و غيرها من الفعلية اما الفعلية الاولية فانها في خزانة الوجود الراجح استقرت في ظلها فلايخرج منها الي غيرها و اما الذاتية فهي التي قد سـدّ الغني المطلق باب معرفتها فلايعرف سبحانه الاّ بماوصف به نفسه لخلقه بخلقه فاذن ماخفي في الربوبية من المعرفة و التوصيف اصيب في العبودية حيث ان اللّه سبحانه القي في هويات العبيد امثلة صفاته و اشباح كينونات معرفته بتوحيده و اسمائه و صفاته فيظهر لهم بذلك ماخفي عنهم من الصفات التي يليق بجناب الربّ عزّوجلّ و هو قوله تعالي فاحببت اناعرف فخلقت الخلق لكياعرف و ذلك هو الوجه الذي من عرفه فقدعرف اللّه و قال7 من عرف نفسه فقدعرف ربه و قال9 اعرفكم بنفسه اعرفكم بربه و في الانجيل اعرف نفسك تعرف ربك ظاهرك للفناء و باطنك انا هـ و يريد بالضمير المتكلم الظاهر بالكلام لا الذات البحت فانها لاتقيد بخطاب و لا تكلم و لا غيبة و الاّ اختلفت حالاتها و المتكلم صفة الربوبية و هي التي كنهها العبودية و بتلك الصفة عرف اللّه باللّه كماقال7اعرفوا اللّه باللّه لان الشيء لايعرف الاّ بوصفه اللايق له فلايعرف الاحمر الاّ بالحمرة لا بالبياض و كذا بالعكس و كذلك الحق سبحانه لايعرف بالامكان و صفته فانهما لايجوزان لجنابه و لذا لمّا وصفه المشركون بصفات الممكنات نزّه نفسه عنها و قال سبحان اللّه عما
«* جواهر الحكم جلد 2 صفحه 527 *»
يصفون الاّ عباد اللّه المخلصين بل انما يعرف بصفته و تلك الصفة هي الاية و العلامة التي في انفس الخلايق و في الافاق و هي صفة الحق لايشبه شيئاً من احوال الخلق و لا من صفاتهم و هي المثال و ليس كمثله شيء و هو قوله7 يا من دلّ علي ذاته بذاته اي دلّ علي نفسه بنفسه لا بغيره لان الممكن لدناءة مقامه لايعرفه فهو سبحانه بيّن نفسه لهم بنفسه اي لا بغيره بل بصفته و هي ذلك الوجه في حقيقة الشيء فان الذات تطلق علي مايقابل الصفة و علي مايقابل الغير و ان كان بالصفة و في هذا المقام يراد من الذات المعني الثاني لا الاولي.
ثم استشهد7 بقوله تعالي سنريهم اياتنا في الافاق و في انفسهم حتي يتبين لهم انه الحق و المراد بالاية هي العلامة و هي الاسم و الصفة و هي موجودة في حقايق النفوس و العالم الاكبر بها ظهر الحق سبحانه و عبد و انما اتي بالسين الاستقبالية في هذا المقام و لميأت بها في قوله تعالي كلّ شيء هالك الاّ وجهه لان تلك الاية و الصفة و الدليل و ان كانت موجودة لكن لايوصل اليها الاّ بعد كشف سبحات الجلال من غير اشارة و محو الموهوم و صحو المعلوم و هتك الستر لغلبة السرّ فلايشاهدها المحتجب المنغمس في بحر الشهوات و الملتهي (المتلهي خل) بعالم الكثرات و لذا اتي بالسين الاستقبالية.
ثم اشار سبحانه الي بقائها و دوامها و ظهورها في نفسها بقوله الحق الا انه بكل شيء محيط و قال7 في تفسيره اي موجود في غيبتك و حضرتك اي مع مشاهدتك بكشف الحجب و الاستار او غيبتك بالاشتغال بالكثرات و الغفلة عن الواحد من جميع الجهات و هو سبحانه و تعالي محيط بك بك و ناظر بك اليك و متجلٍ لك بك و ذلك هو الاية و الدليل و صفة الربوبية او نفسها و شبحها للبيان و في هذا المقام تاهت الصوفية القائلين بوحدة الوجود حيث انهم قطعوا جهات انيتهم و وصلوا الي مقام هذه الاية و الصفة حسبوها اصلاً و ذاتاً فقالوا «انا اللّه بلا انا» و لميدروا ان ذلك مثال و صفة ليعرف الخلق اياه سبحانه بها و لا فرق بين تلك الحقيقة و بين قول القائل لا اله الاّ اللّه في اللفظ اذ كما ان تلك الكلمة المباركة تدلّ علي
«* جواهر الحكم جلد 2 صفحه 528 *»
توحيد الحق سبحانه مع انه لا توحيد فيها لا في اللفظ و لا في المعني المدلول عليه الموضوع له اللفظ بازائه و كذلك حقيقتك فانها تدلّ علي التوحيد مع انه خلق حادث لان الصفة من حيث هي و ان كانت اثراً للموصوف لكنها ليست فيها الاّ جهة الموصوف و ذكره فافهم الكلام فان ذلك من مزالّ الاقدام و كم زلّت للاعلام فيه الاقدام و لا حول و لا قوة الاّ باللّه العلي العظيم عصمنا اللّه بمحمد و اله الطاهرين و السلام علي تابع الهدي.