رسالة جواب عبد الله بیک عن خمس مسائل
من مصنفات السید الاجل الامجد المرحوم الحاج
سید کاظم بن السید قاسم الحسینی اعلی الله مقامه
«* جواهر الحكم جلد 2 صفحه 387 *»
بسم اللّه الرحمن الرحيم
الحمدللّه رب العالمين و الصلوة علي محمد و اله الطاهرين المعصومين.
اما بعــد؛ فان جناب السائل المتقدم ذكره اردف تلك المسائل بمسائل معضلة فكتبت جوابها مستعجلاً مع تفرّق البال و اختلال الاحوال متوكلاً علي اللّه مقتصراً علي ادني مايحصل به المطلوب و اللّه ولي التوفيق.
قــال ايّده اللّه تعالي: هل كان رسولاللّه9 عالماً بمايصنع بالحسين7 قبل انيخبر به جبرئيل ام لا فان كان عالماً فما الفائدة في اخبار جبرئيل.
اقــول: ان اللّه عزّوجلّ خلق نبيّه و صفيّه في الخلق الاول قبل انيخلق خلقاً باربعهعشر الف دهر و كلّ دهر مائة الف سنة ثم خلق القلم و هو اول خلق من الروحانيين عن يمين العرش و اول غصن اخذ من شجرة الخلد ثم قال له سبحانه اكتب يا قلم فقال يا رب مااكتب قال اكتب اشهد ان لا اله الاّ اللّه و اشهد ان محمداً عبده و رسوله فغشي علي القلم من حلاوة اسم محمد9 الف سنة فلمّا افاق امره اللّه سبحانه انيكتب ماكان و ما هو كائن الي يوم القيمة و بعده الي ماشاء اللّه الي ما لا نهاية له ثم ختم علي فم القلم فلميكتب و قدجفّ القلم ثم جعله سبحانه عند محمد9 فكان بذلك خازن علم اللّه و مهبط وحيه فعلم اسرار ماكان و ماهو كائن الي يوم القيمة و مماكتب القلم واقعة الحسين7 و قدروي انه لمّاوصل الي هذه الواقعة الهايلة جري القلم بلعن يزيد اربع مرات من غير اذن اللّه تعالي اي الاذن الخاص و الاّ فالاذن العام كان ثابتاً اذ لاينطق و لايكتب عن الهوي ان هو الاّ وحي يوحي فقدعلم النبي9 جميع الاحوال و الوقايع قبل ابرائها و انشائها في اماكنها و اوقات
«* جواهر الحكم جلد 2 صفحه 388 *»
وجوداتها فلمّا نزل9 من عالم الغيب الاوّل الي الغيب الثاني الي عالم الشهادة و لمّاكان عالم الشهادة ضيّقالفضاء كان لاتنزل تلك العلوم اليه دفعة واحدة لكنها تجري كالنهر الجاري دائمالجريان لا انقطاع له ابداً ينزل من غيبه9 الي شهادته و لمّاكان بين الامرين لابد من رابطة كانت تلك الروابط هي الملائكة و هي الروابط بين غيبه و شهادته9 تأخذ من غيبه و تؤدّي الي شهادته روحي فداه مثاله الخطرات التي ترد عليك و تظهر منها في حواسك المرتبطة بجسمك فان تلك الخطرات انما وردت عليك من قلبك الي ظاهر جسمك و حواسك فالملائكة هم تلك الروابط و هم ذوات متأصلة و ارواح ذوو شعور و ادراك و ارادة خلقوا من فاضل شعاع العقل الكلّي الذي هو القلم لقدبرزوا و ظهروا منه كمابرزت الاشعة من الشمس و تلك الروابط مما لابد منه في الوجود فلايمكن في عالم الشهادة انيصل اليه9 حكم من غير الملك و لايمكن انيأخذ الملك الاّ عن غيبهم لان العلم اشرف من كلّ شيء و محله يجب انيكون اشرف لحكم المناسبة فلو كان سويهم حملة العلم كانوا اشرف من محمد و اهلبيته صلّي اللّه عليهم اجمعين كيف و ان جبرئيل ماعرف اللّه سبحانه الاّ بعد ان عرفه اياه علي7 و قدروي عن النبي9 انه قال لجبرئيل ممن تأخذ الوحي قال من اسرافيل قال9 و هو ممن يأخذ الوحي قال من ميكائيل قال9 و هو ممن يأخذ الوحي قال من اللوح و اللوح من القلم انتهي و قدعرفت ان القلم متأخر عن النور الاحمدي9 حتي انه غشي عليه الف سنة عند سماع اسمه الشريف فصحّ لك انه9 كان عالماً بمايصنع بالحسين7 قبل خلق جبرئيل في عالم الغيب الاّ ان جبرئيل واسطة (رابطة خل) تنزل العلم من غيبه الي شهادته فكان في عالم الاجسام بواسطة جبرئيل و ساير الملائكة و في عالم الغيب كان يعلم جبرئيل بواسطته9 فافهم.
«* جواهر الحكم جلد 2 صفحه 389 *»
قــال وفّقه اللّه تعالي: ما معني خلق اللّه الاشياء بالمشية و خلق المشية بنفسها.
اقــول: اعلم ان المشية هي الذكر الاول كماقال الرضا7 ليونس بن عبدالرحمن أتدري ما المشية قال لا قال7 هي الذكر الاوّل و الاشياء ماعداها كلّها مذكورة بالذكر فمنها ماهو مذكور بالامكان و منها ماهو مذكور بالكون و منها ماهو مذكور بالكون الغيبي و منها ماهو مذكور بالكون الشهودي و قداشار الي القسم الاول مولينا الصادق7 عند تفسير قوله تعالي هل اتي علي الانسان حين من الدهر لميكن شيئاً مذكوراً قال7 كان مذكوراً في العلم و لميكن مكوّناً و لا شك ان المذكور مسبوق بالذكر فيكون الذكر الاول هو السابق علي كلّ شيء و لو كان هذا الذكر قديماً لايخلو اما انيكون عين الذات او غيرها فان كان عين الذات يلزم الكثرة و التركيب في الذات لان الذكر له ارتباط بالمذكور و الاّ لميكن ذكراً فيكون له جهتان فاذا كان الذكر عامّاً فله صلوح الروابط الخاصة فتكثر الجهات بتكثر المذكورات فلايكون الازل صمداً لتعدّد الجهات و النسب فيه و لذا قال7لاتكون الارادة الاّ و المراد معه و ان كان غير الذات تعدّد القدماء فيجب انيكون حادثاً فحينئذ لايخلو اما انيكون حادثاً بنفس ذكره فهو المطلوب ام بذكر اخر فينتقل الكلام فيه فيتسلسل و هو باطل بالضرورة في هذا المقام مع انك اذا راجعت الي وجدانك وجدت انك اولاً تذكر شيئاً من غير سبق شيء ثم تحكم علي ذلك الشيء بالاثبات او النفي و ليست ارادتك الاّ ذلك الذكر و لميكن قبل ذلك الذكر شيء سوي ذاتك و قداحدثت ذكراً بنفسه ثم رتبت عليه حكماً من الاحكام.
و وجه اخر ان المشية هي فعل اللّه سبحانه و ماسواها من المخلوقين كلّهم مفعول و المفعول مسبوق بالفعل و متقوّم به و الفعل لو كان مسبوقاً بفعل اخر لزم التسلسل ولو كان عين الذات وجب ان لايفارقها مع ان الفعل يوصف بالنفي و الاثبات تقول فعل و لميفعل فتنفي مع بقاء الذات فوجب انيكون مخلوقاً بنفسه و معني ان المشية مخلوقة بنفسها انه ليس بينها و بين الذات سبحانه و تعالي وصل و اتصال و لا فصل و
«* جواهر الحكم جلد 2 صفحه 390 *»
لا انفصال و لا نسبة و لا تضاد و لا تخالف و لا توافق اذ في صورة الفصل ان كانت الفاصلة نفسها لمتكن فاصلة و ان كانت غيرها و المفروض عدمه و في صورة الاتصال لابدّ من مشابهة و مناسبة في الملتقي فتكون الخلق حقّاً ام الحقّ خلقاً و يلزم التحديد عند الاتصال اذ لو لمتعتبر الجهات و المغايرة جاءت الوحدة و ارتفع الاتصال و اذا عبرت وجب التحديد و هو باطل بالضرورة و في صورة النسبة يلزم التركيب و اتحاد الاصقاع اذ لابد من وجود النسبة في المقامين فيكون في كلّ من المنتسبين ذات و جهة و ارتباط الي الاخر و هو التركيب و في صورة التضادّ لميتصور كونها مخلوقة اذ الضدّان متعادلان في القوة و الوجود فلميكن احدهما محدثاً و الاخر محدثاً (بفتح الدال في الثاني) و كذلك المخالفة و الموافقة و اما كيفية هذا الصدور فلا كيف لها فلاتعرف بالكيف كماقال مولينا الرضا7 و انما ارادته احداثه لا غير لانه لايروّي و لايهمّ و لايفكّر و انما يقول للشيء كن فيكون من غير لفظ و لا كيف لذلك كما انه لا كيف له و لا بيان اعظم مماذكرنا في مقام العبارة و اللّه الموفق للصواب.
قــال سلّمه اللّه تعالي: و هل الصفات الحادثة الفعلية خلقت قبل المشية ام لا (بعدها خل).
اقــول: ان النحاة ذكروا ان الفعل هو الاصل في العمل و ان الفعل هو الذي يرفع الفاعل و مقتضي هذا القول المتفقعليه انيكون الفعل مقدّماً علي تلك الصفات لانها هي الاسماء كقولك الخالق الرازق المحيي المميت و امثالها من الاسماء و ايضاً قالوا ان اسم الفاعل مشتق من الفعل او المصدر و هو ايضاً دليل علي تقدّم المشية علي الاسماء لان العامل اشرف من المعمول و هو المؤثر في المعمول و المنفعل المتأثر لايتقدم علي الفاعل المؤثر و كذا المشتق منه اصل للمشتق و المشتق فرع لان الاشتقاق اقتطاع فرع من اصل و هذا لا اشكال فيه ولكنهم ايضاً اتفقوا علي ان الفعل لا قوام له الاّ بالفاعل و هو الاصل (اصل خل) و الفعل فرع له و هو اشرف من الفعل حتي انهم لايعرفون من
«* جواهر الحكم جلد 2 صفحه 391 *»
الفاعل الاّ الذات فمقتضي هذا القول انيكون الاسماء و الصفات مقدمة علي المشية التي هي الفعل و حقيقة الامر هي ان الاسم ظهور المسمي بالاثر و ذلك الظهور انما هو قائم بالاثر قيام تحقق ألا تري ان القائم اسم لظهور زيد بالقيام و القاعد لظهوره بالقعود و العالم لظهوره بالعلم و امثالها فالاثر مساوق للظهور بل الظهور هو الوجه الاعلي منه و ذلك الاثر انما هو متقوم (متقدم خل) بالتأثير الذي هو الفعل و صادر عنه و المشية هي التأثير و الاحداث الذي هو الفعل و الاثر هو المصدر الذي هو المفعول المطلق و هذا المصدر له ثلث جهات: الاولي جهته الي مبدئه و ذكر علته فيه و الثانية جهة تعلّقه بغيره و الثالثة مقام تحقّقه في نفسه فمن الجهة الاولي يشتق الاسم الفاعل و من الجهة الثانية يشتق الاسم المفعول و من الجهة الثالثة المفعول المطلق فالاسم مشتق من المصدر و المصدر مشتق من الفعل فالاسم متأخر عن المصدر و لذا تراه يعمل فيه و المصدر متأخر عن الفعل و لذا يقع تأكيداً و معمولاً له فتكون حينئذ الاسماء متأخرة عن الفعل الذي هو المشية ألا تري اختلاف الاسماء و تعدّدها في زيد مثلاً انما هو من جهة اختلاف اثاره و الفعل واحد فاذا صدر عنه القيام اشتق له اسم القائم و اذا صدر عنه القعود اشتق له اسم القاعد وهكذا فتكون الاسماء هي جهات ظهورات الذات بالفعل و التأثير و هي لا شك انها متأخرة عن الفعل و اما وجه التقدم فهو من جهة الدلالة و الذكر فان الفاعل اي الاسم الفاعل هو حكاية الفعل للمفعول و عدم استقلالية نفسه و هو مقام طي الوسايط مثلاً اذا نظرت الي المرءاة فانك تلتفت الي زيد المقابل مثلاً و تحكم عليه مع قطع النظر عن كونه مثالاً لزيد في المرءاة و لا ريب انه مثال متأخر عن تأثير زيد و مقابلته للمرءاة لان تلك الصورة انما حدثت من جهة المقابلة و هي العلة لوجودها لكنّك حين التفاتك الي الصورة تلتفت الي الذات و تقطع التفاتك عن المقابل و التأثير و ساير القرانات و الوسايط الحاصلة مع انها كلّها مقدمة علي تلك الصورة الحاكية فافهم ان كنت تفهم و الاّ فاسلم تسلم و اعلم ان هذه المسألة من اغمض المسائل في التوحيد الاّ
«* جواهر الحكم جلد 2 صفحه 392 *»
اني اشرت اليها اشارة يسيرة تنبيهاً الي نوع المقصود فمن كان له قلب او القي السمع و هو شهيد تري الامر علي ماذكرت واضحاً ظاهراً و اللّه ولي التوفيق و لا حول و لا قوة الاّ باللّه العلي العظيم.
قــال سلّمه اللّه تعالي: هل الصادر الاول هو المشية ام الحقيقة المحمدية9 .
اقــول: اعلم ان الحقيقة المحمدية9 بالنسبة الي المشية كالانكسار بالنسبة الي الكسر و الكسر و ان كان مقدّماً علي الانكسار الاّ انه لا تحقق له الاّ بالانكسار اذ لو لميكن الانكسار لميكن الكسر و لولا الكسر لميكن الانكسار كلّ واحد منهما شرط لتحقق الاخر و الانكسار محلّ للكسر و به تمام الكسر و احدهما قائم بالاخر قيام تحقّق و عضد و يقال ايضاً ان الحقيقة المقدسة قائمة بالمشية قيام تحقّق و المشية قائمة بها قيام ظهور و هو قوله7 نحن محالّ مشية اللّه و لاتظهر اثار المشية في الاكوان و الاعيان الاّ بتلك الحقيقة الشريفة9 و هي الزيت الذي يكاد يضيئ ولو لمتمسسه نار المشية و هنا احوال عجيبة و اسرار غريبة يضيق صدري باظهارها و لايضيق بكتمانها.
اخاف عليك من غيري و مني | و منك و من زمانك و المكان | |
و لو اني جعلتك في عيوني | الي يوم القيمة ماكفاني |
قال سلّمه اللّه تعالي: و علي اي التقادير (التقدير خل) هل خلقه اللّه سبحانه بذاته او بامر اخر و ان كان الثاني فاي شيء هو و المفروض انه لميكن هناك شيء غير الذات.
اقــول: هذا اخر مسائله وفّقه اللّه لمراضيه. اعلم انا قدذكرنا لك سابقاً عن كلام مولينا الصادق7 انه سبحانه خلق المشية بنفسها ثم خلق الاشياء بالمشية و بيّنّا معني خلقها بنفسها انه لا بمشية غيرها و لا بذاته تعالي لان الذات سبحانه و تعالي ليس لها مع غيرها ربط و لا نسبة و لا وصل و لا فصل و لا تباين و لا تخالف لماذكرنا سابقاً فلانعيد. و السلام علي /تابع (من
«* جواهر الحكم جلد 2 صفحه 393 *»
اتبع خل) الهدي و خشي عواقب الردي و صلّي اللّه علي محمّد و اله الطاهرين و لا حول و لا قوة الاّ باللّه العلي العظيم.