الفواِئد السبع
من مصنفات الشیخ الاجل الاوحد المرحوم
الشیخ احمدبن زین الدین الاحسائی اعلی الله مقامه
«* جوامع الکلم جلد 2 صفحه 226 *»
بسم الله الرحمن الرحيم
الفائدة الثالثة عشرة في الاشارة الي بيان كيفية تكون الموجودات و تنزلاتها في مراتب ظهوراتها و بيان ما يلحق اكوانها من عوارض مراتبها.
اعلم ان الله سبحانه خلق الاشياء لا من شيء اي لا من مادة كانت معه غير مكونة و الا لكانت مخلوقة من حصص قديمة لمتزل، تعالي ربي عن ذلك علوا كبيرا بل خلق لها مادة اخترعها لا من شيء سبق و انما هي تأكيد فعله و اثره مثل ايجاد ضربا الذي هو الحدث من ضرب و ذلك هو هيولي الاشياء و وجودها و هو الذات الذي ذوت منه و من اشعته الذوات لان الجوهر ان كان جسما فهو متقوم بصفاته و اعراض افعاله التي هي منشأ قابليته للتكوين و الظهور في اعيان رتبته و ان كان مجردا فهو متقوم بما تلبس و امكن فيه من صفات افعاله و اعراض رتبته من الكون و الي هذا المعني الاشارة بقول اميرالمؤمنين عليهالسلام و الذي بالجسم ظهوره فالعرض يلزمه هـ ، و المراد ان المجرد لايوجد الا اذا قبل الايجاد و قبوله لابد انيكون[1] متأخرا عن مقبوله بالذات و الرتبة لان القبول فعل موجود و الفعل صفة فاعله و الصفة متأخرة عن الموصوف في الذات و الرتبة لانها مخلوقة منه و لما لميكن موجودا قبل قبوله للايجاد لتوقفه علي قبوله و لميعقل وجود الصفة قبل الموصوف وجب انيكون ظهورهما معا لتوقف ظهور المقبول علي وجود القابل و توقف تحقق القابل علي وجود المقبول لانه صفة المقبول و ذلك كالكسر و الانكسار فان الانكسار فعل من الكسر و صفة له الا ان ظهوره متوقف علي الانكسار فلما خلق الله المقبول اعني الهيولي انخلق فانخلق هو القبول و هو فعل من المخلوق اي المقبول خلقه الله بامكانه و استعداده من نفس المقبول من حيث نفسه اي من حيث هو هو و هذا
«* جوامع الکلم جلد 2 صفحه 227 *»
القبول هو صورته و ماهيته و ظاهره اللازم له و ظاهر المجرد اللازم (له خم) هو (و خل) باطن جسمه فاذا تنزل الي رتبة الجسمية بظاهره ظهر جسمه و هو مادة جسمه ايضا هي المقبول و ظاهرها هو القبول اعني معيناتها من الكم و الكيف و الوقت و المكان و الرتبة و الجهة و ما يلزم ذلك و هكذا كلما نزل الي رتبة تلبس باعراضها التي هي حدود قابليته للتنزل (المتنزل خل، التنزل خم) الي تلك الرتبة فالقبول في كل رتبة من مراتب النزول ظاهر و صفة و مركب حامل للمقبول و المقبول في كل تنزلاته باق في كل تنزله في رتبته قبل التنزل و انما ينزل بحدود صفاته الفعلية فالفؤاد تعين بامدادات فعلية فؤادية عقلية تنزل بها الي رتبه العقل بالعقل و العقل تميز بتاييدات فعلية تنزل بها الي رتبة الروح ثم النفس و النفس تشخصت بمشخصات فعلية نفسانية تنزلت بها الي رتبة الطبيعة و الطبيعة انعمت و ذابت باحوال فعلية طبيعية انعقدت بها و تنزلت (بها خل) الي رتبة جواهر الهباء و الحصص المادية و الجواهر الهبائية و الحصص المادية تنقلت (انتقلت خل) في مراتب تنزلاتها بما به تعينها من آثار الصور الجوهرية النفسانية و تلك الآثار هي الصور المثالية فنزلت تلك الجواهر الهبائية مصاحبة لما لبست من تلك الآثار التي اتصفت افعالها بها بالقوة فتلقتها الملئكة المدبرة من العرش الذي تلقتها من الماء الحامل له حتي القتها علي الريح و القتها الريح علي السحاب و القتها السحاب علي الارض ماء فاختلط به نبات الارض فانحل منه جزءان بجزء من التراب مشاكل فجري غذاء في الشجر و النبات فخرج متاعا للانسان و الانعام فكان نطفة ثم علقة ثم مضغة ثم عظاما ثم يكسي العظام لحما ثم ينشئ خلقا آخر عند الولادة الجسمانية حين ظهرت النفس الحيوانية الفلكية الحسية ثم تظهر النفس الناطقة القدسية عند الولادة الدنيوية و هي التي موادها من التاييدات العقلية فتتولد نفوس عمرو و بكر و خالد من نفس ابيهم زيد بما صحبها من مقتضيات تشخصاتها من افعال طبايعها و اوصافها الكامنة فيها بسبب اختلافها و تغايرها كما تتكثر الصور المنعكسة عن صورة زيد المنطبعة في المرآة اذا قابلت مرايا متعددة و مثال ما
«* جوامع الکلم جلد 2 صفحه 228 *»
اشرنا اليه ايضا مثل حبة الحنطة اذا زرعت فان طبيعتها مثل الجوهر المجرد و صفاتها و صفات صفاتها مثل الامدادات و التاييدات و التنزلات علي نحو ما ذكر في تنزل الفؤاد اعني الوجود فان الحبة تنشق بما فيها من الطبيعة و الافعال التي هي القابلية في كل رتبة بحسبها حتي يظهر ما في صفاتها بالقوة منها الي الفعل عودا اخضر و الحبة في غيب العود الاخضر كامنة كنطفة زيد في صلبه التي يتكون منها ابنه عمرو الي ان تتكون من تلك الاوصاف سنبلة تكون للحب (للحبة خل) بمنزلة المشيمة و بطن الام للجنين و لما تعددت تلك الاوصاف الفعلية الطبيعية تعددت آثارها و اختلفت فكانت تلك السنبلة متعددة البيوت فانبسطت تلك الطبيعة علي تلك البيوت فتعددت كما تتعدد الصور من الوجه الواحد في المرايا المتعددة و كما تتعدد (تعدد ظ) عمرو و بكر و خالد من نطفة ابيهم زيد و هذه الاوصاف الفعلية التي منها يكون الاطوار الجسمية و الجسمانية و التعينات العقلية و النفسية و الطبيعية كانت منها مقبولات عرضية في كل رتبة بنسبتها جعلت لها قابليات من نفسها كالمقبولات الذاتية و تحقق الاتصاف بها بتحقق قوابلها الي انتهاء قوس النزول بانتهاء ادبار مؤثرها فلما قيل له اقبل اقبل فاقبل بآثاره اقبلت الآثار باغراضها بالغين المعجمة و القت اعراضها بالعين المهملة فاتصف باطنها بظاهرها و تحلي (تجلي خل) ظاهرها بباطنها فحصل لباطنها الاغراض الظاهرة كالباطنة و حصل لظاهرها الاغراض الباطنة كالظاهرة فادركت بباطنها الباطن و الظاهر و ادركت بظاهرها الظاهر و الباطن و الاصل فيما اشرنا اليه ان الهيولي الاولي اعني الوجود بالمعني الاول لاتتقوم الا بصورتها اعني الماهية بالمعني الاول لانها جزء ماهية الشيء اذ كل ممكن مركب من مادة و صورة و لكنها في كل رتبة بنسبتها فتعين الاجناس بالمعينات الجنسية و الانواع بالمعينات النوعية و الافراد بالمعينات (بالتعينات خل) الشخصية و المعينات التي هي حدود الصورة و القابلية مخلوقة من نفس المقبول اعني المادة من حيث هي هي فاذا (فلذا خل) كانت جزء ماهية الشيء و ان كانت ظاهره الحامل لباطنه كما خلقت حواء من آدم عليهما السلام قال تعالي
«* جوامع الکلم جلد 2 صفحه 229 *»
خلقكم من نفس واحدة و خلق منها زوجها لان المادة هي الاب كما تقدم و الصورة هي الام كما دل عليه العقل و نص عليه النقل فالحبة التي مثلنا بها هي المادة بصورتها و العود الاخضر الذي هو ظاهرها غيب فيها طوته الحبة في وصفها و في صورتها طيا فاذا زرعتها ظهر العود الاخضر و كمنت الحبة في باطنه كما كمن قبل زرعها في ظاهرها حتي تظهر الحبة في السنبلة متعددة متكثرة في اكمامها المتكثرة و محالها المتعددة كما تتحد النطف في صلب الرجل و تتعدد في القوابل و تتكثر في الارحام و قد اشرنا الي ذلك قبل هذا و ادلة ما اشرنا اليه في قوله تعالي سنريهم آياتنا في الآفاق و في انفسهم حتي يتبين لهم انه الحق، و في مثل قول الامام جعفر بن محمد الصادق عليهما السلام العبودية جوهرة كنهها الربوبية فما فقد في العبودية وجد في الربوبية و ما خفي في الربوبية اصيب في العبودية الحديث. و في قول الامام الرضا عليهالسلام قد علم اولو الالباب ان الاستدلال علي ما هناك لايعلم الا بما هاهنا هـ ، و امثال ذلك مما يفيده دليل الحكمة.
الفائدة الرابعة عشرة اعلم ان الوجود الممكن ذهب فيه اكثر الحكماء و العلماء من اهل الملل و اهل النحل الي ان هذه الموجودات المتكثرة المتعددة المختلفة كلها من طينة واحدة و انما اختلفت (اختلف خل) باختلاف معيناته و تغايرها و تكثر (تكثرها خل) بتكثر مراتبه (و تكثر مراتبه خم) من جهة القرب الي المبدء و البعد كما تكثرت مراتب نور السراج الواحد من جهة قربه من السراج و بعده فاقواها نورا و حرارة ما كان اقرب الي السراج و اضعفها نورا و حرارة ما كان ابعد منه و ما بينهما بالنسبة فانه تعالي خلق الوجود لاغير و هو اول ما خلق الله عزوجل و هو الماء المذكور في القرآن و الاحاديث فخلق من صفوته نور محمد صلي الله عليه و آله و اهل بيته عليهم السلام ثم خلق من صفوة الباقي انوار الانبياء عليهم السلام ثم خلق من صفوة الباقي انوار المؤمنين من الانس ثم المؤمنين من الجن ثم الملئكة ثم الحيوانات ثم النباتات ثم المعادن ثم الجمادات و اما (الانس خ) الكفار و الجن الكفار و الشياطين و
«* جوامع الکلم جلد 2 صفحه 230 *»
المسوخ و النبات المر و الارض السبخة فمن عكوسات اولئك الانوار و اظلتهم و لهم (و دلهم خم) علي وحدة طينة هؤلاء المتكثرين ظواهر الاخبار فان الفاظ تلك الادلة وردت بالوحدة مثل قوله عليهالسلام ان اول ما خلق الله الماء و خلق منه كذا و كذا و مثل قوله تعالي و جعلنا من الماء كل شيء حي افلا يؤمنون حتي انه لايكاد يوجد قائل بخلاف هذا و يجعلون جميع الممكنات من طينة واحدة و رتبة واحدة و انما اختلفت الاشياء بسبب اختلاف مشخصاتها و بتغاير مراتبها في الشدة و الضعف كما هو شأن مراتب المشكك بحيث كانت عندهم طينة الحجر و التراب من طينة نور محمد صلي الله عليه و آله و هذا غلط و باطل و زبد مجتث زائل اذ لو كان كذلك لامكن في الناقص انيلحق بالكامل مع بقاء نقصانه الذاتي فيجوز للمؤمن الصالح العامل بما امر به انيسأل الله تعالي ان يجعله نبيا لانه علي هذا القول انما لميكن نبيا لانه ناقص في بعض ما يتعلق به التكليف و الا فطينة الانبياء عليهمالسلام و طينة المؤمنين واحدة و ليس كذلك فان قلت انه قد ورد ان الانبياء عليهم السلام و المؤمنين مشتركون في طينة واحدة كما هو معني حديث بصائر الدرجات قلت نعم و سنذكره ان شاء الله تعالي و لكن المراد منه اما كون المراد من الشيعة الانبياء عليهم السلام فيكون المراد من الشيعة مطلق الانبياء و من الانبياء المرسلين او المراد بالطينة المشترك فيها طينة الصفة اعني الشيعة لا طينة الذات او الصورة الذاتية اعني الصبغ في الرحمة فان الله تعالي خلق المؤمنين من نوره و صبغهم في رحمته و المراد بالمشاركة في نقل العلم منهم عليهم السلام كما قال الباقر عليهالسلام في حديث الحسن البصري في قوله تعالي و جعلنا بينهم و بين القري التي باركنا فيها قري ظاهرة قال عليهالسلام بل فينا ضرب الله الامثال في القرآن فنحن القري التي بارك الله فيها و ذلك قول الله عزوجل فيمن اقر بفضلنا حيث امرهم انيأتونا فقال و جعلنا بينهم و بين القري التي باركنا فيها اي و جعلنا بينهم و بين شيعتهم القري التي باركنا فيها قري ظاهرة او القري الظاهرة الرسل و النقلة عنا الي شيعتنا و فقهاء شيعتنا و قوله سبحانه و قدرنا فيها السير السير مثل العلم سير
«* جوامع الکلم جلد 2 صفحه 231 *»
به سيروا فيها ليالي و اياما مثل لما يسير من العلم و الليالي و الايام عنا اليهم في الحلال و الحرام و الفرائض و الاحكام آمنين فيها اذا اخذوا عن معدنها الذي امروا انيأخذوا منه آمنين من الشك و الضلال و النقلة من الحلال و الحرام. رواه الطبرسي في الاحتجاج و الحق ان الوجود الممكن ليس متحدا في الرتبة الذاتية و لا في الرتبة التنزلية كما ذكره الاكثرون من ان تعدده في الرتبة التنزلية كتعدد نور السراج الواحد في مراتبه التنزلية مع ان رتبته الذاتية واحدة فقولنا ان وجودات الممكنات ليست متحدة في الرتبة الذاتية، نريد به ان الرتبة الاولي مختصة بالخلق الاول و ليس لمن بعدهم فيها نصيب بوجه من الوجوه (و لا ربط بينهما خم) الا ربط العلية و المعلولية فالوجود الذي خلقت منه العقول لمتخلق منه النفوس لا من صفوته و لا من باقيه و انما خلقت النفوس من اثر ما خلقت منه العقول بمعني انها خلقت من شعاع ما خلقت منه العقول و آيته و مثاله و دليله ان شعاع الشمس الواقع علي الجدار خلق من ظهور جرم الشمس به و استنارة المقابل للجدار المستنير خلقت من شعاع استنارة الجدار و استنارة المقابل للمقابل المستنير خلقت من شعاع استنارة المقابل للمقابل و هكذا مراتب الوجود في تراميها من النور المحمدي صلي الله عليه و آله الي التراب كل سابق منير و ما بعده شعاعه و نوره و كل نور جزء من سبعين جزء (جزءا ظ) من نور منيره السابق عليه و هو معني ما رواه في بصائر الدرجات بسنده عن ابيعبدالله عليهالسلام قال يعني محمد بن مروان سمعته عليهالسلام يقول خلقنا الله من نور عظمته ثم صور خلقنا من طينة مخزونة مكنونة من تحت العرش فاسكن ذلك النور فيه فكنا نحن خلقا و بشرا نورانيين لميجعل لاحد في مثل الذي خلقنا منه نصيبا و خلق ارواح شيعتنا من ابداننا و ابدانهم من طينة مخزونة مكنونة اسفل من تلك الطينة و لميجعل الله لاحد في مثل ذلك الذي خلقهم منه نصيبا الا الانبياء و المرسلين فلذلك صرنا نحن و هم الناس و صار الناس همجا في النار و الي النار هـ . و المراد من هذا الحديث الشريف علي ما اعرف علي سبيل البت و القطع عندي انه تعالي اول ما خلق نور محمد صلي الله عليه و آله و خلق من نوره نور
«* جوامع الکلم جلد 2 صفحه 232 *»
علي و فاطمة و الحسن و الحسين و التسعة الاطهار من ذرية الحسين عليهم السلام كخلق السراج من السراج و هو قول علي عليهالسلام انا من محمد كالضوء من الضوء، و الضوء من المنير لا النور و بقوا كما روي (و الضوء هو المنير لا النور لقوله تعالي هو الذي جعل الشمس ضياء و القمر نورا و بقوله كما روي خم) عنهم عليهم السلام الف دهر (كل دهر خم) علي ما يظهر لي مائة الف سنة يسبحون الله و يحمدونه و يهللونه و يكبرونه ليس في الوجود الممكن سواهم ثم خلق عزوجل من اشعة انوارهم انوار مائة الف و اربعة و عشرين الف نبي عليهمالسلام و بقوا الف دهر يسبحون الله و يحمدونه و يهللونه و يكبرونه ليس في الامكان غير محمد و آله و غيرهم صلي الله عليه و آله و عليهم اجمعين لميخلق تعالي من تلك الاشعة غير الانبياء عليهم السلام ثم خلق تعالي من اشعة انوار الانبياء عليهم السلام انوار المؤمنين الانس ثم من انوار المؤمنين الانس انوار المؤمنين من الجن و هكذا علي نحو ما ذكرنا قبل هذا و هذا هو الحق و هو الذي دلت عليه آيات الله التي اراها عباده في الآفاق و في انفسهم منها السراج و نوره فان نور السراج مع تفاوت اجزائه كله من رتبة واحدة و الوجود في تفاوت اجزائه ليس من رتبة واحدة فلاتكون العقول المجردة و الارواح القادسة و الجمادات الكثيفة الغاسقة من رتبة واحدة كجزئين من نور السراج بل من رتبتين رتبة المنير و رتبة النور فاذا طرق سمعك شيء من كلامهم عليهم السلام مثل قولهم عليهم السلام خلق من فاضل طينة كذا فاعلم انهم عليهم السلام يريدون بالفاضل شعاع الشيء و اشراقه و وصفه لاتتوهم انهم عليهم السلام يريدون بالفاضل بقية الشيء ابدا فافهم.
الفائدة الخامسة عشرة اعلم ان الله عزوجل كان في عز جلاله و قدس كماله وحده لا شريك له و ليس معه غيره و هو الآن علي ما كان اعني وحده لا شريك له و ليس معه غيره ثم احدث المشية الامكانية بنفسها ثم احدث الامكان بها فكانت امكانات الاشياء باحداثه بمشيته اعني فعله و معني انه احدث المشية بنفسها ان المشية معناها بالعبارة الظاهرة التبيينية (التنبيهية خم) انها الحركة
«* جوامع الکلم جلد 2 صفحه 233 *»
الايجادية و الحركة الايجادية محدثة يتوقف احداثها علي حركة ايجادية و هي حركة ايجادية فلايحتاج في ايجادها الي غير نفسها و اذا سمعت انا نقول خلق الله المشية بنفسها فاعلم انا نريد بذلك انها شيء واحد غير متعدد لا في ذاته بان تكون نفسها شيئا و هي شيئا آخر و لا في حيثية (حيثيته خل) بانتكون نفسها من حيث هي علة غيرها من حيث هي معلولة و ان اردنا هذا في حال التعريف و التبيين و هي بسيطة في اعلي مراتب البساطة الامكانية اذ كل ما يميز و يدرك مما سواها فبها كان و عنها صدر و لا اول لها في الامكان غيرها و مكانها الامكانات التي بها صدرت و وقتها السرمد و احدث سبحانه بها امكانات الاشياء علي وجه كلي لايتناهي في الامكان بمعني ان امكان زيد يمكن ان يكون عمرا و انيكون منه عمرو و انيكون نبيا او شيطانا و انيكون منه نبي او شيطان و انيكون سماءً و ارضا او بحرا او جبلا او حيوانا و انيكون منه سماء او ارض او بحر او جبل او حيوان و هكذا الي غير النهاية و الحاصل ان الممكن ممكن لغيره لا لذاته كما ذكره من قسم الاشياء الي خمسة اقسام فقال واجب لذاته و هو الله عزوجل و واجب لغيره و هو وجود المعلول عند وجود علته التامة و ممتنع الوجود لذاته و هو شريك الباري و ممتنع الوجود لغيره و هو وجود المعلول عند عدم وجود علته التامة و ممكن الوجود لذاته قالوا و لايجوز انيكون ممكن الوجود لغيره اذ لو فرض ذلك لكان قبل الغير اما انيكون واجبا او ممتنعا اذ الاشياء لاتخلوا من احدهما فكان بالغير ممكنا فيلزم انقلاب الحقايق و هو ممتنع و الجواب بالمعارضة انه (عنه بشيئين بالمعارضة و بدليل الحكمة و اما بالاول فبأنه خم) اذا كان لذاته كان قديما لانه ان كان شيئا قبل ما من الغير كان قديما و ان لميكن شيئا الا بالغير فهو ممكن بالغير و بدليل الحكمة انه تعالي كان و لا شيء معه في الازل و الازل ذاته المقدسة بمعني ان كل ما يصدق عليه اسم الشيء حقيقة او مجازا فهو ممتنع في رتبة ذاته تعالي غير ذاته المقدسة و ما سواه فهو مصنوع له تعالي فلايكون لذاته بل لغيره و الممكن ان كان شيئا فهو ممكن لغيره و الا فلا عبارة عنه و الممتنع ليس شيئا فلا عبارة
«* جوامع الکلم جلد 2 صفحه 234 *»
عنه و قد تقدم بيان هذا في الفائدة الثانية. ثم اذا فهمت ما اشرنا اليه فاعلم ان الامكان هو منشأ الاكوان و حيث تقرر في الحكمة ان وجود الصفة فرع وجود الموصوف وجب انيكون الامكان ذاتا لا صفة اذ ليس مسبوقا بموصوف و انما ظهر في الاشياء بصورة الصفة لانه اصل الاشياء المكونة خلقت اكوانها منه و خلقت اعيانها من اكوانها و اكوان الاشياء موادها و اعيانها صور موادها و تظهر الاكوان في الاشياء بصورة الصفات فتقول هذا شيء مكون كما تقول ممكن و الامكان للاكوان كالنطفة للانسان لان الاكوان عقد لمايع الامكان فالاعيان خلقت من الاكوان كما خلقت الاكوان من الامكان و الشيء المركب من مادة و صورة يكون اقوي ركني ذاته مادته و لما كان الامكان انما تقوم تقوما ركنيا بهيئة الفعل الامكاني لانها مادته و صورته نفسه كما ان مادة الصورة التي في المرآة هيئته المقابل و صورتها هيئة الزجاج من الكبر و الصفاء و الاستقامة و البياض و اضدادها كان ظاهرا فيما هو اصله بصورة الاتصاف به و لذا قلنا انه ذات اذ ليس قبله موصوف و يظهر بصورة الصفة في الشيء الذي كان هو اصله و ان مادته صفة للفعل اذ الذوات اعراض لعللها التامة و معروضات لصفاتها و لظواهرها و ليس معني قولنا ان هذا الجسم مثلا او النفس او العقل ممكن انه شيء وصف بالامكان ليكون له رتبة قبل الامكان اي وجد فيها قبل انيكون موصوفا بالامكان كما هو شأن الصفات فانها انما تكون من فعل الموصوف اتصف بها او من فعل الفاعل للموصوف لحقته بعد تكوين الموصوف فيكون علي كل حال موجودا قبل وجود الصفة فيلزم كونه في حال ليس بممكن و هو خلاف الواقع و انما المراد من معني قولنا انه ممكن انه كون من الامكان اي من الوجود الممكن الذي كنهه من الامكان فلذلك قلنا هو ذات بالنسبة الي ما خلق منه و هو صفته لعلته التامة فظهر وصفا للشيء كما تقول هو موجود و القول بان الامكان اعتباري لا تحقق له في الخارج غلط ظاهر لانهم ان ارادوا بان زيدا ممكن انه اتصف به ذهنا لا خارجا فهو باطل لانه ان لميتصف به خارجا كان زيد الخارجي قديما لانه ان لميكن ممكنا كان قديما و وصفه به ذهنا لايجعله
«* جوامع الکلم جلد 2 صفحه 235 *»
ممكنا ان لميكن في الخارج ممكنا كما لو وصفه بالقديم ذهنا لميكن بذلك الوصف الاعتباري قديما و ان ارادوا انه لميكن قديما قائما بنفسه في الخارج فلاينافي كونه متحققا في الخارج كالبياض و السواد و كالعلم و القدرة فانها لمتقم الا في محالها لا بانفسها مع انها موجود (موجودة خم) في الخارج بلاخلاف اذ ليس شرط الوجود الخارجي بمعني المقابل للذهني او الخارجي بمعني الذي تترتب الآثار علي صفاته انيكون ذاتا او عرضا قائما بمعروضه قيام عروض بل كل ما يقع في الاوهام او وضع بازائه لفظ فهو موجود في الخارج نعم قد تقع صورته المنتزعة من الخارجي بالذهن (بالذهني خل) تكون في الذهن لان كل شيء لايتقوم الا بمحله اللائق به و ذلك ما اشار اليه الصادق عليهالسلام بقوله كل ما ميزتموه باوهامكم في ادق معانيه فهو مخلوق مثلكم مردود اليكم انتهي.
و بقول الرضا عليهالسلام علي ما رواه الصدوق (ره) في علل الشرايع بسنده الي الحسن بن علي بن فضال عن ابي الحسن الرضا عليهالسلام قال قلت له لم خلق الله عزوجل الخلق علي انواع شتي و لميخلقه نوعا واحدا فقال لئلا يقع في الاوهام علي انه عاجز و لاتقع صورة في وهم احد الا و قد خلق الله عزوجل عليها الخلق لئلا يقول احد هل يقدر الله عزوجل علي انيخلق صورة كذا و كذا لانه لايقول من ذلك شيئا الا و هو موجود في خلقه تبارك و تعالي فيعلم بالنظر الي انواع خلقه انه علي كل شيء قدير انتهي. و لاريب ان الامكان مما وضع بازائه لفظ و ليس بلفظ مهمل و لو كان الامكان اعتباريا لكان لفظه علي الاصح مهملا لان من قال ان الوضع بازاء المعاني الخارجية (الخارجة خل) كما هو الاصح يكون عنده مهملا بلا اشكال و من قال انه بازاء المعاني الذهنية فان مراده بتلك المعاني المعاني المنتزعة من الامور الخارجية و لو كان مراده (المعاني خم) الذهنية خاصة لكان اذا وضع (لكان المعني اذا وضعت الالفاظ خم) بازائها فاتفق وجود خارجي لها او مساو لها لميصدق اللفظ عليه و لميميزه (من غيره خم) و وجب وضع لفظ آخر للخارجي بل يجب وضع آخر
«* جوامع الکلم جلد 2 صفحه 236 *»
مطلقا اي سواء طابق ام لا و كان مطلقا من باب الوضع اللفظي حتي لو وضع لفظ زيد علي صورته الذهنية لميكن استعماله في زيد الخارجي الا مجازا بل مقتضي الدليل انه لو لميستعمل اللفظ في الذهني و استعمل بعد انوضع للذهني في المعني الخارجي انه يكون مجازا (متحققا في الخارج صح الوضع خم) الا انيجعل الوضع للذهني آلة للوضع علي الخارجي فان كان الامكان متحققا في الخارج صح الوضع و الاستعمال و الا كان اللفظ مهملا لما قررنا ان فهمته و نظرت اليه بعين الانصاف.
الفائدة السادسة عشرة اعلم انهم قالوا ان الفعل اذا كان من المختار الحكيم لايتعلق بمفعول الا اذا اقتضي التعلق به بانيكون راجحا في قبول الايجاد و ذلك انهم انما قالوا ان الترجيح (الترجح خ) بلا مرجح محال لانهم يريدون ان المحدث لايمكن انيوجد بلا موجد و نحن نقول هنا ان الترجيح (الترجح خل) بلا مرجح واجب و نريد ان ترجيح الفعل بلا مرجح لايجوز من الحكمة و لايجوز ايضا انيكون المرجح من الفاعل لانه يكون ترجيحا بلا مرجح فلابد انيكون المرجح للفعل من المفعول ليكون ايجاده ترجيحا بمرجح و قد اشار سبحانه الي ان الترجيح (الترجح خ) يكون من ذات المفعول بقوله يكاد زيتها يضيء و لو لمتمسسه نار بمعني يكاد يوجد قبل الايجاد فان قيل كيف يكون للشيء رجحان قبل انيكون شيئا قلنا لهذا جوابان احدهما ظاهر و ثانيهما باطن،
فالاول ان ترجيح (ترجح خ) الشيء صفة ذاتية له و الصفة لايعقل وجودها و لايتصور وجودها حال كونها صفة قبل وجود الموصوف لكنها شرط لوجود الموصوف قد خلقها الله من موصوفها كما ان الانكسار صفة للكسر و شرط لوجوده خلقه الله من الكسر فالترجيح (فالترجح خ) خلق من الشيء الراجح مع خلق الشيء فهما متساوقان في الوجود و الظهور كما ان الانكسار خلق من الكسر متساوقين فكما ان امكان الشيء و الكسر متصف بامكان الترجيح (الترجح خ) و الانكسار فكذا خلقا (خلق خم) منهما لان الصفة انما
«* جوامع الکلم جلد 2 صفحه 237 *»
تخلق من موصوفها من جهة الاتصاف،
و الثاني يراد بكون المفعول راجحا في نفسه عند موجده و هو سبحانه لايفقد شيئا و لاينتظر شيئا و لايستقبل شيئا فلميوجد له شيء قبل شيء فلايوجد في ملك الله الشيء قبل رجحانه و لا رجحانه قبله فاذا كان عزوجل لايفقد شيئا و لاينتظر شيئا و لايستقبل شيئا بل كل شيء من ذات او صفة حاضرة (حاضر خم) عنده في مكان حدوده و وقت وجوده بجميع شرايطه و مرجحاته و اسبابه تم له الصنع علي اكمل وجه يحتمله الامكان و جري له الفعل علي امر يقتضي كمال التعريف و البيان فجري ايجاده لعباده علي مقتضي العدل بان اعطاهم ما سألوه باختيارهم و علي مقتضي الفضل بان تأناهم بلطفه و لميكلفهم ما لايطيقون باجبارهم اذ لو كان ايجاده اياهم بدون مرجح من انفسهم يقتضي من فعله تعالي ما اختاره لما جري لهم ثواب بطاعة (بطاعته خل) و لا عليهم عقاب بمعصية (بمعصيته خل) لان قدرته و فعله يتساويان الي جميع الاشياء و لايميز بينهما (لاتميز بينهما خم) الا مرجحاتها و اسبابها و مشخصاتها و الحاصل الترجيح بلا مرجح من المفعول اذا كان من الفاعل (المختار الحكيم خ) سواء كان المرجح من الفاعل ام بدون مرجح ممتنع في الحكمة اذ يلزم منه العبث و الجبر في الافعال الاختيارية و ليس بممتنع في الامكان بل له تعالي انشاء انيفعل ذلك و لايلزم العبث و الجبر و لكن يلزم عدم التعرف و التعريف اذ الشيء لايدرك الا ما كان من نظائره و ذلك لانه مؤلف علي مقتضي الحكمة و لو الف علي خلاف مقتضي الحكمة ليدرك ما يخالف الحكمة لكان علي خلاف مقتضي الحكمة فلايكون مدركا اذ الادراك اثر الاستقامة و الاعتدال و ذلك انما يكون فيما الف علي مقتضي الحكمة اذ لو كان شيء علي خلاف الحكمة لكان علي الاهمال و اذا كان علي الاهمال لميدخل تحت قاعدة فيكون التعريف متعددا مختلفا بتعدد الافراد المختلفة فيجب لكل شيء من ذات او صفة تعريف غير ما للآخر فتمتنع معرفة الاشياء لكل ممكن اذ الاشياء غير متناهية فلايمكن ضبط تعريفات غيرمتناهية للممكن المتناهي الا بالضوابط الكلية لانها هي التي
«* جوامع الکلم جلد 2 صفحه 238 *»
تحيط بالافراد الغير المتناهية و لو كانت بالاهمال لمتحط بها الضوابط الكلية فيمتنع التعريف فتمتنع المعرفة فتنتفي فائدة الايجاد و انما قلنا ان فائدة الايجاد تتوقف علي معرفة الاشياء لانها متوقفة علي معرفة الصانع عزوجل و معرفة الصانع تتوقف علي معرفة الاشياء لتنزهه عن مشابهة الاشياء و مشاركتهم له في الذات و الصفات و الافعال و العبادات ذات و علي (العبادات و علي خل) فرض الاهمال لايتميز (لايميز خل) الفرق عند المكلف بين الصانع و المصنوع الا بتحصيل جميع مميزات جميع افراد الاشياء و هي غير متناهية فيجب الصنع في الحكمة علي مقتضي الحكمة و اما الترجح (الترجيح خل) بلا مرجح بمعني موجب الصنع فهو من ذات المفعول حين تكونه كما مر و لو كان من غيره او لميكن اصلا لكان الفعل مخالفا للحكمة فيلزم ما ذكرنا في الترجيح بلا مرجح فافهم.
الفائدة السابعة عشرة في سر التكليف و بيان مقتضي الاعمال.
اعلم ان التكليف في نفس الامر هو قابلية الايجاد و هو قسمان طبيعي و اختياري فالطبيعي يستلزم الشرع الايجادي و هو اي الشرع الايجادي نريد منه الايجاد علي مقتضي الحكمة كما يفعل البناء في بناء الجدار بانيضع اللبنة في الموضع اللائق بها بحيث لو نقصت تممها او زادت كسر منها ما زاد علي حجم الجدار فهذا هو الشرع الايجادي اللازم للصنع و بدونه لايقع الصنع لانه انجري علي مقتضي الحكمة لزمه الشرع الايجادي و الا فلا و الاختياري يستلزم الايجاد الشرعي و هو اي الايجاد الشرعي نريد منه ايجاد مقتضي العمل المأمور به و المنهي عنه بمعني انه انفعل ما امر به خلق الله ثوابه و انترك ما امر به خلق الله عقابه و الثواب مخلوقة (مخلوق خم) من مادة و صورة فمادته نور يحمله اليه الامر التكليفي كما ان مادة المكلف نفسه يحملها الامر الايجادي و هو كُن فلما قبل الامر و هو كُن خلق الله سبحانه المكلف من الوجود الذي حمله كُن و هو مادة المكلف و من صورة قبوله لتلك المادة و هي ماهيته و هذا هو الكون الايجادي فكما ان مادته اي وجوده حمله اليه كُن فكان منه و من
«* جوامع الکلم جلد 2 صفحه 239 *»
ماهيته و هي قبوله كذلك المدلول عليه بقوله فيكون، كذلك خلق ثواب عمله الصالح من مادته التي حملها اليه صل و زكِّ و ما اشبههما اذا عمل ما امر به كما امر و من صورة عمله بذلك الامر و امتثاله له و هو قبوله للامر بالامتثال به و خلق تعالي عقابه علي مخالفته للامر او ارتكابه للنهي من المادة الظلمانية التي حملها النهي اليه و من صورة مخالفته للامر و ارتكابه للنهي فالثواب مادته النور الذي حمله اليه الامر و صورته عمل المكلف ان احسنتم احسنتم لانفسكم، و العقاب مادته الظلمة التي حملها اليه النهي و صورته هي ارتكاب المكلف للنهي و مخالفة الامر و ان اسأتم فلها، فالشرع التكليفي و لازمه الايجاد الشرعي و هو روح الكون و الايجاد الكوني و لازمه الشرع الكوني (و هو خ) ظاهر الكون هو سر التكليف و ثمرته ايصال الاشياء الي ما خلقت له من رحمة الله او غضبه و ذلك هو ما اراده لهم و في الحديث عن جابر انه جاء سراقة بن مالك فقال يا رسول الله صلي الله عليه و آله بين لنا ديننا كاننا خلقنا الآن ففيم العمل اليوم فيما جفت به الاقلام و جرت به المقادير؟ ام فيما يستقبل؟ قال صلي الله عليه و آله (بل خم) فيما جفت به الاقلام و جرت به المقادير قال فبم العمل قال صلي الله عليه و آله اعملوا فكل ميسر لما خلق له و كل عامل بعمله هـ . قيل انه صلي الله عليه و آله علقهم بين الامرين رهبهم بسابق القدر ثم رغبهم في العمل و لميترك احد الامرين للآخر فقال صلي الله عليه و آله كل ميسر لما خلق له اي انه ميسر في ايام حيوته للعمل الذي سبق به القدر قبل وجوده فافهم هـ . اقول ذكر هذا الشيخ ياسين بن صلاح الدين البحراني علي التفسير من فائدة المراد و اما بيان التيسير الذي ذكره صلي الله عليه و آله فهو ما ذكره عزوجل في كتابه العزيز في مواضع كثير (كثيرة ظ) علي اكمل بيان و ان كان لايذوقه الا اولوا الافئدة بدليل الحكمة و منه ما قال تعالي اذ يريكهم الله في منامك قليا و لو اريكهم كثيرا لفشلتم و لتنازعتم في الامر و لكن الله سلم انه عليم بذات الصدور و اذ يريكموهم اذ التقيتم في اعينكم قليلا و يقللكم في اعينهم ليقضي الله امرا كان مفعولا و الي الله ترجع الامور و ذلك انه سبحانه يسبب اسباب ما علم وقوعه
«* جوامع الکلم جلد 2 صفحه 240 *»
كما قلل المشركين في اعين المسلمين و قلل المسلمين في اعين المشركين و امالهم الي ما يريد وقوعه منهم امالة لاتبلغ به الالجاء و الاضطرار و انما ذلك من التمكين في فعل الخير و الشر و الاقدار علي الطاعة و المعصية لما قدمنا انه لو لميتمكن من فعل المعصية و يكون قادرا عليها لما كان قادرا علي الطاعة و اذا لميكن قادرا علي الطاعة لميحسن تكليفه و اذا لميحسن تكليفه لميحسن ايجاده و الحاصل انه هو مقتضي الحكمة بحيث لو كشف للمسلمين و الكافرين الغطاء عن بصائرهم لما اختاروا الا هذا و اليه الاشارة بقوله تعالي بل اتيناهم بذكرهم فهم عن ذكرهم معرضون اي بل اتيناهم بشرفهم و فخرهم يعني بما فيه ما يحبون و ما يشتهون مما فيه صلاحهم و بلوغ مآربهم و السر في ذلك انهم و اعمالهم و اقوالهم و احوالهم موجودون حاضرون في ملكه كل في رتبته من مكانه و وقته مترتبا علي اسبابه و علله المشروحة المبينة التي يحصل بها التعريف و المعرفة علي نحو الاختيار و الاختبار لان وصول الشيء الي غاياته التي خلق لاجلها متوقف علي اعماله و اقواله و احواله التي هي قوابله للايصالات الالهية و الايصالات الالهية متوقفة علي التمكين الالهي و التمكين الالهي يكون باحد شيئين:
الاول: التمكين مما يحب تعالي و يكون بالامدادات الالهية و الفواضل الربانية و التوفيقات و الالطاف و منها تقوية الميل الفؤادي بمثل ما اشير اليه في الآيتين المتقدم ذكرهما.
و الثاني: التمكين مما يكره تعالي و يكون بالتخليات الالهية و الخذلان التي تقوي بها الميولات النفسانية و منها مثل قوله تعالي زين لهم سوء اعمالهم و مثل قوله تعالي و كذلك زين لكثير من المشركين قتل اولادهم شركآؤهم ليردوهم و ليلبسوا عليهم دينهم و مثل و من يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين و امثال ذلك و ليس ذلك موجبا للالجاء و الاضطرار و لاجل ذلك حكي الله سبحانه عن جواب ابليس لعنه الله لمن ادعوا عليه انه هو الذي اغواهم انه قال لهم و ما كان لي عليكم من سلطان الا اندعوتكم فاستجبتم لي
«* جوامع الکلم جلد 2 صفحه 241 *»
فلاتلوموني و لوموا انفسكم ما انا بمصرخكم و ما انتم بمصرخي لانه لو كان ذلك الاغواء و التزيين منه و الغرور رافعا لاختيارهم لما قال لهم و ماكان لي عليكم من سلطان الا اندعوتكم فاستجبتم لي فلاتلوموني و لوموا انفسكم و هذا التمكين للطاعة و المعصية بجميع انواعه ما ذكرنا و منها ما لمنذكره من المقويات لتصميم عزم المكلف علي فعل ما مال اليه قلبه من الطاعة ميلا لايعدل عنه الا اذا كان مجبورا و علي فعل ما مالت نفسه اليه من المعصية ميلا لايعدل عنه الا اذا كان مجبورا و هي في الطاعات امدادات و الطاف و تقوية و في المعاصي خذلان و تخلية اذ بدون ذلك لايحصل التمكين الذي لايتحقق الاختيار الا به الذي لايستقيم التكليف الا به و قولي لايعدل عنه الا اذا كان مجبورا، اريد به ان المكلف لو اتته المعونة من الله عزوجل قبل انيصمم عزمه علي الفعل لكان ذلك منافيا للّطف به لان الفعل لو كان معصية لزم اعانته علي المعصيةو يلزم من ذلك الظلم لو عوقب عليها و اما اذا صمم علي الفعل بحيث لايترك الفعل الا مجبورا علي الترك فانه يجب في الحكمة انيعينه عز و جل علي فعل المعصية و لايلزم من هذا الظلم اذا عاقبه عليها لانه لو لميعنه لميقدر علي المعصية و اذا لميقدر علي المعصية لميقدر علي الطاعة اذ الطاعة لايتصور وقوعها منه الا اذا ترك المعصية و هو قادر عليها متمكن من فعلها بحصول جميع ما يتوقف فعلها و ايجادها عليه و فائدة تكليفه بل و ايجاده لاتتحقق الا بالتمكين من الطاعة و التمكين من الطاعة متوقف علي التمكين من المعصية و التمكين من المعصية متوقف علي المعونة عليها كما في الطاعة و المعونة علي الشيء انما تكون بما يطابقه و يلايمه و يوافقه و لما كانت المعصية عدمية الاصل لاترجع الا الي مجتث لا ثبات له من نفسه و لايرجع الا الي نفسه كانت المعونة عليها مثلها فهي التخلية و الخذلان بمعني انه تعالي اذا نهي عبده المكلف عن شيء و رغبه في الترك و رهبه من الفعل و علم تعالي منه انه لايقبل من مولاه هداه الا اذا اجبره علي الترك و رفع عنه الاختيار اعانه علي تلك المعصية بانتركه و نفسه و خلي بينه و بين هوي نفسه و شهوته و لميدحر عنه
«* جوامع الکلم جلد 2 صفحه 242 *»
الشيطان المغوي، اللهم لاتخلني من يدك و لاتتركني لقا لعدوك و عدوي و لاتوحشني من لطائفك الخفية و كفايتك الجميلة، و لو فرض انه يتمكن من فعل المعصية بغير تخلية الله و خذلانه لما صح هذا الفرض الا علي فرض استغنائه عن الاله الحق عزوجل و لهذا صرحت اخبار الائمة الاطهار عليهم السلام ان القول بالتفويض شرك بالله العظيم سبحانه و تعالي و تزيين المعاصي و الشهوات و اغواء الغاوين من شياطين الانس و الجن و امثال ذلك من قوابل التخلية و الخذلان لان تلك تكون من الخلق بتقدير الخالق تعالي و التخلية و الخذلان منه تعالي باعمالهم و شهواتهم و هوي انفسهم و ما ربك بظلام للعبيد و المعونة علي الطاعة كذلك بمعني انه تعالي اذا امر عبده المكلف بشيء و رغبه في الفعل و نهاه عن تركه و توعده علي تركه و وجه اليه دواعي المنع و الترك لامره (بامره خل) بما مالت اليه نفسه و زين لهم الشيطان الغرور و صمم عزمه علي الفعل بحقيقة ما هو اهله من فضل الله و عنايته و علم تعالي منه انه لايترك امر مولاه و لايعدل عما فيه رضاه الا اذا اجبره علي الترك و رفع عنه الاختيار و اعانه عزوجل بان قوي جوارحه و شد علي عزمه جوانحه و دحر عنه الشيطان و غرس في جنانه افنان الخشوع و اليقين و الايمان فامتثل امر الله عزوجل باعانته و تقويته فكان هو الفاعل لما امره الله سبحانه بالله و اعانته و تقويته بان حفظ عليه جميع ما انعم به عليه مما يتوقف عليه الفعل بجميع اسبابه فهو الفاعل بالله لا مع الله اذ لايتخذ لنفسه من خلقه عضدا و لا بدون الله اذ لايشرك في ملكه احدا فقولي فهو الفاعل بالله، بيان و تفريع لقولي بان حفظ عليه جميع ما انعم به عليه مما يتوقف عليه الفعل بجميع اسبابه فتفهمه راشدا ففيه الحق و الهدي.
الفائدة الثامنة عشرة اعلم انا قد قدمنا الاشارة فيما تقدم من الفوائد و في كثير من رسائلنا و اجوبتنا الي ان الله سبحانه خلق ما خلق من جميع خلقه علي اكمل ما ينبغي مما تقتضيه الحكمة الامكانية بحيث ينطبق صنعه علي دواعي العقول السليمة المرتاضة بالاخلاق الشرعية المؤدبة بآداب الروحانيين لما لوحنا اليه من العلة الغائية انه تعالي انما خلقهم ليعرفون بما تعرف لهم به من
«* جوامع الکلم جلد 2 صفحه 243 *»
وصفه الذي ذكرهم به في خلقه اياهم كما قال تعالي بل اتيناهم بذكرهم فانه عزوجل اتي كل شيء من خلقه بما ذكره به و العقول السليمة دلت علي ان المفيض اقوي من فيضه و ان ما قرب من المفيض اقوي مما بعد منه و ان المصنوع من الاقوي اقوي من المصنوع من الاضعف و ان هذه الامور الثلاثة ذاتيات لموضوعاتها بحكم ترجح الاشياء الذي يتوقف صنع صانعها عليه لذاتها فان قلت يلزم من هذا تقدم وجود ترجح الاشياء الذي يتوقف به هو (تقدم وجود الصفة علي وجود الموصوف الترجح الذي هو خم) صفة المصنوع و شرط تعلق الفعل به علي وجوده و لايعقل تقدم وجود الصفة علي وجود الموصوف قلت لما كان الصانع عزوجل في اعلي مقامات التجرد و الغني و فوق ذلك بما لايتناهي فيما لايتناهي وجب ان لايفقد شيئا و لاينتظر شيئا و لايستقبل شيئا بل هو في رتبة ازل الآزال مالك لكل شيء مما هو غير ذاته المقدسة و حاصل له تعالي في رتبة كونه و وجوده و امكنة حدوده لميتجدد له شيء في ملكه بمعني انه لميكن في ملكه ثم كان و لم يخرج شيء من ملكه الي ماسواه من وجود او عدم بل في رتبة ذاته و ازله الذي هو ذاته حصل له كل شيء في اوقات وجوده و امكنة حدوده حين كان ذلك الشيء قبل انيكون و قبل انيكون شيء و الشيء و ترجحه من جملة افراد مملوكاته و قد اشرنا الي ان جميع افراد مملوكاته عنده تعالي علي السواء لايكون اقرب الي شيء منه الي آخر و لايتقدم شيء عنده علي كل شيء في حصولها له فاذا اراد فعل شيء اتاه بتمكينه و ترجحه لذاته و جميع ما يتعين به و يتميز مما يقتضيه ذاته حين تكون مقتضية (يكون مقتضيه خل) في تكوينه اياه لان ذلك كله من جملة قابليته للتكوين فانها حدود صورته و هو مما ذكره في قوله تعالي بل اتيناهم بذكرهم ثم الصادر عن الشيء سواء كان صادرا من فعله ام من مفعوله اذا كان صدوره علي جهة الانبساط بحيث تكون له مراتب تختلف اجزاؤه باختلافها لابد و انيكون كلما قرب من المبدا يكون اقوي و ما بعد يكون اضعف ان كان الصدور و (كان صدوره علي جهة خم) الانبساط علي ما تقتضيه الحكمة التي توافقها
«* جوامع الکلم جلد 2 صفحه 244 *»
العقول و تجري علي طبقها في التعرف و التعريف اذ ما هو مصنوع علي مقتضي الحكمة لايكون مصنوعا علي غير مقتضي الحكمة الذي لايكون فيه الشيء معقولا لان المعقولية من لوازم الصنع علي طبق مقتضي الحكمة فاذا كانت الهيولي مجعولة علي مقتضي الحكمة كان اخذ الحصص منها علي مقتضي الحكمة بانتكون الحصة منها مقدرة بما لاتختلف ذراتها (ذواتها خم) باختلاف مراتبها اختلافا ظاهرا بينا يوجب تفاوت تلك الذرات (المذكورات خم) قوة و ضعفا في الكم و الكيف و الا كان الاخذ علي الاهمال فيبطل هذا النظام الجاري علي كمال الاستقامة فاذا كان اخذ حصص مواد الاشياء علي النحو المذكور لزم انيكون المصنوع من الاقوي اقوي من المصنوع من الاضعف و الا لميكن الاخذ علي مقتضي الحكمة بل كان الاقوي للاضعف و الاضعف للاقوي فيكون الاقوي اضعف و الاضعف اقوي فلايكون الصنع علي كمال الاستقامة فاذا كان الاقوي للاقوي و الاضعف للاضعف هو ماينبغي وجب انيخلق من المنير المنير و من المظلم المظلم و من الطيب الطيب و من الخبيث الخبيث و من القوي القوي و من الضعيف الضعيف و خلاف هذا خلاف ماينبغي و خلاف ماينبغي موجب للاهمال مناف للغرض المطلوب المقصود من الايجاد للتعريف بل للمصنوع الحجة علي صانعه اذا اتاه بما لايحب و له انيذم علي ما (يذم من خم) انعم عليه بمطلوبه بانيقول اعطيتني ما لااريد منك بلسان حالي و لا بلسان مقالي فلاتستحق مني شكرا لانك انما اعطيتني غير ما طلبت لانك عاجز عن مطلوبي او جاهل به و ان كان المصنوع في كل ما قال كاذبا لانه اذا كان صنعه علي الاهمال كان الحق و الباطل و الصدق و الكذب عنده واحدا و كذا عند غيره و كذلك المدح و الذم لان ذلك كله هو مقتضي الاهمال فان قلت هذا الذي اشرت اليه و ان كان هو مقتضي الايجاد علي ما ينبغي اعني الجريان فيه علي مقتضي الحكمة الا انه تعالي هو جاعل القوي قويا و الضعيف ضعيفا و هو مقرب القريب و مبعد البعيد و معطي القابل المقبول و جاعل القابل للمقبول و بلحاظ هذه الامور المسلمة يعود المحذور و يرجع الاشكال في ابتداء السؤال
«* جوامع الکلم جلد 2 صفحه 245 *»
قلت اني اقول بهذا لكني لا اقول انه تعالي جاعل القوي قويا بمقتضي فعله و احداثه اياه و الا لزم الظلم لمنافاته العدل في كثير من الموارد و كذلك سائر الكلمات و انما اقول انه جاعل القوي قويا بمقتضي بدء شأنه في علم الغيب بمعني انه اذا عومل في ايجاد كونه بل و امكانه بما يميل اليه و يقتضيه لذاته مما لايعدل عنه الا اذا كان مغلوبا عليه بما يصده عنه و يمنعه منه حين يكون هو اياه بحيث لو عومل بغيره كان حين يكون هو اياه كارها له لانه لايقتضيه لذاته و ذلك حين تكوينه لا قبله و لا بعده لان ما اشرنا اليه هو قبوله للايجاد و قبله لميكن شيئا و بعده هو مستغن فهو تعالي جاعل القوي قويا بما هو اهله من اقتضائه للقوة و جاعل الضعيف ضعيفا بما هو اهله من امتناعه من اطاقة قبول القوةمنه و جاعل القريب قريبا بمبادرته و سبقه الي القبول للتقريب بحيث يكاد يكون قريبا قبل التقريب و جاعل البعيد بعيدا بعدم سبقه للتقريب بحيث لايكون قريبا باختياره لانه تعالي انما اعطي المقابل (القابل خم) مقبوله باقتضاء المقبول للقبول و لهذا خلق القبول من نفس المقبول من حيث هو هو لانه انما اقتضاه لذاته من دون مشاركة من غيره و انكان انما يقتضي من ذاته اذا كان شيئا و لايكون هو شيئا و لا اقتضاؤه الا بالغير لان الممكن ليس شيئا بذاته بدون الغير فلايكون عنه شيء بدون الغير فيما (فبما خل) يستطيعه بجميع اسباب الاستطاعة مطلقا لكنه حين يكون بالغير شيئا تقتضي شيئيته بالغير ما (و ما خل) تقتضيه من ترجح و غيره لذاتها بالغير لا مع الغير و لا من دون الغير و قولي بالغير لا مع الغير الخ، ان شيئية الشيء من عطاء الكريم تعالي و نعمه عزوجل و كذلك جميع ما للشيء لذاته و صفاته و افعاله و احواله منه عزوجل و هذه النعم حيث اعطاها لميخلّها من يده بل هي في قبضته كما هي قبل الاعطاء اذ لو خلاها من يده لمتكن شيئا و آية ذلك و مثاله نور الشمس حين اعطته الجدار و استنار باشراقها عليه لمتخل اشراقها من قبضتها بل هو في قبضتها كما هو قبل الاشراق علي الجدار فبنعمه تعالي كان شيئا و بنعمه اقتضي ما اقتضي لا معه لعدم المشاركة لان الشيء هو المقتضي و لا من دونه تعالي لان الشيء غير مستقل و
«* جوامع الکلم جلد 2 صفحه 246 *»
لا مستغن لا هو و لا شيء مما توقف عليه وجود الفعل مما اشرنا الي اكثرها و انما يكون هو و هي شيئا بقيومية الله تعالي و حفظه له و حفظه لها عليه فافهم
الفائدة التاسعة عشرة في الاشارة الي بيان سر التنعم و الثواب و التألم و العذاب حيث علم ان الثواب و التنعم انما هو عبارة عن الملايمة و الموافقة بين المتنعم و النعيم لما بينهما من المشاكلة فان صورة الفطرة ظهرت مشابهة لفعل الله لكونها اثره و تاكيده كما ان صورة الكتابة ظهرت مشابهة لحركة يد الكاتب و تلك الفطرة بناها الله تعالي و ابقاها بمدده و الشيء يمد من نوع ما يبني منه ففطرة الله خلقها من رحمته و اقامها بثمرات طاعته التي هي من رحمته فما دامت مستمدة من ثمرات طاعاته و لميرد عليها تغيير و لا تبديل مما اشار تعالي اليه في قوله فليغيرن خلق الله و قوله فطرة الله التي فطر الناس عليها لاتبديل لخلق الله فهي متنعمة متلذذة بالامدادات الملايمة الموافقة لكون تلك الامدادات التي هي الطاعات و ثمراتها من جنس تلك الفطرة و نوعها و شخصها لما بين تلك الامدادات و بين تلك الفطرة من الاتحاد الذاتي لانحصار جميع ميولاتها و اشواقها و اوتارها في تلك الامدادات و لاتكون فطرة الله تامة حتي لاتفقد حرفا من حروفها من تلك الامدادات فان فقدت حرفا و لميحصل لها بدله من شفاعة شافع او فضل او عفو عن ضده كانت ناقصة متألمة بفقدان ذلك الحرف و انما تتالم اذا فقدت ذلك الحرف لوجوده ضده العام فيها و حلوله محله فيها لانه منافر لها و مناف لمقتضاها فان حصل لصاحب تلك الفطرة شافع اشرق عليه من شعاع حسناته حرف كالحرف المفقود او اقوي او عفو نفي ذلك المنافي ثم يضع الفضل محله مثله او اقوي لان المحل لايكون خاليا منهما معا بل اذا ذهب المنافي المنافر اتي الموافي الملايم و اذا ذهب الموافي الملايم اتي المنافي المنافر سواء كان الذاهب بقصد المكلف و فعله ام بذهوله و غفلته الا ان الذاهب و الآتي بالقصد يكون اقوي و اسرع لما بينهما من التلازم اي بين القصد و المقصود بخلاف ما كان عن الغفلة و الذهول فان ذهاب الذاهب و اتيان الآتي تدريجي و لما كان الملايم متأصلا كان لايفارق فطرة الله الا بقاسر
«* جوامع الکلم جلد 2 صفحه 247 *»
تطبعي كما يأتي و كان واحده بعشرة لان العمل الصالح اصلي يمر باصلي فيستقر في كل رتبة و هي العقل و النفس و التعقل و العلم و الوهم و الوجود و الخيال و الفكر و الحيوة و الجسد لان هذه العشرة خلقت للطاعة اولا و بالذات فاذا فعل المكلف الطاعة كتبت عشرا لانها اصلية تمر بها الحسنة و الطاعة الاصلية فتستقر في كل واحدة فتكتب عشرا بخلاف المعصية فانها تكتب واحدة لانها تمر بسبعة و هي النفس و العلم و الوهم و الخيال و الفكر و الحيوة و الجسد و لكنها لمتخلق لها و انما خلقت للطاعة لكنها تصلح للمعصية اذ لو لمتصلح للمعصية لما قدر المكلف علي المعصيةو اذا لميقدر علي المعصية كان مجبورا علي الطاعة فلايكون مطيعا فلما كانت انما خلقت للمعصية ثانيا و بالعرض كانت اذا مرت المعصية عليها لمتستقر فيها حتي يفعلها بجسده فاذا فعلها بجسده انتظر بها حتي تنعكس من الجسد علي السبعة المذكورة فتكتب واحدة و لهذا ورد بان المكلف اذا نوي المعصية لميكتب عليه شيء و اذا عملها انتظر سبع ساعات فانتاب قبل سبع ساعات محيت و الا كتبت واحدة لان وقت كل واحد من السبعة اذا مرت عليه المعصية ساعة اذ لاتستقر عليه المعصية في واحد من السبعة عند انعكاسها في اقل من ساعة و قولي ان الملايم لكونه متاصلا لايفارق الا بقاسر، اريد به قبل ذهاب علة الموت لانه بعد ذهاب علة الموت تمتنع مفارقته لانهما بحكم الشيء الواحد اذ علة الموت التركيب و الكثرة و اذا اطمأنت النفس استقرت فيها و لها دواعي الملايمات و اسبابها و قد اشار الصادق عليهالسلام الي هذا المعني بقوله في شأن اوليائه و اعدائه: لايكون هؤلاء من هؤلاء و لا هؤلاء من هؤلاءهـ .
و اما بيان سر التألم و العقاب و دوامه فاعلم ان التألم و العقاب عبارة عن حصول المنافي و المنافر و اصل ذلك ان المكلف لما كان مركبا من وجود و ماهية و هما حادثان و الحادث يحتاج في بقائه الي المدد و مدد كل واحد اذا كان مستمدا بذاته انما يكون من نوعه كان مائلا (ملايما خل) بوجوده الي الطاعات و بماهيته الي المعاصي و لايمكن استمداده بهما دفعة لكونهما ضدين
«* جوامع الکلم جلد 2 صفحه 248 *»
فلو مال كل منهما الي مدده بفعله و استمداده انفك التركيب و اضمحل المركب و عدم اذ لا قوام للمركب الا بجزئيه منضمين نعم اذا غلب ميل احدهما بحيث كان الاستمداد به مال الآخر معه ميلا عرضيا فان كان المايل الغالب هو الوجود استمد به ما يلايم الفطرة اعني فطرة الله التي فطر الله الخلق عليها و تنعم المركب اعني المكلف بما اكتسبه من الخيرات و الطاعات و ان كان المايل الغالب هو الماهية استمد المكلف بها ما ينافي فطرة الله و ينافرها و لايزال كذلك حتي تتغير فطرة الله و تعوج و تتبدل صورتها الانسانية بالصورة الكلبية و السبعية و الحيوانية من قرد او خنزير او حمار او غيرها فيكون ذلك المكلف ذا طبيعتين طبيعة فطرة الله التي هيئتها من فعله تعالي يعني من هيئة فعله لانها لاتنعدم اصلا و ان كان استمدادها ليس بذاتي لها و انما هو عرضي بتبعية ضدها و لو عدمت عدم الشخص و طبيعة اعماله و هي الصورة المغيرة المبدلة فلما غلب الشخص استمداده من ثمرات الطبيعة الثانية المغيرة المبدلة كان ذلك الاستمداد منافيا و منافرا للطبيعة الاولي فاذا ورد جزء من ذلك المدد علي تلك الطبيعة الاولي تنافرا و تباعدا و تجبرهما الطبيعة الثانية علي الاجتماع علي خلاف ما يقتضيان و ليس للاولي ما يسد فقرها الا هذا المدد الذي تكرهه فتتألم الاولي بوجوده لها لما بينهما من التنافي و تتألم بعدمه اذ ليس لفقرها سادّ غيره و ذلك كما روي ان اهل النار اذا عطشوا استغاثوا من شدة العطش و انيستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل يشوي الوجوه و هو الحميم فاذا شربوا منه فيتألمون به و بعدمه اذ ليس لدفع عطشهم غيره و لما كانت الطبيعتان ممكنتين لا بقاء لهما الا بالمدد و كانت الاولي معدومة الاستمداد لذاتها و انما تقومت بمدد الثانية و هي ضدها و الثانية ايضا و ان كانت تستمد لذاتها الا انها محتاجة في تحققها الي الاولي لابتناء انيتها علي الاولي لانها اي الاولي معروضها فهي في كل حال دعامتها فلايستقل بدونها و الثانية استقلت بالاستمداد المنافي لاصل معروضها لانه ينافي معروضها في وجوده و حصوله و في عدمه و فقدانه كما مر مع انها دائمة الاستمداد لوجود المقتضي لذلك و هو تحقق الصورة الثانية التطبعية و
«* جوامع الکلم جلد 2 صفحه 249 *»
غلبتها علي الصورة الاولي الطبيعية كان التألم و العقاب دائما غير منقطع لانه اذا اتي من الثانية مدد تألمت الاولي لانه مناف لها فتتألم بوروده عليها و تألمت الثانية لانها مبنية علي الاولي متحققة بعروضها عليها فاذا اضطرب الاصل اعني الاولي اضطرب الفرع اعني الثانية بتبعية اضطراب الاولي و لهذا قال تعالي و من يرد انيضله يجعل صدره ضيقا حرجا كانما يصّعّد في السماء اذ لو سكنت الثانية بمددها الذي هو ذاتي لها لما كان صدر الضال ضيقا حرجا كانما يصعد في السماء بل يكون مطمئنا به و لكن الثانية تضطرب بمددها لعدم ملايمته لاصلها اعني الاولي و بعدمه لاحتياجها اليه فالثانية بالنسبة الي مددها كما قال تعالي في تمثيلها و تمثيل المكلف الذي تحققت فيه بالكلب فمثله كمثل الكلب انتحمل عليه يلهث او تتركه يلهث فهي تتألم بوجود مددها لمنافاته لاصلها التي بنيت عليه و بعدمه لفقدانها ما تحتاج اليه هي و اصلها في البقاء فالمكلف المركب منهما متألم ابدا و من غلب فيه (عليه خل) فطرة الله حتي انحصر استمداده من جهتها متنعم ابدا.
تم بخير
[1](من اول الفائدة الی هنا موجود فی النسخة الاصلية و الباقي ساقط عنها)