02-06 مکارم الابرار المجلد الثانی ـ رسالة في جواب الميرزا زين‌العابدين الشيرازي ـ مقابله

 

رسالة في جواب ميرزا زين‌العابدين الحسيني الشيرازي

 

 

من مصنفات

العالم الرباني و الحکيم الصمداني

مولانا المرحوم حاج محمد کريم الکرماني

اعلي‌الله‌مقامه

 

 

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 2 صفحه 435 *»

d

الحمدلله و سلام علي عباده الذين اصطفي.

و بعــد يقول العبد الاثيم الجاني كريم بن ابرهيم الكرماني عفي الله عن جرائمهما انه قد كتب الي السيد الجليل و السند النبيل المؤيد بلطف الملك الامين ميرزا زين العابدين الحسيني الشيرازي ادام الله ايام اقباله و بلغه منتهي آماله بكتاب و ادرج فيه مسألتين ليسئل مخلصه عنهما و ورد علي كتابه الكريم حين اختلال الحال و تبلبل البال بالمصاب الجليل و الرزء العظيم الذي احاط بجميع القلب و انهد اركان الروح و الجسم فلم‌يبق لذي‌بال بالاً و لا لذي‌حال حالاً الذي ذكره مهيج للاحزان تارة اخري و مثير للاشجان مرة بعد اولي و مع ذلك استنجز الجواب و استسرع رد الكتاب و لم‌احب تأخير اجابته لما تبين لي من كونه حرياً بها فاقبلت الي جوابه مستمداً من الله تمام صوابه بقدر ما يقتضيه الحال و يمكن من اقبال البال اذ لايسقط الميسور بالمعسور و الله المستعان في جميع الامور. و اجعل فقرات كتابه كالمتن و اتلوه بالبيان كالشرح كما هو عادتي لانه اوضح لمشكلاته و ابين لمعضلاته و لاحول و لاقوة الا بالله العلي العظيم و صلي الله علي محمد و آله الطاهرين.

قـال ايده الله في ضمن ما كتب من كتابه ان تمنوا علي و تبينوا لي حقيقة الامكان و تستدلوا علي مجعوليته و ثمرتها في قواعدكم بالادلة الثلثة التي هي مذكورة في كتاب الله المجيد حيث قال تعالي مخاطباً لنبيه9 ادع الي سبيل ربك بالحكمة و الموعظة الحسنة و جادلهم بالتي هي احسن غير ما استدل به عليها قبلة العارفين و رئيس الموحدين اشرف علماء الاولين و الآخرين مولينا و شيخنا الشيخ احمد بن زين‌الدين الاحسائي اعلي الله مقامه و حشره الله مع ساداته الطيبين المعصومين في الفائدة الخامسة‌عشرة من الفوائد السبعة التي

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 2 صفحه 436 *»

الحقها بكتابه المسمي بشرح الفوائد.

اقـول: اعلم ان الشيخ اعلي الله مقامه و رفع في الخلد اعلامه هو مبدأ المشيدين لبنيان الركن الرابع و فجر الناشرين لاعلام الضياء اللامع و لابد لمبدأ كل دورة ان يظهر بالاجمال ليتمكن قومه ذووا النفوس جموحة من الاحتمال و لان الطباع المدبرة الوحشية تستصعب من التذلل لديه فلابد له ان يستذلهم بحيل تجانس طباعهم و تماثل غرائزهم من جهات شتي و تخالفهم من جهة واحدة حتي يستقلوا تلك المخالفة و لايبالوا بها فيقبلوا كلامه و يسلموا مرامه ثم يكشف النقاب عن محيا المطلوب و يرفع اللثام عن وجه المحبوب شيئاً بعد شيء و حيناً بعد حين حتي يستأنسوا بضيائه و يتقووا لنوره فلايخطف ابصارهم و لاتفرغ اسرارهم و ذلك تقدير العزيز العليم في جميع خلقه. ماتري في خلق الرحمن من تفاوت فارجع البصر هل تري من فطور ثم ارجع البصر كرتين فليس فيها قصور. الا تري في سيرة النبي9 مع اهل مكة و اظهار الشرايع شيئاً بعد شيء و السكوت عنهم فيما هم عليه مع كونه علي ما كان و كذا سيرة الولي بعده7 و ابقاء الناس علي ما هم عليه و نفي تحريفهم شيئاً بعد شيء و هذا الركن تابع لتلك الاركان و مشيد لذلك البنيان علي ما مضوا عليه و هذا سر طبيعي و امر جبلي الا تري في المولود الكريم و الانسان الوسيط في حال زرع الغصن في الارض المقدسة و اخراج الجبارين منها ففي اتخاذ الدهن الصمغي يعفن الجسد اولاً في اضعف حرارة ثم يزيد فيها شيئاً بعد شيء و يكرر الرد و التقطير ففي كل نار يصعد شيء من النفس الي ان تصعد النفس بالكلية و يصير الجسد تراباً هامداً لاحراك فيه و ذلك لان اجزاء‌ النفس اللطيفة تصعد بادني معين من نار التعفين.

و اما الاجزاء الكثيفة المخلدة الي الارض فلاتصعد الا بنار قوية قال الله تعالي و لو شيءنا لرفعناه بها اي بنار قوية و اصعدناه ولكنه اخلد الي الارض و اتبع هواه فغلظ و كثف و امتنع من الصعود بادني نار الاشارات و التلويحات و ذلك لان العاقل تكفيه الاشارة و الجاهل لايغنيه الف عبارة و كذلك العمل بعد ذلك في اخراج الجبارين

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 2 صفحه 437 *»

من الارض و تقديسها فتؤخذ الارض بعد تشويتها و تسحق بالغاً ثم تجعل في اثال من خزف صابر علي النار ثم يوقد تحتها اول يوم بنار لينة نار النشارة يوماً و ليلة ثم بنار دقاق الفحم ثم الي نار الحطب و تدرج الي ستة ايام و في السابع تضرم بنار التصعيد القوية حتي يصعد الاجزاء الاصلية الهورقليوية كله الي القبة و يبقي السفل كالخشب الاحمر و هذه النار تسمي بالهايجة نعوذبالله و ذلك الصاعد هو الارض المقدسة الاخروية التي كتب الله و ذلك تقدير العزيز العليم. فكان اعلي الله مقامه و رفع في الخلد اعلامه في هذه الدورة التي هي دورة اخراج النفوس و تطهيرها عن العلائق الجسدية اول العمل فظهر بتعفين حرارته كنار النشارة و هي نار ضعيفة مجملة بل هي كشمس الشتا او جناح الطاير فلو سلط علي النفوس الممتزجة بثقل اراضي العادة و الطبيعة و الشهوة و الطغيان و الالحاد و الشقاوة نار السبك مثلاً لاحترقت و ذبلت و فسدت لان الارض لمنافرة طبيعتها مع نار السبك كانت تحترق و النفس ايضاً بامتزاجها و اختلاطها لم‌تجد فرصة الفرار و كانت تفسد و تحترق فظهر بنار لينة تطيقها الارض و تتنبه النفوس اللطيفة فاخرجها ثم شدد في النار و يشدد شيئاً بعد شيء حتي يهتدي كل من يمكن ان يهتدي و يخرج كل ما فيها من الحيوة بتكميل النار و تقويها بتلك النار و تذكرها تلك الديار و الوطن المألوف فتصعد الي قبة انبيق سمائها و تبقي الارض بلاروح ثم تستخرج ما فيها من الارض الطيب و ذلك قوله تعالي لو تزيلوا لعذبنا الذين كفروا و قوله ليميز الله الخبيث من الطيب و يجعل الخبيث بعضه علي بعض فيركمه جميعاً فيجعله في جهنم اولئك هم الخاسرون. فيرمي بالثفل الذي لاطيب فيه خاسراً و ذلك حكم الله في الشرايع و السنن و علي نسبة هذه النيران شرايع آدم و نوح و ابرهيم و موسي و عيسي و محمد9 و ما اظهرت الائمة: ثم النجباء ثم يظهرون النقباء و هو التعفين القوي في تطهير النفوس ثم يأتي من بعد ذلك من يملأ الارض عدلاً و قسطاً كما ملأت ظلماً و جوراً و يقدسها عن القوم الجبارين و دنسها.

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 2 صفحه 438 *»

فاذا عرفت ذلك فاعلم انه كما لاتنفع نار النشارة في اليوم الثاني الذي ينبغي ان يكون بنار دقاق الفحم و هي لاتنبغي في اليوم الثالث الذي ينبغي ان يكون بنار ملهبة و هي لاتنفع في اليوم الذي ينبغي ان تكون نيرانه نيران هايجة و ينسخ حكم كل نار في اليوم الذي بعده كذلك لاتنفع شريعة آدم في زمان نوح و شريعة نوح في زمان ابرهيم و هكذا، كذلك لما كان الشيخ اعلي الله مقامه مبدأ الركن الرابع الضياء اللامع ظهر بالاجمال لئلايورث الكلال و لم‌يتنبه باشاراته و لم‌يتذكر بتلويحاته الا نفوس ذكية و قلوب صافية و صدور نقية فان العاقل يكفيه الاشارة و لاتنفع تلك الاشارة اذا صعدت النفوس الزكية و لم‌يبق منها شيء و بقيت النفوس المدنسة فينبغي حينئذ لشارح لذلك الاجمال و موضح لذلك المقال حتي تفهمه تلك النفوس المدنسة بادناس الاراضي و ثقلها و يشد النار علي اهل البوار الا تري ان حديد السمع يسمع النجوي و اما ثقيل السمع لابد له من رفع صوت حتي يسمع فرفع صوته السيد اجل الله شأنه و انار برهانه و شد في نار التعفين حتي يتذكر اصحاب الظن و التخمين و يشربوا الماء المعين من عين اليقين فسمع من سمع واعيته و تذكر من تذكر و صعد من امكنه الصعود بتلك النار الوقود و بقي من بقي و لايصعدون الا بلهيب ساطع و شعلة لامعة نافذة في الاعماق الملطفة بالاحراق ليصعد الذين اخلدوا الي الارض بتثقيل نفوسهم بالشكوك و الشبهات و يتلطف الذين تكثفوا باعراض الظنون و التخمينات و كيف يحتمل ان يتذكر بكلام الشيخ من لم‌يتذكر بكلام السيد أليس علي7 يقول كيف يراعي النبأة من اصمته الصيحة وقر سمع لم‌يفقه الواعية و انما اذنت لجواد القلم ان يجول في هذا الميدان قليلاً ليكون ذكري للذاكرين فاجهدوا رحمكم الله في طلب النار الثالثة ان شيءتم ان تكونوا من الصاعدين و اياكم و الفتور من طلبها فتكونوا مع الغابرين فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد ان في ذلك لذكري لمن كان له قلب او القي السمع و هو شهيد. فلنرجع بعد تمهيد ما كان واجباً من المقدمة النافعة لجميع الفرقة الناجية كثر الله امثالهم و بلغهم آمالهم الي ما سئلتم من مسئلتكم و سنبينها ان

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 2 صفحه 439 *»

شاء الله ببيان ينبغي في هذا الزمان و ينفع الطبقة الثالثة من ارباب الايقان و الاذعان و يمكنني بيانه في هذه الاحيان التي قد احاط فيها عظم المصيبة مني بالجنان و الاركان،

و علي نحت القوافي من مواقعها و ما علي اذا لم‌يفهم البقر

و المستعان بالله الملك المنان و لاحول و لاقوة الا بالله العلي العظيم و صلي الله علي محمد و آله الطاهرين.

اعلم وفقك الله و سددك و حفظ لك و عليك في هذه الطخية الشاملة و المحنة الحالة و الفتنة المضلة و ثبتك بالقول الثابت في الحيوة الدنيا و في الآخرة ان الله سبحانه احد فلايتجزي فلايتناهي الي سواه لا الي جوهر و لاعرض فهو قديم لنفسه و قائم بذاته غير محتاج الي غيره فيما هو به هو و هو بذاته هو هو نفسه و نفسه هو فهو قديم في الواقع و قدمه عينه ليس هو شيء و قدمه شيء آخر فيخرج عن الاحدية فيتجزي فيتناهي فيحد فيكون حادثاً و ليس كما يقول الجاهلون ان القدم امر تنتزعه النفس عن الواجب و هو من المعقولات الثانية و ليس في الخارج كالفوقية التي تنتزعه النفس عن السقف و ليس في الخارج فوقية سوي السقف بزعمهم و الزوجية المنتزعة من الاربع و ليس شيء في الخارج سوي الافراد الاربعة بظنهم فان ذلك اشتباه محض و انكار لما لم‌يحيطوا بعلمه و لما يأتهم تأويله و الدليل علي وجود المعاني المصدرية في الخارج انا نسئلهم اولاً بان المشتق كالعالم مثلاً هل اتصف في الخارج بصفة بها سمي عالماً و امتاز بها عن الجاهل او لم‌يتصف و هما في الخارج ذاتان بسيطتان ليس لهما ما تمتاز به احديهما عن الاخري فان اتصف العالم بصفة وجودية خارجية بها امتاز عن الجاهل فنسئلهم هل هي العلم و به صار عالماً او سمي عالماً او شيء آخر و صفة اخري فان قيل صفة اخري فما الفرق في اثبات صفة دون اخري و الدليل العقلي لايخصص.

و ان قيل هي العلم فثبت ان المبدء لابد من وجوده في الخارج حتي يحصل المشتق و ان قيل لم‌يتصف بشيء في الخارج بل العالم ذات بسيطة كما يقولون فنسئلهم ان العالم بما امتاز في الخارج عن الجاهل و هل امتياز في البسائط

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 2 صفحه 440 *»

و لابد لكل ممتازين في الخارج ان يكون لهما ما به اشتركا في صقع واحد و ما به امتازا فخرجا عن البسيطية الي التركيب و ذلك خلف فتعدد المشتقات في الواقع دل علي تركيبهما من ظهور الذات و من المبدأ المشتق منه المشتق فالعالم مركب من ظهور ذات زيد و وصف العلم و الجاهل مركب من ظهور ذات عمرو و وصف الجهل سواء عقل رجل العلم في زيد و الجهل في عمرو او لم‌يعقل هب لو لم‌ينتزع منتزع العلم من العالم و الجهل من الجاهل هل العالم ليس بعالم في الخارج اي ليس له شيء يمتاز به عن الجاهل و هل الجاهل ليس له ما به يمتاز عن العالم و هل يبطل تعددهما و يتحد وجودهما في الخارج بمحض عدم تصور متصور و يمتازان في الخارج بتصور متصور ان هذا الا سفسطة محضة لايتفوه به عالم منصف فتبين و ظهر لمن نظر و ابصر ان المشتقات في الخارج كلها مركبة من ظهور ذات و صفة فالعالم مثلاً مركب من ظهور الذات و العلم و الجاهل مركب من ظهور الذات و الجهل و اما في الله سبحانه و في صفاته كالعالم و القادر و الحي و السميع و البصير و امثالها من الصفات الذاتية فانها الفاظ متعددة يراد منها معنيً واحداً و ذاتاً واحدةً و ان اختلفت مفاهيمها اللفظية من حيث هي هي اذ ليس لله سبحانه في رتبة ذاته علم غير ذاته يتصف به و لاقدرة و لاحيوة و لاسمع و لابصر و لاغيرها لابوجود و لاعدم و لانفي و لااثبات هو نفسه و نفسه هو و انما سمي بالسميع لما رأي في ملكه الاصوات و سمي بالبصير لما رأي في ملكه من المبصرات و سمي بالقدير لما رأي في ملكه من المقدورات فتعدد الالفاظ من جهة تعدد انواع خلقه لا من جهة تعدد صفات في ذاته سبحانه و تعدد المفاهيم من جهة تعدد الالفاظ انفسها لا من جهة وقوعها علي الله سبحانه فقولنا قديم لفظ حادث له مفهوم حادث استعمل في التعبير عن دوام الذات الذي هو عين الذات بلاتعدد و اما اذا استعمل في الحادث فللمسمي صفة امتاز بها عما سواها صفة وجودية خارجية كالعرجون القديم فانه ما مر عليه ستة اشهر فما لم‌يمر عليه ستة اشهر في الخارج و لم‌يتصف بهذا الاجل في الخارج لايسمي بالقديم و باتصافه

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 2 صفحه 441 *»

بمرور هذا الاجل في الخارج امتاز عن العرجون الجديد سواء انتزع احد القدم منه او لم‌ينتزع و كيف يرضي عاقل بان يقول ان القدم اي مرور الستة اشهر علي العرجون في الخارج موقوف باعتبارنا و تصورنا فان تصورنا و انتزاعنا هو قديم و الا فليس بقديم في الخارج او يقول ذات العرجون القديم و العرجون الجديد في الخارج بسيطة و لاامتياز لهما في الخارج حتي نعتبر قدم واحد و جدة اخري و نقول ثانياً دليلاً آخر علي وجود المعاني و الصفات في الخارج بحسب ما يحتملونه بان الذهن اما يكتسب ما يدركه من الخارج و ينطبع فيه او لايكتسب من الخارج و فيه صفة موجودة بايجاد الله او يوجد صفة فان كان يوجد صفة و هي مدركة فليس بانتزاع من الخارج و ليس اذا احاط به ادرك الشيء الخارج بل شيئاً آخر و ان كان فيه صفة موجودة بايجاد الله فكذلك اذ هي غير ما في الخارج و القول بان ما في الذهن اصل و حقيقة لما في الخارج مطلقاً هو قول من البطلان بمحل فان ما في الذهن يكون اصلاً لما في الخارج اذا كان صاحبه علة و منيراً و مؤثراً و اما اذا كان من عرض المدرك فلايملك لمدركه نفعاً و لاضراً و لاحيوةً و لانشوراً لايقدر عليه بايجاد و لااعدام و لابزيادة و لانقيصة فكيف يكون ما في ذهنه اصلاً لما في الخارج و مؤثراً له اما سمعت قول علي7 كلما ميزتموه باوهامكم في ادق معانيه فهو مخلوق مثلكم مردود اليكم. فاذا كان المميز بالوهم مخلوقاً مثلك فكيف يكون اصلاً لما في الخارج و هو مثلك و انت مثل ما في الخارج أليس تتصور ممات زيد في يومك و هو حي او بالعكس و فقره و هو غني و بالعكس و مرضه و هو صحيح و بالعكس فلابد لك من ان تقول انه منتزع عن الخارج فاسئلك انه ان لم‌يكن في الخارج منتزع عنه فعن اي شيء ينتزع ذهنك ما انتزع فان لم‌يكن شيء في الخارج فباي سبب انتزع الفوقية و لم‌ينتزع التحتية و ان كان شيء في الخارج و انتزع عنه شيء فهو المطلوب. نعم غاية الامر ان المنتزع عنه ليس شيء جوهري قائم بذاته من دون حاجة الي محل فالفوق مثلاً عرض موجود في الخارج قائم بمحل و بذلك العرض امتاز الخشب و الطين و الطوابق عما كان من الخشب و الطين و الطوابق تحتاً و هكذا زوجية الاربعة فان الاربعة

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 2 صفحه 442 *»

افراد اتصف بالزوجية و هي صفة قائمة باقتران اربعة افراد بعضها مع بعض فلو تفكك بعضها عن بعض ذهبت الزوجية و ليس كل موجود في الخارج يري بالعين حتي اريك اياها فان الوزن ايضاً كما قدمنا الدليل عليه موجود في الخارج و لايري و كذا الطعم و الرايحة و الحرارة و البرودة و اللين و الخشونة مع انها موجودة و محسوسة بحواس اخر و كذا اذا نظر العين الي الاربعة افراد و اقتران بعضها ببعض ادرك النفس منها الزوجية كما انك اذا نظرت الي الام و توليها علي ولدها و بكائها له و تربيتها له عرفت منها المحبة لولدها و ليست المحبة تري بالعين و تدرك بالشم و تذاق بالذوق و تلمس باللمس و تسمع بالاذن و ليس لك ان تنكر وجود المحبة في الخارج فانها موجودة و تترتب عليها الآثار لما قدمنا و كذا الزوجية تدركها النفس بعد اقتران اربعة افراد بعضها مع بعض و اما عدم تخلف الزوجية عنها حيناً ما فلايدل ايضاً علي عدم وجوده في الخارج و انما هي حكم حكم الله علي الاربعة بها لاتتخلف عنها.

فتبين ان‌شاءالله و ظهر لمن انصف و ابصر انه لايمكن ان تنتزع النفس شيئاً من الخارج الا و هو موجود في الخارج الم‌تسمع الي ما رواه في علل الشرايع بسنده الي الحسن بن علي بن فضال عن ابي‌الحسن الرضا7 قال قلت له لم خلق الله الخلق علي انواع شتي و لم‌يخلقه نوعاً واحداً قال لئلايقع في الاوهام انه عاجز و لاتقع صورة في وهم احد الا و قد خلق الله عليها لئلايقول احد هل يقدر الله عزوجل علي ان يخلق صورة كذا و كذا لانه لايقول من ذلك شيئاً الا و هو موجود في خلقه تبارك و تعالي فيعلم بالنظر الي انواع خلقه انه علي كل شيء قدير فاخبرني عن الزوجية و الفوقية و التحتية هل هي صورة او جوهرة.

فان قلت انها جوهرة فقد اخطأت لانها ليست بقائمة بنفسها لا في الخارج و لا في الذهن.

و ان قلت انها صورة فقد قال الامام7 انه موجود في خلقه تبارك و تعالي الايعلم من خلق و هو اللطيف الخبير.

و تحقيق الحق في ذلك ان جميع ما تدركه الاوهام و تميزه هو مخلوق

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 2 صفحه 443 *»

موجود في الخارج كما قال الله سبحانه قل الله خالق كل شيء و جميع ما يدرك و يميز شيء و منكر شيئيته منكر البديهة فهي شيء مخلوق موجود في الخارج و انما الذهن كمرآة تنطبع فيها الصور فاذا وجه الانسان ذهنه الي شيء و قابله به ينطبع فيه شبحه المنفصل فيدركه فاذا كانت المرآة صافية مستقيمة انطبع فيها علي ما هي عليه في الخارج و ان كانت ملونة او معوجة ينطبع فيها علي خلاف الواقع و الانسان يدرك ما في ذهنه مطابقاً كان ام مخالفاً و يحكم علي الخارج علي ما انطبع في ذهنه فلذلك قد يخالف المفهوم المدلول فالله سبحانه علي ما بينا و شرحنا و اوضحنا قديم و قدمه عين ذاته و ليس بامر اعتباري بل امر وجودي خارجي و انما انطبع القدم في الاذهان من آياته التي وصف بها نفسه في نفوس خلقه كما قال سنريهم آياتنا في الافاق و في انفسهم حتي يتبين لهم انه الحق و قال و في انفسكم أفلاتبصرون و قال النبي9 من عرف نفسه فقد عرف ربه و قال علي7 اعرفكم بنفسه اعرفكم بربه و في الانجيل اعرف نفسك تعرف ربك. و بالجملة قد اشبعنا البحث عن ذلك في الجملة في هذا المقام لماينفع هنا و فيما سيأتي من الكلام فكان الله سبحانه و لا شيء معه لاعيناً و لاكوناً و لاصلوحاً و لاذكراً لابوجود و لاعدم و لانفي و لااثبات و الآن كما كان و كذلك يكون فاحدث لا من شيء مشيته بنفسها من غير ان يتصل به شيء او ينفصل عنه شيء او يتحرك بعد سكون او ينطق بعد سكوت لا في شيء وقتاً و مكاناً و جهة و رتبة و لا علي كم و لابكيف و لاكيف لذلك و انما ادراك ذلك حظ من خرج عن الكيف و نظر بعين لاكيف لها و هي العين التي اعاره الله اياها كما قال الشاعر:

اذا رام عاشقها نظرة و لم‌يستطعها فمن لطفها
اعارته طرفاً رآها به فكان البصير بها طرفها

 

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 2 صفحه 444 *»

فمن نظر بعين الله سبحانه عرف ذلك فما احسن ما قال الشاعر:

لي حبيب حبه حشو الحشا ان ‌يشأ مشياً علي جفني مشي
عينه عيني و عيني عينه ان يشأ شئت و ان شئت يشا

فاذا صارت العين كذلك ادرك صدور المشية بلاكيف و هي في العبارة الظاهرة للتفهيم و التفهم حركة ايجادية كما سئل علي7 عن الفعل فقال هو حركة المسمي ولكنه ليس علي ما يدرك من ظاهره الحركة عرضاً قائماً بمحل فانه لامحل قبله يقوم به و الحادث لايعرض علي الله سبحانه فانه لابد في العارض و المعروض من اتحاد الصقع و ليس الحادث في رتبة الواجب فيمحل العروض و لا حادث غيره اذ به يخلق ماسواه و كل ماسواه دونه و العالي لايعرض علي الداني و لايقوم فلابد من ان يكون جوهراً و ذاتاً و كيف لا و هو مجهر الجواهر و مذوت الذات و كل ذات انما استفادت الذاتية منه فهو ذات قائمة بنفسها باقامة الله سبحانه نفسها بها و لذا قلت انها في العبارة الظاهرة للتفهيم و التفهم حركة ايجادية لا في الحقيقة فانه سئل الامام7 عن المشية فقال خلق ساكن لايدرك بالسكون و معني سكونها انها استقرت في ظل الله فلاتخرج منه الي غيره كما ورد في الدعاء اللهم اني اسئلك باسمك الذي استقر في ظلك فلايخرج منك الي غيرك و هذه المشية واحدية الجهات ابسط مايمكن في الامكان و ليس فيها حيث و حيث فانها محيثة الحيث و لاطور و طور فانها مطورة الطور و لاكيف فانها مكيفة الكيف و بالجملة لايجري عليها ما هي اجرتها و لايعود فيها ما هي ابدتها فخلق الله بها امكانات الاشياء كلها مما لانهاية لها و هي بحر سيال متشاكل الاجزاء متشابه الابعاض يصلح كل قطرة منها لان يكون منه كل شيء من الغيب و الشهادة و العالي و الداني و الجواهر و الاعراض و الذوات و الصفات بلاامتناع من شيء منها و هو العمق الاكبر المشاراليه في دعاء السمات و هو بحر القدرالمشاراليه في حديث علي7 علي ما رواه في التوحيد بسنده الي اصبغ بن نباتة قال قال اميرالمؤمنين7 في القدر الي ان قال لانه بحر زاخر خالص لله

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 2 صفحه 445 *»

 عزوجل عمقه مابين السماء و الارض عرضه مابين المشرق و المغرب اسود كالليل الدامس كثير الحيات و الحيتان يعلو مرة و يسفل اخري في قعرها شمس تضيء لايطلع عليها الا الله الواحد الفرد فمن تطلع عليها فقد ضاد الله عزوجل في حكمه و نازعه في سلطانه و كشف عن سره و باء بغضب من الله و مأواه جهنم و بئس المصير فقوله بحر زاخر لانه ذائب سيال متشابه الابعاض سهل القبول للاكوان زاخر كثير لانهاية له و لاساحل خالص لله عزوجل لايحيط به غير الله سبحانه و ان كان محمد9 هو السابح في لجج عبابه الا انه9 لم‌يحط به فان المحيط بالشيء خارج عنه و المحيط ببحر الامكان لايكون الا قديماً و هو9 حادث نعم سبح فيه و انغمس بظاهره و خافيه و كان سبحه سبح تحير كما قال9 رب زدني فيك تحيراً و قوله تحيراً مشتق من حار الماء و تحير اذا دار و اجتمع او تردد فقوله زدني فيك تحيراً اي ان استقر في ظلك فلااخرج منك الي غيرك فنفس ذلك البحر حاير دائر بعضه حول بعض و مجتمع و متردد يعلو مرة و يلطف حتي يخفي عن نفسه و يكاد ان يظهر في كل شيء و يسفل مرة حتي يظهر في نفسه و يكاد ان يخفي عن ماسواه فقوله رب زدني فيك تحيراً استمداد لما هو عليه و لنعم ما قال الشاعر:

قد ضلت النقطة في الدائرة فلم‌يزل في نفسها حائرة

او مشتق من حار اذا نظر الي الشيء فغشي عليه و لم‌يهتد لسبيله فهو حيران فالمراد زدني غشياً حتي تبطل حواسي و مشاعري و يغيب عقلي و نفسي بسطوع ظهور نورك علي معني الذات غيبت الصفات و معني اطف السراج و هو ما يهتدي به في الظلمات و هو سرج عقلك و نفسك و مشاعرك الباطنة و الظاهرة فقد طلع الصبح

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 2 صفحه 446 *»

و هو صبح الازل المشرق منه آثار النور علي هياكل التوحيد فاذا انطفت سرج المدارك بطلوع صبح الازل و غيبت الذات الصفات هنالك يغشي علي الناظر بانوار الازل و آياته فيموت من نفسه و يحيي بربه قال الشاعر:

اعدم وجودك لاتشهد له اثراً فدعه يهدمه طوراً و يبنيه

فيصير كما قال7 لنا مع الله حالات هو فيها نحن و نحن هو و هو هو و نحن نحن و ليس معناه انه تكون حالة هو نحن و نحن هو و تكون اخري انه هو هو و نحن نحن فان المراد بتلك الحالات الحالات الازلية التي تحيط حالة منها بجميع الجبروت و الملكوت و الملك فلم‌يبق حالة في الاوعية الثلثة لم‌تحط بها حتي يكونوا فيها علي غير ما كانوا عليه في الحالة السابقة و انما اتي بالجمع بلفظ الحالات مع ان في الازل الاول ليست الا حالة واحدة لبيان مقام تدلج بين يدي المدلج من خلقك و لبيان كون السير الي غير نهاية و لان ذلك البحر لاساحل له قال علي7 رب ادخلني في لجة بحر احديتك و طمطام وحدانيتك. و لو كان له ساحل لم‌يكن بحر الاحدية فتلك الحالات طولية لاعرضية و دائماً هو في حالة واحدة لايري غيرها و تلك الحالة‌ يغمر جميع الاوعية الثلثة و هم في تلك الحالة يقولون هو نحن و نحن هو و قوله هو هو الواو حالية اي و الحال انه هو هو و نحن نحن اي مع انه هو هو و نحن نحن هو نحن و نحن هو و لله در القائل:

رق الزجاج و رقت الخمر فتشاكلا فتشابه الامر
فكأنما خمر و لا قدح و كأنما قدح و لا خمر

فالمراد بتحيره7 رقة زجاجة وجوده حتي يفني من نفسه و يبقي بربه و يخفي نفسه و يظهر ربه فسبح9 في جميع ذلك البحر بالتحير و لم‌يكن سبحه انتقال من ساحل الي قبة او من قبة ‌الي ساحل او من مكان الي مكان لان جميع ذلك مفقود هناك فلاساحل و لاقبة و لامكان لانه بحر الاحدية فكان سبحه سبحاً اتحادياً تحيرياً فدار حول جبل الازل و اجتمع تحت ظله الذي لم‌يزل و خالص لله لايري غيره و لم‌يظهر نفسه او خالص لله اي لرسول‌الله

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 2 صفحه 447 *»

بحذف المضاف فلايسبح فيه غيره فان ما خلص لرسول‌الله فقد خلص لله، من يطع الرسول فقد اطاع الله و قال من رآني فقد رأي الحق، ان الذين يبايعونك انما يبايعون الله. فما خلص له فقد خلص له لانه قال هو نحن و نحن هو عمقه مابين السماء و الارض سماء عالمه و ارض عالمه لان بعد مابين هذه السماء و هذه الارض لايقدر به الا الاجسام فان القابل للابعاد الثلثة هو الجسم دون غيره و بحر القدر في عالم السرمد و اني يقدر بابعاد الاجسام فانها لاتجري علي النفوس و العقول و لايقال عقله ذراع و ذراعان مثلاً فكيف تجري علي عالم الفعل و لايجري عليه ما هو اجراه و لايعود فيه ما هو ابداه و السماء هي جهة العلو الا تري قوله و انزلنا من السماء ماءً و انما هو من اعلي كرة البخار فسماء ذلك البحر اعلاه ممايلي الازل و ارضه اسفله ممايلي نفسه فهذا تحديد ابهامي لانهاية له اذ من اراد ان‌يحدد اللانهاية لابد و ان‌يحدده بالابهام كما تقول يا من هو هو يا من لايعلم ما هو الا هو فعمق ذلك البحر مابين السماء المطلقة و الارض المطلقة و هو ابهام صرف عرضه مابين المشرق و المغرب مشرق انوار صبح الازل كما قال علي7 نور اشرق من صبح الازل و مغرب هيكله و انيته التي يخفي تلك الجهة و يظهر نفسه و هو ايضاً ابهام صرف اذ لانهاية له و لاحد و لايجري هناك هذا البعد الذي هو من لوازم الاجسام اسود كالليل الدامس الدامس شديد الظلمة و سواده لشدة تراكمه و زخاريته و كثرة ما فيه من صلوح الاشياء الغير المتناهية المتراكمة الموجبة‌ للسواد فلايهتدي فيه احد الا نور الازل كثير الحيات و الحيتان و خص هاتين لان مبدأ اشتقاقهما بالاشتقاق الكبير الحيوة و لايتولد في هذا البحر غير هاتين لان هاتين ادوم الاشياء حيوةً و الحية تتولد من التراب غالباً و الحوت من الماء و الماء و التراب هما جهتا المخلوقية و

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 2 صفحه 448 *»

المفعولية و الام و النار و الهواء جهة الخالق و الفاعل و الاب و لذا تكون المتولدات التي هي تامة في بطن الام لا في ظهر الاب و المتولد اما تغلب فيه جهة‌ الام فيكون انثي او جهة الاب فيكون ذكراً و الحية هي المتولدة الغالبة فيها جهة الام جهة‌ اليبس و قد تتلو اباها فتعيش في الماء لان الولد للاب و الحوت هو من جهة الاب و يتولد في الماء و لايعيش مع الام و لايبقي معها لغلبة ما فيه من جهة الاب فلذا انث لفظ الحية و ذكر لفظ الحوت للدلالة علي الواقع و ان كان لحكمة خلق من كل واحد منهما زوجان لبقاء النسل الا ان نوع الحوت بالنسبة الي نوع الحية اقرب الي الذكورة فاختار الحيات و الحيتان لما ذكرنا و لاجل ان المراد منهما ليس هذين الجنسين الجسمانيين المعروفين بل المراد صلوح جميع ذرات الاكوان التي في ذلك البحر و ان ذلك جنسان احدهما حوت و الآخر حية‌ و كلاهما في المبدأ شريك و هو الحيوة و ان كان الاشتقاق في الحوت علي غير نحو الاشتقاق المعروف و انما ذلك هو الاشتقاق الكبير و الحيوة هي عين ذلك البحر لانه مبدأ الماء الذي منه كل شيء حي و جميع ذرات الموجودات حي الاتسمع قوله تعالي و ان من شيء الا يسبح بحمده ولكن لاتفقهون تسبيحهم فجميع ما في هذا البحر حي و هو اما حوت تغلب عليه جهة الاب و اما حية تغلب عليها جهة الام فجميع الموجودات لايخلون من هذين الجنسين و ما تري من عدم حيوة بعض فانما هو من اعراض الدنيا فاذا ازيلت الاعراض ظهرت الحيوة الكامنة في الاشياء و ذلك قوله تعالي و ان الدار الآخرة لهي الحيوان، فحكم علي الدار بما فيها بالحيوة و يمكن ان يؤخذ اشتقاقهما من حوي بمعني حاز و جمع و لما كان الموجود في الامكان هو الصلوح و كل شيء منها يصلح ان يكون كل شيء و كل شيء قد حاز صلاحية التصور بجميع الاكوان فاختارهما علي ماسويهما لاجل ذلك فحينئذ كل ذرة منها حوت و حية فكلها حوت من جهة و كلها حية من جهة و لم‌يجعل لكثرة الحيتان و الحيات حداً لعدم تناهي الصلوحات يعلو مرةً و يسفل اخري مر شرحها

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 2 صفحه 449 *»

في قعرها شمس تضيء و هي شمس الازل الازلية الاولي و المراد بالقعر ابعد اجزائها عن الناظر الذي يحتاج في الوصول اليه الي غوص و قد تراكم عليه البحر فقعرها ممايلي الازل اذ هي احجب اجزائها عن الناظر و اخفاها و قد تراكم عليه البحر و شمس الازل هي المشاراليها في حديث علي7 نور اشرق من صبح الازل فيلوح علي هياكل التوحيد آثاره فهياكل التوحيد قوابل الامكان و اعيانها قال علي7 في الصورة الانسانية هي الهيكل الذي بناه بحكمته و النور هو نور الوجود و النور الذي خلق المؤمن منه اتقوا فراسة المؤمن فانه ينظر بنور الله قال7 هو النور الذي خلق منه و آثار ذلك النور مادة الهياكل و ما بها قوامها و صبح الازل المشية و لابد للصبح من شمس خافية في الافق قريبة منه تشرق انوارها من وراء حجب الآفاق و هي شمس الازلية الاولي و الشمس المضيئة تحت بحر القدر الذي لتراكمه و كثرة ما فيه من الصلوحات اسود كالليل الدامس و لم‌تظهر اضواء الشمس التي في قعره الا بقدر الفجر و هو الخيط الابيض المتبين من الخيط الاسود و ذلك الخيط هو صبح الازل و لو اشرق ازيد من ذلك لاحرقت سبحات وجهه ما انتهي اليه بصره من خلقه فمااحسن ما قاله ابن‌الازري:

ما عسي ان اقول في ذي‌معال علـة الدهر كله احديها

لايطلع عليها الا الله الواحد الفرد اطلاع احاطة اما اطلاع اتحاد فقد مر ان السابح في تلك اللجج و الغائص في ذلك اليم المغرلج هو محمد9 سبح اتحاد و لاغرو في ذلك اذ يسئل المتعجب هل تعلم تلك الشمس نفسها و ذلك البحر نفسه ام لا فان قال لا هذا محل فان الشيء لايفقد نفسه لاسيما اذا كان ذوشعور و اعظم منه اذا كان مجهر الجواهر و مبدأ الشعورات فكيف يفقد نفسه حيث يجدها فاذ لايفقد نفسه فهو مطلع عليها اطلاع اتحاد فاذا اطلاع الاتحاد ليس من افراد المستثني منه فيمكن ان يطلع عليها محمد9 اطلاع اتحاد

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 2 صفحه 450 *»

فمن تطلع عليها و تجشم الاطلاع عليها و تكلف ما ليس له فقد ضاد الله و اما محمد9 لم‌يتطلع و انما اطلع الخبر. و هذا البحر هو بحر الامكان و هو مع عدم تناهيه حاد للمشية و المشية حادة له فلاشيء من المشية يكون خارج الامكان فيكون قديماً و لاشيء من الامكان يكون خارجاً عن تحت المشية فيكون موجوداً من غير ايجاد و كونهما حادين ليس محادة من جهة واحدة بل من جميع الجهات من الذات و الصفة و الغيب و الشهادة و المكان و الوقت و مقام النقطة فيهما و مقام النفس الرحماني و الحروف و الكلمة فالمشية الكلية الامكانية هي تمام الامكان من حيث الفعلية و الامكان تمام المشية من حيث المفعولية فلو كانا متغايرين فلايخلو امرهما من ثلث اما تكون المشية اعلي و الامكان اسفل او بالعكس او كانا متصاقعين ففي الاولي كانت المشية قديمة اذ هي خارجة عن الامكان و في الثانية كان الامكان قديماً موجوداً بغير ايجاد و في الثالث كان بينهما بينونة عزلة و لايمكن حينئذ ان يقال انهما قديمان و لاحادثان اما القديمان فلتعددهما و بطلانه اما الحادثان فلكون احدهما غير الآخر و غير مخلوق بالآخر لما بينهما من بينونة عزلة فوجب الاتحاد الا ان الامكان من حيث الاعلي و اليديه فعل و من حيث الاسفل مفعول و هو شيء واحد ابسط مايكون و يمكن في الحادث و ليس موجود اسبق منه و لذا يسمي بالامكان الراجح اذ هو غير متوقف بحصول شيء سواه و سوي ظهور ربه به و هو هو و هذا البحر بحر سيال ذائب سهل القبول لجميع الهياكل من الخبيث و الطيب و العالي و الداني و اللطيف و الكثيف و الغيب و الشهادة و الاكوان و الاعيان و الجواهر و الاعراض و هذا كان قبل ان يخلق الله الاكوان بما لايحصي كما روي ما معناه انه سئل علي7 كم بقي العرش علي الماء فقال7 أتحسن ان تحاسب قال نعم فقال7 لو صب بين السماء و الارض الخردل حتي يملأ الفضا و انت علي ضعفك كلفت ان تحمل حبةً

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 2 صفحه 451 *»

حبةً من المشرق الي المغرب حتي تأتي عليها كلها لكان ذلك اقل من عشر من معشار ما كان العرش علي الماء من السنين ثم قال و استغفر الله من قلة التحديد و لم‌يحضرني اصل الخبر لانقله بلفظه و بالجملة هذا لبيان عدم تناهي تلك المدة و المراد بالعرش عرش المشية و الماء ماء بحر الامكان ثم بدا لله سبحانه ان يخلق الاكوان فاول ما خلق خلق محمداً9 كما وقع عليه الاجماع من الخاصة و العامة و هو العقل و القلم و الروح التي وردت به الاخبار و لااختلاف في الاخبار بوجه الا ان شيئاً واحداً سمي باسماء كثيرة و لاغرو. فهذا هو بيان حقيقة الامكان علي ما هو الحق و هو امر محقق خارجي موجود قبل خلق الاكوان فلو لم‌يكن موجوداً في الخارج لكانت الاكوان في الخارج قديمة و ان كان القدم ايضاً امراً اعتبارياً فالخلق و الخالق في الخارج مجردان عن ما به يمتازان فليس لله ما به يكون قديماً و ليس للخلق ما به يكون حادثاً فما وجه الامتياز و ما الباعث علي انتزاع القدم من الله و الحدوث عن الخلق و ما المرجح في ذلك فان كان مرجح في الخارج فما هو و ما الفرق بين وجود ذاك و بين الامكان و القدم و الدلائل العقلية لاتخصص لكليتها و ان لامرجح في الخارج فهل لمنتزع ان ينتزع القدم عن الخلق و الحدوث عن الله ام لا ما لكم كيف تحكمون ام لكم كتاب فيه تدرسون ان لكم لما تحكمون سلهم ايهم بذلك زعيم و قد بينا سابقاً في معني القدم ما فيه غنية لمنصف طالب فتدبر.

و اما الاستدلال علي مجعوليته فذلك مما لايشك فيه موحد مسلم عاقل فانا نسئلهم هل هو شيء واجب قائم بنفسه او ممتنع لاذكر عنه او حادث فان قالوا انه واجب لزمهم ان يقولوا ان الممكنات كلها واجبة لان الممكن هو الموصوف بالامكان كما بينا و شرحنا و اوضحنا سابقاً كما ان المصلي هو الموصوف بالصلوة و المحرم هو الموصوف بالاحرام و الموجود هو الموصوف بالوجود كذلك الممكن هو الموصوف بالامكان فان كان الامكان شيئاً و واجباً لزم ان يكون كل من اتصف به متصفاً بالوجوب فجميع الممكنات واجباً لزم ان يكون كل من اتصف به متصفاً بالوجوب فجميع الممكنات واجبة و هذا باطل و عن حلية

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 2 صفحه 452 *»

الاعتبار عاطل و ان قالوا ان الامكان ممتنع فلاشيء بممكن فان الامتناع لايوصف و لايوصف به و لاينتزع عن شيء و لاينتزع عنه شيء لانه عدم محض و لاشيء صرف فكيف يوصف شيء بالعدم الصرف و التوصيف فرع الوجود او كيف ينتزع العدم الصرف عن الموجود في الخارج او كيف يكون العدم المحض من المعقولات الثانية علي قولهم و ذلك مما برهنا عليه في مباحثاتنا مفصلاً ان فرض المحال و تصوره محال و قد قال علي7 كلما ميزتموه باوهامكم في ادق معانيه فهو مخلوق مثلكم مردود اليكم و قال انما تحد الادوات انفسها و تشير الآلات الي نظائرها، و هل لهم مدرك ممتنع محال يدرك الممتنع المحال فلايكون الامكان الذي يعبر عنه و يوصف به و يتصور و يفهم بلاشيء محض فلابد و ان يكون شيئاً فاذ لم‌يكن بواجب كان حادثاً و لايعقل ان يكون شيء ليس بواجب و لاحادث فانه ان كان موجوداً اما قائم بنفسه او قائم بغيره فان كان قائماً بنفسه غير محتاج الي غيره في وجوده هو واجب و ان كان قائماً بغيره فهو حادث و قد قال الرضا7 حق و خلق لاثالث بينهما و لاثالث غيرهما، و ان لم‌يكن الامكان موجوداً فهو معدوم اذ لاواسطة بينهما كما قال الرضا7 ليس بين النفي و الاثبات منزلة و ليت شعري لو كان بينهما منزلة باي مدرك منهم ادركوه و هم موجودون فانه كما قال علي7 انما تحد الادوات انفسها و تشير الآلات الي نظائرها فهل لهم مدرك ليس بموجود و لامعدوم حتي يدركوا ما ليس بموجود و لامعدوم فاذا كان الامكان موجوداً اذ لامنزلة بين الوجود و العدم و لم‌يكن بواجب كان حادثاً و ان كان حادثاً كان مخلوقاً و كل مخلوق مجعول بجعل الله سبحانه كما قال الصادق7 ان الله خلق المشية بنفسها ثم خلق الاشياء بالمشية. و قال كلما وقع عليه اسم شيء فهو مخلوق ماخلا الله و قال انما سمي الشيء شيئاً لانه مشاء و قال الله سبحانه قل الله خالق كل شيء. فان ابوا الا ان يقولوا ان الامكان ليس بشيء فنسئلهم ماذا تنتزعون عن

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 2 صفحه 453 *»

الخارج و عن ماذا تنتزعون اتوجدون في اذهانكم ما لم‌يخلقه الله و هل اذا قدرتم علي خلق الامكان في اذهانكم عجز الله عن خلقه في الخارج و نسئلهم عن ما في اذهانهم بانتزاعهم هل هو شيء ام لاشيء و اللاشيء لاينتزع فاذا هو شيء و نقرأ لهم قل الله خالق كل شيء فان انكروا محكم الكتاب فلاكلام لنا معهم و ان عرفوه فلايمكنهم ان يقولوا نحن نخلق في اذهاننا فاذاً يكون الله خالقه فالذي خلق في الاذهان لايعجز عن خلقه في الخارج و الدليل علي انه قد خلق في الخارج ما رويناه من الاخبار ان كل ما في الاوهام موجود في الخارج لئلايكون لاحد ان يقول هل يقدر الله ان يخلق هذا و ما ذكرنا من الادلة الواضحة من كون جميع ما في الذهن انطباعاً من الخارج و لابد لشاخص موصوف في الخارج حتي ينطبع شبحه في مرآة الذهن بحيث لم‌يبق عليه غبار لمن انصف ربه. ثم نقول لهم مزيداً علي ما مر هل الاشياء الموجودة في الخارج اذا لم‌يتصور متصور و لم‌ينتزع منتزع ممكنة او قديمة او ممتنعة و لايمكنهم ان يقولوا الا بالاول فاذا كانت الاشياء ممكنة في الخارج هل اتصفت بصفة في الخارج بها سميت بالممكن ام لم‌تتصف بصفة فان اتصفت بصفة هل هي الامكان او غيره فان قالوا بالاول فهو المطلوب و ان قالوا بالثاني لزمهم كذب ما تصوروا. مثاله ان يكون زيد موجوداً و هم تصوروا عدمه و ان يكون الرمح مستقيماً و تصوروا استدارته و لايقول بذلك عاقل و ان لم‌تتصف بصفة في الخارج فلم انتزعوا الامكان و لم‌ينتزعوا غيره فان نسبته في الخارج الي جميع الصفات سواء و ما المرجح في ذلك فتبين و ظهر لمن نظر و ابصر و انصف و اعتبر ان الامكان موجود في الخارج و ان ما في الاذهان شبح منفصل عنه ينطبع فيها و هو موجود مخلوق بمشية الله سبحانه. و فيما ذكرنا من الادلة الحاوية لجميع الانحاء الثلثة المجادلة و الموعظة و الحكمة بزيادة الكتاب و السنة كفاية لمن القي السمع و هو شهيد.

قـال سلمه الله تعالي: لاني استدللت به عليها لخصمائي و ماقبلوا مني و يقولون في جوابي ان الامكان ليس بشيء موجود محقق في الخارج كالممكن

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 2 صفحه 454 *»

حتي نقول بمجعوليته و نعترف بحقية قولك بل هو امر ذهني ينتزع من الخارج و يمثلون لمدعاهم هذا بانه كما ان الزوجية المحمولة علي الاربعة ليست لها تحقق في الخارج بل الموجود فيه الاربعة نفسها كذلك ما نحن فيه لانا اذا نظرنا في الخارج و رأينا الممكنات انتزعنا منها امراً اعتبارياً غير محقق الوقوع في الخارج و سميناه بالامكان.

اقـول: و ان كان قد تقدم ما فيه غنية للمنصف الطالب للحق الا انا نزيد تحت هذه الفقرات زيادة لئلايبقي لذي حجة حجة و يهلك من هلك عن بينة و لاقوة الا بالله العلي العظيم.

قولهم: «ليس بشيء موجود محقق في الخارج كالممكن» ان كان مرادهم و ليس مرادهم ان الامكان ليس بذي‌عين و حدود كافراد الممكنات فهو حق و ان كان مرادهم و هو مرادهم محض المماثلة في الوجود الخارجي لاالتحدد بالحدود و الاتصاف بالاوصاف فهو باطل و عن حلية الاعتبار عاطل فان الامكان لو كان ليس بشيء فهو ممتنع في الخارج اذ مرادهم من اللاشيء هو اللاشيء المطلق الصرف لاالاضافي فان كل شيء لاشيء اضافي و هو شيء موجود في الخارج كما ان الارض ليست بسماء و السماء ليست بارض فالمراد ان الامكان ممتنع الوجود في الخارج فاذا كان الامكان ممتنع الوجود في الخارج فلم‌تتصف الاشياء في الخارج بالممتنع الذي عبرنا عنه بالامكان و عدم اتصافها بالممتنعات متساو فهلا انتزعوا عنها شريك الباري و يقولوا الاشياء كلها شركاء لله سبحانه و كذا قدم الاشياء الخارجة ممتنع و لم‌تتصف بالقدم فهلا انتزعوا عنها القدم فيقولوا الاشياء قديمة و كذا لم‌تتصف الاشياء باجتماع النقيضين فلم لم‌ينتزعوا عنها اجتماع النقيضين و في عدم اتصافها بجميع ذلك سواء و لامرجح في الممتنعات و لاتمايز و ان كانت الالفاظ متعددة بحسب الاوهام و ان اتصفت في الخارج بشيء وجودي و اختصت به فاي شيء هو امكان فيثبت به صدق مطلوبنا او غيره فيثبت به كذبهم.

وجه آخر انهم لم‌يختلفوا و لم‌يتوقفوا في وجود الممكن في الخارج فليقل

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 2 صفحه 455 *»

منصف منهم انهم باي علة سموها بالممكن و لم‌يسموها بالواجب و الامكان امر اعتباري لاوجود له في الخارج و هل لاحد آخر ان يعتبر الوجوب و يسميها بالواجب أبمحض تشهي انفسهم سموها بالممكن او رأوا منها شيئاً اقتضي ان يسموها بالممكن و لايرضي عاقل ان يقول بمحض تشهي النفس سميناها ممكناً بل يقول رأينا منها الامكان و التغير و الفقر و الحاجة و الانقلاب فسميناها بالممكن هب اذا كان امراً اعتبارياً بما استدلوا علي حدوث العالم و افتقاره الي قديم و لاترد ادلتهم علي زعمهم الا علي اذهانهم و لغيرهم ان يقول اني اتصور قدم العالم فليس بحادث و يلزم صاحب هذا القول ان يقر بصدق من يبطل جميع حكمته فانهم يقولون العالم متغير و كل متغير حادث فالعالم حادث فلغيرهم ان يقول انك اعتبرت التغير و قلت العالم متغير و انا اعتبر الثبات و الدوام و استدل علي الوجوب و ليس له ان يرد عليه الا ان يقول اني اري التغير فاقول انه متغير فاذا رأي التغير الذي هو المصدر و من المعقولات الثانية علي اصطلاحهم فلم لم‌ير الامكان و كيف جوز وجود التغير في الخارج و لم‌يجوز وجود الامكان و الحكمة لاتختص باحد المماثلين و دليل العقل لايخصص و هكذا يبطل كل مقدمة قرروها حتي هذا المدعي الذي هم بصدده فنقول قولكم ليس بشيء موجود محقق في الخارج الذي معناه المعدوم في الخارج انما قلتم به لاجل ما انتزعتم عدم وجود الامكان من الخارج و نحن ننتزع وجوده في الخارج و نتصور كونه في الخارج فنسمي الامكان بموجود في الخارج فنقول الامكان موجود في الخارج و كذا في الزوجية و لو بني بان علي ذلك لبطل جميع احكام الدين بل خرج الانسان بذلك عن زمرة العاقلين و لنعم ما قالوا في طريقتهم لولا الاعتبارات لبطلت الحكمة و علي ما يقولون لاربط للاعتبارات بالخارج لان ما تنتزع الاعتبارات عنها ليست بموجودة في الخارج و ما في اذهانهم من الاعتبارات موجودة و الموجود لايرتبط بالمعدوم فاذا عدم الربط فنحن نعتبر بطلان جميع ما أسسوا و ان كان اعتبارنا هذا مما له ربط تام بالخارج و ما انتزعنا البطلان عنه موجوداً في الخارج. فيا سيدي اياك و المجارات مع هذه الفرقة و اني ترتجي حقية من اخذ

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 2 صفحه 456 *»

علمه عن النصاري او اليهود اليونانيين و بني اساس دينه عليه و اول عليه احاديث الائمة: و لاشك ان مماراتهم ممرضة للقلب و ان لم‌يمرض القلب لنادر فلاشك انه تضييع للعمر و الانسان اذا عرف الحق فما له و المجارات و الممارات أليس قد روي ان شيعتنا الخُرس و أليس قد روي اياك و الخصومات فانها تورث الشبهات و تردي صاحبها و عسي ان يتكلم الرجل بالشيء فلايغفر له و اعلم ان المخاصمات حرام بلااشتباه فان عرف الرجل الحق فما له و الخصومات المنهية‌عنها في الكتاب و السنة المتواترة و ان يريد دعوتهم الي الحق فنهينا عنها فان من كان منا يأتينا كالطير المسرع الي وكره و ها يدخلون في دين الله افواجاً و ان لم‌يعرف الرجل الحق فليسئل مظانه تعلماً لاتعنتاً و انما كتبت ما كتبت جواباً لكم و رفعاً لما يحتمل من وقوع الشبهة في قلوب بعض الطالبين للحق و الله خليفتي عليك.

قـال سلمه الله: و معلوم ان وجود الامكان بهذا المعني الذي ذكرت لك مستفاد منها و كلما كان وجوده مستفاداً من شيء لايكون مساوقاً له في الرتبة و ان كان مساوقاً له في الظهور فكيف يقدم عليه فالقول بمجعولية الامكان قبل الاكوان و لو بالرتبة غير معقول عند من له ادني بصيرة في الفن فضلاً عن ان يكون من الحكماء النبلاء الي آخر ما قالوا في اسفارهم و بياناتهم من الاقوال الفاسدة الكاسدة الضالة المضلة بحيث يكون ذكرها و بيانها موجباً للاضلال الابدي و الاقلام لمباشرتها كتبها علي الالواح المبغوضة الملعونة لانها علي ما هو حق عند الموحدين الخالصين في توحيد الله مكلفة كل يسبح بحمده ولكن لايفقهون تسبيحهم. و المرجو منكم ان تقبلوا دعوتي و تجيبوا مسئلتي باجوبة شافية كافية تكشف الغطاء عن قلبي و ترفع الحجاب عن عقلي و تحل العقدة من لساني يفقهوا قولي بحيث ما قهرني احد بعد في مسألة لان العلم نقطة و كثرها الجاهلون سيما هذه و ان تعجلوا في اجابتها لاني كنت مسافراً قاصداً الي زيارة

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 2 صفحه 457 *»

علي بن موسي الرضا عليهما آلاف التحية و الثناء و منتهي توقفي في دار العبادة كان بعد انتقال الشمس الي برج الحمل و احب ان بلغتني مسألتي من نحو جنابكم قبل مهاجرتي و انتقالي منها الي الارض الاقدس.

اقـول: قوله: «و معلوم ان وجود الامكان» الي آخر قول خصمائه حكاه عنهم و هل ذلك الا بمحض تخيل باطل و اعتراض علي خيالهم الذي كان عن حلية الاعتبار عاطلاً فان الامكان بذلك المعني لايقول به غيرهم و اما ساير الحكماء النبلاء و العلماء الاجلاء من ذوي‌الالباب فانهم يعلمون ان ما في الذهن شبح منفصل عما في الخارج و الخارج بمنزلة الشاخص و الذهن بمنزلة المرآة فلاينطبع فيه شيء الا ان يكون في الخارج اصله موجوداً و ان ما في الذهن مركب من مادة و صورة مادته الشبح المنفصل من الخارج و صورته ما اكتسب من مرآة الذهن من الاستقامة و الاعوجاج و الكدورة و الصفا و الالوان المختلفة فلربما يكون في الذهن شيء ليس علي هيئة ذلك الشيء الخارجي الا ان مادته من مثاله الملقي و انما انقلبت المادة لقابلية المرآة فلولا الشيء الخارج لم‌يكن مثال و لولا المثال الذي هو المادة لم‌يكن في الذهن شيء الا تري الي المرآة العوجاء فانها لولا مواجهتها مع مستقيم خارجي لم‌تظهر فيها صورة عوجاء و ليس اعوجاجها مكتسباً من الخارج و انما مادة العوجاء من الخارج و لولا الخارج لم‌تكن مادة‌ حتي تظهر بالاستقامة او الاعوجاج و لاجل ذلك يختلف المفهوم و المدلول و المدلول و المعني و المعني و المصداق و ذلك لان الشيء الخارجي له ذات يعبر عنها بأنا و يشار اليها بأنت و يضاف اليها كل ماسويها من عقله و روحه و نفسه و جسمه و كل ما له و هو المراد من جميع الاسماء و الاشارات و الضماير و ان كان هو هو من حيث هو لااسم له و لارسم و انما يراد في ظهوره حين ظهوره و لذلك المراد عند اقترانه بغيره ظهور و صفات بها امتاز عن غيره و هو المصداق و الشبح المتصل بالمادة و مرجع جميع الاسماء و الصفات و الاشارات و التعبيرات و ما يصدق عليه جميع ذلك و من ذلك الشبح المتصل ينفصل بفضل الانوار الواقعة عليه المنصبغة في بطنه شبح منفصل علي هيئته و ينطبع في الذهن و المدارك و

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 2 صفحه 458 *»

في نفس الانسان فهيهنا اما يتغير عما كان عليه او لايتغير بحسب احوال النفس ففي العوجاء يعوج و في المصبوغ ينصبغ و في اضدادها ضدها و لذا انت علي ما انت عليه في الخارج و يراك عدوك قبيحاً و قبيح الاعمال و الاقوال و يزدريها في عينه و يراك صديقك حسناً زكياً حسن الاعمال و الافعال و الاقوال و يستعظمها و ذلك امر واضح معلوم مع انك انت انت علي حالة واحدة فاذا انطبع في الذهن من الخارج ما انطبع و عبر عنه بالالفاظ و الاشارات سمي ذلك المنطبع معني لاقبله فانه مقصوده و مطلوبه و انه كره ما في نفسه و احب ما في نفسه الا تري انه لعل الرجل ينظر الي ثمر و يحسبه حلواً فيطلبه و لو علم انه مر ما طلبه و يزعم ذلك الفعل حسناً فيفعله و لو علم انه قبيح لم‌يفعله فكل معبر يعبر عما في نفسه و موافقه التعبير لما في النفس صدق و ان كان مخالفاً لما في الخارج و مخالفته لما في النفس كذب و ان وافق الخارج اقرأ قوله تعالي اذا جاءك المنافقون قالوا نشهد انك لرسول‌الله و الله يعلم انك لرسوله و الله يشهد ان المنافقين لكاذبون. فالتعريف الاسد للصدق و الكذب ما قاله علي7 ان الصدق جري اللسان علي الفطرة الالهية و الكذب خلافه و الفطرة الالهية ان‌ يعبر عما في نفسه و يفصح عن معتقده و ليس مكلف بما لايعلم و ماعلم الا ما انطبع في مرآته فالتعبيرات و الالفاظ لما في النفوس و ما في النفوس هو المقصود و في الحقيقة الالفاظ تنزل المعاني و جمودها كما قال علي7 المعني في اللفظ كالروح في الجسد. و لو شئنا ان‌ نفصل تنزله لطال بنا الكلام في غير محل السؤال فالمنطوق هو جسد المعني و المعني روحه و قد وقع الشبح المنفصل من المعني في مرآة اللفظ المنطوق و ليس ذلك الشبح الا هوية اللفظ و ذلك الشبح هو مدلول اللفظ فان عليا7 قال الصفة علي مثلها تدل فليس مدلول اللفظ ما في الخارج و لا ما في النفس اذ اللفظ لايتجاوز حده و قد يكون مرآة اللفظ عوجاء فيعوج الشبح المنفصل من المعني فيه الا تري انك قد تريد التعبير

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 2 صفحه 459 *»

عما في نفسك فتعبر بتعبير لايؤدي ما في نفسك و تعبيرك يدل علي مدلول و انت تري مدلوله غير ما في نفسك فتقول اني عاجز عن تعبير ما في نفسي و ذلك اما لقصور الالفاظ او لقصور في آلات ايجادها كاللحي و الاسنان و اللسان و لرب تعبير يدل علي غير ما في نفس المتكلم فالمدلول هو الشبح المنفصل من الشبح المنفصل من الشبح المتصل بمرادك و يقع من هذا المدلول شبح منفصل في ذهن السامع فيفهم منه شيئاً فلربما يطابق ما دل عليه اللفظ و لربما لايطابق فان كان مرآة نفس السامع صحيحة يفهم من اللفظ ما دل و الا يفهم غير المدلول فالمفهوم هو الشبح المنفصل من الشبح المنفصل من الشبح المنفصل من الشبح المتصل بالمراد و ما لم‌يكن جميع هذه المرايا معتدلة لم‌يظهر الشبح فيه معتدلة فانظر الي ما ذكرت و ارجع البصر فيه هل تري من فطور ثم ارجع البصر كرتين هل تري من قصور و هل يكون غير ذلك فكيف يمكن ان ينطبع في النفس شيء لااثر له في الخارج و من اين ينتزع لو لم‌يكن ما ينتزع عنه و اي شيء ينزع ان لم‌يكن شيء و ان لم‌يكن شيء لم‌نزع هذا دون غيره و ما المرجح أيكون لغيرك ان ينزع كذب ما انت نازع و ينزع خلافه ام لا.

و اما قولهم: «ان وجود الامكان بهذا المعني الذي ذكرت لك» مستفاد من الخارج ان لم‌يكن في الخارج شيء فكيف يستفاد الشيء من العدم و ان كان ما في الخارج ضده فكيف يستفاد الشيء من ضده و ان كان هو بنفسه فما البحث.

و قولهم: «و كلما كان وجوده مستفاداً من شيء لايكون مساوقاً له في الرتبة و ان كان له في الظهور» الي آخر و هذا ايضاً من متخيلاتهم و هل ظن احد او ادعي عاقل ان المستفاد من الخارج اي الشبح المنفصل من الخارج المنطبع في الذهن يكون مساوقاً للاصل الخارجي في الرتبة و انما هم اسسوا علي خيالهم و مرآتهم العوجاء اصلاً فقالوا ان الامكان امر انتزاعي و هو عين مصادرة بالمطلوب غير مسلم ثم قالوا ان الامكان بالمعني الذي ذكرت لك مستفاد منها و هذه الفقرة ايضاً عين الفقرة الاولي لكن بعبارة اخري و ذلك بعد ان يسلم الخصم المعني الذي ذكرت ثم قالوا و كلما كان مستفادا لايكون مساوقاً و هل

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 2 صفحه 460 *»

جري ذلك الا علي خيالهم و من حصر الامكان في المعني الذهني غيرهم حتي اذا نفينا مساوقته لزم كذب المدعين للتقدم و هل ذلك الا زخرف القول غروراً و من الذي قال ان المستفاد من الشيء يساوقه و علي من انكروا و ان الخصم يقول الامكان بالمعني الذي نذكره له وجود خارجي اذ لولا وجوده في الخارج لكان الاشياء في الخارج قديمة لانها غير ممكنة لولا اعتبار المعتبر و المفروض ان المعتبرين باعيانهم ايضاً من الاشياء الخارجة و كلامنا في الكل فالكل ليس بممكن لانه لاامكان ثم يلتجون الي ان‌يقولوا ان الله كان يعتبر امكانهم و ينتزع و اعتبار الله ليس في نفسه و انما هو في الخارج فالامكان امر خارجي. ثم تقسيم الاشياء بالذهني و الخارجي امر ركيك ليس من شأن اولي‌الالباب فان الشخص و ذهنه و ما فيه موجود في ملك الله و شيء و الله خالق كل شيء فالامكان و ان سلمنا قولهم شيء في ملك خلقه الله فيكون النزاع في موضوعه و غير ذلك ذهن زيد خارج عن ذهن عمرو كذا العكس و ذهن الكل خارج عن ذهن الكل و لكل واحد ان ينتزع شيئا من ذهن صاحبه و هذا ايضاً تقسيم خيالي و هل للاشياء عند الله ايضاً وجود خارجي و وجود ذهني او كلها خارجي او كلها ذهني و مااظن مسلماً يثبت لله ذهناً فالامكان موجود خارجي و لايخلو اما ان يكون متأخراً عن وجود الاشياء فيكون الاشياء موجودة في القدم او يساويها فيكون بينهما بينونة عزلة و تكون الاشياء قديمة او تتحد مع الامكان فتكون المتكثر اول ما صدر و هو خلاف الحكمة او يتقدمها و هو الحق الحقيق بالتحقيق و ما يستفاد من هذا الامكان في الاذهان هو الشبح المنفصل عنه المنطبع فيها و هو لايساوق الامكان رتبةً و لاظهوراً و انما يتبع ظهوره و يحصل بعده بالف الف دهر كما هو شأن حدوث الآثار عن مؤثراتها.

بقي شيء نبينه لقوم يفقهون و هو السر في ظهور الامور المقدمة علي الشيء المتأصلة قبله لابصورة الوصفية كما يقال للشيء موجود مع ان الوجود هو الاصل و الجوهر و ان حدود الماهية تعرض عليه و يقال للشيء الممكن و يوصف بالامكان مع ان الامكان مقدم علي الشيء كما بينا سابقاً و الشيئية

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 2 صفحه 461 *»

الكونية تعرض عليه كما قال الله سبحانه انا خلقنا الانسان من قبل و لم‌يك شيئاً مع انه كان شيئاً بالامكان كما قال الله سبحانه هل اتي علي الانسان حين من الدهر لم‌يكن شيئاً مذكوراً و هو استفهام انكار و قال الامام7 بلي كان مذكوراً في العلم. و الوجه في ذلك ان الوجود هو الاصل و هو المادة و الجوهر للشيء و اقوي اركانه و الماهية هي الفرع و الصورة و العرض للشيء و اضعف اركانه و الوجود هو الاب التكويني و الماهية هي الام و الشيء المتكون منهما هو الولد و الماهية خلقت من نفس الوجود من ضلعه الايسر لان الوجود هو آدم التكويني و الماهية هي حواه و قد قال الله سبحانه خلق لكم من انفسكم ازواجاً لتسكنوا اليها و جعل بينكم مودة و رحمة و خلقكم من نفس واحدة و خلق منها زوجها، و الوجود جهة الوحدة في الشيء و عدم الامتياز و جهته الي ربه و الماهية جهة الكثرة فيه و الامتياز و جهته الي نفسه و من اصل الماهية و جعل الوجود عارضاً عليها فهو كمن قال الله سبحانه فيهم ألكم الذكر و له الانثي تلك اذاً قسمة ضيزي، و جهة الرب جهة الوحدة المشاكلة لصفته لا جهة الكثرة فالوجود كالاب الذي ليس في صلبه ذكورة و لاانوثة و لاحسن و لاقبح و لاصورة و لااختلاف اعضاء و لاجوارح فان الوجود معني واحد غير مختلف و الماهية كالام التي في رحمها يذكر الولد و يؤنث و يحسن و يقبح و يصور و تختلف اعضاؤه لان الاختلاف في الصورة و لذا صار السعيد من سعد في بطن امه و الشقي من شقي في بطن امه و هي الصورة و الوجود هو نور الله و الماهية هي الصبغ لذلك و الدليل علي صحته جميع ما قلنا قول الصادق7 ان الله خلق المؤمن من نوره و صبغه في رحمته فالمؤمن اخو المؤمن لابيه و امه ابوه النور و امه الرحمة. فقوله من نوره يدل علي ان المادة النور لمكان «من» كما تقول صنعت الخاتم من فضة و قوله صبغه في رحمته دليل علي ان الصورة صبغ و الصبغ ام فالوجود هو الاب و الماهية هي الام و الوجود هو من شعاع محمد9 و الماهية من

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 2 صفحه 462 *»

شعاع علي7 فان كان مؤمناً فمن شعاع باطنه و هو الرحمة و ان كان كافراً فمن شعاع ظاهره و هو النقمة فهو رحمة الله علي الابرار و نقمته علي الفجار و باب باطنه فيه الرحمة و ظاهره من قبله العذاب و قد قال النبي9 انا و علي ابوا هذه الامة، فالاب هو رسول‌الله9 فانه تعالي قال النبي اولي بالمؤمنين من انفسهم، فهو الولي كما ورد في السنة انت و مالك لابيك و الام علي7 لانه قال و ازواجه امهاتهم و قال خلق لكم من انفسكم ازواجاً، و قال و انفسنا و انفسكم، فعلي نفس الرسول و قال و خلق لكم من انفسكم ازواجاً، فعلي زوج النبي و ازواجه الائمة امهاتهم و اولواالارحام الشيعة بعضهم اولي ببعض و لسنا بصدد بيانه فالسعيد من سعد في بطن امه يعني علي7 و الشقي من شقي في بطن امه لانه النبأ العظيم الذي هم فيه مختلفون و قال النبي9 ليس الاختلاف في الله و لا في و انما الاختلاف فيك يا علي، فليس اختلاف الاولاد في الرب الخالق و لا في صلب الاب و انما الاختلاف في رحم الام فهناك يؤنث و يذكر و يحسن و يقبح و يطول و يقصر و هكذا. و بالجملة الوجود أب و الماهية ام و قد قال الله سبحانه هن لباس لكم و انتم لباس لهن، و اللباس موضع الصورة لانه يلبس الشيء و يصبغه و يميزه.

اما لباسية المرأة للرجل فظاهر لانها خلقت من نفس الرجل و مقامها الماهية و الصورة و خلقت من ضلعه الايسر و جهة ماهيته و الاشكال في لباسية الرجل للمرأة و هو موضع مسئلتنا فان اتصاف الوجود بالصورة و الماهية و تلبسه بها ظاهر لان الوجود ينصبغ في الماهية و يتصف بها و انما الاشكال في اتصاف الماهية بالوجود فان الوجود جوهر و ليس بوصف و الوجه في ذلك ان الوجود يتصف بالصورة و يلبسها فلذا يقال للوجود محدود و موصوف و مميز و مصور فيوصف بالحد و الوصف و التميز و الصورة و اما الموجود فهو الحد و الوصف

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 2 صفحه 463 *»

و الصورة و التميز فالحد يلبس الوجود و يوجد فانك اذا نظرت الي الحد من حيث هو وجدت مادة الحد ما يشترك بينه و بين ساير الحدود و هو الظلمة و انما الوجود هو مادة الشيء المركب لامادة الحد و كذا الوجود في مقامه له مادة‌ و صورة مادته النور و صورته اقترانه بالماهية و هو حيث ماديته و انت تعلم ان المادية امر اضافي فما لاصورة له ليس بمادة فاذا اقترنت بالصورة صارت مادة فالمادة لها مادة نوعية و هي النور و صورة و هي ماديته و للصورة ايضاً مادة نوعية و هي الظلمة و صورة هي حيث اقترانها بالوجود فلو لم‌تقترن بصورة و مثال ذلك كالخشب فما لم‌يصنع باباً لم‌يسم الخشب بمادة الباب و انما هو خشب و التربيع لو لم‌يعرض علي الخشب ليس بصورة باب و انما هو تربيع و لو كان التربيع صورة باب لكان كل مربع باباً و كذا لو كان الخشب المطلق مادة باب لكان كل شيء باباً و تحقيق ذلك علي وجه الاجمال ان الخشب من حيث هو لايوجب اكراماً و لااهانةً فاذا صورته بصورة‌ صنم يهان بمادته و صورته و اذا صورته بصورة ضريح يكرم بمادته و صورته فالخشب المطلق ليس بمادة و الا لكان اما يجب ان يهان كل شيء او يكرم كل شيء و كذا صورة الصنم لولا الخشب فان الانسان علي صورة صنم و لايهان فلو كانت الصورة من حيث هي تهان لكان كل انسان يهان فالمادة و الصورة امران اضافيان لاتتحقق احدهما الا بالآخر و لاحكم لاحدهما الا بعد الاقتران فالمادة توصف باقترانها و الصورة توصف باقترانها و الاقتران و المقترن به بالفتح في عرض واحد كما حققنا في رسائلنا و مباحثاتنا فالماهية لباس الوجود يلبسها و يخرج بلبسه اياها من عرصة الامكان الي فضاء الاكوان و الوجود لباس الماهية تلبسه و يخرج من بحر الامكان الي ساحل الاكوان فالوجود يصور و الصورة توجد و الوجود مصور و الصورة موجودة و لما كان مصداق الاسماء و الالفاظ الصور يقال زيد موجود و عمرو موجود و معلوم ان زيداً زيد بما به امتاز عن عمرو لا بما به اشترك مع عمرو كالانسانية مثلاً فيقال زيد موجود و عمرو موجود لما شرحنا و بينا و اوضحنا و هكذا الامر في الامكان فيقال للشيء ممكن و للامكان مكون كما ذكرنا

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 2 صفحه 464 *»

و لما ذكرنا حرفاً بحرف فان مادة الوجود و الماهية من الامكان و ليس المكون الا قطعة من الامكان قد تصورت بصورة الاكوان فصارت كوناً و الامكان في الاكوان كالمداد في الحروف فان كل قطعة من المداد صالح لان يكتب به كلمة طيبة و كلمة خبيثة و الحروف النورانية و الحروف الظلمانية و كالهواء للكلام فان كل قطعة منها صالح لان يصور بكل صورة من الكلمات الطيبة و الخبيثة و ان الله سبحانه خلق اولاً ذلك البحر السيال الصالح لكل موج ثم سلط عليه ريح المشية الكونية فتموج ذلك البحر بامواج مختلفة و هل يمكن لعاقل ان ينظر الي حرف مكتوب و يقول ان المداد امر اعتباري و انما الموجود هو حرف الف او ينظر الي الملفوظ و يقول الموجود هو اللفظ و الهواء امر اعتباري و لانعني بالامكان الا ذلك الجوهر الذي يمكن ان يوجد منه كل شيء و يتهيأ بكل هيئة فلولا ذلك الجوهر فماذا هذا العالم و هل كان ذلك بلااصل و قد بينا ان المداد لايكون مادةً و وجوداً الا بعد تلبسه بلباس الحرف و قبل تلبسه ليس بمادة و لاوجود للحروف و انما هو امكان الحروف و لايتأمل بعد ما شرحنا و بينا و اوضحنا و كررنا في ذلك من كان له ادني مسكة و ليس لي اقبال بازيد من ذلك و لو امكن شرف الملاقات لمخلصكم لعرفتم حقيقة الامر بما ليس فوقه امر عند ابناء الزمان و لاتقفن في الحكمة في مقام فان لها مقامات و كلما يسمع المبتدي من الحكمة و يفهم فهي فوقه و اعلي منه و لو احطتم بما ذكرت خبراً لم‌ترد عليكم شبهة بعد ذلك الا و كان عندكم جوابها فقد عرفتم ان شاء الله تعالي ان القول بعدم مجعولية الامكان مع مشاهدة الاكوان و امكان صيرورة كل شيء كل شيء غير معقول عند من له ادني بصيرة في الفن فضلاً عن ان يكون من الحكماء النبلاء و ان الانسان لما ادبر مولياً عن عليين و عن اوائل جواهر العلل صلي الله عليهم اجمعين و نظر الي سجين يري كل شيء معكوساً فيري الحق باطلاً و الباطل حقاً و هم لاجل توليهم عن الائمة سلام الله عليهم مخازن علم الله و عن الكتاب الذي انزل بعلم الله و توجهوا الي رؤساء الضلالة مميت الدين العربي و ابن‌سيناء الزيدي و رؤساء الصوفية خذلهم

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 2 صفحه 465 *»

الله و كتب اليونانين النصاري لزمهم هذا الخزي من الله سبحانه فقالوا بقولهم و اولوا قول ائمتهم سلام الله عليهم و لله در القائل:

فان شئت ان تختر لنفسك مذهباً ينجيك يوم الحشر من لهب النار
فدع عنك قول الشافعي و مالك و احمد و المروي عن كعب‌الاحبار
و خذ عن اناس قولهم و حديثهم روي جدنا عن جبرئيل عن الباري

فلاتراجعن الا قوما يستنبطون عن الكتاب و السنة و ان قال قائل:

و كل يدعي وصلا بليلي         (اقول)         و ليلي لاتقر لهم بذاكا

اذا انبجست دموع من خدود تبين من بكي ممن تباكي

اذا قام الرجل منا و منهم يستدل فرأي قوماً يستدلون بالكتاب و السنة من غير تأويل و ينقطعون الي ائمتهم سلام الله عليهم و يتركون اعدائهم و رأي قوماً آخرين يستدلون بقول محيي‌الدين فيقول في قوله ان فرعون من اهل الجنة ان هذا الكلام يشم منه رايحة التحقيق و يقول انا نشك في الشمس في رابعة النهار و لانشك في حقية الصوفية و يقول كقول اليهود لن‌تمسنا النار الا اياماً معدودةً فينقطع العذاب و يصير عذباً و يذهب مذهب النصاري و يقول بسيطة الحقيقة كل الاشياء و يسير سيرة قوم لوط فيقول بتحسين عشق المردان و يبوب في ذلك باباً و هكذا الي آخر مخازيهم عرف الحق من الباطل ٭و تبين من بكي ممن تباكي٭ فان الله سبحانه و ان رفع سماء الولاية فلاتنالها الايدي لكن وضع الميزان فلاتطغوا في الميزان و اقيموا الوزن بالقسط و لاتخسروا الميزان و هو في التدوين الكتاب و السنة و لما يأتهم تأويله و نكتفي في فقرات السؤال بتحقيق المطلب دون التعرض لبيان العبارات لعدم الاقبال و كثرة الكلال و غلبة الملال.

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 2 صفحه 466 *»

قـال سلمه الله تعالي: و ايضاً تمنوا علي مخلصكم الداعي بتحقيق شرائط المحبة التي خلقت قبل المكونات بالف الف دهر او الف دهر علي اختلاف الروايتين و حقيقتها و سبب جسارتي في السؤال الثاني من حضرتكم اني سمعته من تلميذكم الصاحب المعظم و المولي المكرم مولاي آقا محمدجعفر مجملاً ثم طلبت من جنابه تفصيله قال ليس تفصيله الآن عندي لكنه بين عدد شرائطها بالاربعة‌عشر شرطاً بعدد اسماء ساداتنا سلام الله عليهم اجمعين انتهي كلامه بلغه الله مرامه.

اقـول: ان لنا بياناً في هذا المقام لم‌يسطر في كتاب و لم‌يجر ذكره في خطاب لم‌يسبقنا احد من العلماء الراسخين الي بيانه بل لم‌يلحقنا احد من الحكماء البالغين في تبيانه و لنبتدي من اول المطلب و لو علي سبيل الاجمال حتي يكون لضعفاء الشيعة حجة علي النواصب و علي فقراء الموالين من اشرف الرغائب و ذلك يحتاج الي مقدمات يتضح بها المرام و يتنقح بها الكلام ولكني استأسف علي ورود كتابكم في انحس الازمان و اشئم الاحيان اذ ليس لي ذلك الاقبال الذي اعطي به الكلام حقه و استكشف عن مكنون حقه ولكن ما لايدرك كله لايترك كله و العاقل يكفيه الاشارة.

فالاولي من المقدمات علي سبيل الاختصار ان محمداً9 و آله اول ما خلق الله بالكتاب و السنة المروية من طرق الفريقين و لايشك فيه من له ادني مسكة و تتبع في الاخبار و قد اوردنا اخبارها في محالها من رسائلنا و مباحثاتنا و لايحتاج الي ايرادها هنا و البحث عنها هنا.

و الثانية انه و اهل‌بيته سلام الله عليهم منيرون للعالم و جميع ما في العالم انوارهم و قد دل علي ذلك ايضاً الكتاب و السنة الموافقة مع الكتاب المؤيدة بالعقل المستطاب فلايسبقهم سابق و لايلحق بهم لاحق بل لايطمع في ادراكهم طامع و لايوجد كمال في جميع الانوار الا و هو موجود فيهم بل مأخوذ عنهم و مستمد منهم ان ذكر الخير في جميع ملك الله سبحانه في الف الف عالم كانوا اصله و فرعه و معدنه و مأواه و منتهاه و لم‌ينل ذوخير خيراً الا بهم و لابد لكل

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 2 صفحه 467 *»

نور ان يشاكل منيره الاتري شعاع الشمس في المرآة كيف يشبهها و شعاع القمر كيف يشبهه و شعاع زيد كزيد و شعاع عمرو كعمرو فاذا كان كل الملك من شعاع انوارهم فلابد و ان لايكون عند احد كمال و خير و نور الا كان عندهم اصله و اوله و حقيقته فيصدق عليهم سلام الله عليهم اسم ذلك الخير بطريق احق و اولي فهم آدم و نوح و ابراهيم و موسي و عيسي علي الحقيقة الاولية و انما يطلق آدم علي آدم لانه يحكي آدميتهم سلام الله عليهم و هكذا لما حكي نوح نوحيتهم و ابرهيم ابرهيميتهم و موسي موسويتهم و عيسي عيسويتهم سموا بهذه الاسماء حتي ان جميع الاعراض كذلك قال علي7 انا صلوة المؤمنين و صيامهم، فهم سلام الله عليهم اصل كل خير من الذوات و الصفات و الاعراض في الغيب و الشهادة في الف الف عالم.

و الثالثة ان الشيء لايحب الا ما كان مجانساً له مشاكلاً6 معه في الصفات و لايبغض الا ما كان منافراً مضاداً معه و انهم: مجالي صفات الله و مظاهر اسماء الله فلم‌تبق لله صفة الا و هم مجلاها و لااسم الا و هم مظهره فهم المرآة الكاملة المساوية لجميع صفات الله و اسمائه فلم‌يشذ عنهم شاذ لا من صفات القدس و لاالاضافة و لاالفعل و ان ماسويهم يحكي ما ظهر منهم سلام الله عليهم بقدر سعة مرآتهم و صفائها و لله در صاحب القصيدة المشهورة ببردة.

و واقفون لديه عند حدهم من نقطة العلم او من شكله الحكم

فكل احد دونهم يشابه صفات الله من جهة الا هم سلام الله عليهم فانهم يشابهونها من كل جهة و يحكونها من كل وجه فهم احباء الله و اولياؤه علي الحقيقة الاولية بالمحبة‌ التامة الكاملة و كل ماسويهم حبيب من جهات خاصة او من جهة واحدة لانها مرايا جزئية و لايحكون كل جهة و هذا معني تقصير الانبياء و الاولياء في ولاية علي بن ابي‌طالب7 الوارد في بعض الاخبار و تركهم الاولي في بعض آخر فان ترك الاولي هو وجه المنافرة المنافية للمحبة اللازمة للموافقة فلاحبيب علي الاطلاق الا هو و اهله سلام الله عليهم اجمعين ابد الآبدين و دهر

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 2 صفحه 468 *»

الداهرين و لايحب احد في العالم الا اياهم او من يظنه اياهم او يحبهم و هو لايشعر انهم هم و لايبغض احد الا اعدائهم او من يظنه اياهم او يبغضهم و هو لايشعر انهم هم بالفطرة التي فطر الناس عليها و ذلك قوله في الزيارة لاانكر لله قدرة و لاازعم الا ماشاء الله سبحان الله ذي الملك و الملكوت يسبح الله باسمائه جميع خلقه. و قال الله سبحانه و ان من شيء الا يسبح بحمده ولكن لاتفقهون تسبيحهم، فاذا عرفت ذلك فاعلم ان شروط المحبة التامة بعدد ماخلق الله من شيء و اضعافه و اضعاف اضعافه و لايحصي جهاتها الا الله سبحانه و تعالي، قال الله تعالي كلما وضعت لهم علماً رفعت لهم حلماً ليس لمحبتي غاية و لانهاية، فكلما يشتد الموافقة تشتد المحبة و كلما تغلب نار المحبة علي احد تحرق الرطوبات الميلية الي ماسوي الله و تقل المنافرة و تشتد الموافقة و كلما اشتدت الموافقة ازدادت المحبة و هكذا كما قال7 بالحكمة استخرج غور العقل و بالعقل استخرج غور الحكمة فلاجل ذلك قال ليس لمحبتي غاية و لانهاية فلانهاية لجهات الموافقة الا ان كليات ذلك تجمعها اربع‌عشرة صفة فمن حازها علي وجه الكمال و التمام فقد حاز الجميع و معلوم ان الحبيب الحقيقي الاولي هو حايز لجميع تلك الشروط و ذلك لان الشيء الموجود له ثلث مقامات مقام الاجمال الصرف و هو مقام ذاته المعبر عنها بأنا و هو مقام بساطته و احديته فانك لو رجعت الي نفسك لم‌تجد لنفسك تعدداً و تكثراً و اجزاء و لانقصاناً فيما انت به انت و لازيادة عما انت به انت و لاترتقب تمام كونك انت انت بل انما انت انت تاماً فيما به انت انت متوحداً متفرداً ليس معك غيرك لابوجود و لاعدم و لانفي و لااثبات و هو من عالم السرمد الباقي الي الابد بعد ما هلك كل شيء و تبدد. و لك مقام الجامعية الحائزية لجميع ظهوراتك في جميع اطوارك و اوطارك في غيبك و شهادتك و مراتب تنزلاتك بحيث لايشذ عنها شاذ و هو مقام ظاهر

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 2 صفحه 469 *»

جسدك الحامل لفؤادك و عقلك و روحك و نفسك و طبيعتك و مادتك و هيئتك و جميع حواسك الباطنة. و لك مقام آخر و هو البرزخ بين هذين المقامين من مراتب تفاصيل ذلك الاجمال الذي بينا و ظهوراته و هو بين هذين المقامين من تنزلاتك و اطوارك و اوطارك فلهذا المقام ثلث مقامات لانه مقام التفصيل و الكثرة فله اعلي ممايلي ذلك الاجمال و يرتبط بعالم الوصال و هو من عالم الجبروت و له اسفل يقترن به الي ساير ما في عرضه و هو غاية بعده عن تلك الديار و دنوه من الاغيار و هو من عالم الملك من حيث اسفله و وسط و هو حيث انه ظهورك و تفصيلك و هو حيث نفس التفصيل المذكور فيه الاجمال لان التفصيل مأخوذ فيه الاجمال و هو برزخ بين العالمين و السفارة بين المقامين و هو من عالم الملكوت فهذه خمس مقامات لكل ما يوجد في عالم الاكوان تماماً و لولا واحد من ذلك لكان الشيء ناقصاً فليس هو هو في كل مرتبة و مقام.

فالاول مقام الاجمال و حقيقة الجلال و حق الجمال. و الثاني مبدأ التفصيل و ابان كشف لثام الجميل. و الثالث تمام التفصيل و ظهور الجليل من كثير او قليل. و الرابع الاقتران بالاغيار و شق العثار و دخول الدار. و الخامس مقام الجامع و مظهر النور اللامع و مرآة الضياء الساطع.

اما الاول و الخامس فلاكلام فيها لغاية بساطة الاول و اجماله و نهاية كثرة الخامس و احتماله.

و اما الثلثة الوسطي فلكل واحد اربع مقامات: الاول جهته الي ذلك الاجمال و هو ابسط ما يكون في كل رتبة و الطفها و اقربها الي الوحدة و هو جهة الفاعل و عنصر النار. و الثاني جهة ميل ذلك المقام الي الاسفل و حيث المقبولية و حيث ارتباط الاعلي بالادني و عنصر الهواء. و الثالث جهة ميل الاسفل الي الاعلي و حيث القابلية و حيث اقتران الاسفل بالاعلي و قبوله و عنصر الماء.

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 2 صفحه 470 *»

و الرابع جهة الاسفل من حيث هو هو و هو اكثف مراتبه و اشدها تكثراً و عنصر التراب و لابد لكل مرتبة من المراتب الثلثة من هذه الاربع فذلك اربعة‌عشر مقاماً ثابتاً في جميع ما يوجد تاماً فهو سر سار في جميع المقامات من عالم الاسماء الي ادني الخلق الا تري في المبدأ عالم الاسماء قول الصادق7 ان الله خلق اسماً بالحروف غير مصوت و باللفظ غير منطق و بالشخص غير مجسد و بالتشبيه غير موصوف و باللون غير مصبوغ منفي عنه الاقطار مبعد عنه الحدود محجوب عنه حس كل متوهم مستتر غير مستور فجعله كلمة تامة علي اربعة اجزاء معاً ليس منها واحد قبل الآخر فاظهر منها ثلثة اشياء لفاقة الخلق اليها و حجب واحداً منها و هو الاسم المكنون المخزون فهذه الاسماء الثلثة التي ظهرت فالظاهر هو الله تبارك و تعالي و سخر سبحانه لكل اسم من هذه الاسماء اربعة اركان فذلك اثني‌عشر ركناً ثم خلق لكل ركن منها ثلثين اسماً فعلاً منسوباً اليها فهو الرحمن الرحيم و ذكر بعض الاسماء الي ان قال فهذه الاسماء و ما كان من الاسماء الحسني حتي يتم ثلثمأة و ستين اسماً فهي نسبة لهذه الاسماء الثلثة و هذه الاسماء الثلثة اركان و حجب للاسم الواحد المكنون المخزون بهذه الاسماء الثلثة و ذلك قوله عزوجل: قل ادعوا الله او ادعوا الرحمن اياً ما تدعوا فله الاسماء الحسني انتهي. فالكلمة الجامعة للاجزاء هو ذلك المقام الخامس الذي اشرنا اليه و ذلك الاسم المكنون المخزون المحجوب بالاسماء الثلثة. ذلك الاجمال الذي عبرنا عنه و اشرنا اليه و الاسماء الثلثة المقامات الثلثة التي عبرنا عنها و بينا و كل واحد له اربعة اركان و تلك الاركان تلك العناصر الذي بينا و شرحنا علي التلويح و لكل واحد من هذه الاركان ثلثون مقاماً لانه لابد لكل عنصر في كماله و تمامه ان يدور ثلث دورات؛ الدورة الجمادية اي الحاجبة للآثار الطبيعية

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 2 صفحه 471 *»

و النفسانية و الدورة النباتية اي الكاشفة عن الآثار الطبيعية الحاجبة للآثار النفسانية و الدورة الحيوانية اي الكاشفة للآثار الطبيعية و النفسانية معاً و لكل دورة لابد من اجزاء عشرة من عقل اجمالي و نفس اجمالية و باطن عقل في مقام التفصيل و باطن نفس في ذلك المقام ايضاً و من ظاهرها في مقام التفصيل و من باطن المادة و ظاهرها الذي هو الهيئة فاذا تم لكل دورة هذه العشرة تم و كمل و صار منشأ آثار فادار كل عنصر ثلث دورات و عشر مقامات ثم الثلثين و هو الثلثون ليلة ميعاد موسي في قوله و واعدنا موسي ثلثين ليلة، فبذلك صار كل ركن شهراً تاماً و صار عدة الشهور عند الله اثني‌عشر شهراً في كتاب الله يوم خلق السموات و الارض منها اربعة حرم و هي الاربعة الاول مبدأ التفصيل و عز الجليل و بهاء الجميل الذي اشرنا اليه و لو نزلت الي منتهي الخلق عالم الاجسام لرأيت ما ذكرته لك واضحاً مفصلاً و ان في ذلك لآيات لقوم يعلمون أولم‌ينظروا في ملكوت السموات و الارض و ان عسي ان يكون قد اقترب اجلهم فبأي حديث بعده يؤمنون. فالاول مقام العرش مقام الاجمال و الغيب و الاسم المكنون المخزون المحجوب كما قال ابوعبدالله7 العرش في الوصل منفرد عن الكرسي لانهما بابان من اكبر ابواب الغيوب و هما جميعاً غيبان و هما في الغيب مقرونان لان الكرسي هو الباب الظاهر من الغيب الذي منه مطلع البدع و منه الاشياء كلها و العرش هو الباب الباطن الذي يوجد فيه علم الكيف و الكون الي ان قال فهما في العلم مقرونان لان ملك العرش سوي ملك الكرسي و علمه اغيب من علم الكرسي فمن ذلك قال رب العرش العظيم اي صفته اعظم من صفة الكرسي و هما في ذلك مقرونان الحديث. و المراد ان العرش هو مقام الاسم المحجوب المخزون المكنون و الكرسي هو الكلمة الجامعة و المرآة الحاكية و الباب

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 2 صفحه 472 *»

الظاهر الذي منه بدع كل شيء و بدؤه و هو مقام باء بسم الله الذي قال علي7 فيه خلقت الموجودات من باء بسم الله الرحمن الرحيم و هو اول الكتاب و اما العرش فهو معني الكتاب و علمه كما قال7 في ذلك الحديث و العرش هو الباب الباطن الذي يوجد فيه علم الكيف و الكون و القدر و الحد و الأين و المشية و صفة الارادة و علم الالفاظ و الحركات و الترك و علم العود و البدء الخبر. و هذه الكلمة الظاهرة له ثلثة اجزاء و هي الدورة الاولي من البروج الحمل و الثور و الجوزاء و السرطان الحاكية لعالم الجبروت و الدورة الوسطي الاسد و السنبلة و الميزان و العقرب الحاكية لعالم الملكوت و الدورة الاخري القوس و الجدي و الدلو و الحوت صاحبة الملك و لكل واحدة منها اربعة اركان كما عرفت و لكل طبيعة و عنصر فهي اثناعشر ركناً برجاً و لكل برج ثلثون درجة فتلك ثلثمأة و ستون درجة فبذلك تم ملك العرش و الكرسي اللذين هما من عالم الغيوب و مبدأ عالم الاجسام و ساير الافلاك تفاصيل الكرسي و تنزلاته و انما هي منه كما مرت الاشارة اليه فاذا عرفت ذلك في المبدأ و المنتهي فاعلم ان الله سبحانه يقول ماتري في خلق الرحمن من تفاوت فارجع البصر هل تري من فطور ثم ارجع البصر كرتين ينقلب اليك البصر خاسئاً و هو حسير و يقول و ما امرنا الا واحدة و يقول و ماخلقكم و لابعثكم الا كنفس واحدة و قال الصادق7 العبودية جوهرة كنهها الربوبية فما خفي في الربوبية اصيب في العبودية و ما فقد في العبودية وجد في الربوبية الخبر. و قال الرضا7 قد علم اولوا الالباب ان الاستدلال علي ما هنالك لايعلم الا بما هيهنا.

فلابد لكل شيء ان يوجد في هذه الاطوار الاربعة‌عشرة ليكون كاملاً في معناه تاماً في ظاهره و باطنه منشأ للآثار الا ان هذه الاربعة‌عشرة قد يخفي وجهها في بعض و يظهر في بعض لان هذا العالم كتاب تكويني منه آيات محكمات هن ام الكتاب و اخر متشابهات و الا كل شيء

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 2 صفحه 473 *»

فيه معني كل شيء ماتري في خلق الرحمن من تفاوت فوجب ان تكون هذه الاطوار الاربعة‌عشرة في الخلق الاول علي نحو اعلي و اشرف لما رأينا ذلك في جميع آثاره و كل اثر يشابه صفة مؤثره فظهر الخلق الاول الذي هو محمد9 باجماع العامة و الخاصة بهذه الاطوار الاربعةعشرة و هذه الاطوار هي الجامعة لجميع اطوار الالف الف عالم بجميع جزئياتها و كلياتها و ذواتها و صفاتها و غيبها و شهادتها و عللها و معلولاتها و اسبابها و مسبباتها و جميع ما لها و فيها و منها و بها و عليها من الكم و الكيف و الجهات و الرتب و الازمنة و الامكنة و الاوضاع و الآجال و الكتب و غير ذلك فهذه الاطوار في الخلق الاول الذي جميع ماسواه آثاره و اشعته حائزة لجميع ما للآثار فهو حائز لجميع آثار المحبة بكمالها و قد ادرجها في هذه الاربعةعشرة طوراً و هذه الاربع‌عشرة صفة فالاسم المكنون في الخلق الاول هو محمد9 لان علياً7 قال ظاهري امامة و وصية و باطني غيب ممتنع لايدرك و باطنه هو محمد9 و هو غيب ممتنع لايدرك و قال انا الذي لايقع علي اسم و لارسم و انا هو باطنه انظر الي ما في الانجيل بتفسير ظاهر الظاهر ظاهرك للفناء و باطنك انا و اما الثلثة الظاهرة من تلك الاسماء فالدورة الاولي اصحاب الاربعة الحرم علي و الحسن و الحسين و القائم عجل الله فرجه و الدورة الثانية الرضا و الزكي و الصادق و الباقر علي ما يقتضيه الالقاب و الكني ظاهراً و الدورة الثالثة الهادي و الكاظم و السجاد زين‌العابدين و الجواد علي ما يقتضيه الالقاب و الكني ظاهراً فهذه هي الثلثة الاسماء الظاهرة فجعل لكل واحد اربعة اركان و هي التي سميت ثم سخر لكل واحد ثلثين اسماً و هي مقاماتهم الثلثون لانهم في مقام الولاية و الولاية نفس النبوة و ظاهرها و قابليتها و دورات القابلية علي ما اشرنا اليه مجملاً ثلثون و ليس لي الآن اقبال و لافرصة لآذن لجواد القلم ان يجول في ميدانه و الا لنا بيانات شريفة في هذا المقام و مجموع تلك المقامات اي مقامات الولاية ثلث‌مأة و ستون مقاماً و شمس النبوة لاتفارق ابداً منطقة هذه

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 2 صفحه 474 *»

البروج و ينزل كل يوم في درجة من تلك الدرجات و كل درجة كجزيرة من جزاير العرب و هم العرب الذين افصحوا بالبيان و المعاني قال اميرالمؤمنين7 ان للشمس ثلثمأة و ستين برجاً كل برج منها مثل جزيرة من جزاير العرب فتنزل كل يوم علي برج منها الخبر و المراد بالبرج الدرجة في هذا الخبر و قد عرفت باطنه فكل واحد من الائمة سلام الله عليهم برج من البروج و لكل واحد ثلثون يوماً من ايام الشأن و كل يوم هو اي رسول‌الله9 في شأن فلكل واحد شهر بل كل واحد شهر و ان عدة الشهور عندالله اثناعشر شهراً في كتاب الله يوم خلق السموات و الارض منها اربعة حرم ذلك الدين القيم فلاتظلموا فيهن انفسكم. انظر الي التأكيدات البالغة لفظة ان و عند الله و يوم خلق السموات و الارض و ذلك الدين القيم فلاتظلموا فيهن انفسكم فهل تري في بيان ان السنة اثناعشر شهراً باعثاً يحتاج الي كل هذا التأكيد و هل يخفي عدد الشهور علي احد من الجهال الاغبياء فضلاً عن الازكياء حتي يبينه الله و يؤكده هذا التأكيد البليغ و هل تري ان يكون غير هذه الاشهر التي ذكرنا فمنها اربعة حرم رجب مفرد كالقائم مفرد و ذوالحجة و محرم و صفر ثلثة ولاءً كعلي و الحسن و الحسين و هم الاربعة الاول فلاتظلموا فيهن انفسكم و تخصيص الذكر لاشرفيتهم من الباقي لانهم اركان الاسم الثاني كما بينا فلاتظلموا فيهن انفسكم بان تغصبوا خلافة الاول و تفلقوا قرنه و يحل عليكم بذلك الي ابد الابد ذلاً و مسكنةً و تسموا الثاني و تقتلوا الثالث و تنكروا الرابع و تختاروا عليهم غيرهم فتشركوا و ان الشرك لظلم عظيم فجمع في هذه الاربعة الانفس الحرم التي حرم الله اياهن انواع ما يجب حذرهم عنه و لم‌يجمع في غيرهم هذه المحذورات الاربع و بالجملة هم البروج الاثناعشر و مواقع النجوم المقسم‌عليه في القرآن فلااقسم بمواقع النجوم و البروج المشاراليها في قوله و

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 2 صفحه 475 *»

 السماء ذات البروج سماء الولاية ذات بروج اثناعشر و اما الرابعة‌عشرة فهي فاطمة و هي مقام الكرسي الحامل لاثني‌عشر برجاً اماماً و انوار العرش جميعاً و هي مقام الحجر حجر موسي المنبجسة عنه اثنتي‌عشرة عيناً في قوله و اذ استسقي موسي رسول‌الله الاسم المكنون المخزون لقومه و امته فقلنا اضرب زوج و انكح بعصاك بنفسك اي الولاية الحجر فاطمة فانبجست منه اثنتي‌عشرة عيناً اماماً قد علم كل اناس مشربهم في المبدأ و يوم ندعو كل اناس بامامهم في العود كما بدءكم تعودون فهذه الاربعة‌عشر اماماً سلام الله عليهم اختصوا بصفات و اسماء بحسب مقامهم لما تخلصوا في محبة المحبوب و تجلي ضياء المعرفة في فؤادهم فهاجت ريح المحبة في حقايقهم فاستأنسوا بظلال المحبوب و آثروه علي سواه و باشروا اوامره و اجتنبوا نواهيه فبلغوا في ذلك الكمال و كشفوا سبحات الجلال و شاهدوا انوار الجمال ففنوا بالدثور و الاضمحلال فلم‌يبق الا وجه الله المتعال و كل شيء هالك الا وجهه و كما منه البدء اليه المآل. ثم لايخفي ان للمحبة مراتب و مقامات لاتفي بشرحها الازمان و الدهور فانها سر سار في جميع ذرات الموجودات و بها تحصل جميع الحركات و السكنات و ان من شيء الا منها بدء و اليها يعود ألم‌تسمع قوله تعالي كنت كنزاً مخفياً فاحببت ان اعرف فخلقت الخلق و لعلنا شرحنا الحديث علي جهة الاجمال بقدر ما يقتضيه الحال و لابد من شرح المحبة علي جهة الاختصار و الاقتصار.

فاعلم بعد ان تلقي السمع و انت شهيد فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد ان الكمال الحقيقي الذي هو حقيقة الجمال و عين الاعتدال في جميع الشئون ليس الا لله المتعال فهو الجميل الذي لاغاية لانوار جماله و لانهاية لاشعة كماله و ساير الخلق من الذوات و الصفات جميعها آثار جماله و انوار

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 2 صفحه 476 *»

كماله فكلما قرب الي المبدء اشتد فيه الاعتدال و قوي فيه الكمال و ظهر عليه نور الجمال و كلما بعد عن المبدأ انحرف عن الاعتدال و ضعف فيه الكمال عدم عنه آثار الجمال فكذلك ترمي الخلق من نهاية القرب الاقرب الي غاية البعد الابعد فانحرف بالكلية عن الاعتدال و ضعف الكمال بغلبة النقصان و عدم عنه آثار الجمال بغشيان القبح فكما ان اقرب الخلق الي الله اكملهم و اجملهم فكذلك ابعد الخلق انقصهم و اقبحهم و لما كان كلما خلقه الله انما خلقه بمشيته و فعله و الفعل هو حركة المسمي كما قال علي7 و الحركة محدثة للحرارة فكلما كان فيه آثار المشية اوضح و بها اشبه كان احر و ايبس و كلما كان عن المشية ابعد و اشد مباينة كان ابرد و ارطب الي ان ينتهي الي غاية الخلق و البارد اليابس المطلق ليس بموجود لانه لو كان قد تعلق به فعل لكان فيه حرارة فاذ فرضنا اطلاقه فليس بموجود فالحرارة و الجمال يسيران معاً في جميع مراتب الموجودات كحرارة الشمس و ضيائها فاينما توجد الحرارة يوجد الضوء و اينما يكون الضوء اشد تكون الحرارة اشد و اينما كان الضوء اضعف كانت الحرارة اضعف فهما متلازمان في جميع الذرات فكل شيء بقدر جماله له حرارة و بقدر حرارته له جمال و الحرارة و اليبوسة هي منها القوة الجاذبة كما ان البرودة و الرطوبة التي هي ضدها منها القوة الدافعة فكل من كان جماله بالنسبة الي غيره اكثر كان بالنسبة اليه احر و ايبس فيكون لذلك جذاباً لكل ما كان منه اقل حرارة و جمالاً و ينجذب اليه كل ما كان منه اقل حرارة و جمالاً فالاقوي و الاقرب الي المبدأ في كل مقام كالمقناطيس و الابعد كالحديد فينجذب الادني بالمناسبة و يجذب الاعلي بالطبيعة و لما كان الخلق في عالم التركيب خلقوا من شئون كثيرة و اطوار غفيرة و ذوات و صفات و كميات و كيفيات و جهات و مراتب و ازمنة و امكنة و اوضاع غيرمتناهية و كان كل شيء قوياً من جهة و ضعيفاً من اخري جذب الكل الكل و انجذب الكل الي الكل و ارتبط الخلق بعضه ببعض و اعتدل النظام فدارت السموات و استقرت الارضون و صارت كما تري فما تري شيئاً في العالم الا

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 2 صفحه 477 *»

و هو منجذب الي كل شيء بالطبع سواء عرف او لم‌يعرف و جاذب للكل الي قوته القاهرة و جماله الغير المحدود و جذب جمال الله كل شيء بحرارة ظاهرة عنه فالانجذاب هو ميل النفس الي الجاذب و هو المحبوب و يختلف مراتب الجذب بحسب الجذابين من قوة الحرارة و ضعفها و مراتب المنجذبين بحسب شدة المناسبة و ضعفها و غلبة المنافرة قال الله تعالي و لو شئنا لرفعناه بها ولكنه اخلد الي الارض و اتبع هواه و قال ان كنتم تحبون الله فاتبعوني، و هذا الانجذاب هو الاذعان بالمحبوب و الايمان به و الانقياد و التسليم له و لذا قال الصادق7 هل الدين الا الحب قال الله تعالي ان كنتم تحبون الله الآية. و مراتب الانجذاب كثيرة الا ان كلياتها تسع فالاولي تسمي ميلاً و هو اول انجذاب القلب الي المحبوب. و الثانية تسمي ولعاً و هو اذا قوي و استمر. و الثالثة تسمي صبابة و هو حين استرسال القلب و انصبابه علي المحبوب. و الرابعة تسمي شغفاً و هو اذا بلغ شغاف قلبه و تمكن الحب من جوف قلبه. و الخامسة تسمي هويً و هو اذا اعرض عن كل شيء سوي محبوبه. و السادسة تسمي غراماً و هو اذا استولي حكمه علي الجسد و الاعضاء فابطل حركاتها الي غير المحبوب. و السابعة تسمي حباً و هو اذا استولي علي عقله و روحه و نفسه الي جميع مراتبه العشرة كما مر و لذا قوي الحب عشرة. و الثامنة تسمي وداً و هو اذا فني عن نفسه و بقي بالمحبوب في جميع المراتب العشرة كما يشهد عليه قوي الود. و التاسعة و هو غايتها و هو فناء المحب و المحبة و المحبوب. قال الصادق7 المحبة حجاب بين المحب و المحبوب و هذا مقام الاتحاد بلاكيف و لااشارة و لااسم لهذا المقام و لارسم و هذا الذي سموه اهل المحبة المجازية الباطلة عشقا و قد اخطأوا في التسمية و ليس العشق الا في الميل النفساني فمادون و لذا لم‌يطلق علي الله في كتاب و لاسنة اذ مقام محبة الله بالفؤاد اما قولنا فناء المحب فوجهه ظاهر لانه يغفل عن نفسه و اما فناء المحبة فمعناه انه ليس شيء هناك غير ذات

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 2 صفحه 478 *»

المحبوب و لايري لنفسه محبة لمحبوبه فان معني المحبة غير نفس المحبوب و اما فناء المحبوب فانه اذا فقد المحب و المحبة بقيت الذات غيرمتصفة بعنوان المحبوبية و ما احسن هذا المعني للكلام المشهور خير الزيارة فقدان المزور الا تري انك قد تلتفت الي عمرو و لاتلتفت الي مضروبيته و ذلك لان المضروبية غير ذات عمرو و الصفة غير الموصوف فحينئذ يدرك محبوبه به لابعنوان المحبوبية بل بعنوان ذاته التي تجلت له به و به امتنعت منه بل لايدرك من محبوبه الا ما ظهر له به منه و لايصل الا اليه و لايتصل الا به قال الشاعر:

اذا رام عاشقها نظرة و لم‌يستطعها فمن لطفها
اعارته طرفاً رآها به فكان البصير بها طرفها

و نعم ما قال الآخر:

رأت قمر السماء فذكرتني ليالي وصلها بالرقمتين
كلانا ناظراً قمراً ولكن رأيت بعينها و رأت بعيني

و تلك العين هي المثال الملقي الذي اشار اليه علي7 تجلي لها فاشرقت و طالعها فتلألأت فالقي في هويتها مثاله فاظهر عنها افعاله الخبر. و لما كان محمد9 هو اول من جرع كاسات المحبة و اصفي من احب ففني في المحبوب بالمودة و اشرف من خص بالزلفي الي الله و اخص من فاز بالقربي اليه وجب ان يكون اشبه جميع ذرات الموجودات بظهوره تعالي و انسبها اليها فجذبه الله سبحانه بجميع جذباته و انجذب الي الله سبحانه بكله من مبدئه الي منتهاه بذاته و صفاته في غيبه و شهادته فجذب جميع ذرات الوجود بما فيه من حرارة الفعل لانه كان محل المشية و بابها فبلغ شاو المحبة بحقيقته و صعد ذري المودة بهويته فصار محبوباً حقيقاً و حبيباً حقيقياً كما ورد في الحديث القدسي خطاباً اليه انت الحبيب و انت المحبوب انت المريد و انت المراد و ذلك لانه وصل في المحبة الي مقام فني هو و محبته و محبوبه و مايري لاحدها اثراً الم‌تسمع ما قاله السجاد7 في دعائه اللهم اني اخلصت

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 2 صفحه 479 *»

 بانقطاعي اليك و اقبلت بكلي عليك و صرفت وجهي عمن يحتاج الي رفدك الدعاء. و في الجامعة التامين في محبة الله. و في الدعاء لاحبيب الا هو و اهله، فاذا كانوا صلوات الله عليهم افني الخلق عند جمال الله و اشدهم انجذاباً اليه حتي صاروا بحيث انهم لم‌يظهروا الا اياه و لم‌يحكوا الا وجهه الي ان قال صلوات الله عليه من رآني فقد رأي الحق و قال علي7 معرفتي بالنورانية معرفة الله عزوجل و معرفة الله عزوجل معرفتي. و سئل الصادق7 عن معرفة الله؟ فقال هي معرفة الامام. و في الزيارة من عرفكم فقد عرف الله و من جهلكم فقد جهل الله، و قال الصادق7 بنا عرف الله و لولانا ماعبد الله. و قال علي7 نحن الاعراف الذين لايعرف الله الا بسبيل معرفتنا، و قال7 لنا مع الله حالات هو فيها نحن و نحن هو و هو هو و نحن نحن، و الواو في قوله هو هو حالية لاحرف عطف فليس معناه انا في بعض الحالات في مقام هو نحن و نحن هو و في بعض الحالات هو هو و نحن نحن بل الواو حالية اي مع انا نحن نحن و مع انه هو هو هو نحن و نحن هو لان الضمير في قوله فيها راجع الي الحالات و التنوين في حالات للتعظيم لا للتنكير و تلك الحالات حالات سرمدية فتعم حالة منها جميع الجبروت و الملكوت و الملك و باقي الحالات بينهم و بين الله سبحانه و مااحسن ما قاله محمدكاظم بن الازري:

ماعسي ان‌اقول في ذي‌معال علة الدهر كله احديها

فاحدي تلك المعالي قد كفت جميع العوالم و ساير معاليهم انما هي مما بينهم و بين الله في مدارج قوله تدلج بين يدي المدلج من خلقك و في معارج قوله تعالي رفيع الدرجات ذوالعرش و قوله كلما وضعت لهم علماً رفعت لهم حلماً ليس لمحبتي غاية و لانهاية، ففي تلك الحالات هو هم و هم هو مع انه هم هم و

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 2 صفحه 480 *»

هو هو في عالم الفرق و انما هو كما قال الشاعر و اجاد فيما قال:

رق الزجاج و رقت الخمر فتشاكلا فتشابه الامر
فكأنما خمر و لا قدح و كأنما قدح و لا خمر

هذا احد المعاني للحديث الشريف و هم يتكلمون بالكلمة و يريدون منها سبعين وجهاً لهم من كلها المخرج و كلامهم الماء النازل من سماء الولاية و شيعتهم اودية تسيل بذلك المطر و تسيل كل اودية بقدرها. قال الصادق7 نحن خزنة علم الله و شيعتنا خزنة علومنا و كل يختزن منها بقدر وعائه فلما وصلوا الي هذا المقام من المحبة قال الله تعالي خطاباً لهم حين لا مخاطب غيرهم اليوم و هذا اليوم من ايام الشأن اكملت لكم دينكم و اتممت عليكم نعمتي و رضيت لكم الاسلام ديناً و انما الدين الحب كما قال الصادق7 هل الدين الا الحب و كذا الاسلام فان الدين عند الله الاسلام و من يبتغ غير الاسلام ديناً فلن‌يقبل منه و الاسلام هو التسليم و الانقياد لله سبحانه و اعظم التسليمات هو الانجذاب و الانقياد عند دعوته عباده بالجذب فكل من انجذب اولاً فهو اول المسلمين و الحب هو النعمة و اعظم النعمة التي انعم الله بها علي خلقه لانه قد ورد اذا تنعم اهل الجنة بالاكل و الشرب تنعم اهل الله بلقاء الله نقلته بالمعني و في المناجاة يا نعيمي و جنتي و يا دنياي و آخرتي، فقد اكمل الله لمحمد9 حبه و اتمه عليهم و رضيه لهم فلاحبيب الا هو و اهله و لذا قال ان كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله. و قد عرفت ان الانجذاب لايمكن الا بالمناسبة فان الشيء لاينجذب الي ما ينافره لان الشيء لايجذب ما ينافره و لما كان المبدأ بسيطاً واحداً احدي المعني ليس له من حيث نفسه اختلاف صفات و لااختلاف معان و انما حسنه و بهاءه و جماله ساذجيته عن كل وصف و حد و نعت فكذلك نوره و شعاعه لان الاثر يشابه صفة مؤثره الا ان الاثر و ان كان اول الخلق لابد و ان يكون له كثرة و تركيب لامتناع وجود الحادث

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 2 صفحه 481 *»

من غير تركيب بل لابد لما لم‌يكن ثم كان ان يكون في وقت و مكان و يكون له جهة و رتبة و كم و كيف فاذا جاء التكثر لابد و ان يكون له وضع و اجل و كتاب اذ لايمكن للحادث ان يكون احدي المعني كما قال الرضا7 ان الله لم‌يخلق شيئاً فرداً قائماً بذاته للذي اراد من الدلالة علي نفسه و اثبات وجوده و قال الله تعالي و من كل شيء خلقنا زوجين، و قد ثبت في الحكمة و اثبتناه في رسائلنا و مباحثاتنا ان اقل كثرة و اكملها التي يكمل بها الشيء الواحد و يتم و يصير منشئاً للآثار هي اربعة‌عشر جزءاً فاذا صار الاثر لابد له من ان يكون متكثراً و لايحصل التكثر الا باختلاف جهاته و تمايزه فتختلف جهات التكثر و تتمايز فتختلف ظهورات ذلك الشبح المنفصل و المثال الملقي الذي هو جمال الجميل بحسب مرايا قوابل مراتب المتكثر فيظهر في كل رتبة من مراتبه بحسب ما هو عليه من حده و صفته و لما كان الخلق الاول اقرب الخلق الي الوحدة فلابد و ان يكون فيه اقل ما يجب في الحادث من الكثرة و قد ذكرنا انه اربعة‌عشر الا انه لقربه من الوحدة تغلب عليه جهة الوحدة و يضعف فيه الاختلاف بحيث لايبقي فيه من الاختلاف الا بقدر اثبات الكثرة و التعدد فظهر ذلك الجمال الظاهر للخلق الاول في كل مرتبة من مراتبه بحسب ما له من القابلية الكلية اللطيفة فجهات تلك القابلية و صفاته شرط الانجذاب التام الكامل و هي كلية مهيمنة علي صفات كثيرة و شئون شتي.

فـالشرط الاول ان يكون المحب مصطفي فظهر في ذلك الاسم المكنون المخزون بالاصطفاء لشدة صفائه و اعتدال مرآته بحيث لايري نفسه بوجه من الوجوه و انما يري محبوبه و لذا سمي بالحبيب بمعني الفاعل و المفعول لان محبوبه هو الجمال الظاهر له به و لذا خوطب بانت الحبيب و انت المحبوب فهو من حيث هو هو حبيب و من حيث انه هو اول ما ظهر الله به و هو الجمال لاغيره محبوب او انه من حيث انه المثال الملقي من الفاعل هو المحب و الحبيب و من

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 2 صفحه 482 *»

حيث انه المناسب لجمال الله محبوب فهو الحبيب و الله محبوبه و الله الحبيب و هو محبوبه و حبيبية الله سبحانه تظهر به لا بغيره اذ لم‌يسبقه سابق و الصفة غير الموصوف و الحبيبية صفة و هو9 اول الصفات و محبوبية الله صفته و صفة الموصوف غيره و هو اول الصفات و اعظمها فمااحسن قول الشاعر:

لي حبيب حبه حشو الحشا ان يشأ مشياً علي جفني مشي
عينه عيني و عيني عينه ان يشأ شئت و ان شئت يشأ

و لما كان هو اقرب من برأ الله الي الله سبحانه صار اصفاها فهو احكاها بحيث من رآه فقد رأي الله سبحانه و لذا لقب بالمصطفي اذ المفتعل من باب الافتعال و هذا الباب ملحوظ فيه الجذب الي النفس و ايثار النفس في ذلك الامر علي غيرها الا تري ظهور ما ذكرنا في جميع صيغه كالانتقاء و الاختيار و الانتخاب و الانتجاب و انما ذلك من جهة التاء المثناة الفوقية فانها تدل علي نحو اتخاذ للنفس و اقتضاء و ميل من نفس الفاعل و ذلك المعني دقيق جداً و لما كان لهذا الاسم اختصاص بالله و استأثر الله به في علم الغيب اصطفاه الله فسمي بالمصطفي و ذلك لانجذابه بالكلية و اضمحلاله و لو قيل صفاه لم‌يظهر منه هذا السر و لو قيل مصفي بالفتح او صفي لم‌يدل علي هذا الاختصاص كما يدل عليه المصطفي لان المصفي بالفتح قد يصفي بكلفة فبعده يسمي بالمصفي و اما المصطفي فهو المختص بالمصطفي بالكسر و الفاعل له باختيار و ميل و هذا الفرق بين آدم الاول و آدم الثاني فان الاول مصطفي و آدم الثاني صفي و شتان بين المقامين اما من جهة الفاعل اين ما يستأثره الفاعل لنفسه و ينتخبه و اين ما يجيب دعوة السائل بمقتضي سؤاله و اما من جهة القابل فاين ما يسلط عليه النار فيكلس فيشتعل و اين ما يكاد زيتها يضيء و لو لم‌تمسسه نار فسمي بالمصطفي لاستيثار الله اياه لما فيه من الرجحان لانه كاد ان يصفي و ان لم‌يصف لما فيه من استعداد الصفا فهذا الاستعداد هو اشرف مراتب الخلق الاول فظهر فيه الجمال كما هو و ذلك قوله انما انا بشر مثلكم يوحي الي انما الهكم اله واحد، و قد قال الله سبحانه و لو تقول

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 2 صفحه 483 *»

علينا بعض الاقاويل كما يتقول علي وجهكم المرآة العوجاء العوج و الصفراء الصفرة لاخذنا منه باليمين و لصرفنا وجهنا عنه لان يمينه هو المثال الملقي فيه و يساره قابليته ثم لقطعنا منه الوتين و الوتين عرق في القلب اذا انقطع مات صاحبه و هو ارتباط مبدئه اي فؤاده بجمال الله سبحانه و هو نفس الجمال الذي ظهر الله له به في هويته التي هي قلبه الذي بين اصبعي الرحمن يقلبه كيف يشاء فما تشاءون الا ان يشاء الله فلذلك ماينطق عن الهوي عن كدورة او عوج في مرآة نفسه ان هو الا وحي يوحي مثال ملقي فان الوحي هو الالهام و الكلام الخفي فافهم. و بالجملة فالشرط الاول لكمال المحبة استعداد التصفية و رجحانها و لم‌يوجد هذا الشرط علي الاطلاق و الكمال في احد مثل ما وجد فيه و في اله اذ هذا الشرط موجود في جميع الاربعة‌عشر الا ان الغالب في الظهور و البروز كان في محمد9 و الدليل علي كون كلهم مصطفي قوله تعالي: ثم اورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا، و هم هم ورثوا الكتاب من محمد9 و ان شئت ان تفسر الكتاب بما كتب في لوح النبوة من بيان شئون الجمال فلك و هم قد ورثوها و حكوها و كلهم جميلون و في الدعاء اللهم اني اسألك من جمالك و حججك و ظهوراتك بالبهاء و الجمال باجمله بمحمد9 و كل جمالك كل الائمة جميلون و قال تعالي قل الحمد لله اي محمد مخصوص بالله سبحانه ليس فيه ذكر غيره و سلام علي عباده الذين اصطفي و هم الذين قال الله فيهم ان الله اصطفي آدم و نوحاً و آل‌ابرهيم و آل‌عمران علي العالمين ذرية بعضها من بعض، و آدم الاول و نوح الاول هو محمد9 و كذا ابرهيم الاول و عمران الاول و الآل آله و لو شئنا ان نتصدي لبيان كل ما يعرض من المشكلات لطال بنا المقال و لو كان البحر مداداً

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 2 صفحه 484 *»

لكلمات ربي لنفد البحر قبل ان تنفد كلمات ربي و لو جئنا بمثله مدداً. و هؤلاء المذكورون و ان كانوا مصطفون لكنهم مصطفون في العالم الاسفل و ماذا اقول فيمن اصطفاهم و يكفيك قول الحسن بن علي الزكي8 ان الكليم لما عهدنا منه الوفاء البسناه حلة الاصطفاء الخبر و باقي الشروط كلها في مقام الثلثة الاسماء الظاهرة.

و اما الشرط الثاني ان يكون المحب مرتضي فان الاسم الاول الذي هو مبدؤ الظهور و اول ذكر التفصيل و ابانه الذي هو اشبه الاشياء الي الاجمال هو الاسم الاول الذي اشرنا اليه فلما كان لهذا الاسم مقامان مقام المقبول و مقام القابل فمقام المقبول هو جهته الي ذلك الاجمال و ينبغي ان يكون فيه آثار الاجمال اغلب كما اشرنا اليه فوجب ان يكون مقبوليته علي نحو الاجمال فظهر الركنان الاعليان بالاختصاص كما كان ذلك الاجمال مختصاً بالله سبحانه فصار اول الركنين المرتضي و ثانيهما المجتبي اما المرتضي فهو من طلب المرتضي بالكسر رضاه بعمله ما يرضيه و قد اشار اليه7 في كتابه عالم الغيب فلايظهر علي غيبه احداً الا من ارتضي من رسول و المرتضي من الرسول هو علي7 لانه ارتضاه النبي9 باتخاذه له نفساً و اخاً و روحاً بل و ذاتاً فهو مرتضي و ذلك علي ان لاتؤ‌خذ لفظة من بيانية بل تكون نشوية كما قال تعالي و سخر لكم ما في السموات و ما في الارض جميعاً منه. و بالجملة هذا هو الشرط الثاني للمحبة التامة فان الرضا من خواص النفس الكلية الالهية التي مبدؤها من الله و اليه يعود كما في حديث كميل عن علي7 و لما كان هذا الاسم هو اول الاسماء و هذا الركن اول الاركان ظهر بالارتضاء فما لم‌يرتض الله العبد و لم‌يرتض العبد ربه لايجرع كأس المحبة و قد ارتضاه الله سبحانه بان جعله ظاهره في عباده و القائم مقامه في بلاده كما قال خطاباً اليه و لسوف يعطيك ربك فترضي ثم اعطاه و قال هذا عطاؤنا فامنن او امسك بغير

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 2 صفحه 485 *»

 حساب و قال ياايتها النفس المطمئنة نفس حبيبي و رسولي المطمئنة تحت اعباء الولاية ارجعي الي ربك الذي كفلك و رباك راضية مرضية و انت تعلم ان الله لايرتضي احداً الا بان يكون راضياً من الله شاكراً آخذاً بجميع ما امر كما قال يهديهم ربهم بايمانهم و قال اذكروني أذكركم و قدم قوله راضية علي مرضية فما لم‌يكن عاملاً بما يرضي الله آخذاً بما فيه رضي الله و لايرتضي الله باعماله لايرتضيه الله بجزائه و قد قال الله سبحانه ان الله لايرضي لعباده الكفر اي ستر انوار الجمال بكثافة مرآة القابلية كما ستر الاول و الثاني و الثالث فلم‌يكونوا مرتضين و ان تشكروا يرضه لكم فالشاكر هو مرتضي قال النبي9 اعطيت لواء الحمد و علي حامله و الشكر هو الثناء الجميل و هو الحمد فهو المرتضي و قد ارتضاه النبي بما اعطاه مما اعطاه الله من المثال الملقي و الجمال الظاهر الذي هو الحمد الحقيقي لانه الثناء الجميل فطلب رضاه النبي بالقاء المثال اليه كما القي اليه فرضي فهو المرتضي من رسول عظيم فاظهره الله علي غيبه و هو ذلك الجمال المحجوب عن كل احد قال يا علي ماعرف الله الا انا و انت، و كما ان سر الاصطفاء جري في كلهم سلام الله عليهم جري سر الارتضا في كلهم لانهم كلهم اصحاب النفس الكلية الالهية و خاصيتها الرضا و التسليم كما في حديث كميل و قد قال الله سبحانه فيهم: وعد الله الذين آمنوا منكم و عملوا الصالحات ليستخلفنهم في الارض ارض الامكان كمااستخلف الذين من قبلهم محمداً9 و المؤمن وحده جماعة و ليمكنن لهم دينهم الذي ارتضي لهم اي وجههم لقوله كل شيء هالك الا وجهه قال7 الا دينه و الدين هو الوجه و هو اعلي مقاماتهم و كونهم وجه الله فالله ارتضي وجههم و حقايقهم فكلهم مرتضون سلام الله عليهم.

هاه هاه و لو كان لقلبي اقبال و اجتماع لارخيت عنان القلم و لرأيت عجباً و ان في ذلك لآيات للمتوسمين.

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 2 صفحه 486 *»

و اما الشرط الثالث فهو ان يكون المحب مجتبي و المجتبي بمعني المجتاز اي السالك فاجتباه بمعني اجازه و هو ايضاً علي الافتعال لغلبة ظهور الاسم الاول فيه ايضاً لانه من جهة الفاعل و حيث المقبولية كما اشرنا سابقاً فاجتباه الله سبحانه اي اجازه في سبل رضاه و سلك به و استأثره للسلوك اليه سبحانه او اجتباه بمعني اجازه اي سوغ له الامر و اذنه من الاجازة اي تسويغ الامر و كلا المعنيين مآلهما الي واحد فان المجاز بالضم من سلك به المجيز في الامر الذي اجازه فيه فالمجتبي من اجاز له المجيز و سوغ له الامر و الرواية و الحديث و اذن له بعد ما رآه قابلاً لتنفيذ الامر المسوغ له فالمجتبي من اختاره الكبير لانفاذ الامر و منه قوله تعالي و ما كان الله ليطلعكم علي الغيب ولكن الله يجتبي من رسله من يشاء فيجيزه في اعلام الناس بالمغيبات او يسلك به في طرق الغيب لانهم لايقدرون علي الاطلاع علي الغيب بدون واسطة الرسل السفراء سلام الله عليهم فالمجتبي من رسول هو الحسن7 و لفظة من نشوية كما ذكر سابقاً فاجتبي الرسول الحسن7 فهو المجتبي من جانب الرسول9 و رسله هو رسول الله9 كما قال في تفسير قوله تعالي اولئك مع الذين انعم الله عليهم من النبيين و الصديقين، قال اما النبيون فانا و اما الصديقون فأخي علي و ذلك لما ورد في حديث آخر المؤمن وحده جماعة فكونه9 النبيين و الرسل لقوله ان ذكر الخير كنتم اوله و اصله و فرعه الزيارة. فهو اصل جميع الانبياء و الرسل بل لم‌يسموا بما سموا الا لحكاية ذلك الوجه الخاص منه9 و لذا كان يقول7 انا آدم انا نوح انا ابرهيم انا موسي انا عيسي انا محمد9 فاذا كان علي7 كذا فمحمد9 اولي فهو رسل‌الله و المجتبي المجاز المأذون في الابلاغ عن الله انوار توحيده و انوار نبيه هو الحسن7 و قد روي انه كان يشبه النبي9 من وسطه الي اعلاه فهو المجتبي من

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 2 صفحه 487 *»

جانب الرسول و هذا هو الشرط الثالث من شروط المحبة التامة الكاملة فما لم‌يكن العبد فيه تلك الصلاحية التي يقيمه المحبوب مقامه و يأذن له و يجيزه في الاداء في ساير عوالمه لم‌يبلغ درجة كمال المحبة فانه لامعني لتلك الصلاحية الا ان يكون صافياً في غاية الصفا خالياً عن كل كدورة‌ و عوج مغيرة للمثال الملقي و الشبح المنفصل من وجه الشاخص حتي يختاره المحبوب لان يحكي صفاته و انوار جماله انظر الي نفسك هل تجيز المرآة العوجاء الكدرة علي ان تروي عنك محاسنك فتكذب عليك في روايتها عنك فلاتجتبي ابداً مرآة كذلك و لاترضاها فكذلك الله سبحانه لايجتبي في ابداء انوار جماله و اضواء جلاله في عوالمه الا من علم عصمته عن كل عوج و كدورة كما قال و ما كان الله ليطلعكم علي الغيب ولكن الله يجتبي من رسله من يشاء، فمفعول يجتبي من يشاء و من رسله اي من جانب رسله و يجوز لك ان تأخذ لفظة من بيانية و يكون المراد بالرسل الائمة: كما سمي اوصياء عيسي بالرسل كما في سورة يس و اضرب لهم مثلاً اصحاب القرية اذ جاءها المرسلون و هم رسل عيسي و قال تعالي و لكل امة رسول فاذا جاء رسولهم قضي بينهم بالقسط و هم لايظلمون، فالعياشي عن الباقر7 تفسيرها في الباطن ان لكل قرن من هذه الامة رسولاً من آل‌محمد يخرج الي القرن الذي هو اليهم رسول و هم الاولياء و هم الرسل الخبر. فقوله ولكن الله يجتبي من رسله من يشاء اي من الائمة من يشاء و بهذا المعني يمكن ان تؤخذ لفظة من في قوله الا من ارتضي من رسول بيانية و المراد من ارتضي من امام هذا و ان كانوا كلهم مجتبين لقوله تعالي خطاباً اليهم بالاجماع من الفريقين و جاهدوا في الله حق جهاده هو اجتبيكم و ما جعل عليكم في الدين من حرج ملة ابيكم ابرهيم و هم من آل‌ابرهيم اجماعاً فهم كلهم مصطفون مرتضون مجتبون الا ان كل صفة ظهرت في واحد فالحبيب لايكون حبيباً تاماً الا ان يسوغ له

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 2 صفحه 488 *»

المحبوب و يجيزه في جميع ما له كما افني المحبوب فيه جميع ما له لقوله تعالي هل جزاء الاحسان الا الاحسان فمن افني في الله ذاته و روحه و نفسه لابد و ان يجعله الله ذاته و روحه و نفسه و هذه الذات هي الذات المخلوقة كما قال علي7 في صفة العقل فهو ذات الله العليا و شجرة طوبي و سدرة المنتهي، و اي محبوب يمنع حبيبه الحقيقي عن ما له فلابد من ان يجتبيه كما ذكرنا فافهم قليلاً من كثير. و اما وجه تأخر الاجتباء عن الارتضاء و هو عن الاصطفاء فلانه لما اصطفاه الله و اتخذه صافياً عن جميع شوائب الامكان بتصفيته حتي صفي من كل ذكر سوي ذكر ربه ارتضاه بان اعطاه من انوار التوحيد حتي رضي عن الله علي طبق قوله و لسوف يعطيك ربك فترضي فرضي الله عنه كما قال رضي الله عنهم فرضوا عنه فلما علمهم من اسرار التوحيد ما علمهم و استحسنهم فعلم انهم لايؤدون الا علي حسب رضاه و علي طبق ما علمهم اجتباهم و اجازهم و سوغ لهم التعليم و الاداء الي الغير فلابد من ان يكون المجتبي بعد المرتضي و المرتضي بعد المصطفي علي وفق النظم الطبيعي.

و اما الشرط الرابع فهو الشهادة و لما كان هذا اول مقام القابل كما شرحنا سابقاً مفصلاً و مقام الماء و حيث النفس و من شرط كمال المحبة ان يفدي المحب نفسه للمحبوب و لم‌يبق لنفسه اثراً و هذا آخر مقامات النفس في طريق المحبة اذ ليس وراء عبادان قرية قدم هو روحي و نفسي له الفداء و سلم ما اشتراه الله منه في العهد القديم حين اخذ عنه العهد بذلك و كتب في كتاب كريم ان الله اشتري من المؤمنين انفسهم و اموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون و يقتلون وعداً عليه حقاً في التورية و الانجيل و القرآن و من اوفي بعهده من الله الآية. و لما كانت الشهادة من اعلي مقامات القابل و كان هو9 من اركان الاسم الاول و اعلي مقام القابل استشهد علي ما استشهد

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 2 صفحه 489 *»

حتي ساوي بجسده التراب صلي الله عليه و آله و قال ما لي سوي نفسي و باذل نفسه في حب من يهواه ليس بمسرف صلي الله عليك يا اباعبدالله صلي الله عليك يا اباعبدالله صلي الله عليك يا اباعبدالله صلي الله عليك يا اباعبدالله ابرؤ الي الله من اعدائك ابرؤ الي الله من اعدائك ابرؤ الي الله من اعدائك ابرؤ الي الله من اعدائك فهنا اتي بلفظ فعيل دون ما يدل علي الاتخاذ و الايثار لانه من جهة القابل و كلهم صلوات الله عليهم من جهة الاتحاد شهداء بنص الكتاب الذين آمنوا بالله و رسله اولئك هم الصديقون و الشهداء عند ربهم، الا انه مظهره هنا فكان بحسب الظاهر هو اصل الشهادة و الخضوع في جميع العالم و سمي بالشهيد و كني بابي‌عبدالله لان اصل العبادة الخضوع و هو صلي الله عليه اصل الخضوع في الظاهر فكني بابي‌عبدالله فهو ابو كل من عبد الله صلي الله عليه و علي جده و ابيه و اخيه و بنيه و امه.

و اما الشرط الخامس فالقائم و هو تحت مقام الشهادة وجوداً و ان كان قبله ظهوراً فان هذا الاسم الجبروتي هو اسم تام في عالم الجبروت بجميع مراتبه و هو الصلوة التامة المشتقة من الوصل الذي وصله الله بالنبوة و صلوة الله التي صلي بها الله سبحانه ليلة المعراج حيث نودي9 قف يا محمد فان ربك يصلي و معناه وصل الولاية بالنبوة و بالجملة كلما نقصد حل اشكال ترد اشكالات و لذا من عرف مسألة واحدة من الحكمة عرف جميع الحكمة لان مرجع الكل الي نقطة فما لم‌يفز الطالب بتلك النقطة لم‌تعرف حقيقة العلم فاذا وصل اليها عرف كل العلم فان العلم نقطة و كثرها الجهال اي جهال قوابل الامكان فاشرقت تلك النقطة في مرايا قوابل الامكان فانطبعت في كل مرآة بحسبها و تلك المرايا من حيث انفسها جهال اي ظلمانية لانه اذا كان العلم نوراً كان الجهل ظلمةً و المرآة من حيث نفسها ظلمانية فاذا اشرق عليها ضوء استنارت فالعلم شمس مشرقة و مرايا القوابل جهال كثيرون و يكثرون تلك

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 2 صفحه 490 *»

النقطة الواحدة بحسب اصباغها و هيآتها و لنرجع الي ما كنا فيه من بيان الصلوة فالصلوة لها اركان اربعة. الاول النية الغيبية اللطيفة البسيطة و هذا الركن اصلها و حقيقتها و اشرفها و فؤاد الصلوة. و الثاني السجود و هو ادون من النية بدرجة و هو عقلها و اقرب ما يكون العبد الي الله حين هو ساجد. و الثالث الركوع البرزخ بين السجود و القيام مقام روح الصلوة لان الروح برزخ بين العقل و النفس. و الرابع مقام القيام و هو مقام نفس الصلوة و لاتحسبن ان الترتيب قد تخلف حيث قفينا بالسجود النية فان النية روح في كل جسد الصلوة و لابد و ان تكون صلوتك بنية و انما تبدأ بالنية في اول الصلوة لئلاتكون جزء منها بلانية فهي روح غيبية في جميع جسد الصلوة فاذا نظرت الي عالم الظاهر يعني الجسد وجدت له قلباً و هو السجود و فيه الروح القدسية و صدراً و المراد به الدماغ و فيه الروح النفسانية و هو الركوع و كبداً و هو القيام و فيه الروح الطبيعية و ساير فرائض الصلوة اعضادها ففي ذلك الاسم الكلي علي7 مقامه مقام النية و هو اشرفهم و الحسن مقامه مقام السجود و التسليم الصرف و الاضمحلال البحت فقتل بالمجهول و لم‌يقتل ابداً و الحسين مقامه مقام الركوع و مقام يقتلون و يقتلون وعداً عليه حقاً و القائم مقام القيام و مقام و من قتل مظلوماً الحسين7 فقد جعلنا لوليه سلطاناً فلايسرف في القتل انه كان منصوراً فلايخضع و انما يظهر بالسلطنة و الاستيلاء و كم من خبايا في زوايا فمنها ما يمنعني عنه بوائق الزمان و منها ما يمنعني عنه جردان الحيطان الفويسقة المحرقة لبيت الاولياء و بالجملة قد ظهر بالقائم لاجل ذلك فالمحب الكامل لابد و ان يسري سر المحبة في جميع مراتبه فيشغل قلبه و صدره و كبده عن كل ماسواه و الا فليس بمحب فان الحب اول ما يبدؤ يبدؤ في الفؤاد بانجذابه فيشرق نوره في القلب فيشغله عن الميل الي غير المحبوب ثم يشرق منه علي صدره فيشغله عن خيال غير المحبوب و ذكره و التفكر فيه ثم يشرق علي الكبد فيشغله عن الجذب و الدفع و الهضم و الامساك و التنمية فيذبل

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 2 صفحه 491 *»

فيعطش نهاره في سغب و يسهر ليله في تعب و يستأنس في ظلال المحبوب و يباشر اوامره و يجتنب نواهيه فيكون له نعيم في شقاء و بقاء في فناء و عز في ذل و غني في فقر و صبر في بلاء و هذا منتهي الحب و كماله في هذا المقام و الا فللحب مقام آخر كما اشرنا من الفناء المحض في المحبوب.

فكأنما خمر و لا قدح و كأنما قدح و لا خمر

و ذلك هو في الاسم المكنون المخزون الذي تقدم بيانه.

و اما الشرط السادس فهو في مقام ملكوت المحب و مقام نفسه و دورته الثانية كما مر و هذه الدورة علي طبق الدورة الاولي حرفاً بحرف فلها ايضاً جهتان جهة المقبول و جهة القابل اما جهة المقبول فهي ناره و هواؤه و اما جهة القابل فماؤه و ترابه و هذه العناصر علي طبق عناصر الدورة الاولي فما في هذا الدورة من جهة‌ المقبول يجب ان يكون اشرف و الطف و يكون ذكر المبدء فيه اكثر و ما فيها من جهة القابل يجب ان يكون ادني و يكون فيه ذكر نفسه اكثر الا ان هذه الدورة بكليته ادني من تلك الدورة الاولي و اضمحلال الدورة الاولي في المبدء اشد من الدورة الثانية لبعد هذه و قرب تلك من المبدء فلما كان اول تلك الدورة مرتضي يجب ان يكون اول هذه الرضي و ليس له تلك الخصوصية الافتعالية علي ما مر لبعد مقامه و كلهم الرضي صلوات الله عليهم كما قال الله تعالي ان الذين آمنوا و عملوا الصالحات اولئك هم خير البرية جزاؤهم عند ربهم جنات عدن تجري من تحتها الانهار خالدين فيها ابداً رضي الله عنهم و رضوا عنه ذلك لمن خشي ربه، و لاشك ان آل‌محمد: هم خير البرية و قال فيهم اولئك كتب في قلوبهم الايمان و ايدهم بروح منه و يدخلهم جنات تجري من تحتها الانهار خالدين فيها رضي الله عنهم و رضوا عنه اولئك حزب الله الا ان حزب الله هم المفلحون. و التسمية بالرضي من قبيل زيد عدل اي عادل فهو الراضي و كلهم راضون عن الله و هو من اعلي درجات الايمان لانه خاصية

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 2 صفحه 492 *»

النفس الكلية الالهية كما قال علي7 و لها خاصيتان الرضا و التسليم، قال علي بن الحسين7 الزهد عشرة اجزاء اعلي درجة الزهد ادني درجة الورع و اعلي درجة الورع ادني درجة اليقين و اعلي درجة اليقين ادني درجة الرضا.

و الشرط السابع و هو ايضاً من جانب المقبول ان يكون زكياً اي نامياً بالله سبحانه زايداً رابياً بامداد الله سبحانه في جميع ما له من الذات كعقله و روحه و نفسه و طبعه و مادته و هيئته و جسمه و من الصفات كمعرفته و يقينه و علمه و عمله و تقويه و اخلاقه و احواله و ساير صفاته هذا علي اصل اللغة و اما في الشرع فيستعمل في التطهير فتزكية المال تطهيره من الاوساخ و تزكية المرء نفسه تطهيره عن الرذائل و زكيه الله طهره الله من الخسائس النفسانية فقوله يزكيهم و يعلمهم الكتاب و الحكمة ‌يعني يخليهم من الرذائل و يحليهم بالفضائل العلمية و الحكمية فالزكي بمعني المطهر من جميع الرذائل و لاينافي هذا المعني التنمية فان الشيء تنمو و تزيد لطيفته الكامنة فيه اذا ازيل عنه الرذائل الكثيفة الحاجبة لتلك اللطيفة قال علي7 هتك الستر لغلبة السر، فالتزكي هو شرط بلوغ جميع السعادات و الوصول الي كل الغايات الا تري قوله تعالي يزكيهم و يعلمهم الكتاب و الحكمة و هذا هو العلم و المعرفة و قال قد افلح من تزكي و ذكر اسم ربه فصلي، و هذا هو الفلاح في الدنيا و الآخرة و قال فلاتزكوا انفسكم هو اعلم بمن اتقي، و هذا مفهومه في العمل فمن اتقي فهو زكي و قال جنات عدن تجري من تحتها الانهار و ذلك جزاء من تزكي و هو ترتب النجاة علي التزكي كما قال قد افلح من زكيها. فقد تبين ان التزكي اصل كل خير في الدنيا و الاخرة فالزكي هو صاحب العلم و الحكمة و العمل و الفوز و الفلاح في الدنيا و الآخرة و المطهر من كل الاوساخ و الرذائل فما لم‌يكن الحبيب زكياً لم‌يبلغ ذري العلم و الحكمة

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 2 صفحه 493 *»

و ما لم‌يكن ذاعلم و حكمة لم‌يتسنم مقام المحبة فان الحكمة هي المعرفة كما نص الله سبحانه في كتابه و قضي ربك ان لاتعبدوا الا اياه الي ان قال ذلك ما اوحي اليك ربك من الحكمة الآية. و المعرفة هي اصل المحبة لقول الصادق7 الحب فرع المعرفة فما لم‌يعرف لم‌يحب و ما لم‌يبلغ درجة الحكمة لم‌يعرف و ما لم‌يتزك لم‌يبلغ الحكمة فالزكاة و التزكي من شرائط المحبة و هو مقام الثاني من الدورة الثانية‌ و الشرط السابع من شروط المحبة و هذا المقام آية مقام المجتبي و لذا قد يلقب المجتبي بالزكي و كلهم: ازكياء لقوله تعالي حكاية عن دعاء ابرهيم حيث قال ربنا و ابعث فيهم رسولاً منهم يتلو عليهم آياتك و يعلمهم الكتاب و الحكمة و يزكيهم انك انت العزيز الحكيم، فاستجاب الله دعائه و المراد من قوله فيهم ذريته و آل‌محمد: هم ذرية ابرهيم بنص الكتاب حيث قال ملة ابيكم ابرهيم و قال كما ارسلنا فيكم رسولاً منكم يتلو عليكم آياتنا و يزكيكم و يعلمكم الكتاب و الحكمة و يعلمكم ما لم‌تكونوا تعلمون. و الرسول هو من نور الاول و طينتهم لانه قال ذرية بعضها من بعض و بعث فيهم الي غير ذلك من اشارات الكتاب مما يطول به الكلام فكلهم ازكياء الا انه ظهر هذا الركن بالزكي لما مر.

و اما الشرط الثامن فهو من جانب القابل في الدورة الثانية و هو ان يكون صادقاً يصدق مع المحبوب في جميع المواطن فيصدق فعله قوله و يطابق قوله ما في الواقع و هو لايمكن الا ان‌ يكون الناطق ناطقاً عن الله و بالله و قال الصادق7 و حقيقة الصدق يقتضي تزكية الله لعبده كما ذكر عن صدق عيسيفي القيمة بسبب ما اشار اليه من صدقه برائة للصادقين من امة محمدفقال تعالي يوم ينفع الصادقين صدقهم الخبر و قال7 فاذا اعتدل معناك بدعواك ثبت لك الصدق و ادني حد الصدق ان لايخالف

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 2 صفحه 494 *»

 اللسان القلب و لا القلب اللسان و مثل الصادق الموصوف بما ذكرنا كمثل النازع روحه ان لم‌ينزع فما ذا يصنع و قال7 من صدق لسانه زكي عمله. فاذا عرفت ان الصدق مطابقة العمل مع الدعوي و الدعوي مع المعني و المعني مع الواقع فلابد في الصادق ان يبذل نفسه في رضاء محبوبه ليكون فعله مطابقاً لقوله و قوله مطابقاً لمعناه فلذلك كني الصادق7 بابي‌عبدالله كما كني الحسين الباذل نفسه في رضاء محبوبه عليه‌السلام فهو آيته في الدورة الثانية و كلهم صادقون كما نص الله عليه في كتابه ياايها الذين آمنوا اتقوا الله و كونوا مع الصادقين، و هم الصادقون باجماع الفريقين فالكون معهم اتباع للقرآن و منجاة بالاجماع و مخالفتهم و تكذيبهم مهلكة لقوله تعالي فمن اظلم ممن كذب علي الله و كذب بالصدق اذ جاءه أليس في جهنم مثويً للكافرين. و الصادق من يجيء بالصدق ثم قال و الذي جاء بالصدق و صدق به اولئك هم المتقون لهم مايشاءون عند ربهم ذلك جزاء المحسنين ليكفر الله عنهم اسوء الذي عملوا و يجزيهم اجرهم باحسن الذي كانوا يعملون.

و اما الشرط التاسع فالعلم و هو من جانب القابل و مقام النفس و قد قال رسول‌الله9: الا و ان الله يحب بغاة العلم. فما لم‌يعلم المحب محبوبه و عن محبوبه ليس بكامل في مقام المحبة اذ ليس الا الحب فاذا اشرق نوره في الفؤاد احدث المعرفة بل هو المعرفة. قال الصادق7 هل الدين الا الحب، و هي هو و اصله و فرعه و اذا اشرق علي القلب احدث اليقين و ظهر بالرجاء و اذا اشرق في الصدر احدث العلم و ظهر بالخوف و ليس شيء الا الحب و لايتحرك متحرك الا بالحب الا تري ان المحبة هي اصل الخلقة و علته و كل معلول يشابه صفة علته فما لم‌يسر الحب في الفؤاد و القلب و الصدر لم‌يستول علي المحب و لم‌يأخذه عن نفسه فيجب في المحب الكامل الساري

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 2 صفحه 495 *»

سر الحب في جميع مراتب وجوده ان يكون عالماً و ذلك آية القائم في الدورة الثانية فان القائم هو مقام النفس الناطقة القدسية المنبعثة من العلوم كما مر. قال الفيروز‌آبادي في القاموس الباقر محمد بن علي بن الحسين: لتبحره في العلوم انتهي و ذلك ان البقر الشق و التوسعة و كأنه7 يشق ارض العلم و يخرقه قال الله تعالي و لاتمش في الارض مرحاً انك لن‌تخرق الارض، لان ذلك شأن الباقرين اي اولوا العلم القائمين بالقسط الذين بلغوا اشدهم و استووا فاتاهم الله حكماً و علماً و لن‌تبلغ الجبال طولاً و الجبال هي اوتاد الارض الذين وضعهم الله ان تميد باهلها و هم الذين لولاهم لساخت الارض و هم الحجج: و كلهم علماء بالاجماع من الفريقين قال الله تعالي شهد الله انه لا اله الا هو و الملئكة و اولوا العلم قائماً بالقسط لا اله الا هو العزيز الحكيم، الا انه ظهر العلم من هذا الركن لما اوضحنا.

و اما الشرط العاشر فان يكون هادياً بما هدي الي حمي المحبوب و داره فيري الطريق قوماً و يوصل اليه آخرين و يوصل الي دار المحبوب آخرين كما امر الله سبحانه ادع الي سبيل ربك بالحكمة و الموعظة الحسنة و جادلهم بالتي هي احسن، و ان كلاً يهديهم ربهم بايمانهم و هذا شرط آخر من شروط المحبة فان المحب لكثرة فنائه في المحبوب و ظهور المحبوب في جميع مراتبه بحيث صار اظهر منه لان الذات في ظهورها بالصفات غيبت الصفات يكون دليلاً علي المحبوب و اليه و به و هادياً اليه بحيث لايضل من قصد هداه و لايهتدي الي المحبوب من اتخذ سواه قال الله تعالي ان كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله و هو في الدورة الثالثة آية علي7 الذي هو لكل قوم هاد قال الله انما انت منذر و لكل قوم هاد قال7 محمد المنذر و علي لكل قوم هاد و آية الرضا7 في الدورة الثانية كما مر و لما كانت الدورة‌ الثالثة دورة

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 2 صفحه 496 *»

‌ الاقتران بالاغيار ظهر7 بالهادي و فيه اضافة المهدي بخلاف المرتضي في الاول و الرضا و الائمة: كلهم هادون بنص الكتاب كما قال و جعلناهم ائمة يهدون بامرنا، الا انه ظهر بالهادي هذا الركن الخاص لما بينا.

و اما الشرط الحادي‌عشر ان يكون كاظماً عن زلات الرعية الموالين للمحبوب و عن غير الموالين حفظاً علي المحبوب و علي الموالين للمحبوب و يغفر لهم كما قال الله تعالي و الكاظمين الغيظ و العافين عن الناس و الله يحب المحسنين و قال قل للذين آمنوا يغفروا للذين لايرجون ايام الله، و سبب اشتراط المحبة بالكظم عن غير الموالين انه من استفزه لوم الاغيار و اذية الاشرار و لم‌يصبر علي شر الفجار حفظاً علي محبوبه في اوليائه لم‌يبلغ درجة الاخيار و لم‌يفز بمحبة الابرار و اما بالنسبة الي الموالين المنسوبين الي المحبوب فيجب للمحب ان يغفر زلاتهم و يعفو عن مسيئهم و يكظم عن خاطئيهم كرامةً للمحبوب فمن لم‌يكظم عن الموالين لم‌يكرم المحبوب و لم‌يراع حرمته و لاسيما الهادي لابد و ان يكون كاظماً لانه من اسباب الهداية كما قال الله تعالي: و لو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم و استغفر لهم الآية. و ايضاً ان المحب يحب من احب حبيبه و من احب من احب حبيبه و من احب من احب من احب حبيبه و هكذا فكيف يمكن ان يحب رجلاً و لايكظم عنه و لايحبس غيظه عن عتابه فلابد للمحب ان يكون كاظماً عن الفريقين لما ذكرنا قال ابوعبدالله7 في قوله تعالي و الكاظمين الغيظ الي قوله و الله يحب المحسنين اثابه الله مكان غيظه ذلك. اقول اي المحبة و قال علي بن الحسين8 ما من جرعة يتجرعها العبد احب الي الله من جرعة غيظ يتجرعها عند ترددها في قلبه اما بصبر او حلم. و الكظم صفة اضافية و لاجل ذلك حمله ركن من اركان الاسم الثالث جهة‌ الارتباط الي الغير و اما وجه كونه ثاني اركان هذا الاسم لانه

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 2 صفحه 497 *»

بازاء الحسن بن علي الكظيم الحليم الصابر في الطخية العمياء علي اذية‌ الادعياء ما لم‌يصبر مثله ولي من الاولياء فالكاظم آيته في هذا المقام ألم‌تسمع مصائبه العظام و رزاياه الفخام و صبره علي اذية اللئام ما ليس يبلغه كلام و هو آية الحسن بن علي الزكي في الدورة الثانية و وجه كونه في جهة المقبول ظاهر لان الكظم مستحسن من المستولي و المهيمن و هم: كلهم كاظمون لما عرفت من الآية.

و اما الشرط الثاني‌عشر من شرايط المحبة ان يكون سجاداً كثير السجود و الخضوع و هذا المقام من اعلي مقامات القابل في الدورة الثالثة فيكون ساجداً خاضعاً تحت ظهور انوار محبوبه مسلماً لما يرد عليه من امره و نهيه و هو مستحسن من القابل فلايبلغ احد مقام القرب و المحبة الا بالسجود عند جناب المحبوب قال الله تعالي و اسجد و اقترب و قال الامام7 اقرب ما يكون العبد الي الله حين كونه ساجداً و اما وجه وقوعه في الدورة الاضافية لانه زين‌العابدين و فيه اضافة الي العابدين و قد ظهر من خضوعه بما لامزيد عليه صلوات الله عليه و هذا آية الحسين ابي‌عبدالله في الدورة الاولي و الصادق ابي‌عبدالله في الدورة‌ الثانية فهو زين‌العابدين في الدورة الثالثة و الفرق في الاضافة بالجمع و المفرد و التفصيل و الاجمال ظاهر و الائمة كلهم سجادون و زين‌العابدين لقوله تعالي مخاطبا النبي9 و تقلبك في الساجدين و شمس النبوة متقلبة في بروج الاولياء لايتجاوز منطقتها ابداً و لايخرج عنهم الي غيرهم فافهم.

و اما الشرط الثالث‌عشر فالجود و هو من الركن الرابع من الدورة الثالثة فمن شرايط المحبة ان لايبخل بنفسه في الافناء في محبوبه و ببذل نفسه و ماله و جميع ما له و به و عنه و منه في طريق المحبة و لنعم ما قال الشاعر:

مالي سوي نفسي و باذل نفسه في حب من يهواه ليس بمسرف

 

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 2 صفحه 498 *»

و كذا ان يجود علي جميع الموالين و غير الموالين بالجود الرحماني بنظره في ملك محبوبه في التكوين باتيان الكل طوعاً و كرهاً اليه فكل شيء يسبح بحمده و علي الموالين بنظره في التشريع و انهم محبوا محبوبه و محبوا محبي محبوبه و محبوا محبي محبي محبوبه و هكذا فيجود عليهم بما يجد و يؤثر محبوبه علي جميع ما له من نفسه و اهله و ولده قال الله تعالي قل ان كان آباؤكم و ابناؤكم و اخوانكم و ازواجكم و عشيرتكم و اموال اقترفتموها و تجارة تخشون كسادها و مساكن ترضونها احب اليكم من الله و رسوله و جهاد في سبيله فتربصوا حتي يأتي الله بامره و الله لايهدي القوم الفاسقين. فسمي من كان هذه المذكورات احب اليه من الله و رسوله و جهاد في سبيله فاسقاً و ان الله لايهديه فالمحب لابد و ان يكون جواداً بجميع ذلك في طريق المحبة‌ و وجه وقوعه في هذه الدورة لاجل اضافية الصفة و كلهم: اجاويد لانهم لايؤثرون علي الله شيئاً كما مر في الآية من التهديد و الوعيد علي من آثر علي الله شيئاً و انه فاسق مع انهم قائمون بالقسط و قد خاطبهم و كذلك جعلناكم امةًَ وسطاً و قال و جعلناهم ائمة يهدون بامرنا.

و اما الشرط الرابع‌عشر و هو آخر الشروط و تمامها و كمالها فهو ان يكون المحب من مبدئه الي منتهاه و من حقيقته الي ظاهره صافياً عن جميع الكدورات و الصفات و الالوان و الاشكال المنافية لانوار محبوبه حتي ينطبع في جميع مراتبه انوار محبوبه علي ما هي عليه فينطبع اولاً في مرآة عقله ثم منه الي روحه ثم منها الي نفسه ثم منها الي طبعه ثم منه الي مادته ثم منها الي مثاله ثم منه الي عرشه و قلبه ثم منه الي كرسيه و صدره ثم الي شمسه و مادته ثم الي فلكه السابع عقله الجزئي ثم الي فلكه السادس علمه ثم الي فلكه الخامس وهمه ثم الي الفلك الثالث خياله ثم الي الفلك الثاني فكره ثم الي الفلك الاول حيوته ثم الي العناصر كبده ثم الي اعضائه و جوارحه و حواسه و مشاعره فلايفعل بشيء

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 2 صفحه 499 *»

من ذلك ما يليق به و يمكن صدوره عنه الا بمحبوبه و لمحبوبه و عن محبوبه بل لايفعل شيئاً من ذلك الا محبوبه قال الله سبحانه انما يتقرب الي العبد بالنوافل حتي احبه فاذا احببته كنت سمعه الذي يسمع به و بصره الذي يبصر به و لسانه الذي ينطق به و يده التي يبطش بها ان دعاني اجبته و ان سكت عني ابتدأته، و الخبر منقول بالمعني و لعل فيه تفاوتاً لفظياً يسيراً غيرمخل و هو مذكور في الكافي فاذا كان الله سمعه و بصره الجسماني فبالحري ان يكون عقله و روحه و نفسه و كيف لا و يبلغ مقاماً يقول لنا مع الله حالات هو فيها نحن و نحن هو و يقول من رآني فقد رأي الحق و ما اعجب حديثاً رواه الصدوق في التوحيد باسناده عن ابي‌بصير قال قلت لابي‌عبدالله7 اخبرني عن الله عزوجل هل يراه المؤمنون يوم القيمة قال نعم و قد رأوه قبل يوم القيمة فقلت متي قال حين قال ألست بربكم قالوا بلي ثم سكت ساعة ثم قال و ان المؤمنين ليرونه في الدنيا قبل يوم القيمة ألست تراه في وقتك هذا قال ابوبصير فقلت جعلت فداك أفاحدث بهذا عنك فقال لا فانك اذا حدثت بهذا فانكره منكر جاهل بمعني ما تقول ثم قدر ان هذا تشبيه كفر و ليست الرؤية بالقلب كالرؤية بالعين تعالي الله عما يصفه المشبهون و الملحدون. اقول رحم الله ابابصير لقد كان حامل فقه الي من هو افقه منه و الصادق7 و ان نهاه عن الرواية لغيره و قد خالف الا له7 تدابير في الباطن فحدث به لمن يذيع حتي يبلغ الي اهله و لاتزعم انه فهم ما قال له لانه لم‌يكن من اهله و لذلك قال له فانكره منكر جاهل بما تقول اي بما تحدث و تروي و قد حفظ عليه و علي امثاله بما ارخي عليه من حجاب ذيله فافهم. و بالجملة فالمحب من كان هكذا فاذا بلغ هذا المقام يزهر بانوار المحبوب و ضيائه بحيث لايري نور الا نوره و لايسمع صوت الا صوته و يقيمه محبوبه مقامه في ساير عوالمه في الاداء اذ كان لاتدركه الابصار و لاتحويه

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 2 صفحه 500 *»

خواطر الافكار و لاتمثله غوامض الظنون في الاسرار لااله الا الله الملك الجبار فالشرط الرابع‌عشر ان‌يكون المحبوب زاهراً في جميع مقاماته كما قال الله سبحانه كمشكوة فيها مصباح المصباح في زجاجة الزجاجة كأنها كوكب دري يوقد من شجرة مباركة زيتونة لاشرقية و لاغربية يكاد زيتها يضيء و لو لم‌تمسسه نار نور علي نور يهدي الله لنوره من يشاء و يضرب الله الامثال للناس و الله بكل شيء عليم. و هذا الترتيب الذي ذكرنا في الائمة: ففي الخمسة الاول و الواحدة الآخرة منصوصة في الاخبار و يساعدها صحيح الاعتبار و اما في الثمانية الوسطي فلم‌اجد نصاً من الائمة: علي ترتيبهم في الفضل الا اني استنبطت هذا الترتيب من القابهم و كناهم و تفاوت مراتب الالقاب و الكني و في الالقاب و الكني لا في الذوات و هم: كل واحد صاحب جميع الكمالات و الداني لايقدر علي معرفة درجات الاعالي من عند نفسه و لذلك لم‌أبت علي الترتيب الذي ذكرت بتاً و قلت هناك علي ما يقتضيه الالقاب و الكني ظاهراً و كذلك لم‌اسمع من احد من مشايخي و لم‌أر في مصنفاتهم و ليس ذلك الا من جهة عدم النص فان كان في الباطن ايضاً علي هذا الترتيب فالحمدلله علي التوفيق و ان لم‌يكن فكلامنا علي الالقاب بحسب الظاهر و ان اخطأنا في الترتيب لم‌نخط في كون هذه الصفات شروطاً للمحبة التامة و لم‌نخط في الترتيب الاجمالي في غير الثمانية و ذلك لان الداني اذل و احقر من ان يفضل بعضهم علي بعض من غير نص و الله يقول آباؤكم و ابناؤكم لاتدرون ايهم اقرب لكم نفعاً، فكيف لنا بالمعاني العليا و المراتب القصوي ولكن مشروطية المحبة بهذه الصفات فمم لاريب فيه و تقدم رسول الله9 علي الكل و كونه الاسم المكنون و كون الاربعة الحرم اركان الاسم الاول و الثمانية اركان الاسمين و الصديقة الطاهرة و الكلمة الجامعة متأخرة عنهم فجميع ذلك

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 2 صفحه 501 *»

في محله و لاريب فيه و انما الاشكال في ترتيب الثمانية و عدم البت عليه لايضر بما رسمنا من شروط المحبة. فافهم راشداً موفقاً فاني لكثرة هجوم الهموم و غلبة الغموم ما امكنني التفصيل و لو شئنا ان نشرح ذلك علي ما ينبغي لاقتضي ان نكتب علي كل كلمة رسالات ولكن غلبة العوائق تمنعني عن التفصيل ولكني في راحة من جانب الجناب الجليل السائل النبيل فانه ذوفهم فائق و ذوق رائق و ان تشرفت بالملاقاة لنقضي ما فات ان شاء الله و اظنني اسافر نحوكم في ما بعد لامور الله اعلم بها و هو ولي التوفيق.

و قد وقع الفراغ من تسويد هذه الاوراق في عصر يوم الثلثا رابع‌عشر شهر ربيع‌الاول من شهور سنة الستين من المأة الثالثة‌عشرة من الهجرة‌ النبوية علي مهاجرها آلاف الصلوة و التحية في بلدة كرمان صانها الله عن طوارق الحدثان و قد تمت علي يد مؤلفه كريم بن ابرهيم الكرماني حامداً مصلياً مستغفراً.