رسالة اللوح المحفوظ
من مصنفات
العالم الرباني و الحکيم الصمداني
مولانا المرحوم حاج محمد کريم الکرماني
اعلياللهمقامه
«* مکارم الابرار عربي جلد 2 صفحه 381 *»
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين و الصلوة علي محمد و آله الطاهرين و رهطه المخلصين و اللعنة علي اعدائهم اجمعين
اما بعد فيقول العبد الاثيم انه قد اتفق لي في هذه السنة سفر الي بلدة الصالحين خبيص من اعمال كرمان و هي السنة الثامنة و السبعون من المائة الثالثة عشرة فوجدت نفسي فارغة من كثير من الاشغال و المعاشرات التي كنت مبتليا بها في كرمان فنازعتني نفسي علي ان اشتغل بشيء مهم لمكان فراغها و خلو بالها فاجبتها الي تحرير مسئلة هي اس كثير من المسائل الظاهرة و الاسرار الخفية و كان في اغلب الاوقات قلبي مشغولا بها و يتمني تنقيحها و تحريرها علي وجه التفصيل و لميكن يوفق بذلك فاستخرت الله العزيز الحكيم في تحريرها و شرعت في تصنيف هذه الرسالة مع انه لميكن معي من كتب الحديث و العلم ما عسي ان احتاج اليه ولكن الله قدير ان يلهمني و يرفع حاجتي من عنده انه هو الكريم المنان و سميتها باللوح المحفوظ ليطابق الاسم و المسمي و هي مشتملة علي مقدمة و فصول:
اما المقدمة: ففي بيان ما يجب تقديمه و فيها مسائل:
الاولي: اعلم ان فهم الاوعية الثلث و الازل من المشكلات و كثر الناطق فيها و قل المدرك لها و رسم التعليم يقتضي ان اقدم توصيف الزمان فانه اقرب الي فهم ابنائه اعلم ان الزمان هو نسبة بين صور تظهر علي مواد الاجسام الظاهرة التي هي العرش و الكرسي و الافلاك و العناصر و ما يتولد منها مثلا اذا اخذت حفنة تراب و
«* مکارم الابرار عربي جلد 2 صفحه 382 *»
القيت عليها صورة لبنة ثم كسرتها و القيت عليها صورة كأس ثم كسرتها و القيت عليها صورة كوز فهذه الصور الفعلية كل واحدة غير الاخري و ليس ظهور كل واحدة في ظهور الاخري و لابد في ظهور الثانية من محو الاولي من لوح المادة و رسم الثانية ثم كذلك لابد في رسم الثالثة من محو الثانية و هكذا فاذا نظرت الي الثانية في نفسها ثم نسبتها الي الاولي و انها محيت حتي رسمت الثانية و انها في رسمها تمنع الثالثة من الارتسام علي المادة فالثانية في نفسها حال و نسبة الاولي اليها نسبة المضي لان الاولي قد دخلت عرصة الفعلية و امضيت ثم محيت و مضت و نسبة الثالثة اليها نسبة الاستقبال لانها لما تخرج الي عرصة الشهود و الفعلية و الحال تستقبلها استقبالا و هي بعد في عرصة القوة و لما تطأ عرصة الفعلية فهذه النسبة هي القبلية و البعدية و هي امتداد مابين مبدأ شيء و منتهاه و هي الاجل و العمر و ليس من الزمان شيء بموجود الا الحال و الماضي و المستقبل منهما معدومان اما الماضي فممحو من لوح مادة الجسم و اما المستقبل فغير مثبت و لذا قيل:
ما فات مضي و ما سيأتيك فاين | قم فاغتنم الفرصة بين العدمين |
فهما معدومان من عرصة الزمان و عرصة الزمان دائما هي عرصة الحال و هي دائمة السيلان غير واقفة كنهر جار انت واقف عليه و تحاذي جزءا منه فمنه ما وصل اليك و مضي و جاوز و منه ما لميصل اليك بعد و ما يحاذيك منه ايضا غير واقف هذا في الاعتبار الزماني و الا ستعرف ان النهر جامد واقف و انت تنتقل من جزء الي جزء كجالس سفينة يحسب الشاطيء جاريا ساريا و هو جامد في نفسه بالجملة الزمان هو النسبة بين صور ظهرت علي مادة الجسم فكلما كانت الفعليات متشاكلة كانت الطف و النسبة بين اجزائها الطف و كلما كانت الفعليات متباينة كانت اكثف و النسبة بين اجزائها اكثف فاذا زمان العرش الطف الازمنة و زمان الكرسي دونه و زمان الافلاك دونه و زمان العناصر دونه و زمان المولدات دونه في اللطافة و كلما كانت التباين اكثر كان التقضي ابين و الزمان اغلظ و التجدد اظهر و كلما كان بخلاف ذلك كان الامر بخلاف ذلك و جميع ما قيل في
«* مکارم الابرار عربي جلد 2 صفحه 383 *»
الزمان من غير ذلك فهو خبط عشواء فان الليل و النهار و السنين و الاعصار هي مكاييل الزمان و ليست بزمان و حركة الفلك كحركة زيد واقعة في الزمان ليس لها خصوصية فالزمان هو امتداد الجسم و المكان محله و هو فراغ ملأه الجسم و لايدرك بمشعر الا بالفؤاد فالزمان و المكان و الجسم متلازمة ليس وراء العرش زمان و لا مكان و لا جسم كما روي عن الصادق7 بعد عد اجسام العالم: و لا وراء ذلك سعة و لا ضيق و لا شيء يتوهم انتهي. فانت اذا نظرت الي هذا العالم و نظرت الي نسبة فعلية الي اخري و هي ما كان يقال نسبة متغير الي متغير فهي الزمان و ان الله جل جلاله جعل لهذه النسبة مكائيل و آلات مساحة و هي حركات الفلك لدوامها و عمومها فتكال بالساعات و الايام و الاسابيع و الشهور و الاعوام و القرون ليعلم طولها و قصرها و قياسها.
و اما الدهر فهو يعقل اذا نظرت الي الجوهر المحفوظ في جميع الفعليات و نسبتها الي الفعليات و ذلك الجوهر هو مشاهد كل ذيمسكة بل كل حي و مثال ذلك الماء الذي تجده في كل قطرة و بحر و نهر و بئر و عين ففعليات البحرية و النهرية و القطرية و البئرية في الزمان و ذلك الجوهر مهيمن علي جميعها من اول الدنيا الي آخرها فان النهر يوم آدم ماء و قبيل القيمة ماء و بينهما ماء و الماء ظاهر في جميع قطرات الدنيا محفوظ في كلها لايتغير ما به الماء ماء بتغير هذه الفعليات و هذا هو الفرق بين الجوهر و العرض و المادة و الصورة فنسبة تلك المادة الي تلك الصورة نسبة دهرية و علي ذلك تختلف الدهريات و لها مراتب كالجسم المطلق الساري في الاجسام الظاهرة و كالحيوة السارية في الحيوانات و الناطقة السارية في الاناسي و روح القدس السارية في الحجج سلام الله عليهم و جميع ذلك دهري فوق الزمان و نسبتها متساوية الي اول الزمان و آخره و اما السرمد فيعرف اذا نظرت الي جميع الدهريات و الزمانيات و رأيت جميعها امرا وحدانيا و موجودا مطلقا عن جميع القيود ففي هذا النظر تري جميع الجواهر و الاعراض علي انها موجود غير معدوم فتري روح القدس موجودا ظاهرا بالروح القدسية و الناطقة موجودا ظاهرا بالناطقية و الحيوة موجودا ظاهرا
«* مکارم الابرار عربي جلد 2 صفحه 384 *»
بالحيوانية و الجسم موجودا ظاهرا بالجسمية و هكذا العرش و الكرسي و الافلاك و العناصر و المواليد كلها موجود ظاهر بتلك الصفة كما ان العرش جسم ظاهر بالعرشية و الكرسي جسم ظاهر بالكرسية و هكذا فجميع ما تري في الشهود و الغيب وجود ظاهر بتلك الصفة و يصدق علي الجميع اسم الموجود و حيث موجوديتها اشد ظهورا من دهريتها و شخصيتها ألاتري انك اذا رأيت شيئا من البعيد فاول ما تدرك منه انه موجود بل موجوديته لاتكاد تخفي علي الحيوانات ثم تزداد معرفة به فتعرف دهرياته انه جسم مثلا ثم شخصيته انه حجر مثلا فلعل الحيوان يجهل الشخصية و لايجهل الدهرية و السرمدية فما بهمت البهائم لمتبهم عن درك سرمدية جميع الموجودات و ان لمتقدر انتعبر عنها و هذا الموجود المطلق هو الامر الواحدة الذي ليس معه في رتبته سواه و هو ابسط ما يعقل و يوجد و هو الامكان المطلق لجميع الموجودات المقيدة و لايسبقه شيء و هو موجود بنفسه لا بشيء آخر و جميع المقيدات موجود به اذ الجميع تجلياته و فعلياته و تمثلاته كما ان جميع العرش و الفرش و ما بينهما تجليات جسم المطلق و فعلياته و تمثلاته و هو اوجد في امكنتها منها و اولي بها منها و هو كالاحد الساري في الاعداد و قلنا بتركيبه لما رأينا من تركيب تجلياته كما قلنا بتركيب الجسم المطلق لما رأينا من تركيب تجلياته فالعرش مثلا جوهر اطلس كري و هو بتركيبه جسم و ليس الكرية وحدها و الاطلسية و الجوهرية وحدها بجسم و انما المجموع المركب جسم و كذا الكرسي و الافلاك و العناصر و كذلك لما رأينا كل موجود مركبا من مادة و صورة مادته جوهره و صورته كمه و كيفه و وقته و مكانه و جهته و رتبته عرفنا ان الموجود المطلق مركب من جوهر اطلاقي و كم و كيف و وقت و مكان و جهة و رتبة اطلاقية عن القيود الزمانية و الدهرية فالموجود المطلق مركب لامحالة من مادة مطلقة و صورة اطلاقية بهما يكون موجودا و يري هذا التركيب فيه كل احد و ان لميقدر ان يفسره كل احد و قلنا بانه ابسط ما يمكن في الامكان لشدة اطلاق ركني وجوده فهو غير بسيط عيانا من كل احد و لايخفي ذلك علي احد من الحيوانات فضلا عن الاناسي و ذوي المسك و هذا الوجود لايتغير و
«* مکارم الابرار عربي جلد 2 صفحه 385 *»
لايتبدل و لايحول و لايزول و ليس له اول و لا آخر ثابت مستقر في جميع الازمان و الدهور و ليس له مر و لا امتداد و لا انقراض و لا فناء و لايتحول و لايتغير بتغير الزمانيات و الدهريات ابدا ابدا و يضاد هذا الموجود المعدوم المطلق و وجوده وصفي اطلاقي كما ان وجود الدهريات و الزمانيات وجودات وصفية تقييدية و هذا قليل من كثير وصف السرمد و اما الازل جل شأنه العلي العظيم فلايعرف الا بكشف جميع السبحات و محو جميع الموهومات و هتك الاستار و نفي الاغيار و رفع الغبار و هو الاحد الصمد الذي لميلد و لميولد و لميكن له كفؤا احد و هو الوجود بالذات الواجب الذي لايتغير و لايتبدل و لايزول و لايحول و هو الذات البحت البات التي لا ذات سواه و جميع ما سواه موجودات وصفية ماخلا الله جل و عز فانه الموجود بالذات البسيط الاحدي الحقيقي الذي ليس معه سواه ليس له مادة و لا صورة بوجه من الوجوه و لا ضد له و انما ضده ممتنع محض و ما سواه ضده ممكن و هو اذ هو يمتنع معه ذكر غيره فانه الوجود الحق و سواه ممتنع مطلق لا اله الا هو العزيز الجليل و كمال معرفته في توحيده و كمال توحيده في نفي الصفات عنه اذ الصفة لاتحل الا في موصوف و لابد بينهما من الاقتران و الا لميكن الصفة صفة و لا الموصوف موصوفا و هو اشد الاشياء ظهورا و اعظم الاشياء نورا و لكن خفي لشدة ظهوره و استتر لعظم نوره و لايفقده احد من خلقه حتي الجمادات و الجواهر و الاعراض و ان لمتقدر علي التعبير عنه و ان من شيء الا يسبح بحمده و لكن لاتفقهون تسبيحهم قال الصادق7 ما بهمت البهائم عن شيء لمتبهم عن اربع معرفتها بربها و عد البواقي و لسنا بصددها و ليس هو عين خلقه و ليس غير خلقه و ليس بفوق خلقه و لاتحت خلقه و لاقريبا و لابعيدا و لا داخلا و لا خارجا و لا مناسبا و لا مباينا تعالي من هو هكذا و لا هكذا سواه و كل شيء ادركته في ادق وهمك فهو سواه مباين معه و هو اوجد في مكان وجود كل احد من كل احد و اولي بكل شيء من كل شيء و هو قول الامام7 في الدعاء انت اوجد
«* مکارم الابرار عربي جلد 2 صفحه 386 *»
مني في مكاني و قوله تعالي انما وليكم الله و رسوله و الذين آمنوا و قول علي7 ما رأيت شيئا الا و رأيت الله قبله او معه و قول الحسين7 أيكون لغيرك من الظهور ما ليس لك حتي يكون هو المظهر لك متي غبت حتي تحتاج الي دليل يدل عليك و متي بعدت حتي يكون الاثار هي التي توصلني اليك الي ان قال عميت عين لاتراك و لاتزال عليها رقيبا و قال تعالي اولم يكف بربك انه علي كل شيء شهيد الا انهم في مرية من لقاء ربهم الا انه بكل شيء محيط و قال قل اي شيء اكبر شهادة قل الله شهيد بيني و بينكم و قال ابوجعفر7 ان الله تبارك و تعالي كان و لا شيء غيره نورا لا ظلام فيه و صادقا لا كذب فيه و عالما لاجهل فيه و حيا لا موت فيه و كذلك هو اليوم و كذلك لايزال ابدا و قال ابوعبدالله7 ان الله تبارك و تعالي لايقدر قدرته و لايقدر العباد علي صفته و لايبلغون كنه علمه و لامبلغ عظمته و ليس شيء غيره هو نور ليس فيه ظلمة و صدق ليس فيه كذب و عدل ليس فيه جور و حق ليس فيه باطل كذلك لميزل و لايزال ابد الابدين الخبر فافهم هذا الرمز المبهم و السر المنمنم ان كنت تفهم و الا فاسلم تسلم و ان لمتكن من فرسان هذا الميدان فلاتخض في لجة دأماء هذا السر الاعمي و ليس درك ذلك شأن واحد من المدارك و لايصل غير الفؤاد هنالك.
الثانيةـ اعلم ان مسمي كل اسم و حقيقة كل شيء في الظاهر هي الصورة فما دامت باقية يطلق عليها ذلك الاسم و يقال ان المسمي موجود فاذا زالت لايطلق علي الجوهر الباقي ذلك الاسم و يقال انه قد فني و عدم ألاتري ان الكأس كأس بصورتها و تسمي بالكأس مادامت صورتها باقية فاذا زالت و جاءت صورة الكوز يسمي بالكوز و يقال عدمت الكأس و وجد الكوز مع ان الطين باق في الحالين و الطين ليس بكأس و لا كوز و ليس بحقيقة الكأس و لا حقيقة الكوز اذ حقيقة كل
«* مکارم الابرار عربي جلد 2 صفحه 387 *»
واحد مخصوصة به و فيها ذكرها و من ثم قلنا ان حقيقة زيد غير حقيقة عمرو و حقيقة زيد فيها زيدية ذاتية و الزيدية مأخوذة فيها و كذا حقيقة عمرو فلو كانت الحقيقة واحدة لكان زيد اذا صار من اهل الحقيقة ناظرا من عين عمرو و فاعلا بيده و عالما بجميع علمه و ليس كذلك فالطين ليس حقيقة الكأس و ليس فيه كأسية و الا لكان في حقيقة الكوز كأسية و ليس حقيقة الكوز و ليس فيه كوزية و الا لكان في الكأس كوزية بل حقيقة الكأس صورة الكأس و حقيقة الكوز صورة الكوز و كذلك مسمي كل اسم و لكن الشأن في معرفة الصورة و لاتزعم ان صورة زيد و حقيقته هي ما يري علي بدنه فانما هو البدن الطبيعي الحيواني العرضي و حقيقة زيد و مسماه هو صورة ناطقة انسانية دراكة للكليات و من ذلك تبصر امرك فالموجودات الزمانية صور زمانية و الموجودات الدهرية صور دهرية و الموجود السرمدي صورة سرمدية و لاجل ذلك قلنا ان جميع ما سوي الله جل جلاله موجود وصفي و الله جل و عز هو الموجود الذاتي وحده وحده و ليس هو ذات خلقه و حقيقته و لمتتصور بصور مخلوقاته كما زعم القوم نعوذبالله و اذ نحن لمنجوز ان يكون الطين حقيقة الكوز كيف نجوز ان يكون الله حقيقة خلقه و ان يكون هو المتصور بصورة السماء و الارض و المواليد و غيرها سبحانه سبحانه سبحانه عما يقول الظالمون العادلون بالله و تعالي عنه علوا كبيرا بل انتهي المخلوق الي مثله و اقترن بشكله فالسرمد و ان كان صورة ليست صورة لذات الله جل و عز الصفة علي مثلها تدل و في شكلها تحل و موصوفها معها و في رتبتها و مقترن بها لشهادة الصفة و الموصوف بالاقتران ضلت فيه الصفات و تفسخت دونه النعوت كل معروف بنفسه مصنوع و كل قائم في سواه معلول فالذات البحت البات هي الله و يمتنع ماسواها معها قال علي7: رجع من الوصف الي الوصف و دام الملك في الملك انتهي المخلوق الي مثله و ألجأه الطلب الي شكله الطريق مسدود و الطلب مردود بالجملة جميع ما يسمي باسم هو وصف و صورة و لاتذوت لشيء من
«* مکارم الابرار عربي جلد 2 صفحه 388 *»
المخلوقات نعم لبعض الصور تذوت بالنسبة الي صور اخري فهو ذات اضافية نسبية و الذات الحق هي الله جل جلاله و ان قلت ان الصورة لابد لها من مادة تتصور بها و تقوم الصورة بها فانها عرض لاتقوم لها بنفسها فما مادة هذه الصور التي تسميها حقايق الاشياء قلت ان كل صورة لها مادة ذاتية مخصوصة بها لايشاركها فيها غيرها و هي جهة تلك الصورة الي المطلق العالي المتجلي بها في رتبتها لاتفارق تلك الصورة و هي الموصوفة المقترنة المشار اليها في الحديث لشهادة كل صفة و موصوف بالاقتران فالكأس هي صورة الكأسية التي توجد بوجودها و تعدم بعدمها و تلك الصورة لها مادة ذاتية غير الطين و الطين هو محل ظهورها و مرآة بروزها و امها العرضية التي ظهرت الصورة عليها و ليست بمادة ذاتية لها و الا لما كانت تتركها و تتصور بصورة الكوز و تلك المادة الذاتية هي جهة صورة الكأس الي موجدها و صانعها و هي اثر فعل الصانع و اعلي درجات تلك الصورة و هي من حيث نفسها صورة و من حيث فعل الصانع مادة و الطين لميخلق بفعل خلق به الكأس و ليس بجهة الكأس الي صانعها البتة و الذي كان يقال ان الشيء موجود بمادته و صورته هو هذه المادة و الصورة اللتان هما ركنا وجود الشيء و الشيء يقوم بهما قيام ركن و اما الطين فليس بذاتي للكوز و لايقوم مسمي الكوز به قيام ركن نعم قد ظهر الكوز بمادته و صورته علي الطين و قد يظهر علي النحاس و الحديد مثلا و هو هو بلاتفاوت فالطين مادة عرضية يمثل بها للمادة الذاتية و لابد من ان اشرح المادة الذاتية و لا قوة الا بالله اعلم ان كل اثر شبح منفصل من فعل مؤثره قائم به مستغن عن غيره له مادة و هي حيث صدوره من فعل مؤثره و صورة هي نهايات نفس تلك المادة فمادته تحكي مادة الفعل و صورته تحكي صورة الفعل و جميع ماسوي هذه المادة و الصورة مما يلحق به فهو اعراضه و ليس من ذاتياته فاذا نقول ان الكوز هو اثر موجد الكوز بفعله المتعلق بالكوز فمادته اثر مادة ذلك الفعل و صورته اثر صورة ذلك الفعل و ليس الطين مما به الكوز كوز فانه قد يصنع الكوز من الصفر و عدم ظهور كوز في هذه الدنيا علي غير جسم لايدل علي ان الجسم جزء المسمي ألاتري ان
«* مکارم الابرار عربي جلد 2 صفحه 389 *»
الانسان ايضا لايظهر في هذه الدنيا الا علي جسم و شبحك اثرك لايظهر في هذه الدنيا الا علي مرآة و ليس المرآة اثرك قطعا و كذلك ربما يكون الكوز اثر مؤثر لايكون الطين اثره فالطين انما هو مرآة ظهر عليها صورة الكوز و تلك الصورة قائمة بمؤثرها و ان كانت ظاهرة بالطين كما ان اثر النار صادر عن النار قائم بها و ان كان ظاهرا علي الدخان منصبغا بصبغه بالعرض و لاجل ذلك قد يختلف الكوز صدورا و ظهورا ألاتري انك ربما تكتب حسنا و لكن المداد غير معتدل القوام فتأتي الكتابة علي خلاف فعلك و ينحت النجار حسنا و لايظهر السرير علي ما نحت فانه ينحت من الخشب الحسن حسنا و كذلك ربما يصنع الاستاذ الماهر كوزا حسنا و لايطاوعه الطين لرقته او جموده او عدم صفائه فلايأتي حسنا فتبين ان الكوز اثر فعل الفاخور و علي حسبه و انما ظهر علي الطين كما يظهر الشبح في المرآة و ينصبغ علي حسبها فالكوز هو الصورة اي الصورة التي علي الطين و مادته و صورته فيها و منها و الطين هو مرآة صالحة لظهور كل صورة عليها و هو ربما صنع غير الفاخور و ان قلت ان الكوز و الكتابة و امثالهما يبقيان بعد رفع يد الفاخور و الكاتب فكيف يكونان اثريهما قلت ان مرادي بالفاخور و الكاتب اسباب الصانع القديم في احداثهما التي مظهر بعضها يد الفاخور و يد الكاتب و تلك الاسباب قائمة عليهما ابدا و هما قائمان بها فلو زالت زالا كما يزول حركة المفتاح عند زوال حركة اليد و كل حادث شبح منفصل من فعل صانعه قائم به قيام صدور و لايقوم الا به فالفاخور و الكاتب مثلان لتقريب الذهن و لما كان تلك الاشباح و الصور لاتظهر في العالم الا علي اجسام حلت تلك الصور في محال عرضية و اما في الدهر فكل شيء قائم بمادته و صورته و مؤثره لايحتاج في وجوده و بقائه الي غيرها فهنالك الكوز كوز من غير طين و شبحك شبحك من غير مرآة و لذلك روي في العالم العلوي صور عارية عن المواد عالية عن القوة و الاستعداد اي عن المواد العرضية الدنياوية و الا فالحادث لايخلو من قوة و استعداد و مادة و لايوجد صورة بلامادة في عالم من العوالم.
«* مکارم الابرار عربي جلد 2 صفحه 390 *»
الثالثة و هي مسئلة دقيقة جدا فاعرني لبك لعلك تفهمها اعلم ان الله جل جلاله ذات احدية بالفعل ليس لها قوة زيادة و لا نقصان و لاتغير و لاتبدل و انما هي هي واجدة كل كمال و لا كمال و ليس يمكنني ان ازيد علي انها فعلية محضة كاملة ثم لا كلام ان الي ربك المنتهي اذا انتهي الكلام الي الله فامسكوا و لاينتهي الكلام اليه ما لميبلغ كلامك في تنزيهه منتهي جهدك فاذا بلغ ذلك فامسك اذ لايزيدك البيان الا تشبيها و سبحانه سبحانه عن مجانسة مخلوقاته و مشابهة مذروءاته فافهم ما اقول ففيه المأمول و اول ما تجلي به الوجود المطلق و وقع قولي تجلي علي الوجود المطلق لا علي الحق او ما بينه و بين المطلق فالوجود المطلق هو معني قولي تجلي فلما رأيناه قلنا تجلي فهو اول متعين و ابسط مركب مجزي ليس فعلية محضة مستقلة و ليس بذي قوة يستخرج من قوته شيء الي الفعلية اذ ليس لذلك الاخراج آلة فوقه و انما هو آلة اخراج ما في قوته الي الفعلية و هو هو و لا مانع فاذا جميع ما في قوته مخرج الي عرصة الفعلية به و جميع علله فيه فالمقتضي موجود و المانع مفقود فلميبق كمال في قوته لميخرج الي الفعلية و هو كمال الله و لاينتظر الله لنفسه حدوث كمال و لا يترقب بدو جمال لا اله الا الله الجليل المتعال لا كيف لفعله كما لا كيف له فهو الذات الظاهرة للذات الغيبية و لا بيان اعلي من ذلك فافهم ان كتب لك و هذا الوجود في نفسه له حيثان حيث فعلية و امداد و حيث مفعولية و استمداد فهو حركة بنفسها اذ هي الكمال الاول و هو الكمال الاول لا شيء قبله و لا معه و هو حركة بلانهاية تدور علي نفسها علي خلاف التوالي و نفسها عليها علي التوالي بسرعة لا غاية لها و لانهاية اذ لا مانع و اول ما تجلي هذا الوجود و تمثل تجلي و تمثل بالعقل فان اول ما خلق الله العقل فهناك ظهرت الكثرة و تميزت الجهات و تفرقت العلل علي نحو كلي فهو اول وجود مقيد بسبق ذلك الوجود المطلق فلما كان مقيدا بسبق الوجود المطلق الذي لا غاية له و لانهاية و كان العقل محدودا بحدود كلية امتنع له حكاية ما لانهاية له و لاحد الاشياء بعد شيء فحصل لوجوده و حصول كمالاته تدرج فما حصل له بالفعل ظهر به و اما ساير الكمالات الي ما لانهاية له فهو في قوته و يصير بالفعل
«* مکارم الابرار عربي جلد 2 صفحه 391 *»
شيئا بعد شيء و تلك الفعليات المفاضة عليه هي الامداد الواردة و بورودها يدوم وجوده و يترقي و يشتد و يتقوي شيئا بعد شيء و جميع مايصير فيه بالفعل الي ما لانهاية له تمثلات ذلك الوجود المطلق و هو فوقها ظاهر بكلها دفعة و لانهاية لها و لاغاية فانظر الي عدم تناهي المطلق تعالي قدره و تعالي الوجود الحق المنزه عن صفات الوجود المطلق عما يدرك علوا كبيرا.
و ان قلت من اين حصل القوة و عدم فيها فعلية العالي قلت ان لكل عال قدسا واحدية @و احدية؟@ بالنسبة الي الداني و هو علي ما هو عليه لايتغير و لايزول و ليس هو في مكان فوق مكان الداني و انما فوقيته فوقية رتبية و الفوق الرتبي ليس بخارج عن الداني كخروج شيء عن شيء و لا داخل فيه كدخول شيء في شيء و انما هو اوجد في مكان الداني الوجودي من نفس الداني و اولي به منه فاذا ليس هو هو و لاغيره و ليس الداني الا تمثل العالي و وجوده و هو هو عيانا و وجودا و ظهورا و شهودا و ليس هو هو كلا و لا جمعا و لا احاطة و الداني بلانهاية جمع العالي و كله في التعويذ المأثور اعوذ بجمع الله قيل و ما جمع الله قال كل الله و بكون الداني بلانهاية يثبت احدية العالي و قدسه فلو كان متناهيا لكان العالي واحدا فعشرة افراد عشر واحدات و مائة فرد مائة واحدة و الف فرد الف واحد و الاعداد غير المتناهية احد و بقول ما رأيت احدا تنفي الكل لا بقول ما رأيت الفا بالجملة العالي موجود بالداني و ليس بعض الداني بالعالي و لا كل الداني بالعالي نعوذبالله و ان فهمت من كلامي كذلك فقد حرمت و ابرأ الي الله من ذلك القول و مع قولي ان وجود العالي و تمثله الداني اقول اذا رأيت العالي فهو احد فرد يمتنع معه سواه و اذا رأيت الداني فهو متكثر يمتنع معه العالي و لكن الاعالي تختلف فان كان العالي مركبا فكل جزء من الداني غيره اعني كل جزء من مادته و صورته و انما تمثله بالجزئين معا و اما ان كان احديا حقيقيا بسيطا فكلا الجزئين تمثله و وجوده بل و التلازم و النسبة بينهما و جميع ما يقال له موجود و هو في رتبة الداني فاذا عرفت ذلك اقول ان جميع الداني علي ما عرفت تمثل العالي لاحديته الاضافية فهو قائم بنفسه في نفسه للعالي كما ان العالي قائم بنفسه في نفسه لنفسه
«* مکارم الابرار عربي جلد 2 صفحه 392 *»
فلابد للداني من جهتين جهة قائمة و جهة تقوم تلك الجهة بها فالتي تقوم الاخري بها هي جهة العالي في الداني و التي تقوم بها هي جهة نفس الداني و بهما يتحقق القيام بالنفس و لايعقل بغيرهما فالتي هي جهة العالي لابد و ان تكون معراة عن كثرات جهة النفس متوحدة لانها ظل العالي و نوره و آيته في رتبة الداني و هي تسمي بالوجود و بالمادة كما ان جهة النفس تسمي بالصورة و الماهية فالمادة هي حقيقة واحدية معراة عن الصور و الكثرات لكن صالحة من حيث نفسها للتصور بالصور و التحدد بالحدود و الظهور في الكثرات و الصور الفعلية الي ما لانهاية له فلاجل ذلك تسمي المادة بالامكان و فيها قوة التصور و عرصة الصورة هي عرصة الفعلية و الكون.
الرابعة _ اعلم ان لكل موجود مادتين و صورتين نوعيتين و شخصيتين ذاتيتين و ذلك انه اذا وجد شيء خاص شخصي قائم في الخارج فاذا نظرت اليه باعتبار شخصيته و فعليته الخاصة في الحدود الجزئية الخاصة تجد له مادة ذاتية ثابتة و صورة جزئية متبدلة و اما اذا نظرت اليه باعتبار وحدته في الحالات و تلك الفعليات فتري فيها شيئا واحدا لاينافي جميع تلك الفعليات و هي بتمامه ظهوره و هو مع سريانه في جميعها ممتاز عما سواه و وجدت هناك مادة طبيعية ثابتة و صورة ثابتة في جميع تلك الحالات مثال ذلك اذا نظرت الي الالف المكتوبة وجدت لها شخصية امتازت بها عن ساير افراد الالف و وجدت لهذا الشخص مادة هبائية و هي ذرات صورية اتصل بعضها ببعض حتي حصل صورة الالف و هذه الصورة الشخصية لايمكن لبسها الا علي اهبية مجتمعة فهذه المادة الهبائية هي المادة الزمانية الشخصية الصالحة لان تتصور بصور عديدة و هذه الصورة الالفية الخاصة هي الصورة الشخصية العارضة علي تلك الاهبية المسماة بالمتممة و لها مادة اخري طبيعية و صورة اخري نوعية و هما اللتان تركب منهما الالف النوعية التي هذه الالف الشخصية فرد من افرادها ألاتري ان جميع الالفات المكتوبة في الدنيا الف و تري و تشاهد في جميعها امرا واحدا و هو الالف و هي ممتازة عن
«* مکارم الابرار عربي جلد 2 صفحه 393 *»
الباء و الجيم و غيرهما و تلك الالف النوعية المشهودة في الجميع مركبة من صورة مقومة لها و مادة نوعية هي معروضة تلك الصورة و تشارك بها ساير الحروف و هي الطبيعية الحرفية السارية في جميع الحروف النوعية و هنا مادة اخري عرضية تكون مرآة لظهور الالف بماديتها و صوريتها عليها و تنصبغ منها الالف و تكتسب صورة شخصية و ليست هذه المادة مادة الالف لا نوعية و لا شخصية و انما هي موجودة اخري كالمرآة يظهر عليها شبح و يزول عنها نعم الشبح الظاهر عليها عرض عليها و ما كان بالجسم ظهوره فالعرض يلزمه فكما انه تظهر الاشباح علي مرآة تلك المادة و لولاها لمتظهر كذلك هذه المادة لاتظهر في هذه الدنيا الا باحد تلك الاشباح و لذلك لاتجد جسما لميظهر بشبح شخصي في الدنيا و يتوارد عليه الاشباح واحدا بعد واحد و هو يتقلب في تلك الصور كيفما يشاء الله و ذلك ان الجسم بنفسه ايضا شيء و له مادة طبيعية و صورة مقومة بهما يكون الجسم جسما علي اطلاقه و ابهامه ثم هذا الجسم المطلق لايوجد الا في صورة متممة هي احد افراد تلك الصورة المقومة فان الحمرة مثلا فرد من افراد الكيف المطلق الذي هو صورة مقومة للجسم المطلق و الطول فرد من افراد الكم المطلق و هكذا فالجسم لايوجد في الخارج الا بصورة متممة شخصية و الكلي لايوجد في الخارج الا بوجود الافراد بل لايتحقق الكلي في دهره ايضا الا بعد تحقق الفرد في زمانه فاذا وجد سيف هنا وجد الحديد في الدهر عليه و وجوده في الزمان بوجود السيف بل وجود السيف هو وجوده و وجود كل فرد وجوده لا علي نحو الخصوصية فافهم فانه مشكل.
واعلم ان الصورة اذا كانت متممة جنس اعلي تكون مع الانواع علي نحو العموم من وجه مثل الحمرة و الثوب فالحمرة اعم من الثوب و غيره لانها توجد في الثوب و في غير الثوب و الثوب اعم من الحمرة و غيرها فان الثوب يكون احمر و غير احمر و انما صار كذلك لان الحمرة من متممات الجسم الذي هو اعم من الثوب و غيره و الثوب و غيره من انواع الجسم فكما ان الجسم يسري في كل الانواع و كلها جسم كذلك تسري صورته في كلها فلاجل ذلك تكون اعم و تجري في الكل و لما كان كل نوع نوعيته اعلي من الشخصية الخارجية و
«* مکارم الابرار عربي جلد 2 صفحه 394 *»
ان كانت من متممات الجنس تكون الانواع ايضا اعم من تلك الشخصيات فلاجل ذلك صار بينهما عموم من وجه فلميكن الحمرة من ذاتيات الثوب و مما به الثوب ثوب بل هي من لوازم الجسم فلاتوجد في غير الجسم و توجد في غير الثوب فلاجل ذلك ليس صورة من صور الاجسام الجزئية من ذاتيات مادته الشخصية و من لوازمها و يمكن ان يوجد تلك الصورة في تلك الحصة من المادة الشخصية و توجد في غيرها و لاجل ذلك تطوف الصور علي حصص المواد و تتقلب المواد في الصور دائما و ليس صورة بلازمة مادة و لا مادة بلازمة صورة فالكلب المركب من صورة كلبية و مادة توجد صورته في غير تلك الحصة ايضا و يوجد تلك الحصة بغير تلك الصورة ايضا.
بقي هنا مطلب دقيق و هو ان المادة النوعية قد تشتبه بالمادة الشخصية لاجل المسامحات في التمثيلات فلربما يقال ان السرير مركب من الخشب و صورة سريرية و الخشب مادة نوعية لا شخصية فبذلك يفوت الانسان كثير من المطالب و يشتبه عليه و لو كانت الحصة من المادة الشخصية لا خصوصية لها بالصورة للزم الترجيح بلامرجح و ذلك غير صادر من الحكيم فلابد و انيكون لتلك الحصة الشخصية خصوصية بتلك الصورة الشخصية بحيث لاتقبل من الصانع الا تلك الصورة حسب فلو اخذ حصة معينة مثلا من الكبريت و حصة معينة من الزيبق بوزن معلوم و كيفية معلومة و حدود معلومة شخصية و ركبا علي نحو معلوم لاتقبل هذه المادة الشخصية المعينة الا صورة الزنجفرية الخاصة المشخصة المعلومة الاتري ان الشمس تشرق باشراق واحد و تنفعل باشراقها قطعة من الارض بصورة الياقوت و قطعة بصورة العقيق و هكذا فتلك الحصة الشخصية المعينة المحدودة لاتقبل صورة الا تلك الصورة المعينة المشخصة الاتري ان النجار اذا اخذ خشبا صلبا صافيا و نجره سريرا يقبل صورة لايقبلها الخشب البالي المتفتت المدود البتة و لو لاحظت بنظر العبرة فيما ذكرنا و ساير آيات الافاق لرأيت ان كل مادة شخصية خاصة لاتقبل الا صورة خاصة و بذلك القبول يرجح عند الصانع ان يصنعها كما صنعها و من اراد تصويرها بغير تلك الصورة لابد و ان يحول المادة عن خصوصيتها
«* مکارم الابرار عربي جلد 2 صفحه 395 *»
و يصورها بغير صورتها ثم يصورها بصورة شخصية اخري فلو لمتغير مادة الكلب الشخصية من ذرات لحمه و دمه و عظمه و ساير اجزائه لمتقبل صورة الملح ابدا فاذا غيرها الصانع و جعلها ملحا لابد و ان يغير المادة الشخصية اولا الي مادة تناسب الملح ثم يلبسها الصورة الملحية نعم الصورة النوعية و المادة النوعية لاتختصان بصورة كلب و بصورة ملح و هي تتقلب في صورتيهما و اما المادة الشخصية فلها خصوصية بالصورة الشخصية و لاتقبل غيرها كما ان المادة النوعية لاتقبل الا تلك الصورة النوعية فمادة الفرس النوعية لاتقبل الا صورة الفرس النوعية و مادة الحيوان الجنسية ايضا لاتقبل الا الصورة الحيوانية الجنسية و هكذا فبقول مطلق لكل مادة خصوصية للصورة العارضة عليه و لميرجح الخالق من غير مرجح و لميجبر مادة علي صورة ابدا قل لايعبأ بكم ربي لولا دعاؤكم فافهم هذه الدقيقة التي بها يزول كثير من الاشكالات فالشيء شيء بمادته و صورته الذاتيتين لابصورته وحدها كما اختاره ملاصدرا و اتباعه و لذلك قالوا بعود الصورة لا المادة و رد عليهم شيخنا الاوحد اعلي الله مقامه فما ذكره شيخنا الاجل الاوحد في بعض كلماته ان حقيقة الشيء هي الصورة او ذكرناه هنا او في بعض رسائلنا فالمراد به الصورة الظاهرة علي المادة العرضية فالمادة العرضية ليس جزء حقيقة الشيء الدهرية مثلا اذا صنعت من الطين كأسا ثم كسرته فجعلته كوزا فليس هذا الطين جزء حقيقة الكأس و الكوز فان الله سبحانه اذا اراد اعادة الكأس و الكوز يوم القيامة يحشرهما معا بمادتهما و صورتهما و احدهما سعيد مثلا بمادته و صورته و الاخر شقي فهذه المادة العرضية لو كانت جزء الحقيقة للزم التناقض فهذا الطين هو محل ظهور الكأس و الكوز لاجزء حقيقتهما و حقيقة الكأس الصورة الكأسية المفاضة علي الطين و قد تفاض علي الحجر و قد تفاض علي الزجاجة و قد تفاض علي الفضة فهذه المحال اعراض لاعبرة بها و ان كان لها مدخل في تغيير الصورة الكأسية كما تشاهد في اصناف الكأسات فالكأس هو اثر صانعه قائم به له مادة مفاضة منه و صورة خلق بها و هما الكأس نعم يظهر علي الطين كما ان شبحك له مادة و صورة مفاضتان من وجهك غنيتان به عن غيره و انما يظهر علي المرآة
«* مکارم الابرار عربي جلد 2 صفحه 396 *»
و لعله يتغير في بطنها ايضا نعم الكأس الدنياوي الخاص الشخصي الظاهر مركب من مادة و صورة و هما ركنا وجوده و الطين مثلا مادته و الصورة صورته و هما جزءا حقيقة الكأس الدنياوي العرضي فطينه حال تصوره بصورة الكأس مادة الكأس لا مادة الكوز و حال تصوره بصورة الكوز مادة الكوز لا مادة الكأس و اما في الدهر فيجيء الطين في الحالين معا و الطين في حالة هو مادة الكأس و هو في حالة اخري مادة الكوز فالمادة في الدهر الطين المقيد بتلك الحالة المصور بها ففي القيمة مادة الكأس غير مادة الكوز و اما اتحادهما في الجنس الاعلي فلاضير فان الكل حادث البتة و كذلك حال المعدن و النبات و الحيوان و الانسان فالانسان انسان بمادته و صورته و لاشك في ذلك و انما الكلام في المواد التي تتحول من زيد الي عمرو و من مؤمن الي كافر فليس شيء منها بذاتي الانسان بل مادة زيد الذاتية لها خصوصية بزيد لاتتحول الي عمرو ابدا فان للمواد خصوصية بما يصنع منها لاتصلح لغيره الاتري ان المداد يكتب منه و لايصنع منه السيف و الوتد و الحديد يصنع منه السيف و لايكتب به الحروف و ذلك جار في الجنس بجنسيته و في النوع بنوعيته و في الشخص بشخصيته و ما يري في بادي النظر ان مادة صالحة لاشخاص عديدة كحصة من المداد صالحة للالف و الباء و الجيم و غيرها فذلك لاشتباه المادة النوعية و الشخصية و الحصة التي تراها صالحة لجميع الحروف فانها في حال النوعية و ليست بمادة شخصية الا في ضمن الصورة فاذا كانت في ضمن الصورة و اعتبرت ذرات الحرف في اوضاعها تراها لاتصلح الا للحرف الخاص و ان ردتها الي النوع صلح لساير الحروف ما تري في خلق الرحمان من تفاوت فالشيء اللطيف و الكبير واحد في نوع الخلقة و ان اختلفا في الكبر و اللطافة و مادة السرير الشخصي الخاص الشخصية هي قطع القوائم و الالواح و المسامير و العضادات و المتكئات منها واقعة في اوضاعها و تلك القطع في اوضاعها لاتصلح الا لذلك السرير الخاص الشخصي و لو اعتبرت القطع في غير الاوضاع لاعتبرت فيها النوعية و لا كلام في صلوح النوعيات و عمومها فالمادةالشخصية لاتصلح الا لشخص كانت له و هي المرجحة لتصوير الصانع اياها علي ما صورها بالجملة
«* مکارم الابرار عربي جلد 2 صفحه 397 *»
المادة العرضية هي محل ظهور الحقيقة و الحقيقة بالنسبة اليها صورة عارضة عليها و تلك المادة تتحول الي حقايق عديدة بالصلوح النوعي الذي فيها و اما حين كونها مرآة لزيد مثلا لاينطبع فيها صورة عمرو مثلا لعدم المواجهة فالمادة الشخصية العرضية في الدنيا ايضا لها خصوصية بما انطبع فيها لاتصلح معها لغيرها البتة و هي مع تلك الخصوصية مادة زيد و مع اخري مادة عمرو و مع اخري مادة بكر و هكذا.
فصل_ اعلم ان كل اثر يقوم بمؤثره و يغني بمؤثره عن غيره في كونه هو هو و مؤثره يعطيه جميع ما هو به هو من مادته و صورته و تلازمهما فمادته اثر فعل ذلك المؤثر و صورته نهايات تلك المادة سواء كان هذا الاثر جنسا او نوعا او صنفا او شخصا له مادة صادرة من فعل المؤثر و صورة هي من مقومات تلك المادة و نهاياتها نعم قد يحتاج الاثر الي شيء خارج عن كينونة ذاته لفائدة خارجة عن كينونة ذاته كما تري ان صوتك اثرك قائم بفعلك دائر مداره وجودا و عدما ولكنه يحتاج الي محل يقوم به في الخارج من هواء يحمله و يوصله الي الاذان و كذلك الشبح يقوم بذي الشبح و ظهوره مادة و صورة و يدور مداره وجودا و عدما لكن يحتاج في ظهوره الي مرآة يظهر فيها و كذلك النور قائم بمنيره مادة و صورة ولكنه يحتاج الي كثيف في ظهوره و الضرب اثرك قائم بفعلك و لايظهر الا بمفعول به يظهر عليه فعمرو المضروب ليس بمادة للضرب و لا بصورة له و انما هو محل ظهور له و كذلك الامر عند التحقيق في الالف المكتوبة و الكأس المصنوع فان الكاتب هو زيد و قد كتب بفعله الالف فالالف اثره قائم به بمادته و صورته غني عما سوي فعل كاتبه كالضرب بعينه و انما وقع شبح كتابته القائمة به علي المداد فظهر به و المداد ليس بمادته و لا صورته كما ان عمرا المضروب ليس بمادة الضرب و لا صورته و انما المداد مفعول به لا المفعول المطلق و اثر الكاتب هو المفعول المطلق كما انك تقول ضربت زيدا ضربا غاية الامر بقي انفعال المداد بذلك الشبح بعد رفع اليد عنه كما بقي الوجع في بدن عمرو بعد قطع الضرب و بقي الحجر يتحلق بعد انفصال اليد عنه فالمداد ايضا جمد علي
«* مکارم الابرار عربي جلد 2 صفحه 398 *»
صورة الالف بعد رفع اليد و الطين جمد علي صورة الكأس بعد رفع يد الفاخور عنه و ليس ما علي المداد الان و علي الطين اثر يد الكاتب و الفاخور ولكنه هو انفعالهما و جمودهما علي انفعالهما و الاثر لايبقي بعد فناء فعل المؤثر فالذي يقال ان الشيء شيء بمادته و صورته فالمقصود منهما الذاتيتان و هما ركنا حقيقته ولابد فيها منهما و الاصل منهما المادة و الصورة قائمة بها قيام تحقق و هما ركنا المفعول المطلق و اما المفعول به فليس بمادة الاثر و لا ركن ذاته و ان احتاج في الظهور اليه فالمفعول يظهر علي المفعول به علي صفةالصورة ففي هذا اللحاظ حقيقة الشيء هي الصورة و المادة اي المحل ليست بركن الشيء و لا جزء حقيقته فان اعتبرت الشيء هذا المركب من المفعول و المفعول به قلت المادة هي المفعول به و الصورة هي المفعول و تمثل بالالف ان المداد هو المفعول به و المادة و الصورة الالفية هي الصورة و في هذا اللحاظ يستحيل الكلب ملحا و الشقي سعيدا و السعيد شقيا و الصنم ضريحا و الضريح صنما و ينقلب حكم المادة اي المحل بالانقلاب حكم الصورة و في عالم الاعراض يقع لفظ الشيء علي هذا المركب شرعا و عرفا و لغة ففي هذا العالم يكتسب المفعول من المفعول به صبغا و يتعين و يتشخص و يكتسب المفعول به من المفعول صبغا و يتعين و يتشخص هن لباس لكم و انتم لباس لهن و في هذا العالم يكون النسبة بين المفعولين عموما و خصوصا من وجه و لايلزم في هذين المفعولين ان يكونا اثر فاعل واحد و في هذا العالم يأتي المفعول الي المفعول به من الخارج لكون الفاعل و فعله خارجين من المفعول به و ان بقي علي المفعول به شيء بعد ذهاب الفاعل فهو لتكمل المفعول به بفعل الفاعل و محفوظية المفعول به بصنع صانعه و صفة حدوث الاثر من المؤثر و ظهوره علي مواد هذا العالم ان المؤثر من غلبة لطيفته و قوة سر الاحدية فيه يكون له فضل هو الذي يعبر عنه بالشبح المنفصل فذلك الشبح هو قائم بتمام ما هو به هو بمؤثره ذلك غني عما سواه و هو موجود به و ان لميكن في الدنيا موجود آخر فذلك الفضل ينتشر بقدر قوة ذلك المؤثر فاذا قارنه جسم هو من جنس ذلك المؤثر و في صقعه و لاجرم يكون فيه بالقوة ما كان في المؤثر بالفعل و ذلك شأن
«* مکارم الابرار عربي جلد 2 صفحه 399 *»
كل متصاقعين وقع ذلك الفضل علي الجسم المقارن الصالح للتصور بصورة المؤثر فاذا كان غالبا ازال ما ينافيه من صفة ذلك الجسم الصالح اولا فظهر علي ذلك الجسم صفته بالعرض فاذا زال المؤثر زال الصفة كما ينير السراج الجدار فيستنير فاذا زال السراج زال نور الجدار و كحركة يدك الظاهرة في المفتاح و القلم و ان ادام المؤثر الاشراق علي ذلك الجسم الصالح و كان قويا غالبا صوره بصورته فيستحيل المادة في بطنها الي ما يناسبها فاذا اخذت عن التراب صورة التراب و صورته بصورة الماء استحال مادة التراب و صارت مادة الماء و اذا صورتها بصورة النار استحالت الي مادة النار و كذلك اذا صورت الزيت بصورة النار و قريبا منه بايقاع شبح نار بالفعل عليه استحالت المادة الي مادة النار و الا ليس فيه نار بالفعل كامنة و كما تري في الزناد و الحجر فانه ليس نار في الزناد و لا في الحجر فاذا حك الزناد بالحجر و سحله اجزاءا صغارا جدا و وقعت تلك الاجزاء بينهما مع الحركة العنيفة التي هي من خواص النار و صورتها و حصلت تلك الصورة لتلك الاجزاء استحالت في الجملة مادتها الي مادة النار فصارت تلك الاجزاء نارا في الجملة علي ما تري و ذلك ان كل مثال يطرد ما ينافيه من الامثلة كما تري من ان الحر يطرد البرد و بالعكس و الحركة تطرد السكون و بالعكس و هكذا كل صفة تطرد ضده عما غلبت عليه و ان قلت كل صفة اثر مؤثر خاص به فكيف يقدر اثر مؤثر ان يطرد اثر مؤثر آخر قائم به اثره قلت ان المادة موردة الاثار من المؤثرين و ليست هي المؤثرة و المؤثرون ايدي الرب الواحد فاذا مد يدا الي شيء جذب اليد الاخري فلذلك يغلب اثر اثرا و لولا ذلك المد و الجذب لما غلب اثر اثرا ما بقي المؤثران قائمين فاذا مد يدا و قواها و غلبها و جذب يدا و ضعفها ضعف اثر اليد المجذوبة و غلب اثر اليد الغالبة فظهر اثر المؤثر الغالب علي المادة و صورها بصورته فاذا تصورت بصورة استحالت فيها الي ما يشاكلها فالصنم رجس بمادته و صورته و الضريح طيب بمادته و صورته فالذي علي المادة اثر المؤثر الخارجي و المادة مرآة ظهوره و تلك المادة موردة آثار المؤثرات العديدة دائما و ليست تظهر في عالم الزمان من غير صورة و هذا معني قول علي عليه السلام
«* مکارم الابرار عربي جلد 2 صفحه 400 *»
فالذي بالجسم ظهوره فالعرض يلزمه و اما الصورة التي لها في نفسها فصورة الجسمية التي لاتخلعها و هما معا قائمان بمؤثر الجسم و لما كان صورةالجسم صورة صالحة لان تتصور بصور آثار المؤثرين الواقعة عليها صارت موردة الاثار هذا و عرصة الزمان عرصة الشخصيات و صورة الجسم كلية لاتظهر في عرصة الشخصيات الا بصورة الشخصية و هي لاتحصل الا بمؤثر خارجي فاذا جاء المؤثر و القي الاثر و صور الجسم بصورته استحالت المادة في بطنها الي صفتها و جري عليها حكمها و هذا الحكم في المواليد و عند تعاكس الاثار و الانوار ظاهر و اما البسايط انفسها فموادها و صورها دهرية ليست بزمانية و لميكن واحد منها يوما بلاصورة الجزئية و علي الجسمية الصرفة و يكون قد احدث عليه صورة الجزئية بل وضعت حيث وضعت السموات و الارض هكذا و هي مخلوقة بنفسها و ان كان في الترتبات الدهرية الكرسي من فضل وجود العرش و الافلاك من فضل وجود الكرسي و العناصر من فضل وجود الافلاك و لايصل كل واحد الي الاخر ما دام هو هو.
*« في ان للمطلق العالي تأثيرين تأثير من غير حجاب و تأثير من وراء حجاب »*
فصل _ اعلم ان للمطلق العالي تأثيرين و ذلك ان العالي باحديته ليست محدودة بحد و لامتناهية بنهايات آثاره فهو بفضل احديته اوجد في امكنة الاثار الوجودية من نفس الاثار و تلك الاثار هي تمثلاته الموجودة في امكنة وجودها بلاكيف و لااشارة و لا علة و لايسأل عما يفعل و هم يسألون ثم بعد ما عمر الديار بهذا التجلي علي اختلاف مراتبه التي هي من انبساط الاحدية و كان فيها لطيف و كثيف و قوي و ضعيف و شاف و حاجب و حكت اللطائف القوية الشافة من سر الاحدية ما لميحك الكثائف الضعيفة الحاجبة و حصل فيها علي حسبها انبساط الاحدية حصل لها تمثلات و فضول هي آثارها و اشباحها فوقعت علي الكثائف الضعيفة الحاجبة من خارج وجودها و ظهرت عليها علي نحو الوصفية لانها برانية بخلاف التجلي الاول فانه جواني فحصل من الجواني ذواتها و من البراني اوصافها فهيهنا جاء العلل و صح السؤال و بدا العلة الغائية و الفاعلية و
«* مکارم الابرار عربي جلد 2 صفحه 401 *»
المادية و الصورية و كلا التأثيران من ذلك الاحد العالي الا ان التأثير الاول من غير حجاب لقوة الذوات و التأثير الثاني من وراء حجاب لضعف الصفات و عدم طاقتها للصدور من الواحد الاحد بغير حجاب و هذا التأثير الثاني يكون بفاعل و قابل برانيين ممتازين فلايظهر الا بفاعل مؤثر و بتمكين ممكن و بقبول قابل و كل واحد من الثلثة يد للاحد العالي و لاجل ذلك عبرنا عنه بالتكميل و خصصنا الاول بالتأثير لاجل الامتياز و لايخفي عليك ان الفاعل و القابل هنا بالنسبة الي الاحد العالي في رتبة واحدة و كلما في الفاعل يكون في القابل و كلما في القابل يكون في الفاعل علي حذو ما يقال في الفلسفة ماء من طبيعتين و ارض من جسدين فالطبيعتان طبيعة الماء اللطيف و طبيعة الارض اللطيفة و الجسدان جسد الارض الكثيفة و جسد الماء الكثيف فلو لميكن في الماء جسدانية و في الارض مائية لم يأتلفا البتة فاذا وقع الماء علي الجسد تعلق الماء اللطيف بما فيه من الارض اللطيفة لمشاكلة اللطافة و تعلقت الارض اللطيفة بالماء الكثيفة لمناسبة المائية و تعلقت المائية الكثيفة بالارض الكثيفة لمشاكلة الكثافة فأتلفا و توحدا و كذلك تقدير العزيز الحكيم و ذلك قول الصادق7 العبودية و هي الارض جوهرة كنهها الربوبية فما خفي في الربوبية من الطبيعة اصيب في العبودية التي هي الارض و ما فقد من العبودية لاجل غلظة الجسدية وجد في الربوبية التي هي الماء فلاجل ذلك نقول ان المتكمل من جنس المكمل و كلما كان في المكمل لطيفا كان في المتكمل كثيفا و كلما كان في المتكمل كثيفا كان في المكمل لطيفا فلاجل ذلك يمكن تعلق المكمل بالمتكمل فكلما كان في النار موجودا كان في الزيت موجودا و كلما كان في الزيت موجودا كان في النار موجودا الا ان النار لطيفة شافة قوية في الحرارة و البرودة فيها ضعيفة بها تحددت نارها و احتجبت حتي تناهت الي نهاية معلومة و تحدد انبساط احديتها المحكية و الا لكانت غير متناهية فلما وقعت لك الحرارة المحجوبة المحدودة بالبرد الضعيف علي الزيت تعلقت بالزيت بالبرد الضعيف فيها المشاكل للبرد القوي فيه فسري حرها في
«* مکارم الابرار عربي جلد 2 صفحه 402 *»
الزيت و تعلق بحره الضعيف فيه و قواه لان حرهما معا من تجلي العالي في التأثير الجواني و هما فعل واحد و تجل واحد و تجلي واحد فقوي نار الزيت بادامة النار البرانية و قوتها حتي خرجت من القوة الي الفعلية و معني هذه القوة و الفعلية علي خلاف ما يقال في التجلي الاول فان المراد من القوة هنا ضعف الشيء الموجود و خفاؤه لا عدمه و المراد بالفعل هنا قوة الموجود و ظهوره في عرصة الشهود فلاتغفل من هذه الاشارة فتضل فاذا ظهر علي الزيت ما كان كامنا فيه من النارية ضعف ما فيه من المائية بالاستحالة و تبدد اهبيته المائية كالنار و ذلك ان اهبية النار اشد سيلانا من اهبية الماء و اكثر تبددا فاذا سالت و تبددت كاهبية النار استحالت الي النارية و حكت من العالي ما تحكي النار فاستحالت نارا فاشتعل الزيت نارا فاذا كملت الاستحالة بقيت هذه النار الحادثة بعد النار الاولي فكانت نارا خليفة للاولي و ذهبت النار الاولي و ذهب تأثيرها و شعاعها معها لايحتاج اليها في بقاء هذه النار الثانية و تقوم هذه ايضا بالعالي كما تقوم النار الاولي بالعالي بلاتفاوت و تحكي العالي كماكانت تحكي هي اياه و ان نقصت الاستكمال و الاستحالة و لميتغير القابل و كان يلقي عليه شبح الفاعل فاذا ذهب الفاعل ذهب بنوره و شعاعه و لما يستكمل القابل و لميصر حاكيا للعالي كالفاعل فيكون هذا الشبح مادام الفاعل قائما علي القابل علي نحو الصفة فاذا ذهب الفاعل ذهب نوره معه و بقي القابل بلاوصف يتلبس به فيتعري من لباس ذلك الوصف كالجدار المستنير بنور السراج المضطلم اذا ذهب السراج و ذهب بنوره و كذلك الشبح الواقع علي المرآة فانه يزول بذهاب الشاخص و اما اذا كمل الزجاجة تكميلا يبقي عليه مثال الشبح كما يبقي علي زجاجة العكاسين الملتطخة بالفضة المحلولة المستحدثة في هذه الاوقات و ان ذهب ذو الشبح و فني فافهم هذه الحكم الدقيقة الخفية.
فصل _ اعلم ان موجودات هذا العالم الظاهر كلها مركبات من بسائطه الا ان بعضها اقل تركيبا و اقرب الي البسائط و اشبه بها كالافلاك و بعضها اكثر تركيبا و ابعد عن البسائط و اقل شبها بها كالعناصر فهي في الحقيقة مركبة من العناصر
«* مکارم الابرار عربي جلد 2 صفحه 403 *»
البسيطة و لاجل ذلك يمكن ان يستحيل التراب الي الماء و الماء الي الهواء و الهواء الي النار و النار الي الفلكية فان كل واحد منها مركب من الطبايع البسيطة الاضافية فما دام البرد و اليبس غالبا علي المركب يكون ترابا فاذا قللت اليبوسة و كثرت الرطوبة عليه صار ماءا و اذا غلب الحرارة علي الماء صار هواءا و اذا غلب اليبوسة علي الهواء صار نارا و اذا غلبت اللطافة و الروحانية عليها صارت فلكية ثم استوي الي السماء و هي دخان فهذه الصور التي عليها يمكن نزعها عنها و لبس صورة اخري عليها كما تري من استحالة الماء الي الهواء و بالعكس و ذلك ان صورها من فعل المؤثر البراني فما دامت المواد الطبيعية مواجهة لفعل الفاعل قابلة له تكون علي صورة فعل الفاعل فاذا واجهت فاعلا بتمكين ممكن آخر تصورت بفعل فاعل آخر كمرآة تواجه زيدا ثم تواجه عمرا فاذا كانت مواجهة لزيد ظهر عليها شبح زيد فاذا عدلت عنه كان شبح زيد قائما به مستغنيا في وجوده عن غير زيد ضرورة ان موجد الشبح زيد لا المرآة فشبح زيد قائم في مكان وجوده الذاتي بزيد مادام زيد باقيا من غير حاجة الي المرآة ثم اذا واجهت عمرا ظهر عليها شبح عمرو فما دامت مواجهة لعمرو يكون شبحه ظاهرا عليها فاذا عدلت عنه نزع عنها الشبح قائما بعمرو مستغنيا عن المرآة و كذلك حال مركبات هذا العالم باسرها فهي تتقلب في الصور كما ذكرنا ثم ان الله سبحانه قد ركب من هذه العناصر و الافلاك المركبة مركبات اخر فصارت المركبات الاولي بسائط اضافية بالنسبة الي المركبات الثانية فركب منها الجمادات و المعادن و النباتات و ذلك غاية التركيب من العناصر و الطبايع العرضية الدنياوية الا ان هذه المركبات الثانية فمنها غليظة حاجبة لما وراء الطبايع من الارواح و منها لطيفة تحكي ماوراءها من الارواح كالافلاك فظهر عليها آثار الارواح و هي جميعها بانفسها مركبات طبيعية و آية ذلك في بدنك الذي هو خلاصة هذا العالم فان افلاكه التي هي مراتب الروح البخاري اصلها من الدم و هو مادتها كما قيل للصادق7 في حديث اخبرني عن الروح أغير الدم قال نعم الروح علي ما وصفت لك مادته من الدم الخبر. و هذا هو
«* مکارم الابرار عربي جلد 2 صفحه 404 *»
الروح البخاري الصاعد الناشيء من الدم و هو فلك بدنك علي طبق العالم الكبير و الروح البخاري قبضة من الفلك احدثت في البدن بالجملة جميع ما في هذا العالم لايتجاوز النباتية الا ان بعض النباتات لطيف كاشف عما وراء هذا العالم من الحيوة الحيوانية كالافلاك الكاشفة عنها فيسمي المركب بالحيوان و انما هو حيوان علي مقتضي هذا العالم و في الحقيقة هو بدن حيوان و لاجل ذلك اذا فارقه الحيوة الغيبية خر ميتا و هو هو و يعود الي العناصر كما كان اول مرة بالجملة لهذه المركبات ايضا صور قد ظهرت عليها من مؤثرها كما يظهر مثال زيد علي المرآة اذا واجهته فاذا عدلت نزع المثال عنها فكذلك كل واحد من هذه المركبات تكون علي صورها مادامت مواجهة لمؤثر تلك الصورة فاذا عدلت عنه قامت تلك الصورة بفعل مؤثرها مستغنية عن غيره في وجودها و هي باقية في محل وجودها مادام مؤثرها باقيا و هذه المثل مثل هذا المركب الجمادي او المعدني او النباتي لا غير.
و اما الحيوان الحقيقي فهو روح الحيوة التي في غيب هذا العالم و قد ظهرت علي الافلاك لرقتها و علي الروح البخاري الناشيء في القلب لمساواته الفلك و لذا قال علي عليه السلام في النفس الحيوانية قوة فلكية و حرارة غريزية اصلها الافلاك الخبر. و هذه الحيوة هي صورة ظهرت علي الجسم الفلكي بعد اعتدال الطبايع فيه و هي صورة الحس و الحركة و الارادة و هذه الصورة قائمة بمؤثرها و انما الجسم الفلكي لها بمنزلة المرآة لمثال وجهك و هذا الجسم هو المادة العرضية للحيوان كما شرحنا و تلك الصورة لها مادة صادرة عن فعل مؤثرها و صورة هي الحس و الحركة و الارادة من حيث هي و هي تظهر علي تلك المادة العرضية مادامت مواجهة لفعل فاعلها فاذا عدلت ماتت و نزع عنها تلك الحيوة و قامت بمؤثرها و تلك الصورة باقية في مكان وجودها مستغنية بمؤثرها عن غيره فاذا نزعت عن تلك المادة العرضية صارت غيبا محجوبا عن تلك المادة كما ان مثال وجهك يغيب عن المرآة اذا عدلت عن مواجهته فتلك المادة ليس لها حيوة من نفسها كما ان المرآة ليس لها مثال من نفسها فافهم
«* مکارم الابرار عربي جلد 2 صفحه 405 *»
و اما الانسان اي النفس الناطقة القدسية فهي ايضا صورة تعرض للحيوان المعتدل علي ان للحيوان ايضا مراتب فمنها ما هو لطيف صاف شاف عما وراءها من الناطقة و منها ما هو كثيف حاجب فما كان منها لطيفا صافيا شافا يصير مادة عرضية للنفس الناطقة و مرآة لظهورها و هي ايضا صورة قائمة بمؤثرها لها في حدها مادة و صورة ذاتية و هي من العالم العلوي الذي قال علي عليه السلام في وصفه صور عالية عن المواد اي عن المواد الطبيعية و الحيوانية خالية عن القوة و الاستعداد اللذين لهما و الا فهي في نفسها لاتخلو عن المادة النورية فمادتها نور قائم بمؤثره و منيره و صورتها العلم و الحلم و الذكر و الفكر و النباهة و النزاهة و الحكمة و هما معا ظهرتا علي الحيوان اللطيف كما يظهر المثال في المرآة ما دامت مواجهة له فاذا عدل الحيوان اللطيف عن مواجهتها غابت عنه و قامت بمؤثرها مستغنية به عن غيره فتكون في غيب الحيوان كما كانت قبل ظهورها عليه كما انك مثالك في غيب الاجسام و انما يظهر في المرآة اذا واجهته فاذا عدلت عنه عدل الي الغيب كما كان اول مرة فلايري بالجملة النفس الناطقة صورة تعرض علي الحيوان اللطيف و الحيوانية صورة تعرض علي النبات اللطيف و النباتية صورة تعرض علي المعدن المعتدل اللطيف و المعدنية صورة تعرض علي الجماد المعتدل اللطيف و الجمادية صورة تعرض علي العناصر المركبة الملتئمة و العنصرية الظاهرة صورة تعرض علي الطبايع البسيطة الاضافية و الطبايع البسيطة الاضافية صور تعرض علي الطبايع الجوهرية و هكذا كل موجود مسمي باسم صورة تعرض علي مادة الي ان ينتهي الامر الي مادة المواد التي يتحد مادتها بصورتها و صورتها بمادتها في الجملة لانهما بسيطتان في الجملة و هما قد صدرتا عن المشية و قامتا بها و المشية ايضا صورة متحدة بمادتها اذ ليس شيء في الامكان ابسط منها و لذا قلنا ان الوجود الذاتي ليس الا الله الحق جل و علا و جميع ما سواه وجود وصفي لا علي ان الموصوف به هو الله عزوجل بل الصفة و الموصوف مقترنان و الموصوف ايضا صفة قائمة بلاكيف و لا اشارة و ليست بعارضة علي الذات القديمة كذب
«* مکارم الابرار عربي جلد 2 صفحه 406 *»
العادلون الجاهلون بالله و ضلوا ضلالا بعيدا و خسروا خسرانا مبينا فافهم هذه التحقيقات العجيبة الانيقة.
فصل_ اعلم انه لابد من المناسبة بين المثال و المرآة التي ينطبع فيها فمثال الاجسام ينطبع في المرآة الجسمانية بل مثال الجسم اللطيف في الجسم اللطيف و مثال الجسم الكثيف في الجسم الكثيف كما تري من ان العقل لاينطبع في المرآة الجسمانية و مثال النار مثلا لاينطبع في المرآة الحجرية و هكذا و مثال الروح ينطبع في المرآة الروحانية و مثال العقل ينطبع في المرآة العقلانية و هكذا و اذا انطبع المثال في المرآة ظهر عليها و صبغها و انصبغ منها لاجل المناسبة و كونهما راجعين الي مؤثر واحد فكما انه يفعل في المرآة ينفعل منها و تفعل فيه بفضل مالها من صبغ او اعوجاج او كثافة فلاجل ذلك لايري مثال زيد الا اذا تكثف بكثافة المرآة و اذا كان لها صبغ و اعوجاج غيرته علي حسبها فاذا انطبع مثال اصفر في مرآة زرقاء ظهر عليها مثال خضراء و اذا انطبع مثال مستدير في جوف مرآة انبوبية او ميزابية ظهر مستطيلا و هكذا فالامثلة الواقعة من الشواخص صدورا علي حسب الشواخص و ظهورا علي حسب المرايا و تخص بالمرايا بعد الانصباغ فاذا عدلت المرايا عن مواجهتها بقي المثال علي حسبه صدورا لا ظهورا و لايصحبه صبغ المرآة و اعوجاجه البتة في الان الثاني بعد العدول و اما المثال المصبوغ المنزوع في الان الاول فهو ابدا ثابت في مكانه علي صبغه و اعوجاجه يقوم نفس المثال بمؤثرها و نفس مثال المرآة ايضا بمؤثرها مقرونة بمثال الشاخص محددة له فالمثال المخصص ابدا علي خصوصيته في مكان وجوده قائم بمؤثره الذي فعل المثال بيد و الخصوصية باخري لايزول ما لم يزل المؤثر و لايزال المؤثر من ملك الله ابدا ابدا فزيد له مثال جسداني من كيف و كم و جهة و رتبة و وقت و مكان و وضع و امثال ذلك و هذا المثال قائم بمشية مؤثره قد ظهر علي مادة جسد زيد و هي مادة عرضية لجسد زيد لا ذاتية فلو نزع عنه الصورة و صور بصورة جماد او معدن او نبات او حيوان او انسان كان كما صور فالمثال الذي الان عليه قائم بمؤثره و
«* مکارم الابرار عربي جلد 2 صفحه 407 *»
اذا عدل جسد زيد عن فعل المؤثر بالكلية او عن قليل زال ذلك المثال عنه و قام بمؤثره و له خصوصية اكتسبها من تلك المادة العرضية و ذلك ان تلك المادة ايضا لها مثال يخلعها في الان الثاني فيقوم بمؤثره مقرونا بالمثال الاول و مثلهما كفضة خلطتها بذهب فان افاد الذهب الفضة صفرة ما فقد افادت الفضة الذهب بياضا ما فكل واحد منهما فاعل و منفعل و كذلك المثالان فالمثالان يقومان بمؤثرهما و يواجه المادة الجسمانية غيرهما و ذانك المثالان محفوظان في مكان وجودهما مكتوبان في لوح شهودهما و كتاب حفيظ ابدا ابدا ليس لهما شعور و لاتألم و لاتلذذ لانهما ليسا مثالي شاعر بنفسه و اما مثال حيوانيته اي مثال حسه و حركته و ارادته فهو ايضا ينزع عن المادة الطبيعية التي هي الروح البخاري الطبيعي النباتي حين ما تعدل عن مؤثر الحس و الحركة و الارادة و يقوم بمؤثره ولكن قد انصبغ في بطن البخار و تهيأ بهيأته و تشخص بشخصيته و تخصص بخصوصيته و قد ذكرنا انه يبقي له تلك الخصوصية مادام في ملك الله لايضل ربي و لاينسي فالذي يقال انه يعدم و يفني انما يراد منه انه يفني في الان الثاني لا الان الاول مثال ذلك انه اذا كان جدار قائم و انهدم بعد ذلك عدم الجدار في الان الثاني ولكنه قائم في آن وجوده ابدا و كلما تتوجه اليه تجده فانما عدم عن الزمان لا عن الدهر فافهم ذلك الحيوانية محفوظة في مكان وجودها و حدود شهودها ابدا قائمة بمؤثرها و ان لمتكن ظاهرة علي البخار في الان الثاني و ذلك انه يمر علي البخار الزمان و الانات لانه زماني.
و اما مثال انسانيته الذي كان واقعا علي الحيوانية و هو مثال علم و حلم و ذكر و فكر و نباهة و نزاهة و حكمة او عكوس ذلك فاذا عدلت عن المواجهة نزع و قام بمؤثره و له صبغ من الحيوانية و من الطبيعة و من اعماله و افعاله و اقواله حتي لحظات عينه فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره و من يعمل مثقال ذرة شرا يره و بذلك الصبغ يكون زيد زيدا و الا فلاخصوصية له بزيد و الزيدية من جانب القابل و لاتأتي من جانب الفاعل فيبقي ذلك المثال في مكان وجوده و ميقات حدوده شاعرا ناطقا عالما بما له و ما عليه مخصوصا بزيد مثلا فجميع اعماله مثبت علي
«* مکارم الابرار عربي جلد 2 صفحه 408 *»
كفن صورته بأملائه بالجملة كل مثال من زيد شاعر ناطق عالم يدرك ما هو عليه و ما يقابله و ما علمه و عمله كزيد في ذلك الان و ليست مثله هذه المثل الملقاة من جسده فانه جسد عرضي نباتي غير شاعر اللهم الا بقدر فضل الحيوة الذي فيه فيلقي مثاله شاعرا بشعور ظلي عكسي علي حسب ما يشاهد من آثار الحيوة من الجسد.
واعلم ان مثال جسد زيد مثلا ليس ما يشاهد من لون جسده و هيأته فحسب بل ما يشاهد بالعين و يدرك بالاذن و الشم و الذوق و اللمس فانها كلها ما يميزه عن غيره و يقع شبحه من ذلك الحيث في حاستك فتميزه به عن غيره فمن مثل جسد زيد ما ظهر عليه من فضل الحيوة و الانسانية بالجملة هذه المثل تكون علي كل مرتبة من مراتب زيد ما هو متوجه الي مؤثر المثال فاذا انحرف عن مقابلته يزول عنه المثال و يتمثل بمثال آخر و هكذا يتقلب في الصور دائما واعلم ان مؤثر الصور احدي بالنسبة و ليس فيه تكثر و اختلاف فلايجييء الزيدية و العمروية من قبل المؤثر و كذا خصوص الحيوانية و غيرها و انما الخصوصيات و المشخصات كلها من قبل المرايا و القوابل و ذلك كشبح الشمس يأتي علي حسب الشمس الي المرايا فيحمر و يصفر و يخضر و يتثلث و يتربع و يتشكل باشكال مختلفة في المرايا فالزيدية و العمروية من قبل القوابل او اعمالها و اقوالها و احوالها و صفاتها و يمتاز كل احد عن غيره بعلمه و عمله و صفته و حاله و زيد في جميع مثله علي حسب شعوره و علمه و عمله في ذلك الان و كذلك لما كان لزيد ذات و عقل و روح و نفس و طبع و مادة و مثال و جسد فله في كل مرتبة مثال يناسب تلك الرتبة و يميز به فيها عن غيره.
فصل – اعلم ان مؤثر مثل جسد زيد الفلك فانه يقع منه شعلات و مثل مطلقة علي العناصر فتحركها و تلطفها و تمزج بعضها ببعض و تحلها و تعقدها و ترفعها و تضعها و تغيرها من حال الي حال الي ان تتصور بصورة علي حسب قابليتها و اختلاف اجزائها في الكم و الكيف و ربما يقع شعلاته علي العناصر و تقع في هوياتها مثاله فيظهر عنها افعاله في اجزاء المركب فتظهر عليها صورة خاصة علي
«* مکارم الابرار عربي جلد 2 صفحه 409 *»
صفة خاصة فما دام الفلك علي الوضع الاول كانت الصورة علي الصفة الاولي فاذا تغيرت تغيرت فهي تتقلب في الصور علي حسب ما تقلبها الاوضاع الفلكية و اوضاع النجوم و هو معني قول الصادق عليه السلام ان الله تبارك و تعالي خلق روح القدس و لميخلق شيئا اقرب اليه منها و ليست باكرم خلقه عليه فاذا اراد امرا القاه اليها فالقاه الي النجوم فجرت به انتهي. و روح القدس هي الروح المتعلقة بالعرش فيصل الامر اولا اليها ثم يقع منها الي النجوم التي في الكرسي و ساير الافلاك ثم يقع منها علي الارض و لكن الذي يلقي الي الروح كلي واحدي معنوي فاذا القي منها الي النجوم تفصل تفاصيل مطلقة غير مقيدة بشخص دون شخص بل بنوع دون نوع و جنس دون جنس فوقع منها مطلقات علي الارض فتشخصت في بطون القوابل فصارت احمر و اصفر و طويلا و قصيرا و خفيفا و ثقيلا و كثيفا و لطيفا و هكذا و في الارض يحصل صورة زيد و عمرو و هكذا فاذا اختلفت المتولدات و تغير الاستعداد و عدلت عن المواجهة الي الفاعل نزعت الصورة في الان الثاني عن المركب ولكنها في الان الاول قائمة بمؤثرها الفلكي ظاهرة علي المركب كقيام المثال بالشاخص و ظهوره علي المرآة فذلك المثال علي تشخصه الذي اكتسبه من المركب لايفني و لايزول ثابت في الدهر ابدا ابدا لايضل ربي و لاينسي و ذلك ان المثل دهرية لايمر عليها اوقات الزمان و هي فعليات ثابتة من حدودها الزمان و لايمر علي الزمان زمان فهي دهرية الا انها تظهر علي المركب في كل حال يواجه اليها المركب و تزول عنه اذا انحرف عنها و هي ثابتة في مكان وجودها قائمة بفاعلها و انما تكتسب من المركب الشخصية و تبقي لها فان للمركب ايضا مثالا ذاتيا قائما بفاعله و الفاعل واحد و الكل في قبضته و لذا يؤثر هذا في هذا و هذا في هذا مثال ذلك انك اذا ادخلت الخل في العسل يحمض الخل العسل و يحلي العسل الخل لان كليهما جسم و الحموضة و الحلاوة كلاهما من مثل الجسم المطلق و هو الظاهر بهما جميعا فيؤثر الجسم بهذا في هذا و بهذا في هذا و لا ضير و لو كان لكل واحد مؤثر غير مؤثر الاخر لما كان يؤثر احد المؤثرين في اثر المؤثر الاخر
«* مکارم الابرار عربي جلد 2 صفحه 410 *»
ابدا و اما اذا انتهي المؤثران الي مؤثر واحد و كانا يديه يمكن ان يؤثر ذلك المؤثر الواحد بهذا المؤثر في اثر ذلك المؤثر و بهذا المؤثر في اثر ذلك المؤثر و لاجل ذلك يفعل الله ما يشاء بما يشاء كيف يشاء و يحكم ما يريد بما يريد كيفما يريد فافهم بالجملة اذا نزع المثال عن جسد زيد يبقي في مكانه من الدهر علي صورة زيد و لاجل ذلك متي ما توجهت الي صورة جسد زيد في المسجد يوم الجمعة حال الصلوة جالسا مستقبل القبلة تراه عليها ابدا لاتمحي عن مكانه من الدهر ولكن هذه الصورة الجسدية ليس لها شعور و علم و حس و ارادة فانها صورة الجسد الجمادي المعدني النباتي و اما مثال الروح الحيواني فهو مثال قائم بمؤثره و مؤثره حيوة الفلك و المراد بحيوة الفلك الصورة الاعتدالية التي عليها التي من اقتضائها الحس و الحركة و الارادة فهي من جوزهر القمر حيوة لها حس مطلق و حركة مطلقة و ارادة مطلقة و من فلك عطارد يختص حسها بفكر مطلق و من فلك الزهرة يختص بخيال مطلق و من فلك الشمس بمادة الحس المطلقة و من فلك المريخ بوهم مطلق و من فلك المشتري بعالمة مطلقة و من فلك زحل بعاقلة مطلقة و من فلك الكرسي بعلم مجرد بالنسبة و من العرش بعقل مجرد كلي بالنسبة فهذه الحيوة المطلقة علي ما وصفت تقع علي الجسد المركب و تظهر علي الروح البخاري الناشيء من القلب الصاعد الي الدماغ فيظهر في القلب الصنوبري ما كان من جوزهر القمر و في الروح البخاري في اول مراتب الدماغ ما كان من فلك عطارد و فيما يليه ما كان من فلك الزهرة و فيما يليه ما كان من فلك المريخ و فيما يليه ما كان من فلك المشتري و فيما يليه ما كان من فلك زحل و في الكل ما كان من فلك الشمس و في الصدر ما كان من الكرسي و في القلب اللبي ما كان من العرش و يختلف هذه المراتب في الحيوانات علي حسب اختلافها في اللطافة و الكثافة فيكون بعضها بالفعل في بعضها و بعضها بالقوة في بعضها و كلها بالفعل في بعضها حتي انها في الانسان المعروف تختلف علي حسب اختلافها في الاستعداد و القابلية فلا كل من هو علي صورة الانسان واجد الكل ولكن جميع
«* مکارم الابرار عربي جلد 2 صفحه 411 *»
افراد الحيوان واجد ما من جوزهر القمر فانها كلها حية و كلما يقرب هيئات الافراد من الانسان و تكون الطف يصير فيها هذه الحواس اقرب الي الفعلية الي الانسان الكامل فيكون ذا قلب و فيه جميع هذه الحواس و المشاعر بالفعل بالجملة مؤثر الحيوة صورة الفلك الاعتدالية التي مقتضاها الحس و الحركة و الارادة المطلقة كما حققناه في بعض كتبنا و هذه الصورة كساير الصور اصلها دهري و انما تظهر علي الفلك لما اعتدل تركيبه و واجهها فظهرت عليها و اذا نزعت عنها رجعت الي غيبها و دهرها فهي غيب الافلاك كما ان مثال زيد من غيب الاجسام و انما تظهر علي الجسم الصقيل كالمرآة و الزيبق و الماء مثلا كذلك صورة الحيوة مثال غيبي من عالم المثال دهري و انما تظهر علي الافلاك و علي الروح البخاري لكنه في الفلك مطلقة و تظهر علي الروح البخاري علي حسب استعداده و لونه و شكله و طبعه و استعداده فتتشخص و تتميز و تكون فرسا و حمارا و انسانا زيدا و عمرا و تكتسب تلك الحيوة المطلقة من طبع الروح البخاري خواصا و يؤثر فيها اعمالها و افعالها و خواصها و طبايعها فتصير اسدا في بخار و بهيمة في بخار و انسانا في بخار و زيدا في بخار و عمرا في بخار و هكذا فاذا عدل البخار و انحرف عن الاعتدال و المواجهة نزعت صورة الحيوة المخصوصة عنه و بقيت بخصوصها في محل وجودها ولكن الذي يأتي من الفلك في الان الثاني لايظهر عليه فيقال عاد الحيوة الي اصله و عدم و اما الذي كان في الان الاول فهو محفوظ في الان الاول لايضل ربي و لاينسي و تلك المثل الحيوانية المنزوعة في كل آن كلها حية حساسة لما حست في آنها مريدة لما ارادت في آنها عاملة لما عملت ثابتة علي صفتها في مكان وجودها مخصوصة بخصوصياتها المكتسبة تظهر يوم القيامة في اسفل مراتبها و اما مثل الانسان و هي النفس الناطقة فهي مؤثرها الانبياء و الاولياء اذا كانت عليينية و اعداؤهم ان كانت سجينية فانها ليست من هذا العالم و لا من غيبها و انما هي مثل علم و حلم و ذكر و فكر و نباهة و نزاهة و حكمة القيت من الانبياء و الاولياء او اضدادها القيت من الاعداء فوقعت تلك المثل علي الروح الحيوانية المستعدة القابلة علي حسب اختلافها في الاشخاص
«* مکارم الابرار عربي جلد 2 صفحه 412 *»
فهي من حيث صدورها منهم مطلقة ليس لها خصوصية بزيد او عمرو او بكر فلما وقعت علي الروح الحيوانية فتأدبت بآدابها و تأثرت بآثارها ظهرت عليها و اكتسبت منها الشخصية الدهرية الحية الحساسة الدراكة المريدة فصارت زيدا و عمرا و بكرا و كلما يعمل الانسان من عمل او يتصف بصفة يؤثر ذلك العمل و تلك الصفة في النفس الحيوانية و تؤثر النفس الحيوانية في الانسانية كما يؤثر المرآة في المثال فتختص بزيد و عمرو و بكر و ذلك قوله تعالي و كل انسان الزمناه طائره في عنقه و نخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا و قوله: سيجزيهم وصفهم و قوله: و ما تجزون الا ما كنتم تعملون و قوله: ليس للانسان الا ما سعي و ان سعيه سوف يري و قال: يوم تشهد عليهم السنتهم و ايديهم و ارجلهم بما كانوا يعملون و قال: حتي اذا ما جاؤها شهد عليهم سمعهم و ابصارهم و جلودهم بما كانوا يعملون و قالوا لجلودهم لم شهدتم علينا قالوا انطقنا الله الذي انطق كل شيء و هو خلقكم اول مرة و اليه ترجعون و ما كنتم تستترون ان يشهد عليكم سمعكم ولا ابصاركم و لاجلودكم و لكن ظننتم ان الله لايعلم كثيرا مما تعملون و ذلكم ظنكم الذي ظننتم بربكم ارديكم فاصبحتم من الخاسرين و قوله انطق كل شيء يدل علي ان كل شيء ينطق يوم القيامة بما اتصف به و اكتسبه و لايختص بالانسان و قال: و قالوا ما لهذا الكتاب لايغادر صغيرة و لاكبيرة الا احصاها و وجدوا ما عملوا حاضرا و قال من يعمل مثقال ذرة خيرا يره و من يعمل مثقال ذرة شرا يره بالجملة يأتي زيد و هو مخصوص بجميع اعماله و صفاته و اقواله فما عمله بعقله في عقله و ما عمله بنفسه في نفسه و ما عمله بعاقلته في عاقلته و ما عمله بعالمته في عالمته و ما عمله بواهمته في واهمته و ما عمله بخياله في خياله و ما عمله بفكره في فكره و ما عمله بحيوته في حيوته و ما عمله بعينه او اذنه او شمه او ذوقه او لمسه او رأسه او يده او رجله في محله لايفقد من اعماله و صفاته شيئا كما روي انما هي اعمالكم ترد اليكم و ما كان عليه في ذاته وجده في ذاته و جميع
«* مکارم الابرار عربي جلد 2 صفحه 413 *»
مثله حساس مدرك مريد عاقل ناطق بما صدر منه في ذلك المثال و هو باق علي حاله ابدا ابدا اما متلذذ منه ابدا او متألم منه ابدا فانه دهري لايزول و لايحول و هو مخلد خالد في لذته او المه فافهم ما ذكرته لك فانك لاتجده مشروحا كما ذكرت لك و بينت في كتاب و لاتسمعه من خطاب و قل الحمدلله الذي هدانا لهذا و ما كنا لنهتدي لولا ان هدانا الله و صلي الله علي محمد و آله الطاهرين الذين بهم انعم الله علينا بما انعم.
فصل_ اعلم ان المثال مثالان مثال متصل بالشيء به يسمي الشيء بذلك الشيء و هو نهايات وجوده و حدوده و مثال منفصل عنه و هو اثر المثال الاول و كماله و هما كجسم زيد في الدنيا حيث يكون له مثال متصل به به يمتاز عن جسم غيره و ذلك المثال نهاياته في الكم و الكيف و الجهة و الرتبة و الوقت و المكان و الوضع و مادة جسمه قد تصورت بهذه الصورة و تمثلت بهذا المثال و له مثال منفصل عنه و هو الذي يقع في المرايا و العيون و الصقيلات و كالشمس لها مثال متصل بها به تكون الشمس شمسا مميزة عن القمر في سمائها و لها مثال منفصل و هو نورها و شعاعها المنبث الذي يظهر علي كل جسم كثيف صقيل و هذا النور شيء يفصل منه كما روي: يفصل نورنا من نور ربنا كما يفصل نور الشمس من الشمس و ليس المراد بهذا الفصل انه ينفصل عنها فيبقي بينهما خلاء منهما بل هو منفصل عنها لابمفارقة و متصل بها لا بارتباط فالمثال الاول اثر منفصل عن مؤثره قد ظهر علي مادة الشمس و جسمها و هذه المادة مادة عرضية و مرآة خارجية و لهذه العلة تكون اقترانهما في معرض الزوال و الفنا و يطوي السماء كطي السجل للكتب و يعود مثالها الي ذي المثال و هو المؤثر و يقوم به و يستغني به عن غيره فما يصدر منه من مثال في الانات الاتية غير مكتسب من جسم الشمس شيئا و قد ذهب الشمس و بطل و اما المثال الذي كان علي جسم الشمس فقد اكتسب منه ما اكتسب و هو ابدا في محل وجوده باق علي اكتسابه و مادام كان علي الجسم كان ظاهرا في الزمان يعني كانت الشمس المركبة زمانية فاذا بطلت الشمس و ذهبت
«* مکارم الابرار عربي جلد 2 صفحه 414 *»
رجع مثالها الي مؤثره في دهره و لايرجع شيء من الزمان الي الدهر و لايأتي شيء من الدهر الي الزمان بل هذه الشمس التي تري هذا المثال الذي عليها الان دهري و لايمر عليه زمان و انما الزمان نسبة هذا المثال الي مثال آخر و الا فكل مثال مثال في محله دهري لايمر عليه ساعة و لا يوم و لا شهر و لا سنة فمثال الشمس هذا لمرئي دهري الان تراه بعينك هذه و هي في محلها دهرية فما دامت المادة متلبسة به ينسب بعض مثلها الي بعض فاذا رفع المثال لايبقي شيء ينسب فيكون في الدهر كما كان و من اجل ذلك نقول ان نفس الزمان دهري يأتي في الدهر يوم الاحد و الاثنين و الثلثاء و الاربعاء فان نسبت الاثنين الي الاحد و الي الثلثاء وجدت الزمان و ان نظرت الي نفس الاحد و نفس الاثنين و نفس الثلثاء و الي نفوسها تكون دهرية كذلك مثال زيد في القيام و القعود و النوم فان انت نسبت القعود الي القيام السابق و النوم اللاحق تجد الزمان و ماضيا و حالا و مستقبلا و اما اذا نظرت الي نفس القيام و القعود و النوم او الي نفوسها معا فهي دهرية فما دام القعود في دار النسبة الي القيام و النوم ظاهر علي جسم زيد فهو زماني فاذا نام و رفع عنه مثال القعود و قام بمؤثره يكون في دهره الذي كان اولا و آخرا و انت بالعين المقارنة بالنوم لاتري القعود ولكن بالعين المقارنة بالقعود رأيت القعود و تراه ابدا و عينك تلك ابدا في الدهر مفتوحة في مقابلة ذلك و تراه ابدا و شبحه فيها لايزولان و لايحولان و انت نفسك المهيمنة متي ما نظرت بتلك العين المقابلة للقعود تري القعود و تجده و بغيره لاتجده و هذا هو سر انك اذا كنت مع زيد في المسجد يوم الجمعة و هو يصلي صلوة الظهر في كسر من المسجد فكما يلقي هو مثاله هناك تلقي مثالك هنالك و تلقي مثالا شاعرا حاسا رائيا لزيد علي حاله و مثالكما في الدهر ابدا موجود فمتي ما توجهت نفسك الي مثالها ذلك الرائي رأت منه زيدا و هذا تذكر نفسك لما مضي و هكذا تذكرها و لذلك لاتقدر علي ذكر ما لمتشهده فما علمت في هذه الدنيا تعلمه يوم القيامة و ما لمتعلمه لاتعلمه فالاعمي ليس له يوم القيامة كمال معرفة الالوان الدنياوية و ان قرأت الاية علي ظاهرها في هذا المعني صحت من كان في هذه اعمي فهو في الاخرة اعمي و الاصم ليس
«* مکارم الابرار عربي جلد 2 صفحه 415 *»
له يوم القيامة كمال معرفة الاصوات و هكذا نعم يأتي له نفس دراكة لو وجدتها آلات صحيحة رأت و اما الاكتسابات و المثوبات و المعاصي الدنياوية فليست له البتة فمن لا عين له ليس له كمال النظر في المصحف و لا نقص النظر الي غير محرم و علي هذه فقس ما سواها نعم نفسه نفس دراكة كسميع لميسمع صوتا فافهم فما احسسته بحاسة من حواسك الظاهرة تلقي مثال حاستك حاسا لما حست و هو ثابت في محله ابدا فمهما اردت ان تذكر ما حسست ذلك اليوم يلتفت نفسك الي ذلك المثال الملقي الحاس و تحس منه ما حسست اول مرة و كذلك جميع المثل الحاسة و غير الحاسة و المحسوسة و غير المحسوسة يلقي في كل آن في محل وجوده و مقام شهوده و يرسم في لوح الدهر رسما ثابتا خالدا و ليس لاحد ادراك تلك المثل الا من ادرك ما ادرك الا النفس الكلية المحيطة الناظرة من كل عين الحاسة من كل حس فلايخفي عليها خافية تعلم كل مثل جميع ما مضي في القرون كما تشاهد الان حالك امس بل لك نسيان و لا نسيان لها.
فصل_ لاعلينا ان نذكر شطرا من حال الذكر و النسيان اعلم ان النفس الانسانية دهرية محيطة بجميع المشاعر و مثلها و كل مثال حاس منها اذا قابل مثال شيء حسها و ذلك المثال الحاس و ذلك المثال المحسوس يلقيان في محلهما مقارنين و هما ابدا مقارنان و الحاس حاس ذلك المحسوس و المحسوس محسوس ذلك الحاس ثم بعد القاء الحاس مثاله يتلبس بمثال آخر ليس بحاس لذلك المحسوس الاول فانه قد القي و رسم في الدهر و خفي عن مثال عينك الثاني و ان لميخف و لنيخفي عن مثال عينك الاول فاذا انت في الحال الثاني اردت ان تذكر المحسوس الاول و معني تذكره ان يجد مثاله بدنك في الحال الثاني و الا فنفسك واجدة لمحسوسها الاول ابدا و ذلك المثال الحاس قائم بها ابدا و انما تريد بذكرك في الحال الثاني ان يجد مثاله بدنك في الحال الثاني فيقدر ان يخبر و يعبر عنه فبدنك في الحال الثاني ان لميكن له مانع من عرض او مرض او اضطراب او اغتشاش يقع مثال النفس الواحدة ابدا فيه و في حسه المشترك و في قلبه فيقول
«* مکارم الابرار عربي جلد 2 صفحه 416 *»
تذكرته و وجدته و ان كان بالبدن شيء من تلك الموانع يقول نسيته و لماذكره و اعتبر ذلك بحال عالم بالعلوم يجن او يتخبط او يهرم فلايعلم مما علم شيئا فاذا جاء الطبيب فعالجه يذكر علومه التي كان يعلمها و دواء الطبيب لايصعد الي الدهر ولكن يرفع موانع المحل فيظهر و مثلهما كمثل سراج في زجاجة تكدرت فخفي نور السراج فلميظهر منها فاظلم الدار فمسحت الزجاجة و ازلت كدورتها فظهر السراج و استنار الدار فلاجل ذلك اذا غلبت البلاغم علي الدماغ يغلب النسيان فاذا استعملت الكندر و القرنفل و السكر ازدتت حفظا و ذكرا و تذكر ما سلف فكذلك الانسان اذا كان ببدنه في الحال الثاني مانع لايظهر عليه ما علمه امس و اذا زال المانع تذكر اي البدن و الا فنفس الانسان واجدة مثالها الحاس القائم بها ابدا و لاجل ذلك اذا مات الهرم الذي لايعلم بعد علم شيئا و المؤمن الذي جن و العالم الذي اختبط يحشرون علي علمهم و ايمانهم بلاعرض و لامرض و اما ما سئل الحسن بن علي8عن الذكر و النسيان فقال ان قلب الرجل في حق و علي الحق طبق فان صلي الرجل عند ذلك علي محمد و آل محمد صلوة تامة انكشف ذلك الطبق عن ذلك الحق فاضاء القلب و ذكر الرجل ما كان نسي و ان هو لميصل علي محمد و آل محمد او نقص من الصلوة عليهم انطبق ذلك الطبق علي ذلك الحق فاظلم القلب و نسي ما كان ذكره انتهي.
المراد بقلب الرجل نفسه و الحق دماغه و هو مظهرها و عرش استوائها و كرسي جلوسها و الطبق ما هو سبب النسيان من الرطوبات و الابخرة الحاجبة و التعلقات المنافية لما يريد تذكره فان صلي الرجل صلوة تامة بتوجه تام الي المدعو و المدعو له غلب عليه حرارة الايمان و التوجه و ازال تلك الرطوبات و غلب عليه وحدة التوحيد فانقطع تعلقاته و صفي دماغه و سكن فاضاء القلب اي النفس الدماغ و اوقعت مثال كمالها الحاصل لها من المذكور علي ما ذكرنا فذكر الرجل في الان الثاني ما كان نسيه بواسطة الطبق و اذا لميصل و لميتوجه مطلقا او توجه ولكن من غير الباب الذي امره الله عزوجل و فتحه اليه انطبق ذلك الطبق علي ذلك الحق فاظلم القلب و نسي
«* مکارم الابرار عربي جلد 2 صفحه 417 *»
ما كان ذكره و الصلوة المذكرة تكون بان تعرف الواحد ثم معناه ثم بابه فتلحظ فقرك لحاجتك فتقصد بابه و تدعو واحدا طوي بوحدته ذاتك و حاجتك و قصدك و دعاءك فيظهر معناه من بابه بحاجتك من بابها فتصلي بعد ذلك علي محمد و آله صلوات الله عليهم معتقدا ان شيعتهم من آل محمد سلام الله عليهم ملحقون بهم و تقصد بالصلوة تقريب محمد صلي الله عليه و آله منه حتي لايسبقهم سابق و لايلحقهم لاحق و لايفوقهم فائق و لايطمع في ادراك مقامهم طامع فاذا صلي العبد هكذا فقد صلي صلوة تامة مؤثرة و الا فقد تؤثر ان وافقت الاسباب و قد لاتؤثر بقي هنا شيء و هي ان النفس الانسانية اي الناطقة القدسية اي النفس التي من عرفها عرف ربه اي الحقيقة حقيقة زيد مثلا حقيقة جامعة كلية كانت نازلة مجملة و صاعدة مستكملة من جميع مدركاتها و اعمالها و اقوالها و صفاتها و قراناتها يحصل من كل واحد لزيد كمال تفصيلي و انبساط وحداني و نعومة تكسيرية اكسيرية لانها تتكسر بكل ما تدركه بعينها او تسمعه باذنها او تحسه بحواسها او تفعله او تقارنه باعضاءها او تشعره بمشاعرها و ينصبغ مثالها الملقي في كل واحد بصبغه فاذا نزع عنه نزع متكملا بتكميله منصبغا بصبغه متهيئا بهيأته فبقيت تلك المثل في ملكها تحتها قائمة بها باصباغها و خصوصياتها و هي اي تلك النفس ايضا صورة و مثال القيت من النفس الكلية علي النفس الحيوانية فانصبغت بصبغها حتي صارت زيدا فهي ايضا تنصبغ باصباغ النفس الحيوانية و هي تنصبغ باصباغ النفس الطبيعية و هي تنصبغ باعضائها و حركاتها فترجع جميع تلك الكمالات الي حقيقة نفس زيد الا انها علي نحو الاجمال و امثل لك مثالا ان الروح البخارية هي في الظاهر البصيرة بكلها السميعة بكلها الذائقة الشامة اللامسة بكلها من دون تكثر ظاهري فيها و هذه الروح في بدو تولدها في القلب كثيرة الرطوبة غليظة ثقيلة لايظهر منها الا حركة قبضية و بسطية و حس لمس ان اصابها شيء تألم فاذا صعدت الي الدماغ و لطفت و تخلفت عنها الرطوبات و نفذت في العصبتين الجوفائين حتي وصلت الي العينين لطفت حتي صارت رائية فلو قابلها شيء و هي في القلب لمتر كما ينبغي و لكن هنا رأت باحسن الوجوه و كلما تستعمل العين و
«* مکارم الابرار عربي جلد 2 صفحه 418 *»
تريضها يصير الروح الطف و اقوي في الرؤية فيحصل من كل رؤية للروح لطافة ما كانت لها و قوة علي الرؤية لمتكن لها و حالة وحدانية اجمالية يسهل عليها التقلب في الالوان ألاتري لو تديم النظر في الضوء مدة لمتبصر في الظل بعده شيئا مدة و لو كان نظرك في الضوء قليلا و في الظل قليلا يحصل لك اقتدار تبصر فيهما معا بالجملة يحصل للروح البخارية من المرئيات كمال بالفعل و نعومة و لطافة و حرارة و كذلك من المسموعات و من جميع المدركات و الاعمي ليس بروحه كمال الرؤية و لايقدر علي تخيل اللون ابدا و كذلك النفس يحصل لها نعومة و نفوذ و حرارة و وحدانية و لطافة بهذه الاعمال و هي الملكة الحاصلة لها في ذاتها و اما في ملكها فيبقي تلك الكمالات بعينها و تريها يوم القيامة تابعة لها كالظل لازمة لعنقها و هي جنودها و كلما يكون جنود النفس اكثر تكون اشد نعومة و اوحد و ابسط و انعم و انفذ و اقدر فافهم ان كنت تفهم فاذا رأيت زيدا يوم الجمعة في الجامع يصلي و نزع مثالك الحاس و مثاله المحسوس و اثبتا في الدهر و بقيا في ملك النفس و في محضرها و حصل النفس كمالها فاذا اردت ان تذكر اليوم تلك الحال و لميكن في بدنك مانع و في مشاعرك الباطنة مناف توجهت بخيالك الان الي النفس الحاصل لها ذلك الكمال فينزل ذلك الكمال من النفس الي الخيال ثم من الخيال الي الحس المشترك فتقع علي مرآته صورة تلك الحال اي حال زيد في المسجد الاتري انك قد تذكر زيدا في الصلوة و تذكر نفسك مقابلته ناظرة اليه و ذلك ان هناك مثالان و حصل للنفس كمالهما و ينزل الان الي الخيال ذانك الكمالان و ينطبعان في الحس المشترك و ان قلت كيف يصير كمال النفس الوحداني في الحس المشترك صورة قلت ذلك من جهة تكثر الحس و قابليته كما انك تميل بنفسك الي الجلوس و ينزل ذلك الميل من نفسك الي بدنك فيتفصل جلوسا لغلظة البدن و تكثره و كذلك ذلك الكمال من النفس اذا نزل الي الحس المشترك يصير صورة و مثالا فيذكره بدنك الان و ربما يكون بعض الامراض و الموانع في الحس فلاتذكر الاشياء قريبا او مشابها او تذكر بعضا و لاتذكر بعضا
«* مکارم الابرار عربي جلد 2 صفحه 419 *»
او تذكر تماما صرفا و كل ذلك علي حسب المرآة اي مرآة الحس المشترك و اما ما يتصوره الانسان مما لميكن في الخارج فذلك لاجل كمالات حصلت للنفس و ملكات من محسوسات خارجية حتي حصلت للنفس لشدة نعامتها قوة تصوير و اختراع كما يخترع في الخارج آلة لمترها او صنعة لمتتعلمها من احد كذلك يحصل له ملكة اختراع بكثرة ما احست في الخارج فتخترع مثالا في الخيال فينزل منها الي الحس المشترك فيحدث فيه صورة لمتكن و ربما تنزل تلك الصورة فتقع علي المواد الخارجية فيخترع ما يخترع كل ذلك من ملكة حصلت في النفس و اقتدار علي تصوير ما شاء و الخيال و الحس المشترك اسرع تصورا من الاجسام الزمانية لرقتهما و لطافتهما و ربما خلطت النفس الاختراع و الذكر فتلتفت الي زيد في المسجد ولكن في ادائها الي الحس تغير من المذكور ما شاءت فزيد كان قائما و يتصوره قاعدا فان لمتغير هي و لميغير الخيال و لميغير الحس المشترك تذكره كما كان بلازيادة و لا نقصان و ان غير شيء من ذلك تغير المذكور و لاجل هذا التفصيل قد يكون الرؤيا اضغاث احلام اخترعتها النفس بعاداتها الفاسدة و شهواتها و ساير امراضها و منها مركبة من امر واقع و اختراع من النفس فيري زيدا طويلا و هو قصير و اسود و هو ابيض و منها صحيحة مطابقة للواقع لمتخترع النفس فيها شيئا و اما الرؤيا التي تأتي علي صور غير صور الدنيا و تأول و تكون صحيحة فذلك لاختلاف محال الرؤيا و مراتبها كما حققناه في كتابنا تأويل الاحاديث فلربما يري انه يشرب اللبن و يأول في الدنيا بالعلم لان العلم في النفس اذا نزل الي ذلك المحل كان علي صورة اللبن و كان شربه تناوله و لسنا بصدد بيانه هنا بالجملة كلما كان معمولات النفس و معلوماتها اكثر تصير النفس انعم و الطف و انفذ و اقدر و اوحد اعتبر من قوله تعالي: لهم ما يشاؤن عند ربهم و قوله: اطعني فيما امرتك اجعلك مثلي تقول للشيء كن فيكون فكلما تصير انعم يكون ملكها اوسع و قدرتها اكثر و جنودها اكثر فاهل الجنة و ان كان نعيمهم علي حسب اعمالهم و انما هي اعمالكم ترد اليكم و يحصدون ما زرعوا لكن ذلك في اعمالهم
«* مکارم الابرار عربي جلد 2 صفحه 420 *»
التي عملوها في الدنيا فتبقي هي لهم ابدالدهر ولكن يحصل لنفوسهم قوة اختراع و ملكة اقتدار يفعلون بها ما يشاؤن و يزدادون بها نعيما لاغاية له و لا نهاية و ذلك النعيم اشرف نعيم الجنة و الطفها و يزادون به ملكا لكن اذا كانت تلك الملكة ملكة الهية محبوبة و اذا كانت ملكة شيطانية تكون بعكس ذلك يعني تكون اعماله المؤلمة في ملكه و خارج ذاته محيطة به و الملكة المبعدة عن الله النازلة المضيقة عليه في ذاته تضيق عليه الخناق في كل حين نعوذ بالله و نسأله العافية.
فصل _ اعلم ان المثل الماضية فهي علي ما ذكرت و فصلت و اما المثل الاتية فانها لمتظهر بعد في الزمان و لما تمض و ان شئت و اريدت و قدرت و قضيت و ما لمتظهر في الزمان علي الجسم الزماني ليس في هذا العالم و هو بديهي و هل تكون في الدهر ام لا و ما لمتوجد شيء في الزمان ليس ذكر منه في الدهر اقول اما في الدهر فليس ذكر منها جملة فان الدهر هذه الصور الظاهرة علي الاجسام من حيث نفس الصور و لا صورة فالازمنة الاتية و مثلها ليست بموجودة في الزمان و لا في الدهر و كذلك في السرمد فان حقايق الاشياء سرمدية و ما لميكن شيء موجودا لايكون له حقيقة فلا ذكر لها في السرمد ايضا فما ليس بموجود هنا لميشأه الله و لميرده و لميقضه و لميمضه من السرمد الي الزمان و هل هي في علم الله الازلي موجودة ام لا من عرف الازل عرف ان جميع الازمنة الاتية الي ما لانهاية له موجود في علم الله الازلي كجميع ما في الازمنة الماضية بلاتفاوت و علمه بها قبل كونها كعلمه بها بعد كونها كعلمه بها حال كونها و من زعم انها ليس في العلم الازلي و زعم ان فقدها لايستلزم جهلا لان الجهل ان يكون شيء و لايعلمه و هنا لايكون شيء اصلا فلايستلزم جهلا فقد اخطأ و جهل الازل و نرد القول عليه بانه يجد شيئا بعد ما احدث في ملكه لميكن يجده قبل ما احدث ام لا فان كان يجد فقد تغير حالتاه في العلم الازلي و التغير ينافي الازلية و ان قلت ليس له علم ازلي فقد جهلت مراتب العلم و لابد و ان يكون العلم الذي به يخلق المشية ازليا فان المشية سرمدية و العلم الذي فوقها ازلي و هو العلم الذاتي المنبأ
«* مکارم الابرار عربي جلد 2 صفحه 421 *»
عنه في الخبر كان الله عزوجل ربنا و العلم ذاته و لا معلوم و هو المخبر عنه في حديث ابي جعفر عليه السلام كان الله و لا شيء غيره و لم يزل عالما بما كون فعلمه به قبل كونه كعلمه به بعد ما كونه و المحدث به في حديث ابيعبدالله لميزل الله عالما بالمكان قبل تكوينه كعلمه به بعد ما كونه و كذلك علمه بجميع الاشياء كعلمه بالمكان و الذي اظهره الرضا عليه السلام في حديث لميزل الله عزوجل علمه سابقا للاشياء قديما قبل ان يخلقها فتبارك ربنا و تعالي علوا كبيرا خلق الاشياء و علمه بها سابق لها كما شاء كذلك لم يزل ربنا عليما سميعا فمنكر العلم الازلي منكر هذه الاخبار الصحيحة الناصة المؤيدة بالعقل و المعترف ان كان يقول يحدث فيه ما لميكن فقد تمحل و ان قال لايحدث فيه شيء لميكن فيكون الله عليما بما يأتي كما يكون عليما بما مضي و ان قلت ان الازل لايتغير بان يكون شيء في الحدوث بعد ان لميكن و انما يتغير الحدوث قلت ان العلم السابق علي المشية هو من كماله جل و عز و كيدك منك كما روي و ليس بمسبوق بامكان و عدم و جميعه بالفعل لانه كينونة الله عزوجل المشار اليها في الخطبة و كينونة الله لاتزيد و لاتكمل بعد نقصان و لميصف الله نفسه بالزيادة و النقصان فاذا لايجوز ان يحدث في علمه ما لميكن قال العبد الصالح: علم الله لايوصف منه باين و لايوصف العلم من الله بكيف و لايفرد العلم من الله و لايبان الله منه و ليس بين الله و بين علمه حد. انتهي فاذا لايجوز فيه الحد و الزيادة و النقصان و لايجوز ان يحدث فيه ما لميكن و بما يحدث فيه ما لميكن بغيره فلاغير او بنفسه فلا انتظار نعم الذي لميكن بعد ليس في العلم الحادث و ذلك حق لاريب فيه و علمه الحادث علم مخلوقاته و لايضر عدم علمهم بشيء و زيادة علومهم فقل رب زدني علما فافهم المثل الاتية علمها عند ربي و ذلك ان الازل لايختص بما مضي من الوقت و لاينحصر في وقت فهو محيط بما سيأتي كاحاطته بما مضي و الذي يحيط بما مضي و لايحيط بما سيأتي هو الدهر و ليس الله عزوجل و سبحانه بدهري و
«* مکارم الابرار عربي جلد 2 صفحه 422 *»
السرمد و ان كان جميع قوته بالفعل و لايزداد الا انه في يد الازل يقلبه كيف يشاء و هو دائم الزيادة بزيادة لا غاية له و لا نهاية و سرعة خروج قواه الي الفعلية فوق طاقة بيان العباد فكأنه جميع قواه بالفعل الا انه ليس بذاك و انما ذاك الازل فبقول مطلق لايعلم جميع ما سيأتي الا الازل جل شأنه و كل من يخبر عما سيأتي يخبر عن مشية يحتمل فيها البداء او عن ارادة او قدر او قضاء يحتمل في جميعها البداء و لذا ورد كذب الوقاتون انا اهل بيت لانوقت و روي كذب الموقتون ما وقتنا في ما مضي و لانوقت فيما يستقبل و قال من اخبرك عنا توقيتا فلاتهابه ان تكذبه فانا لانوقت وقتا الي غير ذلك من الاخبار و قال عز و جل ان الله عنده علم الساعة و ينزل الغيث و يعلم ما في الارحام و ما تدري نفس ماذا تكسب غدا و ماتدري نفس باي ارض تموت الآية و قال تعالي ان الساعة آتية اكاد اخفيها لتجزي كل نفس بما تسعي و قال و ما يدريك لعل الساعة قريب فلايعلم احد حال المثل الاتية تقع ام لاتقع نعم للعلماء العلم بان الله قد شاء كذا او قد اراد او قد قدر او قد قضا كذا و لكن هل لايبدو له فيمضي او يبدو فلا يمضي و في الاخبار لذلك معتبر كثير لايحضرني الان كتبها حتي اخرجها هنا بالجملة العالم الذي ينظر بعين زمانية لايري تلك المثل يقينا اللهم@ ان يستدل بالمشية و الارادة و القدر و القضاء استدلالا ظنيا و العارف بالله علي حد الشك لان الرحمن علي العرش استوي و العالم الذي ينظر بعين دهرية فهو لابد و ان ينظر الي نفس الصورة من حيث هي بل لابد و ان ينظر الي حد جامع الصور بالنسبة الي ما رأي منها و يكفي في الرؤية الدهرية فهو ايضا لايري ما سيأتي و لايطلع عليها و العالم الذي ينظر بعين سرمدية و ان كان عالما بكثير مما يأتي الا انه عالم به اجمالا لاتفصيلا و لله بداء فيما علمهم فهم يعلمون و لايطمئنون بعدم البداء فعلمهم بعين المشية و الارادة و القدر و القضاء علي نحو المشاهدة و هم خائفون من الامضاء و ان كان يمضي عندهم في كل حين بما لانهاية له فاما ينسب هذا العلم الي الله عزوجل دون غيره لانه علم سرمدي او ينسب الي السرمد و
«* مکارم الابرار عربي جلد 2 صفحه 423 *»
لكنه موقوف علي علم البداء و اما العلم الازلي فهو الذي يكون جميع الزمان عنده كبحر راكد و انت كسفينة في وسطه منه ما وراءك و مضي و منه ما امامك و يأتي و ليس رؤية هذا البحر حد احد غير الله عزوجل و لايعلمه علي البت و اليقين و عدم تغير و تبدل الا الازل الذي لايتغير و لايتبدل و هل علم الازل به علم اجمالي او تفصيلي لاشك انه علم تفصيلي و العلم الاجمالي امكاني يحتمل فيه البداء و التقديم و التأخير و هو علم السرمد في السرمد فالله سبحانه يعلم جميع الجزئيات بقراناتها غير المتناهية بتفاصيلها فلايعزب عن ربك من مثقال ذرة في السموات و لا في الارض لانه علم لا جهل فيه و لايضل و لاينسي فمن زعم ان علمه اجمالي لميعرف الازل و حسبه امكانا و تعالي الله عما يقول الجاهلون علوا كبيرا فافهم و تبصر.
*« في معنی اللوح و القلم و المداد الاول و ام الکتاب و المحو و الاثبات »*
فصل – اعلم انه كما يأخذ الكاتب مدادا و يصوره بصورة الحروف و يجمع الحروف علي صورة الكلمة و يجمع الكلمات علي صورة الايات و يجمع الايات علي صورة السورة او الابواب و يجمع السور او الابواب علي صورة الكتاب قد اخذ الله جل و عز لجميع ما سواه مادة و هي الماء و صورة علي صور الكاينات سمي في الاخبار الشيء الذي به خلق الاشياء بالقلم و سمي ذلك الماء الذي منه خلق الاشياء بالمداد الاول و هو ذلك الماء و هو قوله سبحانه و جعلنا من الماء كل شيء حي و سمي كل جزء من المخلوقات بالحروف و كل مخلوق تام بالكلمة و هو قوله بكلمة منه اسمه المسيح و تلقي آدم من ربه كلمات و امثالها و سمي الكلمات بالاية و و قوله: سنريهم آياتنا في الافاق و في انفسهم و امثالها و سمي المجموع بالكتاب و هو قوله: لقد لبثتم في كتاب الله الي يوم البعث و سمي الامكان الذي فيه جميع الكاينات باللوح و ربما يسمي الانسان الجامع باعتبار اشتماله علي كلمات بالكتاب و منه قوله: هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق و امثاله فعلي هذا يسمي جميع ما سوي الله سبحانه بام الكتاب و اللوح المحفوظ و هذا
«* مکارم الابرار عربي جلد 2 صفحه 424 *»
الكتاب بهذا اللحاظ محفوظ عن الزيادة و النقصان و التغير و التبدل و المحو و الاثبات فلايمحي ما رسم في هذا الكتاب ابدا لايضل ربي و لاينسي و لايرسم فيه شيء لميكن و لايزول كلمة منه عن حالها و لايتحرك منه ساكن و لايسكن متحرك و لايتقدم شيء منه علي شيء اذا كان متأخرا عنه و لايتأخر شيء منه عن شيء اذا كان متقدما عليه و لا يبدو في شيء منه ابدا و كل شيء خلقه الله كلمة من هذا الكتاب او حرف منه و هذا اللوح لوح علم الله جل و عز الازلي الذي لايحيط احد به الا الله و هذا اللوح لا غاية له و لا نهاية و الله جل و عز محيط به بما لانهاية له و محال ان يحيط به من كان حرفا من حروفه او كلمة من كلماته لا نبي مرسل و لا ملك مقرب و لا شيء من ساير الخلق و هو ما روي عن ابي جعفر عليه السلام: العلم علمان علم عند الله مخزون لميطلع عليه احد من خلقه و علم علمه ملائكته و رسله فاما ما علم ملائكته و رسله فانه سيكون لايكذب نفسه و لا ملائكته و لا رسله و علم عنده مخزون يقدم فيه ما يشاء و يؤخر ما يشاء و يثبت ما يشاء. انتهي قوله يقدم فيه ما يشاء يعني في الاظهار الي الملائكة و الرسل لا عند نفسه لنفسه فيقدم ما لميكن مقدما عنده بل كل ما قدم في الاظهار كان مقدما عنده و ما كان يعلم الملائكة انه سيظهر تقدمه و ربما يزعمون تأخره ثم يرون انه قدمه و كل ما اخر في الاظهار كان مؤخرا عنده و ما كان يعلمه الملائكة و الرسل انه سيؤخره و ربما يزعمون تقدمه ثم يرون انه اخره و اما بالنسبة الي علمه الازلي فلايتقدم مؤخر و لايتأخر متقدم و قال ابوعبدالله عليه السلام: ان لله علمين علم تعلمه ملائكته و رسله و علم لايعلمه غيره فما كان مما يعلمه ملائكته و رسله فنحن نعلمه و ما خرج من العلم الذي لايعلم غيره فالينا يخرج. انتهي و ذلك لانهم اول ما خلق الله فاليهم يخرج اولا ثم اذا شاؤا علموا غيرهم و هو قوله تعالي و لايحيطون بشيء من علمه الا بما شاء و قال ابوعبدالله عليه السلام: من زعم ان الله عزوجل يبدو له في شيء لميعلمه امس فابرأوا منه و قال ابوعبدالله عليه السلام ان الله يقدم ما يشاء
«* مکارم الابرار عربي جلد 2 صفحه 425 *»
و يؤخر ما يشاء و يمحو ما يشاء و يثبت ما يشاء و عنده ام الكتاب و قال فكل امر يريده الله فهو في علمه قبل ان يصنعه ليس شيء يبدو له الا و قد كان في علمه ان الله لايبدو له من جهل انتهي. فاذا لايمكن ان يتغير شيء من اللوح المحفوظ عن حاله و يتقدم او يتأخر و انما يتقدم و يتأخر ما دون المشية و هذا العلم هو الذي خلق به المشية كما روي بالعلم خلقت المشية فهذا اللوح هو ام الكتاب و اصله الذي لايغادر صغيرة و لا كبيرة مما سوي الله جل و عز الا احصيها و فيها الاجال المسماة التي عنده فما كان لميكن يمكن ان لايكون و ما لميكن لميكن يمكن ان يكون و لميكمل ايمان امرأ حتي يؤمن بهذا الكتاب و من آمن به استراح و لاييأس بما فاته و لايفرح بما أتاه قال ابوعبدالله عليه السلام: كان اميرالمؤمنين عليه السلام يقول لايجد عبد طعم الايمان حتي يعلم ان ما اصابه لميكن ليخطئه و ان ما اخطأه لميكن ليصيبه و ان الضار النافع هو الله عزوجل ثم هذا اللوح المحفوظ الاعظم ينقسم الي اربعة اجزاء جزء منه فيه مرسوم الامكان الراجح و السرمد و المشية و الارادة و القدر و القضاء و الامضاء بتفاصيلها التي لا نهاية لها و لا غاية و هذا الجزء ايضا مخصوص بالله عزوجل و هنا يجري صلوح التقديم و التأخير و الرفع و الوضع و المحو و الاثبات و التغير و التبدل الا انه لايقدم شيء و لايؤخر و لايرفع و لايوضع و لايمحي و لايثبت الا انه صالح لذلك ولكن فعلية هذه الامور لاتقع و لاتكون و كماله ان تكون في قوته فهو سبحانه قادر ان يفعل جميع ذلك ولكن لايفعل و الثلثة الاجزاء الاخر فجزء منه مرسوم فيه احوال الجبروتيات و جزء منه مرسوم فيه احوال الملكوتيات و جزء منه مرسوم فيه احوال الملكيات و هذه الاجزاء الثلثة يمكن فيها المحو و الاثبات و التغير و التبدل و الرفع و الوضع و غير ذلك الا ان الجبروت لايقع فيه التغيرات الملكوتية و الملكية و الملكوت لايقع فيه التغيرات الملكية و في كل واحد يقع تغيرات علي حسبه و آية تلك التغيرات حركة العرش و هي آية الجبروت فان العرش و ان كان يتحرك دائما الا انه لايخرج من وضعه ابدا فبأعتبار انه ينتقل كل جزء منه من مكانه دائما يتغير
«* مکارم الابرار عربي جلد 2 صفحه 426 *»
و باعتبار انه لايخرج من وضعه بجملته ابدا لايتغير و حركة الافلاك و هي آية الملكوت فانه لازمة وضعها كالعرش و يجري فيه التغيرات العرشية و مضافة اليها تغيرات اخر من الاوج و الحضيض و ظهور الاستقامة و الرجعة و الاقامة و تغيرات اوضاع قرانات كواكبها و انظارها مع ان جملتها لازمة وضعها لاتخرج عنها و حركة العناصر و المركبات و هي آية الملك فانها ايضا بجملتها لاتخرج عن وضعها كالعرش و الافلاك الا ان فيها تغيرات لاتحصي من الخفض و الرفع و خروج اجزائها عن اوضاعها و كونها و فسادها و محوها و اثباتها بما لاتحصي كثرة و مع ذلك جميع عالم الاجسام لازم وضعه لايخرج عنه الي غيره فمن هذا تبصر امر الجبروت و الملكوت و الملك فهذه الاجزاء الثلثة يمكن فيها التغير و يقع علي ما فصلت و برهنت عليه ببرهان الحكمة اما جزء الجبروت ففيه مرسوم الاحوال المعاني الكلية التي لانهاية لجزئياتها و ان كانت متناهية بتناهي الكلية و ينزل اليها الامداد الكلية شيئا بعد شيء فيمحي عنه مثبتات كلية و يثبت فيه ممحوات كلية ولكن لكليتها كأنه لا محو فيه و لا اثبات لتشاكل تلك الكليات الممحوة و المثبتة و اما جزء الملكوت فمرسوم فيه احوال الصور الجزئية بالنسبة و الكلية بالنسبة و له اوراق فورقه الاعلي مرسوم فيه حال الرقائق الروحانية ثم دونه ورق النفوس الصورية الملكوتية ثم دونه ورق الطبايع المبهمة ثم دونه ورق المواد الثانية الهبائية ثم دونه ورق الامثلة البرزخية فهذه الاوراق الخمسة علي ما ذكرت اوراق جزء الملكوت و في كل واحد مرسوم امور لاتتغير بتغيرات الملك ابدا و ان كان يمكن فيها ولكن لايقع و اما التغيرات الملكوتية الطولية فانها واقعة فيه و من تلك التغيرات ما روي من التغيرات الواقعة في البرزخ و عرصة القيامة و الجنة و النار و اهلهما و ترقياتهم و زياداتهم فيها و اما جزء الملك فله اوراق ثلثة عشر فورق للعرش و ورق للكرسي و سبعة اوراق للافلاك و اربعة اوراق للعناصر و في كل ورق مرسوم ما يخصه و يجري فيه المحو و الاثبات و التغير و التبدل و الحركة و السكون و الرفع و الخفض و غير ذلك ثم لورق الكرسي سطور بعدد بروجها و منازلها و كواكبها و لورق كل فلك سطور من فلكه الممثل و الحاوي
«* مکارم الابرار عربي جلد 2 صفحه 427 *»
و المحوي و الحامل و التدوير و كوكبه كل علي حسبه و لورق كل عنصر سطور بحسب طبقاته و لكل واحد طبقات اقلها ثلث ثم في العنصريات سور او ارباب اربعة فسورة او باب للجمادات و سورة او باب للمعادن و سورة او باب للنباتات و سورة او باب للحيوانات و سورة او باب للاناسي ثم لكل سورة او باب آيات لايحصي عددها الا الله و لكل آية كلمات لايحصيها الا الذي خلقها او خلقت به و جميع هذه الاوراق يمكن فيها المحو و الاثبات و التغير و التبدل و تقع و جميع ما وقع في هذه الاجزاء من التغير و التبدل كان في ام الكتاب قبل ان يقع و حين ما وقع و بعد ما وقع لايزيد فيها شيء و لاينقص منها شيء و لايتحرك منها شيء كان مثبتا في محل وجوده و موضع شهوده و لايعلمها الا الله عزوجل فلايقع فيها بداء و انما كان البداء في هذه الاجزاء و فيها يرد الدعاء القضاء و هما معا كانا في ام الكتاب و فيها يدعو الدعاة فيسعد القابل و يشقي الممتنع و كانوا في ام الكتاب و فيها يدخل السعيد الجنة و ربما يخرج و يدخل الشقي النار و ربما يخرج و فيها لاينقطع الرجاء و يستجاب الدعاء و فيها كل ميسر لما خلق له و كان الجميع في ام الكتاب التي جف فيها القلم بما كان و ما يكون و فيها العمل و الثواب و العقاب فافهم ان كنت تفهم فقد اسقيتك ماء غدقا.
فصل – اعلم ان الوجه الظاهر في تقلب المواد في المثل تغير قوابلها في كل آن بسبب تعاكس الكثرات و تأثير القوي منها في الضعيف فاذا تغير الضعيف عما كان تغير المثال الذي كان منطبعا فيه و ظهر علي غير ما كان عليه اولا كمرآة كانت صافية معتدلة و انطبع مثالك فيه علي ما انت عليه فاذا احمرت تغير المثال و اذا اصفرت تغير عن الحمرة و اذا اخضرت تغير عن الصفرة و اذا استطالت تغير عن الاعتدال و اذا تغيرت و تغورت تغير عن الاستطالة و اذا تحدبت تغير الي صفة اخري و هكذا و انت علي حال واحدة في الحالات كذلك مؤثر العالم لايتغير و لايتبدل و لا اختلاف من المؤثر لو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا
«* مکارم الابرار عربي جلد 2 صفحه 428 *»
و مثاله مثال واحدي علي صفة واحدة و انما جاء الاختلاف من قبل القوابل ان الله لايغير ما بقوم حتي يغيروا ما بانفسهم هذا وجه ظاهر في تقلب المواد في المثل و الصور المختلفة في كل طرفة عين و اما الباطن من ذلك ان من كمال الاحد غير المتناهي ان يظهر بمثل غير متناهية توافق الحكمة و تناسب الوحدة و الارتباط الدال علي وحدته فلاجل ذلك خرج الي عرصة الفعلية جميع المثل المناسبة للحكمة الدالة علي الواحدية في المواد و الصور الا المثل المتناقضة المنافية للحكمة و الارتباط الدال علي الواحدية كما شرحناه في ساير كتبنا و لولا خروج تلك المثل غير المتناهية الي عرصة الفعلية لدلت علي ان المؤثر واحد لا احد فلاجل كون المؤثر احدا ظهر بما لايتناهي ألاتري ان الذي يظهر بواحد و واحد اثنان لاغير و الذي يظهر باثنين و اثنين اربعة لاغير و ان الذي يظهر بألف و الف و ألف ثلثة آلاف لاغير و هكذا و الذي يظهر بما لايتناهي هو الاحد فكذلك لو كانت المثل معدودة لدلت علي واحدية المؤثر و محدوديته و اما اذا كانت غير متناهية دلت علي ان صانعها و مؤثرها احد فالاحد ما كان ظاهرا بآثار لا غاية لها و لا نهاية و يستنثي من ذلك ما تقتضي التناقض المحال كالظهور بالحمرة مثلا حال الخضرة و ما ينافي الربوبية كالظهور بالكذب مثلا و ما ينافي الحكمة كادخال الانبياء و المؤمنين النار مثلا و هكذا فلايجوز ان يظهر بامثال ذلك و اما ما سوي ذلك من الامور غير المتناهية فالواجب اظهارها في عرصة الفعلية بالجملة لاجل ذلك صارت المواد تتقلب في الصور المادية في كل مكان و بعد تقلبها في تلك الصور الذاتية صارت تتقلب في الصور و المثل العرضية في كل آن و طرفة عين فتلقي مثالا و تلبس مثالا و تلك المثل المخلوعة الملقاة محفوظة في مكان وجودها و حد شهودها مثبتة في الدهر لايضل ربي و لاينسي و لايشاهد تلك المثل باجمعها من لميشهده الله خلقها و كل احد انما يشهد منها في الدنيا و الاخرة ما حضرها فافهم ان كنت تفهم و الا فاسلم تسلم واعلم اني قد شرعت في هذا الكتاب قبل هذا الحين قريب تسع سنين في سفري الي خبيص و كتبت منه نحو كراستين ثم بقي في دفاتري و لميقض
«* مکارم الابرار عربي جلد 2 صفحه 429 *»
لي اتمامه الي ان قضي لي في هذه الايام سفر آخر الي خبيص فحملت معي تلك الكراريس و كتبت الي هنا و لما قضي لي الرجوع الي بلدة كرمان ختمت الكتاب هنا و اقتصرت عليه و ارجو ان يكون كافيا في معرفة لوح الارتسام و كيفية حال المثل علي اني لو اردت البسط في ذلك لاقتضي رسم كتاب كبير ولي اشغال عائقة عن ذلك اعظمها اشتغالي في هذه الايام بالفقه و اتمام كتبه و قد كتبت اكثره و الحمد لله و ارجو ان اتمم جميع كتب الفقه والله لايخيب راجيه و كان فراغي من هذا الكتاب ليلة غرة شهر ذي القعدة من شهور السنة السادسة و الثمانين من المائة الثالثة بعد الالف حامدا ما مستغفرا.