فائدة فی الوجودات الثلاثة
من مصنفات الشیخ الاجل الاوحد المرحوم
الشیخ احمدبن زین الدین الاحسائی اعلی الله مقامه
«* جوامع الکلم جلد 2 صفحه 156 *»
بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحيمِ
الحمد للّه رب العالمين و صلي اللّه علي محمد و آله الطاهرين .
اما بعد فيقول العبد المسكين احمد بن زينالدين الاحساۤئي اعانه اللّه علي طاعته و امده بهدايته ان الوجودات التي يشار بلفظ الوجود الي العبارة عن معرفتها ثلاثة :
الاوّل الوجود الحق و هو احدي الذات لايمكن فيه تصوّر كثرة او تعدّد او اختلاف في الذات او الاحوال بما يزاد سبق او انتقال لا في نفس الامر و لا في الفرض و الامكان و الاعتبار و لا في العبارة و الاشارة بل هو بكل اعتبار احدي المعني مبرّء عن كلّ ما سوي ذاته مطلقا و هو اللّه سبحانه و تعالي و ليس شيء بحقيقة الشيئية سواه .
الثاني الوجود المطلق قيل و هو الرابطة بين الظهور و البطون و برزخ البرازخ و تصحيح هذه العبارة ان جهة الربط الي البطون جهة المفعولية و جهته الي الظهور جهة الفعلية و هو مشية اللّه و فعله و هو اشد الاشياۤء بعد الازل وحدة و بساطة و هو شيء باللّه سبحانه قاۤئم باللّه قيام صدورٍ اي طريّ ابداً فهو اسم اللّه الاعلي الذي استقر في ظلّه فلايخرج منه الي غيره و معني قولنا استقر في ظلِه ان اللّه سبحانه خلقه بنفسه و اقامه بنفسه و هو الراجح الوجود بين الوجوب و الجواز و وعاۤؤه السرمد و هو الذي ملأ الامكان و الكلمة التي انزجر له العمق الاكبر و هو الامكان و لا اوّل له ابتداۤئي و لا آخر انتهاۤئي لان الاول الابتدائي و الاخر الانتهائي انما كانا به فهما شيء به فلايحدّدانِه بل هو يحدّدهما .
و الثالث الوجود المقيّد و اوّله الدّرة و آخره الذرّة اي اوله العقل الاوّل و
«* جوامع الکلم جلد 2 صفحه 157 *»
آخره ما تحت الثري و هذا الوجود واحد بسيط في ذاته من حيث هو و قولنا اوّله و آخره نريد به تعيّناتِه۪ و اختلفوا فيه هل يتصوّر ام لا فقيل يمتنع تصوّره و قيل هو بديهي التصور بالبديهة و قيل انه كذلك بالدليل و قيل بانه نظري التصور فمن قال بامتناع تصوره قال ان مشاعر التصوّر من الانسان و الامور الذهنية التي هي آلة التصور و مواۤدّه منه و كلّما فرضته فهو منه فلايمكن تصوّره لانها هو و الشيء لايتصوّر نفسه الّا مع اعتبار المغايرة و المغايرة هنا ممتنعة اذ لايغاير الوجود الّا العدم و من قال انه بديهي التصوّر بالبديهة قال انه حاصل لكل احد في كل حال بدون طلب لِانّ الطالب له لاتحصل له حالة تغايره فيطلب تصوّره فيها فلايحتاج الي التصوّر و من قال انه بديهي التصور بالدليل قال لانه اذا طلب تصوّره لايَكون مقدّمات الدليل عليه و لا لوازمها من النتاۤئج شيء من طريق الاكتساب بل كلها بديهية لما قلنا في ما تقدّم فهو و ان امكن طلبه بالدليل الّا ان الدليل لايفيد الّا ما هو معلوم و من قال انه نظري التصور قال انا نفرق بين مفهوم الوجود و مفهوم العدم و مَن قال انه بديهي او ممتنع التصوّر هل قال ذلك عن معرفة به ام عن غير معرفة فان كان عن معرفة به فقد قال بامكان تصوّره لكن لمّا كان الشيء يتصوّر علي ما هو عليه و كان الوجود ليس بمفقود ابداً كان تصوّره علي ما هو عليه و هو حجتنا و ان كان عن غير معرفة به فلا معني لكلامه و نحن نطلبه بالنظر و الدليل علي امكان طلبه ان العلماۤء منهم من قال ان الوجود هو الكون في الاعيان و منهم من قال الوجود هو ما به الكون في الاعيان و طلب العقلاۤء لمعرفته و جهل الاكثر به دليل علي امكان طلبه بالنظر .
اقول اعلم ان كلامهم في مطلق الوجود الشامل للمراتب الثلاثة لان لفظ الوجود عندهم يطلق علي الثلاثة بالاشتراك اللفظي عند قوم و المعنوي عند آخرين و التّشكيك عند آخرين و لايخفي علي من له بصيرة انّ من قال انه بديهي التصور مطلقا او نظري التصوّر انه معلوم عنده امّا بالبداهة المطلقة او في الدليل او بالنظر و الاكتساب و لا ريب في بطلان قول من ادّعي معلوميّة ذات الواجب سبحانه بالبداهة او الاكتساب لانه ان اراد بالوجود الواجب ذاته فقد
«* جوامع الکلم جلد 2 صفحه 158 *»
اكتنهه و ان اراد وجود ذات فعله و مشيّته الذي هو الوجود المطلق فقد حدّه و غيّاه و من حدّه و غيّاه لميكن موجوداً به لانه اعلي منه و اقدم سبقاً و ان اراد ما يعم الثلاثة فاسوء حالاً من الاوّلين حيث جوّز اجتماع ما لايجوز عليه الاجتماع و لا الافتراق و ان اراد الوجود المقيّد فمطلق الارادة صحيحة لكن لتعلم ان مراتب الوجود المقيد متعدّدة مثلاً كالعقول و النفوس و ما بينهما و كالاجسام و ما بينها و بين النفوس فمن قال ان الوجود المقيّد من مراتبه ما يحصل بلا نظر و كسب فهو حق فانّ منه كون زيد في الاعيان و انه هو و انّ هنا موجودات من جمادات و نباتات و حيوانات و اعْراضاً و هذا لايجهله عاقل بل كل عاقل يقطع بحصول هذه الاشياۤء بلا نظر و كسب و من قال بالتصوّر فنقول ان اراد به معناه العرفي العام الذي هو عبارة عن مطلق المعرفة بمطلق التوجّه فلا شك في ذلك و ان اراد بالتصور الادراك بالصورة فان اراد بعض مراتبه فَحَقٌّ لانَّ الاَجْسَام مثلاً تدرك بصورها و هي منه و ان اراد كل الوجود المقيد فلايمكن تصوّره و لا ادراك معناه لا بالعَقل و لا بالنفس لانهما و ادراكهما بكل اعتبار منه فلايمكن تصوّره بالنفس و لا تعقّله بالعقل اذ كلّ ما يفرض منهما و عنهما فهو منه فيكون الشيء قد تصوّر نفسه اي بدون مغايرة مفروضة اذ كل ما يفرض مغايراً انه المتصوِّر بكسر الواو فهو المتصوَّر بفتح الواو بنفس تلك الحيثية كما تقدم اذ لايغاير الوجود الا العدم نعم قد يمكن معرفته بالفؤاد لانّه ينظر بعين من الوجود المطلق اعارها ايّاه لان الفؤاد يدرك بلااشارةٍ و لا كيفٍ و هذا المعني هو الذي اشار اليه اميرالمؤمنين عليه السلام لكميل حين قال له زدني بياناً يعني في تعريف الحقيقة التي سأل عنها فقال (ع) نور اشرق من صبح الازل فيلوح علي هياكل التوحيد آثارهُ فالوجود المقيد هو ذلك الذي اشرق من صبح الازل و صبح الازل الذي هو الوجود المطلق الذي هو المشيّة و الوجود المقيد هو محلّ الاشارة و الكيف و العين المُعَارة هي الجزء الاكبر من الانسان اي الوجود بدون الماهية و هو في الانسان بمنزلة فعل النار في السراج و الماهية بمنزلة الدهن و النار هي الوجود المطلق و هو وراۤء المقيّد لان المقيد هو مجموع النار و الدهن و قولي
«* جوامع الکلم جلد 2 صفحه 159 *»
فعل النّار اُريدُ بهِ النور من النار لان حقيقة النار هي الوجود المطلق و هو صبح الازل و النور من النار هو الجزء الاعلي من المقيد و الجزء الاسفل هو الماهيّة فالعين هي النور و هو البسيط قبل المركب و يدرك المركب بنوع ادراكه اي بلا اشارةٍ و لا كيف لان السابقَ يدرك اللَّاحِق و انما قلت فعل النار لان النار الاولي التي هي الوجود المطلق تأخذ من ارض الامكان ارض الجرز اربعة اجزاۤء من امكان رطوبتها و جزءاً من امكان يبوستها فتلطفهما فيكونان ماۤء فيقع علي مشاكلهما من ارض الامكان فيكون الموجود من الجميع فالماۤء وجود و المشاكل ماهية و هما الوجود كالنار في السراج فانها تأخذ من الدهن اربعة اجزاۤء من رطوبته و جزءا من يبوسته فتلطفهما حتي يتهيّأ بالنار هيئة الانارة فينفعل به ما يشاكله من الدهن و هو الدّخان و الحافظ له ما قارب الدخانية من الدهن فتدبّر المثال فقد كشفتُ لك في هذا الخطاب ما لاتراه في كتاب و لاتسمعه من جواب و اللّه ملهم الصواب و اليه المأب .
و كتب احمد بن زينالدين في العشرين من شهر رمضان سنة ثلث و عشرين من بعد المائتين و الالف و الحمد لله.