رسالة فی جواب الملا محسن المازندرانی
من مصنفات السید الاجل الامجد المرحوم الحاج
سید کاظم بن السید قاسم الحسینی اعلی الله مقامه
«* جواهر الحكم جلد 2 صفحه 101 *»
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله رب العالمين و الصلوة و السلام علي خير خلقه و مظهر لطفه محمد و آله الطاهرين.
اما بعد فيقول العبد الفاني الجاني كاظم بن قاسم الحسيني الرشتي ان جناب المولي الافخم و الماجد الاكرم العالم العامل و الفاضل الكامل . . . قد سأل عن مسائل انحطت دونها الاوهام و انحسرت دون ادراك حقايقها علي الحقيقة الاحلام و قد اتت الي الحقير في وقت كان القلب موزعا و البال مقسما و الاشغال متكاثرة و الاعراض متوافرة و الآلام متواترة و كنت كما قال الشاعر:
كم بجنبي من صبابة واد
كل آن حمامه نواحُ
فمن هذه الجهة قد تأخر جوابها و لميكشف عن وجه تلك المعضلات نقابها الي انرأيت ان تلك الاعراض لمتزل في ازدياد و الموانع ليس لها من نفاد و خفت انصرام الاجل و انقطاع الامل فبادرت الي رسم بعض الكلمات في الجواب اشارة الي نوع المراد من غير بسط في المقال و لا اطناب في الاستعمال اعتمادا علي فهمه العالي و ادراكه السامي و اتيت بما هو الميسور فانه لايسقط بالمعسور و جعلت كلامه سلمه الله متنا و جوابي كالشرح له ليطابق كل جواب بسؤاله كما هو عادتي في اجوبة المسائل.
قال سلمه الله تعالي بعد كلام: اسألك يا سيدي انتمن علي بشرح دعاء عظيم المنزلة جليل القدر عالي المضمون مروي في كتاب ربيع الاسابيع لمولانا الفاضل المجلسي (ره) عن السيد و غيره في الفصل العاشر منه في باب قضاء الحوائج بالدعاء يوم الجمعة بعد صوم ثلثة ايام و انه بحسن مضمونه و علو ظاهره و باطنه قد اعجبني كمال الاعجاب و تعلق به قلبي كمال التعلق قد صرفت اوقاتي في فهم ظواهره و بواطنه و لكن ما بلغته و كنت متفكرا في نفسي في النوم و اليقظة اني الي من ارجع حتي الهمت الرجوع الي جنابكم
«* جواهر الحكم جلد 2 صفحه 102 *»
سلمك الله تعالي فكتبته و ارسلته ملتمسا حل عقده و كشف ما خفي علي من مطاويه و المرجو من جنابك اسعاف حاجتي فان مثلك لايخيب السائلين المحتاجين.
اقول هذا الدعاء الشريف هو المشهور المعروف في كتب الادعية و هو كما ذكر ايده الله و سدده من المعضلات التي عجز عن كشف خفاياه و اسراره و بيان حقايقه و انواره طامحات العقول و الابصار و لكن بعض اولادي الصالحين و احبائي الروحانيين و اخلائي الصادقين اعزه الله و ابقاه و بلغه ما يتمناه حيث رأي ما انا عليه من تكثر الاشغال و تبلبل البال و اختلال الاحوال و عدم تمكني و فراغي لشرح هذا الدعاء الشريف بادر الي شرحه علي وجه الايجاز بعد ان التمست منه ذلك[1] لئلا يبقي مضامين هذا الدعاء في مكمن الخفاء و لميطلع عليه اهل الصدق و الوفاء فكتب ايده الله و تكلم في ظاهره و اشار الي بعض بواطنه و قد ارسلته الي جنابكم و انا علم الله في واسع العذر لكثرة المشاغل و قلة الاقبال و التوجه و نسأل الله سبحانه انيمدنا بالتوفيق حتي اتفرغ لشرحه علي ما ينبغي كما ينبغي مما يبلغ اليه فهمي القاصر من اطوار الباطن و الظاهر بما يشفي العليل و يبرد الغليل و الله سبحانه هو المستعان و عليه التكلان.
قال سلمه الله تعالي: و ايضا انتبين لي ببيان وضيح ان صدور الآثار الجزئية و الحوادث اليومية المختصة باوقات خاصة مثلا صدور زيد من الله تعالي هل هي بمشية كلية دهرية او سرمدية التي هي الحقيقة المحمدية باعتبار و مثال كلي باعتبار تشبهونه بالسراج و الشعلة و تعبرون عنها تارة بصبح الازل و الازل الثاني و تارة بالفعل بنفسه و الكاف المعكوس علي نفسه و تارة بالشجرة الالهية و النفس الرحماني و الهوية السارية و الوجود المطلق و غيرها علي ما بلغني من الشيخ الأجل المرحوم و من جنابك و تجعلون الائمة محال هذه المشية و منه تنسبون العلل الاربع الي الامام عليهالسلم.
«* جواهر الحكم جلد 2 صفحه 103 *»
اقول صدور الآثار الحادثة مطلقا كلية كانت او جزئية ذاتية كانت او عرضية عامة كانت او خاصة مطلقة كانت ام مقيدة علوية كانت ام سفلية مجردية كانت ام مادية اصلية كانت ام فرعية كلها عن الله سبحانه بالفعل اي بالمشية الاولية الالهية الكلية بوجوهها و رؤسها و متعلقاتها فان الحادث لايستغني عن القديم سبحانه و هو سبحانه لايباشر الاشياء بذاته و لايقارنها فان الاقتران دليل الحدوث فلميبق الا انه سبحانه يوجدها بفعله و الفعل هو الحركة الكونية الايجادية التي فيها ذكر الاشياء و صلاحيته للتعلق بها فتحصل بتلك الاذكار مناسبة بينه و بين الآثار الحادثة فيختص كل اثر بما يناسبه من هيئة فعل المؤثر اذ من البين ان بين الاثر و المؤثر لابد من مناسبة و مرابطة بها يقتضي صدور ذلك الاثر منه دون غيره و الا للزم صدور كل شيء من كل شيء و هو في البطلان بمكان و هذه المناسبة لاتخلوا اما انيكون بين الاثر و ذات المؤثر او بينه و بين فعله و من البين انها منتفية بينه و بين ذاته الاتري ان حسن الكتابة و قبحها لايدلان علي حسن ذات الكاتب و قبحها و انما يدلان علي حسن هيئة حركة يد الكاتب و قبحها و فصاحة الكلام و حسنه لايدل علي حسن ذات المتكلم و انما يدل علي حسن اداء الكلام بفعله و بالجملة فالمناسبة بين الفعل و المفعول لا بين ذات الفاعل و المفعول و هذا عندنا معلوم مبرهن في محله بالادلة القطعية من العقلية و النقلية و لايسعنا الآن تفصيل المقال في هذه الاحوال و الاشارة كافية لجنابكم فاذا كانت الاشياء انما توجد بالفعل لا بالذات اي الله سبحانه يوجدها بفعله لا بذاته بمعني ان فعله هو المباشر لا ان الذات معطلة و الاشياء محتاجة الي الفعل مستغنية عن الازل القديم ليكون الممكن الحادث اوجد نفسه بنفسه حاشا و كلا يا ايها الناس انتم الفقراء الي الله و الله هو الغني نعم المقارنة و المناسبة و المرابطة انما هي للفعل بالنسبة الي المفعولات لا الذات كما زعم اصحاب القول بالاعيان الثابتة و القول بان معطي الشيء ليس فاقدا له في ذاته و الفعل له ذات و له وجوه و رؤس بعدد المفعولات الحادثة مما وجد و ما سيوجد الي ما لانهاية له فاذا اراد الله سبحانه احداث شيء خاص من
«* جواهر الحكم جلد 2 صفحه 104 *»
الحوادث اليومية و غيرها انما يوجده بالفعل بالوجه الخاص المناسب لذلك الاثر مثلا لك ذات و لك فعل و هو الحركة من حيث هي سواء كانت غيبية او شهودية ظاهرية او باطنية قلبية او جوارحية و هذه الحركة اذا تحققت في نفسها قبل التعلق بمتعلق خاص لها صلاحية التعلق بكلما يمكن انيصدر عنك فبوجود الحركة وجد ذكر كلما يمكن انيوجد منك من حيث صلاحيتها للتعلق به و لميبق الا ذاتك و الذي يمتنع انيصدر عنك و ذلك هو مثال الامكان و الحركة من حيث هي هي مثال المشية الكلية الاولية ظهرت كعموم قدرة الله اذ لميبق ما لميذكر منها و لمتوجد صلاحية التعلق به الا الذات القديمة و الممتنع و ذلك هو الامكان و اليه الاشارة بقوله عليهالسلم جف القلم بما هو كائن يعني في الامكان يعني لميتسق شيء الا و قد ذكر في المشية و ما لميذكر هو الواجب و الممتنع و هذا الامكان هو متعلق المشية و تلك الحركة من حيث هي هي هي المشية الامكانية.
فاذا اردت احداث شيء خاص كالالف مثلا اوجدته بالحركة المستقيمة فالاستقامة وجه و رأس للحركة بها ناسبت الالف حتي صدر عنها الالف دون غيره و اذا اردت انتحدث الكاف او الجيم مثلا احدثتهما بالحركة المعوجة علي هيئتهما فبالاعوجاج ناسبتهما حتي صدرا منها دون غيرهما و هي المراد بالمناسبة و الرأس و الوجه و لاشك ان ذات الحركة في نفسها مجردة عن الاستقامة او الاعوجاج و انما هما هيئتان معتورتان علي الحركة الظاهرة في اليد الحاملة لها فاليد حاملة للحركة و هي محدثة للآثار بما حملته فلولا اليد ما ظهرت الحركة و لولا تلك الجهات المختلفة المعتورة علي الحركة لما اختلفت الآثار و لولا الحركة لما وجد شيء من آثارك و لولا ذاتك ماكان شيء اصلا فالآثار كلها عن ذاتك لكنها صادرة بفعلك الذي هو الحركة علي اختلاف جهاتها و تكثر شؤنها فالمناسبة بين الآثار و تلك الجهات لا نفس الحركة فضلا عن الذات البحت و اليد محل للحركة و مكمن و مسكن لها فالذات مثال القديم سبحانه و تعالي و لله المثل الاعلي و الحركة المطلقة من حيث هي هي قبل
«* جواهر الحكم جلد 2 صفحه 105 *»
التعلق بالمتعلق الخاص مثال الفعل الكلي الذي هو المشية الكلية و ذكر تلك الآثار في نفس الحركة اي صلاحيتها للتعلق بها مثال الامكان و الاعيان الثابتة في المشية الامكانية قال تعالي بل اتيناهم بذكرهم فهم عن ذكرهم معرضون و اليد حين انجعالها من المشية و صدورها منها اولا و بالذات مثال الحقيقة المقدسة المحمدية التي هي عبارة عن الحقيقة المطلقة البسيطة المتعينة في عالم الكون و الظهور باربعة عشر حقيقة و ذلك كلي انواره اربعة عشر كما ان الانسان علي متفاهم الناس افراده لاتتناهي و الوجود الخاص المتعينة المتعلقة بآثار جزئية خاصة مثال الافعال الجزئية متعلقة بالآثار الجزئية والحوادث اليومية فلك انتنسب هذه الآثار الي الحركة و لك انتنسبها الي اليد و لك انتنسبها الي الاسم لا الفاعل و لك انتنسبها الي الذات و للكل وجه وجيه و معني صحيح الا ان الذات هي المستقلة و ما سواها اسباب وصول تأثيرها الي آثارها و كلها من العلل الفاعلية اما سمعت الله سبحانه نسب الفعل الي الذات مرة و الي المباشر اخري كما قال تعالي الذين يكتبون الكتاب بايديهم ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمنا قليلا فجعل فاعل الكتابة الذوات و الحقايق و جعل اليد سببا لايصال آثار الذات الي الكتابة ثم نسب الفعل الي اليد و جعلها هي الفاعلة في قوله تعالي بعد ذلك فويل لهم مما كتبت ايديهم و ويل لهم مما يكسبون و جعل الفعل منسوبا الي اليد و جعلها فاعل كتبت و قال تعالي انه لقول رسول كريم اي القرآن مع ان القرآن كلام الله و امثال ذلك كثيرة فنسبة الفعل الي الاسباب شايعة ذايعة فاذا قيل ان الحقيقة المحمدية9 هي العلة الفاعلية يراد بها انها يد الله و بها ينفق كيف يشاء كما قال تعالي بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء فاذا اتقنت هذا المثال الذي ضربه الله سبحانه و قال و يضرب الله الامثال للناس، و ما يعقلها الا العالمون و قال تعالي و كاين من آية في السموات و الارض يمرون عليها و هم عنها معرضون علمت ان الآثار مطلقا جزئية كانت ام كلية صادرة عن الله سبحانه بالمشية بوجوهها و رؤسها حين كونها ظاهرة في الحقيقة المحمدية9 و هي المحل و تلك الحال و الاثر انما يظهر من الحال حين
«* جواهر الحكم جلد 2 صفحه 106 *»
ظهوره في المحل كالنار انما تضيء اذا كانت متعلقة بالدهن و امثاله فلولا هذا المحل ما ظهر اشراق النار و كالشمس فانها تحرق اذا ظهرت في البلور فلولا البلور ما ظهر احراق نور الشمس و كذلك نسبة الحقيقة المقدسة الي المشية نسبة الدهن الي السراج و هي الشجرة الزيتونة التي ليست بشرقية و لا غربية يكاد زيتها يضيء و لو لمتمسسه نار المشية فلما مسته النار كان سراجا وهاجا اضاء الكون و المكان كما قال تعالي يا ايها النبي انا ارسلناك شاهدا و مبشرا و نذيرا و داعيا الي الله باذنه و سراجا منيرا فهو السراج المنير و العالم كله نوره و علي اميرالمؤمنين عليهالسلم نفسه و الائمة الاحد عشر و فاطمة الصديقة جزؤه و اولاده و قد نص علي الاول آية المباهلة و علي الثاني قوله تعالي و جعلوا له من عباده جزءاً حين قالوا ان الملائكة بنات الله و قوله تعالي ذرية بعضها من بعض و من تفيد التبعيض فافهم و اشرب عذبا صافيا هذا ما يتعلق باصل المسألة بالاجمال في كيفية صدور الحوادث.
و اما قولكم فهي بمشية دهرية او سرمدية، ففيه ان المشية لاتكون دهرية فان الدهر وعاء المجردات التي اولها العقل الكلي و آخرها عالم المواد الجسمانية و عالم المثال برزخ بين الدهر و الزمان و جهة الاعلي في الدهر و الاسفل في الزمان و الزمان وعاء الاجسام مبدءها محدد الجهات الي آخر المراتب الجسمية و اما السرمد فهو وعاء الوجود المطلق و المشية الكلية و عالم فاحببت اناعرف (و اما الحقيقة الوجود المطلق و المشية الكلية و عالم فاحببت اناعرف اين قسمت ظاهرا تكرار شده) و اما الحقيقة المحمدية (ص) فبالنسبة الي السرمد و الدهر بين بين فوجهه الي السرمد و هو في الدهر علي احد الاطلاقات و المقامات و اما الازل فهو القديم الذات لميزل بلافرض المغايرة بحال من الاحوال فلما (فما ظ) يصح انتكون المشية الكلية دهرية ابدا بوجه من الوجوه و اين الدهر منها نسبته اليها نسبة العدم الي الوجود كما حققناه في محله.
و قولكم التي هي الحقيقة المحمدية باعتبار، فان كان مرادكم باعتبار اطلاق الحال علي المحل او الجزء علي الكل في مقام فصحيح و الا فباطل فان
«* جواهر الحكم جلد 2 صفحه 107 *»
الله سبحانه جعلهم محالا لمشيته و السنة لارادته كما قال مولانا الحسين7 في قنوته علي ما رواه السيد في مهج الدعوات الي انقال7 انت الذي جعلت قلوب اوليائك مسكنا لمشيتك و مكمنا لارادتك و جعلت عقولهم مناصب اوامرك و نواهيك و انت اذا شئت (ما تشاء ظ) حركت من اسرارهم (كوامن ظ) ما ابطنت فيهم.
و قولكم و مثال كلي، و هذا و ان صح اطلاقه علي المشية علي وجه بعيد الا ان الاطلاق علي الحقيقة هو الاصل و الحقيقة و في الزيارة الجامعة و المثل الاعلي و قال اميرالمؤمنين7 في وصف الملأ الاعلي تجلي لها فاشرقت و طالعها فتلألأت فالقي في هويتها مثاله فاظهر عنها افعاله و هم الملأ الاعلي علي الحقيقة اذ ليس اعلي منهم موجود ابدا فهم المثال و الهوية الملقاة و بهم تظهر الافاعيل فافهم صلي الله عليهم.
و قولكم تشبهونه بالسراج و الشعلة، فيه انا لانشبه المشية بالسراج و الشعلة بل السراج مثال العقل الكلي و النور المحمدي فضلا علي الحقيقة فضلا عن المشية فان الله سبحانه ذكر المصباح و السراج في القرآن و قال انه مركب من مس النار و الدهن فالدهن قابلية العقل و مس النار هو الوجود المعبر عنه بالحقيقة و النفس و نفس النار هي المشية فاين السراج ح من المشية و هذا هو الحقيقة و لو مثلناها بالسراج في بعض الاحيان فان المثال مقرب من وجه و مبعد من كل الوجوه فافهم فان شرح هذا المقال يستدعي البسط في المقال و ليس لي الآن ذلك الاقبال.
و اما قولكم تعبرون عنها بصبح الازل و الازل الثاني، فصحيح لا شك فيه اما صبح الازل فمأخوذ من كلام اميرالمؤمنين7 في حديث كميل نور اشرق من صبح الازل فيلوح علي هياكل التوحيد آثاره فان الصبح اول ظهور الشمس و اول ظهور الحق سبحانه بالمشية لانها فعله و الذات انما تظهر بآثارها فاول الآثار مباديها و اعلي المبادي هو الفعل فيكون هو صبح الازل الذي هو اول ظهور شمس الازل و اما الازل الثاني فمأخوذ ايضا من كلام اميرالمؤمنين7
«* جواهر الحكم جلد 2 صفحه 108 *»
في دعاء عديلة وجوده قبل القبل في ازل الآزال و بقاؤه بعد البعد من غير انتقال و لا زوال فاذا كان الازل يقبل التعدد فيكون حادثا و لا ينافي اللانهاية الحدوث كما ان العدد حادث لا نهاية لاوله و لا غاية لآخره فالازل له اطلاقان احدهما علي الله سبحانه و ثانيهما علي الحوادث فيكون اول الآزال في الرتبة الثانية اي رتبة الامكان هو الفعل و المشية و قال اميرالمؤمنين7 انا الازلية الثانية و صاحب الازلية الاولية المراد بالصاحب المجلي اي صاحب ظهور الازلية القديمة اي الله سبحانه اول ما ظهر بفعله لمخلوقاته حتي يعرفوه انما ظهر به لانه محل فعله و لايظهر الفعل الا به فهو المظهر الكلي و الباب الاعظم و هو قوله تعالي في الحديث القدسي ما وسعني ارضي و لا سمائي و وسعني قلب عبدي المؤمن و هو7 المؤمن الذي وسع قلبه الشريف المعبر عنه بذاته و حقيقته جميع الشؤن الربوبية و المظاهر الرحمانية.
و اما قولكم الكاف المعكوس علي نفسه، فليس هنا بعبارة الشيخ المرحوم و لا هو بمقالته بل انما قال اعلي الله مقامه و رفع في الدارين اعلامه و الكاف المستديرة علي نفسها تدور علي نفسها علي خلاف التوالي و نفسها تدور عليها علي التوالي و اما الحروف المعكوسة من الالف و الكاف الي باقي الحروف فهي علي اصطلاحه و في الواقع هي الحروف المثبتة في سجين المؤلف منها كلماتها الظاهرة منها دلالاتها الظلمانية المعكوسة و اين هي من هذا المقام الذي نور الانوار و عنصر الاخيار.
و اما قولكم و تارة بالشجرة الالهية و النفس الرحماني، فصحيح لا شك فيه و لا ريب يعتريه و هي من التعبيرات الحقيقية التي لا مناص عنها و لا اصح منها كما شرحناها في محلها.
و اما قولكم و الهوية السارية و الوجود المطلق، اما الهوية السارية فلايصح اطلاقها عليها لان المشية ليست هي الحقيقة المنبسطة السارية في اطوار الكائنات بحيث انتكثر الاشياء انما كانت بتعيناتها و تشخصاتها و حدودها و اعراضها و الا لكان مفعولا و لميكن فعلا الاتري ان الآثار الصادرة منك ليست
«* جواهر الحكم جلد 2 صفحه 109 *»
هي عين حركتك التي هي الفعل فليست الكتابة هي الحركة المحدودة بحد خاص بالضرورة بل الحركة انما اوجدتها و شابهتها في وجه تعلقها بها فان الالف المكتوب ليس حركة يد الكاتب و انما الحركة علة وجوده و انما نشأ الالف علي هيأة حركة اليد علي الوجه المخصوص فليست المشية هي الهوية السارية و هذا مذهب ضرار و اصحابه الذين اخبر عنهم مولانا الرضا7 و كذلك هو مذهب بعض الصوفية الذين قالوا ان الوجود بشرط لا هو الوجود الحق اي بشرط تنزهه عن جميع الحدود و النقايص و الوجود بشرط شيء هو الحوادث و المقيدات و اصله الوجود المقيد و الوجود لا بشرط و هو الوجود المنبسط الذي مع الواجب واجب و مع الممكن ممكن و مع الشيء شيء و مع اللاشيء اللاشيء، و سمعت من بعض المتعسفين منهم ان هذا هو الفعل و لتحقيق الكلام محل آخر و لسنا الآن بصدد تحقيق المسألة بل انما المقصود تصحيح العبارة و بيان ان الذي تنسبه عامة الناس الي العلماء الربانيين اغلبها كما تري ليس بصحيح كما عرفت.
و اما الوجود المطلق فلاريب في صحته و لكن هذا الاطلاق ليس علي ما تعرفه عامة اهل العلم بانه امر وجداني ساذج قابل للتقييد بالحدود و المشخصات فان هذا هو الهوية السارية التي نفيناها و انما المراد ان الحادث علي قسمين قسم في تكونه و انجعاله و انصداره لايكفي وجود الفاعل وحده بل يتوقف وجوده علي شرايط اخر و هي المتممات عندنا كالكتابة مثلا فان وجود الكاتب وحده لايكفي في ايجاد الكتابة بل الكتابة لضعف قابليتها تحتاج في وجودها الي قلم و لوح و مداد و يد و حركة فاذا نقص واحد منها يتأخر وجودها و ذلك ليس بلازم انيكون من جهة نقصان في الفاعل بل قد يكون لضعف في القابل بحيث لايمكن انينجعل الا بذلك الشرط و لولا ذلك لميجز حصول الكائنات و الحوادث علي التدريج لان قطع الفيض قبيح و البخل في المبدأ الفياض اقبح و تأخير ما لايستدعي تأخيرا في نفسه بذاته و لا بقراناته الخارجية وضع للشيء في غير موضعه و ذلك هو الظلم المحال علي الله سبحانه
«* جواهر الحكم جلد 2 صفحه 110 *»
و ذلك التوقف المستدعي للتقدم و التأخر هو الحكمة التي تقتضي ترتيب الاشياء و نظمها علي النظم الطبيعي الالهي و بالجمله (بالجملة ظ) لسنا الآن بصدد تحقيق هذه المسألة و انما المراد الاشارة لذلك الجناب لئلا اكون مانعا للحكمة عن اهلها و هذا القسم هو المسمي بالوجود المقيد و قسم بخلاف ذلك و هو الذي لايحتاج الي غير فاعله و لايتوقف علي غير جاعله و انما هو محض الافاضة و الجود فانقطع رجاه عن الكل اليه سبحانه في التكوين و ذلك هو الفعل اذ ليس وجوده مشروطا و مقيدا بشيء اصلا غير الذات بخلاف ما سواه فانه موقوف و مقيد و لو بالفعل فيكون الفعل الذي هو المشية و الارادة و الاختراع هو الوجود المطلق بالمعني الذي ذكرنا و كلما سواه هو الوجود المقيد فافهم.
و قولكم علي ما بلغني عن الشيخ الاجل المرحوم و عن جنابك، لايخفي علي جنابكم ان الناس شأنهم و ديدنهم انيكذبوا علينا و ينسبوا الاباطيل الينا كما فعلوا بائمتنا و ساداتنا سلام الله عليهم و يمزجون بين الحق و الباطل و الصحيح و الفاسد لرواج باطلهم و اظهار ضغاينهم سيجزيهم وصفهم انه حكيم عليم و الحق من هذه العبارات هو الذي ذكرنا و الباطل هو الذي نفيناه فتدبر.
قال سلمه الله تعالي: او بمشيئات جزئية حادثة من الله وقت حدوث تلك الآثار الجزئية انكان الامر علي الازل فكيف ربط الحادث الجزئي بتلك المشية الازلية علي بعض معاني الازل او الدهرية و كيف يقال هو تعالي كل يوم في شأن و ايضا علي هذا التقدير هل صدور تلك الجزئيات من مشية اخري صادرة من المثال الاولي و المشية الاولي او من نفس تلك المشية الاولي بلا واسطة شيء من مشية او غيرها مع اني سمعت بالواسطة من الشيخ الاجل ان صدور هذه الآثار بالجزئية من الله ابتداء بلاواسطة نظير ما قالته الاشاعرة القائلون بالجبر و ان كان علي الثاني فما معني قولكم الاشياء كلها صادرة من الامام و اشعة و اضواء الشمس الحقيقة التي هي الحقيقة المحمدية و الآليةو العلل الاربع هي نفس الامام بمعني ضوئه و عكسه و الحال ان من البديهيات ان الامام او الحقيقة المحمدية9 ليس هذه المشية الجزئية
«* جواهر الحكم جلد 2 صفحه 111 *»
الحادثة من الله وقت حدوث هذا الاثر الجزئي الزماني بالجملة العاقل تكفيه الاشارة باليقين فهمت مرادي من هذه الكلمات الوجيزة التي كتبتها بالعجالة حين ارادة الركوب بمجمع المباحثة و اختلال الحواس فامنن علي باسعاف حاجتي فانك كريم من اولاد الكرام: و عليك رحمة الله و بركاته.
اقول قد قلنا لكم سابقا ان المشيئات الجزئية حدود و وجوه و رؤس للمشية الكلية و هي ليست امرا مبائنا لها حتي يسأل عن الربط بينها و بينها بل انما هي هي من حيث ظهورها بهذا الوجه الخاص كما مثلنا لك بالحركة فان لك حركة كلية غير مقيدة بقيد خاص و حد معين و لك حركات جزئية متعلقة بمتعلقات خاصة مناسبة لذلك المتعلق كحركة القيام و القعود و الاكل و الشرب و غير ذلك و هذه جزئيات تلك و حدودها و تشخصاتها فالمشية الكلية هي المتعلقة بالحقيقة المقدسة المحمدية صلي الله عليها فهي الحاملة حمل البلور لحرارة نور الشمس فهي باعتبار تعلقها بها تظهر منها آثارها فاذا وجد متعلق خاص تشرق عليه اشراقا خاصا و اذا كان لذلك الاشراق اشراق تظهر بظهوره علي ذلك الاشراق حتي حصل منه اشراق فالاشراق الثاني مستمد و مرتبط بالاشراق الاول و هو قطب له و هذا الاشراق وجه و اثر للمشية الكلية و هكذا الحكم في تمام السلسة الطولية فان المتأخرة قائمة و متقومة بالمتقدمة و هي وجه المشية الظاهرة لها بها كما انك تقابل مرآة تنطبع صورتك فيها فالصورة الظاهرة في المرآة قائمة بمقابلتك اياها و تلك هي المشية الكلية ثم اذا تكثرت المرايا تعددت جهات تلك المقابلة اي تشخصت و تعينت فكل مقابلة خاصة في مرآة خاص علي وجه خاص وجه من المقابلة العامة الكلية الشاملة لتلك المرايا كلها فهي المشيئات الجزئية المتعلقة بتلك الآثار الجزئية و هي المسماة عندنا بالرؤس و الوجوه و هذه الجزئيات حدود تلك الكلية كما ان الحوادث اليومية حدود الحقايق الكونية المتنزلة من العوالم العلوية الموجودة في الخزائن المتعددة الثابتة للشيء الواحد اما سمعت الله يقول و ان من شيء الا عندنا خزائنه و ما ننزله الا بقدر معلوم فافرد الشيء و جمع الخزائن و الخزينة السفلي
«* جواهر الحكم جلد 2 صفحه 112 *»
وجوه و حدود للخزينة العليا في السلسلة العرضية مثلا زيد هو حد الانسانية الكلية و حد الجسمية الكلية و حد الاعراض الكلية و الانسانية حد الحيوانية الكلية و الجسمية حد المادة الكلية و الحيوانية حد الوجود نور الله الفؤاد و باب المراد و هو حد الظهور المطلق و المصدر و المفعول المطلق و هو متعلق المشية الكلية الغير المحدودة و حدودها متعلق حدود المشية و وجوهها فكل شيء يتعلق بما يناسبه الا ان في الكلي علي الوجه الكلي و الجزئي علي الوجه الجزئي مع وجود كمال الربط او المناسبة هذا في السلسلة العرضية.
و اما في السلسلة الطولية اي سلسلة العلل و المعلولات فالمشية الكلية متعلقة بالفيض الاقدس و النور المقدس و نورها متعلق بنوره و شعاعها بشعاعه و جمالها بجماله الذي هو السلسلة الثابتة مقام الانبياء و نور نور المشية و شعاع شعاعها متعلق بنور نور المجعول الاول المفعول المطلق المعبر عنه بالحقيقة المحمدية صلي الله عليها و ذلك رتبته الرعية من الانسان و هي السلسلة الثالثة شعاع الشعاع و جمال الجمال و هكذا الي آخر المراتب الثمانية و هي مرتبة الجمال و هي في انجعالها متقومة بمرتبة النبات المتقومة بمرتبة الحيوان المتقومة بمرتبة الملك المتقومة بمرتبة الجن المتقومة بمرتبة الانس المتقومة بمرتبة الانبياء المتقومة بمرتبة الحقيقة المقدسة المتقومة بالمشية علي ما بينا في كمال الانتظام و الربط كما انك لو قابلت مرآتا تنطبع فيها صورتك ثم اتيت بمرآة اخري تقابل المرآة التي فيها صورتك فتنطبع في الثانية صورة الصورة ثم بالثالثة تقابل الثانية فتنطبع فيها صورة الثانية ثم بالرابعة و هكذا الي ما لانهاية له فالصورة الاخيرة شعاع و نور لما فوقها متقومة بها قيام صدور و هي شعاع و نور لما فوقها متقومة بها كذلك حتي تنتهي السلسلة الي الصورة الاولي المتقومة بمقابلتك التي هي المشية الكلية لك و الكل قائم بذاتك بلا كيف و لا اشارة فافهم و لقد كررت العبارة و رددتها للتفهيم فافهم.
و قولكم و كيف يقال هو تعالي كل يوم في شأن الخ، كيف لايقال و اي مانع منه بل الذي ذكرنا و بينا محقق ذلك القول و مؤكده فانه تعالي كل يوم في
«* جواهر الحكم جلد 2 صفحه 113 *»
شأن بمشيته (ظ) الكلية باشراقها و اشراق اشراقها و اشراق اشراق اشراقها و هكذا في السلسلة الطولية و بوجوهها و رؤسها و جهاتها في السلسلة العرضية فالمشية واحدة و الوجوه و الرؤس مختلفة كالشعاع و شعاع الشعاع و شعاع شعاع الشعاع و الماء واحد و الجهات و الآثار مختلفة قال تعالي و ما امرنا الا واحدة و قال تعالي انما امره اذا اراد شيئا انيقول له كن فيكون.
فكن هو المشية و يكون هو المشاء و هي واحدة متعلقة بواحد كما قال تعالي ما خلقكم و لا بعثكم الا كنفس واحدة فالنفس من حيث هي هي واحدة و جهاتها و تنزلاتها و شؤنها و اطوارها و آثارها كثيرة فالمشية بذاتها متعلقة بذلك الامر الواحد و بوجوهها و جهاتها بوجوهها و جهاتها و الفيض لاينقطع و حصول الكثرات بقران الاشياء بعضها ببعض و اضافاتها و نسبها المتقومة بالمشية الجزئية التي هي وجه للمشية الكلية لاينقطع فاذن كل يوم من ايام الشأن هو تعالي في شأن اي في اظهار شأن من الشؤن الفعلية المتعلقة بالحوادث الجزئية التي هي مظهر صفة و اسم من الاسماء الفعلية كالجلال و الجمال و العظمة و النور و البهاء علي ما هو المفصل بعضه في دعاء سحر لشهر رمضان ثم اجمل في المقال في آخر الدعاء بقوله7 اللهم اني اسألك بما انت فيه من الشئون و الجبروت و اسألك بكل شأن وحده و جبروت وحدها الخ و هذه الشؤن هي الجهات الفعلية المتعلقة بالآثار الجزئية المشتق منها اسم من الاسماء كما يشتق لك عند ايجاد القيام الاسم القائم و القعود الاسم القاعد و الكتابة الكاتب و الضرب الضارب و هكذا من ساير الاسماء و هي كلها اسماء جزئية فعلية حصلت عند احداثك الحدث الخاص و الاثر المخصوص فالآثار لانهاية لها كالاسماء المربية لها و هي مظاهر الافعال الخاصة فالاشياء كلها بجميع جهاتها صادرة عن الله تعالي بالمشية الكلية من حيث ظهورها في الحقيقة المحمدية فالذوات من ذاتها استفادت تذوتاتها و الصفات من صفاتها تذوتاتها و من هيئاتها توصيفاتها فافهم فلولا ان القلب متوزع و البال متشوش لاطلقت عنان القلم في هذا الميدان و لاريتكم من عجايب البيان ما لارأته عين و
«* جواهر الحكم جلد 2 صفحه 114 *»
لا سمعت اذن و لا خطر علي قلب انسان و في ذلك كفاية لاهل الدراية.
و قولكم هل صدور تلك الجزئيات الخ، جوابه ان صدورها من نفس المشية الاولي لا من حيث هي بل من حيث حدودها و جهاتها و وجوهها و رؤسها فان قلت بالمشية الاولي صدقت و ان قلت بالمشيئات الجزئية صدقت و ان قلت برؤسها و حدود الكلية صدقت و الكل ينبئ عن معني واحد.
و ما الوجه الا واحد غير انه
اذا انت عددت المرايا تعددا
و قولكم مع اني سمعت بالواسطة من الشيخ الاجل ان صدور هذه الآثار الجزئية من الله تعالي بلاواسطة نظير ما قالته الاشاعرة القائلون بالجبر، ذلك هو البهتان العظيم و الافك المفتري و حاشا انيقول مولانا ذلك و هو الذي هذب قاعدة امكان الاشرف و بطلان الطفرة و ان الاشياء لها سلسلتان الطولية و العرضية و غير ذلك سبحانك هذا بهتان عظيم.
و قولكم و ان كان علي الثاني فما معني قولكم الاشياء كلها صادرة عن الامام الخ، جوابه ان الاشياء كلها صادرة عن الله سبحانه بمشيته و لما كانت الطفرة باطلة في الوجود كان اول ما تعلق به الجعل اشرف الكائنات و اعلاها و احسنها و لما قامت ضرورة الاسلام ان محمدا9 اشرف الكائنات كان هو و نفسه الشريفة اول المخلوقات و اول متعلق جعل باري المسموكات فلما تقدموا في الوجود كان كلما يصدر عنه تعالي سواهم ادني منهم درجة و اسفل منهم مرتبة و لا شك ان السافل اذا لميتلق الفيض من المبدأ بواسطة العالي لميكن سافلا بل كان عاليا اذا تلقاه من المبدأ بلا واسطة هف كما ان الاشعة لاتمكن ان تأخذ النور من النار الا بواسطة السراج و ان كان السراج اي الشعلة متقوما بالنار الا انها تمد الشعلة اولا ثم تمد الاشعة بواسطة الشعلة و محال انيصل النور الي الاشعة قبل السراج او يصل اليها معه و الا لساوته او كانت اعلي منه هف و محال انيكون السراج مستقلا في هذا العطاء من دون النار لانها اذا قطعت تعلقها منه انطفي و ليس فيه نور ابدا فالسراج لايزال يستمد من النار و يستفيض منها و واقف بفقره و قابليته علي باب النار التي هي مسها و
«* جواهر الحكم جلد 2 صفحه 115 *»
النار لاتزال تمده و تفيض عليه و جعلته بابا لفيضه و حاملا لعطائه او عرشا لاستوائها و هو لايزال يمد الاشعة و الاضواء حال كونه محفوظا بالنار و متقوما بها فالمدد من النار اظهرته في السراج بقابلية الدهن و هي من حيث ظهورها فيه تمد الاشعة فان شئت قلت ان الاشعة صادرة عن النار و هو الحقيقة و ان شئت قلت انها صادرة عن النار بواسطة السراج و هو القول بملاحظة المبادي و الاسباب و ان شئت قلت انها صادرة عن السراج بالنار و ان السراج لايملك لنفسه نفعا و لا ضرا و لا موتا و لا حيوة و لا نشورا ليس لك من الامر شيء مع هذا كله جعلته النار بابا لعطائها تعطي جميع ما سواها منه و قد سبق منا ان الفعل قد ينسب الي السبب القريب كما في قوله تعالي انه لقول رسول كريم و قوله تعالي فويل لهم مما كتبت ايديهم و قد ينسب الي الذات الفاعل الحقيقي بلا ملاحظة الاقتران و الاتصال و الانفصال و النسبة و امثالها من القرانات الفعلية الحادثة فاذا عرفت هذا المثال الذي ضربه الله سبحانه ثم وصف نبيه9 بانه السراج المنير و مثل له لانه نور الله بالمصباح ابن عليه امرك في معرفة قول القائل ان الاشياء صدرت عن الامام و الحقيقة المحمدية صلي الله عليها ان الحقيقة المقدسة هي السراج الوهاج و المشية هي النار اي نار الشجرة التي ليست شرقية و لا غربية و الله سبحانه من ورائهم محيط و الاشياء كلها اشعة و اضواء فانظر هل للاشياء اي الاشعة غني عن السراج و هل للسراج غني عن النار الظاهرة بالدهن المعبر عنها بالمس في قوله تعالي و لو لمتمسسه نار و هل للنار الظاهرة غني عن النار الغيبية مع ان الاشعة منسوبة الي السراج بلا عزلة بمعني رفع يد النار عنه و الا لميكن شيء فافهم ضرب المثل فان الله سبحانه يقول و ما يعقلها الا العالمون.
و قولكم و العلل الاربع هي نفس الامام7 بمعني ضوئه و عكسه.
اما العلة الفاعلية فمن جهة انه7 يد الله و انه السبب الاعظم و انه السراج المنير.
«* جواهر الحكم جلد 2 صفحه 116 *»
و اما العلة المادية فمن جهة ان الموجودات خلقت من اشعة انوارهم فنورهم: مادة لجميع الموجودات او عكسهم فهم العلة المادية بنورهم لا بذاتهم كما زعمه بعض الجهال و نسب الي شيخنا العلامة رفع الله اعلامه القول بان الحقيقة المحمدية صلي الله عليها مادة لجميع الاشياء كالخشب الذي هو مادة للسرير و الباب و الصنم و غيرها و هذا كذب محض و افتراء صرف و جهل بحت بل لما استفاضت الاخبار عنهم: و تواترت ان الشيعة انما خلقوا من شعاع نورهم نسب الي نورهم العلة المادية و حيث ان نورهم و شعاعهم لايذكر معهم لاضمحلاله دونهم: قيل انهم: العلة المادية كما ان صفات الافعال موصوفها الفعل لكنها تنسب الي الله سبحانه فتقول هو الله الخالق البارئ المصور و لا نقول الفعل هو الخالق مع اتفاقهم علي ان الصفة الفعلية حادثة و الصفة الذاتية قديمة و قد شرحنا هذه المسألة علي اكمل ما ينبغي في بعض رسائلنا.
و اما العلة الصورية فمن جهة ان الموجودات كلها انما تمايزت بقبول ولايتهم و تركها فمن قبلها خلق علي الصورة الانسانية و هيكل التوحيد و من انكرها خلق علي الصورة الشيطانية و هيكل الكفر و النفاق فمن الناس من انكر ظاهرا و اقر باطنا مثل كلب اصحاب الكهف فكانت صورته الظاهرية صورة الكفر و النفاق و الباطنية علي الصورة الانسانية و منهم من اقر ظاهرا و انكر باطنا كالكفار و المنافقين فخلق ظاهرهم علي صورة الاجابة الظاهرة و باطنهم علي صورة الكفر و النفاق و تفصيل هذا المقال يطلب في ساير ما كتبنا من رسائلنا و مصنفاتنا.
و اما العلة الغائية فهي معروفة عند كافة العوام فلايحتاج الي شرح و ايضاح فاذا قيل انهم العلل الاربع فذلك علي المعني الذي ذكرنا و التفسير الذي سطرنا فافهم.
و قولكم و الحال ان من البديهيات ان الامام او الحقيقة المحمدية ليس هذه المشية الجزئية الحادثة وقت حدوث هذا الاثر الجزئي، ذلك لا شك فيه
«* جواهر الحكم جلد 2 صفحه 117 *»
فان الحقيقة المقدسة ليست هي المشية الجزئية و لا الكلية بل انما هي محلها و موقعها فهي محل المشية الكلية من حيث ذاتها و محل المشية الجزئية من حيث جهاتها و اطوارها و اشعتها و انوارها كاليد الحاملة للحركة الكلية و الجزئية و حدوث الآثار الجزئية في الاوقات المخصوصة لاينافي كونهم محلا للمشية الخاصة بها كما ان الشمس هي المشرقة و كلما حدث جسم كثيف وقع اشراقها عليه بالوجه الخاص به و كاليد كلما تريد انتحدث من الآثار الجزئية تعلقت حركة يدك به و لا فرق في ذلك بين الكلي و الجزئي و الذاتي و العرضي و الاصلي و الفرعي و التدريجي و الدفعي حسب توقفها علي الشرايط من الاوضاع و القرانات الخاصة و هي اما موجودة في عالم الاكوان محبوسة في خزينة من الخزاين ينتظر توفر اسبابها للنزول الي الخزينة بعدها او هي مذكورة في عالم الامكان توفرت اسباب وجودها و شرايط ظهورها فتعلق بها رأس من المشية الكلية الظاهرة في الحقيقة المحمدية و لذا قال تعالي و ان من شيء الا عندنا خزائنه و ما ننزله الا بقدر معلوم فبين ان الشيء الواحد له خزاين متعددة ينزل منها اذا تمت شرايطه و اسباب وجوده في تلك الخزينة و قال7 في تفسير قوله تعالي كل يوم هو في شأن، شؤن يبديها لايبتديها فافهم فهمك الله تعالي.
و حيث ان جنابك ذكر ما نسب الينا من اسامي الفعل و المشية الكلية و فيه ما يوافق الحق و فيه ما يخالف احببنا اننذكر اسمائها مما نستعلمه حتي لايشتبه عليك فيما بعد فنقول ان تلك الذات المقدسة الشريفة لها اسماء كثيرة قد استعملها سادات البرية سلام الله عليهم باعتبارات مختلفة و جهات متشتتة متفاوتة فمن حيث انها جهة الحق سبحانه و ذكره و مذكوريته في الامكان سميت ظهورا و تجليا اوليا و من حيث انها ظهوره سبحانه لغيره و موصلة فيضه الي ما يريد سميت فعلا و حركة ايجادية و من حيث انها ادل الذكر و المذكور و بها نشأت الاشياء و تأصلت سميت مشية كما قال7 و هو منشئ الشيء اذ لا شيء اذ كان الشيء من مشيته و من حيث انها مبدأ الصور و الاعيان سميت ارادة و من حيث انها تكونت لا من شيء سميت اختراعا و من حيث انها تكونت
«* جواهر الحكم جلد 2 صفحه 118 *»
لا بشيء و لا علي احتذاء مثال سميت ابتداعا و من حيث انها اول مظاهر الحق و ظهوراته في الامكان سميت التعين الاول و من حيث انها الاصل المتشعب عنه الحدود و الجهات و الحيثيات سميت شجرة مباركة و من حيث انها مبدء الايجاد و علته و اول الميل الامكاني سميت محبة و من حيث ان بها الاحسان و الامتنان و من اثره الماء الذي به كل شيء حي سميت رحمة و من حيث ان بها تدبير الحق في الخلق و هي الآخذة بذمام كل شيء و بناصية كل دابة سميت ولاية مطلقة و من حيث انها لا غاية لاولها و لا نهاية لامدها و انقطعت عند ربها و باريها سميت ازلا ثانيا و من حيث انها اول ظهور الحق في الخلق سميت صبحا الصبح الازل و من حيث انها اول الاصول واصلها و غايتها و بها نشوها و اليها عودها سميت آدم الاول و من حيث انها لاتتوقف في تكونها و انصدارها علي شرط و سبب سوي ذاتها سميت الوجود المطلق و من حيث ان كل الظهورات و التجليات الالهية انما هي بفاضل تجليه لها سميت الاسم الاعظم الاعظم الاعظم و من حيث انها متممة لحقايق الامكان و الاكوان و متممة لنفسها بنفسها بالله سبحانه سميت الكاف المستديرة علي نفسها و من حيث انها علة العلل و مبدأ المبادي سميت السر المقنع بالسر و السر المجلل به و من حيث ان الماء الواقع علي ارض الجرز انما نشأ منها و صدر عنها و تأصل بها سميت سحابا و من حيث انها اللفظ الصادر عن فعله بنفسه سميت كلمة و من حيث انها حكم الله علي الموجودات سميت امرا و من حيث انها الظاهرة بمحلها و موقعها سميت الحقيقة المحمدية تسمية للحال باسم المحل و من حيث انها المستديرة علي نفسها و قطب لما سواها سميت فلك الولاية المطلقة و من حيث انها الذكر الاول للاشياء سميت علما و غيرها من الاسماء الموضوعة لها بحسب جهاتها و اطوارها، فافهم و ابن عليه ما لميذكر اذ قد اعطيناك اصلا كليا و بابا ينفتح منه الف ابواب (كذا) و صلي الله علي محمد و آله الاطياب و الحمدلله رب العالمين.
(خاتم المؤلف اعلي الله مقامه:) عبده الراجي محمد كاظم الحسيني
[1]– المقصود مولانا المرحوم الحاج محمد كريمخان الكرماني اعلي الله مقامه و الشرح المشار اليه مذكور في الفهرست تحت رقم 318 و النسخة الاصلية منه مختومة بخاتم السيد الاوحد اعلي الله مقامه.