رسالة فی شرح الرسالة العلمیة للملا محسن الفیض
فی الاشارة الی بیان کیفیة تکون الموجودات
من مصنفات الشیخ الاجل الاوحد المرحوم
الشیخ احمدبن زین الدین الاحسائی اعلی الله مقامه
«* جوامع الکلم جلد 2 صفحه 14 *»
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله رب العالمين و الصلوة علي محمد و آله
الميامين العالمين العاقلين للايات المضروبة للناس اجمعين في الافاق و في انفسهم ليتبين لهم الحق المبين
اما بعد فيقول العبد المسكين احمد بن زين الدين الاحسائي ان علم الله تعالي قد تكلم فيه العلماء و الحكماء و المتكلمون و قالوا فيه بآرائهم و اكثرهم قد اخطأ سمت الحق لانهم طلبوا معرفة ذلك من غير اهل العصمة الذين جعلهم الله ادلاء عليه و لميبق احد من خلقه الا و قد عرفه مقامهم منه و انهم لايسبقونه بالقول و هم بامره يعملون.
و لما نظرت في بعض كلماتهم وجدتهم يطلقون العلم علي ما هو اعم من العلم الذي هو ذاته و العلم الذي هو فعله و مفعوله و يتكلمون عليه بنحو واحد و بيان واحد و لاريب ان ذلك البيان ان طابق في القديم خالف في الحادث و بالعكس و كثيراما اميز بينهما في بعض الاجوبة و المباحثات حتي وردنا المحروسة من حوادث الزمان بلد اصفهان و اجتمعت ببعض العلماء الاعيان حرسهم الله من نوائب الحدثان و جري بيننا بحث في ذلك و بيان و كان ما كان و ذلك بسنة ثمان و عشرين و مأتين و الف من الهجرة النبوية حين مررنا بهم و نحن متوجهون لزيارة العتبات العاليات علي مشرفها افضل الصلوات و اكمل التسليمات و وقفت فيها علي رسالة موضوعة في هذه المسألة وضعها العارف المتقن الملامحسن لابنه المسمي بمحمد او باحمد الملقب بعلم الهدي (ره) فوجدتها قد توغل فيها و تمحل و سلك مسلك اصحاب الحدود المتلقبين باهل الشهود القائلين بوحدة الوجود فاحببت ان اشرح كلماتها و ابين الغث من السمين عي ما يوافق مذهب الائمة الطاهرين صلي الله عليهم اجمعين فان قلت:
ان [1]كلا يدعي وصلا بليلي | و ليلي لاتقر لهم بذاكا |
قلت:
اذا انبجست دموع في عيون[2]ع | تبين من بكي ممن تباكي |
«* جوامع الکلم جلد 2 صفحه 15 *»
و اقول:
فهب اني اقول الصبح ليل | أيعمي الناظرون عن الضياء |
فاذا اردت ان تعرف الحق فانظر فيما اقول لك غير ملتفت الي قواعدك و لا الي ماانست به من علوم القوم و انما تنظر في كلامي بنظر اهل الحق ائمتك: و حجج الله عليك و علي ساير الخلق و اما القوم من المتصوفة و الحكماء و المتكلمين فليسوا بحجج الله عليك و لا علي خلقه و ليسوا ائمتك أ فمن يهدي الي الحق احق ان يتبع أمن لايهدي الا ان يهدي فمالكم كيف تحكمون و لااريد منك انك تقلدهم مع اني لو قلت ذلك لكان حقا لانك كما تقلد غيرهم ممن يجهل و ينسي و يخطيء و يغش و انت تدعي انك اخذته بالدليل العقلي ينبغي ان تقلد من لايجهل و لاينسي و لايخطيء و لايغش.
فان قلت ان العقل لايطابق كلامهم قلت لك ان كلامهم حق و عقلك ان لمتغيره و تبدله بالعلوم المغيرة المكدرة و القواعد المعوجة حق لانه فطرة الله التي فطر الناس عليها.
و الحاصل اني لا اريد منك محض تقليدهم كما يتوهمه المتوهمون بل تأخذ كلامهم بالدليل العقلي بشرط قطع النظر عن الاقوال بل تنظر بفهمك لا غير فان فهمت كلامي و عملت بوصيتي وجدت ما اقول لك كله امورا قطعية ضرورية فافهم والله خليفتي عليك و هذا اوان الشروع في المقصود فاقول:
قال عفي الله عنه: بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله العليم الحكيم الذي لايعزب عن علمه مثقال ذرة في السموات و لا في الارض و الصلوة علي محمد و اهل بيته (الطاهرين خل) الذين هم ذرية بعضها من بعض.
اقول: الظاهر من قوله العليم ان المراد به وصفه بالعلم الذاتي الذي هو عين ذاته و قوله لايعزب عن علمه مثقال ذرة الخ ان المراد بهذا العلم العلم الذاتي و لايريد به ما في الاية الشريفة لان العلم الذي في الاية الشريفة ان اريد به العلم الازلي الذي هو ذاته و كان معلوماته في السموات و الارض لاتخلو من
«* جوامع الکلم جلد 2 صفحه 16 *»
ان تكون في الازل او في الحدوث فان كانت في الازل كان معه في ذاته غيره لان الازل ليس شيئا غير ذاته ثم نقول هي عينه بلامغايرة او عينه مع المغايرة او غيره فان كانت هي عينه بلامغايرة بوجه ما فلامعني لقولك انه عالم بجميع ما في السموات و الارض و انت تريد انه عالم بذاته و ان كانت هي عينه مع المغايرة فقد اثبت المغايرة في ذاته و الاختلاف و هو باطل سواء كان بالذات ام بالحيثية و الاعتبار و ان كانت غيره فقد اثبت غيره في ذاته و هذا باطل سواء جعلت الغير عارضا او حالا فيه لاستحالة كون ذاته المقدسة معروضة او ظرفا و هذا لا اشكال فيه و ان فرضت ان الازل غير ذاته لتحل فيه تلك المعلومات في محل غير ذاته فهو باطل لانه يلزم من ذلك ان يكون تعالي حالا في غيره و هو الازل و ذلك الوقت يجمعه مع غيره ايضا فلميجز ان تكون تلك المعلومات في الازل فيجب ان تكون في الحدوث و الامكان اذ لا واسطة بين الواجب و الحادث و قد دلت عليه الاخبار و صحيح الاعتبار.
فاذا كانت المعلومات غير ذاته في الامكان فنقول العلم بالشيء لايخلو اما ان يكون مطابقا للمعلوم او غير مطابق له و مقترنا بالمعلوم او غير مقترن به و واقعا علي المعلوم او غير واقع عليه و هو المعلوم او غير المعلوم فان كان مطابقا للمعلوم و انت تريد به العلم الذي هو ذاته لزمك ان تقول ان ذاته مطابقة لك لانك من جملة المعلومات فيجري عليها و لها كل ما يجري عليك و لك تعالي الله عن ذلك علوا كبيرا.
و ان قلت انه غير مطابق لزمك انه ليس علما به لان العلم لايجوز ان يكون غير مطابق للمعلوم مثل ان يكون المعلوم طويلا و العلم قصيرا او المعلوم اسود و العلم ابيض او المعلوم قليلا و العلم كثيرا او المعلوم مجتمعا و العلم متفرقا او المعلوم مقترنا و العلم غير مقترن او المعلوم موقوعا عليه و العلم غير واقع او المعلوم مكيفا و العلم غير مكيف و ما اشبه ذلك من عدم المطابقة و بالعكس بين العلم و المعلوم في هذه الصفات لانه اذا كان غير مطابق كان جهلا لا علما فافهم.
«* جوامع الکلم جلد 2 صفحه 17 *»
و ان قلت انه مقترن بالمعلوم و انت تريد به العلم الذي هو ذاته لزمك ان تكون ذاته مقترنة بك و قد دل الدليل العقلي و النقلي علي ان الاقتران شاهد بالحدوث في المقترنين فان الاقتران و الاجتماع و الافتراق (الاقتران بالاجتماع او الافتراق خل) لايكون الا بين الحادثين.
و ان قلت انه غير مقترن بالمعلوم لزمك انه ليس علما بذلك الشيء اذ لايعقل العلم بالشيء الا مقترنا بالمعلوم و الا لميكن علما به و ان قلت انه واقع علي المعلوم و انت تريد به العلم الذي هو ذاته لزمك ان تقول ان ذاته تعالي واقعة عليك و هذا ظاهر البطلان.
فان قلت قد دلت الاخبار عن الائمة الاطهار: علي انه سبحانه كان ربنا عزوجل عالما و العلم ذاته و لا معلوم فلما وجد المعلوم وقع العلم منه علي المعلوم و هذا صريح بانه لامنافاة بين كون الذات بمعني العلم واقعة علي المعلوم.
قلت ان قوله7و العلم ذاته صريح بان هذا العلم الذي هو ذاته كان و لا معلوم فلو حصل في حال و المعلوم معه لاختلفت حالتاه و كل شيء تختلف حالتاه فهو حادث و هذا هو الذات جل و علا فلايكون هو الواقع علي المعلوم و قوله7فلما وجد المعلوم وقع العلم منه علي المعلوم المراد بهذا العلم الواقع ليس هو الاول الذي هو الذات لان الذات لاتقع علي شيء و لايقع عليها شيء و انما المراد بهذا الواقع هو ظهور الاول و فعله و مثاله الشمس مثلا فانها في ذاتها مشرقة و ان لميوجد شيء كثيف فهي حينئذ منيرة و لا مستنير لعدم وجود كثيف يستنير باشراقها فاذا وجد الكثيف استنار باشراقها لانه لما وجد الذي من شأنه ان يستنير بالنور وقعت الشمس عليه فاستنار يعني اشرقت عليه لا انها وقعت من السماء الرابعة علي الارض التي هي المستنيرة بها و انما المراد بوقوعها ظهور اثرها الذي هو اشراقها علي الارض و اثرها غيرها و انما هو فعلها و كذلك معني فلما وجد المعلوم وقع العلم منه يعني اثر العلم الذاتي علي المعلوم و اثره حادث و يأتي تمام هذا الكلام.
«* جوامع الکلم جلد 2 صفحه 18 *»
و ان قلت انه غير واقع لزم انه لميكن المعلوم معلوما و الا لوقع عليه اذ لايكون المعلوم غير معلوم و لايكون معلوما الا بوقوع العلم عليه.
و ان قلت انه هو اي ان العلم هو المعلوم لزمك ان يكون العلم القديم هو المعلوم الحادث.
و ان قلت انه غيره لزم احد ما تقدم من التفصيل من المطابقة و عدمها و الاقتران و عدمه و الوقوع و عدمه هذا كله اذا اريد بالعلم في قوله لايعزب عن علمه مثقال ذرة في السموات و لا في الارض العلم الذي هو ذاته فانه كما سمعت لايجوز ان يكون المراد به ذلك و ان اريد به العلم الحادث الفعلي صح ذلك علي نحو ما سمعت من صحة المطابقة و الاقتران و الوقوع وغيرها.
و هو قسمان علم امكاني و هو الراجح الوجود و هو الذي لا اول له غير موجده تعالي و هو المشار اليه في قوله7علمه بها قبل كونها كعلمه بها بعد كونها و معني هذا ان المراد بهذا العلم نفس امكاناتها و امكاناتها علي ما هي عليه عنده في ملكه حاضرة لديه لا في ذاته تعالي و هو سبحانه لميكن خلوا من ملكه([3]) بل كل شيء حاصل له في وقت وجوده و مكان حدوده و القسم (العلم خل) الثاني علم اكواني و هو نفس اكوانها كل في وقته و مكانه فاذا ظهرت باكوانها لمتخرج به عن امكانها فهي في امكانها قبل كونها و حين كونها و بعد كونها و هذا معني قوله7كان عالما بها قبل كونها كعلمه بها بعد كونها و المراد بهذا العلم الذي هو قبل كونها العلم الامكاني فانها ممكنة قبل ان يكونها و ممكنة حال وجودها و ممكنة بعد فناء وجودها.
و المعني في قوله7بعد كونها ان امكانها قبل وجودها و حال وجودها علي حد سواء لمتخرج بالوجود عن الامكان الذي هي عليه قبل الوجود و لميختلف ذلك الامكان الذي هو علمه بها باختلاف حالتيها في نفسه بقوة او ضعف و لا بخفاء او ظهور و لا بالنسبة الي خالقه و ربه في كونه حاضرا عنده في ملكه و حاصلا له في ملكوته و تصرفه و يحتمل بعيدا ان يراد به ان ذلك
«* جوامع الکلم جلد 2 صفحه 19 *»
الامكان الذي هو علمه بها و ملكوتها لايختلف قبل كونها و بعد كونها اي بعد فناء كونها لا في نفسه و لا بالنسبة الي خالقه و ربه و ان اختلف بالنسبة الي الاشياء انفسها عند انفسها من حيث هي هي فانها تشاهد ضعفه حال الوجود نظرا الي وجوب وجود الموجود بالغير.
فاذا عرفت ما ذكرنا ظهر لك ان العلم قد يكون و لا معلوم كما مثلنا لك بالشمس فانها قد تكون منيرة و لا مستنير كما تشاهد في الليل فانها تقابل الهواء و الافلاك فحيث لميكن كثيف لميكن مستنير و كذلك انت سميع و ان لميتكلم بقربك احد و يقال لك انت سميع و لا مسموع فكما ان السمع ذاتك و لهذا قلنا انت سميع لانك حينئذ ليس الا انت و لمنقل انت تسمع اذا لميكن كلام ليكون السمع فعلك و هو غيرك كذلك الشمس اذا لميكن كثيف فهي منيرة و لا مستنير لان النور حينئذ ذاتها و لايقال انها تضيء اذا لميوجد المستضيء([4]) و يلزم ان يكون السمع واقعا لا علي شيء و مقترنا لابشيء و لايجوز وصف الشيء بالوقوع و الاقتران الا عند وجود الموقوع عليه و المقترن به كما هو شأن الاضافيات و كذلك الشمس لاتكون مضيئة الا علي القابل و المستضيء. كذلك العلم الذاتي كان و لا معلوم لانه تعالي عالم و ليس ثم معلوم ليقع العلم عليه و يقترن به و مايحصل للشيء لذاته لا باعتبار شيء غير الذات يجب ان يكون هو الذات بخلاف ما يحصل لها بواسطة الصفة كالطول او بواسطة الفعل كالارادة و الميل فانه غير الذات و كذلك السمع الذي هو انت لا بواسطة الفعل الذي هو ادراكك المسموع و النور الذي هو الشمس لابواسطة الفعل الذي هو الاضاءة و ما يدلك علي (تدلك عليه خل) مفاهيم الالفاظ فانه هو الذي يكون بالواسطة لان قولك هو عالم بكذا تريد به العلم المقترن بالمعلوم الواقع عليه لان اعلي ما وضعت له الالفاظ ما كان بواسطة الفعل او الصفة و اما ماوراء ذلك فليس الا الذات البحت جل و علا و الالفاظ لاتقع عليها لانها لتمييز جهات التعريف و التعرف و هي مظاهر الافعال و آثارها و ما ليس بمقترن و لا واقع لايوضع له مايدل علي الوقوع و الاقتران كما تقول عالم بها فان هذا العلم واقع عليها و مقترن بها و هو العلم الامكاني اي عالم بامكانها و العلم التكويني اي
«* جوامع الکلم جلد 2 صفحه 20 *»
عالم باكوانها و هذان و امثالهما مصداق المفاهيم الموضوعة للبيان.
و اما ما ليس بمقترن بشيء و لا واقع علي شيء فالعبارة الموضوعة لتعريفه عالم و لا معلوم قادر و لا مقدور سميع و لا مسموع و ما اشبه ذلك و مدلولها آياته سبحانه التي اراها عباده في الافاق و في انفسهم و الايات تدل باللزوم عليه سبحانه دلالة استدلال عليه بما دل علي نفسه جل و عز لا دلالة تكشف عن كنهه.
و يظهر لك ايضا ان العلم قد يكون مع المعلوم اي مقترن به و واقع عليه بل متحد به و اما انه هو المعلوم او غير المعلوم فالمراد به ان العلم هل هو المعلوم او غير المعلوم فقيل ان العلم غير المعلوم فانك تعلم زيدا و انت في المسجد بصورته التي في ذهنك و زيد في السوق و تعلمه بالحالة التي رأيته فيها و هو في السوق قد يقعد و لايكون في ذهنك انه قعد و قد يقوم و قد يمشي و قد يموت و في كل ذلك لاتعلمه الا في الحالة التي رأيته فيها و لو كان ما في ذهنك هو نفس زيد للزم ان يكون زيد في ذهنك لا في السوق او حيث كان في السوق و غاب عنك لاتعلمه و لو كان ما في ذهنك نفس صفة زيد الذي في السوق لكان كلما انتقل من حالة الي اخري و هو في السوق تري ذلك و انت في المسجد او انك لاتعلم له صفة حين غاب عنك و كل ذلك باطل مخالف للوجدان فلميبق الا ان العلم غير المعلوم.
و قيل ان العلم بعضه نفس المعلوم و بعضه اثر المعلوم و صفته المأخوذة منه اما الاول فلان صورة زيد التي في ذهن العالم به معلومة لذلك العالم البته فان كان يعلمها بنفسها كان العلم هنا نفس المعلوم و ان كان يعلمها بصورة اخري فالصورة الاخري ايضا معلومة له و يلزم التسلسل او الدور فثبت ان العلم هنا نفس المعلوم.
و اما الثاني فلان العالم لميكن عنده حين غيبوبة زيد الا ما انتزعه ذهنه من صورته التي رآه فيه و معلوم ان زيدا الذي هو معلومه في السوق و هو انسان يتقلب في حوائجه يذهب و يجيء و يقوم و يقعد و اماعلمه به فهو ظله المنتزع منه حين رآه و الظل غير الذات و لهذا لايطابقه في جميع حالاته و انما يطابقه
«* جوامع الکلم جلد 2 صفحه 21 *»
في الحالة التي رآها فيه لان الذهن كالمرآة ينتقش فيها صورة المقابل و لاشك في المغايرة فثبت ان العلم بعضه نفس المعلوم و بعضه غير المعلوم ثبت الاول بالبرهان القطعي و الثاني بالوجدان الضروري و القول الاول للمتكلمين و القول الثاني للمشائين.
و قيل العلم نفس المعلوم مطلقا و هو الحق اما في الصورة الذهنية فظاهر للدليل المذكور و قول الاولين و لو كان ما في ذهنك هو نفس زيد للزم ان يكون زيد في ذهنك الخ مردود بان ما في ذهنك انما هو صفته التي انتزعها الذهن بواسطة البصر و الحس المشترك منه حين حضوره و هي العلم و هي المعلوم لان المعلوم من زيد انما هو تلك الصفة بخصوصها و انت لاتكون عالما حين غيبوبته الا بتلك الصفة التي عندك منه خاصة.
الاتري اني لو قلت لك حين غيبوبته عنك بعد رؤيتك له هل زيد الان قائم ام قاعد متحرك الان ام ساكن متكلم الان ام ساكت حي الان ام ميت لقلت لي ما اعلم شيئا من احواله الا ما فارقني عليه و لو كان ما عندك من الصورة نفس زيد لكنت تعلمه في جميع احواله و لما قلت لي ما اعلم و كذا لو كان ما عندك من الصورة نفس جميع احواله لما جهلت شيئا منها و لو قلت ان ما عندي من صورته هو العلم به حقيقة و تريد العلم باحواله او العلم بذاته لزمك ان العلم يكون غير مطابق للمعلوم لانك لمتعلم جميع احواله و لا ذاته و انما تعلم حالة واحدة منه و هي حالة رؤيتك له قبل ان تفارقه و ما عندك غير مطابق له و لا لاحواله بعد ذلك و هذا باطل بالضرورة فان العلم لايكون علما الا مع مطابقته للمعلوم و الذي عندك مطابق لمعلومك و هو حالته التي فارقك عليها و الذي عندك من صورته التي في ذهنك ليس نفس صورته التي هي مثاله لان مثاله هذا مكتوب في اللوح المحفوظ و انت اذا قابلته بمرآة ذهنك انطبع في مرآة ذهنك ظهوره لك و ظله و مثاله لا نفس المثال القائم بزيد.
ألاتري انك اذا قابلت المرآة بوجهك انطبع فيها ظهور وجهك و ظله و مثاله لا نفس وجهك و انما المنطبع هو الشبح الذي هو ظل المقابل و الدليل علي ذلك النص و الوجدان.
اما النص فكثير منه ما روي من([5]) الغرر و الدرر عن اميرالمؤمنين
«* جوامع الکلم جلد 2 صفحه 22 *»
7 و قد سئل عن العالم العلوي يعني عن المجردات فقال7صور عالية عن المواد عارية عن القوة و الاستعداد تجلي لها فاشرقت و طالعها فتلألات و القي في هويتها مثاله فاظهر عنها افعاله. الحديث. و روي المفيد في الاختصاص في حديث طويل باسناده الي موسي بن محمد الجواد7 انه سأل اخاه ابالحسن العسكري8 عن مسائل سأله عنها يحيي بن اكثم فكان من جوابه7 ان قال: و اما قول علي7 في الخنثي انه يورث من المبال فهو كما قال و تنظر اليه قوم عدول فيأخر كل واحد منهم المرآة فيقوم الخنثي خلفهم عريانا و ينظرون في المرآة فيرون الشبح و يحكمون عليه. انتهي. فقوله7فيرون الشبح و يحكمون عليه ظاهر في ان المرئي هو المنطبع في المرآة و هو الشبح و الشبح ظل النور اي الشاخص و المراد بالنور الوجودو الذات كما رواه في الكافي في باب خلق طينة الائمة: عن جابر بن يزيد قال قال ابوجعفر7يا جابر ان الله اول ما خلق خلق محمدا و عترته الهداة المهديين([6]) فكانوا اشباح نور([7])بين يدي الله قلت و ما الاشباح قال ظل النور ابدان([8])نورانية بلا ارواح. الحديث و هذا ظاهر من آثارهم: لمن فهم مرادهم.
و اما الوجدان فبأن الوجه المقابل للمرآة ينطبع يها ظله و مثاله علي هيئة المرآة من صغر و كبر و اعوجاج و استقامة و بياض و سواد لا علي هيئة الوجه و هذا ظاهر فلاينطبع في المرآة الا الظهور و الظل المنفصل من المقابل لا نفس المتصل بالمقابل فان ذلك لازم له و حكم ذهنك فيما ينطبع فيه من الصور حكم المرآة بلافرق و لهذا لاتذكر شيئا الا اذا التفت ذهنك الي مكانه و زمانه مثلا اذا اجتمعت بزيد في السوق بالامس و كلمته بشيء لاتذكر زيدا بما كلمته بالامس في هذا اليوم و لا ما بعده من الايام الا اذا التفت قلبك الي ذلك المكان من السوق في ذلك الوقت فانك اذا التفت الي هناك في ذلك الوقت رأي ذهنك مثال زيد و مثالك واقفين هناك في الوقت الذي كنتما اجتمعتما فيه و مثال كلامك و مثال كلامه صادرين كل مثال كلام من مثال المتكلم به و هذه الامثلة هي التي قلت لك انها مكتوبة في اللوح المحفوظ
«* جوامع الکلم جلد 2 صفحه 23 *»
لانك ابدا كلما اردت ان تذكر ذلك لايمكنك حتي يقابل ذهنك بمرآته ذلك المكان و ذلك الوقت فينطبع فيها مثال زيد و مثال كلام حين صدوره من ذلك المثال و مثالك و مثال كلامك حين صدوره من مثالك كل ذلك ينطبع في ذهنك فلايمكنك ان تذكر بدون ذلك ابدا و هو الدليل علي ان حكم ذهنك في الانطباع حكم المرآة بل هو حقيقة مرآة لاينطبع فيها الا ظل المقابل حين المقابلة بلافرق الا ان ذهنك مرآة من الغيب ينطبع فيها ظل المقابل لها في الغيب و المرآة الزجاجية و المائية و الاشياء الظاهرة الصقيلة من الشهادة ينطبع فيها ظل المقابل لها في الشهادة.
فثبت بالوجدان و البرهان الضروريين ان ما في ذهنك من زيد هو العلم بهيئته و حالته المنطبعة في ذهنك لا اللازمة له و ليس عندك علم غير ما انطبع في ذهنك فما في ذهنك هو عين علمك و عين معلومك لانك لاتعلم غير ما في ذهنك و لو كان معلومك غير ما في ذهنك لكان اذا تغير ذلك المعلوم تغير ما في ذهنك لانه هو علمك كما مثلنا لك و الا لكان العلم غير مطابق للمعلوم و لا واقع عليه هذا خلف.
و اما قول الشيخ جواد رحمه الله في شرحه علي زبدة الاصول و ليعلم ان الحق بعد القول بالوجود الذهني و ان العلم من مقولة الكيف ان الاشياء بانفسها موجودة في الذهن كما هو مذهب المحققين لا باشباحها و امثالها كما هو مذهب شرذمة قليلة لايعبأ بهم انتهي.فهو هذيان و الاصل فيه ان اكثر الناس يأخذون العبارات من الكتب و هي بعينها هي علمهم و العبارات ليست علما و لاتفيد علما و هذا اصله مأخوذ من كلام الصوفية لانهم يزعمون ان العالم الخيالي علة العالم خالرجي و اصله و ان الخارجي ظل للخيالي كما صرح به عبدالكريم الجيلاني في كتابه الانسان الكامل و هذا الكلام مبني علي طريقتهم الباطلة حتي ان احدهم يقول (ليقول خل) ما تتحرك نملة في المشرق او المغرب الا بقوتي و قدرتي و هو بناءعلي هذا و علي القول بوحدة الوجود حتي انه يقول انا الله بلا انا او علي القول بالحلول و امثال ذلك و كل ذلك بالطل لايغني من الحق شيئا.
و لعل المحققين الذين عناهم الشيخ جواد رحمه الله هؤلاء الملحدون او من اخذ كلامهم اذ لامعني لوجود الشيء بنفسه
«* جوامع الکلم جلد 2 صفحه 24 *»
في ذهن العالم به لا بشبحه و مثاله مع انا نمنع وجوده في الذهن بشبحه و مثاله كما سمعت ما ذكرنا لك سابقا و الا لتغير ما في الذهن بتغير الشبح و المثال في نفسه او في هيئته مع غيبوبة ذي الشبح و انما الموجود في ذهن العالم الشبح المنفصل المنتزع من الشبح المتصل و هو ظله فالموجود فيه في الحقيقة شبح الشبح لان الموجود مركب من مادة و صورة فمادته ظهور الشبح المتصل و ظله و شعاعه المنفصل عن المتصل و انما هو في الحقيقة قائم به قيام صدور و تحقق لا قيام عروض و صورته هيئة الذهن من استقامة او اعوجاج و كبر او صغر و بياض او سواد و صفاء او كدورة كما ذكرنا في صورة المرآة بلافرق.
و الحاصل هذا في الصورة الذهنية و قد ظهر لمن نظر في كلامنا هذا و اعتبر بان العلم فيها نفس المعلوم لايشك فيه الا من علمه التقليد او جاهل اخطأه التوفيق و التسديد و يطلقون علي هذا العلم انه من مقولة الكيف و هو الاصح فيه لا انه من مقولة الاضافة او الانفعال و هذا الذي ذكرنا قسم من العلم و لايتحقق هذا في حق الواجب جل و علا لانه لايتصور و لايفكر و لايروي و لايهم و انما العلم في حقه تعالي و ما ينسب اليه سبحانه قسمان:
ــ احدهما: العلم الذاتي و هو نفس الذات بلاتعدد و لا مغايرة و لا اختلاف لا في نفس الامر و لا في الاعتبار و الفرض و الحيثية بل هو الله تعالي بحكم الاحدية البحت و الاتحاد الصرف و قد ثبت بالدليل العقلي و النقلي انه بذاته عالم و لا معلوم يعني معه في الازل وهذا حكم ازلي ابدي ديمومي كان الله و لميكن معه شيء و هو الان علي ما كان و بهذا العلم الذي هو ذاته عالم بذاته بلامغايرة و لاتعدد حيثية و لا كيف لذلك لانه ذاته و لا كيف لذاته فقولنا هو علم و معلوم تعبير للتفهيم و هذا باب قد سده الغني المطلق عن كل ما سواه فمن تكلم في بيان هذا فهو يتكلم في الخلق و يصف به الخالق و هو مشرك في حكمه و وصفه كما قال الله تعالي و من يشرك بالله فكأنما خر من السماء فتخطفه الطير او تهوي به الريح في مكان سحيق و لقد اجاد عبدالله بن القاسم السهروردي في قصيدته في وصف السالكين في نحو هذا المقام حيث يقول:
«* جوامع الکلم جلد 2 صفحه 25 *»
ثم غابوا من بعد ما اقتحموها | بين امواجها و جاءت سيول | |
قذفتهم الي الرسوم فكل | دمعه في طلولها مطلول |
و قد تقدمت الاشارة الي بيان كان عالما و لا معلوم.
و ثانيهما و لا ثاني و انما هذا لاجل التعبير و البيان العلم الحادث و له مراتب متعددة و كله خارجي اذ لا ذهن له و من قال بانه في نفسه كتصورنا في انفسنا و هو دليل ذلك و ايته او بانه في ذاته بالقوة قبل الايجاد ثم كانبعد الايجاد بالفعل اذ لايعقل علم بالفعل و معلوم بالقوة او بانه هو ذاته باعتبار و غيرها باعتبار او بانه هو المعلوم و المعلوم المخلوقات و هي الان اي قبل وجودها في ذاته كما هي الان بعد وجودها في تفصيلها علي وجه الاكمل لاينافي الوجوب و البساطة او بانه ظل لعلمه بذاته متعلق (معلق خل) به كالشعاع من المنير او بانه هو ماهيات الاشياء لانها صور علمية غير مجعولة مستندة الي ذاته او غير ذلك فقد ضل ضلالا بعيدا و خسر خسرانا مبينا.
و اعلم ان مراتب هذا العلم متعددة بتعدد مراتب المعلومات لما بينا و نبين من ان العلم نفس المعلوم اعلاها العلم الامكاني و هو العلم الممكن الراجح الامكاني و بعده العلم الكوني و بعده العلم العيني و بعده العلم الجوهري و بعده العلم الهوائي و بعده العلم المائي و بعده العلم الناري و بعده العلم اهبائي و بعده العلم الظلي و هكذا.
و هذا الذي ذكرناه من التقسيم تقريبي لان الحقيقي لانحصيه و ما احصيناه منه لميمكن ذكره و انما ذكرنا هذا (هنا خل) تقريبا للتعريف و هذا العلم بجميع مراتبه علم حصولي يعني انه حاصل للعالم به كل قسم منه في مرتبته بنفسه يعني ان هذا العلم كل قسم حاصل في رتبته تعالي بغير حصول او نسبة اليه تعالي غير نفسه و ان شئت قلت انه بجميع مراتبه علم حصولي([9]) كل حاضر في رتبته عنده عزوجل حضورا هو نفس ذلك العلم يعني ان وجوده في رتبته عنده تعالي هو حصوله له و حضوره عنده فافهم.
فعلي ما قررناه يكون علمه الذي هو هو ليس بحضوري و لا حصولي و لايعلم ذلك الا هو و لانعرف له اسما و لا علمنا هو تعالي باسمه الا انه هو الله تعالي و اما علمه الحادث فلك ان
«* جوامع الکلم جلد 2 صفحه 26 *»
تقول انه حصولي اي حضوري هو ذات الحاصل الحاضر او انه حضوري اي حصولي و هو ذات الحاضر الحاصل فان الاشياء حاضرة عنده حاصلة له كل في مكانه و زمانه و هو اقرب اليها من انفسها بلاانتقال و لا تحول من حال الي حال لانه في الازل لميزل لايخرج عنه الي الامكان لانه هو ذاته و هي في الامكان لاتخرج عنه الي الازل لان الازل هو الله تعالي و لايدخل فيه غيره.
و انت اذا نظرت بعين البصيرة الصائبة وجدت علمنا كذلك فانه في الحقيقة حضوري حصولي لا فرق فيه بين التصوري و غيره لانا قد قلنا ان مراتب العلم الحادث سواء كان علما لله سبحانه ام علما لخلقه انما يحصل كل فرد من افراده للعالم به في مكان ذلك الفرد و وقته و ذلك رتبته بالنسبة الي ذي العلم فكما قلنا ان علمه الحادث عزوجل كل فرد منه حاصل له و حاضر عنده في رتبته من مكانه و وقته فكذا علمنا فان علمنا الخيالي انما هو حاصل لنا و حاضر عندنا في خيالنا الذي هو رتبة التصور في اسفل الدهر و كذلك ما عندنا من الرقائق فانه حاصل لنا و حاضر عندنا في خيالنا الذي هو رتبة التصور في اسفل الدهر و كذلك ما عندنا من الرقائق فانه حاصل لنا و حاضر عندنا في رتبته من ارواحنا و كذلك ما عندنا من المعاني فانه حاصل لنا و حاضر عندنا في رتبته من عقولنا و كذلك زيد اذا حضر معنا فان حضوره و وجوده حاصل لنا و حاضر معنا في رتبته من مكاننا و وقتنا فنسبة وجود زيد و حضوره عندنا و حصوله لنا الينا كنسبة وجود صورته اذا غاب عنا و حصولها لنا الينا فكل منهما في محل وجوده و وقته حاصل لنا و حاضر عندنا في رتبته من مشاعرنا و مداركنا الظاهرة و الباطنة.
و قولي بان الاشياء حاضرة عنده حاصلة له كل في مكانه و زمانه و هو اقرب اليها من انفسها بلاانتقال الي آخره مرادي بهذا تقرير ان علمه تعالي بها لميكن خلوا منه في الازل و بيانه انه تعالي اقرب الي كل شيء من خلقه من نفسه اليه قربا لايتناهي فلايفقد شيئا من خلقه في مكانه و وقته ازلا و ابدا و ذلك الشيء لميقرب منه تعالي حين قرب هو تعالي منه و في حال قربه تعالي من ذلك الشيء في مكانه و وقته لميتحول من ازليته بل هذا القرب الذي لايتناهي هو بعينه بعده عنه بعدا لايتناهي بجهة واحدة فهو تعالي في الازل اذ هو الازل و قرب من عبده الذي هو معلومه و هو علمه به قربا
«* جوامع الکلم جلد 2 صفحه 27 *»
لايتناهي من غير انتقال عن حاله الذي هو عليه قبل كل شيء.
و ذلك لان الامكان خلقه الله تعالي بمشيته لانه مكان مشيته و متعلقها و هي طبق الامكان لاتزيد عليه فيقع الزايد منها علي الواجب تعالي او الممتنع المفروض في العبارة و لاتنقص عنه فيكون الزايد من الامكان عليها خارجا عنها و اين يخرج الي الذات الواجب تعالي و هو محال لان الطريق مسدود كما قال اميرالمؤمنين7 علي ان الخارج عن المشية ليس ممكنا بل هو القديم و القديم ليس من الممكن ليدخل فيه او يخرج منه تعالي الله عن ذلك علوا كبيرا او يخرج الزايد الي المحال المفروض و ليس شيئا و انما هو لفظ لا معني له و لو كان له معني لكان معلوما له تعالي و كل معلوم له غير ذاته فهو خلقه و احدثه مع انه تعالي لايعلم المحال الذي يظنه الجاهلون معلوما و متصورا و انما هو لفظ لامعني له الا المخلوق قال الله تعالي: قل سموهم ام تنبئونه بما لايعلم في الارض ام بظاهر من القول فاخبر بانه لايعلم له شريكا في الارض و قال في الاية الثانية أتنبئونه([10]) بما لايعلم في السموات و لا في الارض ثم قال تعالي: ام بظاهر من القول اي لفظ لا معني له الا المخلوق كهبل فانه تعالي قال و الذين تدعون من دونه لايخلقون شيئا و هم يخلقون و لا مفهوم له الا ما يراد به من المصداق كهبل و اللات و العزي و امثالها فقد خلق الله تعالي الامكان و ما فيه من الممكنات و هو طبق المشية و الامكان و ما فيه و لاغاية له و لا نهاية له.
فكل معلوم او مكون او مفروض او متوهم او مقدر فهو شيء محدث خلقه الله تعالي و كل الامكان و ما فيه عند الله سبحانه نقطة احاط به (بها خل) علما و احصاه عددا و ان كانت غير متناهية في انفسها و عند الخلق فهي عنده تعالي متناهية محصورة بالازل الذي هو الابد اولا بلا اول و آخرا بلا آخر يا من هو قبل كل شيء يا من هو بعد كل شيء و ازله ذاته و ابده ذاته فالازل عين الابد و الامكان الذي هو عندنا و في نفسه لايتناهي اولا و آخرا مع ما فيه من الممكنات التي لاتتناهي محبوس محصور عنده تعالي في خزانة قدرته لميفقده في حال لا فيما لميزل و لا فيما لايزال.
فاذا فهمت هذا و فهمت انه تعالي استوي اليها فليس الله اقرب الي شيء منه الي شيء آخر و ان اختلفت
«* جوامع الکلم جلد 2 صفحه 28 *»
نسبتها اليه و فهمت ما ذكرنا قبل هذا من انه تعالي لميفقد شيئا منها من مكانه و وقته فيما لميزل و فيما لايزال بل كل شيء حاضر عنده تعالي في مكان ذلك الشيء و وقته ليس فيها بالنسبة اليه تقدم و لا تأخر و ان كانت كذلك في انفسها ليست عند ربك زمان فليس شيء حاضر([11]) عنده في مكانه و وقته قبل شيء و ان كانت متفاوتة في ازمنتها و امكنتها في التقدم و التأخر فقول الصادق7لميزل الله عزوجل ربنا و العلم ذاته و لا معلوم و السمع ذاته و لا مسموع و البصر ذاته و لا مبصر و القدرة ذاته و لا مقدور فلما احدث الاشياء و كان المعلوم وقع العلم منه علي المعلوم و السمع علي المسموع و البصر علي المبصر و القدرة علي المقدور يريد7 انه تعالي اذا كان العلم ذاته لميكن المعلوم في ذاته لان الازل هو ذاته و ليس في الازل شيء من المعلومات سواه تعالي فلما احدث المعلوم وجد المعلوم و العلم الذي وقع عليه ليس هو الذاتي لان العلم الذاتي هو الله تعالي.
و لايصح ان تعتقد او تقول او تتصور بان الله تعالي لما احدثك وقع عليك تعالي الله عن ذلك علوا كبيرا فانه يلزمك ان يكون الله واقعا عليك و مقترنا بك و متحولا من حال الي حال فانه كان قبل ان يحدثك غير واقع علي شيء و لا مقترنا بشيء و لا متحولا عن(من خل) حاله الذي كان عليه انه كان و لا شيء معه فلما احدثك تحول عن حاله الاول و كل متحول عن (من خل) حال الي حال محدث مصنوع فاذا يكون الواقع علي المحدث شيئا آخر غير الله تعالي وكل ما سوي الله فهو خلقه و كونه بعد ان لميكن فهو معني فعلي لا ذاتي و الفعل بجميع اقسامه و احواله محدث مثال هذا انك تكون وحدك في مكان ليس فيه غيرك و انت سميع و لا مسموع و بصير و لا مبصر فلما حضر عندك زيد وقع البصر منك عليه و تكلم فوقع السمع منك علي المسموع و ليس الواقع منك من البصر و السمع ما كان عندك قبل ذلك و انما هو ادراكك للمبصر و المسموع و هو معني فعلي.
فان لمتفهم مثالي هذا و بياني فلا كلام لي معك و ان فهمت ذلك قلت لك هذا هو آية ما ذكرت لك في حقه تعالي فانه تعالي يقول: سنريهم آياتنا في الافاق و في انفسهم حتي يتبين لهم انه الحق وقال الصادق7العبودية
«* جوامع الکلم جلد 2 صفحه 29 *»
جوهرة كنهها الربوبية فما فقد في العبودية وجد في الربوبية و ما خفي في الربوبية اصيب في العبودية انتهي و استشهد بالاية فما دام زيد عندك فانت عالم بوجوده و علمك بوجوده كونه حاضرا عندك حاصلا لك لان علمك بوجوده و حضوره ادراكك لوجوده و حضوره فانت تدرك وجوده بذاتك او بفعل منك او بنفس وجوده لا سبيل الي الاول لانك كنت و ذاتك موجودة و لمتدرك وجود زيد قبل ان يأتي اليك و بصرك موجود و لمتبصره قبل ان يأتي اليك.
و ان فرضت ذلك و جعلت لذاتك حالتين حالة الفقدان و حالة الوجدان قلت لك انت لاتعرف الله بشيء له حالتان متغايرتان و هذا معلوم و انما قال اميرالمؤمنين7من عرف نفسه فقد عرف ربه لانه يريد ان تعرف نفسك بان لها حالا واحدة لتعرف الله بذلك لان الله تعالي ليس بمختلف الاحوال ليعرف بمختلف الاحوال و لا سبيل الي الثاني لانه يلزم منه ان كونه مدركا لك صدر عن فعل منك و لو كان كذلك للزم انك يمكنك ان لاتدركه اذا حضر عندك بغير حجاب منه و لا منك مثلا اذا حضر عندك غير محتجب و لا مستتر هو و انت لمتغمض عينيك عنه و انت صحيح الابصار و اردت ان لا تراه([12])انك لاتراه لان الفعل الاختياري([13]) من الفاعل لان الفاعل ان شاء فعل و ان لميشأ([14]) لميفعل مع انك لاتقدر علي ذلك و انما اذا اردت ان لاتراه حجبته عن بصرك باغماض العينين او بالقاء ساتر عليه او بصرفه عن حضورك و ما اشبهه.
و العلة في ذلك هو الوجه الثالث و هو انك تدرك وجوده بنفس وجوده فان نفس حضوره عندك هو علمك بحضوره و ليس عندك شيء من العلم بحضوره حين حضر الا نفس حضوره لكنك حين حضوره لمتكن جاهلا بحضوره و لو لميكن حضوره لمتكن عالما به و اذا لمتكن عالما بما لميكن شيئا لمتكن جاهلا اذ الجهل انما يقال للشيء اذا لميحصل له ما كان موجودا و لهذا قال تعالي قل أتنبئون الله بما لايعلم في السموات و لا في الارض و قال ام تنبئونه بما لايعلم في الارض فحيث لميوجد له شريك و قال انه لايعلم له شريكا لايقال له جاهل و وجود شيء من كل ما سواه في الازل محال كوجود شريك له في ازليته و الهيته و ربوبيته و خلقه و عبادته فكما جاز
«* جوامع الکلم جلد 2 صفحه 30 *»
انه لايعلم له شريكا جاز انه لايعلم في الازل غيره و هذا معني قوله عليهالسلام كان الله عزوجل ربنا و العلم ذاته و لا معلوم يعني عنده في الازل لاستلزامه الاقتران و المطابقة و حضوره في غير وقته و مكانه و تغاير الازل و تعدده لان العلم تلزمه المطابقة للمعلوم او الاتحاد به و الاقتران و حضور المعلوم عند العالم في مكان حدوده و زمان وجوده فلووجد هناك معلوم غيره كان العلم الذي هو ذاته تعالي مقترنا به و مطابقا له او متحدا به و الا لميكن علما به و الله تعالي هو ذلك العلم و لايجوز ان يكون تعالي مقترنا بغيره او متحدا به او مطابقا له لان ذلك صفة المصنوع و لايجوز ذلك علي القديم فتدبر ما ذكرت لك مكررا مرددا لمن يشتبه (يتشبه خل) في هذا المعني لعله يتذكر او يخشي.
قال: اما بعد فيقول الفقير الي ربه المهيمن محمد بن مرتضي المدعو بمحسن طهر الله سريرته و نور بصيرته هذا لباب القول في الاشارة الي كيفية علم الله سبحانه بالاشياء كلياتها و جزئياتها و معقولاتها و محسوساتها بحيث لايثلم في وحدته و بساطته و لايقصر عن حيزته و احاطته علي الوجه الذي يوافق الاصول الحكمية و يطابق القواعد الدينية و لاتناله ايدي المناقشات و لاتطول عليه السنة المؤاخذات كتبته بالتماس ولدي الموفق للهدي محمد الملقب بعلم الهدي زاده الله في الفهم و صفي عقله عن شوائب الوهم فانها اغمض مسائل الحكمية مدلولا و ادقها دليلا و اعزها منالا و اوعرها سبيلا حتي ان قوما من البارعين في الحكمة زلت فيها اقدامهم و قصرت عن بلوغ ذروتها افهامهم و انما التأييد من الله في الوصول و تبين([15])(نبين خل) ذلك في الاصول.
اقول: قد تقدم ان المراد بالعلم الذي يتكلم فيه هو العلم الذاتي و هو المستفاد من كلماته فيما بعد و علي هذا فقوله في الاشارة الي كيفية علم الله سبحانه بالاشياء ليس بصحيح لان الكيفية انما هي لمايجاب به السؤال عن كيف هو و هي الصفة التحديدية و ضبط الشيء بمميزاته و كل ما له كيفية معلومة مدركة لمخلوق فهو حادث فكيف يصح وصف القديم بصفة الحادث فقد ذكر القديم و وصفه بالحادث.
«* جوامع الکلم جلد 2 صفحه 31 *»
فان قلت لايريد بالكيفية الكيفية التحديدية و انما يريد بيان العبارة عن كونه عالما بها قلت اذا كان بين وجه تعلقه بالمحدثات فقد كيفه و لانعني بالكيفية الممنوع منها الا هذا.
فان قلت انه قال بحيث لايثلم في وحدته و بساطته و لايقصر عن حيزته و احاطته و هي (هو خل) دليل علي انه لايريد كيفية الحادثات، قلت ان قوله بحيث لايثلم في وحدته الي آخر كلامه لايصحح ما كان باطلا فلو ان شخصا وصف الله بالجسمية و التركيب و قال علي وجه لايثلم في وحدته الخ فقد ابطل و وصف الله بصفات خلقه و كيف يكون كلامه هذا (هنا خل)دليلا علي صحة ما قال و هو يصف ذلك و يميزه و لو كان هذا حال القدم لما امكنه و لا احدا من الخلق ان يصف حال القديم لانه يصف ما ادركه و ليس احد من الخلق يدرك شيئا من وصف القديم و وصفه لذلك دليل علي التكييف و التحديد الذين لايجريان علي القديم.
و قوله كلياتها و جزئياتها معقولاتها و محسوساتها يريد به جميع الاشياء مما في الغيب و الشهادة مما في الخارج و الاذهان و في هذا اشارة الي انه تعالي خالق كل شيء و فيه اشارة الي الرد علي من قال بان ما في الذهن ليس بوجود و لا من الموجود و علي من قال بان النفس تخترع الصور كما ذهب اليه استاده صدر الدين الشيرازي و ظاهر لمن تتبع كلماته انه يقول بقوله و لايخرج عن مذهبه و لعل قوله هذا (هنا خل) مبني علي العبارة التي تجري علي الطبيعة من ان كل شيء خلقه الله كما قال تعالي قل الله خالق كل شيء فانه يقول بها هو و غيره و يقولون بان كثيرا من الاشياء يوجدها الخلق و كلامه من هذا القبيل.
و قولي ان في قوله كلياتها و جزئياتها الخ اشارة الي الرد علي من قال الخ ليس مرادي به انه اراد الرد عليهم كيف و هو قائل بقولهم و انما مرادي ان كلامه يلزم منه الرد عليهم بل و عليه.
و قوله علي الوجه الذي يوافق الاصول الحكمية صحيح فان اكثر ما يقول به يوافق كلام الحكماء و لكن الحكمة اختلفت و تناقضت بين الحكماء و الناقلين عنهم و المترجمين لكلماتهم
«* جوامع الکلم جلد 2 صفحه 32 *»
فلذا كثر غلط من اخذ عنهم و ذلك لان الحكمة كانت مأخوذة من الوحي و كان شيث علي محمد و آله و7 نشرها و اخذ في تقريرها علي ما يأتيه الوحي فيها الي زمن ادريس علي محمد و آله و7 فدونها و بحث فيها علي طريقة الوحي من الله تعالي و تلقيها الحكماء عن الانبياء: و عن مشايخهم الي ان وصلت الي افلاطون و انقسمت الحكماء الاخذون عنه الي اشراقيين الذين اشرقت نفسه علي نفوسهم بمعني انهم فهموا مراده في رموزاته و اشاراته و الي مشائين الذين شبهوا بانهم يمشون تحت ركاب افلاطون اذا ركب كناية عن انهم انما فهموا ظواهر كلامه و اولهم ارسطوطاليس و تبعه ابونصر الفارابي و تلميذه ابوعلي بن سينا و كان الحكماء يتكلمون و يكتبون باللغة السريانية و عربت كتبهم فحصل الغلط في الحكمة من وجهين:
الاول ان الحكماء و ان قرءوا علي الانبياء: المؤيدين بروح القدس و العصمة لكنهم يأخذون عنهم و يفرعون عليها بعقولهم و يستبطون معاني لميسمعوها بخصوصها من اهل العصمة: فيقع الغلط في استنباطاتهم و مقايساتهم لانهم ليسوا بمعصومين كما يقع الغلط في استنباط علماء الشريعة فانهم يأخذون احاديث اهل العصمة من اهل بيت محمد9 و يستنبطون منها الاحكام و يقع في بعض استنباطاتهم الغلط و الخطاء و ان كان اصل دليلهم من كلام اهل العصمة: و كذلك الحكماء.
و الثاني ان كتبهم كلها كانت باللغة السريانية فترجمها العلماء و جاء الغلط من جهة الترجمة من وجوه:
ــ الوجه الاول: ان من المترجمين من ليس له قوة في اللغة السريانية او تكونله قوة و ليس له قوة في اللغة العربية كما لو ترجم شخص اللغة الفارسية فوجد فيها «شير» ففسره بالسبع و ربما كان مراد الكاتب الحليب او بالعكس و ربما لمينقط الشين او انمحت نقطها فقال سير بالمهملة ففسرها بالفوم و هو يريد الشبع ضد الجوع او بالعكس فيبطل المعني بهذا التغيير.
«* جوامع الکلم جلد 2 صفحه 33 *»
ــ الوجه الثاني: ربما يكون المترجم جاهلا بالعلم فيري في علم الصناعة مثلا ان لبن الكلبة يعقد الزيبق اذا نضج و فسره بلبن الكلبة المعروف و هم يريدون الماء الخالد بعد التشبيب كما هو موجود في الكتب الخذخذيات فانها من هذا القبيل و الغلط من عدم العلم باصطلاح اهل الفن فيقع الغلط من سوء فهمه و عدم معرفته بالفن.
ـ الوجه الثالث: ان بعض المترجمين يفسرون الكلام بتمامه بمثله و هذا قليل الخطاء كما لو ترجم «قسم بخور» في اللغة الفارسية فقال معناه احلف و بعض المترجمين يفسر كل كلمة برأسها فيكثر غلطه كما لو فسر «قسم بخور» بان قسم بمعني اليمين و بخور بمعني كل فان المعني يبطل لانه يكون معني قسم بخور كل اليمين و امثال ذلك.
فلما حصل التغيير في الحكمة من استنباط الحكماء و من المترجمين كثر غلط الحكمة فان اخذت الحكمة و صححتها بحكمة اهل العصمة: صحت و معني تصحيحها ان تجعل كلامهم: دليلك و تكون انت تابعا متعلما لا انك تصرف كلامهم و توجهه بكلام الحكماء و المتكلمين و اهل التصوف و تجعل مرادهم: هو ما اراد الصوفية و الحكماء كما فعل هذا الملا في ساير كتبه يعتقد كلام مميت الدين ابن عربي و رابعة العدوية و ابييزيد البسطامي و ابن عطاء الله و غيرهم و يأتي الي كلام جعفر بن محمد و آبائه و ابنائه: و يصرفه الي كلام اعدائهم و يقول نحن معاشر الاخباريين لانقول الا بكلام ائمتنا: هذا.
و قد قال في انوار الحكمة هكذا قال نور تكلمه سبحانه عبارة عن كون ذاته بحيث تقتضي القاء الكلام الدال علي المعني المراد لافاضة ما في قضائه السابق من مكنونات علمه علي من يشاء من عباده فان المتكلم عبارة عن موجد الكلام و التكلم فينا ملكة قائمة بذواتنا نتمكن بها من افاضة مخزوناتنا العلمية علي غيرنا و فيه سبحانه عين ذاته الا انه باعتبار كونه من صفات الافعال متأخر عن ذاته قال مولينا الصادق7ان الكلام صفة محدثة ليست بازلية كان الله عزوجل و لا متكلم انتهي ثم قال و تمام الكلام في كلامه عزوجل
«* جوامع الکلم جلد 2 صفحه 34 *»
يأتي في مباحث الكتب و الرسل انشاءالله انتهي كلامه.
فانظر في كلامه حيث جعل تكلم الله سبحانه عين ذاته و استدل علي انه و ان كان قديما الا انه لما كان من صفات الافعال كان متأخرا عن ذاته تعالي بقول الصادق7 و صرف كلامه7 الي كلام الاشاعرة القائلين بالكلام النفسي و الي مذهب الصوفية الفجرة القائلين بوحدة الوجود بان صفات الافعال عين ذاته لاجماع العقلاء من المسلمين و غيرهم علي ان الفعل محدث و صفات الفعل صادرة عنه فكيف يكون الصادر عن الحادث عين القديم فيا لهم الويلات اذا كان هو احدث الفعل و الكلام من صفات الافعال و التكلم كذلك يعني احدثه يكون عين ذاته فيكون احدث ذاته.
و قد صرح بهذه اللفظة الخبيثة المجتثة من فوق الارض ما لها من قرار فقال في الكلمات المكنونة بعد ما صرح بان الكون كان كامنا فيه معدوم العين ولكنه مستعد لذلك الكون بالامر و لما امر تعلقت ارادة الموجد بذلك و اتصل في رأي العين امره به ظهر الكون الكامن فيه بالقوة الي الفعل فالمظهر لكونه الحق و الكائن ذاته القابل للكون فلولا قبوله و استعداده للكون لما كان فما كونه الا عينه الثابتة في العلم لاستعدادة الذاتي الغير المجعول و قابليته للكون و صلاحيته لسماع قول كن و اهليته لقبول الامتثال فما اوجده الا هو و لكن بالحق و فيه او نقول ذات الاسم الباطن هو بعينه ذات الاسم الظاهر و القابل بعينه هو الفاعل فالعين الغير المجعولة عينه تعالي فالفعل و القبول له يدان و هو الفاعل باحدي يديه و القابل بالاخري و الذات واحدة و الكثرة نقوش فصح انه ما اوجد شيئا الا نفسه و ليس الا ظهوره انتهي كلامه في كتابه المسمي بالكلمات المكنونة.
تفهم ما قال مما هو صريح في القول بوحدة الوجود التي اجمع العلماء علي تكفير القائل بها و هو يعلم ذلك ولكن لاجل متابعته للصوفية الذين هم اعداء ائمتنا: قال فصح انه ما اوجد شيئا الا نفسه و قد قال قبل ان الكون كامن فيه و الحاصل ان كان مبني علمه علي الاصول الحكمية مع انك سمعت ما فيها و القواعد الدينية و هو يشير بها الي مثل ما سمعت مما اخذه من الصوفية و مثل ما ذكره في الوافي في باب الشقاوة و
«* جوامع الکلم جلد 2 صفحه 35 *»
السعادة و غيره فكيف يدعي هو او من يقول بقوله من اكثر من شاهدت انه يأخذ عن اهل البيت: و ان هذا معني كلامهم فياسبحان الله كيف يكون معني كلام محمد و اهل بيته9بان الله تعالي ما اوجد شيئا الا نفسه و ان الله ليس له ان شاء فعل و ان شاء ترك و انما له وجه واحد كما قال في الوافي لان علمه مستفاد من حقايق الخلق قال فمشيته احدية التعلق و هي نسبة تابعة للعلم و العلم نسبة تابعة للمعلوم و المعلوم انت و احوالك انتهي هذا كلامه اخذه من عبارة عبدالرزاق الكاشي في شرحه لفصوص مميت الدين فما ادري ما اقول في هذه الاصول الحكمية التي يدعيها و القواعد الدينية التي يشير اليها و يحتذيها.
و لاتتوهم اني واجد عليه لا والله الا دفاعا عن دين ائمتنا: فان كثيرا ممن يدعي العلم يعتقد حقية كلامه والله سبحانه يقول و لو شئنا لاتينا كل نفس هديها و هو يقول في الوافي في باب الشقاوة و السعادة لو حرف امتناع ما شاء الا ما هو الامر عليه ولكن عين الممكن قابل للشيء و نقيضه في حكم دليل العقل و اي الحكمين المعقولين وقع فهو الذي عليه الممكن في العلم فمشيته احدية التعلق و هي نسبة تابعة للعلم و العلم نسبة تابعة للمعلوم و المعلوم انت و احوالك الي ان قال فان الممكن قابل للهداية و الضلال من حيث ما هو قابل فهو موضع الانقسام و في نفس الامر ليس للحق فيه الا امر واحد انتهي كلامه في الوافي والله سبحانه يقول و لو شاء لجمعهم علي الهدي فلاتكونن من الجاهلين.
و بالجملة فانا نصحتك و ما توفيقي الا بالله و عليه توكلت و اليه انيب.
و قوله و لاتناله ايدي المناقشات اقول ان كان كلامه من نحو ما سمعت نالته ايدي المناقشات و جعلته هباء منثورا.
و قوله فانها من اغمض المسائل الحكمية الخ صحيح ولكن ليس كما يقول لانه يقول انا نبحث فيها بالحق و نفهمها فان كان عني بهذا العلم العلم الذاتي فقد اخطأ لان العلم الذاتي هو ذات الله تعالي فكيف يبحث عنه فان المتكلم فيه لاتزيده كثرة السير الا بعدا و ان عني به العلم الحادث فهو حق و هو من اغمض المسائل الحكمية لو كانوا يعلمون ولكنهم لايعنون الا العلم الازلي الذي هو الله و مع هذا يبحثون عن كيفيته
«* جوامع الکلم جلد 2 صفحه 36 *»
و هو تعالي يقول سيجزيهم وصفهم انه حكيم عليم.
و قوله زلت فيها اقدامهم كيف لاتزل اقدامهم اذا تكلموا بجهلهم في القديم.
و قوله و انما التأييد من الله في الوصول اقول: الله سبحانه حكيم مايؤيد الحادث في ادراك القديم بل هذا محال لاتتعلق القدرة به لانه ليس بممكن.
قال: اصل: اعلم ان العالمية و المعلومية هما عين الفاعلية و المفعولية او لازمتان لهما لان العلم عبارة عن حصول المعلوم للعالم و ليست الفاعلية ايضا الا حصول المفعول للفاعل او تحصيل الفاعل للمفعول (المفعول خل) فانك اذا تصورت صورة في نفسك فعين تصورك اياها عين حصولها لك و عين علمك بها و تصورك اياها ليس الا انشاءك لها في ذاتك و ابداءك اياها مع انك لست مستقلا في هذا الانشاء و الابداء بل انت محل لها و انما يفيض عليك مما فوقك حين حصول شرايطها فيك و استعدادك لها فلو كان الانشاء منك بالاستقلال لكان اولي بان يكون علما لك بها فذاتك من حيث هي مع قطع النظر عن تصورك لتلك الصورة متقدمة علي التصور و الصورة من حيث تصورها لاتنفك عنها.
اقول: العالمية صفة العالم و هي حالة نسبة العلم اليه و المعلومية صفة المعلوم و هي حالة نسبة معلوم([16]) اليه و هذه الصفة حالة العالم في كونه عالما بالمعلوم و المعلومية حالة المعلوم في كونه معلوما للعالم به و قوله هما عين الفاعلية و المفعولية انما يصح في العلم الفعلي اي علم بكذا بمعني ادراكه او ادراك([17]) صورته كما مر و العلم الحصولي ليس فعليا و لا الحضوري و لا لازما له و اريد بالعلم الحصولي او الحضوري الذي هو علمه الحادث المقارن للمعلوم او الذي هو نفس المعلوم علي الاحتمالين و هذا العلم الحصولي او الحضوري اضافي مستلزم لوجود المعلوم فاذا وجد المعلوم وجد العلم للعالم به و هو حصوله له او حضوره عنده مادام حاضرا عنده في مكانه و وقته فاذا فقد المعلوم فقد العلم لان الحضور او الحصول لايتحقق بدون حاضر او حاصل فلايكون العالم بدون المعلوم لان العلم هو الحضور او الحصول و هذا العلم حاصل للعالم في رتبة المعلوم علي الاصح سواء قلنا انه عين المعلوم او غيره و اما العلم الذاتي الذي هو
«* جوامع الکلم جلد 2 صفحه 37 *»
الله سبحانه فليس بحضوري و لا حصولي و لا اضافي فلايستلزم وجوده وجود المعلوم لانه غير متعلق به و لا مطابق له و ليس معه في مشهد فليس بينهما نسبة كما ذكرنا سابقا و نذكر بعد.
و قوله لان العلم عبارة عن حصول المعلوم للعالم صحيح كما قلنا لكن في العلم النسبي الحصولي او الحضوري لا الذاتي فان اراد به خصوص الذاتي او مطلق العلم الصادق علي الذاتي و غيره فقد اخطأ الحق و بعد عن الصواب.
قوله و ليست الفاعلية ايضا الا حصول المفعول للفاعل او تحصيل الفاعل المفعول هذا ليس بصحيح لان الفاعلية هي نسبة احداث المفعول او التأثير فيه الي الفاعل اي الي الذات الفاعلة بفعلها للمفعول او المؤثرة فيه لا حصول المفعول للفاعل و اذا لحظنا العلم الفعلي يعني يعلم كذا جاز ان تقول هنا ان العالمية فاعلية كما ذكرنا لكن لايجوز انيكون العلم هنا هو التأثير الملحوظ من معني العالمية التي هي فاعلية بل العلم حينئذ حصول المفعول او حضوره عند الفاعل من حيث وجوده او حصوله لا من حيث انه مؤثر فيه فلاتكون العالمية هي الفاعلية بحال فقوله ان العالمية عين الفاعلية لان العلم حصول المعلوم للعالم و الفاعلية حصول المفعول للفاعل ليس بصحيح من وجهين:
ـ الاول: و هو اعظمهما و هو جعل هذا بيانا لكيفية العلم القديم كما قال و ذلك العلم لا كيف له و لايعرف بهذه الكلمات التي هي صفات الحادث لو صحت.
ـ الثاني: انه يلزم منه ان يكون العلم هو حصول المعلوم للفاعل من حيث هو فاعل او حصول المفعول للعالم من حيث هو مفعول و كل ذلك باطل.
و قوله فانك اذا تصورت صورة في نفسك فعين تصورك اياها عين حصولها لك و عين علمك بها هذا ليس بصحيح لان التصور معني فعلي انشائي ليس هو عين حصول الصورة لان التصور فعل المتصور و الحصول من الصورة بعد تمام التصور و استقلال الصورة.
و قوله و عين علمك بها يعني (ان عين خل) تصورك عين علمك بها و هذا اذا جعل العلم نفس التصور و تحصيل الصورة و حينئذ يكون العلم غير نفس الصورة الحاصلة الذي هو من مقولة الكيف و غير حصول الصورة الذي هو من مقولة الاضافة و غير قبول ذي الصورة للصورة الذي هو من مقولة الانفعال فهذا هوالعلم
«* جوامع الکلم جلد 2 صفحه 38 *»
الفعلي الذي يحدث عنه المعلوم كما ذكرناه سابقا و هو غير الحصول و غير نفس الصورة الحاصلة و لابأس لان هذا نوع من العلم الا انه لايكون هذا العلم الا مع المعلوم و هو غيره لانه الفعل و المعلوم هنا مفعول و الفعل غير المفعول فاذا كان لايوجد الا مع المفعول لانه فعل و الفعل لايوجد قبل المفعول فكيف يجعله اصلا و صفة يكشف عن حقيقة القديم.
و قوله و تصورك اياها ليس الا انشاءك لها في ذاتك و ابداءك اياها فيه ان قوله في ذاتك ليس بمتجه لان التصور يقع في محله منك و المحل المعد للصورة هو الخيال و النفس و انت قبل التصور ليس عندك شيء و بعد التصور حصل عندك الصورة في الخيال او النفس فقد كان لك حالتان و اذا جعل هذا بيانا لعلم القديم لزم ان يكون القديم فاقدا في ذاته قبل الخلق واجدا في ذاته بعد الخلق تعالي الله عن ذلك علوا كبيرا و ليس لك ان تقول انما عني علم الحادثين و المخلوقين فانه ليس بصدد ذلك.
و قوله و ابداءك اياها يشير الي انها كانت كامنة فيك كما تقدم فيما نقلنا عنه من كتابه الكلمات المكنونة و هذا كما تري ليس بصحيح لما فيه من الفساد.
فان قلت انما ذكر علم المخلوقين قلت ليس هو يبحث عن علم الخلق بل يبحث عن خصوص علم الحق تعالي او عن مطلق العلم الذي يصدق علي علمه و لو اراد علم الخلق كان قوله و ابداؤك اياها غير صحيح لان الصورة التي في نفسك لمتكن كامنة عندك ثم اظهرتها و انما هي ظل منتزع من مخلوق في الخارج.
و قوله مع انك لست مستقلا في الانشاء و الابداء هذا صحيح في نفسه و ان كان بخلاف ما قرره استاده الملاصدرا في ان النفس لها قدرة علي ابداء الصور و انشائها.
و قوله بل انت محل لها و انما يفيض عليك مما فوقك حين حصول شرايطها فيك و استعدادك لها هذا صحيح و كل هذا حق في نفسه لا مع مايترتب عليه من مطلبه.
و قوله فلو كان الانشاء منك بالاستقلال لكان اولي بان يكون علما لك بها هذا علي جعل العلم فعليا كما ذكرنا قبل هذا الا انه غير الحصول او الحضور.
و قوله فذاتك من حيث هي مع قطع النظر عن تصورك لتلك الصورة متقدمة علي التصور و الصورة و من
«* جوامع الکلم جلد 2 صفحه 39 *»
حيث تصورها تلك الصورة لاتنفك عنها.
اقول اما تقدم الذات علي التصور و الصورة الحادثة([18]) بذلك التصور فهو حق لااشكال فيه و اما ان الذات من حيث التصور لاتنفك عن تلك الصورة فغلط من جهات متعددة:
ـ منها انه يلزم من ذلك ان تكون الذات مقترنة و ملزومة لغيرها و هذا ان صح في بعض احوال الخلق لايصح علي الخالق تعالي في حال لان الاقتران و التلازم صفات المخلوقين علي اي حال فرضت
ـو منها ان ثبوت هذا العلم و مصاحبته للذات بحيث لاتخلو منه انما هو من حيثية خاصة و كل من يجري عليه جهة و جهة او حيث و حيث فهو محدث و متعدد الجهات و الحيثيات و هذا ظاهر.
ـ و منها ان التصور معني فعلي و المعني الفعلي حادث لانه لايتحقق الا مع المتصور و هو الصورة فهو جهة الفعل و هو و ما صدر عنه لاينتهي الا الي حركة الفاعل و الفعل و جميع ما يصدر عنه و ينتهي اليه محدث فان قولك زيد قائم لو كان القيام مستندا الي ذات زيد بدون واسطة الفعل لكان ذاتيا له فيلزمك ان زيدا ابدا قائم لان قائما علي هذا ثبت لذات زيد بغير واسطة فهو ذاتي له لكنه لميثبت القيام له الا بواسطة الفعل والفعل حادث احدثه زيد بنفسه اي بنفس الفعل و كل ما يصدر عن الحادث فهو حادث و لايكون اسبق منه و لايساويه في رتبته بل متأخر عنه فافهم ان كنت تفهم.
و هذه الاشياء و القواعد التي يدعي انها اصول حكمية يريد ان يعرف بها القديم فهي كما قلت فيها سابقا و قد قال الصادق7 في الدعاء بعد ركعتي الوتيرة بعد العشاء علي ما رواه الشيخ ره في المصباح قال7: بدت قدرتك يا الهي و لمتبد هيئة يا سيدي فشبهوك و اتخذوا بعض آياتك اربابا يا الهي فمن ثم لميعرفوك.
قال: اصل قد ثبت ان الله سبحانه قديم بذاته متفرد بالازلية كان الله و لميكن معه شيء.
اقول: هذا حق و كله محكم نعم هنا شيء يحتاج الي التنبيه عليه و هو ان الازلية ذاته بلامغايرة فلاتتوهم ان الازل شيء او وقت حل فيه تعالي الله
«* جوامع الکلم جلد 2 صفحه 40 *»
عن ذلك علوا كبيرا بل الازل ذاته بلامغايرة لا في الواقع و لا في الفرض و لا في الاعتبار و لا في حيثية اذ كل ما سواه احدثه بفعله فافهم ان كنت تفهم.
قال: ثم اوجد الاشياء جميعا بذاته بحيث لايخرج لايخرج منها شيء عن ابداعه و تكونه.
اقول: قوله بذاته غلط و انما اوجدها بفعله و هو ابداعه و مشيته و ارادته. قال الرضا7 لعمران الصابي و المشية و العبادة و الابداع اسماؤها ثلثة و معناها واحد و المراد ان كلا منها فعل و كل واحد يطلق علي الاخر مع عدم اجتماعهما فاذا اجتمعت اختلفت فاذا قال شاء و اراد كانت المشية فعل الله للاكوان و هو مثل خلق و الارادة فعل الله للاعيان و هو مثل برأ قال الرضا7 ليونس تعلم ما المشية؟ قال لا قال هي الذكر الاول ثم سأله تعلم ما الارادة قال لا قال هي العزيمة علي ما يشاء الحديث و اما قوله و تكونه فلايصح فالواجب ان يقال و تكوينه لانه صفة فعل الفاعل و اما التكون فهو صفة فعل القابل اي المفعول.
قال: و ان كان بعضها عقيب بعض بترتب سببي و مسببي.
اقول: هذا حق لان الله سبحانه تكلم بكلمة و هي فعله الواحد البسيط فانزجر لها العمق الاكبر فكان بها الامكان الراجح الوجود و هو محل تلك الكلمة التي هي فعل الله و مشيته و ارادته و ابداعه و اختراعه و هذا هو الوجود المطلق خلقه الله بنفسه اي بنفس هذا الوجود فملأت الامكان الذي لايتناهي فهي علي قدره لايزيد احدهما علي الاخر لاتزيد المشية فتتعلق المشية بما ليس من الامكان و بما ليس فيه و لايزيد الامكان فيكون شيء منه او مما فيه لاتتعلق به المشية و المكونات التي يترتب بعضها علي بعض هي الوجود المقيد الذي اوله العقل الكلي و آخره ماتحت الثري.
و قولي اوله العقل اريد به اول المزدوجات سواء كانت من التركيبات المعنوية النورية([19]) كالعقل و الروح و النفس و الطبيعة الكلية المسماة بالملائكة العالين الذين لميؤمروا بالسجود لآدم بل انما سجد الملائكة لادم لكون صلبه مظهرا لمواقعها كما قال تعالي: فلا اقسم بمواقع النجوم و انه لقسم لو
«* جوامع الکلم جلد 2 صفحه 41 *»
تعلمون عظيم. و من التركيبات الظاهرية الظلمانية كالحيوانات و النباتات و المعادن و الجمادات و العقل اولها اي اول الوجودات المقيدة و قبل العقل صدر عن المشية الوجود المخترع لا من شيء و هو الماء الذي به حيوة كل شيء فساقه تعالي بكلمته اي بمشيته و هي السحاب المتراكم الي الارض الميتة وهي ارض القابليات فانبتت به شجرة الخلد و اول غصن نبت فيها القلم و هو العقل الكلي فقال الله له اقبل فاقبل ثم قال له ادبر فادبر فدفعته الكلمة التامة التي هي فعل الله نازلا فكل شيء تمت له شرايط القبول من الوقت و المكان و الكم و الكيف و الجهة و الرتبة و الوضع و الاذن و الاجل و الكتاب اعطاه ما جعله الله له من حصة الوجود فقام يسبح الله و يعلن بحمده و الثناء عليه فمن تمت شرايطه اوجده باذن الله و من لمتتم شرايطه بقي منتظرا و هذا هو العلة في تقدم بعض الاشياء و تأخر بعضها و هو قوله بترتب سببي و مسببي.
قال: علي نحو لايقدح كثراتها و تركباتها الفاصلة بعد الذات الاحدية في وحدة الحقيةو بساطة الحقيقية.
اقول: هذا الكلام ليس بصحيح لانها ان كانت معه او في ذاته او كامنة فيه كما توهم لايفيده قوله علي نحو لايقدح الخ و قول الصوفية الذي اخذ هذه العبارة منه باطل فانهم يقولون بالجمع و الفرق و بالحق و الخلق و بالكثرة و الوحدة و هذا كلام باطل يلزم منه انه تعالي من جهة هو خلقه و من جهة هو غيرهم و من جهة هو حق و من جهة هو خلق و من جهة هو واحد و من جهة هو كثير و ربنا عزوجل ليس هكذا و لانعبد ربا هكذا حاله فانه مختلف الذات باختلاف الاعتبارات و الحيثيات و ربنا عزوجل لايختلف في حال و لايتغير بتغير الحالات و اختلاف الحيثيات و الاعتبارات فهذا الكلام كلام من هم كالانعام بل هم اضل و هو موضوع تحت الاقدام.
قال: و انه سبحانه يعلم ذاته بذاته في رتبة ذاته([20]) و انه لحصول ذاته بذاته لذاته في مرتبة ذاته.
اقول: هذا كلام صحيح لاشك فيه و هو المعبر عنه بوجوب الوجود.
قال: و ثبت ان العلم التام بالفاعل بما هو فاعل لاينفك عن العلم بالمفعول
«* جوامع الکلم جلد 2 صفحه 42 *»
الايعلم من خلق.
اقول: ان اراد بالعلم التام العلم الفعلي الذي هو فعل الفاعل للمفعول او هو المفعول فلاشك عندنا ان ذلك علم بالمفعول و المفعول نفسه علم للفاعل بالمفعول و ان المفعول ابدا قائم بذلك الفعل الذي هو علم اول بالمفعول للفاعل و المفعول علم ثان و اليه الاشارة بقول علي7لاتحيط به الاوهام بل تجلي لها بها و بها امتنع منها و اليها حاكمها انتهي و لاينفك عنه لانه قائم به قيام صدور و ان اراد به العلم القديم الذاتي فهو باطل لان الازلي تعالي لايوصف بعدم الانفكاك عن شيء و لا بعدم انفكاك شيء عنه لذاته اذ لايجوز عليه الاقتران لانه صفة الحدوث و هو ممتنع من الازل الممتنع من الحدث.
و الفرض الاول و ان كان صحيحا لايصح وصف الذاتي به و لابشيء من صفاته و احواله و استدلاله بقوله تعالي: ألايعلم من خلق لايدل علي ان هذا العلم هو الذاتي فان الذاتي علم و لا معلوم لاني اقول راجع الي ما ذكرنا اولا لتعرف ان الذاتي لايرتبط بالحوادث و ان المحال الوجود لايكون معلوما كما قال تعالي أتنبئون الله بما لايعلم في السموات و لا في الارض و وجود الحادث في الازل و وجود الازل في الحدوث محال و الحادث اذا وجد كان معلوما بما هو موجود لا بما هو لاشيء نعم الحادث معلوم في الامكان بما هو ممكن و في الاكوان بما هو مكون و في الاعيان بما هو معين و في القدر بما هو مقدر و في القضاء بما هو مقضي و هكذا و هو سبحانه يعلم الاشياء بما هي عليه في امكنة حدودها و اوقات وجودها كلا في رتبته من غير انتقال و لا تحول حال.
و معني قولي بما هو ممكن اريد به انه انما علم الشيء بما هو عليه لا بما ليس هو عليه فلايقال انه تعالي يعلم الممكن بما هو مكون و لا المكون بما هو ممكن لان علمه تعالي لايكون علي خلاف معلومه ففي الازل هي ليست شيئا و محال ان توجد هناك فيعلم انها ليست شيئا و ان وجودها محال بمعني ان الله سبحانه لايعلم هناك شيئا الا ذاته خاصة و لايعلم غيره و يعلم الاشياء في اماكنها بما هي عليه لميفقد في الازل علمه بها في الحدث ابدا فافهم ان كنت تفهم بل الاية تدل من يفهم علي انه انما يعلم من خلق بما
«* جوامع الکلم جلد 2 صفحه 43 *»
هو عليه في رتبته من مخلوقيته.
قال: و قد ثبت ايضا ان صفاته عين ذاته بحسب الوجود و ان كانت غيرها بحسب المفهوم بمعني ان ذاته بذاته وجود و علم و قدرة و ارادة و حيوة كما انه موجود و عليم و قدير و مريد و حي، يترتب علي الذات ما يترتب علي الصفات من الاثار من دون معني زايد قائم بذاته.
اقول: قد ثبت ان صفاته الذاتية عين ذاته مطلقا و اما اختلافها بحسب المفهوم فانما هو باعتبار ملاحظة متعلقاتها كالعلم فانه انما يخالف البصر لان ملاحظة معلوم تقتضي تسمية العلم و ملاحظة مبصر تقتضي تسمية البصر و اما في انفسها فمفهومها واحد و مصداقها واحد و في التوحيد عن محمد بن مسلم عن ابيجعفر7 انه قال: من صفة القديم انه واحد احد صمد احدي المعني ليس بمعان كثيرة مختلفة قال قلت جعلت فداك يزعم قوم من اهل العراق انه يسمع بغير الذي يبصر و يبصر بغير الذي يسمع قال فقال كذبوا و الحدوا و شبهوا تعالي الله عن ذلك انه سميع بصير يسمع بما يبصر و يبصر بما يسمع قال قلت يزعمون انه بصير علي ما يعقلون قال فقال تعالي الله انما يعقل ما كان بصفة المخلوقين و ليس الله كذلك انتهي فاذا تعلق السمع بالمبصر فهو البصر و انما يسمي بالسمع اذا تعلق بالمسموع و المراد انه تعالي واحد فيسمي باعتبار الاثر فمفهوم الصفات واحد من حيث نظر الواصف الي نفس الذات الحق و متعدد من حيث نظره الي الاثار و في التوحيد عن هشام بن حكم في حديث الزنديق الذي سأل اباعبدالله7 انه قال له أتقول انه سميع بصير فقال ابوعبدالله7هو سميع بصير سميع بغير جارحة و بصير بغير آلة بل يسمع بنفسه و يبصر بنفسه و ليس قولي انه يسمع بنفسه انه شيء و النفس شيء اخر ولكني اردت عبارة عن نفسي اذ كنت مسئولا و افهاما لك اذ كنت سائلا فاقول يسمع بكله لا ان كله له بعض ولكني اردت افهامك و التعبير عن نفسي و ليس مرجعي في ذلك الا الي انه السميع البصير العالم الخبير بلااختلاف الذات و لا اختلاف المعني انتهي. فابان عليهالسلام ان الصفات تتعد لفظا
«* جوامع الکلم جلد 2 صفحه 44 *»
و تتحد معني فيعلم ببصره و يسمع بعلمه ثم قال يسمع بكله فهي ذاته و الالفاظ اسماء باعتبار الاثار.
و قوله بمعني ان ذاته بذاته الخ تصحيحه ان الاختلاف في الالفاظ بلحاظ الاثار لايوجب اختلاف معانيها فلافرق بين قولك انه علم و انه عليم الا اذا اريد بعليم ذوعلم لتتحقق المغايرة و اما اذا لميرد بعليم الا مجرد وصفه بالعلم لذاته فلافرق بين معني اللفظين لان معني وصفه بالعلم تسميته بالعلم و الا لزم التغاير.
و قوله يترتب علي الذات ما يترتب علي الصفات من الاثار من دون معني زايد قائم بذاته هذا صحيح اذا اريد باختلاف المفهوم في التسمية بلحاظ المتعلق خاصة واذا اريد هذا صح اختلاف التسمية في الذات من غير اعتبار الصفات علي العبارات المتعارفة لانه تعالي يسمي علما باعتبار اثر العلم الصادر عن فعله من صنع الاشياء المحكمة و الاحاطة بما خلق و بخلق العلم في العلماء كما يسمي عالما بهذا الاعتبار بلافرق فافهم.
قال: فكما ان علمه بذاته عين ذاته بمعني انه لايحتاج في علمه بذاته الي شيء غير ذاته فعلمه بما يفعل ذاته([21]) ايضا عين ذاته بهذا المعني و ان كان بعد ذاته و بعد علمه بذاته باعتبار المرتبة.
اقول: علمه بذاته عين ذاته الخ حق و اما ان علمه بما يفعل ذاته عين ذاته فغلط لان علمه بما يفعل ذاته ليس كعلمه بذاته لان علمه بذاته لايحتاج الي شيء آخر غير ذاته بخلاف علمه بمفعوله فان المعلوم انما وجد بالفعل و قوله يفعل بذاته ان اراد بدون توسط الفعل فهو خطأ فاحش و ان اراد بقوله علمه بما يفعل بذاته ما يفعله([22]) بفعله فهو بخلاف الاول لان المعلوم لميكن معلوما الا اذا وجد كما تقدم في حديث الصادق7لميزل الله عزوجل ربنا و العلم ذاته و لا معلوم الي ان قال فلما احدث الاشياء و كان المعلوم وقع العلم منه علي المعلوم انتهي و قبل ان يكون المعلوم كان تعالي عالما و لا معلوم فيكون العلم به انما يحصل له بتوسط الفعل فلايكون هذا العلم عين ذاته.
و قوله و ان كان بعد ذاته و بعد علمه بذاته ينقض
«* جوامع الکلم جلد 2 صفحه 45 *»
قوله الاول لان ما يكون بعد الذات لايكون عين الذات الا علي وساوس الصوفية انه تعالي كل الخلق فيجعلون اعلي الحديث اسفله و اسفله اعلاه في قوله كان الله و لا شيء معه و هو الان علي ماكان لانه لوكانت الاشياء غيره لكان بعد ما اوجدها كان معه غيره لكنها هي عينه فما اوجد شيئا الا نفسه فليس معه غيره قبل ما يوجدها و بعد ما اوجدها.
و قوله باعتبار المرتبة يعني به ان علمه بمفعوله ايضا عين ذاته و ان كان مفعوله باعتبار مرتبته بعد الذات لانه انما وجد بفعله تعالي و هذا انما هو علي القول بوحدة الوجود و الا فكيف يجوز مع ان الامام7 يقول كان عالما و لا معلوم و هذا حكم الازل فاذا وجد (اوجد خل) المعلوم كان عالما مع معلوم و هذا اثبات حالين مختلفين له تعالي احديهما ثبوت العلم من غير معلوم و الثانية بعد ذلك ثبوت العلم مع معلوم لان يفعل كما ذكره في قوله بما يفعل ذاته معني فعلي و العلم الفعلي متأخر عن الذات لتوقفه علي الفعل المحدث و المتوقف علي المحدث لايكون عين القديم الا علي القول بوحدة الوجود و هو قائل بها كما نقلنا عنه من الكلمات المكنونة فكلامه هذا مطابق لمذهبه و ان كان عند اهل العصمة: نفي ذلك ففي التوحيد عن حماد بن عيسي قال سألت اباعبدالله7 فقلت لميزل الله يعلم قال اني يكون يعلم و لا معلوم قال قلت فلميزل الله يسمع قال اني يكون ذلك و لا مسموع قال قلت فلميزل الله يبصر قال اني يكون ذلك و لا مبصر قال ثم قال لميزل الله عليما سميعا بصيرا ذات علامة سميعة بصيرة انتهي فانظر في صراحة هذا الحديث الشريف فيما ذكرته لك فانه7 انكر ان يكون يعلم لانه انما يكون اذا وجد المعلوم و المعلوم لايوجد الا بفعله و كل ذلك متأخر عن الذات تعالي و اثبت كونه عليما سميعا بصيرا بمعني ان ذاته علامة لابمعني انه يعلم شيئا و لاشيء غيره قبل الخلق.
قال: و في مرتبة الاعتبار حيث انه لابد في ذلك من اعتبار المفعول المتأخر عن رتبة الذات.
«* جوامع الکلم جلد 2 صفحه 46 *»
اقول: ياسبحان الله اذا كان المفعول المتأخر وجوده شرطا في كون العلم به عين الذات الازلية وجب تأخر هذا العلم عن الازل حتي يحصل([23]) شرطه و اذا جاز تأخره ما جاز كونه عين الازل تعالي عن ذلك علوا كبيرا و ايضا قد ثبت عقلا و نقلا مع اجماع العقلاء من المسلمين و غيرهم ان المفعول لايوجد من الذات بدون فعل فلايوجد الا بفعل فهو متوقف علي الفعل و هو قد علل كون علمه بذاته عين ذاته بانه لايحتاج في علمه بذاته الي شيء غير ذاته و معلوم من مفهومه ان ما كان من العلم محتاجا الي شيء غير ذاته لايكون عين ذاته و اجمع العقلاء من بنيآدم علي ان الفعل محدث و المفعول متوقف علي المحدث و قال ان علمه بهذا المحدث لابد من اعتبار وجوده حيث قال و في مرتبة الاعتبار حيث انه لابد في ذلك من اعتبار المفعول المتأخر عن رتبة الذات فتدبر في هذه الامور المتناقضة المتهافتة.
قال: و ذلك لان فاعليته ليست الا بذاته
اقول: هذا شيء عجيب ما سمعنا بان فاعلا يفعل بذاته بغير فعل منه الا اذا كانت ذاته فعلا لمن هو فوقه فان الاعلي يكون فاعلا و تلك الذات السفلي تكون فعلا للاعلي فيحدث عنها المفعول بامر الاعلي و قدرته سبحان ربي الاعلي و بحمده و تعالي عما يقولون علوا كبيرا.
قال: فلاتغاير بين ذاته و علمه بذاته لا بالذات و لا بالاعتبار.
اقول: هذا حق لاشك فيه و لا شبهة تعتريه.
قال: و لابين علمه بذاته و علمه بما يفعل ذاته بالذات و ان تغايرا في الاعتبار.
اقول: لابد من التغاير بينهما الا ان يقول انه لايحتاج الي اعتبار المفعول المتأخر في هذا العلم و لا الي اعتبار الفعل فيقول هو عالم بها قبل كونها كعلمه بها بعد كونها و اما اذا اعتبر اختلاف الاعتبار في العلم الثاني فكيف يكون العلم بشرط شيء عين العلم المطلق و كيف يكون المتأخر انتظارا لشرطه الذي لايتحقق بدونه و هو نفس السابق و ايضا الاعتبار من جملة الممكنات فلايجري علي الازلي و ليس كما يتوهم من لايعلم ان الامور الاعتبارية ليست شيئا بل هي
«* جوامع الکلم جلد 2 صفحه 47 *»
و كل فرض و احتمال و تجويز اشياء موجودة خلق الله سبحانه اكوانه بمشيته و احدث اعيانها بارادته و وضعها في خزانة فعله في ارض الامكان الراجح الذي هو محل مشيته شقه بقدرته و زجره بكلمته و هو العمق الاكبر الذي ذكره الحجة7 في دعاء السمات حيث يقول و انزجر لها العمق الاكبر و هو الامكان الراجح و هو خزائن كل شيء في قوله تعالي و ان من شيء الا عندنا خزائنه و ما ننزله الا بقدر معلوم فافهم ان كنت تفهم و الا فسلم تسلم فالفرضيات و الاحتمالات و الاعتبارات و ما اشبه ذلك كلها مخلوقة لله تعالي محدثة اجريها علي خلقه و كيف يجري عليه ما هو اجراه فالاعتبارات و الحيثيات و ما اشبهها خلق الله و عباده فلايكون شيء منها و لا ما تعلقت به و فرضت فيه عين ذاته تعالي سبحانه و تعالي عما يقولون علوا كبيرا و قوله يفعل ذاته بالذات كيف يجعل ذاته فعلا و الذات لايكون فعلا الا لمالكها ولكن اكثرهم يجهلون.
قال: اصل علمه سبحانه للاشياء صفة نفسية ازلية كما ان علمه بذاته صفة نفسية ازلية.
اقول: ان لميعتبر في علمه بالاشياء اعتبار وجودها بل كان عالمابها قبل كونها كعلمه بها بعد كونها فقد قال كثير من العلماء بذلك ولكن قول الصادق7 ينفي هذا كما ذكرناه مرارا و اذكره الان لان قوله7كان الله عزوجل ربنا و العلم ذاته و لا معلوم الي ان قال عليهالسلام فلما احدث الاشياء و كان المعلوم وقع العلم منه علي المعلوم فهذا الكلام صريح بانه تعالي عالم و لا شك فيه ولكن علمه لميتعلق بمعلوم غيره لانه اخبر بان العلم انما وقع منه تعالي علي المعلوم بعد حدوثه فاخبرني ان هذا الذي وقع عليها بعد حدوثها هو العلم بها او غيره فان كان هو العلم بها بطل قوله ان العلم بها ازلي و ان كان العلم بها قبل هذا غيره فقول الصادق7و لا معلوم ما معناه و قوله وقع العلم منه علي المعلوم يعني بعد حدوثه.
و ليس لك ان تقول ان كلامك هذا حكم علي الله تعالي بالجهل بالاشياء قبل خلقها لاني اقول ليس هذا كلامي
«* جوامع الکلم جلد 2 صفحه 48 *»
بل هو كلام امامك الصادق7 و لايلزم منه الجهل لانه لو كان في الازل شيء و قلنا لايعلمه فكما تقول او قلنا كان جاهلا تعالي الله عن ذلك قبل الاشياء فلما احدثها كان عالما فكما تقول بل نقول ان الاشياء لايمكن وجودها في الازل ففرض وجودها في الازل كفرض وجود شريك الباري سبحانه فهو كما قال تعالي في حق ما فرضوا له من الشريك أتنبئون الله بما لايعلم في السموات و لا في الارض و هو حق و لايكون ذلك نفيا لعلمه لان نفي العلم انما يتحقق اذا وجد معلوم و لميعلمه اما اذا لميوجد معلوم و قال قائل هو لايعلم شيئا فليس هذا نفيا للعلم بل اثبات للعلم.
و انا اسألك عما تعقله اذا لميكن في البيت رجل و قلت لك هل في البيت رجل فقلت لي لااعلم في البيت شيئا يكون هذا نفيا لعلمك و اثباتا لجهلك؟ بل لو قلت اعلم في البيت رجلا و ليس فيه رجل فهو نفي لعلمك و اثبات لجهلك. و اذا كنت سميعا و لميكن متكلم و قلت انا لك سمعت كلاما فقلت لماسمع دل علي انك لست بسميع؟ ليس كذلك لانك سميع و لمتنف سمعك و انما نفيت سماعك الكلام (لكلام خل) لعدم وجوده فكذلك قال7كان الله عزوجل ربنا و العلم ذاته و لا معلوم فلما احدث الاشياء و كان المعلوم وقع العلم منه علي المعلوم و كذلك انت سميع و لا مسموع فلما حضر المتكلم و تكلم وقع السمع منك علي المسموع فقبل ان يتكلم لست باصم و كذلك نقول كان عالما و لا معلوم.
نعم لو قلت كان في الازل عالما بها في الحدث صح كلامك و لايكون ذلك العلم في الازل مشروطا حصوله له تعالي بوجودها في الحدث و هذا العلم عين ذاته تعالي و اما وقوعه علي المخلوق و ارتباطه به فهو مشروط بوجود المخلوق كما قال الصادق عليهالسلام الا ان هذا الوقوع و هذا الواقع ليس هو ذلك العلم الازلي لانه لميحصل الا بعد وجود الحادث فهو محدث و ليس هو عين ذاته تعالي فلو قلت ان العلم الازلي بعينه هو الواقع قلت لك هذا الكلام باطل لانه يلزم ان يكون له حالتان حالة عدم الوقوع قبل المخلوق و حالة الوقوع بعد وجود المخلوق و الحالتان متغايرتان و القديم لايكون متعددا متغايرا فافهم ان كنت تفهم و الا فسلم تسلم و الملامحسن جعل العلمين مع تغايرهما و تقدم
«* جوامع الکلم جلد 2 صفحه 49 *»
احدهما علي الاخر و اشتراط احدهما دون الاخر عين ذاته تعالي مع تغاير الاعتبار الموجب للحدوث و لذا
قال: فعلمه تعالي بنفسه و علمه بخلقه واحد غير منقسم و لامتعدد ولكنه يعلم نفسه بما هو له و يعلم خلقه بما هم عليه.
اقول: ان اراد بعلمه بخلقه ما قلنا من انه تعالي عالم في الازل بها في الحدث فهو حسن و لو قلت هو عالم بها في الازل كان هذا قبيحا لانك اذا قلت عالم بها في الازل كان المعني انها عنده في الازل و ليس الازل شيئا غير ذاته فلاتتوهم ان الازل فضاء واسع و فراغ قد حل فيه تعالي فيجوز ان يحل فيه غيره كما يتوهمه من يفرض تعدد القدماء و يمنع التعدد بدليل التمانع او التركيب مما به الاشتراك و مما به الامتياز لانهم يتوهمون ان الازل مكان واسع ليس فيه الا الله فلو فرض معه غيره لزم كذا و كذا و هذا جهل محض لانه اذا كان مكانا كان قديما فتتعدد القدماء و ان فرضوا انه ليس فيه الا الله تعالي بل الازل هو الله لاشيء غيره فاذا قلت هو عالم بها في الازل كانت حالة في ذاته و يكون محلا للحوادث سواء فرض كونها في باطنه كما ذهب اليه من يقول ان العالم كامن فيه بالقوة و كلامه فيه اي في نفسه مثل كلامك في نفسك ثم ظهرت من القوة الي الفعل او فرض كونها عارضة له مثل قول من يقول ان حقايق الاشياء متعلقة به تعلق الاظلة بذيالظل و اما اذا قلت انه عالم في الازل بها في الحدث يعني يعلم في الازل بها في امكنة حدودها و ازمنة وجودها كلا في مكانه و وقته فهو صحيح علي ما قررنا و نقرره انشاءالله تعالي.
و قوله ولكنه يعلم نفسه بما هو له و يعلم خلقه بما هم عليه فيه ما في غيره من كلامه و انا اسأله و اقول يا ملا انت جعلت علمه بنفسه عين علمه بخلقه و فسرت علمه بنفسه هو ان([24]) يعلم نفسه بما هو له و فسرت علمه بخلقه هو ان([25]) يعلمهم بما هم عليه فاقول لك اخبرني ما هو له تعالي هو عين ما هم عليه فان قلت نعم فاقول انا اعلم ذلك منك لان من يقول بقول مميت الدين ابن عربي يقول بهذا و اعجب لان([26]) ما هو له سبحانه هو ما هو عليه من القدم و العلم المطلق و القدرة المطلقة او الغني المطلق و ما هم عليه هو الحدوث و الجهل و العجز و الفقر و التغير و الفناء و الهلاك فهذا ما هو عليه و ما
«* جوامع الکلم جلد 2 صفحه 50 *»
هم عليه([27]) و العالم بالشيء يكون علمه مطابقا لمعلومه ان لميكن نفس معلومه فما ادري ما اقوله له في الجواب ان قال نعم و ان قال لا قلت له فليس العلمان متحدين الا علي قول الصوفية الذين يقولون كما قال مميت الدين في الفصوص:
فانا اعبد حقا | و ان الله مولانا | |
و انا عينه فاعلم | اذا ما قيل انسانا | |
فلاتحجب بانسان | فقد اعطاك برهانا | |
فكن حقا و كن خلقا | تكن بالله رحمانا | |
و غذ خلقه منه | تكن روحا و ريحانا | |
فاعطيناه ما يبدو | به فينا و اعطانا | |
فصار الامر مقسوما | باياه و ايانا |
الخ .
قال: و ليس ان معلوماته اعطته العلم من نفسها كما ظن و الا لزم ان يكون مستفيدا من غيره تعالي عن ذلك.
اقول: قال في الوافي في باب الشقاوة و السعادة من كتاب العقل بان المعلومات اعطت العالم العلم بها فعلمه مستفاد من المعلوم ثم رتب عليه مايريد من نفي الجبر في افعال العباد ثم انكر هذا القول كما هنا و اجاب بهذا الجواب الذي ذكره هنا ثم بعد اربعة او خمسة اسطر رجع الي القول الاول و قال به و رتب عليه ما يريد قال بعد ان اجاب بهذا الجواب فمشيته احدية التعلق و هي نسبة تابعة للعلم و العلم نسبة تابعة للمعلوم و المعلوم انت و احوالك انتهي و قوله كما ظن الظان هو ابن عربي.
قال: بل انه ما تعينت في علمه الا بما علمها عليه لا بمااقتضته ذواتها ثم اقتضت ذواتها بعد ذلك من نفسها امورا هي عين ما علمها عليه اولا فحكم لها
«* جوامع الکلم جلد 2 صفحه 51 *»
ثانيا بما اقتضته و ما حكم الا بما علمه.
اقول: هذه المسألة لاتدركها العقول و لاتهتدي اليها سبيلا و لايعرف شيء من المشاعر و المدارك لها دليلا الا الافئدة بدليل الحكمة خاصة و البرهان عليها لايزيدها الا تعمية و غموضا نعم لو كان المطلوب فيها خصوصا و صبر العارف بها علي طول الوقت و كثرة البيان و بسط المقدمات امكن بيانها لاصحاب العقول الطالبين للاسترشاد التاركين للعناد مع التوفيق و السداد من الله رب العباد.
فاقول اعلم ان الممكنات ليست شيئا و ليس الا الله وحده ثم احدث المشية بنفسها في وقتها و مكانها فوقتها السرمد و مكانها الامكان لانها فعل و هو و ان كان ذاتا تذوتت بتأثيرها الذوات الا انه لما كان فعلا و لذا خلق بنفسه و كان الفعل لايتحقق و لايتقوم الا بالمفعول و ان كان هنا نسبة المفعول اليه (اليه خل) كنسبة الانكسار الي الكسر فيكون قد تقومت المشية بالمفعول و هو الامكان بما فيه من الامكانات تقوم ظهور و تقوم الامكان بما فيه من الامكانات بها تقوم تحقق كان شرط وجوده و لازم ظهوره الامكان الراجح الكلي المسمي بالعمق الاكبر بما فيه من الامكانات الجزئية الاضافية بمعني ان كل امكان من الجزئية كلي مشتمل علي افراد لاتتناهي ابدا فخلق سبحانه المشية بنفسها و امكن بها الممكنات بامكاناتها و لمتكن شيئا كما توهمه المتكلمون حيث قالوا ان الاشياء المعقولة خمسة اشياء واجب لذاته و هو الله سبحانه و واجب لغيره و هو المعلول عند وجود علته التامة ممتنع لذاته و هو شريك الباري سبحانه و تعالي عن الشريك و ممتنع لغيره و هو المعلول عند عدم علته و ممكن لذاته و هو ساير المخلوقات و لميجوزوا ممكن الوجود لغيره لان الممكن لو كان ممكنا لغيره كان المراد انه لو كان([28]) ذلك لغيره لما كان ممكنا فيكون المعني انه كان واجبا او ممتنعا فجعله الجاعل ممكنا و انقلاب الواجب و الممتنع محال فيكون ممكنا لذاته اذ المعقولات منحصرة في الواجب و الممتنع و الممكن و هذا الكلام باطل لان الممكن لو فرض انه ليس بمجعول كان واجبا اذ لانريد بالواجب الذاتي الا الموجود الذي وجوده لذاته لابجعل جاعل و هذا اقبح مما فروا منه او
«* جوامع الکلم جلد 2 صفحه 52 *»
مثله.
و الحق في المسألة ان الله سبحانه هو الموجود لذاته وحده و ليس ثم واجب غيره ثم اخترع الممكنات حين احب ان تعرفه العبيد لا من شيء فكما احدث الوجود لا من شيء احدث الامكانات و الممكنات لا من شيء فالممكن لميكن شيئا لذاته و انما كان شيئا بغيره حين اخترعه و امكنه و حبسه في الخزائن العليا ثم كون منه ما شاء كما يشاء يخرج من تلك الخزائن اذا شاء فيكسوه حلة الوجود ينفق كيف يشاء فلما امكن الامكان بفعله الذي هو مشيته كان هو و ما فيه من جزئياته العامة علي هيئة مشيته كما ان الكتابة علي هيئة حركة يد الكاتب و دالة عليها بمعني ان حسنها يدل علي اعتدال الحركة و عدم حسنها يدل علي عدم اعتدال الحركة فالامكان بما هو فيه (بما فيه خل) علي هيئة المشية و المشية خلقها سبحانه بنفسها فظهرت كعموم قدرته فيما يفعل سبحانه لان قدرته عزوجل ظهرت بمشيته لا بنفسها لان نفس القدرة و ذاتها هو الله سبحانه و اليه الاشارة بقول الصادق عليه السلام المتقدم في دعاء الوتيرة بدت قدرتك يا الهي و لمتبد هيئة يا سيدي فشبهوك و اتخذوا بعض آياتك اربابا يا الهي فمن ثم لميعرفوك فلما بدت قدرته تعالي لمتبد بهيئة ذاتية لان ذلك محال و انما بدت بهيئة فعلية و تلك الهيئة هي المشية التي قد ابدئها بنفسها اي بنفس المشية فالمشية هيئة القدرة بنفس المشية و الامكان هيئة المشية و هي هيئة عامة واسعة لا غاية لعمومها و سعتها و لا نهاية فلما كان الممكن و الامكان بدا علي هيئة هذه الهيئة العامة الواسعة التي لاتتناهي كان قابلا لكل ما يحتمل مثلا حقيقة زيد الامكانية يجوز ان تكون زيدا و ان تكون جملا و جبلا و ماء و معدنا و حيوانا و نباتا و ارضا و سماءا و ملكا و نبيا و كافرا و شيطانا الي غير ذلك مما لايتناهي و هو معني قولنا قبل ان كل ممكن من الامكانات الجزئية كلي مشتمل علي افراد لاتتناهي ابدا فالحقيقة التي خلق منها زيد يجوز ان تلبس كل صورة في الخلق من الغيب و الشهادة من الحيوان و النبات و المعدن و الجماد عينا او معني ذاتا او صفة فاذا امكن في الحقيقة الواحدة ان تلبس صورة من الف الف صورة مثلا كلها متساوية في الامكان كان كل جزئي من الامكان كليا لايتناهي
«* جوامع الکلم جلد 2 صفحه 53 *»
و اما في الظهور فالصور انما تتحقق بالحدود و الهندسة الظاهرة و الباطنة من الغيب و الشهادة كما ذكرنا اصولها و هي الماهيةالاولي لوجود الشيء و هي انفعاله و مالها من القيود المتممة لها من كم و كيف و وقت و مكان و رتبة و جهةو وضع بمعنييه الاخيرين اي نسبة بعض اجزائه الي البعض الاخر في الترتيب الطبيعي و نسبتها الي الامور الخارجة عن الشيئ و هذه الامور المنسوبة الي الصورة كل واحد منها حصة خاصة جزئية من كلي عام مثلا الوقت حصة صورة زيد من الزمان وقت خاص به و حصة صورة عمرو من الزمان خاصة به و قد تتداخل الحصتان لشخصين و يختلف حصتاهما من الوقت او يتحدان في الوقت ايضا و يتعددان من الجهة و هكذا و لو اتحدت جميع المشخصات امتنع تعدد الاشخاصو انما تتعدد باختلافها او اختلاف بعضها و هذه القيود المذكورة اعني الماهية و ما لها من المتممات المذكورة و ما اشبهها كالاذن و الاجل و الكتاب و غير ذلك من الاسباب المتممة او المكملة هي شرائط الظهورو المحدث لميكن مذكورا في علم الله تعالي و قدرته الذاتيين اللذين هما ذات الله تعالي بلاتعدد و لا اختلاف بكل اعتبار لانه لميكن مذكورا في رتبةالذات بحال من الاحوال و انما ذكرها في امكنة وجودها فالذكر في الازل و المذكور في الامكان و الله سبحانه هو الذاكر و لا مذكور هناك الا ما ذكر نفسه بنفسه فظهر عزوجل بمشيته بنفسها فكانت المشية علي هيئة ظهوره تعالي بها و لميظهر بذاته المقدسة فذكر الله سبحانه المحدث بها فهي الذكر الاول له كما قال الرضا عليه السلام ليونس تعلم ما المشية قال لا قال هي الذكر الاول تعلم ما الارادة قال لا قال هي العزيمة علي ما يشاء تعلم ما القدر قال لا قال هو الهندسة و وضع الحدود من البقاء و الفناء الحديث فكان سبحانه في الازل الذي هو الذات المقدسة هو الذاكر قبل المذكورين و ليس ثمة مذكور سواه فاول ما ذكر عبده في مشيته و لميكن ذكر للمحدث قبل المشية و كان ذكره له فيها علي هيئة المشية و هو الذكر العام الواسع الذي لايتناهي و هذا الذكر الامكاني الواسع العام و هو التعين الكلي الراجح الوجود ثم ذكره سبحانه فيها بالذكر الكوني بالتعين الجزئي الجائز
«* جوامع الکلم جلد 2 صفحه 54 *»
الوجود المرتبط بالقيود التي اشرنا اليها فالذكر الواسع الراجح هو علمه سبحانه تعالي بها الذي لايحيطون بشيء منه و هو الذكر الامكاني و هو المستثني منه في الاية الشريفة و لايحيطون بشيء من علمه و الذكر الجزئي الكوني الجائز هو علمه تعالي بها الذي يحيطون به باذنه سبحانه و هو المستثني في الاية الشريفة الا بما شاء اي لايحيطون بشيء من علمه الامكاني بها الا بما شاء كونه فانهم عليهم السلام يحيطون به باذنه و امره و الشمس المضيئة في قول اميرالمؤمنين صلوات الله عليه في حديث القدر في قوله الا ان القدر سر من سر الله و سترمن ستر الله و حرز من حرز الله مرفوع من حجاب الله موضوع (مطوي خل) عن خلق الله مختوم بخاتم الله سابق في علم الله وضع الله العباد عن علمه و رفعه فوق شهاداتهم و مبلغ عقولهم لانهم لاينالونه بحقيقة الربانية و لا بقدرة الصمدانية و لا بعظمة النورانية و لا بعزة الوحدانية لانه بحر زاخر مواج خالص لله عزوجل عمقه ما بين السماء و الارض عرضه ما بين المشرق و المغرب اسود كالليل الدامس كثير الحيات و الحيتان يعلو مرة و يسفل خري في قعره شمس تضيء لاينبغي ان يطلع عليها الا الله الواحد الفرد فمن تطلع عليها فقد ضاد الله عزوجل في حكمه و نازعه في سلطانه و كشف عن سره و ستره و باء بغضب من الله و مأواه جهنم و بئس المصير رواه الصدوق في التوحيد باسناده عن الاصبغ بن نباتة و هذه الشمس التي في قعره في هذا العلم الاول الامكاني الراجح الوجود الذي لايحيطون بشيء منه و الثاني الذي هو العلم الكوني هو المرتبط بالقيود و مظهرالبداء في المحو و الاثبات من الاول يفيض علي جميع الاكوان و التكوينات و التكونات و المكونات منبسطا يجري في كل ما لميقع و في كل واقع و لميجر في الوقوع بعد الوقوع فافهم فتعيين الحادثات من اشراق هذه الشمس المضيئة التي في قعر العلم الامكاني الراجح الوجود الذي لايحيطون بشيء منه و هو الذي نسميه بخزائن الاشياء من قوله و ان من شيء الا عندنا خزائنه و تعينها في العلم الكوني الجائز الوجود الذي يحيطون به عليهم السلام باذن الله تعالي تدريجا و من هذا العلم الثاني الجائز الوجود سأل صلي الله عليه و آله ربه سبحانه الزيادة
«* جوامع الکلم جلد 2 صفحه 55 *»
فقال رب زدني علما لما امره تعالي بذلك لان هذا العلم هو فوارةالنور و هي عين صافية تجري بامر الله سبحانه و معني كون سؤال الزيادة في العلم مع انه انما يظهر ما فيه عنه صلي الله عليه و آله انه محل ظهور الزيادة لا مبدؤها اذ مبدؤها الاول و لايخرج كل متجدد الا منه و اذا خرج منه ظهر و علم في الثاني.
فيكون سؤاله الزيادة صلي الله عليه و آله من المتحقق الموجود و لايتحقق شيء و لايوجد الا في الثاني لانه الوجودي و اما الاول فانه امكاني لا وجودي و اما سؤاله صلي الله عليه و آله التحير فيه تعالي فهو في الاول لان ما في الثاني اطلعه الله تعالي عليه و اعلمه اياه و المعلوم لايتحير فيه و التعين المبهم الكلي الواسع العام في الاول و التعين المتخصص في الثاني و المتعين انما يتعين بقيوده الا ان كل رتبة منه تتعين بقيودها في مكان حدودها و وقت وجودها فيتعين كون الشيء بقيوده عن مشية الكون و عينه بقيودها عن ارادة العين و تقديره بقيوده عن قدر (تقدير خل) الحدود و الهندسة و اتمامه بقيوده عن قضاء الشيء و امضاءه بقيوده عن امضاءه و شرح علله و اسبابه و هكذا حكم كل شيء متفرقا و حكمه مجتمعا حكم الاجتماع فيتعين كل شيء متفرقا و مجتمعا تاما او ناقصا في علمه عزوجل في رتبته من الكون و كل شيء في كل مكان و كل وقت علمه تعالي و هو بكل شيء عليم فتيعنها في علمه تعالي في اماكنها و اوقاتها و ذكره لها بتعينها هو هذا العلم و ذكره لها باللاتعين في العلم الاول و اضرب لك مثلا في ذكر الشيء بتعينه و ذكره باللاتعين مثاله اذا اخذت من الدواة بالقلم مدادا لاكتب به اسما معينا او قبل التعيين فالذي الان في القلم كالذي في الدواة فانه مذكور باللاتعين لاني كلما اشاء ان اكتب به امكن من اسم شريف او اسم وضيع و اذا كتبت منه اسم نبي او منافق ذكرته بتعينه بقيوده المشخصة له من خصوص حروف تناسب له و تقديم و تأخير و تحريك و تسكين فبالمشخصات ذكرته متعينا في رتبة تعينه بها و لما كانت جميع المشخصات و جميع اماكنها و اوقاتها عنده تعالي في ملكه الذي لميكن تعالي خلوا منه كل شيء في رتبته لايعزب عنه مثقال ذرة في الارض و لا في السماء و لا اصغر من ذلك و لا اكبر
«* جوامع الکلم جلد 2 صفحه 56 *»
الا في كتاب مبين و الكتاب المبين هو العلم الكوني و الاشياء كلماته و حروفه كتبها عزوجل بيد كلمته التي انزجر لها العمق الاكبر و هي المشية بالقلم المسمي بالعقل الكلي من مداد الدواة المسماة بالماء الاول الذي ساقه بكلمته التي هي السحاب الثقال والمتراكم يعني المشية الي الارض الميتة و ارض الجرز و هذه الارض الميتة هي ارض القابليات المتعينة بالقيود المشخصات كما ذكرنا في ارض الممكن و الامكان في اوقاتها من الدهر و الزمان و هذه الارض اعني ارض الممكن و الامكان هي الرق المنشور كتب تعالي فيها بيد كلمته بهذا القلم تلك الاحرف في الكتاب المسطور و هو اللوح المحفوظ كما تقدم فقوله بل انه ما تعينت في علمه الا بما علمها عليه فيه اجمال لانه يحتمل ان يريد بهذا العلم هو الذات المقدسة و هو العلم القديم الواجب و أن يريد به العلم الحادث سواء كان هو الراجح او الجائز و المعروف من طريقته كما تقدم في كلماته و يأتي انه هو العلم الواجب الذي هو الذات تعالي و هذا غلط لانه تعالي في ذاته ذاكر بما هو ذاته و لا مذكور و لا معين بما هو ذاته و لا متعين و تعالت ذاته السبحانية عن الكثرة و الاختلاف و المغايرة انما هو اله واحد لا اله الا هو و ان اراد به الثاني ولكنه لايريده فقد قلنا انه قسمان:
الاول العلم الراجح الوجود الامكاني و في هذا العلم هي مذكورة باللاتعين كما مر.
و الثاني العلم الجائز الوجود التكويني و في هذا العلم هي مذكورةبما تعينت به كل شيء في مكانه و وقته و بهذا العلم علمها و ذكرها بما هي عليه فان اراد هذا العلم فحسن و لميرده و الا فقد اخطأ الطريق الحق الي الله تعالي.
و قوله لا بما اقتضته ذواتها ليس بصحيح لان ما هي عليه هو ما اقتضته في رتبة التكوين لان ما قبل التكوين لميكن فيه تعين و لاتعيين الا ان نقول بان ماهياتها غير مجعولة و انما هي صور علمية ازلية كما قاله في الوافي و غيره من كتبه و انها متعينة في نفسها من غير تعيين قبل ان تقتضي ذواتها التعين بمشخصاتها و قد سمعت بطلانه و تسمع لان الماهيات مجعولة كونها و لمتكن شيئا و جعلها
«* جوامع الکلم جلد 2 صفحه 57 *»
لازمة لوجوداتها و لمتكن لازمة بغير جعله نعم هي صور علمية مجعولة بوجوداتها بعد ان خلقها بمعني انه خلق الوجود اولا و بالذات ثم خلقها من نفس الوجود من حيث نفسه ثانيا و بالعرض بعد خلق الوجود بسبعين عاما يعني لاجل تقوم الوجود لاحتياجه في التقوم اليها ثم خلق منهما اللزوم بعد ذلك بسبعين عاما ثم جعله جامعا لهما بمقتضي ذاته يعني انه تعالي خلق التلازم بينهما بمقتضي ذات اللزوم بعده بسبعين عاما سبحانه و تعالي عما يقولون علوا كبيرا و انما قلنا انها تعينت في علمه هذا المشار اليه و هو العلم الكوني بها بما اقتضته ذواتها لانه علمها حال قيامها كما هي في اماكنها و اوقاتها و هي علمه بها و مثال هذا انك اذا اخذت بالقلم من المداد شيئا لتكتب به كان ما اخذته مذكورا عندك باللاتعين و اذا كتبت و تعين بالهيئات كان ما كتبت مذكورا عندك بما اقتضاه من التعين و قبل ان تكتب تذكر انت ما ستكتب بما يتعين به بعد الكتابة بعد ان تكتب فتذكره بالتعين في مكانه و وقته يوم تعين و ان وقع منك الذكر قبل ذلك من جهتك الا ان ما في نفسك من صورة التعين ظل منتزع انتزعته نفسك بالانطباع من مثال ما يتعين في المستقبل و لهذا ما تذكره حتي تلتفت الي مكانه و وقته فتري شبحه قائما في ذلك المكان و الوقت فتنطبع صورة ذلك المثال في نفسك فتذكره بما عندك من صورة شبحه و مثاله و لاتقدر علي الذكر قبل هذا ابدا و ما ذكرته في كل حال الا بما اقتضته ذاته من التعين و ان كان الكل هو علمك به كما قررنا سابقا و قولي و قبل ان تكتب تذكر انت فاتيت بانت تنبيه علي ان هذا حال المخلوق الذي يكون صور معلوماته في نفسه منتقشة ينتزعها من شبح الشخص الخارجي لانه كرة مجوفة تلجه الاشياء المغايرة له و اما الخالق عزوجل فليس في نفسه شيء لانه صمد لا مدخل فيه و ليس يتصور و لايفكر و لميسبق ايجاده للشيء حال للشيء في نفسه تعالي كما يزعم ذلك الجاهلون المشبهون له بخلقه ففي الكافي بسنده عن صفوان قال قلت لابي الحسن عليه السلام اخبرني عن الارادة من الله و من الخلق قال فقال الارادة من الخلق الضمير و ما يبدو لهم بعد ذلك من الفعل و اما من الله فارادته احداثه
«* جوامع الکلم جلد 2 صفحه 58 *»
لا غير ذلك لانه لايروي و لايهم و لايفكر و هذه الصفات منفية عنه و هي صفات الخلق فارادة الله تعالي الفعل لا غير ذلك يقول له كن فيكون بلالفظ و لا نطق بلسان و لا همة و لا تفكر و لا كيف لذلك كما انه لا كيف له بل اول ذكره تعالي لمصنوعه صنعه له كما صرح به عليه السلام في هذا الحديث حيث قال و اما من الله فاحداثه لا غير ذلك و لا ريب انه لميذكره قبل مشيته لما قال الرضا عليه السلام ليونس حيث قال له كما تقدم تعلم ما المشية قال لا قال هي الذكر الاول و آية ذلك انك لمتكن ذاكرا لشيء من مصنوعك قبل ان تهم بصنعه فلو اردت ان تكتب زيدا ذكرته حين ارادتك بما تريد به كتابته علي اي حالقصدته بها فافهم.
و هنا كلام معترض اتيت به استطرادا و هو انه ذكر قبل هذا قوله بمعني ان ذاته بذاته وجود و علم و قدرة و ارادة و حيوة فجعل الارادة عين ذاته تعالي و هو يدعي انه اخباري لايقول الا بالحديث و الاحاديث متفقة لميوجد حديث مخالف كلها مصرحة بان المشية و الارادة من الله تعالي حادثتان لانهما من صفات الافعال و انه ليس لله مشية او ارادة قديمة و ان من زعم بان الله عزوجل لم يزل شائيا مريدا فليس بموحد و العقل و النقل متطابقان علي ذلك و من وقف علي احتجاج الرضا عليه السلام علي سليمان بن حفص المروزي في حدوث الارادة و انها غير العلم و انه ليس لله ارادة قديمة حصل له القطع ان كان طالبا للحق بالدليل العقلي القطعي بانه ليس لله مشية و ارادة قديمة بل مشيته و ارادته حادثتان و من النقل الدال صريحا علي ان القائل بانهما قديمتان في الله تعالي ليس بموحد يعني انه مشرك ما رواه في التوحيد باسناده عن سليمان بن جعفر الجعفري قال قال الرضا عليه السلام المشية و الارادة من صفات الافعال فمن زعم ان الله لميزل مريدا شائيا فليس بموحد و مما يدل علي حدوثها ما رواه في الكافي عن عاصم بن حميد عن ابي عبدالله عليه السلام قال قلت لميزل الله تعالي مريدا قال ان المريد لايكون الا و المراد معه لميزل عالما قادرا ثم اراد هـ..
فبين عليه السلام انه لو كان في الازل مريدا لكان المراد معه لاستحالة ان يريد و لايكون ما اراد و هذا دليل عقلي صريح
«* جوامع الکلم جلد 2 صفحه 59 *»
قطعي و ليس من النقل ليتوهم الجاهل انه نقلي و ان اصول الدين انما تثبت بالعقل فهذا عقلي فلا اقل انه كاستدلال واحد من العلماء نقل عنه في كتاب او كتبه في كتابه و هو قد قال: هو و شيخه تبعا للاكثرين بان ارادة الله قديمة بغير دليل معتمد عقلي و لا دليل نقلي معتمد و غير معتمد و انما دليلهم حقيقة (حقيقته خل) التنظير و التخمين اما المتكلمون فاستدلوا علي القدم بوجهين:
احدهما انهم قالوا انها صفة و الصفة لايعقل قيامها بغير الموصوف و لا بنفسها فلو كانت حادثة كان تعالي محلا للحوادث.
و ثانيهما انها اذا كانت محدثة تكون محدثة بارادة اخري و اخري ان كانت قديمة ثبت المطلوب و ان كانت حادثة لزم الدور او التسلسل و هما باطلان.
و الجواب عن الاول انها و ان كانت صفة فانما هي بنسبتها اليه تعالي و هذا شأن كل مخلوق فان محمدا و آله صلي الله عليهم اسماؤه و صفاته و ذلك بالنسبة اليه تعالي و الا فهم ذوات اقامهم الله بامره و كذلك سائر الخلق كما قال تعالي و من آياته ان تقوم السماء و الارض بامره فهي ذات تذوتت الذوات من اثر تذوتها و قد اقامها سبحانه بنفسها.
و ثانيا انه لو فرضنا علي قولهم انها قديمة قيامها به تعالي ما جاز لانه تعالي لايجوز ان يكون معروضا فلافرق بين العارض القديم و الحادث.
و ثالثا انه ليس ممتنعا (بممتنع خل) قيام الصفة بنفسها اذا كانت ذاتا بالنسبة الي من دونها و من دونها اثرا اضافيا و هو ذات لمعلوله كما برهن عليه في الحكمة.
و رابعا اي ضرر في قيام الصفة بغير موصوفها كقيام الكلام بالهواء لا بموصوفه الذي هو المتكلم و عن الثاني انها تكون محدثة بنفسها كما نبه عليه الامام عليه السلام بقوله خلق الله المشية بنفسها ثم خلق الاشياء بالمشية لئلا يشتبه علي الناس امر اعتقادهم فمن قبل عنهم اهتدي و من لميقبل عنهم ضل و غوي و ايضا قال الفقهاء بان المصلي يحدث الصلوة بالداعي الذي هو النية و يحدث النية بنفسها و لايحدث النية بنية اخري و الا لدار او تسلسل فالجواب هنا
«* جوامع الکلم جلد 2 صفحه 60 *»
هو الجواب هناك و اما غير المتكلمين فدليلهم التنظير و يقولون ان ما ورد في الاخبار فهي الارادة فقال السيد الداماد هي ارادة العباد و مشيتهم لافعالهم الاختيارية لتقدسه سبحانه عن مشية مخلوقة زائدة علي ذاته سبحانه و قال المصنف ان للمشية معنيين احدهما متعلق (يتعلق خل) بالشائي و هي صفة كمالية قديمة هي نفس ذاته سبحانه و هي كون ذاته بحيث يختار ما هو الخير و الصلاح و الاخر يتعلق بالمشيء (بالشيء خل) و هو حادث بحدوث المخلوقات فياسبحان الله من اخبرهم عن ذاته بانها مشية و ارادة هل ارسل اليهم رسولا بذلك ام آتاهم كتابا فهم به مستمسكون ام نزل اليهم فاخبروا بما رأوا ام صعدوا في الاسباب فعاينوا رب الارباب (و كيف يقولون بقدمها اذا خل) اذا كانوا يعترفون بانهم لميعلموا شيئا من ذاته و لا من صفاته و هم يقولون لايعرفه احد اذا بما وصف به نفسه و لميصف نفسه الا علي السن انبيائه عليهم السلام و خير انبيائه و خير خلقه صلي الله عليه و آله اتاهم عنه بانه لميصف نفسه بذلك و انما وصف فعله بذلك كما اخبر به اوصياء نبيه صلي الله عليه و آله الذين يعلمون و لايجهلون و يقولون عن الله و لاينسون و لايخطئون و لايغفلون و لايغشون معصومون مسددون فقالوا ليس لله ارادة الا احداثه و لما سئل عالمهم عليه السلام لميزل الله مريدا قال ان المريد لايكون الا و المراد معه لميزل الله عالما قادرا ثم اراد و يقولون عليهم السلام هو لميسمّ نفسه بذلك و ليس لك ان تسميه بما لميسم نفسه به و يقولون ليس الارادة كالعلم فانك تقول افعل ذلك ان شاء الله و لاتقول افعل ذلك ان علم الله و الحاصل لميرد عنهم ما يوهم قدم الارادة بل كلهم مصرحون بالحدوث و ان معناها السابق الذي توهم فيه المتوهم انه ارادة فانه العلم و القدرة و الارادة تنشأ عنهما عند المراد و انما قال بقدمهما الحسن البصري و علي بن اسمعيل بن ابي بشر الاشعري و محمد بن عبدالوهاب القطان و الغزالي و مميت الدين بن عربي و اضرابهم فيا سوء حال من ائتم بهؤلاء و لميأتم بائمة الهدي و انوار التقي و العروة الوثقي و ايضا يقول الله تعالي العالم بذاته و صفاته و افعاله سنريهم آياتنا في الافاق و في انفسهم حتي يتبين لهم انه الحق فانت تعرف آيات الله تعالي فيك هل تجد في نفسك
«* جوامع الکلم جلد 2 صفحه 61 *»
انك مريد قبل العزم علي الفعل و هل تجد ان ارادتك كعلمك و انت تقول اريد و لا اريد فيما تقدر علي ارادته و تتمكن من فعله و لاتقول اعلم و لا اعلم فيما علمت كذلك تقول اراد الله ان يرزق زيدا و لميرد ان يرزق عمرا فقال تعالي يريد الله ان يخفف عنكم و لميرد الله ان يطهر قلوبهم و لاتقول علم الله و لايعلم فيما له ان يعلمه لان نفي العلم نفي الذات و نفي الارادة نفي الفعل لا الذات ولكن اكثرهم لايعقلون و كلامي هذا كله تنبيه لا استدلال لما اعرف و اعتقد ان العاقل الذي يريد الله سبحانه توفيقه للهدي لايحتاج في هذا الي الارشاد من الخلق لظهور الدليل و المستدل عليه و من لميجعل الله له نورا فما له من نور و قد خرجنا عما نحن فيه و لنرجع الي ما نحن فيه.
و قوله ثم اقتضت ذواتها بعد ذلك من انفسها امورا هي عين ما علمها عليه اولا اقول انما اقتضت ذواتها بعد ذلك في الرتبة لان ما يقال هو علم سابق علي ما يقال هو معلوم بالذات كما هو متعارف بين المتكلمين و من في مقامهم و الا ففي الحقيقة ان تعينها في علمه بها بما هي عليه في تكونها في مكانها و وقتها و هذا العلم المتعلق بها في ورقتين من الكتاب:
الاولي ورقتان عليا و سفلي و الثانية بينهما و بيان هذا ان الثانية هي ان علمه بها هو علي ما هي عليه في مكانها و وقتها فعلمه بها في هذه الورقة ليس قبلها و لا بعدها و لا غيرها.
و اما الاولي فالعليا (فالعليا منها هي علمه خل) قبل تعينها في رتبتها في نفسها و ذلك (يعني قبل تعينها خل) هو وجهها الباقي من علمه مثلا زيد تعين في علمه المساوق لوجوده الذي به هو هو في هذا الوقت و هذا المكان و هو الورقةالثانية المتوسطة بين طرفي الاولي و علمه بها الذي هو طرف الاولي (الاولي الاول خل) هو وجه زيد و هذا الوجه باق بمعني ان زيدا يموت و يكون ترابا و هذا موجود في اللوح المحفوظ حتي يعاد منه كما بديء
«* جوامع الکلم جلد 2 صفحه 62 *»
منه مثل صورة في ذهنك نقشتها في قرطاس فلما ذهب ما في القرطاس نقشتها في قرطاس آخر من تلك الصورةالتي في ذهنك فالذي في ذهنك هو وجه المنقوشة في القرطاس و هو الباقي و الهالك هو المنقوشة، كل شيء هالك الا وجهه فانه علي احد الوجوه الثلثة في الاية ان الضمير في وجهه يعود الي شيء و اليه الاشارة بقوله تعالي حين قال الكافرون أئذا متنا و كنا ترابا ذلك رجع بعيد قال قد علمنا ما تنقص الارض منهم و عندنا كتاب حفيظ يعني حافظ لما نقصته الارض منهم و هذا العلم و ان كان سابقا في الذات و في الدهر لكنه في الزمان و في الظهور مساوق بل ربما يقال انه مسبوق في الزمان و ان كان سابقا في الدهر كما رواه في الكافي في رواية صالح النيلي عن الصادق عليه السلام في حديث الاستطاعة قال عليه السلام ولكن حين كفر كان في ارادة الله ان يكفر و هم في ارادة الله و في علمه الايصيروا الي شيء من الخير قلت اراد منهم ان يكفروا قال عليه السلام ليس هكذا اقول ولكني اقول علم انهم سيكفرون فاراد الكفر لعلمه فيهم و ليست ارادة حتم و انما هي ارادة اختيار انتهي. اقول في هذا الحديث استشهادان:
الاول ان هذا العلم السابق في الدهر مسبوق في الزمان و هو قوله عليه السلام ولكن حين كفر كان في ارادة الله ان يكفر.
الثاني قوله علم انهم سيكفرون فاراد الكفر لعلمه فيهم و هو معني الاول يعني علم في الدهر او في السرمد انهم سيكفرون في الزمان و هذا العلم هو الطرف الاعلي من الورقة الاولي فهو و ان كان سابقا لكنه علم بما هو لاحق يعني علم في الدهر او في السرمد علي اختلاف القصدين بهم في الزمان حين كفروا فمعني علم انهم سيكفرون يعني حين كفروا مثاله اذا علمت اليوم قيام زيد غدا فمعناه ان علمك ارتبط بقيامه حين قام غدا او وقع عليه في الغد كما تري زيدا في مكانه لا في عينك و ما في عينك ظله ان كانت الصورة منتزعة و وجهه ان كانت اصلا فافهم فقوله بعد ذلك لاتصح البعدية الا بملاحظة الدهر و اما بملاحظة الزمان فمعه او قبله علي اعتبار بعض منهم (منه خل) و اما الورقة السفلي من
«* جوامع الکلم جلد 2 صفحه 63 *»
الاولي يعني طرفها فهي صغيرة و هي ظل الثانية منتزع منها كما في حديث خلق آدم و وضع انوارهم في صلبه فان النور الموضوع في صلبه نازل من اشباحهم عليهم السلام التي في العرش فلما سأل آدم ربه ان يريه ما وضع في صلبه من الانوار امره ان ينظر الي العرش فانطبع شبح ما في صلبه في العرش فرأي اشباحهم السفلي المنطبعة مما في صلبه لا الاولي التي هي وجه ما في صلبه فانه لايستطيع النظر اليها و السفلي صغيرة و العليا كبيرة و هما في الدهر و ما في الزمان بينهما فهذه الثلثة المراتب هي علمه تعالي بزيد مثلا و الحديث المستدل به علي هذه المراتب الثلاث قول علي بن الحسين عليهما السلام قال حدثني ابي عن ابيه عن رسول الله صلي الله عليه و آله قال يا عباد الله ان آدم لما رأي النور ساطعا من صلبه اذ كان الله قد نقل اشباحنا من ذروة العرش الي ظهره رأي النور و لميتبين الاشباح فقال يا رب ما هذه الانوار فقال عزوجل انوار اشباح نقلتهم من اشرف بقاع عرشي الي ظهرك فلذلك امرت الملائكة بالسجود لك اذ كنت وعاء لتلك الاشباح فقال آدم يا رب لو بينتها لي فقال الله عزوجل انظر يا آدم الي ذروة العرش فنظر آدم و وقع نور اشباحنا من ظهر آدم علي ذروةالعرش فانطبع فيه صور انوار اشباحنا التي في ظهره كما ينطبع وجه الانسان في المرآة الصافية فرأي اشباحنا الحديث فالذي رأي آدم هو السفلي و التي وضعت اشباحها في صلبه هي الاولي و الذين ظهروا في الدنيا بين الناس صلي الله علي محمد و آله الطاهرين هو الورقة الثانية المتوسطة بين العليا الكبيرة العظيمة و بين السفلي الصغيرة بالنسبة الي الاولي و الثانية فالاولي هي ما قال الله تعالي و يبقي وجه ربك ذوالجلال و الاكرام و الثانية شبح الاولي و ظاهرها فينا و السفلي شبح الثانية فالذي رآه آدم عليه السلام شبح الشبح و نور النور فلله عزوجل ثلثة علوم كلية خاصة بكل شخص الورقة الاولي العليا و السفلي و هما في الدهر او السفلي في الدهر و العليا قد تكون في الدهر و هو العلم المستثني الذي يحيطون به كما تقدم و قد تكون في السرمد و هو العلم الذي لايحيطون بشيء منه و قد تكون بينهما و الاحاطة بينهما و الورقة
«* جوامع الکلم جلد 2 صفحه 64 *»
المتوسطة التي هي تعينه بما اقتضته ذاته في مكانه و زمانه و له سبحانه في كل علم من هذه علوم جزئية خاصة باحوال ذلك الشخص من حركته و سكونه و نطقه و سكوته و انفاسه و خطرات نفسه و وساوس صدره و كل شيء منه او عنه او به او له او فيه و علم كل جزئي بما تعين به مما اقتضته نفسه و هو تعالي الخالق لها بقوابلها و مقتضياتها كما قال تعالي بل طبع الله عليها بكفرهم و هو العالم بها لانه الخالق لها و اسروا قولكم او اجهروا به انه عليم بذات الصدور أ لايعلم من خلق و هو اللطيف الخبير.
و قوله فحكم لها ثانيا بما اقتضته و ما حكم الا بما علمه اقول هذا الكلام حق لكن ليس علي ما قصده لانه علي ما قصده باطل و معناه علي الوجه الحق انه تعالي حكم لها اي اوجدها بما اقتضته اي بقابليتها و اجابتها له حين سألها و قال لها ألست بربكم و محمد نبيكم و علي وليكم و امامكم قالوا بلي فمنهم من قالها بلسانه و قلبه و عمل جوارحه عارفا مصدقا مسلما و هم الانبياء و المرسلون و الصديقون و الشهداء و الصالحون و الملائكة و علي اختلاف مراتب اجابتهم خلقهم لان جوابهم ليس في مشهد واحد و لا وقت واحد فخلق كلا في مكان اجابته و وقتها علي صورة اجابته و هي صور الطاعات و الاعمال الصالحات كلا ان كتاب الابرار لفي عليين.
و منهم من اجاب بلسانه و قلبه مكذب منكر مستهزيء و مستكبر فخلقهم ظاهرا بصورة (بصور خل) المجيبين و هي الصورة الانسانية ظاهرا و خلق بواطنهم من صور الحيوانات و الشياطين و فيها يحشرون ظاهرا و باطنا لانهم اذا ماتوا علي هذه
«* جوامع الکلم جلد 2 صفحه 65 *»
الاجابة الخبيثة انتزعت منهم الصور الانسانية فحشروا في صور اجابتهم و مشاهدهم و اوقاتهم مختلفة كالاولين كلا ان كتاب الفجار لفي سجين.
و منهم من اجاب بلسانه غير عارف بما قال فخلق تعالي ظواهرهم علي صور الاجابة و هي الصور (الصورة خل) الانسانية و لميخلق بواطنهم حتي يكملوا و يبين لهم طريق الحق و الباطل في انفسهم ثم يكلفهم ثانيا فمنهم من يجيب و منهم من ينكر و ذلك قد يكون من بعضهم في الدنيا و قد يكون في البرزخ و هو قليل و قد يكون في الاخرة فحكمه لها ثانيا هو خلقها بما اقتضته ذواتها من الاجابة بالاعتقاد في القلوب و قول الالسن و اعمال الجوارح و هي قوابلها التي يخلقها بها كما قال تعالي بل طبع الله عليها بكفرهم لا بعلمه و بما اقتضاه فيهم بل بعلمه الذي هو هم و قوابلهم فافهم. و قوله و ما حكم لها الا بما علمه اقول و ما حكم لها الا بما علمه و ما علمه بهم الا ما هم عليه و اليه الاشارة بقول اميرالمؤمنين عليه السلام لاتحيط به الاوهام بل تجلي لها بها و بها امتنع منها و اليها حاكمها و شرح كلامه عليه السلام فيما قلت لك و الله سبحانه ولي التوفيق.
قال اصل – هل ظهر من هذه الاصول ان للاشياء كلها حصولا لذاته سبحانه بعد مرتبة علمه بذاته بعدية بالذات و الرتبة من غير لزوم كثرة في ذاته بسبب تكثرها لوقوعها علي الترتب الذي يجمع الكثرة في وحدة.
اقول قوله ان للاشياء حصولا لذاته سبحانه بعد مرتبة علمه بذاته هذا حق لكن هذا الحصول ليس هو غير الحاصلة و الا لحصل الحصول بدون الحاصل او قبل الحاصل و حينئذ ان كان الحاصل معلوما فبحصوله و ننقل الكلام فيه فيبطل بثبوت الدور او التسلسل او ثبوت الصفة علي الاول بدون الموصوف او قبله فلابد من كون المراد بالحصول الحاصل و علي اي تقدير فالحصول و الحاصل غير الذات الحق فلايكون هو الذات الحق سبحانه بوجه و قوله من غير لزوم كثرة ان كان بلحاظ انه الكل فيحصل عدم الكثرة بهذا الاعتبار ولكن من كان كذلك ليس باحدي المعني حقيقة و انما هو احدي المعني باعتبار و ان كان بغير لحاظ انه الكل فاسوء حالا و الترتب الذي يجمع الكثرة في وحدة فانما
«* جوامع الکلم جلد 2 صفحه 66 *»
يجمعها باعتبار و ما كان كذلك فهو كثير حقيقة فان الشجرة مع تكثرها بالاصل و الغصون و الاوراق و الثمر باعتبار هي واحدة و ليس وحدة ربنا كذلك فذرهم و ما يفترون و اما ان لها حصولا و حضورا و ذلك الحصول هو علمه بها فحق ولكن الحصول لميكن قبلها بل هو معها حين اوجدها و هو قوله عليه السلام فلما احدث الاشياء و كان المعلوم وقع العلم منه علي المعلوم فهو البتة حادث بحدوثها فلايكون قديما باعتبار لان العبارة عن هذا انه ثبت لله بالحاصل في مكانه و وقته و كونه تعالي لميكن خلوا من ملكه من حيث انه عزوجل لميفقدها في اماكنها و اوقاتها فان اراد بالقدم و كونها ذاته بهذا المعني او باعتبار كما قال فلميوجد حادث قط بل كلها قديمة و كلها ذاته كما قال في الكلمات المكنونة كما نقلنا عنه سابقا بقوله فصح انه ما احدث شيئا الا نفسه و ليس الا ظهوره و هذا غير ما نحن فيه لانا نتكلم علي قواعد الاسلام التي اقر رسول الله صلي الله عليه و آله المسلمين عليه و عليه ماتوا و هو الحق من ربهم.
قال كما قال ابونصر الفارابي قدس سره بقوله واجب الوجود مبدأ كل فيض و هو ظاهر علي ذاته بذاته فهو الكل من حيث لا كثرة فيه فهو من حيث هو ظاهر ينال الكل من ذاته فعلمه بالكل بعد ذاته و علمه بذاته و يتحد الكل بالنسبة الي ذاته فهو الكل في وحدة.
اقول هذا قول امامه الذي يقتدي به و يدين الله تعالي بدينه و هو ان الله مبدأ الاشياء و هو الكل اي كل الاشياء و منه يستمد الكل اي من ذاته كما قال امامه الثاني مميت الدين بن عربي (اعرابي خل) في الفصوص:
و غذِّ خلقه منه | تكن روحا و ريحانا |
فقول الفارابي فهو الكل في وحدة كما قال غيره من اهل التصوف القائلين بوحدة الوجود التي قام الاجماع علي تكفير القائل بها و امامنا اميرالمؤمنين صلوات الله عليه يقول انتهي المخلوق الي مثله و الجأه الطلب الي شكله السبيل مسدود و الطلب مردود هذا قول امامنا عليه السلام و قول ائمتهم ابن عربي و
«* جوامع الکلم جلد 2 صفحه 67 *»
الغزالي و الفارابي و اضرابهم ما سمعت بانه تعالي هو الكل و يمثلون به تعالي و بخلقه بقولهم كالحروف من النفس و كالحروف المنقوشة من المداد و كالموج في البحر و كالاعداد من الواحد و كالنار الوارية من الحجر بالزناد و كالثلج من الماء و يقول شاعرهم:
و ما الناس في التمثال الا كثلجة | و انت لها الماء الذي هو نابع | |
ولكن بذوب الثلج يرفع حكمه | و يوضع حكم الماء و الامر واقع |
و امثال هذه من الحاداتهم و منها ما قاله بعض من يأتم بهم بسيط الحقيقة كل الاشياء و يريد ببسيط الحقيقة هو الله الحق تعالي اي الذات البحت الازلية و قال معطي الشيء ليس فاقدا له و يريد ليس فاقدا له في ذاته كبرت كلمة تخرج من افواههم ان يقولون الا كذبا فاذا قلنا الله هو بسيط الحقيقة قالوا نعم هو مرادنا فقلت لهم الله كل اهل اصفهان قالوا لا و في القول الاخر قلت لهم معطي الشيء ليس فاقدا له في ملكه او ذاته قالوا في ذاته فقلت الله سبحانه اعطاني عصاي هذه و هو ليس فاقدا لها في ذاته قالوا لا فقلت فما مرادكم قالوا انها مركبة من وجود و ماهية و الوجود هو الله تعالي و كذلك جوابهم في القول الاول و كلها قول بوحدة الوجود و هذا مما لااشكال فيه فقوله فعلمه بالكل بعد ذاته و علمه بذاته يلزمه ان ما بعد الذات ليس هو الذات و الا لاختلفت بالقبلية و البعدية و تجزأت و تغايرت فتكون مركبة فاذا قيل من غير لزوم كثرة في ذاته لمينف الكثرة بعد اثباتها لان القول ما لميكن مطابقا للواقع كان كذبا فقوله و يتحد الكل بالنسبة الي ذاته فهو الكل في وحدة يلزمه ان ذاته كانت وحدها قبل علمه بالكل منفردة فلما حصل علمه بالكل امتزجت و اتحد الكل الذي كان متكثرا بالتدريج و هذه الحال لايرضاها لنفسه و لايجوزها لذاته.
«* جوامع الکلم جلد 2 صفحه 68 *»
قال اصل -– الان فلنفتش و نفحص هل ذلك الحصول هو بعينه هذا الوجود المشاهد من العالم ام هو حصول آخر غير هذا متقدم علي هذا انما يتشابه به و يتوسط شيئا فشيئا.
اقول قد ذكرنا قبل ان الحصول ان كان غير هذا تسلسل او دار و كذا ان فرض انه غير نفس الحاصل ففحصه و تفتيشه يرجع الي ما تقدم.
قال فنقول ان العارفين بالامر علي ما هو عليه بشهود و عيان لايشكون في ان هذا هو ذاك من وجه و انه غير ذاك من وجه آخر.
اقول العارفون الذين يشير اليهم من هم ان كانوا نحو من ذكرنا فهم كما قال علي عليه السلام في الكافي بسنده الي مقرن قال سمعت اباعبدالله عليه السلام يقول جاء ابن الكوا الي اميرالمؤمنين عليه السلام فقال يا اميرالمؤمنين و علي الاعراف رجال يعرفون كلا بسيماهم فقال نحن علي الاعراف نعرف انصارنا بسيماهم و نحن الاعراف الذين لايعرف الله الا بسبيل معرفتنا و نحن الاعراف يعرفنا الله تعالي يوم القيامة علي الصراط فلايدخل الجنة الا من عرفنا و عرفناه و لايدخل النار الا من انكرنا و انكرناه ان الله تعالي لو شاء لعرف العباد نفسه ولكن جعلنا ابوابه و صراطه و سبيله و الوجه الذي يؤتي منه فمن عدل عن ولايتنا او فضل علينا غيرنا فانهم عن الصراط لناكبون فلاسواء من اعتصم الناس به و لا سواء حيث ذهب الناس الي عيون كدرة يفرغ بعضها في بعض و ذهب من ذهب الينا الي عيون صافية تجري بامر ربها لانفاد لها و لا انقطاع هـ. فان من ذهب الي هؤلاء ذهب الي عيون كدرة يفرغ بعضها في بعض و لو انه قال بقول ائمتنا ذهب الي عيون صافية تجري بامر ربها فلاجل ذلك سمعت قوله مستندا الي قول الفارابي و الي قول كل ضالّ صابيء علي ان هذا الحصول الذي هو علمه بها اذا كان ذاوجهين فيكون في نفسه متعددا و لاتقول انما قال من جهة الاعتبار لان الاعتبار امكان لايتحقق الا في امكان فكيف يحضر لديه تعالي في الازل كما يقول و لو حضر من الوجه الاعلي لزم ان يكون ذلك الحاضر مركبا من القديم و الحادث يحضر بجهة القدم عند القديم في الازل و يتخلف بجهة
«* جوامع الکلم جلد 2 صفحه 69 *»
الحدوث عند الحادث و هذا باطل او يحضر بجهتيه و هو باطل او لايحضر بحال من الاحوال و هو باطل او يحضر في اماكنها و اوقاتها و هو الحق بمعني ان ذلك الحضور و الحصول لميفقده في ملكه فهو واجد له في رتبته من الامكان فلم يكن في الازل فاقدا لذلك الحضور و الحصول في اماكنها و اوقاتها و انت تجد في نفسك انك لمتفقد ما لك و كتبك في اماكنها مع انها ليست في ذاتك و ليس حصولها لك هو ذاتك فيكون عدم حصولها لو تلفت عدما لذاتك لان حصولها صفة لها لا لك و لايوجد قبلها و كنت انت انت و لمتحصل لك كتب فقوله فيما حصولها لديه ليس علي حد حصولها لنا الخ فيه ان آية ما يدعيه من الحصول السراج و اشعته علي زعمه و حصول الاشعة للسراج ليس هو ذات السراج بل هو خارج لحصول الشيء من هذه الجهة و ليس القيومية لها تجعلها ذات السراج كما توهم و يأتي تمام هذا الكلام.
قال و ذلك لانهم يعلمون ان حصول الاشياء لله سبحانه و تحققها عنده و حصولها لديه ليس علي حد حصولها لنا و تحققها عندنا و حضورها لدينا كيف و حصولها له عزوجل حصول لفاعلها و موجدها و منشئها و محدثها و لمن هو محيط بها و يشاهدها علي ما هي عليه و حصولها لنا حصول لمن لميفعلها و لميحط بها و لميشاهدها علي ما هي عليه.
اقول انا لانعرف ما اجري عليه افعاله الا بما ضرب لنا من الامثال فلما ضرب لما يشاء من ذلك الامثال نظرنا فيها او في بعضها فلمنجد فيها مجازفة بل لواجتمعت جميع الخلائق علي ان يعثروا علي نقص فيما ضرب من المثل ما عثروا علي شيء و لكان ما خفي عليهم من اسرار المطابقة اكثر مما علموا بمراتب لاتكاد تحصي فقوله ليس علي حد حصولها لنا و تحققها عندنا ليس بصحيح لان من خلقه ما ضربه سبحانه مثلا و المثل الذي يكون بالنسبة الي المخلوقين علي اكمل وجه في المطابقة هو السراج بالاشعة فان حصولها للسراج هو حصول لفاعلها و موجدها و منشئها و محدثها و لمن هو محيط بها و يشاهدها علي ما هي عليه و هذه آية ما ذكره لان الله سبحانه خلق السراج مثلا لذلك و مثله و لكن من عرف
«* جوامع الکلم جلد 2 صفحه 70 *»
حقيقة الحصول بالنسبة الي تحققه لمن هو له تبين له ان الحصول الذي يحصل به العلم بالحاصل لايفرق فيه بين من اوجد الحاصل له و بين من لم يوجده لان المراد به ثبوته له و هو حاصل لهما و ليس المطلوب في تحقق الحصول الاحاطة بكل احوال الحاصل او القيومية له لان فائدة هذا كثرة الحصولات و هو شيء آخر نعم يتوهم في ثبوت الحصول لمنشئه ان الحاصل و الحصول (كلا منهما خل) فرع عن حقيقة له في ذات الموجد لاتلزم منها المغايرة و الكثرة لذات الموجد فبتلك الحقيقة الازلية ثبت له ذلك الحصول من جهة تلك الحقيقة الازلية في الازل لانه تعالي كل الاشياء يقولون به هؤلاء و يبنون دينهم علي ذلك تبعا لائمتهم ائمة الضلالة و اما نحن فنقول انه تعالي واحد احدي المعني ليس في شيء و ليس فيه شيء و لم يلد و لميولد فليس فيه شيء بالقوة يخرج منه الي الفعل كما قاله في الكلمات المكنونة و لا انه اصل لخلقه و لاينتهي اليه الخلق و كل ما سواه فخلقه (خلقه خل) خلقهم بفعله لا من شيء و حبسهم في الامكان و اضطرهم بالحاجة الي مدده فالحصول خلقه من الحاصل و حبسه في سجنه و هو الحاصل و الحاصل خلقه في رتبته و حبسه في مكانه و وقته و هو تعالي لميفقدهم في رتبهم و اماكنهم و اوقاتهم و لميجدهم في ازله تعالي فهم حاصلون له في مراتبهم من الامكان و الكون حاضرون لديه فيما اقامهم فيه من مراتب الحدوث فهو سبحانه الواجد لهم بهم في الحدث علي حد قول علي اميرالمؤمنين عليه السلام كما في نهج البلاغة لاتحيط به الاوهام بل تجلي لها بها و بها امتنع منها و اليها حاكمها هـ. فعلمه تعالي القديم هو ذاته لميقترن بمعلوم بل هو تعالي علم و لا معلوم ظهر بمشيته و بما امكن بها و كون و هذا علمه بها و هو غير ذاته لانه محدث و لميخل منها و لميفقدها بها و قد ذكرنا الاشارة الي ذلك. و العبارة قد يتصعب فهمها و لاسيما في هذا المقام الذي هو مزلة الاقدام من العلماء الاعلام ولكني اضرب لك المثل الحق و هو الذي كتبه سبحانه في العالم و الانفس ليعقله العالمون و يهتدي به الطالبون و هو انك اذا قابلت المرآة انطبعت فيها صورتك و هي في المرآة مثال المخلوق المعلوم بحصوله و حضوره و هذه الصورة المنطبعة هي
«* جوامع الکلم جلد 2 صفحه 71 *»
ظل صورتك التي فيك و شبحها ظهرت عنها اي عن صورتك التي قامت بك بالصورة التي في المرآة يعني انك ظهرت للصورة التي في المرآة بواسطة صقالتها و هيئتها و مقابلتها التي هي المشخصات لها عن الصورة التي قامت بك فالحصول و الحضور الذي هو العلم هو حصول (مبتدا خل)ما في المرآة بالمشخصات في المرآة (خبر خل) فالظهور الذي انطبع من صورتك التي قامت بك في المرآة منفصل عن صورتك التي قامت بك بمعني انه يعني الظهور الذي هو مادة ما في المرآة هو الظل الواقع علي المرآة المنطبع فيها فصورتك التي قامت بك كانت معك و هي كينونتك و لمتكن صورة المرآة معك مثاله و لله المثل الاعلي و انما التمثيل لاجل التفهيم كان تعالي عالما و لامعلوم مثله كنت بصورتك التي هي انت و لك و معك لا صورة في المرآة فلما احدث الاشياء و كان المعلوم وقع العلم منه علي المعلوم مثله فلما حصلت المرآة المقابلة بلاحجاب وقع ظهور صورتك علي الصورة التي في المرآة فظهور صورتك الحادث عند المقابلة هو مادة الصورة في المرآة و هيئة الزجاجة و صقالتها و مقابلتها و لونها و شكلها من الكبر و الصغر و اعوجاجها و استقامتها و من قوة الصقالة و ضعفها و من تمام المقابلة و بعضها و من بياضها و سوادها و غير ذلك هي المشخصات و القيود التي تتم بها القابلية و هي صورتها فتقومت الصورة في المرآة و تعينت بذلك الظهور و بتلك المشخصات فتعلم صورتك في المرآة بها و ليس شيء غير صورتك التي هي قديمة فيك و لا ظهور معها غيرها ثم حدث الظهور في المرآة و ليس شيء ثالث متوسط او ذوجهتين كما توهم اولئك و ليس بينهما ملازمة و الا لما انفكت الثانية التي في المرآة عن الاولي التي فيك.
فالحصول الذي هو علمك بالصورة التي في المرآة هو حصولها و هي هو و ليس هو الصورة الاولي و لا حصولها لوجودها قبل الثانية و مخالفتها لها فان العلم يجب ان يكون مطابقا للمعلوم و مقترنا به و ليس بين الصورتين و لا بين حصوليهما اقتران و لا مشابهة لان المرآة لو كانت طويلة كالسيف كانت الصورة المنطبعة فيها كهيئة (كهيئته خل) طويلة و الصورة التي في الشاخص مستقيمة و لو كانت المرآة سوداء و كانت صورتها سوداء و ان
«* جوامع الکلم جلد 2 صفحه 72 *»
كانت الاولي بيضاء و الحاصل انها لاتطابق الاولي لان تشخص الثانية و لونها و قدرها و وجودها علي حكم المشخصات فلاتكون علما بها و انما العلم بها نفسها و هي غير الاولي فلاتكون الثانية نفس الاولي لا في الواقع و لا نفس الامر و لا في الاعتبار.
قال: فللاشياء وجهان وجه الي الحق سبحانه و هي من هذا الوجه حاصل له متحقق عنده حاضر لديه في الازل حصولا جمعيا وحدانيا غير متكثر و لا متغير باق و بالجملة علي ما يناسب ذاته عزوجل و صفاته و افعاله.
اقول: قد بينا فساد ما ينسب الي ذات الله تعالي بوجه دون وجه لان ما له وجهان فهو حادث و لايصح نسبته الي الله تعالي الا علي قوله ان كل شيء هو الله كما يقولونه انا الله بلا انا فان الحجر مثلا مركب من وجود هو الله و من ماهية موهومة هي الخلق فيقولون الحجر هو الله بلاحجر تعالي الله عما يقولون علوا كبيرا ولكن هذا مذهب ائمته مميت الدين بن عربي و الغزالي و ابن عطاء الله و ابييزيد البسطامي و امثالهم و اما مذهب ائمتنا اهل بيت محمد9 فهو ما سمعت منا فان الحادث لايكون ازليا بحال من الاحوال.
و اما قوله جمعيا فهو ما يقوله اهل التصوف من ان جميع ما في الوجود من الحادث و القديم هو الله تعالي من حيث ان الكل اذا لوحظ بلحاظ واحد فهو واحد بسيط بخلاف لحاظ الفرق بان يلحظ كل واحد علي حدة فانه يكون المتكثر من حيث هو متكثر حادثا و هذا احد مناكرهم و وساوسهم و هم بربهم يعدلون ان الذين يلحدون في اسمائه سيجزون ما كانوا يعملون فذرهم و ما يفترون.
قال: و وجه آخر الينا و هي من هذا الوجه لمتحصل و لمتتحقق و لمتوجد الا فيما لايزال وجودا متفرقا متكثرا متغيرا نافدا و بالجملة علي ما يناسب ذواتنا.
اقول: هذا الوجه هو الامر الواقع اما الوجه الاول فهو ان كان حاصلا قبلها فهذا الحصول ليس حصولا لها لان الحصول صفة لها لايوجد قبلها و انما يوجد معها فوجودها اذا كان تدريجيا فالحصول تدريجي كلما وجد شيء حصل و ان كان
«* جوامع الکلم جلد 2 صفحه 73 *»
دفعيا حصل حصولها دفعة و معلوم بالضرورة انها لمتوجد دفعة نعم حصولها الامكاني دفعي و ان كان الامكان لها في نفسه مترتبا فان من الاشياء ما كان امكانه متوقفا علي امكان غيره كتوقف امكان المعلول علي امكان علته ولكنه يطلق عليه الدفعة للطافة شروطه و علي اي فرض كان فكل الامكان خارج عن الازل لانه لازم فعله.
و اما لحاظ حصولها له تعالي في الازل دفعة و ان تعاقبت في نفسها فهو مدخول لان حصولها دفعة له في اماكنها و اوقاتها و لما لميكن عنده تعالي ماض و لا مستقبل كان وجدانها له دفعة الا انها في الحدوث و انت و ان لمتلاحظ تكثرها و امتدادها فيما لايزال ولكن تقول في اولها بل في علة اولها و هي فعله تعالي لميكن حاصلا له في الازل لان فعله ليس في الازل فهذا الحصول الذي يدعيه هل هو حصولها له تعالي او حصوله تعالي لنفسه فان كان حصوله لنفسه فلاشك انه في الازل لان نفسه في الازل اي هي الازل و ان كان حصولها له فحصولها ذاته و ان كان حصولها ذاته كانت ذاته حصول الاشياء و ان كان غير ذاته كان معه في ازله غيره و عند ائمتنا: ليس معه غيره في الازل لان الازل ذاته و الا اختلفت ذاته و عندهم لايضر استنادا الي الحكم الجمعي و الله سبحانه سيجزيهم وصفهم.
قال: فالوجود واحد و الوجه اثنان و اليه اشير بقوله عزوجل ما عندكم ينفد و ما عند الله باق و بقوله سبحانه كل شيء هالك الا وجهه اي حقيقته التي منه عند ربه.
اقول: هذا الكلام كسابقه يسقي بماء واحد فان الوجود الذي له وجهان لايكون ازليا و لايلائم الازلي و اما ما في الاية فمعني التأويل ان كل ما عندكم ينفد لا ان الوجه من الذي عندنا ينفد و الاعلي باق و هذا لايكون الا في المركب و مايجري عليه التركيب لايكون باقيا الا علي تلك الدعوي ان كل شيء هو الله تعالي باعتبار و هذه لاتجري علي قواعد المسلمين و مثله قوله تعالي كل شيء هالك الا وجهه اي وجه ذلك الشيء الهالك و هذا ثالث الوجوه في الاية و المعني في التصور حق ولكن الكلام في التصديق و معني تأويل الاية ليس علي
«* جوامع الکلم جلد 2 صفحه 74 *»
ما يذهب بل معناه ان المستثني هو ما في اللوح المحفوظ منا فان الله سبحانه خلقنا منه كل شخص من صورته التي في اللوح المحفوظ و الشخص يفني و تلك الصورة باقية الي ان يخلق منها كما خلق اول مرة و هو ما رواه ابن ابيجمهور الاحسائي في كتابه المجلي عن النبي9 قال ظهرت الموجودات من باء بسم الله الرحمن الرحيم و هو رمز اللوح المحفوظ كما هو معروف عند اهله.
و الدليل علي ان الوجه المستثني في الاية من الهلاك اي الفناء هو ما في اللوح المحفوظ قوله تعالي حين قال الكافرون أئذا متنا و كنا ترابا ذلك رجع بعيد قال تعالي قد علمنا ما تنقص الارض منهم و عندنا كتاب حفيظ و الكتاب الحفيظ و المراد به اللوح المحفوظ هو العلم المذكور في الاية لانه باب ظاهر من العلم كما قال الصادق7 في رواية حنان بن سدير قال7 في صفة العرش و الكرسي الي ان قال ثم العرش([29]) منفرد عن الكرسي لانهما بابان من اكبر ابواب الغيوب و هما جميعا غيبان و هما في الغيب مقرونان لان الكرسي هو الباب الظاهر من الغيب الذي منه مطلع البدء و منه الاشياء كلها الي ان قال فهما في العلم بابان مقرونان لان فلك العرش سوي فلك الكرسي و علم العرش اغيب من علم الكرسي الحديث و هو طويل و المراد بالكرسي اللوح و بالعرش القلم و هذا مما لاريب فيه و لان قوله تعالي و عندنا كتاب حفيظ بيان لقوله قد علمنا ما تنقص الارض منهم.
و قوله حقيقته التي منه عند ربه هو ما قلنا عليه لان حقيقة الشيء الهالك لاتكون قديمة و انما المراد ان تلك الحقيقة في اللوح المحفوظ باقية حتي يعاد منها فافهم.
قال: و لما كان الله سبحانه محيطا بنا و هو معنا اينما كنا بل هو اقرب الينا منا فهو يشاهد الاشياء بهذا الوجه الذي نشاهدها بعينه ايضا بعين مشاهدتنا اياها فاذا لايعزب عن علمه مثقال ذرة في السموات و لا في الارض و لا اصغر من ذلك و لا اكبر الا في كتاب مبين.
اقول: هو معنا بذاته ام بعلمه الذي هو ظهوره بنا لنا؟ فان قال هو معنا بذاته يجب ان يكون معية حقيقية نعرفها و ذلك مقتض للمشابهة لمشاركته معنا في
«* جوامع الکلم جلد 2 صفحه 75 *»
الحلول و الاجتماع و الافتراق و غير ذلك و ان كانت حقيقية لايعرفها الا اهل العصمة صلي الله عليهم او لايعرفها الا الله فليس له ان يصفها بان يقول فهو يشاهد الاشياء بهذا الوجه الذي نشاهدها بعينه لان هذا وصف الادراك و لايجوز فيما لايعرفه (لميعرفه خل) الا الله و ان كانت معية نعرفها فلاتكون تلك المشاهدة و المعية ازلية لان الازلي لايدركه الحادث و لايصفه بذاته الازلية و ان قال انه تعالي يشاهدها بعين مشاهدتنا اياها فحسن ولكن هذه المشاهدة لاتكون ازلية و عندهم تكون ازلية و لهذا يقول شاعرهم:
اذا رام عاشقها نظرة | و لميستطعها فمن لطفها | |
اعارته طرفا رآها به | فكان البصير بها طرفها |
فيجعلون نظرهم يدرك القديم لانهم ينظرون بعينه و ينظر هو الحادث بعين منهم و يستشهدون بقول الشاعر:
رأت قمر السماء فذكرتني | ليالي وصلنا بالرقمتين | |
كلانا ناظر قمرا ولكن | رأيت بعينها و رأت بعيني |
و لو ارادوا ان له نظرا حادثا يهبه من يشاء من عباده فيعرفه به معرفة استدلال عليه لا معرفة تكشف عن كنهه لكان صحيحا و لو ارادوا انه تعالي يرانا بنا رؤية لاتكون ازلية بحال لكان صحيحا و اما احاطته تعالي بها الاحاطة التي يتفرع عليها انه يشاهد الاشياء بعين مشاهدتنا اياها فهذا واقع ولكن هذه الاحاطة و هذه المشاهدة حادثتان لا قديمتان لانهما لمتوجدا قبل الاشياء و اما ان لكل منهما وجهين الوجه الاعلي له تعالي و هو ازلي و الوجه الاسفل لها و هو حادث فباطل كما بينا قبل. انّ([30]) ما يجامع التركيب لايكون ازليا و لايجامع الازلي و اما انه لايعزب عن علمه مثقال ذرة الي آخر الاية فصحيح ولكنه تعالي قال الا في
«* جوامع الکلم جلد 2 صفحه 76 *»
كتاب مبين و هو العلم المذكور في الاية فافهم و ان كان قلبك فارغا من الشبه السابقة المستقرة فلاشك انك تفهم.
قال: فمناط علمه سبحانه بالاشياء ليس الا ذواتها الموجودة في الاعيان لا صور اخري غيرها قائمة بذواتها او بذاته عزوجل او بالجواهر العقلية او صور ثابتة غير موجودة و لا معدومة او غير ذلك كما ظن كلا منها طائفة.
اقول: هذا الكلام وحده مع قطع النظر عن تفريعه علي ما مضي او تقديمه او تمهيده لما يأتي حق الا انه مجمل يحتاج الي تفصيل و من التزامي بعدم الاستقصاء في شرح كلامه اشير اليه مختصرا و هو ان وجوداتها علمه بها في اماكنها و اوقاتها و لها صور قائمة بالجواهر النفسية هي علمه تعالي بنفس هذه الصور و هذه الصور قسمان صور اصلية هي وجوده([31]) الموجودة في الاعيان كما في اللوح المحفوظ و صور منتزعة من الموجودات في الاعيان و هي ما في الالواح الجزئية المتأخرة و كل واحد منهما علم له تعالي بنفس تلك الصور يعني كل صورة علم له تعالي بها من حيث هي ذات الموجود في الاعيان او صفته و لها معان اصلية كذلك في القلم اي عقل الكل و معان انتزاعية في العقول الجزئية كذلك اي كما قلنا في الصور و لها امكانات ثابتة كلية غير متناهية التنوع تلبس من صور الاكوان ما شاءالله تعالي و هذه الامكانات شاء الله امكانها و لميشأ كونها فهي في الخزانة الكبري الذي هو العمق الاكبر.
و ربما يطلق عليها العدم باعتبار عدم كونها و الوجود باعتبار امكانها قال تعالي: هل اتي علي الانسان حين من الدهر لميكن شيئا مذكورا فعن الصادق7 في تفسير هذه الاية انه قال كان مذكورا في العلم و لميكن مذكورا في الخلق انتهي و مراده7 بالعلم الامكاني الذي ذكرناه سابقا و عن الباقر7كان شيئا و لميكن مكونا و في خبر آخر كان شيئا مقدرا و لميكن مكونا و في الكافي عن مالك الجهني قال سألت اباعبدالله (ص) عن قول الله عزوجل أولم ير الانسان انا خلقناه من قبل و لميك شيئا قال فقال لا مقدرا و لا مكونا قال و سألته عن قول الله تعالي: هل اتي علي الانسان الاية قال مقدرا غير مذكور انتهي. فقد
«* جوامع الکلم جلد 2 صفحه 77 *»
ذكرنا العلمين السابقين الاول الامكاني و فيه امكانه فيصح و لميك شيئا يعني مكونا و في الثاني الكون و قد تقدم الكلام فيهما و اما في ذاته فلاذكر لها بحال فهو الذاكر و لا مذكور نعم يذكرها بما هي عليه فيما هي فيه و هذا هو ذكره بها لميكن قبلها فهو حادث بحدوثها لانه هو هي.
قال: فكما انه عزوجل لايحتاج في ايجاد الاشياء الي اصل و مثال يوجدها منهما علي طبقهما بل هو المبدع اياها لا من شيء كذلك لايحتاج في علمه بها الي صور اخري غيرها يعلمها بها.
اقول: الحكمان صحيحان و هما انه لايحتاج في الايجاد الي مثال و انه لايحتاج في علمه بها الي غيرها و التنظير ليس بشيء لانه يريد ان يجعل احدهما منشأ للثاني مع انهما متغايران كل اجنبي من الاخر.
قال:و نحن نحتاج في ادراكنا لبعض الاشياء الي حصول صور لها في ذواتنا لغيبتها عنا و انفصالها منا و مع ذلك فلانعلم تلك الاشياء الا بالعرض و ليس معلومنا بالذات الا الصور التي في ذواتنا (ذواتها).
اقول: هذا الكلام غير منقح و قد ذكرنا سابقا ما يكشف عن حقيقة الواقع منه و نشير الي بعض الذكر و هو انا اذا حضر الشخص علمناه به بحضوره و حصوله من غير صورة عندنا منه فاذا غاب انطبعت صورته و مثاله في خيالنا فمعلومنا هو المثال الذي في خيالنا خاصة الذي انتزعه خيالنا من حاله حين حضوره و يبقي المثال مرتسما في اذهاننا متقوم الوجود و البقاء بما ارتسم من تلك الحالة الخاصة حالة الحضور في ورقة من اللوح المحفوظ و ذلك الشخص لما غاب انمحت حالته الزمانية الخاصة و بقيت الدهرية الخاصة فعندنا مثاله في حاله حين الحضور عندنا في ذلك المكان و ذلك الوقت بعد ارتفاعها الي الدهر و هذا المثال في المكان و الوقت الدهريين او البرزخيين هو علمنا بتلك الحالة الخاصة من ذلك الشخص و ربما مات ذلك الشخص او قام او نام لانعلم شيئا من ذلك الشخص و لاشيئا من احواله وامثله المتجددة بعد ما غاب عنا فلسنا نعلمه في غيبته حقيقة لا بالذات و لا بالعرض و لو كنا نعلمه حين غيبته
«* جوامع الکلم جلد 2 صفحه 78 *»
لكان اذا قتل انتقش في اذهاننا الحالة المتجددة له فافهم فاني لايسعني البسط الكثير في كل شيء و الترديد و التكرار اكثر من هذا لاجل ضيق وقتي و تشويش خاطري.
قال: و اما الله سبحانه فلايغيب عنه شيء لانه فاعل لكل شيء قاهر فوق كل شيء رقيب علي كل شيء.
اقول: المعني صحيح و التعبير غير صريح لان العبارة البالغة في هذا ان يقال فلايغيب عنه شيء لان كل شيء انما قام بامره و علة وجوده صدوره من فعله فهو ابدا قائم بفعله تعالي و هو بحضوره عنده قيام صدور فلو غاب خرج عن الوجود و الامكان و اما قوله رقيب علي كل شيء فهو يؤدي هذا المعني الا ان التعليل بانه قائم بفعله قيام صدور اوضح و اخص بهذا المعني و اعم لكل معني.
قال: و فعله علمه و علمه فعله يفعله معلوما و يعلمه مفعولا و علمه بصره و بصره علمه.
اقول: فعله علمه الحادث الذي ما حصل الا في الامكان فلايكون ذاته علي مذهب ائمتنا: و كذلك علمه الذي هو فعله قوله يفعله معلوما عندنا معناه يفعله معلوما حال كونه حادثا مغايرا لذاته و يعلمه مفعولا حال كونه حادثا مغايرا لذاته و علي مذهب ائمته فعله علمه الذي هو ذاته و علمه الذي هو ذاته فعله و فعله في العبارتين ذاته يفعله معلوما حال كونه قديما غير مغاير لذاته و يعلمه مفعولا حال كونه عين ذاته و اما قوله و علمه بصره و بصره علمه فهو حق لان العلم في حق الذات الحق عين البصر و غيره من الصفات الذاتية و بالعكس.
قال: و لو كان علمه بالاشياء بالصور لما كان وجوداتها العينية معلومة له الا بالعرض مع انه فاعل لها بوجوداتها العينية.
اقول: قد تقدم تحقيق هذه المسألة و ان قولهالا بالعرض (فلانعلم تلك الاشياء الا بالعرض خ ل) ليس علي ما ينبغي.
قال: و العلم بالفاعل يستلزم العالم بمفعوله علي النحو الذي هو مفعول لا علي نحو آخر.
«* جوامع الکلم جلد 2 صفحه 79 *»
اقول: العلم بالفاعل من حيث كونه فاعلا بفعله لمفعوله بالفعل يستلزم العلم بمفعوله لا مطلقا لجواز ان يكون العلم بالفاعل من حيث كونه فاعلا مطلقا و لجواز ان يكون من حيث كونه من شأنه ذلك و ما بالقوة في مطلق فاعل لايستلزم خصوص فعل بالفعل او فعل علي وجه خاص.
قال: ان قيل أ ليس مدار العلم عند اهل العلم علي التجريد عن المادة فكيف يصير الاشخاص الجسمانية معلومة بانفسها لا بصورها المنتزعة عن موادها قلنا ذلك انما يكون في الاشياء التي لميتحقق للعالم بالاضافة اليها علاقة ايجادية و تسلط فاعلي قهري و اشراق نوري من غير احتجاب كما اشار اليه بعضهم بقوله ان الشيء المادي و الزماني بالنسبة الي المبادي غير مادي و لا زماني يعني به ارتفاع اثر المادة و الزمان عنه و هو الخفاء و الغيبة.
اقول: قد اشرنا سابقا ان العلم ليس مداره علي ذلك و انما العلم دائر مدار ما يوجب الاطلاع علي المعلوم من جهة معلوميته فيعلم العالم الشيء بنفس ذلك الشيء من غير اعتبار شيء آخر فان زيدا اذا حضر، علمنا به من غير صورة عندنا في خيالنا بل بصورته التي هي مقومة لمادته الجسمانية كما نعلمه بصورته الانتزاعية اذا غاب عنا بل علمنا به في حضوره اقوي من علمنا به في غيبته بصورته لان ما في خيالنا من صورته اذا غاب عنا انما هو شبح صورته و مثالها و المثال و الشبح ظل و ذو الظل اقوي من الظل و لاسيما علي قوله ان العلم بالصورة علم بالعرض و هو معلوم غير خفي علي من له ادني مسكة بالعلم اذا لمتسبق الشبهة الي عقله فتغير خلق الله التي فطر الله الخلق عليها و لايحتاج في علمه بنفسه عند حصوله و حضوره الي كون العالم محدثا له و الوجدان شاهد به و ما ذكره هو و ما استشهد به من قول بعضهم لا مدخل له في تحقق العلم بالمادي نعم هو علم اول بالعلة و حضور المعلوم علم به نفسه.
قال: فصل فقد ثبت و تبين ان الله سبحانه عالم بالموجودات كلها في الازل علي ما هي عليه فيمالايزال علما ثابتا لايتغير بتغير المعلوم و لايتفاوت بحدوث وجودات الاشياء فيمالايزال بعد فقدانها في الازل علي ما هي عليه
«* جوامع الکلم جلد 2 صفحه 80 *»
عندنا.
اقول: هو عزوجل في ذاته هو الازل عالم لميحتمل زيادة علم بمايحدث فيمالايزال مع ان وقوع العلم علي مايحدث انما يكون بعد حدوثه لان ما يحتمل الزيادة يحتمل النقصان و لانعني بعلمه في الازل شيئا زائدا علي ذاته و لايتجدد له شيء في ذاته فهو عالم في الازل و لا معلوم له في الازل غيره و اما ما سواه فهو معلوم له في الحدث بمعني ان ذاته عالم في الازل بها في الحدث لان قولنا بها جهة الارتباط و الاقتران و قوع العلم علي المعلوم و كل ذلك في الخلق.
فقوله علي ما هي عليه فيمالايزال يريد به انها بما هي عليه فيما لايزال في الازل عنده علي نحو لايلزم منه التكثر كما تقدم في علمه بحيث لايتغير ذلك العلم الازلي بتغيرها في مراتبها من الحدوث و هذا هو معني ما يقولون ان بسيط الحقيقة كل الاشياء فانهم يريدون ان الاشياء في الازل بنحو اشرف بمعني حصولها في ذاته حصولا جمعيا وحدانيا لاتكثر فيه و قد سمعت نقضه فيما تقدم مرارا لان الذات المقدسة ذاكرة و لا مذكور سواها في الازل لانا نقول ان قلتم انه تعالي ذاكر و لا مذكور سواه هناك بطل قولكم هو في ذاته كل الاشياء و انها في علمه و ان علمه محيط بها في الازل لانه تعالي هل هو في ذاته ذاكر لشيء سواه هنالك ام لا فان كان ذاكرا سواه في الازل فقد تكثر و ان لميذكر سواه فهل تذكرون انتم فيه ما لايذكره في ذاته لاني اريد انه يعلم ان معه غيره في ذاته يكون لذلك الغير اعتبار ما يتميز به عنه تعالي بوجه ما من نسبة او ارتباط او تعلق غير ما هو ذاته تعالي فان اثبتم انه يعلم بذلك في ذاته فقد كثرتموه و جزأتموه و ان لميعلم فليس لكم ان تثبتوا له ما لايعلمه و نحن نقول هو عالم في الازل بذاته و لا معلوم سواه ثم و يعلم في الازل بالاشياء في الحدث فليس بسيط الحقيقة كل الاشياء بل بسيط الحقيقة لا شيء غيره و معطي الشيء ليس فاقدا له في ملكه و هو فاقد له في ذاته لانه لميلد و لميولد و لو اعطاك مما في ذاته بكل اعتبار و علي اي فرض لزم انه خرج منه ما كان فيه و كانت له حالتان و صدق عليه انه يلد تعالي الله عن ذلك علوا كبيرا.
و قوله بعد فقدانها
«* جوامع الکلم جلد 2 صفحه 81 *»
في الازل علي ما هي عليه عندنا يعني انه تعالي عالم بحدوث وجوداتها بعد ما كانت مفقودة لانهيفقدها علي ما هي عليه عندنا و يجدها علي ما هي عليه عندنا كما يأتي في كلامه بعد هذا و يريد انه يعلمها علي ما يناسب علمه علي ما هي عليه عندنا يعني بوجوهها العليا و لايعلمها هناك كما نعلمها نحن يعني بوجوهها السفلي كما ذكر قبل و يلزمه انه في الازل لايعلم علمنا بها علي ما يناسب علمنا لانه يفقد هذا.
فاقول لاي شيء لايعلم علمنا بها ان كان له نمط الحادث فاي فرق بين علمنا بها و بينها علي ماهي عليه عندنا فان كان يعلمها علي ما هي عليه عندنا يعلم علمنا بها علي ما هي عليه عندنا فان كان بوجه فبوجه و ان كان مطلقا فمطلقا و ان كان لايعلم علمنا بها علي ما هي عليه عندنا لايعلمها علي ما هي عليه عندنا و الا لزم ان يعلم بعضا من المتساوي دون بعض او يعلم بعض الاشياء دون بعض اذا فرض الاختلاف و علي اي فرض لايصح الفقدان و([32]) لايصح الوجدان.
قال: و ذلك لانه لاينافي فقدانها في الازل علي ما هي عليه عندنا علمه عزوجل بها في الازل علي ما هي عليه عندنا لانه انما يعلمها في الازل([33]) بوجوهها التي عنده و بجميع احوالها الثابتة لها في نفس الامر و من جملة احوالها الثابتة لها في نفس الامر انها بوجوهها التي عند انفسها فيما لايزال دون ان تكون في الازل.
اقول: يريد انه يفقدها في الازل علي ما هي عليه عندنا بمعني ان وجوهها السفلي و ان كان محيطا بها فيمالايزال و لكنها ليست عنده في الازل كما هي عندنا متمايزة متخالفة و لاينافي هذا علمه بها في الازل علي ما هي عليه عندنا بلحاظ الوحدة فهي بلحاظ الوحدة في الازل و بلحاظ الكثرة لاتكون في الازل بل يفقدها فيه فباللحاظ الاول سواء كانت في الازل بوجوهها و حقايقها المتأصلة ام فيما لايزال هي موجودة في الازل لله تعالي وجودا جمعيا وحدانيا و باللحاظ الثاني لمتكن في الازل.
و قد بينا بطلان هذه فيما تقدم كلها لانه اذا قال بوجوهها فقد اثبت في الله تعالي غيره لان تلك الوجوه وجوه الحادثات و في هذا كفاية في منع كونها في الازل فاذا كانت الوجوه لها و يجوز عنده ان تكون
«* جوامع الکلم جلد 2 صفحه 82 *»
وجوداتها في الازل بحكم الجمعي الوحداني فينبغي الا يفقده شيئا في الازل (ان لايفقد شيئا من الازل خل) سواء كان كما هي عندنا ام كما هي عنده كما صرح به في قوله الاتي بمعني ان وجوداتها اللايزالية الحادثة ثابتة لله سبحانه في الازل و بعد ان اثبت لها وجهين وجه الي الله تعالي في الازل و هو المجامع للازل من غير تغاير و وجه الينا و هي من هذا الوجه لمتحصل و لمتتحقق و لمتوجد الا فيما لايزال وجودا متفرقا متكثرا متغيرا نافذا ثم استشهد بقوله تعالي: و ماعندكم ينفد و ما عند الله باق قال فيما بعد ما نحن بصدده من كلامه بنفي كونها موجودة في الازل لا نفسها بان لايكون الازل ظرفا لوجوداتها ثم استثني انها موجودة في الازل لله تعالي في الازل وجودا جمعيا وحدانيا غير متغير بمعني ان وجوداتها اللايزالية الحادثة ثابتة لله سبحانه في الازل و ملخص كلامه الاتي انها اذا كانت متمايزة لمتكن في الازل و لمتدخل في علمه لانه قال يفقدها في الازل و ان كانت ذائبة كانت هي ذاته بحكم الجمع و ستسمع التنافي و الاختلاف في كلامه المبني علي وحدة الوجود.
قال: و ذلك لاحاطته عزوجل في الازل بما لايزال و ما فيه كاحاطته بالازل و ما فيه فانه محيط بجميع الازمنة و الامكنة و ما فيها من الزمانيات و المكانيات كما انه محيط بما خرج عنها([34])
اقول: جعل احاطته تعالي بجميع الازمنة و الامكنة و ما فيها([35]) كاحاطته بالازل و معلوم ان احاطته بالازل بذاته بلامغايرة بين المحيط و المحاط به فتكون احاطته بالزمانيات و المكانيات كذلك بغير مغايرة بينهما و هذا وحدة الوجود التي نقول ان كل كلامه مبني علي القول بها و مع هذا فقد حكم قبل هذا بانه في الازل فاقد لها من حيث تكثرها و واجد لها في الازل بالحكم الجمعي فاذا كان فاقدا لها بالحكم الفرقي فكيف يحيط بجميع الازمنة و الامكنة و ما فيهما كما يحيط بما في الازل فيما (فما خل) الذي فقد و ما الذي وجد فان وجد الذائب منها و فقد الجامد منها كما ذكر قبل لميكن محيطا بجميع الازمنة و الامكنة و ما فيهما و الا لميفقد و ان فقد لميجد.
«* جوامع الکلم جلد 2 صفحه 83 *»
قال: فان قلت انها لمتكن موجودة في الازل فكيف احاط بها في الازل قلت انها و ان لمتكن موجودة في الازل لانفسها و بقياس بعضها الي بعض علي ان يكون الازل ظرفا لوجوداتها كذلك الا انها موجودة فيه لله سبحانه وجودا جمعيا وحدانيا غير متغير بمعني ان وجوداتها اللايزالية الحادثة ثابتة لله سبحانه في الازل.([36])
اقول: كلامه هذا هو ما ذكرت لك ان عنده ان كونها جامدة اي متمايزة غير حاصل في الازل و كونها غير جامدة([37]) حاصل في الازل و هذا ينافي قوله انه محيط بالازمنة و الامكنة بجميعها و ما فيهما كاحاطته بما في الازل فان اراد خصوص الذائبة بالحكم الجمعي كان الجامدة بالحكم الفرقي غير محاط بها و تكريره لهذه المعاني و اتفاقها في حال و اختلافها في حال علامة المتكلف و قد ذكرت لك ادلة و امثالا فاعتبرها تهتدي الصراط المستقيم.
و انا الآن اضرب لك مثلاً ضربه الله مثلاً لما نحن فيه و خلقه آية دالة علي الحق و هو قوله تعالي سنريهم آياتنا في الآفاق و في انفسهم حتي يتبين لهم انه الحق و هو ان السراج آية من الله تعالي يدلك (تدلك خل) علي الحق فان النار التي هي الحرارة و اليبوسة غيب فيه و مثال النار الذي لا فرق بينه و بينها الا انه حادث عنها هو الشعلة المرئية فانها هي اسم الفاعل و الظاهر بتأثيراته و الفاعل هو النار و هذه الشعلة التي هي المثال هي في الاصل دهن احترق و تكلس حتي صال بحرارة فعل النار و يبوستها دخاناً فانفعل ذلك الدخان بمس النار الذي هو فعلها بالاستضاءة فالمرئي هو الدخان المنفعل عن فعل النار بالاستضاءة و الاشعة المنبسطة منها هي محدثاتها كل جزء في رتبته فالنار الغيب لمتكن فاقدة لنفسها و لا للشعلة المرئية التي هي مثالها و لا للاشعة المنتشرة في كل البيت و كل واحد منها انما تقوّم وجوده و كان شيئاً بالنار بامرها فهي محيطة بذاتها و فعلها و بجميع ماحدث عن فعلها لايعزب عنها مثقال ذرة منها بل كل شيء منها وضعته في مقامه الا انها محيطة لذاتها بذاتها و بفعلها بنفسه لا بذاتها و الا لكان ذاتها و الذات البسيطة المحضة لمتختلف فلايصدر بعضها عن بعض لان هذا شأن المتعدد المختلف. و هذه
«* جوامع الکلم جلد 2 صفحه 84 *»
المرئية انما صدرت عن فعلها و تحيط بجميع الاشعة بنفسها بواسطة الشعلة لا بذاتها اي النار لان الاشعة انما تنتهي الي الشعلة لا الي النار و الاشعة في مراتبها التي وضعتها النار بفعلها فيها لا في النار و لا في فعلها و لا في مثالها المرئي مع انها احاطت بالاشعة و ليست الاشعة في رتبة النار و لا النار في رتبة الاشعة و لا معها في رتبتها بالذات و انما هي مع الاشعة بظهورها بها نعني بظهورها اي بمسها للدهن المنفعل بالاضاءة بمسها (عن مسها خل)الظاهر عن النار بالاشعة فالمرئي مثال النار لا نفس النار فان النار غيب في هذا المرئي و كما تحكم بان النار محيطة بجميع آثارها كل واحد في رتبته من غير ان يكون في رتبة النار و من غير ان يكون للاشعة وجه الي نفس النار الغيب مجامع لها و متحد معها من غير تغاير بالحكم الجمعي بل ليس لشيء من الاشعة في النار الغيب ذكر و لا وجه و لا اصل و لا حقيقة و انما وجه الاشعة و ذكرها و اصلها و حقيقتها كلها منته الي نفس ظاهر الشعلة المرئي و هو الدخان المنفعل عن مس النار اي فعلها بالاستضاءة.
فالاشعة بجميع ما لها و ينسب اليها راجعة الي الاستضاءة التي هي باب النار و مثالها في عبادها التي هي الاشعة و الاستضاءة حصل من الدخان الذي كان دهنا و ليس من النار في شيء بل هو اجنبي منها فكلسته بفعلها حتي جعلته دخانا قابلا للاستضاءة عند فعل النار فيه و هو المس في قوله تعالي: و لو لمتمسسه نار و الدليل علي ان المستضيء هو الدخان الذي كان اصله الدهن قوله تعالي: يكاد زيتها يضيء و لو لمتمسسه نار لشدة قابليته للاضاءة لكنه لميضيء الا عند مس النار فكان مصنوع النار هو علة اشعتها و مبدئها و اليه تنتهي الاشعة و هو قول اميرالمؤمنين7انتهي المخلوق الي مثله و الجأه الطلب الي شكله السبيل مسدود و الطلب مردود انتهي فتفهم المثال فانه مما قال الله و تلك الامثال نضربها للناس و ما يعقلها الا العالمون.
فليس في الازل الا الله سبحانه لان الازل هو ذاته تعالي و هو يعلم ذاته بذاته و يعلم فعله بفعله نفسه و فعله في المثال هو (هي خل) الحرارة و اليبوسة اللذان هما العرض (العروض خل) لا اللذان هما الجوهر لان اللذين هما الجوهر هي النار الغيب و ان اتحد الاسم كما تطلق الشمس علي
«* جوامع الکلم جلد 2 صفحه 85 *»
الكوكب المضيء و علي شعاعه و المرئي الذي هو الدهن الكائن دخانا و مس فعل النار هو السراج المركب منهما و هو آية وجه الله و بابه و المثل الاعلي و الاشعة آية ساير المخلوقات و الي هذا كله اشار زين العابدين7 في دعائه الهي وقف السائلون ببابك و لاذ الفقراء بجنابك و هذه آية الله سبحانه في الافاق فتأملها حتي يتبين لك و دع عنك وساوس الصوفية و اوهامهم و تمويهاتهم و اقتد بائمتك ائمة الهدي محمد و آله9 يهدك الله الي الحق و الي طريق مستقيم.
قال: و هذا كما ان الموجودات الذهنية موجودة في الخارج اذا قيدت بقيامها بالذهن و اذا اطلقت من هذا القيد فلا وجود لها الا في الذهن.
اقول: ان الموجودات الذهنية اظلة و اشباح انتزعها الذهن بمرآته من الخارجي لما قابله سواء قابل صورته المادية بواسطة حاسة البصر ام صورته التي في عليين ام التي في سجين فلما قابله بمرآته انطبع فيها من صورته المنفصلة التي هي ظهور صورته المتصلة اللازمة له و لمتكن الموجودات الذهنية موجودة في الخارج لانها منفصلة عنها و ان كانت موجودة بها لانها مثالها و ظلها فالموجودات الذهنية لمتوجد الا في الذهن لانها مركبة من مادة هي ظهوره الخارجي للذهن و مقابلته له بصورته اللازمة له ظهورا منفصلا عن الصورة اللازمة لا بمعني استقلالها بدون اللازمة بل بمعني مغايرتها لها و ان كانت قائمة بها قيام صدور و من صورة هي هيئة الخيال الذي هو مرآة الغيب و لونه و قدره.
و قوله موجودة في الخارج الخ الموجودات الذهنية لمتكن موجودة في الخارج قيدت ام لمتقيد لان الموجود في الخارج اما الذوات او الاجسام و الصور المتقومة بها لا بالذهن و اما ما في الذهن فهو (فهي خل) صور انتزاعية متقومة بما في الخارجية من الصور فالذهنية لاتوجد الا في الذهن الا علي رأي الصوفية القائلين بان ما في هذا العالم فرع عما في الخيال و ذلك هو الاصل و اما علي ما هو الواقع فما في ذهن علة الوجود فهو علة لما في الخارج و ما في غير ذهن علة الوجود فهو ظل للخارج منتزع منه فاذا فهمت بيان ما ذكرنا لك ظهر بطلان
«* جوامع الکلم جلد 2 صفحه 86 *»
تنظيره من ان الاشياء مفقودة في الازل اذا لوحظ قيامها بفعله الذي هو من الازل لانها حينئذ مغايرة للازل و اذا اطلقت من هذا اللحاظ لمتكن موجودة الا في الازل لعدم موجب المغايرة و هو عدم قيامها بشيء غير الازل كالموجودات الذهنية اذا لوحظ قيامها في الخارج بالذهن لانه اصلها([38]) و اذا اطلقت من هذا اللحاظ استقل بها الذهن و قد بينا لك بطلانه.
قال: فالازل يسع القديم و الحادث و الازمنة و ما فيها و ما خرج منها و ليس الازل كالزمان و اجزائه محصورا مضيقا يغيب بعضه عن بعض و يتقدم جزء و يتأخر آخر فان الحصر و الضيق و الغيبة من خواص الزمان و المكان و ما يتعلق بهما.
اقول: قوله فالازل يسع القديم و الحادث الي آخره صحيح الا انه ليس علي ما قرر بل الازل سبحانه يسع ذاته و غيره علي نحو ما ضرب من المثل الحق و هو السراج فان السراج يسع نفسه و اشعته بمعني انه يسعها بنفسها لانها فعله لما شاء و بوجهه الذي هو الشعلة فاذا قيل ان الازل يسع كل شيء كما ذكر لا يراد في القول الحق انه يسع كل ماسواه بذاته من غير شيء من العلل و الاسباب لانه يلزم ان يكون ماسواه مساوقا له او محاطا به او عارضا عليه و لايجوز عليه شيء من هذه الامور الثلثة فاذا امتنعت هذه الامور الثلثة بقي انه اما ان لايحيط بما سواه او يحيط به بنفسه اي نفس المحاط به او بعلته التي تقوم بها تقوم صدور و لا سبيل الي الاول.
فان قلت هذا الذي ذكرت من الحصر العقلي حكم الحوادث و اما القديم سبحانه فلا تدركه العقول فلاتحصر جهات ذاته،
قلت هذا صحيح ولكن يلزمك الا تكيف علمه تعالي الذي هو عين ذاته و لاتصفه كما لاتصف ذاته لانه ذاته فان قلت قد ثبت بالدليل العقلي و النقلي انه عالم بذاته و بالاشياء فلابد من معرفة ذلك من التوصيف قلت يكفيك العلم بكونه عالما لقيام الادلة علي ذلك و لمتقم علي التمييز
«* جوامع الکلم جلد 2 صفحه 87 *»
و التوصيف فعليك الامساك عن ذلك و ان الي ربك المنتهي.
فان قلت انت ايضا يلزمك عدم التبين و عدم التعيين قلت انا ما بينت و لا عينت و انما وصفت الله تعالي بما وصف به نفسه و هذا هو المطلوب منا.
فان قلت اين ما تدعيه؟ قلت انه وصف نفسه لنا علي السنة اوليائه الذين امرنا بتصديقهم و اتباعهم و الاخذ عنهم و الاقتداء بهم و هم: بما سمعت قال7 كما تقدم كان الله عزوجل ربنا و العلم ذاته و لا معلوم الي ان قال فلما احدث الاشياء و كان المعلوم وقع العلم منه علي المعلوم الحديث([39]) و بيانه انه تعالي قد ضرب لنا الامثال في كتابه فقال سنريهم آياتنا في الافاق و في انفسهم و قال و كأين من آية في السموات و الارض يمرون عليها و هم عنها معرضون و قال و في انفسكم أفلاتبصرون و قال و تلك الامثال نضربها للناس و ما يعقلها الا العالمون و قال الصادق7العبوديةجوهرة كنهها الربوبية فما فقد في العبودية وجد في الربوبية و ما خفي في الربوبية اصيب في العبودية قال الله تعالي سنريهم آياتنا في الافاق و في انفسهم حتي يتبين لهم انه الحق اولم يكف بربك انه علي كل شيء شهيد يعني موجود في غيبتك و في حضرتك انتهي.
فلما نظرنا في الامثال التي ضربها لنا لنعلم وجدناها كما ذكرت لك متفقة و من اظهرها بيانا فيما نحن فيه و اجلاها كتابة السراج كما ذكرنا لك.
قال: و الازل عبارة عن اللازمان السابق علي الزمان سبقا غير زماني و ليس بين الله سبحانه و بين العالم بعد مقدر لانه ان كان موجودا يكون من العالم و الا لميكن شيئا و لاينسب احدهما الي الاخر بقبلية و لا بعدية و لا معية لانتفاء الزمان عن الحق و عن ابتداء العالم فسقط السؤال بمتي عن العالم كما هو ساقط عن وجود الحق تعالي لان متي سؤال عن الزمان و لا زمان قبل العالم فليس الا وجود بحت خالص ليس من العدم و هو وجود الحق و وجود من العدم و هو
«* جوامع الکلم جلد 2 صفحه 88 *»
وجود العالم فالعالم حادث في غير زمان و انما يتعسر فهم ذلك علي الاكثرين لتوهمهم الازل جزءا من الزمان يتقدم علي سائر الاجزاء و ان لميسموه بالزمان فانهم اثبتوا له معناه و توهموا ان الله سبحانه فيه و لا موجود فيه سواه ثم اخذ يوجد الاشياء شيئا فشيئا في اجزاء اُخر منه و هذا التوهم باطل و امر محال فان الله عزوجل ليس في زمان و لا مكان بل هو محيط بهما و بما فيهما و ما معهما و ما تقدمهما و تحقيق ذلك يقتضي نمطأ آخر من الكلام لاتسعه العقول المشوبة بالاوهام و لنشر الي لمعة منه لمن كان من اهله.
اقول: قوله و الازل عبارة عن اللازمان السابق علي الزمان سبقا غير زماني يفهم منه ان الازل امتداد حقي كما ان السرمد امتداد امري و الدهر امتداد جبروتي ملكوتي و الزمان امتداد ملكي جسماني مكاني و ليس كذلك لانه لايشابهه خلقه قال الرضا7كنهه تفريق بينه و بين خلقه و غيوره تحديد لما سواه بل الازل هو الذات المقدسة بغير مغايرة و لو اعتبارا و فرضا.
و قوله ليس بين الله سبحانه و بين العالم بعد مقدر هذا حق فليس بين الله و بين خلقه بعد لانه اقرب الي خلقه من انفسهم قربا غير متناه و لا قرب لانهم لايقربون اليه بشدة سيرهم اليه و تقريبه اياهم فليس بينه تعالي و بينهم اتصال و لا انفصال و آية ذلك و لله المثل الاعلي السراج فانه ليس بينه و بين اشعته اتصال فيكن اقربها اليه جزءا منه او يكون منيرا بمعني انه مستقل في الانارة و لا انفصال فيكون بينهما غيرهما فيحجب الاشعة عن الاستمداد منه او يكون بينهما لاشيء فيلزم استقلالها بدونه و الاستغناء له عنه.
و قوله و لاينسب احدهما الي الاخر بقبلية و لا بعدية لان القبلية و البعدية زمان و هو منتف عنه و لايجري عليه ما هو اجراه و لا معية لاستلزام المعية المشابهة و المساواة.
و قوله لانتفاء الزمان عن الحق لاستلزام ما يجري عليه الزمان التغير و التبدل و التحول و الانتقال و تبدل الحالات و التعاقب و ما اشبه ذلك من صفات الزمانيات.
و قوله و عن ابتداء العالم لانه لايكون الا ظرفا و الظرف لايكون ظرفا الا و هو مع المظروف و انه هيئته (هيئة خل) و لايكون ابتداء العالم هيئة لان الهيئة صفة و الصفة مسبوقة
«* جوامع الکلم جلد 2 صفحه 89 *»
بالموصوف.
و قوله فسقط السؤال بمتي عن العالم كما هو ساقط عن وجود الحق تعالي لان متي سؤال عن الزمان و لا زمان قبل العالم فيه شيئان:
ـ احدهما ان نقول ما مراده بالعالم فان اراد به مجموع الخلق و الامر يعني ماسوي الله فهو حق لان متي محدث بالمشية و لايجري عليها و ان كان الظاهر انه لايريد الا الخلق و الخلق([40]) الذي هو المخلوق يراد به ما برز عن المشية اوله العقل اي عقل الكل و آخره ما تحت الثري او اوله الوجود الصادر عن المشية و آخره ما تحت الثري فعلي الاول الظاهر انه يصح السؤال بمتي عن اول العالم لان متي لمتكن مخصوصة في اصل الوضع بالسؤال عن الزمان كما توهم و انما متي موضوع للسؤال عن الوقت الشامل للزمان وللدهر كما صح السؤال عما هناك بكمّ كما في حديث كم بقي العرش علي الماء قبل خلق السموات و الارض و علي اللغة الظاهرة يقولون اصل وضع متي للسؤال عن الزمان و استعمال متي في غير الزمان مجاز و يجوزون ذلك فاذا جاز صح و علي الثاني اعني ان اوله الوجود الصادر عن المشية فلايبعد صحة السؤال بمتي بناء علي ان متي لميختص بالزمان و علي ان السؤال بها لايعتبر فيه كون متي و ما دلت عليه من الوقت سابقا علي وقت المسئول عنه اذ يجوز السؤال عن وقت المساوق كما يجوز عن المتأخر و هذا ظاهر لمن عرفه الله صنع ذلك و لو اجمالا كما نعرف ان الجسم يصح السؤال عنه بمتي و ان قلنا بانها موضوعة للسؤال عن الزمان خاصة مع انا نعتقد ان الزمان لميسبق الجسم و لميتأخر عنه بل هو معه فان الجسم و الزمان و المكان عندنا لميسبق احدها الاخر بل خرجت في هذا الوجود الملكي دفعة واحدة.
ـ و ثانيهما قوله كما هو ساقط عن وجود الحق فان([41]) السقوط عن بعض المصنوعات ليس كالسقوط عن الحق تعالي و لاسيما علي جعله متي مخصوصة بالزمان فتفهم.
و قوله و وجود من العدم هذا فيه تسامح لان حقيقته لاتصح علي قوله و لا علي قولنا اما علي قوله بان حقايق الاشياء ليست مجعولة فهي صور علمية فان اراد بها وجودها الذاتي لها الذي هو نفسها لميصح ان يقال وجود من العدم لانه عنده وجود لا من عدم و ان اراد به ما كساها خالقها عزوجل من الوجود الظاهر الذي
«* جوامع الکلم جلد 2 صفحه 90 *»
هو الكون في الاعيان او ما به الكون في الاعيان اعني الظهور علي الاحتمالين لميصح علي قوله ان هذه الوجودات هي هو تعالي و انها عبارة عن ظهوره الكامن في ذات علمه المتهيء للظهور بقبوله كن فيكون فكن يده اليمني الفاعلة و يكون يده اليسري القابلة و كلتا يديه يمين فليس شيء غيره و لميوجد شيئا الا نفسه و ليس الا ظهوره كما ذكره في كتبه و ان لميكن هذا لفظه فهذا معناه بناء علي وحدة الوجود فلميصح قوله و وجود من عدم لان هذا وجود من وجود بل هو علي معاني كلماته وجود لذاته.
و اما علي قولنا و هو انها كانت يعني كونها سبحانه لا من شيء بمعني انها لمتكن فاحدث جزءها الاعلي الاول و هو الوجود بفعله لا من شيء و احدث جزءها الاسفل الثاني و هو الماهية من انفعال الوجود عند فعل الفاعل مثل خلق فانخلق فخلق وجود و انخلق ماهية خلقها من خلق فقام الشيء باذن الله سبحانه بركنيه الوجود و الماهية و نقول خلق الوجود لا من شيء بمعني انه مخترع لميسبق له ذكر قبل ذلك و انما ذكره تعالي به لا بمعني انه خلق من العدم او ان العدم سبقه لان العدم ليس شيئا ليكون سابقا و انما هو وجود عن وجود لا منه و الحق سبحانه وجود لذاته فالوجود الحق لميسبقه الغير و وجود الخلق مسبوق بالغير لا مسبوق بالعدم و علي هذا الاعتبار([42]) يجوز ان يقال انه مسبوق بالعدم و علي هذا الاعتبار لو قال و وجود بعد عدم صح.
و قوله فالعالم حادث في غير زمان ان اريد المجموع من حيث المجموع فصحيح لان الزمان جزء منه و ان لاحظ التفصيل فالعالم الذي هو ماسوي الله سبحانه فعل و مفعول فالفعل هو المشية و الارادة و الابداع كما قال الرضا7اسماؤها ثلثة و معناها واحد و المفعول اوله وجود بحت خلقه سبحانه لامن شيء ثم خلق منه ارض القابليات و هي الارض الميتة و الارض الجرز فساق ذلك الماء في سحاب المشية (مشيته خل) الي الارض الميتة و بعبارة اخري الي الارض الجرز فانزل به الماء اي الوجود و هو الماء الذي جعل منه كل شيء حي فاخرج به من كل الثمرات و بعبارة فاخرج به زرعا تأكل منه انعامهم و انفسهم و الماء المذكور و الارض
«* جوامع الکلم جلد 2 صفحه 91 *»
المذكورة قبل التركيب برزخ بين الفعل و المفعول و هو و ان كان في الحقيقة من المفعول الا انا نصطلح علي ان الفعل هو الوجود المطلق و المفعول هو الوجود المقيد و اوله عقل الكل و هذا البرزخ لك ان تلحقه بالمطلق و ان كان مطلقا اضافيا و لك ان تلحقه بالمقيد و ان كان نسبيا اي بالنسبة الي الفعل.
و الوجود المقيد اوله عقل الكل و هو روح القدس في قول العسكري7 قال و روح القدس في جنان الصاقورة ذاق من حدائقنا الباكورة و الباكورة اول الثمرة يعني ان روح القدس اول ما قبل الوجود و هو اول من ظهر من ذلك الماء في تلك الارض فالمشية وقتها السرمد و عقل الكل و روح الكل و نفس الكل و طبيعة الكل و جوهر الهباء وقتها الدهر و جسم الكل و ما فيه من الفلك المحدد الجهات و المكوكب و الافلاك السبعة و العناصر الثلثة و الارضون السبع وقتها الزمان فالفعل حادث ليس في زمان بل هو مع السرمد و المجردات من العقل الي جوهر الهباء يعني الكل و مادة الكل حادثة كلها مع الدهر قبل الزمان و المثال برزخ بين الدهر و الزمان وجهه الي الدهر و خلفه الي الزمان و هو بدن نوراني لطيف لا ارواح فيه و هو ظل الجواهر النفسية و هو عالم واسع ذو عجائب لاتتناهي اسفله علي محدد الجهات رتبة و اعلاه تحت جوهر الهباء اقامه سبحانه في الاقليم الثامن فيه الجنتان المدهامتان و نار الدنيا عند مطلع الشمس و هورقليا، تدور افلاكه علي جابلقا و جابرسا و الجنتان المدهامتان فيه و تغرب فيهما (عليهما خل) شمسنا فتظهر عليهما بقدر ما نراها(نره خل) اربعين مرة لصفاء ذلك الاقليم و نوريته و تطلع علي النار تمر علي رؤس اهلها ليس بينها و بينهم ستر و هذا العالم اعني عالم المثال برزخ بين المجردات و الاجسام و اما عالم الملك اعني عالم الاجسام من الفلك الاطلس الي الارض السابعة فحادث علي([43]) الزمان لطيف الزمان مع لطيفه كالاطلس و متوسطه مع متوسطه كالسموات و كثيفه مع كثيفه كالارض.
قوله و انما يتعسر فهم ذلك علي الاكثرين الي قوله وامر محال حق صحيح فانهم لايفهمون غير ما ذكر حتي ان شيخ الكل الطبرسي في جامع الجوامع في تفسير اول سورة الحديد في قوله تعالي هو الاول و الاخر و الظاهر
«* جوامع الکلم جلد 2 صفحه 92 *»
و الباطن قال هو الاول السابق للموجودات بما لايتناهي من الاوقات او تقدير الاوقات و هذا طريق اهل الظاهر فمن تكلم قال بمثل هذا و من سكت اضمر علي مثله و هذا معلوم و قوله فان الله عزوجل ليس في زمان و لا مكان بل هو محيط بهما و بما فيهما الخ قد تقدم توجيه الكلام فيه و قوله و تحقيق ذلك الي آخر الفصل صحيح.
قال: ان نسبة ذاته سبحانه الي مخلوقاته تمتنع ان تختلف بالمعية و اللامعية و الا فيكون بالفعل مع بعض و بالقوة مع آخرين فتتركب ذاته من جهتي فعل و قوة و تغير صفاته حسب تغير المتجددات المتعاقبات تعالي عن ذلك.
اقول: قوله ان نسبة ذاته، فيه ان ذاته المقدسة ليس بينها و بين شيء سواه نسبة لذاته و انما نسبته الي مخلوقاته من حيث افعاله من الظهور لها بها و الامتناع عنها بها و قربه و بعده اليها و معيته و اللامعية و غير ذلك من حيث كونها معلومة او مقدورة او مسموعة او مبصرة او غير ذلك من جميع النسب فكلها من حيث افعاله و قيوميتها بامره كما قال تعالي: ومن آياته ان تقوم السماء و الارض بامره و قوله7 في ادعية الايام الطويلة رواه الشيخ في مصباح المتهجد و كل شيء سواك قام بامرك و اما ذاته فتعالي في عز جلاله عن كل نسبة سبحان ربك رب العزة عما يصفون ولكن كما قال شاعرهم:٭ ضاع الكلام فلا كلام و لا سكوت معجب٭ الا اني اقول كما قالت العرب علي لسان الضب في الامثال: ٭ حدث حديثين امرأة و ان ابت فاربعة ٭ قوله فتتركب ذاته من جهتي فعل و قوة فلم لميقل هذا في الكلمات المكنونة حيث قال فان الكون كان كامنا فيه معدوم العين ولكنه مستعد لذلك الكون بالامر و لما امر تعلقت ارادة الموجد بذلك و اتصل في رأي العين امره به ظهر الكون الكامن فيه بالقوة الي الفعل فالمظهر لكونه الحق و الكائن ذاته القابل للكون فلولا قبوله و استعداده للكون لما كان فما كوّنه الا عينه الثابتة في
«* جوامع الکلم جلد 2 صفحه 93 *»
العلم لاستعداده الذاتي الغير المجعول و قابليته للكون و صلاحيته لسماع قول كن و اهليته لقبول الامتثال فما اوجده الا هو ولكن بالحق و فيه او نقول ذات الاسم الباطن هو بعينه ذات الاسم الظاهر و القابل بعينه هو الفاعل فالعين الغير المجعولة عينه تعالي و الفعل و القبول له يدان و هو الفاعل باحدي يديه و القابل بالاخري و الذات واحدة و الكثرة نقوش فصح انه ما اوجد شيئا الا نفسه و ليس الا ظهوره انتهي كلامه في كتابه المسمي بالكلمات المكنونة.
فقوله ظهر الكون الكامن فيه بالقوة الي الفعل يلزم منه انه تعالي تركب من جهتي القوة و الفعل فان قلت ليس الامر كما توهمه بعضهم انه انما عني به العالم قلت قوله الكامن فيه يريد بالكامن العالم و ضمير فيه يعود الي الله تعالي الله عن ذلك فان قلت انما يعود الي العالم حين كونه في العلم لقوله فما كونه الا عينه الثابتة في العلم قلت قوله فالعين الغير المجعولة عينه تعالي صريح فيما قلنا لانه يقول ان العالم في الذاتي هو عين الله تعالي و الكون الذي كان في العالم حين هو عين الله تعالي في الازل كامن في العالم بالقوة و هو مسعد لقبول الكون فكان ما فيه بالقوة حين هو عينه تعالي بالفعل فتركبت (فتركب خل) ذاته تعالي او قل تركب ما هو ذاته من جهتي القوة و الفعل او وقع ما بالقوة و ما بالفعل فيه تعالي لقوله فما اوجده الا هو ولكن بالحق و فيه اي فما اوجد العالم الذي كان عينه تعالي الا هو بالله فيه فتدبر كلامه هنا و تدبر كلامههذا الذي نقلناه من الكلمات المكنونة بلازيادة و لا نقصان و قل ما شئت.
قال: فنسبة ذاته التي هي فعلية صرفة و غني محض من جميع الوجوه الي الجميع و ان كان من الحوادث الزمانية نسبة واحدة و معية قيومية ثابتة غير زمانية و لا متغيرة اصلا و الكل بغنائه بقدر استعداداتها مستغنيات كل في محله و وقته و علي حسب طاقته و انما فقرها و فقدانها و نقصها في القياس الي ذواتها و قوابل ذواتها و ليس هناك امكان و قوة.
اقول: قوله فنسبة ذاته التي هي فعلية صرفة يعني ليس فيها ما بالقوة فلاتنتظر كمالا اذ لا امكان فيها فكل ما لها لذاتها هو ذاتها الواجبة الوجود فان ما
«* جوامع الکلم جلد 2 صفحه 94 *»
احتمل الزيادة و الاستكمال احتمل النقصان و الله غني محض من جميع الوجوه فلايفتقر الي شيء و لايستغني عنه شيء و الا لكان محتاجا و ناقصا فلو فرضنا في العبارة و البيان وجود شيء مستغن عنه تعالي قلنا ايما اكمل كون ذلك المستغني مستغنيا عنه تعالي او محتاجا اليه لقلت كونه محتاجا اليه تعالي اكمل في حقه تعالي من كون ذلك مستغنيا عنه فنقول وجود مستغن عنه نقص في حقه تعالي فيكون كونه كاملا مطلقا كونه غنيا مطلقا و كونه غنيا مطلقا كون كل من سواه محتاجا اليه فيشمل هذا المعني قوله من جميع الوجوه.
و قوله الي الجميع و ان كان من الحوادث الزمانية فيه ان قوله و ان كان من الحوادث الخ يفهم منه ان من الجميع المشار اليه ما هو غير زماني كالمجردات الدهرية و منه ما ليس بمحدث و هذا المعلوم من مذهبه و هذا باطل فتصحيح عبارته التي لايصح المعني الا بها ان يراد بالجميع خلق الله اذ ليس في الوجود الا الله تعالي في الازل الذي هو ذاته وحده لاشريك له بكل فرض و اعتبار في الواقع و الفرض فان الفرض و الاحتمال كما قدمنا سابقا هما و ما وقعا عليه و تعلقا به كلها خلقه تعالي فتصحيحها بشيئين احدهما بهذا و الثاني ان يقول من جميع الوجوه من حيث افعاله كما ذكرنا قبل اذ لا نسبة لذاته بذاته تعالي الي شيء سواه لان ما له سبحانه في جميع ما سواه من نسبة معية و قيومية ثابتة انما هو من حيث افعاله التي هي ذكر الاشياء بما هي عليه في اماكنها و اوقاتها لانا قدمنا انه تعالي هو الذاكر و لا مذكور و انما ذكرها بفعله لها علي ما اقتضته ذواتها فنسب([44]) نفسه تعالي لها و اليها بما ذكرها به من فعله لها بما قبلت من فعله حين فعلها اذ لمتكن مذكورة قبل فعله و النسب كلها لاحقة للوجود لا للاوجود فافهم.
قوله و الكل بغنائه بقدر استعداداتها الخ تصحيح عبارته التي يصح معناها علي قواعد الاسلام ان يقول و الكل بغنائه الذي هو صفة فعله لاغنائه الذي هو ذاته و مثال هذا و امثاله كما لو قلنا علمه الذي هو صفة فعله و قدرته و سمعه و بصره و رحمته و ربوبيته و الوهيته و غير ذلك من صفاته كالنار و لله المثل الاعلي فانها مركبة من حرارة و يبوسة جوهريتين و صفة فعلها حرارة و يبوسة عرضيتان
«* جوامع الکلم جلد 2 صفحه 95 *»
و فعلها الاحراق بحرارته و يبوسته العرضيتين كالحديدة المحماة في النار فانها تحرق كالنار من جهة ان فعلها ظهر في الحديدة بصفته التي هي الحرارة و اليبوسة العرضيتان الفعليتان لا ان اجزاء من جرم النار و جوهرها انتقلت الي الحديدة كما توهمه بعضهم فانك اذا فهمت معني كلامي حصل عندك مفتاح من مفاتيح الغيب تفتح به كثيرا من الابواب المغلقة مثل قوله تعالي: ما زال العبد يتقرب الي بالنوافل حتي احبه فاذا احببته كنت سمعه الذي يسمع به و بصره الذي يبصر به و لسانه الذي ينطق به و يده التي يبطش بها ان دعاني اجبته و ان سألني اعطيته و ان سكت ابتدأته الحديث فهذا ينفتح بمفتاحنا هو و اشباهه لا بغير مفتاحنا.
قوله و علي حسب طاقته طاقة العبد قد تكون بوجوده و قد تكون بمتمم فربما يكون الشيء لايطيق بنفسه و يطيق بالمتمم و بالواسطة فالمتمم معين و الواسطة وافية و مترجم فالمتمم كرفع ادريس و عيسي8 الي السماء اذ لايقدران بذاتهما علي الصعود الا بالملك المتمم لهما قابلية الصعود و الواسطة كآدم7 في انبائه الملائكة باسماء الاشياء فان الملائكة لايتحملون تعلم اسماء الاشياء بغير واسطة آدم7و الا لكان لهم ان يقولوا يا ربنا انت علمت آدم الاسماء و لو علمتنا الاسماء لتعلمناها فلايكون لاختيار الله تعالي للبشر من مزية علي الملائكة فانه تعالي لما اعترض عليه ملكان و رضي بعض الملائكة باعتراضهما رد الله تعالي عليهم اعتراضهم باني اعلم ما لاتعلمون يعني اني ما جعلت خليفة الا من هو اولي بالاستخلاف منكم لانه اعلم منكم و احمل للعلم منكم فلو كانوا يحتملون اذا علمهم لكانوا يقولون انما علم الاسماء لما علمته و لو علمتنا علمنا ولكنهم قبلوا و لميعترضوا لعلمهم انهم لايعلمون الاسماء الا بواسطة آدم7.
قوله و انما فقرها و نقصها الي آخره صحيح ظاهر، قوله و ليس هناك امكان و قوة البتة صحيح ولكن مذهبه كما ذكر و ذكرنا عنه يلزم منه ثبوت ما بالقوة في ذاته و منه قوله هنا و الكل بغنائه فانه اذا اراد بغني الذات لزمه ان في هذا الغني استغناء للمحدث يكون عند وجوده بالفعل و قبله في غناه بالقوة و هذا امكان و قوة فتدبر كلامه
«* جوامع الکلم جلد 2 صفحه 96 *»
السابق و مانبهناك عليه فيه يظهر لك هذا و يأتي كثير من كلامه بهذا المعني فاستمع.
قال: فالمكان و المكانيات باسرها بالنسبة الي الله تعالي كنقطة واحدة في معية الوجود و السموات مطويات بيمينه و الزمان و الزمانيات بآزالها و آبادها كـآن واحد عنده في ذلك جف القلم بما هو كائن ما من نسمة كائنة الا و هي كائنة و الموجودات كلها شهادياتها و غيبياتها كموجود واحد في الفيضان عنه و ما خلقكم و لا بعثكم الا كنفس واحدة.
اقول: هذا الشيخ دائما يتكلم بالامور الغريبة و العبارات العجيبة و من عرف وجده كالغافل عن الحكمة و دليل الحكمة و كمن لمينظر في الحقايق و العلة فيه انه ما راض نفسه بطريقة اهل البيت: و انما صرف نفسه في حكمة القوم و جعل همه في فهم مراداتهم و فك رموزهم و لهذا كان اذا قال بقولهم مثل ان علم الله تعالي القديم بالاشياء مستفاد منها لانها اعطته العلم بها ربما استشعر بطبيعته او بالتفاته منه فنفي هذا كما ذكر في الوافي ثم قال به في اثناء كلامه و ذلك لانطباع نفسه و طبيعته علي قولهم.
فقوله فالمكان و المكانيات الي قوله في معية الوجود انما يصح اذا قيده بان يقول في فعله كما قدمنا ثم استشهد علي قوله بما نحتج به عليه فان قوله و السموات مطويات بيمينه لم لميقل بقدرته مع ان المراد به قدرته و انما عدل الي اليمين ليعلم منه اصحاب اليمين انه اراد بفعله اذ لايصح ان تكون السموات مطويات بذاته لانها مفعوله و الطي فعله فكيف يحدث شيئا بذاته من غير فعل و لايعقل في حقه تعالي و لا في حق احد من خلقه ان يفعل فعلا بغير فعل و اما ارادته بان السموات مضمحلة في جنب وجوده فانبساطها نقطة لاتقبل القسمة في جنب ذاته فهذا و مثله انما يكون لو جمعهما مشهد واحد بان ظهر لها في الحدث او بطنت له في الازل و دون عليّان خرط القتاد كيف يظهر لها و انما ظهر للجبل حين سأله موسي7 مثل سم الابرة من نور محل فعله فجعله دكا و عنه9ان لله سبعين الف حجاب من نور و ظلمة لو كشف حجاب منها
«* جوامع الکلم جلد 2 صفحه 97 *»
لاحرقت سبحات وجهه ما انتهي اليه بصره من خلقه انتهي.
و كل هذا اثر فعله اذ المراد بالوجه هو محل مشيته و فعله و السبحات الكروبيون من شيعة ذلك الوجه الكريم صلي الله عليه و آله الطاهرين و كيف يصعد اليه شيء و لميخرج منه سبحانه لميلد و لميولد و لميكن له كفؤا احد. كان الله و لا شيء معه و هو الان علي ما كان فكان و لا شيء معه مطوي قبل ذكر كل شيء و هو بعده علي ما هو عليه و المحو و الاثبات و الطي و البسط و كل معني غير الذات المقدسة من كل ما ينسب اليها من الكثرة و الوحدة و البساطة و الطي و البسط و الاتحاد و التعدد و الدفعة و التعاقب و الجمع والفرق و ما اشبه ذلك لايصح نسبتها اليه تعالي لا بالذات و لا بالنسبة و الاضافة اذ لا نسبة له و لا اضافة لذاته و ما لايثبت له لذاته بذاته لايثبت له بغيره فافهم هذا الاصل فانه قاعدة لاتنخرم ابدا.
و قوله و الزمان و الزمانيات بآزالها يعني الحادثة و آبادها كذلك الي قوله الا و هي كائنة اجد الكلام فيه كالكلام في المكان و المكانيات و تفسيري آزالها و آبادها بالحادثة لانها قد تستعمل الازال و الاباد في الحادثة علي المذهب الحق فلذا فسرتها بذلك و ان كان ظاهر كلماته في كتبه استعمالها في القديمة لا الحادثات علي نحو ما في كلامه المتقدم الذي نقلناه عن الكلمات المكنونة.
و قوله جف القلم بما هو كائن قد ذكر جملة من بيان هذا في ذكرنا العلم الامكاني و العلم الكوني و في العلم الامكاني جف القلم و احاديث اهل العصمة (ع) مصرحة بان القلم المنسوب اليه الجفاف هو عقل الكل و هو القلم المستمد من الدواة كما رواه هو في الصافي في تفسير ن و القلم و ما يسطرون و اذا اطلق فلايراد غيره في كلامهم و استعماله في العلم الذاتي كما ذكرنا خلاف الظاهر و خلاف الواقع و خلاف الحق و ان اخذ تأويله علي المشرب الصوفي و هو لا مانع منه([45]) فيما يجوز استعماله بخلاف هذا الذي ذكره فانه لايصح استعماله كيف و هذا القلم هو الكاتب في اللوح و قد ورد في ادعيتهم:اللهم ان كنت كتبتني عندك محروما مقترا علي في رزقي فامح من ام الكتاب حرماني و تقتير رزقي و اكتبني عندك سعيدا موفقا للخير فانك قلت تباركت و تعاليت يمحو الله ما يشاء
«* جوامع الکلم جلد 2 صفحه 98 *»
و يثبت و عنده ام الكتاب.
فاذا هو الكاتب و اذا شاء الله سبحانه محو ما كتب القلم و اثبات غيره انما يثبته بالقلم فكيف يجف القلم و هو ابدا رطب و لذا رد تعالي علي اليهود حين قالوا قد فرغ من الامر كما في التوحيد عن الصادق7 في هذه الاية لميعنوا انه هكذا ولكنهم قالوا قد فرغ من الامر فلايزيد و لاينقص قال الله عزوجل جل جلاله تكذيبا لقولهم غلت ايديهم و لعنوا بما قالوا بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء أ لمتسمع الله يقول يمحو الله ما يشاء و يثبت و عنده ام الكتاب و في تفسير علي بن ابراهيم قال قالوا قد فرغ من الامر لايحدث الله غير ما قدره في التقدير الاول فرد الله عليهم قال بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء اي يقدم و يؤخر و يزيد و ينقص و له البداء و المشية. انتهي.
و اما ان الرماد بالقلم و جفافه غير ما ذهب اليه فمنه في العلل عن الصادق7و اما «ن» فكان نهرا في الجنة اشد بياضا من الثلج و احلي من العسل قال الله تعالي له كن مدادا ثم اخذ شجرة فغرسها بيده ثم قال و اليد القوة و ليس بحيث يذهب اليه المشبهة ثم قال لها كوني قلما ثم قال له اكتب فقال له يا رب و ما اكتب قال ما هو كائن الي يوم القيامة ففعل ذلك ثم ختم عليه و قال لاتنطقن الي يوم الوقت المعلوم فعلي ما قلنا من ان القلم هو المعلوم و قلنا انه لايزال يجري بامر الله تعالي بمقتضي يمحو الله ما يشاء و يثبت فهو ظاهر و علي انه ختم عليه او علي فمه فلاينطق ابدا فالمراد ان الله تعالي امره بان يكتب فمما امره به مشروط او مشروط في الشهادة خاصة و منه محتوم فاطلقه في المشروط و ختم عليه في المتحوم هذا كله في الثاني من العلم الحادث و هو العلم الكوني كما تقدم و اما في العلم الامكاني فقد جف القلم هناك و المراد بالقلم في العلم الامكاني المشية.
و الحاصل ان هذا المعني الذي ذهب اليه لايجري علي ذات الحق بذاته و انما يصح في فعله تعالي كما قلنا و استشهاده بقوله جف القلم لايصح الا في الفعل لان معني جف انه جري رطبا ثم جف و هاتان حالتان فاذا نسبها الي الله تعالي فيما اراد فنقول له ما معني جف في المفعول قبل الفعل الا اذا اراد ان المفعول حينئذ في الازل و جوابه السكوت عنه و ان اراد بعد حصول المفعول
«* جوامع الکلم جلد 2 صفحه 99 *»
اختلفت حالتاه و المختلف حالتاه لذاته حادث و لايلزم الحدوث لو اختلفت حالتا فعله.
و قوله و الموجودات الي قوله كنفس واحدة نعم الموجودات من حيث الفعل كنفس واحدة و اما من حيث التعلق بها فلميتعلق الفعل بنفسه بكل مفعول بل كل مفعول فله رأس جزئي من الفعل الكلي مختص به لايصلح لغيره فزيد مثلا له رأس جزئي من مشية الله تعالي مختص به لايصلح لعمرو و ذلك الرأس موجود في الفعل قبل وجود زيد كوجود صورتك فيك قبل وجود المنطبعة في المرآة فاذا وجد القابل للتأثير و هو اجتماع مشخصات وجود زيد حدث تعلق ذلك الرأس المختص به فقدر له حصته الخاصة به من وجود نوعه فكون من تلك الحصة بتلك المشخصات زيدا و هكذا في كل مفعول كما اذا حصلت المرآة و المقابل وقع شعاع صورتك في المرآة فظهرت من ذلك الشعاع بهيئة المرآة من اللون و الاستقامة و الصفاء و الكبر و اضدادها التي هي مشخصات الصورة في المرآة صورة جهك.
و اما هذه الوحدة التي في المفعولات بالنسبة الي الفعل من حيث انبساطه علي الامكان دفعة كل في رتبته فانما هي في بادي الرأي و اما في الواقع فهي مرتبة المسببات علي الاسباب و الناقص علي المتمم كالعرض علي الجوهر و لو صح في الواقع ما اشار اليه لما صح قول جعفر بن محمد8([46]) المتقدم و الاتي كان الله عزوجل ربنا و العلم ذاته و لا معلوم الي ان قال فلما احدث الاشياء و كان المعلوم وقع العلم منه علي المعلوم الحديث فاذا جاز هذا المعني في ذات الحق سبحانه انه عالم و لا معلوم جاز في الفعل بالطريق الاولي و المثال في ذلك اذا ظهرت الشمس انبسط نورها علي جميع الكثيفات و ظهرت الاظلة في مقابلة الاشعة كل ذلك دفعة بلامهلة لكن ذلك في بادي الرأي و في الواقع كانت الاشعة سابقة علي الاظلة في الظهور بسبعين سنة و كذلك حكم المسببات عند الاسباب فالطي المذكور سابقا علي ما هو عليه في نفس الامر لا علي ما هو عليه في بادي الرأي و لو كان هذا الحكم راجعا الي الازل الذي لايجري علي مقتضي الاسباب قلنا حكم الازل علي ما يعرف و قد بينا انه كان و لميكن شيء
«* جوامع الکلم جلد 2 صفحه 100 *»
و هو ابدا لميكن معه شيء و اما اذا حصرنا الطي علي الحكم القهري فهو نور في محل الظلمة فاذا جمعها مشهد واحد جري اثبات الظلمة و نفيها علي نمط واحد كالمثال الذي قلنا في الشمس فان وجود الظل بعد وجود الشعاع بسبعين عاما و عدمهما كذلك علي العكس ولكن اكثر الناس لايعلمون ألميسمعوا قول الله تعالي: ألم تر الي ربك كيف مد الظل و لو شاء لجعله ساكنا ثم جعلنا الشمس عليه دليلا ثم قبضناه الينا قبضا يسيرا.
و الحاصل نكرر القول فنقول لو كان الحكم ازليا لوجب فيه الوحدة البسيطةلعدم وجود غيره و اذا كان فعليا فبنسبة الظهور يكون البطون و بنسبة الفرق يحصل الجمع لانه بطون بعد فرض ظهور و جمع بعد تحقق فرق اذ قبل فرض الظهور و تحقق الفرق لميكن شيء و الفعل لايكون الا مع المفعول فلايكون الاشياء في معية الوجود كنقطة واحدة في نسبة الفعل و قد برزت نقطا متعددة لان الفعل متعاقب التعلق و لايكون بين الازل و ماسواه نسبة فافهم ان كنت تفهم.
فان قلت انه اراد انها علي تكثرها و امتداد اوقاتها نقطة لاحاطته تعالي بها اذ لا امتداد عنده و لا استقبال بل كلها في علمه نقطة.
قلت هذا صحيح ولكن اذا فهمت مراده فافهم مرادي ايضا اذا كان تعالي محيطا بها لان([47]) امتدادها فيما لاتزال ليس بعدا عنه بل هي في قبضته و لايستقبل بل الماضي و المستقبل و ما بينهما حاضرة في نقطة بين يديه الا انه تعالي محيط بها حين هي لاشيء او حين هي شيء فان قلت حين هي لاشيء فلايصح الاحاطة باللاشيء و الا لعلم ان له شريكا مع انه نفي علمه بذلك فقال أتنبئون الله بما لايعلم في السموات و لا في الارض و هي لاشيء في الازل و الا لكان معه غيره و ان قلت محيط (يحيط خل) بها حين هي شيء فاقول هي شيء بغير موادها و قوابلها و ما تقومت به من فعله او بذلك فان قلت بغير ذلك احلتَ و ان قلت بذلك قلت لك يعلم بما هي عليه او بغير ما هي عليه فان قلت بغير ما هي عليه لميكن عالما بها و ان قلت بما هي عليه قلت لك مما هي عليه كونها في امكنتها و ازمنتها مترتبة متعاقبة.
فان قلت فاذا كيف علمها قلت هي قامت بامره و امره واحد فيعلمها بامره واحدة و بذواتها متكثرة لانه (فانه خل) يعلمها بها فهي علمه بها لانها حاضرة عنده تعالي بامره في
«* جوامع الکلم جلد 2 صفحه 101 *»
وحدة و بذواتها في كثرة و لا منافاة و لو كان يعلمها بذاته فان كان لايعلمها الا بكونها نقطة كان وجه تكثرها غير معلوم لذاته و ان كان يعلمها مطلقا فلافائدة في لحاظ كونها نقطة واحدة بخلاف ما اذا كان يعلمها بما هي عليه و مثال وجهيها المعلومين معا كما لو حضرك سرير و باب و كرسي و سفينة فانها معلومة لك بوحدة الخشب و تكثر الصور و علمك بها حصولها لك و حضورها بين يديك و لمتعلمها بذاتك من غير حضورها الا ان تكون في ذاتك هي او صورها و كأني بك تظن اني ناف لعلمه الازلي لا ولكني ناف لوجودها الازلي و حضورها الازلي و كافر به فافهم.
قال: و انما التقدم و التأخر و التجدد و التصرم و الحضور و الغيبة في هذه كلها بقياس بعضها الي بعض و في مدارك المحبوسين في مطمورة الزمان المسجونين في سجن الامكان([48]) لا غير و ان كان هذا لمما تستغر به الاوهام و يشمئز منه قاصروا الافهام.
اقول: قوله و انما التقدم و التأخر الي قوله الي بعض، هل يريد به ان هذه غير معلومة لله و لا هو محيط بها ام لا فان اراد الثاني فانما ذلك لاجل انها حاصلة لذاته حصولا جمعيا وحدانيا يعني انها بوجودها المتحد متحدة بذاته و في حالة الكثرة لاتتحد لانها خلق موهوم بناء علي انه ليس الا الله كما هو قول اهل التصوف بوحدة الوجود و لو اراد انها معلومة ايضا مع تكثرها و تعاقبها لميحتج الي هذا التكلف فان قيل ان هذا جواب المحبوسين في مطمورة الزمان الخ قلنا ليس هذا جواب من يتوهمه و انما هو مذهب اهل الحق و خلفاء([49]) الصدق صلي الله عليهم و سلم تسليما.
قال: و اما قوله عزوجل كل يوم هو في شأن فهو كما قاله بعض اهل العلم انها شئون يبديها لا شئون يبتديها فليستبصر.
اقول: كان سبحانه و لا شأن له و لا شأن و انما هو لا غير فلما خلق مشيته بنفسها امكن فيها كل شيء علي الوجه الكلي و جعل ذلك الامكان الذي هو محل مشيته خزائنه فيكل شيء قال تعالي و ان من شيء الا عندنا خزائنه و
«* جوامع الکلم جلد 2 صفحه 102 *»
ما ننزله الا بقدر معلوم فخزائن زيد مثله في تلك الخزائن فما معني يبديها لايبتديها فاذا اراد ان يخلق شيئا مثل زيد خلقه من خزائنه و نزله الي عالم الزمان فهل كان زيد في خزائنه علي الوجه الجزئي بما هو عليه في هذا العالم من تشخصه ام علي وجه كلي له ان يبدله قبل ان ينزله بعمرو و بفرس و بجبل و بحر فان كان علي وجه جزئي هناك كما هو هنا الي ان نزله الي هنا ليصدق قولهم انه ابداه لا انه ابتداه لميكن له فيه البداء مع ان خزائن زيد المشار اليه كلها قبل اللوح المحفوظ اذا اريد بها الراجحة و بعضها بعد([50]) اللوح المحفوظ اذا اريد بها الاعم (فيها البداء لله تعالي) و يجب ان يكون زيد شيئا قبل تكوينه و قد قال الله تعالي: اولا يذكر الانسان انا خلقناه من قبل و لميك شيئا و في حديث الكاظم7 كما في الكافي و العلل فلله تبارك و تعالي البداء فيما لا عين له فاذا وقع العين المفهوم المدرك فلا بداء والله يفعل ما يشاء و قال7 قبل هذا الكلام فلله تبارك و تعالي البداء فيما علم متي شاء و فيما اراد لتقدير الاشياء و اذا وقع القضاء بالامضاء فلا بداء. انتهي. و كل هذه المراتب التي اثبت الله فيها البداء قبل خروجه في هذا العالم و تحت تلك الخزائن و ان كان زيد في خزائنه اي خزائن زيد قبل ان ينزله الله سبحانه علي وجه كلي فله ان يبدله بحيوان و طير و ارض و سماء و ملك و شيطان و علي هذا فجعله زيدا ابتداء لا ابداء فافهم و استبصر.
قال: فصل: و لعل من يفهم بعض هذه المعاني يضطرب فيصول و يرجع فيقول كيف يكون وجود الحادث في الازل ام كيف يكون المتغير في نفسه ثابتا عند ربه ام كيف يكون الامر المتكثر المتفرق وحدانيا جمعيا ام كيف يكون الامر الممتد اعني الزمان واقعا في غير الممتد اعني اللازمان مع التقابل الظاهر بين هذه الامور.
اقول انا كيف يكون وجود الحادث في الازل و قد (كذلك خل)قال الامام7 ما معناه لو كان خلقها من شيء لكان معه ذلك الشيء لميزل. و قال اميرالمؤمنين7انتهي المخلوق الي مثله و الجأه الطلب الي شكله
«* جوامع الکلم جلد 2 صفحه 103 *»
السبيل مسدود و الطلب مردود و قال الصادق7كان الله عزوجل ربنا و العلم ذاته و لا معلوم.
و انا اقول بيانا لقولهم: اذا كان الحادث في الازل يبقي حادثا مصنوعا ام يكون ازليا صانعا و علي التقديرين هو([51]) مغاير بمعني ان الله تعالي يعلم انه غيره علي اي فرض اعتبر ام لميعلم قل ما شئت.
و قوله ام كيف يكون المتغير في نفسه ثابتا عند ربه فاقول يكون ثابتا عند ربه علي ما هو عليه من التغير في ملكه تعالي لا في ذاته و قوله ام كيف يكون([52]) المتكثر المتفرق وحدانيا جمعيا نعم يكون في فعله و امره الامر المتفرق وحدانيا جمعيا لان الاشياء لها اعتباران من جهة آبائها مجتمعة اجتماعا وحدانيا جمعيا و من جهة امهاتها متفرقة متكثرة ولكنه تعالي احاط بها بفعله و امره في الحالين اما من جهة الاباء يعني موادها فواحدة و من الامهات يعني صورها متكثرة كما مثلنا بانه لو حضر عندك باب و سرير و كرسي و سفينة فمادتها كلها الخشب و هو واحد و من جهة صورتها متكثرة و المادة و الصورة كلاهما عن فعله و امره فمادتها اثر فعله و امره و صورها هيئات قبولها لتلك المواد عن فعله و امره فكلها متحدة و متعددة معلومة له تعالي بانفسها علي ما هي عليه في الحالين عن احاطة فعله و امره.
و قوله ام كيف يكون الامر الممتد اعني الزمان. الخ نعم يقع الممتد اعني الزمان و المكان و ما فيهما في غير الممتد اعني غير الممتد امتدادا زمانيا و لا امتدادا دهريا نعم تقع هي الممتد امتدادا سرمديا علي النحو المذكور و اما علي ما يقول فيما يعني فلا معني له كما سمعت.
قال: فنمثل له بمثال حسي يكسر سورة استبعاده فان مثل هذا المعترض لميتجاوز بعد درجة الحس و المحسوس فليأخذ امرا ممتدا كحبل او خشب مختلف الاجزاء في اللون ثم ليمرره في محاذات النملة او نحوها مما تضيق حدقته عن الاحاطة بجميع ذلك الامتداد فتكون تلك الالوان المختلفة متعاقبة في الحضور لديها تظهر لها شيئا فشيئا واحدا بعد واحد لضيق نظرها و متساوية في الحضور لديه يراها كلها دفعة واحدة لقوة احاطة نظره و سعة حدقته و فوق كل ذي علم عليم.
«* جوامع الکلم جلد 2 صفحه 104 *»
اقول: تمثيله هذا كثيرا ما يمثلون به العلماء في عدم احاطة الصغير المتناهي الصغر و ضيق البصر للكبير بالنسبة اليه الذي لايقدر الصغير علي الاحاطة به الا بالتنقل و التدريج مع طول الزمان و لو كان المدرك له اكبر منه و اوسع بصرا من امتداده فانه يحيط به دفعة بلا تنقل او تدريج او طول زمان بل يقع عليه بصره دفعة فاذا هو قد ادرك شيئا بسيطا و ذلك الصغير انما ادركه بالتنقل و التدريج في زمان طويل فالصغير كالنملة مثل للمخلوق الذي لايدرك الاشياء الا بالتدريج كذلك و مجموع الخلق في ازمنته المتطاولة كالشيء ذي الالوان الذي لايحيط به المخلوق دفعة و الكبير الواسع البصر الذي يحيط بصره بذلك الكبير ذي الالوان دفعة من غير تنقل و لا تدريج و لا طول زمان و لايكون ادراكه اولها قبل ادراكه آخرها مثل للحق و لله المثل الاعلي و هذا مثل يتداولونه و هو ليس بتام لانه يكون مثلا لفعله و امره تعالي الله عن ذلك علوا كبيرا فلاتضربوا لله الامثال و قد قدمت لك المراد مكررا مرددا و قوله و فوق كل ذي علم عليم يشير الي ما مثلنا به من الكبير الذي يحيط بذي الالوان دفعة انما قدرته علي الاحاطة مستفادة من القادر لذاته.
قال: فهو سبحانه ادرك الاشياء جميعا في الازل ادراكا تاما و احاط بها احاطة كاملة فهو عالم فيه بان اي حادث يوجد في اي زمان من الازمنة و كم يكون بينه و بين الحادث الذي بعده او قبله من المدة و لايحكم بالعدم علي شيء من ذلك.
اقول: قوله ادرك الاشياء جميعا في الازل ان اراد بقوله في الازل انه ظرف لادرك الاشياء لزم ان تكون الاشياء في الازل فلايصح حينئذ عالم و لا معلوم لان ادرك معني فعلي بخلاف قولك انه مدرك فانه معني ذاتي يتحقق بغير مدرك بفتح الراء فللعلم معني ذاتي هو الله تعالي و معني حادث هو قولك علم بها فان النسبة تقتضي اجتماع الطرفين في مكان واحد من الامكان و القدم فلما امتنع اجتماعهما في القدم تحقق في الامكان فاذا اردت العبارة عن ذلك فقل عالم في الازل بها في الحدث بما هي عليه من القيود اما اذا قلت هو عالم بها
«* جوامع الکلم جلد 2 صفحه 105 *»
في الازل لزم ان تكون هي بما هي عليه من القيود في الازل بخلاف ما اذا قلت عالم في الازل بها في الحدث فان المعني انه تعالي عالم في الازل و لا معلوم فلما احدثها لا من شيء كان بها عالما بها.
و ليس قولي فلما احدثها اثباتا لمعني الزمان بل العبارة ضيقة و انما المراد انها ليست شيئا في الازل لتكون معلومة لان الازل هو الذات فلاتكون هناك مذكورة في ذاته الا باحد وجهين اما ان تكون هي بذواتها المكونة او بحقايقها الغيرالمكونة كما يزعم بحيث يعلم تعالي ان فيه غيره باي حال فرض او بصورها العلمية في ذاته التي هو الازل وكل شيء من هذه مبنية علي غير قواعد التوحيد فافهم.
و باقي كلامه من كونه تعالي عالما بكل شيء من احوالها لاشك فيه و لا منازعة و انما الكلام في محل هذا العلم هل هو في ذاته او خارج ذاته.
و قوله و لايحكم بالعدم علي شيء من ذلك فيه انه ان اراد ان لايحكم بالعدم علي شيء من ذلك في ذاته فهو باطل لان الحق هو الحكم عليها بالعدم في ذاته فليست مذكورة فيها لا بوجود و لا بسبب و لا حقيقة و لا صفة و ان اراد به في اماكنها و اوقاتها فلا اشكال فيه.
قال: بل يدل ما يحكم بان الماضي ليس موجودا في الحال يحكم هو بان كل موجود في زمان معين لايكون موجودا في غير ذلك الزمان من الازمنة التي تكون قبله او بعده و هو عالم بان كل شخص في اي جزء يوجد في المكان و اي نسبة تكون بينه و بين ما عداه مما يقع في جميع جهاته و كم الابعاد بينهما علي الوجه المطابق للحكم.
اقول: حكمه تعالي عليها بما هي عليه في كل رتبة بما منها و حكمنا عليها بما حكم لها بحكمها علي انفسها من انفسها و منا و باقي كلامه علي ظاهره عندنا بمعني علمه تعالي بها في كل رتبة بما منها فيها و ذلك الحكم منه تعالي بها كما قال اميرالمؤمنين7 كما مر: تجلي لها بها و بها امتنع منها و اليها حاكمها.
قال: و لايحكم علي شيء بانه موجود الان او معدوم او موجود هناك او معدوم او حاضر او غائب لانه سبحانه ليس بزماني و لا مكاني بل هو بكل شيء
«* جوامع الکلم جلد 2 صفحه 106 *»
محيط ازلا و ابدا يعلم مابين ايديهم و ما خلفهم و لايحيطون بشيء من علمه الا بما شاء الخ.
اقول: قوله و لايحكم علي شيء الخ كيف لايكون كل شيء عنده موجودا في ملكه و لميفقد من ملكه شيئا و كيف لايكون كل شيء سواه مفقودا معدوما في ذاته و رتبته و ليس شيء سواه.
و قوله لانه سبحانه ليس بزماني و لا مكاني الخ. يريد بهذا ان الاشياء في الازل ليست موجودة و لا معدومة و لا في زمان و لا في مكان الخ لانه ليس بزماني و لا مكاني و ليس بصحيح لان الاشياء في ملكه لا في ذاته فلا معني لكلامه و لا لتعليله.
و قوله بل هو بكل شيء محيط ازلا و ابدا فيه ان الابد و الازل ذاته و قد بينا مرارا انه ليس في ذاته شيء غيره انما هو هو لا غير ذلك نعم يجوز ان تقول هو في الازل و الابد محيط بها في الملك و قوله7لميكن خلوا من ملكه و قوله7اسألك باسمك العظيم و ملكك القديم معناهما انه تعالي لميفقد في الازل و الابد اعني في ذاته بذاته ملكه في الامكان.
و قوله يعلم ما بين ايديهم و ما خلفهم يعني كل شيء في مكانه و وقته و لايحيطون بشيء من علمه الامكاني الذي هو محل مشيته الا بما شاء من علمه الكوني كما تقدم مفصلا و ليس المراد من علمه في الاية الشريفة العلم الذاتي لانه هو ذاته و لايصح ان يقال و لايحيطون بشيء من ذاته الا بما شاء منها فانهم يحيطون به فيكون المحاط قبل المشية قديما و بعدها حادثا فيتغير و يتبعض و تختلف احواله تعالي و الاصل في الاستعمال الحقيقة فلايقال انه مجاز عما في ذاته من حقايق الممكنات مع ما يلزم من اشتمال ذاته علي غيره و لايقال يجوز ان يكون الاستثناء منقطعا لان الاصل فيه ان يكون متصلا مع ما فيه اي في كونه منقطعا.
قال: فصل: من عرف ما حققناه عرف معني ما ورد عن اهل البيت: في هذا الباب من الروايات كقول اميرالمؤمنين صلوات الله عليه و آله لميسبق له حال حالا فيكون اولا قبل ان يكون آخرا و يكون ظاهرا قبل ان يكون باطنا
«* جوامع الکلم جلد 2 صفحه 107 *»
اقول: من عرف ما حققناه عرف معني ما ورد عن اهل البيت: فان قول اميرالمؤمنين7 انما هو في ذكر احوال الذات لذاتها و هي بعينها نفس الذات و انما تكثرت اسماؤها لتكثر المتعلق فهو تعالي باعتبار سبقه لكل شيء اول و باعتبار بعديته بعد كل شيء هو آخر و باعتبار كون كل شيء اثر فعله فهو ظاهر لان المؤثر اشد ظهورا من الاثر و باعتبار عدم ادراك شيء له تعالي هو باطن و الذي استشهد له ليس علمه بذاته ليكون متحدا بذاته كما اشار اليه بل هو مغاير لذاته كما بينا غير مرة.
قال:و كقوله7احاط بالاشياء علما قبل كونها فلميزد بكونها علما علمه بها قبل ان يكونها كعلمه بها بعد تكوينها.
اقول: احاط في الازل بالاشياء علما في العلم الامكاني الراجح قبل كونها في العلم الكوني و (او خل) احاط بالعلم الامكاني الراجح بالاشياء فيه قبل كونها في العلم الكوني الذي هو الوجود المقيد المتساوي و العلمان هما في الامكان فلميزد في ذاته بكونها علما لان العلم الحاصل بوجودها لايلحق بذاته فلاتزيد ذاته علما بوجودها لان هذا العلم لميكن تعالي في الازل فاقدا له في ملكه في الامكان و لو كان مراده7 انه احاط بها في الازل لكانت حاصلة له في الازل.
فان قلت هي حاصلة له في الازل حصولا جمعيا وحدانيا غير متكثر و لا متغير كما قاله المصنف قبل و هذا مراده و بعد([53]) فاقول هذا الحصول الجمعي هو ذاته او غيره بمعني انه يعلم ان فيه غيره او لميعلم فان كان يعلم فهو محدث تعالي الله عن ذلك علوا كبيرا لانه حينئذ ليس بصمد بل فيه مدخل لغيره و ان كان لايعلم فلايكون علمه متعلقا بشيء غيره الا ان يقول انها عينه تعالي فهو بذاته عالم بذاته و هذا كالاول في الفساد خلافا لاهل الخلاف القائلين بانا عينه تعالي كما قال ابن عربي في الفصوص في شعره:
فلولاه و لولانا | لما كان الذي كانا | |
فانا اعبد حقا | و انا الله مولانا |
«* جوامع الکلم جلد 2 صفحه 108 *»
و انا عينه فاعلم | اذا ما قيل انسانا |
و ايضا اذا حصلت له حصولا جمعيا وحدانيا و هو علمه بها في الازل فهل يعلم في الازل بما نعلمها نحن به بان تكون حاصلة له حصولا فرقيا متكثرا متغيرا متبدلا كما يحصل لنا ام لا فان حصلت له حصولا فرقيا كذلك فنقول اولا لمخصصت حصولها بالحصول الجمعي و هي حاصلة له بالحصولين و ثانيا هل هذا الحصول الفرقي المتغير بمعزل عن ذاته في الازل ام في ذاته فان كان بمعزل اختلف و ان كان فيه تركب و ان لمتحصل له حصولا فرقيا كنا علمنا منها ما لميعلم منها و الله سبحانه اخبر في كتابه بانكاره علي من يظن ذلك فقال: الا يعلم من خلق و هو اللطيف الخبير.
و قوله7علمه بها قبل ان يكونها كعلمه بها بعد تكونها فان قيل انه7 اراد بهذا المعني الاول علي ما توهمه المصنف ففيه ما تقدم و ان كان علي ما نقوله فالمراد بعلمه بها قبل ان يكونها هو العلم الامكاني الراجح الوجود الذي ذكرناه فيما مضي من كلامنا و هو العلم المستثني منه في قوله تعالي و لايحيطون بشيء من علمه([54]) و قوله كعلمه بها بعد تكونها في العلم المستثني في الاية و هو العلم الكوني المتساوي و معني الكلام انه يعلمها في العلم الامكاني اي يعلمها بامكانها يعني انها ممكنة فعلمه بانها ممكنة في مشيته علي اي وجه شاء لا انها واجبة و لا ممتنعة و هكذا في امكانها قبل ان يكونها و بعد ان كونها و هي علي ما هي عليه قبل التكوين من امكانها و جريانها و انقيادها لارادته لمتختلف حالة امكانها و انقيادها لما يريد بعد تكوينها فهي علي حالتها الاولي قبل تكوينها فعلمه بها قبل كونها كعلمه بها بعد كونها.
و وجه آخر قال العلماء العارفون([55]) ان المشبه في القرآن و في كلام اهل العصمة: نفس المشبه به و هو كلام متين و قد اقمنا عليه البرهان في مباحثاتنا بحيث لايشك فيه من له قلب او القي السمع و هو شهيد و عليه يكون المعني ان علمه تعالي بها قبل كونها عين علمه بها بعد كونها فاذا قلنا ان المراد من علمه بها قبل كونها هو العلم الامكاني لا العلم الكوني لانه اي الكوني
«* جوامع الکلم جلد 2 صفحه 109 *»
لايوجد الا حال كونها كان المعني ان علمه بها قبل كونها هو علمه بها بعد كونها اي بعد فناء كونها لانها اذا فنيت اكوانها رجعت الي امكانها او نقول انها حين كونها لمتخرج عن امكانها بل هي علي ما هي قبل([56]) من الانقياد لامره و فعله فيكون المعني علمه بها قبل كونها نفس علمه بها بعد كونها اي بعد ان كونها يعني حين كونها مكونة و قول بعض ان المعلول الواجب الوجود عند حصول علته التامة فهي حين كونها واجبة و ان كان وجوبها بالغير كلام قشري لانها لاتخرج بذلك عن كونها ممكنة، انظر الي قوله تعالي: ألمتر الي ربك كيف مد الظل و لو شاء لجعله ساكنا اي ثابتا لايتغير و ان تغيرت علة وجوده لانه تعالي سبب من لا سبب له و سبب كل ذي سبب و مسبب الاسباب من غير سبب.
فان قلت هذا ينقض ما قررت بانه لايكون عنه شيء من ذاته بدون فعل قلت هذا يقرر قولي لان قوله7يا سبب من لا سبب له يعني انه يسبب الاسباب لمنيشاء من غير ان يكون الشيء مقتضيا للتسبيب([57]) فان الشيء قد يكون لذاته غير مقتض لانبعاث سببه بقابليته او لعدم قابليته فاذا شاء تعالي و له الحمد، سبّب له سببا فكان الشيء بذلك السبب مقتضيا بقابليته الحاصلة له من نفسه بعلة حصول السبب له و هو علي كل شيء قدير.
و اما ان المفعول يستحيل حصوله عن فاعله بغير فعل فمما لا شك فيه و من الامور الدالة علي ان العلة الملكية و الملكوتية و الجبروتية اذا كانت تامة فليست تامة الا بارادته لان الاشياء حين خلقها سبحانه لمتستقل في نفسها و افعالها بالوجود و البقاء الا بامره بل هي في نفس الامر و ما يصدر عنها من الافعال قائمة بفعل الله سبحانه و ارادته قيام صدور فهي ابدا طرية و مثالها كالصورة في المرآة فانها قائمة بمدد ظهور المقابل قيام صدور فمن ذلك نار النمرود حين القي فيها ابراهيم علي محمد و آله و7 لميمد احراقها لابراهيم7 خاصة و كان الطائر يمر عليها في الهواء فيحترق لما قال لها كوني بردا يعني لميأذن لها في احراق ابراهيم7 حتي انه لو لميقل و سلاما لاحرقه بردها و لو كان احراقها بغير الله تعالي اي بغير فعله لاحترق ابراهيم7 فكون الواجب الوجود لوجود علته لميخرج بذلك عما هو
«* جوامع الکلم جلد 2 صفحه 110 *»
عليه من الامكان مما لا ريب فيه فليس شيء يصح اطلاق الشيء بالذات عليه الا الله سبحانه و بالغير الا فعله و خلقه فالواجب تعالي واجب لذاته و الممكن ممكن به تعالي لا بذاته كما يتوهمه من لميوجده الله([58]) تعالي نفسه.
قال: و كقوله7علمه بالاموات الماضين كعلمه بالاحياء الباقين و علمه بما في السموات العلي كعلمه بما في الارضين السفلي.
اقول: هذا العلم هو العلم الحصولي و الحضوري فان كل شيء حاصل له و حاضر لديه كل فيما اقامه فيه من مكانه و وقته لانه لميكن في الازل خلوا من ملكه في الامكان اذ ليس عنده استقبال فهي في ملكه يعلمها بما هي عليه و ما هي عليه هو علمه بها و ما هي عليه حالتان الاولي كلها واحدة و هي كونها خلقه و وجوداتها خلقها من هيئة فعله و اخترعها لا من شيء فهي من هذه الجهة شيء واحد و قولي شيء واحد اريد به اشتراكها في الوجود اشتراكا لفظيا لان الوجود له طور غير ما يعرفونه و انا اشير اليه علي جهة الاختصار لينتفع به اولوا الابصار.
و ذلك ان الله سبحانه خلق بفعله الوجود و هو الماء الذي به حيوة كل شيء و هو نور محمد و اهل بيته الثلثة عشر صلي الله عليه و آله و سلم لميخلق منه شيئا غيرهم و لميبق منه شيء بعد وجودهم و كان تعالي قد ملأ به العمق الاكبر في المرتبة الثانية من الامكان و هو الوجود الكوني علي الحقيقة الاولي و خلق تعالي من فاضله يعني من شعاعه نورا و سماه وجودا كما سمي نور الشمس بالشمس و قسمه مائة و اربعة و عشرين الف قسم و ذلك بعد خلق الاول بالف دهر فجعل كل حصة منه روح نبي و رسول ثم خلق من فاضل هذا النور يعني من شعاعه نورا بعده بالف دهر فخلق منه انوار المؤمنين ثم خلق من شعاع انوار المؤمنين و ارواحهم ارواح الملائكة و الجان من مؤمنيهم ثم خلق من شعاعه([59]) ارواح الحيوانات و من فاضل الحيوانات النباتات و من فاضل النباتات المعادن و من فاضل المعادن الجمادات و خلق بين كل اثنين برزخا ذا جهتين و كما اشتق وجود الادني من وجود الاعلي اشتق من اسم الاعلي اسم الادني.
فاطلاق الوجود علي هذه الانوار بهذه الالفاظ
«* جوامع الکلم جلد 2 صفحه 111 *»
باوضاع متعددة كلما وجد واحد وضع له اسم الوجود فاوضاعها حقيقة بعد حقيقة و هكذا لا حقيقة و مجاز و لا ان كلها بوضع واحد فيكون اشتراكا معنويا لان الاول وجد و سمي بهذا الاسم و لميوجد الثاني و حين وجد لميكن من الاول ليستحق اسمه بالوضع الاول و لا انها في مشهد واحد و طينة واحدة ليوضع عليها من باب المشكك فافهم.
و الحاصل فالحالة الاولي هي كونها خلقه خلقها لا من شيء في كل رتبة فكلها واحدة فيعلمها تعالي هنا بما هي عليه من هذه الوحدة كما مثلنا سابقا بالسرير و الباب و الكرسي و السفينة و هي حالة الاجتماع و الاتحاد في المادة و الحالة الثانية ما هي عليه من حيث قوابلها و قيودها المشخصة لها من الكم و الكيف و المكان و الوقت و الجهة و الرتبة و الوضع و غير ذلك فهي متعددة متمايزة فيعلمها تعالي بتعددها و تمايزها فالاولي كالحروف في المداد و الثانية كالحروف المكتوبة في القرطاس فله بها علمان كل واحد منهما حصل بحصول رتبته([60]) و يعلمها بلاتقدم و تأخر و بتقدم و تأخر و كل في كتاب مبين.
قال: و كقول الباقر7كان الله و لا شيء غيره و لميزل عالما بما يكون فعلمه به قبل كونه كعلمه به بعد كونه.
اقول: بيان هذا يعلم مما قبله.
قال: و كقوله7 لا كان خلوا من الملك قبل انشائه و لايكون منه خلوا بعد ذهابه.
اقول: القبلية هنا و البعدية راجعة في الحقيقة اليها في نفسها (انفسها خل) فان ما سيكون بعد الف سنة لميكن عندنا لان زمانه الان لمنصل اليه و نحن سائرون الي الاخرة و لابد ان نصل اليه احياء او امواتا لانا في سفينة المكان و السفينة في نهر الزمان فهو يسير بنا و نحن قاعدون اما اشعرت ان امس الماضي كان هو يومنا و يومنا هذا و نحن في الامس هو غدنا فسار بنا نهر الزمان عن يومنا حتي كان امس الي غدنا حتي كان يومنا فالمستقبل عندنا لم يكن و كان عندالله في وقته لا في ذاته تعالي كما يتوهمه من لايفهم او لميوفق بفهمه قال تعالي: انهم
«* جوامع الکلم جلد 2 صفحه 112 *»
يرونه بعيدا و نراه قريبا فالمراد من قبل انشائه كالغد عندنا و بذهابه كامس عندنا لا ان المراد انه يذهب بالكلية اين يذهب لو جاز ان يخرج شيء عن ملكه لذهب ملكه قال تعالي: قد علمنا ما تنقص الارض منهم و عندنا كتاب حفيظ و المعني في كل الاحاديث كما سمعت مما كتبناه لك فخذ ما اتيتك بقوة و لاتقل:
و كل يدعي وصلا بليلي | و ليلي لاتقر لهم بذاكا |
لاني اقول كما قال في الجواب:
اذا انبجست دموع في خدود | تبين من بكي ممن تباكي |
قال: و كقول الصادق7لميزل الله عزوجل ربنا و العلم ذاته و لا معلوم و السمع ذاته و لا مسموع و البصر ذاته و لا مبصر و القدرة ذاته و لا مقدور فلما احدث الاشياء و كان المعلوم وقع العلم منه علي المعلوم و السمع علي المسموع و البصر علي المبصر و القدرة علي المقدور.
اقول: قد تقدم بعض الكلام علي معني هذا الحديث و العجب من الملا كيف اورد هذا الحديث الذي بظاهره ينفي ما قرره ولكنه انما اورده لشبهة عرضت له و هي قوله7و العلم ذاته فانه فهم منه ان العلم لا معني له الا ما كان المعلوم معه او هو المعلوم و لميتفطن الي قوله7و لا معلوم لانه فهم من معني و لا معلوم متعدد متكثر و اما المعلوم المتحد اتحادا جمعيا فلمينفه الامام7 و قد غفل عما نبهنا عليه سابقا مرارا انه ان كان يعلم في الازل المتحد و لميعلم المتعدد لم يكن عالما مطلقا في الازل فاما ان يعلمهما معا و لايوافقه قوله7و لا معلوم او لايعلمهما معا فلايكون عالما و لايوافقه قوله7و العلم ذاته فعلي ما ذهب اليه من طريقة المتصوفة من القول بوحدة الوجود تكون الاشياء كلها في الازل باعتبار كما قال شاعرهم:
كل شيء فيه معني كل شيء | فتفطن و اصرف الذهن الي | |
كثرة لاتتناهي عددا | قد طوتها وحدة الواحد طي |
و مراده هو مراد الشاعر و مثال مرادهم كالشجرة فانها باعتبار انها شجرة واحدة
«* جوامع الکلم جلد 2 صفحه 113 *»
لاتقبل القسمة فهي كالحق، تعالي عما يقولون علوا كبيرا و باعتبار الاصل و الاغصان و الورق و الثمر كثيرة فهي كالخلق ولكنك تقول هذه الشجرة الواحدة فتطوي هذه الوحدة تلك الكثرة طواهم الله في نار جهنم طيا.
و بالجملة فالحديث لايناسب له الاستشهاد به و لا ذكره فانه7 قال و العلم ذاته و لا معلوم ثم قال فلما احدث الاشياء و كان المعلوم وقع العلم منه علي المعلوم فلا ادري ما يقول هذا الواقع عليه حين وجد هو ذات الله ام فعله فان قال ذاته كفر و ان قال فعله بطل جميع ما ذكر و ان قال لميقع شيء رد قول الامام7 و هو رد لقول الله تعالي مع انا قدمنا ان العلم المرتبط بالمعلوم الواقع عليه لايحصل للعالم الا مع المعلوم كما نقلنا من التوحيد عن حماد بن عيسي قال سألت اباعبدالله7 فقلت لميزل الله يعلم قال اني يكون يعلم و لا معلوم قال قلت فلم يزل الله يسمع قال اني يكون ذلك و لا مسموع قال قلت فلم يزل يبصر قال اني يكون ذلك و لا مبصر ثم قال لميزل الله عليما سميعا بصيرا ذات علامة بصيرة انتهي و قد تقدم و هذا ظاهر لمن طلب العلم و الهدي.
قال: و كقول الكاظم7لميزل الله تعالي عالما بالاشياء قبل ان يخلق الاشياء كعلمه بالاشياء بعد ما خلق الاشياء.
اقول: يراد بهذا العلم المرتبط بالاشياء اما العلم الذاتي و التعلق في الحدوث بوقوع الفعلي علي المعلوم فكما قال الصادق7كان الله عزوجل ربنا و العلم ذاته و لا معلوم الي ان قال فلما احدث الاشياء و كان المعلوم وقع العلم منه علي المعلوم الخ لان الوقوع و التعلق لايكونان (يكونان خل) بغير شيء و هو اي الواقع علي المعلوم العلم الفعلي الذي في رواية حماد بن عيسي في قوله7اني يكون يعلم و لا معلوم و اما العلم الامكاني فكما ذكرنا قبل فراجع.
قال: و كقول الرضا7له معني الربوبية اذ لا مربوب و حقيقة الالوهية و لا مألوه و معني العالم و لا معلوم و معني الخالق و لا مخلوق و تأويل السمع و لا مسموع ليس منذ خلق استحق معني الخالق و لا باحداثه البرايا استفاد
«* جوامع الکلم جلد 2 صفحه 114 *»
معني البرائية كيف و لاتعينه مذ و لا تدنيه قد و لاتحجبه لعل و لا توقته متي و لايشمله حين و لايقارنه مع.
اقول: قوله7له معني الربوبية اذ لا مربوب يراد به ان الربوبية صفة الرب و هو صفة فعل فلايوصف بالربوبية لانها محدثة صفة المربي للشيء و المالك له فهي صفة اسماء الفاعلين و الذات البحت لاتوصف بذلك نعم توصف بمعناها و هي العلم و القدرة و الغني المطلق و حقيقة الالوهية هي معني الربوبية و معني العالم اذا اريد منه التعلق و الوقوع و المطابقة معني الربوبية و تأويل السمع و لا مسموع كالعالم و لا معلوم يعني اذا اريد به ذلك لان السمع و العلم اذا لميرد بهما السمع و العلم الفعليين هما هين الذات بلاتأويل كما مثلنا سابقا و كذا القدرة.
و اما الخالق فاسم فاعل و هو صفة فعل كذلك لايصح ان يوصف به الواجب تعالي نعم يوصف بمعناه و هو معني الربوبية و الالهية و المراد من كون العلم و القدرة و الغني المطلق معني صفات الافعال ان الفعل ينشأ عن العالم به و القادر عليه و ذكر الغني المطلق لبيان ان معني الربوبية و الالهية و الخالقية و ما اشبهها انما توصف بها الذات البحت اذا كان معناها الذي هو العلم و القدرة يراد منه ما هو الغني المطلق اذ قد يكون لنا معني الخالق مثلا و هو علمنا و قدرتنا المفتقران الي الغير و هذا المعني لايوصف به تعالي و انما يوصف به معني (يوصف بمعني خل) ذلك الذي هو الغني المطلق يعني انه تعالي يوصف بعلم هو نور لا ظلمة فيه و قدرة هو نور لا ظلمة فيه.
و قوله7ليس منذ خلق استحق معني الخالق يريد به انه تعالي استحق معني الخالق قبل ان يخلق الخلق لان معني الخالق هو ذاته و خلق انما حصل له معني المخلوق و ان تقدم عليه ذاتا و معني كون العلم و القدرة المطلقين معني الخالق و معني ساير صفات الخلق انهما منشأ خلق و انشأ و ما اشبههما من صفات الافعال كما قال الصادق7علي ما في الكافي عن عاصم بن حميد في الصحيح عن ابيعبدالله (ع) قال قلت لميزل الله تعالي مريدا قال ان المريد لايكون الا المراد معه لميزل الله عالما قادرا ثم اراد انتهي فبين7 ان معني الارادة العلم و القدرة لانهما منشأ الارادة لان المريد
«* جوامع الکلم جلد 2 صفحه 115 *»
لاتكون عنه الارادة اذا كان عالما بالمراد قادرا عليه و كذلك معني البرائية التي هي صفة موجد اعيان الاشياء كما ان الخالقية صفة موجد اكوان الاشياء فان برء انما اتصف به اتصافا فعليا لميحصل له الا مع احداث اعيان الاشياء.
و قوله كيف و لا تعينه مذ اي لايجوز ان يتصف بالخالق الذي لايتعين الا بالابتداء و لهذا يجوز ان يقال خلقه مذ اول الدهر فلايجوز عليه التوقيت فاذا ثبت انه خلق دل علي اتصافه لذاته بالعلم و القدرة اللذين عنهما صدر خلق و لاتدنيه قد لانها لتحقيق ما لميكن متحققا قبل ذلك و لاتحجبه لعل لان لعل للترجي الذي هو توقع الاستكمال لمن لميمكن له قبل ان يحصل له و لا توقته متي لان متي انما هي للسؤال عن الوقت و الموقت لذاته متوقف في وجوده و كماله علي ذلك الوقت و لايشمله حين لان حين وقت من الدهر فاذا جاز ان يشمله دل علي كونه محاطا بالدهر لان الدهر قبله و بعده فيكون وجوده مقيدا بذلك و لا تقارنه مع لان المقارن مع شيء يساويه ذلك الشيء فيما قارنه فيه و ليس كاملا مطلقا بل بالاضافة الي غير ذلك الشيء فهو ناقص في حال و هو كونه اكمل من غيره لانه اذا فرض له جواز ان يكون اكمل ممن سواه و حصل معه في ذلك غيره نقص عما جاز له من التفرد بالكمال.
و لما كانت هذه الصفات التي هي الربوبية و الالهية و العالمية المقترنة و الخالقية و السميعية و ما اشبه ذلك من الصفات المقتضية للاقتران و المعية و المطابقة و اللزوم لايجوز الا علي من تعينه الصفة الابتدائية و تقرب منه الهيئة و يحجبه الطلب و يصحبه الوقت و يحيط به الدهر و يقترن به الغير و كان تعالي مبرأ من هذه الصفات و منزها عن هذه الحالات و كان قد صدر عنه مقتضياتها و لوازمها دل ذلك علي انه كان متصفا بمعانيها التي نشأت هذه المبادي عنها لذاته و لما كان التغاير و الاختلاف موجبا للحدوث و الفقر و التركيب دل علي ان تلك الصفات التي هي تلك المعاني ليست شيئا غير ذاته و الا لزم الحدث كما دل عليه اول هذا الحديث في قوله7لشهادة كل صفة انها غير الموصوف و شهادة الصفة و الموصوف بالاقتران و شهادة الاقتران بالحدث الممتنع من الازل الممتنع من الحدث.
و لما كانت تلك
«* جوامع الکلم جلد 2 صفحه 116 *»
الصفات المقتضية للاقتران صادرة عنه تعالي دل علي انها صفات افعال له لانه تعالي كان و لا شيء معه و موجب التفرد له تعالي هو ذاته فيجب ان يكون ازلا و ابدا كذلك فكانت المقترنة صفات افعاله فابان7 في هذا الحديث الشريف ما هو الواقع و لاينبئك مثل خبير فلو تفطن الملا في هذا الحديث ما اورده لما تضمن و صرح بنقض جميع ما ابرم و السلام علي من اتبع الهدي.
قال: هذا ما اردنا ايراده في هذا المختصر و هو لباب الكلام في هذا المقام للمتوسطين من ذوي الافهام و من اراد الزيادة عليه و اعلي منه فليطلبه من كتابنا الموسوم بعين اليقين فان فيه اسرارا لايحتملها الاكثرون و لايمسها الا المطهرون و الحمد لله رب العالمين و الصلوة علي محمد و آله الطاهرين.
اقول: قوله و هو لباب الكلام في هذا المقام يعني لباب كلام الصوفية في الكلام علي علم الله تعالي الذي هو ذاته فانهم كيفوا علمه و وصفوه و اما ائمتنا: فانهم نهوا عن الكلام في ذات الله تعالي ففي التوحيد بسنده عن ابيبصير قال قال ابوجعفر7تكلموا في خلق الله و لا تكلموا في الله فان الكلام في الله لايزيد الا تحيرا و فيه بسنده الي محمد بن مسلم عن ابيجعفر7 قال تكلموا فيما دون العرش و لاتكلموا فيما فوق العرش فان قوما تكلموا في الله عزوجل فتاهوا حتي كان الرجل ينادي من بين يديه فيجيب من خلفه و ينادي من خلفه فيجيب من بين يديه و فيه عن عبدالرحيم القصير قال سألت اباجعفر7 عن شيء من التوحيد فرفع يديه الي السماء و قال تعالي الجبار ان من تعاطي ما ثم هلك و فيه عن فضيل بن عثمان عن ابيعبدالله7 قال دخل عليه قوم من هؤلاء الذين يتكلمون في الربوبية فقال اتقوا الله و عظموا الله و لاتقولوا ما لانقول فانكم ان قلتم و قلنا متم و متنا ثم بعثكم الله و بعثنا فكنتم حيث شاء الله و كنا انتهي.
و الاحاديث عنهم: لاتكاد تحصي في ذلك و الكلام في علم الله الذي هو ذاته فهو كلام في الله فمن علم بذلك و تكلم في علمه الذي هو ذاته فانه لميأتم بهم: بل جانبهم و اتبع اعدائهم الصوفية كما نطقت به احاديثهم.
و قوله فليطلبه من كتابنا الموسوم
«* جوامع الکلم جلد 2 صفحه 117 *»
بعين اليقين الخ اقول هذا الكتاب و غيره من سائر كتبه كلها مثل ما في هذه الرسالة يسقي بماء واحد ليس فيها كلها شيء بل حرف واحد من مذهب اهل البيت: بل كلها من كلام القوم الا بعض الاحاديث ينقلها و يصرف معناها الي مراد القوم ولكن يكفيك ما قال اميرالمؤمنين صلوات الله عليه ذهب من ذهب الي غيرنا الي عيون كدرة يفرغ بعضها في بعض و ذهب من ذهب الينا الي عيون صافية تجري بامر الله لا غاية لها و لا نهاية. انتهي.
و انا اوصيك فيّ الا تظن بي ان بيني و بينه شيئا دعاني الي الرد عليه لا ولكني اذا اردت بيان كلامه ابينه بما يذهب اليه و ان كنت اعتقد فساده او ابينه بما اعتقد فان قلت بل بما تعتقد فهكذا والله فعلت لا غير. و ما توفيقي الا بالله عليه توكلت و اليه انيب و لا حول و لا قوة الا بالله العلي العظيم و صلي الله علي محمد و آله الطاهرين.
وقع الفراغ من هذه الكلمات ضحي يوم الجمعة الخامس من شهر ربيع الثاني سنة الثلثين و المأتين و الالف من الهجرة النبوية علي مهاجرها افضل الصلوة و ازكي السلام بيد مؤلفها العبد المسكين احمد بن زين الدين الاحسائي المطيرفي في البلد المحروسة كرمانشاهان حامدا مصليا مستغفرا تائبا.
[1]و كل (خل)
[2]في خدود (خل)
([3]) و في الحديث ان الله خلو من خلقه و خلقه خلو منه بكسر الخاء و تسكين اللام و المراد المباينة الذاتية و الصفاتية بين الخالق و المخلوق فكل منهما خلو من شبه الاخر. مجمع.
([10]) يمكن ان يكون نقلا بالمعني او سهوا من النساخ ففي المصحف الشريف: أتنبئون الله بما لايعلم فيالسموات و لا في الارض.
([12]) يلزمك ان تقول. خل ـ لاتقدر علي ان لاتراه.ظ
([27]) ما هم عليه و ذلك ما هو عليه. خل
([33]) في الازل علي ما هي عليه. خل
([38]) اصلها و حينئذ كانت موجودة في الخارج. خل
([39]) الحديث و قد تقدم الحديث. خل
([40]) و ان اراد به الخلق. خل
([42]) الا ان نريد انه ليس موجودا في رتبة من هو قبله فانه بهذا الاعتبار. خل
([45]) فقيل له هذا لا مانع منه. خل
([53]) قبل و بعد و هذا مراده عليه السلام. خل
([55]) العارفون من العلماء. خل