شرح الفوائد – الجزء الثانی
فی جواب الآخوند الملا مشهدبن حسین علی
من مصنفات الشیخ الاجل الاوحد المرحوم
الشیخ احمدبن زین الدین الاحسائی اعلی الله مقامه
قلت : الفائدة السابعة اعلم انه لما نزل الماۤء الاول المسمّي بالوجود المقيد علي ارض الجرز تكوّن منه الشئ في ستة ايام الكم و الكيف و الوقت و المكان و الجهة و الرتبة ليس شئ منها في الظهور قبل الاخر و انما هذه مع الماۤدة التي هي حصة الوجود و مع الصورة التي هي حصّة الماهيّة هي الشئ ظهر الجميع دفعة لان كل واحد من هذه الثمانية شرط لكلها في الظهور و الشئ الموجود مركب من الوجود و الماهية و الستة قيود مقوّمات لها .
اقول لمّا اشرنا الي تكوين الخلق الأوّل المعبّر عنه بالهيولي و بالمادة النوعية اشرنا في هذه الفاۤئدة السابعة الي تكوين الخلق الثاني الذي تلبس فيه
«* جوامع الکلم جلد 1 صفحه 450 *»
الأفراد و الحصص الصور الشخصية و هي رتبة القدر من الأفعال الالهية و فيه التكليف الأوّل و عالم الذر و السعادة و الشقاوة و الاجابة و عدمها فقلتُ ان كل شئ انما يتكوّن في ستة ايام و ذلك من قوله تعالي سنريهم آياتنا في الآفاق و في انفسهم حتي يتبين لهم انه الحق و قول الصادق عليه السلام العبودية جوهرة كنهها الربوبية فما فقد في العبودية وجد في الربوبية و ما خفي في الربوبية اصيب في العبودية ه ، و قول الرضا عليه السلام قد علم اولوا الألباب ان ما هنالك لايعلم الا بما هيٰهنا ه ، فلما نظرنا الي الآفاق و الي انفسنا و الي العبودية التي هي كناية عن الآثار و الأعراض و الأظلة و الي الربوبية التي هي كناية عن المؤثرات و المعروضات و ذوي الأظلة و الي ما هيٰهنا وجدنا قول الله سبحانه خلق السموات و الأرض في ستّة ايام يعني في ستّ رتب العقل و النفس و الطبيعة و المادة و المثال و الجسم و قيل الفصول الأربعة و المادة و الصورة و وجدنا الانسان كذلك خلق في ستة ايام اي في ستّ رتب النطفة و العلقة و المضغة و العظام و يكسي لحما و ينشئ خلقا آخر بان تنفخ فيه روح الحيوة فعلمنا حيث كان الصانع عز و جل واحداً و الصنع واحداً ، ما خلقكم و لا بعثكم الا كنفس واحدة و قال ماتري في خلق الرحمن من تفاوت و الحكمة في الكل واحدة علمنا ان ما هنالك كما هيٰهنا كما ذكر الرضا عليه السلام فلذا قلنا فلما وقع الماۤء الذي نحن بصدد ذكره علي ارض الجرز اي ارض القابليات تكوّن منه الشئ اي من الماۤء و من الأرض اذ الصورة منها في ستة ايام يعني في ستّ رتب اليوم الأول يوم الكمّ و اريد به القدر الجوهري اي قدر المادة قلةً و كثرةً لا الكمّ الاصطلاحي فانه من الأعراض و ان كان هو جسم نوراني لكن اهل البيت عليهم السلام يسمّونه ظل النور و انه عندهم بدن نوراني لا روح له اي لا مادة فيه و اليوم الثاني الكيف بجميع انواعه و اليوم الثالث الوقت في كل شئ بحسبه فالأجسام وقتها الزمان و لطيفه للطيف الأجسام كمحدّد الجهات و متوسطه لمتوسطها كالأفلاك السبعة و كثيفه لكثيفها كالأرض و العقل و الروح و النفس و الطبيعة و جوهر الهباۤء اعني المادة قبل تعلّق الصورة بها وقتها الدهر لطيفه للعقول اعني
«* جوامع الکلم جلد 1 صفحه 451 *»
الجبروت و متوسطه للنفس و كثيفه لجوهر الهباۤء و المشية و الارادة و القدر و القضاۤء و باقي الأفعال وقتها السرمد لطيفه للطيفه كالمشية و متوسطه لمتوسطه كالقدر و كثيفه لكثيفه كالقضاۤء و الامضاۤء و اليوم الرابع المكان و هو ظرف للحالّ فيه و يكون من نوعه فكان السرمديات سرمدي و الدهريات دهري و الزمانيات زماني و اليوم الخامس الجهة و هي وجه الشئ الي اصله و الي توجهه اليه و هي جهة الاستمداد من مبدئه و اليوم السادس الرتبة و هي مكان الأثر من مؤثره في القرب و البعد و هذه الستة المسمّاة بالأيام هي اطوار المحدث كما قال تعالي و قد خلقكم اطوارا و ذلك جارٍ في كل مخلوق و هي متممات للقابلية و الصورة و لهذه الستة لواحق و توابع و متممات لها و مكملات و هي كثيرة و اصل اللواحق الوضع بانواعه الثلاثة الّا انّ النوع الأول و هو الكون في محل يدخل في المكان و اما الآخران و هما نظم اجزاۤء الشئ المصنوع و ترتيبها بالنسبة الي بعضها من بعض و الثاني نظمها و ترتيبها كذلك بالنسبة الي الأمور الخارجة عنه و الاذن اذ لايخرج المصنوع من كتم العدم الامكاني الي الوجود الكوني الّا باذن من الله و ان تمّت له جميع اسبابه بقي محبوساً علي باب فوّارة القضاۤء الالهي حتي يؤذن له بالخروج و الأجل بمعني انه يبقي محبوساً علي الوقت المؤجل له و هو وقت الخروج من الامكان الي الكون و مدة بقائه في الوجود الكوني و وقت خروجه عن الكوني الي الوجود الامكاني و الكتاب بمعني انه منذ نزل من الخزانة الأولي الي ان وصل الي عالم الكون و الظهور كل مقام مر عليه انتقشت فيه صورته من نوع ذلك المقام و رتبته و هذه الكتب هي خزائنه التي اشار تعالي اليها بقوله و ان من شئ الا عندنا خزائنه و ماننزّله الا بقدر معلوم و منها النسب الخارجية و الاضافات و وجودات المقارنات و غير ذلك و هذه الأمور المتممات و اللواحق مع المادة و الصورة كل واحد منها وجوده شرط لوجود كلها فتلزمها المساوقة في الظهور بحيث لايتقدم شئ منها علي الباقين و لايتأخر و الشئ بقول مطلق مركب من الوجود و الماهية الّا انّ الماهية التي هي القابلية صورة ذلك الشئ و هذه
«* جوامع الکلم جلد 1 صفحه 452 *»
الصورة مركبة من حدود هندسية و تلك الحدود هي هذه الستة المذكورة و لواحقها المشار اليها و هذا ظاهر لمن كان له قلب او القي السمع و هو شهيد .
قلت و انما ذكرنا الستة خاصة لانّ غيرها كالاوضاع و الاذن في الظهور و اجل الفناۤء و الكتب الحافظة لهذه المذكورة من حيث هي حافظة و من حيث هي محفوظة و كالامضاۤء الذي هو شرح العلل و الاسباب و غير ذلك كلها راجعة الي السّتة .
اقول و انما ذكرنا الستّة خاصة لأن غيرها يرجع اليها و لو باعتبار و لأجل ان بعضها لما كان قد لايدخل ظاهراً فيها اي في المقوّمات نبّهنا علي بعض الذكر ليتوجه الأفهام الي دخولها من غير ان نطيل الكلام بذكر الدخول اذ ربما استلزم ( يستلزم خل ) التطويل او ذكر ما يتوقف في بيانه علي التطويل و نريد من الأوضاع ما هو اعمّ من الوضع الاصطلاحي المعروف من النسب و الاضافات و الاذن لها في الظهور كما اشرنا اليه سابقا لأنّ الشئ اذا شاۤء الله كونه و اراد عينه و قدّر حدوده و قضي تركيبه بقي علي باب الوجود المقيد واقفاً حتي يؤذن له في الخروج من الامكان الي الكون و كذا كل جزء من اطواره فلايخرج من كونه الي عينه الا باذن و من عينه الي قدره و من قدره الي قضاۤئه و من قضاۤئه الي امضاۤئه الّا باذن و اما الأجل فكما مرّ يعني ان الشئ له في كل طور من اطواره مدة من وقته من سرمد او دهر او زمان اذا قطعها خرج منها الي ما دونها في ادباره و الي ما فوقها في اقباله اذا جاۤء اجلهم فلايستأخرون ساعة و لايستقدمون و قولي و اجل الفناۤء ، شامل لكل مرتبة بمعني انه اذا فني اجل بقاۤئه في طور اذن له في الخروج منه الي ما بعده صعوداً و نزولاً و الكتب الحافظة للشئ في جميع اطواره عبارة عن نقش ذلك الطور في اظهار لوح رتبته و ذلك النقش كتاب حافظ لما بعده محفوظ لما قبله و لذا قلنا من حيث هي حافظة و من حيث هي محفوظة و الامضاۤء اظهار ما قضاه ( ما قضي خل ) مبيّناً مشروح العلل و الأسباب ليستدل به علي رب الأرباب و غير ذلك كالكتب المشار اليها سابقا و كالأوضاع و النسب و كلها راجعة الي الستّة المذكورة بنحو
«* جوامع الکلم جلد 1 صفحه 453 *»
ما قلنا .
قلت فلهذا اقتصرنا علي ذكرها في ذكر البدء لانّ الاوضاع لازمة للمكان و الجهة و الرّتبة و الاذن و الاجل لازمان للوقت و الكتب لازمة للستة و الامضاۤء لازم لما سبق و متفرع عليه لان حصول هذه الستة للماهية و الوجود و لوازمها المشار اليها يلزم منه الامضاۤء في الحكمة و يتفرع عليها و الباقي ان شاۤء اللّه تعالي نذكره فيما بعد .
اقول الوضع لازم للمكان كالوضع في الجوهر الفرد لأنه بسيط فلايكون فيه ترتيب بين اجزاۤئه فالوضع فيه انما هو المكان و يدخل قسماه الأخيران و هما الترتيب بين اجزاۤء الشئ بعضها الي بعض و بين اجزائه و غيرها من الخارجة عنه كالقيام انما يتحقق اذا استقامت فقرات ظهره و كان رأسه مما يلي السماۤء و رجلاه مما يلي الأرض و لهذا لو استقامت فقرات ظهره و هو ناۤئم فانه ليس بقاۤئم اذ رأسه ليس الي السماۤء و رجلاه ليس الي الأرض في المكان و الجهة فكان الوضع مستلزماً للمكان و الجهة و كذلك الرتبة و يلزم الأذن و الأجل للوقت اما الاذن فانه يقع في انتهاۤء الوقت الأوّل و ابتداۤء الثاني و اما الأجل فقد اشير الي لزومه له في الجملة سابقا و الكتب لازمة للستّة لأن كل شئ فهو كلمة مكتوبة في محله و وقته بما هو هو و في غيب محله و وقته بمثاله بما هو مثال و كلها من حروف اللوح المحفوظ و كلماته فالستّة كتب في نفسها اذ الكتاب حقيقة هو النقش لا القرطاس كما قال تعالي و لو نزّلنا عليك كتاباً في قرطاس و قال تعالي و كتاب مسطور في رقّ منشور و اما الامضاۤء فلازم لما سبق من الكون و العين و القدر و القضاۤء اذ ما لميمض لميكن فلايتحقق شئ الا بالامضاۤء و لأنّ كل شئ لايخرج الي الوجود الكوني الا و هو علة لشئ و معلول لشئ و دليل علي شئ و مدلول عليه لشئ و ظل لمؤثره و ذوالظل لأثره فيكون في نفسه شارحاً و مشروحا فيصدق عليه تعريف الامضاۤء في
«* جوامع الکلم جلد 1 صفحه 454 *»
حديث الكاظم عليه السلام و هذا معني قولي و يلزم منه الامضاۤء في الحكمة لأن ما لميمض لميكن فكونه دليل امضاۤئه و قولي يلزم منه الامضاۤء في الحكمة ، اشارة الي ان ما وجب بفعله لميكن واجباً عليه اذ كل ممكن لايكون عنده تعالي واجباً في حال و لميخرج عن امكانه ابدا نعم قد يجب في الحكمة كما اذا ترجح ايجاد الشئ في نفسه او لشئ من معيناته فانه تعالي اجري حكمته ان يوجده لطفاً لعبده و رحمةً له لأنه اذا ترجح ايجاده بنفسه او بشئ من معيناته فقد سَئَلَ الكريم الوهّاب بصدق قابليته فاتي الدعاۤء من بابه فوجب في الحكمة بجريان اللطف و الرحمة ان لايردّ سائله لوعده في صادق كلامه ادعوني استجب لكم فهذا معني لزوم الامضاۤء في الحكمة لأنّه فيما نحن فيه اذا قضي شيئا فقد تمت قوابل اكوانه اعني الكون و العين و القدر و القضاۤء فحين تمت الأكوان و قوابلها بامضاۤء كل منها استحقت اظهارها مبيّنة مشروحة العلل في الحكمة فلزم فيها الامضاۤء لأنه في آخر مراتب الشئ متفرّع عليها و الباقي من المتممات و المعيّنات ان شاۤء الله نذكره فيما بعد لأني كنت عزمت علي ذكر اشياۤء من الأسباب حين كتابة الفوائد ثم عدلت عن ذلك لأن في بعضها ما تنحطّ عن نيله الأفهام .
قلت ثم اعلم انه قد اختلف في الشئ اختلافا كثيراً و يرجع ذلك الي اربعة اقوال و لا عبرة بذكر غيرها الاول ان الشئ هو الوجود و الماهية عرض حال بالوجود الثاني ان الشئ هو الماهيّة و الوجود عرض علي الماهية الثالث ان الشئ هو الوجود و الماهيّة انما هي بتبعيّة الوجود الرابع ان الشئ هو الوجود و الماهية فهو مركّب منهما .
اقول اعلم ان الأقوال في ان الوجود و الماهية ما هما و ان الشئ هل هو احدهما و ايّ شئ هو ام هما معاً متكثرة جدا من اراد ان يعرف كلام اميرالمؤمنين عليه السلام العلم نقطة كثّرها الجاهلون او الجهّال علي اختلاف
«* جوامع الکلم جلد 1 صفحه 455 *»
الروايات فلينظر الي تلك الأقوال في كتبهم و النقطة التي في هذه المسئلة ما اخذ عن العلماۤء الذين لايجهلون و الذاكرين الذين لاينسون و المعصومين الذين لايخطؤن صلي الله عليهم اجمعين و الاشارة الي ذلك علي جهة الاختصار و الاقتصار ان الوجود هو الفاۤئض عن فعل الله سبحانه لا من شئ فيجب ان يكون جوهرا اذ لو لميكن جوهراً لكان عرضا للانحصار فيهما و لو كان عرضاً لاستلزم سبق معروضه و الوجود منه خلق جميع المخلوقات و قد قدّمنا ان مدخول لفظة مِنْ في نحو هذه العبارات التي تبين بها المقاصد هو المادة كما تقول صنعت الخاتم من الفضّة و البابَ من الخشب و قد صرّح بذلك الصادق عليه السلام في الحديث الذي سبق و لأنّ السابق من اجزاۤء الشئ يجب ان يكون اقوي ذاتياته و لايصحّ غير هذا فاذا تحقق انّ كل ممكن زوج تركيبي وجب ان يكون الممكن المخلوق مؤلفا و التأليف لايكون بلا مادة يؤلف منها فهي سابقة علي التأليف و التأليف هيئة تحدث للمؤلف فثبت ان كل ممكن مركب من مادة و صورة يحدثها الصانع في المادة و المادة هي اوّل ما يوجد بنفسها فهي الوجود عند من له وجدان و الماهية هيئة ذلك الوجود ثمّ الخلق قسمان خلق اول و هو خلق المادة كعمل المداد للكتابة و خلق ثانٍ و هو عمل الكتابة و هذا هو العلم بالوجود و معرفته و هو نقطة و اما ان الممكن زوج تركيبي فهو حق و لكن المطلوب معرفة ذلك و العلماۤء و الحكماۤء اختلفوا في الشئ الممكن ما هو هل هو الوجود و الماهية عرض حالّ بالوجود و هذا قول اهل التصوّف و اكثرهم علي ان الوجود هو الله و انه تعالي يتطور بالأطوار الخلقية و يلبس الصور و يخلعها من غير ان يتغير في نفسه قال شاعرهم :
و ما الناس في التمثال الّا كثلجة | و انت لها الماۤء الذي هو نابع | |
و لكن يذوب الثلج يرفع حكمه | و يوضع حكم الماۤء و الأمر واقع |
«* جوامع الکلم جلد 1 صفحه 456 *»
و قال بعضهم ان وجود الأشياۤء هو المشية و قد اشار الرضا عليه السلام الي ذلك في الردّ علي سليمان المروزي قال عليه السلام هذا قول ضرار و اصحابه فانهم يقولون ان المشية تأكل و تشرب و تنكح و تحيي و تموت ه ، نقلت بعض معناه و هذا القول بوجهيه باطل و قيل الشئ هو الماهية و الوجود عرض حالّ بالماهية و هذا قول المشّائين و المتكلمين و هذا ايضاً باطل لأن الماهية هي هوية الشئ و انيته و لايصحّ ان تكون سابقة علي الوجود لأنها اذا جعلت اصلاً و الوجود عارضاً عليها وجب ان تكون سابقة علي الوجود و لاتكون سابقة الا بوجود فيلزم التسلسل علي انّا اذا رجعنا الي الضرورة وجدنا الماهية في السرير لاتتحقق قبل مادته و لاتوجد مع وجود المادة بل توجد المادة و لميكن سريرا اذ لايتحقق السرير الّا بالصورة العارضة للماهية و هو علي العكس مما قالوا و الا لوجدت ماهيته التي بالصورة حدثت قبل وجود الخشب الذي هو المادة فيلزم ان توجد الصورة قبل الخشب و ان تكون الصورة هي المعروض و المادة عارضا و الضرورة قاضية بوجود الخشب قبل السرير و بانّ ماهية السرير انما توجد بالصورة العارضة و بان العارض مسبوق بالمعروض و بانّ اوّل صادر من فعل الله هو المعروض و بانّ الانية و الماهية مسبوقة بالشيئية و الشيئية مسبوقة بالمادة التي هي متعلق الصنع فبالصنع حدثت المادة و في المادة حدثت الصورة التي بها الشيئية التي تلزمها الماهية و الانيّة فظهر لمن نظر ان الوجود هو المادة و ان الماهية هي الصورة و انها تابعة للمادة و المادة سابقة عليها و لاتكون الصورة معروضة للمادة و توهمهم ان الوجود و الماهية زايدان علي المادة و الصورة توهم باطل لايكون جارياً عن حكمة و لا هدي و لا كتاب منير و كيف يقولون الانسان حيوان ناطق و يقولون هو حدّ حقيقي تامّ لأنه جامع لكل ذاتيات المحدود و يقولون حصة الحيوان هي المادة و حصة الناطق هي الصورة فاين الوجود و اَيْن الماهية فان كانا خارجين عن الذاتيات فالشئ ليس هو الوجود و لا الماهية و ان كانا هما المادة و الصورة فالماهية ليست هي الشئ و الوجود عارض عليها كما ان الصورة ليست هي الشئ و المادة عارضة عليها و القول
«* جوامع الکلم جلد 1 صفحه 457 *»
الثالث ان الشئ هو الوجود و الماهية انما هي بتبعية الوجود اي انما حدثت بتبعية الوجود و الّا فليست من الشئ بل ليست مجعولة و لا شمّت راۤئحة الوجود فالشئ انما هو الوجود وحده و هو قول لبعض الاشراقيين و هذا القول مثل الأولين في البطلان لأن الماهية اذا لمتكن شيئاً لميكن الممكن زوجاً تركيبيّا و ان كانت شيئاً و لكنها غير مجعولة فاسوء حالا لأنه يلزمهم ان يكون الممكن بسيطاً و ليس زوجاً تركيبيا و ان كانوا يقولون انه هو مركب و لكنه من حادث و قديم فهو القول الأوّل او مثله في الفساد لأن القديم ينافيه مطلق التركيب و مجامعة الحادث و ان قالوا انها لمتكن بجعل مختص بها بل هي مجعولة بجعل الوجود فهذا باطل لأن الجعل في نفسه ان كان بسيطاً ليس له في نفسه الا جهة واحدة و اعتبار واحد و حيثية واحدة فلايصدر عنه شيئان متضادّان فليست مجعولة اصلا فاِمّا ان تكون قديمة و اِما ان لايكون شيئا و كلا الأمرين باطل اذ القديم ( القدم نسخه . م . ص ) ينافي التركيب و عدم كونها مجعولة بمعني انها ليست شيئاً ينافي كون الممكن زوجاً تركيبيّا و ينافي كون الشئ شيئا اذ لا شيئية لمن لا ماهية له و الواجب تعالي ماهيته نفس وجوده لا انه لا ماهية له و اثباتها اعتباراً و ذهناً لايثبتها خارجا و اذا لميثبت خارجاً لميكن الشئ ذا ماهية و ايضاً الشئ يصدر عنه ميلان متضادّان و ذلك يدل علي كونه مركباً من ضدّين فان زيداً يفعل الطاعة و يفعل المعصية و يقولون ان الطاعة تنشأ من الوجود و المعصية من الماهية فاذا لمتكن الماهية شيئاً كيف تصدر عنها المعصية و المعصية شئ فكيف يصدر الشئ ( شئ خل ) من لاشئ و القول الرابع ان الشئ هو مركب من الوجود و الماهية لأنه ممكن و كل ممكن زوج تركيبي و قد نصّ القدماۤء من الحكماۤء الالهيين ان كل حادث فله اعتباران اعتبار من ربّه هو حقيقة ( حقيقته نسخه . م . ص ) من ربّه و
«* جوامع الکلم جلد 1 صفحه 458 *»
هو الوجود و اعتبار من نفسه و هو حقيقة ( حقيقته نسخه . م . ص ) من نفسه و هو الماهية و هذا مما لا ريب فيه لأنّه لو لميكن له جهة من ربّه لاستغني عنه سواۤء اريد بالجهة مادته و ايجاده ام احدهما و لو لميكن له جهة من نفسه لميكن هو ايّاه بل لميكن شيئاً اصلا اذ جهته من نفسه هي شيئيته و هويته و انيته و كل ما يرد علي الأقوال الثلاثة المتقدمة فهو دليل لهذا القول و هو الحق و الجامع لثبوت التركيب هو ان الشئ المخلوق لايتحقق الا بفعل و انفعال و الفعل من الفاعل و الانفعال من نفس المخلوق و ذلك مثل خَلَقَهُ فانخلق فالوجود الذي هو المادة مِن خَلَقَ و هو الذي من ربّه و الماهية التي هي الصورة مِن انخلق و هو الذي من نفسه و حيث لايتحقق الفعل الا بالانفعال كالكسر مع الانكسار لايتحقق الوجود الّا بالماهية فان فهمت الحق من هذه العبارات المكرّرة المرددة فانت من الواصلين اليه في المسئلة و الا فلاتفهم من غيرها .
قلت لان الوجود شرط كونه صدوراً و استمراراً الماهية و الماهية شرط تكوّنها انصداراً و استمراراً الوجود فما داما موجودين منضمين فالشئ موجود و لا شيئية للشئ مع فقد احدهما و لا للاخر و الوجود ماۤدة لنفسه و صورته لنفسه ارتباط الماهيةِ به و الماهيةُ ماۤدّة لنفسها و صورتها ربطُ الوجود بها قال الله تعالي هن لباس لكم و انتم لباسٌ لهنّ فهما الشئ فهو مركب منهما ابداً .
اقول بعد ان ذكرت ان الشئ هو الوجود و الماهية و انه مركب منهما ابدا اذ لايمكن تحقق احدهما بدون الآخر لأنّ كل شئ ممكن زوج تركيبي ذكرت بعض ما يتفرع علي ما ذكرنا و بعض اسباب ذلك و جواب اعتراض اورد علي قولنا انّ كل ممكن زوج تركيبي يعني انه مركب من مادة و صورة و هو انّه اذا قيل كل ممكن مركب من المادة و الصورة يعني الوجود و الماهية فالوجود
«* جوامع الکلم جلد 1 صفحه 459 *»
نفسه ممكن فهو اذاً مركب من المادة و الصورة ، و الماهية نفسها ممكنة فهي اذا ايضاً مركبة من المادة و الصورة بل و الصورة في المرآة ايضاً مركبة من المادة و الصورة و يلزم التسلسل و الجواب امّا عن الأوّل يعني ان احدهما لايتحقق بدون الآخر لا في اصل صدوره و لا في استمراره فلأنّا قد قرّرنا انه لايمكن تحقق الممكن المخلوق بدون الاعتبارين اي اعتبار من ربّه و اعتبار من نفسه و هذا اللحاظ جارٍ معتبر في صدور الشئ و استمراره لأنّه متقوّم بفعله قيام صدور في الصدور و في البقاۤء كما تري من تقوم النور بالمنير و الصورة في المرآة بالمقابلة و اما الجواب عن تقوّم احدهما بالآخر و انه لايمكن ان يكون المخلوق بسيطاً مطلقا فلأنّ المخلوق لما لزم ايجاده الفعل و الانفعال و هما متضادان لأنّ الفعل من الفاعل و الانفعال من المفعول او الفعل بالتكوين نازل من العالي الي السافل و الانفعال بالتكوّن صاعد من السفل الي العلو و الفعل جهة الفناۤء الذي هو البقاۤء و الانفعال جهة البقاۤء الذي هو الفناۤء و الفعل منشأ الفقر الذي هو الاستغناۤء و الانفعال منشأ الاستغناۤء الذي هو الفقر و الفعل مبدأ الموافقة و الطاعة و الانفعال مبدأ المخالفة و المعصية تعذّر قيام الشئ المحدث بدون ما لايتحقق الا به من نحو ما ذكرنا اذ البساطة تنافي اختلاف الجهتين اللتين لاينفكّ الحادث عنهما و لو شاۤء الله شيئاً كان ما شاء و لكنه بطور فوق طور ما تدركه العقول و الي عدم ايجاد بسيط و الي امكانه في مشية الله اشار الرضا عليه السلام بقوله ان الله لميخلق شيئاً فرداً قائماً بذاته دون غيره للذي اراد من الدلالة عليه ه ، و امّا ان كل واحد منهما مركب من المادة و الصورة حتي الصورة في المرآة مركّبة من المادة و الصورة فلأنّا قلنا انّ واحداً منهما لايقوم ( لايكون خل ) بدون الآخر فاذا اعتبرنا الوجود نفسه ليتحقق في التعبير عنه و في المفهوم و في الذهن كانت مادته نفسه و صورته انضمام الماهية اليه امّا في التعبير عنه فلأنّك تقول وجود فتظهر بافراده انيّته و هي الماهية فلأنها لازمة له لاينفكّ عنه ( فانها لازمة له لايمكن انفكاكها عنه نسخه . م . ص ) اذا اعتبر له
«* جوامع الکلم جلد 1 صفحه 460 *»
اعتبار من نفسه لأنّه هو الماهية كما مرّ و اذا اعتبرنا الماهية نفسها كذلك كانت مادتها نفسها و صورتها ربط الوجود بها بمعني انها اذا ذكرت في العبارة عنها و في مفهومها و في الذهن لزمها نوع وجود ما تلبسه و تظهر به في كل ما ذكرت به و ما ذكرت به هيئة لها فهو صورتها و اليه الاشارة في التأويل هنّ لباس لكم و انتم لباس لهنّ و هذا في تاويله و التمثيل به علي حدّ ما ذكرنا في امر الوجود و الماهية و الأصل في الأسباب و المسببات اذا ترامت صعوداً و نزولاً انتهت الي التضايف و التساوق في الظهور فينقطع الترامي المذكور لأنّه اذا فقد احدهما فقد الآخر و اذا وجد احدهما وجد الآخر هذا في الشئ التام المركب منهما فانه انما يكون الوجود مادة و الماهية صورة ما داما موجودين منضمين يلحظ احدهما مع الآخر في الشئ المركب منهما و اذا اعتبر احدهما كان مادته نفسه و لزوم الآخر له صورته كما قلنا و اذا جرّدا في الذهن عن الرابط ( الترابط نسخه . م . ص ) بينهما كأن يتصور الوجود وحده و الماهية وحدها كان كل واحد منهما مادة نفسه و صورته هيئة ( و هيئته خل ) ذهن المتصور و لونه و صقالته و مثل هذا و آيته الصورة في المرآة فانّ من عرف احدهما عرف الآخر و من جهله جهل الآخر فمادة الصورة في المرآة صورة المقابل المنفصلة اعني ظل صورته اللازمة له و صورتها هيئة المرآة في الاستقامة و الاعوجاج و لونها في البياض و السواد و صقالتها في الصفاۤء و الكدورة فلميكن شئ من الممكنات الا و هو مركب من المادة و الصورة فالمادة هي الوجود و الصورة هي الماهية فمن قال بغير هذا من المؤمنين فاسئل الله ان يصلح وجدانه و يعرّفه مذهب ساداته عليهم السلام .
قلت فالوجود جهة فقره الي الله تعالي و هو جهة استغناۤئه و الماهيّة جهة استغناۤئه و هو جهة فقره فافتقاره استغناۤء و وجود و استغناۤؤه فقر و عدم فنظره بالفؤاد حق و بالقلب حقيقة و نظره بالتراب باطل و بالنفس سرابٌ و ذلك لان
«* جوامع الکلم جلد 1 صفحه 461 *»
الوجود متقوّم بالوجود المتقوّم بالحقّ و الماهيّة متقوّمة بالوجود نفسه من دون الوجود المتقوّم بالحقّ وجدتُها و قومها يسجدون للشمس من دون اللّه .
اقول الوجود له معنيان: احدهما الوجود الجنسي و هو الذي تؤخذ منه حصّة و تضاف اليه من الصورة النوعية اعني الماهية حصة فيتكون منه و من حصة الصورة النوعية مادة نوعية كالمداد المركب من الزاج و العفص و نسمّي هذا الوجود الوجود الأوّل و هذه الماهية الماهية الأولي و المتكون منهما الخلق الأوّل و اذا اخذ من هذا المتكون حصة من هذا الخلق الأوّل الذي ربما نطلق عليه الوجود الثاني و حصة من الصورة الشخصية يكون منهما الشئ الشخصي او النوعي الاضافي او الجنسي الاضافي كل في مقامه و يسمّي هذا الوجود الذي اخذ منه حصة هي مادة للشخص بالوجود الثاني و الذي اخذ منه حصة الصورة بالماهية الثانية و المتكون منهما بالخلق الثاني و ثانيهما ان الشئ سواۤء كان شخصياً ام نوعياً ام جنسياً ان لوحظ انه نور الله و انه اثر صنع الله فهو وجود و لهذا يعرف به الله كما قال اميرالمؤمنين عليه السلام من عرف نفسه فقد عرف ربّه ، و ان لوحظ انه هو فهو ماهية و ظلمة لايجوز ان يعرف به الله سبحانه و الا لوقع التشبيه فالوجود حقيقة انه نور الله و اثر فعله لأنّه حقيقة الشئ من ربه سواۤء كان في الخلق الأوّل ام الخلق الثاني و هو معني قولنا فالوجود جهة فقره الي الله تعالي لأنّه كالنور ليس له هوية الّا ظهور المنير به و اذا اعتبرت افتقاره الي الله سبحانه بحيث لايجد نفسه كان هو جهة استغناۤئه يعني بالله لقوة قابليته لفعله تعالي حتي انه لميشهد له انية كنور السراج فانه نور بالسراج و ظلمة بنفسه و الماهية جهة استغناۤئه يعني عن ربه بمعني انه ينظر الي نفسه و هذا هو جهة فقره لعدم قبوله للمدد بنظره الي نفسه و هو الماهية فافتقاره الي الله سبحانه
«* جوامع الکلم جلد 1 صفحه 462 *»
استغناۤء و وجود و استغناۤؤه عن الله لنظره الي نفسه فقر و عدم قال صلي الله عليه و آله الفقر سواد الوجه في الدارين ، فنظره اي نظر المرء مثلا بالفؤاد حق لأنّ الفؤاد هو النور الذي ينظر به صاحب الفراسة من المؤمنين و اصحاب التوسّم من الطاهرين صلي الله عليهم اجمعين و هو الوجود الذي خلق منه و هو النفس اي الذات التي من عرفها عرف ربّه اعني حقيقته من ربّه و هو الوجود و هو الوصف الذي ليس كمثله شئ اي وصف الله سبحانه نفسه لخلقه ليعرفوه بها بمعني انه ليس كمثله شئ و لا شكّ انّ النظر بهذه العين حق عياني و وجوب عنواني لأنّ الحق نريد منه ما يعرف به الله سبحانه و يوصف به من العلم و القدرة و السمع و البصر التي هي ذاته و نظره بالقلب حقيقة لأنّه انما يدرك ما كان من نوع المعاني المجردة عن المادة العنصرية و المدّة الزمانية و الصورة الجوهرية و المثالية و نريد من الحقيقة ما دخل في الامكان من الحقايق و نظره بالتراب اي بالأجسام و الجسمانيات باطل بمعني انه لايوصل الي معرفة المعالم الالهية و انما يدرك نوعه كما لو ادرك بنظره و بسمعه و بلمسه و بذوقه و شمّه او بمعني ان نظره بالماهية باطل لأنّ الماهية التي هي الانفعال خلقت من اكثف الانيّات و اغلظها و هو التراب الذي هو اسفل الأجسام و العناصر و اشدّها ظلمة فيدرك بها الباطل لا غير و نظره بالنفس سراب يعني انّ النفس لاتدرك الا الصورة التي لاتعرف بها البسايط الحقيقية انما تحدّ الأدوات انفسها و تشير الآلات الي نظايرها فان كانت النفس هي الصدر فتنظر الي صور المعلومات الحقّة لأنّها تستمد من العقل اذ هي مركبة و هذه النفس ليست مرادة هنا و اما النفس المرادة هنا فهي الأمّارة بالسوء التي هي ضدّ العقل و هي وجه الماهية و وزيرها فلاتريد الا المعصية فاذا نظرت انما تنظر الي الباطل و لذا قلتُ ان نظر الانسان بالنفس سراب لأنّها تموّه الباطل في صورة الحق كما توهم ( يوهم نسخه . م . ص ) السراب
«* جوامع الکلم جلد 1 صفحه 463 *»
الماۤء علي الظمآن و انما قلنا ان نظر الانسان بالوجود حق الخ ، لأنّ الوجود الذي هو الفؤاد متقوم بالوجود الذي هو المشية المتقوم بالحق سبحانه اي متقوم بفعله و مشيته علي ظاهر الحال تقوّم صدور بفعله و علي الحقيقة فالمراد بالحق مجموع الفعل و ما تقوّم به اعني المقامات و العلامات التي لا تعطيل لها في كل مكان و الماهية انما قلنا بان نظر الشخص لها باطل لشدّة ظلمتها و بعدها عن النور الذي تدرك به الأشياۤء علي ما هي عليه لأنّها في تكوّنها متقومة بالوجود نفسه يعني حقيقته من نفسه و هي الانيّة السوداۤء المظلمة فهي تنتهي اليه من هذه الحيثية لا من حيث كونه نوراً او اثراً للفعل فيكون اصلها مجتثا و مثالها في نفسها و في تقوّمها بالوجود بانتهاۤئها اليه كمثل الظل من الجدار فانه في نفسه من كونه ليس من الشمس و لايعود اليها و من كونه في اصله من الجدار المظلم المكنيّ به عن نفس النور من حيث نفسه لا من حيث المنير فهو ينتهي الي الجدار و ان كان بالشمس و هو تأويل قوله تعالي وجدتها و قومها يسجدون للشمس من دون الله و قومها النفوس الأمّارة بالسوء فافهم .
قلت و هذا هو الهيولي للانسان و هو بمنزلة المداد المركب من صمغ و سواد و زاج و عفص و ملح و صبر و نبات و آس فكما ان المداد من حيث هو صالح للاسم الشريف و الاسم الوضيع و انما تميز بينهما الصورة الثانية اي الكتابة بهيئاتها و هي الماهيّة الثانية كذلك هذه الهيولي المركبة من الوجود و الماهيّة صالحة للمؤمن و الكافر و لاتتميّز الا بالصورة الثانية التي هي الخلق الثاني و هي الماهية الثانية .
اقول المراد بالمشار اليه بهذا هو المركب من الوجود و الماهية التي هي انفعاله عند اول تكوّنه و ذلك في الخلق الأوّل و هذا الوجود مادة الأشياۤء كما ان المداد المركب من الثمانية مادة للكلمات المكتوبة فهو بمنزلته في التأليف و في الايجاد منه لأن الوجود المذكور مركب من ثمانية اشياۤء وجود و ماهية و كمّ و كيف و وقت و مكان و جهة و رتبة كذلك المداد مركب من ثمانية اجزاۤء من صمغ ليربط بالقرطاس فلاينمحي و سواد ليكون له جرم لطيف يسهل حكّه لو
«* جوامع الکلم جلد 1 صفحه 464 *»
احتيج اليه و يلطف المداد مع زيادة تسويد و زاج ليحصل بحرقه للعفص (بحرقة العفص خل) سواد يزيد المداد ثباتا و عفص لتحرق ( لينحرق نسخه . م . ص ) منه فيحصل منه مع الزاج سواد قارّ و ملح ليقطع لزوجته فيعينه علي الجريان و صبِر بكسر الباۤء ليمنع الذباب بمرارته من الأكل و نبات ليكون برّاقا و آس ليكون شديد الجريان و الوجود تؤخذ منه حصة لخلق الأنواع من الكلي و لخلق الأفراد من النوعي فكما ان المداد من حيث هو صالح للاسم الشريف و الاسم الوضيع ما دام لميكتب به سواۤء كان في الدواة ام في القلم كذلك الوجود المذكور صالح لأن يكون مادة للانسان الشريف اذا ضم اليه طينة اجابته الحسني و للمنافق الوضيع اذا ضم اليه طينة عدم اجابته و انكاره السوءٰي و المراد بالطينة التي اشرنا اليها الطينة المذكورة في الأخبار و هي صورة اجابته و انكاره و منها داعي الخير اذا كانت مجيبة و داعي الشرّ اذا كانت منكرة و لهذا قلنا و انما تميز بينهما الصورة الثانية في الخلق الثاني مثل الكتابة التي بها تتميز الحصص المأخوذة من المداد بهيئتها ( بهيئاتها خل ) اللاحقة لها و كذلك الحصص المأخوذة من الوجود المشار اليه اعني الهيولي المركبة من الوجود و الماهية فان الحصص المأخوذة منها تتمايز بما يلحقها من الهيئات كما يتميز الكافر من المؤمن بالمشخصات التي هي الماهية الثانية فان الله سبحانه يقول كان الناس امة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين و منذرين الآية .
قلت فسألهم لعلمه بهم حين سألوه ان يسألهم فقال لهم الستُ بربّكم و محمد نبيكم و علي وليكم فقالوا باجمعهم بلي منهم مَن قالها مصدقا بلسانه و قلبه عن علم كما قال تعالي الا من شهد بالحق و هم يعلمون فخلقهم من صورة التصديق و المعرفة و هي الصورة الانسانية و هي هيكل التوحيد و هي من فلك البروج و هم المرسلون و الانبياۤء و الصديقون و الشهداۤء و الصالحون .
اقول فسألهم بايجادهم لعلمه الامكاني قبل سؤالهم باحتياجهم بقوابلهم
«* جوامع الکلم جلد 1 صفحه 465 *»
حين السؤال اي حين سئلوا بقوابلهم ان يوجدهم و هو قولي ان يسئلهم فقال الست بربكم لايجاد جسده و محمد (ص) نبيكم نفسه و علي وليكم لايجاد عقله فقالوا باجمعهم يعني الخلق بلٰي منهم من قالها مصدّقا بلسانه و قلبه فحين صدّق بلسانه خلق جسده و حين صدّق بخياله و نفسه خلقت نفسه و حين صدّق بعقله و قلبه خلق قلبه اذ الشئ انما يخلق بقبوله حين يخلق لا قبله و لا بعده ثمّ دعاهم كما دعاهم اولاً فقال الستُ بربكم فشهدوا ان لااله الا هو و محمد نبيكم فشهدوا انّ محمداً صلي الله عليه و آله رسول الله و نبيه و عليّ وليكم فشهدوا ان عليّاً ولي الله و ذلك باعمالهم في المراتب الثلاث فكانت الدعوة الأولي بحكم ما بالقوة و الدعوة الثانية بحكم ما بالفعل و لا شك انّ ما بالقوة مسبوق في اصل الكون بما بالفعل كالسنبلة فان الحبة في العود الأخضر تكون بالقوة ثمّ تكون في السنبلة بالفعل و لا شكّ انّ الحبة الموجودة في العود الأخضر بالقوة مسبوقة بالحبة التي زرعت فنبت منها العود الأخضر و السنبلة فما بالفعل سابق علي ما بالقوة لأن ما بالفعل اقوي و اشدّ مما بالقوة و لايجوز ان يكون الفاۤئض عن المبدء الفيّاض اضعف مما يكون بعده و من اثره فافهم فاذا فهمت هذا فاعلم ان الوجود التشريعي روح الوجود التكويني لتوقف الايجاد علي القبول و القبول تشريعي يترتب عليه التكويني فخلق سبحانه المجيبين باجابتهم المساوقة لكونهم عن علم بما اجابوا به و بصيرة قال الله عزوجل و لايملك الذين يدعون من دونه الشفاعة الا من شهد بالحق و هم يعلمون فخلقهم من صورة التصديق و المعرفة و هذه الصورة هي الصورة الانسانية التي هي هيكل التوحيد و ذلك لأنّ هذه الصورة من حدود تخططت و تصورت خط التوحيد و خط العقل و خط العلم و خط العمل و خط التقوي و خط الطاعة و الرضاۤء بقضاۤء الله و قدره و امثال هذه من حدود الخير و صاحب هذه ( هذه الصورة خل ) انسان موحّد مؤمن عامل بعلمه مطيع لربّه و هو ( و هم نسخه . م . ص ) المرسلون و الأنبياۤء و الصديقون و الشهداۤء و الصالحون
«* جوامع الکلم جلد 1 صفحه 466 *»
و انما كان لهم الصنع الجميل لأن الله تعالي حين فرق الحصص المادية من الوجود جعلهم صالحين لقبول الخير و الشرّ و هو قول الصادق عليه السلام حين سئل عليه السلام كيف اجابوا و هم ذرّ فقال جعل فيهم ما اذا سئلوا اجابوا ه ، و المراد بهذا المجعول هو الصلوح للخير و الشرّ و التمكين من فعل ذلك بما جعل لهم من الاستطاعة و القدرة و الآلة و تخلية السرب ثم كشف لهم عن الكتاب الأعلي و هو الصور المنقوشة في عليين و عليون اعلي الجنة و هو باطن فلك البروج ، كلّا ان كتاب الأبرار لفي عليين و ما ادريك ما عليون كتاب مرقوم و تلك الصور صور الطاعات و صورة العلم و صورة الصلوة الصحيحة و صورة الزكوة و صورة الصيام و صورة الحج و صورة الايمان و صورة التسليم و صورة الرضا بقضاۤء الله و قدره و ما اشبه ذلك من صورة الاجابة بالطاعات ثم كشف لهم عن الكتاب الأسفل اعني الصور المنقوشة في سجين و هي الصخرة تحت الأرض التي ذكرها لقمان و هي ظاهر الثري الذي تحت الظلمة التي تحت جهنم ، كلا ان كتاب الفجّار لفي سجين و ما ادريٰك ما سجين كتاب مرقوم و هذه الصور صور المعاصي صورة الجهل و صورة ترك الصلوة و صورة الصلوة الباطلة كصلوة المرائي و صورة منع الزكوة و افطار شهر رمضان عمداً للمقيم و صورة ترك الحج مع الاستطاعة و صورة الجحود و الانكار و الالحاد و صورة الأغراض و صورة عدم الرضا و ما اشبه ذلك فاوحي اليهم يا عبادي اني ادعوكم الي النجاة فمن اطاعني البسه صورة اجابته من الصور التي رضيتها و جعلتها صور محبتي و رضائي التي بها يصل الي رضواني و يسكن جناني و من عصاني و لميجب دعوتي البسه صورة جحوده و انكاره و استهزاۤئه و استكباره من صور معصيتي و سخطي التي بها يصل الي دار غضبي جهنم فلما دعاهم سبق السابقون الي الاجابة ظاهراً و باطناً فخلق كل واحد من المجيبين باجابته الي الدعوة و تفاضلوا بنسبة مراتبهم في السبق الي الاجابة و من لميجب خَلَقَهُ من صورة عدم قبوله و اعطي كل ذي حق حقه و ساق الي كل مرزوق رزقه فتمت كلمته الحسني عليهم اي علي المجيبين بما اجابوا من العلم و العمل .
«* جوامع الکلم جلد 1 صفحه 467 *»
قلت و منهم من قالها بلسانه و قلبه منكِر مكذِّب غير قابل فخلقهم من صورة التكذيب و الانكار و الجحود و هي الصورة الحيوانية و الشيطانيّة و هم الكافرون و المنافقون و اتباعهم ممّن تبيّن له الهدي فاعرض عنه و هي من طينة خبال و هي سجّين و انما كانت في الدنيا صورهم صور الانسان لاجابتهم باللسان الذي هو الادني و في الاخرة تسلب منهم و تظهر صورهم الحقيقيّة التّابعة للقلب .
اقول من قالها اي كلمة الاجابة بلسانه و قلبه منكر مكذّب مستهزؤ خلق ظاهره في الدنيا علي الصورة الانسانية لاجابته بلسانه الذي يدل علي ظاهره و امّا قلبه فانه لما كان منكراً مكذباً لما اجاب به بلسانه فخلقهم في بواطنهم بصورة التكذيب و الانكار و الجحود و هي الصورة الحيوانية الشيطانية لأن حدودها التي تقومت بها كما ذكرنا قبل هذا لتقومها بحدّ الجحود و حدّ الانكار و حدّ ترك الصلوة و حدّ ترك الزكوة و حدّ ترك الصوم و حدّ ترك الحج و ما اشبه ذلك و هؤلاۤء هم الكافرون و المنافقون و المشركون و كل من انكر الحق من الأولين و الآخرين و اتباعهم ممن تبين لهم الهدي فاعرضوا عنه من الأتباع لأن المتبوعين لايكون من لايتبين له الهدي منهم فلانريد بالتقييد الا الأتباع اذ منهم من لايتبين له الهدي و هم من اهل القسم الثالث كما يأتي و هذه الصورة التي خلق منها هؤلاۤء اعني اهل القسم الثاني و هم الكافرون و المنافقون و المشركون و اتباعهم الذين تبيّن لهم الهدي و هي طينة خبال و هي سجين التي تكتب فيها اعمال الفجّار و هي امثالهم في اعمالهم و معني كون كتاب الفجّار في سجين انهم اذا عمل احدهم شيئاً من المعاصي في السوق مثلا فانك اذا شاهدته لاتزال صورته و مثاله في غيب ذلك المكان من السوق و وقته قائما كل ما التفتَّ بخيالك الي ذلك المكان و ذلك الوقت رأيت بخيالك صورة ذلك العامل للمعصية و مثاله عاملاً بتلك المعصية ابدا و لو رأيت آخر في ذلك المكان و وقته او قبله او بعده عاملاً لشئ من الطاعات فانك كلما التفتّ بخيالك الي ذلك المكان و ذلك الوقت رأيت مثال ذلك الآخر يعمل تلك الطاعة في غيب ذلك
«* جوامع الکلم جلد 1 صفحه 468 *»
الوقت و ذلك المكان و مثال عامل المعصية في غيب ذلك الوقت و ذلك المكان الذي هو السوق هو مكان من سجين يعني ان المكان الذي فيه مثال عامل المعصية من غيب السوق هو مكان من سجين الذي هو كتاب الفجّار و المكان الذي فيه مثال عامل الطاعة من غيب السوق هو مكان من عليين الذي هو كتاب الأبرار فالأوّل هو تحت الظلمة التي هي تحت جهنم التي هي تحت ريح العقيم التي هي تحت البحر الذي هو تحت الحوت الذي هو تحت الثور الذي هو تحت سجين اعني الصخرة التي قال لقمان فيها فتكن في صخرة او في السموات او في الأرض فهذا الكتاب اصله في الثري و وجهه في سجين و الثاني اعني الذي فيه مثال عامل الطاعة فوق الطبيعة التي هي فوق المادة التي هي فوق المثال الذي هو فوق الجسم الذي هو فوق محدّد الجهات الذي هو فوق عليين اعني باطن فلك البروج فهذا الكتاب اصله في اللوح المحفوظ و وجهه في فلك البروج و انت قد رأيتهما في مكان واحد من السوق هذا عامل بالمعصية و هذا عامل بالطاعة و اذا التفتّ بخيالك رأيت المثالين في مكان واحد و في الحقيقة مثال عامل المعصية في سجين تحت الملك الحامل للأرض السابعة و بينك و بينه اربعة آلاف سنة و خمسمأة سنة و مثال عامل الطاعة في عليين فوق فلك البروج و بينك و بينه ثمانية آلاف سنة و انما كانت في الدنيا صور المنافقين و الكفّار صور الانسان لأنّهم اجابوا بالسنتهم خاصة التي هي ادني آلات المدارك و التبليغ فاذا كان يوم القيمة و انتقل الخلق عن الدنيا تخلّف عنهم ما ينسب اليها فتسلب عنهم الصورة الانسانية و تظهر صورهم الحقيقية التي هم عليها في نفس الأمر و في الواقع لأنّ كل شئ يرجع الي اصله و هؤلاۤء اعني الكفّار و المنافقين الذين انكروا من بعد ما تبيّن لهم الهدي حين قال لهم الست بربكم قالوا بلٰي فخلق صورهم الظاهرة من صورة الاجابة و هي الصورة الانسانية الظاهرية و حين قال لهم و محمد نبيكم سكتوا حيث ( حين خل ) ظنّوا انه تعالي مااراد بذلك خصوص طاعته بل انتقل منها الي طاعة رسول الله صلي الله عليه و آله و الرسول له ولايةٌ مّا الّا انّه مبلغ فيرجع امره و طاعته الي الخالق سبحانه لكن له تفضّل كما
«* جوامع الکلم جلد 1 صفحه 469 *»
حكي الله في كتابه بقوله يريد ان يتفضل عليكم فسكتوا ليعلموا ما يستقرّ طلبه عليه فان انتهي الي المبلّغ ربما يهون الأمر عليهم فيتداركوا الاجابة و ان تعدّي طلبه الي اعظم من ذلك انكروا الكل لأنّه يكون اسهل من ان يكون بعد الاقرار بالكل فلما قال لهم و عليّ وليكم انكروا و قالوا قد رضينا بما طلب عنا اوّلا حتي توصل به الي ان يولّي علينا من يعمل بنا ما يراه فينا من الرأي و نحن لانرضي بذلك ابدا فحكم عليهم بانكارهم كما قال تعالي بل طبع الله عليها بكفرهم .
قلت و منهم من قالها بلسانه و قلبه واقفٌ لميقرّ و لميجحد و هؤلاۤء خلقهم الله تعالي من الصورة الانسانيّة ظاهراً لاقرارِ اَلْسِنتهم و لميخلق بواطنهم حتّي يقروا او يجحدوا فيخلقهم من حالهم و هم مختلفون فمنهم في الدنيا و منهم في البرزخ و منهم في الاخرة فمن خلق باطنه انساناً دخل الجنةَ و من خلق غير ذلك دخل النار .
اقول هؤلاۤء هم القسم الثالث و هم الذين لميقرّوا بقلوبهم و لميجحدوا سواۤء اجابوا عن غير معرفة بالكل ام اجابوا بالبعض عن غير معرفة الّا انهم مجتمعون علي وقف قلوبهم و هؤلاۤء عرضت لهم موانع في طينتهم و هذه الموانع العارضة لها هي عوارضها الذاتية و الفعلية و النسبية و هذه العوارض مختلفة في الشدّة و الضعف فمنهم من موانعه ضعيفة فتضمحل في الدنيا فيقرّ في الدنيا بقلبه و يلحق بالسابقين او ينكر في الدنيا به و يلحق باضدادهم و منهم من موانعه متوسطة في القوة و الضعف فيقرّ بقلبه في البرزخ او ينكر و يلحق كل بنوعه و منهم من موانعه شديدة فيلهٰي عنه الي يوم القيمة حتي تأخذ الأرض ما فيه من موانعه مع ما تعلّقت به من الأجسام الظاهرية و التعليمية فيجدّد له الخطاب التكليفي بمعني انه يقع عليه لا بمعني انه انقطع و اضمحل ثم حدث بل لأنّه بقي بعد انقطاع المكلفين علي انبعاثه فلميظهر لعدم وجود مظهر يتعلق به فلما قامت القيمة و وجد المكلّفون و هم الذين لميتعلق الخطاب الا بظواهرهم اذ لا بواطن لهم و حينئذٍ زالت عنهم الحجب المانعة وقع عليهم
«* جوامع الکلم جلد 1 صفحه 470 *»
الخطاب الذي لمتظهر صورته في الدنيا لعدم وجود القابل و لوجود المانع فلما زال المانع وجد القابل و لما وجد القابل وجد المقبول فاِمّا مؤمن و اِما كافر و قولي فخلقهم من حالهم اي خلقهم من الحال التي وقع عليهم فيها السؤال و هي اجابتهم بالسنتهم لاضطرارهم الي الايجاد فاذا كان يوم القيمة و اجاب منهم احد بقلبه خلق الله باطنه باجابته انسانا فكان مع المؤمنين فدخل الجنة و من انكر منهم بقلبه خلق الله باطنه بانكاره شيطاناً او حيوانا فكان مع الكافرين فدخل النار .
قلت فهذه الصور التي خلقت من الاجابة او الانكار هي الطينة و هي الام التي يسعد في بطنها من سعد و يشقي في بطنها من شقي و ذلك بعد ان اعلمهم بالطينة الطيبة التي هي الاجابة و الطينة الخبيثة التي هي الانكار و انه سبحانه لايخلقهم الا علي ما هم عليه و لو خلقهم علي غير ما هم عليه لميكونوا ايّاهم بل كانوا غيرهم .
اقول يعني انّ الصورة التي خلقهم فيها و منها و عليها هي الطينة التي خلق الله تعالي المسئولين منها فالاجابة لدعوة الله عزوجل هي الطينة الطيبة التي خلق الله المؤمنين منها و اقامهم فيها و اقرهم عليها لميلهم اليها و الانكار لما دعي اليه هو الطينة الخبيثة التي خلق الكافرين منها و اقامهم فيها لمحبتهم لها و اقرهم عليها لميلهم اليها و الصورة كما تقدّم هي الأمّ كما قال صلي الله عليه و آله السعيد من سعد في بطن امه و الشقي من شقي في بطن امه ، اذ الأمّ هي الصورة لأنّها هي صورة عمله لأنه عز و جل لايخلق الخلق الا علي ما هم عليه و الذي هم عليه عملهم و وصفهم و هو سبحانه سيجزيهم وصفهم انه حكيم عليم و لأجل انه تعالي لايخلقهم الا علي عملهم الاختياري كما قال بل طبع الله عليها بكفرهم خلقهم علي ما هم عليه و لو خلقهم علي غير ما هم عليه اعني بغير اعمالهم لماكانوا اياهم بل يكونون غيرهم لأنّ صورهم غير صورهم بل هي صور غيرهم
«* جوامع الکلم جلد 1 صفحه 471 *»
فهم غيرهم كما لو خلق السعيد بصورة الشقي و الشقي بصورة السعيد لميكن السعيد سعيداً و الشقي شقيا حيث اثبت للسعيد الشقاوة و للشقي السعادة فيمتنع الايجاد لعدم جريانه علي مقتضي الحكمة و لجريان عدمه حينئذٍ علي مقتضي الحكمة و الصنع علي غير مقتضي الحكمة انما يكون للحاجة اليه او الظلم و اذا انتفيا عن الغني المطلق عزوجل لميحسن الايجاد الّا علي خلقهم علي ما هم عليه لا علي غير ما هم عليه .
قلت و لو لميقبلوا و خلقهم من الانكار و جعل لهم ما جعل للمقرّين لوقع التنافي في خلقهم و خلقِه اياهم لان خلقهم كما هم منافٍ لجعلهم كالمطيعين و جعلهم كالمطيعين منافٍ لخلقه كما هم و خلقُه كما هم منافٍ لخلقه لهم ليس كما هم و لو اتبع الحق اهواۤئهم لفسدت السموات و الارض و من فيهن بل اتيناهم بذكرهم فهم عن ذكرهم معرضون .
اقول هذا من نحو ما ذكرنا قبله من البيان و ان كان فرضاً آخر لأنّ الأوّل راجع الي الخلق الأوّل و هذا الي الخلق الثاني و هو انه تعالي و لو خلقهم من الانكار لانكارهم و عدم قبولهم و جعل لهم من الجزاۤء الوجودي و التشريعي ما جعل للمقرّين من الجزاۤئين لوقع التنافي في خلقهم المقتضي لعدم خلقهم اِمّا لكونهم غيرهم و اِما لكونهم اياهم لا اياهم و وقع التنافي ايضاً في خلقه اياهم الذي هو فعله فيكون فاعلاً لهم غير فاعل لهم امّا كونه فاعلاً فلفرض كونه فاعلاً لهم و اما كونه غير فاعل لهم فلغناه عن الظلم و الحاجة فلايصدر عنه ما يخالف الحكمة و في خلقه اياهم اي في الصنع المتعلق بايجادهم حين ايجادهم لأنّ خلقهم كما هم ان يخلقهم بما اجابوا به دعوته من الانكار و الجحود و هذا منافٍ لجعلهم كالمطيعين و جعلهم كالمطيعين منافٍ لخلقه كما هم و خلقه كما هم منافٍ لخلقه ليس كما هم كما تقدّم فيقع التنافي في الفعل و المفعول قال الله سبحانه و لو اتّبع الحق اهواۤئهم لفسدت السموات و الأرض و من فيهن يعني لو جري فعل الله علي شهوة كل واحد لأراد شخص دوران الفلك سريعاً ليذهب الليل و النهار علي حسب شئونه و اراد شخص ان
«* جوامع الکلم جلد 1 صفحه 472 *»
يلبث ليبقي الليل و النهار علي حسب شئونه و اراد آخر ان يكون الأطول هو الليل و الأقصر هو النهار او لايكون نهار اصلا و اراد آخر بالعكس و اراد شخص ان يمطر علي الأرض في الليل و ينبت في النهار و اراد عدوّه العكس و هكذا فتفسد السموات و الأرض و لو اراد شخص ان يضعف ضدّه و عدوّه او يهلكان و اراد ان يضعف هو او يهلك فيفسد من فيهن لأنّه ان اتّبع التكوين و ما يتوقف عليه من الحق ارادة واحد دون آخر لزم الترجيح بلا مرجح و ان اتّبع ارادات جميع الخلق و هي مختلفة لزم ما ذكرنا و امثاله فردّ سبحانه و تعالي عليهم بما فيه الحق الذي به قوامهم و قوام نظامهم فقال بل اتيناهم بذكرهم اي بما ذكرناهم او بما ذكرونا به مِن سؤال قوابلهم (سؤالِهم بقوابلهم خل) من كونهم مذكورين بما هم عليه او ذاكرين لما هم عليه يعني اتيناهم بما هم عليه من التكوينات الوجودية و تشريعاتها و من التشريعيات الكونية و وجوداتها فهم عن ذكرهم اي عن ذكرنا اياهم بما هم عليه و ما يقتضي من التكليفات و عن ذكرهم ايانا بسؤالهم بقوابلهم لما هم عليه و ما يقتضيه ذلك من التكاليف و عن شرفهم و تشريفنا ايّاهم بما فيه نجاتهم مما يكرهون و فوزهم بما يريدون و يطلبون و لكنهم لايعلمون معرضون يعني عن ذكرنا لهم بما هم عليه مما فيه فوزهم بما يحبون و عن ذكرهم انفسهم بما يشتهون و هم لايعلمون لانهم يشتهون ما تشتهيه انفسهم و الذي ما تشتهيه انفسهم علي الحقيقة هو ما اتيناهم به و ذكرناهم به و اما ما يشتهون الآن ليس شهوة لأنفسهم في نفس الامر و انما زين لهم باغواۤء الشيطان حتي توهموا انه مطلوب حسن و هو قبيح انظر مثلاً الي الزنا فانّه في نفس الأمر ليس حسناً بل هو قبيح و كيف زيّنه ابليس عند الزاني و اذا اردت ان تعرف قبحه فافرض وقوعه من الأجنبي باحد من محارمك لتعرف
«* جوامع الکلم جلد 1 صفحه 473 *»
قبحه و في الآية اسرار يطول في ذكرها الكلام .
قلت فهذا هو الخلق الثاني تحت النور الاخضر في عالم الاظلّة في ورق الآس فكانوا في الذر كما قال سبحانه للجنّة و لاابالي و للنار و لاابالي ثم كسرهم في النور الاحمر و هو معني قوله (ع) ثم رجعهم الي الطين اي طين الطبيعة .
اقول يعني ان ما تقدّم من ذكر الست بربكم الي آخره ، هو الخلق الثاني و هو الخلق الذي البسهم فيه الصور الشخصية التي تمايزوا بها و تميّزوا لأنّ الخلق الأوّل الذي هو المادة و الصورة النوعيتان اللتان هما بمنزلة المداد للكتابة فيه ايضاً تكليف بشرع وجودي و الخلق فيه مكلّفون به و لكنه في المبادي مخفي علي اذهان المكلفين ادراكه فوجب ان يخفي عليهم التكليف به و الّا لكان عندهم تكليفاً بما لايطاق و لكنه تعالي حيث اجري حكمته باخفاۤئه عليهم لأنّه من المبادي الوجودية اخفي التكليف المترتب عليه و اذا كشف للمكلفين عن ابصارهم الأغطية وجدوا الطينة اي الصورة و وجدوا الرسل عليهم تتري بتلك التكاليف و يجري عليهم ما لهم و عليهم و ما ربك بظلام للعبيد ، ثمّ اخذ من الخلق الأوّل للخلق الثاني حصصا متساوية في الصلوح للاجابة و الانكار فامرها و نهيٰها فخلقهم منها بذلك الأمر و النهي فيما شاۤء و هذا هو الخلق الثاني و قد كانت الخلايق المكلفون تحت النور الأخضر و النور الأخضر هو اللوح المحفوظ و النفس الكلية و هي سدرة المنتهي و شجرة طوبي و الخلايق اوراقها و الأوراق تحت الشجرة في الرتبة و هذا معني كونهم تحت النور الأخضر لأنّه هو الشجرة و هم الأوراق في عالم الأظلة كما تري ظلك في الشمس في ورق الآس لأنهم قبل ان يشملهم التكليف اوراق في النور الأصفر و هو الروح الكلية علي هيئة ورق الآس و ذلك لأنهم باعتبار تساوي جهات وجوههم الي مبدء لا جهة له توجهوا اليه من كل جهة فكانوا علي هيئة الدائرة لتساوي جهاتهم و توجهاتهم الي كل جهة و هذا في النور الأبيض الذي هو في اول الدهر و هو العقل الكلي فلما نزلوا الي النور الأصفر كانت اعاليهم متوجهة الي العقل في
«* جوامع الکلم جلد 1 صفحه 474 *»
الجهة العليا و اسافلهم مرتبطة بالنور الأصفر و الروح الكلية فكانت اعاليهم الطف و ادق من اسافلهم لقربها من العقل و النور الأبيض و اسافلهم اغلظ و اكثف لقربها من النور الأصفر الذي هو الروح فانجذبت اعاليها الي العالي و اسافلها متعلقة بالأسفل فامتدّت كالأوراق فكانت اعاليها ادق و اقبّ ( ارق خل ) للطافتها و دقتها ( رقتها خل ) و كانت اسافلها اعرض و اغلظ لكثافتها و غلظتها فكانت في هيئتها اشبه الأشياۤء بورق الآس المعروف فاطلقوا عليها ورق الآس فلما نزلت الي رتبة النفس تمّ تمايزها تحت النفس و قولي فكانوا في الذرّ يعني بعد ان قال لهم الست بربّكم و محمد نبيكم و عليّ وليّكم بعد النور الأخضر اعني اللوح لأنه هو الشجرة و هم اوراقها فحقت عليهم الكلمة فقال للمجيبين للجنة و لاابالي و قال للمنكرين للنار و لاابالي اي خلقتُ اهل الجنة باجابتهم للجنة و لاابالي بعد ان قبلوا مني ما دعوتهم اليه مختارين و خلقتُ اهل النار بانكارهم للنار و لاابالي بعد ما ( بعد ان خل ) انكروا ما دعوتهم اليه مختارين ثمّ كسّرهم في النور الأحمر في مدّة اربعمأة سنة بعد ما ( ان خل ) جاءهم الخطاب بالست بربّكم في خمسين الف سنة و النور الأحمر نور الطبيعة لأنهم بعد ان تمّ خلق صورهم في خمسين الف سنة تمايزت اجزاؤهم فكان ابيض الشخص منهم غير اسوده و رطبه غير يابسه و حارّه غير بارده فلما كلّفهم و اجاب من اجاب و انكر من انكر كسرهم في النور الأحمر يعني اذابهم فكانوا طيناً صلصالا و طبيعة ذاۤئبة قد تساوت فيه الأجزاۤء كلها علي طبيعة واحدة حارة و باردة و يابسة و رطبة و لذوبانها و امتزاجها بعضها في بعض في مدّة اربعمأة سنة لأنّه تعالي خلقهم من عشر قبضات و كل قبضة يتمّ كسرها في اربعين سنة في اربعة ادوارها كل دورة في عشر سنين لانتساب كل دور الي العشرة فصار لكل دور نسبة هي رتبته من الوجود اشتملت علي الفصول الأربعة مثالها واحد من القبضات هو القلب من محدّد الجهات و تمّت تلك القبضة في اربعة ادوار : دور عناصرها و دور معادنها و دور نباتها و دور حيوانها كل دور من هذه الأربعة ينتسب الي كل قبضة من القبضات العشر برتبة من مراتب الوجود و الرتبة تتم
«* جوامع الکلم جلد 1 صفحه 475 *»
في الفصول الأربعة فتكون سنة فكل دور له سنة في نسبته الي كل قبضة فله عشر سنين فتتم قبضة القلب في اربعين سنة اذا اردت تحليل ادوارها الأربعة من القبضات العشر فيكون جميع تحليل الشخص الواحد الجوهري بعد تركيبه تحت النور الأخضر و تكليفه في عالم الذر اربعمأة سنة حتي تكون تلك الجواهر المتمايزة المشخصة طيناً صلصالا او حمأً مسنونا تبارك الله احسن الخالقين و هذا الطين هو طين الطبيعة الذي يجمد و يكون مادة لا الطين الذي وردت الأخبار فيه انه منشأ السعادة و الشقاوة لأن المراد به الصورة التي هي صورة الاجابة و صورة الانكار حين قال تعالي لهم الست بربكم فاخبار الطينة التي وردت و حصل ( و تحصل خل ) فيها لكثير من الناس الاشكال واردة في الطينة التي هي صورة الاجابة و الانكار .
قلت : الفاۤئدة الثامنة كل شئ لايجاوز وقته لانه لايوجد الا فيه و لا ذكر له قبل ذلك و كل ذي وقت فوقته مساوِقٌ لمكانه و كونه لان الوقت و المكان و الكون متساوقة اذ كل واحد شرط للاخر و كذا باقي المعيّنات و المشخّصات فيلزمها التضايف كالمشية و السرمد و كل الامكان و كالعقل الاول و الدهر و كل الممكن و كالجسم و الزمان و المكان .
اقول في هذه الفاۤئدة اشرنا الي اجزاۤء المحدث علي جهة الاجمال فان منها ما هو اجزاۤء للمادة و منها ما هو اجزاۤء للصورة و اشرنا الي مجملات تفصيل كل شئ من هذا النوع لمن عرف ما ذكرنا فقولنا كل شئ لايجاوز وقته فيه اشارة الي بيان اجزاۤء الصورة سواۤء كانت الأولي النوعية ام الثانية الشخصية يعني ان الشئ من مقوّمات وجوده الوقت لأنّه حدّ من حدود الماهية التي هي قبوله للايجاد و لأنّه لو وجد قبله او بعده لماكان وقتا له و لماكان موقتا لو لميوجد في غيره و ما لميكن موقتاً ليس مصنوعا اذ المصنوع لميكن قبل الصنع شيئاً و اذا اخذ فاعله في صنعه كان في وقت لامحالة فالشئ لايوجد الا في وقته و اذا كان كذلك لميجز ان يجري له ذكر قبل ذلك لاستلزام الذكر الوجود فاِمّا ان يكون الذكر في وقت او لا في وقت و يأتي الكلام المتقدم و علي كونه
«* جوامع الکلم جلد 1 صفحه 476 *»
لايوجد الا في وقته ( وقت خل ) يجب ان يكون مساوقاً لكونه اي وجوده و مكانه و الكلام في المكان كالكلام في الوقت و كل واحد من الثلاثة لازم للآخرين و مساوق لهما حيث كان كل واحد شرطاً للآخرين و باقي المشخصات كالكمّ و الكيف و الجهة و الرتبة و الوضع و النسبة و الاذن و الأجل و الكتاب و ما اشبه ذلك مثل الوقت و المكان في كونها شرطاً و مشروطاً فيلزمها ما ذكرنا في الوقت و المكان و يلزم الكل التضايف و التساوق و هو معني المعيّة و ذلك كالمشية و السرمد الذي هو وقت المشية و معناه الوقت الغير المتناهي لا الوقت الممتدّ بين الأزل و الأبد كما هو مذهب اكثر المتكلمين فانه باطل اذ ليس بين الأزل و الأبد امتداد لأنّ الأزل هو الأبد و ليس بين الشئ و نفسه امتداد و كل الامكان فانه هو مكان المشية و انما قلنا كل الامكان لأنّ الامكان منه ما لبس حلة الكون و سينزعها و منه ما لاينزعها و منه ما لميلبس و كلها متعلق المشية و محلها و المراد بالمشية ما هو اعم من الامكانية و الكونية لأنها ليست اثنتين و انما هي واحدة تعلّقت بالامكان و تقوّمت به و قد تتعلق بالأكوان و اذا تعلقت بالأكوان لمتخرج عن تعلقها بالامكان فلذا قلنا كالمشية و السرمد و كل الامكان يعني ما نزع و ما لبس و ما لميلبس فيكون المراد ان المشية يلزمها الوقت و المكان لأنهما المقوّمان لها و هي مقومة لهما و احدهما مقوّم للآخر فيلزم الثلاثة التساوق و التضايف كما مرّ و كالعقل الأوّل اعني العقل الكلي لا انّا نقول بالعقول العشرة بل المراد العقل ( عقل نسخه . م . ص ) الكل و الدهر و كل الممكن فان هذه الثلاثة ايضا متساوقة كل واحد يتقوم بالآخر كما مرّ و اردنا بكل الممكن ان الممكنات المكوّنات كلها محل العقل و متقومة به و الدهر وقته كذلك و معني كون الممكنات كلها متقومة به انه وجه الأمر الذي به قام كل شئ كما قال تعالي و من آياته ان تقوم السماۤء و الأرض بامره و قال عليه السلام في الدعاۤء كل شئ سواك قام بامرك ، و كالجسم و الزمان و المكان فان
«* جوامع الکلم جلد 1 صفحه 477 *»
كل واحد منها شرط لتقوّم الآخرين و تلزمهما المساوقة و المعيّة و من قال بانّ الأجسام لايمكن ان توجد الّا بعد وجود المكان و الزمان قبلها فقد جهل حقايقها اذ لو وجد الزمان قبل الأجسام جاز ان يكون ظرف لا حالّ فيه و كذا المكان و قبل الأجسام ليس الّا المجردات فان كانت حالة فيهما كانا ظرفين لها و لميكونا ظرفين للأجسام و ان لميكونا ظرفين للمجردات و كانا موجودين قبل الأجسام كانا فارغين و ذلك ممتنع اذ كونهما ظرفين للمجردات ممتنع اذ لايشغلهما المجرّدات و كونهما فارغين ايضا ممتنع اذ الظرف لايوجد فارغاً فيلزم الخلأ في المكان و في الزمان اما في المكان فظاهر و اما في الزمان فلأنّ الزمان ظرف لامتداد الحالّ فيه و اذا لميحل فيه شئ لميكن ظرفا لامتداد نفسه فافهم .
قلت و مراتب المشية كما مر اربع و السرمد و الامكان يكون كل واحد منهما في كل مرتبة من الاربع بنسبتها فللرحمة بالسرمد و الامكان رتبة الذات من الشجرة و للالف بهما رتبة الاصل من الشجرة و للسحاب المزجي اي الحروف بهما رتبة الفرع من الشجرة و للسحاب المتراكم اي الكلمة بهما رتبة الكل من الشجرة .
اقول و مراتب المشية كما مرّ اربع : النقطة و الألف و الحروف و الكلمة التامة و ظرفاها السرمد و الامكان يكونان في كل مرتبة بنسبتها كالزمان و المكان يكونان في الأجسام في كل مرتبة بنسبتها فمكان محدّب محدّد الجهات و زمانه لطيفان جدّا حتي يكادان يلحقان بعالم المثال لأنّ الحالّ فيهما هو محدّب محدّد الجهات كذلك و مكان فلك البروج و زمانه دون كونهما ظرفين لمحدّد الجهات في اللطافة و الرقّة و الشفافيّة و هما في السموات السبع دون كونهما ظرفين لفلك البروج كذلك و هما في العناصر دون كونهما ظرفين للسموات السبع كذلك فكذلك في مراتب المشية الأربع بنحو هذه النسبة فالسرمد و الامكان في النقطة في غاية الرجحان حتي يكاد ان يتحقق قبل
«* جوامع الکلم جلد 1 صفحه 478 *»
التحقيق و في اللطافة و الرقّة ما لايكاد يوجد الي معرفته طريق و هما في الألف المسمّي بالنفَس الرحماني الأوّلي و بالألف الأول و الرياح دون كونهما ظرفين للنقطة التي هي الرحمة في اللطافة و الرقة و التحقق و هما في الحروف دون كونهما ظرفين للألف المسمّي بالنفس الرحماني و بالرياح كذلك و هما في الكلمة الكلية دون كونهما ظرفين للحروف كذلك و اعلم انك اذا اردت تصوّر المراتب الأربع التي تنسبها الي المشية مع ما هي عليه من الوحدة و البساطة فاعتبر الشجرة مع انها واحدة فان لها اربع مراتب رتبة الذات و رتبة الأصل و رتبة الفرع و رتبة الكل فاذا قابلت المشية بها عرفت معني المراتب فللرحمة التي هي النقطة و هي اول مراتب المشية في اعتبار الفؤاد بالسرمد و الامكان اي فللرحمة من النسبة التمثيلية بالسرمد و الامكان مصحوبة لهما لكونهما ظرفين لها و مقوّمين لها لأنّهما من حدود قابليتها لايجادها بنفسها نسبة رتبة ذات الشجرة من الشجرة و للألف بهما في نسبة رتبته الي المشية نسبة رتبة الأصل اي اصل الشجرة من الشجرة و للسحاب المزجٰي بهما اعني الحروف في نسبة رتبتها الي المشية نسبة رتبة فرع الشجرة من الشجرة و للسحاب المتراكم بهما اي الكلمة التامة بعد تكوّنها بنفسها من الحروف التي هي في نسبة رتبتها الي المشية نسبة رتبة كل الشجرة من الشجرة و نسبة كل مرتبة من السرمد و الامكان نسبته الي كل رتبة منها نسبة كل منها الي كلها .
قلت فنسبة الامكان الي المشية بجميع مراتبها نسبة المكان الي محدب محدّد الجهات يعني نهاية المساوقة بِلَا حوايةٍ غيرِ المساوقة اذ المساوقة هي التحاوي لا عدم مطلق الحواية .
اقول و نسبة السرمد و الامكان الي المشية تفريع علي ما سبق و بيان له يعني ان نسبة السرمد و الامكان الي المشية بجميع مراتبها الأربع نسبة الزمان و المكان الي محدّب محدّد الجهات و ذلك لأنّ المشية و ان اختلفت مراتبها و تعددت في الاعتبار بالنظر الي احوال آثارها لكنها في نفسها و في نفس الأمر في كمال البساطة الامكانية التي ليس وراۤئها رتبة في الامكان مطلقا بخلاف محدّد
«* جوامع الکلم جلد 1 صفحه 479 *»
الجهات فانه و ان كان بسيطاً في كمال البساطة الجسمانية الّا انّ محدبه هو المجرد عن الرتبة و المكان فالمناسبة التامة انما تكون بين المشية و بين محدبه لا بينها و بين كله و المراد من نسبة السرمد و الامكان الي المشية و نسبة الزمان و المكان الي محدّب محدّد الجهات هو نهاية المساوقة و كمالها بلا حواية غير المساوقة يعني ان الحواية قد تكون مع المساوقة كما قلنا فان السرمد مساوق للمشية و حاوٍ لها و كذا المشية مساوقة للسرمد و حاوية له و كذا الامكان بالنسبة الي كل واحد منهما و بالنسبة من كل منهما اليه و قد تكون الحواية حواية الظرف للمظروف كحواية الكوز للماۤء و هذه حواية بلا مساوقة و هذه الحواية لمنردها فيما نحن بصدده و انما نريد الحواية التي هي المساوقة فان المساوق للشئ المتقوم به يكون حاوياً له و محويّاً له باعتبارين فلذا قلنا اذ المساوقة هي التحاوي يعني ان كلاً من المساوقين حاوٍ للآخر و لانريد مطلق الحواية التي تكون بكون احدهما حاوياً للآخر و لا عكس كالكوز فانّه حاوٍ للماۤء و لا عكس .
قلت و للعقل الاول في اكواره الاربعة بالدهر و الممكن ما للمشيّة بالسرمد و الامكانِ و ما لها من المُسٰاوَقةِ و التَّحٰاوِي و للجسم في اَدْواره الاربعة بالزمان و المكان ما ذكر سابقاً حرفاً بحرفٍ و كذا في المساوقة اي التحاوي يعني ان الجسم حاوٍ للزمان و المكان لايخرج منهما عنه شئ و الزمان حاوٍ للجسم و المكان لايخرج منهما عنه شئ و المكان حاوٍ للجسم و الزمان لايخرج منهما عنه شئ و ذلك كما اشرنا اليه في المشية و في العقل حرفا بحرفٍ .
اقول للعقل الأوّل يعني عقل الكل في اكواره الأربعة مصحوباً بالدهر و الممكن بالمشية مصحوبا بالسرمد و الامكان الي آخر ما اشرنا اليه و يأتي بيانه و المراد بالأكوار جمع كور و هو ادارة الشئ ( شيء نسخه . م . ص ) علي شئ و اصل ذلك مما قرّر في
«* جوامع الکلم جلد 1 صفحه 480 *»
العلم الطبيعي قالوا انه اول ما خلق الله سبحانه طبيعة الحرارة و اصلها من الحركة الكونية التي هي قدرة الله و علة العلل في الأشياۤء المتحركات ثمّ خلق الله سبحانه طبيعة البرودة و اصلها من السكون الكوني الذي هو قدرة الله و علة العلل في الأشياۤء الساكنات فهذا اول زوجين خلقهما الله تعالي مما قال الله تعالي و من كل شئ خلقنا زوجين لعلكم تذكرون ، ثمّ تحرّك الحارّ علي البارد بسرّ ما اودع الله فيه من الحركة المذكورة فامتزجا فتولد من الحرارة اليبوسة و تولد من البرودة الرطوبة فكانت اربع طبايع مفردات في جسم واحد روحاني و هو اول مزاج بسيط ثمّ صعدت الحرارة بالرطوبة فخلق الله منها طبيعة الحيوة و الأفلاك العلويات و هبطت البرودة مع اليبوسة الي اسفل فخلق الله منها طبيعة الموت و الأفلاك السفليات ثمّ افتقرت الأجسام الموات الي ارواحها التي صعدت عنها فادار الله تعالي الفلك الأعلي علي الأسفل دورة ثانية فامتزجت الحرارة بالبرودة و الرطوبة باليبوسة فتولدت العناصر الأربع و ذلك انه حصل من مزاج الحرارة مع اليبوسة عنصر النار و حصل من مزاج الحرارة مع الرطوبة عنصر الهواۤء و حصل من مزاج البرودة مع الرطوبة عنصر الماۤء و حصل من مزاج البرودة مع اليبوسة عنصر الأرض فهذا مزاج العناصر و هو مركب لازدواج المركبات الثلاث ثمّ ادار الله الفلك الأعلي علي الأسفل دورة ثالثة فتولد النبات و الحيوان البهيمي ثمّ ادار الله الفلك الأعلي علي الأسفل دورة رابعة فتولد الحيوان الناطق الانساني و هو آخر المركبات و احسنها و اكملها تركيبا ، هذا ما قاله الحكيم محمد بن ابرهيم الصنبري في كتابه المسمّي بكتاب الرحمة في الطب و الحكمة و اعلم ان ما ذكره فيه بعض التغييرات ( التعبيرات خل ) و نحن لسنا بصدد هذا و انما مرادنا بيان الأكوار و الأدوار و اعلم انّ الانسان خلق من عشر قبضات تسع من الأفلاك التسعة من كل فلك قبضة و قبضة من العناصر الاربعة و كل قبضة تتم في اربعة ادوار دور عناصرها و دور معادنها و دور نباتها و دور حيوانها و هذا جارٍ في الكل في كل واحد من اجزاۤئه و جارٍ في الغيب و الشهادة لأنّ العبودية جوهرة كنهها الربوبية كما تقدّم فبعضهم اصطلح علي
«* جوامع الکلم جلد 1 صفحه 481 *»
تسمية الأدوار الأربعة اذا كانت في المجردات بتسميتها اكوارا و في الأجسام بتسميتها ادوارا و بعضهم في اصطلاحه عكس التسمية و نحن قد جرينا في اصطلاحنا علي الاصطلاح الأوّل فلذا قلت و للعقل الأوّل في اكواره الأربعة و قلت بعد و للجسم في ادواره الأربعة و اريد باكواره الأربعة ان الله سبحانه اول ما خلق منه ان خلق عناصره من تكرير طبايعه بعضها علي بعض ثمّ كوّر العناصر فتولد منها معادنه ثمّ كوّر بعضها علي بعض فتولد نباته ثمّ كوّر بعضها علي بعض فتولد حيوانه فهو من ابتداۤء تكوينه في هذه الأطوار (الأكوار خل) الي ان تمت خلقته بالدهر و الممكن اي مصحوباً بهما علي نحو المساوقة لكون كل واحد شرطاً للآخرين له ما للمشية بالسرمد و الامكان من المساوقة التي هي التحاوي و من الشرطية و كذلك للجسم ايضا اعني محدّب المحدّد في ادواره الأربعة دورة عناصره و دورة معادنه و دورة نباته و دورة حيوانه و بالزمان و المكان كما مرّ ما للمشية و للعقل كما تقدّم و معني المساوقة في الثلاثة ان يكون كل واحد مع وقته و مكانه متساوقة في الظهور لكون كل شرطاً للآخرين و كذا معني التحاوي ان يكون كل واحد حاوياً للآخر بمعني ان لايخرج شئ منه عن الآخر و لاينقص عنه فلايتصور ظهور جزء من واحد منهما خاليا عن جزء من الآخرين و هذا في المشية و في العقل و في الجسم الذي هو محدّب محدّد الجهات كل اسفل من الثلاثة في هذا الحكم آية و عنوان لما فوقه و ما فوقه ظاهر به و يجري هذا التحاوي في المشيات الجزئية كالكلية لأنّها وجه من الكلية فلها وجه من السرمد الكلي و الامكان الكلي بقدرها و كذا في العقول الجزئية كالعقل الكلي لأنّها وجوه منه فلها وجوه من الدهر و الممكن بقدرها و كذا باقي الأجسام .
قلت و امّا الماء الاوّل الذي به حيوة العقل و ما بعده فوجهه في السرمد و الامكان و هو في الدهر و الممكن و امّا النفوس فانها في وسط الدهر و الممكن و هو الاظلة و بينها و بين العقل النور الاصفر و هو البرزخ بينهما و هو الارواح و هو من الطرف الاعلي و اخره النور الاحمر و جوهر الهباۤء .
«* جوامع الکلم جلد 1 صفحه 482 *»
اقول ان الماۤء الأوّل الذي هو اول صادر من المشية الكونية و هو الحقيقة المحمدية صلي الله عليه و آله و هو الوجود و العنصر الذي منه خلق الله كل شئ اي من شعاعه و به حيي كل شئ لأنه الماۤء و به قوام كل شئ لأنّه امر الله الذي قام به كل شئ قيام تحقق يعني قياماً ركنيّا فيه احتمالان و هما انه هل يكون من الوجود المطلق لأنّه قبل العقل و اوّل ما خلق الله العقل يعني من الوجود المقيد ام يكون من الوجود المقيد لأنه من المفعولات لا من الأفعال و دليل الأوّل ان الفعل متقوّم به قيام ظهور فلايكون له تأثير الّا به لأنّه كالحديدة المحماة بالنار و ان كانت انما تحرق بحرارة النار القائمة بها الّا انّها لاتقوم بنفسها من دون الحديدة فبالحديدة تحرق الحرارة لا بنفسها فينتسب الي الحديدة كثيرة ( فينسب الي الحديدة كثير نسخه . م . ص ) من اوصاف الحرارة فيكون الماۤء المذكور من الوجود المطلق و ربما يشير اليه قوله تعالي يكاد زيتها يضيئ و لو لمتمسسه نار و دليل الثاني انه من الخلق بمعني المخلوق فلايكون من عالم الأمر كما قال تعالي الا له الخلق و الأمر و العطف يقتضي المغايرة فيكون من الوجود المقيّد لتقيّده بمس النار اي انه لايضيئ الا بمس النار و علي كل من الاحتمالين فهو برزخ بين الفعل و المفعول بالفعل بالذات و القصد فيكون وجهه و اعلاه في السرمد و الامكان و هو في الدهر و الممكن من حيث الرتبة و اعلي الدهر و الممكن و الطفهما و ادقّهما ( ارقّهما نسخه . م . ص ) ما كان للعقل منهما و اما النفوس فهي في وسط الدهر و الممكن اي المتوسط منهما بين اللطافة و الرقّة و هو الأظلة يعني ان النفوس هي الأظلة لأنّها جواهر لطيفة كالظلّ في لطافته مع انه جوهر البس قالباً كهيئة الانسان هو جزء ماهية ذلك الجوهر اللطيف و بينه و بين العقل النور الأصفر و هو البرزخ بينهما لأن العقل هو النور الأبيض و النفس هو النور الأخضر و البرزخ هو الأصفر لأنّ بياض
«* جوامع الکلم جلد 1 صفحه 483 *»
العقل الذي هو بساطته لما تنزل بالروح اصفرّ لأن الروح اول التركيب اذ هو بمنزلة المضغة في خلق الانسان و العقل كالنطفة و النفس كالعظام اذا كسيت لحماً و انشئت خلقاً آخر بان ولجتها الحيوة و خضرة النفس من اجتماع صفرة الروح مع سواد الكثرة و المشخصات من حدود القوابل و الروح و ان كان برزخا الّا انّه اقرب من الطرف الأعلي و انما كان من الطرف الأعلي اي لاحقاً بعقل الكل لكونه يطلق عليه غالبا لكنه قد يطلق علي النفس ايضا فهو بحكم البرزخية اولي فيكون وجهه الأعلي الي الطرف الألطف و هو في الطرف الأوسط كما مرّ في الماۤء الأوّل و آخره اي آخر الحالّ في الدهر من المجردات عن المواد العنصرية و المدد الزمانية النور الأحمر الذي هو المسمّي بالطبيعة الكلية و جوهر الهباۤء و هو الحصص المادية المجردة لأنّ المراد منها قبل ارتباط الصور المثالية بها و جوهر الهباۤء برزخ بين رتبة الكسر و رتبة الصوغ و هذه الرتبة اعني آخر الدهر اغلظ اوقات الدهر و اكثفها و اسفلها حتي انّ اسفل هذه الرتبة يقارن بصفة الفعلية عالم المثال .
قلت فالكسر في النور الاحمر و الامتزاج في جوهر الهباۤء و العقد في المثال .
اقول فالكسر بعد الصوغ الأوّل في النور الأحمر لأنّ الأشياۤء لا بدّ لها في صنعها من كسرين و صوغين فالكسر الأوّل في الماۤء الأوّل عند اذابته لقبول الماهية التي تسمّي بالصورة النوعية و الامتزاج اي انحلال الأجزاۤء و كونها شيئاً واحدا و تحصيصه حصصاً مبهمةً في العقل و اول التخلق و النموّ في الروح و تمام العقد الأول و الصوغ الأول في النفس و الكسر الثاني في النور الأحمر يعني الطبيعة و الامتزاج و التحصيص في جوهر الهباۤء و العقد في المثال و هو البرزخ و هو اول العقد و النمو و تمامه في هذه الدنيا و اذا حلّ حلين و عقد عقدين تمّ اكسير الاجابة لدعوة الله عزوجل عند التكليف و الحل الثالث عند القاۤئه علي المعدن الناقص و ذوبانه معه و العقد الثالث الذي هو غاية الغايات و نهاية النهايات هو حصول النقدين علي اكمل وجه و هذا في الانسان الفلسفي و في
«* جوامع الکلم جلد 1 صفحه 484 *»
الانسان الأوسط الناطق كسره موته و دفنه في الأرض حتي يضمحل و لايبقي من تركيبه الّا الطينة الأصلية التي خلق منها في قبره مستديرة ثمّ يتمّ عقده يوم القيمة و يبعث حياً بحيوة قارّة لايجري عليها ( عليه خل ) الموت و لا التغيير و هو غاية الغايات و نهاية النهايات و قولي و العقد في المثال ، اريد به اول العقد و النموّ كما قلنا في الروح لأنّ تمام العقد في هذه الدنيا كما ذكرنا فافهم .
قلت و المثال بين الزمان و الدهر فوجهه في الدهر و اسفله في الزمان اي بالعرض لتبعية الجسم فله الجهتان الذاتية و العرضيّة و بهما معاً تحقّقت برزخيّته .
اقول انّ المثال برزخ بين المجردات و الماديات فله احكام البرزخ كغيره فوجهه اي الذي هو جهة تلقّيه و هو اعلاه في الدهر الذي هو ظرف المجردات و اسفله اي محل حلوله منه يعني الذي يحلّ منه في المحل الجسماني و هو تعلّقه بالمواد في الزمان لأنّه ظرف الماديات بالعرض يعني ان كونه في الزمان بالعرض حيث ارتبط بالمادة الزمانية فجذبته الي الزمان و لولا ذلك لمينحطّ في الزمان فله اي المثال جهة ذاتية و هي جهة تلقّيه من المجردات و بها تحقق فهي ذاتية له و جهة عرضية و هي جهة ارتباطه بالأجسام و انما كانت هذه عرضية لأنها ناشئة عن فعله او عن فعل الفاعل به في المادة علي الاحتمالين من انه هو امّ الشئ كما هو الصحيح عندنا و المروي عنهم عليهم السلام و اب الشئ مادته او هو اب الشئ و الأمّ مادته كما قيل و بهاتين الجهتين تحققت برزخيته و ان كانت احديٰهما عرضية .
قلت ثم اعلم ان كل شئ من ذي روح او غيره قد بَدٰا عن فعل اللّهِ علي الاستدارة الصحيحة و يعود الي الله كذلك و يَقْبَل من الله كذلك و سرعة تدويره و بُطؤه علي حسب كونه و وقته و هي تنقّلاتٌ تعدّ وَقته و لايسرع لذاته ازيد من نسبة كونه و وقته .
اقول لمّا كان فعل الله سبحانه هو مبدء كل ما سوي الله و ما كان كذلك فانه يجب له ان تكون في كل جهة و كل مكان و كل وقت فهو محيط بالأوقات و الأمكنة و الجهات و الرتب و كل شئ و ما كان كذلك يجب ان يكون اثره
«* جوامع الکلم جلد 1 صفحه 485 *»
قابلاً عنه من كل جهة و وقت في كل شئ ينسب اليه علي حد واحد فيكون جهات افتقار اثره اليه علي السواۤء و لانعني بالاستدارة الّا تساوي الخطوط و النسب و الأوقات و الجهات الي القطب الذي هو مبدؤها و كذلك يعود الي ما منه بدئ ايضا يعني علي الاستدارة اذ البدء كالعود و يكون في دورانه علي علته في بدئه و عوده علي حدّ واحد في سرعة حركة دورانه و بطئها و هذا ظاهر ان شاۤء الله و سرعة حركته في استدارة اقباله و ادباره تكون علي حسب كونه اي علي حسب رتبة كونه اي وجوده و وقته من دهر او زمان و من كونه في اول الدهر او الزمان او في وسطهما او في آخرهما فان كان كونه اي وجوده اوّل فاۤئض عن فعل الله سبحانه مثل وجود نبيّنا صلي الله عليه و آله فان استدارته علي قطب علته اسرع من جميع ما خلق الله بعد المشية و من دونه ارض الجرز و من دونهما العقل الكلي اي عقل الكل و من دونه الروح و من دونها النفس و من دونها الطبيعة و من دونها جوهر الهباۤء و من دونه المثال و من دونه الجسم المطلق و من دونه الأطلس و من دونه المكوكب و من دونه فلك الشمس و من دونه زحل ثم القمر و من دونه المشتري ثم عطارد و من دونه المريخ ثم الزهرة ثم النار و الهواۤء و الماۤء و التراب فكلما قرب من المبدء كان الطف و اسرع و كلما بعد كان ابطأ فكل شئ محدث كرة مجوّفة يدور علي نقطة هي علته لا الي جهة فيستمد منها ما لميصل اليه مما له و مما وصل اليه بعد ان تجاوزه الي مبدئه و هذه الحركات و التطوّرات تنقلات اذ بها يسير الشئ الي منتهاه و هي تعدّ وقته اي تحصي المدد و الأوقات التي ينتهي فيها الي ما منه بدئ و الي غايات المتحركات اذا تناهت حركاتها لأنّها مدد و اوقات يتطور فيها المتحرك كما يقال ان الانسان يتطور في بطن امّه ستة اطوار كل طور مدته عشرون يوما فتطور النطفة في الرحم عشرين يوما فتكون علقة و تتطور العلقة عشرين يوما
«* جوامع الکلم جلد 1 صفحه 486 *»
فتكون مضغة فتطور ( فتتطور نسخه . م . ص ) المضغة عشرين يوما فتكون عظاما فتطور ( فتتطور نسخه . م . ص ) العظام عشرين يوما فتكسي لحما فتطور ( فتتطور نسخه . م . ص ) العظام المكسوة لحماً في تقديراتها عشرين يوما بتتميم آلات الروح و مجاري ( محاوي خل ) النفس و حواملها فتنفخ فيه الروح فصار مدّة ذلك اربعة اشهر فتلك الحركات للنفس النباتية تنقلات تعدّ مدة تمامها و تحصيها بتنقلها من طور الي طور حتي ينتهي الأربعة الأشهر ثمّ ان الشئ لايسرع في حركاته و تنقلاته لذاته ازيد من نسبة كونه اي وجوده من مقتضي رتبته من المبدء الفياض و من وقته اي وقت المتحرك اذ هذه الحركة مقتضي ذاته فلاتزيد عليها نعم يمكن ان يسرع في حركاته بمعين خارجي كما قيل في تخليل الخمر اذا اراد صاحبها ان يقلّبها خلّا فانها يتخلل ( تتخلل نسخه . م . ص ) في مدّة معيّنة ( معيّنة لاتزيد نسخه . م . ص ) لكن لو وضع فيها عصارة السلق اسرع انقلابها خلّا حتي قيل انها تنقلب خلاً في اربع ساعات و هذا الاسراع ليس لذاتها و انما هو من عصارة السلق و هو النبات المعروف فانه معين لمقتضاها الناقص اذ كل شئ يمكن ان يكون كذا فان كان ذلك الامكان له لذاته كان ما يمكن له لذاته مقتضيا لكون ذلك ذاته اذا كان تامّاً بالنسبة الي ذاته ما لميحصل له مانع اقوي من مقتضي ذاته و ان كان ما يمكن لذاته ناقصاً عن اظهار مقتضاه لميلبس ذلك الامكان حلّة الكون فان حصل له معين يتمم ذلك الناقص لبس حلة الكون بسبب تتميم المعين و لذا
قلت : فاذا حصل له شئ اسرَعَ به فليس قاسراً لذاته من حيث هي فلايحدث لها تغيّر و انما يعين ذاته بما يمكن لها اذ ما يمكن للشئ علي قسمين قسم يمكن لذاته بذاته و قسم يمكن لها بخارج عنها و هو المعين .
اقول اذا حصل للشئ شئ اسرع به اسراعاً زايداً علي مقتضي ذاته فليس
«* جوامع الکلم جلد 1 صفحه 487 *»
ذلك الشئ المسرع به قاسراً له و مجبراً له رافعاً لأصل اختياره الذي هو مقتضي ما تركبت منه ذاته فيرتفع التركيب المستلزم لارتفاع ذاته من الوجود اذ لو فرض انه قاسر لكان احدث اقتضاۤء لميكن في ذات المجبور فان كان ذلك الاقتضاۤء قائماً بالجابر لميصحّ اسناد شئ من آثاره الي المجبور و لو فرض استنادها ( اسنادها نسخه . م . ص ) اليه لماصحّ الاستناد الا ان يكون مقتضياً لها و لايكون مقتضياً لها حتي يكون هو غير ما هو عليه في ذاته و ان كان غير ما هو عليه في ذاته مقتضياً لذلك كان هذا شيئاً آخر يقتضي هذا الأثر لذاته فلايكون القاسر قاسرا بل اِما معيناً و اما مانعاً للمانع او لمنعه فلايحدث للشئ بسبب المعين او مانع المانع او منعه تغير و انقلاب لذاته فلايمكن للشئ ان يكون منه ما لايمكن في ذلك الّا ان تقلب حقيقته عما هي عليه كما اشار اليه عزوجل لايزال بنيانهم الذي بنوا ريبة في قلوبهم الا ان تقطع قلوبهم و لأجل ما اشرنا اليه
قلت: و لو حصل بالخارج عكس مقتضي ذاته فهو معين ايضاً لَا قاسر ما دام لمقتضاها فعل و الّا فهو قاسرٌ و ح لايكون الشئ ذلك الشئ بل هو غيره و هذا يسمي قاسراً باعتبار قلب الذات الموجودة و الّا ففي الحقيقة ان الشئ لاينقلب الي ما لايمكن في ذاته في جميع الوجود بل ليس ذلك شيئا فلاتتعلق به قدرة لانّ القدرة لايتعلق الّا بالشئ .
اقول و لو حصل بالخارج عكس ذاته اي عكس مقتضي ذاته فهو اي المتمم لذلك الامكان الناقص معين يعين الشئ بتتميم مقتضاه الناقص عن التأثير بدون المعين فهذا المتمم معين للشئ لا قاسر ما دام لمقتضي تلك الذات فعل اي تأثير بدون المعين و بالمعين و المتمم يتمّ ما كان ممكناً في ذاته و يظهر اقتضاؤه و قد تقدّم بيان هذا لأنّه اذا انقلبت ذاته لميكن هو ايّاه بل غيره و هذا جارٍ علي ظاهر اللفظ و الّا ففي الحقيقة ان الشئ لاينقلب الي ما لايمكن في ذاته فان الواجب عزوجل لايمكن ان يكون ممكناً و لا ممتنعا و الممكن
«* جوامع الکلم جلد 1 صفحه 488 *»
لايمكن ان يكون واجباً و لا ممتنعا و الممتنع لايمكن ان يكون واجباً و لا ممكنا و هذا كلام لا شك فيه و ان كان في نفس الأمر و في الخارج غير معقول اذ الممتنع علي مرادهم ليس شيئا لا في الذهن و لا في نفس الأمر و لا في الخارج و انما هو لفظ وضع بازاۤء حادث و كذلك هذا الفرض في حق الواجب تعالي لأن فرض ان الشئ لايكون كذا انما يصحّ بين شيئين يجدهما الفارض في محل وجدانه مجتمعين سواۤء كان المحل ذهناً ام خارجا و لايحوي الممتنع و الواجب شئ و لا الممكن مع الواجب اذ لايجتمع الممكن الا مع الممكن و لا اجتماع ينسب الي الواجب عز و جل انما هو اله واحد لا اله الا هو سبحانه عما يشركون و الممتنع ليس شيئاً الّا الممكن فالصحيح في التعبير ليرفع ( لرفع خل ) غبار الأذهان ان يقال لايمكن ان يكون الممكن واجبا و لايمكن ان يكون الواجب ممكنا و في الصورتين يراد من الواجب علاماته ليمكن ان يعقل ما ينفي امكانه .
قلت و الشئ الممكن له خمسة مقامات الاول في الامكان و لايكون ابداً و هو في المشية ممكن الكون و الثاني في الامكان و سيكون و في المشية يمكن اَلّايكون و الثالث انه كان و لايزال ابداً و في المشية يمكن محوه فيما بعد و اثباته و محوه و هكذا و الرابع انه كان و سوف يعدم اي يرجع الي ما قبل كونه و في المشية يمكن الّايعدم و ان يعدم و يعاد و هكذا و الخامس انه قد كان كونه و لاتكون عينه و كانت عينه و لايكون قدره و كان قدره و لايكون قضاؤه و كان قضاؤه و يستر امضاؤه و ظهر امضاؤه و يعدم منه ما كان الي غير ذلك و كل ذلك و ما اشبهها مما يمكن في ذاته .
اقول هذا الكلام لبيان ما يمكن للشئ فانه قد يكون تامّاً يقتضي في نفسه ما يترتب عليه من غير ان يضاف اليه شئ و قد يكون ناقصاً يعجز بنفسه عن اقتضاۤء ما يترتب عليه الا اذا اضيف اليه ما يتمم نقصه و فاعل ذلك يسمّي معيناً و متمما و الممكن في مراتب الامكان علي خمسة اقسام : الأوّل في الامكان ( في الامكان و لايكون نسخه . م . ص ) اي
«* جوامع الکلم جلد 1 صفحه 489 *»
هو في نفسه ممكن و الحكمة لايقتضي وجوده في جميع الأحوال و ذلك كشقاوة الأنبياۤء و سعادة الشياطين و ساير الأشقياۤء فانه ممكن في نفسه و في مشية الله سبحانه و لكن حكمة الله تقتضي عدمه و هو لايكون ابدا و في مشية الله ممكن ان يكون كما قال تعالي و لئن شئنا لنذهبن بالذي اوحينا اليك فهو عز و جل قادر علي ذلك و لكنه لايفعله ابدا الثاني في الامكان يعني في نفسه ممكن و سيكون فيما بعد اذا تمت شرايط وجوده و في المشية يمكن ان لايكون قبل ان يكون و بعد ان يكون يمكن ان يعدم و ذلك كساير المعدومات الثالث انه كان و لايزال ابداً كعقل الكل و في المشية يمكن محوه بعد كونه اذا شاۤء الله و يمكن ان يثبته بعد محوه و محوه بعد اثباته و هلّم جرّا الرابع انه كان و سوف يعدم بان يخلع حلّة الكون و يرجع الي رتبته في الامكان الراجح اي الي ما قبل كونه و في المشية يمكن ان لايعدم و يمكن ان يعدم و يمكن ان يعاد و ان لايعاد و الخامس ما تجري عليه احكام قوله تعالي يمحو الله ما يشاء و يثبت و عنده ام الكتاب و هو ان الممكن ربما قد كان كونه اي وجوده يعني مادته النوعية و لاتكون عينه اي صورة مادته النوعية بان تتعلق به المشية فيحدث كونه ثمّ يمحي قبل ان تتعلق الارادة بعينه و ربما تتعلق الارادة بعينه اي بصورة مادته النوعية اعني الصورة النوعية فكانت عينه يعني الصورة ( الصورة النوعية نسخه . م . ص ) ثمّ تمحي قبل ان يجري عليه القدر و ربما جري عليه القدر فتحدث به الهندسة و الحدود الظاهرة كالطول و العرض و العمق و الاستدارة و التثليث و التربيع او غيرها و الباطنة كالبقاۤء و الفناۤء و الرتبة من المبدء الفياض و الجهة و الكمّ و الكيف و ما اشبه ذلك ثمّ تمحي قبل ان يقضي و ربما تعلق به القضاۤء فتمّت بنيته و كمل تركيبه ثمّ يمحي قبل امضاۤئه و اظهاره مشروحاً مبيّن العلل معروف الأسباب واضح الدلالة و الاستدلال به و عليه و ربما جري عليه الامضاۤء كذلك و يظهر
«* جوامع الکلم جلد 1 صفحه 490 *»
امضاۤؤه بعد ما كان مستورا و ربما عدم ما كان ظاهراً عدم تفكك او عدم فناۤء الي غير ذلك من الفروض الممكنة للشئ و ما اشبهها مما يمكن لذاته من تامّ او ناقص فان كل ذلك اذا ظهر منه شئ بسبب تتميم معين لايقال انه مقسور مجبور و ان الفاعل به ذلك اجبره علي الحقيقة كما يأتي تمثيل ذلك .
قلت و اما ما لايمكن في ذاته بان يكون مستحيلا اي لا شئ بكل اعتبارٍ او يكون واجبا لذاته اي هو الشئ لا سواه فيستحيل عليه فرض الامكان فلايمكن فرض واحد منهما وَ لاتَصوُّرُهُ لان التصور و الفرض من الامكان بل لايفرض و لايتصوّر الا ما هو موجود في الامكان قبل ذلك و سيأتي بيان ذلك .
اقول انّ ما لايمكن في ذاته بان كان مستحيلاً فهو في نفس الأمر و في الخارج و في الذهن لا شئ بكل اعتبار فلاتتحقق له شيئية اصلاً لا في الخارج و لا في الذهن و لا في نفس الأمر و لا في الوهم و لايدخل في مطلق مفهوم و لا مصداق بكل مشعر من المشاعر الوجود الحقة و الباطلة كالسفسطة اذ كل ما ينطبق عليه شئ بكل فرض فهو ممكن اما الممتنع فلأنه لفظ ممكن قد يفهم من دلالة مادته و هيئته شئ محدث لا غير ذلك لأنّ المتولد من الممكن او بالممكن او في الممكن ممكن و اما الواجب لذاته عزوجل تقدس مما سواه فلأنّه هو الشئ لا سواه و جميع ما يدخل في مطلق الاحتمال و الفرض و الامكان و التجويز و التصور و غير ذلك فانّه سواه و كل ما سواه خلقه تعالي احدث بعضه لبعض و لايجري عليه ما هو اجراه فلايمكن تصوّر الممتنع و لا فرضه اذ ليس شيئاً و لاتصور الواجب و لا فرضه لما اشرنا اليه من ان التصور و الفرض و الاحتمال و ما اشبهها انما يعقل في الممكن .
قلت ففي الحقيقة لايتحقق القاسر الّا بقلب الشئ الي غَيْرِ ما يقتضيه من ذاتٍ او صفة و هو مما يمكن له فهو مُطاوع فلا قلب فلا امتناع في الاِمْكَان فلا
«* جوامع الکلم جلد 1 صفحه 491 *»
قَسْرَ و لا امكان في الواجب و لا في المستحيل فالشئ الذي هو الشئ لا سواه لا امكان فيه و لا رجحان لايمنع النقيض بل هو وجوب بَحْتٌ و المستحيل الذي هو لا شئ بكلّ اعتبارٍ لَا اِمْكانَ فيه فافهم هذه العبارات المكرّرة المردّدة للتفهيم .
اقول يعني ان القاسر بالمعني المذكور في الحقيقة غير متحقق اذ لايتحقق الا اذا كان بقلب الشئ الي غير ما يقتضيه مطلقاً لا بالفعل و لا بالقوة من ذات او صفة فلو قلّبه الي غير ما يقتضيه فان قبل القلب فهو مما يمكن له و في قلبه الي ما يمكن له فهو مطاوع و اذا كان مطاوعاً فلا قلب و لا قسر و ان لميقبل القلب لميكن قسر فلا قصر و لا امكان في الواجب و لا في المستحيل فالشئ الذي هو الشئ لا سواه هو الواجب عز و جل و هو خالق الامكان و الرجحان فلايجري عليه الامكان و لا الرجحان الذي لايمنع النقيض و اما الرجحان الذي يمنع النقيض فهو الواجب البحت و المستحيل الذي هو لا شئ بكل اعتبار اي سواۤء اعتبرت شيئية خارجية ام واقعية ام ذهنية ام امكانية ام وهمية ام غير ذلك مما يعتبره معتبر لا امكان فيه فلايعتبر بحال .
قلت : الفاۤئدة التاسعة كلُّ شئ لايدرك ما وراۤء مبدئه لان الادراك ان كان بالفؤاد فهو اعلي مراتب الذات و اوّل جزئيها و اعلاهما و اشرفهما و ليس له وراۤء ذلك ذكر في حالٍ فلايجد نفسه هناك و لايجده غيره اذ اوّل وجدانه ذلك الادراك و ان كان بالعقل و النفس و الحس المشترك و بالحواس الظاهرة فهي بجميع ادراكاتها و مدركاتها دون ذلك فلايدرك الشئ ما وراۤء كونه فاذا تصوّر شيئا بغير الفؤاد ادرك ما وراۤءه اي انّ وراۤءه شيئا يدركه فاذا ادرك ذلك الاعلي ادرك وراۤءه شيئا و هكذا لايقف علي حدٍ لايجد وراۤءه شيئا . اقول في هذه الفاۤئدة ابتدئناها بالاشارة الي انّ الادراك بالفؤاد الذي هو اعلي مراتب الذات فعل ذاتي له فلايدرك ما يكون اعلي منه اذ لايميل الشئ الي اعلي مما هو له او منه و انما قلت اذ لايميل الشئ الخ ، لأنّ قولي فعل ذاتي له ، اريد به ميل الذات الي وجهها من مبدئها و هذا الميل ليس ميلاً فعليا لأنّ
«* جوامع الکلم جلد 1 صفحه 492 *»
الأوّل من القابلية التي هي جزء الماهية و الميل الفعلي تأثير الذات بفعلها فيما دونها و الميل الفعلي لايساوي الذات بل ينحطّ عنها و الميل الذاتي يساويها و لهذا قال عليه السلام من عرف نفسه فقد عرف ربه و معني معرفة نفسه انه يدرك نفسه بها لا بشئ غيرها و ذلك هو الفعل الذاتي و يكون الشئ بهذا الادراك مدركاً لنفسه لكنه لايدرك به ما هو فوقها و الا لكان الشئ اعلي من نفسه و لكان موجوداً في ادراكه قبل ان يكون موجودا هذا خلف فكل شئ لايدرك ما وراۤء مبدئه لأنّ الادراك ان كان بالفؤاد الذي هو اعلي مراتب الشئ اي بالذات ادرك نفسه و لميدرك ما فوق نفسه اذ ليس فوق نفسه شئ منه ليميل الي ما منه فلو نظر ما وراءه اي ما فوقه لميجد نفسه فلا نظر هناك و لايجد ( و لايجده نسخه . م . ص ) غيره ممن يكون اعلي منه و انما يجده من هو اعلي منه في الرتبة التي كان فيها شيئا لأنّ اول وجوده اول وجدانه و فوقها ليس واجداً و لا موجودا و ذلك لأنّ الفؤاد عبارة عن الوجود الاوّلي ( الأوّل خل ) الذي هو مادته النوعية التي تؤخذ منها حصة للشئ و تضاف اليها صورته المشخصة له التي بها هو هو فالحصة هو فؤاده و هو نور الله في قوله عليه السلام اتّقوا فراسة المؤمن فانّه ينظر بنور الله ، و هو حقيقة ( حقيقته نسخه . م . ص ) من فعل الله و هو وجوده و هو مادته و هو كونه و الصورة المشخصة له هي حقيقة ( حقيقته نسخه . م . ص ) من نفسه لأنّها قابليته و ان كان الادراك بما دون الفؤاد كالعقل و النفس و الخيال و الحسّ المشترك و الحواس الظاهرة فهي بجميع ادراكاتها و مدركاتها دون الفؤاد و دون ادراكه فتدرك انفسها و ما دونها و لاتدرك ما وراۤء ذلك اي ما فوقها لأنّ الشئ لايدرك ما فوق كونه اي وجوده فاذا تصوّر شيئاً باحدها اي بغير الفؤاد ادرك بالفؤاد ما فوق ما ادركه بواحد منها
«* جوامع الکلم جلد 1 صفحه 493 *»
بمعني انه يدرك شيئاً فوقه كما لو ادرك بعقله شيئاً ادرك بفؤاده ان فوق العقل شيئاً و ادرك ايضاً بفؤاده ان ما ادركه بعقله فوقه شئ و ادرك ان وراۤء هذا الأعلي شيئا و هكذا حتي يدرك فؤاده و ينقطع السير حتي انه لو كان الادراك بما هو دون الفؤاد وجد مدركات بعضها فوق بعض بلا نهاية و لا غاية حتي يكون الادراك بالفؤاد لاعلي مراتبه الذي هو نور الله تعالي فيستدير و ينقطع السير .
لت و هذه حروف نفسه و مراتبها و تلك الحروف و المراتب لاتتناهاها نفسه اي لاتقف علي حد لاتتوهم اَلَّا قَبْلَ له فهي لاتفقد نفسها في تلك المراتب .
اقول و هذه المراتب التي تقع عليها و فيها ادراكات مشاعره حروف نفسه اذ كانت نفسه كلمة لكلمته تعالي يعني ان نفسه مجموع تلك الأطوار و كلما وصلت الي رتبة كانت اعلي نفسه و كانت الأُولي التي كانت اعلاها متأخرة عن علوّها مثل الجدار المبني فان اعلاه ارفع ما فيه فاذا بنيت عليه كان الاعلي اوّلاً وسطاً للجدار و كان اللاحق اعلاه و هكذا فهذه الأطوار جزء ذاته و حروفاتها ( فهذه الأطوار اجزاء ذاته و حروفها نسخه . م . ص ) و اعلم بان الانسان نزل من مكان عالٍ في الامكان و هو الآن عاۤئد اليه فهو يترقي بلا نهاية في سيره الي مبدئه الحادث الممكن الذي كان في رتبة ذات الحق عزوجل ممتنع الوجود عدماً محضاً لا ذكر له و لارسم و لااسم و لكنه مع هذا كله لايقف في صعوده الي مبدئه علي حدّ لا سير فيه لأنّه محدث لا من شئ قد كوّنه الله عزوجل و اخترعه بفعله و لميكن له قبل ان يخلقه بفعله ذكر و لا وجود الّا في رتبة امكانه الذي امكنه بمشيته الامكانية و اما قبل الامكان فلا ذكر له في وجود و لا في علم و لا في حال من الأحوال فلما اخترعه لا من شئ كان مبدأ امكانه من مشيته الامكانية و مبدء كونه من مشيته الكونية بعد المبدء الامكاني و المبدء الكوني مع انه مسبوق بالمبدء الامكاني المسبوق بفعل الله
«* جوامع الکلم جلد 1 صفحه 494 *»
تعالي لا نهاية له سبحان من احدث ما لا نهاية له و قولي لا نهاية له ، اعني به انه كذلك في الامكان و الا فهو متناهٍ الي فعل الله و الفعل محدث احدثه الله بنفسه فهو متناهٍ فانٍ عندالله سبحانه قال عليه السلام يا من هو قبل كل شئ يا من هو بعد كل شئ ، و الانسان يسير صاعداً الي مبدئه الكوني و هو لاينتهي في الأكوان و لايصل الي مبدئه ابدا و الاشارة الي بيان ذلك للمؤمنين الممتحنين قلوبهم ان الانسان خلقه الله و المخلوق محتاج في كونه و بقائه الي المدد لا غني له في حال من الأحوال بل يحتاج في بقائه الي المدد و هو سبحانه يمدّه مما هو حادث ممكن و لايمدّه مما ليس له و لا مما هو فوق مبدء كونه و هويته التي اليها معاده و ليس لهذا الأمداد غاية و لا نهاية و الّا لفني و اضمحل و قد دلّت الأدلة القطعية الضرورية من العقلية و النقلية بانّه باقٍ ابد الآبدين و لايعرض له فناۤء ابدا و لا بقاء له الا بذلك المدد و المدد حادث لايجوز ان يكون مما هو فوق مبدء كونه و هويته التي لميكن له ذكر قبلها و لا مما ليس له فقد ثبت عند من ثبت علي الايمان الموصوف بالامتحان ان الانسان عائد الي مبدئه و لايتجاوزه و لايقف في سيره و لايفني و لايستغني عن المدد في بقاۤئه و انه مع ذلك كله حادث بفعل الله سبحانه و انه قبل ان يخلقه الله لميكن لمبدئه الذي لميصل اليه و لميقف فيه و لايتجاوزه و لا له قبل ان يجعله ممكناً في الامكان ذكر لا في امكان و لا في علم ، أولايذكر الانسان انا خلقناه من قبل و لميك شيئا و لاتتوهم من كلامي اني قائل بقدم شئ مما سوي الله او يلزم من كلامي شئ من ذلك حيث انّي قلت ان سير الانسان لاينتهي الي حدّ فانّ صاحب الشريعة اخبر تبعاً لما انزل الله تعالي اليه صلي الله عليه و آله انّ اهل الجنة خالدون فيها ابداً بلا نهاية و ان اهل النار خالدون فيها ابداً بلا نهاية و ان الموت يؤتي به في صورة كبش املح و يذبح بين الجنة و النار و ينادي منادٍ بامر الله عزوجل يا اهل الجنّة خلود و لا موت و يا اهل النار خلود و لا موت ، علي انّي بيّنت لك ان الله سبحانه خلق ما لايتناهي بعد ان لميكن و ما ذلك علي الله بعزيز و اما قول من انكر الحدوث الذاتي و حصره في الزماني فهو ممن قال الله سبحانه ان يتبعون الا
«* جوامع الکلم جلد 1 صفحه 495 *»
الظنّ و ان هم الا يخرصون مع ان الحكماۤء من المتقدمين و المتأخرين اتفقوا علي قاعدتين بل لايختلف فيهما اثنان من العقلۤاۤء و هما ان كل ما له اول فله آخر و ان ما سبقه العدم لحقه العدم و هذا مما لا اشكال فيه عند من عرف ما اشرت اليه و الّا فالاشكال لازم لأنك اذا قلت ان الحادث له اول في الحدوث لزم ان يكون من في الجنة غير باقين لأنّهم سبقهم العدم فيلحقهم العدم فان قلت ان الانسان ليس له اول في الحدوث لزم القول بالقدم و التفصي من الاشكال و كل اشكال قد ذكرته لك فتفهم كلامي و اما قول من قال بان الانسان سبقه العدم في الحدوث و الامكان و لايلحقه العدم فانه جارٍ علي نمط عجيب يستعمله اكثر ( يستعمله كثير نسخه . م . ص )
ممّن ( ممّا خل ) يقال انه لبيب و هو انا لو لمنقل بهذا لزمنا اِمّا قدم ما سوي الله او فناۤء الجنة و النار و كلاهما باطل و هذا ليس بدليل و ليس له الي الحق سبيل بل ينبغي ان تقول بما هو الحق علي نمط لايلزمك شئ من ذلك و لا بطلان ما اتفق عليه العقلاۤء من القاعدتين و ها انا ذا بيّنت لك السبيل و اقمت لك عليه الدليل و حسبنا الله و نعم الوكيل و انما اطلت الكلام هنا ليقول من اراد الحق بالدليل و من اراد الباطل او الجهل بالوهم و التخييل فافهم و هذا كله مما اشرت اليه هو معني قولي لاتتناهي ( لاتتناهاها نسخه . م . ص ) نفسه اي لاتستطيع ان تحصيها لأنّها لاتقف في سيرها علي حدّ لاتتوهم ان ليس وراۤء ذلك شئ بحيث ينقطع السير و لهذا تراها لاتفقد نفسها في تلك المراتب لأنّها ما دامت تدرك غيرها فهي واجدة نفسها .
قلت فاذا رأت ذاتها بذاتها اي نظرت بفؤادها انقطع وجودها و تناهي كونها اذ ذاك لانها نظرت من مثل سمّ الابرة فاستدارت علي نفسها قال الشاعر :
قد ضلّت[1] النقطة في الداۤئرة | و لمتزل في ذاتها حاۤئرة |
الخ ، قال عليهالسلام من عرف نفسه فقد عرف ربه و قال (ع) لكميل محو الموهوم و صحو المعلوم .
اقول ان النفس لأجل ما قلنا لاتزال تطلب ادراك ما غاب عنها و لاتزال كلما
«* جوامع الکلم جلد 1 صفحه 496 *»
وصلت الي مطلوبها طلبت ما فوقه و هكذا حتي تنظر بفؤادها و اذا نظرت بفؤادها وجدت شيئاً بلا اشارة و لا كيف فهناك انقطع وجودها و تناهي كونها اي وجودها حينئذٍ لأنّها نظرت الي ما فوقها فيكون نظرها من مثل سمّ الابرة لعظم ما فوقها و صغرها بالنسبة اليه و لاجتماع نظرها و لكنها لاتدرك ما فوقها و انما تدرك ما فيها منه لأنّها اثر له فيجد ما تطلب مما فوقها فيها فتستدير علي نفسها طلبا للدليل علي ما فوقها فهي الدليل علي ما فوقها فتغيب عن نفسها في نفسها فلاتجدها حيث تعرفها قال الشاعر و هو استشهاد علي ما ذكر و مثال له :
قد طاشت النقطة في الدائرة | و لمتزل في ذاتها حائرة | ||
محجوبة الادراك عنها بها | منها لها جارحة ناظرة | ||
سمت علي الأسماۤء حتي لقد | فوّضت الدنيا مع الآخرة | ||
فالنقطة علّتها و هي قطب وجودها و معني طاشت انبسطت في غيب الدائرة بلا كيف و لا اشارة و الدائرة نفسها و نظرها بفؤادها المستدير علي نفسه عند استدارته علي علته و النقطة ايضاً نظرها الي علتها فانّها نقطة تدور علي قطبها فتحدث منها دائرة محيطة علي القطب الذي هو العلة فقد طاشت النقطة اعني نظر الفؤاد في الدائرة الحادثة من ذلك النظر لانبساط النظر و شيوعه في هذه الدائرة التي هي استدارته علي نفسه و لمتزل النقطة اعني نظر الفؤاد حائرة في ذاتها كناية عن استدارتها محجوبة الادراك يعني النقطة اي النظر محجوبة الادراك عن نفسها بها يعني ان نظر الفؤاد و هو النفس حجبها وجودها عن ادراك ذاتها فاذا حجبت من الوجدان وجودها وجدت نفسها و ادركتها و اذا حجبت نفسها حصلت لها منها عين ناظرة تبصر بها ذاتها و في الحديث انّ نبياً من انبياۤء الله تعالي ناجٰي ربّه فقال يا ربّ كيف الوصول اليك فاوحي اللّهُ ( تعالي خل ) اليه اَلقِ نفسك و تعال اليَّ ، فالناظر اذا ترك نفسه وجدها و ذلك تأويل قوله تعالي قال القِها يا موسٰي فالقيٰها فاذا هي حيّة تسعٰي سمت علي الأسماۤء يعني ان الفؤاد
«* جوامع الکلم جلد 1 صفحه 497 *»
الذي هو النفس التي من عرفها فقد عرف ربهّ و هو حقيقة الانسان من ربه فاذا جرّدت في الوجدان عن جميع السبحات حتي عن الاشارة و الكيف سمت اي ارتفعت عن رتبة جميع الأسماۤء لتفرّدها حين التجرد عن المثل حتي كانت آية للعزّ و القدس و الألوهية و الرحمانية و الربوبية في الدنيا و الآخرة و ذلك لأنّها اذا كشفت عنها جميع السبحات حتي الاشارة ظهرت بآية الأحدية فمن عرفها فقد عرف ربّه و المراد من تجريدها في الوجدان عمّا سواها محو كل ما لميكن اياها لأنه بالنسبة اليها موهوم فاذا محوت الموهوم صحا المعلوم لأنّ الموهوم حجاب المتوهمين عن المعلوم المحتجب بغير حجاب محجوب لأنّ الحجاب لميضعه للذوات الا لتحقق به في انفسها و تحققها في انفسها مانع لحاظ كونها اثر فعل الله و نوراً من فعل الله فكانت تلك الموهومات اعني السبحات المسمّاة بالحجاب مثبتة بالانيّة ( للانية نسخه . م . ص ) الموهومة و حاجبة للحقيقة المعلومة اعني كونها نور الله و اثر فعله فافهم .
قلت و كلما وصل العبد الي مقامٍ ظهر له الجبار فيه حصل له المحو و الصحو فهناك عرف ربّه لانه عرف نفسه بالمحو و الصحو فاذا استقام فيه كما قال سبحانه ان الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا حتي ظهر له الاثر ظهر له الجبّار في مقام اعلي من الاول فيعرف فيه ربّه بحكم المحو و الصحو بطورٍ اعلي و يتبيّن له ان المقام الاوّل مقام خلقٍ قد تعرّف له فيه به ثم تعرّف له في الاعلي قال (ع) تدلج بين يدي المدلج من خلقك .
اقول فاذا كان نظره من الباب الذي امر الله ان يؤتي منه البيوت اي بيوت توحيده و عبادته كان داۤئم الترقي الي الله سبحانه فاذا وصل الي مقام قد ظهر له الجبار فيه بصفة تعرّفه له و انما خص الجبار هنا اما للحاظ العظمة و اما لكونه جابراً لما كسره الجهل بمعرفته فاذا وصل الي ذلك حصل له محو المقام الأوّل لانحطاطه عن بساطة وحدة ما فوقه و هو الذي وصل اليه و صحا له هذا المقام
«* جوامع الکلم جلد 1 صفحه 498 *»
العالي بقدس اعلي و وحدة ( و وجده خل ) اشرف مما دونه فحصلت له معرفة بربّه اعلي من معرفته الأولي لأنّ المقام الأوّل موهوم بالنسبة الي الثاني و الثاني معلوم بالنسبة الي الأوّل فاذا استقام في المقام الثاني الأعلي بان تحقق في نفسه بٰاثاره ( باثارة خل ) هذا المقام كما قال عز من قائل ان الذين قالوا ربّنا الله ثمّ استقاموا بالقيام بما يترتب علي قولهم ربنا الله فانه يترتب عليه ان يمتثلوا امره و يجتنبوا نهيه ليثبت يقينهم المعبّر عنه بالاستقامة فانّ يقين المؤمن و المنافق و الكافر يُري في عمله فاذا استقام كذلك ظهر له الجبّار في مقام اعلي مما قبله و هكذا فيعرف فيه ربه بحكم المحو لكل مقام يجاوزه و الصحو في كل مقام وصل اليه اعلي عن ( وصل اليه بطور اعلي من نسخه . م . ص ) الأوّل بحيث يتبيّن له ان المقام الاوّل مقام خلق قد تعرّف له فيه به ثمّ تعرّف له في الأعلي و يظهر له ايضا انّ الأعلي ليس هو غاية السير الي الله بل الله سبحانه يسير معه ليوصله الي ما يريد كما قال عليه السلام تدلج بين يدي المدلج من خلقك ، و الادلاج السير آخر الليل او مطلق السير في الليل لأنّه مقام العابدين .
قلت فاذا عرف ربّه في الاعلي بظهوره له فيه به و نظر الي الاسفل الذي ظهر له انه مقام خلقٍ وجد الله عنده فوفّاه حسابه و الله سريع الحساب و هكذا اَبداً يسير بلا نهاية قال تعالي في الحديث القدسي حديث الاسرار كلما وضعت لهم علما رفعتُ لهم حلماً و ليس لمحبتي غاية و لا نهاية .
اقول اذا عرف ربه في المقام الأعلي و تجاوز من الأسفل بان صعد عنه و هو الذي تبيّن له بعد ان تجاوزه انه مقام خلق تجلي له فيه الجبّار عزوجل فلمّا تجلي له في الأعلي و نظر الي الأسفل حال تجليه له في الأعلي وجد الله عنده اي عند الأسفل اذ لايخلو منه مكان و لا وقت و لايحويه مكان و لا وقت اذ كل شئ ظهوره فيه له لا اله الا هو فوفيٰه حسابه اي انه تعالي يوفي عبده العارف به حساب كل مقام وصل اليه و كل مقام تجاوز عنه صاعداً الي ما فوقه او نازلاً عنه
«* جوامع الکلم جلد 1 صفحه 499 *»
الي ما تحته و الله سريع الحساب لايخاف الفوت و كيف يخاف الفوت مَن كل شئ بفعله و معني سريع الحساب انه الزم المقتضيات علي ما تقتضيه اذا كان الاقتضاۤء صدقا ( اقتضاۤء صدق خل ) و ان كان غير صدق فبنسبة ما فيه من الصدق فقد يتخلف الجزاۤء لنقص المقتضي و قد يكون قليلا و قد يكون لمانع اقوي لايسئل عما يفعل و هم يسألون .
قلت و هذه المشار اليها هي المقامات التي لا تعطيل لها في كل مكان قال الحجة (ع) في الاشارة الي ذلك في دعاۤء رجب و مقاماتك التي لا تعطيل لها في كل مكان يعرفك بها من عرفك لا فرق بينك و بينها الّا انهم عبادك و خلقك فتقها و رتقها بيدك بدؤُها منك و عودها اليك الدعاۤء ، و قال الصادق (ع) لنا مع الله حالات نحن فيها هو و هو نحن و هو هو و نحن نحن ه ، و هذا طريق الي الله سبحانه لا نهايةَ لَهُ و لا غاية .
اقول المقامات مظاهره التي تجلّي بها لعباده و عباده في كل مكان فتجلي بهذه المقامات في كل مكان لكل شئ من خلقه علي حسب ما يحتمله وسعهم و تلك المقامات اسماۤء الفاعل عزوجل لأنّ المقام تركّب و تقوّم من مادة فعل الفاعل و صورته فمادته حقيقته و صورته اثره و مجموعهما اسم فاعل و فاعل ذلك الأثر بفعله مثاله قاۤئم بالنسبة الي زيد فانّه مركب من حركة احداث القيام و نفس القيام الذي هو الحدث و الأثر فتركب منهما اسم فاعل القيام اعني زيداً حال احداثه للقيام لا مطلقا فقاۤئم و قاعد و آكل و شارب و ناۤئم و ما اشبه ذلك هي مقامات زيد و علاماته علي نحو ما ذكرنا و القيام و القعود و الأكل و الشرب و النوم معاني زيد اي معاني افعاله يعني آثارها لأنّها محالّ الأفعال و مثال ذلك الحديدة المحماة بالنار فانها مقامات النار و علاماتها التي لا فرق بينها و بينها في
«* جوامع الکلم جلد 1 صفحه 500 *»
الاحراق الا ان الحديدة انما تحرق بفعل النار القاۤئم فيها فالحديدة المحماة اذا احرقت لمتحرق و انما احرقت النار علي حدّ قوله تعالي و مارميت اذ رميت و لكن الله رمي لأنّه صلي الله عليه و آله بمنزلة الحديدة و فعل الله الظاهر به صلي الله عليه و آله كفعل النار الظاهر بالحديدة و الحديدة حينئذ ركن المحرق كما انّ القيام ركن القاۤئم و كما انّ محمداً و آله صلي الله عليه و آله ركن المقامات و العلامات و التوحيد و الآيات فلاتظهر المقامات و العلامات و التوحيد و الايات الّا بهم و فيهم كما لاتظهر حرارة النار الّا بالحديدة و كما يجوز ان تظهر النار حرارتها في غير الحديدة كالحجر و الأرض و اذا ظهرت في شئ كان محرقا كذلك يجوز ان يظهر فعل الله في غيرهم عليهم السلام لو شاۤء تعالي و يفعل ذلك الغير بفعل الله كفعلهم كما قال تعالي و لئن شئنا لنذهبن بالذي اوحينا اليك و قال تعالي و لو شئنا لجعلنا منكم ملائكة في الأرض يخلفون و هو سبحانه لايفعل ذلك ابدا فلايذهب بما اوحي الي نبيه صلي الله عليه و آله ابدا و ان كان بالنسبة الي المشية ممكنا و هو تعالي قادر عليه و لايظهر فعله في شئ غيرهم الّا بواسطتهم فانه تعالي اظهر جميع افعاله فيهم عليهم السلام و يظهر بعض وجوه بعض افعاله فيمن شاۤء من خلقه بواسطتهم هكذا جرت عادته في خلقه و هكذا بدت قدرته و هكذا مضت كلمته و هكذا سبقت عنايته و هو العليم الخبير و معني يعرفك بها من عرفك ، انها هي الدليل عليه و هي معني ما وصف به نفسه لنا و معني لا فرق بينك و بينها ، انّ من عرفها فقد عرفه و انه تعالي انما يفعل بها ففعله لكل شئ هو فعله بها و هو معني قولهم عليهم السلام من عرفنا فقد عرف الله و من جهلنا فقد جهل الله و من اطاعنا فقد اطاع الله و من عصانا فقد عصي الله قال تعالي من يطع الرسول فقد اطاع الله و معني اِلّا انّهم عبادك و خلقك ، انهم عليهم السلام مع ظاهر التساوي و الاتحاد ليس لهم في شئ من ذلك امر الا ما اظهر من فعله
«* جوامع الکلم جلد 1 صفحه 501 *»
فيهم فهو بهم يفعل لأنّهم محالّ فعله و مشيته و ارادته و هم بفعله يفعلون كما قال تعالي لايسبقونه بالقول و هم بامره يعملون اذ لا فعل لهم لذواتهم و لا عمل الّا بفعله و امره و معني فتقها و رتقها بيدك ، اي انه اذا شاۤء فتقهم فيعلمون بما اوحي اليهم و يعملون بما امرهم و اذا شاۤء تعالي شأنه رتقهم فلايعلمون شيئاً و لايعملون امرا و هو معني قولهم عليهم السلام يبسط لنا فنعلم و يقبض عنّا فلانعلم و معني قوله عليه السلام بدؤها منك و عودها اليك ، انّ بدءها من فعله يعني اثراً لفعله كما يحبّ و يرضي ممّا يحب و يرضي لما يحبّ و يرضي و عودها الي ما بدئت منه اي يعودون بما بدؤا منه مما بدؤا منه الي ما بدؤا منه و هم عليهم السلام قد خلقهم بمحبته و رضاه من محبته و رضاه لمحبته و رضاه و قول الصادق عليه السلام لنا مع الله حالات الخ ، يعني به ان لهم حالة مع الخالق و حالة مع الخلق فحالتهم مع الخالق كونهم محالّاً لمشيته و فعله فاذا هم كما مرّ مثل الحديدة المحماة و هو في هذه الحالة هو و هم هم و حالتهم مع الخلق عباد مكرمون لايستكبرون عن عبادته و لايستحسرون يسبحون الليل و النهار لايفترون، فالله سبحانه ذاكر بهم في الثانية و هم ذاكرون به ( ذاكرون بالله نسخه . م . ص ) في الأُولي كما انّه تعالي ذاكر بهم في الأولي و هم ذاكرون به في الثانية و معني ان هذا طريق الي الله سبحانه لا غاية له و لا نهاية ، انهم ساۤئرون في عمق الامكان بما لهم و لغيرهم و الله سبحانه يسير امامهم فهو قاۤئدهم بعنايته و ساۤئقهم بهدايته تدلج بين يدي المدلج من خلقك و هذا السير لا اوّل له في الامكان و لا آخر له .
قلت ثم اعلم ان كل مقام ظهر الله فيه لعبده فهو مظهره و صفته و هي حروف ذات العبد لا حقيقة له غير ذلك لانه سبحانه ظهر لك بك و بك احتجب عنك و لا سبيل لك الي معرفته الّا بما تعرّف لك به و لميتعرف لك الّا فيك و بك قال علي (ع) في نهج البلاغة لاتحيط به الاوهام بل تجلّي لها بها و بها امتنع منها
«* جوامع الکلم جلد 1 صفحه 502 *»
و اليها حاكمها .
اقول كل مقام اعني كل رتبة من مراتب ظهوره ظهر الله تعالي فيه اي في ذلك المقام لعبده فهو اي ذلك المقام مظهره اي محل ظهور الله فيه و صفته اي صفة فعل الله و هي اعني تلك المقامات حروف ذات العبد اي اجزاۤء ذاته و سميت اجزاۤء الذات حروفاً باعتبار اطلاق الكلمة علي الذات فان الكلمة مؤلّفة من الحروف فهذه المراتب من الوجود مجموعها حقيقة العبد لا حقيقة له غير ذلك لأنّا قد قدّمنا انه تعالي تعرّف لعبده و لميتعرف له الا بذاته و هو معني قولي و لميتعرف لك الا فيك و بك احتجب عنك لأنّك اذا التفتّ الي انيتك وجدت نفسك مستقلا فلاتجد نفسك دليلاً علي وجوده الا اذا نفيت وجودك من وجدانك فرأيت نفسك اثراً لفعله و نوراً من صنعه فانك حينئذٍ اي حين لمتجد نفسك تكون دليلاً عليه اذ الأثر يدل علي المؤثر و النور يدل علي المنير و حيث كان تعالي لاتدركه الأبصار و لاتحيط به البصاير و الخواطر و الأفكار لأن الأدوات انما تحدّ انفسها و تشير الآلات الي نظايرها كان عزوجل لايعرف الا بما تعرّف به و وصف نفسه به و لا سبيل الي معرفته الا من هذا الطريق و هو ما وصف به نفسه و الي ما ذكرنا اشار سيد الوصيين عليه السلام كما رواه في النهج لاتحيط به الأوهام بل تجلّي لها بها و بها امتنع منها و اليها حاكمها ، و معني تجلي لها بها ما قلنا سابقا انّه لايتجلي بذاته اذ لاتختلف عليه امور حالاته بل هو علي حال لايحول عنها في جميع الأحوال و انما يتجلي بافعاله و بآثارها لأفعاله و لآثارها و هو معني تجلي لها بها فكنت انت نفس تجليه لك بك و معني و بها امتنع منها اي احتجب منها كما قلنا انها اذا التفتت الي نفسها لمتجد نفسها اثراً و لا نورا و انما تراها قاۤئمة مستقلة فلاتدرك الّا نفسها فاذا كشفت ظاهرها و نظرت الي حقيقتها وجدت حقيقتها نقشاً فهوانياً و خطاباً شفاهيا فاحتجب عنها بها حيث
«* جوامع الکلم جلد 1 صفحه 503 *»
نظرت الي نفسها و تجلي لها بها حيث وجدت نفسها نقشاً فهوانياً و خطاباً شفاهيا فعرفته بصفته التي تعرف لها بها و هي حقيقتها منه اعني كونها اثراً و نوراً و خطابا و معني و اليها حاكمها ، انّه عزوجل يستشهدها علي نفسها هل هي الا اثره و نوره فتشهد له انه لا اله الا هو لايري فيها نور الا نوره و لايسمع فيها صوت الا صوته و لايعرف شئ الا اثره يعني لايري الا نور فعله و صنعه و لايسمع الا صوت فعله و صرير قلم ايجاده و لايعرف الا اثره لانحصار ما سوي الله في اثر فعله تعالي .
قلت ثمّ اعلم انّ المتجلي نقطة يدور عليها التّجلّي فهو كرة مجوّفة لفعل التجلّي و في الانجيل ايها الانسان اعرف نفسك تعرف ربّك ظاهرك للفناۤء و باطنُكَ انا .
اقول اعلم ان المتجلي اعني العلة نقطة واقفة ساكنة اي قائمة بنفسها يدور عليها التجلي الذي هو كرة مجوّفة لفعل التجلي يعني ان التجلي الذي هو الأثر و هو المفعول كرة مجوّفة لأن علتها في باطنها فلذا كانت مجوّفة لفعل التجلي و فعل مضاف الي التجلي و هو مفعوله و المعني ان المتجلي الذي هو الفاعل الذي هو في الحقيقة باطن كل شئ و خارج عن كل شئ جعل التجلي الذي هو مفعوله يدور علي فعله اي فعل المتجلي للتجلي فيكون الفعل هو باطن المفعول و المفعول يدور عليه فالفعل نقطة ساكنة و المفعول نقطة داۤئرة عليها الي كل جهة فلذا كانت كرة و لمتكن داۤئرة و هذا معني ما في الانجيل باطنك انا اي فعلي و ظاهرك للفناۤء يعني يعدم فاذا عدم و اراد اعادته احدثه منه اي من الفعل كما احدثه من قبل قال تعالي كما بدءكم تعودون .
قلت فلجميع الخلقِ استدارةٌ علي فعل الله سبحانه واحدة كريّة فكل الخلق كرة واحدة مجوفة تدور علي نقطة هي فعله تعالي و اصول الخلق كرات مجوّفة كذلك كل اصل كرة تامّة تدور علي نقطة هي وجه ذلك الاصل من المشيّة و لاتدور علي محور لان الاستدارة علي المحور تحدث من اجزاۤء الكرة دواۤئر لا كرات فتكون الاستدارة الي جهة فلاتكون العلة محيطة بالمعلول و
«* جوامع الکلم جلد 1 صفحه 504 *»
لاتساوي الاجزاۤء المتساوية في الرتبة الي منتصف المحور الذي هو النقطة اليها لان ما كان من الاجزاۤء في جهتي القطبين للمحور لاتدور علي النقطة و وجه الكرة من علتها ليس محوراً مستطيلاً بل نقطة .
اقول لجميع الخلق استدارة واحدة كريّة علي فعل الله سبحانه لتساويها في الافتقار اليه و لتساوي نسبته اليها و لقوله تعالي ما خلقكم و لا بعثكم الّا كنفس واحدة و قوله تعالي و ما امرنا الّا واحدة كلمح بالبصر و لما ورد في كيفية الحساب يوم القيمة و انه تعالي يخاطبهم بلسان واحد يقع علي كل شخص بلغته و مثله ما قال تعالي كل امة تدعي الي كتابها اليوم تجزون ما كنتم تعملون هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق فان كل واحد ينظر في كتابه و يقرء وليّ الله كتابه اي كتاب الله الناطق فيكون بلسان واحد و لفظ واحد طبق كل كتاب من كتبهم لايخالف حرف منه حرفاً منها و الأصل في ذلك انّ الفعل اي الايجاد انبسط علي اوّل الخلق و آخره و ظاهره و باطنه و جوهره و عرضه و عينه و معناه و موصوفه و صفته فتختلف الأشياۤء باختلاف قوابلها و تتقدّم و تتأخّر باختلاف اوقاتها و تكبر و تصغر باختلاف كمّها فالفعل متساوٍ بالنسبة الي كل فرد فرد و جزء جزء و ان تعاقبت رؤس التعلقات فالفعل واحد و المصنوع باعتبار الجملة واحد فبهذا الاعتبار يعني مطلق افتقارها اليه للجميع دورة واحدة عليه ثمّ اصول الخلق كالعقل الكلي و النفس الكلية و غيرهما من الأفلاك الغيبية المجرّدة و كاَفلاك الشهادة كفلك زحل و فلك المشتري و المريخ و الشمس و الزهرة و عطارد و القمر و كالعناصر كلّها كرات كل واحد منها كرة مجوّفة تدور علي اصلها و وجهها من المشية فلكل واحد استدارة يختصّ بها و استدارة يشارك فيها غيره و كل جزئي من كل واحد او جزء فله استدارة علي وجهه الخاص به و استدارة يشارك فيها غيره من مثله في كليه و استدارة يشارك بها كليه او كله و استدارة يشارك بها جزئيه او جزءه و هكذا كل كلي او كل و كل جزئي او جزء و لايدور شئ من هذه المذكورات في دورانه علي علته علي محور لأنّه يدور عليها لا الي جهة و الاستدارة علي محور استدارة الي جهة و لو استدار علي
«* جوامع الکلم جلد 1 صفحه 505 *»
محور حدثت من اجزاۤئه دواۤئر لا كرات كما هو شأن الاستدارة علي جهة و لاتكون العلة محيطة بالمعلول و لتعددت العلل بعدد اجزاۤء المعلول فيختص كل معلول من اجزاۤء الشئ بعلته من غير مشاركة الآخر له فيلزم استقلال كل جزء و انفراده عن الآخر و تكون الأجزاۤء المتساوية في الرتبة غير متساوية الي منتصف المحور الذي هو النقطة العليّة لأنّ ما كان من الأجزاۤء في جهتي القطبين للمحور لاتدور علي النقطة التي في منتصف المحور و لهذا كانت دواۤئر صغاراً و لو كانت تدور علي النقطة التي هي منتصف المحور لكانت عظاما و لماتحقق محور قطّ و للزم ان تكون استدارتها علي النقطة لا الي جهة كما هو مقتضي الحاجة المطلقة فيكون كرة و وجه الكرة لايصحّ ان يكون محوراً مستطيلا لأنّه اذا كان مستطيلاً اختلفت جهات اجزاۤء الشئ الواحد فيكون كل جزء له قطب غير قطب الآخر و تتعدد العلل و تتعدد المعلولات .
قلت و الاصل الثاني يدور علي الاول لانه للثاني نقطة و يدور علي نقطة الاوّل فله استدارتان ذاتية تدور علي نقطة الاصل الاول و عرضيّة تدور علي الاول اذا كان مترتبا عليه و الا فعلي جهة لوازمه من وضع و اضافة و غيرهما و هما استدارة واحدة بلحاظ وحدة الداۤئر و لهذا كان ابطي من الاصل الاوّل كاستدارة الكوكب علي قطب تدويره و استدارته علي قطب الخارج المركز فان استدارته في التدوير علي نفسه فهي عرضيّة بالنسبة الي تحققه و اصالته و استدارته علي قطب الخارج المركز ذاتية لانها وجهه الي اصل تحققه لان هذه اصل لاستدارته علي تدويره فائضة عنها متفرعة عليها .
اقول ان الأصل الثاني كالعقل الكلي يدور علي الأوّل اعني به الحقيقة المحمديّة صلي الله عليه و آله لأنّ الحقيقة المحمدية صلي الله عليه و آله للعقل نقطة اي علة و يدور عليها بالعرض لأنّ استدارته علي الفعل ذاتية لقيام العقل ( الفعل خل ) به قيام صدور و استدارته علي الحقيقة المحمدية صلي الله عليه
«* جوامع الکلم جلد 1 صفحه 506 *»
و آله عرضية لأنها و ان تقوم بها تقوماً ركنيّاً و تحققيّا الا انها عرضية لأنّها اثر للفعل و تاكيد له فهو اشدّ منها فتكون نسبة افتقار العقل الي الفعل احق و اسبق من افتقاره الي الحقيقة المحمديّة (ص) فاذا نسبا كان ما الي الفعل ذاتيّا و ما الي الحقيقة عرضيّا لأنّ الحقيقة علة مادية للعقل الكلي و الفعل علة فاعلية و علة للعلة المادية . قلت و انما كانت استدارة الثاني بطيئة ايضا لحصول الكثرة فيها و كلما كثرت الوساۤئط كثرت الاستدارات و كان ابطي و تترتب العرضيات في القوّة و الضعف فما قرب من الداۤئرة كان اضعف و الذاتية ابداً واحدة .
اقول و كلما كان ابسط كان اسرع في حركته القابلية الانفعالية و كلما كان اكثر تركيباً او اجتماعاً و تأليفاً كان ابطأ و انما كانت استدارة الأصل الثاني بطيئة لأجل حصول الكثرة فيها التي تحصل بها الاستدارات الكثيرة و كثرة الاستدارات لكثرة الوساۤئط لأن المتأخر له علي ما تقدم عليه دورات لكل واحد استدارة و كلها عرضيات اضافية الي ان ينتهي الي الاستدارة علي علة العلل و قطب الأقطاب فتكون استدارته عليها ذاتية و كلما قرب منها كانت عرضيتها اقوي مما تحتها و كلما قرب من الدائرة كانت اضعف لما قلنا من انها في الأعلي استدارة علي العلة و في الأسفل استدارة علي المعلول و ان كان المعلول علة لما تحته فانّ ما فوقه علة له و لما تحته فالاستدارة عليها اقوي فهي عرضيات متفاوتة في الشدّة و الضعف بنسبة القرب من العلة و البعد عنها و الذاتية التي ليست عرضية اصلاً واحدة و لو اطلق علي الدورات المتوسطة الذاتية باعتبار ما تحتها و العرضية باعتبار ما فوقها لميكن به بأس الّا انّه علي جهة المجاز فافهم .
قلت و هكذا حكم كل اصلٍ و لفروع ذلك الاصل هذا الحكم كل فرع كرة واحدة له دورات دورة علي اصله و علي كل ما سبقه دورة و علي القطب الاول كذلك و قس عليه كل شئ بنسبة حال ذاته و عوارضها فكل عالم كرة و
«* جوامع الکلم جلد 1 صفحه 507 *»
كل نوعٍ كرةٌ و كل صنفٍ كرةٌ و كل شخص كرة و كل جزءٍ كرةٌ .
اقول يعني انّ كل اصل من الأصول الكلية الاضافية و الجزئية الاضافية نسبتها في الاستدارات علي عللها و اصولها كنسبة الكليات و الجزئيات فيما مثّلنا به و هو معني قولنا و قس عليه كل شئ بنسبة حال ذاته و عوارضها و الفرع يدور علي اصله و فرعه يدور عليه كما ان الأصل يدور علي اصله اذ النسبة واحدة فكل عالم كرة واحدة و كل نوع منه اي من ذلك العالم كرة واحدة و كل صنف من ذلك النوع كرة واحدة و كل شخص من ذلك النوع كرة واحدة و كل شخص من اشخاص تلك الأصناف كرة واحدة و كل جزء من اجزاۤء تلك الأشخاص كرة واحدة و هكذا و حكم دورة كل جزء منفرداً و منضماً الي غيره في الدورة حكم ما تقدّم من الاسراع و الابطاء و الذاتية و العرضية .
قلت و هكذا احكامها في الاوضاع و التضايف و النسب كلها في التساوي و التعارف و التناكر الا انها في التناكر تدور علي التعاكس هكذا و في التعارف علي جهة التواجه هكذا و في التساوي علي جهة المماثلة هكذا و اما في التّغاير في الذات وحدها فهكذا و في الصفات وحدها هكذا و فيهما معاً هو التناكر كما مر قال (ع) الارواح جنود مجنّدة فما تعارَف منها ائتلف و ما تناكر منها اختلف .
اقول و احكام الأصول و الفروع الكليات و الجزئيات في الاسراع و الابطاۤء في الاستدارات العرضية و الذاتية بالنسبة الي احكامها في الأوضاع و التضايف و النسب اما الأوضاع فجمع وضع اعني التحيز او ترتب بعض الأجزاۤء الي بعضها او الي البعض الخارجي و اما التضايف كالأمور المتساوقة في الوجود او الظهور كالأبوّة و البنوّة و كزوجية الأربعة و كايلاج الليل في النهار و النهار في الليل و كوجود الرطوبة من نكاح الحرارة للبرودة و وجود اليبوسة من نكاح البرودة للحرارة و كحمرة الزنجفر من الكبريت و الزيبق و كسواد المداد من الزاج و العفص و ما اشبه ذلك فان لكل واحد من الاثنين استدارة علي الآخر اِمّا فعلية و انفعالية او فاعلية و مفعولية او ظهورية و ركنية او فاعلية باعتبار و
«* جوامع الکلم جلد 1 صفحه 508 *»
مفعولية باعتبار او استدارة تتميم و تكميل او استدارة توليد و ما اشبه ذلك و اما النسب فكالتقييد بالحيثيات و الاعتبارات فان لكل منهما استدارة حيثية او اعتبارية و النسب كلها تنحصر في نسبة التساوي اي التماثل و هو لايقتضي تساوي الاستدارتين في الاسراع و الابطاۤء و ان تساوتا في العرضية و الذاتية و في نسبة التعارف و هو لايقتضي التساوي في الاسراع و الابطاۤء و لا في عدد العرضية و في نسبة التناكر و هو ايضا كالتعارف في عدم اقتضاۤء التساوي في الاسراع و الابطاۤء و عدد العرضية الا انّ الاكثر في التعارف و التناكر التساوي بين المتعارفين و المتناكرين في جهة التعارف و التناكر و اذا وقع بينهما التعارف او (و خل) التناكر في غير جهتيهما فذلك من جهة الماهية الطاغية الا انّها اعني ذوات الاستدارات من الكليات و الجزئيات الأصول و الفروع في صورة التناكر تختلف استداراتها اختلافاً كليا فتدور علي التعاكس يعني احدهما يخالف باستدارته استدارة الآخر و صورة استدارتهما هكذا فاذا ابتدأ احدهما في الاستدارة من الطرف الأعلي مثلا الي جهة اليمين ابتدأ الآخر في الاستدارة من الطرف الأسفل الي جهة الشمال و هذا اذا كان احدهما من اصحاب اليمين و الآخر من اصحاب الشمال و امّا ان كانا معا من اصحاب اليمين اذا ابتدأ احديهما في الاستدارة من الطرف الأعلي الي جهة اليمين ابتدأ الآخر من الطرف الأعلي الي جهة الشمال و ان كانا من اصحاب الشمال معاً اذا ابتدأ احدهما من الطرف الأسفل الي جهة اليمين ابتدأ الآخر من الطرف الأسفل الي جهة الشمال و لايدور اصحاب اليمين من الطرف الأسفل الا حال معصيته بما فيه من اللطخ و لايدور اصحاب الشمال من الطرف الأعلي الّا حال طاعته بما فيه من اللطخ و في صورة التعارف علي عكس ما ذكرنا في التناكر لتوافقهما في ذاتيهما و صفاتيهما بعكس التناكر و صورة استدارتهما هكذا فاذا ابتدأ احدهما في الاستدارة من الطرف الأعلي الي جهة اليمين ابتدأ الآخر من
«* جوامع الکلم جلد 1 صفحه 509 *»
الطرف الأعلي الي جهة اليمين و لايلزم تنافٍ اذا ابتدأ كل منهما من اليمين حيث انهما مع التعارف متقابلان فاذا كان في التقابل يمين كل منهما الي جهة يسار الآخر يكون ابتداۤء استدارة احدهما الي جهة انتهاۤء استدارة الآخر فيوهم ذلك انه تناكر مع انه من التوافق لجريان الاستدارتين معاً علي جهة اليمين فلا تنافي بينهما و كذلك لو كان المتعارفان من اصحاب الشمال فانّه اذا ابتدأ احدهما في الاستدارة من الطرف الأسفل الي جهة الشمال ابتدأ الآخر من الطرف الأسفل الي جهة الشمال و لا تنافي بينهما كما قلنا في اصحاب اليمين و في صورة التساوي في اصحاب اليمين و اصحاب الشمال علي جهة المماثلة و ان اختلفت رتبتهما اذ قد يختلفان في الرتبة و في الاسراع و الابطاۤء و في عدد العرضيات و صورة استدارتهما هكذا و يكونان من اصحاب اليمين و يبتدءان بالأعلي علي اليمين و عن ( من نسخه . م . ص ) اصحاب الشمال و يبتدءان من الأسفل علي الشمال و قد يختلفان ببعض دواعي اللطخ و حينئذٍ قد يختلفان في الابتداۤء و في التوجه و في الاسراع و الابطاۤء و اما التغاير في الذات وحدها و هو التناكر في الذوات و التعارف في الصفات الا انه بوجه من التناكر و التعارف و لذا عبّرت عنه بالتغاير و رسمت صورة استدارتيهما الذاتيتين علي غير صفة استدارة التناكر او التعارف فقلت صورة استدارتيهما هكذا و ما في الفوق ذاتي و هو و ما في التحت صفتي لكن الذات اعلا منها و صورة استدارة الصفات علي التعارف و الذات علي التغاير هكذا و بالعكس هكذا فكانت صورة استدارة الصفات كصورة استدارة التساوي و اما في الذوات فليست كالتعارف ليتقابلان بالوجوه و لا كالتناكر فيتقابلان بظهورهما و لا كالتساوي فتقابل وجوههما جهة واحدة بل علي حالة مغايرة للثلاثة و هذا النوع قد لايتنافيان في جهة الذوات و ان كان قليلاً لأجل
«* جوامع الکلم جلد 1 صفحه 510 *»
ملايمة الصفات و قد يتنافيان في الصفات قليلا لأجل تنافي الذوات و قد يتعارفان و قد يتناكران و هذا كله موجب للاختلاف في الاسراع و الابطاۤء و في عدد العرضيات و مثل هذا في جميع ما ينسب اليه حكم التغاير في الصفات وحدها و صورتها هكذا و ان اختلف التغايران شدّةً و ضعفا فان التغاير في الذات اقوي و اشد من التغاير في الصفات و التغاير في الذات و الصفات هو التناكر كما ان التساوي في الذات و الصفات هو التعارف و قوله عليه السلام الأرواح جنود مجندة فما تعارف منها ايتلف و ما تناكر منها اختلف ، يعني انّ الأرواح عساكر جمعتها العناية الالهية بدواعي طبايعها فما تعارف منها بأن كان في عالم الأظلة و في الورق الأخضر و عالم الذرّ ظل المتعارف و ورقته مقابلاً بوجهه لظل من تعارف معه و ورقته ايتلف في هذه الدنيا لأنّ ورقة كل واحد منهما في غصن واحد متقابلان بوجوههما و كذلك المتناكران و امّا المتساويان فقد يكونان في غصن و قد يكونان في غصنين و اما المتغايران في الذوات خاصة فكل واحد في غصن و ظله قد يكون مع ظل مغايره في غصن و قد يكون في غصنين و اما المتغايران في الصفات فهما في غصن واحد غالبا و قد يكونان في غصنين و صفاتهما في غصنين فافهم .
قلت و معني تعارف ينظر احدهما في وجه صاحبه و معني تناكر ظهره الي ظهر صاحبه و المساواة من التعارف في التبعيّة و المغايرة احوال و انظر الي تمثيل الاشكال ،
و لكل رأيتُ منهم مقاماً | شرحه في الكتاب مما يطول |
اقول معني تعارف ينظر احدهما في وجه صاحبه سواۤء كانا في غصن واحد ام غصنين كما ذكرنا قبل و معني تناكر ظهره الي ظهر صاحبه كما مثّلنا به قبل في الأشكال و في البيان و اما المساوات فمن التعارف في التبعية يعني انها
«* جوامع الکلم جلد 1 صفحه 511 *»
نوع من التعارف الصفاتي و اما المغايرة فهي احوال متعددة كما اشرنا الي نوع ذلك و الا فافراد المتغايرين كثيرة جدّا فالتناكر منها في بعض الأحوال و المساوات قد تكون بمحض الصفات فتكون المغايرة من جهة الذات و قد تكون المساوات بالعكس فتكون المغايرة في غير جهتها اذ لاتجتمع مع المساوات في جهة واحدة و اذا تدبرت وضع هذه الأشكال التي هي تصوير لدورات الكرات ظهر لك الحال ، و لكل رأيت منهم مقاما ، هذا البيت من قصيدة عبدالله بن القاسم السهروردي في وصف احوال الساۤئرين و احوال الواصلين و صفات مطلوبهم و هذا الذي ذكرته لك من الاستدارات هو باطن ما ذكره في قصيدته .
قلت ثم اعلم ان الكرة ان كانت استدارتها عبارة عن استدارة قوس من محيطها فهي تدور علي محور و تحدث من الاجزاۤء الدواۤئر لاالكرات و ليس ذلك الاستدارة الصدورية عن العلة البسيطة التي هي فعل الله سبحانه و مشيّته بل الاستدارة الصُّدوريّة اَنْ يَدُور كل جزء من الكرة علي قطبها فتكون استداره الكرة علي قطبِها لَيْسَتْ الي خصوص جهةٍ لان ذلك من خواصّ الاجسام في حركاتها الجسمانية .
اقول اعلم انّ الكرة التي ذكرناها ليست عبارة عما يحدث عن استدارة قوس من محيطها لأنّ الكرة التي تحدث من استدارة القوس لمتتساو اجزاء سطحها الي مركز قطبها بل كل جزء تحدث عنه داۤئرة قطبها نقطة من المحور تسامتها غير قطب الداۤئرة الأخري فتختلف لذلك تلك فمنها عظام و منها صغار و منها بين ذلك و اذا اعتبرنا استدارة تلك الكرة و استدارة كل واحد من اجزاۤئها علي فعل الله سبحانه كانت استدارة انفعال و تتساوي فيها جميع الممكنات مع اختلاف حقايقها و قوابلها و دواعيها و اوقاتها و كمّها و كيفها لأنّها استدارة صدورية فتكون فيها علي السواۤء من غير ان يكون بعض منها الي جهة بل كل
«* جوامع الکلم جلد 1 صفحه 512 *»
شئ منها يدور علي تلك العلة لا الي جهة لأنّها ليست في جهة اذ الجهات كلها صادرة عنها فلاتحويها فتكون تلك العلة البسيطة التي هي فعل الله و مشيته ليست في جهة فالمستدير عليها يستدير لا الي جهة لأنّ الاستدارة الي جهة من خواص الأجسام في حركاتها الجسمانية فان قلت انك اطلقت القول في جميع الأشياۤء بانّها تدور علي فعل الله تعالي لا الي جهة و منها الأجسام فلمَ قلتَ ان الاستدارة الي جهة من خواص الأجسام في حركاتها الجسمانية قلتُ ان الأجسام تدور الي جهة اذا كانت تدور علي ذي جهة و اما اذا كانت تدور علي ما ليس في جهة وجب ان تكون استدارتها لا الي جهة و الا لكانت تدور علي غيره الا ان الجسم لايدور علي ما ليس في جهة حال جموده فانه من هذه الحيثية يدور علي ما في جهة و اما دورانه علي ما ليس في جهة كالعلة الصدورية فانما هو من حيث ذوبانه و اتحاد اجزاۤئه المتباينة و هذا معني ما
قلتُ : و اما الحركات الوجودية الصدوريّة فليست جسمانية و ان كانت من الاجسام فهي دورات دهرية و سرمديّة و الا لمتحط جهة العلة بجميع جهات المعلول و لهذا قلنا كل جزء كرة فافهم فهمك الله تعالي و اعلم ان هذا الطور من الاستدارة لاتدركه النفس و لا العقل و انما يدركه الفؤاد لانه جهة الصدور و هي ربط الدهر بالسرمد و السلام .
اقول ان الحركات الوجودية كما اشرنا اليه ليست جسمانية من حيث هي جسمانية و ان كانت من الأجسام لأنها حركات صدورية و الحركات الصدورية من قِبَل فعل الله سبحانه سرمدية و من قِبل القابل تكون في المقيد دهرية و في ما فوقه ( فوقها خل ) من الممكنات برزخية يعني ان وجهها في السرمد و قرارها في الدهر و لأجل كون حركة الفعل سرمدية احاطت العلة بجميع جهات المعلول و لو كانت جسمانية لمتحط بها و انما قلنا ان كل جزء كرة لأجل عموم الاحاطة و من ثَمّ لمتدرك النفس و لا العقل هذا النوع من الحركة و انما يعرفه الفؤاد لأنّه اي الفؤاد جهة الصدور يعني وجهه الي المظاهر و به ربط الدهر بالسرمد من جهة ان الفعل و ان تعلق بالمفعول الذي هو المقيد و محله لايخرج
«* جوامع الکلم جلد 1 صفحه 513 *»
عن السرمد و ان كان محله و متعلقه في الدهر بل و في الزمان اذ لايقارن المفعول الا بالتعلق الذي هو من نوع المفعول .
قلت : الفائدة العاشرة اعلم ان الله سبحانه خلق الاشياۤء بفعله و ابداعه من غير سبق فكرٍ اَوْ رَوِيّةٍ و كل شئ فالله خالقه سواۤء كان في الوجود الخارجي ام الذهني و ما في الذهن لميوجد علي احتذاۤء سبقِ ذهنٍ فالوجود الذهني في الواقع وجود خارجي و انما قسّم الوجود الي الذهني و الخارجي للفرق بين الوجود الظلّي الانتزاعي و الاصلي اصطلاحاً و لا مشاحّة في الاصطلاح و الا فهو في الحقيقة قسم من الوجود خلقه الله لحاجة الخلق اليه في التفاهم و التعارف ليحصل لهم ادراك ما غاب عن حواۤسهم الظاهرة و ذلك مما يتوقف عليه تكليفهم و نظام امورهم و معاشهم .
اقول هذا الكلام فيه تعريض بالردّ علي من زعم ان الوجود الذهني ليس وجوداً و اما حقيقة ما يدركه الذهن انما هو الحقايق الثابتة قبل ايجادها و ليس بموجود و علي من زعم ان النفس هي التي تحدثه لا انه صنع الله و علي من زعم ان الوجود الذهني وجود اصلي ليس بانتزاعي ظلي و انما يوجد الشئ بحقيقته في الذهن لا بظله و مثاله و علي من زعم ان الوجود الذهني اصل للوجود الخارجي و الوجود الخارجي ظل للوجود الذهني فقلت ان الله سبحانه خلق جميع الأشياۤء ذهنيّها و خارجيّها بفعله و ابداعه من غير سبق فكر و لا رويّة ليقال ان ما في الذهن ليس الوجود الخارجي بل هو من ذهنيّ قبله و الدليل علي انه مخلوق لله تعالي قوله عزوجل و اسرّوا قولكم او اجهروا به انّه عليم بذات الصدور الايعلم من خلق و هو اللطيف الخبير و انما قال تعالي الايعلم من خلق لأن ما توسوس به النفوس هو الذي في معرض العلم به حيث اخفوه و لميجهروا به فقال انه يعلمه لأنّه خلقكم انتم و ما في انفسكم فكيف لايعلم مَن خَلَقَ و لو اريد به خصوص العلم بهم لا مع ما في نفوسهم كما يوهمه ظاهر مَنْ خَلَقَ لمادلّ علي اطلاعه علي ما اسرّوا به الذي اراد بيان الاطلاع عليه و لايرد علينا انهم اسرّوا ما هو قبيح ممنوع منه فلايكون الله خالقا له و اعلم ان اهل القول الأوّل
«* جوامع الکلم جلد 1 صفحه 514 *»
انكروا الوجود الذهني و زعموا ان ما تراه بخيالك ليس موجوداً في الذهن و انما هو موجود في الخارج و يعنون الأعيان الثابتة و قالوا كما انك تري زيدا بعينك و ليس في عينك و انما هو خارج عنها فليس للذهن وجود ينسب اليه الا اذا اثبتناه فيه و لميثبت فيه شئ و غلطوا بل نريد بالوجود الذهني ما كان الذهن علة لظهورها و وجودها الكوني و هي الأظلة المنتزعة من الأشياۤء الخارجية و ذلك لأنّه تعالي حين خلق الأشياۤء اقام كل شئ في مكانه المناسب له فالاشراقات النورية لاتظهر الّا في الأجسام الكثيفة فوضعها فيها و الصور لاتظهر الّا في الأشياۤء الصيقلية كالمرآة و الماۤء فوضعها فيها و الصور المثالية المعنوية اي الخيالية لاتظهر الا في الأذهان فاقامها فيها و الأجسام لا قرار لها الا علي الأرض المتماسكة فاقامها عليها فمرادنا بالوجود الذهني ان الاظلة الخيالية المنتزعة تكون في الذهن و ان ذا الظل موجود في الخارج و ذو الظل و الظل هما موجودان لكن ذا الظل موجود في الخارج و ظله الخياليّ الانتزاعي في الذهن فتنقسم الموجودات الي مايكون في الخارج و الي مايكون في الذهن و كلاهما موجودان احدهما في الخارج و هو الموجود الخارجي و الآخر في الذهن و هو الموجود الذهني و دليل هذا ما قلنا مراراً انك لاتقدر ان تتصور بذهنك شيئاً رأيته قبل ذلك حتي تلتفت بذهنك فتقابل ذلك الشئ بمرآة خيالك في المحل الذي رأيته فيه و بالهيئة التي رأيته عليها و في الوقت الذي رأيته فيه فتجد مثاله و هيئته في غيب ذلك المكان و غيب ذلك الوقت فتنتقش في ذهنك تلك الصورة و لاتقدر علي التصور بدون هذا فافهم و اهل القول الثاني يزعمون ان للنفس قوة علي احداث ما شاۤءت من غير سبق مثال فتتصور شريك الباري تعالي و بحراً من زيبق و لا اصل لهما و ليس الا لأنّها تخترع بنفسها و غلطوا فانها لو كانت كذلك لكانت تحدث ذلك من غير ان تتوجه الي جهة مظنته ( مظنّة خل ) و ما تتوهمه فيه لكنها لاتقدر حتي تتوجه الي جهة ذلك فتنتزع من موهومها
«* جوامع الکلم جلد 1 صفحه 515 *»
صورته سواۤء كان شيئاً في الخارج ام لا بل في الحقيقة لابدّ و ان يكون شيئاً في الخارج كما دلّت عليه الأدلة مثل قول ابيالحسن الرضا عليه السلام قال قلت لمَ خلق الله عز و جل الخلق علي انواع شتي و لميخلقه نوعاً واحدا فقال عليه السلام لئلّايقع في الأوهام انه عاجز و لاتقع صورة في وهم احد الا و قد خلقه الله تعالي عليها خلقاً لئلاّيقول قائل هل يقدر الله تعالي ان يخلق صورة كذا و كذا لأنه لايقول من ذلك شيئاً الا و هو موجود في خلقه تبارك و تعالي فيعلم بالنظر الي انواع خلقه انه علي كل شئ قدير ه ، رواه في اول كتاب العلل في باب علّة الخلق فتكون الصورة الذهنية منتزعة من الوجودية الخارجية و انما اختلفت الصورة للشئ الواحد بالنسبة الي المتصورين لاختلاف اذهانهم كما يختلف الصور لشئ واحد في المرايا المتعددة المختلفة و هؤلاۤء طائفتان منهم من يزعم انه وجود وهمي ليس بانتزاعي و انما يصدق عليه الوجود لأنه شئ و منهم من يزعم انه انتزاعي من موهوم و كلا الزعمين باطل و اهل القول الثالث يزعمون ان الوجود الذهني اصل للوجود الخارجي و الخارجي ظلّه و تنزّله و هم جلّ الصوفية و من هنا يقول احدهم ماتتحرك نملة في المشرق او في المغرب الا بقدرتي و منهم من يزعم انه متحد مع الخارجي لايفرق بينهما الا بان الذهني مجرد عن اللوازم الخارجية كالنار مثلا فان الموجود منها في الخارج هو الموجود في الذهن بعينه الا انه مجرّد عن لوازمه الخارجية كالاحراق فانه من لوازم الخارج و قد قال الشيخ جواد الكاظميني في شرح الزبدة في مبحث العلم و ليعلم ان الحق بعد القول بالوجود الذهني و ان العلم من مقولة الكيف ان الأشياۤء بانفسها موجودة في الذهن كما هو مذهب المحققين لا باشباحها و امثالها كما هو مذهب شرذمة قليلة لايعبأ بهم انتهي ، و هذا كله غلط لأن قول الصوفية لو صحّ لكان اذا مات الصوفي بطل نظام العالم كما انه اذا انصرف المقابل للمرآة بطلت الصورة التي في المرآة و هذا ظاهر الفساد و قول الآخرين ايضاً باطل لأنّه لو كانتا صورتان نقشتا من قالب واحد و حضرت عندك واحدة منهما فانك اذا نظرت فيها لاتحضر الأخري في ذهنك و لا عندك و ان حضر
«* جوامع الکلم جلد 1 صفحه 516 *»
اصل القالب فلو كانت النار التي في الذهن هي النار الخارجية لا ظلالها لكنت اذا تصوّرت ما في ذهنك لايلتفت ذهنك الي النار الخارجية اصلا كما انك اذا تصورت احدي صورتين كلاهما من قالب واحد لايلتفت قلبك الي الأخري و ان التفتّ الي قالبهما و الواقع خلاف ذلك بل لايمكنك ان تتصور ما في ذهنك الا اذا التفتّ الي الخارجي و ليس الا لأن ما في ذهنك منتزع من الخارجي و ليس في ذهنك شئ و اذا التفت ذهنك بمرآته الي الخارجي انطبعت فيه صورته المنفصلة المنتزعة و هو الحق اعني كون الوجود الذهني ثابتا و انه ظلي منتزع من الخارجي نعم هنا تفصيل و هو ان ذا الذهن ان كان علة الوجود بان كان هو امر الله الذي به قام كل شئ و ان وجودات الأشياۤء كلها اعني موادها من اشعة وجوده كان ما في ذهنه من صور الأشياۤء عللاً و اسباباً للأشياۤء الخارجية بحيث لو عدمت تلك الصورة التي هي وجوه تلك الأشياۤء اضمحلت الأشياۤء و هذا مثل النبي صلي الله عليه و آله و اهل بيته الطيبين عليهم السلام كما دلّت عليه اخبارهم و نطقت به كلماتهم و آثارهم من انه لو لميكن الحجة في الأرض لساخت و اما من سواهم فكل ما فيهم من الصور اي في اذهانهم فانها اظلة منتزعة من الأشياۤء الخارجية و الكلام مبنيّ ( مبتني خل ) علي احوال العوام ( العوالم خل) و اما احوالهم عليهم السلام فعلي طور غير ما نحن بصدده و انما جري التنبيه عليه استطرادا فاهل القول الأوّل ينفون الصورة عن الذهن و يقولون الذي تراه بذهنك ليس في ذهنك و انما هو في الخارج ثابت لا موجود و لا معدوم و اهل القول الثاني يثبتون صوراً ليست ذواتاً و لا اظلة منتزعة بل هي اظلة قاۤئمة بالذهن و لا خارج لها و اهل القول الثالث يجعلون ما في الذهن اصلاً لما في الخارج او انّ الشئ له مكانان مكان ذهني و مكان خارجي و الحق ان ما في الذهن قسم من الوجود الظلي خلقه الله في الذهن لافتقار الخلق اليه في التفاهم و التعارف يتوصلون به الي مطالبهم ليحصل لهم ادراك ما غاب عن حواسهم الظاهرة اذ لولاه لميدركوا الّا ما تراه عيونهم و تناله اسماعهم و ذلك مما يتوقف عليه تكليفهم بما فيه نجاتهم و نظام معاشهم و هذا ان شاء الله ظاهر .
«* جوامع الکلم جلد 1 صفحه 517 *»
قلت و انما قلنا انه مخلوق للّه تعالي لما دلّ عليه الدليل القاطع بان اللّه خالق كل شئ قال تعالي و ان من شئ الا عندنا خزاۤئنه و ماننزله الّا بقدرٍ معلوم ، فان قلت معني ذلك انّ الله تعالي جعل في النفس قدرة علي اختراع ما شاۤءت من الصور فهي تخترع تلك الصور بما يمكن لها فلايكون الوجود الذهني في الحقيقة خارجيّاً قلت انّ ما جعله فيها و في غيرها مما تجري فيه علي اختيارها ليس حيث اعطاها رفع يده عنه بل هو في يده بعد الاعطاۤء كما هو قبل الاعطاۤء بل هو حال واحدة بلا تعدّد الا في العبارة كناية عن ظهور العطية في نفسها .
اقول انما قلنا انما في الذهن مخلوق لله عزوجل لأنّ الدليل قد دلّ علي جهة القطع و الضرورة بأن الله سبحانه خالق كل شئ قال الله تعالي و ان من شئ الّا عندنا خزاۤئنه و ماننزله الّا بقدر معلوم و قال تعالي قل الله خالق كل شئ و هو الواحد القهّار و قال تعالي و اسرّوا قولكم او اجهروا به انه عليم بذات الصدور ألايعلم من خلق و هو اللطيف الخبير و هذا معلوم لأنّه اذا كان شيئاً يصدق عليه اسم الشئ بكل اعتبار فقد دخل في عموم الآيتين الأوليتين و امثالهما و ان لميكن شيئاً اصلا لمتكن النفس مخترعة له و اما الآية الثالثة فهي صريحة في خصوص الدعوي لأنّ الاسرار بالقول هو التصور بدليل قوله تعالي انه عليم بذات الصدور اي عليم بما اسررتم و تصورتم و عزمتم عليه و هممتم به و لاينافيه قوله تعالي الايعلم من خلق بتوهم انه انما خلق المتصورين لا التصور بقرينة مَنْ خَلَقَ لأنه تعالي في بيان علمه بسراۤئرهم و تصوراتهم و ما توهموا و اضمروا و قد علّل تعالي ذلك بانه خلقه فكيف لايعلمه هذا علي معني ان مَنْ خَلَقَ مفعول يعلم يعني الايعلم مخلوقه و اما علي معني ان مَنْ خَلَقَ فاعل يعلم كما هو المشهور في التفسير فهو ادلّ و اظهر و لايرد علينا لزوم الاجبار من خلقه لذلك لأنه تعالي خلق اعمالهم القبيحة بافعالهم اي حكم عليهم بما فعلوا كما تجعل زيداً عاصياً اذا لميطعك فقد حكمت عليه بفعله و لذا قال تعالي بل طبع الله عليها بكفرهم لأنّه تعالي لما كفروا طبع علي قلوبهم بكفرهم و لايلزم من ذلك الاجبار و اما قولهم ان الله جعل في النفس قدرة علي
«* جوامع الکلم جلد 1 صفحه 518 *»
اختراع ما شاۤءت من الصور الخ ، فبعد ما ذكرنا من انها لو كانت مخترعة لها لماكانت تلتفت بمرآتها الي جهة امكانه لتنطبع صورته فيها انّا نقول حين جعل لها قدرة تخترع بها هل رفع يده عما جعل لها ام هو في يده اذ لو رفع يده لميكن شيئاً فلاتفعل الا بالله فالله في الحقيقة هو الفاعل علي حدّ قوله تعالي و مارميت اذ رميت و لكن الله رمي و قوله افرأيتم ما تحرثون ءانتم تزرعونه ام نحن الزارعون فافهم ان كنت تفهم و قولي كناية عن ظهور العطية يعني انه انما قلنا اعطي خلقه قدرة و علماً او غير ذلك ليس لأنّ العطية انفصلت من يده تعالي ليكون العبد مستقلاً بها و بما يترتب عليها بل انما قيل اعطي كناية عن ظهور العطية من كتم الوجود الامكاني الي علانية الوجود الكوني و الّا فهي في قبضته اذ لو خلّاها من يده لميكن شيئا .
قلت و تلك القوّة المشار اليها فعلها و انفعالها و اضافتها و تعلقها بمخترعها انما كان شيئا في نفسه بكونه في يده فاذا قابلت المرءاة الشئ اوجد الله بهما فيها الصورة و انما لها اختيار المقابلة و انتزاع الصورة اللذان هما شئ بكونهما في يده فافهم و الي هذا الاشارة بقوله (ع) كل ما ميزتموه باوهامكم في ادقّ معانيه فهو مخلوق مثلكم مردود اليكم فافهم قوله (ع) مخلوق مثلكم مردود اليكم .
اقول قولنا و تلك القوة تقدّم بيانه و هو ان جميع ما اعطي خلقه لميخلّه من يده لأنّه ليس شيئاً الّا بكونه في يده فلو خلّاه لميكن شيئاً اصلا فلو خلاه من يده الاكوانية لميكن مكوّنا و لكنه ممكن و لو خلّاه من يده الامكانية لميكن ممكنا و هذا الوجه الثاني خفيّ علي العقول و لكنه كما اقول فاذا قابلت المرآة الشئ هذا تفريع علي ما قبله تفريعاً بيانياً لا تأسيسيا يعني اذا قابلت الشاخص اوجد الله من صورة الشاخص المنفصلة لأنّها هي مادة الصورة التي
«* جوامع الکلم جلد 1 صفحه 519 *»
هي في المرآة فيوجد الله منها بالمرآة لأنّها هي القابلة للصورة فهي صورة الصورة و حدودها هي صقالة المرآة و بياضها و سوادها و استقامتها و اعوجاجها فيها اي في المرآة لأنّ الشئ يوجد في صورته و كل شئ يتوقف عليه الايجاد فمن جعل الله ليس للمرآة فيه شئ و انما لها اختيار المقابلة بالله و انتزاع الصورة بالله اللذان هما شئ بكونهما في يده و هذا معني قولي بالله و الي هذا المعني اشار عليه السلام بقوله كل ما ميّزتموه باوهامكم اي تصورتموه او تعقلتموه في ادق معانيه يعني في ادق معانيه بالنسبة الي عقولكم او الي المميّز نفسه يعني في اول مراتب تعيّنه فهو مخلوق يعني خلقه الله سبحانه مثلكم اي كما انتم مخلوقون او مثلكم اي صفة لكم و مثل لكم بفتح الميم و الثاۤء المثلثة اي صفتكم و شبحكم و آيتكم و بكسر الميم و سكون الثاۤء اي نظيركم اِمّا في الايجاد او فيما يترتب علي الايجاد من احكام التكاليف في الدنيا و المعاد مردود اليكم اي غير مقبول منكم ان تجعلوا العبد ربّا او مردود اليكم يعني انه من اشعة وجوداتكم او ذاتكم ( ذواتكم خل ) و هذا معني قولي فافهم قوله عليه السلام مخلوق مثلكم مردود اليكم.
قلتُ : فان قلت يلزمكم ان الله تعالي خلق المعاصي و الكفر و سائر القبايح قلت نعم كذلك الله ربّنا قال تعالي قل الله خالق كل شئ و هو الواحد القهار و لكن ليس علي ما تفهم و ذلك لانه سبحانه لايخلق شيئا الا علي ما هو عليه في ذاته و صفاته و افعاله و الا لميكن ذلك المخلوق كذلك بل يكون قد خلق علي غير ما هو عليه فحينئذ لايكون هو ايّاه و انما يكون هو غيره هف .
اقول لايلزمنا من قولنا ان جميع ما وهب عباده من النعم من القوة و الاستطاعة و الفعل و الانفعال و غيرها كلها في يده سبحانه ان يكون الله تعالي عزوجل فاعل المعاصي و الكفر و الشرور علي ما هو معروف لأنّ الاعتقاد الحق ان العبد هو فاعل المعاصي و الكفر و الشرور باختياره و الله سبحانه بريء منها كما قال تعالي فاذا فعلوا فاحشة قالوا وجدنا عليها آباۤئنا و الله امرنا بها قل ان الله لايأمر بالفحشاۤء أتقولون علي الله ما لاتعلمون و قال تعالي فويل للذين
«* جوامع الکلم جلد 1 صفحه 520 *»
يكتبون الكتاب بايديهم ثمّ يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمناً قليلا فويل لهم مما كتبت ايديهم و ويل لهم مما يكسبون و غير ذلك من الآيات و اما قولنا ان الله خالق كل شئ من جملته المعاصي و الكفر فنريد به معني آخر غير هذا لايلزم منه هذا المعني الباطل و اخبار الائمة عليهم السلام متواترة بذلك ناطقة به مع تنزيههم جناب الحق عن الظلم و فعل القبايح و بيان المعني الذي نشير اليه يحتاج الي تقديم كلمات نشير فيها الي بيان ما وردت به الأخبار بحيث لايلزم التفويض و لا الاجبار فنقول اعلم ان الله سبحانه لايخلق شيئاً من خلقه من ذات او صفة الا علي ما هو عليه في ذاته و صفاته و افعاله اذ لو خلق المخلوق علي غير ما هو عليه كذلك لميكن هو ايّاه بل كان غيره لأنّه انما خلق غيره و تفصيل ذلك انه تعالي ان خلق علي مقتضي استطاعة فعله تساوت المفعولات لأنّ نسبتها الي فعله علي السواۤء بل لمتتعدد في انفسها بل تكون واحداً لأنّ فعله واحد و ان خلق علي مقتضي قابلية المفعول فان كان علي نحو القسر و الاجبار كانت كما لوخلقها بمقتضي استطاعة فعله تعالي و ان كان علي جهة الاختيار صح الصنع و ارتفع الاجبار و ذلك بعد ان كانوا شيئاً واحداً وجوداً هيولانيّا حصصهم فلما جعلهم حصصاً متمايزة المواد في الجملة جعل في كل حصة من تلك المادة النوعية الاختيار و التميز و معرفة الخير و الشر و الجيّد و الرديّ و حيث كانت السعادة و الشقاوة و الطاعة و المعصية انما هي في الصور عرض عليهم صور طاعاته في عليين و صور معاصيه في سجين و اخبرهم ان من اجاب دعوتي صوّرته بصورة اجابته و البسته لباس طاعتي و من لميجب دعوتي صوّرته بصورة انكاره و البسته لباس معصيتي فرضوا و قبلوا ثمّ دعاهم الي توحيده و نبوة نبيه صلي الله عليه و آله و ولاية وليّه عليه السلام فقال ألست بربكم فقالوا بلٰي فالمؤمن اجاب بلسانه و قلبه مصدقاً مسلماً طاۤئعا و الكافر قال بلي و اضمر انه ان اقتصر علي هذا فلاتضرّنا الاجابة لأنه خالقنا و دعانا الي طاعته و ان تجاوز بنا الي طاعة غيره لمنجب لأنّا اولٰي من غيرنا ثمّ قال لهم و محمد (ص) نبيكم فاجاب المؤمن بقلبه و لسانه كما مرّ و ازداد ايماناً بتسليمه و سكت الكافر و قال
«* جوامع الکلم جلد 1 صفحه 521 *»
في نفسه تجاوز بنا الي غيره لكن هذا الغير لميجعل له ولاية علينا و انما هو داعٍ الي خالقنا فان اقتصر عليه اجبنا و الا انكرنا ثمّ قال لهم و عليّ وليكم فاجاب المؤمن و ازداد ايماناً علي ايمان و انكر الكافر و قال لانقبل ان يكون علينا وليّا بشر مثلنا و لذا قال صلي الله عليه و آله لعلي عليه السلام في حق جميع الأمم مااختلفوا في الله و لا فيّ و انما اختلفوا فيك يا عليّ و كان فيما انزل علي نبيه و لايزالون مختلفين الا من رحم ربّك و لذلك خلقهم فاذا عرفت ان الله تعالي لميخلق الخلق الا علي ما هم عليه بحسب قوابلهم باختيارهم و لميكونوا في دواعيهم و لا ما يميلون اليه مجبورين عرفت مقدمة معرفة ان الله خلق كل شئ حتي المعاصي و لميكن فاعلاً لها و بقي تمام المقدمة و هو ما
قلتُ: و اذا خلقه علي ما هو عليه فانما خلقه علي مقتضي سبب ايجاده و قبوله للوجود و ذلك بالاسباب الخارجة عن حقيقة ماافاضه الله بذات فعله و ان كانت بعوارضه و تلك الاسباب مقتضيات لتغيير الحقائق بحكم الوضع و تلك المقتضيات من افعال الخلق و اوضاعهم فلو خلق علي غير المقتضي لكان قد منع ما اعطي و ابطل ما قدّر .
اقول هذا من تمام ما ذكرنا من المقدمة و هو ان معني قولنا انه خلقه علي ما هو عليه انه خلقه علي مقتضي سبب ايجاده و قبوله للوجود و سبب ايجاده و قبوله للوجود هو انفعاله بحسب كمّه و كيفه و وقته و مكانه و جهته و رتبته و اوضاعه و كلها منسوبة اليه لأنّها اجزاۤء ماهيته و ليست من فعل الله سبحانه اوّلاً و بالذات بالنسبة الي تشخصه بها و ان كان بفعل الله ثانياً و بالعرض و معني كونها بالعرض بالنسبة الي تشخّصه بها ان منها ما هو مخلوق في ( من خل ) نفسه بالذات من حيث نوعيته بل كلها كذلك لكنها باعتبار اختصاص بعض الأفراد ببعض حصص منها لميكن التخصيص الا باقتضاۤء المفعول فكان التخصيص بالعرض لأنّه للاقتضاۤء لا لنفسه و هذا معني قولنا و ذلك بالأسباب الخارجة عن حقيقة ما افاضه الله
«* جوامع الکلم جلد 1 صفحه 522 *»
بذات فعله و ان كانت بعوارضه لأنّ الذي افاضه الله بذات فعله هو الوجود خاصّة اعني المادة الكلية المسمّاة بالهيولي الأولي و المواد الجزئية رؤس منها كالورق من الشجرة و حصص منها كالذرّ من جوهر الهباۤء هذا هو المقبول و اما اسباب قابليته للايجاد فاشياۤء يقتضيها المقبول من نفسه عند توجه الايجاد عليه فلما توقف قبوله عليها خلقت له فهي مخلوقة بالعرض و بها تغيّرت الحقايق و اختلفت فهي باقتضاۤء المقبول لها و تغاير حقايقها و اختلافها بسبب تغايرها قد جري عليها ايجاد بحكم الوضع لكون تلك منها اسبابا و منها موانع او شروطا و تلك المقتضيات كلها من افعال الخلق و اوضاعهم كما ذكرنا فان خلق الأشياۤء علي غير ما تقتضيه كان قد منع ما اعطي و ابطل ما قدر فانه اعطي الحديد انه يقطع و النار تحرق و البذر اذا وضع في الأرض ينبت و النطفة اذا القيت في الرحم يتخلق منها الجنين و هكذا فاذا اراد الظالم يقتل المؤمن بالسيف او يحرقه بالنار او يغصب حنطته و يزرعها في ارض مغصوبة و يسقيها بماۤء مغصوب و الزاني وضع نطفته في رحم الزانية فان منع الحديد ان يقطع و النار ان تحرق و الحنطة ان تنبت و النطفة ان تتخلق كان قد منع ما اعطاها و يلزم من ذلك ان الحديد لايقطع في الجهاد و النار لاينتفع بها العباد و الحنطة لاتنبت عند مالكها مع كمال الاستعداد و النطفة الحلال لاتتكون منها الأولاد و يفسد النظام و تبطل فاۤئدة الايجاد و ان خلق الأشياۤء علي ما تقتضيه طبايعها التي خلقها عليها لمصلحة العباد قطع الحديد رأس المؤمن و النار احرقته و الحنطة تنبت عند الظالم و نطفة الزاني يتكون منها ولد الزنا و ليس الله معينا لمن عصاه فلميقتل المؤمن و انما قتله الظالم بالسيف و احرقه بالنار و لميعن الغاصب لحنطة المؤمن و لميأمر الزاني بالزنا فمعني قولنا ان الله خلق الكفر انه تعالي اذا كفر عبده طبع الله علي قلبه بكفره كما قال تعالي و قالوا قلوبنا غلف بل طبع الله عليها بكفرهم و معني
«* جوامع الکلم جلد 1 صفحه 523 *»
انّ الله خلق المعاصي انه خلق مقتضاها و لوازمها كما مثّلنا لك به و الأخبار الواردة في هذا الباب كثيرة لاتكاد تحصي كلها من هذا المعني و هو معني ما
قلت: مثلا خلق الحديد يقطع و لايقطع الّا بالله فاذا ذبح زيد عمراً ظلما بالسيف فان لميوجد الله الذبح لمقتضي فعل زيد و الحديد لكان قد منع الحديد ما خلقه عليه فلميكن الحديد حديداً و منع زيداً مقتضي فعله فلميمكّن زيداً من فعل المعصية فلميقدر علي الطاعة لانها لاتتحقق الا بالتمكين من المعصية و اذا لميكن ذلك لميحسن تكليفه فلميكن مكلفا و اذا كان كذلك لميحسن ايجاده و يبطل الايجاد من اصله و الوجود الذهني حدث عن الله بهذا النحو .
اقول مرادي من قولي ان الحديد لايقطع الا بالله ليس كما فهمه الأشاعرة بأنّ القاطع هو الله لأنّ الأسباب في الحقيقة ليست اسبابا و هو غلط لأنّه يلزم الجبر بل الأسباب اسباب في الواقع و الحديد بنفسه هو القاطع بلامشاركة مع الله عزوجل في القطع و انما مرادي انه تعالي اعطي الحديد القطع و جعله يقطع بنفسه و لكن الحديد و الحركة من الفاعل و القطع قاۤئمة بامر الله قياماً ركنيّا و بفعل الله قياماً صدوريّا و هي شئ يحفظه ( شيء بحفظ نسخه . م . ص ) الله فما دام الله حافظاً لوجودها بامره و فعله فهي شئ يفعل بما اودع من القدرة المحفوظة بقبضة الله اذ لو خلّاها من يده لمتكن شيئاً اصلا فان لميوجد الله بالحديد الذبح الذي هو اثر فعل زيد بمقتضي فعله لميكن زيد متمكناً من فعل المعصية و اذا لميكن متمكناً من فعل المعصية لميكن متمكناً من فعل الطاعة لأنّ الطاعة كما يأتي لايتحقق حتي يكون متمكناً من فعل المعصية قادراً عليها باختياره فيتركها و يفعل الطاعة باختياره فحينئذٍ تتحقق الطاعة فاذا لميتمكن من المعصية لميتمكن من فعل الطاعة فاذا لميتمكن من فعل الطاعة لميحسن تكليفه لانتفاۤء فاۤئدة التكليف و اذا لميحسن تكليفه لميحسن ايجاده لانتفاۤء فاۤئدة الايجاد و ايجاد الوجود الذهني
«* جوامع الکلم جلد 1 صفحه 524 *»
من هذا القبيل بالنسبة الي ما ينتقش فيه من خير او شرّ فانها كلها بفعل الله علي نحو ما اشرنا اليه لأنّ الله فاعل لأفعال العباد تعالي عن ذلك علواً كبيرا فافهم راشدا .
قلت : ثم اعلم ان في قوله تعالي و ان من شئ الّا عندنا خزاۤئنه حيث اتي للشئ من جهة افراده بجمع خزاۤئن سرّاً نبّه بذلك عليه و هو ان كلّ شئ له خزاۤئن فاعلي خزاۤئنه الرحمة ثم الرياح ثم السحاب المزجٰي ثم السحاب المتراكم ثم بحر الممكن و هباۤؤه ثم سحابه المزجي ثم المتراكم .
اقول يعني ان سرّ قوله تعالي في جعل خزاۤئن متعددة لشئ واحد هو ان الشئ الواحد له مراتب متعددة من مراتب الوجود و تنزلاته بان يكون مذكوراً في كل مرتبة بما له فيها من التحقق و الشيئية من مراتب المشية كما اشار اليه سلمان الفارسي (ره) علي ما نقله عنه الرضا عليه السلام انه دعا اباذرّ لضيافته فاتي له برغيفي شعير يابسين فاخذ ابوذر يقلبهما فقال له سلمان اراك تقلبهما يا اباذرّ أتدري من اين اتياك والله لقد عمل فيهما الماۤء الذي حمل العرش حتي القيٰهما علي العرش و عمل فيهما العرش حتي القيهما علي الملئكة و عملت فيهما الملئكة حتي القتهما علي الرياح و عملت فيهما الرياح حتي القتهما علي السحاب و عمل فيهما السحاب حتي القيهما علي الأرض و عملت فيهما الأرض و الماۤء و النار او كما قال ثمّ قال انّٰي لك و شكر هذا يا اباذر نقلت بعض معناه و كل واحدة من هذه الخزاۤئن لذلك الشئ يذكر فيها وجهه منها الذي خلق منه فيخلق من الوجه الأعلي ما تحته و يخلق من هذا التحت ما تحته و هكذا حتي يظهر الشئ في مكان حدوده و وقت وجوده و الوجود قارّ علي كل وجه في مكانه من تلك الخزانة لايخرج منها نازلاً و لا صاعدا و ما منّا الّا له مقام معلوم و انما يتنزل ما تحته منه كما تتنزل النار من النار الكامنة في حكّ الزناد بالحجر فاوّل خزانة ذكر فيها ( فيها في نسخه . م . ص ) مراتب التكوين الأربع الاعتبارية الأولي ذكره في تكوين
«* جوامع الکلم جلد 1 صفحه 525 *»
الرحمة و النقطة و السرّ المجلل بالسر و الثانية ذكره في تكوين الألف الأولي و الرياح و النفَس الرحماني الأولي بفتح الفاۤء و الثالثة ذكره في تكوين السحاب المزجٰي و الحروف الأوليات العاليات و الرابعة ذكره في تكوين السحاب المتراكم و الكلمة التامّة التي خلق تعالي بها كل شئ من الأشياۤء اعني المشية و الخامسة بدؤ كونه في بحر الممكن و هباۤئه و السادسة سحابه المزجٰي بعد اثارته من اعلي شجر ذلك البحر برياح الاسم البديع الرحمن و السابعة سحابه المتراكم من ذلك السحاب المزجي المشار ( المثار نسخه . م . ص )
المذكور .
قلت ثم الاكوان الستة التي اشار اليها الصادق (ع) الكون النوراني و هو الماۤء الذي به حيوة كل شئ ثم الكون الجوهري و هو الحجاب الابيض و هو الركن الايمن الاعلي عن يمين العرش ثم الكون الهواۤئي و هو الحجاب الاصفر و هو الركن الايمن الاسفل عن يمين العرش ثم الكون الماۤئي و هو الحجاب الاخضر و هو حجاب الزمرد و هو الركن الايسر الاعلي عن يسار العرش ثم الكون الناري و هو الحجاب الاحمر و قصبة الياقوت و هو الركن الايسر الاسفل عن يسار العرش ثم كون الاظلة و هو الهباۤء الٰاخِر و كون الذر الثاني .
اقول الأكوان الستّة التي ذكرها الصادق عليه السلام من الخزاۤئن للشئ فهي مع السبع الأُول ثلاثعشرة خزانة و الأول من الستّة الأكوان المذكورة الكون النوراني و هو حجاب السر و هو اعلي الحجب و هو معانيه اي معاني افعاله تعالي و هي حقايقهم عليهم السلام و هو الماۤء الذي حمل العرش في قوله تعالي و كان عرشه علي الماۤء اعني اول فاۤئض عن فعل الله و هو الوجود الراجح و هو الحقيقه المحمديّة و هو الزيت في قوله تعالي يكاد زيتها يضيء و لو لمتمسسه نار كناية عن راجحية وجوده ه ، و الثاني الكون الجوهري و هو عقل الكل المسمّي بروح القدس و بالقلم و الحجاب الأبيض و هو الركن الأيمن اي النوراني الأعلي يعني الباطن لأنّ كل ما بطن فهو اعلي رتبة مما ظهر و هو اول
«* جوامع الکلم جلد 1 صفحه 526 *»
خلق من الروحانيين و اول غصن نبت من شجرة الخلد خلقه الله عن يمين العرش يعني عن يمين السلطنة و المملكة الداۤئمة الكاملة ( الدائمة الخالدة نسخه . م . ص ) و الثالث الكون الهوائي اعني الروح الكلية و الحجاب الأصفر حجاب الذهب و اصل البراق انها بقرة صفراۤء فاقع لونها تسرّ الناظرين و هو ركن العرش الأيمن النوراني الأسفل لأنه ظاهر بالنسبة الي نور العقل و الرابع الكون الماۤئي و هو الحجاب الأخضر حجاب الزمرد او الزبرجد علي اختلاف الروايتين و هو ركن العرش الأيسر يعني الظلماني الجسماني اي المنسوب من جهة ارتباط فعله بالاجسام اليها و الأعلي اي الباطن و النفس الكلية و اللوح المحفوظ و الخامس الكون الناري و هو الحجاب الأحمر يعني الطبيعة الكلية و قصبة الياقوت كما في بعض الروايات و هو الركن الأيسر اي الظلماني الجسماني كما تقدّم الأسفل يعني انه ظاهر بالنسبة الي الأخضر و هو عن يسار العرش اي ظاهره السادس كون الأظلّة سمّي بذلك لأنّه كالظلّ يري و لايدرك باللمس و هو جوهر الهباۤء الآخر يعني آخر المجردات الدهريات و هو المواد البسيطة المحصصة بالمهملات بالحصص الشخصية و كون الذرّ الثاني يعني ان الكون السادس هو عالم الأظلّة و الذرّ و هو هنا اي الذرّ الهباۤء المنبثّ في الهواۤء شبهت تلك الحصص بالهباۤء المنبثّ في الهواۤء لصغرها بالنسبة الي سعة ذلك الفضاء و الّا فهُم علي قدر حجمهم الظاهري كما اذا كان شخص تحت الجبل فانّك تراه لبعد المكان و صغره بالنسبة الي الجبل كالذرّ و اصغر من غير ان يصغر حجمه في نفسه و سمّي بالأظلّة لما قلنا من انّه كالظل يري و لايمسّ فكون الأظلة و كون الذرّ واحد لأنه عليه السلام قال و الكون السادس اظلة و ذرّ و انما قلنا الذرّ الثاني لأنّ الذرّ متعدد باعتبار تعدد رتبته او اعتبار المعتبرين الأوّل و هو المعاني في العقول و الذر الثاني هو الصور الجوهرية في النفوس و الثالث هو ما في هذه الدنيا و الرابع ما في الآخرة و بين الأوّل و الثاني برزخ هو الأرواح و الرقاۤئق و هو عالم الورق الخضر
«* جوامع الکلم جلد 1 صفحه 527 *»
و ورق الآس و بين النفوس و الأجسام عالم المثال و الأظلة الحقيقيّة و الأشباح و هي ابدان نورانية لا ارواح لها اي لا مواد فيها و بين الدنيا و الآخرة عالم البرزخ في القبور بعد الموت و قيل الذرّ الأول عالم النفوس و الثاني ما في هذه الدنيا و قيل الأول ما في الدنيا و الثاني ما في الآخرة و قيل غير متعدّد و هو مجاز ( و قيل الذرّ متعدد و هو جار نسخه . م .ص ) علي المكلفين في هذه الدار و الأصحّ الحقيق بالتحقيق الأولٰي بالتصديق هو الأول .
قلت ثم العرش محدد الجهات ثم الكرسي ثم فلك البروج ثم فلك المنازل ثم من فلك الشمس في زحل و في القمر ثم من الشمس في المشتري و في عطارد ثم من الشمس في المريخ و في الزهرة ثم ينزل الي الاذهان صورته بتسخير شمعون و سيمون و زيتون لجنودهم و اعوانهم من الملائكة الموكلين بفلك عطارد و ما حمل من متمماته و حامله و مديره و تدويره و كوكبه و اشعته .
اقول اعلم ان العرش له اطلاقات في اخبار الائمة عليهم السلام فتارة يطلق علي الوجود الراجح كالمشية و كاَوّل فاۤئض عنها و تارة يطلق علي الملئكة الأربعة العالين التي هي الأنوار الأربعة الأحمر و الأصفر و الأخضر و الأبيض التي هي اركان العرش لأنّ العرش ينقسم اليها و تارة علي الدين كما في قوله تعالي و كان عرشه علي الماۤء يعني انه تعالي حمل دينه العلم فالعلم حامل له و تارة علي الملك كما قال تعالي رب العرش العظيم يعني رب الملك العظيم و تارة علي العلم الباطن الذي فيه علل الأشياۤء و علم الكيفوفة و منه مظهر البداۤء و الكرسي علي العلم الظاهر اعني صور المعلومات و مُثُلها بضم الميم و الثاۤء المثلثة و اظلتها الكونية و العرضية و تارة علي العلم المؤدّي اوامره و نواهيه الي المكلفين كما ورد في تفسير قوله تعالي و يحمل عرش ربّك فوقهم يومئذ ثمانية انهم اربعة من الأوّلين نوح و ابرهيم و موسي و عيسي عليهمالسلام و اربعة من الآخرين محمد صلي الله عليه و آله و عليّ و الحسن و الحسين عليهم
«* جوامع الکلم جلد 1 صفحه 528 *»
السلام و تارة يطلق علي ما سوي الله و تارة يطلق علي محدّد الجهات و قد اشارت الروايات الي هذه الاطلاقات و نحن انما نذكر محدّد الجهات لأنّ اكثر غيره او كله او غيره داخل ( او كله داخل نسخه . م . ص ) فيما ذكرنا من الخزاۤئن قبل المحدّد ( من الخزائن قبله و هو المحدّد نسخه . م . ص ) و هو الخزانة الرابعةعشر و هو خزانة القلوب و الكرسي و فلك البروج و فلك المنازل و فلك زحل و المشتري و المريخ و الشمس و الزهرة و عطارد و القمر فهذه عشرة ( عشر نسخه . م . ص ) خزاۤئن فالكرسي للعلوم الكلية و فلك البروج للنوعية و المنازل للصنفية و زحل للعقول و المشتري للنفوس و المريخ للاوهام و الشمس للوجود الثاني و الزهرة للخيالية و عطارد للفكرية و القمر للحيوة و اما قولنا من الشمس في زحل و القمر الخ ، فنشير الي سرّ و هو ان الشمس كما هو مقرّر في الطبيعي المكتوم هي اوّل ما خلق الله من الافلاك السبعة فدارت الأفلاك عليها يستمدون منها فوقها و تحتها لأنّها انما كانت منشأ الوجود الثاني لأنّها مهبط الأنوار العلوي ( العلوية نسخه . م . ص ) فهي تستمدّ من نفس النور الأبيض و تمدّ زحل و من صفته و تمدّ القمر و تستمد من نفس النور الأخضر و تمدّ المشتري و من صفته و تمدّ عطارد و تستمد من نفس النور الأحمر و تمدّ المريخ و من صفته و تمدّ الزهرة ثمّ تنزل صورته الي الأذهان بتسخير الملئكة الثلاثة الموكلين بفلك الفكر و هو فلك عطارد الكاتب و هم شمعون و سيمون و زيتون المسبحون باسم الله المحصي و لهؤلاۤء الملئكة الثلاثة جنود و اعوان من الملائكة لايحصي عددهم الا الله حتي قيل ليس واحد من السموات فيه ملائكة بقدر فلك عطارد و تلك الجنود و الأعوان موكّلون بفلك عطارد من قبل الملئكة الثلاثة او بما حمل ذلك الفلك من متمماته الأربعة و كوكبه و حامله و مديره و تدويره و اشعة هذه
«* جوامع الکلم جلد 1 صفحه 529 *»
المذكورات اعني نهاياتها و حركاتها و نهاياتها ، هذا اذا كان الشئ النازل صورة لأنّ الذهن هو محلها المقوّم لها و لو كان الشئ جسماً او جوهراً وضعه الله في محله المقوّم له و من فلك المحدّد تخلق القلوب و من الكرسي النفوس و العلوم الكلية و انواعها في فلك البروج و اصنافها في فلك المنازل و من فلك زحل العقول اي التعقلات لأنّ العقول هي القلوب و هي من الفلك المحدد و اما زحل فهو بمنزلة ما في رأس الانسان من عقله فان العقل هو القلب و هو في الصدر قال تعالي و لكن تعمي القلوب التي في الصدور و اما ما في الدماغ من العقل فانه وجهه و بصره و باطنك كظاهرك فانك في الصدر و تري بالرأس كذلك باطنك و من المشتري الذاكرة و هي العلم الذي وصل اليه من الزهرة و يؤدّيه الي الكرسي في حال الترقي كما في حال التنزل و من المريخ الأوهام و من الشمس التكوين الثاني و من الزهرة الخيالات و من عطارد الأفكار و من القمر الحيوة فاذا قدّر الله تعالي و اذن بشيء من الصور او ( و خل ) الهيئات ان يتنزل من الخزاۤئن المشار اليها تلقته الملائكة الثلاثة و سلّموه الي الأعوان باذن الله تعالي و تنزله الأعوان باذن الله بواسطة تلك الحركات و الكواكب و الأسماۤء التي هي الممدّة لهم الي الأذهان و لذا.
قلت: و انما ينزل الي الذهن بعد ان ينزل من الخزانة العليا الي ما دونها و هكذا الي ان يصل الي الذهن فقوله تعالي و ماننزله الا بقدر معلوم يشير الي ان ذلك النازل من كل مرتبة انما ينزل باذن و اجل و كتاب .
اقول و هذا ظاهر و معني انما ينزل باذن و اجل و كتاب ، ان كل شئ نزل من تلك الخزاۤئن لاينزل من العليا الي ما دونها الا اذا اذن الله له في النزول في وقت معيّن بعد ان يكتب تنزّله في الألواح اعني نفوس الأشياۤء و ذواتها و صفاتها من الجمادات و النباتات و الحيوانات ممّا فوقه الي رتبة ما نزل اليه و اذا نزل من العليا انما ينزل منه ما هو مثل له و حقيقته ( حقيقة خل ) باقية في الخزانة لاتخلو منها اعني الخزانة التي نزل منها مثل ما ينزل من النار التي في الحجر بالحكّ فان حقيقتها في الحجر باقية و يظهر منها نار مثلها من غير ان يتصور نقص في
«* جوامع الکلم جلد 1 صفحه 530 *»
الحقيقة التي في الحجر فافهم .
قلت و هذه المراتب كلها من الوجود الخارجي و ما في الذهن كما في المرءاة فانه وجود خارجي .
اقول انّ ما في هذه المراتب المذكورة اعني الخزاۤئن كلها من الوجود الخارجي و هي اصول لما في الذهن فيكون ما في الذهن انما ينتقش فيه منها اظلّة ما فيها كما في المرآة و انما تنتقش فيها اظلة ما يقابلها مع انك تحكم بان ما في المرآة من الوجود الخارجي كذلك ما في الذهن لأنّه عز و جل يضع كل شئ خلقه في محله اللايق به الذي يكون مقوّماً له فوضع الشخص في مكانه من الأجسام و وضع مثاله في محل اللايق به الذي يكون مقوّما له و هو الذهن و الكل من الوجود الخارجي و انما اصطلحوا علي تقسيمه الي هذين القسمين للفرق بين محل ما للغيب و بين محل ما للشهادة .
قلت ثم ما في هذه المراتب التي هي الخزاۤئن قسمان اصل و ظل و المنتقش في مرءاة الذهن ان كان من الاصل انتقشت صورته و ان كان من الصورة انتقشت صورة الصورة مع مرءاتها الّا ان الذهن انما ينتقش فيه علي قدره من جهة الكم و الهيئة و الكيف فان كان صافيا مستقيما حكي ما في المقابل بلا تغيير و الّا اختلف المنتقش فيه في الكم بكم الذهن و في الهيئة بهيئة الذهن من الطول و العرض و الاعوجاج و الانحراف و في الكيف بكيفه من بياض او سواد و غير ذلك و ذلك كاختلاف صورة الوجه الواحد في المرايا المتعدّدة المختلفة كذلك .
اقول انّ الذهن لما ثبت انه ليس فيه الّا ما انتقش من ظل المقابل لأنّه بحكم المرآة و ان الخزاۤئن قسمان خزاۤئن للذوات و خزاۤئن للصفات كان المنتقش منها في الذهن ان كان من الأصل انتقشت فيه صورته المنفصلة بنفسها اعني ظلّ صورته القاۤئمة به و ان كان المنتقش فيه من الظل انتقشت فيه صورة
«* جوامع الکلم جلد 1 صفحه 531 *»
الصورة مع مرآتها التي انتقشت فيه الّا انّ الذهن تنتقش فيه الصورة علي قدره من الكمّ اي علي قدر الذهن من جهة كمّ الذهن اي سعته و كبره و صغره و من جهة هيئته من استقامته و اعوجاجه و انحرافه و طوله و عرضه و من جهة كيفه من بياضه و سواده و غيرهما و آيته المرآة فان صورة المقابل تنتقش فيها بنسبة كمّها و هيئتها و كيفها و هذا معني قولنا فان كان صافياً مستقيماً الي آخره و هذا ظاهر .
قلت هذا اذا كان ما في الذهن من ظل الحق فان كان ما فيه من ظل الباطل انتكس الي اسفل فقابَل الذي في خزاۤئن الشمال و هي ثمانيةعشر خزانة منكوسة كل ما فيها دعاويَ لا حقاۤئق الّا انّها تشبه ما في الحق كل خزانة تشابه ضدها فينتقش فيه ما قابله مع ما في الذهن من الهيئة و الكيف و ما له من الكم .
اقول ما ذكرنا كله اذا كان ما في الذهن من ظلّ الحق او ظل ظلّ الحق اعني ما هو مثبت في كتاب الأبرار اعني عليين و هو الصفحة الأولي النورانية من اللوح و اما ان كان ما في الذهن من ظل الباطل انعكس الذهن اي نكس وجهه الي جهة السفل مكبّاً علي وجهه ناكسوا رؤسهم عند ربّهم فاذا انتكس قابل ما في خزانة الشمال و هي الصفحة السفلي الظلمانية من اللوح و هو ما اثبت في كتاب الفجّار اعني سجين من مُثل الباطل بضم الميم و الثاۤء المثلثة المجتثة كما قال تعالي و مثل كلمة خبيثة كشجرة خبيثة اجتثت من فوق الأرض ما لها من قرار يعني ما لها من ثبات مستند الي الحق المتأصّل الثابت الأصل بان يرجع ثبوته الي ما يكون بفعل الله تعالي بالذات و لو بوسايط متعددة و هذه المثل المجتثة ثمانيعشر خزانة مع عدّ مبدءها منها اعني الجهل و ما فوقه و هو ما تحت الثري و ذلك بلحاظ غيبها و شهادتها و تفصيل ذكرها الجهل الأوّل و فوقه روح الباطل و نفس الباطل المسمّي بالثرٰي و الطمطام اي الظلمة و جهنم بطبقاتها السبعة اعني ابوابها تعدّ كلها خزانة واحدة و الريح العقيم و البحر و الحوت و الثور و الصخرة و الملك الحامل للأرضين السبع و الأرضون السبع بلحاظ نفوسها نفس الجحود و نفس الالحاد و نفس الطغيان و نفس الشهوة و
«* جوامع الکلم جلد 1 صفحه 532 *»
نفس الطبيعة و نفس العادات و نفس الممات فهذه ثمانيةعشر خزانة تقابل مثلها من الحق اوّلها العقل الكلي و روح الكل و نفس الكل و طبيعة الكل و جوهر الهباۤء و المثال و محدّد الجهات و الكرسي و فلك البروج و فلك المنازل و السموات السبع بلحاظ نفوسها العقل اي التعقل كما مرّ و العلم و الوهم و الوجود الثاني و الخيال و الفكر و الحيوة و كل واحدة من خزاۤئن الباطل تقابل ما يشابهها من خزاۤئن الحق الا انّها ترجع اليها من حيث هي هي لا من حيث رجوعها الي الحق و الّا لكانت حقّا بل علي حدّ قوله تعالي وجدتها و قومها يسجدون للشمس من دون الله و هذه الثمانيةعشر الخزاۤئن الباطلة كلها دعاوي اي باطلة و كذب لا حقايق لأنّ الحقايق انما تكون للحق و لو كان للباطل حقيقة لماكان باطلا الّا انّها تشابه الحق لأنها تدعي الحق او يدعي بها الحق دعوي باطلة و لأجل كونها مشابهة للحق سمّاهما الله في انفسهما باسم واحد و شبّههما بتشبيه واحد فقال تعالي انزل من السماۤء ماء فسالت اودية بقدرها فاحتمل السيل زبداً رابيا و مما يوقدون عليه في النار ابتغاۤء حلية او متاع زبد مثله كذلك يضرب الله الحق و الباطل فاما الزبد فيذهب جفاۤء و اما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض الآية ، فسمّي الباطل زبدا و سمّي الحق زبداً مثله و قال تعالي و مثل كلمة طيبة كشجرة طيبة اصلها ثابت الآية ، و قال تعالي و مثل كلمة خبيثة كشجرة خبيثة اجتثت من فوق الأرض ما لها من قرار الآية، و انتقاش الباطل في الذهن علي نحو انتقاش الحق فيه الا ان الحق لما كان اصله ثابتاً كان قارّاً في الذهن كما هو قارّ في الخارج و اما الباطل فهو داۤئماً متزلزل مضطرب و السرّ في ذلك ان الحق هيئة تكوينه و تكوّنه هيئة الفطرة التي فطر الناس عليها فكان مستقرّاً في المحل المطابق له بخلاف الباطل لأنه مخالف للفطرة لأنّ الله عزوجل انما فطر المكلفين علي الحق فان عمل المكلف بامر الله كان موافقاً لما خلق عليه هيئته كما قال تعالي بل اتيناهم بذكرهم فهم عن ذكرهم
«* جوامع الکلم جلد 1 صفحه 533 *»
معرضون و ان لميعمل بامر الله كان مخالفاً للفطرة و انما عمل بمقتضي ما طبع نفسه عليه مما تقتضيه شهوته و هوي نفسه اللذان هما خلاف الفطرة و ذلك بعد ان غيّر الفطرة بفطرة تطبعيّة و بدّلها بصورة نفسانية حيوانية او شيطانية فكان للعاصي طبيعتان اصلية هي مقتضي الاجابة في عالم الذرّ و عارضية هي ما تطبع عليها حتي تغيّرت فطرته و لكن الفطرة الأصلية لمتضمحل اصلا بل هي موجودة و فيها تغيير بمقتضي الأصلية ينكر المعصية كلما لحظ بها و بمقتضي العارضية يقبل المعصية لما بينهما من المناسبة كلما لحظ بها فهو لايزال مضطربا كما اخبر عنه تعالي فقال و من يرد ان يضلّه يجعل صدره ضيّقاً حرجا كأنّما يصّعّد في السماۤء لما فيه من مقتضي الموافقة و مقتضي المخالفة بخلاف المطيع فان الله تعالي بطاعته يشرح صدره للاسلام و لو اضمحلت الفطرة الأصلية من العاصي لماعرف شيئاً من الحق و اذا لميعرف لمتقم عليه الحجة نعم قد يكون بعض المكلفين الذين تبيّن لهم الحق فانكروا كلما تبين لهم حتي اطمأنّت نفوسهم بمعصية الله و هؤلاۤء لمتفن منهم الأصلية و انما عدم ميلها الارتباطي الذي يتعلق بافعال الطاعة لعدم امدادها بشئ من اعمال الخير فعدم ميلها الارتباطي بافعال الخير و بقي ميلها الأصلي فبه ( فيه خل ) يعرف انه عاصٍ مقصّر و ذلك من صنع الحكيم لئلّاتكون للناس علي الله حجة فلايقولوا ماعلمنا او مافهمنا فلذا قال تعالي و ماكان الله ليضلّ قوماً بعد اذ هديٰهم حتي يبيّن لهم ما يتقون .
قلت و انما قلنا انه ظلّي انتزاعي في غير ذهن علة الموجودات لانك لاتدرك ما غاب عن بصرك بخيالك الّا في وقته و مكانه و لايمكنك ان تدرك شيئا سمعته او نظرته اذا غاب عنك او غبت عنه الّا اذا التفتَت نفسُك الي زمانه و مكانه الذي ادركته فيه اوّلاً فتدركه فيه و ان ذهبت شهادته فانّ غيبه لميذهب كلما طلبته وجدته فيه .
اقول انما قلنا ان الشبح الذي في الذهن كله ظلي انتزاعي لأنك لاتدرك ما غاب عن بصرك بخيالك الّا في وقته و مكانه و لو لميكن ظلاً منتزعاً من الخارج
«* جوامع الکلم جلد 1 صفحه 534 *»
لمااحتاج في تصوره الي الالتفات الي جهة الخارجي لأن الذات لاتحتاج في تصورك لها الي ما تتقوم به غير ذاتها بخلاف الصفة فانك تحتاج الي انتزاعها من موصوفها و هذا ظاهر نعم اذا كان الذهن ذهن علة الشئ علة مادية و علة صورية فانه لايحتاج الي اخذه من غيره اذ ليس لذلك الشئ الموجود اصل و لا وجود غير ذهن هذا المتصور فانّ ما في ذهنه علة للخارجي و الخارجي متنزل منه و لذا قلت في غير ذهن علة الموجودات لأنّه لو عدم و العياذ بالله لساخت الأرض لأنّ وجوده هو امر الله الذي به قامت السموات و الأرض و ما فيهما و ما بينهما بخلاف زيد و عمرو و امثالهما من ذوي الأذهان فان احدهما اذا فقد لميفقد شئ بفقده و لميعدم شئ بعدمه فيكون جميع ما تجده في ذهنك اظلة منتزعة من وجود خارجي اما في عالم الشهادة ممّا رأيته او في عالم الغيب مما سمعت به و لو بدلالة لفظ فانه موجود في خلق الله قبل ان تقع صورته في ذهنك كما دلّ عليه كلام الرضا عليه السلام المتقدم و قد ذكرنا قبل انك اذا رأيت زيداً يصلي يوم الثلثا الثالثعشر من شهر رجب سنة الثالثة و الثلاثين بعد المأتين و الالف و هو اليوم الذي كتب فيه هذا الكلام في المسجد بقي مثاله و شبحه اعني ظله قاۤئماً في ذلك المكان و ذلك الوقت الي يوم القيمة فكلما طلبت رؤيته التفت بمرآة خيالك الي غيب ذلك المكان و ذلك الوقت فاذا قابلته بمرآة خيالك انطبع فيها ذلك المثال في ذلك الوقت الذي رأيته يصلي فيه و في ذلك المكان و هو بعينه عين الوقت الأوّل الذي رأيته فيه الّا ان الأول شهادته و هذا غيبه فاما شهادة ذلك فقد مضت و بقي غيبه ثابتاً الي يوم القيمة كلما التفت بخيالك اليه رأيته و لو رأيته علي معصية فكذلك الّا ان المكانين مختلفان في الغيب و ان اتفقا في الشهادة كما لو رأيته يصلّي في الدكان و رأيته يسرق فيه او يزني فان المثال المصلي في العليين و المثال السارق و الزاني في السجين و المكان الظاهر واحد و الباطنان مختلفان و كذلك زيد فانّه في الظاهر واحد و اذا
«* جوامع الکلم جلد 1 صفحه 535 *»
صلّي فهو زيد المؤمن و اذا زني فهو زيد الفاسق و اعلم ان زيدا ما دام علي معصية فانت تري ذلك المثال الزاني لازماً له و هو متصف به لابس له كالثوب و ذلك المثال متقوّم به و باصله المنقوش في كتاب الفجّار سجين فاذا تاب و علمت ذلك منه اذا اتاك وجدت ذلك المثال منفصلاً عنه غير مرتبط به و لا متقوّم به و انما هو متقوم باصله من سجين خاصة فاذا مات زيد علي التوبة و الايمان و العمل الصالح امر الله كلمته فمحت ذلك المثال من غيب ذلك المكان و ذلك الزمان و انسي الملائكة ذكره و ستر بفضله علي عبده المنيب اليه سرّه و هو خير الغافرين و خير الساترين و هو ما
قلت : كما لو ذكر لك زيد انّك كلّمت عمراً امسِ بكذا فانّك لمتذكره حتّي تلتفِتَ نفسك بخيالك الي ذلك الوقت و ذلك المكان فتري فيه عمراً بغَيبه و كلامك بغيبه موجودَيْنِ في الكتاب الحفيظ فيُعطي الكتابُ الحفيظُ ذهْنَك صورة الشخص و الكلام و الوقت و المكان فتخبر عمّا انتقشَ في ذهنك من ذٰلك علي نحو ما اشرنا اليه من كيفية الانتقاش .
اقول اذا التفتت نفسك بخيالك الي ذلك الوقت و ذلك المكان لتذكر انك كلّمت عمراً امس بكذا و تذكر نفس كلامك وجدت الكلام ثابتاً بجميع حدوده و مشخصاته في ذلك المكان و في ذلك الوقت فتنطبع صورة ذلك في صورة ذلك المكان و صورة ذلك الزمان كلّها في مرآة خيالك فتري عمراً بعينه اي تري مثال عمرو بعينه و كلامك اي مثال كلامك بعينه موجودين و الذي رأيته من كلامك و من عمرو هو الشبح اعني الظل منهما لأنهما مكتوبان بهذه الهيئة في الكتاب الحفيظ اقتباس من قوله تعالي قد علمنا ما تنقص الأرض منهم و عندنا كتاب حفيظ اي حافظ لكل شئ و هو اللوح المحفوظ و مثل هذا ما قال تعالي حكاية عن سؤال فرعون لموسي و جوابه (ع) له قال فما بال القرون الأولي حيث كانوا تراباً و
«* جوامع الکلم جلد 1 صفحه 536 *»
اضمحلوا و ضلوا في الأرض فكيف يرجعون قال علمها عند ربّي في كتاب لايضلّ ربّي و لاينسي فهذا الكتاب المكتوب فيه اعمال الخلايق بامثالهم و اشباحهم يعطي ذهنك ما يقابله من صورة تلك الأمثال القاۤئمة و من اظلتها المنفصلة فتخبر عمّا حصل في ذهنك مما نقشه فيه القلم الخاص بك و ينقشه علي نحو ما ذكرنا سابقاً من الانتقاش .
قلت : و اعلم ان الوقت الذي ذكرت فيه و المكان الذي رأيتَ فيه الشخص و الكلام هي نفس ما رأيتَ اوّلاً في الزمان لان الجسم المرئي بالبصر و الكلام المسموع بهذه الاذن قبل هذا الذكر في الزمان و هو شهادتهما و اما ادراكك لحاليتهما في ظرفيْهما ففي وقت واحدٍ و مكانٍ واحدٍ و نظيره في غير الوقت لو كان عندك كتابة في قرطاس فنظرت اليها في وقتين فان المرئي و المكان واحد و ما نحن فيه كذلك الا انّ الوقت واحد و هو وقت الاظلّةِ من يوم الجمعة وقت العصر بعد الاذان و الصلوة فان كان بصرك حديداً عرفتَ هناك ذلك الشخص هل صلي ام لا فافهم .
اقول مرادي انّ كل شئ فله غيب و شهادة فاما شهادته فتدركها الحواس الظاهرة و اما غيبه فتدركه الحواس الباطنة كالخيال و النفس و الروح و العقل علي تفصيل ما ذكرنا فيما سبق الاشارة عليه ( اليه نسخه . م . ص ) فالوقت الذي ذكرت فيه الشخص و كلامك معه و مكانهما هو باطن ما ادركته بالحواس الظاهرة و لو ذكرته مرّة ثانية و ثالثة سواۤء كانت بين الذكرين مدة طويلة ام قصيرة كان الوقت و المكان و المذكور فيهما هو بعينه ما ذكرته قبل ذلك تعدّد الذكر ام اتّحد لأنّ المثل مكتوبة بوقتها و مكانها في اللوح و انت تقابله بادراكك الباطن فينتقش فيه ذلك المنتقش الأوّل بعينه و هذا معني قولي هي نفس ما رأيت اولاً في الزمان يعني بحواسك الظاهرة الّا انّ الجسم المرئي بالبصر و الكلام المسموع بهذه الأُذن
«* جوامع الکلم جلد 1 صفحه 537 *»
قبل هذا الذكر في الزمان و لهذا قلت و هو اي المرئي بالعين و المسموع بالأُذن شهادتهما اي الشخص و الكلام و غيبهما هو الذي ادركته بالذكر بالخيال او بالنفس و مرادي باتحاد الحالتين انّ ما ادركت من حالتي الشخص و الكلام في وقت واحد و مكان واحد و كنت انت معهما في زمان واحد و مكان واحد فلما سرت في سفينة الزمان و تجاوزتهما بقيا في مكانهما و وقتهما فاذا التفتّ اليهما لمتر شهادتهما لبعدك عنهما و ذلك لسرعة سيرك في سفينة الزمان و ضعف بصرك و سمعك الظاهرين و صغرهما و لكنك تراهما بغيبك بعينك الباطنة لقوته و سعته فتراهما ابدا في ذلك المكان و في ذلك الوقت و اذا اردت مثاله فنظيره في غير الوقت الظاهر لأنّي لو لماستثن لك ذلك الوقت لاشتبه المثال عليك مع ان مغايرة الوقت ايضا في الأوّل كذلك اذا لمترد الوقت الظاهر فانه في الممثل و المثل متّحد و اذا اردت الوقت الظاهر ظهر لك التغاير فيحصل لك الاشتباه في التنظير فلذا استثنيت الوقت يعني الظاهر و هو شهادة الوقت الذي لاتزال تراهما فيه كل ما ذكرتهما فنظيره لو كان عندك كتابة في قرطاس فنظرت اليها في وقتين فانّ المرئي و المكان واحد اذ المرئي هو الكتابة في كل وقت و لمتر غيرها و المكان هو القرطاس لمتر غيره لكن الوقت الأول لرؤيتك للقرطاس و الكتابة غير الوقت الثاني لأنّ الزمان باعتبار سير اهله عنه غير قارّ الذات و ان كان في نفسه قارّ الذات فاذا استغربت كلامي هذا لما ملأ سمعك من انه غير قارّ الذات فانا اقول لك الآن الواحد من الزمان حين حضرك قبل ان يفني كما يتوهمون هل كان داخلاً في ملك الله سبحانه و في قبضته ام لا فان قلت كان داخلاً ( داخلاً و نسخه . م . ص ) في قبضته كما هو حكم الاسلام عليك قلت لك فاذن بعد ان يمضي عنك او تمضي عنه و يأتيك آن آخر كان الأول خارجاً عن ملك الله و عن قبضته حتي تحكم عليه بانه كان عدماً محضا فان قلت خرج فهو الكفر و العياذ بالله و ان
«* جوامع الکلم جلد 1 صفحه 538 *»
قلت لميخرج قلت هذا حق الّا انك انتقلت عنه الي وقت غيره و بقي في مكانه فاذا عملت بقول سيدنا الرضا عليه السلام قد علم اولوا الألباب ان الاستدلال علي ما هنالك لايعلم الّا بما هيٰهنا فانظر فانك حين خرجت من اصفهان و اتيت العراق قد عدمت عنك ( عندك نسخه . م . ص ) اصفهان كما عدم عنك ( عندك نسخه . م . ص ) الزمان و اصفهان باقية في مكانها علي ما هي عليه كذلك الزمان الذي تجاوزت عنه فانه باقٍ في مكانه علي ما هو عليه و ذكرك له و رؤيتك له بخيالك و بنفسك كذكرك لاصفهان و رؤيتك لها فافهم و قولي و ما نحن فيه كذلك الّا انّ الوقت واحد ، اريد ان رؤيتك للكتابة في القرطاس كرؤيتك للشخص و كلامك له الّا ان مسئلة رؤية الكتابة ( الّا ان رؤيتك للكتابة نسخه . م . ص ) في المحسوس فيختلف وقت الرؤية و ما نحن فيه ليس من المحسوس فلايختلف وقته لأنّه من الدهر لا من الزمان كوقت المثل بل يكون هذا وقته واحداً في كل وقت ذكرته و هو وقت الأظلّة اعني النفوس من يوم الجمعة اي وقت اجتماع النفوس بافعالها مع الاجسام و هو وقت العصر يعني انّ عند تعلّق النفوس بافعالها بالأجسام حتي تعلقت بها تعلّق التدبير عصر منها ( منهما نسخه . م . ص ) اي خلق مما اجتمع منها ( منهما نسخه . م . ص ) الانسان الذي هو محل ذلك الذكر و ذلك الادراك الذي هذا الوقت المذكور هو وقت ادراكه و ذكره بعد الأذان اعني الاعلام في الدعوة بقوله الست بربكم و محمد نبيكم و علي وليكم و الصلوة هي الصدق في قوله بلٰي يعني بلسانه و قلبه عارفاً بذلك مصدقاً مسلّماً و بالتسليم تمت الصلوة فان كنت ممن لطف حسّه و دقّ فهمه و اجاب علمه عمله ( اجاب عمله علمه نسخه . م . ص )حين هتف به كما قال صلي الله عليه و آله العلم يهتف بالعمل فان اجابه ثبت و الا ارتحل عنه ، اذا نظرت الي
«* جوامع الکلم جلد 1 صفحه 539 *»
كل شخص عرفت امره هل صلّي هناك اي اجاب بقلبه و لسانه مصدقاً مسلّماً ام لا و هذه المسئلة ذكرتها استطراداً عند ذكر وقت الذكر لا انّها ( لأنّها خل) مما نحن .
قلت : الفائدة الحاديةعشرة في بيان صدور الافعال من الانسان و الاشارة اليه ، اعلم ان الانسان مركب من الوجود و الماهية و المخلوق ابداً محتاج في بقاۤئه الي المدد من احد طرفين طرف الوجود و طرف الماهية فمدد الوجود بفعل اللهِ الذاتي فهو ابداً قاۤئم بامره قيام صدور و من فعله للاعمال الصالحة فالحافظ امر الله و المدد من الاعمال من فعل الله و من فعل العبد فما بفعل الله مقبول و ما من فعل العبد قبول .
اقول قد تبيّن فيما تقدّم ان الشئ مركب من الوجود و الماهية و انه وجد في طورين : الطور الأوّل هو الخلق الأوّل و هو ايجاد مادته في ضمن ايجاد المادة و الصورة النوعيتين اللتين مادته الخاصة به حصة من مجموعهما و قد تقدّم انّ الخلق الأوّل اعني المادة النوعية التي هي الهيولي مركب من وجود و ماهية و الوجود هو المادة و الماهية هي الصورة ثمّ اخذ من هذه الهيولي اعني المادة النوعية حصة هي وجود الشئ و مادته و الحق بالصورة الشخصية التي هي الماهية و هذا هو الخلق الثاني و الوجود في هذين الطورين اي الخلق الأوّل و الخلق الثاني في كليهما بالمعني الأوّل للوجود و المعني الثاني للوجود باعتبار لحاظ كون الشئ اثراً لفعل الله او كونه نور الله فانه بهذا اللحاظ وجود و بلحاظ انه هو هو ماهية سواۤء اعتبر ذلك في الخلق الأوّل ام في الخلق الثاني فافهم هذا الأصل و لاتنسه حين نقول بالمعني الأوّل او بالمعني الثاني و نحن و ان كنا قد نريد العموم في كثير من العبارات لكنّا انما نجري الكلام في الخلق الثاني لأنه هو الذي يظهر فيه حكم الشقاوة و السعادة الناشئتين من الافعال الاختيارية التي نحن بصدد الكلام عليها فنقول ان الشئ و نريد ان المكلّف
«* جوامع الکلم جلد 1 صفحه 540 *»
مركب من وجود و ماهية و الوجود و الماهية محدثان اخترعهما الله سبحانه بفعله فخلق الوجود لا من شئ و انما هو اثر فعله و تأكيده مثاله ايجادك ضَرْباً الذي هو المصدر من ضَرَبْت الذي هو فعلك و هذا بناۤء علي المذهب الحق ( المذهب المحقق نسخه . م . ص ) من ان الأسماء مشتقة من الأفعال كما هو رأي الكوفيين و خلق سبحانه الماهية من نفس الوجود من حيث هو هو و اذا كانا مخلوقين كانا مفتقرين محتاجين في بقاۤئهما الي المدد فيلزم كل منهما لذاته الميل الي الاستمداد من شئ من نوعه فالوجود نور و يميل الي الاستمداد من النور اذ لا بقاۤء له بدون المدد اِمّا بالذات و اِما بالعرض و الماهية ظلمة تميل الي الاستمداد من الظلمة اذ لا بقاۤء لها بدون المدد اِمّا بالذات و اما بالعرض و اريد ما هو بالذات ما اذا كان الشئ استمداده من نوعه و بالعرض ما اذا كان استمداده من نوع ضدّه و ذلك بعد تلازمهما اذ لايتحقق احدهما منفرداً عن الآخر فلما تلازما كان المجموع منهما هو المكلف فصار المكلف مركّباً من الوجود اي النور و من الماهية اي الظلمة فكان لذاته ميلان ميل الي الطاعات التي هي من نوع النور و ذلك من ميل الوجود المفتقر الي المدد و ميل الي المعاصي التي هي من نوع الظلمة و ذلك من ميل الماهية المفتقرة الي المدد فان رجّح المكلف العمل بالطاعات كان استمداد وجوده بالذات و ماهيته بالعرض لأنّها لما كانت لازمة للوجود و حصل له الاستمداد تقوّم به و تقومت هي بتبعيته و ان رجح المكلف العمل بالمعاصي كان استمداد ماهيته بالذات و وجوده بالعرض لأنّه لما كان ملزوماً لماهيته التي حصل لها الاستمداد تقومت به بالذات و تقوّم هو بتبعيتها بالعرض فذو الاستمداد الذاتي اذا اتصل به قوي و استولٰي علي الآخر حتي لايبقي للآخر ميل تامّ بل و لايبقي لذاته انيّة متحققة الّا بقدر ما يتماسك به الذي استقوي باتّصال الاستمدادات الذاتية لأنه و ان قوي الي رتبة الكمال لايضمحل ضدّه اصلاً بل يبقي من الضد ما يحصل به الاستمساك نعم يكون الضعيف تابعاً للقوي متقوماً بتبعيته له و لذا قلنا
«* جوامع الکلم جلد 1 صفحه 541 *»
انه متقوّم بالعرض لأنّ استمداده ليس مما هو من نوعه و لا مما هو له بل مما هو لضدّه و قولي فمدد الوجود بفعل الله الخ ، اريد انه خلقه الله اوّلاً و بالذات و استمداده من نوعه الذي هو نور فيكون مدده بفعل الله الذاتي فهو نور يستمد من النور و هو ما يمدّه الله سبحانه بتاييداته و الطافه و يستمد بالنور اي بفعل الله اذ هو المقصود من الايجاد فهو اي الوجود ابداً يعني داۤئماً بغير انقطاع قاۤئم بامر الله عزوجل يعني بفعله قيام صدور و متقوم بامر الله اعني باثر فعله الذاتي تقوّماً ركنيّا و من فعله اي انّ مدد الوجود بفعل الله الذاتي و من فعله اي فعل الوجود للأعمال الصالحة لأنّها من نوعه فالحافظ لبقاۤء الوجود امر الله الذي هو فعله و المحفوظ به امر الله الذي هو اثر فعله و هو هيئة الفعل المنفصلة فلذا قلنا قيام صدور و الهيئة المنفصلة هي مادة الوجود لأنّها اثر الفعل و لذا قلت تقوّماً ركنيّا و قولي فما بفعل الله مقبول الخ ، اريد ان الحافظ للمكلف حتي يتوجه اليه التكليف و يتحقق كونه شيئاً هو امر الله و هو شيئان الأمر الذي هو الفعل قام به وجود المكلّف قيام صدور و الأمر الذي هو اثر الفعل و متعلقه و اوّل صادر عنه اعني به الحقيقة المحمدية قام به وجود المكلّف قياماً ركنيّا بمعني ان مادته من شعاع تلك الحقيقة و هو قولي قبل هذا قام بامر الله الذي هو اثر فعله قياماً ركنيّا و اعني به هيئة الفعل المنفصلة و هي التي بفعل الله و هي المقبول لأنّه المادة ( لأنّه المادة و هي القبول نسخه . م . ص ) علي ما برهنّا عليه سابقا و ما من فعل العبد هو قبول و هو انفعاله لفعل الله كما اراد عزوجل .
قلت : و مدد الماهية بفعل الله العرضي فهي ابداً قاۤئمة بامره العرضي قيام صدور و من فعلها من الاعمال الخبيثة فالحافظ امر الله التابع و المدد بالاعمال الخبيثة بفعل الله و من فعل العبد فما بفعل الله مقرِّر و مقوِّم و ما من فعل العبد متقوِّم و متكوِّن .
اقول انّ مدد الماهية كاَصلها بفعل الله العرضي لأنّ ذاتها انما وجدت
«* جوامع الکلم جلد 1 صفحه 542 *»
لأجل تقوّم الوجود اذ لايتقوم محدث بسيط بنفسه من دون تركيب لأنّه في نفسه لايقدرُ اَنْ يبقي و يقوم فلابدّ من ضدّ له يمسكه فلمتخلق الماهية لنفسها و انما خلقت لأجل قوام الموجود (الوجود خل ) فكان وجودها ثانياً و بالعرض و كذلك مددها فما بفعل الله سبحانه في اعمالها الخبيثة هو التخلية بان يكلها الي نفسها و ما من افعالها الخبيثة فلأنه سبحانه انما جعل الآلة المخلوقة للطاعة صالحة للمعصية و تمكين المكلّف من المعصية لأجل ان تصحّ الطاعة اذ لايكون المكلف طاۤئعاً حتي يتمكن من فعل المعصية و يتركها باختياره و بفعل الطاعة و لو لميتمكن من فعل المعصية لميكن بالطاعة طاۤئعا اذ لايقدر علي غيرها فجعلت آلة الطاعة صالحة للمعصية و جميع دواعيها كذلك فلذا كان الفعل حافظاً ( الفعل الحافظ نسخه . م . ص ) لها عرضيا لأنّها لمتكن مقصودة لذاتها و جميع استمداداتها و اسبابها كلها عرضية لمتجعل لنفسها و انما جعلت للطاعة فعلي هذا يكون ما بفعل الله هو التخلية و الخذلان و ما من فعل العبد هو المعاصي كما تقدّم و يأتي و اعلم ان منشأ الاختيار في افعال المكلّف هو من كونه مركباً من ضدّين وجود هو نور و ماهية هي ظلمة و ميل كل واحد منهما علي خلاف ميل الآخر فكان للمكلف ميل و داعٍ الي فعل الطاعات من الوجود و ميل و داعٍ الي فعل المعاصي من الماهية فلذا كان مختارا ان شاۤء فعل و ان شاۤء ترك .
قلت : ثم لمّا كان الانسان في نفسه مركّبا من ضدّين متعادِيَيْنِ في الذات و الصفة و الانبعاث محدثين محتاجين في تقوّمهما الي المدد منهما او من احدهما فَاِنْ كان منهما جري علي ذلك الانسان الوزن يوم القيمة و الحساب و ان كان من احدهما ضعف الاخر و لميبق منه الّا قدر ما يحفظ الاخر و يكون حكمه حكم القوي .
اقول ان الانسان مركب من ضدّين نور و ظلمة متعاديين يعني متعاكسين في الذات نور و ظلمة و في الصفة معرفة و انكار و قبول و عدم قبول و في
«* جوامع الکلم جلد 1 صفحه 543 *»
الانبعاث انبعاث علي التوالي و انبعاث علي خلاف التوالي و ذلك لأنّ الوجود اذا مال الي فعل شئ مالتِ الماهية الي تركه و بالعكس و هما معاً محدثان كما تقدم محتاجان في تقومهما و بقاۤئهما الي المدد منهما او من احدهما الوجود او الماهية فان استمدّ كل واحد من نوعه فلايكون استمداد احدهما معاً لأنّه يلزم منه انفكاك كل واحد عن الآخر و ذلك موجب لعدم كل واحد منهما بل يكون استمداد كل منهما علي التعاقب و اذا كان المكلّف هكذا جري عليه حكم الوزن و الحساب يوم القيمة فمن ثقلت موازينه لكثرة حسناته فاولئك الذين هم ( فاولئك هم نسخه . م . ص ) المفلحون و من خفّت موازينه لقلة حسناته و كثرة سيئاته فاولئك الذين خسروا انفسهم و حيث كان الوجود يدور علي نقطة مبدئه علي التوالي كان ميله الذاتي علي التوالي فاذا استمدّ من نوعه كان دوره علي التوالي و تنجذب الماهية معه علي التوالي لعدم قدرتها علي انفرادها و انفكاكها و علي معاكسة ضدّها فيضعف ميلها الذاتي فتميل بالعرض ( بالعرضي نسخه . م . ص ) مع الوجود و ان كانت هي المستمدة من نوعها دارت علي خلاف التوالي و ينجذب الوجود معها علي خلاف التوالي لعدم قدرته علي الانفراد و الانفكاك و علي معاكسة ضدّه فيضعف ميله الذاتي فيميل بالعرضي معها و قد ذكرنا انه اذا انحصر الاستمداد في احدهما ضعف الآخر و رقّ حتي لايبقي منه الّا مقدار ما يستمسك به القوي و بنسبة ما بقي من الضعف يكون له ميل بنسبته الّا انه قد لايظهر اثر و اذا كمل الشخص في طرف من الوجود او الماهية سكن ميل ضعيفه حتي لايكاد يلتفت الي جهته و اذا لمينحصر فان تساويا في الميلين كان الشخص من المرجين أمر الله اِمّا يعذبهم و اِما يتوب عليهم و ان زاد احدهما علي الآخر جري علي الشخص حكم الوزن و يستقر حكمه في الغالب علي حكم الزايد و
«* جوامع الکلم جلد 1 صفحه 544 *»
الله سبحانه يفعل في ملكه ما يشاۤء و من اجل ما اشرنا اليه
قلت : فان كان القوي الوجود اطمأنت النفس و كانت اخت العقل و رقّت الماهيّة و شابهت الوجود كالحديدة المحماة بالنار فلا فرق في الفعل بينهما و ان كان ما بها بالعرض كالحديد قال الشاعر :
رقّ الزجاجُ و رقّت الخمرُ | فتشاكلا و تشابه الامرُ | |
فكأنما خمر و لا قدحٌ | و كأنّما قدحٌ و لا خمرُ |
و ان كان القوي الماهية كان الامر علي العكس و كل واحد منهما انما يستمد و يقوي بمددٍ من جنسه اذ لايستمد الشئ من نحو ما هو من ضده فلايستمد النور من الظلمة و لا العكس من حيث هو كذلك و ميل الاخر معه انما هو لبقاۤئهما .
اقول هذا بيان لبعض احوال القويّ و الضعيف و هو انه ان كان القوي هو الوجود اطمأنت النفس التي هي وجه الماهية و وزيرها كما انّ العقل وجه الوجود و وزيره و النفس الناشئة من الماهية لها في الاصطلاح سبع مراتب المطمئنة هي المرتبة الرابعة و ذلك لأنّ النفس اول حصولها و ظهورها في طبيعتها النفس الأمّارة بالسوء و الثانية من مراتبها اللوّامة لكونها تلوم صاحبها علي فعل الطاعة لطبيعتها و علي فعل المعصية لتطبّعها ببعض افعال العقل و استعمالها لبعض افعال الخير و الثالثة الملهمة لاِلهامها حبّ الطاعة و ميلها الي متابعة العقل في اغلب احوالها و الرابعة المطمئنة لاطمينانها علي متابعة العقل و الأفعال الصالحة و الخامسة الراضية لأنّها لمّا اطمأنت علي افعال الخير رضيت من الله تعالي بما اجري عليها و السادسة المرضية لأنها لما استقامت في الرضا من الله تعالي رضيها سبحانه فكانت مرضية له و السابعة الكاملة و هي نهاية كمال النفس الناطقة فاذا عمل المكلف بميل وجوده الذاتي و هو ما بيّنه الشارع عليه السلام باوامره و استقام علي ذلك اطمأنت لعدم استمدادها من نحو ما هو من نوعها فكانت اخت العقل و رقّت الماهية و لطفت و شابهت الوجود في ميلها الي النور بملكتها التطبُعية فكانت اخت الوجود فالنفس بالنسبة الي العقل و الماهية بالنسبة الي الوجود كالحديدة المحميٰة بالنار فانها مثل النار في
«* جوامع الکلم جلد 1 صفحه 545 *»
الاحراق كذلك النفس مثل العقل لظهور اثره فيها و استقرارها عليه و كذلك الماهية مع الوجود اذا استولي عليها الّا انّ ما بالنفس و ما بالماهية من النور انما هو بالعرض و لهذا قلنا انها اخت العقل حينئذٍ و الماهية اخت الوجود حينئذٍ ايضا و انما عبّرنا عن كل واحدة منهما بالاُخت من تأويل قوله تعالي فان تابوا و اقاموا الصلوة و آتوا الزكوة فاخوانكم في الدين و هي الكلاب المعلّمة التي علّمها الوجود و العقل مما علّمهما الله و استشهادي بالبيتين لمشابهة الماهية للوجود فانها هي اناۤؤه و لمشابهة النفس للعقل فانها ايضاً اناۤؤه و اذا عمل المكلّف بميل ماهيته الذاتي كان علي عكس حكمه اذا عمل بميل وجوده الذاتي حرفاً بحرف كما ذكرنا و اعلم ان كل واحد من الوجود و الماهية انما يقوي اذا استمد بمدد من نوع جنسه بالأصالة لأنّه اذا لميكن بالأصالة كان استمداده اِمّا من غير نوع جنسه كاستمداد الضعيف منهما بتبعيته القوي و اِمّا من نوع جنسه بالتبعية و حينئذٍ لايكون ذاتاً بل يكون صفة كاستمداد الميل من الماۤئل و ليس كلامنا فيه اذ كلامنا في الذوات و هو يقوي باستمداده من جنسه بنفسه و لايقوي باستمداده من ضدّه بل يضعف لأنّه بخلاف حقيقته لكنه لا بدّ له اي الضعيف من الميل مع القوي لما قلنا من عدم قدرته علي الانفراد و لا التفرّد و الّا لاضمحلا فيميل مع القوي لأجل بقاۤئهما فانه اذا لزمه استمد بالتبعية و بها يحصل له البقاۤء في الجملة و يحصل للقوي الاستمساك بالضعيف بلزومه له كما يحصل للضعيف البقاۤء بفاضل مدد القوي اعني شعاعه المسمّي بالتبعية و بالعرض ( و العرض خل ) .
قلت فالوجود يستمد من انواع الخيرات لانها من نوعه و الماهية يستمد من انواع الشرور لانها من نوعها و المركب الواحد لايستمد من طرفيه معاً اذا كانا متعاندَينِ الّا علي التعاقب و اذا كان وجود احد الجزئين شرطاً لوجود الاخر لزم ان يكون فعل ذلك الشئ واحداً فلو فعل الوجودُ الخير و الماهيّة الشرّ في حالٍ واحدٍ لزم الانفراد المستلزم للانفكاك المستلزم لفناۤء الشئ لانه عبارة عنهما منضمّين و يفنيانِ هما ايضا لتوقف وجود كلٍ منهما علي انضمام
«* جوامع الکلم جلد 1 صفحه 546 *»
الاخر اليه .
اقول قد بيّنّا مراراً ان كل شئ يستمد لذاته فانما يستمد من نوعه فالوجود خير كله فيستمد من انواع الخيرات لذاته و الماهية شرّ فتستمد لذاتها من انواع الشرور لأنّها من نوعها و هذا ظاهر و اذا كان الشئ مركباً منهما معا يستمدّ من كل واحد من طرفيه علي التعاقب او من احدهما كما ذكرنا سابقا و لايمكن ان يستمدّ من كلا طرفيه دفعة لأنّهما ضدّان و استمداد كل واحد خلاف جهة استمداد الآخر فلو وقع منهما دفعة انفرد كل واحد عن الآخر لأن ميله علي خلاف ميل ضدّه و يلزم انفكاك المركب و ذهابه و لذا قلنا و المركب الواحد لايستمدّ من طرفيه معا اي دفعة اذا كانا متعاندين اي ضدين كالوجود و الماهية و ذلك هو قولنا و اذا كان وجود احد الجزئين اي جزئي المركب شرطاً لوجود الآخر كالوجود و الماهية فان الوجود شرط لتحقق الماهية و الماهية وجودها شرط لظهور الوجود بالتكوّن فيجب ان يكون المركب منهما فعله واحدا و لو تعدد فعله من كلا جزئيه المتضادّين لزم انفراد كل منهما عن الآخر و ذلك يستلزم انفكاكهما و انفكاكهما يستلزم فناۤء المركب اصلا لأنّه عبارة عنهما منضمين و انفرادهما موجب لفناۤئه و لفناۤء كل واحد من الجزئين ايضا لما قلنا من توقف وجود احدهما علي وجود الآخر .
قلت و لكن يتعارضان في الميلِ المنبعث عن شهوة كلٍّ الي الاستمداد من جنسه لان ميل احدهما الي شئ يقتضي ميل الاخر الي ضده لانهما ضدّان في كل شئ و لهذا يضعف احدهما بفعل الاخر لانجذابه مع الفاعل الي خلاف ما يتقوي به و من ثَمّ يتعارضان و يطلب كل واحد من الاخر ان يكون معه في محبته لتوقف فعله لما يريد علي تحقّقه في نفسه و اذا فارقه الاخر لميتحقق .
اقول و لكن يتعارضان في الميل لأنّ الوجود يشتهي المدد من انواع النور فيميل بشهوة طبيعته و كُنه نفسه فاذا مال مالتِ الماهية بشهوة طبيعتها و كُنه نفسها علي خلاف ميل الوجود لأنّ ميل احدهما يقتضي ميل ضدّه الي ضدّ ميله ( ميل ضدّه خل ) الاتري ان احدهما يضعف اذا مال الآخر و هو ممنوع عن تعلق
«* جوامع الکلم جلد 1 صفحه 547 *»
ميله بما هو من نوعه لأنّه اذا مال القوي و لميقدر علي معارضته انجذب مع الفاعل بغير محبته فكان استمداده من فاضل استمداد ضدّه بتبعيته له فيكتفي به مع قلّته لأنّه بالنسبة الي استمداده له بنفسه نسبة الواحد الي السبعين فيستولي عليه الآخر المستمدّ حتي يكون تابعا له و يعلّمه مما علّمه الله ان كان المستولي هو الوجود و يعلمه مما تعلم من الشيطان ان كان المستولي هو الماهية و اعلم ان الميل التام اعني الميل الذي يكون عنه الاستمداد لايكون من الضعيف الذي لايحصل منه الاستمداد و اما الناقص فانه قد يكون من الضعيف لأنّه هو لازم وجوده لايكاد ينفكّ عنه لحظة لكنه لايحصل منه استمداد و لهذا قد يقع ( قد يقع مع نسخه . م . ص ) ميل القوي معا لكن لما لميكن له اثر لميكن يصدر منه انفكاك فلذا جاز مع الميل التام وقوعه .
قلت و اما مجرّد الميل و هو الالتفات لشهوة المشاكل فليس كالفعل يحصل به نيل المدد المسكّن للشهوة فلايحصل به السكون و لا ترجيح احد الميلين و لايمكن انبعاثهما معاً مجتمعين الّا ان يكون احدهما ذاتيا و الاخر عرضيا و لا مختلفين لاستلزام ذلك المفارقة لاستحالة انبعاثين متضادّين من المركب الواحد الذي لايوجد الّا بالانضمام دفعة لاستلزام ذلك عدمهما لتوقف تحققهما علي الانضمام فوجب ان يكونا علي التعاقب .
اقول هذا ما ذكرته قبل هذا ان مطلق الميل لاينافي وقوعه وقوع ضدّه لحصوله من الضعيف ( الضعف خل ) بمجرد كراهته لمتابعة القوي و لأنه شهوة و ليس كالفعل فلايجتمع المنافيان في شئ واحد لأن الميل التام يحصل به مدد يسكّن ( يسكن به نسخه . م . ص ) الماۤئل و تابعه بخلاف الميل الناقص فانّه لايحصل به السكون للضعيف ليحصل منه عدم الانقياد مع القوي الموجب للانفكاك و لايحصل به ترجيح يجوز عليه السكون لأنّهما كما قدّمنا لايحصل منهما انبعاثهما معاً مجتمعين الّا
«* جوامع الکلم جلد 1 صفحه 548 *»
اذا كان احدهما ذاتيا و الآخر عرضيّا ليدل علي الانضمام الموجب للتحقق فيكون سكون الضعيف من فاضل القوي الذي بتبعيته و ان لميكن بالتبعية وجب علي التعاقب كما مرّ .
قلت فاذا مال الوجود الي الخير مال بالماهية فمالت معه بالعرض علي خلاف محبتها و اذا مالت الي الشر مالت بالوجود فمال معها بالعرض علي خلاف محبته و يتعاقبان علي هذه الحال فمن رجح ميله بحيث لايميل مع الاخر غلب و فعل مطلوبَهُ الاخر بالعرض و فعل الغالب مطلوبه بالذات فيقوي الفاعل و يضعف التابع بنسبة ما يقوي به المتبوع و لايحصل السكون للمركب الّا بالفعل و لايزال كذلك حتي ينمحق ميل الضعيف في ميل القوي اِلي اَن لّايبقي من الضعيف الّا ما يتقوم و يحقق به القوي .
اقول هذا الكلام بمعونة ما ذكرنا معناه ظاهر فانّا قد ذكرنا ( قد كررنا نسخه . م . ص )
بيانه و هو في نفسه غير خفيّ .
قلت لانّ وجود الضعيف شرط في تحقق وجود القوي و يكفي فيه نقطة راس المخروط و انما قلنا راس المخروط لان الضعف المتناسب يقتضي حصول هيئة المخروط لانه في كل مرة يضعف التّابع و يقوي الفاعل .
اقول لمّا كان المؤثر في تأثيره كالسراج في اشراقه وجب ان يكون ما يليه ممّا هو بالذات اقوي و اشدّ نورا و مما هو بالعرض اضعف كما ان نور السراج كلّما قرب اليه من الأجزاۤء النورانية اشدّ نورا و ما هو بازاۤء هذا النور القوي الشديد من الأجزاۤء الظلمانية اضعفها ظلمة فان النور من المنير كهيئة المخروط قاعدته عند المنير و كلما تباعد ضعف حتي ينتهي الي نقطة هي رأس مخروط النور و الظلمة ايضا مخروط بعكس النور فاضعفه الذي هو نقطة هي رأس مخروط الظلمة عند قاعدة مخروط النور و كلما بعد النور من السراج ضعف و
«* جوامع الکلم جلد 1 صفحه 549 *»
يقوي ما بازاۤئه من اجزاۤء مخروط الظلمة حتي ينتهي مخروط النور الي نقطة منه عند قاعدة مخروط الظلمة و اريد بقولي ان مخروط النور ينتهي الي نقطة منه عند قاعدة مخروط الظلمة و مخروط الظلمة ينتهي الي نقطة منه عند قاعدة مخروط النور ليس ان رأس المخروط من كل واحد منهما نقطة في الحجم بل هو في الحجم بقدر سعة قاعدة مخروط ضدّه بحيث تكون تلك النقطة شايعة في كل قاعدة الآخر لكنها لو جمعت بحيث تكون في قوّة قاعدة مخروطها كانت نقطة و يكون من خلق من قاعدة مخروط النور في تمام الكمال و كمال التمام و تمام التمام و كمال الكمال بحسب الامكان و من خلق من قاعدة مخروط الظلمة في غاية البعد من الخير و من هو من دون القاعدة دون ذلك كل بحسبه فكلما بعد من النور ضعف نوره و قويت ظلمته و بالعكس .
قلت : و شرح حال ذلك الشّان انّ الوُجُودَ له وجه الي ميله و مطالبه الطّيّبة و هو العقل و هو وزيره و للماهيّة وجه الي ميلها و مطالبها الخبيثة و هو النفس الامّارة بالسُّوۤء و هي وزيرها .
اقول بيان ما اشرنا اليه سابقاً من ذكر منشأ الاختيار في المكلّف و من ذكر ما يلحق ذلك مما ذكرنا و شرح ذلك يعني حال ما ذكرنا بمعني ( يعني نسخه . م . ص ) زيادة بيان ما بيّنّاه هو ان الوجود الذي هو الركن الأعظم من الأنسان اعني مادته محتاج في بقاۤئه الي المدد كغيره من ساير المخلوقات و لابدّ من ان يكون له باعث و هو ما عبّرنا عنه بالميل و بابه الي ميله و هو وزيره و وجهه الي مطالبه و هو العقل و كذلك الماهية فانها محتاجة الي المدد في بقاۤئها و لها باعث الي المدد و هو ميلها و بابها الي ذلك الميل هو وجهها و وزيرها ( هو وزيرها و وجهها نسخه . م . ص ) الي مطالبها و هو النفس الأمّارة بالسوء فاذا احتاج الي وجود الاستمداد من نوعه في بقاۤئه مال العقل بميل الوجود الي ما احتاج اليه من افعال الطاعات و انواع الخيرات و فعلها الجسم
«* جوامع الکلم جلد 1 صفحه 550 *»
بالآلة المسخرة بالعقل و اذا احتاجت الماهية الي الاستمداد من نوعها في بقاۤئها مالتِ النفس الأمارة بميل الماهية الي ما احتاجت اليه من افعال المعاصي و انواع الشرور و فعلها الجسم بالآلة المسخرة بالنفس الأمّارة .
قلت : و لما كان الانسان هو ذلك المركب منهما ظهرت فيه الواحدية بصورتِها فوجب ان يكون له جسم واحد و جسد واحد و اسم واحد و آلة واحدة فوجب في ذلك ان تكون كلها صالحة لاستعمال الوجود لها علي الانفراد بمقتضي فعله لما قلنا و صالحة لاستعمال الماهيّة لها علي الانفراد بمقتضي فعلها و كذلك متعلقات افعالهما من المأكل و المشارب و الملابس و المناكح و غير ذلك و كلّ منها صالح لاستعمالهما علي الانفراد و هي كافية للوجود اذا استعملها بواسطة العقل بحيث لايحتاج الي شئ في جميع مُيولاته لايوجد في مقتضي العقل من الخيرات و كذلك الماهيّة بل تكون تلك الامور مغنية لكل منهما في كل شئ .
اقول لما كان الانسان مركباً من الوجود و الماهية الموصوفين بما تقدّم ذكره ظهرت فيه الواحدية بصورتها لأنّه واحد لاتحاد انيّته لأنّ الوجود لايجد نفسه و انما تجد نفسها الماهية فوجب ان يكون له جسم واحد و هو النفس الحيوانية الفلكية الحسّاسة و ما يرتبط بها من النفوس الي النفس الجوهرية الملكوتية التي من الملكوت اعني عالم النفوس و هي اعلي مراتب جسميته و ان يكون له جسد واحد و هو هذا البشري و ما يرتبط به من الأجسام البرزخية كعالم هورقليا و هو اعلي الأجساد و ان يكون له اسم واحد اذ لايعرف منه ازيد من واحد و لما كان في حقيقته مركّباً من شيئين لا تحقق لأحدهما الا بالآخر و هما ذاته وجب ان يكون كل واحد من هذه اللوازم اعني وحدة الجسم و الجسد و الاسم ان يكون صالحاً لكل واحد من الشيئين اللذين تركب منهما لأنّ كل واحد من اللوازم كما كان صالحاً للمركب علي نحو الاستقلال كذلك يكون صالحاً لكل واحد من الجزئين لعدم انفكاك الآخر عنه فقد حصل المركب في ارادة الجزئين و انما اهمل الآخر لعدم ميله و عدم حصول مطلبه الذاتي كما
«* جوامع الکلم جلد 1 صفحه 551 *»
تقدّم و هو معني قولي فوجب في ذلك ان تكون كلها صالحة لاستعمال الوجود لها علي الانفراد يعني بدون الماهية بمقتضي فعله الذاتي لما شاۤء من انواع الخيرات و ان تكون صالحة لاستعمال الماهية لها علي الانفراد بدون الوجود بمقتضي فعلها الذاتي لما شاۤءت من انواع الشرور و كذلك متعلقات افعال الوجود و الماهية يعني مطلوباتهما من المآكل و المشارب و الملابس و المناكح و غير ذلك و كل واحد من الوجود و الماهية صالح الاستعمال للمآكل ( صالح لاستعمال المآكل نسخه . م . ص ) و المشارب و الملابس و المناكح فيستعملها الوجود علي الانفراد من حيث يحبّ الله سبحانه و تسكن الماهية معه بالعرض حيث لا حكم لها و يستعملها الماهية علي الانفراد من حيث يكره الله سبحانه و يسكن الوجود معها بالعرض حيث لا حكم له و حيث يتعاقبان في الاستعمال يتعاقبان في الأحوال فقد يتساويان و قد يترجح احدهما و اذا استعملها الوجود حيث يضعف الماهية كفته بحيث لايحتاج الي شئ لايوجد الا في نوع الماهية و كذلك اذا استعملتها الماهية حيث يضعف الوجود كفتها في جميع مطالبها بحيث لايحتاج الي شئ لايوجد الّا في نوع الوجود و ذلك لعموم صلوح الأشياۤء لاستعمال كل من الوجود و الماهية كما مرّ مكررا بل تكون تلك الأمور اي المطالب التي هي متعلق ميل كل منهما مغنية لكل منهما في كل شئ من احوال الدنيا و الآخرة سبحان ربّ ( سبحان وليّ نسخه . م . ص ) التدبير و مالك التقدير و هو علي كل شئ قدير و بكل شئ خبير و اليه المصير .
قلت : ثم اعلم ان العقل في الانسان و النفس الامّارة مرءاتان مرءاة العقل عن يمين القلب وجهها الي السماۤء فتنطبع فيه صورة الراس المختصّ به من العقل الاول و علي الاذن اليمني من القلب التي هي باب وحيه ملك مُؤيِّد و تحته جنود كثيرة من الملاۤئكة بعدد افعال العقل و مُيُولات الوجود تعينه علي كل خير و
«* جوامع الکلم جلد 1 صفحه 552 *»
مرءاة النفس عن يسار القلب وجهها الي الارض فتنطبع فيها صورة الراس المختص بها من الجهل الاول و علي الاذن اليسري من القلب التي هي باب وحيها شيطان مقيّض و تحته جنود كثيرة من الشياطين بعدد افعال النفس الامّارة و ميولات الماهيّة تعينه علي كل شرّ .
اقول ان الله سبحانه حين امر كلمته فقبض لخلق الانسان من كل سماۤء قبضة خلق من القبضة التي من فلك المحدّد القلب الصنوبري و جعله مرآتين مرآة الي جهة السماء و العلو و هي التي عن يمين القلب فانطبعت فيها صورة الرأس المختص بذلك الشخص من العقل الأوّل اعني عقل الكل و قد قدّمت انّي انما قلتُ الأوّل من باب جريان اللسان بذكر ما اصطلح عليه مثبتوا العقول العشرة و ان كان اعتقادنا بطلان قولهم اذ ليس في العالم كله الا عقل واحد و لذا نقول عقل الكل و تلك الصورة هي عقل ذلك الشخص و قوته و سعته و صفاؤه و كبره و عكس ذلك علي حسب تلك المرآة في صفاۤئها و سعتها و اعتدالها و عكسها و لذلك القلب الصنوبري اذنان علي الأذن اليمنٰي ملك مؤيّد لذلك العقل و معين له و تحت هذا الملك جنود من الملاۤئكة لايحصيها الا الله و هي بعدد افعال ذلك العقل بنفسه مثل معانيه التي يدركها و بعدد ميولات سلطانه اعني الوجود و كلها تعين ذلك الملك المؤيّد علي كل خير و هو يعين العقل علي طاعة الله سبحانه تحصيلاً لمطالب الوجود و جعل سبحانه مرآة الي جهة الأرض و السفل منكبة و هي التي عن يسار القلب فانطبعت فيها صورة الرأس المختص بذلك الشخص من الجهل الكلي و هذه الصورة هي نفس ذلك الشخص الأمّارة بالسوء و اختلافها في الشدّة و الضعف و البُعد من اللطف علي حسب قابلية هذه المرآة كما قلنا في العقل و علي اذن القلب اليسرٰي شيطان
«* جوامع الکلم جلد 1 صفحه 553 *»
مقيّض مزيّن لتلك النفس الأمّارة و معين لها علي معاصي الله و تحت هذا الشيطان شياطين لايحصي عددهم الا الله تعالي و هم بعدد افعال تلك النفس من صورها و خيالاتها و خطراتها و بعدد ميولات سلطانها اعني الماهية و كلها تعين ذلك الشيطان المقيّض علي كل شرّ و هو يعين النفس علي معاصي الله تحصيلاً لمطالب الماهية و هذه النفس هي التي تتطور مع مداومة الأعمال الصالحة من الأمّارة الي اللوّامة ثم الي الملهمة ثم الي المطمئنة ثم الي الراضية ثم الي المرضية ثم الي الكاملة و ليس وراۤء عَبّادان قرية .
قلت و كل ملك موكل بشئ واحد من الخير لا غير و ضدّه شيطان موكّل بضدّ ما وكّل به الملك من الشرّ لا غير فاذا طلب الوجود من العقل شيئا من الخير و طلبه العقل بجنوده طلبت الماهيّة ضده من النفس الامّارة بجنودها فوقع بينهما الحرب فان غلب العقل قتلَ ذلك الملكُ ذلك الشيطانَ الخاۤصّ بمضاۤدّته و ذلك بعون من اللّه سبحانه و ان غلبت النفس الامارة ذهب ذلك الملك عن ذلك الشئ و لحق بمركزه من الوجود يعبد الله و استولي ذلك الشيطان الخاصّ علي ذلك الشئ و ذلك بتخلية من الله سبحانه .
اقول كل ملك من جنود الملك الذي علي اذن القلب اليمنٰي موكل بشئ من الخير مثلاً فعل الصلوة موكل بها ملك و الباعث الي فعلها موكل به ملك فاذا مال الوجود بشهوته الي فعلها ليستمدّ به طلب من العقل ذلك و ان يسخّر لها الدواعي و الأركان و اعانه الملك المؤيّد مع جنوده و مالتِ الماهية الي ترك الصلوة و طلبت من النفس الأمّارة بالسوء ذلك و ان تسخّر له ( لها خل ) الدواعي و الأركان بالتكاسل و التهاون و اعانها الشيطان المقيّض مع جنوده فيقع بين العسكرين الحرب فان كان الغالب عسكر الوجود تسلّط الملك الخاص بفعل الصلوة علي الشيطان الخاص الموكل بترك الصلوة فيقتله و يجلس مكانه فيتباعد الشيطان ( فتتباعد الشياطين نسخه . م . ص ) و تخرج عن محل الترك للصلوة و تحيط بذلك الملك الجالس
«* جوامع الکلم جلد 1 صفحه 554 *»
كثير من الملائكة و لايزال الحكم هكذا مثلاً كل حين يقتل ملك شيطانا حتي تستولي الملائكة علي مملكة النفس الأمّارة من القلب فتأسرها الملائكة و يأتون بها الي العقل فيعلمها ممّا علّمه الله حتي تكون مطمئنة فتكون اخت العقل بان تريد ما يريد و عليه تأويل قوله تعالي فان تابوا و اقاموا الصلوة و آتوا الزكوة فاخوانكم في الدين و ان كان الغلبة لعسكر الماهية تسلط الشيطان الموكل بترك الصلوة علي الملك الموكل بفعل الصلوة و استولي باعوانه علي الترك و جري القضاۤء علي الشخص بالخذلان و العياذ بالله خرج ذلك الملك الموكل بفعل الصلوة و لحق بمركزه يعبد الله و جلس الشيطان يعبد الماهية من دون الله و يجري باعوانه في الأركان فتكسل عن فعل الصلوة و يجلس الدواعي الي فعل الصلوة من جهة العقل و يطلقها من جهة النفس الأمّارة و لايزال هكذا حتي يرتفع العقل عن محله و تستولي النفس علي ذلك المحل و تعلّمه مما ابتدعته الماهية من سنن انيّتها حتي يكون ذلك المحل اخاً للنفس الأمّارة يريد ما تريد و هو النكراۤء و هو الشيطنة و يجري القضاۤء بتأويل قوله تعالي و ان نكثوا ايمانهم من بعد عهدهم و طعنوا في دينكم فقاتلوا ائمة الكفر الآية ، و المراد بالنكتة البيضاۤء التي في القلب هي نور العقل و بالنكتة السوداۤء التي فيه هي ظلمة النفس الأمّارة كما في الأخبار و المراد ببياض القلب و بسواده بغلبة احدي النكتتين هو ما اشرنا اليه من حال صفة القلب عند غلبة العقل و الملك و جنوده او غلبة النفس الأمّارة و الشيطان و جنوده كما اشرنا اليه فافهم .
قلت : و لذلك مثال و بيان علي سبيل الاشارة فالاول اعلم ان الشمس اذا اشرقت علي الجدار استنار وجهه بشعاع الشمس و ظهر الظل من خلفه و لولا الجدار لماظهر نور الشمس و ان كان منها و لولا الشمس لَماظهر الظل من الجدار و ان كان منه فالاستنارة من الشمس بالجدار و الظل من الجدار بالشمس و اعلم انا نريد بالجدار نفس النور من حيث نفسه لا من حيث الشمس .
«* جوامع الکلم جلد 1 صفحه 555 *»
اقول انّ ما نحن بصدد بيانه من ابتداۤء هذه الفاۤئدة بيان صدور افعال العباد عنهم علي جهة الاختيار بحيث يتحقق المنزلة التي هي الحق بين المنزلتين الباطلتين اللتين هما الجبر و التفويض و قد قدّمنا ما فيه بيان منشأ الاختيار و كيفية صدوره و هنا ذكرنا مثالاً لصدور الأفعال من المكلّفين علي نحو ما ذكرنا من المنزلة بين المنزلتين اذ لايصدر فعل من افعال المكلفين ممّا امروا به او ندبوا اليه او نهوا عنه الا علي نحو لايكون الفاعل مجبوراً بحيث يفعل بغير اختياره و لا مفوّضاً اليه بحيث يفعل ما يشاۤء بل علي حال وسط و هو انه مختار و الله تعالي سبحانه لميفعل فعله و لميشاركه فيه و لميكن مستقلاً مفوّضاً اليه بان اهمله الله في ملكه يفعل فيه ما يشاۤء كيف يشاۤء و ذكرت للمنزلة الحق مثالاً و بيانا امّا المثال و هو النور الواقع علي الجدار عند طلوع الشمس و عكسه و ذلك ان الشمس اذا طلعت و لميقابلها كثيف كالأرض و الجدار لميظهر لها النور المنفصل اعني الشعاع الواقع علي الجدار و انما قلتُ المنفصل لأنّي اريد انه انما يظهر بقابله كالجدار و قبل الجدار ليس موجوداً في الأكوان و انما هو موجود في الامكان لأنّه من الشمس بمنزلة صورتك التي تظهر في المرآة فانها قبل المرآة لمتكن شيئاً مكوّنا و ان كانت شيئاً ممكنا و لو كانت متصلة بك لكانت لازمة لك موجودة بوجودك وجدت المرآة ام لمتوجد كما في صورتك القاۤئمة بك و لهذا قلنا المنفصلة فالنور الواقع علي الجدار لميكن موجوداً مع الشمس و لهذا يقوي و يضعف ببياض الجدار و صقالته و عدمهما و هو في الحقيقة نور ظهورها للجدار لا النور الذي هو قاۤئم بجرمها الّا انه من تجلّيها فهو منها بالجدار لأنّ ظهورها متوقف علي كثافة الجدار فاذا طلعت وقع نور تجلّيها علي وجه الجدار و ظهر ظل الجدار من خلفه من الجانب الآخر و الظلّ ليس من الشمس و انما هو من الجدار لكنه لايظهر من الجدار الا بالشمس فكان ظهور النور ليس
«* جوامع الکلم جلد 1 صفحه 556 *»
من الشمس ليقال ان الجدار ليس هو المستنير و لا من الجدار ليقال انه هو المنير و انما هو بين بين يعني الاستضاۤئة انما تحققت بقابلية الجدار اي بكثافته فهو الفاعل لها الّا انه بالشمس لأنها منها و كان ظهور الظل ليس من الشمس ليقال انها هي الظلمة الكثيفة و لا من الجدار ليقال انه مستقل بايجاده طلعت عليه الشمس ام لمتطلع و انما الظل بين بين يعني ان الظل انما يتحقق بقابليته تجلي الشمس من حيث نفسه لا من حيث الشمس و من كثافة الجدار اذ هي حقيقته ( حقيقة خل ) لأنّه في الحقيقة صفتها فهو مخلوق منها فالجدار مثال المكلّف و الاستضاۤئة عن وجهه مثال الطاعة و الظل من خلفه مثال المعصية فكما ان الاستضاۤئة و ان كانت في الأصل من نور الشمس الّا انّها لاتظهر الا بالجدار كذلك الطاعة و ان كانت من فضل الله و رحمته الا انها لاتظهر الا بفعل المكلّف علي جهة الاختيار بان يتمكن من المعصية و يتركها باختياره و يفعل الطاعة و لو لمتكن الطاعات باختياره لميكن مطيعا لأنّه لايقدر علي تركها كما لو جبرت شخصاً علي الصلوة فانه غير مصلٍّ و انما فعل صورة الصلوة خوفاً منك فلميكن مصلّيا و كما ان الظل و ان كان من الجدار الّا انه لايوجد و لايتحقق الّا بالشمس كذلك المعصية فانها و ان كانت من المكلف الّا انها لايتحقق الّا بقدر من الله بان يخليه و يحدث مقتضي فعله الاختياري اي يحدث صورة عمله الاختياري لأجل قابلية ذلك الفعل فانها اقتضت ان يحدث الله ذلك كما قال تعالي و قالوا قلوبنا غلف بل طبع الله عليها بكفرهم فان كفرهم بقلوبهم علي جهة الاختيار اقتضي ان يطبع الله عليها و ايجاد مقتضي قابليته ( قابلية نسخه . م . ص ) الفعل هو القدر لأنّه مساوق للفعل لا سابق و لا لاحق.
مثال آخر الصورة في المرآة فانك اذا قابلتها وجدت فيها و المرآة مستقلة بتحريكها اذا تحرّكت اي المرآة و ان كنت ساكناً و انت مستقل بتحريكها اذا تحرّكت انت تحركت الصورة و ان كانت المرآة ساكنة فانت مثال امر الله و مقابلتك للصورة مثال قدر الله و المرآة مثال
«* جوامع الکلم جلد 1 صفحه 557 *»
المكلف و الصورة مثال فعل المكلف في الخير و الشرّ فالمكلّف مستقل بفعله في الخير و الشرّ و لكن بقدر الله بمعني انّه لولا قدر الله لميكن فعل اصلا كما ان الصورة التي تكونُ فِي المرآة مستقلة بتحريكها لولا انّك مقابل للمرآة لمتكن صورة اصلا فما الذي تحركه المرآة الا اذا كنت حافظاً للصورة بمقابلتك لها كذلك القدر مع فعل العبد فان حفظ الفعل و نشوه و تمامه و امضاۤءه بالقدر.
و اعلم انا اذا قلنا في نحو هذا المثال الجدار فانا نريد به نفس النور من حيث هو هو لا من حيث الشمس فانك اذا اعتبرته من حيث الشمس كان نورا و المخلوق منه يكون نورا و حيث اعتبرناه من حيث نفسه كان ظلمة و المخلوق منه يكون ظلمة كالظل و الليل و لو اردنا بالجدار نفس الجدار لكان لقاۤئل ان يقول ان المثل غير صحيح لأنّ علة الظل اذا كانت كثافة الجدار لمتكن الشمس دليلاً عليه و قد جعلها سبحانه عليه دليلا يعني بها يكون فيكون المراد فيما نحن بصدده انه هو المكلّف و المكلّف لميكن مركباً من الوجود الذي مثل نور الشمس و من الماهية التي هي ظلمة ذلك النور اي انيته و ظله الذي به ظهر و من شئ آخر مثل الجدار في المحسوس ليكون المكلّف مركباً من ثلاثة اشياۤء و انما هو مركب من شيئين لا غير نور و ظلمة فمثال النور الذي هو الوجود استضاۤئة الجدار و مثال الظلمة التي هي الماهية ظل الجدار لأنّها خلقت من انية الوجود و انفعاله من حيث هو هو بل الماهية نفس تلك الانيّة و اين الجدار المغاير للنور و الظل في الانسان و انما مثّلنا بالجدار لكونه صورة نفس النور في ايجاد الظل و الّا لكان اجنبياً من الشمس كما في المحسوس و ليست مؤثرة فيه و لا في كثافته و لا فيما منها فلاتكون دليلاً علي ظله كما لايكون زيد دليلاً علي صفة عمرو و ظله فالمراد بالجدار في المثال نفس النور من حيث هو هو فافهم ان كنت ذافهم .
قلت فالاستنارة تقوّمت بنور الشمس تقوّم صدور و بالجدار تقوّمَ تحقّقٍ و الظّل تقوّم بالجدار تقوّم صدورٍ و بنور الشمس تقوّم تحقّق ثم جعلنا الشمس عليه دَليلاً فالاستنارة آية الحسنة بفعل العبد من قدر اللّه و الظل آية المعصية من
«* جوامع الکلم جلد 1 صفحه 558 *»
فعل العبد بقدر اللّهِ .
اقول استنارة وجه الجدار تقوّمت بنور الشمس تقوّم صدور لأنه هو المحدث لها في وجه الجدار و هو الحافظ بدوام الامداد بلا انقطاع لأنها تجليه بها علي وجه الجدار و تقومت الاستنارة بالجدار تقوّم تحقق لأن الجدار هو علة تكونه الذي هو علة تكوينه فان قلت هذا علي خلاف ما قررتم لأن الذي قررتم ان قيام التحقق انما يطلق علي القيام الركني و انما الموافق لما قررتم انها قاۤئمة بالجدار قيام ظهور قلتُ الأمر كما قلتَ ظاهرا و لكن قيام الظهور انما نقوله للفرق بين التحقق المادي الذي هو قيام تحقق و قيام ركنيّ و بين الصوري الذي اصطلحنا علي تسميته قيام ظهور و هو في الواقع كما هو قيام ظهور بلحاظ ان المادة في نفسها قبل الصورة و انها قبل حال الاجتماع موجودة في وجودها الامكاني او الدهري فاذا لحظنا ان علة ظهورها في مرتبة كونها هو الصورة قلنا ان المادة تتقوم بالصورة قيام ظهور و اذا لحظنا ان الصورة جزء ماهية الشئ المركب منهما كالسرير فان جزء ماهيته التي لاتتحقق بدونه الصورة الشخصية و ان الخشب بدونها لايدلّ علي السرير بواحدة من الدلالات الأربع الا حال انضمام الصورة اليه فانه يقال ان المادة تقوّمت بالصورة قيام تحقق بلحاظ ان الصورة علة التكوين ( التكوّن خل) و هو علة التكوين كما تقدّم فيقال انّ المادة قاۤئمة بالصورة قيام تحقق اذ لايتحقق تكوينها و لا تكوّنها الّا بها فلذا قلتُ قيام تحقق و لئلّايتوجه علينا الاعتراض و ان لميكن صحيحا و هو انه اذا كانت الحسنة من العبد قاۤئمة به قيام ظهور كان العبد غير فاعل لها حقيقة و لما ثبت انه فاعل للحسنة دلّ علي ان قيامها به قيام تحقق اي بفعله لأنّ فعله هو صورة الحسنة و مادتها حصّة من امر الله اي من شعاع الحقيقة المحمديّة صلي الله عليه و آله و الأمر الشرعي الوارد بالخطاب للمكلّفين حامل صورة ذلك الشعاع قال
«* جوامع الکلم جلد 1 صفحه 559 *»
اميرالمؤمنين عليه السلام نحن الصلوة و نحن الزكوة و نحن الأعمال و نحن الثواب و نحن العقاب انتهي ، نقلته بالمعني من اقواله عليه السلام و اذا عرفت هذا المثال فاعلم ان الله سبحانه ضربه مثلا لذلك يعرفه من يعرفه اذ لايعرف حكم المنزلة بين المنزلتين الّا بذلك و نحوه و المثل هو آية الممثل و دليله فالاستنارة في وجه الجدار هي آية للحسنة و مثالها بفعل العبد لأنّ العبد ليس من فعله الّا صورة الحسنة و من قدر الله تعالي لأنّ مادتها من قدر الله تعالي اعني من امر الله الذي ظهر لفظ الخطاب الشرعي و معناه علي صورته لأنّ الأمر الشرعي هو صورة امر الله الذاتي اعني ذلك الشعاع المادي اي النور الذي هو مادة الحسنات و الطاعات و لأجل هذا قلنا ان الحسنة بفعل العبد من قدر الله و لانريد بالقدر المادي الّا هذا الذي اشرنا اليه و اما القدر الايجادي الذي هو فعل الله الذي به خلق الحسنة و الطاعة من مادة امره الشعاعي و من صورة فعل المكلّف و امتثال امره التكليفي فهو فعل الله المتعلق بهندسة المفعولات بحدودها و به صور الحسنة و الطاعة و به نفخ فيها الروح من امره حتي كانت حورية او شجرة او مسكناً او ملبوساً او مأكولاً او مشروباً او غير ذلك من نعيم جنانه و دار رضوانه فافهم راشدا و الظل الذي ظهر بتلك الاستنارة في خلف الجدار آية المعصية و دليلها من فعل العبد المكلّف اي ان صورتها من فعل العبد و انما فرقنا في صورة الطاعة و قلنا بفعل العبد من قدر الله لأنّ حقيقتها وجود و الله سبحانه خلقه اوّلاً و بالذات و اذا نسبنا ما من العبد الي ما من الله كان ما من العبد طريقاً و مجازاً الي ما من الله كما اذا نسبنا ما من الجدار في حصول الاستنارة الي ما من الشمس كان طريقاً و مجازاً الي ما من الشمس الاتري انها اذا غربت الشمس لحقت بها فلذا نقول انها من الشمس و اليها تعود و قد قال الله تعالي اليه يصعد الكلم الطيّب و العمل الصالح يرفعه و في الدعاۤء الخير في يديك و الشر ليس اليك و قلنا في المعصية من فعل العبد بقدر الله لان حقيقتها عدمية اذ هي مخلوقة من نفس النور من حيث نفسه و انيّته لا من حيث المنير فهي ظلمة فكانت صورة المعصية من فعل العبد لأنّها اي صورة المعصية لمتصدر من فعل الله اوّلاً
«* جوامع الکلم جلد 1 صفحه 560 *»
و بالذات اذ لمتكن مرادة لنفسها و انما اريدت لغيرها فهي مخلوقة ثانياً و بالعرض و ما ينسب الي قدر الله منها ليس لذاتها و انما هو لتحقق الطاعة كما مرّ و يأتي فهو عن القدر ثانٍ و بالعرض فلذا قلنا بقدر الله و لمنقل من قدر الله لأنّها بعكس الحسنة فلذا قال تعالي في الحديث القدسي الآتي و ذلك انّي اولي بحسناتك منك و انت اولي بسيئاتك منّي ، كما لو خاطبت الشمس الجدار لقالت انا اولٰي باستنارتك منك و انت اولٰي بظلك منّي فافهم .
قلت : و الثاني قال اللّه تعالي في الحديث القدسي و ذلك اني اولي بحسناتك منك و انت اولي بسيّئاتك مني و هو معني ما اصابك من حسنة فمن اللّه اي انا اولي بها و ما اصابك من سيّئة فمن نفسك اي انت اولي بها كما في المثال تقول الشمس يا جدار انا اولي بالاستضاۤءةِ منك لانها من نوري و ان كانت لاتتحقّق الّا بك و انت اولي بالظل منّي لانه منك و ان كان لايتحقّق الّا بي .
اقول المراد بالثاني البيان المذكور مع المثال و المراد بالبيان بيان الله تعالي للمنزلة بين المنزلتين لأنّه تعالي خلق النور و الظل مثلاً و آيةً للخير و الشرّ اي الطاعة و المعصية و قد قال تعالي و تلك الأمثال نبيّنها لقوم يعلمون و قال تعالي و تلك الأمثال نضربها للناس و مايعقلها الّا العالمون و في قوله تعالي في الحديث القدسي بيان انّ الحسنة منه تعالي اي مددها و مادتها من قدره الذي هو شعاع امره الذي هو الحقيقة المحمديّة صلي الله عليه و آله و تكوينها من قدره الذي هو فعله بفعل العبد و هو صورتها كما ان احداث استضاۤئة الجدار من تجلي الشمس و مادتها من شعاعها المنفصل و صورتها من كثافة الجدار فلذا قال تعالي انا اولٰي بحسناتك منك لأنّ مادتها من قدره تعالي و ليس من العبد في الحقيقة الّا صورتها و صورتها و ان كانت جزء ماهية الحسنة لكنها اي الصورة جزء صوري مقداري و المادي اقوي من الصوري فلذا قلنا هي من ذي المادي و بذي الصوري اشارة علي ان الصورة هي قابليتها للايجاد و بالعكس في المعصية فمن هنا قال و انت اولي بسيئاتك منّي لأنّ مادتها من
«* جوامع الکلم جلد 1 صفحه 561 *»
مخالفته للأمر و صورتها من فعله و المخالفة استدعت الخذلان منه سبحانه فلذا كانت به مادة للمعصية لأن المراد بالمخالفة ليس نفس معاكسة الأمر لأنّ تلك هي الصورة التي هي فعل العبد و انما المراد منها الأمر المخالف و نريد بكون مادة الحسنة من موافقة الأمر انّها نور الأمر المعمول به اي وجوده و مادة السيئة ظلمة الأمر المخالف اي ماهيته فافهم .
قلت فالحسنة من الله اَوّلاً و بالذات بمعني راجحية جهة الوجود فيها لرجوعها من جهة قدر اللّه الي فعله و بالعبد ثانيا و بالذات ايضا لانها من وجوده باللّه فهي من جهة فعل العبد ترجع الي وجوده الراجع الي فعل اللّه تعالي و السيئة من العبد اوّلا و بالذات بمعني راجحية ماهيّته فيها و باللّه ثانيا و بالعرض بمعني المساوقة في الوجود و تحقّق الماهيّة بالوجود المتقوّم بامر اللّه تعالي .
اقول انما قيل الحسنة من الله مع انها فعل العبد لأنّ جهة وجودها اعني جهة مادتها راجحة علي جهة ماهيتها اي صورتها لرجوع جهة مادتها بتقدير الله سبحانه الي فعله عزوجل فهي اثر فعله الصادر عنه و اما صورتها فهي فعل العبد المكلّف الواقع باختياره و هو و ان كان راجعاً الي الوجود لأنّه من بعث العقل بطلب الوجود الا انه منسوب الي العبد المركب من وجود و ماهية فقد صدر ذلك الفعل عن داعيين ذاتي و عرضي فلايساوي الذاتي المحض لما في العرضي من الكراهة الملابسة فلذا رجحت جهة مادة الحسنة علي صورتها من وجوه منها جهة الذكورية لأنّ المادة هي اب الحسنة و الصورة امّها و منها خلوص ذاتية المادة و شوب الصورة و منها سبق المادة و اقربيتها و منها ان المادة روح الحسنة و الصورة جسدها كما يشير اليه حديث سيد الساجدين عليه السلام و منها ان مادة الحسنة من امر الله و قدره اوّلاً و بالذات و صورتها ثانياً و بالذات لكونها من العبد من جهة وجوده المتقوم بامر الله و قدره تقوّم صدور و تقوّم ركنيّ فلأجل ذلك كان ثانيا و ان كان بالذات و لأجل ما ذكر و نحوه قال تعالي
«* جوامع الکلم جلد 1 صفحه 562 *»
انا اولي بحسناتك منك و اما السيئة فهي من العبد اوّلاً و بالذات و انما قلنا اوّلاً و بالذات مع كونها بقدر الله من جهة راجحية جهة ماهيته فيها لأنّ ما في السيئة من جهة ماهية العبد ذاتي في السيئة لأنها كانت برجحان دواعي النفس الأمّارة بطلب الماهية فكان ميل ماهية العبد في السيئة اقوي من ميل الوجود فيها بعكس الحسنة و ميل الوجود فيها بالعرض و التبعية و هو قولنا و بالله ثانياً و بالعرض لأنّ ما في السيئة من فعل الله التكويني هو ان اوجدها بمقتضي عمل العبد المسيء و انكاره و تركه الحق و من قدر الله انه خذله و وكله الي نفسه و من مفعوله الذاتي اعني الوجود و هو ميله مع ماهيته بالعرض و التبعية فكل ما فيها من فعل الله سبحانه و من قدره و من مفعوله الذاتي المستمدّ من النور اعني الوجود بالعرض و ثانيا و ما فيها من جهة ماهية العبد و ميولاتها و دواعيها بالذات و اوّلا و معني كونها في كل ما كان من فعل الله و قدره و مفعوله اي الوجود بالعرض انّها اي ماهية العبد الفاعل للسيئة مساوقة في الظهور للوجود بمعني انها خلقت من نفسه من حيث هو لا من حيث النور كما خلق الظل مساوقاً لاشراق الشمس بنورها من نفس النور من حيث هو لا من حيث الشمس و الّا لكان نورا فالماهية راجعة الي نفس الوجود من حيث هو و الوجود راجع الي نور الله الذي هو امره الذي به قام كل شئ .
قلت فمشيّة العبد للحسنة بالذّات من مشيّة الله لها بالذات و مشية العبد للسيّئة بالذات من مشيّة الله بالعرض علي نحو ما اشرنا لك اليه و اسلك طريقا بين هذه الحدود جامعاً لها علي نحو ما يأتي و هذا الطريق الجامع هو سبيل الله قال تعالي فاسلكي سبل ربّكِ ذُللاً .
اقول يعني انّ مشية العبد للحسنة هي من ميل الوجود الذي هو حقيقة العبد من ربّه فهي مشية ذاتية له و للحسنة ايضا لأن الحسنة ايضاً يرجح فيها جهة النور كما تقدّم و هي من مشية الله للحسنة بالذات لأنّها هي المطلوبة من
«* جوامع الکلم جلد 1 صفحه 563 *»
المكلف و مشية العبد للسيئة ايضاً بالذات لأنّ هذه المشية من ميل الماهية التي هي حقيقة العبد من نفسه و انيته فهي ذاتية له و للسيئة لأن السيئة يرجح فيها جهة الظلمة كما مرّ فمشيته لها بالذات من مشية الله لها اي السيئة بالعرض لأنّ السيئة ليست مطلوبة من العبد و انما مكّن من فعلها بان جعلت مشيته و آلات فعله صالحة لها و ان كانت انما خلقت للطاعة ليتمكن من فعل الطاعة اذ لو فعل الحسنة و لميقدر علي السيئة لميكن محسنا و لايكون محسناً حتي يتمكن من السيئة و يتركها و يفعل الحسنة فكانت السيئة و التمكين منها مطلوباً لله تعالي ثانياً و بالعرض لتتم الحسنة فافهم و قولي و اسلك طريقا بين هذه الحدود الخ ، اريد به انك اذا عرفت ان الحسنة من فعل الله يعني بمحبته و تأييده و من وجود العبد و ان السيئة من فعل العبد بتمكين الله له منها لتتم له الطاعة و ان الحسنة لكانت من فعل العبد و بقدر الله يعني بتمكين الله تعالي للعبد منها لأجل ان يتمكّن من الحسنة و عرفت ان قدر الله الذي قام به كل شئ هو الحافظ للعبد و لأفعاله الخير و الشرّ كما ذكرنا سابقاً علي نحو ما تحفظ المادة صورة السرير و صورة الصنم فكما ان خلق الله الخشب لمنافع العباد لايكون به فاعلاً للصنم و لا معيناً لعامليه و عابديه كذلك خلقه للقدر المادي لمنافع الخلق لايلزم منه كونه فاعلاً لأفعال العباد بل هم الفاعلون لافعالهم لميشاركهم فيها و لميهمل العباد في ملكه و سلكت بين ذلك خارجاً عن كلا الطرفين عن الاجبار و التفويض فقد سلكت سبل ربك ذللا اي منقاداً لما اشار اليك في آياته و علي السن اولياۤئه من ان الله لايظلم العباد و لايهملهم في ملكه ففي التوسط بين هذين منزلة لايعلمها الا العالم (ع) او مَن علّمه ايّاها العالم (ع) كما في رواية التوحيد عن سيد الساجدين عليه السلام.
قلت : و اصل المسئلة هو ان تعلم ان الشئ انما يتحقق بوجوده و ماهيّته و ذلك لانه (الّا انه خل) لا قيام له بنفسه لا في افراده و لا في المجموع و انما يتقوّم
«* جوامع الکلم جلد 1 صفحه 564 *»
بامر اللّه قيام صدور فهو قاۤئم به ابداً قيام صدور فهو طريّ ابداً و اليه الاشارة بقوله تعالي و من اياته ان تقوم السماۤء و الارض بامره و في دعاۤء يوم السبت رواه في المصباح قال (ع) كل شئ سواك قامَ بامرك.
اقول في هذا الكلام اشارة الي بيان كيفية قيام الأشياۤء بامر الله لاحتياجها في صدورها و في بقاۤئها الي الامداد و المدد و ذلك لتعلم ان الشئ لايتحقق الا بوجوده و ماهيته فهو متقوم بهما قياماً ركنيّا فانه ليس مستقلا و انما هو متقوم بغيره سواۤء اعتبر ذلك في نفسه ام في افراده ان كان ذا افراد ام في اجزاۤئه بل و في لوازمه و اشراقاته و اعلم انّا قد اشرنا انّ امر الله الذي به تقوم الأشياۤء يطلق علي شيئين: احدهما فعل الله و هو المشار اليه بقوله تعالي ألا له الخلق و الأمر و هذا تتقوم به الأشياۤء تقوّم صدور فكل شئ من فعل الله في حال صدوره و بقاۤئه طريّ ابدا فاوّل آناته كآخره اذ وجوده انما هو شئ بفعل الله سبحانه فلا تحقق له في البروز في عالم الاكوان الا بالفعل فهو منه كالنهر الجاري من الينبوع و الآخر اوّل مفعول صدر عن الفعل و هذا تتقوم به الأشياۤء تقوّماً ركنيّاً كتقوم السرير و ابناۤء نوعه بالخشب و المراد بهذا الوجود هو الماۤء الذي جعل منه كل شئ حيّ و هو الحقيقة المحمديّة صلي الله عليه و آله فان الأشياۤء كلها موادها التي تتقوم بها من اشعتها او اشعة اشعتها و الآية المذكورة و الدعاۤء يحتمل الامر منهما ( فيهما نسخه . م . ص ) علي الوجهين بان يكون المراد بالامر العلة الفاعليّة او العلة الماديّة .
قلت الّا انه في كل حال نهر يَجري مستديراً استدارة صحيحة و ليس قولنا انه نهر يجري انه داۤئرة بل هو كرة مجوّفة و افعاله ايضا قاۤئمة بامر الله من جهة ما تقوّمت به ذاته تَقوُّماً تَبعِيّا علي نحو ما اشرنا اليه سابقا و المراد بالتّبَعي ان يكون نسبة ما تقوّمت به الافعال اِلَٰي ما تقومت به الذات نسبة الشعاع الي المنير نسبة واحد من سبعين .
«* جوامع الکلم جلد 1 صفحه 565 *»
اقول يعني انّك اذا اعتبرت حال استمداد الشئ في حال جريان المدد عليه من فوّارة القدر و انه لايمدّ الّا بما له و ان ما انفصل عنه عاۤئد اليه كان كالنهر الجاري علي الاستدارة بان يكون آخره متّصلاً باوّله بمعني ان ما يأتيه انما هو مما له و ان ما ذهب منه بعد استمداده به عاۤئد اليه مدداً جديدا سواۤء رجع في انفصاله عنه و ذهابه منه الي غيب الأكوان ام الي غيب الامكان فانه لايأتيه ما ليس له و لا منه و لايأتيه الّا مدد جديد من جهة ينبوع استغناۤئه التي هي مبدء فيض امداده و تلك الينبوع ليست في جهة و لا مكان و لا وقت بل تظهر الافاضة عليه من كل جهة فيكون في استمداده كرة صحيحة الاستدارة مجوّفة لأنها تدور علي نقطة هي علتها لا الي جهة و اعلم ان بعض من وصل الي ساحل هذه اللُجّة قال بأن الشئ لايوجد بعينه في آنين بل يتبدل في كل لحظة تبدّلاً سيّالا فهو في كل آن غير ما قبله و ما بعده مغايرة حقيقية لأنّه نهر يجري و النهر في كل لحظة هو غير ما قبل ذلك و ما بعده فالذاهب منه لايعود ابدا و الآتي اليه لاينقطع ابدا و قد اخطأوا و غلطوا لأنّه لو كان كما يقولون لكان في جميع احواله جديداً طريا فلاتتصف ذاته بطاعة و لامعصية لأنّها كلها تذهب و لميبق شئ منها له و لا عليه فيأتي يوم القيمة لا ثواب له و لا عقاب عليه لذهاب كل جارحة مع ما كسبت و فناۤء كل طبيعة بما اقتضت و ليس كذلك بل قوله تعالي لها ما كسبت و عليها ما اكتسبت و قوله تعالي فمن يعمل مثقال ذرّة خيراً يره و من يعمل مثقال ذرّة شراً يره و قوله سيجزيهم وصفهم و قوله و لكم الويل مما تصفون ، ان هذا ما كنتم به تمترون و امثال ذلك تنادي بعدم فناۤء شئ منهم و لا من اعمالهم فلما دل الدليل علي عدم الاستقرار و الثبات و علي عدم الاستغناۤء عن الامدادات ظهر بانّ اعمالهم لازمة لهم و ليس الا لبقاۤئهم و قد قال عليه السلام و انما خلقتم للبقاۤء و انما تنقلون من دار الي دار ، و هذا كله مترتب علي ما اشرنا اليه من انّه نهر يجري مستديراً و يستمد اوله من آخره و عاۤئده من ذاهبه و انّه لايمدّ الّا ممّا له فان ما ذهب عنه و لحق بغيب كونه او بامكانه هو ما يمدّ به و فاۤئدة هذا مع ما ذكرنا من لزوم الأوصاف و الأعمال انه اذا تكرر في
«* جوامع الکلم جلد 1 صفحه 566 *»
اطوار الكسر و الصوغ و الحل و العقد نعّمت اجزاؤه و تلززت ذراته و قويت بنيته و صفت طينته و ترقّت بتكرار الحل و العقد و الكسر و الصوغ الي غايات كمالاته لتردده في مراتب اطواره و هذا ظاهر لمن عرف كيفية تكوين الأشياۤء في مراتب اطوارها فان الياقوت انما عزّ و تميّز عن اصله الذي هو التراب بكثرة السحق و الحل و العقد و الطبخ علي النظم الطبيعي حتي تخلّص عن الأوساخ و الأعراض و زالت عنه الغرايب و نضج بكرّ الكواكب عليه فكذلك جميع الأشياۤء فلذا تنتهي الي غاية كمالاتها من غايات الخيرات او الشرور و قولي و افعاله ايضا قاۤئمة بامر الله تعالي الخ ، اريد به ان افعال المكلّف من حيث كونها محفوظة بامر الله انّها قاۤئمة بامر الله الذي هو فعله و الذي هو مفعوله الأوّل من جهة ما تقومت به ذاته يعني ما تقومت به الأفعال مطلقاً اي صدوراً و امداداً هو ما تقومت به الذات فنسبته الي ما تقومت به الذات نسبة الأفعال الي الذات فكما انّ الأفعال صفات فعلية للذات كذلك الأمر الذي تقومت به الأفعال صفات فعلية كذلك لما تقومت به و هي نسبة الشعاع الي المنير و رتبته في الشدّة و الضعف نسبة الواحد من السبعين و هو جارٍ في الأفعال كجريان اصله في الذوات بمعني ان الذوات قاۤئمة بالأمر الفعلي قيام صدور و بالأمر المفعولي قياماً ركنيّا كذلك الأفعال قاۤئمة بالأمر الفعلي الذي تقومت به الذوات قيام صدور كأصله و بالأمر المفعولي الذي تقومت به الذوات قيام تحقق اي قياماً ركنيّا و لكن لايشتبه عليك من كلامنا انا نريد انّ الأفعال صادرة بأمر الله ليكون المكلّف مجبورا و انما نريد به ان هذه هي الحافظة للأفعال و فاعلها المكلّف كما قلنا سابقا ان الحافظ للصورة التي في المرآة من حيث التقوم الصدوري و الركني هو مقابلة الشخص لها و مع هذا فهي اي المرآة مستقلة بتحريكها و تسكينها مما هو من جهتها كما ان امر الله تعالي مستقل بتحريكها و تسكينها مما هو من جهته فافعال المكلّف الاختيارية مستندة في صدورها اليه علي جهة الاستقلال لا الي حافظها كما توهمه كثير من اهل المعرفة كالملّامحسن و شيخه الشيرازي و اضرابهما فانهم كثيراً ما يقولون بأن المنزلة التي بين المنزلتين لايعثر عليها اهل الظاهر و
«* جوامع الکلم جلد 1 صفحه 567 *»
لايعرفها الّا اهل الكشف و الشهود و ربما بيّنوها فقال الملّا محسن في كتابه قرةالعيون ما معناه كما ان خلق الموصوفات متفرد به الباري سبحانه لايشاركه في صنع شئ منها احد من خلقه كذلك خلق الصفات و الأفعال ( و الأفعال فانها صفات نسخه . م . ص ) و معلوم عند كل من نظر عبارته و فهم مقصوده منها انه قول المجبّرة بان افعال العباد من الله اذ لا مؤثر في الوجود الّا الله و نحن نتبرء الي الله من هذا القول بل افعال العباد منهم و هم لها فاعلون كما قال سبحانه و لهم اعمال من دون ذلك هم لها عاملون و ان كنّا نقول بأن الله حافظ للمكلّف و لأفعاله بامره بمعني انه تعالي مبق لهم و لأفعالهم بامره تعالي الا ان افعالهم صادرة منهم باختيارهم هم لها فاعلون علي الاستقلال لميشاركهم سبحانه فيها و لميكن فاعلاً لها .
قلت فالذات قامت بامر اللّه و افعالها قامت بنور ذٰلكَ الامر و اختلافها علي حسبِ اختلاف مراتبه من ذلك الامر فالامر هو الحفيظ لها كما ذكرنا و الفعل المحفوظ مستند الي فاعله المحفوظ و حفظ الاستناد من ذلك الامر ايضا و الي هذا المعني الاشارة بقول الرضا (ع) هو المالك لما ملّكهم و القادر علي ما اقدرهم عليه .
اقول هذا الكلام تكرير لبيان كون امر الله حافظاً للعبد المكلف و لأفعاله و المكلف المحفوظ بهذا الأمر فاعل لأفعاله المحفوظة بنور ذلك الأمر اذ لو لميحفظ المكلف لميكن شيئاً بحيث يفعل او لايفعل و لو لميحفظ له فعله لماقدر ان يفعل شيئاً لميحفظ له و عليه فقلت الذات قامت بامر الله الذي هو فعله قيام صدور و بامر الله الذي هو مفعوله الأوّل قيام تحقق يعني قياماً ركنيّا فكان امر الله الفعلي حافظاً لها بالايجاد و امر الله المفعولي كان حافظاً لها بالامداد فبالوجهين كانت شيئاً يصحّ التكليف لها و يقع منها الفعل و افعالها اي افعال الذات قامت بنور ذلك الأمر الذي قامت به الذات و ذلك النور هو صفة
«* جوامع الکلم جلد 1 صفحه 568 *»
الأمر لأنّه امر من امر الله و هو شيئان كالأمر فصفة فعل الله قامت بها افعال الذات قيام صدور و صفة مفعول الله قامت بها افعال الذات قياماً ركنيّا و هذا مثل ما في الذات و اعلم اني قد كشفت لك من سرّ القدر ما لاتجده في غير هذا الكتاب الّا فيما كتبناه في غيره و ذلك من اسرار اخبار الائمة الأطهار عليهم السلام و ليس من الانتحال و لا من التوهم و الخيال و لمابق عنك في هذا الّا ما لايسعه المقال و انا اوقفك علي ما كتمته فان وصلت الي حدّه من مصدره فهمته و الا فلاتفهمه و ايّاك ان تخرج عن حدود الحق الذي ذكرته و انا اذكره و اقول ان افعال المكلف صورها صادرة منه باختياره علي الاستقلال بالله اي ان موادها من امر الله الفعلي ايجادا و من امر الله المفعولي امدادا فلايشتبه عليك من قولي انها قاۤئمة بصفة امر الله الفعلي قيام صدور و بصفة امر الله المفعولي قياماً ركنيّا ان الأفعال ليست صادرة من المكلف علي جهة الاستقلال بل هي صادرة من المكلّف علي الاستقلال اذ جميع صورها منه علي النحو الذي ذكرناه و هذا الذي ذكرته لك هو الذي كتمته عنك فان بيّنه لك صاحبه عليه السلام فانت تفهمه و ان وقفت علي حدود ظاهر كلامي فانت تسلم مع انك تفوز بالسهم الأوفي من النصيب بالمعلي و الرقيب و ان اردت ان تتخطأ الي قعره بغير تبيين صاحبه عليه السلام قلتَ بالاجبار و ان تنزلت عن حدود ظاهر كلامي قلتَ بالتفويض و اعلم انّ في قعره شمس تضيئ لاينبغي ان يطلع عليها الا الواحد الفرد فمن تطلع عليها فقد ضادّ الله في حكمه و نازعه في سلطانه و كشف عن ستره و سره و باۤء بغضب من الله و مأويٰه جهنم و بئس المصير و مِن منازعته ( مَن نازعه خل ) في سلطانه تعالي ان تنحطّ عن حدود ظاهر كلامي فانه قول بالتفويض فافهم و قولي و حفظ الاستناد من ذلك الأمر ايضا ، اريد به انّ الاستناد نفسه اعني استناد الفعل الي فاعله من ذلك الأمر لكنه من نوره فهو نور نوره و صفة صفته علي ما قرّرنا و قول الرضا عليه السلام هو المالك لما ملّكهم ،
«* جوامع الکلم جلد 1 صفحه 569 *»
نفي التفويض بقوله هو المالك و نفي الجبر بقوله لما ملّكهم و لميقل لما ملكوا و كذا قوله عليه السلام علي ما اقدرهم عليه ، لأنّه عليهالسلام يشير الي الدقيقة التي فيها اني كتمتها عنك و ان كنت بيّنتها لك لأن فهمك لها موقوف علي تعليم العالم عليهالسلام فتفهّم هذا الكلام المكرّر المردد و الله سبحانه ولي التوفيق .
قلت و الاختيار الذي في العبد نشأ من اقتضاۤء الضدّين الوجود و الماهية لاقتضاۤء ما لهما كما مرّ و من خلق الٰالة الصالحة للمتضاۤدين و من الاستطاعة للفعل في الفعل و من امكانها قبل اي الصحة و هي التي يكون العبد بها متحرّكا مستطيعاً للفعل و لانه اثر المختار فتكون مختاراً قال تعالي فجعلناه سميعاً بصيراً .
اقول انا قد اشرنا في الشرح الي بيان منشأ الاختيار و هنا ذكرناه في المتن و الضدّان هو الوجود و الماهية و المكلف مركب منهما و كل منهما بسبب افتقاره يقتضي الميل الي ما هو من نوعه للاستمداد منه ما له مما تقوّم به فاختيار المكلف نشأ من تركيبه من اقتضاۤء كل من الضدّين اللذين تركّب منهما و من الآلة المخلوقة ( المخلوقة له نسخه . م . ص ) لتحصيل ما يقتضيه كل واحد من الضدّين حيث خلقت صالحة لكل من الميلين و من الاستطاعة لما يشاۤء من افعاله فانه تعالي خلق فيه استطاعة امكانية سابقة علي الفعل جايزة الحصول له و استطاعة فعلية واجبة الحصولِ لَهُ مع الفعل لا قبله و لا بعده و هي المفسّرة في الأخبار بأنها الصحة التي بها يكون العبد متحركاً مستطيعاً للفعل و ممّا دلّ عليه قوله تعالي فجعلناه سميعاً بصيرا اي مختاراً يعرف الخير و الشر و الجيّد و الردي لأنه اثر فعل المختار و الأثر يشابه صفة مؤثره التي هي منشأ الأثر .
قلت فاذا فعل العبد المختار المتقوّمُ بامر اللّهِ الفِعلَ المتقوِّم بنور امر اللّهِ و هو قادر علي تركه كان قد فعل فعله وحده بقدر اللّه لان الفعل المحفوظ مستند الي فاعله المحفوظ وحده فبقدر الله تقوّم الفاعل و الفعل و تقومَ اِسْنادُه الي فاعله و الي ذلك يشير تأويل قوله تعالي ثم قبضناه الينا قبضاً يَسيراً فقدرُ اللهِ
«* جوامع الکلم جلد 1 صفحه 570 *»
رُوح فعلِ العبدِ و فعلُ العبد جسده و هكذا في كل حركةٍ و سُكونٍ و هو سرّ الامر بين الامرينِ .
اقول اذا فعل العبد المختار من جهة تركّبه من شيئين متضادّين لكل واحد منهما داعٍ يبعثه علي خلاف داعي الآخر كان قادراً علي فعل ذلك الفعل المأمور به او المنهي عنه بباعث احد جزئي ذاته و علي تركه بباعث الجزء الآخر و تركّبه من الباعثين المختلفين هو منشأ الاختيار و قد قدّمنا ان انبعاث الداعيين لايكون دفعة لاستلزام ذلك انفكاك كل عن الآخر المستلزم لفناۤء المركب منهما و انهما ينبعثان علي التعاقب و قد سبق ان كل شئ فهو محفوظ فما دامت شيئيته محفوظة عليه فهو شئ تنسب اليه الأفعال و الا فليس شيئاً اصلا و هو المراد بقولنا المتقوم بامر الله و الفعل كذلك فان فعله انما هو شئ في نفسه و منه انما هو بحفظ نور امر الله كما بيّنّا سابقا فالعبد فاعل و تارك بقدر الله اي بامره الفعلي ايجاداً و بامره المفعولي امداداً و اليه الاشارة بقوله تعالي و ماتشاۤؤن الا ان يشاۤء الله هذا هو المراد في قولنا بان العبد مستقل بايجاد فعله و احداثه لأنّه انما كان فاعلاً بقدر من الله و هو الامر الفعلي و الامر المفعولي و هو معني قولنا فبقدر الله تقوّم الفاعل و الفعل و تقوّم استناده الي فاعله و معني الاشارة بتأويل قوله تعالي ثم قبضناه الينا قبضاً يسيرا انّ الظل مددناه و قبضناه بعد مدّه قبضاً يسيراً بالتدريج مساۤئرين له من المساۤئرة بمعني المصاحبة يعني انا قبضناه و لمنخله من ايدينا و هو من ظاهر الظاهر و الظل آية فعل المكلّف فانه و ان كان بفعل المكلف مستقلاً به لكنا حافظون له بالايجاد و الامداد ليتمكن المكلف من احداثه و الّا لميكن شيئا فلايحدث المكلّف ما ليس بشئ فقولي فقدر الله روح فعل العبد و فعل العبد جسده ، اريد به ما ذكره علي بن الحسين عليهما السلام من انّ القدر و العمل كالروح و الجسد فكما ان الروح بدون الجسد لاتحسّ و الجسد بدون الروح لا حراك فيها كذلك القدر و العمل فلو
«* جوامع الکلم جلد 1 صفحه 571 *»
لميكن القدر بموافقة من العمل لميعرف الخالق من المخلوق و كان القدر شيئاً لايحسّ و لو لميكن العمل بموافقة من القدر لميتم و لميمض و لله فيه العون لعباده الصالحين انتهي ، نقلته بالمعني او بما يقرب من اللفظ و المعني في تمثيله عليه السلام بالروح و الجسد ما ذكرناه مكرراً من ان كل شئ فايجاده من فعل الله و امداده من امر الله و ان المكلّف و افعاله من هذه المقولة الا ان صورة الأفعال هو محدثها باختياره كما مثّلنا سابقاً بالصورة التي في المرآة من انّ مادتها من صورة المقابل القاۤئمة به اعني ظلّها المنفصل القاۤئم بها قيام صدور و القاۤئم بالمرآة قيام عروض و حلول و القاۤئم بصقالتها و هيئتها قيام ظهور و صورة الصورة من صقالة المرآة و هيئتها فما من صورة المقابل حافظ للصورة في المرآة عن التهافت و الفناۤء و الاضمحلال لأنّ صورة المقابل المتصلة به حافظة للصورة في المرآة بظلها الذي هو مادة الصورة في المرآة و هو بمنزلة قدر الله في فعل المكلف و ما من المرآة من صقالة و اعتدال و اعوجاج او كبر او صغر او بياض او سواد او طول او عرض هو صورة الصورة التي فيها من المقابلة و ذلك شئ احدثه المرآة فهي مستقلة باحداثه اعني صورة الصورة كما انها مستقلة بتحريك الصورة المحفوظة فكذلك المكلّف مستقل باحداث صورة فعله و بتحريك مجموع الفعل اعني ما من القدر من مادته و ما منه من صورته كما مرّ و كل حركة و سكون فقدر الله حافظ له كما قلنا من انه روحه و الحركة و السكون جسده فافهم فان هذا هو سرّ الأمر بين الأمرين و من هنا
قلت: و مثال ذلك التقوّم كما تقوّمت الاستضاۤءة في الجدار بنور الشمس فالامر وجه الشمس و النور الذي هو الماۤء نور الشمس المنبثّ و الاستضاۤءة في الجدار وجود الانسان و الجدار الذي اشرنا اليه و هو نفس الاستضاۤءة من حيث هي هي ماهيته و فعله المنسوب اليه هو مثل الانعكاس عن الاستضاۤءة و هو نوعان فما انعكس عنها من جهة نور الشمس فهو خير و نور و حسنة و طاعة و ما انعكس
«* جوامع الکلم جلد 1 صفحه 572 *»
عنها من جهة نفسها فهو شر و ظلمة و سيّئة و معصية فالنوع الاول فعل العقل عن الوجود و الثاني فعل النفس عن الماهية فتفهم .
اقول قولي و مثال ذلك التقوّم الخ ، مبنيّ علي قاعدتي من تكريري لما اذكره فاني اكرّره مراراً كثيرة ليتفهمه الطالب بكثرة ذكره مرّة بعد اخري و ذلك لعدم انس الأذهان بمثل هذه المعاني و بُعدها عن مدارك الأفهام حيث لمتذكر في كتاب و لمتجرِ في خطاب و انما اشارت اليها الأخبار اشارة خفيّة لأولي الأبصار و ذلك ان تقوّم حسنات العبد و طاعاته بقدر الله مع انها منسوبة الي العبد و حادثة بفعله كتقوّم الاستضاۤئة التي ظهرت في وجه الجدار بنور الشمس لأنّها هي انعكاس نور الشمس الا انّها لاتظهر الا بالجدار فكان الجدار هو المحدث لها في الظهور و ان كانت من نور الشمس لأنّها قاۤئمة بنورها الفعلي قيام صدور و بنورها المفعولي قياماً ركنيّا لكنها لاتتحقق في الأعيان الكونية الا بالجدار كذلك الطاعة فانها و ان كانت من نور الوجود الأوّلي المفعولي و بنور الوجود الأوّلي الفعلي كما مرّ الّا انها لاتتحقق في رتبه كونها الا بفعل العبد و كذلك تقوّم سيئاته و معاصيه بقدر الله العرضي المعبّر عنه بالتخلية و الخذلان في ظاهر الشريعة فامر الله الذي تقومت به الطاعة اوّلاً و بالذات مثَله وجه الشمس و هو المرئي المضيء لانّه بمنزلة الأمر الفعلي و الأمر الذي منه مادة الطاعة اعني النور الذي هو الماۤء يعني الذي جعل منه كل شئ حيّ اعني المفعول الأوّلي ( الاوّل خل ) مثل ( مثله نسخه . م . ص ) نور الشمس المنبث من فعلها و هو الذي كانت منه استضاۤئة الجدار بالانعكاس و الاستضاۤئة في الجدار مثل وجود الانسان في تكوينه و الجدار نعني به نفس الاستضاۤئة التي هي وجود المكلّف و هذه النفس هي ماهية المكلّف لأنّ الماهية نفس الوجود من حيث هو هو و فعل المكلف للطاعة المنسوب اليه علي الاستقلال مثَل انعكاس النور عن الاستضاۤئة
«* جوامع الکلم جلد 1 صفحه 573 *»
التي هي مثَل الوجود و المنعكس عنها هو النور الممازج للظل هذا اذا جعلت الاستضاۤئة مثلاً للوجود و لو جعلتها مثلاً للحسنة كان الظل مثلاً للسيئة فما انعكس عن الاستضاۤئة ان جعلتها مثلاً للوجود من جهة نور الشمس مثَل للطاعة الصادرة عن دواعي العقل بطلب الوجود و هو خير و نور و حسنة و طاعة و ما انعكس عن الاستضاۤئة ان جعلتها مثلاً للوجود ايضا من جهة نفسها لا من جهة نور الشمس فهو مثَل للمعصية الصادرة عن دواعي النفس الأمّارة بطلب الماهية و هو شرّ و ظلمة ( و ظلمة و سيّئة نسخه . م . ص) و معصية فالنوع الأوّل اعني الخير و النور و الحسنة و الطاعة فعل العبد من جهة دواعي عقله و العقل انبعث الي هذه الخيرات من جهة ميل الوجود اليها و طلبه من العقل ان يسخّر الأركان في تحصيلها و كل ذلك بمؤنة ( بمعونة نسخه . م . ص ) من الله بمدده من قضاۤء الخير و النوع الثاني اعني الشرّ و الظلمة و السيئة و المعصية فعل العبد من جهة دواعي نفسه الأمّارة و هي انبعثت الي هذه الشرور من جهة ميل الماهية اليها و طلبها من النفس ان تسخّر الأركان في تحصيل هذه الخباۤئث و كل ذلك بتخلية و خذلان من الله و ذلك مقتضي قضاۤء الله بسوء فعل العبد و خبث نيّته و ما ربّك بظلام للعبيد .
قلت : و اعلم ان الماهية موجودة بوجود الوجود ما دام موجوداً و اذا لمتوجد لميوجد الوجود لانها شرط لايجاده و تمام لقابليته للايجاد كالعكس و انما قالوا انها عدم ماشمّت راۤئحة الوجود لانهم يريدون انها لمتوجد اوّلاً و بالذات قط لا انها لمتوجد اصلاً بل هي موجودة بفاضل ايجاد الوجود كما قلنا آنِفاً و ذلك الفاضل اذا نسب الي ايجاد الوجود كان نسبة الواحد من سبْعين كما هو شأن الاثار و الصفات هذا في الظاهر .
اقول اعلم انّ الماهية موجودة بوجود الوجود ما دام موجوداً بها لأنّها هي
«* جوامع الکلم جلد 1 صفحه 574 *»
هويته من نفسه و الشئ لايكون شيئاً الا بهويته فهي دعامته التي لايتقوم الّا بها و هي كذلك بمعني انها اذا كانت هي هوية الوجود لاتتحقق بدونه لأنه اذا لميكن فلا هوية فهو شرط كونها و تحققها و هي شرط ظهوره و قابليته و اما قولهم انها ماشمّت راۤئحة الوجود فهي عبارة متلقاة من كلام المتقدمين و هم يريدون بها انها موجودة ثانياً و بالعرض لأنّها لمتكن مقصودة لنفسها و انما طلبت لتوقف ظهور المقصود عليها اعني الوجود الذي هو المراد اوّلاً و بالذات الا ان المتأخرين من الحكماۤء كثيراً منهم لميفهموا مرادهم من ذلك لأنّهم غلطوا في كثير من مرادات المتقدمين و كانت الحكمة محفوظة بالوحي النازل علي الأنبياۤء صلوات الله عليهم و تلقّوها الحكماء المتقدمون عنهم فلما انفردوا عن الأخذ منهم كما جري للمشّاۤئين و الرواقيين فانهم ربما فهموا من تلقاۤء انفسهم اشياۤء لاتجري علي قواعد وحي الله سبحانه و خصوصاً حكماۤء الاسلام لتلك العلة و لأنّ المترجمين لكلامهم المكتوب في كتبهم باليونانية ربما ترجموا كل لفظة علي حدة فيقع الغلط و الخطاۤء اذ قد يكون المعني لايتأدّي الا بالمجموع كما لو ترجمت قول الفارسي قَسَمْ بخُورْ فقلت قسم بمعني اليمين و بخور بمعني كُلْ فانه يبطل المعني و يكون غير مراد الفارسي لانّ مراده احلف و علي ترجمتك يكون المعني كلِ اليمين فلما كثر الخطاۤء من اجتهاد الحكماۤء من انفسهم من غير اخذه من قواعد الوحي كما نزل بل ربما فرّعوا عليه ما لايدخل تحت قواعده و من الخطاۤء في الترجمة و من تجويز سوء الفهم اختلف رأي المتقدمين مع المتأخرين و برهان هذا ما نص عليه حفّاظ الشريعة محمد و آله عليهم السلام فانهم قد بيّنوا عن الله تعالي دقيق الحكمة و جليها ( جليلها نسخه . م . ص ) بما يطابق العقول و يطابق قواعد التوحيد و يطابق القرآن المجيد و هؤلاۤء المختلفون في الماهيات فقالوا فيها بالأقوال المتعددة فمنهم من قال انها مجعولة مطلقا و بعضهم لميقل بل قال بعدم كونها مجعولة و بعضهم فرّق بين مرتبتها في الأعيان
«* جوامع الکلم جلد 1 صفحه 575 *»
و مرتبتها في العين فقال به في الثانية دون الأولي و بعضهم قال جعله تعالي متعلق اوّلاً و بالذات بها و بالوجود ثانياً و بالعرض فجعل الوجود تابعاً لجعل الماهية علي معني انه لايحتاج لجعل جديد و بعضهم علي العكس من ذلك فجعل الماهية تابعة لجعل الوجود علي انّها لاتحتاج الي جعل جديد و بعضهم قال جعلها بمعني انها فاۤئضة من الله سبحانه في الأعيان دون العين و بعضهم قال ان الجعل تعلق بها و اطلق و بعضهم قال تعلق الجعل بها بمعني انها فاۤئضة منه سبحانه بتجلياته الثانية بصور شؤنه المستجنة في غيب هوية ذاته بلا تخلل ارادة و اختيار بل بالايجاب المحض و بعضهم قال انها ليست مجعولة بل هي صور علمية للأسماۤء الالهية التي لا تأخّر لها عن الحق الا بالذات لا بالزمان اي بالوقت بمعني انّ ظهورها مساوق لأزليته و ان كانت بعده في الرتبة فهي ازلية ابدية غير متغيرة و لا متبدلة و بعضهم قال و المراد بالافاضة التأخّر بحسب الذات لا غير و بعضهم قال بجعل استعداداتها ايضا و اطلق و بعضهم قال بمعني انها فاۤئضة من الحق سبحانه الخ ، من غير طلب منها بلسان حالها اليه و بعضهم قال بطلب منها بلسان حالها اليه و بعضهم لميقل بافاضتها بل قال بعدمه و بعضهم قال انها من مقتضياتها و مقتضي الذات لايتخلف عنها ، الي غيرها مما تضمنته تلك العبارات عنهم و هذه الأقوال الخمسةعشر ربما تداخل بعضها في بعض و منشأ تكثّرها ما قال اميرالمؤمنين عليه السلام العلم نقطة كثّرها الجاهلون او الجهّال علي اختلاف الروايتين و بالجملة الماهية ان كانت شيئاً فالله سبحانه خالقها و الا فهي تكون قديمة غيره تعالي او تكون هي الله اذ الشئ لايخرج عن ذلك فان كانت مخلوقة تمّ المطلوب و ان كانت قديمة غيره تعددت القدماۤء و ان كانت هي الله العياذ بالله لميجز ان تكون ماهية لزيد و عمرو الا
«* جوامع الکلم جلد 1 صفحه 576 *»
علي الآراۤء الباطلة المبنية علي القول بوحدة الوجود التي ثبت الاجماع علي كفر قاۤئلها و ان لمتكن شيئاً فلا معني للاسناد اليها بجعل او عدمه و الحقّ انها شئ محدث خلقها الله من نفس الوجود من حيث نفسه فكل محدث مركب من وجود و ماهية اي من مادة و صورة و هو قول الحكماۤء الالهيين الاوليين كل ممكن زوج تركيبي يعني ان كل ممكن مركب من شيئين حادثين و هذا هو الذي يجري علي قواعد الاسلام و ضوابط التوحيد و براهين العقول و تبيان الوحي و قولي انها موجودة بفاضل ايجاد الوجود ، قد تقدّم الكلام في بيانه و ان المراد بهذا الفاضل هو نور الفعل المحدث للوجود و هذا النور فعل مشتق من فعل الله الذي صدر عنه الوجود فراجع هناك و قولي و ذلك الفاضل اذا نسب الي ايجاد الوجود كان نسبة الواحد من سبعين كما هو شأن الآثار و الصفات اذا نسبت الي المؤثرات و الي الموصوفات و قد اشرنا في تأليفاتنا الي وجه ذلك العدد من ان كل شئ فهو مربع الكيفيات مثلث الكيان لأنّه حرارة و رطوبة و برودة و يبوسة و جسم و نفس و روح فكل شئ جوهر او موصوف ذو سبعة فاذا نسب الي الصفة و العرض (الي الجوهر و العرض نسخه . م . ص ) اللذين في الرتبة الثانية كان سبعين لأنّ السبعة في المرتبة الثانية سبعون و الصفة و الأثر واحد منها لأنّه عرض و لو كان من نوع موصوفه كان واحدا من عشرة فافهم .
قلت : و اما في الحقيقة المطابقة للواقع فهي موجودة بوجود آخر مستقلٍّ في نفسه و ان كان مترتّبا علي الاول فان نسبة وجوده الي الاول كنسبة وجود الانكسار الي وجود الكسر و ذلك لان الاول من تمام قابليّة وجودِها للايجاد فالوجود في الاول موجود بالايجاد الذي هو الفعل اوجده بنفسه لا بوجود مغايرٍ لنفسِه .
اقول انّ الماهية في الواقع و هو الذي خلق الله عليه خلقه و في نفس الأمر و هو الذي قام عليه الدليل القطعي موجودة بوجود الآخر اي ايجاد آخر غير ما به
«* جوامع الکلم جلد 1 صفحه 577 *»
ايجاد الوجود و ان كان مترتباً عليه لأنّه من نوره و شعاعه كما تقدّم فان نسبة ايجادها الي ايجاد الوجود كنسبتها اليه و هو نسبة وجود الانكسار الي وجود الكسر و ذلك لأنّ وجود الوجود من تمام قابلية الماهية للايجاد فهو لها كالجوهر للعرض فالوجود احدثه الفعل بنفسه لا بوجود آخر لأنّه هو المادة و المادة لمتكن موجودة بمادة اخري بل بنفسها بخلاف الماهية فانها موجودة بالوجود هكذا قالوا و انا ابيّن لك ما هو الواقع و هو ان الماهية موجودة بنفسها كما في الوجود لكن لما كان الوجود في الحقيقة هو المادة كان مادتها نفسها فيكون وجودها مادتها و هي نفسها و هي ماهيته فان قلت انها موجودة بالوجود فهو صحيح بمعني ان مادتها موجودة به و هي ماهيته و ان قلت انها موجودة بنفسها كما في الوجود فهو صحيح بمعني ان ماهيتها بنفسها فقولي فالوجود في الأوّل اي في الوجود و هو نفسه لأنّه هو المادة و هو محدث بالايجاد الذي هو فعل الله و الوجود في الثاني كما يأتي اي في الماهية و هو نفسها .
قلت الا ان ايجاده بنفسه ادارته علي نفسه كرة تدور علي كرةٍ تدور علي نقطةٍ هي الحركة الكونية من الفعل و الكرة الظاهرة تدور علي خلاف التوالي و الباطنة علي التوالي و في الثاني موجود بنور ايجاد الاوّل من الفعل و هو نقطة تدور نفس الماهية عليها علي خلاف التوالي و الماهية تدور علي نفسها علي خلاف هيئتها و خلاف التوالي و علي الوجود في جهة غير جهته .
اقول يعني ان ايجاده بنفسه عبارة عن ادارته في احداثه علي نفسه كرة تدور في استمدادها من علتها علي كرة هي علتها و هذه العلة في استمدادها من علتها تدور علي علتها التي هي علة العلة و هي نقطة و هي الحركة الكونية اي التكوينية من الفعل و هي الفعل الخاص بها من الفعل الكلي و الكرة الظاهرة اعني الوجود يدور علي التوالي من جهة كونه مطيعاً في رتبة المعلولية و علي خلاف التوالي بالنسبة الي رتبة العلة لأنّ العلة تدور بمعلولها علي التوالي و الكرة الباطنة اي العلة و هي نفس الوجود تدور علي التوالي بالنسبة الي معلولها و هي الكرة الظاهرة و الكرة الباطنة بالنسبة الي علتها اعني الحركة التكوينية
«* جوامع الکلم جلد 1 صفحه 578 *»
تدور في استمدادها منها علي خلاف التوالي لأنّها مفعول و الحركة الكونية فاعل و امّا من حيث المطابقة اي مطابقة المعلول لعلته فالظاهرة مطابقة للباطنة و الباطنة مطابقة للحركة التكوينية و كلها جارية علي التوالي فخلاف التوالي فيهما اعني الظاهرة و الباطنة اضافي و المراد بالتوالي ما جري علي مقتضي طبيعة مؤثره فانه حينئذٍ جارٍ علي النظام الطبيعي و لاريب ان الوجود و نفسه الاعتبارية اللذان ليسا شيئاً غيره و الحركة الايجادية كلها جارية علي كمال النظم الطبيعي و قولي و في الثاني اي و في الماهية انها موجودة بنور ايجاد الأوّل اي الوجود من الفعل و هذا النور تدور نفس الماهية الاعتبارية التي هي الماهية في نفس الأمر عليه علي خلاف التوالي لأنّها علي خلاف مقتضي ذلك النور فجرت علي غير النظم الطبيعي و الماهية في استمدادها من نفسها تدور علي خلاف التوالي و علي خلاف هيئتها اي هيئة نفسها فتخالف هيئتها و تخالف علتها و تخالف التوالي و تدور علي الوجود في جهة غير جهته لأنّها خلقت من نفسه من حيث النفس لا من حيث جهته التي هي جهة الي فعل الله فاستدارتها معوجّة لاتنطبق علي شئ من الحق حتي الفعل الذي حدثت به لأنّ استدارته اي الفعل علي ايجاد المستقيم و المعوج مستقيمة فاذا دار علي المستقيم كالوجود كانت استدارته عليه مستقيمة لانطباقها علي مقتضي الوجود و اذا دار علي المعوج كالماهية كانت استدارته عليها مستقيمة لانطباقها علي ما اقتضته من الاعوجاج من غير زيادة و لا نقيصة بل لو جرت علي خلاف مقتضي الماهية بحيث تكون جارية علي مقتضي نفس الفعل اي ذاته حال ايجاد الماهية لكانت استدارة الفعل في نفسها معوجّة حيث تعلقت علي خلاف ما تعلقت به .
قلت فحصل من الوجود و الماهية كرتان متداخلتانِ في الاجزاۤء متمازجتانِ في الذرات متقابلتانِ في السطوح مختلفتان في الدوران و تمازجهما من غير استهلاك شئ مِن اجزاۤئهما و ذرّاتهما في اخر و لا استبانة شئ من
«* جوامع الکلم جلد 1 صفحه 579 *»
شئ الا في الاعتبار و الافعال و الميول لاختلاف الشهوتين لتعاند الذاتين .
اقول قد تقدّم فيما ذكرنا ما يدلّ علي هذا الكلام فتمامه انّ كلاً من الوجود و الماهية كرة و لما كان الشئ مركباً منهما و كان وجود كل واحد منهما شرطاً لتحقق الآخر و ظهوره كانا متداخلين في الأجزاۤء لتحقق الوحدة في المركّب منهما و ان كان كل واحدة من هاتين الكرتين متمازجتان في الذرّات لأن كل واحدة قد ملأت محل ظهورها فاذا ملأت واحدة ذلك المحل في جميع ذرات اجزاۤئه و المفروض انها جزء شئ واحد وجب ان تكون الكرة الثانية تحلّ في ذلك المحل و تملؤه كما تملؤه علي فرض الاستقلال فيجب ان تتداخل اجزاؤهما لأنّ كل واحدة قد ملأت جميع اجزاۤء ذلك المكان و لما كانتا مختلفتين متضادّتين في المبدء و الكُنه كانت اجزاۤء كل واحدة منهما متوجهة الي مبدئهما كالسراج اذا شعّلته في الشمس فان المحل الذي هو الهواۤء من الكرة البخارية كان جميع اجزاۤئه مملوة من نور الشمس بحيث لميبق جزء منه الا و هو مشغول بشعاع الشمس و مملو من نور السراج بحيث لميبق جزء منه الا و هو مشغول بنور السراج الا ان جميع اجزاۤء نور الشمس متوجهة الي جرم الشمس المنير و جميع اجزاء نور السراج متوجهة الي جرم السراج و لابدّ ان تكونا متقابلتي السطوح مختلفين في الدوران لأنّ هاتين الصفتين من لوازم التضادّ و لا بدّ ان تكونا متمازجتين في الأجزاۤء لأنّ ذلك من لوازم وحدة المركب منهما و ان تكون التمازج من غير استهلاك شئ منهما في آخر لأنّ ذلك من لوازم تباين المبدء و تمايزه اذا كانت الأجزاۤء قاۤئمةً بذلك المبدء قيام صدور و ان يكون ذلك التمازج من غير استبانة شئ من شئ و لا استهلاك شئ من شئ لأنّ ذلك من لوازم ملأ المحل بكل واحد من شيئين متبايني المبدء بحيث قد قام كل واحد بمبدئه قيام صدور و قولي الا في الاعتبار يعني عند ملاحظة كون كل واحد قاۤئماً بمبدئه قيام صدور و في الأفعال فانها تصدر
«* جوامع الکلم جلد 1 صفحه 580 *»
متميزة بحيث ان كل فعل لايصحّ ان يصدر عن الآخر فيكون ( فتكون نسخه . م . ص ) مستبينة بعضها من بعض و في الميول جمع ميل فانها تتمايز لتمايز مبدئها فان الوجود خير و يميل الي كل خير و الماهية شرّ و تميل الي كل شرّ لأن كل واحد منهما شهوته فيما هو من نوعه فيميل اليه فتختلف الميول لاختلاف الشهوتين و لهذا قلت لتعاند الذاتين اي تضادّهما .
قلت و كلما قرب من النقطة الكونية كان انور لغلبة الوجود و كلما بعد كان اشد ظلمة لغلبة الماهية حتي تنتهي الشدة و الضعف الي نقطة الحركة الكونية و الي محدّب الكرة فتنتهي الظلمة في جهة الحركة الكونية الي نقطةٍ عند وجه الحركة الكونية فتبعد منفرجة علي هيئةِ مخروطٍ قاعدته محدّب الكرة الظاهرة و ينتهي النور في جهة محدب الكرة الي نقطةٍ علي هيئة مخروط قاعدته عند وجه الحركة الكونية .
اقول انّ الوجود الذي هو النور كرة و الماهية التي هي الظلمة كرة و كل منهما بنسبة بعض اجزاۤئهما الي بعض في الشدّة و الضعف علي هيئة مخروط و الوجود قاعدة مخروطته عند وجه علته اعني الحركة الكونية فكلما قرب من اجزاۤئه من الحركة الكونية كان اشدّ نوراً لغلبة الوجود اعني الافاضة من الفعل الذي هو الحركة الكونية و نعني بها الحركة التكوينية كما مرّ و كلما بعد عنها كان اضعف حتي ينتهي الي نقطة و هذا في الشدّة و الضعف لا في الحجم بل الأمر في الحجم علي العكس في الظاهر و مثاله مثل اشعة السراج فانه نور السراج كهيئة مخروط قاعدته عند شعلة السراج و كلما بعد ضعف حتي ينتهي الي نقطة فيعدم و في الظاهر علي العكس فان التي عند السراج هي الصغيرة الحجم و كلما بعدت الأشعة اتسعت داۤئرة كرتها و في الحقيقة لو جمعت آخره و هو اعظم داۤئرة كرته و اوسعها حتي يكون مساوياً للأشعة التي عند شعلة السراج في شدّة الاضاۤئة كان جميع ما جمعت نقطة لاتنقسم بالنسبة الي ما عند
«* جوامع الکلم جلد 1 صفحه 581 *»
الشعلة فكانت بهيئة مخروط قاعدته عند شعلة السراج و رأسه المنتهي الي نقطة هي ما تنتهي اليه في جهة البعد و الماهية كهيئة مخروط في الشدّة و الضعف كما ذكرنا في الوجود و في مثاله من اشعة السراج لا في الحجم الظاهر لأنّهما في الظاهر كرتان متداخلتان و اما في الشدّة و الضعف فهما مخروطان متقابلان فمخروط الوجود و النور قاعدته عند مبدئه و ينتهي الي نقطة هي غاية بعده عن المبدء و مخروط الماهية و الظلمة قاعدته عند غاية بعد الوجود و النور عن المبدء و رأسه ينتهي الي نقطة هي غاية قربه من مبدء الوجود و النور فمخروط النور ينتهي ضعفه الي محدّب كرة الظلمة التي هي قاعدة مخروطها بنقطة و مخروط الظلمة ينتهي ضعفه الي محدّب كرة النور التي هي قاعدة مخروطه بنقطة و مبدء الوجود هو الحركة التكوينية فقولي الي نقطة الحركة الكونية و الي محدّب الكرة ، اريد به انّ الماهية علي هيئة مخروط ينتهي راسه الي نقطة عند نقطة الحركة الكونية و ان كانت بالعرض و الي محدب الكرة اي كرة الوجود اعني قاعدة مخروطه و كل ذلك في الشدّة و الضعف لا في الحجم اذ هما في الحجم متساويان لأنّ صورتهما عند اجتماعهما في الشئ المركب منهما صورة كرة واحدة فاقوي النور في تلك الكرة غاية باطنها التي هي عند الحركة التكوينية لأنّ المحدّب كرة مجوفة و نقطة قطبه وسطه و هو عند علته التي هي الحركة التكوينية و كلما بعد النور عن باطنها ضعف حتي ينتهي الي محدّب الكرة بنقطة منه و اضعف الظلمة نقطة منها عند اقوي النور الذي يتقوم بها و كلما بعدت قويت بعكس النور حتي تنتهي الي ظاهر الكرة و محدّبها فتقوي الظلمة و هو قولي قاعدته محدب الكرة الظاهرة .
قلت فتدور الكرتان الممتزجتان علي وجه الحركة الكونية في الخلق تحت الحجاب الاحمر بثلاث حركاتٍ ابداً حركة الوجود الذاتية علي التوالي و حركة الماهية الذاتية علي خلافِ التوالي و الحركة الثالثة عرضيّة ففي حال
«* جوامع الکلم جلد 1 صفحه 582 *»
الطاعة تدور الماهية بالحركة العرضيّة علي التوالي و بحركتها الذاتية علي خلاف التوالي و في حال المعصية يدور الوجود بالحركة العرضية علي خلاف التوالي و بحركته الذاتية علي التوالي .
اقول الكرتان الممتزجتان يعني في تركيب المكلّف مثلا و هما الوجود و الماهية و هما يدوران علي الحركة الكونية اعني علتهما في الخلق اي في قابليتهما للفعل الايجادي و هو الخلق الثاني تحت الحجاب الاحمر و هو الروح الذي علي ملئكة الحجب و هو ركن العرش الأيسر الأسفل اي الظاهر و هو يؤدّي الي جبرئيل و جبرئيل يخدمه فيما يتلقي منه في جميع ايجادات الغيب و الشهادة بثلاث حركات ابدا يعني ان الكرتين اعني وجود الشئ و ماهيته يقبلان الامدادات و التكونات من الحركة الكونية بواسطة حاملها و هو جبرئيل عليهالسلام و اعوانه بثلاث حركات و هي بيان لكيفية القبول من العلة فانهما في القبول منهما يدوران عليها بثلاث حركات داۤئماً في كل تكوّن سواۤء كان في ايجاد ذات او صفة لازمة او غير لازمة كالأعمال و الأقوال الأولي حركة الوجود الذاتية علي التوالي في تكون ساۤئر الخيرات من الأفعال و الأقوال و الاعتقادات و غيرها من الذوات التي هي ثمرتها و الثانية حركة الماهية حينئذٍ الذاتية علي خلاف التوالي كما هو مقتضي ذاتها و الثالثة حركة عرضية ففي الخيرات تكون العرضية من الماهية لأنّها لذاتها لاتدور علي الخيرات و لكن اذا ترجّح جانب الوجود في طلبه للخير وجب عليها متابعته بالعرض اذ لو لمتتبعه انفكّ التركيب الذي به تقوّم المكلف و اذا انفكّ بطل المركب اعني المكلّف و يفني و يضمحل و اذا ترجّح جانب الماهية في طلبها للشرور و المعاصي وجب علي الوجود متابعتها بالعرض اذ لو لميتبعها انفكّ التركيب كما ذكرنا ففي حال الطاعة تدور الماهية عليها بالعرض علي التوالي و تدور بحركتها الذاتية علي
«* جوامع الکلم جلد 1 صفحه 583 *»
خلاف التوالي علي نفسها بمعني انها غير قابلة للطاعة برضاها بل مكرهة اكرهها علي الطاعة الوجودُ و جنوده من العقل و الملئكة فتابعته علي الطاعة بالعرض و في حال المعصية يدور الوجود عليها بالعرض علي خلاف التوالي و يدور بحركته الذاتية علي التوالي علي ربّه اي علي امر ربّه بمعني انه غير قابل للمعصية برضاه و انما اكرهته علي المعصية الماهيةُ و جنودها من النفس الأمّارة و الشياطين فتابعها علي المعصية بالعرض و لايزال يقوي الغالب منهما حتي ينعدم اعتبار المغلوب فاذا استقرّ علي ذلك تغيرت حقيقته فكان اخاً للغالب يدور معه حيث ما دار فان كان الغالب الوجود كانت الماهية اختاً له تحب ما يحب و تكره ما يكره فحينئذٍ تدور علي التوالي برضاها و ان كان الغالب هو الماهية كان الوجود اخاً لها يحب ما تحب من المعاصي و يكره ما تكره من الطاعات فحينئذٍ يدور علي خلاف التوالي بمحبته و رضاه فتكون الماهية في الأوّل نوراً ليس فيها من الظلمة الا ما يمسك حقيقتها و اليه الاشارة بقول الصادق عليه السلام علي ما رواه في الكافي في حديث معراج النبي صلي الله عليه و آله قال فكان بينهما حجاب يتلألأ بخفق و لا اعلمه الا و قد قال زبرجد و هذا الحجاب هو ما بقي فيه من الماهية فانّها لما استولت عليها الأنوار تلاشت ظلمتها حتي لميبق منها الا كالزرقة السماوية و ذلك حين استولي النور علي ظلمة ذاتها بقي من الظلمة ما يمسك كنهها فكان من بقية الظلمة مع النور زرقة عبّر عن قلة الظلمة بقوله عليه السلام يتلألأ بخفق اي باضطراب يكاد تفني و يكون الوجود في الثاني ظلمة ليس فيه من النور الّا ما يمسك كنهه و يأتي تتمة هذا الكلام .
قلت فاذا تتابعت الطاعات ضَعُفت حركة الماهيّة الذاتية و ابطأت و اسرعَتْ عرضيتها و اذا تتابعت المعاصي ضعفت حركة الوجود الذاتية و ابطأت و اسرعت عرضيّتُه و لاجل ان الحركة الذاتية لاتتبع الذاتية الاخري ابداً و انما تتبع بالعرضيّة ثقلت الطاعة و المعصية لحصول التعاكس حتي يفني اعتبار احدهما لميله فيخفّ مقتضي الموجود الميل.
اقول فاذا تتابعت الطاعات من المكلّف ضعفت حركة الماهية الذاتية
«* جوامع الکلم جلد 1 صفحه 584 *»
اعني ميلها الذاتي علي خلاف التوالي لعدم استمدادها من نوعها و ابطأت في استدارتها علي نفسها لضعف ذاتيتها و اسرعت عرضيتها لأنّها تدور مع الوجود علي التوالي تبعاً له لأنّها حينئذٍ من الكلاب المعلمة لأن الوجود علّمها مما علّمه الله و اذا تتابعت المعاصي ضعفت حركة الوجود الذاتية التي هي ميله الذاتي و دورانه علي ربّه و ذلك لعدم استمداده من نوعه من انواع الخيرات و الطاعات و ابطأت في استدارته علي ربّه و اسرعت عرضيته و هي حركته و استدارته مع الماهية علي خلاف التوالي لوجود ميل الماهية و قوته فيتبعه ميل الوجود لضعفه و هذا ظاهر و لأجل ان الحركة الذاتية سواۤء كانت من الوجود او الماهية لاتتبع ذاتيّة الآخر ابدا لعدم انقلابه الي نوع الآخر اذ لو انقلب الوجود عند استيلاۤء الماهية بدوام المعاصي الي الماهية او انقلبت الماهية عند استيلاء الوجود بدوام الطاعات الي الوجود لميبق في الشئ الذي هو المكلّف تركيب و هو موجب لفناۤئه لما ذكرنا مرارا فوجب ان يكون الميل الذاتي من كل واحد منهما جارياً علي طبيعته و ان كان قد يضعف و يبطئ عند قوة ضدّه و غلبته عليه لأنّه لابدّ من بقاۤء شئ من الضدّ الضعيف به يحفظ الضدّ القويّ عن الاضمحلال و يبقي لذلك الميل الضعيف حركة علي وجهه و لو بأقل قليل فلاتتبع الحركة الذاتية حركة الضدّ الذاتية ابدا اي مادام المركب من الضدّين شيئاً موجودا و انما تتبع حركة التابع العرضية حركة المتبوع الذاتية و لأجل انّ الذاتية لاتتبع ذاتية الضدّ كان ميل الماهية الذاتي في كل حال لميعدم اصلاً عند غلبة الوجود و استيلاۤئه بدوام الطاعات و ميل الوجود الذاتي كذلك لميعدم اصلاً عند غلبة الماهية و استيلاۤئها بدوام المعاصي و لأجل بقاۤء ميل التابع لذاته حال متابعته لضدّه ثقلت الطاعة و المعصية فثقلت الطاعة لوجود حركة الماهية الذاتية علي خلاف الطاعة في حال الطاعة و ثقلت المعصية لوجود حركة الوجود الذاتية علي
«* جوامع الکلم جلد 1 صفحه 585 *»
خلاف المعصية في حال المعصية لحصول التعاكس في الجملة و ان ضعف المعاكس و لايزال حكمها كذلك اعني ثقل المعصية علي المطيع و العاصي و ثقل الطاعة علي العاصي و المطيع حتي يفني اعتبار كل واحد من الوجود و الماهية لميله عند غلبة الآخر فيفني اعتبار ميل الماهية عند استقرار غلبة الوجود بطاعات الله سبحانه و يفني اعتبار ميل الوجود عند استقرار الماهية بمعاصي الله عزوجل فيخفّ مقتضي الموجود ( الوجود نسخه . م . ص ) الميل اي يخفّ حينئذٍ مقتضي الذي يكون ميله موجودا فان كان هو الوجود خفّ مقتضاه من الطاعات لوجود ميله التام اليها و عدم ميل الماهية في عكسه و انما بقي من ميلها لنفسها قدر ما يحفظ وجودها عن الاضمحلال و ليس لها منه استمداد و انما يستمدّ من دواعي الوجود و مطالبه و ان كان الموجود ميله هو الماهية خفّ مقتضاها من المعاصي لوجود ميلها التامّ اليها مع عدم ميل الوجود في عكسها اذ لميبق له من الميل الا قدر ما يحفظ به نفسه عن الاضمحلال و ليس له منه استمداد و انما استمداده حينئذٍ من دواعي الماهية و مطالبها القبيحة.
قلت : و تدور الكرتان علي وجه الحركة الكونية في الرزق تحت الحجاب الابيض بثلاث حركات حركة الوجود الذاتية لمدد الرزق علي التوالي و حركة الماهية الذاتية لمدد الحرمان علي خلاف التوالي و الحركة الثالثة عرضية ففي حال الرزق تدُور الماهية بالحركة العرضيّة علي التوالي و بالذاتية بالعكس و في حال الحرمان يدور الوجود بالعرضيّة علي خلاف التوالي و بالذاتية بالعكس .
اقول ايضا تدور الكرتان كرة الوجود و كرة الماهية بحركة ميل كل منهما علي وجه الحركة الكونية لاستمدادهما منها في الرزق كل واحد من نوع رزقه فرزق الوجود امداد وجوديّ كاَنوار المعارف الالهية و المعاني العقلية و الصور العلمية و القوي الحيوانية كروح الشهوة و روح المدرج و روح القوّة و
«* جوامع الکلم جلد 1 صفحه 586 *»
كالأرزاق الجسمانية و رزق الماهية مدد عدميّ بمعني ان اصله من المخلوق و ذلك كمدد الانكارات بعد البيان القطعي و الدعاوي الباطلة من الجهل المركب و الأوهام السجينية لأنّها من كتاب الفجّار لفي سجين و القوي النفسانية و الأرزاق المحرمة و ذلك هو ما قسّم لهما فقسّم للوجود و اعوانه ارزاقاً محتومة بمقتضي فطرته و ارزاقاً مشروطة بوجود قابليته بما امر به هو و اعوانه و قسم للماهية مدداً لها و لأعوانها بمقتضي قابليتها و مدداً بمقتضي اعمالها الصورية و صورها الوهمية و اوهامها الانكارية و ذلك تحت الحجاب الأبيض الذي هو ركن العرش الأيمن النوراني الاعلي الباطني لأنّه مصدر الأرزاق و هو علي صراط مستقيم و يقتضي لذاته الخيرات و تختلف تعلّقاته باختلاف متعلقاتها و يجري فيه قضاۤء السوء بسبب قابلية المتعلق السيّئ فيدور كل قابل منه علي وجه استمداده منه مطلقا اي سواۤء كان القابل الوجود او الماهية بثلاث حركات حركة الوجود الذاتية لمدد الرزق اي طلب الامداد و هو استمداده من وجه الحجاب الابيض علي التوالي و حركة الماهية الذاتية لمدد الحرمان علي وجه استمدادها علي خلاف التوالي و الحركة الثالثة عرضية كما مرّ ففي حال الرزق باستمداد الوجود تدور حركة الماهية العرضية علي التوالي لتبعية الوجود لغلبته لها فتتبعه و تدور بالذاتية علي خلاف التوالي لمقتضي طبعها و في حال الحرمان من الرزق المذكور سابقاً في شئ من انواعه او في فرد من نوع من انواعه تدور علي خلاف التوالي لموافقة طبعها و يدور الوجود حينئذٍ اي حين كونه مغلوباً بحركته العرضية علي خلاف التوالي لأنّه تابع و علي التوالي بحركته الذاتية بمقتضي طبعه كما مرّ و استمداد كل تابع حال التابعية من كسب المتبوع و في هذه الدواعي و المطالب و الحركات من الطرفين اسرار يطول بذكر تفصيلها الكلام و الله سبحانه يرزق من يشاۤء بغير حساب و قد ذكرنا كثيراً منها في هذا الشرح مفرّقاً فتفقده تجده في محله و ذلك ما يترتب في الخلق و الرزق و الحيوة و الممات و يتوقف بعض منها علي بعض و ينشأ بعض من بعض كالشرعيات الوجودية و الوجودات الشرعية .
«* جوامع الکلم جلد 1 صفحه 587 *»
قلت : و تدور الكرتان علي وجه الحركة الكونية تحت الحجاب الاخضر بثلاث حركات في الموت حركة الوجود الذاتية علي خلاف التوالي و حركة الماهية الذاتية علي التوالي و عرضيتهما علي العكس .
اقول ان الكرتين اعني الوجود و الماهية تدوران علي وجه الحركة الكونية الذي هو مصدر مددهما و خزانة امدادهما تحت الحجاب الأخضر الذي هو اللوح المحفوظ و هو ركن العرش الأيسر الجسماني الأعلي الباطني عند موت كل كليّ او جزئيّ او كل او جزء بثلاث حركات حركة الوجود الذاتية علي خلاف التوالي لأن الموت خلاف الحيوة و حركة الماهية الذاتية علي التوالي لتوافق الماهية للموت في الأصل العدمي و عرضيتهما اي عرضية حركة الوجود و الماهية علي العكس فعرضية حركة الوجود علي التوالي لمتابعتها لذاتية الماهية و عرضية حركة الماهية علي خلاف التوالي لمتابعتها لذاتية الوجود .
قلت : و تدور الكرتان علي وجه الحركة الكونية في الحيوة تحت الحجاب الاصفر بثلاث حركات كل واحدة بعكسِها في الموت في الذاتية و العرضية .
اقول انّ الكرتين اعني الوجود و الماهية تدوران في كل كليّ او جزئيّ او كل او جزء علي وجه الحركة الكونية في قبولهما منها في الحيوة التي هي ضدّ الموت تحت الحجاب الأصفر اي الركن الأيمن النورانيّ الأسفل الظاهري من العرش و هو الروح من امر الله التي قال تعالي في الاشارة الي ذكره و نفخت فيه من روحي بثلاث حركات كما مرّ في نظاۤئره فيدور الوجود علي علته في قبول الحيوة بحركته الذاتية عليها علي التوالي و تدور الماهية عليها بعكس دوران الوجود عليها في الذاتيات و العرضيات و هذا يعرف ممّا تقدّم .
قلت فكان للوجود و الماهية في مراتب الوجود الاربعة التي بني عليها العرش و تجلّي الرحمن بافعاله علي العرش بها و هي الخلق و الرزق و الموت و الحيوة كما قال اللّه تعالي اللّه الذي خلقكم ثم رزقكم ثم يميتكم ثم يُحييكم
«* جوامع الکلم جلد 1 صفحه 588 *»
اثنتاعشرة حركةً ، ثمان ذاتيات و اربع عرضيات في عالم المعاني عالم الجبروت .
اقول هذا مجمل ما تقدّم ذكره من الاشارة الي الحركات الصادرة من الوجود و الماهية في قبول آثار مصادر الخلق و الرزق و الحيوة و الممات (و الممات و الحيوة نسخه . م . ص) و هو انّ الحركات الصادرة من الوجود و الماهية في تلقّيهما من المبدء الفيّاض و قبولهما منه في الأركان الأربعة الخلق و الرزق و الموت و الحيوة اثنتاعشرة حركة في كل ركن من اركان الكون ثلاث حركات اثنتان ذاتيتان و واحدة عرضية و ذلك في كل ذرّة من ذرّاته فاذا نسبت هذه الأركان الي كل واحد من العوالم الثلاثة الجبروت و الملكوت و الملك و البرزخين اللذين بينهما اعني عالم الرقاۤئق و عالم المثال اذ في كل واحد منهما خلق و رزق و موت و حيوة كان مجموع حركاتها ( حركاتهما نسخه . م . ص ) في العوالم الخمسة ستين حركة و تفصيلُها ان لهما في خلق الجبروت اعني العقول ثلاث حركات و في رزقها ثلاث و في موتها ثلاث و في حيوتها ثلاث فهذه اثنتاعشرة حركة ثمان ذاتيات و اربع عرضيات و في خلق الملكوت اعني النفوس و رزقها و موتها و حيوتها اثنتاعشرة حركة كذلك و في خلق البرزخ بين هذين العالمين اعني عالم الرقاۤئق و هي عالم الأرواح و رزقها و موتها و حيوتها اثنتيعشرة حركة كذلك و في خلق الملك اعني الأجسام و رزقها و موتها و حيوتها اثنتيعشر (عشرة ظ) حركة كذلك و في خلق البرزخ بين الأجسام و النفوس و هو عالم المثال و رزقه و موته و حيوته اثنتيعشرة حركة فهذه ستّون حركة اربعون منها ذاتيات و عشرون منها عرضيات و هو معني ما
قلت: و اثنتاعشرة حركة كذلك في عالم الصور عالم الملكوت و اثنتاعشرة كذلك في عالم الاجسام عالم الملك و في عالم الرقاۤئق عالم الاظلة كذلك و في
«* جوامع الکلم جلد 1 صفحه 589 *»
عالم الاشكال عالم المثال كذلك الا ان عرضيتهما في عالم الجبروت بالقوة و في عالم الاظلة بالتّهَيُّؤِ و في ما دون ذلك بالفعل فهذه ستّون حركة للوجود و للماهية اربعون منها ذاتية و عشرون عرضيّة .
اقول و قد تقدّم بيان هذه ( هذا نسخه . م . ص ) في تفصيل الحركات بقي فيه بعض الألفاظ ربما يحتاج الناظر فيها الي بعض البيان و هي قولنا عالم الصور عالم الملكوت و المراد بالصور هنا الصور الجوهرية و هي المتقومة في تعلّقها و وجودها بالمادة بخلاف الصورة المثالية فانها في تعلقها لاتحتاج الي المادة و ان كانت في وجودها تحتاج الي المادة فالصور الجوهرية ذوات قاۤئمة بنفسها في الظاهر يعني انها متقومة بمادتها و صورتها و اما الصور المثالية فهي صفات و اظلة و اشعة للذوات قاۤئمة بغيرها كما هو شأن الأظلة و قولنا الا ان عرضيتهما اي الوجود و الماهية في عالم الجبروت بالقوة و في عالم الأظلّة بالتهيؤ الخ ، معناه اذا نسبنا الي واحد منهما الحركة العرضية اذا كان تابعاً لضدّه لاتتحقق اي العرضية من واحد منهما في الحسّ و التميّز بالفعل في شئ من العالمَيْن عالم الجبروت و عالم الأظلّة لشدّة بساطة عالم الجبروت فالمغايرة فيه خفيّة الا انها في الحقيقة منشأ للمغايرة الظاهرة فاذن هي عند التعبير عنها مغايرة بالقوة و في عالم الأظلّة الذي هو عالم الأرواح و عالم النفوس بالتهيؤ يعني متميزة تميّزاً اجمالياً ضمنيّا لأن المغايرة التي في النفوس و الأرواح لميتميز تميّزاً تفصيليّاً كما في الأجسام فان المغايرة في الأجسام بالفعل ظاهرة متميزة فيكون تميّز الذاتية من العرضية بحسب ظهور المغايرة و خفاۤئها .
قلت : ثمّ اعلم ان للوجود و للماهية باعتبار ذرّاتهما حركة دهريّة غير حركة الكل فكل ذرّة من الوجود تدور علي وجهها لا الي جهة و كل ذرّة من الماهية تدور علي وجهها لا الي جهة و كذلك نهايات كلّ منها و لكل ذرّة من كل منهما بالنسبة الي المجموع حكم فلك التدوير في الحامل من الاسراع و
«* جوامع الکلم جلد 1 صفحه 590 *»
الابطاۤء و الاقامة و الرجوع و حكم المجموع في الحاجة و الاستمداد و الكرويّة فكلّ متوجّه الي مبدئه واقِف بمسئلته بباب ربّه لاۤئذ في فقره بجناب غناه .
اقول اريد انّ لكل واحد من الوجود و الماهية هذا الحكم اذا نسب الي ذرّة من ذرّاته من جزء او جزئيّ بالنسبة الي واحد منهما فانه كلي بالنسبة الي جزئياته و ذلك مثل وجود زيد بالنسبة الي عقله و نفسه و تعقله و علمه و وهمه و خياله و فكره و حيوته فان كل واحد منها جزئيّ منه و باعتبارٍ جزء منه و من تلك الذرّات جزء الجزء و هكذا فاذا نسب وجوده الي واحد من تلك الذرّات بان لوحظ حاله معها و حالها معه كان له علي ذلك الجزء حركة دهرية عقلية او روحية او نفسية او طبيعية او هباۤئية و هي حركة الكلي علي جزئياته و الكل علي اجزائه حركة تقوّميّة ركنيّة اذ الكل متقوم باجزاۤئه و الكلي كذلك علي الأصحّ و كذلك لكل ذرّة من ذرّاته حركة تدور بها علي وجهها منه و هذا الوجه هو الذي يدور به علي هذه الذرّة لأنّ الوجه هو باب الوجود الي تلك الذرّة و بابها اليه و كذلك الماهية بالنسبة الي ذرّاتها و هذه الحركات كلها دهرية و ذلك كدَوْرة الكل علي الجزء و بالعكس و الشرط علي المشروط و بالعكس و الصفة علي الموصوف و بالعكس و الفعل علي الفاعل و علي المفعول و بالعكس و الكلي علي الجزئي و بالعكس و كذلك كل منهما كنور النور و صفة الصفة و هكذا و بالعكس و المثل علي نظيره و بالعكس و الضدّ علي ضدّه و بالعكس و ما اشبه ذلك سبحانه (سبحان نسخه . م . ص) من ليس كمثله شئ و هو السميع البصير و لكل ذرّة من ذرّات الوجود و الماهية بالنسبة الي ما تنسب اليه حكم فلك التدوير الحامل للكوكب في حامل فلك التدوير بالنسبة الي بادي الرأي فانه اذا توافقت الحركتان اسرع سير الكواكب و ذلك لأنّ الفلك الأعظم يدور الي ناحية المغرب و تداوير المتحيرة اعلاها يدور الي المشرق و اسفلها الي المغرب فاذا تلاقت حركات اعاليها في نقطة اوجاتها مشرقة مع حركة الفلك المحدّد مغربة اقامت المتحيرة في بادي رأي البصر لتعاكس الحركتين و هي الاقامة و اذا اخذت في
«* جوامع الکلم جلد 1 صفحه 591 *»
دورانها الي جهة المشرق بحركة تداويرها عرض لها الرجوع و الابطاۤء لأنّ الفلك يردها الي جهة المغرب و اذا اخذت في دورانها الي نقطة حضيضها او الي نقطة المغرب استقامت و اسرعت لموافقة حركتها لحركة الفلك الأعظم و هذا مثال حركات ذرّات كل من الوجود و الماهية اليه لأنّ حركة الذرّة و الجزء اذا كانت في نقطة اوجها و هو اعلي اطوار تشخّصها وقفت و اقامت لأنّها قد خرّت ساجدة بين يدي مُبدئها تعالي و اذا شرعت في التعين رجعت و ابطأت و اذا كانت في غاية عبوديتها او توجهت الي حكم محض تبعيتها استقامت و اسرعت لموافقتها لحكم جملتها و مجموعها و ايضاً لكل ذرّة من كل واحد من الوجود و الماهية حكم الكل في الحاجة الي الامداد و الي قيّوميّة علته في التقوّم و حكم الكروية في استدارتها لا الي جهة كالمجموع فكلٌ اي كل واحد من الوجود و الماهية و من ذرّاتهما و اجزاۤئهما و جزئياتهما متوجهٌ الي مبدئه علي الانفراد و الاجتماع اي متوجهٌ الي مبدئه و مبدء مبدئه و مبدء جملته و هكذا واقفٌ بمسئلته بباب ربّه لاۤئذٌ في فقره الي كل شئ مما اشرنا اليه بجناب غناه لأنّه قاۤئم بامره الفعلي قيام صدور و بامره المفعولي قيام تحقق اي قياماً ركنيّا .
قلت : ثم اعلم ان عرضيّة كل شئٍ مما ذكرنا هي جهة فقره الي ضده فعرضيّة الوجود جهة فقره الي الماهية في الظهور و عرضيتها جهة فقرها الي الوجود في التحقق فلهذا تتبع عرضيّة كل واحدٍ ذاتيّة الاخر .
اقول قد ذكرنا ان الوجود و الماهية و ذرّات كل واحد بالنسبة الي ذرّات الآخر لاينفكّ الشئ عن التركيب من ضدّين منهما بان يتركب بعض الأشياۤء من وجود و ماهية و بعض الأشياۤء من جزئيهما و بعض الاشياۤء من ذرّتين منهما سواۤء كان المركب من جوهرين ام من جوهر و صورة ام من صورتين و ذكرنا ان المركّب مكلّف و ان كل مكلّف لاينفكّ في كل فعل او قول او عمل عن ثلاث حركات ذاتيتان و عرضية و هنا ذكرنا انّ عرضيّة كل واحد هي جهة فقره الي ضدّه فلهذا يدور علي خلاف مقتضي ذاته فعرضيّة الوجود جهة فقره الي الماهية في الظهور لتوقف ظهوره في عالم الأكوان علي الماهية لأنّها صورته و
«* جوامع الکلم جلد 1 صفحه 592 *»
لايقوم الشئ بدون صورته و عرضية الماهية جهة فقرها الي الوجود في التحقق لتوقف تحققها في الأكوان علي الوجود و من ثَمّ تتبع عرضية كل واحد من الوجود و الماهية ذاتية الآخر لما بينهما من التلازم بحيث لايستغني احدهما عن الآخر لأنّه شرط له .
قلت : الفائدة الثانيةعشرة في بيان ثبوت الاختيار ، اعلم انّ الاختيار نشأ من ميل الوجود الي ما يناسبه و ميل الماهية الي ما يناسبها كما ذكرنا مراراً و هو ذاتي و فعلي فالاول هو استدارة الشئ بوجه افتقاره علي قطب استغناۤئه اي ما يطلب منه الاستغناۤء و قد اشرنا الي هذا فيما سبق من حركته علي قطبه و الثاني استدارته بٰالاته علي جهة قطبه لحاجته من احدهما .
اقول انّ الاختيار المنسوب الي المحدثين من المكلّفين اي مما يتوجه اليه التكليف لانّ التكليف شرط صحّته الاختيار و هو اي التكليف شرط لصحّة الايجاد فلو لميكن مختاراً لميحسن تكليفه و لو لميحسن تكليفه لميحسن ايجاده و حيث دلّ النقل من الكتاب و السنّة بانّ كل شئ مكلّف و كل شئ يسبح بحمد الله الا انّ مراتب تكاليفها مختلفة فكل شئ تكليفه بحسب تنبه العقل بنص الكتاب و السنّة فطلب بيانه فوجده كما نصّ عليه النقل و استدل بذلك علي ثبوت الاختيار لكل موجود و نشير الي ذلك و هو انّه قد ثبت ان كل شئ مركب من وجود و ماهية و قد تقدّم ان هذا الكلام عبارة عن المادة و الصورة كما هو المذهب الحقّ و ان الوجود هو حقيقة الشئ من ربّه لأنّه اثر فعله عزوجل و ان الماهية هي حقيقته من نفسه و ان كل واحد مخالف بحقيقته لحقيقة الآخر و انّ كلاً منهما لايستغني في بقاۤئه عن المدد و انه لايطلب الاستمداد الا من نوعه و انّهما في الشئ المركب منهما غير متمازجين تمازج استهلاك و ان ميل كل منهما مخالف لميل الآخر و ان المركب منهما يحصل له الميلان المتعاكسان بواحد منهما يطلب و بالآخر يترك فحصل له الاختيار من حصول الميلين له المنسوبين اليه بواسطة جزئي ذاته فاذا امر بالصلوة مثلا مال اليها الوجود لأنّها من نوعه و طلب فعلها ليتقوي بها لأنّها صالحة لكونها مدداً له
«* جوامع الکلم جلد 1 صفحه 593 *»
يحصل بها بقاؤه الّا انّها خلاف مدد الماهية و تضعف بفعلها فتميل الي تركها لأنّ ترك الصلوة من نوعها و تتقوي به و الميلان صدرا من الشئ من جزئي ذاته و هذا الاختيار لازم لكل مركب من الوجود و الماهية و كل مخلوق فهو مركب منهما لا فرق في ذلك بين الانسان و الحيوان و النبات و الجماد و لذا قال الله تعالي هو الذي خلق الليل و النهار و الشمس و القمر كل في فلك يسبحون اخبر عنهم بضمير العقلاۤء و لميقل يسبحن او تسبح و قال تعالي و ان من شئ الّا يسبح بحمده و لكن لاتفقهون تسبيحهم و لميقل تسبيحها و قال تعالي أولميروا الي ما خلق الله من شئ يتفيؤ ظلاله عن اليمين و الشماۤئل سُجّداً لله و هم داخرون و لميقل و هن داخراتٌ او و هي داخرةٌ فان قلتَ انما استعمل ضمير العقلاۤء للتغليب قلتُ فلمَ لميغلّب في قوله الي ما خلق الله فانه لميقل الي مَن خلق الله علي انّه اتي بضمير العقلاۤء مع عدم من يغلب به كما قال تعالي و هو الذي خلق الليل و النهار و الشمس و القمر كل في فلك يسبحون لأنّهم مكلّفون و المكلّف يلزم ان يكون عاقلاً لما يكلّف به و ان كان كل شئ كان له عقل بحسبه قال تعالي فقال لها و للأرض ائتيا طوعاً او كرهاً قالتا اتينا طاۤئعين و لمتقولا (و لميقل نسخه.م.ص) طاۤئعة و بالجملة فحيث كان الوجود في تنزّله بمراتبه بمنزلة شعاع السراج كلما قَرُبَ من السراج كان انور و كلما بَعُدَ من السراج كان اضعف نوراً و هو اي الوجود في نفسه ادراك و فهم و شعور و ما اشبه ذلك من اسباب التكليف و شرايطه و كلما قَرُبَ من المبدء قويت فيه جهات المدارك و كلما بَعُدَ من المبدء ضعفت فيه تلك الجهات و التكليف يتعلق بالمكلّف بنسبة تلك الجهات و اقوي مراتب التكليف ما توجه الي الانسان لأنّ اقوي تلك الجهات ما وجدت فيه و اضعف مراتب التكليف ما توجه الي الجماد لأنّ اضعف تلك الجهات ما وجدت فيه و ما بينهما من العوالم تكليفه بنسبة قوة الجهات و ضعفها و هذا ظاهر لمن نظر ببصيرته طالباً للحق ثمّ ان الميل المذكور من كل شئ
«* جوامع الکلم جلد 1 صفحه 594 *»
علي قسمين : الأول الميل الذاتي و هو استدارة الشئ اي طلب الشئ بوجه افتقاره يعني بميل افتقاره حال تكوّنه و حال استمراره في بقاۤئه علي قطب استغناۤئه و هو امر الله الفعلي صاحب القيّوميّة له و امر الله المفعولي الحافظ له فيستغني من فعل الله في صدوره و قبوله للتكوين و من امر الله المفعولي الذي هو الماۤء المسمّي بالحقيقة المحمديّة في بقاۤئه و دوامه لتقوّم الشئ به تقوّماً ركنيّا اذ مادة كل شئ حصّة منه و هذا معني قولي اي ما يطلب منه الاستغناۤء فانّ كل شئ يطلب الاستغناۤء من امر الله كما فصّلنا و الثاني الميل الفعلي و هو استدارة الشئ بآلاته التي بها يعمل و يتسبب علي جهة قطبه يعني قطب استدارته و هذه الجهة التي يدور عليها بآلاته هي آثار ذلك القطب فان هذا القطب الذي هو امر الله الفعلي و امر الله المفعولي كما ذكرنا يتلقي الشئ من آثاره و بها تقوّمه صدوراً و تحققا و قولي لحاجته من احدهما ، اريد به انّه انما يميل لفقره و حاجته الي الاستمداد فان كان المستمدّ اعني الوجود او الماهية استمدّ من نوعه كما لو استمدّ الوجود من الطاعات و الماهية من المعاصي قوي و غلب الآخر و استولي عليه و ان لميستمد من نوعه و انما تبع المستمدّ من نوعه ضعف و غلبه الآخر و استولي عليه لأنّه انما ينتفع بمتابعته لضدّه في حفظ اصل نفسه و لهذا يتخلق باخلاقه و يتصف بصفاته و يتابعه في مطالبه فله من مدد متبوعه مدد عرضي و هو جزء من سبعين جزءا لأنّ ميله مع متبوعه عرضي فعلي ناقص في اصل اقتضاۤئه للمدد و انما تمّ اقتضاۤءه بجزء من سبعين من صفة متبوعه بفضل ميله الذاتي و هذا الفضل شعاع من الميل الذاتي فاستفاد من كل تابعيته حفظ اصل نفسه عن الفناۤء و التلاشي .
قلت و حيث كان للشئ ميلان متعاكسان يكتفي بمتعلّق احدهما جاۤء الاختيار فهو ان شاۤء فعل و ان شاۤء ترك هذا في الميل الفعلي و امّا الميل الذّاتي فهو مختار في كل واحدٍ من شِقَّيْه اي مختار في ميل الوجود نفسه الي ما يقتضيه
«* جوامع الکلم جلد 1 صفحه 595 *»
و في ميل الماهية نفسها الي ما تقتضيه.
اقول لمّا كان للشئ ميلان متعاكسان ميل من وجوده الي انواع الخيرات و الطاعات و ميل من ماهيته بعكس ميل الوجود يعني الي الشرور و المعاصي يكتفي بمتعلق احدهما يعني ان الشئ المركب منهما و هو المكلّف يكتفي في سدّ فاقته و بقاۤئه بمتعلق احدهما من الطاعات او المعاصي علي الانفراد او علي التعاقب لأنّ متعلق كل ( كل واحد نسخه . م . ص ) منهما عام لكل ما يحتاج اليه بحيث لايحتاج في طلب الطاعات و الخيرات الي شئ لايوجد في متعلق ميل الوجود الا في متعلق ميل الماهية و في طلب المعاصي و الشرور لايحتاج الي شئ لايوجد في متعلق ميل الماهية الّا في متعلق ميل الوجود بل كل شأن من شئون احدهما يوجد في متعلق ميله لأنّه سبحانه خلق جميع ما خلق لعباده صالحاً لأحد السلطانين و اليه الاشارة بقوله تعالي انا جعلنا ما علي الأرض زينة لها لنبلوهم ايّهم احسن عملا و لمّا كان له الميلان المتعاكسان كما سمعت جاۤء الاختيار اي ثبت له الاختيار بمعني انه ان شاۤء فعل باحد الميلين و ان شاۤء ترك بالميل الآخر و قولي يكتفي بمتعلق احدهما ، جملة فعلية وقعت صفة لقولنا ميلان و لو جعلتها حاليةً جاز علي بعد و هذا الكلام بيان للميلين الفعليين و اما الميلان الذاتيان لهما فالشئ المركب من الماۤئلين الوجود و الماهية مختار فيهما بمعني ان ميل كل بذاته الي قطب استغناۤئه بقابليته عن اختيار مساوق لكونه و هذا المعني من اسرار القدر التي تسافلت عنها افهام الفحول من العلماۤء و وفق (و وقف خل) لها من سبقت له العناية و الله يرزق من يشاۤء بغير حساب فان الشئ مختار في ميل كل من شقَّيْه الوجود و الماهية فيميل وجوده الي الطاعات باختيار الشئ لحصول ميل ضدّه عنده و باختيار الوجود نفسه لحصول ميل ضدّه معه و تميل ماهيته الي المعاصي باختيار الشيء لحصول ميل ضده عنده و باختيار الماهية نفسها لحصول ميل ضدّها معها كل الي ما يقتضيه و ميل الجزء
«* جوامع الکلم جلد 1 صفحه 596 *»
باختياره ايضا لحصول الموجب للاختيار و هو وجود الضدّ فان الشئ انما كان مختاراً لتقوّمه بتركّبه من الضدّين الضدّين و احد الضدّين كذلك يعني انما كان مختاراً لتقوّمه في نفسه بانضمام ضدّه اليه كما تقدّم من انّ كل واحد من الوجود و الماهية يعتبر في وجوده و تحققه وجود الآخر اذ كل ممكن زوج تركيبي و كل منهما ممكن فالشئ مركب منهما و الوجود مادته نفسه و صورته انضمام الماهية اليه و الماهية مادتها نفسها و صورتها ضمّ الوجود اليها فكما كان الشئ مختاراً لتركّبه من الضدّين الماۤئلين علي التعاكس كذلك جزؤه كان مختاراً لتركّبه من نفسه و انضمام ضدّه اليه و هما الماۤئلان علي التعاكس .
قلت و بيان ذلك ان الوجود لايشتهي الا النّور و لايشتهي لذاته الظّلمة و ان اشتهاها بالعرض و الاعتياد الذي هو عرضي و لايمكن في ذاته من حيث صدوره بفعل اللّه اَنْ يشاۤء الظلمة لانها جهة الماهية منه فلايمكن ان يشاۤء الايشاۤء ما يشاۤؤه اذ المشية واحدة فلاتنبعث حيث لاتنبعث و كذا الكلام في الماهية نفسها من حيث هي .
اقول هذا بيان لنفس الميل بأن اصل منشأه الشهوة و طلب الملايم و هو المراد بالاستمداد من النوع كما مرّ لأنّ الميل الذاتي لايكون من الشئ لما ينافي ( ينافر خل ) طبيعته فلذا قلنا ان الوجود لايشتهي الا النور و كذا الماهية و اما اذا مال الوجود الي الظلمة في حال كونه مغلوباً فانه ميل بالعرض و الاعتبار الذي هو بالعرض لا بالذات الذي هو شأن صدوره بفعل الله فانه لايشتهي لذاته عنه الّا النور فاذا كان كذلك لايشتهي من ذاته الظلمة اذ لايمكن ان يشاۤء من ذاته عدم مشيته لما يشاۤء من ذاته فانه اذا كان يشاۤء من ذاته النور لايشاء عدمه اذ يلزم ان يشاۤء ما لايشاۤء لأنّ المشية واحدة فلاتنبعث لغير موجب انبعاثها لأنّه (لانّها خل) ضدّ فيكون انبعاثه بموجب عدم انبعاثه و هو محال و اما بالعرض فلا بأس به كما قلنا و كذا الكلام في الماهية .
«* جوامع الکلم جلد 1 صفحه 597 *»
قلت و لايُظن انّ هذا منافٍ لما نذكره من انه لايكون شئ من شئ الّا باختيار و لا جبر في جميع الاشياۤء لا لَهٰا و لا منها لانّ الوجود لا شيئيّة له الّا في الماهيّة و الماهيّة لا شيئيّة لها الّا بالوجود و ما ليس له في حقيقته بكل اعتبار الا جهة واحدة لايمكن فيه تعدّد مَيْل او اختلاف انبعاث و ليس هذا جبراً لان الجبر اَنْ يميل الشئَ غيره علي خلاف مقتضي ذاته او بغير ميل ذاته و هذا بمَيْلِ ذاته فليس جبراً فهو اختيارٌ اذ لا واسطةَ بينهما.
اقول لاتظنّ انّ هذا و هو انّ كل واحد من الوجود و الماهية اذا كان مغلوباً يكون له ميل عرضي الي خلاف ما يقتضيه ذاته فانه اذا كان مغلوباً فهو مجبور علي خلاف ما يقتضيه و لايراد من الجبر غير هذا فلايكون منافياً لما تذكرونه بعد هذا من انّه لايكون شئ من شئ اي لايصدر من شئ حركة او سكون في غيبه او في شهادته الا باختيار منه و ان جميع الأشياۤء من الناطق و الصامت و الحيوان او النبات او الجماد من الذوات او الصفات لا جبر فيها ، لا لها اي لايجبرها غيرها و لا منها اي و لاتجبر غيرها لما سنبيّنه من ان ما ترونه في كون الشئ يسلك به غيره غير مايكون من شأنه مثلاً اذا رميت الحجر الي جهة العلو فان صعود الحجر بغير اختياره اذ شأنه النزول و لانريد بالجبر الا هذا و ليس هذا جبراً لأنّ الرامي للحجر ليس قاسراً له و انما هو معين له لأنّ في الحجر امكاناً ناقصاً للصعود فكان دفع الرامي له الي جهة العلو متمّماً لما يمكن منه كما يأتي و مضي بعض الاشارة الي هذا فراجع و ايضاً انما قلنا انّ الوجود لايشتهي الا النور و ان مال مع الماهية في فعلها للظلمة ليس لذاته و انما هو ميل عرضي لأنّ الوجود في ذاته بسيط لا شيئية له و لا تحقق من حيث نفسه الا في الماهية التي لاتشتهي الا الظلمة و ذلك لأنّه لما كان في ذاته بسيطاً لأنه نور ربه امتنع تعدد ميله من ذاته و انما يميل الي النور خاصة الذي هو من نوعه و اما اعتبار شيئيته من نفسه ليلزم تعدده في ذاته فيتعدد ميله فيميل الي الظلمة كما يميل الي النور فلأنّ
«* جوامع الکلم جلد 1 صفحه 598 *»
ملاحظة شيئيته هي ملاحظة ضدّه اعني الماهية اذ لا شيئية له الّا بالماهية ( الّا بانضمام الماهية نسخه . م . ص ) التي ميلها عكس ميله فليس فيه لذاته تعدد فلايميل الي الظلمة بذاته قطّ و اما انضمام الماهية اليه الذي قلنا انه صورته التي يتقوم بها فحاصل ميله انما هو الي الظلمة اذ ليس الانضمام جزءاً لذاته من جهة محدثه و كذلك الماهية لاتشتهي النور لبساطة ذاتها فلايكون لها ميلان ذاتيان و اما شيئيتها من ربها ليس الا ضم الوجود اليها و ميله الي النور فليس ذات احدهما مركبة لان التركيب المعتبر في كلٍ ممكن بحيث تكونُ ( ذاته خل ) مركّبة انما هو في الشئ الممكن لا في اجزاۤئه و اما فيما كان حصّة من مركّب كحصة الحيوان للانسان فهي مركب و يجوز ان يكون له ميلان فان الحيوان جسم متحرك بالارادة فللحصّة منه ميل الجسمية و ميل التحرّك بالارادة الذي هو الفصل الاضافي و ما كان حصّة من بسيط فليس له الا ميل واحد كالحصّة من الوجود و الماهية و الفارق بينهما ان البسيط هو الذي لايظهر الا مع انضمام فصل و الحصّة المأخوذة منه كذلك و المركب هو الموجود قبل اخذ الحصة كالخشب فانّه موجود قبل حصّة السرير و كالحيوان في مثالنا و المايز بين الحصتين انّ المأخوذ من نفس المادة بسيط له ميل واحد و هذا لايدخل في الأكوان الّا مع صورته التي هي فصله و المأخوذ من المادة و الصورة النوعيتين مركب له ميلان فافهم و قولي لأنّ الجبر ان يميل الخ ، هو ما قلت لك ان الجبر اَنْ يميل المجبر المجبور الي غير ما يمكن في ذاته لا بالفعل و لا بالقوة و امّا اذا ماله بما في قوته فهو مما يمكن في ذاته الا انّه ناقص لايقتضي الميل بدون معين و المجبر متمم لنقصه فعلي هذا لايمكن الاجبار اصلا و انما ( انما الممكن خل ) القلب لحقيقته ثمّ بعد القلب يقتضي الميل بنفسه او بمتمم و القلب ايضاً لايكون الّا فيما يمكن كذلك فالاجبار في الحقيقة اي الاجبار الحقيقي ممتنع فافهم و يأتي تمام هذا الكلام .
قلت الّا انه يقال عليه انه جزء اختيار لان المعروف من الاختيار هو الميل
«* جوامع الکلم جلد 1 صفحه 599 *»
الي جهتين مختلفتين لداعيين مختلفين عن الارادة المركّبة من ذلك الشئ المركب فهذا الاختيارُ هو الاختيار الناقص و نظيره المعني الذي في الحرف فاِنّه اذا ضُمَّ اِلَي غيره تَمَّ المعني و لايقال ان هذا هو اختيار الواجب لبساطة ذاته فليس له الّا اختيار جهة كما قاله كثيرون من ان وحدة مشيته ينافي الاختيار و امّا امر ان شاۤء فعل و ان شاۤء ترك فحكم راجع الي الممكن من حيث هو .
اقول قولي الّا انه يقال عليه الخ ، اريد به انّ كون اختيار الوجود او الماهية متحققا مع انه ليس له ميلان يمكن ان يقال عليه انه جزء اختيار و يراد من جزء اختيار انه اختيار ناقص لاانه احد شقي الاختيار فانّ احد شقي الاختيار موجب لأنّ المعروف من الاختيار عند الاطلاق هو الميل الي جهتين مختلفتين بميلين مختلفين لداعيين مختلفين عن الارادة المركّبة الاختيارية لأنّها مركّبة من ارادتين علي التعاقب منبعثين من ذلك الشئ المركب و ليس المعروف من الاختيار عند الاطلاق الميل الطبيعيّ الجبلّيّ ليمكن ان يراد من جزء الاختيار احد ميلي شقي المركّب لأنّ هذا علي الظاهر من نوع الايجاب بل معناه يرجع الي الاختيار الناقص و المراد بهذا النقص ملازمة الماۤئل لشئ واحد غالباً لضعف اعتبار ميل الجهة الضدّيّة حتي يضمّ اليه الضدّ كما في الشئ المركّب و نظيره المعني الذي في الحرف فانه معني ناقص و لهذا قيل الحرف ما دلّ علي معني في غيره و مثله قول اميرالمؤمنين عليه السلام لأبياسود الدؤلي و الحرف ما دلّ علي معني ليس باسم و لا فعل ، فاذا ضمّ الي ذلك المعني معني آخر فان المعني حينئذٍ يتمّ و لايقال انّ هذا يعني جزء الاختيار هو اختيار الواجب تعالي لكمال بساطته سبحانه فليس له الا ميل واحد فليس لَهُ الا اختيار جهة واحدة لأنّ التعدد يلزم منه التركيب كما قاله كثيرون مثل الملا صدرا و داماده الملا محسن كما صرح به في الوافي و هو عبارة عبدالرزاق الكاشي في شرح فصوص
«* جوامع الکلم جلد 1 صفحه 600 *»
ابنعربي من انّ وحدة مشيته تنافي الاختيار لأنّ المشية نسبة تابعة للعلم و العلم نسبة تابعة للمعلوم و العلم و المعلوم ( تابعة للمعلوم و المعلوم نسخه . م . ص ) انت و احوالك و اما حكم ان شاۤء فعل و ان شاۤء ترك فحكم راجع الي الممكن من حيث هو بمعني ان ايّ الطرفين وقع فهو الذي عليه الممكن في نفس الأمر نقلت بعض كلامه في الوافي بالمعني و صرّح الملا صدرا في كتبه منها شواهد الربوبية انّ الاختيار الذي يوصف به الواجب و ينسب اليه هو القصد الي الفعل و الرضا به لا انّه ان شاۤء فعل و ان شاء ترك حتي ان الملا محسن (ره) في الوافي قال فليس للحق الّا وجه واحد و هو الذي يليق لشأن الحق سبحانه و هذا كله غلط بل هو سبحانه مختار بمعني ان شاۤء فعل و ان شاۤء ترك و لايلزم من هذا تغيّر علمه كما توهموا لأنّه يعلم انّ هذا يكون متحركاً ان شاۤء ذلك و يكون ساكناً ان شاۤءه فاذا غيّر شيئا غيّر ما علم انه يغيّر الي ما علم فلايلزم تغيّر علمه تعالي و انما يلزم ثبات علمه .
قلت : لان هذا باطل و ذلك لانّ الاختيار المنسوب الي كل ممكن بحيث ان شاۤء فعل و ان شاۤء ترك فانّما ذلك لانّ كلّ اثرٍ مشابِهٌ لصفة مؤثّره و هو ما في المشيّة في نفسها اذ جميع ما يمكن ان ينسب الي الممكن من فعل او انفعال او اضافة او غير ذلك صفة لذات ذلك الممكن فما لايمكن في ذاته لايمكن ان يكون منه او ينسب اليه بكلّ اعتبارٍ و لايمكن في ذاته الا ما يمكن في المشيّة و لايمكن في المشيّة الا ما يمكن في العلم و هو الذات الحق سبحانه و تعالي فاختيار الممكن اثر لاختيار المشية و اختيار المشية اثَرٌ لاختيار الواجب .
اقول قولي لأنّ هذا باطل ، اريد به ان الاختيار الجزئي الذي في البسيط الممكن كالوجود ليس كاختيار الواجب لشدّة بساطته لأنّ هذا اي نسبة اختيار الواجب تعالي الي الجزئي باطل من جهة انّ الاختيار التام الذي في الممكن الكلي المركب انما هو اثر لاختيار فعل الله اعني المشية لأنّ جميع هيئات الممكن و صفاته الذاتية بل و الفعلية اثر هيئات المشية التي هي فعل الله لما
«* جوامع الکلم جلد 1 صفحه 601 *»
تقرّر من انّ كل اثر يشابه صفة مؤثره التي هي مبدء تأثيره و ذلك هو ما في المشية في نفسها اي هو ما اختص بالمشية في نفسها من صفاته الفعلية و من آثار صفاتها الذاتية المنفصلة اعني عنواناتها التي هي ذوات تلك الآثار اذ جميع ما يمكن في الممكن و ينسب اليه من فعل الذي هو آية فعل مؤثره و انفعال الذي هو آية قابلية الأثر للتأثير و اضافة التي هي آية التقييد و التشخص كلها و اشباهها صفات ذلك الشئ و قولي صفة لذات ذلك الممكن ، اريد به انّ هذه صفات لذاته في الجملة بمعني انّها مشابهة لما منه او به او له او عنه لا انّها صفات لمحض ذاته بل لما ينسب الي جهة ذاته فالمشابه لما منه كالدواعي و ميولات وجوده و ماهيته فانها مشابهة لوجوده او ماهيته لأنّها جهة فقره من احدي حقيقتيه حقيقته من ربّه كالوجود او حقيقته من نفسه كالماهية و المشابه لما به كالنسب و الاضافات كالعلم الاشراقي مثل علمه بزيد عند حضوره اذ هذه النسبة انما تحصل بحصول زيد و تذهب بذهابه فهي في الحقيقة ما حصل به من العلم بزيد مما انكشف له منه و المشابه لما له كالأعمال الصادرة منه فانّها مشابهة لما له لأنّها من مشخصات ذاته و المشابه لما عنه كالافعال الاختيارية فانها مشابهة لما عنه كاِرادته و ميولاته و بالجملة فالمراد بالمشابهة للذات المشابهة لما ينسب اليها بوجه لأنّ الآثار صفة للافعال و انما نمنع من قول انّ الآثار صفة للذات حذراً من ان تتوهم ان الآثار راجعة الي الذات و منتهية اليها و هي انما تنتهي الي الأفعال و الأفعال الي انفسها التي هي مباديها مع انّها اي الآثار و الأفعال يقال عليها انّها صفات الفاعل الا انها صفات اشراقية و هي في الحقيقة حدود للأغيار لا للذات ( للذوات خل ) و اذا اردت ان تفهم هذا المعني فافهم قول الرضا عليه السلام كنهه تفريق بينه و بين خلقه و غيوره تحديد لما سواه ، فافهم معني غيوره تحديد لما سواه فان قولك انه تعالي ليس بجسم مثلاً ان هذه الصفة السلبية صفة غيره و تحديد للجسم و الحاصل انه لايمكن في ذات الممكن بل و لا فيما ينسب اليه الا ما يمكن في المشية اي يصحّ عنها اذ كل ما لايكون ممكناً كالواجب لايصحّ في الممكن و لا عنه و لا به و لا له و لا منه و
«* جوامع الکلم جلد 1 صفحه 602 *»
كل ممكن فهو بالمشية او عنها فيكون مشابهاً لصفة المشية علي نحو ما ذكرنا في الممكن بالنسبة الي ما ينسب اليه و لايمكن في المشية الا ما يمكن في العلم الذي هو ذات الحق تعالي و معني الامكان في المشية الامكان الراجح و الامكان المعبّر عنه في الذات الحق فهو حكاية التعريف حيث قيل يمكن في حق الحق و يمكن في حق الواجب تعالي فصحّ التعبير بالامكان اجراۤء للعبارة علي نمط واحد و الا فلايصحّ استعمال الامكان في حق الواجب تعالي حتي الامكان بالمعني العام اعني سلب الضرورة من الطرف المخالف فان هذه و امثالها حدود الحوادث حتي الوجوب المعروف و لكن لا مناص عن التعبير به لانّ الحادث لايقدر الا علي ما هو من نوعه و المعني في قولنا الا ما يمكن في العلم اي ما يصحّ يعني يجب و معني كون المشية مشابهة لصفة الحق تعالي علي نحو ما ذكرنا في الممكن فاذا فهمت ذلك في حق الممكن فاعلم انه آية و دليل علي التعبير في التعريف لعنوان الواجب الحق المسمّي بمقاماته و علاماته التي لا تعطيل لها في كل مكان قال عليه السلام :
اعتصام الوري بمغفرتك | عجز الواصفون عن صفتك | |
تبْ علينا فاننا بشر | ماعرفناك حق معرفتك |
و الحاصل اختيار الممكن اثر اختيار المشية لأنّه اثر احداثها له علي قابليته و اختيار المشية اثر اختيار الواجب لأنّها اثر احداثه تعالي لها بها حين شاۤء بها ما شاء من خلقه و لله المثل الأعلي و قال الصادق عليه السلام في الدعاۤء عقيب الوتيرة بعد العشاۤء علي ما رواه الشيخ في المصباح: بدت قدرتك يا الهي و لمتبد هيئة يا سيدي فشبّهوك و اتخذوا بعض آياتك اربابا يا الهي فمن ثَمّ لميعرفوك الدعاۤء ، و الي ما ذكرنا من الترتيب الاشارة بقوله تعالي فجعلناه سميعاً بصيرا و هو القاۤئل عز و جل في كتابه في وصفه نفسه لعباده و انه هو السميع
«* جوامع الکلم جلد 1 صفحه 603 *»
البصير فافهم .
قلت : فان قيل هل يعلم في الازل زيداً في الحدوث انه حيوان ناطق ام لا فان كان يعلم ذلك لميجز الّايخلقه او يخلقَهُ فرساً و الّا انقلب علمه جهلاً و ان لميعلم لزم الجهل بما سيكون و هو باطل بالضرورة فوجب انّه يعلم انّه حيوانٌ ناطق و المشية صفة تابعة للعلم فيجب ان يخلقه كذلك و لايمكن في حقّه غير ذلك و ان كان زيد في نفسه من حيث هو ممكناً في حقه التغيير .
اقول هذا السؤال هو الذي ادخلهم في الخطاۤء حتي قالوا بما يلزمهم القول بالايجاب كما سمعت من قولهم انه ليس للحق تعالي الّا وجه واحد و ان الاختيار المنسوب اليه تعالي تنافيه وحدة المشية لان المشية نسبة تابعة للعلم و العلم نسبة تابعة للمعلوم و المعلوم انت و احوالك كما نقلناه من الملّا محسن في الوافي و هو كلام عبدالرزاق في شرح الفصوص و مرادهم ما افادهم امامهم مميتالدين من ان علمه تعالي مستفاد من المعلوم حتي انه في الوافي نقله ثمّ اعترض علي نفسه بأنّ هذا يلزم منه الافتقار في علمه الي الغير ثمّ اجاب بتوجيه هذا الكلام و ردّه ثمّ بعد الردّ بقليل قال به في قوله السابق و العلم نسبة تابعة للمعلوم و المعلوم انت و احوالك و تحرير شبهتهم انه تعالي عالم في الأزل بانّ زيداً حيوان ناطق فلو لميخلقه اصلاً او يخلقه ( خلقه نسخه . م . ص ) فرساً حيواناً صاهلاً انقلب علي جهله (انقلب علمه جهلاً نسخه . م . ص) لعدم مطابقته و لو لميعلم به في الأزل لزم كونه جاهلاً لعدم علمه بما سيكون قبل ان يكون و كلا الفرضين باطل و هذا ظاهر فوجب ان يكون عالماً بأنّ زيداً حيوان ناطق فيجب ان يخلقه كما علمه لأنّ فعله كذلك من اثر مشيته لذلك و مشيته من علمه و عند خصوص اتباع ابنعربي و علمه من المعلوم حصلت لهم هذه لأنّ المعلوم يعطي العالم العلم به فعلمه مستفاد من المعلوم و اما جواز كون الممكن في نفسه قابلاً للشئ و نقيضه فامر راجع الي تجويز العقل
«* جوامع الکلم جلد 1 صفحه 604 *»
بكون الممكن قابلاً للشئ و نقيضه و ايّ الأمرين وقع عليه الممكن فهو ما هو عليه في نفس الأمر لا غيره هذا في الجملة تحرير شبهتهم و ما يتفرع عليها و الجواب عن هذه بحيث يرتفع عمن قال بها اذا كان طالباً للحق منصفاً يتوقف علي تطويل بتقديم مقدمات و ايراد شبهات تعارض شبهتهم حتي تنسلّ من القلوب التي اشربت حبّ هذه الأوهام و قد ذكرنا كثيراً منها في شرح رسالة العلم للملا محسن من ارادها طلبها الّا انّا نذكر شيئاً يكفي العارف المنصف اذا ساعده التوفيق .
قلت : قلنا هو سبحانه يَعْلم ما يكون و ما يشاۤء ان يغيّر الي ما شاۤء فكلّ طورٍ يمكن ان يكونَ الممكن عليه فهو يعلمه و كل احتمال فيما يشاۤء فهو يعلمه و يعلم ما يكون مما يكون حين يشاۤء كيف يَشاۤء فاذا علم زيداً انّه سيكون حيواناً ناطقاً فهو في علمه و اذا شاۤء ان يغيّر الي ما يَشاۤء فهو في علمه فاذا اراد غيّر ما يشاۤء كيف يشاۤء و في كلِّ تغييرٍ و تقريرٍ و محوٍ و اثباتٍ فهو مطابقٌ لِمٰا هُوَ عليه في علمه فتغيير ما علم اذاً تقريرٌ لما علم لانّه شاۤء ما علم فاذا شاۤء تغييره كان شاۤئياً لما علم سبحانه سبحانه لايقدر الواصفون وصفه .
اقول و الاشارة الي الجواب انه يعلم ما يكون و يعلم ما يشاۤء ان يغيّره الي ما شاۤء قبل ان يكون او (و خل) بعد ان يكون و امّا تغيير ما علم انه يكون قبل ان يكون هو عنده سبحانه من نوع تغيير ما علم انه يغيّره بعد ان يكون لانه تعالي اذا علم انه يغيّر ما علم انه يكون قبل ان يكون كان معني كونه الذي علم تغييره انّه يتحقق في رتبة او رتبتين مثلاً من مراتب اكوانه و انه يغيّره بعد ذلك كما لو علم تحقق معناه في العقول ثم يغيّره بعد ذلك او في العقول و النفوس ثم يغيّره الي ما شاۤء من حكم قوله يمحو الله ما يشاۤء و يثبت و هكذا و ليس معناه انه علم انه يكون و انه يغيره قبل ان يكون لأنّ هذا مستحيل اذ ليس علمه زمانيا و ليس
«* جوامع الکلم جلد 1 صفحه 605 *»
فيه استقبال كما قال عليه السلام ليس عند ربك زمان و انما تعلق علمه بكونه حين كان في وقت وجوده و مكان حدوده قبل ان يكون عند الخلق و عند نفس المكوّن لأنّ الكون و التحقق عند الخلق فيما سيكون مستقبل فاذا وقع في وقته الخاص به في مكان تكوّنه انتهي الاستقبال و الانتظار عند ساير الخلاۤئق و عند نفس المكوّن و ليس عند الله عزوجل انتظار و لا استقبال فيتعلق ( يتعلق خل ) علمه بكونه حين كونه لا قبل كونه و ان كان عند الخلق قبل كونه فاذا علم انه يكون فمعناه انه تعالي علم انه كان فلايصحّ ان يقال علم انه سيكون و علم تغييره قبل ان يكون الّا علي معني كونه في بعض مراتب وجوداته و علم تغييره في غير ذلك البعض هذا حكم الكون و اما الامكان فان الشئ عند الله يمكن فيه ما لايتناهي من الأكوان فاذا البسه كوناً منها بقيت ساير اكوانه الغير المتناهية في امكاناتها من مشيته تعالي و ازمّتها بيده ما شاۤء منها كان و ما لميشأ لميكن و العلم بها اشراقي سواۤء كان امكانيّاً ام كونيّا اما الامكاني فقد تعلق بها ازلاً ابداً و احصاها عددا و اما الكوني فهو ما كان منها لا غير سواۤء استمر ام غيّر فانه عزوجل لايفقد شيئاً من ملكه من المكان الذي اقامه فيه و وقته الذي كوّنه فيه و الحاصل ان كل شئ فقد احصاه في كتبه و هو عالم بما يمكن فيها و بما يكون منها و بما يغيّره بعد كونه و بما يغيّره اذا شاۤء كيف يشاۤء فكل طور يمكن ان يكون الممكن عليه فهو يعلمه سبحانه ففي علمه ما كوّن و في علمه ما غيّر و في علمه ما لايغيّر و ما لايكوّن و في علمه ان يغيّر ما لميغير و ما لايغيّر اذا شاۤء ذلك كيف شاۤء فاذا علم زيداً انه سيكون حيواناً ناطقاً فهو ما في علمه لأنّه كان عنده و ان لميكن عند نفسه و لا عند احد من خلقه لأنّه تعالي لاينتظر شيئاً من ملكه و اذا شاۤء ان يغيّره الي ما شاۤء فهو اي التغيير في علمه لأنّه كان في ملكه اذ ليس معه استقبال فاذا كان ما في علمه كون زيد حيواناً ناطقاً في عالم الأجسام و اراد
«* جوامع الکلم جلد 1 صفحه 606 *»
تغييره فهو في ملكه ان شاۤء جعله صاهلاً مثلا قبل وقت كونه ناطقاً او بعده او في حال كونه ناطقاً بان يجعل ظاهره ناطقاً و باطنه صاهلاً او ناهقاً او نابحا فكل ذلك من ملكه الذي لميكن منتظراً لشئ منه فهو تعالي مختار في صنعه بكل معني للاختيار و لميتجدد له شئ لما قلنا من ان كل محتمل ففي علمه بما يمكن لها يلبس منها ما شاۤء من ملابس اكوانها فهو لميفقد شيئاً من ملكه فكل ما يحتمل و يمكن فيما يشاۤء فهو يعلمه و يفعله بعلمه و يعلم ما يكون في بقاۤئه و استمراره كما اجّل له و في تغييره حين انتهي اجل بقاۤئه مما يكون حين يشاۤء كيف يشاۤء و في كل تغيير فهو في علمه و عن علمه و في كل تقرير فهو في علمه و عن علمه و في كل محو و اثبات ففي علمه و عن علمه فكل شئ فهو من علمه الي علمه و كل شئ فهو مطابق لما هو عليه في علمه فتغيير ما علم اذاً تقرير لما علم لأنّه علم ان اجل ما علم قد انقضي و ان انقضي يكون منتهياً الي ما يقتضيه حاله من علمه تعالي فاذا غيّره فقد سبق علمه بتغييره فتغييره ما علم تقرير لما علم و هو معني قولي لأنّه شاۤء ما علم فاذا شاۤء ما علم تغييره كان شاۤئياً لما علم سبحانه و تعالي عما نسبوه اليه من عدم الاختيار و التصرف في ملكه متي شاۤء كيف يشاۤء و سبحانه لايقدر الواصفون وصفه سبحان ربك ربّ العزّة عما يصفون تسبيحاً عظيماً و تعالي علوّاً كبيرا .
قلت و ذلك لان جميع ما يمكن في حقّ الممكن فانما هو من مشيته و ما في مشيته في علمه فاذا علم ان زيداً يكون في الوقت المخصوص في المكان المخصوص ثم انتقل زيد عن المكان كانت الحالة الاولي في علمه و الحالة الثانية في علمه من غير تغيير بل هو الثبات الا انه في كونه في المكان الاوّل هو في علمه في المكانين فاذا كان في الاول وقع غيبه علي شهادته فاذا انتقل الي الثاني فارقت شهادته غيبه و وقع غيب الثاني علي شهادته بغير تغيير في العلم علي الحالين و انما تغير زيد بتغيّره .
«* جوامع الکلم جلد 1 صفحه 607 *»
اقول هذا تكرير للبيان مرّة بعد اخري و هو ان جميع ما يمكن في حق الممكن فانّما هو من مشيته و ان كان ذلك بقابلية الممكن لأنّ اقتضاۤء القابلية لايكون موجباً للايجاد و انما هو استعداد لقبول المقبول و المقبول من افاضة الفاعل كرماً و جوداً اذ لايجب عليه شئ و كل ما يقع علي الممكن من آثار مشيته و اما تغيّرها الي الخير و الشر فمن القابلية و ما يمكن ان يصدر من المشية فهو في علمه الامكاني او الذاتي الذي هو الله عزوجل اما الامكاني فظاهر و اما الذاتي فلابدّ من ارتكاب المجاز ليعود الي الامكان بتقدير التعلق و الوقوع الذي هو المعني الفعلي او بارادة العنوان الذي هو المقامات و العلامات التي لا تعطيل لها في كل مكان و الحاصل اذا كان الممكن في حالة ثمّ تغير الي اخري ففي علمه الحالة الأولي و الثانية من غير تغيير بل هو الثبات اني اذا علمت بأنك الآن هنا و بعد ساعة تنتقل الي المكان الآخر فاذا مضت ساعة و انتقلت فليس هذا تغييراً و انما هو الثبات الباتّ هذا بخلاف ما لو لميكن في علمي الحالة الأولي كما توهم من قال بانه تعالي لايعلم الجزئيات الزمانية الّا بعلم كلي و الّا لزم انقلاب علمه جهلا و حصل التغيير فيه فهو غلط و جهل بل الحق ان العلم الحق الذي لا جهل فيه و الثبات الذي لا تغيّر فيه هو ان يعلم الشئ في الحالة الأولي و انه ينتقل عنها الي كذا فالأولي و الثانية في علمه لاتخرج الأولي عنه بحدوث الثانية و لاتفقد منه الثانية قبل حدوثها فالممكن في المكان الأول هو في علمه تعالي و في المكان الثاني هو في علمه ففي علمه في المكانين فاذا كان الممكن في المكان الأوّل وقع غيبه اي صورته في الكتاب الحفيظ علي شهادته المدركة بالحواس و انطبق عليها فاذا انتقل بشهادته الي المكان الثاني فارقت شهادته غيبه الأوّل اي السابق علي شهادته و لبقي ( بقي نسخه . م . ص ) غيبه اي مثاله العلمي القاۤئم في الكتاب الحفيظ في غيب المكان الأول و في غيب الوقت الأول و وقع غيب المكان الثاني و غيب الوقت الثاني بمثاله الثاني علي شهادته بغير تغيّر في العلم
«* جوامع الکلم جلد 1 صفحه 608 *»
علي الحالين بل حصلت مطابقته للمعلوم في الحالين و انما التغيّر المتوهم في تغيّر حالتي زيد حين تغيّر من حال الي اخري من غير تغيّر في العلم و لا تجدد و لا اختلاف اصلا .
قلت و ذلك لانك اذا علمتَ زيداً في مكان في وقت و علمت انه ينتقل الي اخر لايتغير علمك اذا انتقل كما علمت بل كان علمك ثابتا و علمك به اوّلا لميتغير بتغيّر حال زيد بل لمتزل تعلم انه كان في الاول و الصورة العلمية من حالته الاولي باقية عندك و الثانية التي طابقها زيد بانتقاله باقية لمتتغيّر و انما انطبقت و وقعت علي المعلوم حين انتقل فافهم ثم انك تقول بالبداۤء و ان الله يمحو ما يشاۤء و يثبت و هذا شرح ما نحن فيه و تفصيل الاشياۤء يطول بها الكلام فلا فائدة فيه مع ظهور المرام .
اقول هذا بيان بعد بيان و ترديد لما كان ليحصل لك بالعيان و هو ظاهر لايحتاج الي بيان و قولي ثمّ انك تقول بالبداۤء الخ ، فاذا اعترفت بانّ البداۤء ثابت في خلق الله تعالي لأنه سبحانه اجري حكمته علي احداث الأشياۤء علي حسب قوابلها و حصرها بآجالها فجعل آجالها مقوّمة لها فاذا انتهي اجل بقاۤئها في عالم الأكوان الذي اجّل لها محي عنها ما يترتب علي آجالها التي انقضت و اثبت لها ما اقتضته حكمته فيما يتقوم به من الآجال و هذا مما لا اشكال فيه فاذا اعترفت بهذا لزمك ان تقول بأنّ علمه لايتغيّر بما يتغير من خلقه علي انّ كلامنا هذا جارٍ علي الظاهر و الا ففي الحقيقة فبيان هذا الذي تنكشف به كل شبهة متوقف علي القول الحق من انّ العلم عين المعلوم في كل رتبة من مراتب ما يطلق الوجود من قديم و حادث فاذا وجدت هذا ظهر لك انّ علمه تعالي بخلقه اشراقي و هو وقوع علمه الذاتي علي ما وجد من الحوادث في امكنة حدوده و ازمنة وجوده و هو الذي اشار اليه الصادق عليه السلام في قوله كان ربّنا عزو
«* جوامع الکلم جلد 1 صفحه 609 *»
جل و العلم ذاته و لا معلوم و السمع ذاته و لا مسموع و البصر ذاته و لا مبصر و القدرة ذاته و لا مقدور فلما احدث الأشياۤء و كان المعلوم وقع العلم منه علي المعلوم و السمع علي المسموع و البصر علي المبصر و القدرة علي المقدور ه ، العلم الذاتي الذي هو ذاته التي لمتقترن بمعلوم و لاتطابقه و لاتقع عليه و الوقوع الحادث بحدوث المعلوم هو العلم الاشراقي يوجد بوجود المعلوم و يتغيّر بتغيّر المعلوم لأنّه المعلوم فتغيّر المعلوم لايلزم منه شئ غير نفسه فان بقي فهو العلم و ان تغيّر فهو العلم و لو فرضت انه غير العلم و الا يلزم تغيّر العلم عند تغيّره قلنا لك ان تغيّر المعلوم و بقي العلم علي الحالة الأولي لميكن العلم مطابقاً له و هو باطل بل العلم هو الذي يتغيّر بتغيّر المعلوم الاتري انك اذا علمت ان زيداً قاعد فاذا قام و لميتغيّر ما عندك من النسبة لمتكن عالما و لهذا دخلت الشبهة علي القوم حيث وجدوا هذا و لميجدوا ان العلم عين المعلوم و اذا وجدوا ان العلم عين المعلوم و لميجدوا ان العلم الذاتي هو ذاته و انّه تعالي عالم لذاته و لا معلوم لأنّ ذاته لاتطابق شيئاً و لاتقترن بشئ و لاتقع علي شئ و ليس بينه و بين شئ غير ذاته نسبة بوجه و انما التعلق و الاقتران و الارتباط و المطابقة انما هو في العلم الاشراقي و لايلزم من كلامنا هذا انه قول بأنه لايعلم لذاته لأنّا نقول ان قلت هو عالم بها في الازل فهو باطل اذ لا شئ معه في الازل و ان قلت انه عالم في الأزل بها في الحدوث فهو حق لأنّه تعالي لايفقد شيئاً من ملكه في الامكان كل شئ في مكانه الذي وضعه فيه و وقته الذي حصره فيه فهو تعالي في الأزل الذي هو ذاته المقدسة لايفقد شيئاً من ملكه في اماكنها و رتبها (وقتها خل) من الامكان علي ان الذي يلزم منه الجهل هو قولك هو عالم بها في الأزل بأنك تعتقد انه ليس في الأزل من الحوادث شئ فما معني انه عالم بها هناك بل الحق ان يقال هو عالم هناك بها هيٰهنا لأنه تعالي مااوجدها في الأزل فكيف يعلم ما ليس بشئ و قد قال في كتابه أتنبؤن الله بما لايعلم في
«* جوامع الکلم جلد 1 صفحه 610 *»
السموات و لا في الأرض و حيث قال لايعلم يلزم منه نفي علمه لانّه لو علم انّ له شريكا و لميكن له شريك كان علمه جهلاً و اذا قال لايعلم له شريكاً كان ذلك علما فعدم علمه بها في الأزل لايلزم منه الجهل بل هو العلم فافهم و مثال الاشراقي اذا حضر عندك زيد عن يمينك فان كونه عن يمينك انما يوجد بقعوده عن يمينك فاذا ذهب زالت هذه النسبة و لميحصل تغيّر بوجوده و لا بذهابه فان يمينك يمينك و انت انت قبل مجيئه و بعد ذهابه و انما التغيير في نسبة زيد اليك و لاينسب اليك الا كونه عن يمينك و هي نسبة الاشراقي الي المشرق و التعلق الحادث بحدوث الحادث و الحادث الذاهب بذهابه هو العلم الاشراقي المشار اليه .
قلت فهو سبحانه مختار بمعني ان شاۤء فعل و ان شاۤء ترك و ليس علي حد اختيار ما ذكرنا في الوجود البسيط و لايقال ان العلة في الوجود انما كانت لبساطته و ذات الله سبحانه اشد بساطة من كل شئ فيجري ذلك فيه بالطريق الاولي فيكون معني انه مختار انه يفعل ما شاۤء بقصدٍ و رضيً بما فعل لا انه ان شاۤء فعل و ان شاۤء ترك لانَّ هذا مقتضي المركب من الضدين كما قرّرتم سابقاً .
اقول ان الاختيار اذا فسّر بمعني ان شاۤء فعل و ان شاۤء ترك كان الموصوف به اشدّ تصرفاً و اقوي تسلطاً و ان فسّر بمعني القصد و الرضا كان الموصوف به محصوراً في جهة واحدة فيكون اوهن تصرفاً و اضعف تسلّطاً و الموافق بل الواجب ان يكون الاختيار الموصوف به الحق عزوجل ما يكون المتصف به اشدّ تصرّفاً و اقوي تسلّطاً و هو انه ان شاۤء فعل و ان شاۤء ترك و لا ريب انه اولي بل يجب و انما عدلوا عن تفسيره في حقه تعالي بذلك الي انه بمعني القصد و الرضا لتوهم لزوم تغيّر علمه تعالي و هذا جهل بمقام الجبّار تعالي و قد اشرنا الي عدم لزوم ما توهموه علي ان عظمة الله عزوجل لاتقدر بعقول البشر فهو مختار بمعني اكمل معنييه و توهم منافاة وحدة المشية للاختيار و معارضتها له غلط فاحش لأنّا لانسلّم وحدة المشية له لدلالة العقل و النقل علي تعددها اما العقل فلأن ما كان من نوع البدوات التي هي مورد النفي و الاثبات مثل ما شاۤء
«* جوامع الکلم جلد 1 صفحه 611 *»
الله كان و ما لميشأ لميكن مع ما يشاهد من الأمور المتجددة و المتغيّرة علي الاستمرار لايكون متحدا و ما نسب اليها من الاتحاد مثل ما خلقكم و لا بعثكم الا كنفس واحدة و قوله تعالي و ما امرنا الا واحدة فيراد منه الكلية و الأمر الكلي و ما اشاروا اليه من الوحدة يريدون به ما يتعلق بكل جزئي و اما النقل فلايكاد يحصي من الكتاب و السنة مثل يمحو الله ما يشاۤء و يثبت الشامل لكل شئ حتي الأحوال و الحركات و هذا ظاهر علي انّا اذا نظرنا الآيات التي جعلها سبحانه دليلاً علي كل غاۤئب عنا مثل سنريهم آياتنا في الآفاق و في انفسهم حتي يتبين لهم انه الحق و في انفسكم افلاتبصرون و مثل قول الصادق عليه السلام العبودية جوهرة كنهها الربوبية فما فقد في العبودية وجد في الربوبية و ما خفي في الربوبية اصيب في العبودية الحديث، و مثل قول الرضا عليهالسلام قد علم اولوا الألباب انّ ما هنالك لايعلم الّا بما هيٰهناهـ، وجدنا ان مشيّتنا لاتنافي وحدتها اختيارنا بل لا وحدة لها اصلاً الا في نفسها لا في تعلقها بل تعلقها متعدد بتعدد شئوناتنا انّ في ذلك لآيات للعالمين و انّ ما نسبناه الي الوجود من الاختيار الناقص لبساطته فلأنّه اذا نسب الي ما يتركب منه و من ضدّه يكون ناقصا فلايكون له ميلان متغايران في المتعلق كالنور و الظلمة بل و لا ميل واحد يختلف تعلّقه بنور و ظلمة بل مع ما نثبت له من الاختيار لايميل بطبعه الي ضدّ نوعه و ان مال الي اصناف متعددة من نوعه خاصة و الواجب عزوجل ليس من نحو ما ندركه حتي نحكم عليه باحكام مدركاتنا بأن البسيط يكون اثره بسيطاً كما توهمه المشبّهون حيث قالوا ان الواحد لايصدر عنه الا الواحد فاحالوا جواز تعدد العقل الكلي قياساً علي احوال خلقه فهو قياس مع الفارق و مع عدم معرفة الخلق ايضا لأنّ الصادر من الواحد ان كان من ذاته فتلك الولادة و ان كان بفعله فالصادر من الفعل متعدد باختلاف الكمّ و الكيف و المكان و الوقت و الرتبة و الجهة بل الذي اظهر سبحانه لنا من آثار افعاله هو الجمع بين الأضداد ليعلم ان لا
«* جوامع الکلم جلد 1 صفحه 612 *»
ضدّ له و كثرة الشئون و كثرة اختلاف خلقه ليعلم ان عظمته لاتقدر علي مقدار عقول خلقه فقد تعرّف لنا بانّه تعالي ينسب اليه ما هو عندنا جمع بين الأضداد و ارتفاعها و انّ ارتفاعها عين اجتماعها في وصف تعرّفه فهو الأوّل في آخريته و الآخر في اوّليته و الظاهر في بطونه و الباطن في ظهوره بعيدٌ في قربه قريبٌ في بعده دانٍ في علوه عالٍ في دنوّه و امثال ذلك كلها في حال واحدة بجهة واحدة في حقه تعالي قال اميرالمؤمنين عليهالسلام لميسبق له حال حالاً فيكون اوّلاً قبل ان يكون آخرا و يكون ظاهراً قبل ان يكون باطنا ه، و عرّف صنايعه لنا فقال و ان من شئ الا عندنا خزاۤئنه و ماننزله الا بقدر معلوم فكل ما يصدق عليه اسم الشئ و كل ما يسمّي باسم ماخلا الله فقد خلقه الله من كل ما هو ظاهر او ما يجري في الضماۤئر و تكنّه السراۤئر اِمّا بالذات او بالعرض بمقتضي اوهام الملحدين و الغافلين و لقد روي الصدوق في اول كتابه عللالشرايع باسناده الي ابيالحسن الرضا عليه السلام قال قلت له لمَ خلق الله سبحانه الخلق علي انواع شتّي و لميخلقه نوعاً واحدا فقال عليه السلام لئلّايقع في الأوهام علي انه عاجز و لاتقع صورة في وهم احد الا و قد خلق الله عزوجل عليها خلقاً لئلايقول احد هل يقدر الله عزوجل علي ان يخلق صورة كذا و كذا لأنّه لايقول من ذلك شيئاً الا و هو موجود في خلقه تبارك و تعالي فيعلم بالنظر الي انواع خلقه انه علي كل شئ قدير هـ، فيكون القياس علي بساطة الوجود غلطاً و الأولوية ممنوعة فيكون معني كونه تعالي مختاراً خصوص انه يفعل ما يشاۤء بقصد و رضاۤء بل يكون مع هذا ان شاۤء فعل و ان شاۤء ترك و اما جعل معني ان شاۤء فعل و ان شاۤء ترك مقتضي المركب من الضدّين فهو ما ذكرنا من قياسهم الباطل حكم الربوبية علي حكم العبودية و ليس هذا الّا حيث لمتظهر لهم هيئة من الربوبية فقاسوها علي حكم انفسهم كما قال الصادق (ع) في الدعاۤء المذكور سابقا بدت قدرتك يا الهي و لمتبد هيئة يا سيدي فشبّهوك و اتخذوا بعض آياتك اربابا يا الهي فمن ثَمّ
«* جوامع الکلم جلد 1 صفحه 613 *»
لميعرفوك الدعاۤء .
قلت : لانا نقول قد قرّرنا انه سبحانه يتصف بجهتي النقيضين و بجهتي ارتفاعهما و بجهة المركب من حيث بساطته لان كلّ ما يمكن في غيره يمتنع عليه و كلّ ما يمتنع في غيره يجب له و لهذا قال الرضا (ع) كنهه تفريق بينه و بين خلقه و غيوره تحديد لما سواه ، فالبسيط من حيث بساطته لاتصدر عنه اثار المركب و بالعكس هذا في الخلق و امّا في ذاته سبحانه فذلك بخلاف ما يمكن في الخلق فهو العالي في دنوه الداني في علوه بجهة واحدة الظاهر ببطونه الباطن بظهوره بجهة واحدة القريب في بعده البعيد في قربه بجهة واحدة الاول باخريته الاخر باوليته بجهة واحدة و لايجري ذلك و ما اشبهه فيما سواه و يجب في حقه سبحانه فهو في بساطته احدي المعني فلا تكثر في ذاته و لا تعدّد و لا حيث و حيث و لا جهة و جهة و لا اختلاف في ذاته بكل اعتبار لا بالامكان و الفرض و التوهم و لا بالواقع .
اقول قد قرّرنا مما عرّفناه سبحانه من صفات افعاله علي لسان نبيه صلي الله عليه و آله و السن خلفاۤئه صلي الله عليهم اجمعين انه يتصف اي يوصف بجهتي النقيضين و بجهتي ارتفاعهما و بجهتي المركب من حيث بساطته امّا انّ قولي يتصف يعني يوصف فلأنه عزوجل اكرم و اجل من ذلك و مما تتوهمه الأوهام و لو في التنزيه الامكاني و امّا انه تعالي يوصف بجهتي النقيضين الخ ، بأن يوصف بمعني اجتماعهما في وصفه لأنّ امتناع اجتماعهما و ارتفاعهما من حدود الحوادث فيكون وجوب اجتماعهما الذي هو عين ارتفاعهما وصفاً للقديم اذ ما يمتنع علي خلقه يجب له و ما يجوز عليهم يمتنع منه تعالي فكون اجتماعهما عين ارتفاعهما ان قولك عالٍ دانٍ معناه ليس بعال و لا دانٍ لأنّ قولك عالٍ يدلّ علي الجهة العليا و الداني عكسه و المعنيان محالان عليه تعالي لأنّ هذا
«* جوامع الکلم جلد 1 صفحه 614 *»
معني حادث و انما الواجب له سبحانه ما يراد منه انه ليس بعالٍ اِمّا بمعناه اي يراد منه معني لايدل علي علوّ الجهة او بمعني ضدّه و هو دانٍ يعني اذا قلنا في معني عال نريد انه بمعني دانٍ و دانٍ معني عالٍ و كذا معني اول هو آخر و ليس بذي بدء و هكذا فالأوّل الآخر ليس باوّل و لا آخر و الظاهر الباطن ليس بظاهر و لا باطن و العالي الداني ليس بعالٍ و لا دانٍ و القريب البعيد ليس بقريب و لا بعيد و هكذا و ليس ما بين كل ضدّين يعني ليس بعالٍ و لا دانٍ و لا ما بينهما و هكذا باقي الصفات و الحاصل هو عزوجل لذاته لايعرف بشئ و لا ضدّه و لا اجتماعهما و لا ارتفاعهما بل باجتماعهما بمعني ارتفاعهما و بارتفاعهما بمعني اجتماعهما و يتصف بجهتي المركب ايضاً من حيث بساطته بمعني ان شاۤء فعل و ان شاۤء ترك لأنّ هذا لايكون لذات شئ الا اذا كان مركبا و هذا حكم الحادث و اما القديم فيصحّ منه ان شاۤء فعل و ان شاۤء ترك من حيث بساطته بخلاف الحادث لأنّ كل ما يمكن في غيره يمتنع عليه و كل ما يمتنع في غيره يجب له لا بمعني العكس اذ الوصف بمعني العكس من احكام الحوادث و هو المراد بقول الرضا عليه السلام كنهه تفريق بينه و بين خلقه و غيوره تحديد لما سواه ، اذ لايعرف تعالي بشئ و لا بضدّه لأنّ كلا الوجهين من احكام الخلق اذ كل منهما غير معني القديم سبحانه و ما هو غيره فهو حدّ لخلقه اي حدّ لذلك الغير و جهة الارتفاع عين جهة الاجتماع في وصف الحق تعالي نفسه لخلقه و اتحاد الجهة في كل حال عنوان معرفته فهو في بساطته احديّ المعني في نفس الأمر و في الخارج و في جميع احتمالات الأوهام فلا تكثّر في كنه ذاته و لا فيما تعرف به و لا حيث و حيث و لا جهة و جهة و لا اختلاف في ذاته و لا فيما تعرّف به بكل اعتبار لا بالامكان اذ لا امكان في ذاته و لايعتبر امكان فيما تعرف به لخلقه و الا لماعرف به اذ لايعرف بالامكان و لا بالفرض فانه امكان و لا بالتوهم فانه امكان و لا في الواقع كثرة في ذاته و لا في صفات ذاته لأنّها ذاته و انما تكثرت
«* جوامع الکلم جلد 1 صفحه 615 *»
المفاهيم من الفاظها و تعددت الفاظها باعتبار ارادة صفات افعاله و انما تعددت صفات افعاله باعتبار تعدّد متعلقاتها و لا فيما تعرّف به كذلك كما ذكرنا مكرّرا .
قلت فكلّ ما ميّزتموه في ادق معانيه فهو مَخلُوق مثلكم مردود اليكم يعني منكم اليكم و اللّه الغني و انتم الفقراۤء و مع هذا فهو المؤلّف بين المتعاديات و الجامع بين المتعاندات و تصدر عنه الافعال المتضادّة فليس بين فعله و بين ما سواه موافقة و لا مخالفة لانه اثر ذاته التي لايضادّها شئ و لايُنَادّها شئ هو هو لا اله الا هو انما الشئ من مشيته ففعل الشئ و تركه بالنسبة الي مشيته سواۤء فهو ان شاۤء فعل و ان شاۤء ترك بجهة واحدة و مشيّةٍ واحدة كذلك الله ربي كذلك ربي .
اقول فكلّ ما ميّزتموه الخ ، من كلام جعفر بن محمد الصادق عليهالسلام و معناه كل شئ ميّزتموه من غيره بنوع من انواع التمييز جسماني او نفساني او عقلاني بحيث يتميّز بالماۤئز انّه هو لاغيره بمعني التعيّن بالتعيين و التميّز بالتمييز باوهامكم مماتتوهموه بخيالاتكم و عقولكم في ادقّ ما يحتمل من معانيه فهو مخلوق يعني خلقه الله الذي خلقكم مثلكم اي كما انكم مخلوقون او مثلكم اي انه خلق بمقتضي مدارككم فهو مثل لكم يعني صفة من صفات انفسكم او من صفات افعالكم فهو صورة افعالكم مردود اليكم او عليكم علي نُسخ الحديث و المعني ان ما ميزتموه باوهامكم في ادق معانيه فهو غير المعبود تعالي فلاتقبل منكم هذه المعرفة و التوحيد بل هو مردود عليكم او انه من امثال ذواتكم يردّ اليها لأنّه من صفاتها صدر منها و اليها يرجع و الله سبحانه مستغنٍ عن معرفتكم ايّاه و انتم محتاجون الي معرفته بما تعرّف به لكم و مع هذا اعني ما وصفنا مما عرفنا من نفسه سبحانه من عدم التعدد و التكثر البالغ فوق الادراك
«* جوامع الکلم جلد 1 صفحه 616 *»
من البساطة فهو المؤلّف بين المتعاديات لعموم قدرته و احاطة علمه لو انفقت ما في الأرض جميعاً ماالّفت بين قلوبهم و لكن الله الّف بينهم انه عزيز حكيم و الجامع بين المتعاندات كالأضداد ليعلم عباده ان لا ضدّ له و ابرز من فعله القدير علي ما يشاۤء من امره الأفعال المتضادة بمفاعيلها المتعاندة ليعلم انه ليس بين فعله و بين شئ من خلقه مخالفة و لا موافقة اذ لو وافقها لشابهها و لو خالفها لماصدرت عنه لأن فعله اثر ذاته التي ليس لها ضدّ فيضادها و لا ندّ فيشابهها هو هو لا اله الا هو و قولي هو هو ليس مما يكشف عن كنه ذاته لأنّ ذلك اشارات الي الخلق و هو قول اميرالمؤمنين سيد الوصيين عليه السلام في خطبته المسمّاة بالدُّرّة اليتيمية قال عليهالسلام و ان قلت ممَ فقد باين الأشياۤء كلها فهو هو و ان قلت فهو هو فالهاۤء و الواو كلامه صفة استدلال عليه لا صفة تكشف له الي آخره ، انما الشئ من مشيته فلايكون ضدّا له و لا ندا له لأنّ الشئ لو كان ضداً لماصدر عن المشية و لو كان ندّاً (ندّاً له نسخه . م . ص) لاستغني عنه و قولي انما الشئ من مشيته مقتبسٌ من قول علي عليه السلام في خطبة يوم الجمعة و الغدير و هو منشئ الشئ حين لا شئ اذ كان الشئ من مشيته فهو انما سمّي شيئاً لأنه مشاۤء و اما اطلاق الشئ عليه عزوجل فمن باب التسمية اذ لابدّ من التعبير عما يعينه (يعنيه خل) من صفاته التعرفيّة بما يدلّ عليها من الالفاظ و لاجل انّا انما نعرف مما وصف به نفسه ما هو من نوع الخلق قال الرضا عليه السلام و اسماۤؤه تعبير و صفاته تفهيم ، فاذا فهمت ما اشرنا اليه ظهر لك ان فعل الشئ و تركه بالنسبة الي مشيته سواۤء فهو ان شاۤء فعل و ان شاۤء ترك بجهة واحدة و مشية واحدة سبحانه و تعالي .
قلت و التنظير بالخلق تشبيه بكل اعتبار و في الدعاۤء بدت قدرتك يا الهي و لمتبد هيئة فشبهوك يا سيدي و جعلوا بعض آياتك ارباباً يا الهي فمن ثَمّ
«* جوامع الکلم جلد 1 صفحه 617 *»
لميعرفوك يا الهي ، و هذا حال مَن عرف من نفسه هيئة فعرف بها ربّه و اللّه لايعرف بخلقه بل الخلق يعرفون به فان قلت انا عالم و هو عالم و انا حي و هو حي و انا موجود و هو موجود و لايستدل علي شئ من وصفه بتلك الصفات الّا بما نجده .
اقول ان التنظير بخلقه في شئ مما عرّف به نفسه ليعرفوه به تشبيه له تعالي بخلقه علي ايّ فرض كان و الواجب علي العباد انهم اذا وجدوا شيئاً في انفسهم و في الآفاق فان كان بنحو معرفتهم و طريق تمييزهم نزّهوا مقامه عزوجل من ان يعرف به و ان كان بنحو ما علّمهم علي السن اولياۤئه عرفوا بأنّ ذلك من آياته التي يعرف بها و علي الوجهين ينزّهون ذاته المقدسة عن كل شئ قال سيد العارفين و جمال الموحدين جعفر بن محمد صلوات الله عليهما في الدعاۤء عقيب الوتيرة بدت قدرتك يا الهي و لمتبد هيئة ، يعني بدت قدرتك بآثارها التي انحطت دون معرفة ادناها عقول خلقه و لمتبد هيئة لها ليصفوها بتلك الهيئة اذ لو بدت هيئتها لفني جميع خلقه و في الحديث النبوي ان لله سبعينالف حجاب من نور و ظلمة لو كشف حجاب منها لأحرقت سبحات وجهه جميع ما انتهي اليه بصره من خلقه و روي ابنادريس من مستطرفات السراۤئر عن الصادق عليه السلام و قد سئل عن الكروبيين فقال عليه السلام قوم من شيعتنا من الخلق الأوّل جعلهم الله خلف العرش لو قسّم نور واحد منهم علي اهل الأرض لكفاهم و لمّا سئل موسي ربّه ما سَئَلَ امر رجلاً من الكروبيين فتجلّي للجبل فجعله دكّا ه ، و لما لمتبد هيئة و لميقفوا علي حدّ لهم من معرفته علي بيانه في كتابه و فيما اوحي الي اولياۤئه عليهم السلام فشبّهوه بخلقه و اتّخذوا بعض آياته ارباباً كالصوفية الذين قالوا ان الله عز و جل هو وجود كل شئ فكل شئ من خلقه مركب من وجود و هو الوجود الحق تعالي و من ماهية هي حدود موهومة فاذا
«* جوامع الکلم جلد 1 صفحه 618 *»
زالت حدود الخلق ظهر الوجود الحق و قد قال شاعرهم :
و ما الناس في التمثال الا كثلجة | و انت لها الماۤء الذي هو نابع | |
و لكن يذوب الثلج يرفع حكمه | و يوضع حكم الماۤء و الأمر واقع |
و يقول احدهم انا الله بلا انا يعني اذا تجردت عن حدود الماهية فانا الله و الله سبحانه علّمهم في كتابه انه اذا تجرد عن حدود الماهية كان آية الله اي دليل معرفته و حقيقة وصفه نفسه لهم قال تعالي سنريهم آياتنا في الآفاق و في انفسهم حتي يتبين لهم انه الحق و لميقل تعالي سنريهم ذاتنا و قال اميرالمؤمنين عليه السلام من عرف نفسه فقد عرف ربه ، بمعني انه تعالي خلق نفس عبده وصفا له وصف استدلال عليه لا وصف كشف له لانّه تعالي وصف نفسه فلما خلق ذلك الوصف جعله حقيقة عبده فاذا عرف العبد حقيقته عرف ربّه لأنّ حقيقته وصف ربه لعبده و الشئ انما يعرف بوصفه و هذا الوصف حادث لانّه عزوجل كان و لميوصف وصف (بوصف ظ) و لا موصوف له فخلق وصفاً يعرف به و جعله نفس عبده الذي تعرّف له به و هو وصف دالّ لا وصف كاشف لأنّه كالدخان فانه يدلّ بوجوده علي وجود النار و لله المثل الأعلي و هو العزيز الحكيم و القوم طلبوا معرفته عز و جل من نحو ذواتهم فشبّهوه بخلقه و اتّخذوا بعض آياته اربابا فمن ثَمّ لميعرفوه فان قلت انا عالم و هو عالم اه ، كما توهمه بعضهم حيث استدل بمفهوم وحدة الوجود قال اني موجود يعني «هستم» و هو موجود يعني «هست» و اذا امرنا بالاستدلال علي معرفته بمعرفتنا دلّ علي الاتحاد فقاسوا صفاته علي صفاتهم و هو ظاهر الفساد .
قلت: قلت هذا معني قوله (ع) بدت قدرتك يا الهي و لمتبد هيئة الخ ، انا انّما وصفناه بالعلم لانه خلق فينا العلم و بالحيوة لخلقه فينا الحيوة و بالوجود
«* جوامع الکلم جلد 1 صفحه 619 *»
لايجادنا و ليس هذا كمثل ما هو عليه و انّما قبل منكم هذه التوصيفات و تعبّدكم بها لانها مبلغ وسعكم و حقيقة ذواتكم التي تعرف لكم بها فتصفونه بما هو كمال عندكم و ان الذرّة لتزعم انّ للّه زبانين لانّ كمالها في وجودهما لها و لهذا قال الرّضا (ع) و اسماۤؤه تعْبير و صفاته تفهيم سبحان ربّك ربّ العزّة عما يصفون .
اقول هذا جواب قول من اعترض بقوله انا عالم و هو عالم و تقرير الجواب انّ قولكم هذا هو قول الصادق عليه السلام اخباراً عمن شبّه صفاته تعالي بصفات خلقه بقوله عليهالسلام بدت قدرتك يا الهي الخ ، فانهم كما ذكرنا لما لميفهموا قول الله سبحانه سنريهم آياتنا توهموا انّ ما يرونه في انفسهم هو الله و صفاته الذاتية و لو فهموا ان ما يرونه آية معرفة الله سبحانه بما تعرّف لهم به من الوصف الحادث لنزهوه عن مشابهة مخلوقاته و شبهتهم بانّا انما نعرف ذاته و صفات ذاته بما خلق فينا من صفاتنا ، غلط لانّ معرفة ذاته و صفاته بخلقه تشبيه و انما نعرف صفاته بما اظهر لنا من صفات فعله فنعرف صفات افعاله بآثارها اذ الأثر يشابه صفة مؤثره و اما ذاته فليس لنا طريق الي معرفتها و صفاتها عينها و لايمكن معرفتها بالكنه و انما نعرفه بصفات افعاله اذا نظرنا الي آثارها فنعلم انه تعالي عالم لأنّه خلق العلم و العالم و لما خلق فينا العلم علمنا ان الجاهل لايصنع العالم و عرفنا انه تعالي حيّ لأنّه احدث الحيوة فينا اذ الميت لايحدث الحيّ و عرفنا انه تعالي موجود لأنّه اوجدنا لأنّ المعدوم لايوجد شيئا و ليس هذا الذي عرفنا من صفات افعاله بآثارها كمثل ما هو عليه في كنه ذاته لأنّ الأفعال لاتدلّ الا علي الصفات الفعلية كما اذا رأينا الكتابة فانها انما تدل علي صفة الفعل امّا انّها تدل علي صفات الفاعل الذاتية فلاتدلّ علي قوته او ضعفه او بياضه او سواده او طوله او قصره او حسنه او قبحه و انما قبل
«* جوامع الکلم جلد 1 صفحه 620 *»
منكم هذه التوصيفات التي لاتدلّ الا علي صفات الأفعال و تعبّدكم بها لأنّها مبلغ وسعكم و غاية طاقتكم و حقيقة ذواتكم التي تعرف لكم بها اذ لاتعرفون كمالاً الا علي ما عندكم و ماتجدونه كمالاً فهو كمال عندكم فما معرفتكم و توحيدكم بالنسبة اليه الا كمعرفة النملة كما روي عن الصادق عليه السلام ان الذرّة تزعم انّ لله زبانين يعني ان النملة الصغيرة الحمراۤء تزعم ان لله سبحانه زبانين اي قرنين لأنّ الكمال في وجودهما عندها و في عدمهما نقص فتصف الله بما هو كمال عندها و الخلق كلهم بالنسبة الي ذاته المقدسة كمثل الذرّة فانهم يصفونه بما هو كمال عندهم و هو سبحانه منزّه عن جميع ما وصف به خلقه و انما تعرّف لهم علي حسب ما يمكن منهم و هو اكبر و اجل من ان يوصف بذلك و لهذا قال الرضا عليه السلام و اسماۤؤه تعبير و صفاته تفهيم يعني اموراً عبر بها لهم ليفهموا بها و كلها حادثة و هو متعالٍ عنها و هنا قال عزوجل سبحان ربّك ربّ العزة عما يصفون و سلام علي المرسلين و انما قال و سلام علي المرسلين لأنّه لما نزّه نفسه تعالي عما نسبوه اليه من قولهم انّ الملئكة بنات الله بقوله سبحان الله عما يصفون الا عباد الله المخلصين يعني بهم المرسلين الذين نزّهوه عن تلك النسبة فانهم وصفوه بما امرهم به و علّمهم ايّاه فاستثناهم من المشركين بمعني استثني وصفهم من وصف المشركين فربما يتوهم ان وصف المرسلين الذين نزّهوه عن جميع النقايص يليق بعزّه فبيّن لعباده ان وصف النبيين انما قبله منهم لأنّه علّمهم ايّاه و وصف نفسه بذلك لهم لأنّه مبلغ علمهم و غاية امكانهم و الا فهو اجل و اكبر من ذلك فبيّن هذا في آخر السورة اشعاراً بانّه هو نهاية النهايات فقال سبحان ربك رب العزة عما يصفون هم و المرسلون و سلّم علي المرسلين حيث فعلوا ما امروا فقال و سلام علي المرسلين اي السلام المؤمن حفظهم من كل ما لايحبّ
«* جوامع الکلم جلد 1 صفحه 621 *»
و حفظ عليهم رضاه لابلاغهم و تبليغهم و قيامهم بما امروا به ثمّ اثني علي نفسه لتنزيهه ذاته المقدّسة بالاختصاص بالحمد علي ما خلق و علم و رزق .
قلت : ثم اعلم ان ما تجد من الاختيار التام فهو اثر اختيار فعله و اختيار فعله اثر اختيار ذاته و الوجود باسره ليس في شئ منه اضطرار محض و لا جبر خالص بل كله مختار و كل ذرّة من الوجود مختارة لان اثر المختار مختار و هذه الحقيقة اشترك جميع ما خلق فيها الانسان و الجماد الا انه كلّما قرب من الفعل كان اقوي اختيارا و اظهر و كلما بعد كان اضعف اختياراً و اخفي كالنور المتشعشع عن المنير كلما قرب منه كان اشد نوراً و اقوي اظهاراً و ظهوراً و كلما بعد كان اضعف و اخفي حتي ينتهي الوجود فيفني الاختيار حيث يفني الوجود سواۤء كان ذاتيا ام عرضيا كلّ بحسبه .
اقول اعلم انّ الاختيار التام المشار اليه بأنّ معناه ان شاۤء فعل و ان شاۤء ترك و هو المنسوب الي المكلفين هو اثر اختيار فعل الله لأن المنسوب الي فعل الله هو الذي معناه ان شاۤء فعل و ان شاۤء ترك و اختيار فعل الله اثر اختيار ذاته تعالي و اختيار ذاته هو ما ينسب الي فعله بلا مغايرة بكل اعتبار امّا الاختيار الواجب فهو ذاته تعالي و لا كلام للخلق فيه و انما الكلام في الاختيار المنسوب الي فعله و معناه علي ما قرّرنا سابقاً انه ان شاۤء فعل و ان شاۤء ترك و امّا تفسيره بمعني القصد الي الفعل و الرضاۤء بما يفعل فقد اشرنا سابقاً الي بطلانه و اعلم ان الوجود الممكن بأسره ليس في شئ منه اضطرار و لا جبر الا ما نعني به من رجحان الفعل عند الفاعل بحيث يتعيّن عنده الفعل بحيث لايتركه الّا انّه قادر علي تركه و لكنه لايشتهيه فمن ثَمّ عيّن الفعل علي نفسه و ذلك لغلبة شهوته علي جهة الفعل و كذا كل ذرّة من ذرّات الوجود من كلي او جزئي او كل او
«* جوامع الکلم جلد 1 صفحه 622 *»
جزء من ذات او فعل او صفة او موصوف او عرض او معروض مختارة لأنّها اثر المختار و اثر المختار مختار لأنّه مشابه لصفة مؤثره و هذه الحقيقة اعني الاختيار بمعني ان شاۤء فعل و ان شاۤء ترك اشترك فيها جميع ما خلق الانسان و الجماد و ما بينهما من انواع الحيوانات و النباتات و المعادن و ما بين جميعها من البرازخ الّا انّه كلما قرب من الفعل الذي هو امر الله الفعلي و امر الله المفعولي كان اقوي اختياراً لأجل قرب مشابهته لصفة مؤثره و اظهر بمعني ظهور ( ظهوره خل ) اختياره كما تري في الانسان فانّ الاختيار فيه اقوي منه في الحيوان و في الحيوان اقوي منه في النبات و هكذا حتي يتوهم من لميقف بسرّه علي هذه الحقيقة و لميعثر بلطيف ( بلطف خل ) حسّه علي هذه الدقيقة ان النبات و الجماد غير مختارة بل الحيوانات العجم مع انه يسمع كلام الله ينطق باختيارها كما قال في السماۤء و الأرض ائتيا طوعاً او كرهاً قالتا اتينا طاۤئعين و قال و ان من شئ الّا يسبح بحمده و مثل ذكر الضماير العاۤئدة اليهم بمضمرات العقلاۤء و قد تقدّم بعض بيان ذلك و كذلك يسمع السنّة المنورة ناطقة بتكليف الجمادات و النباتات و معاقباتها علي المخالفة و ما اعجب حال من ينكر ذلك و لايقبل التعريف ممن يعرف و ما هو الا كما عني الشاعر بقوله :
اذا كنت ماتدري و لا انت بالذي | تطيع الذي يدري هلكت و لاتدري | |
و اعجب من هذا بانك ماتدري | و انك ماتدري بانك ماتدري |
و كلما بعد من الفعل كذلك كان اضعف اختيارا و ذلك مثل الجمادات و اخفي اختيارا حتي انّ من لايعرف يري بانّها ليست مختارة اصلا فانه يري انّ الانسان يتصرّف في الجمادات و النباتات كيف يشاۤء و لايمتنع عليه منها شئ و لميتفطن في نفسه مع انه لاينكر كونه مختارا مع ان القدر يجري عليه و هو لايشعر و يفعل الله به ما يشاۤء و هو لايعلم كما قال عز من قاۤئل و الذين كذبوا بآياتنا سنستدرجهم من حيث لايعلمون فهو مع اختياره
«* جوامع الکلم جلد 1 صفحه 623 *»
بالنسبة الي من فوقه بحكم الجماد فليعتبر بهذا في اختيار الجماد بالنسبة الي اختياره و مثال ذلك كالنور المتشعشع عن المنير هو شئ واحد و لكن اجزاؤه متفاوتة فكلما قرب من المنير كالسراج مع اشعته كان اشدّ نوراً و اقوي اظهاراً لغيره و ظهوراً في نفسه و كلما بعد من السراج كان اضعف اظهاراً لغيره و اضعف ظهوراً في نفسه اي اخفي و هذا مثل خلقه الله للوجود الكوني و انبساطه في مراتبه من الفعل فان وجود الانسان و وجود الجماد و ما بينهما كله فاۤئض عن الفعل مثل نور السراج فانه فاۤئض عن السراج فكما انّ نور السراج متساوي الاجزاۤء في مطلق النورية في الطبيعة و انما اختلفت في الشدّة و الضعف من جهة قربها من السراج و بعدها و القرب و البعد هو من متممات قابليتها للاستنارة من المنير و تختلف باختلاف قوة المتمم و ضعفه كذلك اجزاؤ الوجود الكوني فان اختلاف مراتبه من متممات قابليات اجزاۤئه فتختلف الأجزاۤء باختلاف قوتها و ضعفها مع تساويها في مطلق قابلية صفاته من النورية و الاختيار و الشعور و الادراك و اختلاف هذه الصفات فيها باختلاف القرب و البعد من الفعل و هكذا حكم تفاوت مراتب الوجود حتي ينتهي في انبعاثه من الفعل فيفني الاختيار بفناۤء وجودها فما دام شئ من التحقق ثابتاً فالادراك و الشعور و الاختيار ثابت بنسبة تحققه بل هي مقتضي الكون فلايوجد ما لميوجد بل حيثما عدم عدم الاختيار و بالعكس و هكذا كل ذاتي او عرضي كل بحسبه .
قلت و مَا تري من المجبول كنزول الحجر الذي لايقوي ظاهراً علي الصعود فاعلم انّ اللّه سبحانه وكّل به ملكاً يضعه حيث امره اللّه و ذلك مما يمكن في الحجر من النزول و ما تري من المجبور ظاهراً كالحجر الذي يدفعه الشخص الي جهة العلو فيصعد مع ان شأنه النزول فاعلم ان الله سبحانه وكّل به ملكا كان موكّلاً بعضو الشخص الدّافع هو اقوي من الملك الموكل بالنزول و قد امر الله الملك الموكّل بالنزول ان يمتثل امر الملك الموكل بالدفع الي انتهاۤء شعاع ذلك الملك و شهوة الحجر في شهوة الملك الموكل بالنزول .
اقول اعلم انّ الحجر اذا ترك و نفسه نزل و لميصعد و يقال هو مجبول علي
«* جوامع الکلم جلد 1 صفحه 624 *»
النزول و يريدون انه خلق علي طبيعة لاتقتضي الا النزول و انما لميقولوا هو مجبور لأنّ الاجبار لايكون للشئ من نفسه و هذا طريقة العوام فيما يدركون من الأشياۤء و العلماۤء عليهمالسلام و المتعلمون منهم عليهمالسلام يشاهدون الأشياۤء كلها مختارة و ذلك ان الله عزوجل وكّل بكل شئ ملكا يقدّره حيث يريد الله منه مما هو مقتضي نظام الكون فوكّل بالحجر ملكاً ينزل به لأنّه عزوجل لما خلق الانسان علي اكمل وجه يحتمل الكون جعله في وسط العالم و هو كرة الهواۤء و قدر المكونات فوقه و تحته فجعل النار فوقه و الماۤء و السموات فوقها و الأرض تحته فوكّل بالحجر ملكاً ينزل به الي قراره و ليس انه مجبول ينزل بطبيعته بل وكّل به من ينزل به و ليس علي نحو الاجبار و لكنه جعل شهوته في متابعة الملك فان صعد الملك صعد الحجر و ان نزل نزل فاذا ترك الملك المنزل و ما وكّل به و الحجر و شهوته نزل بالحجر لايريد الصعود و قد وكّل الله سبحانه ملكاً بعضو الشخص الدافع و قد جعله اقوي من الملك المنزل للحجر مثلا و امر الله عزوجل الملك المنزل للحجر بطاعة الملك الدافع و جعل شهوته في طاعته في خلاف ما وكّل به بمقدار شعاع الدافع و سعة اجنحته فاذا اخذ الشخص الحجر و زخّه في الهواۤء تولي الملك الدافع قوة عضو الشخص الرامي بمقدار ما امره الله سبحانه و قدّر له من مسافة الصعود و اشتهي الملك المنزل متابعة الملك الدافع فيما امر به من الصعود و اشتهي الحجر متابعة الملك المنزل في شهوته التكليفية كما اشتهي متابعته في شهوته الطبيعية الي ان ينتهي شعاع الملك الدافع و المراد من شعاعه نهاية قوة دفعه للحجر الي جهة العلو فاذا انتهي شعاعه اوحٰي اليه مدبر الأمور و مقدّرها بان يكفّ عن الدفع و يمنع العضو الدافع فيرجع الملك المنزل بعد انقضاۤء مدة سلطان الدافع الي مقتضي طبيعته من النزول بالحجر لأنّه هو تكليفه بما يشتهيه فيرجع معه الحجر الي
«* جوامع الکلم جلد 1 صفحه 625 *»
النزول و صعود الحجر بالدفع ذاتي له الا انه ناقص و الملك الدافع له بالعضو متمم لنقصه فمع المتمم يتساوي عنده الصعود و النزول اذ كل منهما ممكن له و كل ممكن له اذا تمّت شرايطه مال اليه بشهوته و قولي بشهوته انه كالجاۤئع اذا حضر بين يديه الطعام المتمكن من الأكل بدون مانع فانه لابدّ ان يأكل مع انه لو شاۤء لميأكل و ان مات جوعاً فهو مع نفيه للأكل مختار فيه كذلك الحجر و لو قلتُ لك هل يمكن في الحجر الصعود قلتَ نعم الا انّه بدافع و معين و هذا هو مرادنا من اختياره اذ لو لميكن منه الصعود كان متعذراً فامكان النزول و الصعود بالنسبة اليه كل منهما بشرايطه علي حدّ سواۤء و لانعني بالاختيار الا هذا و انما كان نزوله و صعوده بميل شهوته لأنّه هو باب استمداده الذي به بقاؤه و قوامه و الشئ يلايمه ما به بقاۤؤه و قوامه و هو معني الشهوة و لأنّه هو تكليفه الذي هو علة ايجاده فافهم فشهوة الحجر فيمايكون من الملك في نزول او صعود و شهوة الملك المنزل اذا خلّي و نفسه في النزول بالحجر الي ما يمسكه علي مركزه و اذا حضر الملك الموكّل بالعضو الدافع للحجر الي غير جهة السفل مثلاً كانت شهوة الملك المنزل في متابعته ما دام حكم سلطانه ثمّ ترجع شهوته الي ميل طبيعته.
قلت فاذا انتهي شعاع الدافع اشتهي المنزل النزول و اشتهي الحجر ما اشتهاه الملك و ليست في الحقيقة قسراً و انما هي شهوة اختيار كشهوة الجاۤئع للاكل فانه ياكل و لكنه مختار مع انك تري انّ الجاۤئع الذي يحصل له الطعام و هو قادر علي الاكل منه و ليس له مانع لا من نفسه و لا من خارج بكل فرض لابد ان ياكل مع انه مختار قطعاً هذا كمثال الحجر حرفا بحرفٍ لا فرق بينهما و لكن الطرف الاخر من اختيار الحجر و هو عدم النزول منه باختيارِه۪ خفي جدّاً لان الاختيار من الجمادات و النباتاتِ لايعرفه الانسان الّا بطَورٍ وراۤء العقل و
«* جوامع الکلم جلد 1 صفحه 626 *»
ذلك لانسه بابناۤء نوعه و جنسه فلايعرف من الاختيار الا ما كان من نوعه كالانسان او من جنسه كالحيوان و اذا كان ممن له طَوْرٌ من المشاعر وراۤء العقل عرف اختيار النباتات و الجمادات .
اقول اذا انتهي شعاع الدافع اي قوة دفعه فان القوّة الفعلية شعاع الفاعل و لميكن له ميل الي طبيعته ارتفعت شهوته للصعود كالجاۤئع اذا شبع ارتفعت شهوته للطعام فاذا كان كذلك اشتهي الملك المنزل النزول لأنّه مقتضي طبيعته فيميل بشهوته الي النزول لأنّ شهوته للصعود حين اشتهي الدافع الصعود ليست بمقتضي طبيعته و انما ذلك شهوة المتابعة فاذا اشتهي المنزل النزول اشتهي الحجر ما اشتهاه الملك المنزل لأنّه من نوع طبيعته لأنّ ذلك الملك جمادي و ليست اعني شهوة الحجر للنزول في الحقيقة شهوة قسر و انما هي شهوة اختيار كشهوة الجاۤئع للأكل فانّه لابدّ ان يأكل و لايقدر علي ترك الأكل لكنه مختار و تدرك من نفسك انه مختار و هو يدرك ذلك من نفسه انه لو شاۤء ترك و ان مات مع انك تدري (تري خل) انّ الجاۤئع اذا حصل له الطعام و هو قادر علي الأكل منه و لا مانع له لا من نفسه كبعض الأمراض او من خارج علي ايّ حال كان لابدّ ان يأكل و ميل الحجر الي النزول مثل الجاۤئع في الأكل بلا فرق لكن الطرف الآخر اي ما يقابل ميل الجماد و النبات و الحيوان بشهوته التامّة و الطرف المقابل ناقص الشهوة بدون المتمم اي جهة صعود الحجر مثلاً خفيّ جدّاً و خفاۤؤه علي من يطلب منها اختياراً كاختيار الانسان في ظهوره و عدم خفاۤئه لأنّ مثل هذا الرجل قد انس بابناۤء نوعه و جنسه فلايعرف من الاختيار الا ما كان من نوع اختيار نوعه لأنّ اختيار الجمادات و النباتات لايعرفه الانسان بعقله و انما يعرفه بطور فوق عقله كما اذا كان من اهل التوسّم الذين ينظرون بنور الله اعني بافئدتهم .
«* جوامع الکلم جلد 1 صفحه 627 *»
قلت و انا اذكر لك شيئين مِثالاً و بياناً تستدلّ بهما علي اثبات اختيار النباتات و الجمادات و شعورهما فالاول اعلم ان الوجود الصادر عن المشية كالنور الصادر عن السراج و معلوم ان اجزاۤء النور كلّما قرب من السراج كان اقوي نوراً و حرارة و يبوسة مما كان ابعد منه و هكذا حتّي يكون آخر اجزاۤء النور اضعف الاجزاۤء نورا و حرارةً و يبوسة فاذا فقد النور فقدت الحرارة و اليبوسة و لايمكن وجود احد الثلاثة الاوصاف بدون الاخرَيْنِ بل اذا وجد واحد وجدت الثلاثة و ان فقد فقدت الثلاثة فكذلك الوجود الصادر عن المشية كلّما قرب منها كان اقوي وجودا و شعوراً و اختياراً كالعقل الاول و كلما بعد ضعفت الثلاثة علي حدٍّ سواۤء الي الجمادات فتكون الجمادات اضعف وجوداً و شعوراً و اختيارا كما قلنا في نور السراج لانه اية الله تعالي في الافاق لهذا المطلب لمن ورد هذا المشرب قال تعالي سنريهم اياتنا في الافاق و في انفسهم حتي يتبين لهم انه الحق فافهم .
اقول قد ذكرنا هذا فيما سبق فلا فاۤئدة في ذكره مع ان العبارة ظاهرة ليس عليها غبار و قد ذكرنا فيما تقدّم انّ قولنا العقل الأوّل ليس لانّا نذهب الي القول بثبوت العقول العشرة بل نريد به اول المخلوقات من عالم الغيب و الشهادة و يجري علي الألسن و لانريد به الّا عقل الكل اي عقل العالم كله .
قلت : و الثاني اعلم ان الشئ الجماد مثلا كالحجر اذا اتاه شئ دفعه الي العلو لايندفع الا اذا كان يمكنه الاندفاع و لايمكنه ما ليس في حقيقته بل انما اندفع الي العلو لان ذاته قابلة لذلك كما ان ذاته قابلة للنزول بنسبة واحدة و لكن اللّه سبحانه جعل علّة النزول و شهوته و اختياره راجحة ملازمة للجماد بتسخير اللّه لاجل منفعة الخلق و ابان علّة الصعود و شهوته و اختياره بوجود المقتضي له كما ان علة النزول و شهوته و اختياره بوجود المقتضي له و هو الذي يسمونه العوام بالثقل و اذا دفعه الي العلو دافع فليس في الحقيقة قاسراً بل هو معين لما تقتضيه ذاته لانّ القاسر هو ما يسلُك بالشّئ ما لايمكن في ذاته و هذا محال لانّه اذا دفعه و كان الاندفاع غير ممكنٍ في ذاته فان لميندفع لميقع قسر و ان اندفع
«* جوامع الکلم جلد 1 صفحه 628 *»
فليس هو ذلك بل المندفع غيره .
اقول انّ هذا الكلام فيه بيان اختيار الجمادات بمعني بيان علة الاختيار فيها مثل الحجر اذا دفعه دافع الي العلو فانه يندفع و لو لميمكنه الاندفاع لذاته لميندفع لكنه امكان ناقص فيتمّ امكانه فيساوي امكان نزوله و يرجّح عليه ما دام موجودا و لهذا يصعد الحجر الذي من شأنه النزول ظاهراً و انما اندفع الي العلو لأنّ ذاته قابلة للنزول و للصعود و ان كان الصعود يحتاج الي شئ آخر يدفعه لأنّا نقول ايضاً النزول يحتاج الي منزل فلاينزل من ذاته علي جهة الجبر حتي يقال انّه لايصعد من ذاته بل نقول هو يصعد كما ينزل ففي كلا الحالتين قدّر الله معه ملكاً بنسبة واحدة الا انّه اي الملك المنزل ملازم للحجر لأجل منفعة الخلق لأنّ ذلك هو علة اقلالهم لانّ الأرض انما تقلهم بكونهم فوقها و هي تحتهم فجعل بلطيف حكمته الملك المنزل للحجر ملازماً له و ربما سمّوه العوام بالثقل حتي انّ كثيراً من قشرية الحكماۤء جعلوا الملئكة صفات الأشياۤء فقالوا الملك المنزل للحجر هو ثقله و الملك الصادم من الحجر هو صلابته و هكذا بحيث لو اخذت الملئكة من الحجر مابقي منه شئ لأنها عبارة عن صفاته و هذا غلط و باطل بل الملئكة حيوانات متحركة بالارادة موكّلون بكل شئ و هم مفارقون لصفات الحجر مثلا و ان كان كل صفة موكّل بها ملك و هو غيرها و الملائكة انفس طيبة طاهرة مفارقة بذاتها للأشياۤء الموكّلة بها مقارنة لها بافعالها مدبّرة لها و هي مغايرة للأشياۤء و لصفاتها و جميع ما يجري من الأشياۤء فبالملئكة الموكلين بها لانّ الملائكة هي المدبّرات امرا و الملئكة النفسانية فما دونها من الطبيعية و المادية و الصورية و الجسمانية لها اجسام لطيفة شفّافة علي اختلاف انواعها و اصنافها و الحاصل انما ذكرت هذه الاشارة رفعاً ( دفعاً خل ) لما عسي ان يتوهّم متوهّمٌ انّا نريد بالملئكة هذه الصفات المنسوبة الي الأشياۤء و لأنّك اذا عرفت ان جميع احوال الأشياۤء انما تصدر عنها بواسطة الملئكة الموكلين بها عرفت ان
«* جوامع الکلم جلد 1 صفحه 629 *»
نزول الحجر و صعوده بالنسبة الي ذاته سواۤء باعتبار كون كل منهما ممكن الوقوع منه و ان رجح النزول في حالة عدم وجود الدافع فانما هو لمرجّح غلبة شهوة الحجر لأجل ميل الملك المنزل كما يترجح الصعود حالة الدفع فيكون الدافع معيناً لا قاسرا و الدليل عليه انّه اذا دفعه الي جهة العلو و كان الدافع اقوي من المنزل فان اندفع فقد كان الاندفاع ممكنا و ان كان لميندفع لعدم امكان ذلك في ذاته لميتحقق القسر و ان اندفع حيث لميمكن في حقه فقد ظهر ان المندفع غيره لأنّه لايمكن فيه الاندفاع و هذا المندفع ممكن فيه الاندفاع فهو غيره فلميتحقق القسر اصلا فافهم ان شاۤء الله تعالي .
قلت لانه اذا امكن فيه ما لايمكن فيه لايكون حتّي يغيّر حقيقته الي ما يمكن فيه فلايكون هو ايّاه لان ما لايمكن فيه لايمكن ان يمكن فيه فاذا دفعه فاندفع كان الاندفاع ممكناً فيه و لكن لطيفته من الوجود قصرت عما يمكن فيه ان يكون بنفسه فكان هذا الدافع معيناً لما يمكن ان يندفع و متمّماً له فكان به الاندفاع ممكّناً في ذاته لما في ذاته من قوّة الانقياد و هو مطاوعة و هي اختيار لمن يفهم.
اقول هذا الكلام ظاهر بمعونة ما ذكرنا قبله و كرّرنا معناه و قولي فلايكون هو ايّاه ، اشير به الي ما ذكرت قبله من قولي لأنّ القاسر هو ما يسلك بالشئ ما لايمكن في ذاته و ذلك لانّه ان سلك به ما يمكن في ذاته فهو مطاوع للسالك و السالك متمم لما نقص من المطاوع و المطاوع لايكون مجبورا و ان سلك به ما لايمكن في ذاته فقد صيّره مما يمكن في ذاته و هو شئ غير الأوّل بخلاف ما اذا كان ممكناً في ذاته فانه مطاوع و لكن لطيفته من وجوده نقصت فتممها الدافع و لطيفة الشئ من وجوده هي كنه حقيقته الامكانية التي البست حلة الكون فلما تممها الدافع بفاضل لطيفته صعد الحجر فكان الدافع معيناً و متمما و كان الحجر مندفعا و المندفع مطاوع مختار و هو قولي و هو مطاوعة و
«* جوامع الکلم جلد 1 صفحه 630 *»
هو اختيار لمن يفهم .
قلت فالاختيار لازم لجميع ذَرّاتِ الوجود و لٰكن الامر المحكم ان يكونَ الشئ علي كمال ما ينبغي و كمالُ ما ينبغي ان يكون التّابعُ تابعاً باختياره لاحوال المتبوع من حيث المتبُوعيَّةِ و الّا لميكن التّابعُ تابعاً و لا المتبوع متبوعاً اذ التّابعيّة و المتبوعيّة نسبة ارتباطٍ بينهما و مشابهةٍ في الذوات تقتضي المجانسة المقتضية للميل الذّاتي المقتضي للاختيار بسبب اختلاف جهة ذاتِ كلٍّ منهما كما اشرنا اليه مراراً .
اقول يتفرع علي ما ذكرنا سابقاً انّ الاختيار لازم لجميع ذرّات الوجود فلايتحقق شئ من ذرّات الوجود من ذات او صفة عارض او معروض عين او معني الا مع الاختيار لما بيّنّا اوّلاً لأنّ الاختيار شرط التكليف و التكليف شرط الايجاد لأنّ التكليف ارشاد الي القابلية و تحصيلها و حصولها فلو لميكن مختاراً لقبح ايجاده قطعا و الحكيم لايفعل القبيح فلابدّ ان يكون مختاراً لأنّ صحّة الاختيار مترتبة علي صحّة الايجاد و لكن الأمر المحكم المطابق للحكمة الجاري بمقتضي صنع الحكيم العليم القدير علي ما يريد ان يكون الشئ علي كمال ما ينبغي لأنّه هو مقتضي صنع الحكيم العليم القدير علي ما يشاۤء و من كون الشئ جارياً علي كمال ما ينبغي ان يكون التابع من حيث هو تابع تابعاً باختياره لأحوال المتبوع لأنه لو لميكن تابعاً باختياره لميكن تابعاً في الحقيقة اذ مفهوم التابع انيكون تابعاً باختياره لأنهّ لو لميكن تابعاً باختياره لكانت التابعية ليست من فعل التابع و انما هي من فعل المتبوع و كذلك حكم المتبوع في امر الاختيار فانّه من حيث المتبوعية مختار و الا يسقط حكم متبوعيته كما في قصّة عيسي عليه السلام مع من عبده من دون الله سبحانه غير راضٍ بذلك اذ التابعية و المتبوعية نسبة ارتباط بشرط الرضاۤء و هو الاختيار هنا اذ بدون الرضاۤء لايتحقق التابعية و المتبوعية و لهذا سقط اعتراض عبدالله بن الزبعري علي قوله تعالي انكم و ما تعبدون من دون الله حصب جهنم انتم لها واردون بقوله نرضي ان نكون نحن و آلهتنا و عيسي بن مريم عليه السلام في جهنم لأنّه عليه السلام عبد
«* جوامع الکلم جلد 1 صفحه 631 *»
من دون الله فسقط اعتراضه لعدم تحقق نسبة التابعية و المتبوعية لأنّ ذلك بغير اختيار عيسي بن مريم عليه السلام و بغير رضاه و ايضاً التابعية و المتبوعية مشابهة في الذوات مقتضية للمجانسة و لولا المجانسة في الجملة لماحصلت المشابهة و لولا المشابهة لماحصلت التابعية و المتبوعية و انما حصلت لوجود المجانسة و المجانسة تقتضي الميل الذاتي من كل واحد من المتجانسين ( المجانسين خل ) الي الآخر و هذا موجب للاختيار بسبب ان جهة التابعية مخالفة لجهة المتبوعية فميل الموافق الي المخالفة و المخالف الي الموافقة لايكون الا عن اختيار كما ذكرنا ذلك مرارا فافهم و المخالفة في التابعية و المتبوعية و الموافقة في المجانسة .
قلت و لو كان تابعاً بغير اختياره لميكن تابعاً لما قلنا و النبات و الجماد في الوجود تابعَانِ للحيوانِ لانّهما من فاضل طينته فيجب اَن يكون تابعاً في تلك الاحوال فيجب في الحكمة لانتظام الوجود ان يكون تابع يحمله و يقِلّهُ كالماۤء و الترابِ و تابع يظلّه كالنار و السماۤء و تابع يحيط به كالهواۤء لان جميع الاكوان تابع للانسان فعِلّةُ الصعود و النزول لتسخير ولي التدبير لانّها اعانةً منه لها فيما اراد منها .
اقول قد ثبت انّ التابع تابع باختياره لأنّه لو كان تابعاً بغير اختياره لميكن تابعاً بل هو مجبور و المجبور قاده المجبر له بغير اختياره فلايكون تابعا و لما ثبت ان النباتات و الجمادات كلها تابعة في الوجود للانسان لانّ الحيوانات و النباتات و الجمادات كلها خلقت من فاضل طينته اي من شعاع وجوده لأجله اي لينتفع بها في نفسه و في شؤنه وجب في الحكمة ان تكون كلها تابعة لأحواله لكونها من فاضل طينته خلقت و لمنافعه كوّنت فكان الانسان هو علتها المادية و الغاۤئية فيجب في الحكمة ان تجري في جميع احوالها و صفاتها علي متابعة
«* جوامع الکلم جلد 1 صفحه 632 *»
علتها و اصلها فيما يوافقها و ما يوافق العلة التي هي الانسان لانتظام وجوده فيكون بعضها اعني تلك التوابع تابعاً يحمله و يقلّه كالماۤء و التراب و يكون بعضها تابعاً يظلّه من فوقه كالنار و السماۤء و يكون بعضها تابعاً يحيط به كالهواۤء لأنّ الهواۤء به استنشاق روحه و دوام حياته و مادتها بحرارته و رطوبته و لانّه وسط التوابع اذ فوقه النار و سبع سموات و فلك المنازل و فلك البروج و الكرسي و العرش و جسم الكل و المثال و جوهر الهباۤء و الطبيعة و النفس و الروح و العقل فهذه تسعةعشر بعدد حروف بسم الله الرحمن الرحيم و تحته الماۤء و سبع ارضين و الملك الحامل لها و الصخرة سجين و الثور و الحوت و البحر و الريح العقيم و جهنّم و الطمطام و الثرٰي و ما تحت الثري و الجهل فهذه تسعةعشر اشياۤء بعدد زبانية سقر فالانسان هو القاۤئم بين الطتنجين و المتوسط بين البحرين لأنّ هذه الأكوان العلوية و السفلية كلّها تابعة للانسان فتكون علّة صعود بعضها و هبوط بعضها من تسخير الله سبحانه بتدبيره لمنافع الانسان ببقاۤئها و علّة بقاۤئها بتكليفها و ان من شئ الّا يسبح بحمده و لكن لاتفقهون تسبيحهم انّه كان حليماً غفورا و علّة تكليفها بكونها مختارة و علّة اختيارها صنع كل شئ منهما مركباً من شيئين مختلفين كما مرّ و اوجدها علي ما تكون مختارة لئلّاتكون للناس و لساۤئر خلقه عليه تعالي حجة و اعانة منه سبحانه لها علي ما يريد منها و له الحمد اولاً و آخراً و باطناً و ظاهرا .
قلت فكمالُ التابع علي ما ينبغي و كماينبغي اَنْ يختار المتبُوعُ متبوعيّةَ التابعِ و يريدُها و يختار التابعُ تبعيّةَ المتبوع و يريدُها و هو المراد من الاختيار و سخّر اللّه كلاً منهما معونة منه لما احبَّا و الا لميكونا ايّاهما اذ لايكون الشئ ايّاه الا بما يمكن له فافهم ما كرّرنا لك .
اقول هذا من تمام ما تقدّم و هو انه قد ثبت انّ كمال الصنع ان يكون علي كمال ما ينبغي و كمال صنع الشئ ان يكون المصنوع و صنع الشئ علي كمال ما ينبغي ان يكون مختاراً في كل شئ من احواله و من ذلك ان يختار المتبوع متبوعية التابع بمعني ان يكون مختاراً في المتبوعية اذ لو لميختر ذلك لميكن
«* جوامع الکلم جلد 1 صفحه 633 *»
متبوعاً للتابع و لو فرض انّ التابع تبعه لأنّه اذا كان باجباره لميكن متبوعاً له و ان تبعه فلاتترتب عليه احكام المتبوعية اذ لاتترتب الا مع الرضا بالمتبوعية عن اختيار كما حكي سبحانه عمّن رضوا بالمتبوعية عن اختيار في ترتّب الأحكام علي متبوعيتهم قال تعالي و ليحملن اثقالهم و اثقالاً مع اثقالهم و كذلك التابع فانَّ كمال ايجاده ان يختار تبعية المتبوع كما ذكرنا و انما جعل الله ذلك في كل من التابع و المتبوع لما في حقيقة كونهما و اعانة منه سبحانه لهما علي ما اراد منهما من وقوع التضايف لما يترتب عليه من الأحكام و انما هما كذلك بما جعل لهما من خصوص هذا الميل الاختياري و امثاله و لو لميجعل لهما ذلك لميكونا ايّاهما اي تابعاً و متبوعاً بل كانا شيئاً و شيئاً آخر فافهم .
قلت و ليس تسخيره تعالي قسراً و انّما خلقها علي ما هي عليه و ما هي عليه الا بما سألتْهُ و لميجبرها علي السؤال بل سألَها باختيارها و لهذا قال الستُ بربّكم استخباراً و تقريراً لما علموا فاتاهم بذكرهم و ما انطوَوْا عليه و رضوا به فلمّا اتاهم بالاختيار و خيّرهم اقرّ مَن اقرّ و جحَد مَنْ جحَد و لو قسرهم لميمتنع منهم احد و هذا البيان و المثال انّما هو باللسان الظاهري .
اقول قد ذكرنا انّ تسخير الله تعالي سبحانه للأشياۤء علي التلازم و الانضمام و الاقتران ليس قسراً بان يكون تعالي عز و جل اجبرهم علي ذلك لما قرّرنا سابقاً من انّ المحدث من ذات او صفة او عين او معني مادي او مجرّد حيوان او غيره مركب او بسيط لايمكن ان يكون حتي يكون له اعتبار من ربّه و هو وجوده و اعتبار من نفسه و هو ماهيته فخلق علي ما هي عليه من كونها لاتتحقق الا بالاعتبارين المذكورين و لاتكون مخلوقة علي ما هي عليه حتي تخلق علي مقتضي قابليتها باختيارها و لايكون ذلك حتي يجري عليها الايجاد و يوجّه الصنع بسؤالها ذلك منه تعالي و مع هذا لميجبرها في الصنع علي محض
«* جوامع الکلم جلد 1 صفحه 634 *»
السؤال اذ مقتضي محض السؤال ان يخلق علي مقتضي الفعل سواۤء كان علي نحو الاختيار ام علي نحو الاضطرار الا انه لو خلقها علي نحو الاضطرار لمتكن علي كمال ما ينبغي و ان لمتكن علي كمال ما ينبغي لميكن الصنع علي كمال ما ينبغي بل يكون مخالفاً للكمال و الحكمة و ذلك صنع العاجز الجاهل و اما صنع القدير العليم فيجب ان يكون علي كمال ما ينبغي و ذلك مقتضي للايجاد علي جهة الاختيار و الايجاد علي جهة الاختيار اقتضي ان يتوجه طلب قبول التكوين علي جهة السؤال و لهذا قال تعالي الست بربكم استخباراً لهم في الرضاۤء بالاستجابة له فيما طلب منهم و تقريراً لهم علي ما طلبوا منه باجابته لهم بان خلقهم علي ما قبلوا من تكوينه ايّاهم فاتاهم من امره الفعلي و المفعولي بما ذكرهم به حين ذكرهم في خلقه و جعله لهم علي ما ذكرهم به في صنعه و ما انطووا عليه من حقايق ذواتهم و قوابلهم مما رضوا به كما ذكرنا فلما اتاهم بذكرهم علي نحو الاختيار اقرّ من اقرّ باختياره و جحد من جحد بانكاره بعد اعترافه و اصراره و لو قسرهم و اجبرهم لميمتنع منهم احد و لاانكر منكر منهم و لاجحد و هذا البيان و المثال كلّه باللسان الظاهري اعني طريقة المشّاۤئين لأنّهم انما يعرفون من المعاني ما دلت عليه العبارة الظاهرة العامية .
قلت و امّا المعني الباطني فهو ما ذكرنا لك من انّه من ملاۤئكةٍ و كمال البيان يطول به الكلام لما في هذا المقام من الدقائق الخفيّة و لكن هذا تلويح و تمثيل و اشارة و اعلم اَنَّ هذا التكرير في العبارات و الترديد انما هو للتفهيم وَ لَوْ هذّبتُ العبارة و اقتصرتُ علي الاشارة لكلّت البصاۤئر و انسدّت المذاهب الي هذه المطالب و مع هذا فان عرفتَ فانت انت و الله ولي التوفيق .
اقول هذا آخر ما كتبت من الفواۤئد و بيانه آخر ما اردت من البيان و التعليق علي هذه الفوائد حيث انها لاتعرف الا بتعريف منّي لبعدها عن ادراك الأوهام و بناۤئها علي معاريض الكلام من حكمة الائمّة الأعلام عليهم افضل الصلوة و السلام و قولي المعني الباطني فهو ما اشرنا اليه من ذكر ان الانزال و الاصعاد في النبات و الجماد من الملائكة الموكّلين به كما اشرنا اليه قبل هذا الا انّه هو لسان
«* جوامع الکلم جلد 1 صفحه 635 *»
اهل الشرع عليهمالسلام و ايّاك ثم ايّاك ان تطلب فهم هذه المطالب بنمط ما ذكروه في كتبهم فان طريقهم و فهمهم كما قال اميرالمؤمنين صلوات الله عليه ذهب من ذهب الي غيرنا الي عيون كدرة يفرغ بعضها في بعض و ذهب من ذهب الينا الي عيون صافية تجري بامر الله لا نفاد لها ه ، و هذه المطالب المشار اليها في هذه الفواۤئد مستنبطة من معاني كلام العيون الصافية التي تجري بامر الله لا نفاد لها و ايّاك ان تقول :
و كلّ يدّعي وصلاً بليلي | و ليلي لاتقرّ لهم بذاكا |
فانّي اقول لك :
اذا انبجست دموع في خدود | تبيّن من بكٰي ممن تباكي |
و انما كرّرت الألفاظ و رددت المعاني رجاۤء ان تفهم المراد و لاتظنّ ان هذا عن عجزي عن تهذيب العبارة فانه امر سهل علي كل احد و لكني رأيت هذه المقاصد بعيدة عن تناول الأفهام فرددت لك و كرّرت عليك و الله سبحانه وليّ التوفيق
الي هنا انتهي شرح هذه الفواۤئد في الليلة التاسعة من شهر شوال سنة ثلاثة و ثلاثين بعد المأتين و الالف من الهجرة النبوية علي مهاجرها و آله افضل الصلوة و ازكي السلام. بقلم المؤلف لها العبد المسكين احمد بن زين الدين ابراهيم بن داغر الاحسائي المطيرفي غفر الله له و لهم اجمعين و الحمد لله رب العالمين.
[1] ( طاشَتْ خل )