رسالة في شرح حدیث رأس الجالوت
فی شرح ماسأل رأس الجالوت مولانا الرضا علیه السلام
علی سبیل الالغاز و التعمیة
من مصنفات الشیخ الاجل الاوحد المرحوم
الشیخ احمدبن زین الدین الاحسائی اعلی الله مقامه
«* جوامع الکلم جلد 1 صفحه 186 *»
بسم الله الرحمن الرحيم و به نستعين
الحمد لله رب العالمين و صلي الله علي محمد و آله الطاهرين.
اما بعد فيقول العبد المسكين احمد بن زين الدين الاحسائي قد التمس مني من يجب عليّ طاعته ان اشير الي بعض بيان حديث نقل عن بعض المشايخ و هو و ان لميجده مسندا[1] الا ان المطلوب بيان معناه لانه قد جري في السؤال و الجواب علي سبيل الالغاز و التعمية لان السائل قصد به الاستخبار و الاستعجاز فامتثلت امره علي غير ميل مني لذلك لان الذي فهمته منه يتوقف علي بسط و اشارات و تكثير كلمات في تقديم المقدمات و القلب غير مجتمع لها ولكن اقتصر علي بعض الاشارة اعتمادا علي فهمه و اقتفاء لرمه (لرأسه خل) فاقول و بالله المستعان و عليه التكلان:
قال سلمه الله تعالي: سأل رأس الجالوت مولانا الرضا عليه السلام فقال يا مولاي ما الكفر و الايمان و ما الكفران و ما الشيطانان اللذان كلاهما المرجوان و قد نطق كلام الرحمان بما قلت حيث قال في سورة الرحمان الرحمان علم القرآن خلق الانسان علمه البيان فلما سمع الرضا عليه السلام كلامه لم يحر جوابا و نكت باصبعه الارض و اطرق مليا فلما رأي رأس الجالوت سكوته حمله علي عيه و شجعته نفسه بسؤال آخر فقال يا رئيس المسلمين ما الواحد المتكثر و المتكثر المتوحد و الموجد الموجد و الجاري المنجمد و الناقص الزائد فلما
«* جوامع الکلم جلد 1 صفحه 187 *»
سمع الرضا عليه السلام كلامه و رأي تسويل نفسه له قال يا ابن ابيه اي شيء تقول و ممن تقول و لمن تقول بينا انت انت صرنا نحن نحن فهذا جواب موجز.
اقول ان السائل قد علم ان محمدا صلي الله عليه و آله و اوصيائه عليهم السلام حجج الله و انهم اذا سئلوا اجابوا كما نزلت به كتبهم و نطقت به انبياؤهم ولكن بناء علي اعتقاده الفاسد بان محمدا العربي صلي الله عليه و آله لميبعث رمز في سؤاله و جعله معمي تشديدا منه علي المسؤول لظنه به انه مدع ليختبر صدقه بفك الرموز و استخراج الكنوز و الامام عليه السلام عرف بالتوسم سريرته في قصده و طيب طينته في حقيقته و مآل امره فسكت عن معاجلة الجواب لتقوي نفسه فيستقصي سؤالاته و لئلا تضعف نفسه عن ادراك الجواب بسبب المعاجلة و ليظهر له حسن أناته عليه السلام ليعرف حسن خلقه فيكون معينا له علي قبول الاسلام و انما اجابه عليه السلام برمز اشد من رمزه و ادق حتي انه لايعرفه و لايدرك معناه مع قلة لفظه و اختصاره ليظهر صحة ما يدعيه من الخلافة الكبري باتيانه بما لايستطيعه و لايحيط به علما و لما علم عليه السلام ان هذا لايقطع حجته لانه لايفهم منه جواب مسألته بل له ان ينكر و يقول انك لمتجبني عن سؤالي استدرك ذلك فقال و اما الجواب المفصل الخ. و اتي به ممزوجا بالبيان رمزه ليفهم الجواب من بعضه و يذل في نفسه بعجزه عن كله فانه عليه السلام رمز فيه اشياء لايعرفها الا الخصيص من المؤمنين و لهذا قال عليه السلام و يعلم قولنا من كان من سنخ الانسان اشارة الي قولهم (ع) ان حديثنا صعب مستصعب اجرد ذكوان ثقيل مقنع لايحتمله ملك مقرب و لا نبي مرسل و لا مؤمن امتحن الله قلبه للايمان فسئل عليه السلام فمن يحتمله قال من شئنا.
و ينبغي الاشارة الي بيان السؤال في نفسه ليتبين مطابقة الجواب له فنقول قوله ما الكفر و الايمان يشير الي قوله تعالي فمن يكفر بالطاغوت و يؤمن بالله و لهذا قدم الكفر كما في الاية قوله و ما الكفران يريد الكفر بالطاغوت و الكفر بالله قوله و ما الشيطانان اللذان كلاهما المرجوان، الشيطانان اذا اطلقا النفس الامارة و الشيطان المقيض فعلي هذا المعني يكون معني قوله كلاهما المرجوان
«* جوامع الکلم جلد 1 صفحه 188 *»
ان النفس يرجي لها انتكون مطمئنة و الشيطان يرجي له انيسلم كما قال صلي الله عليه و آله لكل نفس شيطان فقيل و انت يا رسول الله (ص) فقال نعم و لكنه اسلم و في رواية و لكن اعانني الله عليه و المراد واحد يعني اسلم و ذلك لان ذلك الشيطان المقيض انما قيض لها ليعينها علي مقتضي ميلها الي ملكها و هو الماهية فاذا اطمأنت النفس و كانت تابعة للعقل في مقتضيات ملكه و هو الوجود اسلم الشيطان المقيض لها و كان تابعا للملك المؤيد للعقل فبهذا اللحاظ يكونان مرجوين و معني اخر ان معني المرجوين المؤخر حكمهما من الشقاوة و السعادة من الارجاء اما في انفسهما او في متعلقهما و هذا ظاهر في معني الشيطانين اذا اطلق هذا اللفظ بل احسن ما ينبغي انيفسر به الا ان جواب الامام عليهالسلم يدل علي ان المراد ظاهرا بهما الكفران لقوله عليهالسلام كما يأتي و هما المتفقان المختلفان و هما المرجوان فعلي قوله (ع) كما هو الحق لانه اعلم بالمراد يجوز انيراد به الحقيقة او المجاز فان اراد الحقيقة ففيه غموض و خفاء و الاشارة اليه ان الكفر الذي هو الستر و الجحود اسم معني و المعاني في الحقيقة اعيان بالنسبة الي مادونها كما ان الاعيان معاني (معان خل) بالنسبة الي مافوقها يعني ان الاعراض جواهر لاعراضها كما ان الجواهر اعراض لعللها و حيث انقسم الوجود الي نور و ظلمة فكل نور ملك و كل ظلمة شيطان و المركب منهما انسان فعلي هذا يظهر البيان في ان الكفر بالله شيطان و يخفي ان الكفر بالطاغوت شيطان الا علي معني انه مطلق جحود و هو في الحقيقة ستر و فقدان ثم معني كونهما مرجوين انهما في معرض الزيادة و النقصان و جواز التغيير و التبديل في حكم الامكان فان اراد المجاز فمن باب تسمية المسبب باسم السبب امتحانا في البيان.
و قوله و قد نطق كلام الرحمن بما قلت الخ، استشهاد علي صحة كلامه فان الله سبحانه قال الرحمن علم القرآن خلق الانسان الذي هو محل الكفر و الايمان بما اوجب له و عليه من البيان و هو هداية النجدين و اعطاؤه الركنين الاعظمين اللذين هما مأوي الملك و الشيطان و منشأ الكفر و الايمان و هما
«* جوامع الکلم جلد 1 صفحه 189 *»
الوجود و الماهية فان للوجود وجها و مرآة و هو العقل و هو صورة وجه الرأس الخاص به من العقل الكلي و الملك موكل بهذه الصورة و للماهية وجه و مرآة و هو النفس الامارة و هي صورة وجه الرأس الخاص به من الجهل الكلي و الشيطان مقيض لهذه الصورة و الانسان الذي هو مجموع الركنين محل تعليم البيان فهداية نجد الخير للوجود يستعمله العقل بمعونة الملك و هداية نجد الشر للماهية تستعمله النفس بمعونة الشيطان فاستدل علي الايمان في الانسان بالملكين العقل و الملك و علي الكفر بالشيطانين النفس و الشيطان و لو فرضنا انه حكي سؤاله عن بعض الكتب المنزلة او عن بعض الانبياء بان الشيطانين هما المذكوران في سورة الرحمن من القرآن المنزل بخير الاديان فالمراد بهما ما ذكرنا من النفس و الشيطان و الكفر بمعنييه علي ما تقدم من البيان و الشمس و القمر اللذان هما في الدنيا و الاخرة بحسبان فانهما المرادان بالشيطانين و الجبت و الطاغوت و هما منشأ كل كفر و عدوان و ايضا قوله تعالي علمه البيان اي علم الانسان القرآن الذي هو بيان كل شيء فالانسان هو كتاب القرآن فان كنت ايها المسؤول ذلك الانسان المعلم البيان فانت تعلم مرادي و تجيب سؤالي و سكوته عليهالسلام عن المعاجلة لما قلنا سابقا من اظهار الافادة و الرفق و التشجيع له للترغيب و استقصاء سؤاله.
و قوله ما الواحد المتكثر و المتكثر المتوحد الخ، يوجد جوابه في الانسان بدليل استشهاده بقوله تعالي خلق الانسان الخ، فالانسان بالنظر الي مهيته و هي الماهية الثانية له واحد و يؤيده توحيد افعاله و ارادته و انيته و بالنظر الي بدئه و اركان مهيته متكثر لانه وجود و ماهية و يؤيده اختلاف افعاله في نفسها و ارادته في نفسها و في متعلقاتهما فيصدر عنه الضدان في حالين فمن جهة وجوده ايمان و من جهة ماهيته كفر بالله و من بينهما كفر بالشيطان و هو الموجد بفتح الجيم بفعل الله المنجمد بسكون مفعوليته و برودتها الزايد بالمدد المتصل الذي به بقاؤه فانما هو شيء بالمدد الا انه سبحانه يمده مما له فهو نهر يجري مستدير عوده الي
«* جوامع الکلم جلد 1 صفحه 190 *»
بدئه و بدؤه من عوده فهو كرة مجوفة تدور علي قطبها لا الي خصوص جهة الا جهة قطبها المنزه عن الجهة و هو الموجد بكسر الجيم بامر الله و قدره كلما يصدر عنه من الاقوال و الاعمال من كفر و ايمان و الجاري فيها علي حسب التيسير و التقدير من الحكيم الخبير و الناقص بما يعود منه الي بدء الزيادة فيه و ما اشبه ذلك و لاينافيه جوابه عليهالسلم بقوله تعالي مرج البحرين يلتقيان كما يأتي لان البحر العذب وجوده و الملح الاجاج مهيته و البرزخ ربطه بها و ارتباطها به و قد فصلنا هذه المعاني في رسائلنا تفصيلا من اراد ذلك طلبه هنالك (هناك خل) الا ان سياق جوابه عليهالسلام يدل ظاهرا علي انه الكفر لانه بحسب المفهوم اللغوي ظاهرا واحد و هو التغطية و الستر و متكثر فانه كفر بالطاغوت و كفر بالله و هو الموجد بفتح الجيم من مادة و صورة مادته امر الله بالقبول عنه و صورته قبول المكلف و انكاره فامر الله مع القبول ايمان بالله و كفر بالطاغوت و مع الرد و الانكار كفر بالله و ايمان بالطاغوت و مطلق الكفر خلقه الله بقبول امره ايمانا و برده كفرا و هو الموجد بكسر الجيم لانه صورة الثواب و العقاب فهو القابلية المطلقة فقبولها التكليف من وجهه ايمان و من وراء ظهره كفر و انما نسب الايجاد اليه مع انه ليس منه الا القبول بالاختيار لان القبول صنع يسند الفعل به الي نفسه و لهذا كان امر الفاعل فاعله المفعول فاذا قال (تعالي خل) كن كان فاعل امره الذي هو كن انت ايها المكون بفتح الواو و ضمير المكون فاعل امر المكون بكسر الواو و الفاعل موجد و هو ظاهر و هو جار في المعاني و الاعيان علي سنن واحد كما هو شأن المطاوعة تقول خلقه فانخلق و لهذا كان القبول منشأ الصورة و الحقيقة انما هي حقيقة بها لانها مناط الاحكام و الافعال و التكليفات لا المادة و ان كانت لاتتقوم الصورة الا بها و هو الجاري في جميع جزئيات المعاصي بالانعكاسات المعنوية و هو المنجمد لغلبة الطبع علي قلوبهم التي هي محله بحكم و كذلك حقت كلمة ربك و قال تعالي و لو اننا نزلنا اليهم الملائكة و كلمهم الموتي و حشرنا عليهم كل شيء قبلا ما كانوا ليؤمنوا الا ان يشاء الله و الاستثناء حكم الامكان كما قال تعالي و لئن شئنا لنذهبن بالذي
«* جوامع الکلم جلد 1 صفحه 191 *»
اوحينا اليك فلاينافي الانجماد و الناقص قد يتحقق نقصانه بذهاب بعض جزئياته التي هي اثاره كما لو عمل الكافر بعض الطاعات و لو بغير اختياره و رضاه و لميوف عمله في الدنيا و لا في البرزخ بسبب مانع او لكثرته لانه يخفف عنه مقتضي عذابه في النار بحيث لايحس به و هو في النار و في امالي الطبرسي ان النبي صلي الله عليه و آله سأل جبرئيل عليهالسلم عن حاتم طي فقال ان الله يبني له بيتا من مدر في جهنم كيلا يصيبه وهجها نقلته بالمعني، و ذلك لاجل كرمه و هذا في الحقيقة نقصان في الكفر فافهم و الزايد بعكس الناقص و اليه الاشارة بقوله تعالي ان الذين امنوا ثم كفروا ثم امنوا ثم كفروا ثم ازدادوا كفرا.
فافهم فلما تبين له عليهالسلام من السائل مايخشي منه منافاة المقصود اجابه علي الفور لبيان انه لو كان السكوت للعجز عن اول السؤال لما اتي علي الفور بعد انقطاع اخره الذي هو اصعب من اوله بجواب بسيط يجمع الاول و الاخر ليبهت السائل و ليعلمه انه عرف الاول و الاخر بدليل وحدة الجواب و اجماله و ليظهر له ما لميعلم فقال روحي فداءه يا ابن ابيه و فيه لطايف كثيرة منها الاستحقار له من جهة ابيه لينفره عن دينه الاول و منها التنبيه علي انك ما توهمت من هذه الاوهام الا لما فيك من عادة المذهب الذي كان ابوك عليه و منها ان عدم نسبته الي ابيه انه ليس له اب يسمي به كناية عن ضلالته و عدم رجوعه في دينه و معرفته الي ركن وثيق كما يثق الابن بانتسابه الي ابيه و منها عدوله عن اسمه الي اسم ابيه اشارة الي انك الي الآن لميعرف اسمك الذي يستقر دعاؤك به فيما بعد و انكان يعلم مآله الي اسم السعيد الا ان الشيء ما لميكن يجوز في حكم المشية ان لايكون كما قال علي عليهالسلم في جواب ميثم التمار لما ذكر امر ابن ملجم لعنة الله عليه قال عليهالسلم لولا اية في كتاب الله لاخبرتكم بما كان و مايكون الي يوم القيمة و هي قوله تعالي يمحو الله ما يشاء و يثبت مع انه عليهالسلم يعلم انه قاتله فافهم و منها ارادة ابهام اسمه بشارة منه له الي ان اباه الحقيقي محمد صلي الله عليه و آله كما قال صلي الله عليه و آله انا و علي ابوا
«* جوامع الکلم جلد 1 صفحه 192 *»
هذه الامة، و غير ذلك من اللطايف.
قال عليهالسلم اي شيء تقول اي ما تريد بقولك اتريد التعجيز ام تريد الاستخبار للمسئول ام تريد الاستفهام ام تريد الهداية و الرشاد فكل ماتريد تجد للباطل نفيا و ابعادا و للحق هداية و ارشادا و ممن تقول فان من تقول عنهم في صوابهم الينا راجعون و بنا يهتدون و لمن تقول و انت لاتعرفه حتي سولت لك نفسك التعجيز له و لو علمت استسلمت قال عليهالسلم بينا انت انت صرنا نحن نحن، اقول ليس لي امتداد و لا في دواتي مداد و لا في قلمي استمداد و ليس في عقلي بالفعل استعداد لما في سريرات الفؤاد في البيان عن كل ما اراد و لكن لايسقط الميسور بالمعسور قال بينا انت انت في انخفاضك و انحطاط مقامك عما تتوهم من التعجيز اذ ظهرنا لك في اعجاز لك تبهت فيه عن وجدانك فانت حينئذ مثل للكفر بالله و نحن حينئذ اصل الايمان و مثلنا الكفر بالطاغوت لانه صفة الايمان بالله الذي نحن اصله لقوله تعالي الرحمن علم القرآن خلق الانسان علمه البيان و بيانه في قوله تعالي مرج البحرين يلتقيان بينهما برزخ لايبغيان البحر الاول القرآن و الثاني كتاب القرآن الذي هو الانسان و هو نحن المعلمون البيان و البرزخ جدنا صلي الله عليه و آله حملنا القرآن فتحملنا قال بينا انت انت في كفرك اذ صرنا معك نحن نحن اي ان الكفر ما كنت عليه و الايمان ما تكون معنا عليه اذا اسلمت فان الايمان كونك معنا علي ديننا و الكفران وقعا منك في حالتيك الاولي قبل الايمان كفرك بالله و الثانية بعده كفرك بالطاغوت و قد مرج بحرَي كفريك في ارض جسدك يلتقيان بينهما الجاذب الي الخير فلايبغي كفرك بالله اولا علي كفرك بالطاغوت اخيرا بانيلوثه بشوب من ظلمته و لا كفرك بالطاغوت كفرك بالله اولا الا بالعدل و الجاذب البرزخ و هو لطف نبوة جدنا صلي الله عليه و آله قال بينا انت انت في تشخصك و ظهورك المجتث بحيث يشار اليك و انت سراب كانك ماء عند الجهال و هذا مثل للكفر و الاعمال المترتبة عليه كما قال تعالي و الذين كفروا اعمالهم كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء الاية، اذ صرنا نحن نحن اي تبين الرشد من الغي و الرشد
«* جوامع الکلم جلد 1 صفحه 193 *»
الايمان بالله الذي صفته الكفر بالطاغوت و الغي الايمان بالطاغوت الذي اصله الكفر بالله و الكفران في هذه الوجوه الثلاثة هما البحران هذا عذب فرات سائغ شرابه و هذا ملح اجاج و هما ثمرة علمه البيان و هما الشيطانان المرجوان علي احد الوجهين المتقدمين كما قررنا سابقا من ان العذاب منهما الشيطان المسلم و من ان المعاني اعيان فلاحظ و بالجملة فهذا تمثيل للجواب الموجز المتضمن للمفصل كما اشرنا اليه علي اكمل وجه و اعم بيان.
قال (ع) و اما الجواب المفصل فاقول ان كنت الداري و الحمد لله الباريء ان الكفر كفران كفر بالله و كفر بالشيطان و هما الشيئان المقبولان المردودان لاحدهما الجنة و للآخر النيران و هما المتفقان المختلفان و هما المرجوان و نص به القرآن حيث قال مرج البحرين يلتقيان بينهما برزخ لايبغيان فباي آلاء ربكما تكذبان و يعلم قولنا من كان من سنخ الانسان و بما قلناه يظهر جواب باقي سؤالاتك و الحمد لله الرحمن و الصلوة علي رسوله المبعوث الي الانس و الجان و لعنة الله علي الشيطان فلما سمع رأس الجالوت كلامه بهت و نخر و شهق شهقة و قال اشهد ان لا اله الا الله و ان محمدا رسول الله (ص) و انك ولي الله و وصي رسوله و معدن علمه حقا حقا.
اقول قال عليهالسلام فاقول ان كنت الداري اني اجيب بحقيقة الجواب ان كنت تعلم الجواب و الحمد لله الباريء اي منشيء الاعيان اتي بالباريء دون باقي الاسماء اشارة الي ان المسؤول عنه او مبدئه انما هو في الاعيان التي هي اثر الارادة دون الاكوان التي هي اثر المشية و لو اراد ذلك لقال الخالق و لما روعه اولا بما لايدرك حقيقته حين قال له بينا انت انت صرنا نحن نحن ليجذب قلبه (قلبه اليه خ ل) لان السائل حين يجاب ربما يكون قلبه مشتغلا بالمعارضة و النقض فلايدرك معني الجواب و لايهتدي الي الصواب و اذا القي اليه ما لايفهم حقيقته غفل عن المعارضة و النقض و اقبل بكله علي المجيب و لما روعه بذلك حتي انه نبهه بان هذا جواب موجز ليقبل علي المفصل ليفهم ما لميفهمه حمد الله الباريء تنبيها علي ان ما اوتينا من العلوم فمن
«* جوامع الکلم جلد 1 صفحه 194 *»
نعم الباريء و انقطاعا اليه سبحانه ثم قاله ان الكفر كفران يعني ان الكفر الذي هو التغطية و الستر في اصل اللغة و لذا يقال للّيل كافر لانه يستر من يسير فيه و الزارع كافر لانه يغطي البذر و هو الجحود ايضا قسمان كفر بالله و كفر بالشيطان و قوله عليهالسلم و هما الشيئان المقبولان المردودان يعني به انهما مقبولان عند الله من جهة الكفر بالشيطان مردودان عنده من جهة الكفر به سبحانه فهما معا مقبولان من جهة مردودان من جهة و وجه اخر انهما مقبولان معا مردودان معا مقبولان معا ان الكفر بالشيطان مقبول عند الله و الكفر بالله مقبول عند الشيطان و مردودان معا ان الكفر بالشيطان مردود عنده و الكفر بالله مردود عنده و قوله عليهالسلم لاحدهما الجنة يعني به الكفر بالشيطان و للاخر النيران الكفر بالله و هما المتفقان في معني الجحود و الستر و المختلفان في القبول و الرد و في الجنة و النيران و هما المرجوان من الرجاء فالمؤمنون يرجون بكفرهم بالطاغوت النجاة و الفلاح و الكفار يرجون بكفرهم بالله ظاهرا النجاة او الفلاح و من الارجاء اي التأخير يعني ان كل واحد موقوف علي الخاتمة اللاحقة التي هي السابقة في حكم الله.
قوله عليهالسلم و قد نص به الرحمن حيث قال مرج البحرين يلتقيان، قد اشرنا سابقا ان البحرين هنا في الانسان البحر العذب الفرات و هو الوجود و البحر الملح الاجاج و هو الماهية او ان البحرين هنا الكفر بالطاغوت هو البحر العذب الفرات السائغ شرابه و الكفر بالله هو البحر الملح الاجاج و معني مرج ارسل البحرين متجاورين لايتمازجان بما حال بينهما ببرزخ لايبغي احدهما علي الاخر فلايبغي الكفر بالله علي الكفر بالشيطان لما ايد الله جنده بالمدد و المعونة و لايبغي الكفر بالشيطان علي الكفر بالله فلايجبره لانه انما يدعوه بالاختيار فالبرزخ هو اللطف من الله بالمعونة و المدد للخير بالخيرات و للشر بالشرور و مدد الاول التوفيق و الثاني الخذلان ثم قال فباي آلاء ربكما تكذبان ايها الكافران باي نعمة عظمي من نعم الله تكذبان بمحمد ام بعلي او باحد منا اهل
«* جوامع الکلم جلد 1 صفحه 195 *»
بيت محمد صلي الله عليه و آله فانا حجج الله العظمي و امثاله العليا و نعمه التي لاتحصي و يجوز انيكون ايها الكفران باي نعمة عظمي من نعم الله تكذبان بناء علي ما ذكرناه اولا من ان المعاني اعيان و الصفات ذوات في نفسها و بالنسبة الي ما دونها و هكذا و الذوات صفات و اعراض بالنسبة الي مافوقها و هكذا الاتري ان نور الشمس كصورتها مستدير و له نور و ذلك اذا وضعت المرآة في نور الشمس كان فيها صورة الشمس و ينعكس عن تلك الصورة نور كنور الشمس و ليس ما في المرآة من صورة الشمس انه صورتها التي فيها معها في السماء الرابعة بل ما فيها انما هو صورة النور الخارج عنها و لكن اكثر الناس لايعلمون و قد دل علي هذا الدليل العقلي و النقلي دلالة ليس فيها وهم و لا ريب لمن عرف و هو من مكنون علم اهل العصمة عليهم السلم فعلي ما قررناه لمن عرف و كشف الله عن بصيرته يكون العرض مكلفا و يكون طائعا و عاصيا باختياره كما ان الجوهر مكلف و يكون طائعا و عاصيا باختياره و ان لميثبت ذلك في العرض لميثبت في الجوهر لكنه ثابت عندك في الجوهر فيكون ثابتا في العرض لانهما من جنس واحد بصنع واحد لرب واحد و ان اختلفت الافراد في القوة و الضعف و الظهور و الخفاء فلما قررناه جاز خطاب الكفرين في الاستشهاد بتأويل قوله تعالي فباي آلاء ربكما تكذبان فافهم و يجوز انيكون اراد (ع) بذكر الاية الشريفة خطاب السائل و يكون المعني فباي نعمة من نعم الله تكذب و تعرض و قد تبين لك الرشد في امر الكفرين كما قال سبحانه قد تبين الرشد من الغي فمن يكفر بالطاغوت و يؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقي لا انفصام لها و هو تعريض له و دعاء الي الاسلام او يكون المعني ايها السائل فباي نعمة من نعم الله تكذب و تشك اشارة الي نفسه عليهالسلم و ما اظهر له من الايات الباهرات في جوابه له حتي انه شهق لهول عظيم ما ظهر له من مقامه عليهالسلم في العلم و الاطلاع علي الاسرار التي لميعرفها احد من الانبياء السابقين و امثال ذلك مما لايمكن فيه بيان جميع اسرار هذا الكلام لاستلزامه التطويل الذي تفني الايام قبل انتهائه و الي هذا اشار عليه
«* جوامع الکلم جلد 1 صفحه 196 *»
السلام بقوله و يعلم قولنا من كان من سنخ الانسان يعني بالانسان نفسه و آباءه و ابناءه الطاهرين صلي الله عليهم اجمعين و السنخ في لغتهم عليهمالسلم فاضل الشيء و هو شعاعه و نوره و اثره و امثال ذلك و المعني ان ما ذكرته يعرفه من كان من شيعتنا الممتحنين الذين هم من سنخنا لان كلامهم عليهمالسلام صعب مستصعب لا يحتمله الا ملك مقرب او نبي مرسل او عبد مؤمن امتحن الله قلبه للايمان و شرح صدره للاسلام و لعل هذا الكلام جذب للسائل و ترغيب بالاشارة.
ثم قال عليهالسلام و بما قلنا (قلناه خل) يظهر جواب باقي سؤالاتك و هي الواحد المتكثر و المتكثر الواحد (المتوحد خل) و الموجد الموجد و الجاري المنجمد و الناقص الزائد و قد تقدمت الاشارة الي توجيهها في الجملة. ثم قال عليهالسلام و الحمد لله الرحمن لان الرحمن هو مفيض النعم يعني انه سبحانه بصفة الرحمة خلق ما خلق و افاض النعم و ساير العلوم و لهذا قال الرحمن علي العرش استوي لانه سبحانه استوي علي العرش فاعطي كل ذي حق حقه و ساق الي كل مخلوق رزقه فحمده من حيث خصوص هذه الصفة لانها علة النعم الظاهرة و الباطنة و علة الايجاد كله. ثم قال عليهالسلم و الصلوة علي رسوله المبعوث علي الانس و الجان لينبه السائل علي ان ما رأيت و ما لمتره فانه من اثار رسالة جدنا رسول الله صلي الله عليه و آله المبعوث الي الخلق كافة و هذا منه (ع) استدلال علي اثبات نبوة محمد صلي الله عليه و آله عند السائل فانه انما كان علي اليهودية لعدم ثبوت نبوة محمد صلي الله عليه و آله عنده فقال له في سره و خاطبه في قلبه ان الذي ظهر لك من العلوم التي هي عندنا (التي عندنا خل) انما هو كالذرة في هذا العالم و كل ما عندنا مما سمعت و مما لمتسمع فانه من تبليغ جدنا رسول الله صلي الله عليه و آله فان لميكن جدنا نبيا فكيف يمكنه انيصدر عنه العلوم التي بهرت الاولين و الاخرين و هو امي لميقرأ و لميتعلم من احد و اخبر بما مضي كانه من الماضين و عما يكون كانه في الغابرين و عما سيكون كانه في اللاحقين. ثم قال عليه
«* جوامع الکلم جلد 1 صفحه 197 *»
السلم و لعنة الله علي الشيطان الذي يصد عن الحق و اهله حتي عمي اكثر الخلق عن الحق مع انه اظهر من الشمس في رابعة النهار كما قال المتنبي:
فهب اني اقول الصبح ليل | ايعمي الناظرون عن الضياء |
و لهذا لما اتاه البيان الذي القاه اليه دفعة بهت و نخر و شهق شهقة و اسلم و الحمد لله رب العالمين و صلي الله علي محمد و آله الطاهرين.
وقع الفراغ من تسويد هذه الاحرف الاحرف من العبد المسكين احمد بن زين الدين الاحسائي بعد ظهر يوم الثلاثاء السادس عشر من جمادي الاولي سنة خمس و عشرين بعد المأتين و الالف من الهجرة النبوية علي مهاجرها افضل الصلوة و ازكي السلام و الحمد لله رب العالمين و لا حول و لا قوة الا بالله العلي العظيم و صلي الله علي محمد و آله الطاهرين.
1- بسم الله الرحمن الرحيم _ قال العبد المسكين احمد بن زين الدين اني كنت في اول امري كلما رأيت شيئا او سمعته و اشتبه علي رأيت في المنام بيانه بما يطابق الواقع و الحق و الان لما كثرت علي الاشتغال و تشتت البال قل ورود ذلك الحال علي الا انه لميرتفع بالكلية و بعد ان كتبت هذه الكلمات في بيان هذا الحديث و لمنجده مسندا و انما نقل هكذا رأيت في المنام ان عندي كتابا مجلدا كبيرا في حجمه و ثخنه و كانه من تأليف المحدثين من اصحاب الائمة (ع) او من يقربون منهم و اذا في بعض استدلالاته كلمات من متن هذا الحديث و يسند روايته الي طلحة بن زيد فلما انتبهت خطر ببالي انه يجوز انه مروي من طريقين احدهما عن طلحة بن زيد عن الصادق(ع) و الاخر عن الرضا عليه السلام و يجوز ان اسناده عن الرضا عليه السلام سهو من الكاتب او الراوي و انما لميترجح عندي في خاطري اختلاف رؤياي لما اطمأنت نفسي اليه من ان ما اجد في المنام من امثال ذلك لايكاد يخالف الواقع ابدا و ان كان يجوز اختلافه في هذه المرة و الله اعلم. منه دام ظله العالي (رحمة الله عليه خ ل).